You are on page 1of 162

‫ﺷﺒﻜﺔ‬

www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مجيع حقوق الطبع‬


‫حمفوظة للناشر‬
‫وال جيوز نهائ ًيا نشر‬
‫أو اقتباس‬
‫أو اختزال‬
‫أو نقل أي جزء من‬
‫الطبعة الثانية‬ ‫الكتاب دون احلصول‬
‫‪1436‬هـ ‪2015 -‬م‬ ‫على إذن كتابي‬
‫من الناشر‬
‫رقم اإليداع‬

‫ت‪03/ 3907998 - 3901914 :‬‬


‫العنوان‪ 2 :‬شارع منشا ‪ -‬حمرم بك ‪ -‬اإلسكندرية‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

‫تأليف‬


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫‪‬‬
‫‪Y‬‬
‫رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل سيد املرسلني‪.‬‬
‫احلمد هلل ّ‬
‫وبعد‪ :‬أبنائي األعزاء لقد اهتم القرآن العظيم بقصص احليوان‬
‫سمى اهلل ‪ E‬بعض أسامء‬
‫لنأخذ منه الدروس والعرب‪ ،‬حتى ّ‬
‫السور املباركة بأسامء بعض احليوانات‪ ،‬مثل سورة البقرة‪ ،‬واألنعام‪،‬‬
‫س�مى اهلل ‪ E‬بعض أسماء‬
‫والفيل‪ ،‬بل ليس ذلك فقط‪ ،‬بل ّ‬
‫الس�ور بأسماء الطي�ور واحلشرات حتى يأخ�ذ اإلنس�ان املوعظة‬
‫وال�دروس والفوائد‪ ،‬كذلك اهتم رس�ول اهلل ‪ 0‬بقصص‬
‫احلي�وان يف الس�نة املطهرة‪ ،‬وقد ذك�ر ‪ O‬يف األحاديث‬
‫كثريا من املواقف العظيم�ة ملواقف كثرية حدثت له مع‬
‫الصحيح�ة ً‬
‫بع�ض احليوان�ات‪ ،‬وذلك فيه كثري م�ن الفوائد العظيمة لإلنس�ان‬
‫منه�ا التفكر يف عظمة اخلالق والتعلم م�ن هذه املواقف؛ ألن هناك‬
‫مواقف كثرية كانت سب ًبا يف إسالم وهداية كثري من الناس‪.‬‬
‫وه�ذا الكت�اب «قص���ص احلي���وان لألطف���ال والناش���ئة»‬
‫مجع�ت فيه بفضل اهلل قصص احليوان يف القرآن الكريم ويف الس�نة‬

‫‪n‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫املطه�رة وبعض املواق�ف العظيمة من حياة الصحاب�ة والتابعني‬
‫مع احليوانات وكل ذلك بأس�لوب س�هل ومبسط حتى ينتفع به‬
‫األبن�اء ويكون عو ًنا هلم لفهم احلكمة م�ن قصص احليوان‪ .‬هذا‬
‫واهلل أعىل وأعلم وصىل اهلل عىل نبينا ورسولنا حممد ‪.0‬‬

‫كتبه‬

‫عضو احتاد ال ُك ّتاب املسلمني‬


‫ومؤلف برابطة العامل اإلسالمي برقم (ج‪)745 /‬‬
‫حمافظة البحرية ‪ -‬حدائق كفر الدوار‬
‫‪01223840012 - 01125807887‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫بقرة بني إسرائيل‬


‫ش�اب فقير لي�س لدي�ه م�ال وال ج�اه‬
‫ٌ‬ ‫كان يف بن�ي إرسائي�ل‬
‫وال علم وال أخالق‪ ،‬وكان له عم كبري السن‪ ،‬وكان عنده مال كثري‪،‬‬
‫وكانت له ابنة مجيلة وطيبة‪.‬‬
‫وكان هذا الشاب يتمنى موت عمه لكي يرث هذا املال الكثري‬
‫ويتزوج هذه الفتاة اجلميلة‪.‬‬
‫ولك�ن عمه ع�اش زمنًا طويًل�اً وكان جيد الصح�ة والعافية‪،‬‬
‫فتعج�ل هذا الش�اب م�وت عمه من أجل أن يس�تمتع هب�ذا املال‪.‬‬
‫فأخذ يدبر جريمة قتل عمه بعد أن وس�وس له الشيطان وزين هذا‬
‫األمر‪ .‬ويف يوم من األيام بعد أن اس�تحوذ الشيطان عىل عقله ودبر‬
‫معه جريمة قتل عمه‪ ،‬وانطلق هذا الش�اب يف ليلة من الليايل وقتل‬
‫عمه وألقى بجثته أم�ام بيت أحد أقاربه‪ ،‬وجلس يبكي أمام الباب‬
‫وكأنه حزين عىل موته‪.‬‬
‫فلام م�ر الناس عليه وجدوه يبكي ويتهم أهل هذا البيت بقتل‬
‫عم�ه‪ .‬فخرج أهل البي�ت وأنكروا هذا االهت�ام‪ ،‬وذهب الناس إىل‬
‫‪n‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫نب�ي اهلل موس�ى ‪ S‬وأخبرو ُه بخرب هذا الرج�ل املقتول لعل‬


‫أن جيد هلم موس�ى حلاً ‪ .‬فقام نبي اهلل موسى ‪ S‬ومجع الناس‬
‫وق�ال هلم‪ :‬أس�ألكم باهلل م�ن الذي يعلم من قتل ه�ذا الرجل؟ ‪...‬‬
‫فلم يرد أحد‪.‬‬
‫فقال رجل لنبي اهلل موسى ‪ :S‬يا نبي اهلل اسأل ربك من‬
‫قتل هذا الرجل؟‬
‫فس�أل موس�ى ‪ S‬ربه ‪ D‬فأوحي إليه بأن يأمرهم أن‬
‫يذبحوا بقرة‪ .‬قال اهلل ‪[ :c‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ] [‪.]67 :2‬‬
‫فتعجب الناس من ذلك وظنوا أنه يستهزئ هبم‪ ،‬فقال موسى‬
‫‪[ :S‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ] [‪ :]67 :2‬أي‬
‫أعوذ باهلل أن آمركم بيشء مل خيربين اهلل به‪.‬‬
‫ولقد كان يكفيهم أن يأتوا بأ ّية بقرة فيذبحوها ولكنهم شددوا‬
‫فشدد اهلل عليهم‪.‬‬
‫فس�ألوا نبي اهلل موس�ى عن س�نها‪ ،‬فقال هلم تكون متوس�طة‬
‫العم�ر‪ ،‬ثم س�ألوه عن لوهن�ا؟ فأجاهبم بأهن�ا بقرة صفراء ش�ديدة‬

‫‪8‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫الصفرة‪ ،‬ثم ش�ددوا مرة ثالثة وقالوا‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ُ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ] [‪ .]70 :2‬فأخربه�م‬
‫بأهنا بقرة ليس�ت ُم َذ َّل َلة أو ُم َّ‬
‫عدة للحرث وال لس�قي األرض ساملة‬
‫الصفرة‪.‬‬
‫من العيوب‪ ،‬ليس فيها أي لون سوى أهنا خالصة ُّ‬
‫فلام حددها هلم هبذه الصفات‪[ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ]‬
‫[‪]71 :2‬‬

‫فأخ�ذوا يبحثون ع�ن بقرة هبذه الصفات فل�م جيدوا إال بقرة‬
‫واح�دة فقط فيها ه�ذه الصفات‪ ،‬وكان�ت هذه البقرة لش�اب يتيم‬
‫وفقري‪ .‬فأرادوا أن يشتروها منه‪ ،‬فساومهم عىل سعرها حتى باعها‬
‫هل�م بوزهنا ذه ًب�ا‪ .‬فأخ�ذوا البق�رة وذبحوه�ا وأخذوا ج�ز ًءا منها‬
‫ورضب�وا به املقتول‪ ،‬فأحي�اه اهلل وتكلم وقال‪ :‬إن ال�ذي قتلني ابن‬
‫أخي طم ًعا يف ثرويت ومايل‪.‬‬

‫ُفألق�ى القب�ض عىل القات�ل ُ‬


‫وحرم م�ن املرياث ون�ال عقوبته‬
‫بس�بب قت�ل عم�ه‪[ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ] [‪.]73 :2‬‬
‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الدروس المستفادة‬
‫‪ s‬ع�دم الطمع يف مال الناس وحس�دهم مل�ا أعطاهم اهلل من‬
‫نعمة‪.‬‬
‫‪ s‬احلذر من خطوات الشيطان‪.‬‬
‫‪ s‬القناعة بام رزقك اهلل من رزق‪.‬‬
‫‪ s‬الكذب يؤدي باإلنسان إىل املهالك‪.‬‬
‫‪ s‬املعج�زة لألنبي�اء ولي�س لغريه�م لتك�ون دليًل�اً على‬
‫رسالتهم‪.‬‬
‫كثيرا وأتعب�وه يف‬
‫ً‬ ‫‪ s‬أن بن�ي إرسائي�ل آذوا موس�ى ‪S‬‬
‫دعوهتم بكثرة جداهلم وسؤاهلم واعرتاضهم‪.‬‬
‫‪ s‬هذه الواقعة تدل عىل قدرة اهلل ‪ c‬الذي أحيا هذا القتيل‬
‫فهو ‪ n‬قادر عىل إحياء املوتى يوم القيامة‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫حمار ُ‬
‫العزير‬

‫عاش اليهود بعد موت موس�ى ‪ S‬يف فس�اد عظيم حتى‬


‫كثريا من األنبياء والرس�ل‪ ،‬كلام مات نبي أرسل اهلل‬
‫بعث اهلل إليهم ً‬
‫إليه�م نب ًّيا آخر‪ ،‬فام كان منه�م إال أن قتلوا األنبياء وعبدوا األصنام‬
‫وكذبوا وبدلوا وحرفوا وفسدوا فسا ًدا عظيماً ‪.‬‬
‫فبعث اهلل ‪ D‬عليهم َم ِلكًا من ملوك ال ُفرس وهو «بختنرص»‬
‫قتل آال ًفا من بني إرسائيل‪ ،‬واختذ منهم ً‬
‫عبيدا وخد ًما وانترش الفساد‬
‫على أيدي بختنرص وجن�وده حتى وصل الفس�اد والدمار إىل بيت‬
‫املق�دس‪ ،‬من هدم للمن�ازل وقتل لألبرياء حتى امتألت الش�وارع‬
‫باجلثث من قتىل بني إرسائيل‪.‬‬
‫وكان يف ه�ذا الزم�ان رج�ل صال�ح اس�مه « ُعزير» نش�أ عىل‬
‫التقوى والعبادة وحسن الصلة باهلل ‪ .c‬واشتهر يف بني إرسائيل‬
‫بالصالح والعلم وحسن السمعة والعبادة هلل ‪.D‬‬
‫وكان وال�ده من كب�ار األحبار والعلماء‪ ،‬وكان عزير قد تعلم‬
‫العل�م عىل يديه وتتلمذ ودرس أول معارف�ه وعلومه منه‪ .‬ويف يوم‬
‫‪n‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫م�ن األي�ام ركب ال ُعزير مح�اره وخرج م�ن البلد التي يس�كنها إىل‬
‫ٍ‬
‫بلد قريبة يكثر فيها بس�اتني الفاكهة وامل�زارع وعيون املياه اجلارية‪،‬‬
‫فجعل ينظر إىل هذه البس�اتني‪ .‬وهذه األش�جار اجلميلة وهذا املاء‬
‫العذب اجلميل‪.‬‬
‫أرضا خرب ًة‬
‫وبينما ه�و يف الطريق أصابه احلر الش�ديد فوج�د ً‬
‫م�ن خرائب وأطالل بيت املقدس‪ ،‬فدخل فيها ليس�تظل بظل أحد‬
‫ُجدراهنا‪.‬‬

‫فنزل من عىل محاره وكان معه َس� َّل ٌة فيها تني‪َ ،‬‬
‫وس� َّل ٌة فيه عنب‪.‬‬
‫فأخرج قصعة كانت معه واعترص فيها من العنب الذي كان معه‪ ،‬ثم‬
‫خبزا فألقاه يف القصعة َّ‬
‫ليبتل ليأكله ثم أسند ظهره إىل احلائط‬ ‫أخرج ً‬
‫وأخذ ينظر إىل سقف البيوت اخلربة وهي خاوية عىل عروشها وقد‬
‫أحد ‪ ..‬ورأى عظا ًما بالية فتعجب وقال‪:‬‬
‫هلك أهلها ومل يبق منهم ٌ‬
‫كيف ُيـحيى اهلل هذه القرية بعد موهتا‪.‬‬
‫وعزير مل يقل هذا الكالم وهو يشك يف قدرة اهلل ولكنه تعجب‬
‫من شدة اخلراب الذي حدث لتلك القرية‪.‬‬
‫بع�د أن رأى الدم�ار ال�ذي حول�ه‪ ،‬فالبي�وت حمطم�ة مهدمة‬
‫والس�كان هجروه�ا‪ .‬إال أن اهلل أراد أن ُيريه كي�ف ُيـحيى املوتى؟‬
‫‪12‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وكيف تعود احلياة مرة أخرى فأرس�ل اهلل إليه ملك املوت يف نفس‬
‫اللحظة وقبض روحه وأماته اهلل مائة عام‪.‬‬
‫وخ ِلق‬
‫ويف هذه الفرتة حدثت أشياء كثرية ‪ ...‬فلقد مات ُأناس ُ‬
‫ُأن�اس وتغيرت قريته والقرى املج�اورة‪ ،‬بل تغيرت معامل الكون‬
‫كله‪.‬‬
‫وعادت احلياة إىل بيت املقدس مرة ثانية بعد أن رفع اهلل عنهم‬
‫الع�ذاب والظلم ومات احلاك�م الظامل بختنصر‪ ،‬وحكم من بعده‬
‫حكام عادلون صاحلون‪.‬‬
‫ولك�ن هناك يشء مهم غادر قل�وب بني إرسائيل وهو اإليامن‬
‫ٍ‬
‫ونواه ونصائح‪.‬‬ ‫حتى أهنم نسوا التوارة وما فيها من أوامر‬
‫وبعد مرور مائة عام أرس�ل اهلل إىل ُعزير َم َل َكًا لري َّد إليه الروح‬
‫مرة أخرى‪.‬‬
‫فق�د أماته اهلل مائة ع�ام وهو ال يدري أنه مات مائة عام بل إنه‬
‫الـم َلك‪ :‬كم‬
‫جالس�ا س�أله َ‬
‫ً‬ ‫ظ َّن أنه كان نائماً ‪ ...‬ولذلك ملا اس�توى‬
‫لبثت؟‬
‫ق�ال‪ :‬لبثت يو ًم�ا أو بعض يوم ‪ ..‬وذلك ألنه نام يف أول النهار‬
‫عند الظهرية و ُبعث يف آخر النهار والشمس أوشكت عىل الغروب‪،‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فظن أنه نام ملدة مخس ساعات أو أقل من ذلك وإذا بامللك خيربه‬
‫باملفاجأة التي كاد أن ال يصدقها‪ .‬قال له امللك‪ :‬بل أنت ِم َّت مائة‬
‫ع�ام ‪ ..‬وإذا أردت أن تتأك�د م�ن هذا الكالم فانظ�ر إىل طعامك‬
‫ورشاب�ك الذي كان معك‪ ،‬فإنه مل يتغري رغم مرور س�نني طويلة‬
‫عليه وهي مائة عام‪.‬‬
‫وم�ا زال العزي�ر يظن أن�ه كان نائماً ‪ ،‬ولذل�ك مل يتغري طعامه‬
‫ورشابه فهو حتى هذه اللحظة ال يصدق أنه مات مائة عام‪.‬‬
‫ث�م ق�ال املل�ك‪ :‬إن كنت ال تص�دق فانظر إىل مح�ارك كيف‬
‫ُيـحيي�ه اهلل‪ ،‬فنظر العزير إىل محاره‪ ،‬فوج�ده مي ًتا وقد ذهب حلمه‬
‫وم�ا بقي�ت إال قليل م�ن العظام البالي�ة‪ ،‬وإذا باملل�ك ينادي عىل‬
‫عظ�ام احلامر‪ ،‬فجاءت من كل ناحية حتى أخذ امللك يركبها عىل‬
‫بعضها ‪ ...‬وعزير ينظر إليه يف عجب فبعد أن ركبت العظام عىل‬
‫بعضها‪ ،‬كُسيت باللحم‪ ،‬ونبت عليها اجللد والشعر‪ ،‬ثم نفخ فيه‪،‬‬
‫فقام احلامر وبدأ يتحرك‪ ،‬فلام رأى العزير ‪ S‬هذه املعجزات‬
‫قال‪ :‬أعلم أن اهلل عىل كل يشء قدير‪.‬‬
‫وبع�د هذا املوقف ركب العزير محاره وعاد مرس ًعا إىل قريته‬
‫وه�و ال يدري ما الذي حدث فيها خلال املائة عام التي مضت‬
‫‪14‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫أحد م�ن الناس ومل يعرف هو‬
‫فلما وصل ال ُعزي�ر إىل قريته مل يعرفه ٌ‬
‫أحدا من الناس‪ ،‬حتى شوارع قريته مل يعرفها‪ ،‬لقد تغري كل يشء‪.‬‬
‫ً‬
‫فأخ�ذ يبحث عن بيته حتى عرف�ه وطرق الباب وهو ينتظر أن‬
‫خي�رج إليه ابنه الذي تركه من�ذ مائة عام وكان عمر ابن العزير حني‬
‫تركه عرشين س�نة ‪ ،‬وكان عمر العزير وقتها أربعني س�نة ‪ ..‬و كان‬
‫لعزير َأ َمة وكان وقت تركها عمرها عرشين سنة‪.‬‬
‫الس� ِّن قد بلغ‬
‫فط�رق العزير الباب فخرج�ت إليه امرأة كبرية ِّ‬
‫عزي�را خرج منذ‬
‫ً‬ ‫عمره�ا مائة س�نة‪ ،‬فقال هلا‪ :‬أن�ا ُعزير فقالت‪ :‬إن‬
‫زم�ن بعي�د ومل يعد‪ ،‬فقال هل�ا‪ :‬أنا عزير وقد ح�دث معي كذا وكذا‬
‫عىل برصي حتى أراك‪،‬‬
‫فادع اهلل أن يرد َّ‬
‫وحك�ى هلا قصت�ه‪ .‬فقالت‪ُ :‬‬
‫زيرا عرف ُت َك‪.‬‬
‫فإن كنت ُع ً‬
‫فدعا ربه‪ ،‬ومسح بيده عىل عينيها ف َف َت ُ‬
‫حهام‪ ،‬وأخذ بيدها وقال‪:‬‬
‫ُقوم�ي بإذن اهلل‪ ،‬فأطل�ق اهلل رجلها‪ ،‬فقامت صحيحة فنظرت إليه‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬أشهد أنك ُعزير‪.‬‬
‫فانطلقت معه إىل املجلس الذي جيتمع فيه أهل القرية ‪ ...‬فإذا‬
‫ب ُعزي�ر يرى ابنه ال�ذي كان قد تركه منذ مائة عام وهو ابن العرشين‬

‫‪n‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫‪ ...‬ي�راه اآلن وق�د بل�غ م�ن العمر مائ�ة وعرشين س�نة ‪ ...‬و ُعزير‬
‫ما زال يف س ِّن األربعني فأصبح ابن ُه أكرب منه بثامنني سنة!!!‬
‫فقالت هلم هذه املرأة‪ :‬هذا ُعزير قد جاءكم‪.‬‬
‫زيرا‬
‫فكذهب�ا الناس وقالوا‪ :‬كيف ذلك وقد حدثن�ا آباؤنا أن ُع ً‬
‫قد مات منذ مائة سنة بأرض بابل‪.‬‬
‫فقال�ت أن�ا موالتك�م فالنة‪ ،‬دع�ا العزي�ر ربه يل ف�رد اهلل عيل‬
‫برصي وأطلق رجيل‪ ،‬وقال يل إن اهلل قد أماته مائة سنة‪ ،‬ثم بعثه فقام‬
‫الناس‪ ،‬فأقبلوا إليه‪ ،‬فنظر إليه ابنه‪ ،‬وقال‪ :‬كانت أليب ش�ام ٌة سوداء‬
‫بني كتفيه‪ ،‬فكش�ف عن كتفيه‪ ،‬فإذا هو ُعزير! ففرح الناس من بني‬
‫زيرا كان حيفظ التوراة‪ ،‬وعندما غاب‬
‫ش�ديدا؛ ألن ُع ً‬
‫ً‬ ‫فرحا‬
‫إرسائيل ً‬
‫مائة س�نة عنهم‪ ،‬قام «بختنرص» بتحريف التوراة‪ ،‬فلم يبق منها أي‬
‫يشء إال ما حيفظه بعض الرجال‪.‬‬
‫فق�ام العزي�ر ومع�ه رجال كثيرون ووصلوا إىل امل�كان الذي‬
‫دفنت فيه الت�وراة وأخرجوها‪ ،‬وأعاد ال ُعزي�ر كتابة التوراة وعاش‬
‫مع قومه يف خري وسعادة ودعوة إىل اهلل حتى مات ورحل عن هذه‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الدروس المستفادة من القصة‬


‫‪ s‬أن اهلل على كل يشء قدي�ر فهو الذي حييى ويميت ويرزق‬
‫ويملك هذا الكون كله‪.‬‬
‫‪ s‬ويف هذه القصة دليل عىل البعث يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ s‬وأن اهلل ينرص احلق مهام طالت األعوام‪.‬‬
‫‪ s‬وأن مصري الظاملني اهلالك مهام طال الوقت‪.‬‬
‫‪ s‬ويف قصة العزير دليل عىل املعجزة فقد رجع البرص للمرأة‬
‫بقدرة اهلل ‪.c‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫القردة «أصحاب السبت»‬


‫وه�ا هي قصة من قصص بن�ي إرسائيل العجيبة ‪ ..‬وهي قصة‬
‫أصح�اب الس�بت الذي�ن مس�خهم اهلل إىل قردة بس�بب معصيتهم‬
‫و ُمـخالفتهم ألمر اهلل ‪.C‬‬
‫قال ‪[ :c‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ] [‪.]65 - 63 :2‬‬
‫كان م�ن تعالي�م نب�ي اهلل موس�ى ‪ S‬أن يتف�رغ قوم�ه‬
‫بن�و إرسائي�ل عن أعامهلم يو ًما من كل أس�بوع فلا يعملون فيه أي‬
‫عم�ل من أعمال الدنيا بل ُيفرغون أنفس�هم لعب�ادة اهلل ‪... C‬‬
‫وكان ذلك اليوم هو يوم السبت‪.‬‬
‫وم�رت األي�ام ‪ ..‬وم�ا زال بنو إرسائيل عىل عادهتم يقدس�ون‬
‫وم�رت أجيال‬
‫يوم الس�بت ويتفرغ�ون فيه لعب�ادة اهلل ‪َّ .... C‬‬
‫والتقرب‬
‫ُّ‬ ‫وراء أجيال وما زالوا مجي ًعا يقدسون يوم السبت بالعبادة‬
‫إىل اهلل ‪.C‬‬
‫‪18‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ويف قرية من قراهم عىل ش�اطئ البحر األمحر ُيقال هلا َأ ْي َلة كان‬
‫يس�كن قوم من سلالة بني إرسائيل يف زم�ن داود ‪ ،S‬وكان‬
‫عليهم أن يلتزموا ُس�نَّة آبائهم و أجدادهم‪ ،‬فيسيروا عىل عبادة اهلل‬
‫يف يوم الس�بت‪ ،‬فكانوا ال يزاولون في�ه عملاً من أعامل دنياهم من‬
‫صيد‪ ،‬أو متاجرة‪ ،‬أو صناعة‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫وكانوا يعيشون عىل صيد األسامك واحليتان ‪...‬‬


‫فكانت األسماك واحليتان تغيب طوال األسبوع وال تظهر إال‬
‫حرم اهلل فيه الصيد عىل بني إرسائيل ‪ ..‬وكان‬
‫يف يوم الس�بت الذي َّ‬
‫ذلك فتنة هلم وامتحا ًنا من اهلل لصربهم وإيامهنم‪.‬‬
‫لكن أكثرهم فشلوا يف هذا االختبار وخالفوا أمر اهلل ‪.C‬‬
‫فلقد وسوس الشيطان يف نفوس طائفة من أهل القرية‪ ،‬وزين‬
‫هلم اصطياد األسامك‪.‬‬
‫ولكن كيف يتحايلون عىل أمر اهلل؟‬
‫هداهم شيطاهنم إىل حيلة شيطانية ماكرة‪.‬‬
‫وأرشدهم إىل طريقة اصطادوا هبا األسامك يوم السبت!‬
‫لق�د احتالوا عىل اصطيادها يف يوم الس�بت ب�أن نصبوا احلبال‬
‫أعدوها‬
‫الـحفر التي جيري معها املاء إىل مصائد قد ُّ‬ ‫ِّ‬
‫والشباك وحفروا ُ‬
‫‪n‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫إذا دخلها الس�مك‪ ،‬ال يس�تطيع أن خيرج منه�ا ‪ ...‬ففعلوا ذلك يف‬
‫يوم اجلمعة فإذا جاءت احليتان مسرتس�لة يوم السبت‪ُ ،‬ع ِّلقت هبذه‬
‫املصايد فإذا خرج يوم السبت وجاء يوم األحد أخذوها‪.‬‬
‫كثريا بال تعب وال عناء‪.‬‬
‫لقد أقبلوا عىل الصيد‪ ،‬فاصطادوا ً‬
‫ومش�وي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ث�م صنع�وا به ما ش�اؤوا‪ ،‬وما اش�تهوا من مطبوخ‬
‫ويملؤ َ‬
‫ون بطوهنم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وأقبلوا ُيشبعون هنمهم‪،‬‬
‫َع ِل َم املتقون منهم بام فعل هؤالء ال ُف َّساق املستهرتون؛ فخرجوا‬
‫استهتارا وإمعا ًنا‬
‫ً‬ ‫إليهم ووعظوهم‪َّ ،‬‬
‫وحذروهم‪ ،‬فام زادهم ذلك إال‬
‫يف غ ِّيهم‪ ،‬وانسيا ًقا يف ضالهلم ‪ ...‬فثارت ثائرة املؤمنني‪ ،‬وحارصوا‬
‫القري�ة بسلاحهم‪ ،‬يمنع�ون ه�ؤالء املارقين م�ن دخوهل�ا؛ ألهنم‬
‫خارجون عن طاعة اهلل آثمون فاسقون‪.‬‬
‫وش�ق عليهم أن يمتنعوا عن الصيد‬
‫َّ‬ ‫اش�تد ذلك عىل ال ُف َّساق‪،‬‬
‫يف ي�وم الس�بت؛ مع كثرة احليتان فيه‪ ،‬دون غيره من األيام‪ ،‬فقالوا‬
‫للمؤمنين منهم‪ :‬إن القرية لنا ولك�م‪ ،‬وال َح َّق لكم يف دفعنا عنها‪،‬‬
‫واالنف�راد هب�ا دونن�ا‪ ،‬وال أح�د ُيلزمنا برتكه�ا لكم‪ ،‬إهن�ا موطننا‪،‬‬
‫مف�ر لنا إىل غريها‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫وحمط رزقنا‪ ،‬ال س�بيل إىل تركها‪ ،‬وال َّ‬ ‫وموئلن�ا‪،‬‬

‫‪20‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فإن صممتم عىل رأيكم‪ ،‬فل ُتقاس�مونا القرية‪ ،‬و ْلنَ ْب ِن حيطا ًنا بيننا‬
‫ْ‬
‫وبينكم؛ حتى يعيش ك ٌُّل منَّا عىل ما يشتهي وكام يريد‪.‬‬
‫س�دا‬
‫ارتضى املؤمن�ون أن يقاس�موهم القري�ة‪ ،‬وأن يقيموا ًّ‬
‫حيجب عنهم هؤالء ال ُعصاة املخالفني ألمر اهلل ‪.C‬‬
‫ُ‬
‫وش�غل الفس�اق بلهوه�م وصيدهم‪،‬‬ ‫انف�ردت كل طائف�ة‪ُ ،‬‬
‫وحف�روا نهُ َْي�رْ ات تصل البح�ر بقريتهم‪ ،‬فإذا كانت ليلة الس�بت‬
‫سارت احليتان فيها إىل أبواب ُدورهم‪ ،‬فإذا غربت شمس السبت‪،‬‬
‫مهت احليتان بالرجوع حجزوها بسدود أقاموها تعرتض جمرى‬ ‫و َّ‬
‫الن َُّهيرْ ات؛ فال متلك احليتان أن تترسب إىل البحر‪.‬‬
‫اس�تمر هؤالء ال ُفس�اق يف هلوهم وخمالفتهم ألمر اهلل ‪C‬‬
‫ٍ‬
‫خوف أو إحس�اس‬ ‫وكث�رت أمواهل�م وجه�روا بمعصيتهم دون‬
‫بالذنب‪.‬‬
‫���رف الفري���ق املعتدي إىل‬
‫وانقس���م أه���ل القرية إزاء تص ُّ‬
‫الدعاة‪ ،‬قاموا بواجبهم يف‬
‫فريقني‪ :‬الفريق األول‪ :‬هم الصاحلون ُّ‬
‫الدعوة‪ ،‬وأنكروا عىل املتحايلني عىل أوامر اهلل حتايلهم وعدواهنم‬
‫وصيدهم يوم السبت‪.‬‬
‫الفريق الثاني‪ :‬هم الساكتون‪ ،‬سكتوا عىل ُعدوان املعتدين‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫الدع�اة‪ ،‬بحجة أنه‬
‫وتوجه�وا باللوم واإلن�كار عىل الصاحلني ُّ‬
‫ال فائدة من ُنصح ووعظ قوم هالكني ُم َّ‬
‫عذبني‪.‬‬
‫أج�اب املصلحون عىل الالئمني الس�اكتني‪ ،‬بأهنم هيدفون من‬
‫اإلنكار إىل‪ :‬اإلعذار أمام اهلل وأداء الواجب‪ ،‬ثم َّ‬
‫لعل القوم املعتدين‬
‫يتقون‪.‬‬
‫فلام ازداد إرصار هؤالء الفاسقني عىل خمالفتهم ألمر اهلل ‪،C‬‬
‫قام فريق من أهل القرية ينهون املعتدين عن السوء والعدوان‪.‬‬
‫وقالوا هلم‪ :‬ال نبيت معكم الليلة يف القرية‪.‬‬
‫فخرجوا منها‪ ،‬وباتوا عىل مشارفها‪.‬‬
‫ويف الصب�اح‪ :‬نظ�روا إىل أه�ل القري�ة املعتدي�ن والس�اكتني‪،‬‬
‫فل�م خيرج منهم أح�د‪ ،‬ومل ُيفتح هلم بيت‪ ،‬فتعجب�وا‪ .‬وبعثوا رجلاً‬
‫منه�م يس�تطلع اخلرب‪ ،‬فنظ�ر يف دار ف�إذا أهلها ق�ردة‪ ،‬ونظر يف دار‬
‫أخرى فإذا مجيع أهلها قردة‪ .‬وهكذا باقي البيوت!‬
‫فرج�ع إىل مجاعت�ه فأخربهم‪ ،‬فجاؤوا وفتح�وا األبواب‪ ،‬وإذا‬
‫مجيع أهلها قردة! فجعل الرجل منهم يومئ إىل القرد‪ :‬أأنت فالن؟‬
‫فيومئ القرد برأسه‪ :‬أن نعم وهو يبكي‪.‬‬
‫فقالوا هلم‪ :‬لقد حذرناكم!‬

‫‪22‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وفتحوا األبواب‪ ،‬فخرجوا وانطلقوا إىل الربية وماتوا‪.‬‬
‫وهك�ذا تك�ون دائًم�اً النهاي�ة املؤمل�ة لكل م�ن خال�ف أمر اهلل‬
‫‪.C‬‬
‫بين ابتالء اليهود وابتالء المسلمين‬
‫أن فري ًقا منهم حتايلوا وارتكبوا‬
‫رأينا من ابتالء اهلل لليهود كيف َّ‬
‫وأن فري ًقا منهم سكتوا عن النُّصح واإلنكار‪.‬‬
‫املحظور‪َّ .‬‬
‫معظ�م اليه�ود ‪ -‬قب�ل اإلسلام ‪ -‬ال ينجح�ون يف االمتحان‬
‫وال يثبتون يف االبتالء‪.‬‬
‫أم���ا املس���لمون‪ :‬فإهن�م يلتزم�ون بأوام�ر اهلل‪ ،‬وينجح�ون يف‬
‫االبتالء‪.‬‬
‫بالتحول عن بيت املقدس إىل املس�جد احلرام‬
‫ُّ‬ ‫‪ -1‬ابتاله�م اهلل‬
‫يف الصالة‪ ،‬وج َع َ�ل القبلة اجلديدة هي الكعبة‪ .‬وبينَّ القرآن حكمة‬
‫ه�ذا التحويل بقوله‪[ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ] [‪.]143 :2‬‬
‫ونجح املؤمن�ون يف االبتالء‪ ،‬ونفذوا التكلي�ف الر َّباين بالتزا ٍم‬
‫فوري دقيق‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫‪ -2‬ويف موض�وع احل�ج والصي�د اإلحرام هنى اهلل املس�لمني‬
‫ع�ن الصي�د يف احلرم وه�م ُمـحرم�ون‪ ،‬وبينَّ هلم احلكم�ة من هذا‬
‫التكليف‪ .‬قال ‪[ :c‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ]‬
‫[‪]94 :8‬‬

‫ال جي�وز للمس�لمني وه�م ُمـحرم�ون باحل�ج أو العم�رة أن‬


‫ج�دا منهم‪ ،‬تنال�ه أيدهيم‬
‫يصط�ادوا‪ ،‬ول�و كان ه�ذا الصي�د قري ًب�ا ًّ‬
‫ورماحهم‪.‬‬
‫ابتىل اهلل اليهود بمنعهم من الصيد يوم الس�بت‪ ،‬فتحايلوا عىل‬
‫األمر وارتكبوا املحظ�ور! وابتىل اهلل املؤمنني بمنعهم من صيد الرب‬
‫باحل�ج أو العم�رة [ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ِّ‬ ‫ـحرم�ون‬‫وه�م ُم ِ‬
‫ﭠ] [‪.]96 :8‬‬
‫َّ‬
‫شتان ما بني املوقفني‪ :‬حتا ُيل اليهود‪ ،‬والتزام املؤمنني‪:‬‬
‫اإلغراء باملخالفة قائم يف احلالتني‪:‬‬
‫فعند اليه�ود‪[ :‬ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠ ﯡ ﯢ] [‪.]163 :C‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫جدا منه�م ويف متناول أيدهيم‬
‫وعن�د املس�لمني‪ ،‬الصيد قريب ًّ‬
‫ورماحهم‪[ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ] [‪.]94 :8‬‬
‫لكن سقط اليهود يف االمتحان‪ ،‬بينام نجح فيه املسلمون!‬
‫ومتردهم عىل أوامر اهلل‪:‬‬
‫الس�بب يف سقوط اليهود هو فس�قهم ُّ‬
‫[ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ] [‪.]163 :C‬‬
‫والس�بب يف نجاح املؤمنني هو أهنم خيافون اهلل بالغيب [ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ] [‪.]94 :8‬‬
‫الدعاة‬
‫نجاة ُّ‬
‫قال ‪[ :c‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ]‬
‫[‪]165 :C‬‬
‫لـَّم�اَّ َّ‬
‫حل ع�ذاب اهلل بأهل القرية‪ ،‬أنج�ى اهلل الذين ينهون عن‬
‫الـمصلحني‪.‬‬‫السوء‪ ،‬وهم فريق الدعاة الناصحني ُ‬
‫وه�ذا يوح�ي لن�ا بوج�وب الدع�وة إىل اهلل‪ ،‬و ُنص�ح األم�ة‬
‫وتذكريه�ا‪ .‬فالقيام هبذا الواجب ه�و وحده طريق نجاة الدعاة من‬
‫العذاب عندما حيل بالعصاة‪.‬‬
‫ص�دق ه�ذا ق�ول اهلل ‪[ :c‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫و ُي ِّ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ‬
‫‪n‬‬ ‫‪25‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ] [‪.]117 - 116 :K‬‬
‫الدعاة أن‬
‫عندم�ا َت ُع ُّم املعايص واملنك�رات يف األمة‪ ،‬جيب عىل ُّ‬
‫الـمنكر والفس�اد‬
‫يقوم�وا بواج�ب النُّصح والتذكير‪ ،‬والنهي عن ُ‬
‫لينجوا من عذاب اهلل‪ ،‬فهو وحده سبيل النجاة والفوز‪.‬‬
‫لماذا ُم ِسخ المعتدون قردة؟‬
‫قال ‪[ :c‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ]‬
‫[‪]166 :C‬‬

