You are on page 1of 111

‫ﻟﺗﺣوﯾﻠك إﻟﻰ اﻟﺟروب أﺿﻐط ھﻧﺎ‬

‫ﻟﺗﺣوﯾﻠك إﻟﻰ اﻟﻣوﻗﻊ أﺿﻐط ھﻧﺎ‬


‫‪1‬‬

‫زرزارة‬
‫أدخلوها خائفني‬

‫" رواية "‬


‫‪2‬‬

‫أدخلوها خائفني‬ ‫" زرزارة‬


‫" رواية "‬

‫اسم الكاتبة‪ :‬أسماء ونــان‬


‫تدقيق لغوي‪ :‬محمـد ربي ــع‬
‫تصميم الغالف‪ :‬إسالم مجاهد‬
‫ّ‬
‫الفني‪ :‬جمال عبدالرحيم‬ ‫إلاخراج‬
‫رقم إلايداع‪2202 / 20222 :‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬


‫وأي اقتباس أو إعادة طبع أو نشر في أي صورة كانت ورقية أو إلكترونية‪،‬‬
‫أو بأية وسيلة سمعية أو بصرية دون إذن كتابي من الناشر‪ ،‬يعرض صاحبه‬
‫للمساءلة القانونية‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ ّ ٌ‬
‫يات ُمهشمة تحيط بي‪ ،‬ال أدري ما الذي أقحمت نفس ي فيه ‪..‬‬ ‫ِجدار‬
‫ولكنه القدر!‬
‫ً‬ ‫ّ َّ ُ‬ ‫َ‬
‫وعلي أال أقاوم‪َ .‬ح َسنا!‬ ‫َعل َّي أن أقبل ما كتبه (هللا) لي‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وما الذي سأقاومه؟ ليس هناك َمف ٌّر؛ لقد انتهى ك ُّل ش يء؛‬
‫الليلة النطق بالحكم فيما حدث ‪ ..‬ما الذي صار؟‪..‬‬
‫ُ‬
‫وماذا سأقول لو ط ِلب مني الدفاع عن نفس ي غير الاعتراف‬
‫َ َّ‬
‫وأنا بكامل قواي العقلية أنني الجاني مهما كلف ألامر‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ ً‬
‫لقد كانت َمذ َبحة‪ ،‬ال أعرف كيف َب َدأت وتطورت هكذا‪،‬‬
‫ال أعرف كيف سينتهي ألامر؟‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كل ما أعرفه أنني أصبحت أعيش مع ش َب ِحها إلى ألابد!‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫(أكرم)‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪4‬‬

‫(البداية)!‬
‫َ ُ‬
‫اعتاد أهلها أن يكونوا ًيدا واحدة‪ ،‬لقد كانت‬ ‫حارة كبيرة بأسوان لطاملا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الكل يتعايش َس ِو ًّيا في‬ ‫ُّ‬ ‫مكان متعاو ٍن إلى ٍ‬
‫حد ما‬ ‫أيامهم ال تختلف عن أي ٍ‬
‫َّ ُ‬
‫النوب ِّيين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫الهالي‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫ها‬ ‫سكان‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫أغلب‬ ‫سالم‪،‬‬
‫غم العصبية القبلية التي يولد بها أبناء ُك ّل قبيلة منهم‪َّ ،‬إال َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫للم َس َّميات َي ُح ُّد من أي تطاول بينهم‪ ،‬إلى أن حدث ما حدث من‬ ‫انتماءهم ُ‬
‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬
‫مذبحة مهما حكيت ال أصفها حقا وال حتى تغتفر!‬ ‫ٍ‬
‫أعز ألاصدقاء‪ ،‬بل كانا يعتبران ما‬ ‫(عبد العزيز) و(صادق) كانا من ّ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫خوة وليست صداقة فقط‪ ،‬لم يفترقا منذ نعومة أظافرهما‪،‬‬ ‫بينهما رابطة أ ٍ‬
‫قررا أنه ال ُب َّد لهما من القيام بما يوقف هذه املهزلة التي وقعوا فيها؛ فكان‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫عليهما أن يتبعا كالم َّ‬
‫(الد َّجال) ‪ ..‬ورغم أنهما قد تربيا على أال يصدقا هذه‬
‫َ َّ‬
‫الخرافات ولكن ت َحت َم عليهما أن يفعال أي ش يء إليقاف الطوفان‪ ،‬وليس‬
‫َّ‬
‫هناك سبيل آخر إال هذه الطريقة الحمقاء‪.‬‬
‫ُ‬
‫وكتاب‬ ‫اسمه ذلك َّ‬
‫(الد َّجال)‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قاما بشراء البخور الذي أعطاهم‬
‫جدا لكي ينجزوا ما طلب منهم بحرفية تامة‪.‬‬ ‫مهم ًّ‬ ‫التعاويذ ٌّ‬
‫ً‬
‫نظر (عبد العزيز) إلى (صادق) قائال‪" :‬وال أدري ما الذي نقوم به وأي‬
‫ُروح هذه التي ستحضر هنا!؟ وهل في إحضارها نجاة مما نحن فيه!؟"‬
‫‪5‬‬
‫ً‬
‫لو ْه ٍلة ثم قال‪" :‬ال أعلم‪ ،‬أنا أريد نهاية لهذا الخراب‬ ‫صمت (صادق) َ‬
‫الذي َح َّل علينا بأي وسيلة كانت ‪ ..‬ال أريد أن يأتي اليوم الذي أقف فيه‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬
‫وعل َّي أن أقتلك يا صديقي"‪.‬‬ ‫ضدك بسالح‬
‫ً ُ‬
‫آالما ال تحكى ‪ ..‬وبدءا‬ ‫نظرا لبعضهما البعض في حز ٍن يواري بداخلهما‬
‫الطقوس‪ :‬قاموا بإلقاء بعض ألاعشاب والبخور التي جلبوها من َّ‬
‫(الد َّجال)‬
‫علي النيران التي أمامهم‪ ،‬وموقفهم آلان ُي َه ْي ِم ُن عليه الرعب والخوف بشدة ‪..‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫فأمسكه (صادق) ورفعه‪ ،‬وبادل صديقه‬ ‫أشار (عبد العزيز) إلى الكتاب‬
‫َََْ‬ ‫ُ َ‬
‫واحد إلى الكتاب‬
‫ٍ‬ ‫يبتلع ريقه‪ ،‬وأومأ برأسه ونظرا في وقت‬ ‫بنفس النظرة وهو‬
‫وبدأا في القراءة ًّ‬
‫سويا ‪..‬‬
‫"ساقوم ‪..‬ناجوم ‪..‬خاؤوم ملكوت الليل ألاسود والغيوم ‪..‬نستدعي روحا‬
‫أبية تساعدنا ‪..‬ساقوم ناجوم ‪..‬حاؤوم احضر آلان بسر الطالسم الرعدية‬ ‫َّ‬
‫والزالزل ألابدية والخمس بنات النرجسية"!‬
‫كثيرا‪ ،‬وأصواتهم تعلو وتعلو؛ حتى انفجرت النار من‬ ‫وأخذا يرددانها ً‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أمامهم دفعة واحدة وقذفت بهم عرض الحائط قذفة واحدة قوية ‪..‬كادت أن‬
‫ّ‬
‫ُت َه ِشم عظامهما!‬
‫مالبس تختلف‬ ‫َ‬ ‫النار بفتاتين غريبتي الشكل؛ كلتاهما ترتدي‬ ‫فجأة َأ ْل َق ْت ُ‬
‫ً‬
‫ً‬
‫نوب َّية "جرجار"‪ ،‬شعرها ُم َج َّع ٌد‬
‫ِ‬ ‫عن ألاخرى‪ ،‬ألاولى سمراء اللون ترتدي مالبس‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أسود اللون‪،‬‬ ‫حجاب شفاف‬ ‫قصير على شكل ضفيرتين صغيرتين فوقهما‬
‫ٌ‬
‫جميلة‪ ،‬وما إن أفاقت؛ بدأت َت َت َح َّس ُ‬
‫س َ‬ ‫ٌ‬
‫نفسها وكانت في قمة‬ ‫مالمحها مصرية‬
‫ً‬
‫الرعب تنظر يمينا ويسا ًرا!‬ ‫ُّ‬
‫‪6‬‬
‫ٌ ّ‬ ‫ً‬
‫طويل ُب ِن ٌّي‪،‬‬ ‫قمحاوية تميل إلى اللو ِن ألابيض‪ُ ،‬‬
‫شعرها‬ ‫أما ألاخرى فكانت‬
‫ٌ‬
‫مالمحها عربية أصيلة‪ ،‬ترتدي مالبس تبدو عليها أنها من العصور‬
‫ُّ‬
‫بالصراخ!‬ ‫القديمة‪..‬وما إن أفاقت هي ألاخرى؛ بدأت‬
‫ً‬
‫أحد؛‬‫خوفا من أن يشعر بهم ٌ‬ ‫حاول الشابان أن ُي َه ِّدئا من َر ْو ِع الفتاتين‬
‫ٌ‬ ‫َََ‬
‫حاجة لها؛ آلان يكفيهم ما‬ ‫ٍ‬ ‫فتق َع عليهما مشكلة أكبر مما هم فيه ‪ ..‬فليسوا في‬
‫هم فيه‪.‬‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫السمراء تتحدث باللهجة النوبية؛ فف ِهمها (صادق)‬ ‫أخذت الفتاة‬
‫َ‬
‫وأخبرها بلهجتها أن تهدأ حتى تشعر باألمان‪ ،‬أما ألاخرى فقد كانت تتحدث‬
‫وعناء شد ٍيد بدأت الفتاتان تهدءان‬ ‫ٍ‬ ‫محاوالت ِع َّد ٍة‬
‫ٍ‬ ‫العربية الفصحى ‪ ..‬بعد‬
‫"ه َّيا آلان ‪ ..‬أين قواكم السحرية؟ نريد‬ ‫تحدث (عبد العزيز) في لهفة‪َ :‬‬ ‫قليال‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ًّ‬
‫حال ملشاكلنا؛ لقد جلبناكم من أجلها؛ هل لديكم أي قوى؟"‪.‬‬
‫سحر تتحدث؟ أنا ال أعلم‬‫ٍ‬ ‫نظرت له الفتاة العربية في غرابة‪" :‬عن أي‬
‫ُ‬
‫كيف جئت إلى هنا حتى؟ وأين أنا؟ وما هذه الغرفة ذات ألاساس الغريب؟"‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫بدأ الوضع َيت َد ْه َو ُر مرة أخرى‪ ،‬وعال صوت الفتاتين ‪ ..‬فقال (صادق)‬
‫َّ‬
‫(الد َّجال) ألاحمق يبدو أنه لم يجلب لنا املطلوب‪ ،‬بل أنه زاد‬ ‫"ص ْم ًتا‪َّ ،‬‬ ‫صار ًخا‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫الطين بلة ‪ ..‬هذا اللعين لو رأيته لقتلته"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قام (عبد العزيز) بتهدئته ونظر للفتاتين قائال‪" :‬سنحاول إعادتكما مرة‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫أخرى‪ ،‬ولكننا ال نعرف الطريقة‪ ،‬ويبدو أنكما إنسيتان وال دخل لكما بسحر أو‬
‫ّ‬
‫جن"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪7‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫جلبنا‬
‫ِ‬ ‫قصة‬ ‫"ما‬ ‫الغضب‪:‬‬ ‫من‬ ‫مستشيطة‬ ‫وهي‬ ‫السمراء‬ ‫الفتاة‬ ‫وقفت‬
‫هنا؟ وكيف جئنا؟ ومن أنتم؟ أريد أن أعرف آلان"‪.‬‬
‫ُ‬
‫قبيلة‬
‫ِ‬ ‫ابتسم (عبد العزيز) والحسرة تملؤه‪" :‬أنا أدعى (عبد العزيز) من‬
‫(بني هالل) وهذا صديقي النوبي (صادق) لقد ‪."...‬‬
‫ُ‬
‫أوقفته الفتاة العربية‪" :‬انتظر؛ أنا (أميرة) من (بني هالل) وقد قدمت‬
‫ً‬
‫إلى (مصر) مهاجرة مع أهلي‪ ،‬ونزلنا في منطقة تدعى (سيناء) وهناك من‬
‫ارتحل إلى الجنوب"‪ .‬وبدأت في البكاء!‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ت َن َّه َد (صادق) في حسرة قائال‪" :‬وألاخرى نوبية‪ .‬ما الذي فعله هذا‬
‫(الد َّجال) ألاحمق بنا؟ لقد جلب لنا فتاتين من قبيلتنا‪ ،‬ولكن يبدو أنهما من‬ ‫َّ‬
‫أي حماقة أوقعنا أنفسنا‬ ‫َ‬
‫يساعدنا فيما نحن فيه‪ّ .‬‬ ‫غير زماننا بدال من أن‬
‫مان ِ‬‫ز ٍ‬
‫فيها؟!"‪.‬‬
‫سوءا‪ ،‬واهتاج الجميع والفتاتان تطلبان آلان الذهاب‪.‬‬ ‫ازداد الوضع ً‬
‫ً‬
‫استوقفته الفتاة النوبية قائلة‪" :‬وما الذي دفعكما لجلبنا إلى هنا؟ كان‬
‫ً‬
‫سا ولكن َه َّ‬
‫‪..‬آه‪ ،‬وأين أنا وأين‬
‫ٍ ٍ‬ ‫‪..‬آه‬ ‫بالدنا‬ ‫من‬ ‫نا‬ ‫و‬‫ر‬ ‫ج‬ ‫من املفترض أ أكون عرو‬
‫حبيبي مني؟"‪.‬‬
‫وأخذت هي ألاخرى تبكي ً‬
‫بكاء حا ًّرا!‬
‫‪8‬‬
‫َ ً‬ ‫ّ‬
‫"ح َسنا ‪..‬‬ ‫وقف (عبد العزيز) وأخذ َي ُدور حول الغرفة ثم توقف وقال‪:‬‬
‫وذ لجلب‬ ‫استعنا ُبم َش ْ‬
‫ع‬
‫ّ‬
‫مصيبة كبرى؛ أنا وصديقي‪ ،‬وقد‬
‫ً‬
‫َح َسنا! نحن في‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫املساعدة لنا فجلب لنا فتاتين في مرحلة الهجرة‪َ ،‬ح َسنا ‪ ..‬ملاذا؟"‪.‬‬
‫قالت الفتاة الهاللية‪" :‬إذن نحن في مرحلة الهجرة من بالدنا‪ ،‬وأنتم في‬
‫مصيبة كبرى ‪ ..‬ما هي املصيبة؟ ثم إنكم بمالبسكم الغريبة هذه‪ ،‬ال أعلم أي‬
‫ٍ‬
‫بلد وأي عام نحن آلان"‪.‬‬
‫قال (صادق)‪" :‬نحن في مصرعام ‪ 2202‬ميالديا"‪.‬‬
‫صرخت الفتاة واهتاجت‪" :‬يا إلهي‪ ،‬لقد مرت سنون طويلة ‪ ..‬كيف‬
‫ّ‬
‫تخطيناها وجئنا هنا؟"‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخذتا تبكيان وتنتحبان مرة أخرى ‪ ..‬بالطبع سنون طويلة بينهما ‪..‬‬
‫ص ِّدقا؟‬
‫كيف لهما أن ُي َ‬
‫ّ‬
‫وباألخص اختار‬ ‫الكل يريد أن يعرف ما الش يء الذي جلب الفتاتين‬
‫ً‬
‫الغريب؛ ال ُب َّد أنه يعني شيئا بهذا!‬
‫ِ‬ ‫التوقيت‬
‫ِ‬ ‫هاتين في ذلك‬
‫بعض الطعام للفتيات بعد أن َه َّدءا من‬
‫َ‬ ‫جلب (صادق) و (عبد العزيز)‬
‫كل منهم أن‬ ‫وءا من ذي قبل‪ ،‬وكان على ّ‬‫َر ْوعهما؛ وبدأ الحديث يصبح أكثر هد ً‬
‫ٍ‬
‫َيعرف قصة آلاخر‪ ،‬وبدأت القصة‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫الهاللية ما ّ‬
‫سر جلب‬ ‫الصمت ُيخ ِّي ُم على املكان بينما سألت الفتاة‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫الشابين لهما‪ ،‬وما املصيبة التي وقعا فيها ‪ ..‬نظ َر (صادق) إلى صديقه (عبد‬
‫العزيز) في حز ٍن‪ ،‬وبدأ يحكي القصة!‬
‫‪11‬‬

‫َْ‬
‫(ز ْرزارة) ‪( ..‬املل َحمة)‬
‫ِ‬

‫ُْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬


‫(ز ْرزارة)‬‫ِ‬ ‫ى‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫بمكان‬ ‫(أسوان)‬ ‫محافظة‬ ‫في‬ ‫(مصر)‬ ‫بصعيد‬ ‫صغيرة‬ ‫ة‬ ‫حار‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫مذبحة كبري ‪ ..‬بدأت ألاحداث بمدرسة‬ ‫ٍ‬ ‫تط َّو َرت ألاحداث إلى أن ت َح َّولت إلى‬
‫الكل يعلم أن ألاطفال بهذه املدارس بالتحديد‬ ‫للتعليم الفني الثانوي‪ ،‬بالطبع ُّ‬
‫ّ‬
‫املستمرة التي‬ ‫بعض إلاهمال الدراس ي مما يستدعي دور املشاحنات‬ ‫ُ‬ ‫ُيوجد بهم‬
‫ال تنتهي بينهم!‬
‫كان هناك صبيان أحدهما يدعي "علي" وآلاخر يدعى ّ‬
‫"حسان" ‪ ..‬منذ‬
‫ّ ً‬
‫مثال يرى َ‬ ‫الصغر َّ‬
‫نفسه‬ ‫تربى كالهما على الانتماء للقبيلة قبل أي ش يء فعلي‬
‫َ َ‬ ‫ًّ‬
‫أحد مثله في التاريخ والحضارة وألامجاد‪ ،‬وكان‬ ‫أصل فرعوني‪ ،‬ال‬ ‫نوبيا من ٍ‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ممتد‬ ‫نسب‬ ‫عربية في التاريخ‪ ،‬ولها‬
‫ٍ‬ ‫قبيلة‬
‫ٍ‬ ‫آلاخر "حسان" يرى نفسه من أقدم‬
‫إلى النبي ُم َح َّمد ‪-‬ملسو هيلع هللا ىلص‪ -‬خاتم املرسلين‪.‬‬
‫شباب في مقتبل‬
‫ٍ‬ ‫كان كالهما يسخران من بعضهما البعض ‪ ..‬مشاحنات‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصبية في عمرهم‬
‫ِ‬ ‫بين‬ ‫تحدث‬ ‫مشاحنات‬
‫ٍ‬ ‫كأي‬ ‫فهي‬ ‫عرف‬ ‫ت‬ ‫بدايتها ال‬ ‫العمر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مشاحناتهم لها جذور منذ بداية‬ ‫ف ُه ْم في الرابعة عشرة من العمر آلان‪ ،‬وكانت‬
‫تزداد مع الوقت‪ ،‬هناك من يقول‪ :‬بسبب فتاة‪ ،‬وهناك من‬ ‫ُ‬ ‫العام الدراس ي‬
‫‪11‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫يقول‪ :‬اختالف في وجهات النظر َّأدى إلى هذه املعركة التي كانت كالمية بينهما‬
‫في بادئ ألامر!‬
‫ُ‬ ‫والذي اد ألامر من َّ‬
‫حد ِته (حصة التاريخ) باملدرسة؛ فكانت عن آلاثار‬ ‫ز‬
‫َ‬
‫أن تاريخهم ُي َد َّرس‬
‫الفرعونية؛ نظر "علي" إلى "حسان" نظرة تعال وفخر َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫باملدارس‪ ،‬والحكومة املصرية ال تهتم لتاريخ القبائل العربية بل حتى هناك‬
‫ى‬ ‫َّ‬
‫ذكرها في أي‬ ‫ِ‬ ‫عدم‬ ‫بسبب‬
‫ِ‬ ‫بمصر‬ ‫كبر‬ ‫ية‬ ‫عرب‬ ‫لقبائل‬ ‫وجود‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫أن‬ ‫من يعلم‬
‫ُ‬
‫كتاب مدرس ّ ٍي كان ‪ ..‬وكيف لها أن تغفل الهجرة الكبرى لبني هالل والتي تعتبر‬ ‫ٍ‬
‫من أكبر الهجرات في تاريخ العروبة كلها‪.‬‬
‫هنا بدأ الصراع يشتعل أكثر من ذي قبل؛ انتظر "حسان" بعد انتهاء‬
‫وصفع ُه على وجهه؛ بالطبع "علي" لم يسكت؛‬ ‫َ‬ ‫الدراسة "علي" خارج املدرسة‬
‫عاديا بين الطلبة في هذه‬ ‫ًّ‬ ‫ور َّد له الصفعة وبدأت املشاحنات‪ ،‬كان شجا ًرا‬
‫املرحلة‪.‬‬
‫ْ‬
‫بادلتهُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫غضبا‪ ،‬وأخذ يحكي أل ِمه التي‬ ‫رجع "علي" إلى منزله وهو يشيط‬
‫ْ‬
‫بابتسامة هادئة وحاولت أن تهدئ من َر ْو ِعه‪ ،‬كانت أخته "آية"‬ ‫ٍ‬ ‫الحديث‬
‫كتابا فنظرت له في َت َم ُّ‬ ‫َ‬
‫جالسة فوق ألاريكة تقرأ ً‬ ‫ً‬
‫ض وو َّبخته‪" :‬دائما ما تجلب‬ ‫ٍ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫لنا املشاكل‪ ،‬ال أريد سماع حديثك هذا بعد اليوم"‪ ،‬وأخذت كتابها وانصرفت‬
‫ْ‬
‫وأغلقت الباب‪ ،‬حينما َّ‬
‫دق جرس هاتفها‪ ،‬كانت وصديقتها "خلود"‬ ‫حجرتها‬
‫ِ‬ ‫إلى‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ملحفظة القرآن الكريم باملسجد والتي‬ ‫اتفقا معا على اختيار الهدية املناسبة ِ‬
‫َ‬
‫اعتادا أن يحفظا معها القرآن والتي كانت تحب ألاعمال الخشبية بشدة‬
‫أن هناك نجا ًّرا تسمع‬ ‫وخاصة صناديق حفظ القرآن املُ َز ْر َك َشة‪ ،‬أخبرتها "آية" َّ‬ ‫ً‬
‫‪12‬‬

‫جيد في الحارة املجاورة لهم في منطقتهم التي تدعي (زرزارة) بالقرب من‬ ‫ّأنه ٌ‬
‫النجار واختيار‬ ‫بيت عمها‪ ،‬وأنها ستذهب إليه آلان وستقوم هي باالتفاق مع ّ‬
‫التصميمات‪.‬‬
‫َّ ْ‬ ‫ُ َّ َ‬ ‫ً‬
‫متحمسة ًّ‬ ‫ْ‬
‫وتوجهت‬ ‫جدا للصندوق املتفق عليه‬ ‫ارتدت مالبس الخروج‬
‫خاليا‬‫محل النجارة ً‬ ‫ص َل ْت إلى مكانه‪ ،‬كان ُّ‬ ‫ْ‬
‫أن َو َ‬ ‫ُ‬
‫وتسأل إلى‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫إلى الن َّجار تبحث عنه‬
‫ً‬ ‫َ َ َّ َ ْ‬
‫من ألاشخاص وبه مصنوعات خشبية جميلة‪ ،‬تلفتت يمينا ويسا ًرا وهي‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫تبحث عن صاحب املكان وتنادي وهي واقفة في واجهة املحل املفتوح‪ ،‬نظرت‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫أمامها فإذا هناك ٌ‬
‫أن املحل غرفة مأخوذة من املنزل‬ ‫باب بداخله ويبدو‬
‫أحد مشرو ًعا‬ ‫مفتوحة على الشارع ‪-‬فالعادة في الصعيد أنه إذا أ اد أن يفتح ٌ‬
‫ر‬
‫ً‬
‫يمكنه أن يأخذ غرفة من غرف منزله املطلة على الشارع ويفتح بها ما يريد من‬
‫أن النجار هنا فعل العادة‪.-‬‬ ‫املشا يع ويبدو َّ‬
‫ر‬
‫ٌّ َ‬
‫شاب َُمش ّ ِم ُر‬ ‫وجيزة خرج من الباب‬ ‫ٍ‬ ‫فترة‬
‫كانت تنادي وتنادي؛ وبعد ٍ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫الثياب‪ُ ،‬يمسك في يده منشفة‪ ،‬قو ّي البنية‪ ،‬مفتول العضالت‪ ،‬يبدو أنه في‬
‫بداية العشرينات من عمره‪ ،‬وما أن رآها حتى خجل وقال‪" :‬عذ ًرا سيدتي؛‬
‫ً‬
‫مرحبا بك"‪.‬‬ ‫َّ‬
‫أتوضأ‪.‬‬ ‫كنت‬
‫نظرت له قائلة‪" :‬اسمع يا أستاذ‪ً ،‬أيا يكن اسمك‪ .‬ال ُي ِهم ‪ ..‬الحقيقة أريد‬
‫ً‬
‫صندوقا خشبيا‪َ ،‬ح َسنا‪ ،‬هل تفهم في ألاشكال الهندسية والزوايا؟"‪.‬‬
‫ّ‬
‫"جربيني"‪.‬‬
‫ابتسم لها‪ِ :‬‬
‫‪13‬‬
‫َ‬
‫فاستطردت حديثها وبدأت تشرح له ما تريده من زوايا بدرجاتها‪،‬‬
‫النجار ما تعنيه‪ ،‬ولكن‬ ‫يفهم َّ‬
‫وألاشكال الهندسية بصندوقها في خوف منها أال َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أحمق َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ْ‬
‫وأن‬ ‫ُ‬ ‫وجهه تلك الابتسامة مرسومة ال تتزحزح ثم ش ُع َرت بأن ُه‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫ت‬ ‫ظل‬
‫حديثها ال ُيجدي معه ً‬ ‫َ‬
‫نفعا؛فمضغت بشفاهها وقالت‪" :‬هل تفهم ما أعنيه؟"‪.‬‬
‫َّ‬
‫لم يترك تلك الابتسامة البلهاء كما تراها؛ فبدأت تتوت ُر وقالت‪" :‬هل‬
‫ًّ‬
‫تفهم حقا ما أعنيه؟"‪.‬‬
‫ضح َك بشدة ثم نظر لها‪" :‬الحقيقة‪ ،‬أنت تتحدثين إلى ّ‬ ‫َ‬
‫شاب في الفرقة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حقا أبدو َ‬ ‫ًّ‬
‫أبله لهذه الدرجة!؟"‪.‬‬ ‫الرابعة بكلية الهندسة ‪ ..‬ولكن هل‬
‫ولكنها حاولت أن تتالش ى املوقف‪" :‬حسنا ال‬ ‫أحست إلاحراج من حديثه ّ‬
‫ُيهم"‪.‬‬
‫قة وقلم وبدأت تكتب مواصفات الصندوق بالتفصيل‬ ‫وأمسكت بور ٍ‬
‫قمها حتى يتصل عند الانتهاء من‬ ‫ٌ‬
‫مستمع لحديثها؛ بعدها طلب منها ر َ‬ ‫وهو‬
‫َ‬
‫تعطيه‬ ‫العمل به كما يفعل أي أحد في مجال هذه ألاعمال؛ لكنها رفضت أن‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫دائما ما تشعر بالخجل الشديد؛ ف َر َّد عليها قائال‪:‬‬
‫الرقم ‪ ..‬كانت ً‬
‫َ‬ ‫"ح َس ًنا‪ ،‬هل هناك أشباح معك تعطيني ر َ‬ ‫َ‬
‫قمها؛ فابلغها بانتهاء العمل‬
‫والقدوم الستالم الطلب!؟"‪.‬‬
‫ق‬ ‫َّ‬
‫وقت‬
‫أقرب ٍ‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫الصندو‬ ‫يد‬ ‫ر‬ ‫وأ‬ ‫قمي‬ ‫ر‬ ‫هو‬ ‫ها‬ ‫اللسان؛‬ ‫سليط‬ ‫ك‬ ‫أن‬ ‫‪"-‬يبدو‬
‫ممكن"‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫ّ‬
‫محل‬ ‫ّ‬
‫"حسان" إلى‬ ‫قالتها ِب ِح َّد ٍة وتركته وذهبت‪ ،‬في هذه ألاثناء دخل‬
‫وجهه؛ اقترب منه الفتى‬ ‫النجار وعالمات الحنق والغيظ تمأل َ‬ ‫الشاب املهندس ّ‬
‫وجلس بجواره وقال‪" :‬ابن عمي جالب املصائب ما الذي جنيته اليوم؟"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َر َّد عليه هو آلاخر بأن حكى له ما َح َدث معه ومع "علي"؛ وبالطبع َو َّبخ ُه‬
‫ً َّ‬ ‫َّ‬
‫بشد ٍة كما فعلت "آية" مع أخيها؛ فازداد "حسان" غيظا ألنه كان يريد منه أن‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫"دائما أنت هكذا يا‬ ‫ً‬ ‫ُينصفه ويقف في صفه ف َه َّم بالخروج وهو مغتاظ بشدة‪:‬‬
‫(أكرم)؛ لن أخبرك بش ٍيء آخر"‪.‬‬
‫ثم تركه وانصرف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ ٌ‬
‫في اليوم التالي جلست "آية" وهي ُم ْم ِسكة بهاتفها تتصفح موقع‬
‫ً‬
‫التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" فوجدت رسالة في بريدها إلالكتروني من‬
‫شخص ُيدعى (أكرم عبد املعطي) وصورة صفحته الشخصية هي صورة‬
‫قابلته أمس؛ ّ‬‫ْ‬ ‫الشاب ّ‬
‫تعجبت وفتحت الرسالة لتعرف ما هو‬ ‫ِ‬ ‫النجار الذي‬
‫النجار ألابله إلى الفتاة صاحبة الصندوق‪ :‬ما رأيك في هذه‬ ‫مكتوب بها‪" :‬من َّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َْ‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫التصميمات؟ مرفق صو لبعض التصميمات الحديثة؛ فلتختار منها ما‬
‫تشائين"‪.‬‬
‫ً‬
‫غيظا على ّ‬ ‫َ‬ ‫تعجبت منه بشدة؛ كيف َ‬ ‫ّ‬
‫تعجبها‬ ‫صفحتها؟! وزاد ألامر‬ ‫وجد‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬
‫غيظ وردت‬
‫بكالمه الذي به سخرية وتلميحات غريبة؛ فأمسكت بالهاتف في ٍ‬
‫جئت بصفحتي َ‬ ‫َ‬
‫ولم تتحدث بسخرية هكذا؟ وإن كنت‬ ‫على رسالته‪" :‬من أين‬
‫فليكن"!‬ ‫َ‬
‫أبله‬ ‫نفسك‬ ‫َ‬ ‫ترى‬
‫ضغطت علي ز ّر إلارسال وأغلقت الهاتف!‬
‫‪15‬‬

