You are on page 1of 21

‫الرحلة المغربية ‪ :‬تجسيد لروح المواطنة و صلة وصل بين المشرق و المغرب العربيين‬

‫كوثر أبوالعيد‪ /‬أستاذة باحثة بجامعة سيدي محمد بن عبد اهلل ‪ -‬فاس ‪ /‬المملكة المغربية‬

‫الملخص‬

‫إن هوّي ة أي!!ة أم!!ة هي ص!!فاتها ال!!تي تميزه!!ا عن ب!!اقي األمم لتعّب ر عن شخص!!يتها الحض!!ارية المبني!!ة على نق!!ط‬
‫ثالث‪ :‬ال!!دين ال!!ذي ب!!ه يفس!!ر الوج!!ود و اللغ!!ة الواس!!طة التعبيري!!ة الطّيع!!ة لنق!!ل الخط!!اب و الت!!اريخ ال!!ذي يحف!!ظ‬
‫ال!!ذاكرة و ينعش اإلحس!!اس باإلنتم!!اء‪ .‬و ال!!وطن الع!!ربي من الخليج إلى المحي!!ط تجمع!!ه هوّي ة ال!!روح و اللغ!!ة و‬
‫الت!!اريخ المش!!ترك‪ ،‬و لم يكن بع!!د الواجه!!تين بم!!برر إلحج!!ام المغ!!رب عن االهتم!!ام به!!ذه الناحي!!ة‪ .‬ب!!ل أن!!ه على‬
‫العكس من ذل!!ك ك!!ان يت!!وق إلى الت!!وفر على معلوم!!ات أك!!ثر عن تل!!ك الجه!!ات النائي!!ة ال!!تي تربط!!ه به!!ا رابط!!ة‬
‫الروح أوال و رابطة اللغة ثانيا‪.‬‬

‫الروح‪ ،‬ألن الطرفين و لو أنهما متباعدان مسافة لكنهما يعتنقان دينا واحدا هو دين اإلسالم الحنيف‪ ،‬وفي أكثر‬
‫الجهات و في أغلب الظروف كان الطرفان يتحدان أيضا في المذهب اإلس!المي ك!ذلك‪ ،‬فالم!ذهب الم!الكي ال!ذي‬
‫استقر عليه األمر في المغرب األقصى منذ فجر اإلسالم هو المذهب الذي وج!د في المش!رق مالذا يحتمي في!ه‬
‫من المنافسين له ممن ك!انوا يري!دون ف!رض م!ذاهب أخ!رى لهم ب!الجزيرة العربي!ة‪ ،‬و هك!ذا فكم!ا تحص!ن م!ذهب‬
‫مالك بديار المغرب منذ البداية وجد مكانا له في شعاب الجزي!!رة و أطرافه!!ا كي!!ف و ه!!و الم!!ذهب ال!!ذي نش!!أ في‬
‫أحضان مدينة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬أما اآلصرة الثانية فهي اللغة الواحدة التي تعزز االنتم!!اء بال!!ذات‬
‫و المواطنة العربية و التي يرجع لها أكبر الفضل في تمتين الصالت الروحية التي تحدثنا عنها ‪ .‬و لع!ل أيض!ا‬
‫من أبرز مظاهر الوحدة العربي!ة اإلس!المية ه!و ذل!ك التواص!!ل الحض!!اري ال!ذي رب!ط الخليج بالمحي!ط من خالل‬
‫الرحلة المغربي!ة إلى المش!رق ال!تي وص!لت بين ش!قي العروب!ة‪ ،‬ف!رحالت المغارب!ة في مختل!ف العص!ور تعطين!ا‬
‫ص!!!ورة عن م !!دى إس !!هام الفك !!ر الع !!ربي المس !!لم في ه !!ذا الش !!ق الغ !!ربي من ال !!وطن الع !!ربي في دعم مقوم !!ات‬
‫المواطنة العربية التي هي من أبرز مفاخر تراثنا و مظاهر وحدتنا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫تعتبر الرحلة من أهم الفن!ون األدبي!ة ال!تي تمتن االتص!ال بين الش!عوب و التفاع!ل بين األمم و م!ا ينجم عن ذل!ك‬
‫من تالقح فك !!ري و خ !!دمات اقتص !!ادية و اجتماعي !!ة‪ ،‬كم !!ا تبقى الرحل !!ة مص !!درا مهم !!ا للتع !!رف على البل !!دان و‬
‫الخصائص البشرية‪ ،‬و من خاللها يكتشف اإلنسان العالم فهي قناة لمعرفة اآلخر و وسيلة من وسائل التواص!!ل‬
‫الحضاري بين البل!دان‪ .‬لق!د رس!خت ك!ل العوام!ل والمف!اهيم ال!تي ب!نيت عليه!ا مس!ألة وح!دة البش!ر على األرض‪،‬‬
‫بل لقد فجرت في اإلنسان استشعار المصالح المشتركة ال!تي وثقت ع!رى ه!ذه الوح!دة على األرض‪ ،‬ومن غ!ير‬
‫الرحل!!ة ينف!!رط عق!!د ه!!ذه الوح!!دة وتتض!!رر حرك!!ة الحي!!اة ومص!!يرها المش!!ترك‪ .‬إنه!!ا إذن الحكم!!ة اإللهي!!ة الداعي!!ة‬
‫إلي االتصال والتواصل‪ ،‬مصداق ذلك قوله تعالى‪َ ﴿:‬يا َأُّيَها الَّن اُس ِإَّن ا َخ َلْقَن اُك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َو ُأْن َثى َو َج َع ْلَن اُك ْم ُش ُعوًبا‬
‫َو َقَباِئ َل ِلَتَع اَر ُفوا ِإَّن َأْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد الَّلِه َأْتَق اُك ْم ِإَّن الَّل َه َع ِليٌم َخ ِب يٌر ﴾(الق!!رآن الك!!ريم‪ ،‬س!!ورة الحج!!رات آي!!ة ‪. )14‬‬
‫فال!دعوة إذن عام!ة لكاف!ة الن!اس للتواص!ل والح!وار‪ .‬والش!ك أن ه!ذا التع!ارف ال!ذي ت!دعو إلي!ه اآلي!ة الكريم!ة لن‬
‫يتم إال باتص !!ال الش !!عوب ببعض !!ها البعض‪ ،‬ومن ثم !!ة ك !!انت الرحل !!ة الي !!د ال !!تي تمت !!د لتق !!رب ش !!عوبا تن !!اءت عن‬
‫أخ! !!رى تفص! !!ل بينه! !!ا البح! !!ار والقف! !!ار‪ ،‬إذ س! !!عت إلى وح! !!دة البش! !!ر وتواص! !!ل األمم في عص! !!ر خال من وس! !!ائل‬
‫االتصال الحديثة التي تجاوزت حد التصور‪.‬‬

‫فالرحلة إذن رمت إلى معرفة اآلخر‪ ،‬لذلك عني الرحالة في أسفارهم باألمور االجتماعية عناية بالغة‪ ،‬فتح!!دثوا‬
‫عن ش!عوب البالد ال!تي زاروه!ا واص!فين عاداته!ا وطب!اع أهله!ا الم!ألوف منه!ا وغ!ير الم!ألوف‪ ،‬كم!ا تح!دثوا عن‬
‫أصولهم‪ .‬ومن ثمة كانت الرحلة أيضا منهال لعلماء االجتماع و األنثربولوجيا و اإلثنوغرافيا‪.‬‬

‫وينطبق هذا على الرحلة المغربية نحو المشرق منذ القرون الوسطى‪ ،‬فقد حقق المغاربة الحظ األوفر‬

‫في هذا المضمار‪ ،‬بل يمكن أن نصرح بكل ثقة واطمئنان أن المغاربة تفوقوا وحازوا فضل السبق والريادة‬

‫في مجال الرحلة (نواب ‪ ،1996‬ص ‪ )71‬فال غرو إذن أن يكون أشهر الرحالين الملقب بشيخ الرحالة (زيادة‬

‫‪ ،1980‬صص ‪)11-12‬وأمير الرحالين المسلمين وماركو بولو العرب (أرينسون ‪ ،2005‬ص ‪ ،)173‬هو‬

‫رحالة مغربي ويتعلق األمر بابن بطوطة الذي غذت رحلته موضوعا للدراسة والترجمة منذ النصف الثاني‬

‫‪2‬‬
‫من القرن التاسع عشر (‪ .)Sanguinetti 1968‬ولعل ما يفسر تفوق المغاربة واالهتمام بالرحلة‪ ،‬أنهم كانوا‬

‫يرون في السفر رمزا للتحرر بمفهومه الوجودي والطبيعي (األحرش ‪ ،2004‬ص ‪ ،)31‬ولكونهم جبلوا على‬

‫زيارة المقدسات اإلسالمية واألخذ عن الشيوخ والتجوال من أجل البحث واالطالع والتواصل مع اآلخر‪،‬‬

