You are on page 1of 10

‫جامعة الجزائر ‪ -1-‬كلية الحقوق‬

‫مادة القانون المدني‪ /‬السنة الثانية‪ /‬المجموعة ‪1‬‬


‫الـدكتـور ‪ :‬فــرحــات حـميــد‬

‫منهجية التعليق على االستشارة القانونية‬


‫‪ -‬التعليق على استشارة في مسؤولية متولي الرقابة كنموذج ‪-‬‬

‫من المعلوم أنه إذا قام نزاع قانوني بين طرفين وأراد أحدهما أن يقاضي اآلخر‪ ،‬فله‬
‫قبل أن يلجأ إلى القضاء أن يستشير محاميا إلعطائه رأيا قانونيا يرتكز عليه لرفع دعواه‪.‬‬
‫وبما أن كل نزاع يعرضه المستشير على المحامي يتعلق بمسألة قانونية معينة‪ ،‬فإن‬
‫االستشارة القانونية هي األخرى تتعلق حتما بمسألة من المسائل القانونية النظرية التي‬
‫يتعلمها الطالب في المحاضرة‪.‬‬
‫فمنهجية التعليق على االستشارة القانونية هي األخرى وسيلة تكسب الطالب القدرة‬
‫على استيعاب المعلومات القانونية بأسلوب سهل‪ ،‬إذ تسمح له بوضع نفسه مكان المحامي‬
‫والبحث عن الحل القانوني األنسب لكل نزاع يعرضه عليه المستشير وفقا للمعلومات التي‬
‫تعلمها في المحاضرة‪ .‬وهكذا تترسخ المعلومات النظرية في ذهنه كلما تذكر المثال التطبيقي‬
‫المتعلق بها‪ ،‬مما يسهل عليه فهم واستيعاب الدروس بشكل أفضل‪.‬‬
‫ويسرد المستشير على المحامي وقائع النزاع‪ ،‬ثم يطرح عليه سؤاال عام عن طريقة‬
‫مقاضاة خصمه الستيفاء حقوقه‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن االستشارة القانونية التي تعطى للطالب تتضمن‬
‫فقط وقائع وسؤال‪.‬‬
‫وعندما يقرأ الطالب االستشارة القانونية المعطاة له بوقائعها وبالسؤال المطروح فيها‪،‬‬
‫فإنه سيسهل عليه معرفة المسألة القانونية التي يدور حولها النزاع‪ ،‬مما يجعله مستعدا‬
‫لدراستها نظريا بالرجوع إلى المعلومات على القضية المعطاة له من خالل االستشارة‪،‬‬
‫وذلك للوصول إلى الحل القانوني السليم الذي ينتظره منه المستشير‪.‬‬
‫يتبين إذن‪ ،‬أن منهجية التعليق على االستشارة القانونية هي دراسة نظرية وتطبيقية‬
‫لمسألة قانونية معينة داخلة في نطاق برنامج الدروس التي يتلقاها الطالب في المحاضرة‪.‬‬
‫وهذه الدراسة المزدوجة تتطلب هي األخرى مرحلتين‪:‬‬
‫‪ -‬مرحلة تحضيرية‪ :‬يستخرج فيها الطالب من االستشارة المعطاة له الوقائع والمشكل‬
‫القانوني‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلة تحريرية‪ :‬يناقش فيها الطالب مسألة النزاع المطروح في االستشارة نظريا‬
‫باالستعانة بالمعلومات النظرية التي تتعلق بالمسألة المذكورة‪ ،‬وتطبيقيا بتطبيق تلك‬
‫المعلومات على قضية اال ستشارة‪ ،‬ويتم هذا وفق خطة متكونة من مقدمة وصلب موضوع‬
‫وخاتمة‪.‬‬