‫خجل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كان (أكرم) يعمل في محل النجارة التابع لوالده ويساعده دون‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫بار هكذا فهذه‬ ‫بابن ٍ‬ ‫ووالده يشعر بالسعادة الشديدة؛ ألن (هللا) أكرمه ٍ‬
‫مكانة مرموقة‪ ،‬إال أنه لم‬ ‫ً‬
‫مهندسا ذا‬ ‫الوظيفة ال ترقى أن يعمل بها لكونه‬
‫ٍ‬
‫يكترث إال لسعادة والده فقط‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫بجد دون كل ٍل‪ ،‬حين َد َّق هاتفه ُمعلنا عن قدوم رسالة‬
‫ّ‬
‫كان (أكرم) يعمل ٍ‬
‫ً‬
‫مسرعا‬ ‫للمرسل وابتسم؛ َّإنها هي‪ ،‬أمسك بالهاتف‬ ‫ِ‬ ‫إليه من إلانترنت؛ نظر‬
‫وفتح الرسالة ليقرأ ما بها‪ ،‬وعندما أحس منها أنها غضبت َه َّم بالرد بسرعة‪:‬‬
‫ٌ‬
‫"الحقيقة أنا كنت أداعبك وال أقصد إثارة غضبك ‪ ..‬متأسف لك"‪.‬‬
‫ّ‬
‫بالرد‬ ‫كانت هي ألاخرى بجوار الهاتف وعندما فتحت رسالته لم تقابله‬
‫عليها واكتفت باملشاهدة‪ ،‬فوجدته يبعث لها بأخرى‪" :‬هل أعجبتك‬
‫التصاميم؟"‪.‬‬
‫نجار أنت؟ تبعث بأعمالك على إلانترنت‪ ،‬ما هذا؟"‪.‬‬ ‫َر َّد ْت بانفعال‪" :‬أي ّ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬
‫غضبك‪ .‬سألت سؤالا وأريد إلاجابة‪ ،‬هل‬ ‫_"ح َسنا‪ ،‬ال أريد أن أثير‬
‫َُ‬ ‫أعجبتك أم ّ‬
‫سم فقط ولم أق ْم بالتنفيذ بعد ‪ ..‬اختاري منها ما‬ ‫أغيرها؟ ‪ ..‬هذا ر ٌ‬
‫ّ‬
‫يعجبك وأنا أنفذ"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ ً‬
‫_"ح َسنا‪ ،‬دعني أفكر"‪.‬‬
‫َ‬
‫صديقتها "خلود" بها الصور التي أرسلها لها لتأخذ‬ ‫ِ‬ ‫بعثت برسالة إلى‬
‫َ ً‬
‫"ح َسنا يا "آية"‪ ،‬من هذا املهندس‬ ‫بأيقونة ضاحكة‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ر َأيها؛ فأجابت صديق ُتها‬
‫ُ ٌ‬
‫ائعة كهذه يا عزيزتي؛ إنها ت َحف فنية"‪.‬‬
‫النجار الذي يرسل تصاميم ر ٍ‬
‫ّ‬
‫‪16‬‬

‫إعجاب منها بتلك التصميمات!‬‫ٍ‬ ‫ابتسمت "آية" بينها وبين نفسها في‬
‫ُ‬
‫بشرية لطلبة (جامعة‬
‫ٍ‬ ‫تنمية‬
‫ٍ‬ ‫ندوة‬ ‫في اليوم التالي بالجامعة‪ ،‬كانت هناك‬
‫ْ‬ ‫ًّ‬
‫أسوان) وكان املكان مكتظا بالطلبة ‪ ..‬دخلت "آية" وصديقتها "خلود"‬
‫املدرجات ً‬
‫خاليا للجلوس فيه‪،‬‬ ‫متأخرتين على وقتها وحاوال إيجاد مكان بين ّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫شابا ينادي من بعيد‪" :‬تفضلي آنسة "آية" اجلس ي مكاني؛‬ ‫سمعت "آية" ً‬
‫مصدر الصوت ‪ ..‬كان هو (أكرم) ولكن بمالبس أنيقة‬ ‫ِ‬ ‫سأقف أنا ‪ ..‬نظرت إلى‬
‫تختلف عن التي رأته بها في مكان عمله يحمل خلفه أدوات الهندسة على‬
‫كتفه"‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ َ ْ‬
‫وصديقتها وكان املقعد ضيقا؛ ألن املكان ال يكفي إال‬ ‫ُ‬ ‫شك َرت ُه وجلست هي‬
‫الغريب بها هو ذلك الشاب‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ولكن‬ ‫واحدا ‪ ..‬كانت املحاضرة َش ّي َق ًة ًّ‬
‫جدا‪،‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ينظر تجاهها ثم‬ ‫برأسها وجدته‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫(أكرم) والذي لم يرفع عينيه عنها؛ كلما أدار‬
‫كأنه لم يكن ينظر ً‬ ‫ى ّ‬
‫أبدا!‬ ‫جهة أخر‬ ‫ُ‬
‫يشعر بها وينظر إلى ٍ‬ ‫ُسرعان ما‬
‫َ‬
‫بعد انتهاء املحاضرة‪ ،‬نادى عليها‪" :‬آنسة آية ‪ ..‬الليلة استالم الصندوق‪،‬‬
‫أرجو أن يكون التصميم الذي اخترته قد نال إعجابك"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ً‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫موافقتها وذهبت مسرعة في‬ ‫علنة‬ ‫احم َّرت وجنتاها وأومأت ِ‬
‫برأسها م ِ‬
‫خجل!‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫صديقتها "خلود" ألنها‬ ‫جاء وقت استالم الصندوق؛ بالطبع َجل َبت معها‬
‫دفعها لجلب صديقتها معها! هي‬ ‫كانت تشعر بالخجل‪ ،‬هي ال تعرف ما الذي َ‬
‫‪17‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقط أحاسيس اعترتها؛ تارة باالرتباك وتارة أخرى ال تفهم ما الذي جال‬
‫بخلدها ودفعها لعدم الذهاب بمفردها!‬
‫غرامي‪ -‬والسعادة تمأل َ‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫وجهه‪،‬‬ ‫موعد‬ ‫كان (أكرم) يستعد للقائها ‪-‬وكأنه‬
‫حين دخلت أخته "سارة" وهي تنظر له وتغمز بعينيها‪" :‬أراك ُم ًّ‬
‫هتما بهذا‬
‫الصندوق‪ ،‬يا ترى ما ِس ُّر ُه الدفين؟"‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ ً‬
‫_"ح َسنا؛ اذهبي وأكملي مذاكرتك أو ابحثي عن البعثات أيتها املجنونة‬
‫بالهجرة واتركيني في حالي"‪.‬‬
‫والدنا يرفض خروجي‬‫_"أنت تسخر مني؟ سوف ترى أين سأكون‪ ،‬ولكن َ‬
‫من مصر‪ ،‬رغم أنه ُحلم حياتي"‪.‬‬
‫‪"-‬أنا أدعمك عزيزتي؛ ال تخافي"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تهرب من الحديث‪ ،‬أخبرني ما ُّ‬ ‫_"ح َس ًنا‪ ،‬ال ْ‬
‫َ‬
‫كلي آذان‬ ‫سر الصندوق ‪ِ ..‬‬
‫صاغية"‪.‬‬
‫فأمسك بالصندوق َ‬
‫وه ْر َو َل‬ ‫َ‬ ‫قاطعهم صوت "آية" من الخارج تنادي؛‬
‫أغلق الباب في وجهها‬ ‫َ‬ ‫خلفه على فعل ِته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫مسرعا ناحيتها وأخته تضحك من ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ص عليهما؛ فانطلقت "سارة" تنظ ُر من ثقب الباب امل ِط ّل على‬ ‫حتى ال َت َت َل ّ‬
‫ص َ‬
‫ُّ‬ ‫ََ‬
‫محل النجارة بالخارج وهي تت َن َّه ُد وفي داخلها تعلم بما ُي ِكن ُه أخوها ناحية‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫َ ْ ََ‬
‫الفتاة فالحب ال مخبأ له!‬
‫‪18‬‬
‫ُّ ْ‬
‫بالية كانت أمامه‬
‫ٍ‬ ‫رقة‬ ‫خ‬
‫ِ ِ ٍ‬ ‫ب‬ ‫فأمسك‬ ‫ب؛‬ ‫ق‬ ‫هو يعلم َّأنها تنظر من هذا الث‬
‫َ‬
‫يستجمع‬ ‫ووضعها بداخله!‪ ..‬واتجه بنظره آلية الواقفة أمامه وهو يحاو ُل أن‬
‫ُ‬
‫الخجل‬ ‫يربى كالهما على ألاخالق والقيم؛ يكون‬ ‫قواه للحديث معها‪ ،‬فحينما َّ‬
‫هو س َ‬
‫يد املوقف!‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ناحيتها وأعطاها إياه؛‬ ‫لم يعرف كيف يبدأ حديثه ‪ ..‬ق َّر َب الصندوق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ّ‬ ‫َم َّد ْت َ‬
‫فأحس الخجل وحاول أال يأخذها منها لكنها أصرت؛ ثم‬ ‫يدها بالنقود‬
‫َ‬ ‫وجد انه ليس هناك داع لرفض النقود َّ‬
‫غضبها فأخذها‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫سيزيد‬ ‫ه‬ ‫فض‬ ‫ر‬ ‫وأن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫على استحياء منها ‪ ..‬و"خلود" صديقتها واقفة تنظر إلى كليهما وتستشعر ما‬
‫ْ‬
‫بيد‬‫يجول بمكنوناتهما الداخلية؛ فبادرت بشكره والثناء عليه وأمسكت ِ‬
‫صديقتها وانصرفا ًّ‬
‫سويا‪.‬‬
‫كثيرا؛‬ ‫في الليل كانت "آية" تحاو ُل أن تسيطر على عقلها الذي يفكر به ً‬
‫ُ‬
‫فهي ال تعلم من يكون! وممنوع عليها أن ت ِح َّب من خارج القبيلة النوبية بل‬
‫أن ً‬ ‫عار؛ لو ُعلم َّ‬ ‫ّ‬
‫أحدا ُيحب‬ ‫كأنه ٌ‬ ‫ممنوع في الصعيد كله الحب ‪ ..‬الحب هنا‬
‫ٌ‬ ‫ً َّ َ َ‬
‫ممنوع‬ ‫قبيلة غير قبيلته ‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫أحدا كأنه كف َر أو ما شابه‪ ،‬والكفر ألاكبر لو كان من‬
‫َْ‬
‫هنا املشاعر فإن ُو ِج َدت خارج أبناء القبيلة؛ عليهم وأد هذه املشاعر فورا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬

‫حب‬ ‫أحد بأي ّ‬ ‫كانت الشبك ُة العنكبوتية هي املالذ آلامن دون أن يشعر ٌ‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫غريب ألاطوار ‪ ..‬تساءلت بينها وبين‬ ‫ِ‬ ‫الشاب‬
‫ِ‬ ‫ذلك‬ ‫من‬ ‫ى‬ ‫أخر‬ ‫سالة‬ ‫كان ‪ ..‬إنها ر‬
‫نفسها‪ :‬هل تفتح الرسالة؟ لقد انتهت الخدمة التي طلبتها‪ ،‬ملاذا سيكون‬
‫َ‬ ‫شيئا ما بداخلها ال تعرفه َ‬ ‫ً‬ ‫بينهما حديث؟ ‪ّ ..‬‬
‫دفعها لفتح الرسالة‪" :‬ل ْم‬ ‫لكن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تخبريني يا "آية" هل أعجبك ما قمت بصعنه؟"‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫تكتب‬ ‫تكتب ‪ ..‬يداها ترتعدان خوفا من مجاراته في الحديث‪،‬‬ ‫حاولت أن‬
‫ً‬
‫غريب ألول مرة بداخلها يجعلها مرتكبة ال تعرف ما الذي‬ ‫ٌ‬ ‫تمس ُح ‪ ..‬شعو ٌر‬
‫ثم َ‬
‫خوف وخلدت إلى النوم!‬
‫ٍ‬ ‫عليها صنعه؛ فأغلقت الدردشة في‬
‫كل ش يء؟ َّإنها الجامعة ‪ ..‬لن ينتهي أن تراه أو يراها ‪ ..‬إنها‬ ‫هل انتهى ُّ‬
‫ً‬ ‫أمامها‪َّ ،‬‬
‫طيلة الوقت وهو َ‬ ‫َ‬
‫لكنها حاولت تالشيه إلى أن وجدته واقفا أمام‬ ‫أمامه‬
‫ً‬ ‫ْ َ‬ ‫كليتها؛ حاولت كعادتها أن تدعي َ‬
‫عدم رؤيته ‪ ..‬ابتلعت ريقها ومضت مسرعة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫بعيدة عنه‪ ،‬اتجهت إلى محاضرتها ‪ ..‬مضت ساعة كاملة بعد انتهاء املحاضرة‬
‫واقفا ُم َس َّم ًرا على أبواب الكلية ال ّ‬ ‫ً‬ ‫‪ ..‬خرجت لتجده ما ُ‬
‫يتحرك ‪ ..‬ناظراه‬ ‫يزال‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫الحب الذي ال يفرق بين ّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ‬
‫وأعجمي كما أراده (هللا) ‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫عربي‬
‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫إن‬ ‫ها؛‬ ‫ناحيت‬ ‫تتان‬ ‫مثب‬
‫ُ‬
‫إنها إلانسانية التي تحب دون ممنوع أو عادات جاهلية ‪ ..‬إنه العشق الذي‬
‫يباغتنا دون أن نعلم أسبابه أو كينونته ‪ ..‬إنها الفطرة التي حاول الكثير أن‬
‫َ‬
‫دنيوية تتنافى مع حدود هللا وشرائعه!‬ ‫ٍ‬ ‫يشو َهها حتى تتماش ى مع قوانين‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫وقفت وهي مرتبكة أمامه‪َ :‬‬
‫"لم تتبعني ‪ ..‬هكذا؟ ماذا تريد مني؟"‪.‬‬
‫_"آسف لقد كنت أريد أن أعرف رأيك في الصندوق ‪ ..‬إن لم يعجبك؛‬
‫ُ‬
‫صنعت لك غيره"‪.‬‬
‫ُ‬
‫لم أخذته منك‪ ،‬كنت سأر ُّده إليك ثانية"‪.‬‬ ‫_"إن كان لم يعجبني؛ َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ً‬
‫"ح َسنا‪ ،‬اطمأننت آلان‪ ،‬أرى أنه أعجبك"‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬
‫خجل ومضت من أمامه‪ ،‬بداخله أراد فقط‬ ‫ٍ‬ ‫نظرة‬ ‫ابتسمت له وبادلته‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بتسامتها‬ ‫بسمة صغيرة من حبيبته‪ ،‬كان ما يحلم به في تلك اللحظة أن يتذكر ا‬
‫‪21‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ..‬هو ال يعلم ما الذي دهاه! ل َم ينتظر منها ابتسامة أو نظرة َ‬
‫لم يتذكر تلك‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ُّ‬ ‫املواقف بينهما ّ‬
‫وكأنها شريط ذكريات ال يكف عن إعادة نفسه ‪ ..‬كانت ألايام‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫كأنها سنون طويلة‪ ،‬حتى يراها‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫القليلة َت ُم ُّر َّ‬
‫وكأن الكون كله توقف عند‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ابتسامتها َّ‬
‫وء القمر است َم َّد جماله من تلك البسمة على شفاهها!‬
‫وكأن ض َ‬
‫ِ‬
‫في أحد ألايام ‪-‬وفي املواصالت خارج الجامعة تصطف السيارات في‬
‫سائق على وجهته‪ -‬ركب سيارة ألاجرة التي تركبها‬ ‫كل‬ ‫محاذاة بعضها وينادي ُّ‬
‫ٍ‬
‫ص ْم ٍت كعادتها فوجدت‬ ‫دون أن تنظر فتعرف أنه ركب معها‪ ،‬وجلست في َ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫رسالة بهاتفها تدق معلنة وصولها؛ فتحتها لترى ما هي ‪ ..‬إنه هو‪" :‬تبدين‬
‫ٌ‬
‫أجمل وأنت هادئة هكذا"!‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫وجهها وأغلقت الهاتف َّ‬
‫كأنها لم ت َر شيئا ‪ ..‬رسالة أخرى‪" :‬ما‬ ‫فاحمر ُ‬
‫َّ‬
‫تزالين جميلة حتى وأنت غاضبة"!‬
‫ََ َ ْ‬
‫غيظ؛ فضحك ‪ ..‬كانت الرسالة ترسل من خلفها؛ إنه هو؛‬ ‫نفخت في ٍ‬
‫تفاجأت وأنزلت ر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خجل شديد‬ ‫ٍ‬ ‫في‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫ألا‬ ‫إلى‬ ‫ونظرت‬ ‫ها‬ ‫أس‬ ‫ها؛‬ ‫خلف‬ ‫جالس‬
‫َ‬ ‫ْ ً‬
‫ولكنها سرعان ما قالت له في ِح َّد ٍة‪" :‬ما الذي تريده‬ ‫مرة أخرى َّ‬ ‫وابتسمت‬
‫مني؟"‪.‬‬
‫َّ َ‬
‫تأسف لها ونزل من السيارة واستقل غيرها ‪ ..‬عادت إلى املنزل وهي في كل‬
‫ً‬
‫دقيقة تفتح هاتفها تتحسسه هل هناك رسائل أخرى منه؟ ‪َ ..‬ح َسنا‪ ،‬ال ش يء ‪.‬‬
‫َ ّ‬ ‫تتوتر وأحست َّ‬ ‫ّ‬
‫تفك ُر‬
‫ِ‬ ‫ولم‬ ‫دهاها‬ ‫الذي‬ ‫ما‬ ‫‪..‬‬ ‫معه‬ ‫فعلتها‬ ‫على‬ ‫حمقاء‬ ‫ها‬ ‫أن‬ ‫‪ .‬بدأت‬
‫سائلها بهذه الطريقة الجنونية؟ يا إلهي هل‬ ‫َ‬
‫فيه هكذا؟ لم تبحث عنه في ر ِ‬
‫‪21‬‬
‫َ‬ ‫ُيعجبها؟ َن َع َت ْت َ‬
‫نفسها بالحماقة ملجاراة تلك ألامور وأقنعت عقلها أنها‬
‫كل ش يء!‬ ‫ستنس ى َّ‬
‫ً‬
‫سوءا مع "علي" أخيها ومع "حسان"‬ ‫في تلك ألاثناء كانت ألامور تزداد‬
‫ابن عم "أكرم"!‬
‫ما يزال الفتيان في حماقتهما ومشاكلهما املستمرة والكل ال يهتم فهي‬
‫ََْ ْ‬
‫مجرد مشاحنات عابرة بين أطفال ليس أكثر ‪" ..‬آية" لم تكت ِرث ألخيها وأحست‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫فسجلت‬ ‫هية لتنس ى ما حدث معها؛‬ ‫أنها في حاجة إلى تغيير جو ورحلة ترفي ٍ‬
‫اسمها في الرحلة الذاهبة إلى جزيرة "دهب" بأسوان؛ جزيرة جميلة بها أماكن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫عموما قضاء أوقات ُم ْم ِت َع ٍة بها َو َسط ماء النيل‪،‬‬
‫ً‬ ‫اعتاد الطلبة والناس‬ ‫خالبة‬
‫والخضرة التي تسلب العقول‪ ،‬والهدوء الذي يبحث عنه الجميع‪.‬‬

‫املعتاد أن يكون هناك قاربان واحد للشباب وآلاخر للشابات بأي ر ٍ‬


‫حلة‬
‫َ ْ‬ ‫ٌ‬
‫ومرح ور ٌ‬ ‫جامعية‪ ،‬والطلبة طيلة الوقت ٌ‬
‫قص إلى أن يصل القارب إلى‬ ‫غناء‬ ‫ٍ‬
‫سريعا والضحات تمأل املكان وكانت من‬ ‫ً‬ ‫وجهته املنشودة‪َ ،‬ه َّم ُّ‬
‫الكل بالنزول‬
‫َ َ‬
‫طبيعة‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫أنفاس ال‬ ‫لوهلة صغيرة وبدأت تش ُّم‬‫ٍ‬ ‫ضمنهم "آية" التي أغمضت عينيها‬
‫تتجول إلى استكشاف املكان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الساحرة‪ ،‬ثم فتحتهما وقادتها قدماها وهي‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫وهكذا دون أن تدري وجدت َ‬
‫نفسها قد ابتعدت قليال عن زمالئها بالرحلة‬
‫ٌ‬
‫مال ناعمة‪ ،‬والشمس‬ ‫الشوكي ُة‪ ،‬به ر ٌ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ألاشجار الصغيرة‬ ‫وكانت في مكان تكسوه‬
‫ً‬
‫شديدة َّ‬ ‫ً‬
‫ألنها‬ ‫الحارقة تعلوه وأمامه مباشرة مياه النهر العذبة؛ أحست راحة‬
‫بعيدا عن الضوضاء الصادرة من زمالئها‪ ،‬وبدأت‬ ‫كانت تبحث عن الهدوء ً‬
‫‪22‬‬

‫تتنفس الهواء العليل وتبتسم في سعادة بجمال املكان والهدوء به‪ ،‬فباغتها‬
‫صوت من خلف ألاشجار‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫ّ‬ ‫َ ً‬
‫أنت من قدم إلى مكان‬‫جالس هنا‪ ،‬هذه املرة لم أتطفل ‪ِ ..‬‬‫ٌ‬ ‫"ح َسنا‪ ،‬أنا‬ ‫‪-‬‬
‫عزلتي"‪.‬‬
‫ْ‬
‫نظرت إلى مصدر الصوت والذي خرج من خلف ألاشجار ‪ ..‬يا إلهي إنه‬
‫ُ‬ ‫هو! َّ‬
‫تسمرت في مكانها دون حراك منها؛ فقط تنظر إليه وال تدري ما الذي‬
‫عليها فعله‪ ،‬ظل هو آلاخر ينظر إلى عينيها وتالقت ألاعين في سحابات الحب‬
‫الخيالية ‪ ..‬فدنا منها خطوة إلى ألامام‪:‬‬
‫‪"-‬يا إلهي! تملكين أجمل عيو ٍن فرعونية رأيتها في حياتي ‪ ..‬من قال أن‬
‫"نفرتيتي" هي الاجمل؟!"‪.‬‬
‫وحمرة الخجل تكسو َ‬ ‫ُ‬
‫وجهها الجميل فاستوقفها‪" :‬ملاذا‬ ‫حاولت الذهاب‬
‫يم إلى هذا الحد!؟"‪.‬‬‫تهربين مني ‪ ..‬هل أنا َدم ٌ‬
‫ِ‬
‫َ َ‬
‫_"بالطبع ال ‪ ..‬لكني لم أ ْعت ْد الحديث مع الشباب ‪ ..‬أنت تعلم ‪ ..‬لم ُي َر ِّبنا‬
‫ُ‬
‫أهلنا على تلك العادات الغربية"‪.‬‬
‫ً‬
‫حديثا خار ًجا أو ً‬
‫كالما به أي تطاول!؟"‪.‬‬ ‫_"وهل تسمعين مني‬
‫_"ال أعلم"‪.‬‬
‫َ‬
‫قالتها وابتسمت وهي ت ُه ُّم بالذهاب‪ ،‬فاعترض طريقها ووقف أمامها‪" :‬وال‬
‫أنا يا "آية" لم أعتد أن أحادث الفتيات‪ ،‬ولست ًّ‬
‫شابا تافها يهتم بصحبة‬
‫‪23‬‬
‫ً‬
‫النساء من أجل اللهو ‪ ..‬أنا لم أفعل شيئا في حياتي هذه غير العلم والدراسة‬
‫َّ ُ‬ ‫ً‬ ‫والع َمل مع والدي ‪ ..‬كان ُحلم والدي أن أكون‬ ‫َ‬
‫مهندسا وقد حققته له وأقسم‬
‫َّ‬
‫لك أنني ال أعلم ما الذي يدفعني للحديث معك ‪ ..‬أو لرؤيتك ‪ ..‬أنا أصبحت‬
‫ُ‬
‫أشعر‬ ‫إليك؛‬ ‫ًّ‬
‫أذهب يوميا إلى مكان كليتك فقط ألراك هناك ‪ ..‬بمجرد أن أنظر ِ‬
‫تديت فيه التنورة الزرقاء ‪ ..‬كانت تبدو‬
‫شديدة ‪ ..‬تعلمين اليوم الذي ار ِ‬
‫ٍ‬ ‫براحة‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫عليك عالمات الحزن ‪ ..‬ال أعرف ملاذا كدت أ َج ُّن وأذهب ألسألك أو َ‬
‫أقتل من‬
‫ًّ‬ ‫اقترف ً‬
‫جرما تجاهك وجعل عينيك يشوبها الحزن ‪ ..‬حقا أنا ال أعرف ملاذا‬
‫أهتم هكذا"‪.‬‬‫ُّ‬

