You are on page 1of 31

‫الحمائية الجديدة‬

‫وانعكاساتها على المصالح‬


‫التجارية للدول النامية‬

‫د‪ .‬فاضل موسى حسن‬ ‫د‪ .‬سـلطان جاســم سلطان‬ ‫أ‪.‬د عدنان حسـين يونس‬

‫كلية االدارة واالقتصاد‬ ‫كلية االدارة واالقتصاد‬ ‫كلية االدارة واالقتصاد‬

‫جامعة | كربالء‬ ‫جامعة | كربالء‬ ‫جامعة | كربالء‬


‫المستخلص‬
‫على الرغم من االتجاهات المعاصرة في مناهضة السياسات الحمائية في التجارة‬
‫الدولية ‪ ،‬التي تقودها الدول الصناعية الكبرى ‪ ،‬اال ان هذه الدول في ظل واقع األزمات‬
‫االقتصادية التي تتعرض لها بين الحين واآلخر والرغبة في الحد من مشاكل موازين المدفوعات‬
‫فيها ‪ ،‬وجدت في العودة الى السياسات التجارية الحمائية تدابير ال غنى عنها ‪ ،‬ولكن بأساليب‬
‫واجراءات محدثة ال تتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية في ضوء التطورات الحاصلة فيما‬
‫أصبح يعرف بالمعايير البيئية وتدابير السالمة الصحية واجراءات االستيراد المتحدة‪ .‬وفي سياق‬
‫ذلك فان الهدف من هذا البحث يتمثل في تسليط الضوء على جوانب من االنعكاسات التي‬
‫تولّدها السياسات الحمائية الجديدة على المصالح التجارية للدول النامية والدول الناهضة صناعيا‬
‫‪ ،‬وفي اطار منهجية استندت على المنهجين االستقرائي واالستنباطي بغية التعرف على واقع‬
‫األمور المتعلق ة بالتدابير الحمائية الجديدة ‪ ،‬ومن ثم استخالص النتائج من خالل تحليل البيانات‬
‫المعنية في هذا الموضوع ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والمعلومات ‪ ،‬معتمدين على عدد من المصادر والدراسات السابقة‬
‫أن السياسات الحمائية لم‬
‫وقد خلص البحث الى عدد من االستنتاجات والتوصيات ‪ ،‬من أبرزها ‪ّ ،‬‬
‫يجر التخلي عنها ولم تعد مقتصرة على القيود والتدابير التقليدية التي تتعارض مع قواعد منظمة‬
‫التجارة العالمية ‪ ،‬و ّانما أصبحت هنالك العديد من التدابير الحمائية الجديدة التي تسهم في تحقيق‬
‫األهداف نفسها والتي أصبحت تستخدم من قبل الدول الصناعية الكبرى بغية الحد من استيراداتها‬
‫من الدول النامية والناهضة ‪ ،‬مما بات يولّد انعكاسات سلبية على صادرات هذه الدول ‪ .‬ومن ثم‬
‫ضرورة أن تعمل الدول المتضررة من تدابير الحمائية الجديدة على تطوير تقنيات االنتاج‬
‫واالستجابة للمعايير البيئية ومعايير الجودة في منتجاتها في اطار سياساتها التنموية ‪ ،‬كذلك البد‬
‫أن تتحمل منظمة التجارة العالمية مسؤوليتها في وضع القواعد المنظمة الستخدام تدابير الحمائية‬
‫الجديدة على وفق مصداقيتها وأهميتها وعدم ترك مثل هذه التدابير للدول نفسها ‪.‬‬

‫‪Abstract‬‬
‫‪Despite recent trends in anti-protectionist policies in international‬‬
‫‪trade, led by the major industrialized countries, these countries, in the‬‬
‫‪face of occasional economic crises and the desire to reduce their‬‬
‫‪balance of payments problems, have found a return to protectionist trade‬‬
‫‪policies But with updated methods and procedures that do not contradict‬‬
‫‪WTO rules in the light of developments in what has become known as‬‬
environmental standards, health safety measures and import
procedures. In this context, the aim of this research is to shed light on
aspects of the implications of the new protectionist policies on the
commercial interests of developing and industrially rising countries and
in a method based on the indicative and deductive approaches to
identify the realities of new protectionist measures, Drawing conclusions
through analysis of data and information, drawing on a number of
sources and previous studies involved in this subject. The research
concluded with a number of concluding and recommendations, notably
that protectionist policies have not been abandoned and are no longer
limited to traditional restrictions and measures that are contrary to the
rules of the World Trade Organization, but there are many new
protectionist measures that contribute to the same objectives which have
become used by the major industrial countries in order to limit their
imports from developing and developing countries, which has negative
repercussions on their exports. The countries affected by the new
protectionist measures should therefore develop production techniques
and respond to environmental standards and quality standards in their
products in the context of their development policies. The World Trade
Organization (WTO) should also be responsible for establishing the rules
governing the use of new protectionist measures based on their
credibility and importance
‫المقدمة‬
‫تلعب السياسة التجارية دوراً أساسيا ً في اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على حد‬
‫سواء‪ ،‬ال سيما في ظل العولمة واالنفتاح االقتصادي‪ ،‬وفي ظل نظام عالمي متعدد األطراف‪.‬‬
‫وفي ضوء التطورات المتالحقة التي تشهدها التجارة الدولية تبرز أهمية السياسات‬
‫التجارية في تكوين االستثمارات وزيادة الدخل واإلنتاج القومي‪ ،‬ومن ث َم تحقيق األهداف التي‬
‫تصبو اليها الدولة‪.‬‬
‫ومع تطور التبادل التجاري وتنوع أشكال تدخل الدولة في إدارة عالقاتها التجارية‪ ،‬بدأت‬
‫الدول تتبع أساليب جديدة وأدوات جديدة من اجل تحقيق أهدافها التنموية وتحسين حالة موازينها‬
‫التجارية وتصحيح االختالل في موازين مدفوعاتها‪ ،‬إما بتقيد التجارة من خالل وضع القيود‬
‫وتشديد اإلجراءات‪ ،‬أو من خالل تحريرها إزاء تدفق السلع والخدمات‪ ،‬تبعا ً للظروف واألوضاع‬
‫االقتصادية التي تمر بها تلك الدول‪ ،‬أو بين هذا وذاك من اإلجراءات التي تأخذ من التقييد ومن‬
‫الحرية التجارية بعض العناصر‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى إن الربع األخير من القرن العشرين شهد اهتماما ً متزايداً باستخدام‬
‫أدوات وإجراءات حمائية جديدة من الواليات المتحدة األمريكية والدول الصناعية‪ ،‬وأصبحت تلك‬
‫الدول تتشدد في منع نفاذ صادرات الدول النامية إلى األسواق العالمية وتحت مسميات عدة من‬
‫أجل حماية صناعاتها ‪ ،‬ال سيما تلك الصناعات التي تمتلك فيها الدول النامية قدرة تنافسية ‪ ،‬األمر‬
‫الذي أدى إلى خلق تأثيرات سلبية اضافية على موازين مدفوعات هذه الدول التي أصبحت تعاني‬
‫من خسائر فادحة في بعض القطاعات اإلنتاجية نتيجة لهذه الممارسات واإلجراءات التقييدية‪.‬‬
‫إن ظاهرة السياسات الحمائية الجديدة تُعد مناهضة لمبدأ حرية التجارة الذي يدعو إلى‬
‫ضرورة إزالة القيود عن حركة التجارة العالمية وجعلها حرة وخالية من اإلجراءات التقييدية‪.‬‬
‫وقد تناولت الكثير من الدراسات السابقة هذا الموضوع باعتباره يمثل عودة باتجاه معاكس‬
‫للسياسات الحمائية من الدول المتقدمة صناعيا الى الدول النامية والناهضة صناعيا‪ ،‬وعلى وفق‬
‫أساليب وأدوات محدثة‪ .‬ومن هذه الدراسات يمكن االشارة الى ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬بحـث‪Zeynep Beyhan & Edgardo Sica & Serap Durusoy :‬‬
‫بعنوان‪Economic Crisis And Protectionism Policies : The Case of the EU ( :‬‬
‫) ‪ Countries‬ومن أبرز النتائج التي توصل اليها البحث ‪ ،‬أن هنالك الكثير من القيود الحمائية‬
‫الجديدة غير التعريفية والحواجز التجارية غير المرئية أصبحت ال تعرفها منظمة التجارة العالمية‬
‫وان مثل هذه القيود التي تمارسها الدول الصناعية الكبرى ال يمكن أن تمثل حال ألزماتها‬
‫االقتصادية ‪.‬‬
‫‪ .2‬دراســة‪Roberto Bendini & Barbara Barone :‬‬
‫بعنوان‪ ،)Protectionism In The G20( :‬تناولت الدراسة التدابير الحمائية الجديدة‬
‫التي اتبعتها مجموعة دول العشرين في أعقاب االنكماش االقتصادي عام ‪ .2008‬وقد توصلت‬
‫الى أن تدابير الحمائية الجديدة قد تزايدت كثيرا مقابل الجهود القليلة لتحرير التجارة‪ ،‬وان‬
‫الحمائية تغيّرت من ناحية الشكل والجغرافية‪ ،‬وان مثل هذا االنحراف نحو الحمائية الجديدة كان‬
‫نتيجة لتدهور األداء االقتصادي للدول التي تعمل على استخدام هذه التدابير‪.‬‬
‫‪ .3‬بحـث‪ :‬عبد السالم مخلوفي‪ ،‬وسفيان بن عبد العزيز‪ ،‬بعنوان‪( :‬اشكالية ضبط المعايير‬
‫البيئية في التجارة الدولية وتأثيراتها على تنافسية االقتصاد الوطني الجزائري)‪ .‬يسلط هذا البحث‬
‫الضوء على التأثيرات التي أصبحت تحدثها األبعاد البيئية بوصفها احدى أدوات الحمائية الجديدة‪،‬‬
‫وتوصل البحث الى أن المعايير البيئية أضحت من العوائق غير الكمركية في التجارة الدولية‪،‬‬
‫وان االقتصاد الجزائري على الرغم من قلة صادراته غير النفطية‪ ،‬االّ أنه لم يسلم من تدابير‬
‫الحمائية الجديدة‪.‬‬
‫‪ .4‬بحـث‪ :‬محمد األمين شربي‪ ،‬ومحمد لحسن عالوي‪ ،‬بعنوان‪( :‬الحمائية الجديدة‪ ،‬حرب‬
‫العمالت وأهمية تفعيل دور منظمة التجارة العالمية)‪ .‬يسلط هذا البحث الضوء على تخفيضات‬
‫القيمة الخارجية للعمالت التي تمارسها بعض الدول بشكل متقابل بوصفها أداة من أدوات‬
‫الحمائية الجديدة‪ ،‬وهو ما حاولت الدول الصناعية استخدامه من أجل التأثير في القدرات التنافسية‬
‫والحد من االستيرادات وزيادة الصادرات‪ ،‬وتوصل البحث الى أن (حرب العمالت) ليس حال‬
‫ناجعا لمشاكل موازين المدفوعات وان تنمية القدرات التنافسية الحقيقية للمنتجات هو الحل‬
‫األمثل‪.‬‬
‫‪ .5‬دراســة ‪ Carl J. Green:‬بعنوان‪ )The New Protectionism( :‬ومن أبرز‬
‫النتائج التي خلصت اليها هذه الدراسة‪ ،‬أن االشكال الجديدة للحمائية أصبحت األكثر انتشارا‬
‫مقارنة بما يتم ازالته من العوائق‪ ،‬وهو ما يمثل تهديدا خطيرا لمستقبل النظام التجاري العالمي‬
‫المتعدد األطراف‪.‬‬
‫أهمية البحث‪:‬‬
‫تبرز أهمية البحث من خالل كونه يسلط الضوء على سياسات تجارية ترتكز على أدوات‬
‫وإجراءات ذات طبيعة رمادية غير واضحة المعالم تستخدمها الدول الصناعية المتقدمة ‪ ،‬والتي‬
‫وان الظاهر المعلن من هذه‬ ‫توصف بالحمائية الجديدة بهدف تقييد استيراداتها وزيادة صادراتها‪ّ ،‬‬
‫األدوات واالجراءات التتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية‪ ،‬والباطن منها يهدف الى‬
‫وضع العراقيل بوجه المنتجات الداخلة الى الدول التي تطبق هذه األساليب ‪ ،‬مما يسـهم في الحاق‬
‫األضرار االقتصادية بصادرات الدول األخرى ‪ ،‬السيما الدول النامية التي التستطيع مواجهة مثل‬
‫هذه األساليب ‪ ،‬في ظل سكوت منظمة التجارة العالمية وعدم تنظيمها بقواعد ملزمة‪ ،‬ومن ثم فان‬
‫ما يتسم به البحث هو محاولته التعرف على جوانب من التأثيرات التي تولّدها التدابير الحمائية‬
‫الجديدة على المصالح التجارية للدول النامية‪ ،‬السيما ما يتعلق بصادراتها ذات الميزة التنافسية ‪.‬‬
‫مشكلة البحث‪:‬‬
‫تتمثل مشكلة البحث في إن الكثير من الدول الصناعية المتقدمة أخذت تمارس أنواعا ً‬
‫مختلفة من السياسات التجارية الحمائية التي توصف بالجديدة‪ ،‬وما تتضمنه من أساليب‬
‫واجراءات متعددة‪ ،‬بهدف تقليل استيراداتها والحد من صادرات الدول النامية اليها‪ ،‬ال سيما من‬
‫أصناف السلع التي تمتلك هذه الدول قدرة تنافسية في إنتاجها وتصديرها إلى األسواق العالمية‪.‬‬
‫الى جانب استخدام هذه األساليب للحد من العجوزات في موازين مدفوعاتها‪ ،‬ومواجهة التداعيات‬
‫التي تنجم عن األزمات المالية وفق تدابير وأدوات متجددة ال تتعارض مع قواعد منظمة التجارة‬
‫العالمية ‪.‬‬
‫فرضية البحث‪:‬‬
‫أن الدول الصناعية المتقدمة لم تتخل عن السياسات‬ ‫يستند البحث على فرضية مفادها ّ‬
‫التجارية الحمائية‪ ،‬وإنها عملت على تكييف هذه السياسات وتطبيقها بأساليب حمائية جديدة‪ ،‬والتي‬
‫أصبحت تمارس تأثيرات سلبية عديدة على صادرات الدول النامية ك ُل حسب درجة تطور هياكله‬
‫اإلنتاجية وظروفه االقتصادية والتقنية‪.‬‬
‫أهداف البحث‪:‬‬
‫يهدف البحث إلى تحقيق أهداف عدة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬معرفة ماهية السياسات الحمائية الجديدة وأدواتها واألسباب التي أدت إلى‬
‫استخدامها‪.‬‬
‫‪ -2‬تسليط الضوء على جوانب من تأثيرات الحمائية الجديدة على صادرات الدول‬
‫النامية‪.‬‬
‫‪ -3‬تقديم مجموعة من اإلجراءات والسبل لمواجهة الحمائية الجديدة‪.‬‬
‫منهجية البحث‪ :‬استند البحث على المنهج االستقرائي لدراسة وتحليل واقع التطبيقات‬
‫المتعلقة بتدابير الحمائية الجديدة التي تستخدمها الدول الصناعية الكبرى‪ ،‬ومن ثم االنتقال الى‬
‫المنهج االستنباطي من اجل استخالص النتائج ومالحظة مدى التأثيرات التي تولّدها هذه التدابير‬
‫على المصالح التجارية للدول النامية‪ ،‬معتمدين على عدد من المصادر والدراسات السابقة في هذا‬
‫الموضوع‪.‬‬
‫هيكلية البحث‪:‬‬
‫تم تقسم البحث إلى مبحثين‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الحمائية الجديدة‪ ،‬صورها‪ ،‬أدواتها‪ ،‬دوافعها‪ ،‬عالقتها بالنظام االقتصادي‬
‫المعاصر‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تأثيرات الحمائية الجديدة في صادرات الدول النامية‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫الحمائية الجديدة‪ ،‬صورها‪ ،‬أدواتها‪ ،‬دوافعها‪ ،‬وعالقتها بالنظام االقتصادي المعاصر‬