‫أوال‪ -‬المرحلة التحضيرية‪:‬‬


‫يستخرج فيها الطالب العنصرية التاليين بالترتيب‪:‬‬
‫‪ -1‬الوقـائــع‪:‬‬
‫وهي كل األحداث التي يسردها المستشير من أفعال أو أقوال أو تصرفات قانونية‪.‬‬
‫وحتى اإلجراءات التي اتبعها أمام القضاء وخسر بعدها دعواه‪ ،‬تذكر هنا مع الوقائع‪.‬‬
‫فقد يحدث أن يكون المستشير قد رفع دعواه أمام المحكمة وخسرها‪ ،‬حيث صدر‬
‫الحكم ضده فأراد قبل أن يستأنفه أمام المجلس القضائي أن يستشير محاميا‪ ،‬فيسرد عليه‬
‫وقائع النزاع بما اإلجراءات التي توقف عندها قبل استشارته‪ .‬ففي هذه الحالة تعتبر هذه‬
‫اإلجراءات جزءا من وقائع النزاع‪ ،‬وبهذا فإن منهجية التعليق على االستشارة القانونية ال‬
‫" اإلجراءات " كعنصر من عناصر المرحلة التحضيرية‪.‬‬ ‫تحوي أبدا على‬
‫والمستشير عادة هو رجل غير مختص في القانون‪ ،‬فهو بذلك سيسرد وقائع النزاع‬
‫عموما بطريقة عامية‪ ،‬على الطالب أن ينقلها كاملة كما هي‪ ،‬ثم يعيد صياغتها بأسلوب‬
‫قانوني‪.‬‬
‫مثــال‪:‬‬
‫قد يذكر زيد أن عمر قد وعده وعدا قاطعا‪ ،‬بأنه سيوظفه في شركته الخاصة أين‬
‫سيتقاضى مرتبا أعلى من مرتبه‪ ،‬ثم رجع عمر عن وعده ووظف شخصا غيره بعد أن كان‬
‫زيد قد استقال من منصبه‪ ،‬وهو اآلن يطالب بحقوقه‪.‬‬
‫فوقائع هذه القضية تتمثل‪ ،‬في صدور إيجاب بالتوظيف من عمر لزيد‪ ،‬وصدور قبول‬
‫ضمني من زيد لعمر يتمثل في االستقالة‪ ،‬ورجوع الموجب عن إيجابه بعد صدور القبول‬
‫مما يعني قيام عقد بينهما أخل الموجب بتنفيذه‪.‬‬
‫مالحظــات‪:‬‬
‫أ‪ -‬ال بأس أن يذكر الطالب وقائع االستشارة في شكل نص فقرة متماسك‪ ،‬فهو غير ملزم‬
‫باستخراجها في شكل نقاط‪ ،‬كما هو الحال في التعليق على الحكم أو القرار القضائي‪.‬‬
‫ب‪ -‬على الطالب بعد هذا‪ ،‬مراعاة ما جاء في كيفية استخراج وقائع القرار‪ ،‬حيث عليه أن‬
‫يستخرج وقائع االستشارة التي تكون هي األخرى متسلسلة ومرتبة ومكيفة تكييفا صحيحا‪،‬‬
‫كما عليه استبعاد الوقائع التي ال عالقة لها بالنزاع وال تفيد في حله‪ ،‬وأن ال يفترض وقائع‬
‫لم تذكر في االستشارة‪.‬‬
‫‪ -2‬المشكــل القـانـونـي‪:‬‬

‫في االستشارة القانونية يستخرج الطالب المشكل القانوني من السؤال الذي يطرحه‬
‫عليه المستشير‪ ،‬وهذا السؤال قد يطرحه المستشير بأسلوب عام‪ ،‬على الطالب أن يعيد‬
‫صياغته بأسلوب قانوني‪ ،‬كما عليه أن يطرحه دقيقا وتطبيقيا‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫قد يذكر زيد أن عمرا باع له سيارة ولم يخبره أنها تعرضت لحادث‪ ،‬ولما عرضها‬
‫على ميكانيكي أخبره باألمر‪ ،‬فأراد زيد أن يرجع السيارة لعمر ويسترد منه ثمنه‪ ،‬فإنه لما‬
‫يستشر المحامي سيطرح عليه هذا السؤال‪ :‬كيف يمكن استرجاع الثمن؟‪ .‬لكن هذا السؤال‬
‫عام يجب إفراغه في قالب قانوني‪ ،‬ومن أجل التوصل إلى ذلك‪ ،‬يناقش الطالب مسألة النزاع‬
‫بأسلوب قانوني‪ .‬فاسترجاع الثمن ورد المبيع يعني‪ ،‬رجوع الطرفين إلى الحالة التي كانا‬
‫عليها قبل العقد‪ ،‬ولكي يحدث هذا يجب إبطال العقد‪ .‬إذن فالمشكل القانوني هو‪ :‬هل العقد‬
‫المبرم بين زيد وعمر قابل لإلبطال؟ فهذا مشكل قانوني مصاغ بأسلوب قانوني‪ ،‬لكنه‬
‫مطروح بشكل عام يجب تدقيقه كالتالي‪ :‬هل وقع زيد في عيب التدليس؟ وهل يعتبر سكوت‬
‫عمر عن الحادث الذي تعرضت له السيارة حيلة تدليسية تؤدي إلى قابلية العقد لإلبطال؟‪.‬‬
‫والطرح الصحيح للمشكل القانوني هو الذي يساعد الطالب على دراسة المسألة القانونية‬
‫دراسة صحيحة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬المرحلة التحريرية‪:‬‬
‫تقتضي هذه المرحلة وضع خطة مناسبة‪ ،‬وذلك لمناقشة المسألة القانونية المعروضة‬
‫من خالل االستشارة‪.‬‬
‫‪ -1‬الخطة‪:‬‬