‫تعجب‪" :‬وماذا تسمي أفعالك هذه!؟"‪.‬‬ ‫نظرت له في ُّ‬


‫ً‬
‫_"ال أعرف" ‪ ..‬سكت برهة ‪ ..‬ثم قال‪ُ " :‬ر َّبما أنا أحبك!"‪.‬‬
‫وأمسكت حجابا صغيرا ُي ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ً‬
‫سمى "إيشارب" كانت تربطه‬ ‫وجهها خ َجال‬ ‫ازداد‬
‫ٌ‬
‫في يدها كنوع من أنواع املوضة في املالبس‪ ،‬وهي مرتبكة؛ فوقع منها على‬
‫ببصره إلى أن اختفت من‬ ‫ها‬ ‫مسرعة ‪َ ..‬ت َت َّب َ‬
‫ع‬
‫ً‬
‫ألارض‪ ،‬فتركته وهمت بالذهاب‬
‫ِ‬
‫املكان؛ فخرج هو آلاخر وجلس وسط الشباب‪ ،‬وهي هناك بين الفتيات وعيناه‬
‫ترقبانها أينما ذهبت وهي ألاخرى تتبعه ببصرها وبمجرد أن تتالقى عيناهما؛‬
‫ْ‬ ‫تخجل وتنظر ً‬
‫بعيدا عنه في أي اتجاه إلى أن انتهت الرحلة‪.‬‬
‫ْ‬
‫َم َّرت ثالثة أيام بعد تلك الرحلة الجميلة وهي ال تراه في الجامعة وال‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫تعرف عنه شيئا؛ ففتحت صفحته في الفيس بوك لتتحسس أخباره؛ ووجدت‬
‫َّ‬
‫منشورات أصدقائه تتمنى الشفاء العاجل له ‪ ..‬علمت من خاللهم أنه تعرض‬
‫لحادث وأنه مريض؛ كاد عقلها أن يطير ‪ ..‬ال تعرف ما الذي عليها فعله‪ ،‬كيف‬ ‫ٍ‬
‫‪24‬‬
‫ً‬
‫تطمئن عليه؟ ‪ ..‬فارتدت مالبسها وذهبت مسرعة إلى محل النجارة الخاص به‬
‫َّ ً‬ ‫ّ‬
‫اتجاه؛ ولم‬
‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫في‬ ‫تنظر‬ ‫‪-‬‬ ‫الذهاب‬ ‫تعمدت‬ ‫ألنها‬ ‫وليس‬ ‫‪-‬‬ ‫بالصدفة‬ ‫ة‬‫‪ ..‬وكأنها مار‬
‫ً‬
‫جالسا‬ ‫تجده وال تعرف ما الذي عليها فعله حتى تطمئن عليه ‪ ..‬كان ُ‬
‫والده‬
‫حاولت أن تسأله لكن حياءها َ‬ ‫ْ‬
‫منعها؛ فعادت‬ ‫وسط ألاخشاب‪ ،‬ولم يشعر بها‪،‬‬
‫تشجع َ‬ ‫ّ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫نفسها‬ ‫إلى املنزل مرة أخرى وأمسكت بهاتفها وحاولت مراسلته وهي‬
‫ولكنها تشجعت في النهاية وقامت بارسالها‪" :‬أتمنى أن‬ ‫حتى ترسل له الرسالة َّ‬
‫َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫حادث أليم"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تكون بخير؛ لقد علمت من منشورات أصدقائك أنك أصبت في‬
‫ُ‬
‫سريعا عليها والسعادة تعتريه‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وقبل أن ترسل باقي الرسالة؛ كان ر ُّده‬
‫يبترها‪ ،‬ولكنه وهلل‬‫"نعم‪ ،‬الحمد هلل ‪ ..‬املنشار الكهربائي وقع علي قدمي وكاد أن َ‬
‫َ‬
‫الحمد ُج ْر ٌح بسيط طلب مني الطبيب الراحلة ملدة ثالثة أيام في املنزل"‪.‬‬
‫أتمنى أن تقوم بعافية وصحة"‪.‬‬ ‫_"الحمد هلل‪َّ ،‬‬
‫_"آية ‪ ..‬أنا سعيد ًّ‬
‫جدا لسؤالك هذا ‪ ..‬يا ليت قدمي قد أصيبت منذ‬
‫زمن"‪.‬‬
‫استرد عافيتك ‪َّ ..‬‬
‫أتمنى لك الشفاء العاجل"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫_"ال تقل هذا ‪..‬‬
‫ٌ‬
‫هكذا بدأ الحديث بينهما على إلانترنت ‪ ..‬في البداية لالطمئان ‪ ..‬حديث‬
‫ّ‬ ‫عابر عاد‪ ،‬كان ُ‬
‫يقصان بعض أفراحهما‬ ‫يزيد كل يوم عن آلاخر ‪ ..‬بدأا‬ ‫ٌ ٍ‬
‫ُ َّ‬
‫وأحزانهما ‪ ..‬حتى أيامهم العابرة وامل ِملة كانت فيها لذة في الحديث ‪ ..‬كانا‬
‫ً‬ ‫يقضيان الساعات الطوال دون كلل أو َم َلل في أحاديث ُ‬
‫يجدها الغير تافهة‬ ‫ٍ‬
‫‪25‬‬
‫َّ‬ ‫وحنينا إلى آلاخر ُوتشبع ُ‬
‫الح َّب الذي كان يتغذى من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫القلب شوقا‬ ‫تله ُب‬ ‫ها‬ ‫َّ‬
‫ولكن‬
‫ِ‬
‫كل يوم ويصيرأكبر من ذي قبل!‬‫هذا الحديث ليكبر َّ‬

‫حتي جاء اليوم الذي فتحت فيه رسائلها ووجدت تلك الرسالة التي‬
‫تنتظرها أي فتاة تحب‪:‬‬
‫" آية ‪ ..‬أنا ُّ‬
‫أحبك"‪.‬‬
‫فتاة تحب هذا‬ ‫ُّ‬
‫فقط كلمتان "أنا أحبك" كانتا كفيلتين أن تقتل أي ٍ‬
‫ُ‬
‫الشخص من السعادة ‪ ..‬شعو ٌر ال يوصف! من أ ِح ُّبه يرسل لي كلمة "أحبك" ‪..‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫ً ُ‬
‫أيضا تحبه ‪ ..‬هل تخبره أم ت ْسكت ‪ ..‬هل تقاوم‬ ‫يا إلهي‪ ،‬ماذا تفعل؟ إنها‬
‫الحب؟ ليس هناك سبيل للتراجع ‪َّ ..‬إنها في عرض البحر ‪ ..‬لقد أصبح ُ‬
‫قلب‬
‫ْ‬
‫حاولت املقاومة َّ‬ ‫مشبعا إلى آخره ّ‬ ‫ً‬
‫لكنها لم تهتم ‪ ..‬ال يهم في‬ ‫بحب آلاخر ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫كليهما‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وجهها أحمر من‬ ‫مبتسمة ‪ُ ..‬‬
‫ٍ‬ ‫بأيقونة‬
‫ٍ‬ ‫هذه املرحلة ‪ ..‬نعم‪َّ ،‬إنها تحبه ‪ ..‬أجابت ُه‬
‫تعبر عن حالتها ‪ ..‬كاد أن‬ ‫الخجل وتملؤها السعادة ‪ ..‬وكأن في هذه ألايقونة ّ‬
‫تماما؛ ثم أرسل رسالة منه‪:‬‬ ‫يجن ً‬ ‫يطير من السعادة بل كاد أن ّ‬
‫ْ ُ‬
‫‪"-‬أتقبلين بي زو ًجا ‪ ..‬لقد َح َّدثت والدي وهو ال مانع عنده ‪ ..‬وأنا عند‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ألني ألاول على الدفعة ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬ووظيفتي‬ ‫التخرج سوف أعمل معيدا ‪ِ ..‬‬
‫مضمونة ‪ ..‬ما رأيك؟"‪.‬‬
‫_"أنا موافقة ولكن ‪ ..‬من أي قبيلة ّ‬
‫نوبي ٍة أنت ؟"‪.‬‬
‫_"أنا لست ًّ‬
‫نوبيا"‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫سكتت برهة وهي مصدومة‪" :‬يا إلهي ‪ ..‬إنه ليس ًّ‬
‫نوبيا؛ سيموت ُ‬
‫قلبها من‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الق ْه ِر والحزن! لن يوافق أهلها ‪ ..‬ترى من أين هو؟"‪.‬‬
‫قبيلة أنت إذن؟"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫_"من أي‬
‫َّ‬ ‫قالها في حز ٍن‬
‫شديد وهو يعلم أنه حكم على حبها في هذه اللحظة‬ ‫ٍ‬
‫باإلعدام ‪-‬عندما علم ّأنها ليست من قبيلته‪" :-‬أنا هاللي"‪.‬‬
‫وأغلق هاتفه وانغلق في غرفته ‪ ..‬ال يعرف ما الذي عليه فعله ‪ُ ..‬‬
‫قلبه‬
‫َّ‬ ‫مشتعل بالنيران وليس هناك سبيل أو ٌّ‬‫ٌ‬
‫حل في هذه املصيبة التي حلت عليهما‬
‫كبيرا عليهما تحمل‬ ‫الحب سيكون ً‬
‫جرما ً‬ ‫ّ‬ ‫يتزوجا ‪ ..‬حتى‬ ‫‪ ..‬ممنوع عليهما أن ّ‬
‫عواقبه!‬
‫ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّ ْ‬
‫َّأما هي ‪ ..‬عندما تلقت رسالته وعلمت من هو؛ ألقت بالهاتف‪ ،‬ووضعت‬
‫ً‬ ‫يدها على فمها ‪ُ ..‬‬
‫تكتم صرخة كادت تخرج منها عيناها ‪ ..‬تتساقط منها الدموع‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ َ ّ ُ‬ ‫َ‬
‫مالبسها‪ ،‬وارتمت على سريرها ‪ ..‬ال تح ِدث أحدا وال‬ ‫دون أن تشعر ‪ ..‬تغرق‬
‫تعرف ماذا تفعل!‬
‫في تلك ألاثناء ‪ ..‬كانت النيران تشتعل بين "علي" و"حسان" على أشدها‪،‬‬
‫ّ‬
‫عمه ليخبره بخالفه مع "علي" ويحاول ُّ‬ ‫ًّ‬
‫عمه‬ ‫كان "حسان" يأتي يوميا إلى منزل ِ‬
‫َ‬
‫تهدئته ويكتفي بهذا‪َّ ،‬أما (أكرم) فكان يحاول أن يتالشاه؛ فما هو فيه ال‬
‫حس َّ‬
‫أن العالم‬ ‫يحتمل معه أن يسمع أي خالفات من أي شخص كان ‪ ..‬كان ُي ُّ‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫عاجز عن فعل أي ش يء!‬ ‫كله قد توقف وأنه‬
‫‪27‬‬
‫َ‬
‫لكنه لم يستطع الاستسالم؛ ق َّر َر أن يتصرف وأنه ال ُب َّد أن يتواصل معها‬
‫إليجاد ّ‬
‫حل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫وسادتها وتحاول‬ ‫ُ‬ ‫كلما َّ‬
‫دق هاتفها وكان هو املتصل؛ كانت تتنهد وتحتضن‬
‫ّ‬
‫الرد على مكاملته ‪ ..‬ثم تخاف وتبتعد!‬
‫جرم‬ ‫من‬ ‫تقترب‬ ‫ها‬ ‫َك َّر َر املحاولة عدة مرات؛ حتى اقتربت من الهاتف َّ‬
‫كأن‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫تشجع َ‬ ‫كبير‪ ،‬وحاولت أن ّ‬
‫ٌ‬
‫صغير لإلجابة عليه ‪ ..‬ثم‬ ‫نفسها مرة أخرى ‪ ..‬إنه ز ٌّر‬
‫َّ‬ ‫ًّ‬
‫َّإنها ستحاول أن تجد حال حتى تنساه؛ ألنه ليس هناك سبيل إال الانفصال‪.‬‬
‫ً ْ‬
‫أخيرا ر ّدت على الهاتف‪" :‬نعم ‪( ..‬أكرم)"‪.‬‬
‫َ‬
‫_"لم ْ‬
‫لم تردي على الهاتف ‪ ..‬ستقتليني بأفعالك"‪.‬‬
‫ً‬
‫_"تعلم أن ما تريده مستحيال"‪.‬‬
‫_"فلنهرب ‪ ..‬سأترك جامعتي َّ‬
‫وكل ش يء من أجلك"‪.‬‬
‫بالوحل ‪ ..‬كيف لي أن أفعل بهم هذا!؟"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫_"وهل تريد أن أضع رأس أهلي‬
‫قليال قبل الانفصال ‪ ..‬ربما هناك ّ‬ ‫َّ ْ ً‬
‫حل ‪ ..‬تعلمين أني أحبك‬ ‫_"فلنتريث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كثيرا‪ ،‬لقد أصبحت حياتي مستحيلة بدونك"‪.‬‬
‫ُ ْ‬ ‫_"أنا أيضا أحبك"‪ْ .‬‬
‫قالتها وصوت َحش َر َج ٍة يخرج منها والدموع ال تترك‬
‫طريقة‬ ‫َ‬
‫إيجاد‬ ‫يحاوالن‬ ‫عيناها ‪ ..‬أغلقا الهاتف وهما يحترقان ولكن عليمها أن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أو طو ِق ٍ‬
‫نجاة ملا هما فيه!‬
‫‪28‬‬

‫َ َ‬
‫(امل ْع َركة)‬

‫فكال منهما ُّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫يعتز‬ ‫و"حسان"؛‬ ‫أشده بين "علي"‬ ‫احتدم الصراع على‬
‫كل‬‫أن إلاسالم قد َه َد َم َّ‬‫بقبيلته وبأهله وكأن ال اعتبار لدين هللا هنا؛ ال اعتبار َّ‬
‫هذه الفتن والحروب الجاهلية ‪ ..‬ال اعتبار هلل – َع َّز َو َج ّل‪ -‬الذي أمر‪:‬‬
‫كل البعد عن‬ ‫كل ش يء هنا ٌ‬
‫بعيد ّ‬ ‫تفرقوا" ‪ُّ ..‬‬ ‫ً‬
‫جميعا وال َّ‬ ‫"واعتصموا بحبل هللا‬
‫ٍ‬
‫تعاليم إلاسالم!‬
‫َ‬
‫بحسان؛ فيتواعدا على اللقاء بعد‬ ‫ّ‬ ‫علي يضيق ذ ْر ًعا‬ ‫وهذا ما جعل ٌّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شديدا‪ ،‬وبالطبع كال‬ ‫املدرسة وبالفعل بعد انتهاء اليوم الدراس ي اقتتال قتاال‬
‫منهما له أصدقاء وأقارب من املدرسة لن ُيعجبهم ما يحدث؛ فاحتدم الصراع‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫وانقسم الصبية إلى صف ْين؛ كل فريق إلى قبيلته انحاز وكبر الصراع أكثر‬
‫َّ‬
‫وتخطى حاجز الوالدين لينال من أقاربهم ِم َّمن في أعمارهم ‪ ..‬حاول املعلمون‬
‫َ‬
‫السيطرة على الصبية دون جدوى‪ ،‬وبعد انضمام بعض ألاهالي من خارج‬
‫املدرسة إلى جانب املعلمين استطاعوا السيطرة على الصبية وتفريقهم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُّ‬
‫كان الكل في حالة مز ِر ٍية؛ مالبس ممزقة‪ ،‬ودماء تمأل كل ٍ‬
‫ركن في‬
‫باستدعاء‬
‫ٍ‬ ‫أمرا‬ ‫ّ‬
‫سيتم إعطاؤهم ً‬ ‫أجسادهم الصغيرة ‪ ..‬بالطبع في هذه الحالة‬
‫لولي ألامر‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫ً‬
‫كان "علي" قد استشاط غيظا؛ فذهب في الليل إلى أبناء عموم ِته واتفقا‬
‫علي الكيد لآلخرين‪.‬‬
‫ُ َّ‬
‫كانت املدرسة بجوار كلية التربية بأسوان حيث أصبحت الخطة هي‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫بملء الجدران ِكلها بكل‬
‫ِ‬ ‫طالء جدران كلية التربية بما يشفي غليلهم وقاموا‬
‫أنواع السباب والكالم الجارح ألبناء القبيلة ألاخرى؛ أفاق أهل "أسوان" على‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ستهم‪.‬‬
‫تغطي جدران الكلية ِكلها وصوال إلى مدر ِ‬‫الشتائم هذه ِ‬
‫عند مجيء أولياء ألامور؛ وجدوا السباب والشتائم من الفرقة ألاخرى‬
‫َّ‬
‫وبقوة إلى التصدي لهذا ألامر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫التي وقع عليها الفعل‪ ،‬ألامر الذي دفعهم‬
‫وطلبوا مسح الجدران ومعاقبة الفاعل وب دأت املشاجرة بين الكبار ‪ ..‬احتدم‬
‫تطور إلى الرشق بالحجارة على‬ ‫ألامر إلى أن وصل إلى التشابك باأليدي‪ ،‬ثم ّ‬
‫بعضهم البعض‪.‬‬
‫فشال ذر ً‬ ‫ً‬
‫يعا‪ ،‬ألامر الذي‬ ‫حاول املعلمون السيطرة هذه املرة ففشلوا‬
‫رة بعد أن َّات َ‬ ‫ّ ً‬ ‫ََْ ْ‬ ‫َّ‬
‫صل‬ ‫متأخ‬
‫اضطرهم إلى الاتصال بالشرطة ولكن الشرطة جاءت ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ليأتي لنجدته وكانت معركة طاحنة‪ ،‬وبدأ الضرب‬ ‫بأهله وعشير ِته‬
‫جل ِ‬ ‫كل ر ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫البيضاء ‪ ..‬حاولت الشرطة السيطرة ولكن‬ ‫ِ‬ ‫بالعصيان الخشبية وألاسلحة‬
‫ُ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫صعبا ًّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫جدا؛ فألقت عليهم القنابل املسيلة للدموع لتفرقتهم‪،‬‬ ‫كان تفريقهم‬
‫َ‬
‫ألامر الذي ف َّرقهم بالفعل ولكن الكثير من أهل املنطقة هرب بأطفاله من‬
‫وباال على ّ‬‫ً‬
‫كل ساكني‬ ‫ِ‬ ‫الدائرة والتي أصبحت‬‫ِ‬ ‫والحرب‬
‫ِ‬ ‫املسيلة‬
‫ِ‬ ‫رائحة القنابل‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الحرب الطاحنة هذه عن العديد من الجرحى بين‬ ‫املنطقة ‪ ..‬بالطبع أسفرت‬
‫َّ ْ‬ ‫ولكن َ‬ ‫أبناء القبيلتين َّ‬
‫ألامر لم يتوقف عند هذا‪ ،‬بل كانت هذه البداية!‬
‫‪31‬‬

‫تأكل الجميع بسبب‬ ‫ذهب الرجال من بني هالل إلى منا ِزلهم والنار ُ‬
‫ٍ‬
‫متهو ٌر لم‬ ‫شباب ّ‬
‫ٌ‬ ‫السباب والضرب الذي وقع اليوم ‪ ..‬بالطبع كان هناك‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وأحس إلاهانة الشديدة واقعة عليه؛ ورأى أنه ال‬ ‫يتعامل مع املوقف بحكمة‬
‫كرامة قبيل ِته كما يرونها؛ فاتفقوا‬ ‫ِ‬ ‫ُب َّد أن يكون له دو ٌر فيما يحدث السترداد‬
‫ّ‬ ‫ً َّ ً‬
‫النوبيين‬
‫ِ‬ ‫مساكن‬ ‫حيث‬ ‫إلى‬ ‫وذهبوا‬ ‫ة‬ ‫بعضهم البعض وحملوا أسلحة ناري‬ ‫مع ِ‬
‫وبدؤوا في التباهي والتفاخر وإطالق ألاعيرة النارية في الهواء ‪ ..‬وهنا كانت إرادة‬
‫هللا أن يكبر الصراع!‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫سيدة عجوز كانت واقفة‬ ‫ٍ‬ ‫طلقة طائشة من إحدى ألاسلحة ثقبت قلب‬
‫ً‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫تنظ ُر من خلف زجاج النافذة في خ ْو ٍف فاخترقته؛ وأردتها قتيلة في الحال!‬
‫أحد بها‬ ‫حس ٌ‬ ‫ص ِع َق الشباب ولم يعرفوا ما عليهم فعله إال الهرب ‪ ..‬لم ُي ّ‬ ‫َ‬
‫النسوة في ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الصراخ؛ وعلم الجميع موت‬ ‫بيتها وبدأت‬ ‫في بادئ ألامر إال أهل ِ‬
‫السيدة العجوز؛ ومن هنا كان الاتفاق بين أبناء النوبة على ألاخذ بالثأر‬
‫تطاولهم هذا‪ ،‬واتفقوا‬ ‫ِ‬ ‫وتعليم أبناء القبيلة ألاخرى كيف سيكون ر ّدهم تجاه‬
‫ً‬ ‫على أن يكون ر ُّدهم ًّ‬
‫قويا وقاتال!‬
‫َّ َ‬
‫مساء يوم ألاربعاء ‪ ..‬اتف َق الرجال على َج ْم ِع ما‬ ‫َ‬ ‫كان هذا الحدث‬
‫أسلحة نار َّي ٍة ‪ ..‬لن يغلبوا؛ فالسوق السوداء‬ ‫ٍ‬ ‫مال وشراء‬ ‫يستطيعون من ٍ‬
‫ٌ‬
‫بفرقة مرتزقة من‬ ‫ِ‬ ‫عامرة باألسلحة من كل نوع ‪ُ ..‬يقال َّأنهم استعانوا‬
‫أن‬ ‫كل ما نعرفه َّ‬ ‫(القاهرة) معهم ولكن هللا ‪-‬سبحانه‪ -‬أعلم بالحقيقة من أين‪ّ .‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫متحمسا للثأر بشدة!‬ ‫الشباب كان على آخره وأنه كان‬
‫‪31‬‬