‫لقد اقترنت الدعوة إلى الحمائية الجديدة في القرن الماضي بقيام الصناعات الناشئة‪ ،‬كذلك‬
‫اقترنت باالتجاه نحو التدويل وانتشار ظاهرة العولمة‪ .‬كما تركزت الحمائية على منتجات كانت‬
‫صناعاتها قد نقلت إلى البلدان النامية ‪ ،‬مثل المنسوجات والمالبس والصلب ‪ ،‬وأصبحت سياساتها‬
‫تمارس في ثمانينيات القرن الماضي على قطاعات جديدة مثل السيارات واإللكترونيات وامتدت‬
‫لتصيب الكثير من المنتجات الزراعية للدول النامية (‪.)1‬‬
‫ومن خالل مالحظة واقع التطورات الحاصلة في االقتصاد العالمي نجد أن اضطراد‬
‫التقدم العلمي والتكنلوجي بات يعني قدرة متزايدة لدى الدول الصناعية المتقدمة على إنتاج العديد‬
‫من السلع الصناعية والزراعية بوفرة كبيرة تحتاج الى أسواق واسـعة لتصريفها من أجل‬
‫استمرار االنتاج وحماية الوظائف‪ .‬وفي دراسة للبنك الدولي تبين حصول زيادة صافية في حوالي‬
‫‪ 2500‬حاجز من الحواجز التجارية غير التعريفة الكمركية خالل المدة ‪19862-1985‬‬
‫وقد اتخذت ظاهرة الحمائية الجديدة اتجاهين في إطار أهدافها‪:‬‬
‫‪ -1‬دفع األطراف المتنافسة األخرى من أجل االتفاق‪ ،‬ومن أمثلة ذلك النزاعات التجارية‬
‫بين الواليات المتحدة األمريكية وكندا والمكسيك والمجموعة األوروبية في المنتجات الزراعية‪،‬‬
‫إذ استخدمت التعريفة الكمركية في هذا المجال‪ .‬كما قامت الواليات المتحدة األمريكية بفرض‬
‫رسوم على منتجات الخشب من كندا وتقييد استيرادات السيارات والصلب األمريكية من اليابان‪.‬‬
‫إن استخدام هذه القيود أدى إلى تشكيل منطقة التجارة الحرة بين الواليات المتحدة األمريكية وكندا‬
‫والمكسيك (‪ )FAT‬والكارتل الذي عقدته الواليات المتحدة عام ‪ 1986‬حول اإللكترونيات‬
‫اليابانية الرخيصة ومحاولة التخلص من منافستها‪ .‬ومن هنا برهنت الشركات الدولية قدرتها على‬
‫المحافظة على األسعار العالمية مهما كان حجم الطلب ضعيفا‪.‬‬
‫‪ -2‬الحد من التوسع الصناعي لبعض الدول النامية المتميزة بصادرات المنسوجات‬
‫والمالبس واألحذية وبعض البتروكيماويات من خالل استخدام التعريفة الكمركية ضد هذه‬
‫الصادرات‪ ،‬وقد أدى ذلك إلى انخفاض معدل نمو الصادرات للدول النامية إلى البلدان الصناعية‬
‫المتقدمة من ‪ %22‬للمدة ‪ 1981-1973‬إلى ‪ %4‬للمدة ‪.1986-1981‬‬
‫أوالً‪ :‬انتشار الحمائية الجديدة عالميا ً‬
‫بالرغم من أن اتفاقية الجات كانت قد دعت إلى ضرورة العودة إلى حرية التجارة‬
‫الدولية‪ ،‬والعودة إلى حرية صرف العمالت منذ خمسينيات القرن الماضي وتخفيض الحواجز‬

‫‪ ))1‬فؤاد مرسي‪ ،‬الرأسمالية تجدد نفسها‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة ‪ ،147‬المجلس الوطني للثقافة والفنون والداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫‪ ،1990‬ص‪.327‬‬
‫‪ ))2‬المصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪.328‬‬
‫أمام التدفقات التجارية والنمو الكبير لألسواق المالية والنقدية‪ ،‬إال إنه منذ بداية السبعينيات وتدابير‬
‫الحماية تتصاعد ال سيما في الدول األوروبية والواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫وفي نهاية الستينيات وافقت الدول الصناعية على منح معاملة تفضيلية لمجموعة من‬
‫الواردات من دول العالم الثالث سمي " نظام األفضليات المعمم" وهو يشمل ‪ 16‬نظاما ً من ‪26‬‬
‫دولة‪ .‬غير إن هذا النظ ام كان قد استخدم لصالح منتجات الشركات المتعددة الجنسيات‪ ،‬إذ لم تكن‬
‫الدول النامية مستفيدة منه‪ ،‬وكانت التجارة تنمو بمعدل ‪ %3.9‬في المتوسط بين عامي ‪1963‬و‬
‫‪ ، 1973‬االّ أنه في عام ‪ 1973‬كانت فرنسا تخضع ‪ %55‬من وارداتها إلى قيود غير التعريفة‬
‫الكمركية ‪ ،‬كما بلغت هذه القيود في الواليات المتحدة األمريكية ما يقارب ‪.)1(%40‬‬
‫بالمقابل‪ ،‬فشلت جهود الدول النامية في إقامة تكتالت لحماية خاماتها‪ ،‬ففشل كارتل‬
‫الفوسفات الذي سعى المغرب إلى تكوينه‪ ،‬كما فشل كارتل النحاس عام ‪ 1976‬من شيلي وبيرو‪.‬‬
‫ولم تنجح جهود االونكتاد في إقرار االتفاقية المجمعة للسلع التي تصدرها الدول النامية إلى الدول‬
‫الصناعية‪.‬‬
‫أما في مجال المنتجات الزراعية فزادت حدة الصراعات على األسواق بين الدول‬
‫الصناعية نفسها وبين الواليات المتحدة واليابان على منتجات البقر‪ ،‬وبين الواليات المتحدة‬
‫واليابان على السكر‪.‬‬
‫إن الدعوة إلى حمائية جديدة‪ ،‬القت الترحيب الحار من الدول األوروبية والواليات‬
‫المتحدة األمريكية وتتصاعد الدعوات من أجل الحماية مستعينة بدعوى مواجهة األزمات وضعف‬
‫االنتعاش وتفاوت أسعار الصرف والجمود الهيكلي وغير ذلك‪.‬‬
‫أن منظمة التعاون والتنمية واجهت عجزاُ إجماليا ً في ميزانها‬ ‫وتجدر اإلشارة‪،‬إلى ّ‬
‫التجاري يصل إلى ما يقارب ‪ 30‬مليار دوالر عام ‪ 1987‬مقابل ‪ 16‬مليار في عام ‪ ،1986‬في‬
‫حين بلغ العجز في الميزان التجاري للواليات المتحدة األمريكية نحو ‪ 132‬مليار دوالر في عام‬
‫‪ 1986‬بالمقارنة مع ‪ 117.7‬مليار دوالر في عام ‪.1985‬‬
‫على الجانب اآلخر‪ ،‬بلغ الفائض التجاري لليابان ما يقارب ‪ 77‬مليار دوالر في عام‬
‫‪ 1986‬بعدما كان نحو ‪ 36.8‬مليار عام ‪ .1984‬لذلك طرح صندوق النقد الدولي مسألة‬
‫االختالالت بين الدول الصناعية الكبرى‪ ،‬اذ ع ّدها في مقدمة دواعي الحماية‪.‬‬
‫وعليه لجأت الدول الصناعية إلى االحتماء بنصوص الوقاية "‪ "Safeguards‬لكي تبرر‬
‫وضع القيود على واردات الدول‪ ،‬فتضمنت المادة ‪ 19‬من قانون الجات حقوق الدولة المستوردة‬
‫في حماية اقتصادها إذا كانت االستيرادات تضر باالقتصاد‪ ،‬ولكن هذه اإلجراءات تكون مؤقتة‬
‫وبما يسمح للدولة تعديل أوضاعها والعودة إلى الحرية التجارية من جديد‪ .‬وقد قدر عدد المرات‬
‫التي استخدم فيها سالح الوقاية نحو ‪ 151‬مرة حتى عام ‪ ،1994‬منها ‪ 136‬مرة بين الدول‬

‫‪ ))1‬فؤاد مرسي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.329-328‬‬


‫الصناعية ‪ ،‬كذلك عمدت الدول الصناعية إلى استخدام إجراءات مقاومة سياسات اإلغراق‬
‫"‪ "Anti- Dumping Measures‬بكثير من التعسف(‪.)1‬‬
‫كما كانت االجراءات األشد‪ ،‬هو ما لجأت إليه الدول الصناعية وبخاصة الواليات المتحدة‬
‫األمريكية فيما ُعرف باإلجراءات الرمادية "‪ "Grey Area Measures‬ومن أشهرها ما أطلق‬
‫عليه بالتقييد االختياري للصادرات ‪ ""VER" Voluntary Export Restraint‬وفي هذا‬
‫اإلطار سجلت سكرتارية الجات في عام ‪ 1989‬عدد الحاالت التي تم االتفاق على هذا النوع من‬
‫التقييد بنحو ‪ 236‬حالة منها ‪ 127‬رتبتها المجموعة األوروبية‪ ،‬و‪ 97‬حالة للواليات المتحدة‬
‫أن الدول الصناعية‬ ‫األمريكية و‪ 12‬حالة لليابان ومثلها لكندا‪ ،‬و‪ 6‬حاالت للسويد‪ .‬وهكذا نالحظ ّ‬
‫المتقدمة هي األكثر ممن يلجأ إلى القيود(‪.)2‬‬
‫ولم يتفق الباحثون‪ ،‬وال المؤسسات الدولية على تعريف محدد للحمائية الجديدة‪ ،‬وانما‬
‫وضعت مفاهيم وعبارات مختلفة لها‪ .‬واجماال يمكن توضيح المقصود بالحمائية الجديدة من خالل‬
‫اآلتي(‪:)2‬‬
‫‪.1‬مجموعة من المعايير والتدابير المستندة أو المغطاة بمشروعية منظمة التجارة العالمية‬
‫‪.2‬مجموعة من المعايير واألدوات التي تعمل على تقييد حركة التجارة العالمية وتؤثر‬
‫على انتقال السلع والخدمات بين الدول‪.‬‬
‫‪.3‬مجموعة من المعايير واألدوات المستندة على نوايـا صناع السياسات التجارية‪.‬‬
‫‪.4‬معايير وتدابير مستندة على اجراءات تمييزية ضد الشركات األجنبية أو المصالح‬
‫التجارية للدول األخرى‪.‬‬
‫‪.5‬معايير وأدوات تؤدي الى انحراف أسواق التجارة العالمية عن مسـارها الصحيح من‬
‫أجل تحقيق مصالح تجارية لدول على حسـاب دول أخرى‪.‬‬
‫وطبقا ً لتقارير الرصد الصادرة من منظمة التجارة العالمية‪ ،‬فُرضت تدابير تجارية يصل‬
‫عددها إلى ‪ 1243‬خالل المدة بين بدء األزمة المالية العالمية عام ‪ 2007‬وحتى نهاية الربع الرابع‬
‫من عام ‪ ، 2011‬في حين أشار مرصد التجارة العالمية ‪ GAT‬والذي يجمع المعلومات عن‬
‫التدابير الحمائية إلى اتخاذ ‪ 1593‬إجراءا أثناء المدة من نوفمبر ‪ 2008‬حتى نوفمبر ‪ ،2011‬منها‬
‫‪ 1187‬إجراءا تمييزيا ً ضد الموردين األجانب و‪ 406‬إجراءا تحريريا ً(‪.)3‬‬
‫وتشير المصادر إلى استمرار تزايد تدابير الحمائية الجديدة‪ ،‬ال سيما في االقتصادات‬
‫المتقدمة والصاعدة األعضاء في مجموعة العشرين ‪ ،‬والتي الينطوي أغلبها على تعريفات‬
‫كمركية ‪ ،‬السيما فيما يتعلق بفرض قيود على تراخيص االستيراد وشروط المحتوى المحلي‬