‫فضال عن مآرب أخرى استدعت تغربهم كالتجارة‪ ،‬لذلك كانت قائمة الرحالت في المكتبات المغربية تكاد ال‬

‫تحصى خاصة تلك التي كانت صوب المشرق‪ ،‬فالحضور المغربي بالمشرق شكل ظاهرة متميزة على‬

‫الصعيد السياسي واالقتصادي والثقافي والديني واالجتماعي (عبد الرحمان ‪ ،1977‬ص ‪ .)99‬فقد أقام‬

‫المغاربة في مصر والشام والحجاز وشاركوا في الحياة السياسية والعسكرية واالقتصادية والفكرية‬

‫واالجتماعية (ط‪ .‬عبد الرحمان ‪ ،2000‬ص ‪ ،)15-16‬فالشرق كان والزال بغض النظر عن األسباب التي‬

‫كانت وراء رحالت المغاربة صوبه‪ ،‬يشكل رحلة في الزمان والمجال من حيث كونه يختزن ذاكرة تاريخية‬

‫جماعية وتضم أرضه األماكن المقدسة اإلسالمية‪ .‬كما أنه من بين أسرار ارتباط المغاربة بالمشرق‪ :‬هو‬

‫رغبتهم في ربط أواصر األخوة والتعاون واالندماج في األمة اإلسالمية (تاويت ‪ ،1970‬ص ‪ )62‬و االبتعاد‬

‫عن كل نزعة انفصالية دينية (‪)Dragues 1951, p 41‬‬

‫لقد كان اإلنسان المغربي يحس بأن الفضاء الذي يعيش فيه لم يكن كافيا إلرضاء كل رغباته‪ ،‬بكل ما‬

‫كان يحتضنه هذا الفضاء من محامد و مناقب‪ ،‬و لذلك فإن عليه أن يسعى لرؤية العالم اآلخر‪ :‬عالم المشرق‬

‫الذي كان مصدر سعادته‪ ،‬و الذي كان يجسد له مركز اإلشعاع الروحي و الفكري و الحضاري بشكل عام‪.‬‬

‫وإ ذا كانت المصادر التاريخية قد دونت أسماء عدد كبير من الرحالة المغاربة الذين جابوا اآلفاق‪،‬‬

‫فإن هناك من ال نجد له ذكرا فيها‪ ،‬نذكر على سبيل المثال أبو هارون األغماتي الذي فارق وطنه في أواخر‬

‫القرن الخامس وزار مصر والحجاز والعراق وخراسان وما وراء النهر ودخل سمرقند وكان شاعرا وخطيبا‬
‫‪.‬‬
‫بليغا (الكتاني ‪ ،2005‬ص ‪)7‬‬

‫هذه الشخصية ال نجد لها ذكرا في المصادر المغربية وهو الذي فتح سلسلة العلماء واألدباء الذين‬

‫كانوا يغادرون أوطانهم باتجاه المشرق فيحصلون هناك على الشهرة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫هك! !!ذا يمكن الق!!!ول أن ع!!!ددا كب! !!يرا من ال! !!رحالت المغربي! !!ة ق! !!د تع! !!رض للض! !!ياع أو م! !!ازال منزوي! !!ا في‬

‫الرفوف المنسية لم تمتد إليه بعد يد التنقيب والدراسة‪.‬‬

‫انطالقا من هذه المعطيات سنتطرق في موضوعنا عن دور الرحلة الحجية المغربية في تجسيد روح المواطنة‬

‫و ربط الصلة بين المغرب و المشرق‪ ،‬مع تقديم نماذج من الرحالت المغربية الموثقة لهذه الصالت‬

‫الحضارية‪.‬‬

‫‪ _1‬الروابط التاريخية بين المغرب و المشرق‬

‫تعتبر العالقات بين المغرب و المشرق من العالقات المنسية و هو ما جعل المؤرخ المغربي "ابن زيدان"‬

‫يقول في معرض حديثه عنها بأنها‪ :‬كاد يصيبها االضمحالل لوال أقالم الرحالة أمثال "الزياني" و "ابن عثمان"‬

‫و غيرهم ‪ .‬مالحظا في نفس الوقت أن العالقات األوربية مع المغرب "وجدت من تنافس من أجلها و بنى لها‬

‫صروحا من الدعاية" (التازي‪ ،‬في تاريخ المغرب الدبلوماسي _ عدد ‪135‬السنة ‪.)1989‬‬

‫وإ ذا عدنا إلى هذه العالقات‪ ،‬فإننا سنجدها عالوة على ذلك تمتاز عن باقي العالقات المغربية الخارجية‪،‬‬

‫بكونها تتجاوز المضامين السياسية لتشمل الروابط الجغرافية (جوليان‪ ،‬تاريخ إفريقيا الشمالية‪ ،‬تونس‪،‬‬

‫الجزائر‪ ،‬المغرب األقصى من البدء إلى الفتح اإلسالمي ‪ )1969‬و التجارية (ع‪ .‬منصور ‪ )1961‬و البشرية‬

‫(زرع‪ ،‬األنيس المطرب ‪ )1972‬إضافة إلى رابطة اللغة (الفاسي ‪ )1985‬و الدين (جوليان‪ ،‬تاريخ إفريقيا‬

‫الشمالية‪ ،‬تونس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬المغرب األقصى من البدء إلى الفتح اإلسالمي ‪.)1969‬‬

‫وبشكل عام يمكن مالحظة أن العالقات المغربية المشرقية قد مرت بمرحلتين أساسيتين‪ ،‬قبل أن تأخذ طابعا و‬

‫مضمونا سياسيا‪ ،‬بعد االنقسام الذي عرفه العالم االسالمي‪ ،‬و بعد ضعف الخالفة اإلسالمية في الشرق‪ .‬وهما‬

‫مرحلة ما قبل الفتح اإلسالمي و مرحلة ما بعده‪.‬‬

‫أما مرحلة ما قبل الفتح اإلسالمي‪ ،‬فقد كانت الرابطة التجارية‪ ،‬أبرز تلك الروابط مما جعل عالقة المغرب‬

‫بالمشرق تكتسي طابعا تجاريا‪ ،‬جعل من بالد المغرب منطقة عبور و من سكانه وسطاء‪ ،‬و بقيت وظيفة‬

‫التعامل السياسي مع الخارج من اختصاص الدول التي سيطرت على المغرب الذي عاش حالة تبعية لم يبدأ‬

‫‪4‬‬
‫العمل على التخلص منها إال بقيام اإلمارات و الدول المستقلة بالغرب اإلسالمي‪ ،‬و من بينها دولة األدارسة‬

‫بالمغرب(‪172‬ه‪ 788-‬م)‪.‬‬

‫أما المرحلة الثانية و التي ابتدأت مع الفتح اإلسالمي‪ ،‬فتتميز بكون المغرب فيها لم يعد يكتفي بدور‬

‫الوساطة التجارية بل تعداها إلى القيام بوظائف روحية دينية‪ ،‬تمثلت في حمل لواء اإلسالم و الثقافة العربية‪،‬‬

‫و نشرهما من طرف المغاربة في اتجاه الجنوب و الشمال‪.‬‬

‫مع قيام األدارسة و بعد التطورات التي عرفها العالم اإلسالمي بشكل عام‪ ،‬دخلت العالقات المغربية المشرقية‬

‫مرحلة المواجهة و االصطدام‪ ،‬لكون األدارسة لم يهدفوا إلى إقامة دولة مستقلة عن الخالفات اإلسالمية‬

‫بالمشرق فقط‪ .‬بل اعتبروا المغرب خطوة أولى فقط لتحقيق هدفهم األكبر و هو إعادة وحدة العالم اإلسالمي‬

‫تحت رايتهم‪ .‬حيث راسل المولى إدريس أهل مصر يدعوهم لبيعته (بنمنصور بال تاريخ) كما كانت أولى‬

‫خطواته العملية في اتجاه تحقيق هذا الهدف‪ ،‬ضم تلمسان (أحمد بن خالد الناصري ‪ )1955‬مما حرك ردود‬

‫فعل عنيفة من طرف الخالفة في المشرق تمثلت في قتل المولى إدريس من طرف أحد حلفاء الرشيد بعدما‬

‫صرح بأن"‪...‬الرجل فتح تلمسان‪ ،‬وهي باب إفريقيا‪ ،‬و من ملك الباب يوشك أن يدخل الدار‪( "...‬الزياني‬

‫‪.)1967‬‬

‫مع قيام الفاطميين سيزداد الصراع بين المشرق و المغرب حدة نتيجة عامل االحتكاك الناتج أوال عن الجوار‬

‫الجغرافي بين الطرفين بعدما أصبح نفوذ الفاطميين يضم إلى جانب الشمال اإلفريقي مصر و فلسطين و‬

‫سوريا‪ .‬ثانيا‪ ،‬نتيجة الصراع العقائدي بين الطرفين فالفاطميين شيعة و األدارسة سنة (زرع‪ ،‬األنيس المطرب‬