‫ظلم املعتدون أنفسهم‪ ،‬وعتوا عن ما نهُ وا عنه‪ ،‬ومتردوا عىل دين‬


‫اهلل‪ ،‬ورفض�وا االلتزام برشعه‪ ،‬وطغوا وبغوا‪ ،‬و َل ُّ‬
‫ـجوا يف طغياهنم‪،‬‬
‫واستمروا يف عدواهنم‪.‬‬
‫وه�م بذل�ك ق�د اس�تحقوا ع�ذاب اهلل‪ ،‬واس�تقدموا نقمت�ه‪،‬‬
‫واستعجلوا عقوبته‪.‬‬
‫لق�د ح َّقت عليهم س�نة اهلل‪ ،‬ووق�ع هبم عذاب�ه‪ ،‬وكان عذاب‬
‫بئيس�ا [ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ش�ديدا أليماً ً‬
‫ً‬ ‫اهلل ألولئك املعتدين‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ] [‪ .]165 :C‬كما كان ع�ذاب اهلل هل�م‬

‫‪26‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وحوهلم من صورهتم‬
‫متميزا‪ ،‬حيث مسخهم قردة خاسئني‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫فريدا‬
‫ً‬
‫البرشية إىل صورة حيوانية حقيقية‪ ،‬فصاروا قردة حقيقيني‪.‬‬
‫إن اهلل ع�ادل عندم�ا مس�خهم ق�ردة أذلاَّ ء صاغري�ن؛ ألهنم‬
‫ومت�ردوا عىل أوام�ره ‪ ...‬وم�ن العدالة‬
‫اعت�دوا على أح�كام اهلل‪َّ .‬‬
‫الر َّبانية أن جيزي املحس�ن بإحس�انه‪ ،‬وأن جيازي امليسء بإساءته‪،‬‬
‫ويعاقب املعتدي بعدوانه‪.‬‬
‫وإن اهلل حكيم بمسخهم قردة!‬
‫َّ‬
‫ولع�ل احلكم�ة م�ن ه�ذا املس�خ‪ ،‬ه�ي‪ :‬أن اهلل يري�د هلم أن‬
‫ناس�ا حقيقيني‪ ،‬وأن يامرس�وا‬‫برشا آدميني‪ ،‬وأن يعيش�وا ُأ ً‬
‫يكونوا ً‬
‫إنسانيتهم عىل أحسن ما تكون‪ .‬ولكنهم عندما متردوا عىل أحكام‬
‫اهلل‪ ،‬رفض�وا ه�ذا التكريم الرباين‪ ،‬وبذلك تنازلوا عن إنس�انيتهم‬
‫وكرامته�م‪ ،‬فص�اروا إىل الص�ورة احليواني�ة املعنوية‪ ،‬فمس�خهم‬
‫وحوهلم إىل حيوانات حقيقية‪ .‬وهذا من باب التناس�ق‬
‫اهلل ق�ردة‪َّ ،‬‬
‫والتنسيق بني الصورة املعنوية والصورة احلسية!‬
‫كرمني‪ ،‬وأن يعيش�وا‬
‫بشرا ُم َّ‬
‫إن اهلل يري�د للبشر أن يكون�وا ً‬
‫إنس�انيتهم وآدميته�م‪ ،‬وأن يتمي�زوا على احليوان�ات والبهائ�م‪.‬‬
‫فك َّلفهم بالتكاليف الرشعية‪ ،‬وطلب منهم االلتزام بأمانة التكليف‬
‫‪n‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫[ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ] [‪.]72 :2‬‬
‫طمس‬
‫ٌ‬ ‫والتمرد عىل أحكامه‪ ،‬فإنه‬
‫ُّ‬ ‫أ َّما االعتداء عىل رشيعة اهلل‪،‬‬
‫للمعاين اإلنس�انية عنده وقضاء عليها‪ .‬ويف هذا يرتاجع اإلنسان إىل‬
‫ّ‬
‫وينحط عن املنزلة الس�امية التي طالبه اهلل أن‬ ‫ٍ‬
‫مرحلة ُدنيا ال تليق به‪،‬‬
‫يرتفع إليها ‪ ...‬إىل املنزلة احليوانية اهلابطة التي ال تليق به‪.‬‬
‫فإذا ما وجدنا إنسا ًنا معتديا ظا ًملا فاس ًقا‪ ،‬فإنه متنازل عن املعاين‬
‫اإلنس�انية إىل املعاين احليوانية‪ .‬ويكون هذا اإلنسان حيواين النفس‬
‫والشعور واألخالق‪ ،‬وإن كان برشي املالمح والسامت واملظاهر!‬
‫لق�د كان املعت�دون املتم�ردون من أصحاب القري�ة‪ ،‬قردة من‬
‫الناحي�ة املعنوي�ة والش�عورية‪ ،‬كانوا ق�ردة بنفوس�هم وتصوراهتم‬
‫وأخالقهم‪ ،‬وليس هلم من البرشية إال املالمح اخلارجية يف األجساد‬
‫واحلواس واألصوات!‬
‫فجاء مس�خ اهلل هلم قردة تنسي ًقا بني احلقيقة والصورة! ‪ -‬واهلل‬
‫أعلم ‪.(((-‬‬

‫(‪ )1‬قصص السابقني (‪ )249 - 246‬بترصف‪.‬‬


‫‪28‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الدروس المستفادة‬
‫‪ s‬أن املس�لم ال ينبغ�ي أن ينش�غل دائًم�اً بالس�عي وراء الدنيا‬
‫وش�هواهتا بل جيب عليه أن ُيفرغ وق ًتا للعبادة حتى يبارك اهلل له يف‬
‫رزقه وأوالده وحتى يفوز يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪ s‬أن العب�د الب�د أن يمتثل أمر اهلل ‪ C‬بالس�مع والطاعة‬
‫أبدا من أجل أن هيرب من تنفيذ أوامره‪.‬‬
‫وال يتحايل ً‬
‫‪ s‬أن اهلل ُيميل للعبد إذا عصاه وخالف أمره ‪ ...‬ويعطيه فرصة‬
‫وثانية حتى إذا استمر العبد يف خمالفته أخذه اهلل أخذ ٍ‬
‫عزيز مقتدر‪.‬‬
‫‪ s‬أن اهلل عىل كل يشء قدير ‪ ..‬فقد رأينا كيف أن هؤالء القوم‬
‫الذين خالفوا أمر اهلل وحتايلوا عليه ‪ ..‬جعلهم اهلل قردة خاسئني‪.‬‬
‫‪ s‬أن َمن زعم أن اإلنس�ان أصل�ه قرد فهو كاذب وذلك ألن‬
‫اهلل مل جيع�ل ألي ُأ ّمة ممس�وخة نسًل�اً ‪ ...‬ولك�ن الصحيح أن أصل‬
‫اإلنسان هو أبو البرش آدم ‪.S‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫كبش إسماعيل ‪S‬‬


‫ملا بع�ث اهلل ‪ D‬خليل�ه إبراهيم ‪ S‬ليدع�و الناس إىل‬
‫اإلسلام واإليمان واحلنيفية الس�محة مل يؤمن معه س�وى زوجته‬
‫س�ارة واب�ن أخيه ل�وط ‪ ... S‬ومع ذلك ظ�ل إبراهيم يدعو‬
‫الن�اس من حول�ه ومل َيفترُ حلظة واحدة عن واج�ب الدعوة إىل اهلل‬
‫وصرب على األذى واالبتالء ‪ ..‬وعندما تأكد من إعراض قومه عن‬
‫دعوت�ه هاج�ر من بلاد بابل بالع�راق إىل بالد الش�ام‪ ،‬وظل يدعو‬
‫الناس من حوله إىل اإليامن والتوحيد‪.‬‬

‫هجرته ‪ S‬إلى أرض مصر‬


‫لق�د اس�تمر إبراهي�م ‪ S‬يف دعوته املبارك�ة ‪ ..‬فلام وجد‬
‫قل�وب الق�وم ُمغ َلق�ة ال تس�تقبل اخلير وال تريد أن ُتقب�ل عىل اهلل‬
‫‪ C‬ق�رر إبراهيم ‪ S‬اهلجرة إىل أرض مرص لعله جيد قلو ًبا‬
‫تستجيب لدعوته وترجع إىل اخلالق ‪.C‬‬
‫خ�رج إبراهي�م ‪ S‬ومعه زوجته س�ارة وكانت من أمجل‬
‫نس�اء األرض فلام وصال إىل مرص وصل�ت األخبار إىل ملك مرص‬
‫أن رجًل�اً وص�ل إىل مرص ومعه امرأة هي أمجل نس�اء أهل األرض‬
‫‪30‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فطم�ع املل�ك أن يفوز هبا لنفس�ه وكان هذا امللك الظ�امل قد وضع‬
‫قانو ًن�ا لنفس�ه وه�و أنه جي�وز له أن يأخ�ذ املرأة من زوجه�ا ويقتل‬
‫زوجها ولكن ال جيوز له أن يأخذ املرأة من أخيها أو أبيها‪.‬‬
‫فجاء الوحي إىل إبراهيم ‪ S‬خيربه بذلك ‪ ..‬فقال لسارة‪:‬‬
‫إن س�ألك املل�ك فقويل له أن�ك أختي فام عىل ه�ذه األرض مؤمن‬
‫غريي وغريك‪.‬‬
‫وأرس�ل امللك جن�وده ليأت�وا إليه بس�ارة وأمرهم أن يس�ألوا‬
‫إبراهيم ‪ S‬عنها فإن كان زوجها فاقتلوه ‪ ..‬فلام سألوا إبراهيم‬
‫ق�ال هلم‪ :‬إهن�ا أخت�ي ‪ ...‬وكان يقصد بذلك أهنا أخته يف اإلسلام‬
‫ألنه مل يكن هناك أزواج عىل اإلسلام يف األرض كلها إال إبراهيم‬
‫وسارة‪.‬‬
‫ملا عرفت السيدة سارة أن ملك مرص فاجر ويريدها له أخذت‬
‫تدع�و اهلل قائل�ة‪ :‬الله�م إن كن�ت تعل�م أين آمنت بك وبرس�ولك‬
‫ِ‬
‫وأحصنت َف ْرجي إال عىل زوجي فال ُتس ِّلط َّ‬
‫عىل الكافر‪.‬‬
‫فلما أدخله�ا اجلنود عليه وانرصفوا قام ه�ذا امللك الظامل يريد‬
‫أن يلمس�ها ُفأصيبت يده بالش�لل وجتمدت يف مكاهنا فأخذ يرصخ‬

‫‪n‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وس�مع اجلنود صوت صرُ اخه وجاءوا ل ُينقذوه لكنهم مل يستطيعوا‬
‫أن يفعلوا أي يشء‪.‬‬
‫هنا خافت س�ارة من اجلنود أن يقتلوها بسبب ما فعلته بامللك‬
‫فقالت‪ :‬يا رب َأذهب عنه الشلل حتى ال يقتلوين بسببه ‪ ..‬فاستجاب‬
‫اهلل لدعائها‪.‬‬
‫لكن مع ذلك مل َي ُتب هذا امللك الظامل و َيعترب بام حدث له فقام‬
‫وهج�م عليها مرة أخ�رى ُفأصيبت يده بالش�لل ‪ ..‬فقال هلا امللك‪:‬‬
‫ُفكِّيني ولن أقرتب منك ‪ ..‬فدعت له ففكَّه اهلل ‪.C‬‬
‫ولك�ن امللك عاد للم�رة الثالثة ُفأصيبت يده بالش�لل فقال هلا‬
‫امللك ُفكِّيني وسوف ُأطلق رساحك وأكرمك‪.‬‬
‫فدعت اهلل ‪ D‬ففكَّه‪.‬‬
‫فرصخ امللك يف جنوده وأعوانه وقال هلم‪ :‬أبعدوها عني فإنكم‬
‫ٍ‬
‫بإنسان بل أتيتموين بشيطان‪.‬‬ ‫مل تأتوين‬
‫فأطلقها وأعطاها َأمة اسمها هاجر ‪ ..‬فعادت سارة إىل زوجها‬
‫إبراهيم ‪ S‬ساملة غانمة‪.‬‬

‫‪32‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫العودة إلى أرض فلسطين‬


‫وع�اد إبراهيم ‪ S‬وزوجه س�ارة ‪ -‬ومعهما هاجر ‪ -‬إىل‬
‫أرض فلس�طني واس�تقروا مجي ًع�ا يف بيت املق�دس ‪ ..‬تلك األرض‬
‫التي بارك اهلل حوهلا‪.‬‬
‫لقد اس�تقر إبراهيم ‪ -‬كام أس�لفنا ‪ -‬يف أرض فلسطني واشتاق‬
‫حلا‪.‬‬
‫ولدا صا ً‬
‫بعد هذا العمر الطويل إىل أن يرزقه اهلل ً‬
‫عاد إبراهيم ‪ S‬من مرص إىل فلسطني‪ ،‬وعادت معه سارة‬
‫يف صحبتها هاجر املرصية ختدمها‪ ،‬وختدم زوجها خليل الرمحن‪.‬‬
‫كانت سارة تنظر إىل نفسها وإىل زوجها نظرة إشفاق ‪ ..‬كانت‬
‫تقر به أعيننا‪.‬‬
‫ولدا ُّ‬
‫ُتـحدث نفسها قائلة‪ :‬ليت لنا ً‬
‫وكانت س�ارة ال َت ِلد‪ ،‬فلام رأت س�ارة ذلك أح َّبت أن تعرض‬
‫هاجر عىل إبراهيم‪ ،‬فكان يمنعها غريهتا‪.‬‬
‫ويبدو أن س�ارة يف حلظ�ة من حلظات الصف�اء الروحي آثرت‬
‫زوجها عىل نفسها‪ ،‬و َتـمنَّت أن يكون له ولد‪ ،‬فهي تدرك أهنا عاقر‬
‫عىل حكيم‪..‬‬
‫ال تنجب ‪ ..‬تلك مشيئة اهلل‪ ،‬إنه ٌّ‬

‫‪n‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫هاجر ‪ ..‬تلك املرأة املرصية التي‬
‫ويف ُس ُبحات روحية تذكرت َ‬
‫تعيش معهام‪ ،‬وقد آمنت بدعوة إبراهيم‪ ،‬وأسلمت وجهها هلل فاطر‬
‫السموات واألرض‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صف�اء إيامين‪ ،‬قالت س�ارة إلبراهي�م وقد رشح اهلل‬ ‫ويف حلظ�ة‬
‫صدره�ا لتل�ك الفكرة‪ :‬ي�ا خليل الرمح�ن‪ ،‬هذه هاج�ر‪ ،‬أهبها لك‬
‫عسى أن يرزقنا اهلل منها ذرية‪.‬‬

‫والدة إسماعيل ‪S‬‬


‫تذكَّ�ر إبراهي�م ‪ S‬ما وعده رب�ه أن يهَ َب ل�ه ذرية طيبة‪،‬‬
‫وكان وعد اهلل مأت ًّيا‪..‬‬
‫واف�ق إبراهيم ‪ S‬عىل الزواج من هاجر ‪ ..‬وحتقق الوعد‬
‫اإلهلي احلق ‪ ..‬ومحلت هاجر‪..‬‬
‫اقترب موعد والدهتا ‪ ..‬فولدت غال ًما س�و ًّيا زك ًّيا ‪ ..‬أس�موه‬
‫إسامعيل‪.‬‬
‫وهن�ا حترك�ت الغيرة يف قلب س�ارة وظنَّت أن هاج�ر وابنها‬
‫إسماعيل س�يحتالن املكان�ة الكبرى يف قل�ب خلي�ل اهلل إبراهيم‬
‫‪ ..S‬وأهن�ا س�تفقد مكانته�ا يف قلب�ه عاجًل�اً أو آجًل�اً ‪...‬‬

‫‪34‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فما كان منه�ا إال أن طلب�ت م�ن إبراهي�م ‪ S‬أن يأخذ هاجر‬
‫ٍ‬
‫مكان بعيد‪.‬‬ ‫وابنها إسامعيل إىل‬
‫أوح�ي اهلل ‪ D‬إىل إبراهي�م ‪ S‬أن ُخ�ذ هاج�ر وابنه�ا‬
‫إسماعيل‪ ،‬واخرج إىل األرض املباركة ‪ ...‬تلك البقعة التي أراد اهلل‬
‫أن يبارك فيها للعاملني «مكة»‪ ،‬أم القرى‪..‬‬
‫أمره اهلل ‪ c‬أن ينقلها إىل مكة‪ ،‬و ُأيت بالبرُ اق‪ ،‬فركب عليه هو‬
‫وهاجر والطفل‪.‬‬
‫ن�زل خليل الرمحن وهاجر وإسماعيل ٍ‬
‫بواد غير ذي زرع‪... ،‬‬
‫ال ماء وال شجر‪ ،‬وال ظل وال حياة‪.‬‬
‫نظ�ر إبراهي�م ‪ S‬إىل زوجه هاج�ر وابنه إسماعيل نظرة‬
‫فيه�ا مع�اين الرأفة كلها ‪ ..‬ولكنه راجع من حيث أيت ‪ ...‬إنه أمر اهلل‬
‫لـحكمه‪.‬‬
‫فال را َّد ُ‬
‫ثم رجع إبراهيم إىل أهله‪ ،‬فاتبعته أم إسامعيل ونادته من ورائه‪:‬‬
‫يا إبراهيم إىل َمن ترتكنا؟‬
‫قال‪ :‬إىل اهلل‪.‬‬
‫قالت‪ :‬رضيت باهلل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫وهك�ذا كان قلبها قد امتأل ثقة ويقينً�ا وتو ُّكلاً عىل اهلل ‪.D‬‬
‫فهي تعلم أن اهلل ال ُيضيع َمن استجاب ألمره وعاش عىل طاعته‪.‬‬

‫دعوة مباركة‬
‫فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث ال يرونه استقبل‬
‫بوجه�ه البي�ت ث�م دعا هب�ؤالء الكلامت ورف�ع يديه فق�ال‪[ :‬ﮃ‬
‫ﮄ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ] [‪.]37 :Q‬‬

‫امتثال لقضاء اهلل ‪C‬‬


‫لق�د امتثلت هاجر للقضاء املحت�وم‪ ،‬وحت َّلت بالصرب اجلميل‪،‬‬
‫ومكثت تأكل من الزاد‪ ،‬وترشب من املاء‪ ،‬حتى نفدا؛ فخوى بطنها‪،‬‬
‫جف ثدهيا‪ ،‬وأصبحت ال جتد‬
‫واحتملت ذلك صابرة‪ ،‬ومل َتل َبث أن َّ‬
‫لبنًا ُترضعه الطفل‪.‬‬
‫ـخرجا‪ ،‬فرتكته مكانه‪ ،‬وسارت‬
‫ً‬ ‫حاولت أن جتد هلا من مأزقها َم‬
‫هائم�ة على وجهها‪ ،‬تع�دو وتهُ رول‪ ،‬وق�د أحزهنا ب�كاؤه ونحيبه‪،‬‬
‫وأخذت تبحث عن املاء‪ ،‬و ُتفتش له عن غذاء‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وجدت الصف�ا أقرب مرتفع من األرض إليه�ا‪ ،‬واملرء عندما‬
‫يري�د أن يستكش�ف م�ا حوله‪ ،‬يرقى على مرتف ٍع ٍ‬
‫ع�ال‪ ،‬لريى أكرب‬
‫مساحة يمكنه البحث فيها والنظر إليها‪.‬‬
‫أح�دا‪ ،‬فانحدرت إىل‬
‫ً‬ ‫َر َق�ت الصفا ونظرت بإمع�ان‪ ،‬فلم جتد‬
‫ال�وادي ُميمم�ة وجهه�ا نحو اجلب�ل اآلخ�ر القريب‪ ،‬وه�و املروة‬
‫فصعدت عليه‪ ،‬ونظرت كام نظرت من الصفا فلم جتد من ينجدها‪،‬‬
‫أتـمت‬
‫وال م�ن ُيغيثها‪ ،‬وهكذا بقيت ترتدد بني الصفا واملروة حتى َّ‬
‫س�ب ًعا‪ ،‬وكان�ت يف أثن�اء ترداده�ا بينهام مت�ر بطفلها تطمئ�ن عليه‪،‬‬
‫وتستطلع أحواله‪ ،‬ثم تعود لتتابع الرت ُّدد والنظر‪ ،‬وكان هذا السعي‬
‫أول س�عي بني الصفا واملروة‪ ،‬وقد أصبح هذا السعي الذي ابتدأته‬
‫هاج�ر َمعلماً من معامل احلج والعم�رة‪[ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ] [‪.]158 :2‬‬
‫ـجه�دة ُمت َعبة تلهث‪،‬‬
‫عادت هاج�ر بعد املرة الس�ابعة وهي ُم َ‬
‫وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد ُب َّح من البكاء والعطش‪،‬‬
‫أصاهبا اإلعياء من اجلهد‪ ،‬وأصاب ولدها مثله من البكاء‪.‬‬
‫وهن�ا‪ ...‬ويف ه�ذه اللحظ�ة اليائس�ة أدركته�ا رمح�ة اهلل ‪D‬‬
‫الرحي�م بكل يشء‪ ،‬وأرس�ل هل�ا جربيل ‪ S‬فبح�ث بعقبه أو‬
‫‪n‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫بجناحه عند موضع قدم إسماعيل فانفجرت بئ�ر زمزم‪ ،‬وفار املاء‬
‫م�ن البئ�ر‪ ،‬راح�ت األم تغ�رف بيده�ا وتشرب وهي تش�كر اهلل‪،‬‬
‫ورشبت وسقت طفلها‪.‬‬

‫وأتم اهلل النعمة على إسماعيل وأمه‬


‫أتم اهلل عىل إسامعيل وأمه النعمة‪ ،‬فساق إليهم َمن ُيساكنهم‬
‫لقد َّ‬
‫يف ديارهم‪ ،‬فيأنسون به‪ ،‬وتزول بذلك عنهم الوحشة‪ ،‬فقد َم َّر قري ًبا‬
‫طيورا حتوم‬
‫ً‬ ‫منه�م رفقة من قبيلة ُجرهم‪ ،‬فنزلوا أس�فل مكة‪ ،‬فرأوا‬
‫يف الفضاء‪ ،‬وكانوا يعلمون أن مثل هذا احلومان ال يكون من الطري‬
‫إال حيث يوجد ماء‪.‬‬
‫قطعوا الش�ك باليقني فأرس�لوا َمن يأتيهم باخلبر‪ ،‬فعاد إليهم‬
‫الرس�ول خيربه�م بما رأى‪ ،‬فانطلقوا إىل حيث أم إسماعيل‪ ،‬ورأوا‬
‫بأعينه�م اخلري املتدف�ق من الصخر‪ ،‬فأعجبهم ذلك‪ ،‬واس�تأذنوا أم‬
‫إسامعيل يف اإلقامة معها‪ ،‬فأذنت هلم‪ ،‬واشرتطت عليهم أنه ال َح َّق‬
‫هلم يف املاء‪ ... ،‬ولكن أصل العني هلا والبنها‪ ،‬فأرسلوا إىل أهليهم‪،‬‬
‫وسكنوا بجوارها‪.‬‬
‫‪sss‬‬

‫‪38‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الذبيح‬
‫ملا ت�رك إبراهيم ‪ S‬زوجه هاجر وابنها إسماعيل ‪ ..‬عاد‬
‫إىل زوجته س�ارة يف فلس�طني ‪ ...‬وكان يزور هاجر وإسماعيل من‬
‫حني آلخر حتى يطمئن عليهام‪.‬‬
‫وش�ب إسماعيل ‪ S‬وبلغ‬
‫َّ‬ ‫وم�رت األعوام تلو األعوام‬
‫َّ‬
‫موه‬
‫مبل�غ الش�باب فكان له من العم�ر ثالث عرشة س�نة فاكتمل ُن ُّ‬
‫وظه�رت عىل ُمـحياه معامل الرجولة والفت�وة ففرح به أبوه إبراهيم‬
‫‪ S‬فق�د أصب�ح اآلن يرافقه ويأن�س برؤيت�ه ‪ ..‬وازداد تع ُّلقه‬
‫وحمبته البنه إسامعيل وازداد شوقه وحنينه لرؤيته‪.‬‬
‫وذات يوم نام إبراهيم ‪ S‬فرأى يف املنام أنه يذبح إسامعيل‬
‫‪ ..‬و«رؤيا األنبياء حق»‪.‬‬
‫أدرك إبراهيم ‪ S‬أهنا إش�ارة م�ن ربه للتضحية ‪ ..‬فامذا؟‬
‫إنه ال يرتدد ‪ ..‬وال خيطر له إال خاطر اإليامن والتسليم‪..‬‬
‫مل يس�أل‪ :‬مل�اذا يأم�رين ريب بذب�ح ابن�ي الوحي�د؟! ومل ُتراوده‬
‫الظنون ‪ ..‬لقد تغلب ‪ -‬بفضل اهلل ‪ -‬عىل مجيع الوساوس‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫عرض إبراهيم رؤياه عىل إسامعيل ‪[ :...‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ] [‪.]102 :A‬‬
‫فام كان من إسامعيل ‪ S‬إال أن استسلم ألمر اهلل ‪..C‬‬
‫فق�د كان صادق الوعد ش�ديد اإليمان ثابت الع�زم واليقني‪ ،‬فقال‬
‫ألبيه‪[ :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ] [‪.]102 :A‬‬
‫وذهب إبراهيم ‪ S‬وأحرض ِس�كينًا ليذبح ولده الوحيد‬
‫‪ ...‬وبينام هو يف الطريق إذ لقيه إبليس يف هيئة رجل فقال له‪ :‬إىل أين‬
‫أنت ذاهب أهيا الشيخ؟‬
‫ذاهب إىل هذا الوادي ألذبح ولدي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قال إبراهيم‪:‬‬
‫فقال إبليس‪ :‬لعل الش�يطان قد جاءك يف منامك فأمرك بذلك‬
‫أحد يذبح ولده بسبب ُحل ٍم رآه‪.‬‬
‫‪ ..‬وهل هناك ٌ‬
‫فعرفه إبراهيم ‪ S‬وقال‪ :‬إليك عني يا عدو اهلل ‪ ....‬و َم َّد‬
‫حجرا ورماه به ‪ ..‬وتكرر هذا األمر ثالث‬
‫ً‬ ‫ي�ده إىل األرض وتناول‬
‫مرات‪.‬‬
‫وبعد أن انترص إبراهيم ‪ S‬عىل إبليس أخذ ولده ليذبحه‬
‫أحس إبراهيم ‪ S‬بعاطفة األُبوة‬
‫وينف�ذ ما أمره اهلل به ‪ ..‬وهنا َّ‬

‫‪40‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫أب قب�ل أي يشء ‪ ..‬ثم إنه س�يذبح ولده ال�ذي متنَّاه طوال‬
‫‪ ..‬فه�و ٌ‬
‫عمره‪.‬‬
‫فاشدد رباطي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فقال إسماعيل ألبيه‪ :‬يا ِ‬
‫أبت إن أردت ذبحي‪،‬‬
‫واجعلن�ي عىل وجهي حت�ى ال تنظر إ َّيل فال ُتطي�ع أمر اهلل‪ ،‬واخلع‬
‫قمييص هذا حتى ُت َك ِّفني فيه‪.‬‬
‫فقال إبراهيم‪ :‬نِعم العون أنت يا ولدي عىل أمر اهلل‪.‬‬
‫وش�حذ «إبراهيم» ِس�كِّينَ ُه التي س�يذبح هبا ولده وثمرة فؤاده‬
‫السكني وأهوى هبا إىل رقبة ابنه جاء النداء العلوي‬
‫فلام رفع إبراهيم ِّ‬
‫ﭠﭡﭢ‬ ‫م�ن السماء [ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝﭞ ﭟ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ] [‪.]106 - 104 :A‬‬
‫والتف�ت إبراهيم فوجد ً‬
‫كبش�ا أبي�ض أقرن‪ ،‬قد بعث�ه اهلل فدا ًء‬
‫لـ «إسامعيل»‪.‬‬
‫كان االبتلاء قد َت َّم‪ .‬واالمتحان ق�د وقع‪ .‬ونتائجه قد ظهرت‬
‫وغايات�ه ق�د حتققت‪ .‬ومل َي ُع�د إال األمل البدين‪ ،‬وإال الدم املس�فوح‪.‬‬
‫واجلسد الذبيح ‪ ...‬واهلل ال يريد أن ُيعذب عباده باالبتالء‪ .‬وال يريد‬
‫دماءهم وأجسادهم يف يشء‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫فعند ذلك ُنودي من ِق َبل اهلل ‪[ :D‬ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬


‫ﭜ] [‪ .]105 - 104 :A‬أي‪ :‬ق�د حص�ل املقصود من اختبارك‬
‫وطاعتك‪ ،‬ومبادرتك إىل أمر ربك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بكبش‬ ‫ومن أجل ذلك فلقد فدى اهلل سيدنا إسامعيل ‪S‬‬
‫كبري رعى يف اجلنة أربعني س�نة ‪ ..‬فأخ�ذه إبراهيم ‪ S‬وذبحه‬
‫بدلاً من ولده‪.‬‬
‫عيدا للمس�لمني يذبحون في�ه الذبائح قدوة‬
‫وص�ار هذا اليوم ً‬
‫بخليل اهلل إبراهيم ‪.S‬‬
‫[ﭩ ﭪ ﭫﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ]‬
‫[‪]109 - 107 :A‬‬

‫أش�ق‬
‫لق�د أس�لم إبراهيم ‪ S‬أم�ره إىل اهلل ‪ c‬يف تنفيذ ِّ‬
‫رزق من البنني س�وى واحد؛ وبعد طول‬
‫وأصعب أمر عىل والد مل ُي َ‬
‫انتظار‪ .‬وأس�لم إسماعيل ‪ S‬أمره إىل اهلل يف اخلضوع ملش�يئة‬
‫الب�اري يف حتقي�ق اإلرادة الربانية؛ والتضحية بال�روح‪ ،‬وهي أغىل‬
‫ما يملك اإلنسان‪ ،‬دون تر ُّدد أو خوف‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫�مي أحف�اد «إبراهي�م»‪ ،‬و«إسماعيل» باملس�لمني؛ أي‬
‫هلذا ُس ِّ‬
‫الذي�ن ُيس�لمون أمورهم كله�ا إىل اهلل ‪ ... c‬وه�ذا الدين ‪ -‬كام‬
‫ترى ‪ -‬هو دين اهلل يف األمم السابقة والالحقة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بنف�س راضية ومهة‬ ‫وع�اد «إبراهيم»‪ ،‬و«إسماعيل» إىل البيت‬
‫عالية‪ ،‬وأخرب «إبراهيم» زوجته «هاجر» بام حدث‪ ،‬فدمعت عيناها‬
‫وشكرا هلل ‪.D‬‬
‫ً‬ ‫خشية وحمبة‬

‫الدروس المستفادة‬
‫‪ s‬أن املس�لم يرفع دائماً ش�عار‪[ :‬ﮮ ﮯ] [‪.]285 :2‬‬
‫فينفذ أمر اهلل ‪ C‬حتى ولو كان عىل غري مراده ‪ ..‬فقد رأينا كيف‬
‫أن إبراهي�م ‪ S‬بعد ما رزقه اهلل بولده إسماعيل ‪ S‬بعد‬
‫عمر طويل رأى رؤيا بأنه يذبح ولده ‪ -‬ورؤيا األنبياء وحي ‪ -‬فقام‬
‫يف التو واللحظة ليذبح ولده ولينفذ أمر اهلل‪.‬‬
‫‪ s‬أن اهلل ق�ال‪[ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ] [‪ .]3 - 2 :4‬وقد رأينا كيف أن إبراهيم ‪ S‬ملا قام‬
‫خمرج�ا من ذلك فعفا عنهام‬
‫لينف�ذ أم�ر اهلل ويذبح ولده جعل اهلل له ً‬
‫ٍ‬
‫بكبش رعى يف اجلنة أربعني س�نة ليكون فدا ًء إلسماعيل‬ ‫ث�م رزقه‬
‫‪.S‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الغنم والحرث‬
‫أرضا ألُ ٍ‬
‫ناس آخرين فأفسدت‬ ‫وها هي قصة الغنم التي دخلت ً‬
‫ال�رزع ال�ذي يف تل�ك األرض ‪ ...‬فيا ُترى ما ال�ذي حدث يف هذه‬
‫القضية ويف تلك القصة؟‬
‫هذا ما سنعرفه اآلن إن شاء اهلل ‪.c‬‬
‫قال ‪[ :c‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ] [‪.]79-78 :e‬‬
‫‪ s‬آت�ى اهلل نبي�ه داود ‪ S‬من نِ َع ِم�ه الكثري‪ ،‬وأخربنا عن‬
‫بعض ما آتاه يف القرآن‪.‬‬
‫‪ s‬آت�اه فضلاً ‪ ..‬قال ‪[ :c‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ] [‪.]10 :4‬‬
‫‪ s‬وآت�اه امللك واحلكمة والعل�م ‪ ...‬قال ‪[ :c‬ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‪.]251 :2[ ]...‬‬
‫‪ s‬وآتاه احلكمة وفصل اخلطاب ‪ ...‬قال ‪[ :c‬ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ] [‪.]20 :C‬‬

‫‪44‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫وقد أحس�ن داود ‪ S‬االس�تفادة من هذه املن�ح الربانية‪،‬‬


‫واس�تخدامها يف تقديم اخلير لقومه‪ ،‬وإس�عادهم بتطبيق رشع اهلل‬
‫فيهم‪.‬‬

‫وشددنا ُملكه‬
‫قال ‪[ :c‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ]‬
‫[‪]20 :C‬‬

‫وأمده بالنرص‬
‫لق�د جع�ل اهلل ُملكه قو ًّيا بكث�رة العدد وال ُع�دد َّ‬
‫منص�ورا عىل أعدائ�ه دائماً حتى أن أع�داءه كانوا‬
‫ً‬ ‫والتأيي�د وجعل�ه‬
‫خيافون منه يف وقت احلرب بل ويف وقت السلم‪.‬‬
‫وفوق ذلك فقد أعطاه اهلل ‪ C‬احلكمة‪.‬‬
‫ـح ُّض عىل مكارم األخالق‬
‫أي‪ :‬النبوة والكالم الطيب الذي َي ُ‬
‫واآلداب ‪ ..‬وكذلك آتاه فصل اخلطاب فكان يس�تطيع أن يميز بني‬
‫احل�ق والباطل ولذلك كان يقيض بين الناس وحيكم بينهم بالعدل‬
‫[ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ] [‪.]20 :C‬‬
‫وه�ذه ش�هادة من اهلل لنبي�ه داود ‪ S‬بموهبت�ه يف احلكم‬
‫والقض�اء‪ ،‬حي�ث كان حيك�م بين الن�اس بشرع اهلل‪ ،‬ويقضي بني‬
‫املتخاصمني واملتنازعني‪ ،‬باحلكمة التي آتاه اهلل إياها‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وكان�ت أح�كام داود وأقضيته ‪ S‬صائب�ة صحيحة ‪...‬‬
‫الـمؤ َّي ُد م�ن اهلل‪ ،‬املعصوم بعصم�ة اهلل له ‪...‬‬
‫كي�ف ال وهو النب�ي ُ‬
‫وكان�ت أحكامه وأقضيته تؤدي إىل فصل اخلطاب وقطع اخلالف‪،‬‬
‫و ِ‬
‫إهناء النزاع‪.‬‬
‫يس�اعده يف أقضيت�ه وأحكامه ابنُه س�ليامن ‪،0‬‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫فأضاف حكم َت�ه إىل حكمة‬
‫َ‬ ‫أيض�ا‪،‬‬
‫والعلم ً‬
‫َ‬ ‫ال�ذي آتاه اهلل احلكم� َة‬
‫أبيه‪ ،‬وعلمه إىل علمه ‪ ...‬وإذا دعت احلاجة إىل االستدراك عىل أبيه‬
‫برضا‪ ،‬و ُيميض ُحكم‬
‫يف ُحكم�ه كان يفعل‪ ،‬وكان أبوه يتقب�ل ذلك ً‬
‫ابنه وقضاءه‪.‬‬
‫للترصف يف شئون‬
‫ُّ‬ ‫فكان داود ‪ُ S‬يـخصص بعض وقته‬
‫املل�ك‪ ،‬وللقض�اء بني الن�اس‪ .‬وخيص�ص البعض اآلخ�ر للخلوة‬
‫تسبيحا هلل يف املحراب ‪ ...‬وكان إذا دخل‬
‫ً‬ ‫والعبادة وترتيل أناشيده‬
‫املح�راب للعب�ادة واخلل�وة مل يدخ�ل إلي�ه أحد حتى خي�رج هو إىل‬
‫الناس‪.‬‬
‫وداود وسليمان‬
‫إذ يحكمان في الحرث‬
‫لقد كان داود ‪ S‬جيلس بني الناس ف ُيذكرهم باهلل ‪،C‬‬