‫في فجر الجمعة املوافق الرابع من إبريل عام ألفين وأربعة عشر حدثت‬
‫يخها من قبل‪ ،‬حتى الاحتالل َم َّر‬‫في (أسوان) مجزرة كبرى لم تحدث في تار ِ‬
‫بمصر ولم يصب أهلها بما أصابها في هذه املجازر!‬
‫"الدابودية" ومعهم أسلحة‬ ‫ذهب الشباب من أبناء النوبة وبالتحديد ّ‬
‫"حسان" في (زرزارة) والذي‬ ‫ّ‬ ‫بيضاء وأسلحة ثقيلة وانهالوا على منزل الفتى‬
‫تهديد‬
‫ِ‬ ‫كثيرا عن منزل (أكرم) ووالده وقاموا بإخراج الرجال تحت‬ ‫يبعد ً‬
‫السالح‪ ،‬ألامر الذي جعل النسوة تهرب؛ من استطاعت منهن‪ .‬ومن لم تستطع‬
‫ْ‬
‫حاولت الاختباء!‬
‫َ‬
‫متحرك قاموا بإخراجه معهم؛ ق َّي ُدوا ألاب‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ي‬‫ٍ‬
‫كسيح كان على كرس ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ر ٌ‬
‫جل‬
‫َْ‬
‫صاحب املنزل والذي يضم عائلتين بداخله بأبنائهم وقاموا ِبقت ِل جميع‬
‫ً‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ‬
‫واحدا‬ ‫أوالده وهم يقتلون‬‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫ر‬
‫والدهم املقيد وأجبروه على الن ِ‬
‫ظ‬ ‫الرجال أمام ِ‬
‫َ ً‬ ‫جميعا أمام عينيه‪ً ،‬‬ ‫ً‬
‫عشر رجال‬ ‫أيضا ثالثة‬ ‫تلو آلاخر‪ ،‬بل والتمثيل بجثثهم‬
‫يصرخ من ألالم والحسرة على أبنائه وقاموا‬ ‫ُ‬ ‫قاسية وألاب‬
‫ٍ‬ ‫وحشية‬
‫ٍ‬ ‫بطريقة‬
‫ٍ‬
‫يعا وإحراق من استطاعوا منهم‪ ،‬حتى الرجل الكسيح‬ ‫بالتمثيل بجثثهم جم ً‬
‫َُ َ‬
‫الجثث على َع َر َب ٍة وطافوا بها أرجاء املدينة‬ ‫العاجز لم يسلم منهم‪ ،‬ثم وضعوا‬
‫ّ‬
‫بتصويرهم وإرفاق الصور في منشورات على الفيس بوك حتى‬ ‫ِ‬ ‫وقاموا‬ ‫ها‬ ‫كل‬‫ِ‬
‫يكونوا عبرة ملن يتطاول عليهم!‬
‫ٌ‬ ‫في هذه اللحظة َّ‬
‫تحولت (أسوان) إلى مدينة أشباح ‪ ..‬الكل خائف من‬
‫َ‬
‫قتال حتى الجيش ن َز َل‬ ‫َّ‬
‫الخروج من منزله والشرطة حولت املدينة إلى ساحة ٍ‬
‫وتم فرض حظر التجوال ‪..‬‬ ‫بدباباته ومعداته وسيطروا على كل ركن في املدينة َّ‬
‫ٍ‬
‫‪32‬‬
‫كان الخبر قد انتشر في كل وسائل إلاعالم املحلية والعاملية ً‬
‫أيضا‪ ،‬كانت املرة‬
‫ألاولى التي تقتل الجثث ويتم التمثيل بها ‪ ..‬ربما في (مصر)‪ ،‬لم نشاهد هذا من‬
‫قبل‪.‬‬
‫الاجتماع هذه املرة كان عند بني هالل في دار الضيافة بمنطقة َّ‬
‫السيل‬ ‫ِ‬
‫تام للحرب مع الخصم ‪ ..‬بالطبع في هذه‬ ‫الريفي‪ ،‬كان الكل على استعداد ّ‬
‫ٍ ٍ‬
‫تماما على أي تعاليم لنبي هللا ‪-‬صلى هللا عليه سلم‪ -‬عن وحدة‬ ‫اللحظة ُقض ي ً‬
‫املسلمين!‬
‫ُ‬
‫الصمت ُي ّ‬
‫خيم على املدينة‪ ،‬حتى ألاطفال ُمنعوا من الذهاب إلى‬ ‫بدأ‬
‫َ‬
‫املدرسة‪ ،‬وبعض أبناء القبيلتين بدأ في الفرار من املعركة والهجرة إلى خارج‬
‫(أسوان) واللجوء إلى أقاربهم ‪ ..‬هناك بضعة أيام وال ش يء سوى الصمت ‪..‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ ْ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫هل كان الصمت الذي يسبق العاصفة؟ أغ ِلقت املدارس واملحال التجارية‬
‫وحتى أفران الخبز وغيرها من املستلزمات الضرو ية للحياة ‪ ..‬لم يستطع ٌ‬
‫أحد‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫الخروج من منزله‪ ،‬واملرض ى كانت ال تأتيهم إلاسعاف خوفا من حدوث مجزرة‬
‫ً‬
‫أخرى يكونوا هم طرفا فيها هذه املرة‪.‬‬
‫َ‬
‫بدأ الشباب من بني هالل تجميع النقود كما فعل آلاخرون وشراء‬
‫للرد على ما حدث لهم السترداد شرف قبيلتهم‪ ،‬وبعد أن كان العقالء‬ ‫ألاسلحة ّ‬
‫ِ‬
‫جميعا عن َر ْد ِع آلاخرين من الذهاب‬
‫ً‬ ‫من أبناء القبيلة يرفضون العنف سكتوا‬
‫ُّ‬
‫والكل في حز ٍن شديد‪.‬‬ ‫للقتال وتركوهم يذهبون‬
‫ِ‬
‫‪33‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫بدأ التجهيز والتخطيط ملعركة كبرى ‪َ ..‬م َّرت أيام ولم ُيسمع َح ِث ْيث ُهم وما‬
‫ُ‬ ‫الصمت َ‬‫ُ‬
‫سيد املوقف حتى حانت اللحظة الحاسمة وخرج الشباب على‬ ‫يزال‬
‫قرية يتواجد بها النوبيون وبدؤوا بإطالق ألاعيرة النار َّية وإشعال النيران‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫باملنازل وقتل ّ‬
‫كل من استطاعوا أمامهم من الرجال‪ ،‬وقتلوا سيدة حامال‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫وتفحمت قبل أن‬ ‫َّ‬ ‫بجنينها داخلها‬
‫ِ‬ ‫بداخل منزلها لم تستطع الخروج؛ ُح ِرقت‬
‫انتقام أكبر؛ مهما ُو ِصف لن يروى الحقيقة‬ ‫إلى‬ ‫َّ‬
‫وتحول ُ‬
‫ألامر‬ ‫يصل إليها ٌ‬
‫أحد‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫َّ‬
‫التي كانت والفزع بين النساء وألاطفال وكأننا عدنا بالزمن إلى الوراء؛ إلى تلك‬
‫الحروب الجاهلية التي كانت بين القبائل قبل بعثة النبي ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ُ -‬ر َّبما ألاوس والخزرج‪ ،‬بل كانت حرب البسوس تطل بوجهها هنا!‬
‫اجتمع العلماء وكبار الدولة إليجاد ّ‬
‫حل لهذه املهزلة الكبرى التي حولت‬
‫ٍ‬
‫قتال عنيف‬
‫(أسوان) من مدينة سياحية هادئة وأهدأ مدن مصر إلى ساحة ٍ‬
‫لم تشهدها مصر من قبل!‬
‫حل للصلح بين أبناء القبيلتين دون جدوى‪ ،‬الكل‬ ‫حاول الجميع إ َ‬
‫يجاد ّ‬
‫ٍ‬
‫الصلح وكان الحديث على َّ‬
‫أن القتلى من أبناء بني هالل ثالثة عشر ومن‬ ‫َ‬ ‫يرفض‬
‫الدابودية "النوبيين" سبعة أو ثمانية؛ فاآلخرون يريدون التساوي في القتلى‬
‫وكأننا أمام بعض الخراف تقتل هنا وليست هذه الناس ً‬ ‫َّ‬
‫نفسا بشرية!‬
‫مطالبها من الحكومة حتى تهدأ‪ ،‬ولكن املفاوضات لم‬‫ُ‬ ‫قبيلة‬
‫ٍ‬ ‫كان لكل‬
‫ُ‬
‫تسفر عن صلح قط مما دفع الحكومة لتقديم فدية للقتلى؛ حتى يصمت‬
‫ألاهل عن الاستمرار في ألاخذ بالثأر لكال الطرفين!‬
‫‪34‬‬
‫ُ‬
‫تنهال‬ ‫ُ‬
‫البرامج التلفزيونية‬ ‫بالطبع إلاعالم لم يترك هذه الفرصة؛ كانت‬
‫ّ‬
‫لتصوير ألاحداث بين الطرفين‪ ،‬وبرامج تستضيف من هنا وهناك تبث‬ ‫ِ‬ ‫عليهم‬
‫لقاءات بين أبناء القبيلتين‪ ،‬منهم من ُيحاو ُل الصلح ومنهم من يشعل النيران‬
‫أعدادا أكبر من املشاهدين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ليستقطب‬
‫ْ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫توقفت الحكومة عن املفاوضات بعد الفشل واتخذت قرارها بأن‬
‫القبض على‬ ‫بإلقاء‬
‫ْ‬
‫فقامت‬ ‫ا‬ ‫الص ْل َح بينهما لم ُي ْجد ً‬
‫نفع‬
‫ً‬
‫عنوة طاملا أن ُّ‬ ‫صمتهم‬
‫ُ‬
‫ت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حد سواء؛ إلخراس ألاهل عن الثأر‬ ‫ّ‬
‫مئات الشباب من أبناء القبيلتين على ٍ‬
‫وأصبحت القبيلتان في نار أكبر بين قتالهم الذين لن يعودوا وأبناءهم ألاحياء‬
‫في قبضة الحكومة آلان‪.‬‬
‫ْ‬
‫الثأر والنيران طالت الجميع وآلان أبناؤهم خلف القضبان بل إن‬
‫الحكومة أحالت أوراق أبنائهم إلى فضيلة املفتي في حكم إعدام أخرس‬
‫ً‬
‫الجميع؛ وتركوا الثأر وبدؤوا في البحث عن مخرج ألبناءهم بدال من املوت‬
‫املحتوم عليهم ‪ ..‬كان هذا الحل الوحيد إلخماد نيران الفتنة!‬
‫‪35‬‬

‫(الغرفة)‬
‫الغريب أن الفتاتين بعد أن سمعتا الحكاية من (صادق) و(عبد العزيز)‬ ‫ُ‬
‫َ َ‬ ‫لم يشعرا بالخوف وال الرهبة كما َّ‬
‫ظن كالهما؛ فقد است َم َعتا للحكاية بنوع‬
‫ً‬
‫َ‬
‫تعرضن لش يء أبشع‬ ‫انفعاالت عادية للموقف‪ ،‬يبدو ّأنهما‬ ‫ٍ‬ ‫الهدوء‪ ،‬وأبدتا‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫حل ملا هم فيه!؟‬ ‫سبيل أو ٌّ‬‫ٌ‬ ‫مما حكيناه معهم ولكن هل ثمة‬
‫ْ‬
‫بالطبع لم يكن بيدهما أي حل؛ فيبدو الحزن ُمط ِب ٌق عليهما ويبدو أن‬
‫َ َّ‬
‫قصتهما كانت أفظع مما حكيناه لهما‪ .‬هكذا فك َر الشابان أو هكذا جال‬
‫بخاطرهم ‪ ..‬وآلان ما هي قصتهما؟‬
‫ُّ‬ ‫َ َّ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫كلنا ٌ‬
‫آذان صاغية لنسمع؛ ر َّبما خففنا عنهما ما وضعناهما فيه من توت ٍر‬
‫ُّ‬ ‫َْ‬
‫سنظل نحن لسنا‬ ‫الجل ِب الغريبة التي جاءت بهما إلينا؛ ففي النهاية‬ ‫بطريقة‬
‫ِ‬
‫ُّ‬
‫الشك ّ‬ ‫ً‬
‫يخيم على املكان‪ .‬إذن فلتبدأ أي واحدة منكما‬ ‫أهال لثقتهن فما يزال‬
‫بالحديث!‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مزاج للحكي؛ فقصتكما جعلتني أحزن‬ ‫ٍ‬ ‫في‬ ‫"لست‬ ‫النوبية‪:‬‬ ‫الفتاة‬ ‫قالت‬
‫َ‬
‫املصير املظلم؟ ال أستطيع التحدث‬ ‫أكثر ‪ ..‬فهل يخفي املستقبل ألحفادي هذا‬
‫آلان ‪ ..‬اتركوني لبرهة حتى أستعيد أنفاس ي"‪.‬‬
‫ً‬
‫الكل للفتاة العربية ‪ ..‬لقد ُحسم ألامر ‪ ..‬ستتحدث هي ّأوال ‪ ..‬فلتبدأ!‬
‫نظر ُّ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ََ َ ْ‬
‫تل ْعث َمت قليال وأغمضت عينيها‪ ،‬بل واستسلمت ألن تحكي ر ّبما ألنها تريد‬
‫أحدا يستمع لها ‪ ..‬أو رَّبما ما تحمله في صد ِرها أقوى من أن ُيسكت عنه!‬‫ً‬
‫‪36‬‬

‫َّ ْ‬
‫(التغريبة)‬

‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬


‫بينكم أنا (تيماء) عربية هاللية من الحجاز‪ ،‬اعتادت قبائلنا على‬
‫َ‬
‫املستمر‪ ،‬وفي الوقت الذي ق َّر َر فيه (أبو زيد الهاللي) أن يذهب إلى‬ ‫ّ‬ ‫الترحال‬
‫َ‬
‫(تونس) بقافلة كبيرة؛ كنا نحن وبعض من عائالتنا قد ق َّر ْرنا الارتحال إلى‬
‫شمال أفريقيا؛ بالتحديد إلى (مصر) رحلة كبيرة ال نعلم متى سنصل إليها؟‬
‫الطريق وعر ور َّبما يصادفنا ما ال َي ُس ّر!‬
‫ّ‬ ‫َ َ َْ ْ َ‬ ‫ُ َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أعد الرجال العدة للرحيل‪ ،‬ومللمنا نساءنا وأطفالنا‪ ،‬إنها املرة ألاولى لي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أن أترك مكاني؛ فمنذ والدتي وأنا َو َسط أهلي في البادية؛ لم أر (مصر) هذه‪،‬‬
‫َ‬
‫كثيرا‪َّ ،‬ربما من الدولة الفاطمية الحاكمة في وقتنا كانوا ً‬ ‫سمعت عنها ً‬ ‫ْ‬
‫دائما ما‬
‫يذكرونها بالخير‪.‬‬
‫ُ‬
‫جنة هللا في ألارض! كان يقول ّ‬ ‫ُ ً‬
‫عمي ذلك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سمعت مرة من املرات أنها‬
‫َّ‬
‫وعندما جاء الاختيار على (تونس)؛ رفض عمي الذهاب مع (أبو زيد) وقرر أننا‬
‫ٌ‬
‫سنترحل إلى (مصر)‪ ،‬كنا كثيرين‪ ،‬أعداد مهولة من الناس‪ ،‬ربما البلدة كلها‬
‫انقسمت إلى من ذهب مع (أبو زيد) ومن ذهب معنا إلى (مصر)‪.‬‬
‫شديدة وذلك من خالل رحالت التجارة‬ ‫بطريقة‬ ‫عمي ًّ‬
‫محبا ملصر‬ ‫كان ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫استقر هناك من أصدقائه من أهل‬ ‫التي كان يذهب بها إليها وهناك من‬
‫َّ‬
‫سعادة ال توصف‪ ،‬كلما ذهب عمي‬
‫ٍ‬ ‫القبيلة على مدار سنوات وهم يعيشون في‬
‫ِ‬
‫‪37‬‬
‫ََ‬ ‫والهدوء َي ُ‬
‫سود املكان فق َّر َر أن نرتحل إلى‬ ‫ُ‬ ‫للتجارة؛ يجد أهلها مرحبين طيبين‬
‫تلك البقعة املباركة من أرض هللا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الطريق طويلة ًّ‬
‫أشعر بالتعب وإلاعياء‪ .‬وكان علينا‬ ‫جدا ‪ ..‬كم كنت‬
‫عر ًّ‬‫طويل وو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫َُ‬ ‫التوقف ً‬ ‫ُّ‬
‫جدا!‬ ‫كثيرا مللء املؤ ِن واملياه الستكمال الرحلة‪ ،‬طريق‬
‫ُ‬
‫نظرت إلى ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫عمي؛ فوجدته ينادي على‬ ‫ِ‬ ‫غريب ‪..‬‬ ‫صوت‬ ‫بعيد كان هناك‬
‫من ٍ‬
‫بأن هناك‬‫خفت وحاولت أن أختبئ ‪َ ..‬ش ُع ْر ُت َّ‬ ‫ُ‬
‫بسرعة؛‬ ‫الرجال ليتجمعوا‬
‫ٍ‬
‫خطبا ما!‬‫ً‬
‫ّ‬
‫بسرعة‬
‫ٍ‬ ‫حولنا‬ ‫من‬ ‫التفوا‬ ‫ق‬‫الطر‬ ‫اع‬ ‫فقط‬ ‫بالفعل هناك ما ال َي ُس ُّر؛‬
‫ِ‬ ‫كان‬
‫َ‬
‫وأسلحتهم ُم َو َّج َه ٌة إلينا ‪ ..‬أ َم َر ّ‬ ‫ُ‬
‫عمي _وهو كبيرنا هنا_ أن يقوم بعض‬ ‫ِ‬ ‫فائقة‬
‫ٍ‬
‫للفرار بالنسوة وألاطفال بأقص ى سرعة ‪ ..‬وأنا َو َسط أصوات السيوف‬ ‫ِ‬ ‫الرجال‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫أحد الجمال الذي كان مربوطا بالنخلة البعيدة وأنا‬ ‫ِ‬ ‫غطاء‬
‫ِ‬ ‫بداخل‬
‫ِ‬ ‫اختبأت‬ ‫‪..‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حبهم وتربيت َو َسطهم ‪ ..‬كنت أرتعد من‬ ‫كل مكان ألناس أ ُّ‬
‫ٍ‬
‫صرخات في ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أسمع‬
‫ً‬
‫خائفة ًّ‬ ‫ُ‬
‫جدا أن‬ ‫الخوف ‪ ..‬والصرخات تتزايد وأنا ال أعرف ما الذي يجري؛ كنت‬
‫أحد منهم فيقتلني!‬ ‫ُيمسك بي ٌ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ثم هدأ الصوت عند قرب طلوع الفجر ‪ ..‬فتحت الغطاء قليال ألرى ماذا‬
‫الرجال قتل ّ‬ ‫ُ‬ ‫فوجدت أشالء وقتلى في ّ‬ ‫ُ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫كل مكان ‪ ..‬لقد استطاع‬ ‫ِ‬ ‫حدث؛‬
‫ُ‬ ‫قطاع الطرق ولكن بعد أن قتلوا هم ً‬
‫أيضا منا‪ ،‬حتى ألاطفال والنساء وجدت‬
‫قابهم وبطونهم ممن لحقوا بهم قبل الفرار‪.‬‬
‫أثر السيوف على ر ِ‬
‫‪38‬‬
‫ُ‬ ‫قاتل أن أرى هذا! نادي ُت على ّ‬ ‫إحساس ٌ‬
‫ٌ‬
‫عمي وأنا أبكي وأصرخ‪ ،‬ووجدت‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ً َّ‬
‫يتسل ُل من ورائي وحاول إلامساك بي بعد أن خرجت من تحت الغطاء؛‬ ‫واحدا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مصاب في بطنه إصابة بالغة‬ ‫فصرخت بأعلى صوتي ووجدت عمي وهو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫يتحس ُ‬
‫الرجل بالسيف! أمسك بي واحتضنني‪،‬‬ ‫س طريقه من ورائي ويضرب‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سألته عن أ ِمي وأبي وإ خوتي وأوالد عمي ‪ ..‬نظر لي والدموع تمأل عينيه‪" :‬ال‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫عليك يا (تيماء) املهم أننا أنقذنا باقي القبيلة ‪ ..‬أعتقد أنهم على مشارف‬
‫(مصر) آلان‪.‬‬
‫ً‬ ‫خائفة ًّ‬‫ً‬ ‫ُ‬
‫جدا عليه فقد كان حزينا فوق الوصف؛‬ ‫ربط جرحه وأنا كنت‬
‫ْ‬ ‫َ َّ‬ ‫ّ‬
‫يتبق له إال أنا آلان من نسله‪ ،‬ت َعك َز على ِجذ ِع‬ ‫كل ما كان يملك‪ ،‬لم َّ‬ ‫لقد فقد َّ‬
‫يتبق بها إال مسيرة‬ ‫شجرة حتى وصلنا إلى الجمل ‪ ..‬وبدأنا الرحلة التي كانت لم َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يوم فقط لنكون قد وصلنا إلى (مصر) كانت قواه تخور أمامي شيئا فشيئا‬ ‫ٍ‬
‫"عماه ‪ ..‬إنها (مصر) ّ‬ ‫صرخت‪ّ :‬‬ ‫ُ‬
‫عماه‪،‬‬ ‫حتى الحت (مصر) من بعيد في ألافق ‪..‬‬
‫انظر"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وجدته وقد زاغت عيناه إلى السماء وهو ال يستطيع التنفس ‪ ..‬أمرت‬
‫أساعده في النهوض لكنه‬ ‫َ‬ ‫وعمي ‪ ..‬حاولت أن‬ ‫الجمل بالخضوع حتى أنز َل أنا ّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫كان ال يستطيع‪ ،‬وأنا لم أق ِدر بضآلة حجمي أن أحمله ‪ ..‬حاولت ولكنه أوقفني‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫بالغة‪ ،‬كدت أال أسمع صوته ونظر لي قائال‪" :‬تيماء‬ ‫ٍ‬ ‫بصعوبة‬
‫ٍ‬ ‫يتحدث‬ ‫وهو‬
‫َّ‬
‫أنت‪ ،‬أمسكي هذا الصك؛‬ ‫حبيبتي‪ ،‬أتمنى لك حياة رغدة سعيدة‪ ،‬تذكري من ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫إن ُه ملكك آلان"!‬
‫‪39‬‬
‫مكتوبا به شجرة عائلتي ّكلها وأنسابها‪ ،‬وأرخى رْأ َسه ً‬
‫تماما‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫َ ًّ‬
‫ك‬ ‫أعطاني ص‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫ثم مات!‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أمرت الجمل أن يقوم مرة أخرى وأمسكت لجامه وأنا أمامه على أبواب‬
‫ممزق محرو ٌق على أهلي!‬
‫(مصر) أحمل جثة عمي وقلبي ّ‬

‫بمجرد أن دخلت؛ وجدت من نجا من القبيلة في انتظارنا ‪ ..‬هرولوا‬


‫عمي ‪ ..‬ال ُأ َح ّد ُث ً‬
‫أحدا‬ ‫مسرعين ناحيتي وأنا ُم َغ َّط ٌاة بالدماء ‪ ..‬أغلبها ُ‬
‫دماء ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والكل يسألني‪ :‬من تسأل عن ابنها‪ ،‬ومن تسأل عن زوجها ووالدها ممن‬
‫اختارهم عمي لقتال قطاع الطرق‪.‬‬
‫ُ‬
‫النساء الثكالى‬
‫ِ‬ ‫وسط‬ ‫وقفت‬ ‫هذه اللحظة ‪..‬‬
‫ال أعرف ما الذي انتابني في ِ‬
‫نحن في أرض (مصر)‬ ‫ومن يبكون أقارَبهم؛ صرخت بأعلى صوتي‪" :‬من آلان ُ‬
‫ِ‬
‫ترابنا؛ فلنجهز ونعد‬ ‫ترابهم هو َ‬‫ستمتزج دماؤنا بدمائهم ‪ ..‬سيكون ُ‬ ‫ُ‬ ‫املباركة‬
‫ِ‬
‫حربا ال ُب َّد أن نكون أول من‬ ‫ألنهم لو خاضوا ً‬ ‫العدة ملالقاة ما سيالقونه؛ ّ‬
‫يخوضها معهم"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذهبت واغتسلت‪ ،‬ومن هذه اللحظة وأنا أصحبت كبيرة القبيلة‪ ،‬حتى‬
‫ُ‬
‫دفنت ّ‬
‫عمي وبكينا على أطاللنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الرجال كانوا يأخذون رأيي في كل ش يء ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫وذهب ُّ‬
‫تحمل‬ ‫الكل إلى أشغالهم وبقيت أنا أتدفأ بجوار تلك النار التي كانت‬
‫ٌ‬
‫غريب بداخلها ‪..‬‬ ‫جزءا منها فما عاصرته ال ُينس ى قط ‪ ..‬إلى أن الح ش ٌ‬
‫يء‬ ‫بقلبي ً‬
‫ُ‬
‫حاولت الفرار ولكنه ‪ ..‬اختطفني إلى مكانكم ُّأيها الشابان الغريبان والفتاة‬
‫السمراء ألاخرى!‬
‫‪41‬‬

‫(ريحانة)‬

‫ُ َّ‬
‫أبناء النوبة ‪ ..‬كنا نعيش في سالم‬
‫سأحكي آلان قصتي؛ أنا (ريحانة) من ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ندهن البيوت باللون ألابيض‬ ‫البالد‪ ،‬اعتدنا أن‬
‫ِ‬ ‫وأمان وكانت بالدنا من أجمل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نسكن في منطقة تدعى (العالقي) وكنا قرى كثيرة متجاورة في‬ ‫الناصع‪ ،‬كنا‬
‫سعادة وهناء‪.‬‬
‫املرح والسرور؛ أفراح‬ ‫أتذكر طفولتي السعيدة التي لم يكن فيها إال ُ‬
‫ً‬ ‫ً ّ‬ ‫ٌ‬
‫فدائما كنا ًيدا واحدة لذلك كانت‬ ‫دائمة‪ ،‬وحتى أحزاننا كانت ال تبقى ً‬
‫كثيرا؛‬
‫ُ‬
‫سريعا ألننا من كثرة ُح ِّبنا لبعض ال نترك الحزن يتغلغل في‬ ‫ً‬ ‫أحزاننا تتوارى‬
‫أحد منا‪.‬‬
‫قلب أي ٍ‬
‫منذ نعومة أظافري وكان ُ‬ ‫ُ‬
‫ابن عمتي "عثمان" مكتوبا على اسمي فكان‬
‫ضد رغبتي‬ ‫عمتي‪ ،‬ولم يكن هذا َّ‬ ‫ود وتراحم واتفاق على أن أكون البن َّ‬ ‫ألاهل في ّ‬
‫قط؛ لقد كنت سعيدة ًّ‬ ‫ّ‬
‫جدا به فقد كنا متحابين منذ الصغر ومنذ علمنا أننا‬
‫سنكون لبعضنا البعض‪.‬‬
‫ّ‬
‫لم يكن هناك من ينغص علينا معيشتنا قط‪ ،‬واتفقنا على أن يكون‬
‫عرسنا مع العيد حتى يكون العيد عيدين ‪ ..‬كان ألاهل يستعدون بشراء‬
‫ألاغنام لذبحها وإقامة الوالئم في الحفل‪ ،‬وربما كان البعض منهم يهادي آلاخر‬
‫َ‬
‫داعي للشراء فالكل يد واحدة‪ ،‬لم يكن ليفرقنا أي ش يء ‪ ..‬إلى أن ق َّر َر‬
‫بها؛ فال َ‬
‫كل ما كنا فيه‬ ‫الرئيس (جمال عبد الناصر) إقامة السد العالي بأسوان ‪ ..‬هنا ُّ‬
‫َ‬
‫من سعادة وحب ذهب مع الريح ‪ ..‬أو باألحرى ذهب مع السد!‬
‫‪41‬‬

‫هيكله‪ ،‬كان هذا بعد فرحي‬


‫في البداية حاولوا رفع ألاعمدة بالسد وإقامة ِ‬
‫عرسا ال ُينس ى ‪ ..‬ثالث ليال من ّ‬
‫الضحك املتواصل‬ ‫ببضعة أيام والذي كان ً‬
‫املنقطعة النظير‪ ،‬كنت أرتدي (جرجاري ألاسود) ومن‬
‫ِ‬ ‫والزغاريد والسعادة‬
‫النوبية كلها‪ ،‬لها ٌ‬
‫بريق ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫أسفله عباءة َّ‬
‫المع‬ ‫مطرزة جميلة تحمل ألوان الحياة‬
‫من كثرة الآللئ املنقوشة بها‪ ،‬وكنت أنا وحبيبي "عثمان" نرقص ونمرح‪ ،‬كان‬
‫ُ‬
‫أجمل يوم في حياتي ودخلنا منزلنا عش الزوجية التي كنت أحلم به طيلة‬
‫حياتي!‬
‫أخيرا "عثمان"‬ ‫ما أجمل هذا اليوم! أنا وحبيبي في بيتنا الخاص بنا ‪ً ..‬‬
‫امرأة رآها في حياته بل‬‫ٍ‬ ‫معي يكاد أن يطير من السعادة وأخبرني أنني أجمل‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫تسمعه امرأة من زوجها‪ ،‬كنت في السادسة‬ ‫وقال لي أجمل كالم يمكن أن‬
‫ٌ‬
‫كبيرة ًّ‬ ‫ً‬ ‫عشرة عند زواجنا لكني أعي ً‬
‫جدا‪،‬‬ ‫تماما ما أقوله؛ لست صغيرة؛ أنا‬
‫لقد كان "عثمان " لي العالم كله إلى أن قاموا بالبدء في بناية السد وهنا لم‬
‫محدق بنا!‬
‫ٍ‬ ‫خطر‬
‫ٍ‬ ‫يخبرونا بأي‬
‫َّ ٌ‬ ‫قريتنا والقرى املجاورة لنا‪ ،‬كنا عشرات القرى‪ ،‬كلنا ٌ‬
‫وأحبة إلى أن‬ ‫أهل‬
‫ّ ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫محملة‬ ‫وجدنا املياه فجأة تنهال على القرى تغرقها وتأتي مسرعة تجاه قريتنا‬
‫كالحلم؛ لم ُيصدق‬ ‫ُ‬
‫مشهد اقتراب املاء كان ُ‬ ‫بالجثث في كل مكان! الحقيقة‪،‬‬
‫ُ‬
‫عقلي رؤية الطوفان حتى وجدت‪ ..‬يا إلهي! ال أستطيع أن أنطقها ‪ ..‬لقد‬
‫ُ ّ‬
‫جثة ّ‬
‫العالقة باملاء والتي نزحتها تجاهنا حيث‬
‫ِ‬ ‫الجثث‬ ‫ضمن‬ ‫من‬ ‫ة‬ ‫الجد‬ ‫وجدت‬
‫َ‬
‫كانت في السوق تشتري لي هدية العرس فقد كان اليوم التالي لعرس ي مباشرة‬
‫‪42‬‬
‫َ‬
‫‪ ..‬كنت في صباح يوم عرس ي عندما ق َّب َل زوجي يدي ورأس ي وهو يقول لي كلمة‬
‫صبيا يشبهك أنت"‪.‬‬ ‫لن أنساها أبدا‪" :‬أريد ًّ‬