‫بروض القرطاس في تاريخ المغرب و مدينة فاس ‪ .)1973‬و الصراع بين الطرفين تحول إلى صراع‬

‫إيديولوجي ‪ ،‬جعل كل طرف يبرر موقفه السياسي من اآلخر تبريرا مذهبيا‪ ،‬خاصة و أن األدارسة بالمغرب و‬

‫المروانيين باألندلس أصبحوا يمثلون قاعدة اإلسالم السني في الغرب اإلسالمي (زرع‪ ،‬األنيس المطرب‬
‫‪.‬‬
‫بروض القرطاس في تاريخ المغرب و مدينة فاس ‪ ،1973‬ص ‪)89-90‬‬

‫مع المرابطين دخلت العالقات بين المغرب و المشرق مرحلة التميز و االستقالل النهائي عن المشرق‪ ،‬ذلك‬

‫أن يوسف بن تاشفين الذي بايع في البداية الخليفة العباسي في المشرق نجده فيما بعد يتلقب بلقب "أمير‬

‫‪5‬‬
‫المسلمين و ناصر الدين" بعد انتصاره في معركة الزالقة‪ ،‬و بعث بأحد سفرائه إلى المشرق (بنمنصور بال‬

‫تاريخ‪ ،‬ص‪ )204‬و هي سفارة و إن كان الغرض منها تأكيد سلطة يوسف بن تاشفين على ماهو موجود‬

‫تحت سلطته الفعلية و تبرير شرعية أعماله بالنسبة لملوك الطوائف فإنها تدل أيضا على بداية مرحلة‬

‫االستقالل النهائي عن المشرق خاصة بعد ازدياد األخطار الخارجية على العالم اإلسالمي و خاصة على‬

‫منطقة الغرب اإلسالمي حيث حمل المرابطون لواء الجهاد باألندلس‪ ،‬وهو ظرف كان يتطلب استقالال في‬

‫القرار السياسي لمواجهة األخطار المسيحية بالمنطقة (بنمنصور بال تاريخ‪ ،‬ص‪.)178‬‬

‫في العصر الموحدي أصبح التقارب السياسي بين المشرق و المغرب ضرورة موضوعية و استراتيجية‬

‫لمجابهة األطماع الخارجية بالنسبة للجانبين و تجاوز التمزق السياسي الداخلي خاصة بمنطقة الشمال‬

‫اإلفريقي‪ ،‬حيث انفصل الحفصيون بتونس (حسني ‪ ،1976‬ص ‪ .)123‬و بنو عبد الواد بالمغرب األوسط (‬

‫المنوني ‪ ،1979‬ص ‪ .)5‬مع الدولة المرينية ازدادت شروط التقارب بين المغرب و المشرق بعدما تكتلت‬

‫اإلمارات و تحالفت مع ما بقي من ملوك الطوائف ضد السلطة المرينية و بعدما عرف المشرق بدوره هجوما‬

‫من طرف التتر مهد إلقامة اتصاالت ديبلوماسية بين الطرفين‪ ،‬حيث كاتب السلطان المريني أبو الحسن‪،‬‬

‫الملك الناصر محمد قالوون (القلقشندي ‪ ،1992‬ج‪ ،7‬ص ‪ )395‬و قد تناولت تلك الرسائل الأحوال في‬

‫المشرق و المغرب كما حملت تفاصيل أخبار هجوم تيمورالنك على الشام و الوضع في مصر‪ .‬و قد مهدت‬

‫تلك االتصاالت إلى بداية التفكير في بناء حلف عسكري بين المرينيين و ممالك مصر لمجابهة األخطار‬

‫الخارجية حيث عرض السلطان أبوسعيد عثمان على الملك الناصر‪ ،‬مساعدة عسكرية إذا استمر الزحف على‬

‫المشرق من طرف تيمورالنك سنة (‪803‬ه‪1400/‬م) (القلقشندي ‪ ،1992‬ص ص ‪.)106_103‬‬

‫مع بداية العصر الحديث و نظرا للتغيرات التي عرفها العالم آنذاك و المرتبطة ببداية تفوق الجانب المسيحي‬

‫على الجانب اإلسالمي و بداية االكتساح العثماني لمصر و بلدان الشمال اإلفريقي‪ ،‬جعلت العالقات المغربية‬

‫المشرقية تدخل مرة أخرى مرحلة من مراحل المجابهة المباشرة بين المغرب و المشرق خاصة عندما أعلن‬

‫محمد الشيخ السعدي حربه على األتراك الذين بدورهم بعثوا من اغتاله سنة ‪1557‬م (‪,Meinier 1982‬‬

‫‪.)p459‬‬

‫‪6‬‬
‫و تبقى فترة حكم سيدي محمد بن عبد اهلل من أهم فترات الوفاق السياسي في العالقات المغربية المشرقية و‬

‫يأتي ذلك نتيجة جهوده التي بذلها من أجل تطوير العالقات المغربية الخارجية و من بينها عالقته مع السلطة‬

‫العثمانية بالمشرق‪ .‬لكن مع حكم السلطان المولى سليمان الذي تعاطف مع تعاليم الحركة الوهابية و ارتبط‬

‫بدعاتها ستأخذ العالقات المغربية المشرقية مضمونا روحيا و دينيا خاصة بعد أن استجاب السلطان العلوي‬

‫لتعاليم الوهابية (الزياني ‪ ،1967‬ص ص‪ )470 -466‬مؤكدا بذلك األسس الموضوعية و الدينية التي بنى‬

‫عليها سياسته المشرقية و هي األسس التي هدفت إلى إقامة وحدة إسالمية مبنية على وحدة القاعدة الدينية‪ ،‬و‬

‫ذلك بالرجوع باإلسالم إلى صفائه و نقائه األصلي‪ .‬الجدير بالذكر أن أخبار الحركة اإلصالحية الوهابية‬

‫وصلت إلى المغرب عن طريق الرحلة المغربية الحجية لسنة ‪1217‬ه‪1802/‬م (‪Mohamed s.d., p‬‬

‫‪ )266‬مما يدل على أن رابطة الروح والدين و اللغة كانت حاضرة‪ ،‬يرجع لها الفضل في تمتين الصالت‬

‫الحضارية و من الطريف أن نجد أن بني سليم و بني هالل الذين تحيزوا إلى عمان و البحرين و صاروا‬

‫جندا للقرامطة‪ ،‬هم أنفسهم الذين صاروا إلى المغرب عن هذا الطريق بعد أن انتقلت دولة العبيديين المغاربة‬

‫إلى مصر و غلبوا القرامطة على الشام و ردوهم إلى البحرين (التازي‪ ،‬في تاريخ المغرب الدبلوماسي _ عدد‬

‫‪135‬السنة ‪.)1989‬‬

‫إن هذا الواقع الذي أصبحت تعرفه العالقات المغربية المشرقية ستغيره األحداث التي عرفتها نهاية القرن‬

‫الثامن عشر و بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬خاصة أحداث الحملة الفرنسية على مصر التي أصبح مشروع‬

‫غزوها ضرورة استراتيجية بالنسبة لفرنسا في حربها مع أنجلترا‪ .‬وهو ما انعكس سلبا على عالقات المغرب‬

‫بالمشرق حيث أصبح من المتعذر على الطرفين االتصال ببعضهما البعض و أصبح من الصعب على‬

‫الرحالة‪ ،‬الوصول إلى المشرق عبر الطريقين البري و البحري‪ ،‬و حتى ركب الحاج المغربي و الذي كان‬

‫مروره ال يرتبط و ال يتأثر بتقلبات الظروف السياسية في المشرق‪ ،‬نجد الفرنسيين قد فرضوا عليه عدة‬

‫إجراءات لمنعه من المرور‪ ،‬و يورد لنا المؤرخ المصري‪ :‬الجبرتي عن هذه الحادثة قائال‪ " :‬حيث نادوا على‬

‫األغراب من المغاربة و غيرهم من الخدامين أو البطاليين ليسافروا إلى بلدهم‪ ،‬و كل من وجد بعد ثالثة أيام‬

‫يستأهل الذي يجري عليه‪( "...‬الجبرتي ‪ ،1978‬ص ‪ .)198‬ثم يذكر الجبرتي ‪-‬في نفس السياق‪ -‬أن‬

‫حضور المغاربة إلى الحج في ذي القعدة سنة ‪1213‬ه‪ ،‬أشاع حالة استنفار بمصر لكون الناس أذاعوا بأنهم‬

‫‪7‬‬
‫عشرون ألفا حضروا لتخليص مصر من الفرنسسين (الجبرتي ‪ ،1978‬ص ‪ .)269‬وقد أرسل الفرنسيون من‬

‫استطلع األمر فوجدوهم" ‪...‬طائفة من خاليا و قرى فاس فصادروا أسلحتهم و احتفظوا بكبيرهم كرهينة‬