‫‪46‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وحي�ل هلم مش�اكلهم‪ ،‬ويقضي بينه�م يف اخلصوم�ات التي حتدث‬
‫بينهم‪.‬‬
‫وذات يوم كان جيلس يف جملس�ه وج�اءه بعض الناس ليحكم‬
‫بينهم يف خصومة حدثت بينهم ‪ ..‬فتعالوا بنا لنرى كيف قىض فيها‬
‫نب�ي اهلل داود ‪ ،S‬ث�م قىض فيها ابنه س�ليامن ‪ S‬بحك ٍم‬
‫آخر فوافق داود عىل ُحكمه‪.‬‬

‫فتعالوا بنا لنعرف هذه القصة‪:‬‬


‫غن�م ليلاً عىل مزرع�ة ومل يكن معها راعيها فأفس�دت‬
‫أقبل�ت ٌ‬
‫ال�زرع‪ ،‬وأتت علي�ه‪ ،‬فاحتكم أصح�اب املزرع�ة إىل داود قائلني‪:‬‬
‫يا نب�ي اهلل! إ َّنا حرثنا أرضنا وزرعناها وتعهدناها حتى إذا آن أوان‬
‫حصاده�ا جاءت غنم هؤالء الق�وم ليلاً فانترشت يف زرعنا وأكلته‬
‫يبق من�ه يشء‪ ،‬فقال داود ألصحاب الغن�م‪ :‬أح ًّقا ما يقول‬
‫حت�ى مل َ‬
‫ه�ؤالء؟ قال�وا‪ :‬نع�م‪ ،‬فق�ال ألصحاب املزرع�ة كم ُتق�درون ثمنًا‬
‫لزرعكم؟ فذك�روا له الثمن‪ ،‬فقال ألصح�اب الغنم‪ :‬كم تقدرون‬
‫ثمنًا ألغنامكم؟ فقدروه ٍ‬
‫بثمن ما ‪ ...‬فلام رأى داود الثمنني متقاربني‬
‫تعويضا‬
‫ً‬ ‫قال ألصحاب الغنم‪ :‬ادفعوا أغنامكم إىل أصحاب املزرعة‬
‫هلم عن زرعهم‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫حارضا يش�هد هذه املحاكم�ة فابتدر‬
‫ً‬ ‫ولك�ن ابنه س�ليامن كان‬
‫أب�اه قائًل�اً ‪ :‬يل رأى يف ه�ذه القضية‪ ،‬وهو أن يدف�ع أصحاب الغنم‬
‫أغنامه�م إىل أصح�اب املزرع�ة فينتفع ه�ؤالء بأصوافه�ا وألباهنا‬
‫ونتاجه�ا‪ ،‬وأن يأخذ أصحاب الغن�م املزرعة فيحرثوها ويزرعوها‬
‫ويس�قوها ويتعهدوها حتى يستوى الزرع‪ ،‬فإذا حان وقت حصاده‬
‫س� َّلموا املزرع�ة إىل أصحاهبا وتس� َّلموا منهم أغنامه�م ‪ ...‬فرىض‬
‫اجلميع هبذا احلكم‪ ،‬وق�ال داود‪ُ :‬و ِّفقت يا ُبني هبذا احلكم‪ ،‬وحكم‬
‫بام أفتى به سليامن‪.‬‬
‫وهذا ما أش�ار إليه القرآن‪[ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ] [‪.]79 - 78 :e‬‬
‫كم‬
‫وعلم من اهلل‪ ،‬وس�ليامن عنده ُح ٌ‬‫ٌ‬ ‫ك�م‬
‫أي أن داود عن�ده ُح ٌ‬
‫وعلم من اهلل ‪ ..‬فحكم داود يف القضية بام آتاه اهلل من حك ٍم ِ‬
‫وعل ٍم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ثم َحكَم فيها س�ليامن بام آتاه اهلل من ُحك ٍم وعل ٍم‪ ،‬فجاء ُحكم داود‬
‫فيها صوا ًبا‪ ،‬لكن كان ُحكم سليامن أكثر صوا ًبا‪.‬‬
‫فاآلي�ة مل ُتـخ ِّط�ئ داود يف ُحكمه‪ ،‬وإنام أثنت عليه ملا عنده من‬
‫صحيحا وليس ً‬
‫خطأ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُحك ٍم وعلم ‪ ...‬وهذا معناه أن ُحكمه كان‬
‫‪48‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫إ ًذا مل خيط�ئ داود يف حكم�ه يف القضية ‪ ،S‬ألنه معصوم‬


‫وصحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫كمه وقضاؤه صوا ًبا‬
‫من اهلل‪ ،‬وكان ُح ُ‬
‫كمه كان خالف األَولىَ ‪َّ ...‬‬
‫ففهم اهلل سليامن القضية‪،‬‬ ‫ولك َّن ُح َ‬
‫الـحكم األَولىَ واألفضل واألصوب‪.‬‬ ‫وأرشده إىل ُ‬
‫وهلذا أثنى اهلل عىل ك ٍُّل من داود وسليامن بقوله‪[ :‬ﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ] [‪.]79 :e‬‬
‫ووج�ود س�ليامن مع داود يف ُحكم�ه وقضائه‪ُ ،‬يعين�ه ويؤيده‪،‬‬
‫ظهر آخر من مظاه�ر توفيق اهلل‬
‫ويس�تدرك علي�ه عند الضرورة‪َ ،‬م ٌ‬
‫لداود وتيسير أمره‪ ،‬وتش�ديد ُملك�ه‪[ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ] [‪.]20 :C‬‬
‫فقد مجع اهلل علم وحكمة وفهم س�ليامن إىل علم وحكمة داود‬
‫‪ ،S‬وتعاونا عىل احلكم بالعدل والصواب‪..‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الدروس المستفادة من القصة‬


‫‪ s‬أن النصر ليس بكثرة العدد والعتاد وإنام بقوة اإليامن والعقيدة‬
‫‪ ..‬ومن َث َّم فإن النرص من عند اهلل وحده ‪.C‬‬
‫‪ s‬م�ن عاش عىل طاعة اهلل فإن اهلل حيبه و ُيلقى حمبته يف الكون كله‬
‫‪ ..‬فقد رأينا كيف كان الكون كله حيب داود ‪.S‬‬
‫‪ s‬أن العبد البد أن يس�تعمل نع�م اهلل عليه يف كل ما ينفعه يف دينه‬
‫ودني�اه ‪ ..‬وقد رأينا كيف كان داود ‪ S‬يبذل كل جهده يف‬
‫الصيام والقيام والتس�بيح وصناعة الدروع وغري ذلك مما ينفعه‬
‫يف دينه ودنياه‪.‬‬
‫‪ s‬أن القايض ال ينبغي أن حيكم بني اثنني إال إذا اس�تمع هلام حتى‬
‫يستطيع أن حيكم بالعدل دون ميل إىل اآلخر‪.‬‬
‫‪ s‬عليك أن تقبل احلق والنصح من أي إنسان ولوكان أصغر منك‬
‫سنًّا فقد قبل داود حكم سليامن رغم صغر سنه ‪.R‬‬
‫غيورا عىل نس�ائه كام كان داود ‪S‬‬
‫‪ s‬املس�لم الب�د أن يكون ً‬
‫غيورا عىل نسائه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ s‬أن اهلل يك�رم العب�د الصال�ح عن�د موته فقد رأين�ا كيف ظللت‬
‫الطري فوق داود ‪ S‬عند موته حتى ال تؤذيه الشمس‪.‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫ناقة صالح ‪S‬‬

‫ها هي قصة جديدة من قصص احليوان يف القرآن‪ ،‬وسنتعايش‬


‫هذه املرة مع ناقة نبي اهلل صالح ‪.S‬‬
‫لق�د أهل�ك اهلل ‪ D‬قوم ٍ‬
‫ع�اد ملا كفروا برهب�م ‪ ...‬ثم جاءت‬
‫أم�ة أخرى من بعد «عاد» ‪ -‬وهم قوم «ثمود» ‪ -‬ولكنهم ما جاءوا‬
‫ليعتبروا هبلاك األمم من قبله�م فيؤمنوا ب�اهلل ‪ ،D‬وإنام جاءوا‬
‫ليس�تكملوا مسيرة الكفر والشرك التي بدأها ق�وم نوح ‪S‬‬
‫ووق�ع فيه�ا ق�وم «ع�اد» فأهلكه�م اهلل بذنوهب�م [ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ] [‪.]49 :Y‬‬
‫وقوم ثمود هم قوم نبي اهلل صالح ‪.S‬‬
‫وكان�وا يس�كنون يف منطقة ُتس�مى ِ‬
‫«احلجر» يف شمال اجلزيرة‬
‫العربية بني احلجاز وتبوك‪.‬‬
‫وكان ق�وم ثمود قد أنعم اهلل عليهم باخليرات والنِّعم الكثرية‬
‫ٍ‬
‫مكان ُيظلله النخيل واألشجار وتنترش فيه الكثري‬ ‫فكانوا يعيشون يف‬
‫من العيون واملياه العذبة ‪ ...‬فكانوا يف سعادة ونعيم حتى أهنم كانوا‬
‫يقيمون القصور الفخمة يف السهول‪..‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫نع�م ‪ ..‬لق�د كان الواح�د منهم يبن�ي بي ًتا من أغصان الش�جر‬
‫وعروق�ه ولك�ن البيت كان يتهدم قبل وف�اة صاحبه‪ ،‬فام كان منهم‬
‫ٍ‬
‫بي�وت قوي�ة يف اجلبال فكانت تل�ك البيوت‬ ‫إال أن فك�روا يف بن�اء‬
‫منيعة قوية‪.‬‬
‫الصخ�رة فينحته�ا بي�ده‬
‫لق�د كان الواح�د منه�م يذه�ب إىل َّ‬
‫ويتخذه�ا بي ًتا ل�ه وألرسته ‪ ...‬وهذا من فرط قوت�ه التي أعطاه اهلل‬
‫إياها‪.‬‬
‫وظل�وا على هذا احل�ال فرتة من الزم�ان ‪ ..‬وكان�وا كلام مرت‬
‫األيام نس�وا نِعم اهلل عليهم حتى انتهى هبم األمر إىل أن كفروا باهلل‬
‫ن�وح وقوم ٍ‬
‫عاد‬ ‫‪ C‬ونحت�وا أصنا ًم�ا ليعبدوها مثل ما فعل قوم ٍ‬
‫من قبل‪.‬‬
‫ويف ِّ‬
‫ظل هذا الظالم احلالك من الكفر الذي انترش بينهم أرسل‬
‫حلا ليدعوهم إىل عبادة الواحد القهار‪.‬‬
‫اهلل إليهم نبيه صا ً‬
‫نبي اهلل صالح ‪ S‬يدعو قومه للتوحيد‬
‫لق�د كان قوم ثمود يعيش�ون يف رخاء ونعي�م ال يعلمه إال اهلل‬
‫فج�روا العيون‪ ،‬وغرس�وا‬
‫‪ ... C‬فه�ا أن�ت وكأن�ك تراهم قد َّ‬

‫‪52‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫احلدائق والبس�اتني‪ ،‬وش� َّيدوا القص�ور‪ ،‬ونحتوا من اجلب�ال بيو ًتا‪،‬‬
‫وكانوا يف سعة من العيش ورغد‪ ،‬ونعمة وترف‪ ،‬ولكنهم مل يشكروا‬
‫اهلل‪ ،‬ومل حيمدوا له فضله؛ بل زادوا ُع ًّتوا يف األرض وفسا ًدا‪ ،‬و ُب ً‬
‫عدا‬
‫واس�تكبارا‪ ،‬وعبدوا األوثان م�ن دون اهلل‪ ،‬وأرشكوا به‪،‬‬
‫ً‬ ‫ع�ن احلق‬
‫وأعرض�وا عن آياته‪ ،‬وظن�وا أهنم يف هذا النعيم خالدون‪ ،‬ويف تلك‬
‫السعة مرتوكون‪.‬‬
‫حل�ا م�ن أرشفهم نس� ًبا وأوس�عهم حلماً ‪،‬‬
‫بع�ث اهلل إليه�م صا ً‬
‫وحضهم عىل توحيده‪... ،‬‬
‫َّ‬ ‫وأصفاهم عقلاً ‪ ،‬فدعاهم إىل عبادة اهلل‪،‬‬
‫وعمر هبم األرض‪ ،‬واستخلفهم فيها‪،‬‬
‫فهو الذي خلقهم من تراب؛ َّ‬
‫وأس�بغ عليهم نعمه‪ ،‬ظاهر ًة وباطن� ًة‪ ،‬ثم هناهم أن يعبدوا األصنام‬
‫رضا وال نف ًعا وال ُتغني عنهم من اهلل شي ًئا‪.‬‬
‫فهي ال متلك هلم ًّ‬
‫ٍ‬
‫ألحد‪ ،‬فإن الدنيا قنطرة‬ ‫وب�دأ ُيذكرهم بأن هذا النعيم ال يدوم‬
‫يعبر عليه�ا العب�د إىل آخرت�ه‪ ،‬ولذل�ك قال هل�م صالح ‪:S‬‬
‫[ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ] [‪.]152 - 146 :n‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫دعوة صالح ‪ S‬لقومه‬


‫ِ‬
‫عب�ادة اهلل وحده‪،‬‬ ‫ب�دأ صالح ‪ O‬بدع�وة قومه إىل‬
‫نبي ‪ ...‬وهلذا‬ ‫وعد ِم اإلرشاك به‪ ،‬وهي «نقط ُة ِ‬
‫البدء» التي بد َأ هبا ُّ‬
‫كل ٍّ‬
‫قال هلم‪[ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ] [‪.]61 :K‬‬
‫نفس� ُه باعتباره رس�ولاً أمينًا هل�م‪ ،‬و َأ َم َرهم بطاعته‪،‬‬
‫وق�دم هلم َ‬
‫َّ‬
‫وح َّثه�م عىل تقوى اهلل‪[ :‬ﭮ ﭯ ﭰﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ] [‪.]144 - 141 :n‬‬
‫األجر منه�م‪ ،‬وإ َّنام يق�و ُم بواجبه يف‬
‫وأخربه�م بع�دم انتظ�اره ْ‬
‫األجر فهو عند اهلل [ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ‬
‫دعوهت�م إىل اهلل ‪ ...‬أ َّما ُ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ] [‪.]45 :n‬‬
‫ِِ‬
‫ولفت َأن َظارهم إىل آيته البينة‪ ،‬وهي النَّا َقة‪ ،‬ونهَ َ‬
‫اهم عن إيذائها‪:‬‬ ‫َ‬
‫[ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ] [‪.]73 :C‬‬
‫وذكَّرهم بنعم اهلل عليهم‪ ،‬يف استخالفِهم بعد ٍ‬
‫عاد‪ ،‬ويف تسخري‬
‫ِ‬
‫بمقابلة نعم اهلل ُّ‬
‫بالش�كر‪ ،‬وليس باإلفس�اد‬ ‫األرض هل�م‪ ،‬وطا َل َبهم‬
‫والكف�ر‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬

‫‪54‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ] [‪.]74 :C‬‬
‫وقال هل�م‪[ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ] [‪.]61 :K‬‬
‫ِ‬
‫وطاعة صالح نفس�ه‬ ‫صالح بتقوى اهلل وطاعته‪،‬‬ ‫وبينما أمرهم‬
‫ٌ‬
‫باعتباره رس�ولاً هل�م‪ ،‬فقد هناهم عن العك�س والنقيض ‪ ...‬هناهم‬
‫وس�اداهتم‪:‬‬
‫ع�ن طاع�ة املرسفني املفس�دين الظاملني‪ ،‬م�ن كُربائهم َ‬
‫[ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫﮬﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ] [‪.]152 - 150 :n‬‬
‫ور َأوا صفاتِ ِه‬ ‫صالح ‪ S‬يف قومه‪ ،‬ونشأ بينهم‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ش�ب‬
‫َّ‬ ‫لقد‬
‫وحم�ط رجائهم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫�د آماهلم‪،‬‬ ‫ال َّطيب�ة‪ ،‬و َعرف�وه عن يقين‪ ،‬وكان م ِ‬
‫عق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الكثري هلم‪ ،‬وظنوا أنه س�يتاب ُعهم عىل كفرهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ينتظرون منه‬ ‫وكان�وا‬
‫رج ًّوا فيهم‪.‬‬ ‫شرِ‬
‫ويشاركهم كهم باهلل‪ ،‬ولذلك جعلوه َم ُ‬
‫توحيد اهلل وإفراده بالعبادة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بنبوتِ ِه‪ ،‬ودعوته إىل‬
‫ولكنهم فوجئوا َّ‬
‫يعبد آباؤهم من األوثان واألصنام‪ ،‬واعتربوها‬ ‫والتخليِّ عن ما كان ُ‬
‫ستهجنة مرفوضة!!‬
‫َ‬ ‫دعو ًة غريب ًة ُم‬

‫‪n‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫فلما ق�ام صال�ح ‪ S‬وذكَّره�م بنع�م اهلل ‪ D‬عليه�م‬


‫وأمره�م أن يتوجه�وا بالعبادة لفاط�ر السماوات واألرض كانت‬
‫النتيج�ة أهنم تعجبوا أن يأتيهم رجل فيطل�ب منهم أن يرتكوا دين‬
‫اآلباء واألجداد‪.‬‬
‫[ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ‬
‫ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ] [‪.]62 :K‬‬
‫مرجوا فينا لعلمك أو لعقلك‬
‫ًّ‬ ‫لقد كان لنا رجاء فيك ‪ ...‬كنت‬
‫أو لصدقك أو حلسن تدبريك‪.‬‬
‫أتنهان�ا أن نعب�د م�ا يعب�د آباؤن�ا؟!‪ ..‬كل يشء نقبل�ه منك إال‬
‫أبدا أن تعي�ب آهلتنا التي كان يعبدها‬
‫ه�ذا ي�ا صالح ‪ ..‬ما كنا نتوقع ً‬
‫اآلب�اء واألجداد‪ .‬إن أه�ل الباطل يبغضون م�ن يدعوهم إىل احلق‬
‫وحي�اول أن حيملهم عليه‪ ،‬فصالح ‪ S‬كان حمبو ًبا عندهم قبل‬
‫أن يدعوه�م إىل التوحي�د ونب�ذ الرشك ‪ ...‬كام ق�ال ‪ - c‬حكاية‬
‫عنه�م‪[ :‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ] [‪ .]62 :K‬ثم تغري احلال‬
‫بع�د دعوته إياهم حتى صار من أبغض الناس إليهم مع أنه تل َّطف‬
‫معهم يف الدعوة وصربعليهم‪.‬‬

‫‪56‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫صالح ‪ S‬يستمر في دعوتهم‬


‫واس�تمر نبي اهلل صال�ح ‪ S‬يف دعوة قوم ثمود ومل ييأس‬
‫من هدايتهم‪.‬‬
‫بالـخ ُلق الكريم والس ِ‬
‫رية احلسنة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫«صالح» معرو ًفا بينهم‬ ‫وكان‬
‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫ومل يك ْن غن ًّيا ُمترْ َ ًفا؛ كان ُم َت َو ِّس َط احلال‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قوم ِ‬
‫نصيح�ة ِ‬‫ِ‬
‫اخلالق‪،‬‬ ‫�ه‪ ،‬وذكَّره�م ب�اهلل‬ ‫«صال�ح» يف‬
‫ٌ‬ ‫�ص‬ ‫َأ ْخ َل َ‬
‫حج�ار التي‬ ‫ِ‬ ‫وهناه�م عن عب�ا َد ِة األَ‬
‫ُ‬ ‫�ه الش�ديد‪،‬‬ ‫بأس ِ‬ ‫وخوفه�م من ِ‬
‫َّ‬
‫ـمنع‪.‬‬ ‫تس�مع وال تتك َّلم‪ ،‬وال ُتعط�ي وال َت ْ‬ ‫ُ‬ ‫تنف�ع‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫ال تُض�رُ ُّ وال‬
‫ِ‬
‫اخلير‪،‬‬ ‫وهي ِد ُهي�م إىل‬ ‫ِ‬
‫دون أن يع َظ ُه�م‪ْ ،‬‬ ‫ـم ُّ�ر َ‬ ‫رص� ًة َت ُ‬ ‫ر ُك ُف َ‬‫وكان ال يت ُ‬
‫احلق‪.‬‬
‫ويد ُع َو ُهم إىل ِّ‬
‫الض َع َفا ُء‪ ،‬وآمنوا به‪ ،‬واستمعوا لِ َقولِ ِه‬ ‫فاس�تجاب له ال ُب َس� َطا ُء ُّ‬
‫َ‬
‫�خروا ِمنْ ُه‪،‬‬ ‫ّفوذ َفس ِ‬
‫َ‬
‫ان والن ِ‬ ‫وا َّتبع�وه‪ .‬أما األغنياء وأصحاب الس� ْل َط ِ‬
‫ُ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وهزئوا به وباملؤمنني ا َّلذين أ َّيدوه‪.‬‬ ‫ِ‬

‫أجرا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وكان«صال�ح» ُي َذك ُِّره�م بأ َّن�ه ال ُي ُ‬


‫ري�د على النًّصيح�ة ً‬
‫يطلب اجلزا َء من اهلل ‪.c‬‬ ‫ِ‬
‫اهلداية ثوا ًبا إ َّنام‬ ‫وال عىل‬
‫ُ‬
‫واس�تمر ‪ S‬يف دع�وة املؤمنني إىل الطاع�ة هلل وحده وأن‬
‫َّ‬
‫‪n‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ال يستمعوا إىل ُزعامئهم من األغنياء وأصحاب النفوذ؛ َّ‬
‫ألن هؤالء‬
‫فسدون يف األرض وال ُيصلحون‪.‬‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫الـم ْس� َتكربون م�ن قوم «صالح» ُمعاندي�ن؛ ف َع َّز ع َليهم‬ ‫وكان ُ‬
‫نه�م ويصبح�وا َأ َتبا ًعا له؛ يستشيرو َن ُه‬ ‫ِ‬
‫رجًل�اً بس�ي ًطا م ُ‬‫أن يطي ُع�وا ُ‬
‫الـم ْستض َعفني من املؤمنني‬ ‫ِ ِ‬
‫ويستهدونه! وقاموا بالف ْتنَة؛ فجاؤوا إىل ُ‬
‫وقال�وا هل�م‪[ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ]‬
‫[‪]76 - 75 :C‬‬

‫أرص الك َّف�ار على كفرهم وثب�ت املؤمنون على إيامهنم‬


‫هك�ذا َّ‬
‫ومل يي�أس نب�ي اهلل صال�ح ‪ S‬م�ن دع�وة ه�ؤالء الكافري�ن‬
‫ف�كان يدعوه�م إىل اهلل وهم يكذبونه ويس�خرون من�ه فكان يصرب‬
‫ِ‬
‫لنعمة‬ ‫على إيذائه�م و ُيذكرهم بنع�م اهلل عليهم َّ‬
‫لعل قلوهب�م تنفتح‬
‫اإليمان وال َّتوحيد ‪ ...‬فكان يقول هلم‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ] [‪ .]74 :C‬وم�ع‬
‫ذلك مل تتحرك قلوهبم ومل تتأثر بتلك الدعوة اهلادئة الرحيمة‪.‬‬

‫‪58‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫حلا ‪ S‬بالس�حر‬
‫ومل يكتف�وا بذل�ك بل اهتموا نبي اهلل صا ً‬
‫واجلن�ون ومع ذلك مل يلتفت لتلك االهتامات بل اس�تمر يف دعوته‬
‫رجاء أن هيدهيم اهلل عىل يديه‪.‬‬
‫وهاهم يطلبون اآليات‬
‫الـحجج‬
‫فلما وج�دوا أنفس�هم ال يملك�ون أي ُحج�ة أم�ام ُ‬
‫الساطعة والكلامت الناصعة التي خترج من فم صالح ‪ S‬والتي‬
‫تدعوه�م إىل توحيد الباري ‪ ..C‬وإذا هب�م يطلبون منه اآليات‬
‫ظنًّا منهم أنه سيعجز عن أن يأتيهم بآية من عند ربه ‪.D‬‬
‫[ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ] [‪.]154 - 153 :n‬‬
‫وإذا ب�ه جييبهم إجابة الواث�ق يف موعود ربه ‪ D‬ويقول هلم‪:‬‬
‫[ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ] [‪.]156 - 155 :n‬‬

‫خروج الناقة من الصخرة‬


‫وها هي تفاصيل خروج تلك الناقة املباركة‪.‬‬
‫فلق�د كان ق�وم صال�ح جيلس�ون يف نادهي�م ال�ذي جيتمع�ون‬

‫‪n‬‬ ‫‪59‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫في�ه فجاءه�م نب�ي اهلل صال�ح ‪ S‬فدعاه�م إىل اهلل وذكَّره�م‬


‫ومل ييأس من هدايتهم حلظة واحدة فهو الذي يعلم أن قلوب العباد‬
‫بني ُأصبعني من أصابع الرمحن ُيق ِّلبها كيف يشاء‪.‬‬
‫فلما دعاه�م إىل اهلل قالوا ل�ه‪ :‬يا صال�ح ‪ ..‬إن أن�ت أتيت بآية‬
‫«معجزة» َلنُؤمنن معك بربك يف ِّ‬
‫التو واللحظة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬وأي آية تريدون؟‬
‫قالوا‪ :‬نري�د منك أن ُتـخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عظيمة‬
‫‪ -‬وذك�روا له أوصا ًفا الختطر عىل قلب برش ‪ -‬ثم قالوا‪ :‬فإن فعلت‬
‫ذلك آمنًّا معك‪.‬‬
‫فما كان م�ن نب�ي اهلل صالح ‪ S‬إال أن جل�أ إىل اهلل ‪D‬‬
‫الصماَّ ء يف الليلة‬
‫الذي يس�مع دبيب النملة الس�وداء حتت الصخرة َّ‬
‫ال َّظلماَ ء‪ ..‬وقال‪ :‬يا رب أرهم هذه اآلية لعلهم هيتدون‪...‬‬
‫ثم نظر إليهم وقال‪ :‬أرأيتم إن أجبتكم إىل ما سألتم عىل الوجه‬
‫ال�ذي طلبت�م‪ ،‬أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوين فيام ُأرس�لت به؟‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فأخذ عهدهم ومواثيقهم عىل ذلك‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫ثم قام إىل ُمصاله فصيل هلل ‪ D‬ما ُق ِّدر له‪ ،‬ثم دعا ربه ‪D‬‬
‫أن ُيـجيبهم إىل ما طلبوا‪.‬‬
‫أبدا ‪ ..‬يا ُت�رى ما الذي‬
‫وفج�أة ‪ ..‬ح�دث يش ٌء مل خيط�ر بباهلم ً‬
‫صوت ش�ديد ‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫ح�دث؟ ‪ ..‬لق�د انش� َّقت الصخ�رة وص�در منها‬
‫الصفات التي طلبوها فكادت عقوهلم‬
‫وخرجت ناقة ُعرشاء بنفس ِّ‬
‫أن تطي�ش‪ ،‬وكادت قلوهب�م أن تلني ‪ ..‬ولك�ن هيهات هيهات فقد‬
‫كانت قلوهبم أشد قسوة من احلجارة‪.‬‬
‫حلا‬
‫لق�د آم�ن بعضهم ودخ�ل اإليامن قلب�ه وعلم يقينً�ا أن صا ً‬
‫رس ٌ�ل من رب�ه ‪ .. D‬ولكن بقي أكثرهم على الكفر الذي مأل‬ ‫ُم َ‬
‫قلوهبم‪ ،‬ومل يفارقهم حلظة واحدة‪.‬‬

‫ناقة مباركة‬
‫ٍ‬
‫أم�ان ‪ ...‬وذلك ألن‬ ‫وظل�ت هذه الناق�ة تعيش بينهم زما ًنا يف‬
‫صاحلًا ‪ S‬حذرهم من أن يمسوها بسوء فيحل عليهم عذاب‬
‫اهلل وسخطه‪.‬‬
‫وأخربهم بأن هذه الناقة س�ترشب من املاء يو ًما وهم يرشبون‬
‫يو ًم�ا ‪ ..‬ففي اليوم ال�ذي يرشبون فيه متتنع الناقة عن املاء ويف اليوم‬
‫‪n‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ال�ذي ترشب فيه الناقة يمتنعون ع�ن املاء وحيلبون لبن الناقة الذي‬
‫كان يكفيهم أمجعني‪.‬‬
‫ق�ال صال�ح ‪[ :S‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ] [‪.]156 - 155 :n‬‬
‫فحذره�م نقمة اهلل عليهم إن أصابوا الناقة بس�وء ‪ ..‬فمكثت الناقة‬
‫بينه�م حينًا من الدهر ترشب من املاء ه�ي وفصيلها «ابنها» وتأكل‬
‫الورق واملرعي وينتفعون بلبنها حيلبون منها ما يكفيهم‪.‬‬

‫معجزة شربها لماء العين كله‬


‫أش�ارت له‬ ‫خاصا م ِ‬
‫عج ًزا‪،‬‬
‫ْ‬ ‫رشب الناق�ة للامء شرُ ًب�ا ًّ ُ‬
‫ُ‬ ‫وق�د كان‬
‫آيات القرآن‪.‬‬
‫ُ‬
‫[ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﯲ ﯳ‬
‫ﯴﯵﯶ ﯷ ﯸ] [‪.]156 - 155 :n‬‬
‫وق�ال ‪[ :c‬ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ] [‪.]28 - 27 :i‬‬
‫عني ثمو َد بينهم وبين الناقة‪ ،‬حيث يرشبون هم‬ ‫لق�د كان ما ُء ِ‬
‫وحدها ماء العني ك َّل�ه يو ًما آخر‪،‬‬
‫وترشب الناق� ُة َ‬
‫ُ‬ ‫م�ا َء العين يو ًما‪،‬‬

‫‪62‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫رشب ماء العني بالتن�اوب بينهم وبني الناقة‪ٌّ .‬‬
‫كل له‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫وهك�ذا‬
‫حيرض ليرشب العني يف يومه‪ ،‬وإذا‬
‫ُ‬ ‫وكل‬ ‫شرِ ُب يو ٍم معلو ٌم ُم َّ‬
‫ـحدد‪ٌّ ،‬‬
‫ـخ ُّلوا بينها وبني رشب العني‪،‬‬ ‫َ‬
‫كان ي�و ُم رشب الناقة‪ ،‬فعليه�م أن ُي َ‬
‫مسوها بسوء‪.‬‬
‫وال يمنعوها من ذلك‪ ،‬وال َي ُّ‬
‫إذن كان ق�و ُم ثم�ود ك ُّله�م يرشبون م�ا َء العني يو ًم�ا‪ ،‬والناق ُة‬
‫ترشب ما َء العني كله يو ًما آخر!!‬
‫ُ‬ ‫وحدها‬
‫َ‬
‫ترشب وحده�ا ما َء العني؟ وأين كانت‬ ‫ُ‬ ‫أم�ا كيف كانت الناق ُة‬
‫تضع هذا املاء؟ فهذا ال يعنينا‪ ،‬وال نستغر ُبه؛ َّ‬
‫ألن هذه الناقة معجزة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أيضا‪،‬‬‫ولذل�ك شرُبهُ ا وحدها مل�اء العني ك ِّله يو ًما بعد ي�وم معجز ٌة ً‬
‫وطامل�ا أن اهلل أخربنا عن ذلك يف الق�رآن‪ ،‬فنحن نؤم ُن به ونصد ُقه‬
‫ُ‬
‫ونقول به‪.‬‬
‫وعقروا الناقة‬
‫فلما طال عليهم هذا احلال اجتمع علامؤهم‪ ،‬واتفق رأهيم عىل‬
‫أن يعق�روا ه�ذه الناقة ‪ -‬يقتلوها ‪ -‬ليسترحيوا منها ويتوافر عليهم‬
‫ماؤهم‪ ،‬وز َّين هلم الشيطان أعامهلم‪..‬‬
‫ق�ال اهلل ‪[ :c‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ] [‪.]77 :C‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪63‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وكان الذي توىل قتلها منهم رئيسهم‪َ :‬ق َّدار بن سالف‪.‬‬
‫قتل الناقة‪:‬‬

‫كان ُصنيم بن هراوة قد تزوج بامرأة غنية اسمها َصدوق‪ ،‬فلام‬


‫آمن كان يس�تخدم مال�ه يف اإلنفاق عىل نب�ي اهلل صالح واملؤمنني‪،‬‬
‫فعاتبته َصدوق ألهنا كانت كافرة‪.‬‬
‫ثم أخذت أوالدها فخبأهتم عند أبناء عمها‪ ،‬فقال ُصنيم‪ُ :‬ر ِّدى‬
‫عىل أوالدي‪ .‬فرفضت‪ ،‬فتحاكام إىل أبناء عمه وكانوا مؤمنني َف َر ُّدوا‬
‫َّ‬
‫عليه أوالده‪.‬‬
‫ف�ازدادت صدوق كراهية لصالح ‪ S‬الذي أنفق زوجها‬
‫وفرق بينها وبني أوالدها‪.‬‬
‫املال عليه‪ ،‬وآمن به‪َّ ،‬‬
‫وكان هل�ا صديقة اس�مها ُعنيزة بنت ُغني�م‪ ،‬وكانت كافرة هي‬
‫األخ�رى وكان هلا َغ ٌ‬
‫نم خت�رج لرتعي‪ ،‬ف�إذا رأت الغنم ناقة صالح‬
‫هربت من أمامها‪ ،‬وال جتد األغنام ما ًء ترشبه‪ ،‬فاغتاظت ُعنيزة‪.‬‬
‫ومجع بينه�ا وبني َصدوق كراهية صالح واملؤمنني معه واتفقتا‬
‫عىل قتل الناقة‪.‬‬

‫‪64‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ٍ‬
‫رجل ليقتل الناقة ير ُفض؛ ألنه رأى أن‬ ‫وكُلام عرضتا املال عىل‬
‫عمل فظيع؛ فهي ليست ناقة عادية‪ ،‬وإنام هي آي ٌة من عند اهلل‪.‬‬‫هذا ٌ‬
‫ـرصع بن مهرج» كان ُيـحب َصدو ًقا‬
‫ُ‬ ‫واحدا هو « ُم‬
‫ً‬ ‫ولكن رجلاً‬
‫ويريدها لنفسه‪ ،‬فوافق عىل قتل هذه الناقة‪ ،‬ثم خرج يبحث له عن‬
‫أع�وان الرتكاب ه�ذه اجلريمة الفظيع�ة‪ ،‬فوافقه صديق�ه َق َّدار بن‬
‫عزيزا يف قومه‪.‬‬
‫سالف وكان ً‬
‫ثم انطلقا حتى صار عدد عصابتهم تس�عة رجال ُيفس�دون يف‬
‫األرض وال ُيصلحون‪ ،‬وتز َّعمهم قدار بن سالف أشقى القوم‪.‬‬
‫انطل�ق ه�ؤالء الرج�ال التس�عة األرشار يف تلك املهم�ة التي‬
‫س�تجلب عليه�م غض�ب اهلل وس�خطه وعذاب�ه ‪ ..‬ذهب�وا ليقتلوا‬
‫الناقة‪.‬‬
‫بحثوا عنه�ا حتى وجدوها قادمة من البئ�ر فقام أحدهم وهو‬
‫قدار بن س�الف فرماها بس�ه ٍم فأصاب س�اقها َّ‬
‫فخرت ساقطة عىل‬
‫األرض وأص�درت صو ًت�ا لولده�ا ل ُتح�ذره ليه�رب م�ن ه�ؤالء‬
‫املجرمين ‪ ..‬ثم ق�ام الرجل وطعنها ثم ذبحها وس�الت دماء الناقة‬
‫عىل األرض فلام رآها ولدها هرب إىل أعىل اجلبل‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫و ُيقال‪ :‬إن ولد الناقة ملا رأى أمه قد ُقتلت أمام عينيه فزع فز ًعا‬
‫ش�ديدا وه�رب منهم ‪ ..‬فلام أرادوا أن يلحق�وا به وجدوه قد دخل‬
‫ً‬
‫يف تل�ك الصخ�رة التي خرج منه�ا هو وأمه بع�د أن رصخ رصخة‬
‫شديدة‪ ..‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫وحان وقت الهالك‬


‫ومل�ا علم نبي اهلل صالح ‪ S‬بام ح�دث خرج غاض ًبا عىل‬
‫قومه وقال هلم‪ :‬أمل ُأحذركم من أن َت ُّ‬
‫ـمس�وا الناقة بسوء؟ فانتظروا‬
‫العذاب الذي سيأتيكم من عند اهلل ‪.C‬‬
‫ومع ذلك س�خروا منه وظنوا أنه يس�تهزئ هبم أو أنه هيددهم‬
‫ومل يصدق�وا أن العذاب س�يحيط هب�م من كل جان�ب فقالوا له يف‬
‫س�خرية‪[ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ] [‪.]77 :C‬‬
‫فق�ال هلم صالح ‪[ :S‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ] [‪.]65 :K‬‬

‫كيف نزل العذاب على الكافرين‬


‫لق�د وعده�م صالح ‪ S‬أن ينزل هبم الع�ذاب بعد ثالثة‬
‫أي�ام ‪ ..‬وكان�و قد قتل�وا الناقة ي�وم األربعاء وأصبح�ت ثمود يوم‬