‫‪ ))1‬حازم الببالوي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.60‬‬


‫‪ ))2‬حازم الببالوي المصدر السابق ‪ ،‬ص‪60‬‬
‫(‪National Board of Trade, Protectionism in the 21st century, First edition, ISBN 978-91- )2‬‬
‫‪88201-13-3, Stockholm, 2016, p8‬‬
‫(‪ )3‬برنارد هوكمان (السياسة التجارية هل تسير على ما يرام حتى االن) ‪ ،‬مجلة التمويل والتنمية ‪ ،‬صندوق النقد الدولي ‪،‬‬
‫واشنطن ‪ ،‬العدد ‪ ، 49‬سنة ‪ ، 2012‬ص‪17‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪18‬‬
‫والمعايير البيئية والصحية ‪ ،‬والتي يكون تأثيرها كبيرا ‪ .‬وقد أدى ذلك إلى انخفاض تدفقات‬
‫التجارة بما يتراوح ما بين ‪ %5‬الى‪ %8‬متأثرة بفرض القيود ‪ ،‬مقارنة بتدفقات التجارة للمنتج‬
‫نفسه بين الشركاء التجاريين غير المتأثرين بالتدابير الحمائية الجديدة (‪ ، )4‬في ظل القيود الحمائية‬
‫التي ازدادت بنسبة ‪ %23,5‬خالل المدة ‪ 2008‬ــ‪ ، 2014‬وازدياد عدد الموانع واالجراءات‬
‫الحدودية المقيـّدة لالستيرادات ‪.‬‬
‫ويوضح الجدول اآلتي االتجاهات التي اتخذتها التجارة العالمية في ظل االندفاع نحو‬
‫اجراءات الحمائية الجديدة‪:‬‬
‫جدول (‪)1‬‬
‫((معدالت نمو حجم التجارة الخارجية والتغير في شروط معدل التبادل التجاري للمدة ‪ 2000‬ــ‪% ))2015‬‬
‫التغير في شروط التبادل‬ ‫الدول النامية والناشئة‬ ‫الدول المتقدمة‬ ‫اجمالي‬ ‫السنوات‬
‫التجاري‬ ‫تجارة العالم‬
‫الدول‬ ‫الدول‬ ‫الواردات‬ ‫الصادرات‬ ‫الواردات‬ ‫الصادرات‬
‫النامية‬ ‫المتقدمة‬
‫والناشئة‬
‫‪6,6‬‬ ‫ــ‪2,5‬‬ ‫‪15,2‬‬ ‫‪14,4‬‬ ‫‪11,7‬‬ ‫‪11,7‬‬ ‫‪12,4‬‬ ‫‪2000‬‬
‫ــ‪2,9‬‬ ‫‪0,2‬‬ ‫‪3,4‬‬ ‫‪3,4‬‬ ‫ــ‪0,8‬‬ ‫ــ‪0,7‬‬ ‫‪0,2‬‬ ‫‪2001‬‬
‫‪1,0‬‬ ‫‪1,0‬‬ ‫‪6,1‬‬ ‫‪6,7‬‬ ‫‪2,6‬‬ ‫‪2,2‬‬ ‫‪3,3‬‬ ‫‪2002‬‬
‫ــ‪0,5‬‬ ‫‪0,8‬‬ ‫‪8,9‬‬ ‫‪10,7‬‬ ‫‪3,6‬‬ ‫‪2,8‬‬ ‫‪4,9‬‬ ‫‪2003‬‬
‫‪3,3‬‬ ‫ــ‪0,4‬‬ ‫‪15,5‬‬ ‫‪13,8‬‬ ‫‪8,5‬‬ ‫‪8,1‬‬ ‫‪9,9‬‬ ‫‪2004‬‬
‫‪5,0‬‬ ‫ــ‪1,4‬‬ ‫‪12,2‬‬ ‫‪11,5‬‬ ‫‪6,5‬‬ ‫‪6,2‬‬ ‫‪8,8‬‬ ‫‪2005‬‬
‫‪2,7‬‬ ‫ــ‪1,1‬‬ ‫‪13,2‬‬ ‫‪10,4‬‬ ‫‪7,6‬‬ ‫‪8,6‬‬ ‫‪9,2‬‬ ‫‪2006‬‬
‫‪0,2‬‬ ‫‪0,2‬‬ ‫‪14,0‬‬ ‫‪9,7‬‬ ‫‪4,7‬‬ ‫‪6,3‬‬ ‫‪7,2‬‬ ‫‪2007‬‬
‫‪3,7‬‬ ‫ــ‪1,7‬‬ ‫‪10,9‬‬ ‫‪4,0‬‬ ‫‪0,6‬‬ ‫‪1,9‬‬ ‫‪2,8‬‬ ‫‪2008‬‬
‫ــ‪5,1‬‬ ‫‪2,9‬‬ ‫ــ‪8,4‬‬ ‫ــ‪8,2‬‬ ‫ــ‪12,1‬‬ ‫ــ‪11,7‬‬ ‫ــ‪11,7‬‬ ‫‪2009‬‬
‫‪2,5‬‬ ‫ــ‪1,1‬‬ ‫‪15,4‬‬ ‫‪13,9‬‬ ‫‪13,3‬‬ ‫‪14,1‬‬ ‫‪14,0‬‬ ‫‪2010‬‬
‫‪4,1‬‬ ‫ــ‪1,8‬‬ ‫‪9,5‬‬ ‫‪6,3‬‬ ‫‪5,0‬‬ ‫‪5,9‬‬ ‫‪6,3‬‬ ‫‪2011‬‬
‫‪0,3‬‬ ‫ــ‪1,2‬‬ ‫‪5,8‬‬ ‫‪4,2‬‬ ‫‪1,1‬‬ ‫‪2,1‬‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪2012‬‬
‫ــ‪0,1‬‬ ‫‪0,6‬‬ ‫‪5,6‬‬ ‫‪4,4‬‬ ‫‪1,4‬‬ ‫‪2,3‬‬ ‫‪3,0‬‬ ‫‪2013‬‬
‫ــ‪0,4‬‬ ‫‪0,3‬‬ ‫‪3,7‬‬ ‫‪3,1‬‬ ‫‪3,5‬‬ ‫‪3,5‬‬ ‫‪5,3‬‬ ‫‪2014‬‬
‫ــ‪3,9‬‬ ‫‪1,9‬‬ ‫‪0,5‬‬ ‫‪1,7‬‬ ‫‪4,3‬‬ ‫‪3,4‬‬ ‫‪2,8‬‬ ‫‪2015‬‬

‫المصدر‪ :‬االمانة العامة لجامعة الدول العربية (وآخرون)‪ ,‬التقرير االقتصادي العربي الموحد ‪ ,‬صندوق النقد العربي ‪,‬‬
‫ابو ظبي ‪ ,‬المالحق االحصائية لسنوات متفرقة ‪.‬‬
‫أن معدالت نمو حجم التجارة العالمية كان متذبذبا ً‪ ،‬فبعدما كان‬ ‫نالحظ من خالل جدول (‪ّ )1‬‬
‫نحو ‪ %12.4‬في عام ‪ 2000‬انخفض ليصل إلى ‪ %0.2‬في العام ‪ 2001‬وهو اقوى انخفاض‬
‫شهدته التجارة الخارجية مقارنة بسنوات أخرى‪ .‬ويعود هذا االنخفاض إلى عوامل عدة منها‪،‬‬
‫أزمة األسواق المالية المتعلقة بتجارة تكنولوجيا المعلومات التي أثرت على نشاط وحركة هذا‬
‫النوع الواسع من التجارة‪ ،‬إلى جانب تداعيات أحداث الحادي عشر من أيلول‪ /‬سبتمبر والتي‬
‫أثرت بشكل ملموس على حركة التجارة العالمية‪.‬‬
‫ومن ثم بدأت حركة التجارة العالمية بالتعافي التدريجي قبل أن تسجل هبوطا ً حاداً آخر بلغ‬
‫ذروته في عام ‪ 2009‬بسبب تداعيات األزمة المالية العالمية (أزمة الرهن العقاري) التي انطلقت‬
‫من الواليات المتحدة األمريكية لتمتد إلى اغلب دول العالم‪.‬‬
‫أن أداءها كان مخيبا لآلمال ولم‬ ‫وبالرغم من تحسن أداء التجارة العالمية بعد عام ‪ ،2010‬إال ّ‬
‫تصل إلى مستويات ما قبل األزمة المالية‪ ،‬وذلك بسبب التوترات السياسية في المنطقة العربية‪،‬‬
‫وكذلك أزمة منطقة اليورو‪ ،‬إلى جانب ضعف أداء االقتصاد األمريكي والصيني‪ ،‬وأجواء عدم‬
‫اليقين التي تسود االقتصاد العالمي وحالة اإلرتباك التي تشهدها األسواق المالية‪ ،‬إلى جانب‬
‫تطبيق السياسات الحمائية الجديدة‪ ،‬والتي تُعد من العوامل المهمة في ضعف أداء التجارة الدولية‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬أدوات السياسات الحمائية الجديدة‪:‬‬
‫شهد الربع األخير من القرن الماضي استخدام أنواع وأساليب جديدة من أدوات‬
‫السياسة التجارية الحمائية من اجل تقليل االستيرادات‪ ،‬وظهرت أنواع جديدة من القيود أخذت‬
‫تعترض سبيل التجارة الدولية‪ ،‬وسميت هذه األساليب باألساليب الرمادية نذكر منها‪ :‬ــ‬
‫‪.1‬اتفاقات تقييد الصادرات اختياريا ً‪ :‬تهدف هذه االتفاقات إلى تقليل الكميات‬
‫المصدرة من السلع‪ ،‬إذ تقبل الدولة المصدرة بإرادتها بأن ال تزيد الكميات التي تصدرها من سلع‬
‫معينة عن مقدار معين يتم االتفاق عليه مع الدولة المستوردة خالل مدة محددة‪ .‬وفي ظل غياب‬
‫هذا االتفاق فإن الصادرات من السلع كانت تتجاوز الحد المتفق عليه‪ .‬ومن أمثلة هذه االتفاقات‬
‫تلك التي تمت بين اليابان والدول األوروبية ‪ ،‬والتي كان الغرض منها الحد من صادرات اليابان‬
‫من السيارات وبعض المنتجات األلكترونية الى أسواق الدول األوروبية (‪.)1‬‬
‫‪.2‬التوسع االختياري في االستيرادات‪ :‬تلتزم الدولة بأن تستورد كمية أو قيمة معينة‬
‫من سلعة تزيد عما كان يستورد طبقا ً للتفاعل الحر بين قوى السوق‪ .‬ومن أمثلة تلك االتفاقات قيام‬
‫الواليات المتحدة األمريكية بتطبيق هذا اإلجراء على اليابان إلجبارها على استيراد بعض السلع‬
‫الزراعية األمريكية مثل الرز واللحوم بأكثر مما تستورد سابقاً‪.‬‬
‫‪.3‬معايير الصحة والبيئة والسالمة‪ :‬هذا المعيار يمتلك بعض الجوانب الشرعية‬
‫ويكون مقبوال‪ ،‬اذ ّ‬
‫أن الهدف ال ُمعلن هو توفير البيئة المناسبة للمواطن‪ ،‬والحفاظ على مصالح‬
‫المستهلك‪ ،‬إال أن هذه المعايير ال تخلو من قيود ضمنية على االستيرادات تكون غير معلنة‪ .‬ومن‬

‫‪ ))1‬محمد توفيق عبد المجيد‪ ،‬اإلقليمية في اطار العولمة المالية‪ :‬ماذا بعد األزمة العالمية‪ ،‬جامعة المنصورة – كلية الحقوق‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫أمثلتها لجوء بعض الدول إلى فرض شروط ومعايير على المنتجات المحلية في الدول التي‬
‫تستورد منها تتضمن االلتزام بمواصفات نوعية معينة‪ ،‬وأيضا ً مواصفات معينة للسالمة في‬
‫صناعة السيارات‪ ،‬يكون من السهل على الصناعة المحلية في الدولة التي تفرض الشروط‬
‫االستجابة لهذه المعايير‪ ،‬ومن ثم تقلل من استيراداتها بحجة عدم توفر معايير الصحة والبيئة‬
‫والسالمة‪.‬‬
‫‪.4‬ترتيبات السوق المنظم‪ :‬تجد هذه الترتيبات أساسها في استخدام المادة ‪ 19‬من‬
‫الجات ‪ 47‬والمتعلقة باإلجراءات الوقائية أو الطارئة لتقييد الواردات‪ ،‬إذ تجيز هذه المادة للطرف‬
‫المتعاقد أن يوقف التزاماته وفقا ً لالتفاقية بالنسبة للمنتج األجنبي إن تم استيراده بكميات متزايدة‬
‫في ظروف يكون من شأنها الحاق الضرر‪ .‬وكانت الواليات المتحدة األمريكية من اهم الدول التي‬
‫لجأت إلى استخدام هذا األسلوب‪ ،‬إذ عمدت إلى تقييد الواردات من منتجات معينة لبعض السلع‬
‫اليابانية‪.‬‬
‫ويوضح الجدول اآلتي أمثلة لترتيبات السوق المنظم وقيود التصدير االختيارية‪ :‬ــ‬
‫جدول (‪)2‬‬
‫((أمثلة لترتيبات السوق المنظم وقيود التصدير االختيارية))‬
‫نوع االتفاق‬ ‫الدول‬ ‫المنتج‬
‫اتفاق لمدة خمس سنوات حددت فيه حصص‬ ‫اكثر من ‪ 40‬دولة‬ ‫المنسوجات والمالبس‬
‫االستيراد والتصدير‬
‫عقدت اليابان اتفاقية الحصص النسبية مع‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬اليابان‪،‬‬ ‫الفوالذ المتخصص‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫دول السوق األوروبية المشتركة‪،‬‬
‫الواليات المتحدة األمريكية فرضت حصص‬ ‫السويد‪ ،‬كندا‬
‫نسبية على الدول األخرى‬
‫اليابان فرضت المعوقات االختيارية للتصدير‬ ‫السوق المشتركة‪ ،‬اليابان‪ ،‬جنوب‬ ‫فوالذ الكربون‬
‫للسوق المشتركة‬ ‫أفريقيا‪ ،‬إسبانيا‬
‫السوق المشتركة طلبت من الجميع اتباع‬
‫السياسة نفسها‬
‫تفاوضت الواليات المتحدة األمريكية مع اليابان‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬اليابان‪،‬‬ ‫التلفزيونات‬
‫على الترتيبات المنظمة محددة االستيرادات لعام‬ ‫الصين‪ ،‬كوريا‬
‫‪1977‬‬
‫فرضت الواليات المتحدة األمريكية معاهدة‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‪ 12 ،‬دولة‬ ‫اللحوم‬
‫لتحديد معدل تصدير اللحوم‬ ‫أخرى مصدرة‬
‫اتفاقية لمدة ثالث سنوات بداية عام ‪ 1980‬تحدد‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬الصين‬ ‫المالبس والمنسوجات‬
‫كمية التصدير من الصين إلى الواليات المتحدة‬
‫األمريكية مع السماح بزيادة سنوية‪.‬‬
‫اتفاقية لتحديد كمية التصدير من السيارات‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬اليابان‬ ‫السيارات‬
‫اليابانية ألمريكا مدتها ‪ 3‬سنوات بداية عام‬
‫‪.1981‬‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪ -‬جون هدسون‪ ،‬مارك هرندر‪ ،‬العالقات االقتصادية الدولية‪ ،‬ترجمة‪ :‬طه عبد هللا منصور ومحمد‬
‫عبد الصبور محمد علي‪ ،‬دار المريخ للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،1987 ،‬ص‪445-444‬‬
‫‪ .5‬سياسة المنافسة والممارسات التقييدية للشركات الدولية‪ :‬وهي عبارة عن‬
‫إجراءات تتخذها الشركات الدولية للحد من المنافسة واستبعاد الغرباء والوافدين الجدد مما يؤدي‬
‫إلى تعزيز مكانة تلك الشركات‪ ،‬أما بصورة منفردة أو تدعيم النفوذ السوقي لها مع الشركات‬
‫األخرى‪ ،‬هذه اإلجراءات تفرضها الشركات المهيمنة على المتعهدين األصغر في التوريد‬
‫والتوزيع مثل اتفاقات اإلبقاء على سعر إعادة البيع أو حظر منح الخصم وحظر التصدير ورفض‬
‫التعامل والتسعير االفتراضي‪ .‬ويمكن ادراج اجراءات الحمائية الجديدة في إطار التدابير غير‬
‫التعريفية والتي تتضمن طائفة متنوعة من السياسات واالجراءات التي تطبقها الدول على السلع‬
‫المستوردة والمصدرة‪ ،‬الى جانب نظام التراخيص والحصص وتدابير الحظر التقليدية‪ .‬وتعد‬
‫االونكتاد هذه التدابير (( تدابير سياساتية تختلف عن التعريفات الكمركية العادية ويمكن ان يكون‬
‫لها تأثيرات اقتصادية على تجارة السلع على الصعيد الدولي من حيث تغير الكميات المتداولة أو‬
‫أسعارها‪ ،‬أو تغير الكميات واألسعار معاً))(‪.)1‬‬
‫مخطط (‪)1‬‬
‫((تصنيف التدابير غير التعريفية))‬
‫‪ -1‬التدابير الصحية ومعايير البيئة والسالمة‬
‫التدابير التقنية‬
‫‪ -2‬الحواجز التقنية أمام التجارة‬

‫‪ -3‬التفتيش قبل الشحن واإلجراءات األخرى‬


‫‪ -4‬تدابير مراقبة األسعار‬
‫‪ -5‬التراخيص والحصص وتدابير الحظر‬
‫وتدابير مراقبة الكميات‬
‫تدابير‬ ‫‪ -6‬الرسوم والضرائب وغيرها من التدابير شبه‬
‫التدابير الكمية‬
‫الواردات‬ ‫التعريفية‬
‫واالدارية‬
‫‪ -7‬التدابير المالية‬
‫‪ -8‬التدابير المانعة للمنافسة‬
‫‪ -9‬التدابير االستثمارية المتصلة بالتجارة‬
‫‪ -10‬قيود التوزيع‬
‫‪ -11‬القيود المفروضة على خدمات ما بعد البيع‬
‫‪ -12‬اإلعانات ( عدا إعانات التصدير)‬
‫‪ -13‬قيود المشتريات الحكومية‬
‫‪ -14‬قيود الملكية الفكرية‬
‫‪ -15‬قواعد المنشأ‬