‫عندهم حتى يمروا و يلحق بهم بعد يوم" (الجبرتي ‪ ،1978‬ص ‪.)269‬‬

‫نستنتج من كالم الجبرتي أمرين اثنين‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬رغم الظروف السياسية التي كان يمر بها العالم اإلسالمي ‪ -‬في هذه الظرفية التاريخية من توسع‬

‫الحركة اإلمبريالية– لم ينقطع ركب الحاج المغرب إلى المشرق‪ ،‬مما يدل على رغبة المغاربة الجامحة في‬

‫االتصال بإخوانهم المشارقة في أحلك الظروف مهما كلفهم ذلك‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬رحلة المغاربة إلى المشرق من أجل الحج أو لقاء العلماء أو المجاورة بالحرمين الشريفين و الحرم‬

‫األقصى‪ ،‬لم تكن تثنيهم عن القيام بالعمل الخلقي تجاه إخوانهم المشارقة و المتمثل في الجهاد ضد االستعمار‬

‫الفرنسي في مصر و هذا يذكرنا بما ورد في المصادر التاريخية مثل موسوعة مجير الدين العليمي "األنس‬

‫الجليل في تاريخ القدس و الخليل" عن مشاركة المغاربة لصالح الدين األيوبي في استرجاع القدس من‬

‫الصليبيين وهو األمر الذي جعله يتمّس ك بهم و يقطعهم األرض التي ستصبح فيما بعد "حارة المغاربة"‪.‬‬

‫و بعودتنا إلى الجبرتي ندرك أن فرنسا كانت تحتاط من المغاربة على الخصوص من كون بعضهم تزعم‬

‫حركة الجهاد ضد الفرنسيين بمصر و نورد في هذا الصدد كالم الجبرتي عندما ذكر أن الفرنسيين في ذي‬

‫الحجة من عام ‪1213‬ه توحهوا إلى دامنهور لقتل بني عدي "‪...‬لكونهم عصوا عليهم بسبب أنه ورد عليهم‬

‫رجل مغربي يدعي المهدوية و يدعو الناس و يحرضهم على الجهاد فاجتمع عليه أهل البحيرة و غيرهم و‬

‫حضروا إلى دامنهور و قاتلوا من بها من الفرنساوية‪( "...‬الجبرتي ‪ ،1978‬ص ‪ .)274‬ولم يكن هذا‬

‫الشخص هو المغربي الوحيد الذي تزعم جهادا ضد الفرنسيين بعد دخولهم إلى مصر‪ ،‬إذ نجد شخصا آخر‬

‫بشبه الجزيرة العربية عندما سمع بقدوم الفرنسيين إلى مصر فقام بالحجاز و نادى بجهادهم (الجبرتي ‪1978‬‬

‫‪ ،‬ص ‪ .)250‬كما يخبرنا الجبرتي أيضا في مؤلفه المذكور في الجزء الثالث منه عن شخص مغربي يدعى‬

‫السباعي‪ ،‬مّر بمصر في طريقه إلى الحجاز لكنه اصطدم باالستعمار الفرنسي فقطع حجته و استقر بمنطقة‬

‫البحيرة يجاهد إلى جانب إخوانه المصريين (عبد الرحيم ‪.)2001‬‬

‫‪8‬‬
‫لذك كان الفرنسيون يحتاطون لمرور المغاربة بمصر و يراقبون عملية االتصال بينهم و بين المشارقة لمنع‬

‫أي ارتباط بين الطرفين خاصة و أن حركة جهاد المتطوعين المغاربة و من انضم إليها من المصريين‪ -‬رغم‬

‫ضعفها و تفرقها‪ -‬أثرت على مخططات الفرنسيين بمصر و الشام‪ ،‬و قد كانت عملية الجهاد هذه من بين‬

‫األسباب التي دفعت نابليون إلى رفع الحصار على مدينة عكا حسب التقرير الذي بعثه إلى الجيش الفرنسي‬

‫بمصر‪ ،‬إذ يذكر أن من بين األسباب‪ :‬المغربي محمد األحرش الذي جمع المتطوعة و حارب بهم الفرنسيين‬

‫بمصر و عاد لينضم إلى حركة المقاومة في الجزائر سنة ‪ 1805‬إلى أن قتل سنة ‪1807‬م (الجزائري ‪1964‬‬

‫‪ ،‬ج ‪ ،1‬صص ‪ .)117-118‬مما جعل نابليون يضطر إلى التفاوض مع العثمانيين و حلفائهم األنجليز‪ ،‬فكانت‬

‫اتفاقية العريش عام ‪1224‬ه‪1800/‬م التي تقضي بانسحاب الفرنسيين من مصر و إعادتها للعثمانيين‪.‬‬

‫وهناك ناحية هامة من تاريخ المنطقة ظلت مجهولة إلى اآلن‪ ،‬و نعني بها تالقي المحيط مع الخليج في‬

‫اإلجهاز على السيطرة األجنبية التي تتمثل في سيطرة البرتغال على القالع الحساسة المشرفة على الخليج و‬

‫الساحل‪.‬‬

‫ويتعلق األمر بالفترة المظلمة التي مر بها ساحل عمان و مضيق هرمز و ساحل الخليج‪ ،‬فقد تمكنت البرتغال‬

‫من بسط نفوذها في الخليج منذ بداية القرن السادس عشر الميالدي(‪ 1507‬و في سنة ‪ ،)1522‬عين‬

‫مسؤولون برتغاليون لتحصيل الضرائب الجمركية من هرمز و البحرين و مسقط (التازي‪ ،‬في تاريخ المغرب‬

‫الدبلوماسي _ عدد ‪135‬السنة ‪.)1989‬‬

‫وقد كانت البرتغال عمدت إلى محاولة إنزال الضربة القاضية بالمغرب الذي ما فتئ يقدم العون إلخوانه في‬

‫المشرق بالرغم من بعد الدار‪ ..‬هكذا استولى البرتغاليون عام( ‪ )1416-1415‬على مدينة سبتة المغربية بعد‬

‫محاصرة ست سنوات‪ .‬و ليس صحيحا أن الباعث النسياب البرتغال في أطراف آسيا كان فقط بدافع االتجار‬

‫في البهارات و لكن هنالك باعثا وراء ذلك الغزو‪ ..‬و ال نعتقده إّال الحرب الصليبية التي كشرت عن أنيابها‬

‫ضد مختلف الجهات التي كان فيها اإلسالم سائدا ‪.‬وهذا يذكرنا بما وقع زمن صالح الدين األيوبي الذي بعث‬

‫سفارة للعاهل المغربي المنصور الموحدي و رجوع السفارة بما طلبته في مائة و ثمانين أسطوال منعت‬

‫النصارى من سواحل الشام (أحمد بن خالد الناصري ‪ ،1955‬ج‪،2‬ص ‪.)162-163-164‬‬

‫‪9‬‬
‫لقد تمكن البرتغال هنا و هناك‪ ،‬و في هدا الوقت كان المغرب كان على علم تام بما يجري على أطراف‬

‫عمان و بالتالي على شاطئ الخليج من خالل سفرائه العديدين الذين كان يبعث بهم إلى الدولة العثمانية‪ .‬نذكر‬

‫على سبيل المثال‪ :‬سفارة التامجروتي (الغربي ‪ )1970‬وقد حكى عن القمع الذي كان يمارسه البرتغال سواء‬

‫مع القوى المحلية للمنطقة أو مع األتراك أنفسهم‪).ferrand s.d( .‬و في هذا الوقت بالذات كان البرتغاليون‬

‫يطمحون إلى أن يستحوذوا على الساحل المغربي كله‪ ،‬فقدموا لغزوه حيث كانت معركة وادي المخازن( عام‬

‫‪986‬ه‪1578 -‬م) التي حاول التاريخ األوربي عن عمد كتم أنفاسها و إخفاء أبعادها عن الناس‪ .‬هذه األحداث‬

‫وهذا التاريخ المشترك بين الخليج و المحيط يعكس روح الوحدة التي قادتهما إلى روح المواطنة العربية التي‬

‫ربطتهما منذ فجر التاريخ‪ .‬و من المشرف حقا أن الجهود كانت تضافرت كلها من أجل طرد األجنبي عن‬

‫البالد‪ ،‬و لم يبق هناك أي شعور بالمذهبية و ال أي شعور بالطائفية أمام الغزاة‪ .‬و كما كان األمر باألمس فقد‬

‫تناسى الناس كل المنافسات المذهبية و تكتلوا صفا واحدا ضد الوجود األجنبي و لم يبق هناك أي شعور‬

‫بالنعرات الطائفية كذلك‪ ،‬هكذا لبى المالكية نداء األباضية للجهاد كما وقفت إلى جانبهم مختلف المذاهب‬

‫األخرى‪ ..‬فكانت نهاية الحرب الصليبية في هذا الجزء من العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫إن هذا االهتمام و االرتباط بالمشرق‪ ،‬ظل قائما إلى يومنا هذا و هو ما يجسده التفاعل مع تطورات و أحداث‬

‫عديدة عرفها المشرق العربي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ،‬لعّل أهمها على اإلطالق تقسيم فلسطين و‬