‫خطة االستشارة ولو أنها أبسط من خطة القرار‪ ،‬إال أنها ال تختلف عنها في وجوب‬
‫كونها تطبيقية‪ ،‬دقيقة‪ ،‬متوازنة‪ ،‬ومتسلسلة‪ .‬فهي األخرى يجب أن تجيب عن المشكل‬
‫القانوني المطروح‪ ،‬ولهذا نجدها عادة تتكون من مبحثين اثنين‪.‬‬
‫‪ -2‬المناقشة‪:‬‬

‫بما أن الخطة التي يضعها الطالب مصممة في شكل مقدمة وصلب موضوع وخاتمة‪،‬‬
‫فإن مناقشة مسألة االستشارة القانونية ستتم عبر هذه النقاط الثالث‪.‬‬
‫أ‪ -‬المقدمة‪:‬‬
‫وفيها يقدم الطالب موضوع المسألة القانونية المطروحة من خالل االستشارة‪ ،‬وهذا في‬
‫جملة وجيزة‪ ،‬يليها ملخص وقائع القضية منتهيا بالسؤال الذي طرحه المستشير‪ ،‬مصاغا‬
‫بشكل قانوني ومختصر كمدخل إلى صلب الموضوع‪.‬‬
‫ب‪ -‬صلب الموضوع‪:‬‬
‫في هذه المرحلة يحرر الطالب ما جاء في الخطة من مسائل بالتسلسل وبالترتيب باحثا‬
‫بذلك عن الحل المالئم للمشكل القانوني المطروح‪ .‬وللوصول إلى ذلك يعود الطالب إلى‬
‫الوقائع لينظر في الن زاع المطروح فيها‪ ،‬ثم يستخرج المسألة القانونية التي تتعلق بالنزاع‬
‫ويبحث عن النص القانوني المنظم لها مع تبريره‪ ،‬ويضع كل اإلمكانيات التي تمكنه من‬
‫الوصول إلى الحل المطلوب‪.‬‬
‫مثـــال‪:‬‬
‫إذا كان المستشير يبحث عن كيفية استرجاع ثمنه من البائع‪ ،‬يبحث الطالب عما إذا‬
‫كان العقد باطال أو قابال لإلبطال‪ .‬فيبحث في أركان العقد وشروطه وعيوب الرضا‪ .‬فإذا‬
‫وجد أن العقد قد اختل أحد أركانه‪ ،‬توصل إلى أن العقد باطل بطالنا مطلقا‪ .‬أما إذا كانت كل‬
‫أركان العقد متوفرة‪ ،‬إال أن المستشير قد شاب رضائه عيب من عيوب الرضا‪ ،‬وهو ال يريد‬
‫إجازة العقد‪ ،‬توصل الطالب إلى أن العقد باطل بطالنا نسبيا أي أنه قابل لإلبطال‪ ،‬ومن ثم‬
‫يشير أو ينصح ويوجه المستشير بأن يرفع دعوى إبطال العقد لعيب من عيوب الرضا‪.‬‬
‫ولهذا على الطالب أن يستعين بالمعلومات النظرية لمناقشة المسألة القانونية المعطاة له من‬
‫خالل االستشارة‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫في الخاتمة يضع الطالب خالصة بحثه مجيبا على سؤال المستشير باختصار‬
‫وبوضوح مبينا موقف القانون من النزاع‪ .‬وما دامت الخاتمة تجيب على سؤال المستشير‬
‫فهي إذن إجبارية‪ ،‬على خالف التعليق على الحكم والقرار القضائي الذي تكون فيه ذكر‬
‫الخاتمة اختيارية‪ ،‬ألن الحكم أو القرار القضائي يحتوي في مضمونه على الحل القانوني‬
‫للنزاع‪ ،‬فال داعي لتكرار ذكره‪.‬‬
‫مثال نموذجي‬
‫علق على االستشارة التالية‪:‬‬
‫إنخرط الطفل موساوي نبيل البالغ من العمر ‪ 10‬سنوات في صفوف فريق كرة القدم‬
‫التابع للمؤسسة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية‪.‬‬
‫وقد نظمت هذه األخيرة بتاريخ ‪ 2010/10/16‬مقابلة في كرة القدم أجريت في أحد‬
‫المالعب التابعة لها‪ ،‬وشارك الطفل نبيل في هذه المقابلة‪.‬‬
‫وأثناء المباراة تشاجر الطفل نبيل مع زميله الطفل فريد فسبب له أضرار جسمانية‬
‫بليغة‪.‬‬
‫يستشيركم والد الطفل فريد عن إمكانية حصوله عن التعويض عن الضرر الالحق‬
‫بإبنه؟‪.‬‬
‫الحــــــل‬
‫الوقـائـع‪:‬‬
‫بتاريخ ‪ 2010/10/16‬شارك الطفل موساوي نبيل البالغ من العمر ‪ 10‬سنوات في‬