‫أن َّ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫عال‬
‫ٍ ٍ‬ ‫بشكل‬ ‫انهمر‬ ‫والذي‬ ‫املاء‬ ‫قنا‬‫فر‬ ‫إلى‬ ‫بقوة‬ ‫ه‬ ‫واحتضنت‬ ‫منه‬ ‫"خجلت‬
‫انصب علينا وكأن البحر قد ابتلعنا ‪ ..‬وأنا اصرخ ‪ ..‬ال أعرف أين ذهب‬ ‫َّ‬ ‫جدا ‪..‬‬ ‫ًّ‬
‫ُ‬
‫زوجي ‪ ..‬حتى بيتي الجديد الذي لطاملا حلمت به تساوي بالتراب وأصبح ال‬
‫أخذت أصرخ وأنادي على "عثمان" الذي جرفته املياه ً‬ ‫ُ‬
‫بعيدا عني‬ ‫وجود له ‪..‬‬
‫وأنا أسبح فيها‪ ،‬ال أعرف حتى أين أمي وال أبي؛ الكل جرفته املياه وأخذت تبتلع‬
‫ولكن ألاسماك تستطيع العيش ونحن ال؛‬ ‫َّ‬ ‫قلب املحيط‬ ‫فينا كأننا أسماك في ِ‬
‫سوف نهلك ال محالة ‪ ..‬هذا ما كان يجول بخاطري ساعتها فقط‪ ،‬نحن كنا‬
‫الضحية؛ لم ُيخبرونا بأي ش يء حتى نبتعد ال نحن وال حتى القري املجاورة؛‬
‫عشرات القرى مات أكثر أهلها في تلك املياه!‬
‫َ‬
‫لم أشعر بقدمي وال بجسدي؛ كنت ال أستطيع السيطرة على نفس ي وأنا‬
‫أجرف بهذا الشكل الفظيع وبجواري مئات الجثث ألهلي وأحبائي ‪ ..‬موقف ال‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫يمكن أن أنساه أبدا‪ ،‬حاولت الخروج من املاء بأي طريقة لكنها كانت قوية‬
‫أمسكت بحجر كبير ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ى‬ ‫ًّ‬
‫يتوسط ألارض أعلى من‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫يوما‪،‬‬ ‫تخيلت‬ ‫مما‬ ‫أقو‬ ‫ا؛‬ ‫جد‬
‫ُ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ً‬
‫منسوب املياه ‪ ..‬ال أعرف إن كان جبال أم ماذا‪ ،‬ال أذكر إال أنني أمسكت به‬
‫وبقوة وحاولت ّأال ُأفلته‪ ،‬واملاء يجري من حولي كالطوفان؛ يجرف َّ‬
‫كل ما‬
‫يتوسط جسدي‬ ‫أقل مما كان؛ رَّبما َّ‬ ‫يقابله في طريقه‪ ،‬إلى أن أصبح املاء تحتي َّ‬
‫ولكنه هدأ عن جريانه‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫متمسكة بالحجر هذا‪ ،‬وال ُ‬ ‫ً‬
‫أعلم حتى أين‬ ‫ال أعلم كم الوقت الذي ظللت‬
‫كبير في ّ‬
‫خراب ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫كل مكان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أنا حين وجدت نفس ي! ولكن كل ما أراه أمامي‬
‫تتمزق تماما من قوة املاء والذي كان يخرج‬ ‫ومالبس ي لن أقول إال أنها كادت ّ‬
‫ُ‬
‫بشدة‪ ،‬حاولت أن أغرس قدمي في‬ ‫ٍ‬ ‫من فمي وأنا أحاول أن أبصقه وأسعل‬
‫الوحل الذي ُيحيط بي من كل اتجاه وأن أخرج من هذا املاء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫شاقة ًّ‬ ‫ُ‬
‫جدا؛ املش ي في هذا املكان كأنني أغوص في رمال؛‬ ‫كانت الخطوات‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كأنني أحاول الانتحار من ألالم كلما خطوت خطوة واحدة إلى الامام لكني‬
‫قاومت!‬
‫ُ‬ ‫كنت مرات كثيرة أقع وكأني ّ‬
‫أتخبط في أشياء غريبة‪ ،‬كلما نظرت إليها‬
‫بعض قوات‬ ‫إلى‬
‫ُ‬
‫وصلت‬ ‫أن‬ ‫إلى‬ ‫مي‬ ‫جثثا‪ ،‬حاولت َّأال أنظر وتابعت ُّ‬
‫تقد‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫وجدتها‬
‫ِ‬
‫كبيرة يحملون الناس فيها فوق‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫عربات‬ ‫الجيش‪ ،‬من بعيد تنادي ومعهم‬
‫بعضهم البعض‪.‬‬
‫متعب ومتهالك مما جري له؛‬ ‫العربات كانت بمثابة عربات املوتى؛ فالكل َ‬
‫ُ‬
‫إسعاف‬
‫ٍ‬ ‫ال يقوى على الجلوس في مثل تلك السيارات‪ ،‬لم يكن هناك سيارات‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قط لتنقذني أو تنقذهم؛ كل ما هنالك هي تلك السيارات الكبيرة تحملنا‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫والكل فاقد الوعي ‪ ..‬نساق وال نعرف إلى أين نذهب!‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بطريقة‬
‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ر‬‫املجاو‬ ‫ى‬ ‫القر‬ ‫سكان‬
‫ِ‬ ‫بتهجير‬ ‫تقوم‬ ‫كثيرة‬ ‫وجدت عربات أخرى‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫قاسية‪ ،‬والناس ألاحياء منهم ال يختلفون عن الذين ماتوا غرقا؛‬ ‫ٍ‬ ‫فية‬
‫تعس ٍ‬
‫ُُ‬ ‫َ‬
‫تصرخ‬ ‫وقاسية ‪ ..‬ألاطفال‬
‫ٍ‬ ‫صعبة‬
‫ٍ‬ ‫بطريقة‬
‫ٍ‬ ‫ها‬ ‫فوق‬ ‫فالعربات كانت تلقي بالناس‬
‫تصرخ‬ ‫‪ ..‬وكان أفظع منظر لسيدة حامل في شهرها ألاخير ويبدو َّأنها ستلد ‪ُ ..‬‬
‫‪44‬‬

‫بسرعة حيث التفوا حولها‬ ‫ٍ‬ ‫بشدة من ألالم؛ أمسك بها بعض النساء وأخفوها‬
‫ليخبئوها من الرجال حتى تضع وليدها ‪ ..‬وليس هناك وقت النتظارها في‬
‫غما عنا‪.‬‬ ‫كل ش يء وكان علينا التهجير من أرضنا ر ً‬ ‫فاملاء كان ُيغرق َّ‬
‫ُ‬ ‫مكانها؛‬
‫ُ َّ ُ َّ‬ ‫َ‬
‫نفذ دون‬ ‫لنختار الرحيل أم ال؛ كان قرا ًرا وال بد أن ي‬ ‫وإنهم لم يرجعوا لنا‬
‫مرعاة لنا وال اعتبار لبشريتنا حتى حياتنا لم تكن لها قيمة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مة كبيرة وأصبت باإلعياء الشديد‬ ‫أخذت العربات تمش ي بنا وأنا في صد ٍ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وبالحمى؛ فأنا وحدي؛ ليلة عرس ي أصبحت كاليتيمة؛ ال أهلي وال زوجي؛‬
‫اقتربت مني النسوة يحاولون تدفئتي ببعض املالبس التي استطاعوا حملها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬
‫وأنا أرت ِعد من البرد وإلاعياء الشديد أغمضت عيني وأنا ال أستطيع‬
‫جنب‪ ،‬ال أشعر بأي ش يء في جسدي!‬ ‫َمقاومة النعاس من التعب؛ ارتميت على ٍ‬
‫َ َ‬
‫أل ٌم ل ْم أشعر به من قبل‪ ،‬وصحوت ‪ ..‬كم مكثت نائمة؟ ال أدري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫كابوسا أن بيتي تحطم‪ ،‬وزوجي ضاع‬ ‫صحوت وأنا أصرخ وكأني شاهدت‬
‫ُ‬
‫مني وأمي وأبي وكل أحبائي؛ نظرت من حولي لم يكن كابوسا‪ ،‬لم أكن أحلم؛‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬
‫وأناس ال أعرف ُهم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫رة‬
‫ٍ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫صحراء‬ ‫وسط‬ ‫ي‬ ‫فس‬ ‫ن‬ ‫حقيقة!وجدت‬ ‫لقد كانت‬
‫يبكون بجواري‪ ،‬الكل يحاول أن يعثر على أقاربه وسط الدمار الذي كنا فيه‪،‬‬
‫َْ‬ ‫مسرعة وأنا ال أرى َّأنني مصابة في قدمي إال بعد أن وقعت َّ‬ ‫ً‬ ‫ْ ُ‬
‫ألنها لم تق َو‬ ‫َه ْر َولت‬
‫على حملي؛ بدأت أصرخ وأنادي؛ لم يكن هناك مجيب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫كامل وأنا أحاول أن أقاوم مع من بقي ممن ه ِجروا‪ ،‬منهم من‬ ‫أسبوع ٌ‬ ‫َم َّر‬
‫ً‬
‫وجد عائلته كاملة‪ ،‬ومنهم من فقد بعضها‪ .‬ولكن أنا الوحيدة التي لم أجد‬
‫‪45‬‬
‫حقا أم َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫أن هناك غيري؟ كنت ال‬ ‫أحدا من عائلتي‪ ،‬هل كنت أنا الوحيدة‬
‫بعض النسوة ُك َّن يشفقن َّ‬
‫علي ويأتين لي‬ ‫َ‬ ‫أحدا من الصدمة لدرجة أن‬ ‫ُأحدث ً‬
‫للتخفيف عني فيما أنا فيه ‪ ..‬كم‬ ‫بالطعام ويجلسن بجواري محاولة َّ‬
‫منهن‬
‫ِ‬
‫أناسا طيبين!‬‫كانوا ً‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫بعيد وجريت مسرعة؛ إنه صوت أبي؛ كان ينادي؛‬ ‫سمعت صوتا من ٍ‬
‫أحد منكم ريحانتي‬‫يبدو ّأنه كان يبحث عني طيلة هذه ألايام " يحانة" ‪ ..‬ألم ير ٌ‬
‫ر‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تعافت إلى ّ‬ ‫ْ‬
‫حد ما؛ فهرولت مسرعة وأنا‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ..‬ابنتي ريحانة"‪ .‬كانت إصابتي قد‬
‫ْ ُ‬
‫أص ُرخ "أبي ‪ ..‬أبي"‪.‬‬
‫بقوة وهو يبكي‪" :‬ابنتي! ً‬
‫حمدا هلل ‪ ..‬آه يا هللا ‪..‬‬ ‫َّ‬
‫فتح ذراعيه واحتضنني ٍ‬
‫وجدت ابنتي ‪ ..‬الحمد هلل الحمد هلل"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ساعتها أن هللا ‪-‬سبحانه‪ -‬استجاب‬ ‫كم كانت سعادتي ال توصف! ش ُع ْرت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لدعائي وأن هناك أمال أن أجد باقي عائلتي وخاصة أن معه أختي "ورد"‬
‫َ َّ‬
‫شملنا من جديد!‬ ‫الصغيرة ‪ ..‬حمدا هلل على مل ِة ِ‬
‫دة ًّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫الحطب للتدفئة‪ ،‬وأنا‬ ‫جدا ‪ ..‬كان الناس ُيشعلون‬ ‫حتى كانت ليلة بار‬
‫الكل نائم وسواد الليل في كل مكان والقمر ضوؤه خافت؛‬ ‫ال أشعر بالنوم ‪ُّ ..‬‬
‫َّ‬ ‫مشتعلة وأنا َّ‬‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫أتنهد وأتذكر حبيبي "عثمان" إلى أن‬ ‫النار‬ ‫فذهبت إلى حيث‬
‫ُ‬
‫كل اتجاه ثم وجدت نفس ي هنا‬ ‫وف ْج َأ ًة أحاطت بي من ّ‬ ‫َ‬ ‫وجدت َ‬
‫النار تعلو وتعلو؛‬
‫ُ‬
‫َ ِ‬
‫النار بي بداخلها إلى أن‬‫معكم ‪ ..‬ال أعلم أين أنا‪ ،‬ومن أنتم‪ ،‬وكيف أ ْد َل َف ْت ُ‬
‫جئت في بيتكم الغريب ألاثاث هذا‪ ،‬ومالبسكم ً‬ ‫ُ‬
‫أيضا‪ ،‬وبالطبع أرجو منكم أن‬
‫تعيدوني إلى حيث أتيت"‪.‬‬
‫‪46‬‬

‫(آية)‬

‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬


‫الحب املجنون الذي لن‬ ‫ايات قلبي لهذا‬ ‫كنت نائمة بعد أن أسلمت ر ِ‬
‫َ‬
‫يكون له نهاية سا َّرة؛ هكذا أراه ُم ْمت ًّدا كما شعاع اخترق أحشاء الزمن الذي‬
‫توج هذا الحب ً‬
‫يوما‬ ‫يرفضه بشدة ‪ ..‬هل ثمة سبيل أو بارقة أمل فيه؟ هل َس ُي ّ‬
‫بالنجاح كغيره من قصص الحب العادية!؟‬
‫ُ‬
‫حين بدأت املعركة وقتلت السيدة العجوز؛ لم َأر في وجه أخي "الضياء"‬
‫يوبخ "علي" أخانا الصغير على فعلته‪ ،‬لكنه اليوم‬ ‫َّإال الشرر؛ في البداية كان ّ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ً‬
‫أصبح ط َرفا في النزاع‪ ،‬واليوم علمت أن ُح ِ ّبي قد قتل ‪ ..‬الحرب بدأت بين‬
‫عائالتنا مثل (روميو وجوليت) ليست هناك سبيل للصلح إال باملوت ‪ ..‬بل‬
‫أيضا لن يكون سبيال للصلح بينهم‪.‬‬ ‫بما املوت ً‬
‫ر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الوعكات الصحية التي كانت تصيبني في السابق وكنت ال أعيرها‬
‫ْ‬
‫اهتماما َب َدت هذه ألايام تزورني باستمرار ‪ ..‬زائرتي القديمة أصبحت ال‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫تفارقني ‪ ..‬لطاملا رفضت الدواء وك ِر ْهت ألاطباء ثم ما ض ْي ُر الجسد ببعض‬
‫الحمي البسيطة؟ سيوقفها الدواء بالتأكيد هكذا يفعل باستمرار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫أبناء قبيلة (أكرم) وأبناء عمومته؛ توقف‬ ‫أبناء عمومتي‬
‫ِ‬ ‫بعد قتل‬
‫وأن ما بيننا آلان‪ ،‬من‬ ‫الحديث بيني وبينه تم ًاما؛ كالنا علم َّأنها النهاية َّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫أمل! لم َي ُمت‬
‫ٍ‬ ‫عن‬ ‫ا‬ ‫يبحث ً‬
‫دائم‬ ‫السخافة الاستمرار فيه‪ .‬ولكني ال أعلم َ‬
‫لم قلبي‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫مشتعال ولكنه ُم ْن ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬
‫هك خائف‪.‬‬ ‫حبه بداخلي لحظة واحدة؛ كان‬
‫‪47‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫صريخ آلان قادمة بالقرب من منزلنا؛ ربما الجيران‪ ،‬ما‬ ‫ٍ‬ ‫أصوات‬ ‫أسمع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الذي يحدث؟ حاولت أن أعرف ولكني فوجئت بأمي تدفعني وأخي "علي" وت ُز ُّج‬
‫بنا في الغرفة الصغيرة املظلمة أسفل الدرج وتغلق الباب‪ ،‬بيني وبين نفس ي‬
‫َ ْ ُ‬
‫خ َّمنت َّأنها الحرب قامت بيننا وبينهم من جديد‪ ،‬أصوات الصرخات تتعالى‬
‫احتضنت أخي الصغير والذي حاول‬ ‫ُ‬
‫وطلقات النيران تكاد تثقب أذني ‪..‬‬
‫ُ‬
‫الخروج ولكني منعته وترجيته أن يبقى معي‪ ،‬هكذا أمرت أمي‪.‬‬
‫أسمع من بعيد صوت أمي وضياء أخي يحاول الخروج بالبندقية وهي‬
‫تمنعه‪ ،‬أسمع صوتها خار ًجا من املنزل‪ ،‬بالفعل لم يستمع لها؛ لطاملا رفض‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫الانصياع لألوامر ‪ ..‬ثم هدأت ألاصوات وأصبحت ال أسمع صوت ّ ِأمي لكني‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحسست حرارة شديدة دفعتني إلى الخروج وأخي من الغرفة بسرعة شديدة‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫بسرعة أخرجت‬ ‫ٍ‬ ‫أمامها‪،‬‬ ‫تقابله‬ ‫ما‬ ‫كل‬ ‫تلتهم‬ ‫بمنزلنا؛‬ ‫مشتعلة‬ ‫‪ ..‬كانت النيران‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أخي وخرجت بأعجوبة بعد أن أصبت إصابات طفيفة من الحروق على جلدي‬
‫ْ‬
‫أن َ‬
‫أعلم ما الذي‬ ‫ولكني لم أشعر باأللم قط‪ ،‬كل ما كان يجول بخاطري هو‬
‫ْ‬
‫يجرى وهل ّأمي وأخي بخير؟ كان علي أن أطمئن عليهما‪.‬‬
‫ُ‬
‫أيقنت ً‬ ‫أصوات إلاسعافات في ّ‬
‫تماما أنه ثمة قتلى؛‬ ‫كل مكان آلان؛ لقد‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫أخي بين القتلى فقلبي لم يعد‬ ‫وضعت يدي على قلبي وأنا خائفة أن أرى ِأمي أو ِ‬
‫يحتمل بعد أي جروح!‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫مسرعا يبحث عنهما وأنا خلفه ال‬ ‫ً‬ ‫أخذت أ َه ْر ِو ُل وأخي تركني وجرى‬
‫أذهب‪ ،‬تقودني قدماي إلى حيث‬ ‫ُ‬ ‫أتمالك نفس ي من الرعب‪ ،‬ال أعلم إلى َ‬
‫أين‬
‫وقفت َّ‬ ‫ُ‬
‫وكأن على‬ ‫بشدة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يجري أخي والناس معه‪ ،‬استوقفني ش ٌيء خفت منه‬
‫‪48‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ ُ‬
‫وتسمرت في مكاني ال أقدر على الحراك ‪ِ ّ ..‬أمي جالسة على ألارض‪،‬‬ ‫رأس ي الطير‬
‫حراك منها وأخي "ضياء" ُم َم َّد ٌد‬
‫ٍ‬ ‫عيناها جاحظتان تنهمر منهما الدموع دون‬
‫ً‬
‫أمامها غارقا في دمائه دون حراك!‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بسرعة حاولت أن أضع يدي مكان جرو ِحه وأوقف النزيف لكن الجروح‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كانت كثيرة وغائرة؛ لم أستطع أن أ َس ْي ِط َر عليها وال أن أوقف نزيف الدماء‬
‫ٌ‬
‫حوله جثث أخرى‪ ،‬لم‬ ‫الذي ال ينقطع هذا‪ .‬وجدت عينيه علقتا بالسماء ومن ِ‬
‫أيضا ملقى بجوراه؛ فكل ما كان يهمني في هذه‬ ‫أكترث للنظر ملعرفة من هناك ً‬
‫َّ‬
‫شلت عقلي عن التفكير ً‬ ‫اللحظة أن أخي قد مات َّ‬
‫تماما!‬ ‫وأن الصدمة‬
‫ْ‬
‫في اليوم التالي كانت الحرب قد هدأت والجثث قد ُدفنت وتوارت‬
‫ُ‬
‫بالتراب ‪ ..‬أ ّ ِمي وكل من قتل أبناؤهم رفضوا ارتداء ألاسود ورفضوا أخذ العزاء‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫واقف َ‬
‫أمامنا آلان ينتظر أن تجف‬ ‫كما تفعل أي قبيلة لديها ثأر؛ وكأن من مات‬
‫ّ‬
‫بدماء قاتله‪ ،‬وكل ألارواح التي غابت عنا ال ّبد أن تغيب مقابلها أرو ٌح‬ ‫ِ‬ ‫دماؤه‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫بعد هذه الحادثة ال أعلم ملاذا أ ِحس أنني أكره من أحببت ‪ ..‬أصبح عقلي‬
‫مشوشا أكثر من ذي قبل‪ ،‬أحسست أنني ال أ ُ‬ ‫ً‬
‫يده‪ ،‬حتى إنني ال أريد النظر إليه‬ ‫ر‬
‫ًّ‬ ‫‪ ..‬لم يكن هو الفاعل َّ‬
‫لكن شعوري ال أعرف كيف أصفه‪ ،‬حقا ال أعرف كيف‬
‫‪!..‬‬
‫ْ‬
‫َم ّرت فترة والشرطة تحاول التهدئة دون جدوى‪ ،‬وآلان أخذوا العديد من‬
‫ُ‬
‫أبناء قبيلتي ومنهم أبناء عمومتي وأقاربي وأنا ملتزمة الصمت‪ ،‬ربما أخذت هذا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الصمت من أمي فدائما ما تخبئ مشاعرها وتكتم بداخلها وال تبوح ألحد‪.‬‬
‫‪49‬‬

‫يحمل في يده الجرائد‪ ،‬كالعادة بها أخبار عما‬ ‫ُ‬ ‫جاء "علي" من الخارج‬
‫ََْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫صادق وبعضها أحاديث ليس إال‪ ،‬لكني لم أكت ِرث ‪ ..‬ثم‬ ‫يحدث هنا‪ ،‬بعضها‬
‫ُ‬
‫بقوة؛ أسماء املقبوض عليهم‪ ،‬أمسكت بالجريدة‬ ‫وقعت عيناي على ما أفزعني ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مسرعة أقرأ الاسم مرا ًرا وتكرارا ربما خانتني عيناي؛ إنه (أكرم)! يا إلهي! من‬
‫ألم بي في هذه‬ ‫ضمن املقبوض عليهم‪ ،‬اسمه أمامي آلان‪َّ ،‬إنه هو‪ ،‬ال أعلم ما ّ‬
‫ُ‬
‫اللحظة‪ ،‬أحسست تلك ألاحاسيس يوم مات أخي وكأنها تعاودني من جديد‪.‬‬
‫ْ‬
‫زادت شجوني وأحزاني أكثر فأكثر‪ ،‬حتى َم َر ِض ي أصبح صديقي آلان‪ ،‬ال‬
‫حاولت طرده بالدواء ولكن الدواء لم ُي ْجد ً‬ ‫ُ‬
‫نفعا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُيفارقني البتة ‪..‬‬
‫َّ ُ‬ ‫مرت ألايام بل ألاشهر سريعة ًّ‬ ‫ْ‬
‫أحد وال أذهب إلى‬ ‫ٍ‬ ‫مع‬ ‫ث‬ ‫جدا وأنا ال أتحد‬
‫َّ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ص َدق ما أراه في إلاعالم من‬ ‫الجامعة‪ ،‬أتابع ألاخبار على الفيس البوك؛ إنها أ‬
‫طياتها الصواب والخطأ‪.‬‬ ‫متخبطة تحمل في ّ‬ ‫أخبار ّ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫وجدت رابطا على صفحات الفيس بوك لفيديو ‪-‬يتناقله الشباب بينهم‪-‬‬
‫ُ‬ ‫املحكمة َّ‬
‫تم تصويره بكاميرا هاتف؛ فتحته في‬ ‫ِ‬ ‫قاعة‬
‫ِ‬ ‫داخل‬
‫ِ‬ ‫للنطق بالحكم من‬
‫مل البطيء أن ينتهي ألرى وأعرف ما الذي‬ ‫الة وأنا أنتظر التحميل املُ َّ‬ ‫عج ٍ‬
‫يحدث‪.‬‬
‫حد ما‬‫واضحا‪ ،‬ولكن يظهر الصورة بطريقة إلى ّ‬ ‫ً‬ ‫كان التصوير ليس‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جالسا خلف‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شابا مساملا‬ ‫الكل يصرخ إال ًّ‬ ‫كل املوجودين فيها‪ُّ ،‬‬ ‫تتعر ُف َّ‬
‫تجعلك َّ‬
‫ُ‬
‫القضبان معهم ال يفعل شيئا وال حتى ينفعل كما يحدث آلان‪ ،‬اقتربت من‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫بتكبيرها وعرفته ‪ ..‬إنه هو حبيبي (أكرم) خلف‬ ‫ِ‬ ‫جيدا وقمت‬ ‫الصورة‬
‫ً‬
‫القضبان ينتظر الحكم عليه هادئا كعادته‪ ،‬ينظر للكاميرا باستمرار‪ ،‬ال أعرف‬
‫‪51‬‬
‫ّ‬
‫هل يراني أم ماذا من تلك النظرة الغريبة وكأنها موجهة تجاهي؛ تذكرت آلان‬
‫ًّ‬
‫كل ش ٍيء من الفيس بوك‪ ،‬ربما ينظر لي حقا‬ ‫أنه على علم َّأنني ُاتابع َأخبار ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍُ‬
‫ويعلم أنني أشاهده‪.‬‬
‫تأجيل القضية وانتهى الفيديو على هذا‪ ،‬لكني أحسست‬ ‫َ‬ ‫طلب املحامون‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫غير ُمط ْم ِئن ٍة؛ الكل‬ ‫رعشة غريبة تسري بجسدي كله‪ ،‬قرأت التعليقات وكانت‬
‫ً‬ ‫سيعدمون‪ُ ،‬‬ ‫يقول أنهم ُ‬
‫سيقتلون؛ حبيبي أيضا سيموت! ‪ ..‬أحسست شيئا‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫غريبا يسري بداخلي؛ ثم أظلمت الدنيا من حولي ولم أستطع السيطرة على‬
‫نفس ي!‬
‫ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫أفقت آلان‪ ،‬أنا في مشفى‪ ،‬ال أعرف ما بي؛ الرؤية ُمش َّوشة‪ ٌ،‬أحاول أن‬
‫يجيا حتى رأيت الطبيب واملمرضة وأمي؛‬ ‫النظر يعود لي تدر ًّ‬‫ُ‬ ‫أرى أمامي‪ ،‬بدأ‬
‫ُ‬
‫الحمد هلل‪َّ ،‬إنها أ ّمي ولكن ألول مرة أشاهد ّأمي تبكي وهي َت َع ُّ‬
‫ض على يديها؛ ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫الذي هناك؟ ما الذي دفع أ ِمي لهذا؟ يبدو أن هذه املرة فوق احتمالها؛ نظر لي‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫الطبيب وابتسم و َر َّبت على رأس ي قائال‪" :‬ال تخافي؛ فالعالج الكيميائي آلان‬
‫النفسية َأ َهمُّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫يعطي نتائج مذهلة؛ ستشفين بإذن هللا‪ ،‬ولكن ال ُب َّد أن ت ْه َد ِئي؛‬
‫ما في ألامر"‪.‬‬
‫ُ‬
‫الثقيل الذي ال‬ ‫وذهب؛ علمت آلان ما الذي بي‪َ ،‬م ْن هذا الزائر‬
‫َ‬ ‫وتركني‬
‫يفارقني؟ إنه السرطان ينهش جسدي كما ينهش آلان قلبي من ألالم والحسرة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫آلان ال أهتم ملوتي؛ فأكرم ً‬
‫أيضا سيموت‪ ،‬سنموت سويا ‪ ..‬نعم‪ ،‬كيف لي أال‬
‫َّ‬ ‫َُّ‬
‫أف ِكر في هذا من قبل؟ لم يكن إال املوت هو الرابط الوحيد الذي يجمعنا‬
‫سويا‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫َُّ‬
‫كيف غاب عن عقلي هذا!؟ كيف لم أف ِك ْر من قبل في ش يء سيجعلنا‬
‫أن عند (هللا) ليس هناك‬ ‫سويا دون أن يتدخل أحد في حبنا؟ كيف لم ُأ َف ّك ْر َّ‬ ‫ًّ‬
‫ِ‬
‫تفرقة وال قبلية وال أي من تلك ألامور الدنيوية السخيفة؟ سنجتمع يا (أكرم)‬
‫ُ َّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫أخيرا ‪ُّ ..‬أيها املوت الرحيم‪ ،‬فلتأت آلان ولتكن رؤوفا بأرواحنا امل َعذ َبة!‬
‫ً‬
‫‪52‬‬