‫تدابير الصادرات‬ ‫التدابير المتصلة بالتصدير (بما فيها إعانات‬


‫الصادرات)‬

‫المصدر‪ :‬مؤتمر األمم المتحدة للتجارة والتنمية‪ ،‬تطور النظام التجاري وتوجهاته من منظور إنمائي‪ ،‬مذكرة من‬
‫إعداد االونكتاد‪ ،‬جنيف‪ ،‬أيلول ‪ /‬سبتمبر ‪ ،2012‬ص‪.16‬‬

‫‪ ))1‬مؤتمر األمم المتحدة للتجارة والتنمية‪ ،‬تطور النظام التجاري وتوجهاته من منظور إنمائي‪ ،‬مذكرة من إعداد االونكتاد‪،‬‬
‫جنيف‪ ،‬أيلول ‪ /‬سبتمبر ‪ ،2012‬ص‪.15‬‬
‫ويمكن القول ‪ ،‬إن هذه التدابير بصرف النظر عن الغاية الحقيقية المقصودة منها‪ ،‬فإنها‬
‫تؤدي إلى تأثيرات تقييدية وتشويهية‪ ،‬وهي تثير مشكلتين أساسيتين فيما يتصل بنفاذ البلدان النامية‬
‫إلى األسواق الدولية (‪:)1‬‬
‫‪ -1‬على الرغم من أن التدابير غير التعريفية ليست تمييزية في األصل االّ أن تأثيرها‬
‫يفضي إلى التميز بين الشركاء التجاريين السيما على حساب الدول النامية‪.‬‬
‫‪ -2‬إن التدابير غير التعريفية كثيراً ما تنطبق على فئات منتجات ذات أهمية تصديرية‬
‫خاصة بالنسبة للدول النامية وهي منتجات غالبا ً ما يكون لهذه الدول ميزة نسبية فيها‪.‬‬
‫وتتركز صادرات الدول النامية في قطاعات يتواتر فيها تطبيق التدابير غير التعريفية‪ ،‬ويمكن‬
‫توضيح ذلك من خالل الجدول االتي‪.‬‬
‫جدول (‪)3‬‬
‫((مؤشر تواتر التدابير غير التعريفية في مختلف القطاعات االقتصادية))‬
‫مراقبة الكميات‬ ‫مراقبة األسعار‬ ‫متطلبات ما‬ ‫الحواجز التقنية‬ ‫التدابير الصحية‬ ‫القطاع‬
‫قبل الشحن‬ ‫أمام التجارة‬ ‫وتدابير الصحة‬
‫النباتية‬
‫‪33.4‬‬ ‫‪5.7‬‬ ‫‪21.3‬‬ ‫‪36.2‬‬ ‫‪71.3‬‬ ‫الحيوانات الحية‬
‫‪27.1‬‬ ‫‪3.6‬‬ ‫‪24.0‬‬ ‫‪31.7‬‬ ‫‪69.2‬‬ ‫المنتجات النباتية‬
‫‪20.7‬‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪12.9‬‬ ‫‪26.8‬‬ ‫‪51.1‬‬ ‫الدهون والزيوت‬
‫‪20.3‬‬ ‫‪3.6‬‬ ‫‪17.7‬‬ ‫‪41.7‬‬ ‫‪57.0‬‬ ‫األغذية المجهزة‬
‫‪10.9‬‬ ‫‪0.6‬‬ ‫‪8.1‬‬ ‫‪25.5‬‬ ‫‪9.8‬‬ ‫المنتجات المعدنية‬
‫‪19.6‬‬ ‫‪1.7‬‬ ‫‪6.8‬‬ ‫‪35.8‬‬ ‫‪11.3‬‬ ‫المنتجات الكيمائية‬
‫‪6.3‬‬ ‫‪0.8‬‬ ‫‪5.7‬‬ ‫‪24.1‬‬ ‫‪1.2‬‬ ‫المطاط والبالستك‬
‫‪12.9‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪9.9‬‬ ‫‪23.7‬‬ ‫‪12.8‬‬ ‫الجلود واللحوم‬
‫المذبوحة‬
‫‪15.2‬‬ ‫‪0.8‬‬ ‫‪12.4‬‬ ‫‪30.2‬‬ ‫‪26.2‬‬ ‫الخشب‬
‫‪11.4‬‬ ‫‪0.6‬‬ ‫‪8.2‬‬ ‫‪18.4‬‬ ‫‪1.7‬‬ ‫الورق‬
‫‪16.3‬‬ ‫‪4.7‬‬ ‫‪15.6‬‬ ‫‪34.3‬‬ ‫‪1.8‬‬ ‫النسيج‬
‫‪17.9‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫‪16.7‬‬ ‫‪38.8‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫األحذية‬
‫‪6.3‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪9.7‬‬ ‫‪19.0‬‬ ‫‪3.1‬‬ ‫الحجارة واإلسمنت‬
‫‪12.2‬‬ ‫‪1.2‬‬ ‫‪9.6‬‬ ‫‪21.0‬‬ ‫‪1.6‬‬ ‫المعادن النفيسة‬
‫‪13.1‬‬ ‫‪0.8‬‬ ‫‪8.2‬‬ ‫‪20.8‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫اآلالت والمعدات‬
‫الكهربائية‬
‫‪22.5‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪8.4‬‬ ‫‪26.2‬‬ ‫‪0.3‬‬ ‫السيارات‬
‫‪8.1‬‬ ‫‪0.2‬‬ ‫‪7.9‬‬ ‫‪20.0‬‬ ‫‪0.4‬‬ ‫األدوات البصرية‬
‫والطبية‬
‫‪7.2‬‬ ‫‪4.1‬‬ ‫‪7.2‬‬ ‫‪23.0‬‬ ‫‪1.6‬‬ ‫سلع متنوعة‬
‫المصدر‪ :‬مؤتمر األمم المتحدة للتجارة والتنمية‪ ،‬تطور النظام التجاري وتوجهاته من منظور إنمائي‪ ،‬مذكرة من‬
‫إعداداالونكتاد‪ ،‬جنيف‪ ،‬أيلول ‪ /‬سبتمبر ‪ ،2012‬ص‪.18‬‬

‫من خالل الجدول يتضح‪ ،‬انه تم تطبيق أكثر من ‪ %60‬من الضوابط على التدابير‬
‫الصحية وتدابير الصحة النباتية‪ ،‬في حين تطبق الحواجز التقنية أمام التجارة على مجموعة أوسع‬
‫من المنتجات وعلى نحو أكثر توحيداً بين مختلف القطاعات االقتصادية‪ ،‬فهي تستهدف اغلب‬
‫القطاعات االقتصادية ذات األهمية التصديرية األكبر بالنسبة للدول النامية كالنسيج والمالبس‬

‫)‪(1‬مؤتمر األمم المتحدة للتجارة والتنمية‪ ،‬تطور النظام التجاري وتوجهاته من منظور إنمائي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫واألحذية‪ ،‬وبالمثل تتركز متطلبات ما قبل الشحن وتدابير مراقبة األسعار بالقدر األكبر في‬
‫قطاعات المنتجات الزراعية والنسيج واألحذية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬دوافع وأسباب الحمائية الجديدة‪:‬‬
‫شهد االقتصاد العالمي خالل سبعينيات القرن الماضي مصاعب وتحديات جمة على اثر‬
‫انهيار نظام بريتن وودز وبروز ظاهرة الكساد التضخمي ‪ Stagflation‬وارتفاع أسعار النفط‬
‫العالمية وتوسع مديات التضخم‪ ،‬والعجز الكبير في ميزان المدفوعات بالواليات المتحدة‬
‫األمريكية واالختالالت التجارية التي شهدها االقتصاد العالمي‪ ،‬هذا إلى جانب بروز ظاهرة‬
‫العولمة وانتشارها بشكل كبير‪ ،‬هذه األسباب وغيرها أدت إلى تعاظم ظاهرة الحمائية الجديدة‬
‫والتي تستهدف ‪ ،‬بشكل أساس ‪ ،‬الحد من دخول منتجات الدول النامية إلى الدول الصناعية‬
‫المتقدمة‪ .‬ويمكن أن نذكر بعض الدوافع واألسباب التي أدت الى اتباع سياسات حمائية جديدة‪ :‬ــ‬
‫‪ -1‬الكساد التضخمي‪ :‬ظهرت هذه المشكلة في بداية السبعينات من القرن الماضي‬
‫والتي تعني إن هناك تزامنا ً ما بين حالة البطالة والتضخم‪ ،‬وهو على عكس ما كانت تشير إليه‬
‫األدبيات االقتصادية قبل تلك المدة‪ ،‬والتي كانت ترى أن هناك عالقة عكسية ما بين التضخم‬
‫والبطالة وهذا ما شار إليه منحنى فيلبس في التفسير الذي قدمه عن العالقة ما بين البطالة‬
‫والتضخم‪ .‬ومع بداية السبعينات أصبح التضخم والبطالة حالة متالزمة‪ ،‬وعانت الدول الصناعية‬
‫من زيادة معدالت البطالة‪ ،‬األمر الذي أدى بتلك الدول بضرورة إيجاد الحلول لمواجهة تلك‬
‫المشكلة‪ .‬ويوضح الجدول االتي معدالت البطالة والعمالة في الدول الصناعية والتي لم تكن‬
‫متناسبة مع نمو العمال المنخفضة‪.‬‬
‫جدول (‪)4‬‬
‫((البطالة والعمالة في البلدان الصناعية المتقدمة للمدة ‪))2015-1975‬‬
‫‪2015‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪2009‬‬ ‫‪2008‬‬ ‫‪2007‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪1990‬‬ ‫‪1985‬‬ ‫‪80-75‬‬
‫نمو التوظيف‬
‫‪1.3‬‬ ‫‪1.2‬‬ ‫‪0.5‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪0.6‬‬ ‫‪0.2-‬‬ ‫‪2.2-‬‬ ‫‪0.4‬‬ ‫‪1.4‬‬ ‫‪1.5‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫‪1.2‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫‪0.9‬‬ ‫الدول‬
‫المتقدمة‬
‫‪1.7‬‬ ‫‪1.6‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪1.8‬‬ ‫‪0.6‬‬ ‫‪0.6-‬‬ ‫‪3.8-‬‬ ‫‪0.5-‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪1.9‬‬ ‫‪1.8‬‬ ‫‪0.5‬‬ ‫‪2.1‬‬ ‫‪1.9‬‬ ‫الواليات‬
‫المتحدة‬
‫‪0.4‬‬ ‫‪0.6‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪0.3-‬‬ ‫‪0.1-‬‬ ‫‪0.6-‬‬ ‫‪3.8-‬‬ ‫‪0.4-‬‬ ‫‪0.5‬‬ ‫‪0.4‬‬ ‫‪0.4‬‬ ‫‪2.0‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫اليابان‬
‫‪0.6‬‬ ‫‪0.9‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪2.5‬‬ ‫‪0.5‬‬ ‫‪0.1-‬‬ ‫‪1.4‬‬ ‫‪1.7‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪0.1-‬‬ ‫‪2.6‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪0.2‬‬ ‫ألمانيا‬
‫‪0.7‬‬ ‫‪0.2‬‬ ‫‪0.3‬‬ ‫‪0.4‬‬ ‫‪0.3-‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪1.2-‬‬ ‫‪0.6‬‬ ‫‪1.4‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪0.6‬‬ ‫‪1.2‬‬ ‫‪0.3-‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫فرنسا‬
‫‪1.5‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫‪1.2‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪0.5‬‬ ‫‪0.3‬‬ ‫‪1.6-‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪0.9‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪0.3‬‬ ‫‪1.1‬‬ ‫‪0.8‬‬ ‫المملكة‬
‫المتحدة‬
‫معدالت البطالة‬
‫‪6.7‬‬ ‫‪7.3‬‬ ‫‪7.9‬‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪8.3‬‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪5.8‬‬ ‫‪5.4‬‬ ‫‪5.8‬‬ ‫‪6.2‬‬ ‫‪6.2‬‬ ‫‪7.9‬‬ ‫‪6.2‬‬ ‫الدول‬
‫المتقدمة‬
‫‪5.3‬‬ ‫‪6.2‬‬ ‫‪7.4‬‬ ‫‪8.1‬‬ ‫‪8.9‬‬ ‫‪9.6‬‬ ‫‪9.3‬‬ ‫‪5.8‬‬ ‫‪4.6‬‬ ‫‪4.6‬‬ ‫‪5.1‬‬ ‫‪5.5‬‬ ‫‪7.2‬‬ ‫‪7.7‬‬ ‫الواليات‬
‫المتحدة‬
‫‪3.4‬‬ ‫‪3.6‬‬ ‫‪4.0‬‬ ‫‪4.3‬‬ ‫‪4.6‬‬ ‫‪5.1‬‬ ‫‪5.1‬‬ ‫‪4.0‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪4.1‬‬ ‫‪4.4‬‬ ‫‪2.1‬‬ ‫‪2.6‬‬ ‫‪2.2‬‬ ‫اليابان‬
‫‪4.6‬‬ ‫‪5.0‬‬ ‫‪5.2‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪5.8‬‬ ‫‪6.9‬‬ ‫‪7.5‬‬ ‫‪7.3‬‬ ‫‪8.4‬‬ ‫‪9.8‬‬ ‫‪10.6‬‬ ‫‪6.2‬‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪4.8‬‬ ‫ألمانيا‬
‫‪10.4‬‬ ‫‪10.3‬‬ ‫‪10.3‬‬ ‫‪9.8‬‬ ‫‪9.2‬‬ ‫‪9.7‬‬ ‫‪9.6‬‬ ‫‪7.8‬‬ ‫‪8.3‬‬ ‫‪9.2‬‬ ‫‪9.3‬‬ ‫‪9.0‬‬ ‫‪10.2‬‬ ‫‪6.4‬‬ ‫فرنسا‬
‫‪5.4‬‬ ‫‪6.2‬‬ ‫‪7.6‬‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪8.1‬‬ ‫‪7.8‬‬ ‫‪7.5‬‬ ‫‪5.6‬‬ ‫‪5.4‬‬ ‫‪6.8‬‬ ‫‪4.8‬‬ ‫‪5.8‬‬ ‫‪10.9‬‬ ‫‪6.4‬‬ ‫المملكة‬
‫المتحدة‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪ -‬األعمدة ‪1‬و‪2‬و‪ 3‬من توفيق عباس عبد عون‪ ،‬الحمائية الجديدة واثرها على الصادرات العربية‪ ،‬أطروحة دكتوراه‬
‫مقدمة إلى مجلس كلية الدارة واالقتصاد في الجامعة المستنصرية‪ ،1997 ،‬ص‪. 90‬‬
‫‪ -‬األعمدة ‪4‬و‪5‬و‪6‬و‪7‬و‪8‬و‪9‬و‪10‬و‪11‬و‪12‬و‪13‬و‪ 14‬من األمانة العامة لجامعة الدول العربية (وآخرون)‪ ،‬التقرير‬
‫االقتصادي العربي الموحد‪ ،‬صندوق النقد العربي‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬أعداد مختلفة‪.‬‬