‫مقابلة لكرة القدم نظمتها المؤسسة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية‪ ،‬التي كان الطفل نبيل‬
‫منخرطا في صفوق فريقها‪ .‬وأثناء اللعب تشاجر الطفل نبيل مع زميله الطفل فريد‪ ،‬فسبب له‬
‫أضرار جسمانية بليغة‪.‬‬
‫المشكل القانوني‪:‬‬
‫هل يحق لوالد الطفل فريد أن يتحصل على التعويض عن الضرر الذي لحق بإبنه؟ من‬
‫الذي توفرت فيه صفة متولي الرقابة (والد الطفل نبيل باعتباره وليا ‪ ،‬أم المؤسسة الوطنية‬
‫للنقل بالسكك الحديدية بسبب انتقال رقابة الطفل نبيل إليها اتفاقا)؟ وهل أخلت بواجب رقابة‬
‫الطفل موساوي نبيل؟ وبالتالي فهل هي مسؤولة عن تعويض الضرر الذي ألحقه الخاضع‬
‫للرقابة بزميله الطفل فريد طبقا لنص المادة ‪ 134‬من القانون المدني؟‬
‫الخـطــة‪:‬‬
‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬إلتزام المؤسسة برقابة الطفل نبيل‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬إنتقال رقابة الطفل نبيل من والده إلى المؤسسة بموجب االتفاق‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬حاجة الطفل نبيل للرقابة بسبب قصر سنه‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬قيام مسؤولية المؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب األول‪ :‬إلحاق ضرر بالطفل فريد أثناء تواجد الطفل نبيل تحت رقابة المؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬إلزامية التعويض‪.‬‬
‫التحليل‬
‫مقـدمـة‪ :‬تتعلق ال قضية المعروضة من خالل االستشارة بمسؤولية متولي الرقابة‪ ،‬فقد كان‬
‫الطفل موساوي نبيل قاصرا يبلغ من العمر ‪ 10‬سنوات‪ ،‬وقد سبب أضرارا جسمانية بليغة‬
‫بزميله فريد‪ ،‬حدثت أثناء مباراة في كرة القدم التي نظمتها المؤسسة الوطنية للنقل بالسكك‬
‫الحديدة‪ ،‬التي كان نبيل منخرطا في صفوفها‪ .‬فهل تسأل المؤسسة عن ذلك بصفتها متولية‬
‫الرقابة عليه اتفاقا‪ ،‬أم يتحمل المسؤولية والده قانونا؟‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬إلتزام المؤسسة برقابة الطفل نبيل‪.‬‬
‫الرقابة هي اإلشراف على الشخص الخاضع للرقابة وتوجيهه وحسن تربيته واتخاذ‬
‫االحتياطات الالزمة لمنعه من اإلضرار بالغير‪ .‬فالرقابة إذن تستلزم وجود شخصين‪:‬‬
‫شخص متولي الرقابة‪ ،‬وشخص خاضع للرقابة‪ .‬فهل تحققت صفة متولي الرقابة في والد‬
‫الطفل نبيل باعتباه الولي القانوني له أم توفرت في المؤسسة؟ وهل تحققت صفة الخاضع‬
‫للرقابة في الطفل موساوي نبيل؟‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬إنتقال رقابة الطفل نبيل من والده إلى المؤسسة بموجب االتفاق‪.‬‬
‫حتى تسأل المؤسسة كمتولية الرقابة‪ ،‬يجب أن تتوفر فيها هذه الصفة‪ ،‬أي صفة متولي‬
‫الرقابة‪ ،‬ومعنى هذا أن يكون على عاتقها إلتزام بالرقابة‪.‬‬
‫وطبقا للمادة ‪ 1/134‬ق‪.‬م التي تقضي بما يلي‪" :‬كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا‬
‫رقابة شخص ‪ .".....‬يتبين أن مصدر االلزام بالرقابة قد يكون مصدره القانون أو االتفاق‬
‫وتبعا لهذا‪ ،‬فإن متولي الرقابة قد يتولى الرقابة قانونا أو اتفاقا‪.‬‬