‫نكبة العرب في حرب ‪1948‬م أمام إسرائيل‪ ،‬مما ألقى بثقله على المنطقة طوال عقد الخمسينات من القرن‬

‫الماضي و ما تاله‪ ،‬وهو ما ظل قائما إلى اآلن‪ .‬و قد تفاعل المغاربة معها بحكم الوشائج التاريخية و الدينية‬

‫و العاطفية و اإلنتماء المشترك مع أقطار المشرق العربي إلى المؤسسة ذاتها أي الجامعة العربية‪ .‬إضافة إلى‬

‫تأثير تلك األحداث و التطورات بشكل من األشكال في المغرب‪.‬‬

‫عّب ر المغاربة عن تفاعلهم مع قضايا المشرق العربي في الخمسينات عبر أدوات مختلفة‪:‬‬

‫‪ -‬رحالت إلى بلدان مشرقية‪ ،‬من أبرزها رحالت عبد الهادي بوطالب (بوطالب ‪ )1993‬و التهامي‬

‫الوزاني (الوزاني ‪ )2013‬و أبي بكر القادري (القادري ‪ .)1995‬و إذا كانت رحلة الوزاني‬

‫اقتصرت على مصر فإن رحلتي بوطالب و القادري شملت باإلضافة إلى مصر‪ ،‬أقطارا عربية‬

‫أخرى‪ .‬مما جعلهما يقفان على الفوارق و التجاذبات القطرية و البين قطرية‪ .‬قدم القادري تقريره إلى‬

‫‪10‬‬
‫الملك محمد الخامس فور عودته من رحلته إلى المشرق‪ ،‬و ما من شك أن السلطات المغربية‬

‫استفادت من هذا التقرير حول أوضاع أقطار مشرقية في ترتيب دخولها للجامعة العربية و تنظيم‬

‫عالقاتها بهذه األقطار‪ ،‬و في اإلعداد الحقا لزيارة محمد الخامس لدول مشرقية في أوائل سنة ‪1960‬‬

‫(المكاوي ‪ ،2020‬ص ‪.)15‬‬

‫‪ -‬شهادات و مذكرات طلبة مغاربة في دول عربية خاصة في مصر و سورية‪ ،‬فقد عاش هؤالء و عايشوا‬

‫أمثال عبد الكريم غالب‪ ،‬محمد التازي‪ ،‬محمد برادة‪ ،‬محمد عبد الجابري أحداثا جسيمة‪ ،‬منها‪ :‬ثورة‬

‫الضباط األحرار‪ ،‬العدوان الثالثي على مصر‪ ،‬الوحدة المصرية السورية‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -‬شهادات و مذكرات شخصيات مغربية عملت في السلك الديبلوماسي أو تقلدت مناصب وزارية‪ :‬منهم‬

‫عبد اللطيف الفياللي‪ ،‬محمد التازي‪ ،‬عبد الرحيم بوعبيد‪...‬‬

‫‪ -‬صحف و دوريات مغربية غطت أحداث أقطار عربية مشرقية و تفاعلت معها من منطلقات مختلفة‬

‫سواء في أواخر عهد الحماية أم بعد حصول المغرب على استقالله‪ ،‬نذكر منها‪:‬العلم‪ ،‬صحراء‬

‫المغرب‪ ،‬رسالة األديب‪ ،‬الطليعة‪ ،‬دعوة الحق‪...‬‬

‫‪ -‬مناقشات و استفسارات تمت إبان انعقاد المجلس الوطني االستشاري فيما بين سنتي ‪ 1956‬و ‪،1959‬‬

‫عن تأخر انضمام المغرب للجامعة العربية‪ ،‬و اإلنزال األمريكي في لبنان و التدخل البريطاني في‬

‫األردن‪.‬‬

‫‪ -‬بيانات رسمية وردود فعل السلطات المغربية إزاء قضايا مشرقية مثل مساندة المغرب لمصر إبان‬

‫حرب السويس‪ ،‬أو استنكار انطالق جنود اإلنزال األمريكي في لبنان من قواعد عسكرية أمريكية‬

‫فوق التراب المغربي‪..‬‬

‫و يمكن التقاط تفاعل المغاربة مع قضايا مشرقية من مصادر شرقية أو من مصادر أوربية السيما فرنسية‬

‫فقد كانت فرنسا على سبيل المثال‪ ،‬حريصة على رصد ردود فعل المغاربة و مواقفهم إزاء إسهامها في‬

‫العملية الثالثية ( حرب السويس) ضد مصر‪ ،‬دون أن يغيب عن األذهان‪ ،‬ربط فرنسا لهجومها على هذا‬

‫القطر بدعمه للثورة الجزائرية‪ ،‬مع إرهاب المغاربة حديثي العهد باالستقالل مع استمرار أعداد هائلة من‬

‫القوات الفرنسية مرابطة فوق التراب المغربي‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ - 2‬من مظاهر الوحدة العربية اإلسالمية‪ :‬الرحالت الحجازية وصلت بين شقي العروبة‬

‫ال يوجد في تاريخ اإلنسانية موقع جغرافي حج إليه ماليين البشر في كل جيل مثل الجزيرة العربية‪ ،‬و ال‬

‫يوجد موطن استقطب خمس اإلنسانية في طموحاتها الفكرية و تطلعاتها الروحية مثل الحجاز‪ ،‬الوطن الروحي‬

‫األول لكل مؤمن‪ ،‬فادعاء االغتراب في مهبط الوحي و منطلق الرسالة المحمدية هو شذوذ في عقيدة كل‬

‫مؤمن يستشف في مثوى الرسول رمز الرحمة و المثالية و إشعاع الروح و الوجدان‪ ،‬فلذلك لم تعرف و لن‬

‫تعرف مواقع السياحة الدولية مسارا أكثر استراحا و أشد استمراحا من هذه األرض الطاهرة التي ظلت كعبة‬

‫الرواد منذ انطلقت دعوة ابراهيم الخليل األب الثاني للبشرية‪ ،‬تذكي األفئدة و المشاعر خالل أربعة آالف من‬

‫السنين‪ ،‬وشاء القدر الذي هيأ لهذه البقعة المقدسة أن تكون منارا لإلنسانية جمعاء‪ -‬أن تكون أيضا منطلق‬

‫الحضارات التي أشعت على الرافدين و نهر "بارادا" و البحر المتوسط‪ ،‬و قد جمعــنا الحجج التاريخية النابعـ ــة‬

‫من الحفريـ ــات األثـ ـ ـ ـ ــرية و مقارنة اللهجات السامية الدالة على أن الجزيرة العربية هي منبثق الحضارات‬

‫السامية التي كيفت أقاليم الهالل الخصيب و ما وراءه اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا‪ ،‬و لذلك يمكن القول بأن‬

‫العرب البائدة األصيلة هي التي نزحت من جنوب الجزيرة العربية حول األلف الثانية قبل الميالد إلى جنوب‬

‫العراق و استقرت في مناطق بابل إلى آسيا الصغرى و منها انطلق اآلخيون و الدوريون في القرن الثالث‬

‫عشر قبل الميالد إلى بحر إيجة لتأسيس ممتدنات اليونان (التازي‪ ،‬اللغة األم ‪.)1990‬فال بد إذن أن تستكمل‬

‫الجزيرة العربية مسارها الحضاري في تاريخ المستقبل ألنها هي النبع الوحيد الذي يفيض ليغمر تواريخ‬

‫اإلنسانية في كل مكان و خاصة في المعمور الذي رفرفت عليه ألوية اإلسالم‪ .‬و قد تجلت هذه النفحات في‬

‫آالف الرحالت التي دونها المسلمون طوال أزيد من ألف عام في مختلف بقاع األرض ليسجلوا انطباعاتهم و‬

‫ارتساماتهم في طريقهم إلى الحرمين‪.‬‬

‫و قد يكون من العبث محاولة تقصي هذه النفحات بالنسبة إلقليم بذاته فضال عن المجموع ‪ ،‬غير أن‬
‫استعراضا موجزا لرحالت ضمن مكان مخصوص كرحالت المغاربة في مختلف العصور‪ ،‬تعطينا صورة‬
‫عن مدى إسهام الفكر العربي المسلم في هذا الشق الغربي للعالم العربي في دعم مقومات المواطنة العربية‬
‫التي هي من أبرز مفاخر تراثنا و مظاهر وحدتنا‪.‬‬

‫وهذه نبذة يسيرة و أنموذجا مقتضبا عن الرحالين المغاربة‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -‬ابن أبي عس !!رية أحم !!د الفاس !!ي الفه !!ري(‪1137‬ه‪1724/‬م)‪ .‬ل !!ه رحل !!ة حجازي !!ة نق !!ل عنه !!ا ص !!احب "نش !!ر‬
‫المتاني" (القزويني ‪ )1977‬في ترجمة ابراهيم بن محمد الشاوي السريفي و نسبها ل!ه س!لطان المغ!رب م!والي‬
‫سليمان في كتابه "عناية أولي المجد" ‪.‬‬