‫(أكرم)‬
‫ًّ‬ ‫ي‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ ّ ُ‬
‫ال أص ِدق أنها تهتم بي‪ ،‬إنها لحظة فارقة في عمر ‪ ..‬نتحدث سويا في‬
‫أمور عامة‪ ،‬ال ُي ِه ّم‪ ،‬ال أهتم لكوني أكلت أم ال‪ ،‬ما ُي ِه ّم هو الحديث معها ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نظرات الخجل في عينيها عندما تلمحني بالجامعة تشعلني عشقا ‪ ..‬كم أنا‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ُمت َّي ٌم بأدق تفاصيلها!مالمحها الصغيرة‪ ،‬وابتسامتها التي تفوق ابتسامة أي‬
‫فتاة أخرى‪.‬‬
‫ال أدري إلى أين سينتهي بنا املطاف‪ ،‬ولكني أخاف من نهايتنا ‪ ..‬محكوم‬
‫َ‬
‫عليها بالفشل‪ ،‬لن تعترف لي ِب ُح ِ ّبها ولكني أراه في عينيها‪ ،‬وأرى خوفها من أهلها‬
‫أن َأ َّو َل رجل من عائلتها سيتقدم لخطبتها ستختارهُ‬ ‫حبها لي ‪ ..‬وأعلم َّ‬
‫أكثر من ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لتهرب مني‪ ،‬دائما ما أتساءل هل هي تحبني أم تخافني؟ لست أدري! عقلي‬
‫ٌ‬
‫مش َّوش‪ ،‬أسئلة كثيرة تجول بخاطري‪ ،‬أريد أن أعرف إجابتها‪ ،‬أنا أحترق من‬
‫َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫الداخل كلما فكرت في َّأنها لن تكون لي ‪ ..‬يا إلهي ساعدنا!‬
‫َ‬ ‫ًّ‬
‫البارحة ال أعلم حقا ما الذي دفعني للشعور بالغ ْي َر ِة الشديدة من هذا‬
‫َّ ُ‬ ‫الشخص الذي ر ُ‬
‫وتتحدث معه‪ ،‬ربما يكون أخاها أو ما شابه‬ ‫أيتها تقف بجواره‬
‫ذلك‪ ،‬ال أدري ولكني ال َّ‬
‫أتحم ُل السكوت؛ سأبعث لها برسالة لتخبرني من هو‪:‬‬
‫ً‬
‫‪"-‬من هذا الشخص الذي كان واقفا معك؟ مجرد فضول‪ ،‬أريد أن‬
‫أعرف"‪.‬‬
‫_"إنه أخي ضياء"‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫َّ‬
‫ليتها ال تغضب مني ولكنه ال ُيشبهها‬ ‫أظن َّأنه أخوها‪َ ،‬‬ ‫يا َلحماقتي؛ كنت ُّ‬
‫ّ‬ ‫كثيرا ‪ ..‬يا إلهي‪ ،‬ما الذي َّ‬
‫حل بي ‪ ..‬إنني أقض ي الليالي الطوال ال أفكر إال بها ‪..‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫حديثها في لهفة شديدة َّ‬ ‫َ‬
‫وكأن روحي كانت هائمة ووجدت طريقها بين‬ ‫ٍ‬ ‫أنتظر‬
‫سويا آلان أطراف‬ ‫الح ّب الغريب! إنه يمتلكك‪ ،‬نتجاذب ًّ‬ ‫نبضات حبها ‪ ..‬يا َلهذا ُ‬
‫ِ‬
‫ًّ‬ ‫َّ َ ٌ‬
‫الحديث على الفيس بوك ‪ ..‬إنها م ِرحة جد ا وتضحك على نكاتي البلهاء ‪ ..‬ال‬
‫ُ‬ ‫أحدثها َّ‬ ‫أستطيع النوم إن لم ّ‬
‫كل يوم ‪ ..‬كم أريد أن أخبرها عن مدى عشقي‬
‫لها!‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫بضعة أيام َم َّرت آلان على واقعة املدرسة والسيدة العجوز التي قتلت‬
‫توقفت بيننا املحادثات ً‬ ‫َّ‬
‫تماما‪ ،‬حتى ألامل‬ ‫وأنا ال أستطيع الحديث معها‪ ،‬لقد‬
‫ّ‬
‫أظنه مات آلان‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫صرخات‬
‫ٍ‬ ‫مسرعا وأنا أهرول على أصوات‬ ‫ولكن ما هذا الصوت؟ خرجت‬
‫صاص من بعيد ‪ ..‬ال أعلم ما‬ ‫ٍ‬ ‫طلقات ر‬
‫ِ‬ ‫للنساء وألاطفال بالخارج وأصوات‬
‫كل مكان حتى إنني ال أستطيع أن أعلم إلى أين‬ ‫الذي يجري‪ ،‬صريخ النساء في ّ‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫علي أن أذهب لنجدتهم‪ ،‬هناك سيدة تجري ناحيتي قادمة من بعيد ال أراها‬
‫جيدا؛ سوف أقدم عليها ألقترب منها؛ ربما تحتاج نجدتي‪ ،‬يا إلهي‪ ،‬من ورائها‬ ‫ً‬
‫نسوة ُك ُثر وأطفال ‪ ..‬رجال املنطقة ّكلها تهرول ناحية أصوات الطلقات‪ ،‬الكلُّ‬ ‫ٌ‬
‫حد ما‪ ،‬سيدة من الالتي‬ ‫بعيد عنا إلى ّ‬ ‫يحمل ما يقدر عليه من سالح‪ ،‬املكان ٌ‬
‫ٍ‬
‫ْ‬
‫بطريقة هيستيرية ‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫يهرولن وقعت أمامي آلان وأنا أحاول إفاقتها وهي تصرخ‬
‫أذهب مع الرجال‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ومساعدتها على النهوض ثم‬ ‫بتهدئتها‬ ‫سأقوم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪54‬‬

‫كانت تلهث وتتحدث بصعوبة‪:‬‬


‫ُ‬
‫كل من في املنزل؛ ذبحوا كالخراف"!‬ ‫"ماتوا ‪ُ ..‬قتل ُّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ثم أغش ي عليها ‪ ..‬أوقفت سيدة من نساء البلدة كانت تجري وطلبت منها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أستطيع أن أساعد أنا الرجال في تلك الحرب الدائرة‪،‬‬ ‫أن تساعدها حتى‬
‫ُ‬ ‫وبمجرد أن وصلت إلى املكان _كان الوقت قد تأخر ً‬
‫تماما_ وقفت في صمت ال‬
‫ً‬
‫مقيدا‬ ‫ض‬ ‫ألا‬ ‫على‬ ‫واقع‬ ‫عمي‬ ‫‪..‬‬ ‫أبدا‬ ‫ذاكرتي‬ ‫تنساه‬ ‫لن‬ ‫ٌ‬
‫مشهد‬ ‫أعي ما حدث! هنا‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫والرجال يقومون بفك قيده ‪ ..‬لم نجد من أصدر الطلقات؛ ربما‬ ‫ُ‬ ‫باألغالل‬
‫فعلتهم لينبهونا أو ما شابه‪.‬‬ ‫أصدروها بعد ِ‬
‫ٌ‬
‫ألارض مليئة بالدماء ولكن أين الجثث؟ حاولنا إفاقة عمي ‪ ..‬يا هللا إنه‬
‫بعيدة ويخبرنا أن نذهب‬ ‫ٍ‬ ‫ناحية‬
‫ٍ‬ ‫صغير ويشير إلى‬ ‫ّ‬
‫كصبي‬ ‫قهر الرجال كان يبكي‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬
‫تجاهها ‪ ..‬أسرعت أنا وبعض الرجال معي _وتركنا عمي_ إلى الناحية التي أشار‬
‫إليها‪.‬‬
‫تجم ُد الدم في عروقي وأنا أرى هذا املشهد؛ عربة عليها الكثير من‬ ‫يا إلهي! َّ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫الرجال القتلى‪ ،‬لم أك ْد أعرفهم من كثرة الحرو ِق بهم والطعنات التي ش َّو َه ْت ُهم‪،‬‬
‫َّ‬
‫مصدوم ‪ ..‬حاولنا أن نتعرف‬ ‫ٌ‬ ‫يا إلهي! إن الجثث ُم َمث ٌل بها‪ ،‬اقتربنا منها والكل‬
‫َ‬ ‫عليهم ‪ ..‬لقد تعرفت على واحد منهم آلان؛ إنه "حسان" ابن ّ‬
‫عمي‪ ،‬يا للخنجر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تماما؛ ال تكاد مالمحه‬ ‫مشوه ً‬ ‫الذي ُطعن في صدري من املنظر! إنه صبي صغير َّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫تظهر؛ عرفته من عالمة الحسن على ركبته‪ ،‬إنها مميزة ولها شكل غريب‪ ،‬بدأنا‬
‫جميعا ألبناء عمومتي ‪ ..‬ماتوا‬ ‫ً‬ ‫في إنزال الجثث واحدة تلو ألاخرى وكانوا‬
‫ً‬
‫جميعا؛ كلهم قتلى!‬
‫‪55‬‬
‫بالرجال الغاضبين‪ ،‬يضربون‬ ‫ّ‬
‫قمنا بإنزال الجثث كلها وامتأل املكان ِ‬
‫بالرد القاس ي وأنا أحمل جثث أبناء عمي مع‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ويتوعدون‬ ‫أسلحتهم في الهواء‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫أشبه ب ُد ْم َي ٍة ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تحركها‬ ‫ِ‬ ‫كنت‬ ‫أعلم شعوري في هذا الوقت‪،‬‬ ‫باقي الرجال‪ ،‬ال‬
‫كل ش ٍيء بي حتى إحساس ي بالوقت مات ً‬ ‫ف ُّ‬ ‫َّ َ‬
‫تماما‪.‬‬ ‫الحبال؛ توق‬
‫يستند على أخي ألاكبر "عصام" ‪ ..‬أراه يموت؛‬ ‫ُ‬ ‫بعيد‬ ‫(أبي) واقف من‬
‫ٍ‬
‫أجلس ُه أخي "عصام" ووقف في‬ ‫َ‬ ‫تغي َر وكأنه أصبح لديه مائة عام آلان‪،‬‬ ‫وجهه َّ‬
‫ُ‬
‫ص ّل عليهم آلان‪ ،‬لن تقام‬ ‫هاتفا‪" :‬احملوا قتالنا إلى قبورهم‪ْ ،‬ول ُن َ‬ ‫ً‬
‫وسط الرجال‬
‫ً َّ‬
‫أبدا إال بعد الثأر من قاتليهم"!‬ ‫جنائز هنا ولن نأخذ عزاءهم‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫أنز َل أبي ر َ‬
‫وظل صامتا؛ عالمات الحزن والحسرة تعتريه؛ لطاملا‬ ‫أسه‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ر َ‬
‫يوبخ أخي عليه‪ ،‬وجدته آلان صامتا ولم يردع أخي عن‬ ‫ِ‬ ‫وكان‬ ‫العنف‬ ‫أبي‬ ‫فض‬
‫أفعاله؛ تركه يفعل ويقول ما يحلو له‪.‬‬
‫بعض الشباب إلى مثوى أبنائه‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫قادما من بعيد‪ ،‬يسنده‬ ‫كان (عمي)‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫والدموع ال تفارق عينيه‪ ،‬رأيتهما تنظران إلى أبنائه نظرة ال توصف؛ نظرة‬
‫كل أسرار املعاناة بهذا العالم‬ ‫ُ‬
‫تحمل َّ‬ ‫وألم ودموع ومرارة‪ ،‬نظرة‬
‫وحسرة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وداع‬
‫ٍ‬
‫الكئيب‪.‬‬
‫حبي معهم؛‬ ‫أنظر تلك النظرة معه‪ُ ،‬أودعهم ّ‬
‫وأودع ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بل لقد رأيت نفس ي‬
‫ِ‬
‫سيدفن آلان حبي مع أوالد عمومتي؛ سأدفن حبي معك يا "حسان" إلى ألابد‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أعلم ذلك ً‬
‫جيدا‪.‬‬
‫‪56‬‬

‫كل مكان لألخذ بالثأر ‪..‬‬ ‫جميعا من ّ‬ ‫ً‬ ‫متكررة ألبناء عمومتي‬ ‫ّ‬ ‫اجتماعات‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫بمصيبة كبرى‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫سالحه آلان‪ ،‬أعلم أنه سيقوم‬ ‫أخي ألاكبر "عصام" أراه يشحذ‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫مسرعا مع الشباب الغاضب‬ ‫ً‬ ‫لكنه َن َهرني وجرى‬ ‫حاولت ردعه خوفا عليه‬
‫يتحم َل الصدمات‪ ،‬وعمي‬ ‫َّ‬ ‫علي أن أبقى مع والدي املريض‪ ،‬لن‬ ‫بالخارج‪ ،‬كان َّ‬
‫علي أن أبقى ألحمي أختي وأبي وزوجة أخي‬ ‫بمفرده في منزله‪َّ .‬‬ ‫ِ‬ ‫قرر البقاء‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫وأطفاله ّ‬
‫الصغار؛ كان على ِقل ٍة منا أن تبقى تحرس املكان‪ ،‬والباقون ذهبوا ال‬ ‫ِ‬
‫أعلم إلى أين‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫كنت أرى بريدي إلالكتروني خا ًليا ولكني لم أبحث عنها؛ فأنا أعلم أننا‬
‫انتهينا هنا؛ ليس هناك سبيل للرجوع بيننا فالدماء حسمت القضية!‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أيام قليلة وحدثت املجزرة الثانية؛ لقد هجموا على القرية املجاورة‬
‫لنا؛ يا إلهي! إن بها "آية" ‪ ..‬دعوت (هللا) أن يبقيها بخير ‪ ..‬بعد أن سمعت بما‬
‫ُ‬
‫حدث فيها من مجازر؛ هرولت ألفتح الفيس بوك وأعرف ألاخبار فاألخبار تأتي‬
‫ُ‬ ‫في ساعتها؛ رأيت السباب والشتائم في ّ‬
‫كل مكان من كال الطرفين ‪ ..‬قرأت‬ ‫ِ‬
‫أسماء القتلى؛ يا إلهي! بينهم "ضياء" أخو "آية" ‪ ..‬يا هللا! من بين كل‬ ‫َ‬ ‫بسرعة‬
‫لم أكترث آلان؟ إن‬ ‫الناس لم يجدوا إال أخاها! ولكن إن كان هو أو غيره‪َ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ ّ ٌ‬
‫صة شديدة ال تقوى على‬ ‫موضوعنا قد انتهى وقتل مع أقاربنا ولكن قلبي به غ‬
‫ّ‬
‫التحمل‪.‬‬
‫ْ‬
‫دخلت أختي "سارة" وهي تبكي‪" :‬أخي‪ ،‬هل كل ش يء انتهى؟ هل أصبحنا‬
‫سنظل هكذا إلى أن يأتي علينا الدور؟"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مدينة أشباح؟ هل‬
‫‪57‬‬
‫َه َّد ْأ ُتها وأخذتها في حضني‪ ،‬صغيرتي الجميلة لقد ُا ْخ ِت َيرت ً‬
‫أخيرا في منحة‬
‫علي أن أقف‬ ‫ظل هذه الظروف َّ‬ ‫للتعليم خارج مصر‪ ،‬ولكن مسكينة‪ ،‬في ّ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫دت منحة طيلة حياتك وها‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫أنت‬ ‫حبيبتي‪،‬‬ ‫يا‬ ‫"اسمعي‬ ‫‪-‬‬ ‫ها‪:‬‬ ‫أترك‬ ‫بجوارها؛ لن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫هي فرصتك؛ لن أتركك هنا؛ سأكون بجوارك حتى تكملي حلمك"‪.‬‬
‫َ‬
‫‪"-‬أنت الوحيد الذي يقف معي في أحالمي ‪" ..‬عصام" أخونا سيمنعني‬
‫الذهاب‪ ،‬ثم كيف أذهب وأترككم هكذا؟"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫جيدا؛ هذا طلبي منك‬ ‫نستطيع العيش ‪ ..‬اسمعيني ً‬ ‫ُ‬ ‫_"ال تكترثي بنا؛‬
‫بعيدا عن بالد الظلم ‪ ..‬فلتعيش ي في الحرية‬ ‫ً‬ ‫فلتكملي أحالمك ولتعيش ي‬
‫ً‬
‫ولتنعمي بالحياة التي ُحرمنا منها ‪ ..‬كم ستكون سعادتي وأنا أراك سعيدة؛‬
‫ّ‬
‫حققي أحالمي"‪.‬‬ ‫أرجوك ِ‬
‫ّ‬
‫ظني!‬ ‫أخذت تبكي في أحضاني وتعدني أن تكون عند حسن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شديدة على الباب ‪ ..‬أسرعت ألفتح ‪ ..‬كان "عصام"‬ ‫ٍ‬ ‫طرقات‬
‫ٍ‬ ‫صوت‬
‫ُ‬ ‫أن هناك من ُ‬ ‫ُ‬
‫فعلمت َّ‬ ‫َ‬
‫يتبعه؛ أخذت منه البندقية‬ ‫يحاول أن ُيخبئ بندقيته؛‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫نصر؛ لقد كان‬‫ٍ‬ ‫عالمات‬ ‫ها‬ ‫كل‬ ‫ه‬ ‫عيني‬ ‫نظرة‬ ‫أيت‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫لكن‬ ‫أخبؤها‪،‬‬ ‫أين‬ ‫أعرف‬ ‫وأنا ال‬
‫مع القتلة‪ ،‬بل لقد كان القاتل مثلهم‪.‬‬
‫ً‬
‫أبي ال يقدر على الحراك؛ فنظر تجاه أخي قائال‪" :‬الدماء ال تأتي إال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وخرابا"!‬ ‫بالدماء يا ولدي‪ ،‬الثأر نار تأكل ألاخضر واليابس ‪ ..‬كفي موتا‬
‫صرخ أخي "عصام"‪" :‬يكفيك يا أبي ‪ ..‬هل كنت تريدنا أن نعيش‬
‫أذالء!؟"‪.‬‬
‫‪58‬‬

‫_"ال يا ولدي‪ ،‬حرمة الدماء‪ ،‬أخاف عليك أن تقابل (هللا) وفي يدك دماء‬
‫ُ‬
‫مسلمة معلقة في رقبتك ‪ ..‬ماذا ستخبر (هللا)؟ ما هي ُح َّجت َك أمامه وأنت‬
‫ارتكبت خطيئة ال تغفر؟"‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫طرقات على الباب شديدة ‪ ..‬يا إلهي! َّإنها الشرطة ‪ ..‬توقف الزمن بي‬
‫أيتام بدونه‪ ،‬وأبي ال يقوى‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َّ‬
‫وأحسست أنني أمام عائلتي وهي تنهار؛ أوالد أخي‬
‫ٌ‬
‫سبيل لبقائي ‪ ..‬أنا‬ ‫على تربيتهم في هذه اللحظة‪ ،‬وبعد أن مات ُح ِ ّبي ليس هناك‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫ً‬
‫ويربي أبناءه؛ إنه ألاكبر؛ إنه عمود العائلة‬ ‫ِ‬ ‫أخي‬ ‫ليعيش‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ض‬ ‫أ‬ ‫أن‬ ‫علي‬ ‫ا‬ ‫أيض‬
‫َّ‬
‫كما علمني أبي ثم إنني ال أريد الحياة؛ ال طعم لها آلان!‬
‫وقف الضابط يصرخ‪" :‬أين الشخص الذي دخل هنا ومعه سالح؟ من‬
‫منكم؟"‪.‬‬
‫و ُ‬ ‫ُ‬
‫بقوة‪" :‬أنا هو الفاعل"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قفت‬ ‫و‬ ‫السالح‬ ‫أخرجت‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َْ ْ‬
‫ولكن‬ ‫أبي‪ ،‬وأخي حاول أن ُيخبرهم أنه الفاعل‬ ‫لت ْ‬ ‫عالمات الصدمة اعت‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫دليل على أنني الفاعل؛ أشار الضابط إلى باقي‬ ‫السالح الذي كان في يدي أكبر ٍ‬
‫ألاغالل في يدي وتقييدي ‪ ..‬نظرت إلى‬
‫ِ‬ ‫أفراد الشرطة الواقفين فأسرعوا بوضع‬
‫أخي والابتسامة على وجهي يملؤها ألاس ى والحسرة‪" :‬أوصيك بأبي وبأختنا‬
‫ْ‬
‫"سارة" ‪ ..‬إنها وصيتي لك‪ ،‬اترك "سارة" تسافر َو ِقف معها ‪ ..‬إنهما أمانة في‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫مسرعا وراء الضابط‬ ‫عنقك آلان"! وتركتهم وذهبت مع الضابط ‪ ..‬جري أخي‬
‫َّ‬
‫يحاول أن يشرح له أنه الفاعل ولست أنا ‪ ..‬لكن الضابط أزاحه من طريقة ولم‬
‫ً‬
‫اهتماما وألقى بي داخل عربة الشرطة‪.‬‬ ‫ُي ِع ْر ُه‬
‫‪59‬‬

‫إيداعنا إلى السجن‪ ،‬نظرت إلى نفس ي‬ ‫ُ‬ ‫ُسحبت مع بعض الرجال وتم‬
‫أتعج ُب ممن يدخلون‬ ‫بت حينما كنت ألوم املجرمين و َّ‬ ‫َّ ُ‬
‫داخل السجن وتعج‬
‫واحد منهم‪.‬‬‫ٌ‬ ‫السجون؛ آلان أنا‬
‫وجيزة‪ ،‬سمعت بعدها من أبي الذي كان يزو ني باستمرار َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫أن‬ ‫ر‬ ‫َم َّرت فترة‬
‫وأن هناك من هجر (أسوان) هاربا خارج‬ ‫كل محاوالت الصلح باءت بالفشل‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫أسوارها التي أصبحت بلون الدماء آلان! بعدها ّ‬
‫قليلة وجدت السجن‬ ‫ٍ‬ ‫بأي ٍام‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫جميعا إلى سجن قنا العمومي‪.‬‬ ‫قد اكتظ بالرجال من بيننا وبينهم وتم ترحيلنا‬
‫يقترب ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫أحد منهم من آلاخر وال حتى بالسباب‪ ،‬ال‬ ‫الغريب أن الرجال لم‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫السجان أم َّأنهم اكتفوا من الدماء التي أريقت‪ ،‬بعدها‬ ‫ّ‬ ‫أعلم أخوفا من‬
‫وائيا إلجبار ألاهل على‬ ‫أغلبهم ُأخذ عش ًّ‬ ‫أن َ‬ ‫ُ‬
‫وعلمت َّ‬ ‫تعرفت على بعضهم‬ ‫َّ‬
‫وأن‬‫مجد ًدا َّ‬
‫الرضوخ ألوامر الحكومة ليتم الصلح وعدم الخوض في القتال َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أغلب املسجونين لم يقترفوا أي جرم كان‪.‬‬
‫علمت بالصدفة َ‬ ‫ُ‬
‫قربه‬ ‫كان من بين السجناء قريب "آية" إنه ابن خالتها‪،‬‬
‫منها عن طريق سماعي لحديثة بالخطأ عن أخيها ومنذ ذلك الحين وأنا أتبعه‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫القلب‬‫ُ‬ ‫ص ألعرف أخبا َرها؛ ما يزال‬ ‫أتلص ُ‬‫َّ‬ ‫ألاخبار دون أن َي ِع َي أنني‬ ‫َ‬ ‫ألعرف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ينبض ّ‬ ‫ُ‬
‫بحبها وأنا من ظننت أنني دفنته مع من ماتوا ولكني دفنت أحالمي بأن‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫تكون لي ولم ُيدفن ّ‬
‫حبي قط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السجان‬ ‫نمر ُرها دون أن يشعر‬ ‫ِ‬
‫كنا نملك هواتف داخل السجن؛ ّ‬ ‫بالطبع‬
‫ُ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫مهموما؛ فجلست خلفه ال‬ ‫بها‪ ،‬نعرف بها أخبار عائال ِتنا‪ ،‬وجدته في أحد ألايام‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫شاب َه‪ ،‬ال ُي ِه ُّم‪ ،‬أريد أن‬ ‫وكأني أقرأ أو ما َ‬ ‫أعرف ما الذي يجرى دون أن يشعر بي‬
‫‪61‬‬
‫أعرف ما الذي هناك‪َّ ،‬إنه يبكي آلان على "آية" ‪ ..‬ما هذا؟ َّإنه ُيحبها ً‬
‫أيضا ولكن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِل َم يبكي عليها؟ ما الذي جري لها حبيبتي ‪ ..‬أنا أسترق‬
‫السمع وقد اقتربت أن‬
‫أضربه ألعرف ما بها ولكن َّ‬
‫علي أن أتمالك نفس ي‪.‬‬
‫ُ‬
‫أوقعت ما بيدي عندما سمعت ما جري ‪ ..‬لقد أصيبت حبيبتي‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫بالسرطان وهي ال تقاومه؛ كدت أموت؛ ساعتها تمنيت لو أنه تز ّوجها وأن‬
‫ً‬
‫سعيدة؛ َّ‬
‫علي أن أراها تموت وأنا هنا ال أقدر على ش يء!‬ ‫أراها‬
‫الحمام وأخرجت هاتفي وفتحت إلانترنت ‪ ..‬بعثت لها برسالة‬ ‫اختبأت في ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ترد عليها ‪ ..‬انتظرت كثيرا والنار تنهش في قلبي وأنا أكاد أ َج ّن‬‫لكن ال ش َيء ‪ ..‬لم ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫عليها وال سبيل للوصول إليها ‪ ..‬هنا أريد أن اسمع صوتها‪ ،‬أريد أن أطم ِئ َّن‬
‫ُ‬
‫عليها ‪ ..‬حاولت مرا ًرا الاتصال بها دون جدوى!‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫القضية ال ُيهم ًّأيا كان الحكم؛ فأنا اخترت أال‬ ‫ّ‬ ‫النطق بالحكم في‬ ‫إذن‬
‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫اليوم ِجل َسة النطق بالحكم؛ لم أ ُع ْد‬ ‫َ‬
‫أعيش بدونها‪ ،‬اقتادونا إلى املحكمة ‪..‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫أكترث ألي ش يء ‪ ..‬ضجيج في كل مكان‪ ،‬والكل يصرخ أنه ليس الفاعل‪ ،‬وألاهل‬
‫يبكون على أبنائهم‪ ،‬ولكن القاض ي قال كلمته وانصرف‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫فضيلة املفتي؛ إنه إعدام‪ ،‬أنا‬
‫ِ‬ ‫جميعا بإحالة أوراقنا إلى‬ ‫تم الحكم علينا‬
‫بتصوير‬
‫ِ‬ ‫الشباب الذين يقومون‬
‫ِ‬ ‫بهاتف أحد‬
‫ِ‬ ‫أنظر آلان إلى كاميرا أمامي‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫الجلسة ‪ ..‬أعرف َّ‬
‫بنشره على إلانترنت ‪ ..‬نظرت للكاميرا حتى‬
‫ِ‬ ‫سيقومو‬ ‫هم‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أقلبها بين يدي‬‫بربطة يدها في جيبي؛ أخرجتها وأنا ِ‬
‫ِ‬ ‫تراني ‪ ..‬أنا ال أزال أحتفظ‬
‫ّ‬
‫وعيني تجاه الكاميرا حتى تراني؛ ر َّبما تشعر أنني أتمنى املوت على أن أعيش‬
‫ُ‬
‫دونها‪ ،‬بل أنا أموت معها آلان!‬
‫‪61‬‬