‫‪ -‬فأما الملزمون بالرقابة قانونا‪ ،‬فهم األشخاص الذين لهم الوالية على النفس‪ ،‬وهم األب ثم‬
‫الجد ثم العم ثم غيرهم من األقارب‪ ،‬بحسب الترتيب ممن خول لهم الشارع الوالية على‬
‫النفس‪ ،‬ويدخل في الوالية على النفس سلطة التأديب والتطبيب والتعليم والتوجيه والموافقة‬
‫على الزواج‪ ،‬وسائر أمور العناية بشخص القاصر‪.‬‬
‫‪ -‬وأما الملزمون بالرقابة اتفاقا‪ ،‬فهم األشخاص الذين تنتقل إليهم الرقابة تلقائيا بانتقال‬
‫الخاضع للرقابة إليهم بعد خروجه من رقابة وليه‪ ،‬كالمعلم في المدرسة والطبيب في‬
‫المستشفى‪....‬إلخ‪.‬‬
‫وفي قضية الحال‪ ،‬كان الطفل موساوي نبيل منخرطا في فريق كرة القدم التابع‬
‫للمؤسسة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية‪ .‬وأثناء الحادث لم يكن في مسكن والده‪ ،‬وإنما كان‬
‫قد التحق بصفوف فريق المؤسسة‪ ،‬وتبعا لهذا فهو لم يكن يخضع لرقابة والده‪ ،‬وإنما لرقابة‬
‫المؤسسة‪ ،‬باعتبار أن الرقابة قد انتقلت إليها باالتفاق‪ .‬فالمؤسسة إذن هي متولية الرقابة على‬
‫الطفل نبيل‪ ،‬وهي بالتالي مسؤولة عن األضرار التي يسببها هذا األخير بالغير‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حاجة الطفل نبيل للرقابة بسبب قصر سنه‪.‬‬
‫نص المشرع في المادة ‪ 1/134‬من التقنين المدني على أنه‪ " :‬كل من يجب عليه قانونا‬
‫أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو‬
‫الجسمية‪ ،‬يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بفعله الضار‪." ....‬‬
‫فطبقا لهذا النص‪ ،‬الخاضع للرقابة هو كل شخص يحتاج إلى الرقابة بسبب قصره أو‬
‫بسبب حالته العقلية أو بسبب حالته الجسمية‪.‬‬
‫‪ -‬فأما عن الخاضع للرقابة بسبب قصره‪ ،‬فالقاصر طبقا للمادة ‪ 40‬من التقنين المدني هو من‬
‫لم يبلغ سن الرشد وهو ‪ 19‬عاما‪ ،‬ونظرا لصغر سنه‪ ،‬فهو ال يسأل شخصيا عن أفعاله‬
‫الضارة‪ ،‬وإنما يسأل عنها وليه‪ ،‬أو من انتقلت إليه الرقابة اتفاقا‪.‬‬
‫‪ -‬وأما الخاضع للرقابة بسبب حالته العقلية‪ ،‬فهو الذي تأثرت حالته العقلية بعارض من‬
‫العوارض العقلية كالجنون والعته‪ ،‬فيصبح هذا الشخص فهذا الشخص في حاجة إلى الرقابة‪.‬‬
‫‪ -‬وأما الخاضع للرقابة بسبب حالته الجسمية‪ ،‬فهو المصاب بمرض أثر على حالته الجسمية‬
‫كالشلل والعمى والصرع‪ ،‬فيصبح هو اآلخر في حادة إلى الرقابة‪.‬‬
‫وفي قضية الحال‪ ،‬الطفل نبيل غير مصاب بعاهة عقلية وال عاهة جسمية‪ ،‬لكنه يبلغ‬
‫من العمر ‪ 10‬سنوات‪ ،‬فهو لم يبلغ بعد سن التمييز وال سن الرشد‪ .‬إذن فهو قاصر غير‬
‫مميز ويحتاج إلى الرقابة بسبب قصره‪ ،‬وهو غير مسؤول عن أفعاله الضارة‪ ،‬وإنما يسأل‬
‫عنها من يتولى رقابته‪.‬‬
‫نخلص إلى أن صفة متولي الرقابة متوفرة في المؤسسة الوطنية للسكك الحديدية وليس‬
‫الوالد‪ ،‬وصفة الخاضع للرقابة متوفرة في الطفل نبيل‪ ،‬وما دام المؤسسة تتولى رقابته‪ ،‬فهي‬
‫مسؤولة عن الضرر الجسماني الذي ألحقه بالطفل فريد‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬قيام مسؤولية المؤسسة‪.‬‬
‫لقيام مسؤولية متولي الرقابة يجب توفر شرطين أساسيين وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬تولي شخص الرقابة على شخص آخر‪.‬‬