‫‪66‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫صفرة‬
‫الـمهلة ‪ -‬ووجوههم ُم َّ‬
‫اخلميس ‪ -‬وهو اليوم األول من أيام ُ‬
‫كام وعدهم صالح ‪.S‬‬
‫وجوه ُهم محراء كام قال هلم‬
‫َ‬ ‫صباح الي�وم الثاين َر َأ ْوا‬
‫ُ‬ ‫ولـَّم�اَّ كان‬
‫والو ْج ِه‬ ‫أيضا؛ ولكنَّهم مل ْهي َت ُّموا بل قالوا لع َّلها َر َّد ُة َّ‬
‫الد ِم إىل اجلسم َ‬ ‫ً‬
‫بعد ُص ْف َر ِة املرض‪.‬‬
‫�و َدا َء ُمظلم ًة‪ ،‬أدركوا‬ ‫وجوه ُهم َس ْ‬
‫َ‬ ‫الثالث ور َأوا‬
‫ُ‬ ‫فلماَّ كان اليو ُم‬
‫أنفس�هم يف األيام الس�ابقة؛ واعتقدوا َّ‬
‫أن األمر‬ ‫أنهَّ م كانو ا خيدعون َ‬
‫أنبأه�م «صالح»؛ ف�أرادوا أن يفتِك�وا بِ ِه وي ْق ُتل�وه قبل أن‬ ‫ُ‬ ‫ِج ٌّ‬
‫�د َكَم�اَ‬
‫يموتوا ُهم!‬
‫واجتمع َن َف ٌر من قومه‪ ،‬وتقاسموا عىل أن ي َت َس َّل ُلوا إليه يف ُجن ِْح‬
‫والن�اس ني�ام؛ فيوقعوا هبم م�ن َغ ِري أن‬ ‫ُ‬ ‫ال َّظلام‪ ،‬ويباغت�وه وأهله‬
‫يراهم أحد‪ ،‬وأجمْ َعوا أمرهم بينهم عىل أن يكون ذلك سرِ ًّ ا مكتو ًما‪،‬‬
‫ال ُيذيعونه‪ ،‬وال يتناقلونه‪.‬‬
‫الرش‪ ،‬وأضمروا له وألهل�ه القتل‪ ،‬ظنًّا منهم أن ذلك‬
‫ب َّيت�وا له َّ‬
‫س�يح ُّل هبم من عقاب؛ ولك َّن‬ ‫ِ‬
‫يعص ُمهم من العذاب‪ ،‬وينجيهم مما‬
‫ُ‬
‫ونج�اه‬
‫اهلل مل ُيمهله�م‪ ،‬ب�ل أحب�ط مكره�م‪ ،‬ور َّد إليه�م كيده�م‪َّ ،‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫مم�ا أرادوا ب�ه‪ ،‬وأنق�ذه والذي�ن آمن�وا معه م�ن الع�ذاب‪ ،‬وأنزل‬
‫بالكافرين عقابه؛ تصدي ًقا لوعده‪ ،‬ومظاهرة لنبيه‪.‬‬
‫نع�م ‪ ..‬لق�د أهلكه�م اهلل ‪ D‬كام وعدهم نب�ي اهلل صالح‬
‫‪ S‬فف�ي الي�وم الثال�ث مل�ا أصبح�وا ووج�دوا وجوهه�م‬
‫ُمس�ودة وكأهنا ق�د ُطليت بالقار قام�وا وحتنَّط�وا و َك َّفن بعضهم‬
‫بعض�ا وقع�دوا ينتظ�رون الع�ذاب ‪ ..‬ال ي�درون م�اذا ُيف َعل هبم‬
‫ً‬
‫وال كيف يأتيهم العذاب‪.‬‬

‫والصاعقة‬
‫بالصيحة والرجفة َّ‬
‫اهلل يعذبهم َّ‬
‫ومل�ا أرشق�ت الش�مس جاءهتم صيح�ة من السماء ورجفة‬
‫ش�ديدة من أس�فل منهم وأصابتهم الصاعقة ففاضت أرواحهم‬
‫وزهقت أنفسهم يف ساعة واحدة‪.‬‬
‫وقع بق�وم ثمود عد َة‬ ‫ُ‬
‫الق�رآن عىل العذاب الذي َ‬ ‫أطلق‬
‫وق�د َ‬
‫أسامء‪ .‬فسماَّ ه‪ :‬صيحة‪ ،‬ورجفة وصاعقة‪.‬‬
‫لح ُظ فيه مرحلة‬ ‫تعار َض بني هذه األسماء‪ُّ ،‬‬
‫فكل اس� ٍم ُت َ‬ ‫وال ُ‬
‫من مراحل ذلك العذاب‪ ،‬ودرجة من درجاته‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫لقد انش� َّقت هبم األرض‪ ،‬فس�معوا هلا صيحة قوية‪ ،‬وصو ًتا‬
‫وحركتهم‪ ،‬ثم صع َق ْتهم وأهلكتهم‪.‬‬
‫عال ًيا‪ ،‬ثم رجفت هبم َّ‬
‫قال ‪[ :c‬ﮚ ﮛ ﮜ] [‪.]83 :S‬‬
‫وزلزل�ت‪ ،‬وس�معوا‬
‫األرض أم�ا َم ثم�ود‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫لق�د انش� َّقت‬
‫ِ‬
‫النشقاقها صو ًتا عال ًيا‪ ،‬وصيحة ُمدوية‪.‬‬
‫نتج عنه�ا رجف ٌة‬
‫الـمدوي� ُة التي س�معوها َ‬
‫وه�ذه الصيح� ُة ُ‬
‫قوية‪.‬‬
‫قال ‪[ :c‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ]‬
‫[‪]78 :C‬‬

‫وقع�ت بع�د الصيحة‪ ،‬فق�و ُم ثمو َد س�معوا‬


‫ْ‬ ‫وه�ذه الرجف� ُة‬
‫وحتركت حرك ًة‬
‫ْ‬ ‫رجفت هبم األرض بعد ذلك‪،‬‬
‫ْ‬ ‫صيح� ًة قوية‪ ،‬ثم‬
‫كبريا بعد الصيحة‪.‬‬
‫ً‬ ‫لزلت زلزالاً‬
‫وز ْ‬ ‫شديد ًة‪ُ ،‬‬
‫الواقع‬
‫َ‬ ‫الع�ذاب‬
‫ُ‬ ‫�مي‬
‫فس ِّ‬
‫ث�م ُصعقوا بعد الصيحة والرجفة‪ُ ،‬‬
‫هب�م «صاعق�ة»‪ .‬ق�ال ‪[ :c‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ] [‪.]17 :I‬‬
‫بالصاعق�ة‪ ،‬وكان�وا ينظ�رون وهم‬ ‫لق�د ُص ِع َ‬
‫�ق ق�و ُم ثم�ود َّ‬

‫‪n‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫غير قادري�ن عىل‬ ‫ِ‬
‫مصعوق�ون‪ ،‬عاج�زون ع�ن احلرك�ة أواهل�رب‪ُ ،‬‬
‫االنتصار أو دفع ذلك العذاب عنهم‪.‬‬
‫طغت ثمود‪ ،‬ومل يلتفتوا لتحذير صالح ‪ ،S‬و َأقدموا‬
‫ْ‬ ‫لقد‬
‫اهلل هب�م الع�ذاب‪ ،‬وأخذه�م بالصيح�ة‬
‫فأوق�ع ُ‬
‫َ‬ ‫على عق�ر الناق�ة‪،‬‬
‫وس�وى مكاهنم باألرض‪ ،‬أو‬
‫َّ‬ ‫والرجف�ة والصاعقة ودمد َم عليهم‪،‬‬
‫سوى األرض هبم!‬
‫َّ‬
‫اهلل ثمو َد ب َعدلِ ِه‪ ،‬وعا َقبهم جزا ًء عىل كفرهم وطغياهنم‪،‬‬
‫هلك ُ‬‫َأ َ‬
‫�وى‬
‫وس َّ‬
‫عمهم مجي ًعا‪َ ،‬‬
‫العذاب‪ ،‬حتى َّ‬
‫َ‬ ‫وأطبق عليهم‬
‫َ‬ ‫ودمد َم عليهم‪،‬‬
‫خياف متاب ًعا يتابعه‪،‬‬‫القوي احلكيم الع�ادل‪ ،‬فال ُ‬ ‫ُّ‬ ‫األرض هب�م‪ ،‬وهو‬
‫نكر عليه‪ ،‬فهو الف َّع ُال ملا يريد‪ ،‬ال را َّد‬
‫نكريا ُي ُ‬
‫وال حماس ًبا حياسبه‪ ،‬وال ً‬
‫ب عىل ِ‬
‫دمار‬ ‫وصواب‪ ،‬وهل�ذا ع َّق َ‬
‫ٌ‬ ‫عدل وحكم ٌة‬‫ألم�ره‪ ،‬وفع ُل�ه ك ُّله ٌ‬
‫ثمود بقوله‪[ :‬ﮒ ﮓ ﮔ] [‪.]15 :u‬‬
‫[ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ] [‪ .]78 :C‬رصع�ي ال أرواح‬
‫أحد‪ ،‬ال صغير وال كبري‪ ،‬وال ذكر وال أنثى‬
‫فيه�م‪ ،‬ومل يفلت منهم ٌ‬
‫الس�لق‪ .‬ويقال هلا‪:‬‬
‫قعدة ‪ -‬واس�مها‪ :‬كلبة ابنة َّ‬
‫إال جاري�ة كان�ت ُم َ‬
‫الزريقة‪.‬‬

‫‪70‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫وكان�ت كاف�ر ًة ش�ديدة الع�داوة لصال�ح ‪ S‬فلما رأت‬


‫ما رأت من العذاب ُأطلقت رجالها‪ ،‬فقامت تسعى كأرسع يشء‪،‬‬
‫فأت�ت ح ًّي�ا من األحي�اء‪ ،‬فأخربهتم بما رأت وما َّ‬
‫ح�ل بقومها ‪ ،‬ثم‬
‫طلبت منهم رشبة ماء فلام رشبت ماتت‪.‬‬
‫قال ‪[ :c‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ]‬
‫[‪]78 :C‬‬

‫وقال ‪[ :c‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ‬


‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ] [‪.]31 - 29 :i‬‬
‫أم�ا الذين آمنوا بس�يدنا صالح‪ ،‬فكانوا قد غ�ادروا املكان مع‬
‫نبيه�م ونجوا‪ ... ،‬ق�ال اهلل ‪[ :E‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ] [‪.]68 - 66 :K‬‬

‫صالح ‪ُ S‬يـخاطبهم بعد هالكهم‬


‫ديار ثمود منهم‪ ،‬وأصبحت خاوية‪ ،‬كأن مل يك ْن هبا‬ ‫خلت ُ‬‫لقد ْ‬
‫ِ‬
‫عذاب اهلل‪ ،‬وخ َّلفوا ورا َءهم‬ ‫يتحركون‪ .‬وذهبت ثمو ُد إىل‬
‫س�اكنون َّ‬

‫‪n‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫بيوهتم وممتلكاهتم‪ ،‬التي أقاموا فيها ما أقاموا ‪ ...‬وها هم قد غادروها‬
‫ُمك َْرهني ُم َّ‬
‫عذبني‪ ،‬كأن مل ي ْغنواومل يقيموا فيها‪.‬‬
‫عدا لثمود‪ ،‬وسح ًقا هلم‪ ،‬و َتبا وخسار ًة هلم‪ِ ،‬‬
‫وخز ًيا وذُلاًّ هلم‪،‬‬ ‫أال ُب ً‬
‫ًّ‬ ‫ُ‬
‫بس�بب كفره�م وطغياهنم‪،‬وهي‬ ‫ِ‬ ‫وهذه هي النهاي ُة التي يس�تحقوهنا‬
‫نفسها هناي ُة كل قو ٍم كافرين‪.‬‬
‫ُ‬
‫وش�اهد‬
‫َ‬ ‫عذبني‪،‬‬ ‫الـم َّ‬
‫صالح ‪ S‬على أطالل قومه ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ووق�ف‬
‫َ‬
‫ُجثثه�م رصع�ي كهش�يم املحتظِ�ر‪ ،‬فع َّقب على هذا قائًل�اً هلم وهم‬
‫أم�وات‪[ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ] [‪.]79 :C‬‬
‫لقد قا َم صالح ‪ S‬بواجبه نحو قوم ثمود‪ ،‬وب َّل َغهم رس�ال َة‬
‫كل ما يملكه جتاههم‪.‬‬ ‫وأخلص يف ُنصحه‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫َ‬ ‫ونصح هلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫اهلل‪،‬‬
‫أ َّم�ا ُهم فقد أغلقوا أم�ا َم ُنصحه قلوبهَ م‪ ،‬ورفض�وا دعو َته هلم‪،‬‬
‫فوقع هبم العذاب!!‬

‫‪sss‬‬

‫‪72‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الدروس المستفادة من القصة‬


‫‪ s‬أن املس�لم الب�د أن يعترب بما حدث ملن قبل�ه فيكون ذلك‬
‫سب ًبا الستقامته عىل أمر اهلل ‪ ... C‬فقد رأينا كيف أن قوم ثمود‬
‫مل يعتربوا بام حدث لقوم ٍ‬
‫عاد فهلكوا كام هلكت قوم عاد‪.‬‬
‫‪ s‬أن الش�كر جيلب املزيد ‪ ..‬فلو شكر قوم ثمود رهبم ‪C‬‬
‫عىل نعمه التي أنعم هبا عليهم لكان ذلك س�ب ًبا لس�عادهتم ولكنهم‬
‫كفروا باهلل وجحدوا نعمه فاستحقوا العذاب‪.‬‬
‫‪ s‬أن أكث�ر األم�م الكاف�رة رفضت قب�ول احلق ألهن�م كانوا‬
‫يتمس�كون بدين اآلباء واألجداد ولو كانوا عىل الرشك والكفر ‪...‬‬
‫واحدا وهو رس�ول اهلل حممد بن عبد‬
‫ً‬ ‫أما املس�لم فال يتبع إال رجلاً‬
‫اهلل ‪.0‬‬
‫‪ s‬أن أع�داء الدي�ن إذا مل جيدوا عندهم ُحج�ة َير ُّدون هبا عىل‬
‫أهل احلق جلأوا إىل االهتامات الساذجة الكاذبة‪.‬‬
‫‪ s‬أن اهلل ‪ D‬يؤي�د رس�له باملعج�زات ليثبته�م ويكب�ت‬
‫أعداءهم‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ال�د ُّال عىل الرش‬ ‫َّ‬
‫ال�دال على اخلير كفاعل�ه ‪ ..‬وكذلك َّ‬ ‫‪ s‬أن‬
‫ٌ‬
‫ش�ارك هلم‬ ‫كفاعل�ه‪ ،‬فمن د َّلـهم عىل قتل الناقة و َمن ريض بقتلها ُم‬
‫يف اجلريمة‪.‬‬
‫نجى‬
‫‪ s‬أن العاقب�ة دائماً تكون أله�ل اإليامن والتقوى ‪ ..‬فقد َّ‬
‫اهلل أهل اإليامن وأهلك أهل الرشك والكفران‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪74‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫كلب أصحاب الكهف‬


‫فقد كان أهل مدينة أفس�وس يكفرون باهلل ويعبدون األصنام‬
‫واألوثان ويس�جدون هل�ا من دون اهلل ‪ C‬على الرغم من تلك‬
‫النِّع�م العظيم�ة التي أس�بغها اهلل عليه�م ‪ ...‬وتلك احلض�ارة التي‬
‫وصل�وا إليه�ا ‪ ..‬وم�ع ذل�ك فق�د تركواعب�ادة اهلل ‪ D‬وذهب�وا‬
‫ٍ‬
‫ألحجار ال تنفع وال ترض‪.‬‬ ‫يسجدون‬
‫وكافرا اسمه «دقيانوي» ‪..‬‬
‫ً‬ ‫وكان حاكم هذه املدينة رجلاً ظا ًملا‬
‫فقد كان يأمر الناس بعبادة األصنام وبأن يذبحوا و ُيقدموا القرابني‬
‫لتلك األصنام‪.‬‬
‫أح�دا يعب�د اهلل ‪ C‬وال يعبد األصنام ُيعذبه‬
‫ً‬ ‫وكان إذا رأى‬
‫ش�ديدا لدرجة أن�ه كان إذا رأى رجلاً مؤمنً�ا كان يضعه يف‬
‫ً‬ ‫عذا ًب�ا‬
‫أسدا جائ ًعا ليأكله‪.‬‬
‫السجن و ُيطلق عليه ً‬
‫ويف يوم من األيام خرج أهل هذه املدينة إىل ٍ‬
‫عيد من أعيادهم‪..‬‬
‫فخ�رج ه�ؤالء الفتي�ة معه�م ونظ�روا إىل قومهم وهم يس�جدون‬
‫ويذبح�ون لألصن�ام ‪ ...‬فألق�ى اهلل ن�ور اإليمان يف قل�وب هؤالء‬

‫‪n‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫الش�باب ‪ -‬وكانوا من س�ادة القوم ‪ -‬فرتكوا قومهم يف هذا العيد‬
‫واعتزلوهم‪.‬‬
‫بعيدا حتت ظل ش�جرة ثم‬ ‫ٍ‬
‫واحد منهم وجلس ً‬ ‫فذه�ب أول‬
‫أتى إليه الثاين فالثالث ‪ ..‬إىل أن اجتمع السبعة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واح�د منه�م يكتم إيامنه خو ًفا م�ن أصحابه حتى‬ ‫وكان ك ُُّل‬
‫ال خيرب أحدهم هذا امللك الظامل فيجعله طعا ًما لألسد‪.‬‬
‫واحد منهم وقال‪ :‬تعلمون واهلل ما أخرجكم من‬
‫ٌ‬ ‫وفجأة قام‬
‫قومك�م إىل ه�ذا امل�كان إاليشء يف صدوركم‪ ،‬فتعال�وا نتصارح‬
‫فيام بيننا‪.‬‬
‫ُث َّم قال‪ :‬أما أنا فإين أرى أن قومنا عىل الباطل ‪ ...‬فهم يصنعون‬
‫تلك التامثيل بأيدهيم ثم يس�جدون هل�ا من دون اهلل ‪ ..‬وهي التي‬
‫ال تسمع وال ُتبرص وال تنفع وال ترض ‪ ...‬فكيف يسجدون لتلك‬
‫األصنام وال يس�جدون هلل الذي خلق الساموات واألرض ورفع‬
‫السامء بغري ٍ‬
‫عمد وجعل فيها الشمس والقمر وز َّينها بالنجوم‪.‬‬
‫فق���ال الثان���ي‪ :‬صدقت يا أخ�ي فلقد خطر بب�ايل كل ذلك‬
‫وقل�ت يف نفسي‪ :‬أليس اهلل ‪ C‬ال�ذي خلق البح�ار واألهنار‬

‫‪76‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫واجلبال واألش�جار وأنعم علينا بكل هذه النعم هو الذي يس�تحق‬
‫أن نعبده و ُنوحده‪.‬‬
‫وقال الثالث‪ :‬صدقتام ‪ ...‬كيف نعبد أصنا ًما من دون اهلل الذي‬
‫َّ‬
‫وس�خر الك�ون كله لنا ثم نعبد‬ ‫خل�ق الكائنات كلها وأبدع َخل َقها‬
‫أبدا‪..‬‬
‫غريه ‪ ...‬هذا ال يكون ً‬
‫وتكلم الباقون مثل كالمهم ثم قالوا مجي ًعا‪[ :‬ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ] [‪.]14 :Y‬‬
‫ي�دا واحدة‬
‫فتصارح�وا وأعلن�وا إيامهن�م فيما بينه�م وصاروا ً‬
‫وأصبحوا إخوا ًنا متحابني يف اهلل ‪.C‬‬
‫بعيدا عن قومهم‪.‬‬
‫معبدا يعبدون اهلل فيه ً‬
‫واختذوا ألنفسهم ً‬
‫خي�وض فيه الق�وم‪ ،‬ويضطرب‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫واح�د خي�وض فيام‬ ‫َّ‬
‫وظ�ل كل‬
‫فيام يضطرب فيه الناس؛ حتى إذا ما خال بنفسه‪ ،‬واجتمع مع قلبه‪،‬‬
‫قد ًسا‪.‬‬ ‫عابدا ُم َص ِّليا‪ِّ ،‬‬
‫ومنز ًها و ُم ِّ‬ ‫ـج َه إىل اهلل ً‬
‫ا َّت َ‬
‫ولك�ن بع�د فرتة يسيرة عرف قومه�م أهنم آمن�وا باهلل ‪C‬‬
‫فأخربوا هذا امللك الظامل‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪77‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فلام علم امللك بإيامن هؤالء الش�باب أرسل إليهم فجاءوا إليه‬
‫وهم خيشون أن يفعل هبم كام فعل بمن سبقهم لإليامن بأن جعلهم‬
‫طعا ًما ل ُ‬
‫ألسود‪.‬‬
‫ولكن اهلل ث َّبتهم وربط عىل قلوهبم فقالوا كلمة احلق أمام هذا‬
‫احلاكم الظامل ودعوه إىل اهلل ‪.C‬‬
‫فتعال�وا بنا لنرى ماذا صنع معهم ه�ذا امللك الظامل الذي يعبد‬
‫األصنام من دون اهلل ‪.C‬‬
‫ق�ال هلم املل�ك‪ :‬لقد علمت أنك�م صبأتم وتركت�م دين اآلباء‬
‫واألج�داد ودخلت�م يف ٍ‬
‫دي�ن آخ�ر ‪ ..‬ولو كنت�م من عامة الش�عب‬
‫لرتكتك�م وش�أنكم ولكنك�م م�ن أرشاف الق�وم ولو عل�م الناس‬
‫بدينك�م التبعوك�م ودخل�وا يف دينك�م ‪ ...‬ويف ذلك إفس�ا ٌد لتلك‬
‫لـملكي‪.‬‬
‫وضياع ُ‬
‫ٌ‬ ‫اململكة‬
‫واعلم�وا أين لن أتعجل يف عذابكم بل س�أترككم لتفكروا يف‬
‫ش�أنكم و ُتراجعوا أنفس�كم ‪ ...‬فإم�ا أن ترجعوا إىل دينن�ا وإما أن‬
‫أشالء لتكونوا عربة للناس من حولكم‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ُأمزق أجسادكم إىل‬
‫فرب�ط اهلل عىل قلوهبم وث َّبتهم فقال�وا‪ :‬أهيا امللك إن هذا الدين‬

‫‪78‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫كرهني ب�ل دعتنا إليه الفطرة الس�ليمة‬
‫مل ندخ�ل في�ه ُمقلدين وال ُم َ‬
‫الت�ي جعلها هلل يف قلوبن�ا‪ ،‬ولن نعبد إال اهلل الذي خلق الس�موات‬
‫واألرض‪ ،‬وأس�بغ علين�ا نِ َعم�ه ظاهرة وباطن�ة ‪ ..‬وأم�ا قومنا فقد‬
‫تقلي�دا لآلباء م�ن غري ُح َّج�ة وال ُبرهان ‪...‬‬
‫ً‬ ‫عب�دوا تل�ك األصنام‬
‫وإ َّن�ا ندعوك أهيا امللك إىل عب�ادة اهلل الواحد القهار ليجمع اهلل لك‬
‫س�عادة الدنيا واآلخرة‪ ،‬فإن كنت ال تريد عبادة احلق ‪ C‬فنحن‬
‫لن نرتك عبادته طرفة عني فافعل بنا ما تريد فإن عذاب الدنيا أهون‬
‫من عذاب اآلخرة‪.‬‬
‫فغضب عليهم امللك‪ ،‬وأمر بنزع لباس الزينة عنهم الذي كان‬
‫عليهم من زينة قومهم‪ ،‬وهددهم إن مل يعودوا إىل دين قومهم‪.‬‬
‫أجلهم لينظروا يف أمرهم لعله�م يرجعون‪ ،‬وكان هذا ِمن‬
‫ث�م َّ‬
‫ُلطف اهلل هبم ألهنم توصلوا هبذا التأجيل إىل اهلرب والفرار بدينهم‬
‫من الفتنة‪.‬‬
‫فكَّ�ر أولئ�ك الفتية املؤمن�ون يف اخلطوة التالي�ة‪ ،‬فوجدوها يف‬
‫العزلة‪ ،‬فقرروا اعتزال قومهم‪.‬‬
‫إهنم مؤمنون‪ ،‬وقومهم كافرون‪ ،‬وال جمال ألن يعيشوا معهم‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪79‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ٍ‬
‫كهف يف‬ ‫خرج�وا من املدين�ة إىل اجلبال‪ ،‬وقرروا أن ي�أووا إىل‬
‫جبل‪.‬‬
‫وكان معهم نقو ٌد قد ُن ِق َش عليها اس�م ه�ذا امللك الظامل الذي‬
‫هددهم بالقتل إن مل يرجعوا عن دينهم‪.‬‬
‫ودخل�وا الكه�ف ومل يدخل معه�م الكلب؛ ألن�ه نجس وقد‬
‫حارسا عىل‬
‫ً‬ ‫يلمس ثياهبم أو أبداهنم ف ُينجس�ها ‪ ..‬فقرروا أن جيعلوه‬
‫باب الكهف ‪ ..‬فيحرسهم من اللصوص ومن أتباع امللك وجنوده‬
‫إذا ج�اؤوا بح ًثا عنه�م وليدافع عنهم إذا جاءهتم حي�ة أو ثعبان أو‬
‫ضرب به املثل يف‬
‫أس�د أو غري ذل�ك ‪ ..‬وهم يعلم�ون أن الكلب ُي َ‬
‫ٌ‬
‫أبدا عن خدمة صاحبه وحراس�ته والدفاع‬
‫الوف�اء ‪ ..‬فه�و ال يتخىل ً‬
‫عنه حتى لو كانت حياته فدا ًء لصاحبه‪.‬‬
‫أم�ا ه�ؤالء الش�باب املؤمن�ون فق�د دخل�وا الكه�ف وقالوا‪:‬‬
‫[ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ] [‪ .]10 :Y‬وكان�ت‬
‫الرحلة من « ُأفس�وس» إىل الكهف طويلة فشعروا بالتعب الشديد‬
‫ونام�وا عىل األرض لينالوا قس� ًطا من الراحة بع�د رحلة الفرار إىل‬
‫اهلل ‪.C‬‬
‫وطلبوا من اهلل أن ينرش عليهم يف الكهف من رمحته‪.‬‬

‫‪80‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫واس�تجاب اهلل هل�م‪ ،‬فكان�ت رمح� ُة اهلل عليه�م يف الكه�ف‪،‬‬
‫�خر هل�م اآليات‪ .‬فأمر الش�مس أن‬ ‫وس َّ‬
‫حي�ث َيَّس�رَّ اهلل هلم األمر‪َ ،‬‬
‫متس أجسادهم‪ ،‬حتى ال تؤذهيا‪ ... ،‬كانت عند الصباح تمَ ُيل عن‬ ‫ال َّ‬
‫أجسادهم‪ ،‬فال تقع عليها‪ ،‬وكانت عند الغروب متيل عنها كذلك‪،‬‬
‫فال تأتيها‪ ،‬وكانوا يف فجوة وسط الكهف‪.‬‬
‫ومعن�ى ه�ذا أن الش�مس كانت تدخ�ل الكه�ف فتقيض عىل‬
‫اجلراثيم وامليكروبات و ُتغري ذلك اهلواء حتى ال يفس�د وال تتسلط‬
‫أشعتها عليهم مبارشة حتى ال حترتق أجسادهم وال مالبسهم وإنام‬
‫ينتفعون بحرارهتا وأشعتها ودفئها دون أي رضر‪.‬‬
‫وم�ن آيات اهلل عليهم يف الكه�ف‪ :‬أن عيونهَ م كانت مفتوحة‪،‬‬
‫ف�كان الناظ�ر إليه�م حيس�بهم أيقا ًظ�ا ينظرون إلي�ه‪ ،‬مع أهن�م نِيا ٌم‬
‫راقدون‪.‬‬
‫وحت�ى ال ت�أكل األرض أجس�ادهم‪ ،‬كان اهلل يق ِّلبهم مرة عىل‬
‫اليمني‪ ،‬ومرة عىل الشامل‪.‬‬
‫وكان معهم كلبهم الذي صحبهم‪ ،‬حيث جلس عىل عتبة باب‬
‫الكهف‪ ،‬وبسط ذراعيه‪ ،‬ونام مثل نومتهم‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫أحد عليهم وهم ُرقو ٌد‪ ،‬قذف اهلل يف قلب كل‬
‫وحتى ال يعتدي ٌ‬
‫ِ‬
‫م�ن ينظر إليهم الرعب‪ ،‬بحيث ل�و ا َّطلع عليهم‪ ،‬لولىَّ منهم ف ً‬
‫رارا‪،‬‬
‫ولـم ِل َئ منهم ُرع ًبا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ونام�وا نومتهم الطويلة‪ ،‬حي�ث بقوا عىل هذه الصورة ثالثامئة‬
‫وتسع سنوات!‬
‫وكان الفتي�ة قد نام�وا تلك الس�نوات الطويل�ة دون طعا ٍم أو‬
‫أحد منهم بجو ٍع أو عطش‬ ‫ٍ‬
‫رشاب ‪ ..‬ومع ذلك مل يموتوا ومل يشعر ٌ‬
‫‪ ..‬وكل ذلك بقدرة اخلالق ‪.C‬‬
‫وتعاقبت األيام ومضت األعوام ‪ ...‬وبعد هذا الزمان الطويل‬
‫بعثهم اهلل ‪ D‬من نومهم‪ ،‬وقد تغري كل يشء يف هذا الكون‪..‬‬
‫وولد آخ�رون وقامت دول وس�قطت دول‬ ‫فقد م�ات أق�وام ُ‬
‫بكل ما عليها و َمن‬ ‫ٌ‬
‫ملوك وجاء آخرون ‪ ..‬تغيرت األرض ِّ‬ ‫وم�ات‬
‫عليها‪.‬‬
‫لق�د بعثه�م اهلل م�ن نومهم فقام�وا من نومهم وهم يش�عرون‬
‫ٍ‬
‫ش�ديد يف أجس�ادهم ‪ ...‬وأخذوا يتس�اءلون فيما بينهم عن‬ ‫ٍ‬
‫بتعب‬
‫املدة التي أقاموها يف الغار‪[ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ] [‪.]19 :Y‬‬

‫‪82‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ِ‬
‫يمض هبم‪ ،‬وأن عجل�ة التاريخ واقف ٌة عند‬ ‫ظا ِّنين أن الزم�ن مل‬
‫كهفهم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ساعات طويلة رقدناها‪،‬‬ ‫ـخ َّي ُل إ َّىل أن‬
‫واحد منهم يسأل‪ُ :‬ي َ‬
‫ٌ‬ ‫قال‬
‫فام تظنون يا رفاق؟‬
‫ق�ال الث�اين‪ :‬ربام نك�ون قد لبثن�ا يو ًما‪َّ ،‬‬
‫ف�إن هذا اجل�وع الذي‬
‫ُن ِحسه‪ ،‬وال َّتعب الذي نشعر به‪َ ،‬لي ِ‬
‫ؤذن بام أظن‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وق�ال الثال�ث‪ :‬نح�ن قد رقدن�ا يف الصب�اح‪ ،‬وهذه الش�مس‬
‫بعضا من يوم‪.‬‬
‫مل تغرب فام أظن إال أننا قد لبثنا ً‬
‫وقال الرابع‪ :‬دعونا من تساؤلكم‪ ،‬فاهلل أعلم بام لبثتم‪ ،‬ولكنني‬
‫واحد منكم‬
‫ٌ‬ ‫فليذهب‬
‫ْ‬ ‫شديدا‪ ،‬وكأين مل أط َعم منذ ٍ‬
‫ليال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أحس جو ًعا‬
‫إىل املدينة يلتمس لنا طعا ًما‪.‬‬
‫ولك�ن علي�ه أن يكون َح ِذ ًرا حت�ى ال يعرفه أح�د ‪ ..‬فإهنم لو‬
‫عرفوه وعرفوا مكاننا فسوف يقتلوننا أو يفتنونا عن ديننا‪.‬‬
‫[ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬

‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬

‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ] [‪.]20-19 :Y‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪83‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫واحد منهم باح ًثا عن الطعام ‪ ..‬ويف يديه تلك العمالت‬
‫ٌ‬ ‫فخرج‬
‫الفضي�ة التي ُنقش عليها صورة ذلك امللك الظامل الذي كان يعيش‬
‫يف تلك املدينة وحيكمها منذ أكثر من ثالثامئة عام‪.‬‬
‫فلام مش�ى يف ُطرقات املدينة وجد أن املدينة قد تغريت معاملها‬
‫كلها ‪ ..‬فالناس ليس�وا هم الناس‪ ،‬والطرقات ليست هي الطرقات‬
‫التي يعرفها ‪ ..‬والبيوت غري البيوت‪..‬‬
‫قصورا‪ ،‬وتلك قصور أمس�ت خرائب‬
‫ً‬ ‫هذه خرائ�ب أضحت‬
‫وأطاللاً ‪ ،‬وتلك وجوه مل يعرفها‪ ،‬وصور مل يألفها‪:‬‬
‫����م‬ ‫أم�������ا ال ِّ‬
‫������دي������ار ف���إن���ه���ا ك����دي����اره ْ‬ ‫َّ‬
‫غ��ي��ر ِر َج�����ا ِل����� ِه‬
‫وأرى رج�������ال احل�����ي َ‬
‫أخذ يفكر يف نفسه ‪ ...‬هل ذهبنا إىل ٍ‬
‫بالد ُأخرى ونحن نائمون‬
‫‪ ..‬أم دارت األرض م�ن حتتن�ا ونحن ال نش�عر ‪ ...‬حتيرت نظراته‬
‫وكث�رت لفتاته وظه�ر عليه االضط�راب واحلرية حتى ب�دأ الناس‬
‫ينظرون إليه يف دهشة واستغراب‪.‬‬
‫أغريب أنت عن ه�ذا البلد؟ وفي�م تتأمل؟‬
‫ٌ‬ ‫أحده�م‪:‬‬
‫ق�ال ل�ه ُ‬
‫وعلا َم تبح�ث؟ ق�ال‪ :‬لس�ت غري ًب�ا‪ ،‬ولكنن�ي أبحث ع�ن طعام‬

‫‪84‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫َ‬
‫مكان بيعه‪ ،‬وأخ�ذ الرجل بيده حتى انتهى به إىل‬ ‫أشتريه‪ ،‬فال أرى‬
‫املطعم وطلب من البائع طعا ًما‪ ،‬فنظر إليه البائع متعج ًبا ملنظره‪.‬‬
‫فلما جهز ل�ه الطعام وطلب من�ه ثمن الطعام‪ ،‬أعطاه الش�اب‬
‫تل�ك الفلوس الفضي�ة التي كان عليها ص�ورة دقيانوس‪ :‬فتعجب‬
‫البائع‪ ،‬وقال له‪ :‬من أين لك هذا املال؟‬
‫فق�ال الش�اب‪ :‬إن�ه امل�ال ال�ذي نتعام�ل ب�ه ‪ ..‬وه�ذه صورة‬
‫دقيانوس‪.‬‬
‫فقال البائع‪ :‬هل أنت جمنون ‪ ..‬إن دقيانوس ‪ -‬عليه لعنة اهلل ‪-‬‬
‫مات منذ أكثر من ثالثامئة سنة‪.‬‬
‫وأحس بأن الدماء قد‬
‫َّ‬ ‫فتعجب الشاب وهو يسمع هذا الكالم‬
‫جتمدت يف عروقه‪ ،‬فتجمع الناس حول هذا الشاب‪.‬‬
‫وبدأ الناس يسألونه‪ :‬هل عثرت عىل ٍ‬
‫كنز أهيا الفتى؟ إهنا ُعملة‬
‫مر عليها أكثر من ثالثامئة سنة‪.‬‬
‫قديمة قد َّ‬
‫أح�س الش�اب ب�أن الدماء ق�د توقف�ت يف عروقه وق�ال هلم‪:‬‬
‫َّ‬
‫كنزا حصلت‬
‫يا قوم ليس األمر كام تظنون ‪ ...‬وليس�ت هذه النقود ً‬
‫علي�ه وإنما هي نقود أخذهتا من والدي أمس وأريد أن أشتري هبا‬
‫طعا ًما اليوم فام الذي يدعوكم إىل الدهشة؟‬
‫‪n‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫�م بالع�ودة؛ خش�ي َة أن يقتض�ح أم�ره‪ ،‬أو تظه�ر حقيقة‬ ‫ُث َّ‬
‫�م َه َّ‬
‫حال�ه‪ ،‬ولكنهم عادوا فرفقوا به؛ وتل َّط ُفوا معه يف القول‪ ،‬وحاوروه‬
‫أش�د ذهوهل�م حينام علم�وا أنه أح�د الفتية‬ ‫ّ‬ ‫يف احلدي�ث‪ ،‬وم�ا كان‬
‫األرشاف؛ الذين هربوا من تس� ٍع وثالثامئة س�نة م�ن َم ِل ِكهم اجلائر‬
‫الكاف�ر؛ وأهن�م ه�م الذين طلبهم املل�ك فلم يظفر هبم‪ ،‬ونش�دهم‬
‫هيتد إليهم‪ ،‬وما كان أش�د خوف الش�اب حينام علم أهنم فطنوا‬ ‫فلم ِ‬