‫من خالل الجدول يتضح إن معدالت البطالة في الدول المتقدمة كانت قد بلغت نحو‬
‫‪ %6.2‬خالل المدة ‪ ،1980-75‬ثم وصلت إلى ما يقارب ‪ %7.9‬في عام ‪ ،1985‬ووصلت في‬
‫عام ‪ 2009‬إلى ‪ ،%8‬وفي عام ‪ 2010‬كانت تقريبا ً ‪ ،%8.3‬ومن ثم انخفضت بشكل نسبي لتصل‬
‫إلى نحو ‪ %6.7‬في عام ‪.2015‬‬
‫أما في الواليات المتحدة األمريكية فنجد إن متوسط معدالت البطالة كانت نحو ‪%7.7‬‬
‫خالل المدة ‪ ،1980-1975‬ثم ارتفعت لتصل إلى اعلى مستوياتها خالل عامي ‪ 2009‬و‪2010‬‬
‫بسبب تداعيات األزمة المالية العالمية‪ ،‬وما إن بدأ االقتصاد األمريكي بالتعافي التدريجي من‬
‫تداعيات األزمة حتى بدأت معدالت البطالة باالنخفاض التدريجي لتصل إلى نحو ‪ %5.3‬في عام‬
‫‪.2015‬‬
‫وفيما يتعلق بمعدالت نمو العمالة والتوظيف فنجدها أصبحت سالبة في البعض الدول ال‬
‫سيما خالل المدة ‪ 2010-2007‬وذلك بسبب تداعيات األزمة المالية العالمية (أزمة الرهن‬
‫العقاري) التي بدأت في الواليات المتحدة األمريكية لتمتد آثارها السلبية على اغلب دول العالم‬
‫السيما المتقدمة منها‪.‬‬
‫‪ -2‬تقلبات أسعار الصرف‪:‬إن التقلبات في أسعار الصرف وعدم التناسق فيها منذ‬
‫التخلي عن نظام بريتن وودز أدى إلى انتشار الحمائية من خالل سعي الحكومات إلى تنظيم‬
‫التدفقات التجارية‪.‬‬
‫إن االضطرابات في أسعار الصرف تؤدي إلى زيادة انعدام اليقين االقتصادي‪ ،‬ومن ثم‬
‫عندما ترتفع أسعار الصرف لدولة ما يؤدي ذلك إلى التراجع في الصادرات المصنعة في هذه‬
‫الدول‪ ،‬فعلى سبيل المثال عندما ارتفعت قيمة الريال البرازيلي والرند الجنوب أفريقي خالل‬
‫المدة ‪ 2011-2009‬إلى نحو ‪ %30‬وارتفعت قيمة الروبية اإلندونيسية بنحو ‪ %20‬أدى ذلك إلى‬
‫تراجع الصادرات المصنعة والذي بدوره أدى إلى مضاعفة القلق بإزاء استخدام أسعار الصرف‬
‫لدعم الصادرات وتأثير ذلك على التحول عن التصنيع‪ ،‬مما اثر نقاشات حادة حول تضاربات‬
‫أسعار الصرف وحروب العملة‪.1‬‬
‫‪ -3‬احتواء التوسع الصناعي للدول الناشئة‪ :‬إن اغلب الدول النامية تصدر سلعا‬
‫ال تحتاج إلى مهارة‪ ،‬وقد حاولت الدول الصناعية استخدام التعريفة الكمركية على المنسوجات‬

‫‪ ))1‬مؤتمر األمم المتحدة للتجارة والتنمية‪ ،‬تطور النظام التجاري وتوجهاته من منظور إنمائي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫والمالبس واألحذية وبعض البتروكيماويات‪ ،‬كذلك وضعت قيودا على استيراداتها لمواجهة بعض‬
‫السلع الغذائية وصناعة الجلود المنتجة في الدول النامية ‪ ،‬عندما شعرت بتحول الميزة النسبية‬
‫عنها لصالح نمو الواردات من هذه الدول النامية بين عامي ‪ 1973‬و ‪ 1981‬وبمعدل نمو سنوي‬
‫بلغ ‪ %22‬في المتوسط ‪ ،‬االّ أن معدل نمو هذه الواردات عاد ليهبط الى نحو ‪ %4‬فيما بين عامي‬
‫‪1981‬و ‪1986‬نتيجة لفرض هذه القيود (‪.)1‬‬
‫وإذا كانت المنافسة بين الواليات المتحدة األمريكية واليابان هي القوة المركزية التي تعيد‬
‫هيكلة االقتصاد العالمي‪ ،‬فإنها لم تصل بعد إلى تسوية يعيد االستقرار إلى التجارة الدولية‪ ،‬وإن‬
‫نظام التجارة الحرة الذي كرسته الكات وأسسته على النموذج الريكاردي بدأ يتهاوى باضطراد‬
‫أمام نظام الحماية الذي يتوسع في كل مكان‪.‬‬
‫‪ -4‬االختالالت التجارية ‪ :‬تؤدي االختالالت التجارية إلى زيادة التوتر في العالقات‬
‫الثنائية‪ ،‬وقد وصل عجز ميزان المدفوعات للواليات المتحدة األمريكية في عام ‪ 1987‬إلى ‪155‬‬
‫مليار دوالر وبنسبة ‪ %3.5‬من الناتج المحلي اإلجمالي بالرغم من انخفاض قيمة الدوالر عام‬
‫‪ ،1985‬كما عانت الواليات المتحدة األمريكية من ديون خارجية صافية بلغت ‪ 400‬مليار دوالر‬
‫لغاية ‪ ،1987‬في حين وصل عجز الميزان التجاري إلى نحو ‪ 165.9‬مليار دوالر عام ‪1994‬‬
‫بالمقارنة مع ‪ 138.5‬مليار دوالر عام ‪ ،1993‬بينما وصل عجز الحساب الجاري إلى ‪142.5‬‬
‫مليار دوالر عام ‪ 1994‬مقارنة مع ‪ 127‬مليار دوالر في عام ‪.)2(1993‬‬
‫هذه االضطرابات التي عاشها االقتصاد األمريكي دفع باتجاه زيادة الضغوط الحمائية‬
‫وضرورة استخدام أدوات الحمائية الجديدة لمعالجة أوضاع االقتصاد األمريكي‪.‬‬
‫ويوضح الجدول اآلتي موجز ألرصدة الحساب الجاري لدول العالم للمدة ‪2015-2000‬‬
‫جدول (‪)5‬‬
‫((أرصدة الحساب الجاري لدول العالم للمدة ‪ 2015-2000‬ـــ (مليار دوالر)‬
‫‪2015‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪2009‬‬ ‫‪2008‬‬ ‫‪2007‬‬ ‫‪2006‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪2004‬‬ ‫‪2003‬‬ ‫‪2002‬‬ ‫‪2001‬‬ ‫‪2000‬‬
‫‪302.7‬‬ ‫‪232.9‬‬ ‫‪18.8‬‬ ‫‪222.1‬‬ ‫‪40.4-‬‬ ‫‪6.0-‬‬ ‫‪268.6-‬‬ ‫‪430.2-‬‬ ‫‪368.8-‬‬ ‫‪454.0-‬‬ ‫‪392.2-‬‬ ‫‪206.1-‬‬ ‫‪209.3-‬‬ ‫‪213.2-‬‬ ‫‪200.9-‬‬ ‫‪264.8-‬‬ ‫الدول المتقدمة‬
‫‪484.1-‬‬ ‫‪389.5-‬‬ ‫‪449.7-‬‬ ‫‪376.8-‬‬ ‫‪460-‬‬ ‫‪443.9-‬‬ ‫‪485.9-‬‬ ‫‪664.1-‬‬ ‫‪731.2‬‬ ‫‪788.1-‬‬ ‫‪729.0-‬‬ ‫‪625.0-‬‬ ‫‪523.4-‬‬ ‫‪461.3-‬‬ ‫‪382.4-‬‬ ‫‪417.4-‬‬ ‫الواليات‬
‫المتحدة‬
‫‪344.7‬‬ ‫‪320.1‬‬ ‫‪159.8‬‬ ‫‪257.6‬‬ ‫‪33.2‬‬ ‫‪3.7-‬‬ ‫‪54.3-‬‬ ‫‪65.5-‬‬ ‫‪29.3‬‬ ‫‪32.9‬‬ ‫‪46.7‬‬ ‫‪120.3‬‬ ‫‪48.4‬‬ ‫‪49.8‬‬ ‫‪8.3‬‬ ‫‪35.2-‬‬ ‫منطقة اليورو‬
‫‪137.5‬‬ ‫‪24.4‬‬ ‫‪59.7‬‬ ‫‪40.7‬‬ ‫‪129.8‬‬ ‫‪217.9‬‬ ‫‪179.2‬‬ ‫‪194.3‬‬ ‫‪211.0‬‬ ‫‪170.4‬‬ ‫‪165.7‬‬ ‫‪172.1‬‬ ‫‪136.2‬‬ ‫‪112.6‬‬ ‫‪87.8‬‬ ‫‪119.6‬‬ ‫اليابان‬
‫‪374.6‬‬ ‫‪369.3‬‬ ‫‪40.7‬‬ ‫‪357.2‬‬ ‫‪280.7‬‬ ‫‪267.9‬‬ ‫‪92.4‬‬ ‫‪105.2‬‬ ‫‪122.1‬‬ ‫‪130.8‬‬ ‫‪124.5‬‬ ‫‪126.5‬‬ ‫‪129.6‬‬ ‫‪85.7‬‬ ‫‪85.4‬‬ ‫‪68.2‬‬ ‫اقتصادات‬
‫متقدمة أخرى*‬
‫‪197.0‬‬ ‫‪197.0‬‬ ‫‪357.2‬‬ ‫‪217.0‬‬ ‫‪383.3‬‬ ‫‪315.7‬‬ ‫‪612.9‬‬ ‫‪784.9‬‬ ‫‪634.2‬‬ ‫‪617.0‬‬ ‫‪144.5‬‬ ‫‪215.1‬‬ ‫‪144.5‬‬ ‫‪76.9‬‬ ‫‪41.2‬‬ ‫‪86.5‬‬ ‫األسواق‬
‫الصاعدة‬
‫والبلدان النامية‬
‫* اقتصادات متقدمة أخرى تعني االقتصادات المتقدمة عدا الواليات المتحدة األمريكية ودول منطقة اليورو واليابان‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬األمانة العامة لجامعة الدول العربية (وآخرون)‪ ،‬التقرير االقتصادي العربي الموحد‪ ،‬صندوق النقد‬
‫العربي‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬أعداد مختلفة‪.‬‬

‫من خالل الجدول أعاله يتضح‪ ،‬إن الحساب الجاري للواليات المتحدة األمريكية يعاني‬
‫من عجز دائم ومستمر ولم يحقق فائضا ً خالل المدة ‪.2015-2000‬‬

‫‪ ))1‬فؤاد مرسي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.334-333‬‬


‫‪ ))2‬توفيق عباس عبد عون‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.97-96‬‬
‫أما بالنسبة للدول المتقدمة كانت تعاني من عجز دائم في أرصدة الحساب الجاري خالل‬
‫المدة ‪ ،2011-2000‬وتحول هذا العجز إلى فائض منذ عام ‪ ،2012‬فبعدما كان العجز في‬
‫الحساب الجاري نحو ‪ 264.8‬مليار دوالر في عام ‪ 2000‬عاد ليحقق فائضا ُ بلغ نحو ‪302.7‬‬
‫مليار دوالر في عام ‪.2015‬‬
‫أما بالنسبة لدول منطقة اليورو فيالحظ إنها لم تسجل عجزاً في الحساب الجاري إال‬
‫خالل األعوام ‪ 2008‬و‪ 2009‬و‪ 2010‬وذلك بسبب تداعيات األزمة المالية العالمية التي انطلقت‬
‫من الواليات المتحدة وتراجع أداء االقتصادي العالمي وانكماش الطلب العالمي‪.‬‬
‫وبشكل عام‪ ،‬ساهمت مجموعة من العوامل في تحول العجز في الحساب الجاري إلى‬
‫فائض في كل من الدول المتقدمة ودول منطقة اليورو لعل ابرزها(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬التراجع النسبي في صادرات السلع والخدمات في منطقة اليورو التي استفادت من‬
‫انخفاض أسعار الطاقة الدولية‪.‬‬
‫‪ -2‬تراجع قيمة اليورو مقابل الدوالر‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلجراءات التقشفية التي تبنتها دول منطقة اليورو على أثر تداعيات أزمة الديون‬
‫السيادية التي بدأت شرارتها من اليونان لعدم قدرتها على سداد ديونها‪.‬‬
‫أما في اليابان فنجد إن رصيد الحساب الجاري كان يحقق فائضا ً خالل المدة ‪-2000‬‬
‫‪ ،2015‬إال انه شهد تراجعا ً خالل السنوات ‪ 2014-2011‬وذلك بسبب تداعيات أزمة المفاعل‬
‫النووي وزيادة االعتماد على النفط‪ ،‬األمر الذي أدى إلى تراجع الفائض في الحساب الجاري‪.‬‬
‫‪ -5‬الثورة العلمية والتكنلوجية‪ :‬أدت الثورة العلمية والتكنلوجية إلى التأثير على‬
‫التجارة الخارجية والضوابط التي تحكمها‪ ،‬فقد أدت إلى خفض تكاليف عوامل اإلنتاج واستخدام‬
‫طرق تنظيمية جديدة‪ ،‬ومن ثم ظهور أنماط وأشكال مختلفة وجديدة للتجارة متمثلة بقيام التكتالت‬
‫واالتفاقيات الدولية التي تسهم في زيادة الحمائية‪.‬‬
‫لقد أثبتت الدول الصناعية المتقدمة قدرة كبيرة على التكيف مع تطور قوى اإلنتاج‪،‬‬
‫وأدخلت تغيرات جوهرية على اإلنتاج المادي‪ ،‬وأخرجت أدوات عمل جديدة ومصادر طاقة‬
‫جديدة وسلع استهالكية وحققت تخفيض في نفقة اإلنتاج لبعض المنتجات وصل إلى نحو ‪ %5‬لكل‬
‫خمس سنوات‪ ،‬وأُجرت تغييرا جذريا في تنظيم وطبيعة العمل البشري‪.‬‬
‫‪ -6‬تواتر األزمات المالية العالمية‪ :‬أصبحت األزمات المالية والتقلبات الدورية‬
‫السمة المميزة للنظام االقتصادي العالمي المعاصر‪ ،‬أذ شهد هذا النظام عدة انهيارات مالية‪ ،‬حتى‬
‫تسارعت وتيرة األزمات مع تزايد حركة رأس المال والتحوالت التي شهدها االقتصاد العالمي‬
‫في ظل ثورة االتصاالت والمعلومات وتزايد خطى العولمة‪.‬‬