‫(سارة)‬
‫ُ‬
‫سنحت لها فرصة السفر بفضل املنحة التي حصلت عليها‪ ،‬خرجت‬
‫"سارة" من ِق َب ِل أحداث دامية من َر ِح ِم أحبابها إلى غياهب الدنيا!‬
‫ّ َْ‬ ‫َ َّ‬
‫تنفك تت ُركها‪،‬‬ ‫عائلتها كلها والدموع ال‬ ‫بقلبها وو ّدعت‬ ‫ودعت (أكرم) أخيها ِ‬
‫َ َّ‬
‫ضحى (أكرم)‬ ‫أن َّ‬ ‫ْ‬ ‫تغي َر ً‬
‫تماما بعد‬ ‫والغريب هو أخوها "عصام" الذي يبدو ّأنه َّ‬
‫َ‬
‫طريح‬ ‫َ‬
‫وأصبح‬ ‫أجل العائلة‪ ،‬ووالدها الذي أصابته ألامراض‬ ‫بنفسه من ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫وتاركة َّ‬ ‫ٌ‬
‫ظهرها ومعها‬ ‫ِ‬ ‫خلف‬ ‫ماضيها‬ ‫كل‬ ‫مهاجرة‬ ‫الفراش‪ ،‬هي آلان باملطار‬
‫ٌ َّ‬ ‫ُ َّ‬
‫املعلمون امل َوكلون بتوصيلها‪ ،‬و"عصام" أخوها فقط من عائلتها واقف كأنه‬
‫تكاد تصرخ في وجهها ‪ ..‬ارجعي؛ كفى الفراق! ألم‬ ‫ليس هو‪ُ ،‬ي َو ّد ُعها بعيون ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫َيك ِفنا ما حدث؟ عيون آسفة على ما فعله بنا جميعا‪ ،‬حتى وقوفه في وجه‬
‫نادما عليه!‬ ‫الثأر يبدو َّأنه صار ً‬
‫ً‬
‫صمت‪ ،‬وو َّدعها‪ ،‬وطلب منها أن تفتحها بعد‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ونظر لها في‬ ‫أعطى لها ورقة‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وف ْو َ‬ ‫ْ‬
‫وبمجرد أن بدأت‬ ‫بداخل الطائرة‬
‫ِ‬ ‫‪..‬‬ ‫ها‬ ‫ركوب‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫أن تقلع الطائرة بالفعل‬
‫لهفة وشو ٍق‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ََ َ ْ‬
‫ٍ‬ ‫في‬ ‫بها‬ ‫ما‬ ‫تقرأ‬ ‫وبدأت‬ ‫أخوها‬ ‫منها‬ ‫طلب‬ ‫كما‬ ‫قة‬ ‫الو‬ ‫ت‬ ‫تقلع؛ فتح‬
‫ُّ ُ ُ‬
‫تنفك تفارقها‪:‬‬ ‫ودموع ال‬
‫ٍ‬
‫دائما في‬‫‪"-‬حبيبتي "سارة" ال تلتفتي وراءك ‪ ..‬تعلمين أنني من يدعمك ً‬
‫دائما وكما َو َع ْدتني‪ ،‬ال‬ ‫أحالمك‪ ،‬أر ُيدك أن تصلي إلى أعلى املراتب كما عهدتك ً‬
‫‪62‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫تحققي أحالمك هذا طلبي منك ‪ ..‬أ ِح ُّبك ‪( ..‬أخوك‬
‫تحاولي الرجوع إال بعد أن ِ‬
‫أكرم)"!‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫دموعها واحتضنت الورقة‪ ،‬وألالم واملرارة كل ما يتواجد بقلبها‬ ‫سالت‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫آلان ‪ ..‬كان وضعها ال تحسد عليه‪ ،‬مسافرة إلى دولة العلم والحضارة‪ ،‬مقبلة‬
‫َّ‬
‫حياة جديدة بعيدة كل البعد عن العصبية القبيلة والدماء التي خلفتها‬ ‫على ٍ‬
‫كل هذه الدموع وألاحزان ‪..‬‬ ‫وراءها ‪ ..‬ولكن هيهات للقلب أن َ‬
‫يفرح في َو َس ِط ّ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫عليها أن تحاول آلان‪ ،‬بل ال ُب َّد لها أن تجعل وصية أخيها لها حقيقة ‪ ..‬عليها أن‬
‫أسه كما طلب منها‪.‬‬ ‫ترفع ر َ‬

‫في أثناء الرحلة ‪-‬بالطبع ال ُب َّد لهم من دخول مطار (القاهرة) ّأوال حتى‬
‫تجتاز إلى مطار (أمريكا) من بعد طائرة (أسوان) التي أودعتهم إلى مطار‬
‫ً‬
‫القاهرة الدولي_ الطريق بدا طويال في َو َس ِط ألاحزان التي هي فيها آلان حتى‬
‫َّ ْ‬
‫حطت الطائرة بمطار (نيويورك)‪.‬‬
‫َّ َ‬
‫ِكال الشابين الذ ْي ِن وقع عليهما الاختيار للبعثة _فقد كان معها شاب‬
‫حد ما‪ ،‬لم ْ‬
‫يترك‬ ‫أسمر‪ ،‬مفتو ُل العضالت إلى ّ‬ ‫ُ‬ ‫طويل القامة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُيدعى "وليد"‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫دائم الاتصال بأهله‪ ،‬كالهما آلان ٌ‬ ‫هاتفه منذ بداية الرحلة وهو ُ‬ ‫َ‬
‫بعيد عن تراب‬ ‫ِ‬
‫بغرابة‬ ‫الب ْعد عن الدين ّ‬
‫ولكنها تحمل تعاليمه‬ ‫كل ُ‬‫بعيد ّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بلد ٍ ِ‬ ‫ألام‪ ،‬وفي أكناف ٍ‬
‫ًّ‬
‫لضبط أوراقهما‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ة‬‫ر‬ ‫السفا‬ ‫إلى‬ ‫ال‬‫شديدة_ عليهما الذهاب أو‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫فضلكما"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫كامال‬ ‫‪"-‬اسميكما‬
‫_"أنا سارة عبد الصمد"‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫_"وأنا وليد عبد العزيز"‪.‬‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َر َّحبا بهما وأروهما أماكن سكنهما وعملهما الجديد‪ ،‬بالطبع الفتى الذي‬ ‫َ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫بعيدة‬
‫ٍ‬ ‫ض‬‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫إلى‬ ‫وصال‬ ‫فقد‬ ‫آلان؛‬ ‫الخط‬ ‫بأهله انقطع عنه‬ ‫كان دائم الاتصال ِ‬
‫َ ُّ‬
‫عن الوطن وخطه ليس دوليا ‪ ..‬حاول مع السفارة لالتصال بأهله‪ ،‬يبدو عليه‬
‫ُ‬ ‫بكلمات ّ‬ ‫الحنق والضيق الشديد ‪ُ ..‬ي َت ْمت ُ‬ ‫عالمات ُ‬
‫وغيظ في غ َرمائه من‬ ‫ٍ‬ ‫سب‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫نوبيا‪ ،‬في هذه اللحظة اقتربت منه "سارة" وال ُيعجبها‬ ‫الشاب ًّ‬
‫ُّ‬ ‫(بني هالل) ‪ ..‬كان‬
‫َّ ْ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ينفك يتركه منذ أن َحطت أقدامهم‬ ‫أفعاله املشينة من هذا الحديث التي ال‬
‫على أرض الغربة ‪ ..‬تجاههما؛ فنظرت له في غيظ‪:‬‬
‫واحد‪ ،‬أرجو لك الانتباه للسا ِنك‪ ،‬وأن‬ ‫ٍ‬ ‫مركب‬
‫ٍ‬ ‫"اسمع يا هذا‪ ،‬يبدو أننا في‬
‫وإال ستندم ً‬‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ف عن َ‬ ‫َّ َ‬
‫كثيرا"!‬ ‫وء آلان‬‫ٍ‬ ‫بهد‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫أنذ‬ ‫لقد‬ ‫‪..‬‬ ‫وعشيرتي‬ ‫أهلي‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫تتوق‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫أنت منهم؟ لقد اكتملت إذن ‪ ..‬أوف ما هذا‬ ‫ض ِحك الفتى‪" :‬هل ِ‬
‫العفن!؟"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫يخرج من عقلك الخرب أيها‬ ‫استشاطت غيظا واقتربت منه‪" :‬أرى العفن‬
‫ألابله"‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وج َعل ُهما‬ ‫وتدخل ليهدئ الوضع ُ‬
‫بينهما‬ ‫انتبه املوظف القائم لخالفهما‬
‫أحد ألاساتذة وو ّجه حديثه‬ ‫َي ُك َّفان عن املشاحنات؛ في هذه اللحظة وقف ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫حادة‪" :‬اسمعا أنتما الاثنين‪ ،‬ال أريد كلمة واحدة منكما؛ وإال‬ ‫ٍ‬ ‫لهجة‬
‫ٍ‬ ‫إليهما في‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫عدتما أدراجكما من حيث جئتما‪ ،‬ولنعتبر هذه املنحة الغية‪ ،‬هل كالمي‬
‫مفهوم هنا؟"‪.‬‬
‫‪64‬‬

‫فندق تا ٍبع للمؤسسة التي‬ ‫ٍ‬ ‫بعد الانتهاء من ألاوراق تم نقلهم إلى‬
‫ْ َ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سيعملون بها‪ ،‬وكان مكان العمل يعطي غرفة كبيرة لكل من يعمل به ُمل َحقة‬
‫بالفندق‪ ،‬ويقوم العمال بخدمتهما وتقديم وجبات الطعام املختلفة لهما بعد‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫املصعد إلى الطابق الذي يوجد به غرفتيهما؛ دخلت وأغلقت‬ ‫أن أوصلهما‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫الباب َّ‬
‫بشدة خلفها محاولة تالش ي النظر له‪.‬‬
‫والح ْز ُن يمأل َ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫قلبها‪ ،‬خرجت‬ ‫بالغرفة كانت "سارة" تتذك ُر ما حدث‬
‫ً‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫لتستنشق بعض الهواء املنعش من الش ْرفة املطلة على الشارع مباشرة‪ ،‬كان‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ً‬ ‫ُ‬
‫عقلها ُمش َّوشا؛ أحالم تمنتها تحققت‪ ،‬وحرية أرادتها نال ْتها‪ ،‬بل نالت ال ِعل َم‬
‫ْ‬
‫ألاهل‪ .‬كيف لها أن تطم ِئ َّن عليهم؟ آلان أخذت ترجو‬ ‫َ‬ ‫وكل ش يء ولكن فقدت‬ ‫َّ‬
‫طل أمامها ألناس‬ ‫كثيرا أن يرحمهم ويساعدهم ‪ ..‬املنظر املُ ّ‬ ‫_ع َّز َو َج َّل_ ً‬ ‫(هللا) َ‬
‫ْ‬
‫تتحسر‬ ‫ّ‬ ‫يمشون ِب ُح ّ ِر َّي ٍة في كل مكان هنا حيث ال أبيض وال أسود سيفرق‪ ،‬كادت‬
‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫عاشت فيه َّ‬ ‫ْ‬
‫ثم حاولت أن تهدأ لتك ِم َل وصية أخيها لها!‬ ‫على ما‬
‫تم اختيار بحثها من‬ ‫بالغد كان عليها استالم العمل في املعمل؛ فقد ّ‬
‫ِ‬
‫املؤهلة للعمل به‪ ،‬ولقد كان بحث الشاب "وليد" من ضمن‬ ‫ّ‬ ‫ضمن ألابحاث‬
‫ِ‬
‫موضوعها حيث الاثنان قد‬ ‫ِ‬ ‫ألابحاث الناجحة أيضا‪ ،‬وموضوعه مقار ٌب إلى‬
‫بحثا ر ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫ائعا في (الفيزياء الحيوية) ب الطبع املعمل الجديد بأمريكا كان‬ ‫قدما‬
‫ً‬
‫اختالفا ًّ‬ ‫ُ‬
‫كليا عن (معمل كلية العلوم بأسوان) والذي كان منبعهما‬ ‫يختلف‬
‫ُ‬ ‫ألاول لتعلم العلوم الكيمائية والفيزيائية ً‬
‫أيضا‪ ،‬ألادوات حديثة الصنع‬
‫جدا‪ ،‬كان كالهما يتالش ى الحديث أو مجرد الاحتكاك باآلخر‪،‬‬ ‫فخم ًّ‬ ‫واملكان ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وكانت الطبيبة املشرفة عليهما دكتور "الن ويلسون" ‪-‬والتي لها مكانة عالية‬
‫‪65‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫بالدولة هنا‪ -‬قد الحظت هذا الخالف بينهما ‪ ..‬هي سيدة من الطبقة الراقية‬
‫تتزوج أو تنجب ً‬
‫أوالدا؛‬ ‫قاء العينين‪ ،‬تبدو في عقدها الخامس‪ ،‬لم ّ‬ ‫شقراء زر ُ‬
‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫فقد ك َّر َست حياتها للعلم فقط‪.‬‬
‫ْ‬ ‫يبدو َّ‬
‫أن الطبيبة كانت تنحاز لجانبها النسوي في "سارة" التي بدأت‬
‫العداء والحز ِن‬
‫ِ‬ ‫تتقر ُب منها وتربطها عالقة طيبة‪ ،‬وفي محاوله منها لتخفيف‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫الظاهر عليهما ق َّر َرت أن تخرجهما لرؤية معالم البلد معها؛ لتنحي خالفاتهما‬
‫ً‬
‫جانبا‪.‬‬
‫َّ ٌ‬ ‫ُ‬
‫مقدسة لدى ألامريكان‪ ،‬ال‬ ‫الاختيار في نهاية ألاسبوع والتي هي إجازة‬ ‫وقع‬
‫َ َ‬
‫ُب َّد أن يقضوا فيها أ ْمت َع ألاوقات وأن يتناسوا العمل ‪ ..‬وقع اختيارها على‬
‫ُ‬ ‫مطعم في وسط املدينة يبدو َّأن ُ‬
‫غال الثمن فخم للغاية‪ ،‬جلست الطبيبة وفي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫بعضهما‬ ‫كعادتها؛ فكانا يتالشيان النظر إلى ِ‬
‫ِ‬ ‫صحبتها الشابان وهي هادئة‬
‫ْ‬
‫خجل وتسكت‪.‬‬‫ٍ‬ ‫في‬ ‫تبتسم‬ ‫ة"‬‫ر‬ ‫و"سا‬ ‫معهما‬ ‫تتسامر‬ ‫أن‬ ‫حاولت‬ ‫البعض‪ ،‬بالطبع‬
‫ْ‬
‫جاء النادل لتلقي طلباتهم‪ ،‬وجدت على وجهيهما العبوس والبغضاء‬
‫كأسا‬‫تجاه بعضهما البعض وطلبوا منها هي أن تختار لهما فاختارت لنفسها ً‬
‫يجهز العشاء ‪ ..‬ابتسمت‬ ‫من البراندي‪ ،‬وعصير البرتقال لهما كبداية إلى أن ّ‬
‫َّ‬
‫لهما وقالت‪" :‬أعلم أنكما مسلمان ولن تشربا معي (البراندي) فاخترت‬
‫أتمنى أن يعجبكما"‪.‬‬ ‫عصيرا؛ َّ‬ ‫ً‬

‫وحسن تصرفها معهما ثم أكملت حديثها‪" :‬أعلم ِس َّر‬ ‫َ‬ ‫َش َك َرا لها ُّ‬
‫تفه َمها‬
‫أن ألامور العائلية في العمل ال مكان لها ‪..‬‬ ‫جيدا ‪ ..‬ال ُب َّد أن تتعلما َّ‬ ‫خالفكما ً‬
‫ِ‬
‫‪66‬‬
‫ُ‬ ‫َ َّ‬
‫صعب؛ فأنا تابعت ألاحداث على‬‫ٌ‬ ‫كل ما كان‪ ،‬أعلم أن ُه‬ ‫عليكما أن تنسيا َّ‬
‫ً‬
‫ماضيا آلان ‪ ..‬اتفقنا؟"‪.‬‬ ‫لكن هذا أصبح‬‫التلفاز‪َّ ،‬‬

‫شبر في (أرض مصر) ‪ ..‬لم‬ ‫امتالك ّ‬


‫كل‬ ‫َ‬ ‫"سارة" في غيظ‪" :‬إنهم يريدون‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يكيفهم ش يء ثم آلان يقتلوننا"‪.‬‬
‫ِ‬
‫الدخالء"‪.‬‬ ‫بالدنا ‪ ..‬أنتم ُّ‬ ‫"وليد"‪َّ :‬‬
‫"إنها ُ‬

‫الطبيبة بيدهما ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬


‫سويا؛‬ ‫ِ ِ‬ ‫فأمسكت‬ ‫آلاخر؛‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫غيظ‬ ‫كالهما كان يشيط‬
‫ُ‬
‫واحد منهما في يد وابتسمت‪" :‬اسمعا يا صغيرين‪ ،‬ألستما تتشاركان آلان‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫ُ‬
‫صديق لي‬ ‫ٍ‬ ‫ببعض؟ سمعت من‬ ‫ٍ‬ ‫هذه ألارض؟ وقد وافق أجداد كليكما َو َر َّحبا‬
‫ضهم َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ألنهم‬ ‫مسلم أن هناك مهاجرين‪ ،‬وأنصا ًرا َر َّح ُبوا بهم وأعطوهم أر‬
‫أليس كذلك؟"‪.‬‬‫َ‬ ‫يحبونهم ‪..‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََََْ‬
‫صمت الاثنان وأومأا برأسيهما باملوافقة على كالهما؛ فأكملت حديثها‪:‬‬
‫مني عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫كل‬‫ِ‬ ‫تقريرا أسبوعيا يطلب ِ‬ ‫أغضب منكما‪ ،‬ثم إن هناك‬ ‫"ال تجعالني‬
‫ُ‬
‫صالحكما"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫من يعمل باملعمل أر ُيده أن يكون في‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تصرف خاطئ َم َّرة أخرى؛‬ ‫ُّ‬ ‫ف ِهما تلميحاتها؛ وعاهداها أال ُيك ّ ِررا أي‬
‫ًّ‬ ‫تت على يد كليهما‪" :‬أعدكما أن يكون هناك ً‬ ‫ر َّ ْ‬ ‫ْ‬
‫ترفيهيا‬ ‫جانبا‬ ‫كعادتها و ب‬
‫ِ‬ ‫ابتسمت‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫الجاد وعقلكما املنير‪ ،‬تبهراني في‬ ‫أسبوع لكما؛ فأنا فخورة بكما وبعملكما‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫املعمل يا شباب كلما دنوت منكما"‪.‬‬
‫بحديثها وأكمال السهرة معها في هدوء!‬
‫ِ‬ ‫سعدا‬
‫‪67‬‬

‫جديد‪ ،‬وكما وعدتهما الطبيبة بالرحالت الترفيهية فهذه‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬


‫أسبوع‬ ‫مض ى‬
‫بالقفز من فوقها‬ ‫واة‬ ‫جبلية يقوم ُ‬
‫اله‬ ‫مرتفعات‬ ‫؛‬ ‫عال‬ ‫مكان‬ ‫إلى‬ ‫هم‬ ‫املرة ْ‬
‫قادت‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫جيدا ‪ ..‬هؤالء القوم‬ ‫بعد ارتداء املالبس الخاصة وربط حزام ألامان‬
‫يستثمرون إلاجازات ولديهم أماكن رائعة‪.‬‬
‫مذهل‪ ،‬وسعادة الناس الواقفين وصراخهم بعد أن ُيلقوا‬ ‫ٌ‬ ‫املكان‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫بأنفسهم‪ ،‬وضحكاتهم التي تتخلل الصرخات مما يجعل (ألادرنالين) يتدف ُق في‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الجسم‪ُ -‬يضفي عليه شعو ًرا مميزا ًّ‬
‫متفرجا‬‫ِ‬ ‫فيقف‬ ‫؛‬ ‫يخاف‬ ‫من‬ ‫هناك‬ ‫‪..‬‬ ‫ا‬ ‫جد‬
‫عادة‬ ‫ُ‬
‫ويقوم بتصوير أصدقائه‪ ،‬وهناك من يقفز بالفعل‪ .‬وقفت "سارة" في س ٍ‬
‫وعيناها تملؤهما إلاثارة والتحدي؛ فاقتربت ممن يربطون ألاحزمة للناس‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حزامها ً‬ ‫_هؤالء املختصين بهذا ألامر‪ -‬وربطت َ‬
‫جيدا وأحكمت غلقه ثم فتحت‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫وأخذت ً‬
‫نفسا عميقا واقتربت من حاف ِة الجبل‪.‬‬ ‫ذراعيها‬
‫ًّ‬
‫اقترب منها "وليد"‪" :‬حقا ستقفزين؟"‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كانت تفرك في يديها استع ً‬
‫دادا للقفز‪" :‬هل أنت خائف أيها النوبي!؟"‪.‬‬
‫َ‬ ‫بنفسها وهي ُ‬ ‫ْ‬
‫بحبل‬‫ٍ‬ ‫آلاخر‬ ‫هو‬ ‫فأمسك‬ ‫سعادة؛‬ ‫في‬ ‫هم‬ ‫مثل‬ ‫تصرخ‬ ‫ثم ألقت ِ‬
‫ف ً‬‫َ َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ َ‬ ‫وو ُ‬
‫يوما"‪.‬‬ ‫يقفز خلفها‪" :‬لم أكن خائفا‪ ،‬ولم أخ‬ ‫جدته‬
‫مض ى اليوم في سالم َو َم َّر ٌ‬
‫شهر على عملهما ًّ‬
‫سويا‪ ،‬كانت (نيران الخالف‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عمل عادي‪ ،‬ولكن لم يحاوال‬‫ٍ‬ ‫ميل‬
‫ِ‬ ‫ز‬ ‫كأي‬ ‫يتعامالن‬ ‫انا‬ ‫وك‬ ‫ا‪،‬‬ ‫فشيئ‬ ‫ا‬ ‫شيئ‬ ‫تنطفئ)‬
‫ّ‬
‫يوطدا عالقتهما ببعض قط!‬ ‫أن ِ‬
‫‪68‬‬

‫بسرعة‬ ‫ُ‬
‫يسحبه‬ ‫في أحد ألايام كان "وليد" ما ًّرا آخر الليل ‪ ..‬وجد من‬
‫ٍ‬
‫شديدة ُويغلق عليه باب إحدى الغرف ‪َّ ..‬‬
‫تعج َب من املوقف وألاغرب أنها‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫تتصب ُب عرقا وتلهث وتنظ ُر في ّ‬
‫مكان خائفة؛ نظر‬
‫كل ٍ‬‫ِ‬ ‫كانت "سارة" ‪ ..‬لقد كانت‬
‫شديد‪" :‬ماذا بك‪ ،‬ما الذي يجري؟"‪.‬‬ ‫لها في ُّ‬
‫تعج ٍب‬
‫ٍ‬
‫_"أخاف أن يسمعني أحد‪ ،‬لن تصدق ما حدث"‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ ً‬
‫_"ح َسنا‪ ،‬اهدئي قليال واحكي لي حتى أفهم"‪.‬‬
‫تتحدث اليوم مع شخص وتذكر أبحاثنا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫سمعتها‬ ‫ّ‬
‫_"إنها الطبيبة "الن"‬
‫وقت فور انتهائنا منها"‪.‬‬ ‫أسرع‬ ‫في‬ ‫أبيب‬ ‫لتل‬ ‫ستبعثها‬ ‫ها‬ ‫ُوتخبره َّ‬
‫أن‬
‫ٍ‬
‫صمت "وليد" في ذهول‪" :‬يا إلهي ‪ ..‬ال أعرف ما أقول"‪.‬‬
‫َ‬
‫"سارة" في انفعال‪" :‬فلننقل أبحاثنا ملعمل آخر"‪.‬‬
‫_"كيف نفعل؟ هذا ُينهي املنحة ُّ‬
‫وكل ش ٍيء سيضيع يا "سارة"‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫غيرها ولن أ ْب َق‬
‫ِ‬ ‫على‬ ‫َ‬
‫أحصل‬ ‫حتى‬ ‫يء‬ ‫ش‬ ‫أي‬ ‫ُ‬
‫سأعمل‬ ‫‪..‬‬ ‫هم‬ ‫ي‬‫_"فل َيض ْع‪ ،‬ال ُ‬
‫ِ‬
‫هنا بعد اليوم"‪.‬‬
‫َ ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫"ح َسنا يا‬ ‫قطع حديثهما الطبيبة ‪ ..‬فتحت الباب وهي تبتسم كعادتها‪:‬‬
‫ن‬ ‫َ ُ ُّ ّ‬
‫شباب‪ ،‬نحن في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬آلان ال أظن أنه سيكو بيننا‬
‫خالف؛ فالتطبيع بين بالدنا قض ى على أي خالف ‪ ..‬ثم ّإنكما مختلفان ‪َ ..‬أ َلمْ‬
‫تمثالن َ‬‫ّ‬ ‫تفهما َّ‬
‫نفس قضيتي ‪ ..‬أرض مشتركة بيننا"‪.‬‬ ‫سر اختياركما؟! ِ‬
‫‪69‬‬

‫"سارة" في غيظ‪" :‬هي إذن هكذا ‪ ..‬لقد اخترِتنا للخالفات بين عائالتنا ‪..‬‬
‫معك!؟"‪.‬‬ ‫أن خالفنا سيجعلنا َن َّتح ُ‬
‫د‬ ‫َّ‬ ‫كنت تعتقدين‬ ‫هل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫خالفكما ‪َ ..‬‬ ‫ً‬
‫لم ال‬ ‫‪"-‬صمتا يا فتاة‪ ،‬لقد جعلتكما تقتربان من بعض وتنسيان‬
‫ً‬
‫تنسيا الخالف معي ‪ ..‬أرى ألامو َر متشابهة هنا"‪.‬‬
‫َّ‬
‫حاد‪" :‬اسمعي َّأي ُتها الطبيبة‪ ،‬إن كنا مثل املهاجرين‬ ‫"وليد" بصوت ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وألانصار كمسلمين مع بعضنا ‪ ..‬لن نكون هكذا مع اليهود أبدا ‪ ..‬هيا يا‬
‫"سارة" فلنخرج من هنا"‪.‬‬
‫ذهبت "سارة" معه ثم نادت الطبيبة عليهما من بعيد‪" :‬ستندمان أيها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معمل‬
‫ٍ‬ ‫أكبر‬ ‫هنا‬ ‫مكان؛‬ ‫أي‬ ‫في‬ ‫تجداها‬ ‫لن‬ ‫ذهبية‬ ‫فرصة‬ ‫ألاحمقان؛ لقد تركتما‬
‫في أمريكا كلها"‪.‬‬
‫فنظرا لها باستخفاف وأكمال طريقهما‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫خرج كالهما وهما ال يملكان إال القليل من النقود تارك ْي ِن خلفهما‬
‫َّ‬
‫أحالمهم محطمة ال يعرفان ما الذي عليهما فعله ‪ ..‬نظر "وليد" إلى "سارة"‪:‬‬
‫نفكر في ّ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫حل ملا نحن فيه"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫"أشكر لك حسن تصرفك يا "سارة" آلان علينا أن ِ‬
‫ّ‬
‫"سارة" في حزن‪" :‬لن أعود للسفارة‪ ،‬ستسلمنا إن عدنا"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫إلاسالم فينا‬ ‫"وليد" في خجل‪" :‬أريد منك أوال أن تسامحيني؛ فما بناه‬
‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ظهر آلان ‪ ..‬إن رابطة الدين أقوى من الدماء التي أريقت حقا ‪ ..‬من آلان أنت‬
‫ً‬
‫معمال َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫غيره ‪..‬‬ ‫أختي ‪ ..‬لن أتخلى عنك؛ سنكافح ونبحث عن عمل وسنجد‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أ ِعد ِك بذلك"‪.‬‬
‫‪71‬‬