‫وهم باهلروب‪.‬‬
‫قصته‪ ،‬فخاف عىل نفسه وإخوانه‪َّ ،‬‬
‫ألمره‪ ،‬وعرفوا َّ‬
‫ق�ال ل�ه أحده�م‪ :‬ال َتـخف يا ه�ذا‪ ،‬إن امللك ال�ذي ختافه قد‬
‫مات من نحو ثالثامئة عام‪ ،‬وإن امللك الذي جيلس اآلن مؤمن باهلل‬
‫كام تؤمنون‪.‬‬
‫وأخذوه إىل ملكهم‪ ،‬فسأله عن شأنه فأخربه بأمره وهو متحري‬
‫يف حال�ه وم�ا هو فيه فقام ملك البلد وأهله�ا ‪ ..‬حتى انتهى هبم إىل‬
‫الكهف فقال هلم‪ :‬دعوين أتقدمكم يف الدخول ألُعلم أصحايب ‪...‬‬
‫فدخ�ل‪ ،‬ف ُيقال‪ :‬إهنم ال ي�درون كيف ذهب فيه‪ ،‬وأخفى اهلل عليهم‬
‫خربه�م‪ ،‬و ُيقال‪ :‬بل دخل�وا عليهم ورأوهم‪ ،‬وس� َّلم عليهم امللك‬
‫واعتنقه�م وكان مس�لماً فيام قي�ل‪ ،‬ففرحوا به وآنس�وه بالكالم‪ ،‬ثم‬
‫و َّدعوه وس َّلموا عليه‪ ،‬وعادوا إىل مضاجعهم وتوفاهم اهلل ‪.D‬‬
‫‪86‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فاختلف�وا فيه�م‪ ،‬وتنازعوا بينه�م أمرهم‪ ،‬م�اذا يفعلون هبم؟‬
‫فمنهم من قال‪ :‬ابنوا عليهم بنيا ًنا‪ ،‬رهبم أعلم هبم‪.‬‬
‫مس�جدا‪ .‬وهكذا‬
‫ً‬ ‫ولك�ن احلاكمني فيهم قرروا أن يبنوا عليهم‬
‫تم بناء املسجد عليهم!‬
‫كان‪ ،‬حيث َّ‬
‫وه�ذا ٌ‬
‫خطأ كبير؛ َّ‬
‫ألن النبي ‪ 0‬هنى ع�ن اختاذ القبور‬
‫مساجد ُيصليَّ فيها‪.‬‬
‫القص�ة اجلميل�ة أن ذل�ك الكلب‬ ‫ٍ‬
‫درس يف ه�ذه َّ‬ ‫إلاَّ أن أعظ�م‬
‫�ع َد بصحبتهم‬‫الذي أحب هؤالء الش�باب املؤمن وصحبهم قد س ِ‬
‫َ‬
‫حتى ذكره اهلل ‪ D‬يف كتابه‪.‬‬
‫�ع َد بصحبة أهل اإليمان ‪ ...‬أال‬‫ف�إن كان ذل�ك الكل�ب قد س ِ‬
‫َ‬
‫حي�رص أحدنا عىل صحب�ة أهل اإليامن والتوحيد ليس�عد يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪87‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الدروس المستفادة‬
‫‪ s‬أن قصة أصحاب الكهف وإن كانت عجيبة إال أهنا ليست‬
‫من أعجب آيات اهلل فإن اهلل عىل كل يشء قدير‪.‬‬
‫‪ s‬أن اهلل يصطف�ى وخيت�ار عب�اده املؤمنين الذي�ن ُيرشفه�م‬
‫بعبادت�ه ‪ ...‬وقد رأين�ا كيف اصطفى اهلل ه�ؤالء الفتية ليكونوا من‬
‫عباده املوحدين‪.‬‬
‫‪ s‬أن العب�د إذا خشي الفتنة يف دينه فإن�ه ينبغي عليه أن يكتم‬
‫إيامنه‪.‬‬
‫‪ s‬أن اهلل هو الذي يربط عىل قلب العبد و ُيثبته عىل اإليامن‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مكان ما ‪ ...‬فعليه‬ ‫أحس بأنه س�يفقد دينه يف‬
‫‪ s‬أن املس�لم إذا َّ‬
‫يفر بدينه إىل أي مكان آخر‪ ،‬يتمكن فيه من عبادة ربه ‪.D‬‬ ‫أن َّ‬
‫ضحى بنفس�ه يف س�بيل اهلل وترك أهله وبلده ليعبد‬
‫‪ s‬أن َمن َّ‬
‫اهلل فإن اهلل يتواله وحيفظه بحفظه‪.‬‬
‫بالدين خش�ية الفتنة من ُس�نن‬
‫‪ s‬أن اهلج�رة م�ن أجل الفرار ِّ‬
‫األنبي�اء واملرس�لني‪ ،‬فقد هاجر أبو األنبي�اء إبراهيم ‪ ،S‬وقد‬

‫‪88‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫هاجر خاتم األنبياء واملرس�لني نب ُّينا حممد ‪ ،0‬وغريمها من‬
‫األنبياء‪.‬‬
‫‪ s‬النه�ي عن بناء املس�اجد عىل القبور‪ ،‬أو إدخ�ال القبور يف‬
‫نسب إىل األولياء والصاحلني ‪ ...‬وما أكثر األرضحة‬
‫املساجد التي ُت َ‬
‫فضلة‪ ،‬حيث انترشت‬
‫الـم َّ‬
‫يف مس�اجد املسلمني وذلك بعد القرون ُ‬
‫البدع والضالالت والرشكيات‪ ،‬وأصبح ُيطاف هبذه األرضحة كام‬
‫ُيط�اف حول الكعبة و ُيس�تغاث بصاحب القرب‪ ،‬و ُي َ‬
‫ن�ذر له و ُيد َعى‬
‫من دون اهلل وغري ذلك من العبادات التي ال تكون إال هلل وحده ال‬
‫رشيك له وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬
‫‪ s‬ق�درة اهلل على اخللق واإلماتة والبع�ث ‪ ..‬فإن اهلل عىل كل‬
‫يشء قدير‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪89‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫دابة أصحاب األخدود‬


‫وه�ا هي قصة داب�ة أصحاب األخ�دود ‪ ...‬تل�ك الدابة التي‬
‫كان موهتا س�ب ًبا يف ثبات الغالم البطل عىل إيامنه ‪ ..‬بل وكانت سب ًبا‬
‫يف إظه�ار كرامة هذا الغالم أمام الناس ليصدقوه وليكون س�ب ًبا يف‬
‫إيامهنم باهلل ‪ C‬بعد ذلك‪.‬‬
‫في�ا ُترى م�ا هي قصة هذه الدابة ‪ ..‬هذا ما س�نعرفه من خالل‬
‫تل�ك الس�طور ‪ ...‬فتعالوا بنا لنتعاي�ش بقلوبن�ا وأرواحنا مع هذه‬
‫القصة اجلميلة املؤثرة‪.‬‬
‫سمى‬
‫كان هناك ملك اس�مه «ذو نواس» وكان يعيش يف بلدة ُت َّ‬
‫«نجران» يف اليمن‪.‬‬
‫وكان هذا امللك عنده ساحر يعمل له كل ما يستطيع من ِ‬
‫احل َيل‬
‫واألعامل السحرية؛ لكي ُيقنع الناس بأن امللك هو إله الكون الذي‬
‫يستحق أن ُيع َبد من دون اهلل ‪.C‬‬
‫وهذا الساحر يف احلقيقة هو أهون الناس عىل امللك‪ ،‬فإذا وجد‬
‫التو واللحظة ‪ ...‬بل إن َح َد َ‬
‫ث‬ ‫امللك َمن هو أفضل منه ختليَّ عنه يف ِّ‬

‫‪90‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ٍ‬
‫إعصار‬ ‫من�ه أي يشء ُيغض�ب امللك فرسع�ان ما يتحول املل�ك إىل‬
‫ُم َد ِّمر يعصف بحياة الساحر بال َتر ُّدد‪.‬‬
‫غالما ُيعلمه السحر!!!‬
‫ً‬ ‫الساحر يطلب من الملك‬
‫جالس�ا مع امللك كعادته فإذا‬
‫ً‬ ‫ويف يوم من األيام كان الس�احر‬
‫كبريا يف الس�ن وأش�عر‬
‫به يقول للملك‪ :‬أهيا امللك ‪ ..‬لقد أصبحت ً‬
‫ٍ‬
‫بضعف ش�ديد يف صحتي ومل َأ ُعد أس�تطيع أن ُأقدم إال القليل من‬
‫احليل واألعامل السحرية‪.‬‬
‫امللك‪ :‬وماذا تريد أهيا الس�احر ‪ ..‬فأنا ال أس�تطيع أن أس�تغنى‬
‫عنك حلظة واحدة ‪ ..‬فأنت الذي جتعل الناس يطيعوين بل ويعبدوين‬
‫بفضل أعاملك السحرية؟؟‬
‫أبدا يا س�يدي ‪ ..‬لكني أخشى أن‬
‫الس���احر‪ :‬أنا لن أختىل عنك ً‬
‫صغريا‬
‫ً‬ ‫أموت فيموت السحر معي ‪ ..‬فأنا أريدك أن تبعث يل غال ًما‬
‫ساحرا لك بعد موتى ‪ ..‬وبذلك أضمن‬ ‫ً‬ ‫ذك ًّيا ُأعلمه الس�حر ليكون‬
‫أن يستمر السحر من بعدي‪.‬‬
‫والس���ؤال ال���ذي يطرح نفس���ه اآلن‪ :‬ملاذا طلب الس�احر من‬
‫ً‬
‫ش�يخا‬ ‫صغريا وال يبعث إليه ش�ا ًّبا أو‬
‫ً‬ ‫املل�ك أن يبع�ث إليه غال ًم�ا‬
‫كبريا؟!‬
‫ً‬
‫‪n‬‬ ‫‪91‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫واجل���واب‪ :‬لكي يتعل�م الغالم الس�حر من صغ�ره ويبقى مع‬
‫املل�ك أكبر ٍ‬
‫وقت ممك�ن ليخدمه يف تنفيذ م�ا يري�د ‪ ..‬ونحن نعلم‬
‫الص َغر كالنقش عىل احلجر‪.‬‬
‫مجي ًعا أن التعليم يف ِّ‬
‫كافرا‬
‫وأنا أتعجب من أمر هذا الساحر الذي عاش حياته كلها ً‬
‫باهلل ‪ C‬وعىل الرغم من ذلك بدلاً من أن يفكر يف التوبة قبل أن‬
‫يم�وت ‪ -‬فقد اقترب أجله ‪ -‬وإذا به يفكر كيف يس�تمر هذا الرش‬
‫م�ن بعده؛ ليكون ذلك يف ميزان س�يئاته من بع�ده ‪ ..‬كام قال النبي‬
‫ووز ُر‬ ‫‪« :0‬ومن َس َّ‬
‫���ن يف اإلسالم ُسنة سيئة فعليه ِوز ُرها ِ‬
‫َمن َع ِم َل بها من بعده من غري أن َينقص من أوزارهم شيء»‪.‬‬

‫غالما ليكون الساحر الجديد‬


‫ً‬ ‫الملك يختار‬
‫امله�م أن املل�ك وافق على طلب الس�احر ‪ ..‬وعلى الفور أمر‬
‫املل�ك أعوان�ه أن يبحث�وا عن أذكى غلام يف اململك�ة كلها ليكون‬
‫س�احرا للمل�ك ‪ ...‬وبعد ٍ‬
‫بحث طويل وق�ع االختيار عىل غال ٍم يف‬ ‫ً‬
‫فرحب به وأخربه أنه س�يتعلم‬‫قم�ة ال�ذكاء ‪ ..‬وذهبوا به إىل امللك‪َّ ،‬‬
‫السحر عىل يد الساحر الكبري؛ ليكون بعد ذلك هو الساحر اخلاص‬
‫بامللك‪.‬‬

‫‪92‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فرح الغالم يف بداية األمر ‪ ..‬فهو اآلن عىل أبواب الشهرة والثراء‬
‫‪ ...‬وذهب الغالم إىل الساحر يف اليوم التايل‪ ،‬فوجد أن أعوان امللك‬
‫قد أحرضوا له مالبس جديدة وتركوا له أموالاً كثرية‪ ،‬ففرح بذلك‬
‫أش�د الفرح وعلم أنه س� ُيصبح قري ًبا من املش�اهري األثرياء يف هذه‬
‫اململكة‪.‬‬
‫وبدأ الساحر الكبري ُي ِّ‬
‫علم الغالم السحر‪:‬‬
‫وبدأ الس�احر الكبير ُيعلم الغلام فنون الس�حر ‪ ...‬والغالم‬
‫جدي�دا ‪ ..‬واهلداي�ا واألم�وال تنهال كل‬
‫ً‬ ‫يتعل�م من�ه كل يوم ش�ي ًئا‬
‫ي�وم عىل الغالم؛ لكي حيب الس�حر و ُيـخلص يف خدمة امللك بعد‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وتدب�روا مع�ي كيف أن املل�ك وكل َمن حول�ه ُيـجندون كل‬
‫كافرا ‪ ..‬ولكن اهلل ‪D‬‬
‫س�احرا ً‬
‫ً‬ ‫طاقاهت�م ليصنعوا من هذا الغالم‬
‫�دا بل وداعي�ة إىل دين اهلل ‪:C‬‬
‫وح ً‬
‫يري�د أن يصن�ع من�ه مؤمنًا ُم ِّ‬
‫[ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ] [‪.]21 :M‬‬

‫الغالم يسمع كلمات الراهب‬


‫وكان الغلام يذهب إىل الس�احر كل يوم ليتعلم الس�حر عىل‬

‫‪n‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫يديه ‪ ...‬وكان الطريق من بيت الغالم إىل قرص امللك طويلاً وشا ًّقا‬
‫عىل الغالم‪ ..‬فكان الغالم أحيا ًنا جيلس؛ ليسرتيح من التعب‪.‬‬
‫جالس�ا ليستريح وإذا به يس�مع صو ًتا‬
‫ً‬ ‫وبينام كان الغالم يو ًما‬
‫كبريا وإذا‬ ‫ً‬ ‫يص�در من ٍ‬
‫ش�يخا ً‬ ‫بيت صغري ‪ ..‬وكان صاحب الصوت‬
‫ب�ه يق�ول‪ :‬ال إل�ه إال اهلل ‪ ..‬يا فاط�ر السماوات واألرض ‪ ..‬يا حي‬
‫يا قيوم‪ ،‬اللهم اجعلني من عبادك الصاحلني‪..‬‬
‫فتعجب الغالم م�ن تلك الكلامت ‪ ..‬ومل يعلم ماذا يقصد هذا‬
‫َّ‬
‫الشيخ الكبري هبذه الكلامت‪..‬‬
‫وانرصف الغالم وخاف أن يدخل عىل هذا الش�يخ ليس�أله ‪..‬‬
‫ولكن الكلامت ظ َّلت ترتدد يف عقل هذا الغالم‪.‬‬
‫ذهب الغالم إىل الس�احر وبدأ يتعلم عىل يديه الدرس اليومي‬
‫يف الس�حر‪ ،‬فظل الغالم يس�مع تلك الطالسم السحرية والكلامت‬
‫التي ال يفهم منها أي يشء ‪ ..‬وأخذ يقارن بني كلامت الساحر التي‬
‫ال يفهمها ٌ‬
‫أحد ‪ ..‬وبني كلامت هذا الراهب الشيخ الكبري وهو يقول‬
‫ارتياحا‬
‫ً‬ ‫فأحس الغالم ألول م�رة‬
‫َّ‬ ‫تلك الكلامت الس�هلة اجلميل�ة‪،‬‬
‫شديدا لكالم الراهب‪.‬‬
‫ً‬

‫‪94‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ويف اليوم التايل جلس الغالم بجوار صومعة الراهب يس�تمع‬
‫إليه وهو يدعو بتلك الكلامت اجلميلة‪.‬‬
‫وأصب�ح الغلام يم�ر على صومعة الراه�ب وه�و ذاهب إىل‬
‫أحس فجأة أنه يريد أن‬
‫الس�احر وكذلك وهو عائد إىل بيته ‪ ..‬حتى َّ‬
‫يدخل عىل هذا الراهب ليعرف َمن هو وماذا يصنع‪.‬‬

‫الغالم والراهب‬

‫ويف ي�و ٍم م�ن األي�ام ‪ ..‬كان الغلام ذاه ًب�ا إىل الس�احر‪َّ ،‬‬
‫فم�ر‬
‫على صومعة الراهب وس�معه وه�و يقول‪ :‬يا حي يا قي�وم يا فاطر‬
‫رب س�واك‬
‫السماوات واألرض أنت اإلله احلق‪ ،‬ال إله غريك وال َّ‬
‫‪ ..‬أسألك باسمك األعظم أن تغفر يل وترمحني‪.‬‬
‫فدخ�ل الغلام عليه فجأة وهو يبكي ويقول‪ :‬أش�هد أن ال إله‬
‫إال اهلل‪.‬‬
‫فقال الراهب‪َ :‬من أنت أهيا الغالم الصغري؟‬
‫فقال الغالم‪ :‬أنا س�احر امللك الصغري ‪ ..‬وقد س�معتك وأنت‬
‫تق�ول هذه الكلامت اجلميلة فتأثرت وأردت أن أعرف َمن هو هذا‬
‫اإلله الذي تعبده‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪95‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فقال الراه�ب‪ :‬إنه اهلل الذي خلقنا ورزقنا وأس�بغ علينا نعمه‬
‫ظاهرة وباطنة‪.‬‬
‫فقال الغالم‪ :‬إن الناس يقولون إن امللك الذي حيكمنا هو اهلل‪.‬‬
‫برش ضعيف ال يملك‬
‫فقال الراهب‪ :‬يا ُبني! إن امللك ما هو إال ٌ‬
‫رضا وال نف ًع�ا ‪ ..‬إنه برش حيت�اج إىل املاء والطعام‬
‫لنفس�ه وال لغيره ًّ‬
‫وال�دواء‪ ،‬فه�و خيدع الناس ويق�ول‪ :‬إنه إله ‪ ..‬ولي�س هناك إل ٌه إال‬
‫اهلل‪.‬‬
‫فانشرح صدر الغلام وقال للراهب‪ :‬علمن�ي كيف أعبد اهلل‬
‫‪.C‬‬
‫الغالم يتعلم من الراهب‬
‫فأخذ الراهب ُيعلم الغالم كيف يعبد اهلل وكيف يذكره وكيف‬
‫عابدا هلل ‪.C‬‬
‫ً‬ ‫ُيوحده‪ ،‬فأصبح الغالم ُمسلماً‬
‫أصب�ح الغالم بع�د ذلك يكره لقاء الس�احر لكنه يذهب إليه؛‬
‫ألن امللك أمره بذلك‪.‬‬
‫زاهدا يف‬
‫وعلى الرغم م�ن أنه يذهب للس�احر إال أنه أصب�ح ً‬
‫ودجال وأنه هو‬ ‫َتع ُّلم الس�حر ‪ ..‬فقد علم أن هذا الس�احر َّ‬
‫ك�ذاب َّ‬
‫وامللك عىل باطل‪.‬‬
‫‪96‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ويف املقابل أصبح الغالم يشتاق كل حلظة للقاء الراهب ليتعلم‬
‫منه كيف يعبد ربه ويوحده‪.‬‬
‫ف�كان كلام ذهب إىل الس�احر رضبه؛ ألنه تأخ�ر عليه ‪ ..‬وكلام‬
‫ذهب إىل أهله رضبوه ألنه تأخر عليهم ‪ ..‬فش�كا ذلك إىل الراهب‬
‫فقال له الراهب‪ :‬إذا س�ألك الس�احر ملاذا تأخرت؟ فقل‪ :‬حبس�ني‬
‫أهيل ‪ ..‬وإذا سألك أهلك ملاذا تأخرت؟ فقل‪ :‬حبسني الساحر‪.‬‬
‫وبذلك خت َّلص هذا الغالم من بطش الساحر وأهله‪.‬‬
‫الغالم الصغير يقتل ً‬
‫أسدا!!!‬ ‫ُ‬
‫ويف ي�وم من األي�ام كان الغالم يف طريق�ه إىل الراهب‪ ،‬فوجد‬
‫كبريا قد قطع الطريق‬
‫أسدا ً‬
‫الناس مذعورين خائفني ‪ ..‬فنظر فوجد ً‬
‫على الن�اس ‪ ..‬فاغتنم الغلام هذه الفرص�ة وقال يف نفس�ه‪ :‬اليوم‬
‫أعرف وأتيقن أهيام أفضل عند اهلل‪ :‬الساحر أم الراهب‪.‬‬
‫صغريا وقال‪ :‬الله�م إن كان أمر الراهب‬
‫ً‬ ‫حجرا‬
‫ً‬ ‫فأخ�ذ الغالم‬
‫أحب إليك من أمر الس�احر‪ ،‬فاقتل هذا األس�د حتى يميض الناس‬
‫‪ ..‬فرمى احلجر فقتل األس�د ومىض الن�اس وهم يظنون أن الغالم‬
‫قتل األسد بسبب نبوغه يف السحر‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪97‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ولذلك علينا أن نتخيل هذا املش�هد‪ :‬غال ٌم صغري‪ ،‬ال يستطيع‬
‫صغيرا فكيف يضرب األس�د بذلك احلجر‬
‫ً‬ ‫حج�را‬
‫ً‬ ‫أن حيم�ل إال‬
‫الصغري فيموت؟!‬
‫صغريا‪ ،‬فضلاً‬
‫ً‬ ‫ف�أرا‬
‫إن احلجر الذي أمس�ك به الغالم ال يقتل ً‬
‫كبريا ‪ ..‬لكنها كانت كرامة من اهلل أكرم هبا هذا‬
‫أس�دا ً‬
‫ً‬ ‫عن أن يقتل‬
‫الغلام؛ ألنه جل�أ إىل اهلل وتوكل عليه ‪ ..‬ويف نف�س الوقت أراد اهلل‬
‫‪ D‬أن ُيعرفه طريق اخلري من طريق الرش ليكون عىل يقني من أنه‬
‫عىل احلق فيبذل من أجله كل ما يملك حتى نفسه التي بني جنبيه‪.‬‬
‫الراهب يخبر الغالم بأنه ُ‬
‫سيبتلى‬
‫ثم ذهب الغالم إىل الراهب وأخربه بام حدث‪.‬‬
‫ُ‬
‫أفضل مني ‪ ...‬قد بلغ من‬ ‫فقال له الراهب‪ :‬أي ُبني أنت اليوم‬
‫ٍ‬
‫البتالء ش�ديد‪ ،‬فإذا‬ ‫أم�رك م�ا أرى ‪ ..‬ولكن اعلم أنك س�تتعرض‬
‫وقعت يف هذا البالء فال َت ُد َّل الناس عىل مكاين وال ختربهم عني‪.‬‬
‫درس عظيم يف التواضع؛ ألن الراهب أفضل من الغالم‬ ‫وهذا ٌ‬
‫‪ -‬بال شك ‪ -‬فهو الذي ع َّلمه التوحيد ول َّقنه العلم وعىل الرغم من‬
‫ذلك يقول له‪ :‬أنت اليوم أفضل مني‪.‬‬

‫‪98‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫شفاء المرضى على يد الغالم ‪ -‬بإذن اهلل ‪-‬‬


‫وق�د أج�رى اهلل عىل يد الغالم ش�فاء املرىض‪ ،‬وإب�راء األكمه‬
‫واألبرص‪ ،‬وكان خيرب الناس أن الشايف هو اهلل‪ ،‬وأن َمن آمن باهلل فإنه‬
‫يشفيه ‪ ...‬فكان يتخذ من املعاجلة طري ًقا لنرش اإليامن والتوحيد‪.‬‬

‫إسالم جليس الملك على يد الغالم بعد شفائه‬


‫فس�مع جليس امللك ‪ -‬وكان أعم�ى ‪ -‬أن هناك غال ًما يداوي‬
‫الناس من كل األمراض‪.‬‬
‫فام كان من جليس امللك إال أن أحرض اهلدايا الثمينة واألموال‬
‫ش�ديدا عىل بابه فاس�تأذن‬
‫ً‬ ‫الكثرية وذهب هلذا الغالم فوجد زحا ًما‬
‫من هؤالء الناس ودخل عىل الغالم ‪ ..‬وإذا باملفاجأة الكربى!!‬
‫لق�د عل�م جلي�س املل�ك أن الغالم ال�ذي ي�داوي الناس من‬
‫األمراض هو ساحر امللك ‪ ..‬فقال له جليس امللك‪ :‬لقد مجعت لك‬
‫كل هذه اهلدايا واألموال عىل أن تشفيني وترد إ َّيل برصي‪.‬‬
‫أحدا إنام يش�فى اهلل فإن أنت‬
‫فق���ال ل���ه الغالم‪ :‬إين ال أش�في ً‬
‫دعوت اهلل فشفاك‪...‬‬
‫ُ‬ ‫آمنت باهلل‬

‫‪n‬‬ ‫‪99‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫هك�ذا بدأ الغلام يضع ب�ذرة التوحيد يف قل�ب جليس امللك‬
‫ليعل�م أن اهلل وح�ده هو الناف�ع الضار وأنه بيده مقاليد السماوات‬
‫واألرض وأنه هو وحده الذي يملك الشفاء‪.‬‬
‫والفائ���دة الثانية‪ :‬أن الداعية الصادق يس�تثمر حاجة الناس‬
‫يف دعوهتم إىل اهلل ‪.D‬‬
‫ولكن جليس امللك كان ُمرتد ًدا‪ ،‬فقال للغالم‪ :‬و َمن هو اهلل؟‬
‫فقال الغلام‪ :‬اهلل الذي خلقنا مجي ًعا وخلق الكون كله ‪ ..‬وهو‬
‫الذي سيشفيك من مرضك إن آمنت به ودعوته‪.‬‬
‫جليس امللك‪ :‬أليس ملك البالد هو اهلل؟‬
‫عب�د ضعيف ول�و كان إهلًا لش�فاك ولكن‬
‫الغلام‪ :‬كال ‪ ..‬إن�ه ٌ‬
‫إن كنت يف ٍّ‬
‫ش�ك‪ ،‬فاذهب اآلن إىل املل�ك واطلب منه أن َي ُر َّد إليك‬
‫برصك‪.‬‬
‫فتي َّق�ن جليس املل�ك أن امللك ٌ‬
‫عبد ضعيف‪ ،‬ال يملك لنفس�ه‬
‫رضا وال نف ًعا‪.‬‬
‫وال لغريه ًّ‬
‫فرفع جليس امللك رأس�ه إىل السماء وقال‪ :‬أشهد أن ال إله إال‬
‫اهلل‪.‬‬

‫‪100‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فق�ام الغالم فدعا اهلل أن يش�فى جلي�س امللك وأن َي ُ�ر َّد عليه‬
‫برصه‪.‬‬
‫فش�فاه اهلل ور َّد إلي�ه بصره ‪ ..‬فصرخ جليس امللك من ش�دة‬
‫الفرح وهو يردد‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل ‪ ..‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪.‬‬
‫عىل‪.‬‬
‫فقال له الغالم‪ :‬ال ُتـخرب امللك عني وال تدله َّ‬
‫فوعده جليس امللك بذلك‪ ،‬ثم خرج وهو يف قمة السعادة‪.‬‬
‫فلام أس�لم جليس امللك ذهب إىل زوجته وأوالده وهو يف قمة‬
‫السعادة ألن اهلل ‪ D‬قد َر َّد عليه برصه ‪ ...‬وفرحت زوجته وفرح‬
‫شديدا ‪ ...‬لكنه مل خيربهم بقصة إسالمه عىل يد الغالم‬
‫ً‬ ‫فرحا‬
‫أوالده ً‬
‫ألنه وعده بذلك‪.‬‬
‫الملك يعلم بإسالم جليسه ُ‬
‫ويعذبه‬
‫ويف اليوم التايل جاء أحد ُح َّراس امللك إىل قرص جليس امللك‬
‫ال�ذي َر َّد اهلل عليه برصه وأخبره أن امللك يطلب لقاءه فذهب معه‬
‫دون أن حيت�اج إىل َم�ن يقوده يف طريقه إىل املل�ك كام كان يفعل من‬
‫قبل‪.‬‬
‫فلما دخل عىل املل�ك قال له امللك‪ :‬هني ًئا ل�ك عىل أنك ُعدت‬
‫برصا مرة أخرى‪.‬‬
‫ُم ً‬
‫‪n‬‬ ‫‪101‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فق�ال جلي�س امللك‪ :‬احلم�د هلل وحده على نعمة الش�فاء من‬
‫العمى‪.‬‬
‫فغض�ب املل�ك وق�ال ل�ه‪ :‬وه�ل هن�اك إل� ٌه يف ه�ذه اململك�ة‬
‫غريى؟‬
‫ق�ال جليس املل�ك‪ :‬اهلل الذي خلقك ورزق�ك وجعلك ملكًا‬
‫الـمل�ك وأن ين�زع من�ك كل يشء حت�ى‬
‫وإذا أراد أن ين�زع من�ك ُ‬
‫روحك فإنه وحده القادر عىل ذلك‪.‬‬

‫جليس الملك يدل على الغالم‬


‫الـحراس أن يأخ�ذوه ل ُيعذبوه‬
‫فما كان من املل�ك إال أن أم�ر ُ‬
‫حتى يدهلم عىل َمن جعله ُيسلم ويدخل يف ٍ‬
‫دين غري دين امللك‪.‬‬
‫فأخذوه وظلوا يعذبونه حتى َد َّلـهم عىل الغالم‪.‬‬
‫جليس�ا للمل�ك إال أن امللوك ليس‬
‫ً‬ ‫وم�ع أن هذا الرج�ل كان‬
‫عنده�م وف�ا ٌء مل�ن حوهل�م ‪ ..‬فما إن تعارضت وجه�ة اجلليس مع‬
‫التو واللحظة‪.‬‬
‫وجهة امللك وإذا به يأمر بتعذيبه يف ِّ‬
‫وجئ بالغالم أمام الملك ليعترف‬
‫«فج�ئ بالغلام‪ ،‬فق�ال له املل�ك‪ :‬أي ُبني قد بلغ من س�حرك‬

‫‪102‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫أحدا‬
‫ما ُتربئ به األكمه واألبرص وتفعل وتفعل‪ .‬فقال‪ :‬إين ال أشفي ً‬
‫إنام يشفي اهلل ‪ ...‬فأخذه فلم َيزل ُيعذبه حتى َد َّل عىل الراهب»‪.‬‬
‫علم امللك أن الغالم وراء هذه الدعوة اجلديدة يف مملكته‪ :‬دعوة‬
‫التوحي�د وإنكار ربوبية امللك ‪ ...‬فماذا يفعل هذا الطاغية الحتواء‬
‫هذه الدعوة؟‬
‫إن بطش�ه بالغالم الذي أح َّب�ه الناس وعرفوا إحس�انه إليهم‪،‬‬
‫وأنه هو الذي قتل األس�د‪ ،‬وأن�ه ُيربئ األكمه واألبرص ويداوهيم‬
‫ش�هيدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫من س�ائر األدواء‪ ..‬س�وف يزيد من حمبته وجيعله بطلاً أو‬
‫و ُيصب�ح موت�ه وق�و ًدا داف ًعا الس�تمرار دعوت�ه؛ فالبد م�ن حماولة‬
‫االس�تاملة أولاً ‪ ،‬فه�و يعرف ً‬
‫جيدا حقيقة دع�وة الغالم وأهنا هتدف‬
‫إىل حتقيق العبودية هلل وحده ونبذ عبودية امللك‪ ،‬مع ذلك يقول له‪:‬‬
‫«أي ُبني»‪.‬‬
‫والن�داء بال ُبنوة أول حماوالت االس�تاملة والتل ُّطف‪ ،‬فهو يقول‬
‫ل�ه أن�ت ابني وأنا الذي تولي�ت تربيتك‪ ،‬ثم يقول ل�ه‪« :‬قد بلغ من‬
‫سحرك ما ُتربئ به األكمه واألبرص وتفعل وتفعل»‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪103‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فه�و يري�د أن يق�ول ل�ه‪ :‬ال مانع عن�دي من اس�تمرارك يف‬
‫ما تفعل‪ ،‬برشط أن تقول للناس‪ :‬إن هذا من السحر الذي تعلمته‬
‫يف مدرس�ة امللك‪ ،‬وأن ما تدع�و إليه هو بتوجيهات امللك وحتت‬
‫إرشاف�ه وبرعايت�ه‪ ... ،‬وهو يقول له ذلك وه�و عىل يقني من أنه‬
‫ه�و الذي قال جلليس�ه ولغريه ريب ورب�ك اهلل‪ ،‬وأنه ‪ n‬الذي‬
‫يشفي الناس‪.‬‬

‫الغالم يدل على الراهب ‪ ..‬والملك يقتل الراهب‬


‫س�حرا‪ ،‬و َأ َبى إال أن‬
‫ً‬ ‫س�مى ما يفعله‬
‫رف�ض الغلام إذن أن ُي ِّ‬
‫ُيـجاب�ه املل�ك ب�أن دعوته هي دع�وة التوحيد اخلال�ص بمقولته‬
‫أحدا‪ ،‬إنام يش�في اهلل ‪ ،»c‬وفش�لت‬
‫العظيم�ة‪« :‬إين ال أش�في ً‬
‫حماول�ة االحت�واء وإلباس احلق مالب�س اجلاهلية ‪ ...‬فانكش�ف‬
‫امللك عىل حقيقته وجلأ إىل األسلوب املعتاد‪ :‬البطش والتنكيل ‪...‬‬
‫فج�ئ بالراهب‪ ،‬فقيل له‪ :‬ارجع عن دينك فأبى‪ ،‬فدعا باملنش�ار‪،‬‬
‫فوضع املنشار يف مفرق رأسه فش َّقه به حتى وقع ِش َّقاه»‪.‬‬
‫وهنا وصل امللك إىل النبع الذي استقي منه الغالم وجليس‬
‫املل�ك «اإليامن والتوحي�د»‪ ،‬فأراد املل�ك أن ُيـجفف ه�ذا النبع‬

‫‪104‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وذلك بأن يتخلص منه ويقتله ‪ ..‬ولذلك مل يتكلم معه بنفس ال ُّلطف‬
‫ال�ذي قاب�ل به الغالم يف البداية بل قال ل�ه بكل رصاحة ووضوح‪:‬‬
‫ارجع عن دينك‪.‬‬
‫فأ َب�ى الراه�ب أن يرجع عن دينه رغم أنه يعلم أنه س�يتعرض‬
‫للعذاب الشديد‪.‬‬
‫التو واللحظة‪.‬‬
‫فأمر امللك بقتل الراهب يف ِّ‬
‫مش�هورا‬
‫ً‬ ‫وكان الذي ش�جع امللك عىل قتل الراهب أنه مل يكن‬
‫ومعرو ًفا بني الناس ولذلك لن يعرتض ٌ‬
‫أحد لقتله‪.‬‬
‫وقتله امللك أبش�ع قتلة وذلك بأن أمر أن ُينشرَ باملنشار نصفني‬
‫وعلى الرغم من ذلك صبر الراهب عىل هذه القتلة البش�عة؛ ألنه‬
‫يعلم يقينًا أن موت اجلس�د أهون بكثري من موت اإليامن والتوحيد‬
‫يف قلب العبد؛ ألن صاحب التوحيد لو ُقتل عرش مرات فإنه سيحيا‬
‫يف جنات النعيم وس َيجبرُ اهلل َكسرْ َ ه يف تلك اجلنة التي فيها ما ال ٌ‬
‫عني‬
‫ذن س�معت وال خطر عىل قلب برش ‪ ...‬بل إنه سينس�ى‬ ‫رأت وال ُأ ٌ‬
‫كل شقاء مع أول غمسة يف جنة الرمحن‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪105‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الملك يأمر بقتل جليسه الذي أسلم‬


‫فج�ئ بجلي�س امللك فقيل ل�ه‪ :‬ارجع عن دين�ك َفأ َبى فوضع‬
‫املنشار يف مفرق رأسه فش َّقه به حتى وقع ِش َّقاه»‪.‬‬
‫لق�د حدث جللي�س امللك مثلام ح�دث للراه�ب ‪ ...‬لقد ذاق‬
‫الرج�ل حالوة اإليامن فهان عليه أن ُيقدم حياته هلل ‪ C‬بدلاً من‬
‫أن يعيش ُمن َّعماً يف قرص امللك وهو بعيد عن اهلل ‪.E‬‬