‫‪ -2‬صدور فعل ضار من قبل الخاضع للرقابة‪.‬‬


‫وكل هذه الشروط متوفرة في قضية الحال‪ ،‬إال أنه تستطيع المؤسسة أن تدفع‬
‫المسؤولية عنها‪ ،‬إذا أثبتت أنها قامت بواجب الرقابة‪ ،‬أو أثبتت أن الضرر كان ال بد من‬
‫حدوثه ولو قامت بهذا الواجب بما ينبغي من العناية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬إلحاق الضرر بالطفل فريد أثناء تواجد الطفل نبيل تحت رقابة المؤسسة‪.‬‬
‫لتحديد المسؤول عن رقابة الطفل نبيل عن الضرر الذي أحدثه بالطفل فريد‪ ،‬يجب‬
‫البحث عمن كان يتولى رقابته أثناء وقوع الضرر‪.‬‬
‫ففي فضية الحال‪ ،‬لما إنتقل الطفل إلى صفوف فريق المؤسسة‪ ،‬انتقلت الرقابة إلى هذه‬
‫األخيرة باالتفاق وصارت مسؤولة عن الفعل الضار الذي أحدثه الطفل نبيل بزميله فريد‪.‬‬
‫فمسيرو فريق كرة القدم الذي كان ينخرط فيه الطفل نبيل قصروا في ممارسة رقابتهم على‬
‫هذا األخير باعتباره قاصرا‪ ،‬ولم يتخذوا كافة اإلجراءات التي من شأنها منع الطفل نبيل من‬
‫االضرار بالطفل فريد‪.‬‬
‫إذن فمسؤولية المؤسسة قائمة وبالتالي فهي ملزمة بالتعويض‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إلزامية التعويض‬
‫لرفع دعوى المطالبة بالتعويض ضد المؤسسة باعتبارها أخلت بواجب الرقابة‪ ،‬يجب‬
‫االستناد إلى أساس قانوني‪ .‬وأساس مسؤولية متولي الرقابة هو الخطأ المفترض‪ .‬ويتمثل هذا‬
‫الخطأ المفترض في اإلخالل بواجب الرقابة‪.‬‬
‫ومعنى افتراض الخطأ هنا هو افتراض بسيط يمكن إثبات عكسه‪ .‬أي أن متولي الرقابة‬
‫الذي افترضنا أنه أخطأ في الرقابة بمجرد وقوع الضرر يمكنه الدفاع عن نفسه بإثبات‬
‫العكس‪ .‬أي بإثبات أنه لم يخطئ في واجب الرقابة‪ .‬ومعنى هذا أنه ينفي الخطأ عن نفسه‬
‫ويثبت أنه قام بواجب الرقابة كما ينبغي‪ .‬إذن فنفي الخطأ هو وسيلة لنفي المسؤولية‪.‬‬
‫وإذا لم يستطيع متولي الرقابة إثبات العكس‪ ،‬أي نفي الخطأ عن نفسه‪ ،‬فيمكنه دفع‬
‫المسؤولية بقطع العالقة السببية بين الخطأ المفترض والضرر‪ ،‬وذلك بإثبات تدخل السبب‬
‫األجنبي‪ ،‬أي إثبات أن الضرر كان ال بد أن يحدث ولو قام بواجب الرقابة كما ينبغي‪ .‬وهذا‬