‫‪ -‬األزرقي أحمد بن محمد أبو محمد إسحاق الخزاعي الفاسي‪ .‬له "تاريخ مكة" ( نسخة بألمانيا عدد‪.)1705‬‬

‫‪ -‬أبو الحسن محمد بن أحمد ابن جبير‪ ،‬رحلة ابن جبير في مصر و بالد العرب و الع!راق و الش!ام و ص!قلية‬
‫‪ :‬عصر الحروب الصليبية‪ .‬تحقيق‪ ،‬حسين نصار‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬

‫‪ -‬محمد بن محمد العبدري الحيحي‪ ،‬رحلة العبدري المسماة‪ :‬الرحلة المغربية‪ ،‬تحقيق و تق!ديم و تعلي!ق‪ ،‬محم!د‬
‫الفاسي الرباط ‪. 1968 ،‬‬

‫‪ -‬رحلة الحسن بن محمد الغسال‪ :‬الرحلة الطنجوية الممزوجة بالمناسك المالكية‪ -‬قام بها عام (‪1315‬هـ)‪،‬‬

‫وهي من تقديم وتحقيق‪ :‬عبد الخلوق التمسماني‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬المحمدية ‪ 1998‬م‪.‬‬
‫‪ -‬رحل!ة أب!و عب!د اهلل محم!د بن جعف!ر الكت!اني‪ :‬الرحل!ة الس!امية إلى اإلس!كندرية ومص!ر والحج!از‬
‫والبالد الش!!امية ق!!ام به!!ا س!!نة (‪ 1321‬هـ‪ 1904/‬م) وهي من تخ!!ريج الش!!ريف محم!!د حم!!زة بن علي الكت!!اني‪،‬‬
‫تقديم وتعليق محمد بن عزوز‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪ 2005 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬رحلة الشيخ ماء العينين بن العتيق‪ :‬الرحلة المعينية‪ .‬قام بها سنة (‪ 1911‬م) وهي من تحقيق‪ :‬شبيهنا‬
‫حمداني‪ ،‬منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه إلحياء التراث والتبادل الثقافي‪ ،‬ط ‪ ،1‬الرباط‪ 1998 ،‬م‪.‬‬

‫_ رحل !!ة ابن بطوط !!ة محم !!د بن عب !!د اهلل بن محم !!د بن إب !!راهيم الل !!واتي الطنجي(‪1377-779‬م)‪.‬طبعت م !!رارا‬
‫أع!!وام ‪1278‬ه و ‪1322‬ه و ‪1346‬ه‪ .‬و هي الرحل!!ة المعروف!!ة باس!!م‪ :‬تحف!!ة النظ!!ار في غ!!رائب األمص!!ار و‬
‫عجائب األمصار‪.‬‬

‫‪-‬رحل !!ة محم !!د حجي بوش !!عرة إلى الحج !!از س !!نة ‪1348‬ه و هي من تحقي !!ق د‪ .‬ك !!وثر أبوالعي !!د من منش !!ورات‬
‫المركز العربي لألدب الجغرافي‪ ،‬دار السويدي‪ ،‬أبوظبي‪2022 ،‬م‪.‬‬

‫هنالك رحالت أخرى غير هذه يتعذر استيفاؤها و إنما أعطينا نماذج لنلمس م!!دى أهمي!!ة ه!!ذا الن!!وع من ال!!تراث‬
‫في إلقاء أضواء كاشفة على جوانب خاصة من تاريخ الجزيرة العربية و األقطار الواقعة في طريق الحجيج‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫و ال توج! !!د في جغرافي! !!ة المس! !!الك و الممال! !!ك قطع! !!ة من األرض حظيت بعناي! !!ة الرح! !!الين و الم! !!ؤرخين مث! !!ل‬
‫الط !!رق الك !!برى المؤدي !!ة إلى الحج !!از ال !!تي ص !!نفت فيه !!ا مئ !!ات الكتب المختلف !!ة المن !!ازع و األس !!اليب و م !!آت‬
‫القصائد الحافلة بوص!ف المن!ازل و المراح!ل‪ ،‬عالوة على م!ا تطفح ب!ه من مش!اعر الح!نين ال!تي جعلت من ه!ذه‬
‫الطرق ال متعبدات فقط بل مجمعات استوثقت عبرها الصالت بين الش!عوب اإلس!المية و مبادل!ة اإلج!ازات بين‬
‫العلماء و تالقح معطيات الفكر العربي و اإلسالمي مما لم يعرف له نظير حتى بعد عص!!ر النهض!!ة و م!ا ط!رأ‬
‫من سهولة و سرعة على المواصالت‪ .‬بل طرقا صوفية سنية كطريق أبي محمد صالح دفين آسفي( و هو من‬
‫رج!االت الق!رن الث!امن امتدح!ه ش!عراء الش!رق مث!ل البوص!يري) اقتص!ر ش!عارها الص!وفي على ترحي!ل الحجيج‬
‫من المغ! !!رب إلى الحج! !!از و توف ! !!ير محط! !!ات االس ! !!تراحة و متطلب! !!ات الس! !!فر على ط! !!ول المراح! !!ل و خاص ! !!ة‬
‫الصحراء‪ ،‬و كان هؤالء الحجيج الذين لم تكن تخل!و منهم الج!ادات و الس!بل الك!برى ط!وال الس!نة يتواكب!ون في‬
‫ركب موصول يسمى "ال!ركب الص!!الحي" (التازي‪ ،‬في تاريخ المغرب الدبلوماسي _ عدد ‪135‬السنة ‪)1989‬‬
‫يس !!تهدف باإلض !!افة إلى أداء فريض !!ة الحج‪ ،‬توثي !!ق الرب !!اط بين الش !!عوب اإلس !!المية‪ ،‬و ك !!انت ألف !!واج الحجيج‬
‫قواف !!ل تنح !!در من ش !!نقيط و كبري !!ات عواص !!م المغ !!رب لتتجم !!ع بسجلماس !!ة أو م !!راكش أو ف !!اس و منه !!ا تتخ !!ذ‬
‫طريقها متكاثفة عبر ما سماه الرحالة ابن مليح بطريق الفقهاء أي فقهاء المذهب الم!الكي ال!ذين ك!انوا ينح!ازون‬
‫عن متجمع! !!ات الخ! !!وارج في بعض من! !!اطق المغ! !!ربين األوس! !!ط و األدنى لإلنس! !!الل من بالد ف ! !!زان إلى أرض‬
‫الكنانة‪.‬‬

‫وق!!!د تبل!!!ور نت!!!اج ه!!!ذه الرواب!!!ط عالوة على ال!!!رحالت فيم!!!ا ص!!!نفه العلم !!اء من فه !!ارس و أثب !!ات س!!!جلوا فيه!!!ا‬
‫إجازاتهم و ارتساماتهم و ما جنوه من ثمار خالل رحالتهم‪ ،‬فلم يقل هذا النوع من المعلومات فائ!دة و ال عائ!دة‬
‫عن مض! !!امين ال!!!رحالت‪ ،‬و ك!!!انت الص! !!الت حق!!!ا متبادل!!!ة إال أنه !!ا ن !!ادرة بالنس !!بة لل !!واردين على المغ!!!رب من‬
‫المش !!رق‪ ،‬و م !!ع ذل !!ك ف !!إن فك !!رهم الن !!ابع من إج !!ازاتهم و دروس !!هم و مؤلف !!اتهم‪ ،‬ك !!ان يرح !!ل إلى المغ !!رب م !!ع‬
‫العائدين فيهم بحظ وافر في إثراء المكتبة العربية اإلسالمية في المغرب العربي و م!!ا زالت مكتباتن!!ا العام!!ة و‬
‫الخاصة تزخر بنوادر المخطوطات الشرقية التي ضاع بعضها في الشرق و احتفظ المغ!!رب بأص!!ولها الفري!!دة‪،‬‬
‫و ين !!دهش المش !!رقي عن !!دما يتص !!فح فه !!ارس المخطوط !!ات ب !!المغرب فيج !!د مئ !!ات المص !!نفات األص !!لية ال !!تي ال‬
‫تع!!رف مكتب!!ات المش!!رق إال عناوينه!!ا محفوظ!!ة مص!!ونة تنتظ!!ر توثي!!ق التع!!اون بين ش!!قي العروب!!ة إلحي!!اء ه!!ذه‬
‫المعالم الناصعة لترتثنا المشترك و هو عمل يحب أّال نتوانى في وضع التخطيطات الرصينة لبعثه ألنه ال يق!!ل‬
‫أهمية عن باقي مقومات تراثنا و دعامات كياننا الحضاري‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫إن رحالت المغارب !!ة إلى الش !!رق للحج أو الج !!وار‪ ،‬جس !!دت مفه !!وم المواطن !!ة العربي !!ة من خالل ال !!دور‬