‫المحاولة األولى لقتل الغالم من أعلى الجبل‬


‫ثم جئ بالغالم فقيل له‪ :‬ارجع عن دينك‪َ ،‬فأ َبى‪ ،‬فدفعه إىل ٍ‬
‫نفر‬
‫من أصحابه فقال‪ :‬اذهبوا به إىل جبل كذا وكذا فاصعدوا به اجلبل‪،‬‬
‫ف�إذا بلغت�م ذروته فإن رجع ع�ن دينه‪ ،‬وإال فاطرح�وه ‪ ...‬فذهبوا‬
‫ب�ه فصعدوا ب�ه اجلبل‪ ،‬فق�ال‪ :‬اللهم اكفنيهم بام ش�ئت ‪ ...‬فرجف‬
‫هب�م اجلبل فس�قطوا‪ ،‬وجاء يمشي إىل امللك‪ ،‬فقال املل�ك‪ :‬ما فعل‬
‫أصحابك؟ قال‪ :‬كفانيهم اهلل ‪.c‬‬
‫لق�د كان املل�ك حتى ه�ذه اللحظ�ة ال يريد أن يقت�ل الغالم؛‬
‫ألنه ما زال عنده بريق أمل يف أن يستخدمه يف السحر ويستفيد من‬

‫‪106‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫مواهب�ه وإمكانيات�ه ‪ ..‬فاخت�ار طريق�ة لقتله يس�تطيع الغالم من‬
‫خالهلا أن يفكر مرة أخرى‪.‬‬
‫طل�ب املل�ك م�ن زبانيته أن يذهب�وا بالغلام إىل أعىل اجلبل‬
‫ويعرض�وا عليه أن يرجع عن دينه أو ُيلقوه من قمة اجلبل ‪ ..‬ومن‬
‫املعلوم أهنم سيسريون مسافات طويلة؛ لكي يفكر مرة بعد مرة‪.‬‬
‫ولك�ن الغلام ‪ ..‬كان اإليمان يف قلب�ه ثاب ًت�ا ثب�ات اجلب�ال‬
‫الراس�يات‪ ،‬فلم يضعف قلب�ه ومل ترتعد فرائصه حلظة واحدة بل‬
‫كان يتمنى الش�هادة يف س�بيل اهلل من أجل أن حتيا األمة كلها عىل‬
‫التوحيد واإليامن‪.‬‬
‫ومل�ا صع�دوا به فوق اجلبل ما كان من الغلام إال أن جلأ إىل‬
‫اهلل وتوكل عىل احلي الذي ال يموت فقال بقلبه ولس�انه‪« :‬اللهم‬
‫اكفنيهم بام ش�ئت» ومل خيرت الغالم الطريقة التي ينجيه اهلل هبا من‬
‫الـملك ومل�ك امللوك ‪C‬‬
‫كي�د هؤالء بل ت�رك األمر ملال�ك ُ‬
‫ل ُيدبر له األمر و ُينقذه بالطريقة التي يراها هو ‪.E‬‬
‫فما كان من احل�ق ‪ C‬إال أن أمر اجلبل فتزلزل هبم اجلبل‬
‫وس�قطوا مجي ًعا ‪ -‬وهم الرجال األشداء األقوياء ‪ -‬وبقى الغالم‬

‫‪n‬‬ ‫‪107‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫الصغري الضعيف يف جس�ده القوي يف إيامنه ‪ ..‬بقى الغالم س�ا ًملا‬
‫بأمر اهلل ‪.D‬‬
‫إن�ه الت�وكل على اهلل وإهن�ا الثق�ة يف اهلل ال�ذي بي�ده مقاليد‬
‫األمور‪.‬‬
‫وعاد الغالم إىل امللك مرة أخرى!!‬
‫وق�د يس�أل س�ائل ويقول‪ :‬ما ال�ذي جعل الغلام يعود إىل‬
‫املل�ك م�رة أخرى ومل هيرب م�ع أنه عىل يقني م�ن أن امللك يريد‬
‫أن يقتله؟!‬
‫واجل���واب‪ :‬إن الغلام ال يريد النجاة لنفس�ه ب�ل يريد احلياة‬
‫ألمته‪ ،‬فهو يريد أن تنترص العقيدة مهام كان الثمن‪ ،‬ولذلك رجع‬
‫ل ُيع ِّلم الكون كله أنه لن يكون إال ما قدره اهلل‪.‬‬
‫حريص عىل‬
‫ٌ‬ ‫ف�كان الغلام يري�د أن يرج�ع إىل امللك؛ ألن�ه‬
‫الدعاة املخلصني الذين يتحملون‬
‫هداية األمة ‪ ..‬وهذا هو ش�أن ُّ‬
‫كل أنواع األذى والبالء من أجل أن حتيا األمة يف ظالل التوحيد‬
‫واإليامن‪.‬‬
‫ول�ك أن تتص�ور كم كانت دهش�ة امللك وهو ي�رى الغالم‬

‫‪108‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫الصغري ح ًّيا يميش إليه‪ ،‬وقد ذهب اجلنود األشداء األوفياء مللكهم‬
‫إىل غري رجعة!!‬
‫فيس�ـأل الغلام متعج ًبا‪ :‬ما فعل أصحاب�ك؟! فيقول الغالم‪:‬‬
‫كفانيهم اهلل ‪ .c‬فلم ُيـخربه بام جرى‪.‬‬
‫ومل ُيعل�ق بكلمة واح�دة عىل تلك الكرامة الت�ي أكرمه اهلل هبا‬
‫رش هؤالء‬
‫ولكن�ه اكتف�ى بأن يذكر للمل�ك بأن اهلل هو الذي كف�اه َّ‬
‫الرجال‪ ،‬فهو وحده اهلل الذي يس�تحق أن نت�وكل عليه وليس أنت‬
‫أهيا امللك الضيعف الذليل‪.‬‬

‫المحاولة الثانية لقتل الغالم في البحر‬


‫فأرس�له املل�ك مع ٍ‬
‫نف�ر من أصحاب�ه‪ ،‬فقال هل�م‪ :‬اذهبوا به يف‬
‫سفينة صغرية وتوسطوا به البحر‪ ،‬فإن رجع عن دينه وإال فاقذفوه‪،‬‬
‫فذهب�وا به‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم اكفنيهم بام ش�ئت؛ فانكفأت هبم الس�فينة‬
‫فغرق�وا‪ ،‬ورجع يمشي إىل امللك‪ ،‬فقال‪ :‬ما فع�ل أصحابك؟ قال‪:‬‬
‫كفانيهم اهلل ‪.c‬‬
‫وهن�ا جل�أ امللك إىل حيلة أخ�رى لقتل الغلام ‪ ..‬ولكنه اختار‬
‫أيضا طريقة جتعل الغالم يفكر مر ًة أخرى‪.‬‬
‫ً‬

‫‪n‬‬ ‫‪109‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وكأن املل�ك حتى تلك اللحظة مل يع�رف أن الغالم لو ُعرض‬
‫أبدا‪.‬‬
‫عىل القتل كل يوم مائة مرة‪ ،‬فلن يرجع عن دينه ً‬
‫فأم�ر املل�ك زبانيت�ه أن يأخ�ذوا الغلام إىل البح�ر وهي�ددوه‬
‫بالرج�وع ع�ن دين�ه أو أن يقذف�وا ب�ه يف وس�ط البح�ر ‪َ ..‬فأ َب�ى‬
‫الغالم‪.‬‬
‫وبنف�س الثق�ة يف اهلل والت�وكل على اهلل جل�أ الغلام إىل احل�ق‬
‫‪ C‬وق�ال‪« :‬اللهم اكفنيهم بام ش�ئت» فما كان من أمواج البحر‬
‫إال أن تفاعل�ت م�ع تلك الكلم�ة ‪ -‬بأم�ر اهلل ‪[ -‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ] [‪.]31 :M‬‬
‫فانكف�أت الس�فينة وغرق�وا مجي ًع�ا ‪ -‬وه�م الرجال األش�داء‬
‫األقوي�اء ‪ -‬ومحل�ت مي�اه البح�ر ه�ذا الغلام الصغير ليص�ل إىل‬
‫الش�اطئ سا ًملا غانماً ‪ ..‬ومع ذلك مل يفكر ً‬
‫أبدا يف اهلروب بل عاد إىل‬
‫درسا يف الثبات عىل الدين واإلرصار عىل‬
‫امللك ل ُيعطي الكون كله ً‬
‫انتصار اإليامن والعقيدة‪.‬‬
‫أيضا سا ًملا‪.‬‬
‫ب امللك ‪ ..‬كيف يعود الغالم هذه املرة ً‬
‫فتعج َ‬
‫َّ‬

‫‪110‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫نجاه م�ن عىل اجلبل‬
‫رب الغلام ال�ذي َّ‬
‫وكان املل�ك يظ�ن أن َّ‬
‫لن يس�تطيع أن ُيـنجيه من البحر ‪ ..‬فس�أل املل�ك الغالم‪« :‬ما فعل‬
‫أصحابك؟»‪.‬‬
‫قال الغالم بثقة ويقني‪« :‬كفانيهم اهلل»‪.‬‬
‫الغالم يخبر الملك بكيفية قتله‬
‫مأم�ور إىل ِآمر ‪ ..‬فقام يأم�ر امللك‪ ،‬فقال‬
‫ٍ‬ ‫حت�ول الغالم من‬
‫ث�م َّ‬
‫للملك‪ :‬إنك لست بقاتيل حتى تفعل ما آمرك به‪.‬‬
‫قال امللك‪ :‬وما هو؟‬
‫ٍ‬
‫صعي�د واحد‪ ،‬ث�م تصلبني عىل‬ ‫ق�ال الغالم‪ :‬جتم�ع الناس يف‬
‫ج�ذعٍ‪ ،‬ث�م ُخذ س�هماً من كنانتي‪ ،‬ثم ضع الس�هم يف كب�د القوس‪،‬‬
‫ث�م ُق�ل‪« :‬بس�م اهلل ِّ‬
‫رب الغالم‪ ،‬ث�م ارمني؛ فإن�ك إذا فعلت ذلك‬
‫قتلتني»‪.‬‬
‫أحس امللك بعجزه الش�ديد وأنه ال يس�تطيع أن يقتل هذا‬
‫لقد َّ‬
‫الغالم الصغري وال حتى أن يكون سب ًبا يف هروب الغالم وخروجه‬
‫من مملكته؛ ليحفظ امللك ماء وجهه أمام رعيته الذين علموا بعجزه‬
‫عن قتل غال ٍم صغري مع أنه َّ‬
‫يدعى أنه إله من دون اهلل ‪.D‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪111‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫آمر ‪ ..‬يقوم الغالم‬ ‫ٍ‬
‫مأمور إىل ٍ‬ ‫وهن�ا يتحول الغالم الصغير من‬
‫ليأمر امللك ويقول له‪« :‬إنك لست بقاتيل حتى تفعل ما آمرك له»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مأمور إىل‬ ‫اهلل أكبر!! يا هلا من كرامة ‪ ...‬أن يتحول الغالم من‬
‫ٍ‬
‫آمر بل وخيرب امللك بعجزه وضعفه عن قتله حتى يفعل األمر الذي‬
‫يوجهه الغالم إليه‪.‬‬
‫خطرا‬
‫أحس بأن وجود ه�ذا الغالم أصبح ً‬ ‫ومل�ا كان املل�ك قد َّ‬
‫ٍ‬
‫وش�وق‪« :‬وم�ا هو؟» أي ما هو األمر الذي‬ ‫عىل ُملكه قال له بلهفة‬
‫جيعلني أستطيع أن أقتلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صعيد واحد» وذلك‬ ‫فقال ل�ه الغالم الذكي‪« :‬جتمع الناس يف‬
‫ليرى الناس مجي ًعا هذا املش�هد ويعلموا احلقيقة كله�ا ويعرفوا أنه‬
‫بأمر من اهلل ‪.D‬‬‫اليشء حيدث يف الكون كله إال ٍ‬

‫وق�ول الغالم للملك‪« :‬ثم تصلبني عىل جذع» ل ُيظهر للجميع‬


‫الظل�م الواق�ع عىل الغالم ب�دون جريمة ارتكبه�ا إال أن يقول ريب‬
‫اهلل‪ ،‬وهذا بالتأكيد من أس�باب ميل الناس إليه و َتعا ُطفهم معه ومع‬
‫دعوت�ه؛ فقد فطر اهلل العب�اد عىل كراهية الظ�امل وعداوته وامليل إىل‬
‫املظلوم و ُمنارصته‪.‬‬

‫‪112‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ف�إذا ُأضي�ف إىل ذل�ك أهنم يعلمون ع�ن املظل�وم ُح ّبه للخري‬
‫وجرب�وه م�ن قب�ل يف قضاء‬
‫وحرص�ه على اإلحس�ان إىل الن�اس‪َّ ،‬‬
‫ستشعرا ملشاكلهم و ُمداو ًيا ألمراضهم‬
‫ً‬ ‫حوائجهم‪ ،‬وكونه كان دائماً ُم‬
‫‪ -‬ب�إذن اهلل ‪ -‬يف حين غاب�ت مش�اكلهم ع�ن امللك وحاش�يته ‪...‬‬
‫فال ش�ك أن هذه األمور جمتمعة جتعل ه�ذا اجلمع كله يعلم الظلم‬
‫الواق�ع عىل الغالم‪ ،‬وعندما يتس�اءلون ما جريمت�ه؟ ُيقال‪ :‬ال يشء‬
‫إال أنه يقول ريب اهلل‪.‬‬
‫الدعاة إىل اهلل حريصني عىل أال يكون‬
‫فهك�ذا ينبغي أن يك�ون ُّ‬
‫هلم تهُ مة إال أن يقولوا‪ :‬ر ُّبنا اهلل‪ ،‬مع إحساهنم إىل الناس ‪ ...‬وعليهم‬
‫ق�دره اهلل ِحل َك ٍم عظيمة‬
‫أال حيزن�وا م�ن الظل�م الواقع عليه�م‪ ،‬فإنه َّ‬
‫النتش�ار دينه وقبول الناس له‪ ،‬كام أنه رسعان ما يزول‪ ،‬فيكون هلم‬
‫األجر اجلزيل عند رهبم‪.‬‬
‫وق�ول الغلام للمل�ك‪« :‬ثم ُخذ س�هماً من كنانت�ي» مزيد من‬
‫إظه�ار عجز امللك وأنه لي�س بيده األمر‪ ،‬فلو أخذ س�هماً من كنانة‬
‫املل�ك مل يقتل الغالم حتى يأخذه من كنانة الغالم؛ ليعلم الناس أن‬
‫رب الغالم‪ ،‬وأن قتل الغالم كان بإرادته ال إرادة امللك‪.‬‬
‫أمر ِّ‬
‫األمر ُ‬
‫َ‬

‫‪n‬‬ ‫‪113‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ويف أم�ره للمل�ك أن يق�ول‪« :‬بس�م اهلل رب الغلام» إعلان‬
‫بالعجز التام واالفتقار القهري االضطراري إىل اهلل ‪.n‬‬
‫ف�إن قيل‪ :‬أمل يك�ن الغالم يعلم باحتمال أن يقتل امللك الناس‬
‫ل�و آمن�وا؟ ‪ ...‬بل يغلب عىل ظنه ذلك‪ ،‬وهو يعلم عجز الناس عن‬
‫الدفاع عن أنفس�هم‪ ،‬فهو بالتايل قد ألزمهم الصرب عىل القتل خال ًفا‬
‫ملا ذكرت؟‬
‫فاجل���واب‪ :‬أن املوازن�ة هن�ا بين البقاء على الكفر م�ع احلياة‬
‫قدم عىل‬
‫أو الدخ�ول يف اإلسلام مع القتل‪ ،‬وال ش�ك أن الدي�ن ُم َّ‬
‫النفس‪.‬‬

‫الغالم يموت لتحيا قلوب األمة على التوحيد‬


‫وص َل َب ُه عىل جذعٍ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فق�ام امللك ومج�ع الناس يف صعيد واح�د‪َ ،‬‬
‫ثم أخذ س�هماً من كنانته‪ ،‬ثم وضع الس�هم يف كبد القوس‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫بس�م اهلل رب الغالم‪ ،‬ثم رماه فوقع الس�هم يف صدغه‪ ،‬فوضع يده‬
‫عىل صدغه فامت‪ ،‬فقال الناس‪« :‬آمنا باهلل رب الغالم»‪.‬‬
‫فع�ل امللك ما أمره به الغالم ‪ ..‬وكان هذا امللك يف غاية الغباء‬
‫ألنه لو ترك الغالم يدعو األمة إىل توحيد اهلل ملا آمن معه إال القليل‬

‫‪114‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫ولكنه ملا ُقتل الغالم؛ آمنت األمة كلها وقاموا مجي ًعا عىل قلب‬
‫واحد فقالوا‪ :‬آمنا باهلل رب الغالم‪.‬‬
‫عزيزا كريماً ‪ ..‬هو الذي‬
‫ورحل الغالم الش�هيد عن دنيا الناس ً‬
‫ص�دق اهلل فصدق�ه اهلل ‪ ...‬وآمن�ت األمة كلها لتأيت ي�وم القيامة يف‬
‫ميزان حسنات الغالم ومن قبله الراهب الذي ع َّلم الغالم التوحيد‬
‫هلل ‪ ... C‬و ُقت�ل قب�ل أن ي�رى ثمرة دعوته ‪ ..‬وه�ذا ٌ‬
‫أمر ُيـحفز‬
‫الدع�اة عىل بذل وس�عهم يف الدع�وة وإن مل يروا ثم�رة دعوهتم يف‬
‫ُّ‬
‫حياهتم‪ ،‬فقد تأيت الثمرة بعد موت الداعية‪.‬‬

‫الملك يأمر بإلقاء المؤمنين في النار‬


‫«فجاء حاشية امللك فقالوا له‪ :‬أرأيت ما كنت حتذر؟! قد واهلل‬
‫ن�زل بك م�ا كنت حت�ذر ‪ ...‬قد واهلل آم�ن الناس‪ ،‬فأم�ر باألخاديد‬
‫�دت «أي ُحف�رت»‪ ،‬و ُأرضم فيه�ا‬ ‫«الـحف�ر» بأف�واه الس�كك ُ‬
‫فخ َّ‬ ‫ُ‬
‫النيران‪ ،‬وق�ال‪َ :‬م�ن مل يرجع عن دين�ه فأقحموه فيه�ا‪ ،‬ففعلوا ‪...‬‬
‫صبي هلا‪ ،‬فتقاعس�ت أن تق�ع فيها «أي‬
‫حت�ى جاءت ام�رأة ومعها ٌّ‬
‫مه�ت أن ترجع»‪ ،‬فق�ال هلا الغلام «أي ابنه�ا الصبي»‪:‬‬
‫ت�رددت و َّ‬
‫يا ُأمه! اصربي‪ ،‬فإنك عىل احلق»‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪115‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫نع�م ‪ ..‬لق�د قامت البطانة الس�يئة ل ُتخبر امللك ب�أن األُ َّمة قد‬
‫الـحجة‬
‫آمن�ت ب�اهلل ‪ ،D‬فام كان م�ن امللك ‪ -‬ال�ذي ال يمل�ك ُ‬
‫وال اإلقناع‪ -‬إال أن جلأ إىل البطش والعنف‪ ،‬فأمر زبانيته أن حيفروا‬
‫الس�كك حتى ال يرتك مكا ًنا يس�تطيع الناس أن‬
‫األخاديد يف أفواه ِّ‬
‫هيربوا منه‪.‬‬
‫وج�يء باملوحدي�ن الذين ذاقوا حلاوة اإليامن منذ س�اعات‬
‫مع�دودات وخيرَّ وهم بني الكفر وبني دخول ن�ار الدنيا‪ ،‬فاختاروا‬
‫مجي ًع�ا أن يموتوا عىل التوحيد واإليمان وأن يدخلوا نار الدنيا عىل‬
‫أن يكف�روا باهلل ‪ D‬ويدخل�وا نار اآلخرة التي هي أش�د من نار‬
‫الدنيا سبعني مرة‪.‬‬
‫المشهد األخير‬
‫ويأيت هذا املشهد األخري املؤثر‪.‬‬
‫ق�ال ‪« :0‬حت���ى ج���اءت ام���رأة ومعه���ا ص ٌّ‬
‫�ب�ي هل���ا‬
‫فتقاعست أن تقع فيها‪ ،‬فقال هلا الغالم‪ :‬يا أُ َّمه اصربي فإنك‬
‫على احلق»‪.‬‬
‫مشهد مهيب أن ُينطق اهلل هذا الطفل الصغري‪ ،‬لريبط‬ ‫ٍ‬ ‫ويا له من‬
‫عىل قلب أمه ولتعلم يقينًا أهنا عىل احلق‪.‬‬
‫‪116‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وهكذا رحل هؤالء الشهداء األبرار عن دنيا الناس؛ ل َيسعدوا‬
‫بالنعيم املقيم يف جنة الرمحن ‪.C‬‬
‫ولق�د ذك�ر اهلل قصتهم يف س�ورة البروج‪ ،‬فق�ال ‪[ :c‬ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ] [‪.]10 - 4 :i‬‬
‫أولئ�ك ه�م أصح�اب األخ�دود الذي�ن ذكره�م اهلل يف كتابه‬
‫وذكرهم الرسول ‪ 0‬يف ُسنته‪.‬‬
‫مل ينتقم�وا منهم وحيرقوهم إال ألهنم آمن�وا باهلل ‪ ...‬وهذه هي‬
‫ُسنة اهلل يف خلقه املؤمنني املوحدين‪.‬‬
‫وال ت�زال احلرب بني اإليامن وأهل�ه والكفر وأهله حتى يرث‬
‫اهلل األرض و َمن عليها‪.‬‬
‫نس�أل اهلل أن يثبتن�ا على ديننا حتى َنل َق�ى نبينا ‪ 0‬عىل‬
‫حوضه يوم القيامة ‪ ....‬إنه وىل ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪117‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الدروس المستفادة‬
‫‪ s‬ح�رص أهل الَّش�رَّ ِّ عىل اس�تمرار شرَ ِّ هم م�ن بعدهم‪ ،‬كام‬
‫حرص الساحر عىل تعليم َمن يرث علمه الفاسد‪ ،‬ليبقى هذا العلم‬
‫ح ًّيا ُي ُّ‬
‫ضل به عباد اهلل‪.‬‬
‫‪ s‬أن الس�حر م�ن كبائ�ر الذن�وب ‪ ...‬وم�ن أه�ل العلم َمن‬
‫يتم إال مع الكفر وتعظيم‬
‫ُفر؛ ألن السحر ال ُّ‬
‫�حر ك ٌ‬
‫الس َ‬
‫ذهب إىل أن ِّ‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫قال ‪[ :c‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ]‬
‫[‪]102 :2‬‬

‫‪ s‬اخت�ار املل�ك الغلام ليكون الس�احر الذي يثب�ت دعائم‬


‫ملك�ه‪ ،‬وأراد اهلل ل�ه أن يكون الداعي�ة الصالح ال�ذي ُيدمر ُملكه‪،‬‬
‫وهي�دي الن�اس إىل الدين احل�ق‪ ،‬ويف ذلك آية للمعتربي�ن ‪ ...‬فاهلل‬
‫هييئ لدينه رجالاً ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وق�ت طويل كي يس�تقر يف القلوب‪،‬‬ ‫‪ s‬اإليمان ال حيت�اج إىل‬
‫وحيي�ى النف�وس‪ ،‬فالق�وم الذين رض�وا بعذاب الن�ار مل َيكُن مىض‬

‫‪118‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫عىل إيامهنم س�اعات قليلة‪ ... ،‬ومثل هؤالء س�حرة فرعون آمنوا‪،‬‬
‫فلم يردعهم جربوت فرعون وعذابه عن اإليامن‪.‬‬
‫‪ s‬ق�د ُيـج�رى اهلل عىل يد بع�ض أوليائه كرام�ات يؤيده هبا‪،‬‬
‫ويثبت هبا إيامنه ويقينه ‪ ...‬فالغالم مل َيكُن نب ًّيا‪ ،‬وقد استجاب اهلل له‬
‫يف قت�ل الدابة‪ ،‬وأجرى عىل يديه إب�راء األكمه واألبرص‪ ،‬ومداواة‬
‫امل�رىض‪ ،‬واس�تجاب دع�اءه يف ختليصه م�ن القت�ل‪ ،‬والقضاء عىل‬
‫أعوان امللك الذين أمرهم بقتله‪.‬‬
‫‪ s‬التضحي�ة بالنف�س يف س�بيل اهلل ليس�ت م�ن االنتح�ار يف‬
‫يشء‪ ،‬فالغلام َد َّل املل�ك عىل الطريقة التي يقتل�ه هبا ‪ ...‬واملؤمنون‬
‫كان بعضه�م ُيل َق�ى يف الن�ار‪ ،‬وآخ�رون يقتحموهن�ا‪ ،‬ومل يك�ن‬
‫انتحارا‪ ،‬بل كان فيه إغاظة للظاملني‪ ،‬وإرضاء هلل رب‬
‫ً‬ ‫اقتحامه�م هلا‬
‫العاملني‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعوان‬ ‫‪ s‬ش�دة ع�داء أهل الكفر أله�ل اإليامن ‪ ...‬فق�د نرش‬
‫امللك الراهب وجليس امللك باملنشار‪ ،‬وأحرقوا الناس بالنريان‪.‬‬
‫‪ s‬حف�ظ اهلل ألوليائه‪ ،‬وإذالله ألعدائه‪ ،‬فقد حفظ الغالم من‬
‫القتل‪ ،‬واستجاب دعاءه‪ ،‬فأهلك َمن أرادوا به سو ًءا‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪119‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫‪ s‬وجوب الصرب عىل األذى يف اهلل‪ ،‬كام صرب الراهب وجليس‬
‫امللك والغالم‪ ،‬وكام صرب املؤمنون عىل احلرق بالنار‪.‬‬
‫الراهب‬
‫ُ‬ ‫‪ s‬ج�واز الك�ذب يف احل�رب ونحوه�ا‪ ،‬فقد أرش�د‬
‫يدع�ى أن الكاهن حبس�ه إذا س�أله أهل�ه ‪ ،‬وأن أهله‬
‫الغلا َم إىل أن َّ‬
‫حبسوه إذا سأله الكاهن‪.‬‬
‫‪ s‬ق�د يضعف رجل العقي�دة عن احتمال األذى‪ ،‬وقد يبوح‬
‫ب�أرسار ال جي�وز له البوح هبا من ش�دة الع�ذاب ‪ ...‬فجليس امللك‬
‫ال�ذي ر َّد اهلل علي�ه بصره َد َّل على الغلام حت�ت وط�أة الع�ذاب‪،‬‬
‫والغالم َد َّل عىل الراهب ملا ناله من العذاب‪ ،‬ومع ذلك فلم ُينقص‬
‫اعرتافهام م�ن مكانتهام‪ ،‬ولكنهام احتملاً العذاب الذي أ َّدى هبام إىل‬
‫املوت عندما ُطلب منهام التنازل عن عقيدهتام‪ ،‬والكفر باهلل‪.‬‬
‫‪ s‬ق�د يكون التلميذ أفضل من ش�يخه ‪ ...‬فق�د حقق الغالم‬
‫ما مل يستطع الراهب حتقيقه‪ ،‬ويبقى للراهب فضل هداية الغالم‪.‬‬
‫‪ s‬التضحية بالنفس يف س�بيل نشر الدعوة‪ ،‬حيث َد َّل الغالم‬
‫امللك على الطريقة التي يتمكن الغالم هبا من إقناع الناس باإليامن‬
‫باهلل‪ ،‬ولو كان الوصول لذلك عىل حياته هو‪.‬‬

‫‪120‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫فيل أبرهة‬

‫وها هي قصة فيل أبرهة التي هي عجيبة من عجائب الدنيا ‪...‬‬


‫ولذا ذكرها اهلل ‪ D‬يف كتابه العزيز «القرآن»‪.‬‬
‫قال ‪[ :c‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ‬
‫ﮦﮧ] [‪.]5 - 1 :M‬‬
‫فتعالوا بنا لنتعرف عىل تلك القصة من بدايتها‪.‬‬
‫كان�ت اليمن ختضع حلكم األحب�اش ‪ ..‬وكان ذلك قبل ميالد‬
‫واستبدوا هبا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫النبي ‪ .. 0‬فقد سيطروا عىل بالد اليمن‬
‫أما «أبرهة» فقد كان وال ًيا عىل تلك البالد ِمن ِق َبل ملك احلبشة‪،‬‬
‫والشدة وسو ُء ُ‬
‫الـخلق‪.‬‬ ‫ولقد ُعرف عنه الغلظة ِّ‬
‫ٍ‬
‫ش�عر ُمـج َّعد‪ ،‬ضخم اجلسم‪،‬‬ ‫وكان أس�ود شديد الس�واد‪ ،‬ذا‬
‫عظي�م ال�رأس‪ ،‬قد ُش� َّقت إح�دى ش�فتيه الغليظتني؛ ول�ذا ُع ِرف‬
‫بـ «األرشم»‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪121‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وكان «أبرهة» عىل دين رؤس�ائه من ملوك «احلبشة»‪ :‬نرصان ًّيا‬
‫ٍ‬
‫معتقد غري النرصانية‪.‬‬ ‫تعص ًبا و ُمبال ًغا يف كراهية كل‬
‫ُم ِّ‬
‫أما العرب من أهل اليمن ‪ -‬ورغم قسوة التس ُّلط وقهر النُّفوس‪-‬‬
‫أبدا إىل أصالة انتس�اهبم التارخي�ي‪ ،‬ووالئهم للبيت‬
‫فق�د كانوا َّتواقني ً‬
‫العتيق «الكعبة» يف «مكة» ‪ -‬أم القرى ‪.-‬‬
‫الرحال إىل «الكعبة»‬
‫�دون ِّ‬‫فمع بداية كل موس�م ‪ ...‬كانوا َي ُش ُّ‬
‫وج َل ٍد ‪...‬‬ ‫ٍ‬
‫بصرب َ‬ ‫زائرين ُمع ِّظمني‪ ،‬يتحملون مش�اق الس�فر الطويل‬
‫ثم ترتاح أبداهنم وتطمئن نفوس�هم حين يبلغون غايتهم وينتهون‬
‫إىل مقصدهم‪.‬‬
‫كان أبره�ة يتس�اءل ويس�أل‪« :‬أي ٍ‬
‫بي�ت ه�ذا ال�ذي تقص�ده‬ ‫ُّ‬
‫العرب؟»‪.‬‬
‫ف ُيجاب‪ :‬بأنه بِنا ٌء بس�يط متواضع‪ ،‬ال َف َّن فيه وال زخرفة‪ ،‬وقد‬
‫رف�ع قواع�ده «إبراهي�م»‪ ،‬و«إسماعيل» ‪ R‬فيما مىض من‬
‫القرون‪.‬‬
‫حقدا‬
‫ـح ُّج�ون إىل ه�ذا البي�ت ‪ ...‬فامتأل قلب�ه ً‬
‫وأن الع�رب َي ُ‬
‫عىل العرب وجلس مع نفس�ه يفكر كي�ف يرصف العرب عن هذا‬
‫البيت‪.‬‬
‫‪122‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ٍ‬
‫عميق هداه ش�يطانه إىل أن يبني كنيس�ة كبرية يف‬ ‫ٍ‬
‫تفكير‬ ‫وبع�د‬
‫صنعاء َسماَّ ها «ال ُق َّليس» مل َير الناس مثلها يف زماهنم‪.‬‬
‫ث�م كت�ب إىل النج�ايش حاكم احلبش�ة قائًل�اً له‪ :‬إين ق�د بنيت‬
‫أبدا ‪ ...‬وإين لن‬ ‫لك أهيا امللك كنيس�ة مل يبن مثلها ٍ‬
‫ملل�ك كان قبلك ً‬ ‫ُ َ‬
‫أب�دا حتى أرصف إليها حج العرب بدلاً م�ن أن َي ُ‬
‫ـح ُّجوا إىل‬ ‫أه�دأ ً‬
‫الكعبة‪.‬‬
‫وكان أبرهة احلبش�ى قد َّ‬
‫سخر أهل اليمن يف بناء هذه الكنيسة‬
‫َّ‬
‫وسخرهم فيها أشد أنواع التسخري‪.‬‬
‫وكان َم�ن َّ‬
‫تأخ�ر ع�ن العم�ل حتى تطل�ع الش�مس يقطع يده‬
‫ال حمالة‪.‬‬
‫وأحج�ارا وأمتعة‬
‫ً‬ ‫وجع�ل ينقل إليها من قصر بلقيس ُرخا ًما‬
‫ٍ‬
‫ذهب وفضة‪.‬‬ ‫عظيمة وركَّب فيها ُصلبا ًنا من‬
‫وجع�ل فيه�ا منابر من ع�اج وأبنوس وجع�ل ارتفاعها عظيماً‬
‫باهرا‪.‬‬
‫جدا واتساعها ً‬
‫ًّ‬
‫ولكن�ه رأى أن الع�رب ال تتج�ه إال إىل البي�ت العتيق‪ ،‬ورأى‬
‫أهل اليمن أنفسهم َي َدعون البيت الذي بناه‪ ،‬وينرصفون إىل مكة‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪123‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫خدعون بتل�ك الزخارف التي‬
‫لق�د ظن أبره�ة أن العرب س� ُي َ‬
‫كان�ت م�ن الذه�ب والفض�ة وأهن�م س�ينبهرون بتل�ك الكنيس�ة‬
‫وس�يرتكون الكعب�ة والبيت احل�رام من أجلها ‪ ...‬ونس�ى أن الذي‬
‫ألق�ى حمب�ة الكعبة وتعظيمه�ا يف قل�وب الناس هو اهلل ال�ذي بيده‬
‫مقالي�د الكون كله‪ ..‬وقلوب العباد بني أصبعني من أصابع الرمحن‬
‫ُيق ِّلبها كيف يشاء‪.‬‬
‫ومل�ا علم�ت العرب ب�أن أبرهة ق�د بني كنيس�ة وأن�ه يريد أن‬
‫يصرف الناس إليه�ا ويرتكوا الكعبة وبيت اهلل احلرام‪ ،‬اش�تد غيظ‬
‫الع�رب واش�تعلت نيران احلقد يف نفوس�هم فقام رجل م�ن كنانة‬
‫فخرج م�ن أرضه حتى وصل إىل صنعاء ودخل الكنيس�ة يف ٍ‬
‫وقت‬
‫أح�د وقضى حاجت�ه يف الكنيس�ة وت�رك فيه�ا تل�ك‬
‫ٌ‬ ‫مل يك�ن فيه�ا‬
‫النجاسات وخرج‪.‬‬
‫ِ‬
‫ش�ديدا وقال‪َ :‬من صنع‬
‫ً‬ ‫فلام عل�م أبرهة بذلك‪َ ،‬غض َ‬
‫ب غض ًبا‬
‫هذا؟‬
‫ـح ُّجه العرب‬
‫فقيل له‪ :‬صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي َت ُ‬
‫ح�ج العرب إىل بيتك‬
‫بمكة ملا س�مع بقول�ك إنك تريد أن ترصف َّ‬
‫هذا فغضب فجاء فأحدث فيها‪.‬‬
‫‪124‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫َّ‬
‫ليسيرن إىل البي�ت حتى‬ ‫فغض�ب أبره�ة عن�د ذلك وحل�ف‬
‫هيدمه‪.‬‬
‫وأخ�ذ يعد ال ُع َّدة لذلك‪ ،‬وأخرب س�يده ملك «احلبش�ة» بعزمه‬
‫ونيت�ه‪ُ ،‬مزينً�ا ل�ه املكاس�ب والنتائ�ج الت�ي س�وف جينيها س�لطان‬
‫األحباش من وراء هذا التدبري!!!‬
‫ٍ‬
‫وسلاح‪ ،‬ثم‬ ‫ٍ‬
‫أدوات‬ ‫وحش�د آال ًفا من اجلند بكامل ُعدهتم من‬
‫لم ُع بني يديه‬
‫�ف به الراي�ات‪ ،‬و َت َ‬
‫ـح ُّ‬
‫خ�رج هبم م�ن عاصمة ُملكه َت ُ‬
‫الـمشرْ َ َع ُة‪.‬‬
‫يوف ُ‬‫والس ُ‬
‫ماح ُّ‬
‫الر ُ‬
‫ِّ‬
‫الفيل في مقدمة الجيش‬
‫وجع�ل «أبره�ة» يف مقدمة جيش�ه فيلاً ضخماً م�ا رأت عيون‬
‫البشر مثيًل�اً له يف أرض الع�رب‪ ،‬وال يف غريها ‪ ...‬ق�د ُج ِعل فوق‬
‫ظه�ره هودج كبير مص َّفح‪ ،‬حيم�ي قائده م�ن خطر َأ ِس�ن َِّة ِ‬
‫احلراب‬ ‫ٌ ُ‬ ‫ٌ‬
‫والسهام‪ ،‬كام ُج ِّلل رأسه باجللود الغليظة لنفس الغرض‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وكان اهل�دف م�ن َس�وق ه�ذا الفي�ل يف مقدم�ة اجلي�ش ه�و‬
‫ِ‬
‫بالوخز والرضب أو‬ ‫اس�تخدامه يف هدم الكعبة؛ حيث ُيث�ار ويهُ اج‬
‫غري ذلك‪ ،‬كي ينطحها برأس�ه الضخم نطحات ش�ديدة‪ ،‬فتتهاوي‬
‫حجارهتا‪...‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪125‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ولك أن تسأل‪ :‬وملاذا يستخدم الفيل؟‬
‫وجنده أن ينقض�وا بناء الكعبة بأيدهيم‬
‫ألي�س بإمكان أبرهة ُ‬
‫ومعاوهلم؟‬
‫وهذا صحيح‪...‬‬
‫لكن «أبرهة» املتغطرس املستبد كان هيدف إىل إذالل العرب‬
‫ٍ‬
‫بأسلوب فيه التحقري‬ ‫هبدم رمز معتقدهم ومهوى قلوهبم وأفئدهتم‬
‫واالزدراء ‪ ...‬وهو اس�تخدام احليوان!! لك َّن َسهمه طاش وفأله‬
‫خاب‪[ .‬ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠﮡ] [‪.(((]30 :E‬‬