‫‪ ))1‬يُنظر في ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬األمانة العامة لجامعة الدول العربية (وآخرون)‪ ،‬التقرير االقتصادي العربي الموحد‪ ،‬صندوق النقد العربي‪ ،‬أبو‬
‫ظبي‪ ،‬أعداد مختلفة‪.‬‬
‫ومع نهاية عام ‪ 2007‬حدث انهيار كبير في االقتصاد األمريكي أدى إلى إصابة االقتصاد‬
‫العالمي بخلل كبير تسبب في نشوء أسوأ أزمة مالية منذ أزمة الكساد الكبير مسببة بحدوث تباطؤ‬
‫كبير في االقتصاد العالمي‪ .‬وقد جاءت هذه األزمة بالتزامن مع انهيار المفاوضات المتعددة‬
‫األطراف لتحرير التجارة في الدوحة‪.‬‬
‫وقد أدت هذه األزمات إلى إعادة إحياء التفكير وبشكل جدي بضرورة العودة إلى‬
‫السياسات الحمائية ‪ ،‬ال سيما وإن اغلب هذه األزمات انطلقت من قلب النظام الرأسمالي والذي ما‬
‫فتأ ينادي بالحرية االقتصادية واالنفتاح ورفع الحواجز وإزالة القيود عن حركة التجارة الدولية ‪.‬‬
‫ومن ث ًم‪ ،‬فإن تواتر األزمات المالية لعب دوراُ بارزاً ومؤثراً في تقوية موقف السياسات‬
‫الحمائية الجديدة والعمل على تطوير أساليبها وأدواتها بشكل مستمر بما يتناسب مع األوضاع‬
‫االقتصادية التي تفرضها هذه األزمات ‪ ،‬كذلك بما يساعد الدول الصناعية المتقدمة على التعامل‬
‫مع المستجدات الحاصلة في تنامي القدرات التنافسية لبعض السلع والخدمات التي تظهرها دول‬
‫معينة والتي يكون لها تأثيرات واضحة على عمليات االستثمار واألنشطة االقتصادية المحلية‬
‫وحالة موازين المدفوعات ‪ ،‬وفي ظل األهداف االقتصادية التي تسعى اليها هذه الدول في الحد‬
‫من تداعيات الركود االقتصادي وتحقيق معدالت نمو مضطردة والحد من معدالت البطالة‬
‫والضغوط التضخمية ‪ .‬ومن ثم فقد كان هناك تفوق لالجراءات الحمائية مقارنة باجراءات الحرية‬
‫االقتصادية‪ ،‬والشكل البياني اآلتي يوضح ذلك‪:‬‬

‫شـكل(‪)1‬‬
‫(مقارنة بين اجراءات الحمائية الجديدة واجراءات الحرية االقتصادية للمدة ‪ 2008‬ــ ‪) 2015‬‬
Source:
-Barbara barone, Roberto bendini, protectionism in
the G2o, directorate-general forexternal
policies,policydepartment, European parliament , 2015
, p16
‫المبحث الثاني‬
‫تأثيرات السياسات الحمائية الجديدة في صادرات الدول النامية‬

‫تختلف اآلثار التي تولّدها السياسات الحمائية على الدول النامية‪ ،‬على وفق درجة وفرة‬
‫مواردها االقتصادية وتطور هياكلها االنتاجية‪.‬‬
‫وإجماالً‪ ،‬تعاني الدول النامية من مشكالت واختالالت كبيرة وتدهور في معدالت التبادل‬
‫التجاري وعجزاً مستمراً في الموازين التجارية‪ ،‬ناهيك عن ضعف القدرة التنافسية في األسواق‬
‫العالمية‪.‬‬
‫وقد قامت الدول الصناعية المتقدمة باستخدام قيود حمائية عدة ضد الدول النامية منها(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬قامت المجموعة األوروبية باستخدام القيود الطوعية للتصدير على صادرات‬
‫المنسوجات من المغرب وتونس‪ ،‬كما قامت الواليات المتحدة األمريكية باستخدام هذه القيود ضد‬
‫الصادرات العربية‪.‬‬
‫‪ -2‬قامت الدول األوروبية بتطبيق رسم كمركي يبلغ ‪ % 14.5-12.5‬على وارداتها من‬
‫البتروكيماويات من الدول العربية لمواجهة انخفاض كلفة اإلنتاج الناجمة عن رخص المواد‬
‫الخام‪.‬‬
‫‪ -3‬فرضت أستراليا رسوما ً مضادة لإلغراق بنسبة ‪ %11‬على واردات البوليتين‬
‫المنخفض الكثافة من قطر‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى إن هناك مظاهر جديدة ظهرت في سماء االقتصاد العالمي‪ ،‬والتي‬
‫أدت إلى قيام الدول الصناعية والواليات المتحدة األمريكية على وجه الخصوص‪ ،‬باستخدام‬
‫اإلجراءات الحمائية الجديدة‪ ،‬وتتمثل أبرز تلك المظاهر‪:‬‬
‫‪ -1‬أصبحت اغلب الدول المتقدمة أكثر نظرة إلى الداخل‪ ،‬فقد ازداد الضغط الداخلي‬
‫عليها‪ ،‬وهي غير قادرة على مقاومة هذه الضغوط‪ ،‬وغالبا ً ما تتجه إلى التركيز على االحتياجات‬
‫القصيرة المدى‪.‬‬
‫‪ -2‬بعد النجاح في مواجهة أو التصدي لمشكلة الزيادة المفاجئة ألسعار النفط‪ ،‬أصبحت‬
‫أن بإمكانها معالجة مشاكلها الصعبة باالعتماد على نفسها‬‫هناك ثقة لدى الدول الصناعية المتقدمة ّ‬
‫دون الحاجة إلى مساندة الدول النامية‪.‬‬
‫‪ -3‬هناك تصور لدى الدول الصناعية المتقدمة بضرورة تحقيق التعاون والتنسيق بينها‪،‬‬
‫في حين إن التعاون مع الدول النامية لم يكن بالمستوى المطلوب‪ ،‬ومن ثم االبقاء على الدول‬
‫النامية تحت ضغوط مستمرة لبقاء أسواقها مفتوحة أمام صادرات الدول المتقدمة‪.‬‬
‫‪ -4‬بدأت الدول النامية تعاني من تصاعد وتيرة المشكالت الداخلية‪ ،‬ولم تعط اهتماما ً‬
‫لألوضاع الخارجية باستثناء حاجاتها إلى المساعدات‪ ،‬ولم تستطع أن نتتج عناصر ضغط‬

‫(‪ )1‬توفيق عباس عبد عون‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.91‬‬


‫ومقومات من شأنها أن تسهم في توازن المصالح االقتصادية والسياسية أزاء الدول األخرى‪ ،‬رغم‬
‫سعة مواردها وكثرة عددها‪.‬‬
‫تأسيسا ً على ما تقدم‪ ،‬وبالنظر إلى توفر األرضية المناسبة الستخدام السياسات الحمائية‬
‫الجديدة‪ ،‬بدأت الدول المتقدمة استخدام تلك القيود على الدول النامية في محاولة منها إلفساد الميزة‬
‫النسبية التي تتمتع بها في انتاج وتصدير بعض المنتجات‪.‬‬
‫فمثالً‪ ،‬لجأت الدول األوروبية إلى تخفيض المزايا المتاحة للدول المنتجة والمصدرة‬
‫للبتروكيماويات‪ ،‬فضالً عن استخدام أسلوب التعريفة المتصاعدة التي ترتفع مع ارتفاع درجة‬
‫تجهيز وتصنيع المنتجات الداخلة الى هذه الدول‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬يمكن القول بأن الحماية أصابت مجموعتين من الدول النامية هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الدول التي نجحت في تنمية صناعات موجهة للتصدير‪ ،‬وأصبحت لها ميزة تنافسية‬
‫في األسواق الخارجية‪.‬‬
‫‪ -2‬الدول التي حاولت التغلب على عجزها التجاري فزادت الصادرات من الخامات‬
‫والمصنوعات‪.‬‬
‫لقد أثبتت الدراسات إن وضع مصدري الخامات ال يتحسن حتى في سنوات االنتعاش‬
‫الدوري في الدول الصناعية‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة للمنتجات الزراعية‪ ،‬فإن إجراءات الحماية‬
‫التي اتبعتها الدول المتقدمة قد ضاعفت اإلنتاج المحلي من هذه المنتجات‪ ،‬مما دفع إلى انخفاض‬
‫األسعار العالمية للسلع الغذائية‪ ،‬وأدى إلى االضرار بنصيب الدول النامية من صادرات السلع‬
‫الزراعية العالمية‪.‬‬
‫أما الدول النامية والتي عرفت طريق التصنيع على أساس الميزة النسبية‪ ،‬فإن أوضاعها‬
‫أفضل نسبياً‪ ،‬إذ اختارت تصنيع بعض الخامات في تكرير النفط وإنتاج البتروكيماويات‪.‬‬
‫في حين إن االقتصادات الناشئة األخرى السيما (دول النمور اآلسيوية) فقد تصدت‬
‫الواليات المتحدة األمريكية لعملية الحماية ضد منتجاتها‪ ،‬وأنهت دخول سلعها المعفاة من الرسوم‪،‬‬
‫وهو األعفاء الذي تقرر في ظل نظام األفضليات المعمم‪ ،‬فوضعت حصصا ً على الواردات من‬
‫المنسوجات والمالبس‪.‬‬
‫لقد واجهت الدول النامية واالقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية تحديات متزايدة على‬
‫شكل قيود تنظيمية تؤثر سلبا ً على التجارة الخارجية وعلى نشاط التصدير‪ ،‬فعلى سبيل المثال‬
‫االنخفاض في الحواجز الكمركية يصاحبه زيادة في عدد اإلجراءات غير الكمركية مثل‬
‫(اإلجراءات الصحية‪ ،‬تدابير الصحة النباتية‪ ،‬الحواجز التقنية المفروضة على التجارة)(‪.)1‬‬
‫إن عدم وجود آلية مراقبة شاملة أدى إلى ظهور حواجز تجارية على التجارة‪ ،‬فضالً عن‬
‫الزيادة السريعة في اتفاقيات التجارة التفضيلية ‪ PTAs‬والتي دخلت نحو ‪ 300‬اتفاقية إلى حيز‬

‫‪ ))1‬الخطة االستراتيجية ‪ ،2015-2012‬مركز التجارة الدولية جنيف‪ ،‬ص‪ .9‬متوفر على الرابط ‪http//www.intercen.org‬‬
‫التنفيذ في عام ‪ ،2010‬ويواجه المصدرون بيئة شديدة التعقيد‪ ،‬وهو ما يؤثر سلبا ً على تجارة‬
‫الدول النامية (‪.)1‬‬
‫وعلى الرغم من العهود التي قطعتها دول مجموعة العشرين ‪ G20‬بعدم لجوئها إلى‬
‫أن ذلك لم يمنع الكثير من هذه‬ ‫استخدام اإلجراءات الحمائية لمواجهة تداعيات األزمات ‪ ،‬إال ّ‬
‫الدول من اتخاذ إجراءات حمائية على حساب شركائهم التجاريين(‪.)2‬‬
‫ومن ثم فقد استمرت هذه الدول باستخدام أدوات وأساليب رمادية متنوعة وجديدة وبما‬
‫يتالءم والظروف واألوضاع االقتصادية التي تمر بها‪.‬‬
‫وقد تعززت الكثير من التدابير واالجراءات بهذا الخصوص نذكر منها (‪:)3‬‬
‫‪ -1‬برامج الدعم واإلنقاذ الحكومي للمؤسسات والشركات الوطنية‪.‬‬
‫‪ -2‬معامالت تميزية بمختلف أشكالها‪.‬‬
‫‪ -3‬التأثير على القيمة الخارجية للعملة الوطنية (تخفيض أسعار الصرف)‬
‫أن ارتفاع سعر صرف الدوالر األمريكي قد‬ ‫وفي هذا الصدد ‪ ،‬أشار معهد روزفيلت ‪ّ ،‬‬
‫جعل ما يقارب ‪ %26‬من المنتجات األمريكية اغلى في األسواق الخارجية وجعل أسعار السلع‬
‫األجنبية ارخص من السلع األمريكية ‪ ،‬ومن ثم البد من ضبط أثر ارتفاع قيمة العملة الخارجية‬
‫على أوضاع التجارة الخارجية للواليات المتحدة األمريكية(‪.)4‬‬
‫وقد أشارت منظمة التجارة العالمية في تقريرها الدوري لرصد التطورات في السياسة‬
‫التجارية لدول مجموعة العشرين أن (‪ )17‬دولة من المجموعة اتخذت إجراءات حمائية‪،‬‬
‫وأشارت التقارير إلى إن القيود التجارية المتخذة من الدول المتقدمة تتعلق بقطاعات ذات كثافة‬
‫عمالة كصناعة المنسوجات والمالبس والتعدين‪ ،‬فضال عن قطاعات تكتسب الدول النامية فيها‬
‫ميزة نسبية وقدرة تنافسية‪.‬‬
‫وقد سعت الواليات المتحدة األمريكية الى فرض مزيد من االجراءات بهدف تقليل‬
‫االستيرادات‪ ،‬منها منح اإلعانات للسلع المنتجة محليا ً في إطار ما يُعرف بشرط " اشتري محليا ً‬
‫‪ ،"Buy Local Requirement‬إذ قام الكونغرس األمريكي في عام ‪ 2009‬بإصدار تشريعات‬
‫تتضمن إجراءات حمائية تشترط تقديم الدعم المالي لمشاريع القطاع العام الذي يستخدم مدخالت‬
‫ومستلزمات اإلنتاج المصنوعة في الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫وتشير اإلحصاءات إلى زيادة عدد التدابير التعريفية وغير التعريفية لسياسة " اشتري‬
‫المنتج الوطني" عام ‪ ، 2011‬منها حوافز المحتوى المحلي والتفضيالت الوطنية ‪ ،‬السيما على‬
‫مستوى األسواق الصاعدة األعضاء في مجموعة العشرين‪ ،‬فعلى سبيل المثال حددت روسيا‬