‫الطالئعي ال!!ذي ق!!ام ب!!ه الرحال!!ة في بل!!ورة التب!!ادل الفك!!ري بين أج!!زاء الع!!الم اإلس!!المي‪ ،‬و من ه!!ؤالء‪ :‬محم!!د‬

‫حجي الهاشمي بوشعرة الذي عّر ج على العديد من الدول المشرقية في رحلته الحجي!ة س!نة ‪1348‬ه‪1929/‬م–‬

‫ال!!تي س!!بق ذكره!!ا‪ -‬و التقى هن!!اك برج!!االت الفك!!ر و األدب كالش!!يخ الخطيب "محم!!د المحمص!!از" وه!!و ش!!افعي‬

‫المذهب‪ ،‬والعالمة "يوسف النبهاني" قاضي بيروت الذي زود بوشعرة بآخر إنتاجاته الفكرية (بوشعرة ‪2022‬‬

‫‪ ،‬ص ‪ )17‬فالحج إذن فضال عن كونه شعيرة دينية‪ ،‬كان أيضا مناسبة اجتماعية و ثقافية (لمليح ‪ ،2005‬ص‬

‫‪ .)33-60‬بل كان على م!ر الت!اريخ ذل!ك الش!ريان ال!ذي يرب!ط المغ!رب بالمش!رق رغم المحن والح!وادث ال!تي‬

‫عرفه !!ا الع !!الم اإلس !!المي‪ ،‬فك !!انت الرحل !!ة المغربي !!ة ص !!وب الحج !!از نعم الس !!فير والوس !!يط في توطي !!د العالق !!ات‬

‫التاريخي! !!ة بين المغ! !!رب والمش! !!رق الس! !!يما على المس! !!توى الفك! !!ري واالجتم! !!اعي و السياس! !!ي (‪ ferrand‬بال‬

‫تاريخ)‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد بن عبد اهلل الغربي الرباطي الدكالي(‪1178‬ه‪1764 /‬م) رحل إلى المشرق عام ‪1140‬ه‪1727/‬م‪ ،‬و‬
‫أخذ عنه شيوخ مصر و الحرمين و ذاع صيته في الحجاز فأصبح أحد س!!فراء الش!!رق ال في المغ!!رب األقص!!ى‬
‫وحده بل من فاس إلى دكار نظرا للّد ور الذي ك!انت تق!وم ب!ه جامع!ة الق!رويين و علماؤه!ا بين الش!ناقطة و أه!ل‬
‫السنغال من خالل مذهب واحد تغلغلت جذوره في قلب الحواضر و الصحاري و هو مذهب إمام المدين!!ة مال!!ك‬
‫بن أنس‪ ،‬و يكفي أن نالح!!ظ أن المس!!مى علي بن عب!!د الق!!ادر الش!!رقي باش!!ا الس!!ودان الغ!!ربي‪ ،‬ه!!و ال!!ذي ت!!رأس‬
‫ركب حجيج الس!!ودان ع!!ام ‪1040‬ه‪1630/‬م ص!!حبة الرحال!!ة المغ!!ربي‪ :‬ابن مليح‪ .‬حيث ك!!انت م!!واكب الحجيج‬
‫من داك!!ار إلى ف!!اس تتجم!!ع لت!!آليف قواف!!ل م!!ا يمكن أن تس!!ميه الي!!وم بإفريقي!!ا الش!!مالية الغربي!!ة‪ .‬و بعض ه!!ؤالء‬
‫الحج! !!اج ال! !!ذين لم يس! !!جلوا ال! !!رحالت ص! !!نفوا في "مناس! !!ك الحج و آداب الزي! !!ارة" كأحم! !!د ابن قاس! !!م جس! !!وس(‬
‫‪1331‬ه‪1912/‬م)‪.‬‬

‫و من المغاربة الذين جاوروا في الحج!از و ط!افوا المعم!ور ن!اقلين روائ!ع الفك!ر اإلس!المي الحج!ازي و خاص!!ة‬
‫المكي و المدني إلى مختلف الجهات‪:‬‬

‫‪ -‬سليمان بن أحمد الطنجي المتوفى قبل ‪440‬ه‪1084/‬م (العزيز ‪ ،2001‬ص‪.)64‬‬


‫‪ -‬موس!!ى بن إب!!راهيم أب!!و ه!!ارون األغم!!اتي المح!!دث (‪516‬ه‪1122/‬م) ال!!ذي التح!!ق بع!!د مق!!ام في الحج!!از‬
‫بمصر و خراسان و ما وراء النهر و أقام بنيسابور (الحموي ‪.)1993‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ -‬علي بن عتيق بن عبد الرحمان الفاسي األص!ولي المفس!ر الحاف!ظ ( ك!ان حي!ا ع!ام ‪726‬ه‪1315/‬م) ال!ذي‬
‫استقر بعد في "صفد" قبل العودة إلى المغرب‪( .‬العزيز ‪.)2001‬‬
‫‪ -‬محمد الفاطمي بن الحسين الصقلي الشاعر المحاضر دفين المدينة المنورة (‪1311‬ه‪1893‬م)‪.‬‬
‫ل! !!ه ت! !!اريخ في علم! !!اء عص! !!ره و ق! !!د افتتح! !!ه بش! !!يخه علي بن ظ! !!اهر ال! !!وتري مس! !!ند المدين! !!ة المن! !!ورة‬
‫‪1261‬ه‪1922/‬م) الذي زار المغرب مرتين و أخذ عن مغاربة جلة‪ .‬و ابن ظاهر ه!!ذا ه!!و ال!!ذي أحي!!ا‬
‫موات الرواية بالمغرب و أنعشها بالمشرق (إبراهيم ‪.)1993‬‬
‫_ محمد المجي!دري اليعق!وبي ال!ذي ك!ان أح!د أربع!ة لم يبل!غ أح!د مبلغهم في عص!ره و ه!و الق!رن الث!اني‬
‫عشر الهجري و كانت له جوالت في الحجاز و سائر أقطار الشرق‪( .‬العزيز ‪ ،2001‬ص‪.)64‬‬
‫و هنال!!ك كتب أخ!!رى انتش!!ر خالله!!ا ت!!اريخ الفك!!ر من علم!!اء الحج!!از ككت!!اب " إيم!!اض ال!!برق في أدب!!اء‬
‫الشرق" البن األبار البلنسي‪.‬‬
‫تل!!ك فذلك!!ة مقتض!!بة يتض!!ح لن!!ا من خالله!!ا م!!دى م!!ا يمكن أن نس!!تفيده من بعث تراثن!!ا الع!!ربي اإلس!!المي‬
‫في مختل! !!ف مظ! !!اهره و معطيات! !!ه و ه! !!و بعث كفي! !!ل بالمس! !!اهمة في دعم ت! !!اريخ العروب! !!ة و اإلس! !!الم و‬
‫توطيد الصالت و تعميقها بين شقي العروبة شرقا و غربا‪.‬‬

‫خالصة عامة‬

‫و بعد‪ ،‬إن هناك فترات في تاريخنا البعيد و القريب ما تزال في حاجة إلى البحث و التنقيب‪ ،‬و أن في صدر‬

‫تلك الفترات ما يوحد في تلك الظروف العصيبة التي استهدفت فيها بالد المشرق و المغرب للغزو األجنبي‪ ،‬و‬

‫أنه إذا كان من مصلحة الذين غزونا و هاجمونا في عقر دارنا أن يطمسوا معالم قوتنا و أن يكتموا جوانب‬

‫‪16‬‬
‫تضامننا مشرقا و مغربا فإنه ال يحق بحال لمؤرخينا أن يغفلوا عن أي آصرة من األواصر التي جعلت منا‬

‫مناضلين على أرض متباعدة و لهدف واحد و جعلت منا منتصرين هنا و هناك ألن هدفنا كان واحدا‪ .‬و‬

‫للتعبير من مؤرخينا عن اهتمامهم بذلك ينبغي أن يبرزوا في مناهج التاريخ‪ ،‬روح الوطنية و التاريخ‬

‫المشترك الذي يربط بين المغرب و المشرق العربيين‪.‬‬

‫الئحة المصادر العربية و األجنبية‬

‫المصادر العربية‬

‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -‬ابن أبي زرع‪ ،‬األنيس المط! !!رب ب! !!روض القرط! !!اس في أخب! !!ار المغ! !!رب و ت! !!ا ريخ مدين! !!ة ف ! !!اس‪ .‬الرب! !!اط‪،‬‬
‫‪.1973‬‬

‫‪ -‬أبو العباس أحمد القلقشندي‪ .‬صبح األعشى في صناعة اإلنشا‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الكتب المصرية‪.1992 ،‬‬

‫‪ -‬أب !!وبكر الق !!ادري‪ .‬رحالتي الحجازي !!ة ( ارتس !!امات و ذكري !!ات عن ثالث رحالت إلى ال !!ديار المقدس !!ة‪ .‬ال !!دار‬
‫البيضاء ‪ :‬مطبعة النجاج الجديدة‪.1995 ،‬‬