‫في الطريق‬
‫وم�ن املعلوم أن الن�اس يف أرض اجلزيرة كانوا يعيش�ون يف‬
‫أماك�ن متفرق�ة ‪ ..‬فكل قبيلة تس�كن يف مكان بعينه وال يس�تطيع‬
‫أح�د أن يعرف م�كان كل قبيلة إال من خالل الدليل الذي يدهلم‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫صحراء شاس�عة قد هيلك فيها‬ ‫عىل املكان‪ ..‬وإال فس�وف يتوه يف‬
‫قبل أن خيرج منها‪.‬‬

‫(‪« )1‬قصص احليوان يف القرآن» (‪ )131 - 129/2‬بترصف‪.‬‬

‫‪126‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ول�ذا أراد أبرهة دليلاً يف رحلته هلدم الكعبة ولكن مل يقبل أي‬
‫ٍ‬
‫لرجل يريد أن هيدم الكعبة‪.‬‬ ‫يب ُحر أن يكون دليلاً‬
‫عر ٍّ‬
‫دجج‬
‫الـم َّ‬
‫ومىض أبرهة يف البداية بال دليل ومعه جيشه الكبري ُ‬
‫بالسلاح والعتاد يقطع�ون املفازات ‪ ...‬وكان أبره�ة يعتىل َصهوة‬
‫ج�واده حتيط به اجلنود من كل م�كان وختفق األعالم والرايات من‬
‫حوله‪.‬‬

‫دفاع بعض القبائل عن الكعبة‬


‫علم�ت بعض القبائ�ل بخروج أبره�ة هلدم الكعبة فجاش�ت‬
‫محيتها وأرادت أن متنعه من هذا العمل اإلجرامي‪.‬‬
‫فخ�رج إليه رجل كان من أرشاف أه�ل اليمن وملوكهم ُيقال‬
‫ل�ه‪ :‬ذو نف�ر ‪ ...‬فدع�ا قومه و َمن أجابه من س�ائر العرب إىل حرب‬
‫أبره�ة‪ ،‬وجهاده عن بي�ت اهلل احلرام‪ ،‬وما يريد م�ن هدمه وإخرابه‬
‫فهزم ذو نفر‬
‫‪ ...‬فأجاب�ه إىل ذلك َم�ن أجابه‪ ،‬ثم عرض له فقاتل�ه‪ُ ،‬‬
‫وأصحابه ‪ ...‬و ُأخذ له ذو نفر ُفأيت به ً‬
‫أسريا ‪ ...‬فلام أراد قتله قال له‬
‫ذو نفر‪ :‬أهيا امللك! ال تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك ً‬
‫خريا‬

‫‪n‬‬ ‫‪127‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫لك من قتيل ‪ ...‬فرتكه من القتل وحبسه عنده يف ٍ‬
‫وثاق‪ ،‬وكان أبرهة‬
‫رجلاً حليماً ‪.‬‬
‫ومل يك�ن هزيمة ه�ؤالء العرب الذين خرج�وا ملواجهة أبرهة‬
‫بس�بب قوة أبرهة وجيشه ‪ ..‬وإنام كان السبب يف أن أبرهة استخدم‬
‫أحد من العرب ‪ ...‬أال وهو سالح الفيلة‪.‬‬
‫جديدا ال يعرفه ٌ‬
‫ً‬ ‫سالحا‬
‫ً‬
‫فقد كان أبرهة قد حشد جمموعة من األفيال وعىل رأسهم ٌ‬
‫فيل‬
‫أبدا ‪ ...‬فكان يرضب الفرس�ان واألبطال‬
‫ضخ�م مل َير العرب مثله ً‬
‫بخرطومه فيرُ ديه مقتولاً ‪.‬‬
‫وم�ن املعل�وم أن الفي�ل حي�وان نبايت وحيت�اج إىل امل�اء الكثري‬
‫‪ ..‬وأرض اجلزي�رة قليل�ة امل�اء ‪ ..‬وال يوجد فيها وف�رة من الزروع‬
‫والثمار ولذا فلم يكن أحدهم يرى األفي�ال يف أرض اجلزيرة وإنام‬
‫كان�ت موج�ودة يف أرض اليمن ‪ ..‬ولذا فإن الع�رب مل يكونوا عىل‬
‫معرفة بعامل األفيال وسالحهم الف َّتاك فخافوا منه وهابوه‪.‬‬

‫المقاومة‬
‫ومىض أبرهة يف طريقه يريد هدم الكعبة‪.‬‬

‫‪128‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ومل�ا وص�ل إىل أرض «خثعم»‪ ،‬خرج له رجل اس�مه ُنفيل بن‬
‫ٌ‬
‫رجال أقوياء من قبيلة خثعم «ومها‪ :‬ش�هران‬ ‫حبيب اخلثعمي ومعه‬
‫وناهس» مع مجاعة أخرى من قبائل العرب‪ ،‬فقاتلوا أبرهة احلبيش‪،‬‬
‫أسريا‪.‬‬
‫فهزمهم أبرهة وأخذ ُنفيل بن حبيب ً‬
‫فلما أراد قتل ُنفيل‪ ،‬ق�ال له ُنفيل‪ :‬أهيا املل�ك! ال تقتلني‪ ،‬فإين‬
‫س�أعمل مع�ك وس�أكون ل�ك دليًل�اً يف أرض الع�رب أدلك عىل‬
‫الطري�ق‪ .‬فرتك�ه أبرهة وخليَّ س�بيله على أن يكون دليلاً ل�ه ُيعرفه‬
‫الطريق‪.‬‬
‫ف�كان دليلاً ألبرهة حتى أوصله إىل الطائف وهي مدينة قريبة‬
‫من مكة‪.‬‬
‫فلما وص�ل أبره�ة إىل بلاد الطائف‪ ،‬خ�رج إليه رجل اس�مه‬
‫مس�عود بن معتب ب�ن مالك ومعه مجاعة من رج�ال ثقيف‪ ،‬فقالوا‬
‫له‪ :‬أهيا امللك! إنام نحن عبيدك وسوف نكون طوع أمرك وسنرسل‬
‫أيضا َم ْن يدلك عىل الطريق إىل الكعبة‪.‬‬
‫معك ً‬
‫فأرسلوا معه «أبا رغال» ليدله عىل الطريق إىل مكة‪.‬‬
‫فخ�رج أبره�ة ومع�ه أب�و رغ�ال حت�ى أنزل�ه يف مكان اس�مه‬
‫«املغم�س» فلام أنزله به مات أبو رغال هن�اك فكانت العرب تلعنه‬
‫‪n‬‬ ‫‪129‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وترجم قربه‪ ..‬فهو القرب الذي يرمجه الناس باملغمس؛ ألنه كان يريد‬
‫أن يدل أبرهة عىل الكعبة ليهدمها‪.‬‬
‫فلام نزل أبرهة باملغمس أرسل رجلاً من احلبشة اسمه «األسود‬
‫ابن مقصود» عىل ٍ‬
‫خيل له حتى وصل إىل مكة فنهب الديار واألموال‬
‫‪ ..‬وكان م�ن بني األش�ياء التي أخذه�ا مائتا ٍ‬
‫بعري لعب�د املطلب بن‬
‫هاشم سيد أهل مكة وكبريهم‪.‬‬
‫وهذيل و َمن كان بذلك احلرم أن حياربوا‬
‫فأرادت قريش وكنانة ُ‬
‫أبرهة ولكنهم عرفوا أنه ال طاقة هلم به‪ ،‬فرتكوا ذلك ومل يقاتلوه‪.‬‬
‫وهن�اك بع�ث أبرهة رجلاً اس�مه‪ :‬حناط�ة ِ‬
‫احل ْمَي�رَ ي إىل مكة‬
‫وطلب منه أن يس�أل عن س�يد أهل هذا البل�د ‪ ...‬وأن ُيـخربه بأن‬
‫أبره�ة م�ا ج�اء ل ُيقاتلهم وإنما جاء هل�دم الكعبة‪ ،‬ف�إن تركوه هيدم‬
‫الكعبة‪ ،‬فلن يتعرض هلم ‪ ..‬وإن تعرضوا له فسوف يقتلهم‪.‬‬
‫ث�م قال ل�ه أبرهة‪ :‬فإن وجدت س�يد أهل مك�ة ال يريد حريب‬
‫فائتني به‪ ،‬فلام دخل حناطة مكة‪ ،‬س�أل عن س�يد قريش ورشيفها‪،‬‬
‫فقيل له‪ :‬عبد املطلب بن هاشم‪.‬‬
‫فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة‪.‬‬

‫‪130‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فق�ال ل�ه عبد املطل�ب‪ :‬واهلل ما نري�د حربه وما لن�ا بذلك من‬
‫طاقة‪ ،‬هذا بيت اهلل احلرام‪ ،‬وبيت خليله إبراهيم ‪.S‬‬
‫ف�إن كان اهلل ‪ D‬س�يحفظ بيت�ه وحيمي�ه من أبره�ة فهو بيته‬
‫أحد يس�تطيع أن يمنع‬
‫وحرم�ه وإن يرتك أبرهة هيدمه فليس عندنا ٌ‬
‫أبرهة‪.‬‬
‫فقال له حناطة‪ :‬انطلق معي إليه فإنه قد أمرين أن آتيه بك‪.‬‬
‫فانطل�ق مع�ه عب�د املطل�ب ومعه بع�ض بنيه حت�ى وصل إىل‬
‫جي�ش أبرهة‪ ،‬فس�أل عن «ذي نفر»؛ ألن�ه كان صدي ًقا له‪ ،‬فعلم أنه‬
‫حمبوس عند أبرهة‪ ،‬فلام دخل عليه قال له‪ :‬يا ذا نفر هل عندك حيلة‬
‫نتخلص هبا من أبرهة؟‬

‫رجل ٌ‬
‫أسري عنده أنتظر‬ ‫فقال ذو نفر‪ :‬وهل أملك أي حيلة وأنا ٌ‬
‫أن يقتلن�ي يف أي وق�ت ‪ ...‬لكن�ي أعرف ش�ا ًّبا طي ًبا اس�مه‪ :‬أنيس‬
‫وهو س�ائس الفيل‪ ،‬فسوف أرس�ل إليه وأوصيه بك و ُأعرفه قدرك‬
‫ومكانت�ك وأطلب منه أن يس�تأذن لك لتدخل على أبرهة و ُتكلمه‬
‫‪ ...‬وسأجعله يشفع لك عند أبرهة ٍ‬
‫بخري إن استطاع‪.‬‬
‫فقال عبد املطلب‪ :‬يكفيني هذا يا صديقي‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪131‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فبع�ث ذو نف�ر إىل أني�س فق�ال له‪ :‬عب�د املطلب س�يد قريش‬
‫وصاح�ب عني مكة‪ُ ،‬يطعم الناس بالس�هل والوحوش يف رؤوس‬
‫ِ‬
‫فاستأذن له عليه وانفعه عنده بام استطعت‪.‬‬ ‫اجلبال‪،‬‬
‫قال‪ :‬أفعل‪.‬‬
‫فكلم أنيس أبرهة فقال له‪ :‬أهيا امللك! هذا س�يد قريش ببابك‬
‫يس�تأذن علي�ك وهو صاح�ب عني مكة وه�و الذي ي ِ‬
‫طع�م الناس‬ ‫ُ‬
‫بالسهل والوحوش يف رؤوس اجلبال ‪ ،‬فائذن له عليك‪ ،‬فليكلمك‬
‫ف�أ ِذن له أبره�ة‪ ،‬قال‪ :‬وكان عبد املطلب أوس�م الناس‬
‫يف حاجت�ه‪َ ،‬‬
‫وأعظمهم وأمجلهم‪ ،‬فلام رآه أبرهة أج َّله وأكرمه عن أن جيلسه حتته‬
‫وكره أن تراه احلبشة ُيـجلسه معه عىل رسير ُملكه‪.‬‬
‫فن�زل أبره�ة ع�ن رسي�ره‪ ،‬فجلس عىل بِس�اطه وأجلس�ه معه‬
‫علي�ه إىل جانبه‪ ،‬ثم قال لرتمجان�ه‪ُ :‬قل له ما حاجتك؟ فقال له ذلك‬
‫عىل امللك مائتي بعري أصاهبا يل‪.‬‬
‫الرتمجان‪ ...‬فقال‪ :‬حاجتي أن يرد َّ‬
‫فلام قال له ذلك‪ ،‬قال أبرهة لرتمجانه‪ :‬قل له لقد كنت أعجبتني‬
‫حني رأيتك‪ ،‬ثم قد زهدت فيك حني كلمتني‪.‬‬

‫‪132‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫أتكلمن�ي يف مائتي بعري أصبتها لك وترتك بي ًتا هو دينك ودين‬
‫آبائك قد جئت ألهدمه‪ ،‬ال تكلمني فيه؟‬
‫رب اإلبل وإن للبيت ر ًّبا حيميه‪.‬‬
‫فقال له عبد املطلب‪ :‬إين أنا ُّ‬
‫أح�د مهام كان أن حيم�ي البيت مني‬
‫ٌ‬ ‫فق�ال أبرهة‪ :‬ال يس�تطيع‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ً‬
‫فقال عبد املطلب‪ :‬أنت وما تريد‪.‬‬
‫وهنا أمر أبرهة جنوده فر ُّدوا عىل عبد املطلب مائتي بعري‪.‬‬
‫فلام خرج عبد املطلب‪ ،‬ذهب إىل قريش وأخربهم اخلرب وأمرهم‬
‫فورا من مكة وأن يتحصنوا يف رؤوس اجلبال‪.‬‬
‫أن خيرجوا ً‬
‫ثم قام عبد املطلب وأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه ٌ‬
‫نفر من‬
‫قريش يدعون اهلل ويطلبون منه النرص عىل أبرهة وجنده‪.‬‬
‫الـمرعب وجيشه‬
‫فلام أصبح أبرهة‪ ،‬هتيأ لدخول مكة وهيأ فيله ُ‬
‫الكبري ‪ ...‬وكان اسم الفيل‪« :‬حممود»‪.‬‬
‫وجهوا الفيل إىل مكة‪ ،‬أقبل ُنفي�ل بن حبيب حتى قام إىل‬
‫فلما َّ‬
‫راش�دا من‬
‫ً‬ ‫ابرك حممود وارجع‬
‫جن�ب الفيل‪ ،‬ثم أخذ بأذن�ه فقال‪ُ :‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪133‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫حيث أتيت‪ ،‬فإنك يف بلد اهلل احلرام وأرسل ُأذنه ‪َ ...‬فبرَ َ َك ُ‬
‫الفيل ‪...‬‬
‫أي‪ :‬سقط عىل األرض‪.‬‬
‫وهنا خرج ُنفيل بن حبيب جيري حتى صعد اجلبل‪.‬‬

‫وبدأ الهجوم‬
‫الـجند‬
‫�ب ُ‬ ‫فه َّ‬
‫أعط�ى «أبرهة» اإلش�ارة جليش�ه هب�دم الكعبة‪َ ،‬‬
‫حيركون الفيل الكبري ناحية الكعبة‪ ،‬إال أن الفيل وقف ال يتحرك‪.‬‬
‫فج�اء اجلن�د القائمون على تدريب الفيل�ة ليتعامل�وا مع هذا‬
‫الفي�ل‪ ،‬فَب�رَ َ ك الفي�ل يف األرض ‪ -‬أي‪ :‬رق�د ‪ -‬فجاءوا بالس�ياط ‪-‬‬
‫الكرابي�ج ‪ -‬ورضبوا الفيل هب�ا رض ًبا مؤ ًملا لكن مل يتحرك‪َّ .‬‬
‫فحولوه‬
‫ناحي�ة اليم�ن‪ ،‬فقام الفي�ل جيري‪ .‬ثم أع�ادوا وجهه ناحي�ة الكعبة‬
‫فوق�ف ومل يتح�رك‪ .‬ثم َب َر َك عىل األرض ثاني�ة ‪ ...‬فجاءوا بالفأس‬
‫فوجهوه ناحية الش�ام‪ ،‬فقام‬
‫واحدا‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫برا‬
‫فرضبوه هبا‪ ،‬فلم يتحرك ش ً‬
‫جي�ري ثم أعادوه ناحية الكعبة ففعلها ثالثة ورقد عىل األرض دون‬
‫حركة‪.‬‬
‫ومل َيكُ�ن «أبرهة» وجنده يعلم�ون أن الفيل ‪ -‬رغم أنه خملوق‬
‫مأمور بأم�ر اهلل‪ ،‬ولن ُيـخالف أمر ربه‪ ،‬ولو كان‬
‫ٌ‬ ‫ال يعق�ل ‪ -‬إال أنه‬

‫‪134‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫حيوا ًنا بال عقل‪ ،‬وبال قلب ‪ ...‬ولن يكون الفيل سب ًبا يف هدم الكعبة‬
‫وتسويتها باألرض‪.‬‬
‫لقد حاروا يف أمره‪ ،‬ففعلوا معه كل يشء ل ُيطيعهم‪ ،‬لكن الفيل‬
‫عىص البرش‪ ،‬ليطيع أمر اهلل ‪.c‬‬

‫نهاية أبرهة وجيشه!!!‬


‫وحت�دى اهلل ‪،c‬‬
‫َّ‬ ‫أم�ا «أبره�ة» ال�ذي ج�اء ليه�دم الكعب�ة‪،‬‬
‫فق�د كان�ت هنايته وهناية جيش�ه قد كُتب�ت يف اللحظ�ة التي فكروا‬
‫فيه�ا وقرروا أن هيدم�وا الكعب�ة ‪ ...‬وكان يف انتظارهم مفاجأة ‪...‬‬
‫فس�يجعلهم اهلل عربة لألولني واآلخرين ‪ ...‬وإذا كان عبد املطلب‬
‫برش ضعيف قد حمَ َى إبله‪ ،‬فإن اهلل سيحمي بيته احلرام؛ ألن مكة‬
‫وهو ٌ‬
‫خريا عظيماً ببعثة رسول اهلل ‪،0‬‬
‫ستش�هد بعد عدة سنوات ً‬
‫وإسالم أهلها‪.‬‬
‫فبينما اجلمي�ع يف حرية من أم�ر الفيل الذي ُحب�س بأمر اهلل يف‬
‫سدت األُفق‪.‬‬
‫طيور عجيبة َّ‬
‫ٌ‬ ‫هذه البقعة؛ إذ جاءت‬
‫طريا أبابيل‪ ،‬أي‪ :‬مجاعات متفرقة‪ ،‬يف منقار ك ٍُّل‬
‫اهلل ً‬
‫فقد أرس�ل ُ‬
‫منها‪ ،‬ويف رجليه حجارة من ِس ِّجيل‪ ،‬وهو الطني الذي وضع يف النار‪،‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪135‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫الـح ّمص ‪ُ ...‬تلقى احلجارة عىل اجلندي من جيش‬ ‫كل حج�ر قدر ُ‬
‫أبرهة فيس�قط رصي ًعا قتيلاً ‪ .‬ويتفتت جسده حتى يصري كالتبن‪ ،‬أو‬
‫ف وتق َّطع‪ ،‬وهو العصف املأكول‪.‬‬
‫ورق الشجر الذي َج َّ‬
‫وأهلك اهلل اجليش كله إال قليلاً ‪ ،‬ومعهم «أبرهة» الذي مل يش�أ‬
‫حتدى‬
‫اهلل أن ُيق َت�ل بعد ‪ ...‬لي�ذوق األمل والعذاب قبل موته بعد أن َّ‬
‫ٍ‬
‫طريق رآه يف حياته‪.‬‬ ‫اهلل وأراد هدم بيته ‪ ...‬وكان طريق عودته أسوأ‬
‫فقد كانت أعضاء جسده تتساقط‪ ،‬العضو تلو العضو‪ ،‬والدم يسيل‬
‫منه والقيح فام إن وصل إىل اليمن حتى كان كالفرخ الصغري‪ ،‬الذي‬
‫للت�و ال ريش عليه‪ ،‬وال عظام له‪ ،‬ج�زا ًء وفا ًقا ‪ ...‬فلبث قليلاً‬ ‫ِ‬
‫ُول�د ِّ‬
‫درس�ا قاس� ًيا له‪ ،‬ول�كل َمن أراد ه�دم الكعب�ة املرشفة‪ ،‬أو‬
‫ليكون ً‬
‫قصدها بسوء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مأسوف عليه وال عىل جيشه‪ ،‬فر َّد اهلل كيد‬ ‫ثم هلك ومات غري‬
‫فس�مى العرب هذا العام عام‬
‫َّ‬ ‫ونجى بيته وحفظه‪،‬‬
‫أصحاب الفيل‪َّ ،‬‬
‫الفيل‪ .‬وعاد الناس إىل بيوهتم‪.‬‬
‫وأما قائد الفيل وسائسه فقد أعمى اهلل أبصارمها فكانا جيلسان‬
‫يف الطرقات بمكة يسألون الناس الطعام والرشاب‪.‬‬
‫تعرض هلدم بيت اهلل احلرام‪.‬‬
‫وهذا كله جزاء َمن َّ‬
‫‪136‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫لقد اخت�ار أبرهة أضخ�م احليوانات وأكربها‪ ،‬وأش�دها فتكًا‬
‫بيت ُوضع‬‫يف ثورهت�ا؛ لتكون أدات�ه يف هدم بيت التوحي�د ‪ ...‬أول ٍ‬

‫للناس‪.‬‬
‫لك�ن اهلل ‪ - c‬ج َّل�ت قدرت�ه ‪َ -‬ر َّد كي�د «أبره�ة» ومك�ره‬
‫وتدبيره‪ ،‬باحليوان الضعيف ‪ ..‬بالطري املرف�رف ‪ ..‬حيمل يف منقاره‬
‫الزؤام «جحارة من ِس ِّجيل»!!‬
‫املوت ُّ‬

‫وهبذا ُك َّفت يد الطغيان واإلثم عن «الكعبة» ُ‬


‫الـمرشفة‪ ،‬وكان‬
‫البد أن تتم إرادة اهلل ‪ c‬بتطهريها من رجس األوثان واألصنام‪،‬‬
‫وإعادهتا نقية نظيفة من َد َنس اجلاهلية‪ ،‬كام كانت عىل عهد إبراهيم‪،‬‬
‫وإسماعيل ‪ R‬بوالدة سيد األنام‪ ،‬رس�ولنا املصطفى حممد‬
‫ابن عبد اهلل ‪.0‬‬
‫فف�ي ذل�ك العام ‪ -‬عام الفي�ل ‪ُ -‬ولِد حبيبنا األكرم ورس�ولنا‬
‫األعظم‪ ،‬قدوة املوحدين‪ ،‬وإمام املتقني‪ ،‬وخاتم الرسل أمجعني(((‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫(‪« )1‬قصص احليوان يف القرآن» حممد عىل قطب (‪.)142/2‬‬


‫‪n‬‬ ‫‪137‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الدروس المستفادة‬
‫أبدا‪.‬‬
‫‪ s‬أن أعداء اإلسالم ال حيبون اخلري للمسلمني ً‬
‫‪ s‬أن الواجب عىل املس�لم أن يبذل ك َُّل ما يس�تطيع من أجل‬
‫الدفاع عن دينه ووطنه‪.‬‬
‫‪ s‬أن املس�لم ال ينبغ�ي أن حي�رص عىل مصلحته الش�خصية‬
‫فقط بل ينبغي علىه أن حيرص عىل مصلحة دينه ووطنه واملس�لمني‬
‫من حوله‪...‬‬
‫فلق�د رأينا كي�ف أن أبرهة قد غَّي�رَّ رأيه يف عب�د املطلب؛ ألنه‬
‫َظ� َّن أنه يري�د أن يمنعه من هدم الكعبة فوجده قد جاء ليس�أل عن‬
‫بعريه‪.‬‬
‫‪ s‬أن اهلل هو الذي حيمي دينه ويدافع عن الذين آمنوا‪..‬‬
‫ولق�د رأينا كيف أن اهلل محى بيته م�ن أبرهة وجنوده؛ ألن هذا‬
‫البيت سيكون ِقبلة للنبي ‪ 0‬وأمته‪.‬‬
‫‪ s‬أن من أراد اإلسالم واملسلمني بس ٍ‬
‫وء‪ ،‬فإن اهلل ‪ D‬ينتقم‬ ‫ُ‬
‫منه وجيعله ِعربة للناس‪.‬‬

‫‪138‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫ّ‬
‫كلمت راكبها‬ ‫البقرة التي‬
‫والذئب الذي كلَّم الراعي‬
‫�ول اهلل ‪،0‬‬ ‫�ال‪َ :‬صلىَّ َر ُس ُ‬ ‫َع� ْن َأبيِ ُه َر ْي َ�ر َة ‪َ ،I‬ق َ‬
‫���وق َب َق َر ًة‬ ‫الص ْب ِح‪ُ ،‬ث َّم َأ ْق َب َل َعلىَ الن ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ب ْي َنا َر ُج ٌل َي ُس ُ‬ ‫َص َ‬
‫ال َة ُّ‬
‫نا ُخ ِل ْق َنا‬‫ن َل ْق ِلـهَ��� َذا‪ ،‬إِ مَّ َ‬
‫���م خُ ْ‬ ‫ك َبهَ���ا َف َض َر َبهَ���ا‪َ ،‬ف َقا َل ْ‬
‫���ت‪ :‬إِ َّنا َلـ ْ‬ ‫إِ ْذ َر ِ‬
‫وم ُن‬ ‫ان اهلل َب َق َر ٌة َت َك َّل ُم‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬فإِ ِّني أُ ِ‬
‫َّاس‪ُ :‬س� ْب َح َ‬ ‫رث» َف َق َال الن ُ‬ ‫ِل ْل َح ِ‬
‫ٌ‬ ‫���ر‪َ ،‬و ُع َم��� ُر‪َ - ،‬و َم���ا ُه َما َث َّ‬ ‫به َ َ َ‬
‫َ‬
‫���م ‪َ -‬و َب ْين َم���ا َر ُجل فيِ‬ ‫َ���ذا‪ ،‬أ َن���ا َوأ ُب���و َب ْك ٍ‬ ‫ِ‬
‫ك َأ َّن ُه‬ ‫���ب َح َّتى َ‬‫���ب‪َ ،‬ف َذ َه َب ِم ْنهَا ِب َش���ا ٍة‪َ ،‬ف َط َل َ‬ ‫الذ ْئ ُ‬
‫َغ َن ِم��� ِه إِ ْذ َع���دَا ِّ‬
‫اس��� َت ْن َق ْذ َتهَا ِم يِّن‪َ ،‬ف َم ْن‬ ‫الذ ْئ ُب َه َذا‪ْ :‬‬ ‫ال َل��� ُه ِّ‬ ‫اس��� َت ْن َق َذ َها ِم ْن��� ُه‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ْ‬
‫َّاس‪ُ :‬س� ْب َح َ‬
‫ان‬ ‫اع َي َلـهَا َغيرْ ِ ي» َف َق َال الن ُ‬ ‫ال َر ِ‬ ‫الس��� ُبع‪َ ،‬ي ْو َم َ‬ ‫َ‬
‫لـهَا َي ْو َم َّ ِ‬
‫ِ‬
‫وم ُن ِب َه َذا‪ ،‬أَ َنا َوأَ ُب���و َب ْك ٍر‪َ ،‬و ُع َم ُر‪- ،‬‬‫�م‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فإِ ِّن���ي أُ ِ‬‫ْ�ب َي َت َك َّل ُ‬
‫اهلل ذئ ٌ‬
‫َو َما ُه َما َث َّم»‪.‬‬
‫حدثنا رسولنا ‪ 0‬يف هذا احلديث عن بعض العجائب‬
‫َّ‬
‫والغرائ�ب التي وقعت لبعض الناس م�ن قبلنا ‪ ..‬حدثنا عن رجل‬
‫امتطى ظهر بقرة كما يمتطي الناس ظهور اخليل واحلمري والبغال‪،‬‬
‫فتباط�أت به‪ ،‬فرضهب�ا ل ُترسع يف سيرها‪ ،‬فإذا بالبق�رة تلتفت إليه‪،‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪139‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫و ُتكلمه بكالم البرش قائلة له ُمس�تنكرة ركوبه هلا خمال ًفا ُس�نة اهلل يف‬
‫خلقه فيه�ا‪ :‬إ َّنا مل ُنخلق هلذا‪ ،‬وإنام ُخلقنا للحرث‪ ،‬وكأهنا تقول له‪:‬‬
‫أن�ت ظامل ٌ يل بركوبك يل ألنك اس�تعملتني فيام مل خيلقني اهلل له ‪...‬‬
‫ذلك أن الظلم وضع اليشء يف غري موضعه‪.‬‬
‫فق�ال الصحابة ُمتعجبني‪ :‬س�بحان اهلل! بق�رة تتكلم!! ولكن‬
‫عج َبه�م مل يكن تكذي ًبا للرس�ول‪ ،‬فحاش�اهم أن ُيكذبوه‪ ،‬ولكنهم‬
‫َت ُّ‬
‫شاهد املعروف‪.‬‬
‫الـم َ‬
‫خمالف للمألوف ُ‬
‫ٌ‬ ‫سمعوا منه ما هو‬
‫قررا إياه‪ :‬إنه يؤمن بذلك‪ ،‬ويؤمن به‬
‫ؤكدا اخلرب‪ ،‬و ُم ً‬
‫فقال هلم ُم ً‬
‫أبو بكر وعمر ‪ ...‬ومل يكونا موجودين يف ذلك اليوم معه يف املسجد‬
‫عندما َّ‬
‫حدث هبذا احلديث‪ ،‬قال ذلك عنهام يف غيبتهام‪ ،‬لعلمه بعظيم‬
‫تصديقهما لرهبام‪ ،‬وعظيم يقينهام وإيامهنما بقدرة اهلل عىل كل يشء‪،‬‬
‫ومن ذلك إقدار البقرة عىل الكالم‪.‬‬
‫املتكلم فيها ذئب ‪ ...‬فقد عدا‬
‫َ‬ ‫وحدثه�م عن قصة أخ�رى كان‬‫َّ‬
‫ذلك الذئب عىل غن ٍم ألحد ُّ‬
‫الرعاة‪ ،‬فأخذ منها ش�اة‪ ،‬وكان الراعي‬
‫قو ًّيا ُش�جا ًعا‪ ،‬فتبع الذئب واس�تنقذ ش�اته منه‪ ،‬فالتفت الذئب إىل‬
‫س�تنكرا عليه أخذ الش�اة منه وقال له‪ :‬ها أنت اس�تنقذت‬
‫ً‬ ‫الراعي ُم‬
‫فمن هلا يوم الس�بع ي�وم ال راعي هلا غريي؟ وهو‬
‫هذه الش�اة مني‪َ ،‬‬
‫‪140‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫يشير بيوم السبع إىل واقعة تقع يف مقتبل الزمان‪ُ ،‬ترتك فيها األنعام‬
‫واملوايش وتهُ َمل‪ ،‬فتعيث السباع فسا ًدا فيها‪ ،‬لعدم وجود َمن حيميها‬
‫وحيرس�ها ‪ ...‬ويبدو أن ذلك يقع ُقرب وقوع الس�اعة‪ ،‬عند اشتداد‬
‫الفتن‪.‬‬
‫أيضا من‬
‫تعجب�وا ً‬ ‫تعج�ب الناس من البق�رة التي تتكلم َّ‬ ‫وكما َّ‬
‫الذئب الذي تكلم‪ ،‬وقالوا ما قالوه أولاً ‪ ،‬ور َّد عليهم‪ ،‬بام ر َّده عليهم‬
‫يف القصة األوىل‪.‬‬
‫وما استغربه الصحابة هو تكليم احليوانات للبرش بكالم البرش‪،‬‬
‫أمر آخ�ر ‪ ...‬فقد كان نبي‬
‫البرش احليوان بلغت�ه فذاك ٌ‬
‫أم�ا أن يكل�م ُ‬
‫اهلل س�ليامن يفق�ه لغة الطري واحليوان وقد ُأخربنا أن جيش س�ليامن‬
‫عندما أتى وادي النمل [ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ]‬
‫[‪]19 - 18 :p‬‬

‫وعندما تف َّقد جنوده ومنهم الطيور ُ‬


‫الـمجنَّدة يف جيشه‪ ،‬مل جيد‬
‫اهلدهد وهو أحد جنوده املجندة‪ ،‬فتوعده بالذبح إن مل يأته بام ُيربر به‬
‫غيبت�ه ‪ ...‬فلام حرض عنده‪ ،‬ووقف بني يديه خاطبه قائلاً ‪[ :‬ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫‪n‬‬ ‫‪141‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ] [‪ .]23 - 22 :p‬إىل آخ�ر‬
‫ما قاله لسليامن‪.‬‬
‫وم�ن ذلك إخب�ار اهلدهد س�ليامن بأخبار ملكة س�بأ وقومها‪،‬‬
‫وما هم عليه من الرشك ‪ ...‬وتكليف س�ليامن له بحمل رس�الة منه‬
‫مللكة سبأ‪ ،‬وتكليفه بحمل ر ِّدها عىل رسالته‪.‬‬
‫ومن ذل�ك أن بع�ض احليوانات ك َّلمت الرس�ول ‪0‬‬
‫و َفق َه عنها ما تكلمت به ‪ ..‬فقد ش�كا جمَ َ ٌل إىل الرس�ول ‪0‬‬
‫ِ‬

‫أن أهله ُيتعبونه و ُيـجيعونه‪.‬‬


‫أما تكليم احليوانات للبرش بلغة البرش‪ ،‬فقد وقع منه ما أخرب به‬
‫الرسول ‪ 0‬يف هذا احلديث‪.‬‬
‫وق�د روى أبو نعيم يف «دالئ�ل النبوة» ما وقع ألحد أصحاب‬
‫الرس�ول ‪ 0‬اس�مه «أهبان بن أوس»‪ ،‬فقد عدا الذئب عىل‬
‫فش�د الذئب عىل الش�اة‪ ،‬فص�اح بالذئب‪ ،‬فأقعى على َذ َنبِه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫غنمه‪،‬‬
‫وخاطب الراعي قائلاً ‪َ :‬من هلا يوم ُتش َغل عنها؟ متنعني رز ًقا رزقنيه‬
‫اهلل ‪ ،c‬قال‪ :‬فص َّف ُ‬
‫قت بيدي‪ ،‬وقلت‪ :‬واهلل ما رأيت شي ًئا أعجب‬
‫من هذا ‪ ...‬وكان وقوع هذا بعد البعثة النبوية‪ ،‬فقال الذئب‪ :‬أعجب‬