‫)‪(1‬المصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫‪ ))2‬جمال الدين زرويق‪ ،‬التجارة الدولية وتمويلها وضمان ائتمان الصادرات في أعقاب األزمة العالمية‪ ،‬دراسات‬
‫اقتصادية‪ ،‬صندوق النقد العربي‪ ،‬أبو ظبي‪ ،2011 ،‬ص‪.22‬‬
‫‪ ))3‬محمد االمين شربي‪ ،‬محمد لحسن عالوي‪ ،‬الحمائية الجديدة‪ ،‬حرب العمالت وأهمية تفعيل دور منظمة التجارة‬
‫العالمية‪ ،‬مجلة الباحث‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ‪ ،2014 ،14‬ص‪.209‬‬
‫متوفر على الرابط ‪(4)Trump’s New Protectionism: Economic and Strategic Impact,‬‬
‫‪https://www.foreignpolicyjournal.com/2017/02/01/trumps-new-protectionism-economic-and-‬‬
‫‪strategic-impact/‬‬
‫حصص الصادرات وفرض شروط المحتوى المحلي على بنود الغذاء والسيارات‪ ،‬ورفعت‬
‫البرازيل الضرائب على المركبات التي يقل فيها المحتوى المحلي عن ‪ %65‬وال يكون منشؤها‬
‫السوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي (السوق المشترك بين البرازيل واألرجنتين‬
‫واألرغواي والبارغواي) " ميروكسور"‪ .‬كذلك أعادت البرازيل التفاوض في نهاية ‪ 2011‬بشأن‬
‫عقد اتفاق تجاري مع المكسيك لفرض حصة على قيمة صادرات السيارات لمدة ‪ 3‬سنوات‪،‬‬
‫وأشارت إلى إنها ترفع التعريفة على منتجات مختارة‪ ،‬كما وزادت األرجنتين من تراخيص‬
‫االستيراد غير التلقائية إضافة إلى قيامها بوضع أسعار مرجعية لكثير من المنتجات المستوردة‪،‬‬
‫وتشترط موازنة الصادرات مقابل الحصول على موافقة االستيراد لبعض السلع‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بدول بريكس ‪ BRICS‬وهي الدول التي تضم كال من (الصين وروسيا‬
‫والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا)‪ ،‬والتي تتميز بمعدالت نمو عالية‪ ،‬فقد اتبعت هي األخرى‬
‫اجراءات حمائية لتعزيز مصالحها االقتصادية‪ .‬ويوضح الجدول اآلتي مقارنة بين دول بريكس‬
‫وبقية دول مجموعة العشرين من حيث تطبيق االجراءات الحمائية الجديدة‪:‬‬
‫جدول(‪)6‬‬
‫((نســبة اجراءات الحمائية الجديدة لدول بريكس وبقية دول مجموعة العشرين ))‬
‫مجموعة العشرين األخرى‪%‬‬ ‫دول بريكس ‪%‬‬ ‫المدة‬
‫‪52,4‬‬ ‫‪47,6‬‬ ‫‪ 2008‬ـــ ‪2013‬‬
‫‪38,3‬‬ ‫‪61,7‬‬ ‫‪ 2013‬ـــ ‪2014‬‬
‫‪Source: Barbara Barone , Roberto Bendini , Protectionism in the G20 , Directorate-‬‬
‫‪general for external policies , policy department , European Parliament, 2015, p15‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن الرئيس األمريكي دونالد ترامب قد شدد على ضرورة العمل‬
‫بالسياسات الحمائية الجديدة‪ .‬فقد اعلن انه يخطط إلعادة النظر بأوضاع التجارة الخارجية‬
‫للواليات المتحدة األمريكية مع دول العالم ‪ ،‬وزيادة التعريفات الكمركية على االستيرادات ال سيما‬
‫السلع القادمة من الصين وآسيا بشكل كبير‪ ،‬كما أشار إلى إمكانية إعادة النظر في اتفاقيات التجارة‬
‫مع أمريكا الشمالية والمكسيك واتفاقيات التجارة الخارجية مع الدول األخرى‪ ،‬كما انسحب من‬
‫اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي التي تهدف إلى إقامة اكبر تجمع للتجارة الحرة‪ ،‬وأشار إلى‬
‫إن هذه االتفاقية أدت إلى هجرة واسعة للوظائف من الواليات المتحدة إلى الخارج(‪.)1‬‬
‫وهو ما يشير الى دخول االقتصاد العالمي في موجة جديدة من السياسات الحمائية‬
‫الجديدة والتي يمكن أن تؤثر على أوضاع التجارة الخارجية على المستوى العالمي‪.‬‬
‫ولم تعد سياسات الحمائية الجديدة تقتصر على اجراءات محددة بعينها‪ ،‬بل تعدت ذلك‬
‫لتشمل مستجدات من التدابير والمعايير التي تتعلق بقضايا البيئة والتلوث والتغير المناخي وزيادة‬
‫االنبعاثات وتآكل طبقة األوزون ونضوب الموارد والتنوع اإلحيائي والبيولوجي‪ ،‬فضال عن‬
‫تواتر المستجدات المتعلقة بشروط الصحة والسالمة‪ ،‬والتي ما لبثت الدول الصناعية المتقدمة‬

‫المصدر السابق ‪(1)Trump’s New Protectionism: Economic and Strategic Impact,‬‬


‫تنادي بها تحت ذرائع مختلفة‪ ،‬في وقت تعد هذه الدول المستهلك األساس لمقومات وعناصر البيئة‬
‫الطبيعية‪ ،‬السيما فيما يتعلق بقضايا االنبعاثات والتلوث البيئي‪.‬‬
‫ومع بداية القرن الحادي والعشرون أصبحت القضايا البيئة ذات أهمية كبيرة يواجهها‬
‫االقتصادي العالمي‪ ،‬وقد أدى االعتراف المتزايد بشأن المخاطر المتعلقة بالبيئة والتزاماتها‬
‫وعالقتها بالتجارة الخارجية إلى إثارة الجدل حول اآلثار التي يمكن أن تمارسها المعايير البيئية‬
‫على التجارة الخارجية السيما فيما يتعلق بالدول النامية‪.‬‬
‫إن من شأن تدابير السياسة التجارية المتعلقة بالجوانب البيئية التي تتخذها الحكومات أن‬
‫تؤثر على الصناعة الوطنية وعلى المنافسة التجارية السيما بالنسبة للدول النامية‪ ،‬حيث أن‬
‫تطبيق سياسات بيئية متشددة يمكن أن يؤثر على الصناعة في عدة صور نشير إلى ثالث منها)‪:(1‬‬
‫‪ -1‬أن هنالك تخوفا ً من أن المعايير البيئية ربما تغير ظروف المنافسة‪ ،‬فالمنتجون في‬
‫البلدان التي تفرض معايير بيئية‪ ،‬أشد ما يتخوفون من تأثير هذه المعايير على تكاليف اإلنتاج‬
‫وعلى قدرتهم على المنافسة في األسواق العالمية‬
‫‪ -2‬إن المنتجين في البلدان التي ال تكون فيها معايير متشددة (هي أساسا الدول النامية)‪،‬‬
‫يتخوفون من أن منتجاتهم ربما تتعرض لتدابير تجارية على أساس أنها أنتجت دون مراعاة‬
‫المعايير المرتفعة لمكافحة التلوث أو االنبعاثات كما هي مطبقة في البلدان المستوردة‪ ،‬فمثل هذه‬
‫التدابير التي تفرض على الواردات‪ ،‬سواء في شكل ضريبة تعويضية أو على شكل حظر من‬
‫شأنها أن تؤثر سلبيا ً على فرص دخول منتجات الدول النامية إلى أسواق الدول المتقدمة ‪.‬‬
‫‪ -3‬إن قلق سكان العالم اليوم يتزايد بشأن التغيرات البيئية‪ ،‬وقد أدى ذلك إلى تساؤل مهم‬
‫عما إذا كانت االتفاقات الدولية للبيئة التي تعالج القضايا البيئية على المستوى العالمي تتضمن‬
‫أحكاما ً تطلب من أطراف االتفاقات تقييد التجارة مع البلدان غير األطراف بهدف إرغامها على‬
‫االنضمام إلى تلك االتفاقات ‪.‬‬
‫ومن هنا بدأت الدول الصناعية المقدمة إلى استخدام حجة حماية البيئة والحد من التلوث‬
‫وحماية المناخ‪ ،‬من اجل اتخاذ تدابير حمائية لحماية صناعاتها من المنافسة الخارجية‪ ،‬وأصبحت‬
‫هناك صعوبات كبيرة أمام دخول منتجات الدول النامية إلى أسواق الدول المتقدمة‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن اتفاقية منظمة التجارة العالمية المتعلقة بالدعم‬
‫والرسوم التعويضية تسمح للحكومات بتطبيق برامج الدعم التي تقدم إعانات على أساس معايير‬
‫اقتصادية موضوعية‪ .‬وهكذا يكون الدعم المقدم من الحكومات إلى المشاريع الصغيرة أو‬
‫المتوسطة والمحددة على أساس حجمها أو عدد الموظفين فيها دعما ً ال يبرر التقاضي‪ .‬فضال عن‬
‫أن بعض أنواع الدعم المخصص تعد مسموحة وال تبرر التقاضي شريطة أن تكون القواعد‬ ‫ّ‬
‫المحددة التي تحكم منحها مطابقة لقواعد االتفاقية وتشتمل على أنواع الدعم المقدم لنشاطات‬

‫‪ ))1‬طارق عبد الرحمن الزهد‪ ،‬القضايا البيئية واقع مرير يهدد حياة األجيال‪ ،‬متوفر على الرابط‪،‬‬
‫‪http://www.alyaum.com/article/1081883‬‬
‫البحث والتطوير التي تقوم بها الشركات ‪ ،‬والدعم المقدم لتكييف مرافق اإلنتاج لتتطابق مع‬
‫المتطلبات البيئية الجديدة شريطة أن يقدم هذا الدعم مرة واحدة وأن يكون محدداً بنسبة ‪ %20‬من‬
‫تكلفة التكييف ‪ ،‬فضال عن الدعم الذي يقدم للمساعدة على تطوير الصناعات (‪.)1‬‬
‫ومن هنا نجد إن اتفاقية منظمة التجارة العالمية قد أوجدت مضلة حمائية جديدة فيما يتعلق‬
‫بالسلع والخدمات المتاجر بها دوليا والتي تستوفي الشروط والمعايير البيئية‪ ،‬وهو ما استغلته‬
‫الدول المتقدمة من أجل الحد من تدفق السلع األجنبية إليها‪ ،‬وكذلك الحد من منافستها في األسواق‬
‫العالمية‪ ،‬وهو ما تراه الدول النامية وبعض الدول األخرى نوعا ً جديداً من الحمائية غير العادلة‬
‫والتي سوف تؤدي إلى الحد من قدرتها على النفاذ إلى األسواق العالمية‪.‬‬
‫وتشير اإلحصاءات الصادرة من بوابة المعلومات التجارية ‪Integrated Trade‬‬
‫)‪ Intelligence Portal (ITIP‬والتي تُعد هيأة مستقلة لمراقبة السياسات التجارية العالمية‪ ،‬إلى‬
‫حدوث تزايد كبير في اإلجراءات الحمائية المتصلة بالبيئة المتعلقة بالعوائق التقنية أو المتعلقة‬
‫بإجراءات الصحة والصحة النباتية والمعايير البيئية ‪ ،‬السيما بعد األزمة المالية العالمية‪ ،‬ويمكن‬
‫توضيح ذلك من خالل الجدول اآلتي ‪:‬ــ‬
‫جدول(‪)7‬‬
‫((اإلجراءات الحمائية المعلن عنها والمطبقة خالل المدة ‪))2014-2008‬‬
‫اإلجراءات الحمائية المطبقة‬ ‫اإلجراءات الحمائية المعلن عنها‬
‫‪2014‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪2009‬‬ ‫‪2008‬‬ ‫‪2014‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪2009‬‬ ‫‪2008‬‬
‫‪368‬‬ ‫‪344‬‬ ‫‪346‬‬ ‫‪361‬‬ ‫‪419‬‬ ‫‪313‬‬ ‫‪353‬‬ ‫‪831‬‬ ‫‪651‬‬ ‫‪545‬‬ ‫‪685‬‬ ‫‪703‬‬ ‫‪521‬‬ ‫‪588‬‬ ‫الصحة‬
‫والصحة‬
‫النباتية‬
‫‪190‬‬ ‫‪208‬‬ ‫‪237‬‬ ‫‪226‬‬ ‫‪282‬‬ ‫‪252‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪1430‬‬ ‫‪1533‬‬ ‫‪1478‬‬ ‫‪1140‬‬ ‫‪1268‬‬ ‫‪1349‬‬ ‫‪1239‬‬ ‫العوائق‬
‫التقنية أمام‬
‫التجارة‬
‫المصدر‪:‬‬
‫خير الدين بلعز‪ ،‬التحديات الراهنة للتجارة العالمية وتأثيرها على الدول النامية في ضوء نظام تجاري‬ ‫‪-‬‬
‫متعدد األطراف – مع اإلشارة إلى حالة الجزائر‪ ،‬أطروحة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية العلوم‬
‫االقتصادية والتجارية وعلوم التيسير‪ ،‬الجزائر‪ ،2015-2014 ،‬ص ‪.101‬‬

‫من خالل الجدول يتضح‪ ،‬إن هناك تزايدا واضحا وملموسا في تطبيق السياسات الحمائية‬
‫الجديدة من الدول الصناعية المتقدمة والدول األعضاء في منظمة التجارة العالمية‪ ،‬فقد بلغ عدد‬
‫اإلجراءات الحمائي ة المعلن عنها فيما يتعلق بتدابير الصحة والصحة النباتية نحو ‪ 831‬إجراءا في‬
‫عام ‪ 2014‬بالمقارنة مع ‪ 588‬إجراءا في عام ‪ ،2008‬في حين بلغ عدد اإلجراءات الحمائية‬
‫المطبقة نحو ‪ 368‬في عام ‪ 2014‬بالمقارنة مع ‪ 353‬إجراءا في عام ‪.2008‬‬

‫‪ ))1‬طارق عبد الرحمن الزهد‪ ،‬القضايا البيئية واقع مرير يهدد حياة األجيال‪ ،‬المصدر السابق‬
‫أما بالنسبة للعوائق التقنية أمام التجارة فقد شهدت هي األخرى ارتفاعا ملموسا‪ ،‬إذ بلغ‬
‫عدد اإلجراءات الحمائية المعلن عنها ما يقارب ‪ 1430‬إجراءا في عام ‪ 2014‬بالمقارنة مع‬
‫‪ 1239‬إجراءا في عام ‪ ،2008‬في حين كان عدد اإلجراءات المطبقة نحو ‪ 190‬إجراءا في عام‬
‫‪ 2014‬بالمقارنة مع ‪ 49‬إجراءا في عام ‪.2008‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬تُشير اإلحصاءات إلى أن عدد اإلجراءات التي طبقتها دول االتحاد‬
‫األوروبي فيما يخص العوائق التقنية أمام التجارة بلغ ‪ 140‬إجراءا من بين ‪ 727‬إجراءا معلن في‬
‫حين طبقت الواليات المتحدة األمريكية ‪ 287‬إجراءا من بين ‪ 856‬إجراءا معلن عنه‪ ،‬في حين بلغ‬
‫عدد اإلجراءات التي طبقتها دول االتحاد األوروبي والمتعلقة بمعايير الصحة والصحة النباتية‬
‫‪ 105‬إجراءا من بين ‪ 431‬إجراءا معلن عنه‪ ،‬في حين طبقت الواليات المتحدة األمريكية ‪564‬‬
‫إجراءا من بين ‪ 2158‬إجراءا معلن عنه(‪.)1‬‬
‫وفي قمة دول مجموعة العشرين التي عقدت في المانيا في تموز ‪ ، 2017‬على الرغم‬
‫أن الواليات المتحدة األمريكية ودول صناعية متقدمة‬ ‫من االتفاق على مبدأ مناهضة الحمائية ‪ ،‬االّ ّ‬
‫أخرى قد أوضحت في هذه القمة عن حقها في الدفاع عن مصالحها التجارية من خالل ما أسموه‬
‫باســتخدام ( األدوات الدفاعية الشرعية في التجارة ) ‪ ،‬وهو المصطلح الذي تستخدمه هذه الدول‬
‫لتبرير فرضها القيود والتدابير الحمائية الجديدة ‪ ،‬أو التوسـع في فرض الضرائب الكمركية على‬
‫أصناف المنتجات التي تسـتوردها من أجل مواجهة القدرة التنافسـية التي تبديها الدول األخرى ‪.‬‬
‫مما تقدم يتضح‪ ،‬ان الدول الصناعية المتقدمة‪ ،‬السيما الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬كذلك‬
‫بعض الدول األعضاء في منظمة التجارة العالمية‪ ،‬على الرغم من تعهداتها بااللتزام بحرية‬
‫التجارة وبضرورة ازالة القيود والعوائق أما حرية التجارة‪ ،‬إال انهم أصبحوا يستخدمون العديد‬
‫من األساليب الحمائية الجديدة تحت ذريعة حماية البيئة وغير ذلك من الذرائع‪ ،‬من اجل حماية‬
‫صناعاتهم من المنافسة الخارجية‪.‬‬
‫إن هذه اإلجراءات من شأنها أن تضر بمصالح الدول النامية في ضوء ضعف اإلمكانات‬
‫التقنية والقدرات اإلنتاجية لهذه الدول‪ ،‬األمر الذي يحد من قدرتها على الولوج إلى األسواق‬
‫العالمية ويحد من قدرتها على االستفادة من نظام تجاري عالمي متعدد األطراف‪ ،‬ومن ثم ستكون‬
‫المحصلة النهائية وجود تجارة خارجية غير عادلة بالنسبة لهذه الدول‪.‬‬