‫معناه أنه بالر غم من خطئه في واجب الرقابة إال أن الضرر لم يقع بسبب هذا الخطأ‪ ،‬وإنما‬
‫بسبب أجنبي‪ .‬ويتمثل السبب األجنبي في القوة القاهرة‪ ،‬والحادث المفاجئ أو خطأ الغير أو‬
‫خطأ المضرور‪.‬‬
‫وهكذا نجد المشرع قد منح للمؤسسة وسيلتين للتخلص من مسؤوليتها وهما‪:‬‬
‫‪ -‬إما نفي الخطأ‪ ،‬وذلك بإثبات أنها قامت بواجب الرقابة كما ينبغي على الطفل نبيل‪.‬‬
‫‪ -‬وإما بقطع العالقة السببية بين الخطأ المفترض والضرر‪ ،‬وذلك بإثباتها تدخل السبب‬
‫األجنبي أي بإثبات أن الضرر كان ال بد وأن يحدث ولو قامت بواجب الرقابة كما ينبغي‪.‬‬
‫وفي قضية الحال يمكن لوالد الطفل فريد أن يرفع الدعوى ضد المؤسسة الوطنية‬
‫للسكك الحديدية عن الضرر الجسماني الالحق بإبنه‪ ،‬وذلك على أساس الخطأ المفترض من‬
‫جانب المؤسسة التي أخلت بواجبها في رقابة الطفل نبيل‪ ،‬وال حاجة لوالد الطفل فريد في أن‬
‫يثبت هذا الخطأ‪ ،‬بل مجرد إثبات إلحاق ضرر جسماني بإبنه فريد يعد كافيا إلفتراض إخالل‬
‫المؤسسة بواجب الرقابة إلى أن يثبت العكس‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫لقد ثبت في قضية الحال أن المؤسسة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية كانت تتولى رقابة‬
‫الطفل نبيل بعدما انتقلت الرقابة إليها باالتفاق‪ ،‬وبما أن الطفل نبيل تشاجر مع الطفل فريد‬
‫وسبب له أضرار جسمانية بليغة‪ ،‬فإنه يفترض في المؤسسة أنها أخلت بواجب الرقابة إلى‬
‫أن يثبت العكس‪.‬‬
‫ويبدو أن نفي الخطأ غير ممكن في هذه القضية‪ ،‬ألن مسيرو الفريق كان عليهم أن‬
‫يراقبوا الطفل نبيل ويتخذوا كافة االجراءات الالزمة لمنعه من اإلضرار بالغير‪ .‬كما أن‬
‫إثبات السبب األجنبي غير ممكن أيضا‪ ،‬ألنه ال وجود لقوة قاهرة وال لحادث مفاجئ‪ ،‬كما أن‬
‫الضرر الذي سببه الطفل نبيل للطفل فريد لم يتسبب فيه عمل الغير أو خطأ الضحية‪ ،‬وإنما‬
‫وقع بسبب إخالل المؤسسة بواجب الرقابة‪.‬‬
‫وهكذا يصبح حق الحصول على التعويض مضمون لوالد الطفل المضرور فريد‪.‬‬

You might also like