‫‪ -‬أحم !!د المك !!اوي‪ .‬المغ !!رب و المش !!رق الع !!ربي(‪ )1960-1950‬ص !!الت و مواق !!ف‪ .‬الطبع !!ة األولى‪ .‬طنج !!ة‪:‬‬
‫الفاصلة للنشر‪.2020 ،‬‬

‫‪ -‬أحمد بن خالد الناصري‪ .‬االستقصا ألخبار المغرب الألقصى‪ .‬الدار البيضاء‪ :‬دار الكتاب‪.1955 ،‬‬

‫‪ -‬التهامي الوزاني‪ .‬الرحلة الخاطفة (مشاهدات و لقاءات في القاهرة س!!نة ‪ .)1957‬تط!!وان‪ :‬منش!!ورات جمعي!!ة‬
‫تطوان اسمير‪.2013 ،‬‬

‫‪ -‬الجبرتي‪ .‬تاريخ عجائب اآلثار في التراجم و األخبار‪ .‬ط ‪ .2‬المجلد ج‪ .2‬بيروت‪ :‬دار الجبل‪.1978 ،‬‬

‫‪ -‬الزياني‪ .‬الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا و بحرا‪ .‬المحمدية‪ :‬مطبعة فضالة‪.1967 ،‬‬

‫‪ -‬الس!!عيد لمليح‪ .‬التواص!!ل الفك!!ري و ال!!روحي بين المغ!!رب و المش!!رق اإلس!!الميين(مص!!ر‪ ،‬الحج!!از) أسس!!ه و‬
‫مظاهره من بداية القرن السابع إلى أواخر الثامن الهجريين‪ .‬الطبعة األولى‪ .‬أبوظبي‪ :‬المجم!ع الثق!افي‪،‬‬
‫‪.2005‬‬

‫‪ -‬السماللي المراكشي العباس بن إبراهيم‪ .‬اإلعالم بمن ح!!ل بم!!راكش و أغم!!ات من األعالم‪ .‬الرب!!اط‪ :‬المطبع!!ة‬
‫الملكية‪.1993 ،‬‬

‫‪ -‬بنعبد اهلل عبد العزيز‪ .‬الرحالت من المغرب و إليه عبر التاريخ‪ .‬الرباط‪ :‬دار نشر المعرفة‪.2001 ،‬‬

‫‪ -‬حسن حسني عبد الوهاب‪ .‬خالصة تاريخ تونس ‪ .‬تونس‪ :‬الدار التونسية للنشر‪.1976 ،‬‬

‫‪ -‬سارة أرينسون‪” .‬االكتشافات و المالحة البحرية في العالم الوسيط‪ ”.‬عالم المعرفة‪.173-123 :2005 ،‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز بنعبد اهلل‪ .‬الرحالت من المغرب و إليه عبر التاريخ‪ .‬الرباط‪ :‬دار نشر المعرفة‪.2001 ،‬‬

‫‪ -‬س!!عيد األح!!رش‪ .‬ال!!رحالت المغربي!!ة إلى ال!!ديار المقدس!!ة و تركي!!ا خالل الق!!رن التاس!!ع عش!!ر و بداي!!ة الق!!رن‬
‫العش!!رين‪ :‬مص!!در من مص!!ادر المعلوم!!ات ع!بر الع!!الم اإلس!!المي‪ .‬الطبع!!ة األولى‪ .‬المجل!!د ‪ .2‬الري!!اض‪:‬‬
‫مكتبة الملك عبد العزيز‪.2004 ،‬‬

‫‪ -‬ش!!ارل أندري!!ه‪ .‬ت!!اريخ إفريقي!!ا الش!!مالية‪ ،‬ت!!ونس‪ ،‬الجزائ!!ر‪ ،‬المغ!!رب األقص!!ى من الب!!دء إلى الفتح اإلس!!المي‪.‬‬
‫تونس ‪ :‬الدار التونسية للنشر ‪.1969 ،‬‬

‫‪ -‬ط!ه عب!د عب!د الرحم!ان‪” .‬اإلس!هام المغ!ربي في ال!تراث اإلس!المي‪ ،‬إس!هام أخالقي‪ ،‬عم!ل المغارب!ة الخلقي في‬
‫مصر نموذجا‪ ”.‬مجلة التاريخ العربي‪ ،‬عدد‪.54-20 :2000 ,14‬‬

‫‪ -‬عب!!د ال!!رحيم عب!!د الرحم!!ان عب!!د عب!!د ال!!رحيم‪” .‬دور المغارب!!ة في ت!!اريخ مص!!ر في العص!!ر الح!!ديث‪ ”.‬المجل!!ة‬
‫التاريخية المغربية‪.2001 ،‬‬

‫‪ -‬عبد الهادي التازي‪ ” .‬في تاريخ المغرب الدبلوماسي‪ ”.‬دعوة الحق‪ _ ،‬عدد ‪ 135‬السنة ‪.35 -20 :1989‬‬

‫—‪” .‬اللغة األم‪ ”.‬مجلة اللسان العربي‪.78-50 :1990 ،‬‬

‫‪ -‬عب !!د اله !!ادي بوط !!الب‪ .‬ذكري !!ات ‪...‬ش !!هادات و وج !!وه‪ .‬الطبع !!ة األولى‪ .‬ج !!دة‪ :‬الش !!ركة الس !!عودية لألبح !!اث و‬
‫النشر‪.1993 ،‬‬

‫‪ -‬عبد الوهاب بن منصور‪ .‬العز و الصولة في معللم نظم الدولة‪ .‬الرباط‪ :‬المطبعة الملكية‪.1961 ،‬‬

‫‪ -‬عبد الوهاب حسن حسني‪ .‬خالصة تاريخ تونس‪ .‬تونس‪ :‬الدار التونسية للنشر‪.1976 ،‬‬

‫‪ -‬عواطف محمد يوسف نواب‪ .‬الرحالت المغربية و األندلسية مص!در من مص!ادر ت!اريخ الحج!از في الق!رنين‬
‫السابع و الثامن للهجرة‪ :‬دراسة تحليلية مقارنة ‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة الملك فهد الوطنية‪.1996 ،‬‬

‫‪ -‬محمد الغربي‪” .‬معركة وادي المخازن‪ ”.‬مجلة اللقاء‪ ،‬يوليو‪.54-25 :1970 ,‬‬

‫‪ -‬محمد الفاسي‪” .‬من تاريخ األدب المغربي‪ ”.‬مجلة تطوان‪.64 _16 :1985 ،‬‬

‫‪ -‬محمد القزويني‪ .‬نشر المثاني ألهل القرن الحادي عشر و الثاني‪ .‬الرباط‪.1977 ،‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ -‬محمد المنوني‪ .‬ورقات عن الحضارة المغربية في عهد بني مرين ‪ .‬الرباط‪ :‬كلية األداب ‪.1979 ،‬‬

‫‪ -‬محمد بن تاويت‪” .‬المغرب األقصى و المشرق العربي‪ ”.‬دعوة الحق‪.62 :1970 ,3 ،‬‬

‫‪ -‬محم!!د بن جعف!!ر بن إدريس الكت!!اني‪ .‬الرحل!!ة الس!!امية إلى اإلس!!كندرية و مص!!ر و الحج!!از و البالد الش!!امية‪.‬‬
‫الطبعة األولى‪ .‬بيروت‪ :‬دار ابن حزم‪.2005 ،‬‬

‫‪ -‬محمد بن عبد القادر الجزائري‪ .‬تحفة الزائر في ت!!اريخ الجزائ!!ر و األم!ير عب!!د الق!ادر‪ .‬ب!!يروت‪ :‬دار اليقظ!!ة‪،‬‬
‫‪.1964‬‬

‫‪ -‬محمد حجي بوشعرة‪ .‬الرحلة الحجية‪ .‬أبوظبي‪ :‬دار السويدي‪ ،‬مركز ارتياد اآلفاق‪.2022 ،‬‬

‫‪ -‬نقوال زيادة‪ .‬الجغرافية و الرحالت عند العرب‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬بيروت‪ :‬األهلية للنشر و التوزيع‪.1980 ،‬‬

‫‪ -‬ياقوت الحموي‪ .‬معحم البلدان‪ .‬بيروت ‪.1993 ،‬‬

‫الئحة المصادر األجنبية‬

‫‪-Defremery et le Dr B.R Sanguinetti .Voyages D'ibn Batouta . Paris: Authopos،‬‬


‫‪1968.‬‬

‫‪-El Mansour Mohamed .Political and Social Developements in Morocco.‬‬

‫‪-Gabrel ferrand .Instruction nautique et routieresarabes et portugaise du XVl siecle.‬‬

‫‪-Georges Dragues .Esquises d'histoire religieuse du maroc .Paris، 1951.‬‬

‫‪-le maroc Saharien des origines. J Meinier .libr Klineksick، 1982 .‬‬

‫‪20‬‬
21

You might also like