‫(‪ )1‬خير الدين بلعز‪ ،‬التحديات الراهنة للتجارة العالمية وتأثيرها على الدول النامية في ضوء نظام تجاري متعدد األطراف‬
‫– مع اإلشارة إلى حالة الجزائر‪ ، -‬أطروحة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التيسير‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2015-2014 ،‬ص ‪.101‬‬
‫االستنتاجات والتوصيات‬

‫أوال‪ :‬االســتنتاجات‪:‬‬
‫‪. 1‬تعد السياسات التجارية الحمائية عنص ار مهما ضمن حزمة متكاملة من السياسات االقتصادية التي تنتهجها‬

‫دول العالم على وفق مصالحها وطبيعة أنظمتها السياسية واالقتصادية والمرحلة التنموية التي تمر بها‪ .‬وقد‬

‫تغير منهج السياسات التجارية الحمائية على المستوى العالمي‪ ,‬وتباينت أساليبه واختلفت دوافعه بين الدول‬
‫ّ‬
‫الصناعية المتقدمة والدول النامية‪.‬‬

‫‪.2‬على الرغم من دعوات الحرية االقتصادية وحرية التجارة التي سادت العالم في إطار التوجهات االقتصادية‬

‫أن‬
‫التي تمخضت عن سياسات العولمة والدور الذي أصبحت تلعبه منظمة التجارة العالمية في هذا المجال‪ ,‬االّ ّ‬
‫دول العالم ظلت تمارس أنماطا متعددة من السياسات التجارية الحمائية من أجل حماية منتجاتها الوطنية أزاء‬

‫المنتجات المستوردة وتعزيز حالة موازين مدفوعاتها مما أضفى على سياساتها التجارية مزيجا من قواعد‬

‫الحرية التجارية واألساليب الحمائية‪.‬‬

‫ان السياسات الحمائية التقليدية (الكمية والتعريفية) التي تستخدم في تقييد التجارة‪ ,‬لم تعد الوحيدة‪ ,‬وا ّنما‬
‫‪ّ .3‬‬
‫أصبحت هنالك العديد من السياسات واألساليب الحمائية الجديدة التي تسهم في تحقيق األهداف نفسها دون‬

‫تغير الشروط والمعايير التي تحكم عمليات االنتاج‬


‫أن تتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية‪ ,‬في ضوء ّ‬
‫والمبادالت التجارية الدولية والدعوة الى حماية البيئة والسالمة والصحة العامة‪.‬‬

‫ان الدول الصناعية المتقدمة وعلى رأسها الواليات المتحدة التي ما لبثت تدعو الى حرية التجارة وازالة‬
‫‪ّ .4‬‬
‫العوائق والقيود أمام حركة التجارة الدولية‪ ,‬أصبحت في مقدمة الدول التي تعمل عل تطبيق سياسات حمائية‬

‫جديدة من خالل ما تفرضه على استيراداتها من تدابير تقنية وادارية ومعايير تتعلق بحماية البيئة والصحة‬

‫والسالمة على وفق الشروط والمواصفات التي تضعها والتي تتناسب مع قدراتها االنتاجية والتقنية‪ ,‬وما تريد‬

‫تحقيقه من أهداف حمائية غير معلنة لزيادة العوائق أمام استيراداتها من الدول األخرى‪.‬‬

‫‪.‬ان الشروط والمعايير التي تعتمدها الدول الصناعية المتقدمة في تعامالتها التجارية‪ ,‬والتي تعد بمثابة‬
‫‪ّ 5‬‬
‫أساليب وتدابير حمائية جديدة‪ ,‬أخذت تتطور بمرور الزمن في إطار التطورات الحاصلة في عمليات االنتاج‬

‫والمعايير البيئية وشروط الصحة والسالمة‪ ,‬وهو ما يمثل عودة الى أفكار السياسات التجارية الحمائية‬

‫بأساليب جديدة ومختلفة‪.‬‬

‫‪.6‬لقد أصبحت االجراءات المتعلقة بتطبيق معايير وشروط الحمائية الجديدة تؤثر بشكل أساس على صادرات‬

‫الدول النامية وتؤدي الى خلق تأثيرات سـلبية حتى بالنسـبة لمنتجات التصدير التي تمتلك فيها الدول النامية‬
‫ميزات تنافسـية في األسواق الدولية لعدم قدرتها على مجاراة هذه المعايير والشروط‪ ,‬مما يسهم في زيادة‬

‫تدهور شروط تبادالتها التجارية مع العالم الخارجي ويقلل من فرص النمو االقتصادي والتطور التنموي في‬

‫هذه الدول‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التـوصيـات‪:‬‬

‫‪. 1‬العمل على تطوير تقنيات االنتاج ومعايير الكفاءة االنتاجية في الدول التي تواجه صعوبات في االستجابة‬

‫لشروط وتدابير الحمائية الجديدة في اطار السياسات التنموية بما يمكنها من االرتقاء الى المستويات‬

‫المناسبة للتطورات الحاصلة في المعايير والشروط المطلوبة في منتجاتها من أجل الدخول لألسواق العالمية‪,‬‬

‫واعتبار مثل هذه المعايير والشروط جزءا ال يتج أز من عناصر القدرة التنافسية في هذه األسـواق‪.‬‬

‫‪.2‬ضرورة أن تعمل المؤسسات والمنظمات الدولية‪ ,‬السـيما منظمة التجارة العالمية على وضع قواعد من‬

‫شأنها تنظيم تطبيق االجراءات والتدابير المتعلقة بسياسات الحمائية الجديدة على وفق مصداقيتها وأهميتها‬

‫دون أن تترك مثل هذه االجراءات والتدابير للدول نفسـها‪ ,‬وبما يراعي مبدأ التوازن في المصالح التجارية‬

‫المشتركة‪ ,‬والحد من حاالت االسـراف والنوايـا غير المعلنة التي غالبا ما ترافق تطبيق مثل هذه االجراءات‬

‫والتدابير‪.‬‬

‫‪.3‬توسيع نطاق التعاون والتنسـيق بين الدول المتضررة من سياسات التطبيق الجائر الجراءات وتدابير‬

‫الحمائية الجديدة من خالل زيادة التوجه نحو عقد االتفاقيات الثنائية والجماعية وتشـكيل التكتالت التجارية‬

‫في اطار مجموعة العشـرين وخارجها‪ ,‬من أجل مواجهة السياسات التجارية للواليات المتحدة والدول الصناعية‬

‫الكبرى في ظل اتسـاع التدابير الحمائية الجديدة‪.‬‬

‫‪.4‬االسـتفادة من النصوص الواردة في قواعد منظمة التجارة العالمية التي تعطي للدول النامية والدول‬

‫الصناعية الناشـئة الحق في اتخاذ التدابير التجارية الالزمة لحماية منتجاتها الوطنية من المنافسـة غير‬

‫المشـروعة التي تولدها المنتجات المماثلة المسـتوردة من الدول الصناعية الكبرى ‪ ,‬وذلك من خالل تفعيل دور‬

‫األدوات الح مائية التقليدية بما يساعد على تقليل التأثيرات التي تمارسـها التدابير الحمائية الجديدة ‪ ,‬على وفق‬

‫مبدأ التعامل بالمثل وعدم االضرار بالشـركاء التجاريين من خالل حزمة من األدوات والتدابير المتاحة في‬

‫السياسات التجارية ‪.‬‬

‫‪.‬ان السياسات الحمائية الجديدة والتي أصبحت واقعا تمثل حزمة من التدابير المتجددة ذات المشروعية‬
‫‪ّ 5‬‬
‫ضمن نواياها المعلنة‪ ,‬تتطلب من الدول النامية مراجعة سياساتها االقتصادية‪ ,‬السيما ما يتعلق بتنمية‬
‫قطاعاتها االنتاجية السلعية‪ ,‬والدور الذي يمكن أن تلعبه التدابير الحمائية في هذه التنمية على وفق ما‬

‫تتطلبه المصالح االقتصادية العليا لهذه الدول‪.‬‬

‫‪ .6‬وفي هذا اإلطار تكون هنالك ضرورة ملحة بالنسبة للعراق أن يعيد النظر بسياساته التنموية‪ ,‬ومراجعة‬

‫الدور السلبي الذي لعبته سياسة (الباب المفتوح) التجارية في اجهاض تنمية المشاريع الزراعية والصناعية‬

‫الوطنية وزيادة معدالت البطالة لحساب تعظيم األرباح في القطاع التجاري االستيرادي لصالح التنمية والتطور‬

‫فان تدابير الحمائية‬


‫في الدول األخرى والممول من منافذ بيع العملة من قبل البنك المركزي العراقي‪ .‬ومن ثم ّ‬
‫الجديدة وتطوراتها المحدثة‪ ,‬البد أن تملي على صناع القرار االقتصادي في العراق ايجاد معادلة منسجمة بين‬

‫تنمية القطاعات السلعية األساسية وتوفير النسبة المطلوبة من بدائل االستيرادات‪ ,‬وبين الحجم المطلوب من‬

‫حزمة التدابير الحمائية ضمن أصناف من السلع والمواد المستهدفة ‪.‬‬

‫المصادر‬
‫‪ -1‬عادل احمد حشيش‪ ،‬العالقات االقتصادية الدولية‪ ،‬الدار الجامعية للطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪.1982‬‬
‫‪ -2‬توفيق عباس عبد عون المسعودي‪ ،‬الحمائية الجديدة واثرها على الصادرات العربية‪ ،‬أطروحة‬
‫دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية اإلدارة واالقتصاد في الجامعة المستنصرية‪.1997 ،‬‬
‫‪ -3‬بهاجير اثالل داس‪ ،‬اتفاقية منظمة التجارة العالمية‪ :‬المثالب واالختالفات والتغيرات الالزمة‪،‬‬
‫تعريب‪ :‬رضا عبد السالم‪ ،‬دار المريخ للنشر‪ ،‬الرياض‪.2005 ،‬‬
‫‪ -4‬موردخاي كريانين‪ ،‬االقتصاد الدولي‪ :‬مدخل السياسات‪ ،‬تعريب‪ :‬محمد إبراهيم منصور وعلي‬
‫مسعود عطية‪ ،‬دار المريخ للنشر‪ ،‬الرياض‪.2007 ،‬‬
‫‪ -5‬حازم الببالوي‪ ،‬النظام االقتصادي الدولي المعاصر‪ :‬من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية‬
‫الحرب الباردة‪ :‬سلسلة عالم المعرفة ‪ ،257‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪.2000 ،‬‬
‫‪ -6‬احمد الكواز‪ ،‬النظام الجديد للتجارة العالمية‪ ،‬جسر التنمية‪ ،‬سلسلة دورية تُعنى بقضايا التنمية‬
‫في الوطن العربي‪( ،‬المعهد العربي للتخطيط‪ :‬الكويت)‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -7‬حشماوي محمد‪ ،‬االتجاهات الجديدة للتجارة الدولية في ظل العولمة االقتصادية‪ ،‬أطروحة لنيل‬
‫الدكتوراه في العلوم االقتصادية وعلوم التيسير – جامعة الجزائر‪،2006 ،‬‬
‫‪ -8‬مغاوري شلبي علي‪ ،‬مستقبل العالقة بين العولمة والحمائية‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪،75‬‬
‫‪.2009‬‬
‫‪ -9‬كريم مهدي الحسناوي‪ ،‬االقتصاد الدولي‪ ،‬مطبعة التعليم العالي‪ ،‬بغداد‪.1987 ،‬‬
‫‪ -10‬عدنان حسين يونس الخياط‪ ،‬محاضرات في االقتصاد الدولي ألقيت على طلبة الدكتوراه في كلية‬
‫اإلدارة واالقتصاد‪ ،‬جامعة كربالء للعام الدراسي ‪.2013-2012‬‬
‫‪ -11‬فؤاد مرسي‪ ،‬الرأسمالية تجدد نفسها‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة ‪ ،147‬المجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون والداب‪ ،‬الكويت‪.1990 ،‬‬
‫‪ -12‬برنارد هوكمان‪ ،‬السياسة التجارية هل تسير على ما يرام حتى اآلن‪ ،‬مجلة التمويل والتنمية‪،‬‬
‫(واشنطن‪ :‬صندوق النقد الدولي)‪ ،‬العدد ‪ ،49‬الرقم ‪ ،2‬ســنة ‪. 2012‬‬
‫‪ -13‬محمد توفيق عبد المجيد‪ ،‬اإلقليمية في اطار العولمة المالية‪ :‬ماذا بعد األزمة العالمية‪ ،‬جامعة‬
‫المنصورة – كلية الحقوق‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -14‬جون هدسون‪ ،‬مارك هرندر‪ ،‬العالقات االقتصادية الدولية‪ ،‬ترجمة‪ :‬طه عبد هللا منصور ومحمد‬
‫عبد الصبور محمد علي‪ ،‬دار المريخ للنشر‪ ،‬الرياض‪.1987 ،‬‬
‫‪ -15‬مؤتمر األمم المتحدة للتجارة والتنمية‪ ،‬تطور النظام التجاري وتوجهاته من منظور إنمائي‪،‬‬
‫مذكرة من إعداداالونكتاد‪ ،‬جنيف‪ ،‬أيلول ‪ /‬سبتمبر ‪.2012‬‬
‫‪ -16‬األمانة العامة لجامعة الدول العربية (وآخرون)‪ ،‬التقرير االقتصادي العربي الموحد‪ ،‬صندوق‬
‫النقد العربي‪ ،‬أبو ظبي‪،‬‬
‫‪ -17‬الخطة االستراتيجية ‪ ،2015-2012‬مركز التجارة الدولية جنيف‪ ،‬ص‪ .9‬متوفر على الرابط‬
‫‪http//www.intercen.org‬‬
‫‪ -18‬جمال الدين زرويق‪ ،‬التجارة الدولية وتمويلها وضمان ائتمان الصادرات في أعقاب األزمة‬
‫العالمية‪ ،‬دراسات اقتصادية‪ ،‬صندوق النقد العربي‪ ،‬أبو ظبي‪.2011 ،‬‬
‫‪ ،Trump’s New Protectionism: Economic and Strategic Impact -19‬متوفرعلى‬
‫الرابط‪https://www.foreignpolicyjournal.com/2017/02/01/trumps-new-‬‬
‫‪/protectionism-economic-and-strategic-impact‬‬
‫‪Barbara Barone : Roberto Bendini , Protectionism in the G20 Directorate -20‬‬
‫‪general for external policies , policy department, European parliament,‬‬
‫‪2015 .‬‬
‫‪-21‬‬
‫‪National Board of Trade , Protectionism in the 21 century , First edition ,‬‬
‫‪ISBN 978 – 91- 88201- 13- 3, Stockholm , 2016 .‬‬

You might also like