‫‪142‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫من هذا ‪ ...‬هذا رس�ول اهلل ‪ 0‬بني هذه النخالت يدعو إىل‬
‫اهلل ‪ ...‬فأتى أهبان إىل النبي ‪ 0‬فأخربه وأسلم‪.‬‬
‫وقد أخربنا الرس�ول ‪ 0‬أن الساعة ال تقع حتى تكلم‬
‫الس�باع اإلن�س ‪ -‬أي‪ :‬بلغته�م ‪ -‬وذل�ك كائ� ٌن إلخب�ار الرس�ول‬
‫‪ 0‬به‪.‬‬
‫ونحن وإن كنا نعجب من تكليم احليوان لإلنس�ان بلغته فإننا‬
‫نؤمن به تصدي ًقا خلرب الصادق املصدوق‪ ،‬وإيام ًنا منا بقدرة اهلل ‪،c‬‬
‫وق�د أخربن�ا اهلل أن أعضاء اإلنس�ان يف يوم القيامة تكلمه وتش�هد‬
‫علي�ه‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ] [‪.]21 :I‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪143‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الدروس المستفادة‬
‫الدالة على عظيم قدرة‬
‫‪ s‬اس�تحباب وع�ظ الن�اس بالوقائع َّ‬
‫حدث هبذا‬
‫اهلل‪ ،‬فق�د جاء يف ه�ذا احلديث أن الرس�ول ‪َّ 0‬‬
‫احلديث أصحابه بعد صالة الصبح‪.‬‬
‫‪ s‬جيوز وعظ الناس بعد الصالة‪.‬‬
‫‪ s‬بي�ان عظي�م ق�درة اهلل يف خلقه ‪ ...‬فاهلل قادر على أن ُيع ِّلم‬
‫احليوان التك ُّلم بلسان اإلنسان‪.‬‬
‫‪ s‬جيب عىل املسلم أن يصدق باألخبار التي جاء القرآن هبا أو‬
‫ستغر ًبا‪.‬‬
‫السند إىل رسول اهلل ‪ ،0‬مهام كان اخلرب ُم َ‬
‫صح هبا َّ‬
‫َّ‬
‫أم�ا القصص املوضوعة واملكذوبة التي مل تصح األحاديث هبا‬
‫فال جتوز روايتها إال لبيان كذهبا وضعفها‪.‬‬
‫‪ s‬ال جي�وز اس�تعامل احلي�وان يف غري ما خلقه اهلل ل�ه ‪ ...‬كأن‬
‫تستعمل األغنام يف احلراثة‪ ،‬واألبقار يف الركوب ونقل األثقال ‪...‬‬
‫فاهلل خلق كل حيوان ليقوم بمهامت ُتناسب خلقه وقدراته‪.‬‬
‫‪ s‬فض�ل أيب ٍ‬
‫بك�ر وعم�ر ‪ ...‬فقد أخرب الرس�ول ‪0‬‬
‫عن عظيم إيامهنام‪ ،‬وقوة يقينهام‪ ،‬وكامل معرفتهام لعظيم س�لطان اهلل‬
‫‪144‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫وكامل قدرت�ه‪ ،‬وأهنام يصدقانه فيام أخرب به من غري َتر ُّدد عىل الرغم‬
‫من غياهبام عن صالة الصبح ‪ ...‬وأغلب الظن أهنام ما غابا إال ألهنام‬
‫كانا خارج املدينة يف رسية أو مهمة بعث هبام رسول اهلل ‪0‬‬
‫إليها‪.‬‬
‫فقد ُعلم من سيرهتام أهنام ال يتخلفان عن الصالة مع الرسول‬
‫‪ 0‬إذا كانا يف املدينة‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪145‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الذئب الذي شهد للنبي ‪ 0‬بالنبوة‬


‫ٌ‬
‫رج�ل يرع�ي الغن�م فج�اء الذئب فخطف ش�ا ًة‬ ‫كان هن�اك‬
‫ف�أرسع الراعي خلف�ه حتى أدرك�ه وأخذ منه الش�اة ‪ ...‬فجلس‬
‫الذئ�ب عىل األرض وقال للراعي‪ :‬أال تتق�ي اهلل تأخذ مني رز ًقا‬
‫ساقه اهلل إ َّيل‪.‬‬
‫ذئ�ب يكلمني كالم‬
‫ٌ‬ ‫فتعج�ب الراع�ي وقال‪ :‬ي�ا عجب�ي ‪..‬‬
‫َّ‬
‫اإلنس‪.‬‬
‫فق�ال ل�ه الذئ�ب‪ :‬أال ُأخبرك بأعج�ب م�ن ذل�ك؟ حمم�د‬
‫‪ 0‬بيثرب «املدينة املنورة» خيرب الناس بأنباء ما قد سبق‪.‬‬
‫فذهب الراعي إىل النبي ‪ 0‬وأخربه بام حدث‪.‬‬
‫فق�ال النب�ي ‪« :0‬ص���دق ‪ ..‬وال���ذي نفس���ي بي���ده‬
‫السبا ُع اإلنس»‪.‬‬
‫ال تقوم الساعة حتى ُيكلم ِّ‬
‫وما هي القصة كاملة من خالل هذا احلديث‪:‬‬
‫الـخدري ‪ I‬قال‪ :‬عدا الذئب عىل ٍ‬
‫شاة‬ ‫عن أيب س�عيد ُ‬
‫ُ‬
‫الذئ�ب عىل َذ َنبِه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فأخذه�ا‪ ،‬فطلب ُه الراعي فانتزعه�ا من ُه‪ ،‬فأقعى‬

‫‪146‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫تنزع من�ي رز ًقا س�اقه اهلل إ َّيل! فق�ال يا عجبي!‬
‫ق�ال‪ :‬أال تتق�ي اهلل ُ‬
‫الذئب‪ :‬أال ُأخ ُ‬
‫ربك‬ ‫ُ‬ ‫كلمني كالم اإلنس!! فقال‬ ‫ذئب ُمق ٍع عىل َذ َنبِه ُي ُ‬
‫ٌ‬
‫رب الناس بأنباء‬
‫ـحم�د ‪ 0‬بيثرب ُيـخ ُ‬
‫ٌ‬ ‫بأعجب من ذلك؟ ُم‬
‫ما قد س�بق! ق�ال‪ :‬فأقبل الراعي َي ُس ُ‬
‫�وق غنم ُه حت�ى دخل املدينة‪،‬‬
‫رسول اهلل ‪ 0‬فأخرب ُه‬ ‫فزواها إىل زاوية من زواياها‪ ،‬ثم أتى ُ‬
‫‪ ...‬فأمر رس�ول اهلل ‪َ 0‬فنُودي‪ :‬الصلا ُة جامع ٌة‪ ،‬ثم خرج‬
‫خربه�م‪ ،‬فأخربهم فقال رس�ول اهلل ‪:0‬‬ ‫فق�ال للراع�ي‪َ :‬أ ُ‬
‫«صدق‪ ،‬والذي نفس���ي بيده ال ت ُقو ُم الساع ُة حتى ُيكلم السبا ُع‬
‫ويرب ُه َف ِخ ُذ ُه‬
‫وشراك نعله خُ‬
‫الرجل عذب ُة س���وطه ِ‬
‫اإلنس و ُيكلم ُ‬
‫مبا أحدث أه ُل ُه بعد ُه»‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪147‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫صغيرا‬
‫ً‬ ‫الذئب الذي خطف طفلاً‬

‫إهنا قصة عجيبة وقعت يف عهد نبي اهلل داود ‪.S‬‬


‫ٍ‬
‫س�فر قريب ومع كل‬ ‫ففي يوم من األيام خرجت امرأتان يف‬
‫واحد منهام ابنها الوحيد الذي ُتـحبه ُح ًّبا جمَ ًّا‪.‬‬
‫وكان الولدان يلعبان قري ًبا منهام حتى يكونا يف أمان‪.‬‬
‫ذئب من بين املزارع وهج�م عىل طفل‬
‫ولك�ن فجأة خ�رج ٌ‬
‫منهما فأكله فقال�ت أم الطفل الذي أكله الذئ�ب لصاحبتها‪ :‬لقد‬
‫أكل الذئب ابنك‪.‬‬
‫فقالت األخرى‪ :‬بل لقد أكل الذئب ابنك ِ‬
‫أنت‪.‬‬
‫تدعى أن الذئب‬
‫وأخذ النزاع يشتد بينهام ‪ ..‬كل واحدة منهام َّ‬
‫قد أكل ابن األخرى وأن هذا الولد احلي هو ابنها هي‪.‬‬
‫فذهبت املرأتان إىل نبي اهلل داود ‪ S‬ليقيض بينهام‪.‬‬
‫فأخ�ذ داود ‪ُ S‬يـحق�ق يف تل�ك املس�ألة وجيته�د قدر‬
‫اس�تطاعته إىل أن أ َّداه اجته�اده إىل أن حيك�م بأن ه�ذا الولد احلي‬
‫هو ابن الكربى‪.‬‬

‫‪148‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫فلما خرجت�ا من عن�د داود ‪ S‬ذهبتا إىل نبي اهلل س�ليامن‬


‫الصغرى»‬
‫‪ S‬ليقيض بينهام ‪ ..‬فقد كانت أم الطفل «وهي املرأة ُّ‬
‫يف قمة الشوق واللهفة لرجوع ولدها إليها‪.‬‬
‫فأخ�ذ نب�ي اهلل س�ليامن ‪ S‬يفك�ر يف حيل�ة يس�تطيع من‬
‫خالهلا أن يعرف َمن هي األم احلقيقية هلذا الولد‪.‬‬
‫ـمن حوله أن يأتوه بسكني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فطلب م َّ‬
‫بالسكني يا نبي اهلل‪.‬‬
‫فسألت املرأتان‪ :‬وماذا ستفعل ِّ‬
‫سأ ُش�ق الغالم إىل نصفني ألُعطى كل‬
‫فقال س�ليامن ‪َ :S‬‬
‫واحدة منكام نص ًفا وبذلك أكون قد عدلت بينكام‪.‬‬
‫فظن�ت املرأتان أن س�ليامن ‪ S‬جا ٌّد يف كالم�ه وأنه عاز ٌم‬
‫عىل شق الغالم إىل نصفني‪.‬‬
‫وهن�ا قامت األم احلقيقية «املرأة الصغ�رى» ترصخ خو ًفا عىل‬
‫ولدها وتقول له‪ :‬ال تفعل يرمحك اهلل ‪ ..‬هو ابنها‪.‬‬
‫وهنا عرف سليامن ‪ S‬من هلفة هذه األم عىل ابنها أهنا هي‬
‫أم�ه احلقيقية ‪ ..‬وأهنا اعرتفت ب�أن هذا الولد هو ابن املرأة األخرى‬
‫ألهن�ا ُتفضل بقاء ولده�ا ولو مع غريها على أن ُيذبح و ُتـحرم من‬
‫‪n‬‬ ‫‪149‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫رؤيته لألبد فتأكد نبي اهلل س�ليامن ‪ S‬من أنه ولدها فقىض هلا‬
‫بالولد «أي للمرأة الصغرى» رغم إقرارها به لألخرى‪.‬‬
‫ولق�د ذك�ر النب�ي ‪ 0‬ه�ذه القصة فق�ال ‪:0‬‬
‫الذ ْئ ُب َف َذ َه َ‬
‫���ب ِبا ْب ِن‬ ‫اه َم���ا‪َ ،‬ج���ا َء ِّ‬ ‫ُم���ا ا ْب َن ُ‬ ‫ام َرأَ َت ِ‬
‫���ان َم َعه َ‬ ‫كا َن ِ‬
‫���ت ْ‬ ‫«َ‬
‫األ ْخ َرى‪:‬‬‫نا َذ َه َب با ْب ِن ِك‪َ ،‬و َقا َل ِت ُ‬ ‫َاه َما‪َ ،‬ف َقا َل ْت َص ِ‬
‫اح َب ُتهَا‪ :‬إِ مَّ َ‬ ‫إِحد ُ‬
‫ِ‬
‫اك َم َت���ا إِلىَ دَا ُو َد ‪َ ،S‬ف َق َض���ى ِب ِه‬ ‫���ك‪َ ،‬ف َت َح َ‬ ‫ن���ا َذ َه َ‬
‫���ب ِبا ْب ِن ِ‬ ‫إِ مَّ َ‬
‫ان ْب ِن دَا ُو َد َف َأ ْخبرَ َ َتاهُ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال‪ :‬ا ْئ ُتو ِني‬ ‫ِل ْل ُكبرْ َ ى‪َ ،‬ف َخ َر َج َتا َع َلى ُس َل ْي َم َ‬
‫الص ْغ َرى‪َ :‬‬
‫ال َت ْف َع ْل َي ْر مَ ُ‬
‫ح َك اهللُ‪،‬‬ ‫ني أَ ُش ُّق ُه َب ْي َنه َ‬
‫ُما‪َ ،‬ف َقا َل ِت ُّ‬ ‫الس ِّك ِ‬
‫ِب ِّ‬
‫لص ْغ َرى»‪.‬‬‫ُه َو ا ْب ُنهَا‪َ ،‬ف َق َضى ِب ِه ِل ُّ‬
‫«توصل س�ليامن بطريق من احليل�ة واملالطفة إىل‬
‫َّ‬ ‫ق�ال العلامء‪:‬‬
‫معرف�ة باط�ن القضي�ة‪ ،‬فأومههام أنه يري�د قطعه‪ ،‬ليعرف َمن َي ُش ّ‬
‫�ق‬
‫عليه�ا َق ْط ُعه‪ ،‬فتكون هي أمه‪ ،‬فلما أرادت الكربى َق ْط َعه عرف أهنا‬
‫ليست ُأمه‪ ،‬فلام قالت الصغرى ما قالت عرف أهنا ُأمه ‪ ...‬ومل يكن‬
‫ُم�راده أن يقطعه حقيقة‪ ،‬وإنام أراد اختبار ش�فقتهام‪ ،‬لتتميز له األم‪،‬‬
‫فلام متيزت بام ذكرت عرفها»‪.‬‬

‫‪150‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫البعير الذي اشتكى صاحبه لرسول اهلل ‪0‬‬

‫يف يوم من األي�ام خرج النبي ‪ 0‬من بيته وركب دابته‬


‫وسارا سو ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وأخذ عبد اهلل بن جعفر ‪ I‬خلفه عىل الدابة‬
‫وبع�د فرتة دخل النبي ‪ 0‬بس�تا ًنا لرج�ل من األنصار‬
‫وأخ�ذ يتأم�ل يف الزروع والثمار وهو ُيس� ِّبح اهلل ‪ ... C‬وفجأة‬
‫رأى النب�ي ‪ 0‬جمَ َلاً فحدث ٌ‬
‫أمر عجيب أغرب من اخليال‪،‬‬
‫يا ُترى ما الذي حدث؟‬
‫لق�د نظ�ر اجلم�ل إىل النب�ي ‪ 0‬وظ�ل ي ِ‬
‫ـح� ُّن ويبكي‬ ‫َ‬
‫وبدأت الدموع تنساب عىل وجنتيه‪.‬‬
‫فلما رآه النبي ‪ ،0‬تأ َّثر وذهب إليه وأخذ يمس�ح بيده‬
‫َف عن‬
‫عىل مؤخرة رأس�ه بكل رمحة وحنان ‪ ...‬فس�كت اجلمل وك َّ‬
‫البكاء‪.‬‬
‫فس�أل النبي ‪« :0‬من صاحب هذا اجلمل؟ ملن هذا‬
‫اجلمل؟»‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪151‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فجاء فتى من األنصار ملا س�مع صوت رسول اهلل ‪0‬‬
‫وقال‪ :‬إنه يل يا رسول اهلل‪.‬‬
‫فغض�ب النب�ي ‪ 0‬وقال له‪« :‬أف�ل�ا تتقي اهلل يف هذه‬
‫البهيمة اليت َّ‬
‫ملكك اهلل إياها؟» ‪ ..‬فتعجب الفتى من كالم النبي‬
‫‪ 0‬ال�ذي دخ�ل البس�تان منذ حلظ�ات وما رأى ش�ي ًئا من‬
‫فمن الذي أخبر النبي ‪0‬‬
‫معامل�ة ه�ذا الفتى للجم�ل ‪َ ...‬‬
‫بأن هذا الفتى ُيسيئ معاملة اجلمل‪.‬‬
‫فإذا بالنبي ‪ 0‬خيربه بأن اجلمل قد شكا إليه أنه ُيـجيعه‬
‫وال يطعم�ه إال القليل من الطعام الرديء ‪ ....‬ومع ذلك فهو ُيتعبه‬
‫و ُيكلفه من األعامل فوق طاقته‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪152‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الدروس المستفادة‬
‫‪ s‬أن املس�لم الب�د أن يكون متواض ًعا ‪ ..‬فلق�د رأينا كيف أن‬
‫النبي ‪ 0‬وهو قائد األمة ورس�وهلا ومع ذلك أخذ عبد اهلل‬
‫وسارا سو ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ابن جعفر ‪ I‬معه عىل الدابة‬
‫‪ s‬أن املسلم البد أن يكون رحيماً بكل َمن حوله من الناس وأن‬
‫يكون رحيماً بالدواب واحليوانات ‪ ..‬فلقد أخربنا النبي ‪0‬‬
‫غي ألهنا س�قت كل ًب�ا ‪ ...‬وأدخل امرأة النار‬
‫أن اهلل قد غفر المرأة َب ٍّ‬
‫ألهنا حبست ِه َّرة «قطة»‪.‬‬
‫‪ s‬أن املس�لم إذا كان رحيًم�اً فإن اهلل يرمح�ه يف الدنيا واآلخرة‬
‫‪ ...‬ق�ال ‪« :0‬ارمح���وا َم���ن يف األرض يرمحك���م َم���ن يف‬
‫السماء»‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪153‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫الجساسة‬
‫َّ‬
‫مج�ع رس�ول اهلل ‪ 0‬الن�اس يف املس�جد بع�د الصلاة‬
‫ليخربه�م ع�ن خبر الدج�ال واجلساس�ة ‪ ...‬فقالت فاطم�ة بنت‬
‫يت م َع رس ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫�ول‬ ‫ـم ْس�جد‪َ ،‬ف َص َّل ُ َ َ ُ‬ ‫قيس ‪َ ...« :J‬ف َخ َر ْج ُت إِلىَ ا ْل َ‬
‫ِ ِ ليِ‬ ‫ْ�ت فيِ َص ِّ‬
‫�ور ا ْل َق ْو ٍم َف َلماَّ‬
‫ف الن َِّس�اء ا َّلتي َت ُظ ُه َ‬ ‫اهلل ‪َ ،0‬ف ُكن ُ‬
‫ِ‬
‫�س َعَل�ىَ ا ْلـمنَْب�رَ ِ ‪َ ،‬و ُه َ‬
‫�و‬ ‫�ول اهلل ‪َ 0‬صلاَ َت� ُه َج َل َ‬ ‫َقَض�ىَ َر ُس ُ‬
‫�م َق َال‪« :‬أَ َت ْد ُر َ‬
‫ون‬ ‫���ان ُم َصلاَّ ُه»‪ُ ،‬ث َّ‬
‫ك ُّل إِ ْن َس ٍ‬ ‫�ك‪َ ،‬ف َق َال‪ِ « :‬لي ْل َز ْم ُ‬
‫يض َح ُ‬
‫ْ‬
‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪.‬‬
‫ِلـ َم جمَ َ ْع ُت ُك ْم؟» َقا ُلوا‪ُ :‬‬
‫���م ِل َر ْغ َب��� ٍة ولاَ ِل َر ْه َب��� ٍة‪َ ،‬و َل ِك ْ‬
‫���ن‬ ‫�ال‪« :‬إِ ِّن���ي َواهلل َم���ا جمَ َ ْع ُت ُك ْ‬ ‫َق َ‬
‫ان َر ُجلاً َن ْص َرا ِن ًيا‪َ ،‬ف َجا َء َف َباي َع‬ ‫كَ‬ ‫َّارى َ‬ ‫يما الد ِ‬ ‫جمَ َ ْع ُت ُك ْم‪ ،‬لأِ َ َّن َت ِـم ً‬
‫ك ْن ُت أُ َح ِّد ُث ُك ْم َع ْن َم ِسيح‬ ‫َوأَ ْس��� َل َم‪َ ،‬و َح َّد َثن َح ِدي ًثا َوا َف َق َّال ِذي ُ‬
‫يِ‬
‫ب ِري��� ٍة‪َ ،‬م َع ثَلاَ ِث َ‬
‫ني‬ ‫ك َب فيِ َس��� ِفي َن ٍة حَ ْ‬ ‫���ال ‪َ ...‬ح َّد َث�ِن�يِ أَ َّن ُه َر ِ‬
‫َّج ِ‬ ‫الد َّ‬
‫���م َو ُج َذا َم‪َ ،‬ف َل ِع َب ِب ِه ِم ا ْل َـم ْو ُج َش��� ْه ًرا فيِ ا ْل َب ْح ِر‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫َْ‬
‫َر ُج ِم ْن لـخ ٍ‬
‫�ًل�اً‬
‫الشْ���م ِ َ َ‬ ‫أَر َف ُئوا إِلىَ َج ِزي َر ٍة ِفـي ا ْل َبحر َح َّتى َم ْغ ِر ِب َّ‬
‫س‪ ،‬ف َجل ُسوا فيِ‬
‫ري‬
‫ك ِث ُ‬ ‫َاب��� ٌة أَ ْه َل ُب َ‬
‫ُم د َّ‬ ‫ـج ِزي َر َة َف َل ِقي ْته ْ‬ ‫أَ ْق ُر ِب َّ‬
‫الس��� ِفي َن ِة َف َد َخ ُل���وا ا ْل َ‬
‫الش َع ِر»‪.‬‬ ‫ك ْث َر ِة َّ‬ ‫ون َما ُق ُب ُل ُه ِم ْن ُد ُب ِر ِه‪ِ ،‬م ْن َ‬ ‫يد ُر َ‬‫الش َع ِر‪ ،‬لاَ ْ‬ ‫َّ‬

‫‪154‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫�ك م�ا َأ ْن ِ‬ ‫َف َقا ُل�وا‪ :‬وي َل ِ‬
‫اس� ُة‪َ ،‬قا ُل�وا‪:‬‬ ‫ـج َّس َ‬‫�ت‪َ :‬أ َن�ا ا ْل َ‬ ‫�ت؟ َف َقا َل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الر ُج ِل فيِ َّ‬ ‫ِ‬
‫الد ِير‪،‬‬ ‫اس� ُة؟ َقا َل ْت‪َ :‬أ َهيا ا ْل َق ْو ُم ا ْن َطل ُقوا إِلىَ َه َذا َّ‬ ‫َو َما ا ْل َ‬
‫ـج َّس َ‬
‫�م ْت َلنا َر ُجلاً َف ِر ْقنَا ِمن َْها َأ ْن‬ ‫�واق َق َال‪َ :‬لـماَّ َس َّ‬
‫َفإِ َّن ُه إِلىَ َخ ِ كُم بِالأْ َ ْش َ ِ‬
‫برَ ْ‬
‫الد َير‪َ ،‬فإِ َذا فِ ِيه‬‫ُون َش�ي َطا َن ًة ‪َ ..‬ق َال‪َ :‬فا ْن َط َل ْقنَا سرِ َ ا ًعا‪َ ،‬ح َّتى َد َخ ْلنَا َّ‬ ‫َتك َ‬
‫يدا ُه إِلىَ ُعن ُِق ِه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َأ ْع َظ ُم إِ ْن َسان َر َأينَا ُه َق ُّط َخ ْل ًقا‪َ ،‬و َأ َش ُّد ُه ِو َثا ًقا َم ْ‬
‫ـج ُمو َع ٌة َ‬
‫يد‪.‬‬‫ني ر ْكب َت ِيه إِلىَ َكعب ِيه بِا ْلـح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َما َب َ ُ َ‬
‫�ال‪َ :‬ق ْد َق َد ْر ُت ْم َعلىَ َخَب�رَ ِ ي‪َ ،‬ف َأ ْخبرِ ُ ونيِ‬ ‫ُق ْلنَ�ا‪َ :‬وي َل َك َما َأ ْن َت؟ َق َ‬
‫�فين ٍَة َب ْح ِر ٍية‪،‬‬ ‫ب ر ِكبنَ�ا فيِ س ِ‬
‫َ‬ ‫اس م� َن ا ْل َع َر ِ َ ْ‬
‫ِ‬
‫�م؟ َقا ُلوا‪َ :‬ن ْح� ُن ُأ َن ٌ‬ ‫َم�ا َأ ْن ُت ْ‬
‫ِ‬ ‫َف َصا َد ْفنَ�ا ا ْل َب ْح َ�ر ِح َ‬
‫�م َأ ْر َف ْأ َنا‬ ‫�ه ًرا‪ُ ،‬ث َّ‬ ‫ـم ْو ُج َش ْ‬ ‫�ب بِنَا ا ْل َ‬‫ين ا ْغ َت َل َم َف َلع َ‬
‫�ذ ِه‪َ ،‬ف َج َل ْس�نَا فيِ َأ ْق ُربهِ َا ‪ -‬أي‪ :‬الق�وارب ‪َ ،-‬ف َد َخ ْلنَا‬ ‫�ك ه ِ‬ ‫ِ‬
‫إِلىَ َج ِز َيرت َ َ‬
‫يد َري َما ُق ُب ُل ُه ِم ْن ُد ُب ِر ِه‬ ‫الش َع ِر‪ ،‬لاَ ْ‬‫ب كَثِ ُري َّ‬ ‫ِ‬
‫ـج ِز َير َة‪َ ،‬ف َلقي ْتنَا َدا َّب ٌة َأ ْه َل ُ‬ ‫ا ْل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن َك ْث َر ِة َّ‬
‫اس ُة‪ُ ،‬ق ْلنَا‪:‬‬ ‫ـج َّس َ‬‫الش َع ِر‪َ ،‬ف ُق ْلنَا‪َ :‬وي َلك َما َأ ْنت؟ َف َقا َل ْت‪َ :‬أ َنا ا ْل َ‬
‫الدير‪َ ،‬فإِ َّن ُه إِلىَ‬ ‫�ل فيِ َّ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ِ‬ ‫اس� ُة؟ َقا َل ْت‪ :‬ا ْعم ُدوا إِلىَ َه َذا َّ‬ ‫ـج َّس َ‬ ‫َو َم�ا ا ْل َ‬
‫ِ‬ ‫َخ ِ كُم بِالأْ َ ْشو ِاق‪َ ،‬ف َأ ْقب ْلنَا إِ َل َ سرِ‬
‫ـم َن ْأ َم ْن َأ ْن‬ ‫يك َ ا ًعا‪َ ،‬و َف ِز ْعنَا من َْها‪َ ،‬و َل ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫برَ ْ‬
‫ُون َشي َطا َن ًة‪.‬‬ ‫َتك َ‬

‫ان‪ُ ،‬ق ْلنَا‪َ :‬ع ْن َأي َش ْأنهِ َا َت ْس َت ْخبرِ ُ ؟‬ ‫يس َ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬أ ْخبرِ ُ ونيِ َع ْن َن ْخ ِل َب َ‬

‫‪n‬‬ ‫‪155‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫�ال‪َ :‬أ َما إِ َّن ُه‬ ‫�ال‪َ :‬أ ْس َ�أ ُلك ُْم َع� ْن َن ْخ ِل َها‪َ ،‬ه ْ�ل ي ُث ِم ُر؟ ُق ْلنَا َل� ُه‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق َ‬ ‫َق َ‬
‫يوش ُك َأ ْن لاَ ُي ْث ِم َر‪.‬‬ ‫ِ‬

‫َق َال‪َ :‬أ ْخبرِ ُ ونيِ َع ْن ُب َح َري ِة ال َّطبرَ ِ ِية‪ُ ،‬ق ْلنَا‪َ :‬ع ْن َأي َش ْأنهِ َا َت ْس َت ْخبرِ ُ ؟‬
‫يوش ُك‬ ‫َق َال‪ :‬ه ْل فِيها ماء؟ َقا ُلوا‪ِ :‬هي كَثِري ُة ا ْل ِء‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أما إِ َّن ماءها ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ـماَ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫يذ َه َ‬ ‫َأ ْن ْ‬
‫ني ُز َغ َر‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ع ْن َأي َش ْ�أنهِ َا َت ْس� َت ْخبرِ ُ ؟‬ ‫�ال‪َ :‬أ ْخبرِ ُ ونيِ َع ْن َع ِ‬ ‫َق َ‬
‫ني؟ ُق ْلنَا َل ُه‪َ :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫ني َم�ا ٌء؟ َو َه ْل ْيز َر ُع َأ ْه ُل َها بِماَ ِء ا ْل َع ِ‬ ‫�ال‪َ :‬ه ْل فيِ ا ْل َع ِ‬ ‫َق َ‬
‫ون ِم ْن َم ِائ َها‪.‬‬ ‫ِهي كَثِ َري ُة ا ْلـماَ ِء‪َ ،‬و َأ ْه ُل َها ْيز َر ُع َ‬
‫يني َما َف َع َل؟ َقا ُلوا‪َ :‬ق ْد َخ َر َج ِم ْن َم َّك َة‬ ‫َق َال‪َ :‬أ ْخبرِ ُ ونيِ َع ْن َنبِي الأْ ُ ِّم َ‬
‫َيف َصن ََع بهِ ِ ْم؟‬ ‫َو َن َز َل ي ْث ِر َب‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ َقا َت َل ُه ا ْل َع َر ُب؟ ُق ْلنَا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق َال‪ :‬ك َ‬
‫ـه ْم‪:‬‬ ‫ب َو َأ َطا ُعو ُه‪َ ،‬ق َال َل ُ‬ ‫َف َأ ْخبرَ ْ َن�ا ُه َأ َّن ُه َق ْد َظ َه َر َعلىَ َم ْن ِيل ِيه ِم َن ا ْل َع َر ِ‬
‫�م َأ ْن يطِي ُعو ُه‪،‬‬ ‫ـه ْ‬ ‫اك َخ ٌري َل ُ‬ ‫�ال‪َ :‬أ َما إِ َّن َذ َ‬ ‫�ك؟ ُق ْلنَا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ق َ‬ ‫َان َذلِ َ‬
‫�د ك َ‬ ‫َق ْ‬
‫�ك َأ ْن ْيؤ َذ َن ليِ فيِ‬ ‫ـخبرِ كُم َعنِّي‪ ،‬إِنيِّ َأ َنا ا ْلـم ِس�يح‪ ،‬وإِنيِّ ُأ ِ‬
‫وش ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َوإِنيِّ ُم ْ ُ ْ‬
‫ض فَلاَ َأ َد َع َق ْري� ًة إِلاَّ َه َب ْط ُت َها فيِ‬ ‫ير فيِ الأْ َ ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ـخ ُ�روج‪َ ،‬ف َأ ْخ ُ�ر َج َف َأس َ‬ ‫ا ْل ُ‬
‫ان َعلىَ ِك ْل َتاهمُ َ ا‪ُ ،‬ك َّلماَ َأ َر ْد ُت‬ ‫ني َلي َل ًة َغري م َّك َة و َطيب َة‪َ ،‬فه مـحرم َت ِ‬
‫َ َ َ َ ُ ماَ ُ َ َّ َ‬ ‫َأ ْر َب ِع َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫�يف‬‫الس ُ‬ ‫اس� َت ْق َب َلني َم َل ٌك بِيده َّ‬ ‫َأ ْن َأ ْد ُخ َل َواح َد ًة ‪َ -‬أ ْو َواح ًدا ‪ -‬من ُْهماَ ْ‬

‫‪156‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫ِ‬ ‫ص ْل ًت�ا‪ ،‬يص ُّدنيِ َعنْها‪ ،‬وإِ َّن َعَل�ىَ ك ُِّل َن ْق ٍ ِ‬
‫حي ُر ُس�ونهَ َا»‪،‬‬ ‫ب من َْها َملاَ ئ َك ًة ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫�ول اهلل ‪َ ،0‬و َط َع َن‬ ‫�ت ‪َ -‬فاطِ َم� ُة بِن ُْت َقيس ‪َ :-‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َقا َل ْ‬
‫�ذ ِه َطي َب ُة» ‪ -‬ي ْعنِي‬ ‫ـمنْ ِ ‪« :‬ه ِذ ِه َطيب ُة‪ ،‬ه ِذ ِه َطيب ُة‪ ،‬ه ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بِم ْخصرَ َ ت�ه فيِ ا ْل َب�رَ َ‬
‫ِ‬

‫َّاس‪َ :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫�ال الن ُ‬ ‫���ت َح َّد ْث ُت ُك ْم َذ ِل َك؟» َف َق َ‬‫ك ْن ُ‬‫ـم ِدينَ� َة ‪« -‬أَلاَ َه ْل ُ‬ ‫ا ْل َ‬
‫ك ْن ُت أُ َح ِّد ُث ُك ْم‬‫يث َت ِـميم‪ ،‬أَ َّن ُه َوا َف َق َّال ِذي ُ‬
‫ٍ‬
‫َق َال‪َ « :‬فإِ َّن ُه أَ ْع َج َبن َح ِد ُ‬
‫يِ‬
‫الشام‪ ،‬أَ ْو حَ ْ‬ ‫َلاَ‬
‫يم ِن‪،‬‬ ‫ب ِر ا ْل َ‬ ‫ب ِر َّ‬ ‫َع ْن ُه‪َ ،‬و َع ِن ا ْل َـم ِدي َن ِة َو َم َّك َة‪ ،‬أ إِ َّن ُه فيِ حَ ِْ‬
‫لاَ َب ْل ِم ْن ِق َبل ا ْل َـم ْش ِر ِق َما ُه َو‪ِ ،‬م ْن ِق َب ِل ا ْل َـم ْش ِر ِق َما ُه َو ِم ْن ِق َب ِل‬
‫ـمْش�رْ ِ ِق‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬ف َح ِف ْظ ُت َه َذا‬ ‫ِ ِ‬
‫���ر ِق‪َ ،‬ما ُه َو» َو َأ ْو َم َأ بِيده إِلىَ ا ْل َ‬‫ا ْل َـم ْش ِ‬
‫ول اهلل ‪.»0‬‬ ‫ِم ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪157‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫جمل جابر بن عبد اهلل ‪I‬‬


‫ع�ن جابر ب�ن عبد اهلل ‪ L‬قال‪« :‬خرجت مع رس�ول اهلل‬
‫عىل رسول اهلل ‪،0‬‬
‫‪ 0‬يف غزاة‪ ،‬فأبطأ يب مجيل‪ ،‬فأيت َّ‬
‫فق�ال يل‪« :‬ي�ا جابر» قل�ت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪« :‬ما ش���أنك»‪ ،‬قلت‪ :‬أبطأ يب‬
‫حجنِه ثم ق�ال‪« :‬اركب»‬ ‫ِ‬
‫مجلي وأعيا فتخلف�ت‪ .‬فنزل فحجن�ه بم َ‬
‫فركبت فلقد رأيتني َأ ُك ّفه عن رسول اهلل ‪.0‬‬

‫فق�ال‪« :‬أتزوج�ت؟» فقل�ت‪ :‬نع�م‪ ،‬فق�ال‪َ « :‬أبِ ً‬


‫ك�را أم ثي ًبا؟»‬
‫فقل�ت‪ :‬بل ث ِّيب‪ .‬قال‪« :‬فه�َّل�اَّ جارية ُتالعبها و ُتالعبك؟» فقلت‪:‬‬
‫إن يل أخ�وات‪ ،‬فأحببت أن أتزوج امرأة َتـجمعهن‪ ،‬و ُتـمش�طهن‪،‬‬
‫وتق�وم عليه�ن‪ .‬ق�ال ‪« :0‬أم���ا إن���ك ق���ادم‪ ،‬ف���إذا قدمت‬
‫فال َك َيس ال َك َيس!» ثم قال‪« :‬أتبيع مجلك؟» قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فاشتراه‬
‫مني بأوقية‪.‬‬
‫�د َم رس�ول اهلل ‪ ،0‬وقدم�ت بالغ�داة‪ ،‬فجئ�ت‬ ‫ث�م َق ِ‬

‫املس�جد فوجدت�ه عىل باب املس�جد‪ ،‬فقال‪« :‬اآلن ح�ي�ن َق ِدمت؟»‬


‫قل�ت‪ :‬نعم‪ ،‬ق�ال‪َ « :‬ف َدع مجل���ك‪ ،‬وادخل فص ِّ‬
‫���ل ركعتني» قال‪:‬‬
‫فدخلت فصليت‪ ،‬ثم رجعت‪.‬‬
‫‪158‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬
‫فأمر باللاً أن َي ِز َن يل ُأوقية‪ .‬فوزن يل بالل‪ ،‬فأرجح يف امليزان‪.‬‬
‫فدعيت‪ .‬فقلت‪:‬‬ ‫قال فانطلقت‪ .‬فلام و َّليت قال‪« :‬اد ُع لي جاب ًرا» ُ‬
‫على اجلمل ومل يك�ن يشء أبغض إ َّيل من�ه‪ .‬فقال‪ُ « :‬خذ‬
‫اآلن ي�رد َّ‬
‫جمَ َ َلك ولك مثنه»‪.‬‬
‫هذا ما يرس اهلل مجعه من قصص احليوان لألطفال من القرآن‬
‫والسنة املطهرة‪،‬‬
‫نف�ع اهلل ب�ه‪ ،‬وصَّل�ىَّ اهلل على نبينا حمم�د وعىل آل�ه وصحبه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪159‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قصص احليوان‬

‫‪u‬‬
‫املقدمة ‪5......................................................‬‬
‫قصة بقرة بني إرسائيل ‪7......................................‬‬
‫قصة محار العزيز ‪11..........................................‬‬
‫قصة القرود أصحاب السبت ‪18.............................‬‬
‫قصة كبش إسامعيل ‪30.............................. S‬‬
‫قصة الغنم ‪44................................................‬‬
‫قصة ناقة صالح عليه السالم ‪51..............................‬‬
‫قصة كلب أصحاب الكهف ‪75..............................‬‬
‫قصة دابة أصحاب األخدود ‪90..............................‬‬
‫قصة فيل أبرهة ‪121.........................................‬‬
‫قصة البقرة والذئب ‪139.....................................‬‬
‫قصة الذئب ‪146.............................................‬‬
‫قصة البعري الذي اشتكى للنبي ‪151..........................‬‬
‫قصة اجلساسة ‪154..........................................‬‬
‫قصة مجل جابر ‪158.................................. I‬‬
‫الفهرس ‪160 ................................................‬‬
‫‪160‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬

You might also like