‫بدأا في العمل في إحدى املطاعم الصغيرة التي اعتادا الذهاب إليها ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫يغسل ألاطباق إلى أن َ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫(جواب‬ ‫يأتيهم‬ ‫عملت "سارة" نادلة هناك وهو كان‬
‫ُ‬ ‫املوافقة) من ّ‬
‫أي معمل مما قدموا أوراق الالتحاق لديهم؛ فكان عملها في‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫هذا املطعم مؤقتا إلى أن ُيوافق على عملهم في أي معمل‪ ،‬بل والتحقا‬
‫بالجامعة حتى يكون معهم شهادة معادلة؛حيث ال ُيعترف كثيرا بالشهادات‬
‫ّ‬
‫املصرية إال من خالل املنح فقط‪ ،‬والتي تعطي لهم املعادلة لهذه الشهادة؛‬
‫أي مكان‪،‬‬ ‫تؤه ُلهم للعمل في ّ‬ ‫ٌ‬
‫كبيرة لعمل املعادلة التي ّ‬ ‫ٌ‬
‫فرصة‬
‫ُ‬
‫الجامعة‬ ‫إذن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أخيرا‪ ،‬كانت‬ ‫كل املعامل حتى وافق أحد املعامل ً‬ ‫يقدمان أبحاثهما في ّ‬ ‫وكانا ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تربطهما صداقة قوية في هذه الفترة؛ فالبطبع (ما بناه إلاسالم فينا لن يهدمه‬
‫ُّ‬
‫أي ش يء كان)!‬
‫‪71‬‬

‫َ‬
‫(الع ْودة)‬

‫بعـد ان ســمع كــال منــا القصـة مــن الاخــر اصــبحنا ال نعـرف مــا الــذي علينــا‬
‫فعله كالنا يحمل دماء وهموم تكاد تشيح به لكن علينا الا نستسلم ابدا‪ ..‬البد‬
‫من مخرج ملا نحن فيه البد من حل ‪..‬‬
‫نظــرت لنــا "تيمــاء " ربمــا علينــا إعــادة قــول هــذا الطلســم مــن جديــد لبرمــا‬
‫يعيدنا الي حياتنا او يحدث أي ش يء "‬
‫قاطعته ــا ريحانـ ــة والـ ــدموع ال تفارقهـ ــا " وهـ ــل جلـ ــب لنـ ــا املثائـ ــب الا هـ ــذا‬
‫الطلسم امللعون "‬
‫الكــل كــان يــدلي بأفكــارة الكــل كــان مشوشــا ال يعــرف مــا الــذي عليــه فعلــه‬
‫لك ــن بالنهاي ــة ك ــان المف ــر الا م ــن إع ــادة ق ــول الطلس ــم لربم ــا تع ــود ألام ــور ال ــي‬
‫ناصبها من جديد‬
‫شـ ــجع كـ ــال مـ ــنهم الاخـ ــر ووقفـ ــوا مصـ ــطفين بشـ ــكل دائـ ــري حـ ــول النيـ ــران‬
‫واغمضوا اعينهم‬
‫جميعــا وبــدءوا فــي نفــس واحــد بأعــادة ســرد الطلســم ""ســاقوم ‪..‬نــاجوم‬
‫أبية تساعدنا ‪..‬ساقوم‬ ‫‪..‬خاؤوم ملكوت الليل ألاسود والغيوم ‪..‬نستدعي روحا َّ‬
‫نــاجوم ‪..‬حــاؤوم احضــر آلان بســر الطالســم الرعديــة والــزالزل ألابديــة والخمــس‬
‫بنات النرجسية"!" اهتزت ألارض اسفل اقدامهم‬
‫وانفجرت النار من جديد في وجه كل واحد منهم وتفرقا الي حيث‬
‫املجهول‬
‫‪72‬‬

‫(صادق)‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ْ‬
‫بعد التعويذة وهذا الطل َس ِم الغريب‪ ،‬وجدت نفس ي قد ألقي بي في مكان‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫مشهدا لرجال يحملون‬ ‫أحجار كبيرة ضخمة‪ ،‬وأرى أمامي‬ ‫ٌ‬ ‫أغرب‪ُ ،‬مق ِف ٍر وحوله‬
‫أناسا يقفون ال حو َل لهم وال ّ‬ ‫ضخمة ويضربون بالسياط ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قوة‪،‬‬ ‫أحجا ًرا كبيرة‬
‫ضربة مثلهم؛ باغتني بها ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أحد‬ ‫وكأنهم مست ْع َبدون لهؤالء الطغاة‪ ،‬تلقيت‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ‬ ‫ن‬
‫َ‬
‫شديد بذراعي ‪ ..‬ما الذي يحدث‬ ‫ٍ‬ ‫بتنميل‬
‫ٍ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫أشعر؛‬ ‫أن‬ ‫الجالدين دو‬
‫هنا وأين أنا آلان ‪ ..‬يا إلهي ساعدني! حاولت أن أجري منهم لكنهم ْانهالوا َّ‬
‫علي‬
‫مرة أخرى؛ ُّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ضربا؛ َف َخ َّر ْت قواي ً‬ ‫ً‬
‫الكل‬ ‫تماما وتوقفت عن املقاومة كي ال أضرب‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الشنيعة في صمت حتي أنهم ال‬ ‫ِ‬ ‫الطريقة‬
‫ِ‬ ‫بهذه‬ ‫ضرب‬ ‫أ‬ ‫وأنا‬ ‫إلي‬ ‫ر‬ ‫ينظ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫يساعدونني‪ ،‬وأعينهم منكسرة؛ يبدو أنني رهينة هنا أو ما شابه ‪ ..‬ال أعلم إلى‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أين ألقت بي التعويذة ‪ ..‬آلان أحاو ُل أن أ ْع ِرف وأ ِع َي أ ْي َن أنا؛ انضممت‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫للصفوف التي تمش ي َّ‬
‫إنسان‪ ،‬ومالبسهم الشفافة تكشف أغلب‬ ‫وكأنها‬
‫َ‬
‫أغلبهم ال يرتدي إال ما يواري عو َرته فقط‪.‬‬ ‫جسدهم‪ ،‬ربما ُ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫فرعونيا ُيبنى‪ ،‬حاولت استيعاب أين أنا؛‬ ‫ًّ‬ ‫معبدا ً‬
‫كبيرا‬ ‫رأيت أمامي‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫عصر الفراعنة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وسط‬ ‫آلان‬ ‫ني‬ ‫إن‬ ‫الكبيرة؛‬ ‫الصدمة‬ ‫ى‬ ‫أتلق‬ ‫وأنا‬ ‫يقي‬ ‫ر‬ ‫فابتلعت‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ربما هي حقيقة أو إنني أحلم ‪ ..‬يا إلهي‪ ،‬كيف حدث هذا؟! وجدت من حولي‬
‫قوة‪َ ،‬و ُه ْم يسيرون َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫كأن على رؤوسهم‬ ‫كلهم رجاال منكسرين ال حو َل لهم وال‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الطير؛ ال أ َح َد يعترض على ما هو فيه‪ ،‬خفت وحاولت أن أصمت لكيال أنال‬
‫ضخمة معهم وال ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أعلم‬ ‫ٍ‬ ‫أحجار‬
‫ٍ‬ ‫حمل‬ ‫على‬ ‫جبرت‬ ‫أ‬ ‫الشديد منهم ‪ ..‬آلان‬ ‫العقاب‬
‫كل الكم الهائل من ألاحجار هذه!‬ ‫أحمل َّ‬‫َ‬ ‫كيف استطعت أن‬
‫‪73‬‬

‫حل‬ ‫أفهم اللغة التي يتحدثون بها ‪ ..‬بعد الانتهاء ر َ‬ ‫ُ‬ ‫ال أعلم كيف كنت‬
‫فقير مقارنة بالقصور الفرعونية التي‬ ‫ّ‬ ‫الرجال؛ ٌّ‬
‫طيني ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بيت‬
‫كل منهم رحل إلى ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫مسرعة‪" :‬كرشاب" ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ر ُ‬
‫حمدا هلل أنك جئت؛‬ ‫أيتها‪ ،‬ووجدت فتاة تهرو ُل ناحيتي‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫أمنا مريضة ‪ ..‬تعال بسرعة"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫تتحدث باللهجة‬ ‫ذهبت معها وأنا ال أدري من "كرشاب" هذا‪ ،‬ولكنها‬
‫َّ‬
‫أناس أشعر معهم‬ ‫النوبية؛ هذا ما أسعدني وربما أشعرني باألمان؛ أنا وسط ٍ‬
‫ً‬
‫كبير‬
‫ٍ‬ ‫ل‬‫ٍ‬ ‫منز‬ ‫إلى‬ ‫وصلنا‬ ‫حتى‬ ‫مسرعة‬ ‫بالوطن ‪ ..‬أمسكت الفتاة بيدي وهي تجري‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫شاب َه‪ ،‬ووجدت سيدة‬ ‫كبيرهم أو ما َ‬
‫أكبر من املنازل ألاخرى‪ ،‬أرى أنني رّبما ُ‬
‫َّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫بالغة‪" :‬كرشاب"‬ ‫ٍ‬ ‫عوبة‬
‫ٍ‬ ‫بص‬ ‫ث‬ ‫تتحد‬ ‫وهي‬ ‫بيدي‬ ‫مسكت‬ ‫أ‬ ‫فراشها؛‬
‫ِ‬ ‫تحتضر في‬
‫ّ ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫قاوم كما علمتك ‪ ..‬قم بالتخلص من (تحتمس) هذا امللك الظالم‬ ‫ِ‬ ‫دي‪،‬‬ ‫ول‬
‫النوبية‪ ،‬أعلم انك ستفعل"!‬ ‫ّ‬ ‫بالدنا‬ ‫ُ‬
‫الذي يريد الاستيالء على ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وبدأت تسعل َّ‬ ‫ْ‬
‫بشد ٍة ‪ ..‬أعطتها الفتاة بعض الشراب بجوا ِرها؛ فشربت‬
‫ْ‬ ‫َ ُّ ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫منه وهدأت قليال‪ ،‬ثم أخرجت من تحت وسادتها تميمة يدوية الصنع وأعطتها‬
‫مرضها‬ ‫ة‬ ‫تهرب منها‪ -‬بصعوبة َّ‬
‫لشد‬ ‫لي وهي تحاول أن تخرج الكلمات ‪-‬التي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معقود بعض الش يء‪" :-‬إنها ل َج ّد َك ‪ ..‬كان ً‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬فقد كانت َّ‬
‫قائدا‬ ‫ِ ِ‬ ‫وكأن لسانها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫عظيما‪ ،‬وأنت ستكون مكانه"‪.‬‬
‫معا‪ ،‬وهي‬‫داخل أيدينا ً‬
‫ُ‬ ‫أمسكت بيدي بين يديها واحتضنتهما والتميمة‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫فتحت َ‬
‫فمها‬ ‫ماه َيت ُه‪ ،‬ثم‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫أجهل‬ ‫يء‬
‫ٍ‬ ‫ش‬ ‫على‬ ‫عزيمتي‬ ‫تثبت‬ ‫أن‬ ‫جاهدة‬ ‫تحاو ُل‬
‫وعينيها إلى أعلى وصمتت!‬
‫‪74‬‬
‫ُ‬ ‫وأخذت تبكي َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫بشد ٍة؛ فجأة امتأل البيت‬ ‫صرخت الفتاة التي أحضرتني‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫تتوسط الواقفين‪" :‬إن‬ ‫بأناس كثر؛ رجال ونساء يبكون‪ ،‬وقفت الفتاة‬
‫"كرشاب" معه التميمة؛ سيقود ثورتنا وسننتصر"!‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫هاج الجميع وبدؤوا ّ‬
‫املنتظر أو ما شابه‪ ،‬ما زالت‬ ‫البطل‬ ‫يحيونني وكأنني‬
‫ولكني ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫أعلم أي ثورة‬ ‫أخذتها من الفراعنة الجالدين تؤملني ‪..‬‬ ‫الضربة التي‬
‫غريبة ًّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫جدا وأخرجوا السيدة‬ ‫مراسم العزاء‬ ‫يريدوني أن أكون قائدها ‪ ..‬كانت‬
‫ً‬ ‫حلة لها فوق‬
‫خشبية‪ ،‬وصنعوا لها حفرة ووضعوها‬ ‫ٍ‬ ‫مصطبة‬
‫ٍ‬ ‫العجوز في أبهى ٍ‬
‫ّ‬
‫بعض ألاطعمة والفخاريات وو َّدعوها وأغلقوا عليها التراب ‪ ..‬وجلسوا‬ ‫ُ‬ ‫َو َم َعها‬
‫َ‬ ‫نشدون ألاغاني الحزينة ‪ ..‬وأنا في ذهولي ال أعرف ما َّ‬ ‫ُ‬
‫علي أن أفعله‬ ‫بجوا ِرها ي ِ‬
‫علي العودة إلى مكاني الذي كنت فيه‪.‬‬ ‫في تلك الثورة وال حتى كيف َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الجميع جلست بجوار القبر؛ِ ال أر ُيد العودة؛ فوجدت‬ ‫ُ‬ ‫بعد أن انصرف‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُ‬
‫حزين لرحيل ّ ِأمنا‪،‬‬ ‫تجلس بجواري وت َر ّبت على كتفي‪" :‬أعلم يا أخي أنك‬ ‫ُ‬ ‫الفتاة‬
‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ولكنك ال ُب َّد أن تستجمع قواك مرة أخرى وأن تجد حال ملا نحن فيه"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يت به ً‬ ‫ُ‬
‫شديد‪ ،‬وال أنظر‬
‫ٍ‬ ‫أشعر بحنق‬ ‫بعيدا وأنا‬ ‫صغير وألق‬
‫ٍ‬ ‫بحجر‬
‫ٍ‬ ‫أمسكت‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حتى إليها‪ " :‬اسمعي‪ ،‬أنا أشعر أني مشوش وأريد أن أعرف ما الذي يحدث؛‬
‫ْ‬
‫فوفاة ّأمنا جعلت عقلي توقف"‪.‬‬
‫أسها على‬‫قامت من مكانها وجلست بجواري وأمسكت بيدي وألقت ر َ‬
‫تتحد ُث في حزن شديد‪" :‬أعلم يا "كرشاب" َّأنك كنت ُتحبها ًّ‬
‫جدا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وهي‬ ‫في‬ ‫ت‬
‫َ‬
‫ك‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫جدا باستطاعتك هزيمة (تحتمس الثالث) ‪ ..‬إنه يريد سرقة‬ ‫وهي كانت مؤمنة ًّ‬
‫َ‬
‫تصبح أكبر وأعظم ‪ ..‬إنه‬ ‫بالدنا (النوبة) وضمها إلى مملك ِته التي يريدها أن‬
‫‪75‬‬

‫عامه الثاني ولم ُيظهر لنا إال القوة الحربية والشراسة في‬‫س؛ هذا ُ‬ ‫ملك َشر ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫التعامل معنا"‪.‬‬
‫ً‬ ‫َّ ُ‬ ‫لم أستطع أن َ‬
‫أجيبها ‪ ..‬يا إلهي‪ ،‬علي أن أحارب (تحتمس)‪ ،‬وأقود ثورة‬
‫ُ‬ ‫نوبية َّ‬‫ً‬
‫تعويذة حمقاء من‬
‫ٍ‬ ‫بفعل‬
‫ِ‬ ‫جاء‬ ‫فتى‬ ‫مجرد‬ ‫أنا‬ ‫هذه!‬ ‫حماقة‬ ‫أي‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ضد‬
‫بل من املستقبل إلى هذا املكان الغريب ‪ ..‬يا إلهي ساعدني!‬ ‫(صعيد مصر) ‪ْ ..‬‬
‫‪ ..‬أين أنت يا صديقي (عبد العزيز)؟ لو كنت هنا ر ّبما كنت ستساعدني ‪ ..‬آلان‬
‫كم أفتقدك بشدة!‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ألافكار الكثيرة‬ ‫جاء الصباح وأنا ال أستطيع النوم ‪ ..‬حاولت أن أقاوم‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫املشوشة بعقلي وأنا أكره فكرة رجوعي مرة أخرى إلى الجالدين الذين ال‬
‫يهتمون إال َّ‬
‫بالض ْرب بالسياط الكبيرة التي يحملونها!‬ ‫ُّ‬
‫فجأة َف َتحَ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫الشمس تمأل املكان وأنا ما زلت في مكاني خائفا أترقب ‪..‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عنوة ُ‬ ‫ً‬
‫أحد هؤالء الجالدين ُيمسك في يده السوط ويريد ضربي أل ِني‬ ‫َ‬
‫الباب‬
‫ي ُ ْ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫وبمجرد أن خطت‬ ‫ّ‬ ‫ضط ِر ْرت للخروج معه‪.‬‬ ‫تأخرت عن املجيء مثل غير ‪ ..‬ا‬
‫ُ‬
‫كل أهل القرية واقفين بانتظاري في الخارج ‪ ..‬لم يذهبوا‬ ‫وجدت َّ‬ ‫قدماي خار ًجا‬
‫يعتمد َّ‬ ‫ُ‬ ‫أن َّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫هم ً‬
‫علي؛‬ ‫الكل‬ ‫أيضا إلى العمل عند الفراعنة ‪ ..‬يا إلهي! اكتشفت‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫سيضربون إذا ذهبت مع هؤالء الجالدين‪ .‬كم أكره ما أنا فيه! آلان ال ُب َّد‬ ‫كلهم ُ‬
‫ّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َُّ‬
‫علي فعله ‪ّ ..‬إنهم ينظرون لي وإلى التميمة في يدي وإنني‬ ‫أن أف ِكر فيما‬
‫َّ َ‬ ‫ص ُهم؛ َّ‬ ‫ُم َخ ّل ُ‬
‫أتصرف بسرعة!‬ ‫علي أن‬ ‫ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫فعتها ً‬ ‫أمسكت بالتميمة ور ُ‬ ‫ُ‬
‫أحد الجالدين أن يضربني‬ ‫عاليا ‪ ..‬حين حاول‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫ُ‬
‫ي ُم َجل ِجل‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بصوت قو ّ‬
‫ٍ‬ ‫أصرخ‬ ‫وأنا‬ ‫ه‬ ‫وجه‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫فعت‬ ‫و‬ ‫منه‬ ‫ه‬ ‫أمسكت‬ ‫بالسوط؛‬
‫‪76‬‬

‫"اسمع يا أحمق أنت‪ ،‬لن تكون بالدنا لكم أبدا ‪ ..‬اذهب وأخبر (تحتمس‬
‫َ‬
‫يذهب إلى الجحيم"‪.‬‬ ‫الثالث) أن‬
‫ّ‬
‫تحمسوا بشدة‬ ‫وهم الرجال من أهل القرية يهتفون‪َّ ،‬‬ ‫الجالدون َّ‬ ‫ص ِع َق‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫وبدؤوا يسيطرون على الجالدين ُويسمكون السياط بأيديهم ويضربونهم بها في‬
‫ََ‬ ‫ّ‬
‫أيضا‪ّ ،‬أما الجالدون فق ْد َه ْر َولوا إلى الخارج وهم‬
‫مشهد مهيب‪ ،‬والنساء معهم ً‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫جيش أكبر!‬ ‫يتوعدوننا بالعودة من جديد ومعهم‬
‫ْ‬
‫بدأت الهتافات والرقص والغناء بين املوجودين‪ ،‬وحملوني على ألاكتاف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫موقف ال أحسد عليه مما فعلته؛ فأنا ال أعلم كيف سنحارب‬ ‫ٍ‬ ‫وأنا في‬
‫ّ‬
‫الجالدين وال أي أسلحة سنحاربهم بها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫تنفست الصعداء وأنا أحاو ُل أن أتذك َر العجالت الحربية وألاسلحة التي‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫در ُ‬
‫بجمع‬
‫ِ‬ ‫قمت‬ ‫‪..‬‬ ‫ها‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫وكيفية‬ ‫باملستقبل‬ ‫هناك‬ ‫كنت‬ ‫عندما‬ ‫بالجامعة‬ ‫ها‬ ‫ست‬
‫َ ُْ‬ ‫ُ‬
‫جديدة‪ ،‬ور ّبما‬
‫ٍ‬ ‫أسلحة‬
‫ٍ‬ ‫صن ِع‬ ‫كبار القرية وشبابها وبدأت أشرح لهم كيفية‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫متطورة بعض الش يء عن أسلحة امل ِلك ‪ ..‬لم أستطع أن أصنع بندقية أو‬
‫ً‬
‫صاروخا ولكن هذا ما استطعت تذكره!‬
‫جدا باقتراحاتي‪ ،‬وكانوا يروني كرمز كبير لهم؛ وبدأ ُّ‬
‫الكل‬ ‫كانوا سعداء ًّ‬
‫ٍ ٍ‬
‫ً‬
‫سعيدا ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫حبني حتى أنهم أطلقوا َّ‬ ‫ُي ُّ‬
‫جدا‬ ‫بالنوبية ‪ ..‬كنت‬ ‫علي "كو"؛ (ألاسد)‬
‫ُ‬ ‫والسعادة أن أكون ز ً‬‫ُ‬
‫عيما‪ ،‬ثم ذهبت ألخلد للنوم فقد‬ ‫وأخذتني الحماسة‬
‫ْ‬
‫كنت ُمت َع ًبا من العمل املتواصل دون راحة‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫ُ‬
‫صحوت على صوت الرجال ينادون والفتاة _التي من املفترض ّأنها أختي‪-‬‬
‫ُ‬
‫تصرخ بشدة‪" :‬ق ْم آلان ‪ ..‬لقد بدأت املعركة"‪.‬‬
‫ْ‬
‫بعض الرجال ويبدو َّأنهم من (جيش امللك) وبدأت‬ ‫ُ‬ ‫في البداية جاء إلينا‬
‫ً َّ ً‬
‫وقوة وأضرب معهم ‪ ..‬ش ٌيء‬ ‫املعركة وأنا أهتف في الرجال ألزيدهم صالبة‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫وحماس لم أشهده‬‫ٍ‬ ‫بقوة‬
‫ٍ‬ ‫ضرب‬ ‫أ‬ ‫كنت‬ ‫ي‬ ‫لكن‬ ‫أدخل في معارك من قبل‬ ‫غريب! لم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫في نفس ي السابقة قط‪ ،‬رّبما ألنهم أعطوني دفعة قوية وحماسية‪ ،‬أو رّبما ألنني‬
‫القائد آلان وال يجب أن أفشل‪.‬‬
‫ملكهم‬ ‫إلى‬ ‫مسرعين‬ ‫لوا‬ ‫و‬ ‫وهر‬ ‫‪..‬‬ ‫ا‬ ‫كبيرا لن ينسوه ً‬
‫أبد‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫َل َّق َّناهم در ً‬
‫س‬
‫ِ‬
‫يشكون ما حدث معهم ‪ ..‬أما القرية فقامت فيها ألافراح والاحتفاالت إلى‬
‫الصباح‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بعد عدة أيام وجدنا جيشا مهوال يكاد الناظر إليه أال يجد آخره ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫الفرعونية‪ ،‬ومعهم العجالت الحربية الكبيرة ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫الحربية‬
‫ِ‬ ‫مسلحا باألسلحة‬
‫ُ‬ ‫وبدؤوا في إشعال النيران في القرية والسيطرة عليها ‪ ..‬حاولنا ً‬
‫كثيرا أن نقاوم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ولكن كانوا يفوقوننا ً‬ ‫ْ‬
‫مسرعا ُويهرو ُل‬ ‫عددا ‪ ..‬وجدت رجال عجوزا ُيمسك بي‬
‫َ َ‬ ‫ر َ‬
‫نساء وأطفال ‪ ..‬نظ َر لي الرجل العجوز وهو‬ ‫تحت ألارض وبه ٌ‬
‫مكان محفو ٍ‬
‫إلى ٍ‬
‫بسرعة من‬ ‫قائدنا ‪ ..‬عليك أن تأخذ نساءنا وأطفالنا‬ ‫يتنه ُد‪" :‬كرشاب" ‪ ..‬أنت ُ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫جميعا؛ َّإنهم أمانة في عنقك"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫تحميهم‬ ‫مكان آمن ‪ ..‬عليك أن‬ ‫هنا إلى ٍ‬
‫ُ‬
‫نتواجد فيها‬ ‫الكبيرة التي‬ ‫الحفرة‬ ‫َو َخ َر َج من الفتحة وأغلق من ورائه َ‬
‫باب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ َ ٌّ ٌّ‬
‫والتي يبدو أنها ممر سري يصل إلى ٍ‬
‫مكان أنا ال أعلمه‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫وجدت ألاطفال والنساء ينظرون لي ‪ ..‬لقد َّ‬ ‫ُ‬
‫تم سيطرة امللك (تحتمس)‬
‫َّ ُ‬
‫علي أن أساعد‬ ‫قريتهم إلى مملك ِته ‪ ..‬وأنا آلان‬ ‫على (ثورة النوبيين) وانضمام ِ‬
‫صغيرا كان يبكي َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وحده وال يوجد‬ ‫بر ألامان ‪ ..‬حملت طفال‬ ‫هؤالء املساكين إلى ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫معه أحد؛ بما ُ‬
‫والده قد قتل في املعركة ‪ ..‬وأصوات السيوف والضربات من‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الضيق وألاتربة تتساقط‬ ‫ِ‬ ‫النفق‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫بهم‬ ‫أسير‬ ‫ظللت‬ ‫؛‬ ‫بقوة‬
‫ٍ‬ ‫سمع‬ ‫ت‬ ‫فو ِقنا‬
‫س بات ضعيفا من نقص ألاكسجين الذي نعانيه‬
‫ً‬ ‫والن َف ُ‬
‫َّ‬
‫كل مكان ‪..‬‬‫علينا من ّ‬
‫ِ‬
‫و ُ‬ ‫ُ‬
‫عذب و جدت‬ ‫ٍ‬ ‫جراء الكتمة تحت ألارض ‪ ..‬إلى أن وصلت إلى جدو ِل ٍ‬
‫ماء‬
‫ضوء الشمس يختر ُق كل مكان ‪َ ..‬ف َه ْر َو َل ألاطفالُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الخضرة من حولي ورأيت‬
‫أحمل سيفي من ورائهم وال أدري نهاية ما أنا‬ ‫ُ‬ ‫والنساء يشربون ويغتسلون وأنا‬ ‫ُ‬
‫فيه وال إلى أين ألقت التعويذة بصديقي (عبد العزيز)‪.‬‬
‫‪79‬‬

‫(عبد العزيز)‬

‫ً‬ ‫ُ‬
‫أين أنا ‪ ..‬أخذت أبحث مدة‬ ‫َأ ْل َق ْت بي التعويذة إلى مكان غريب ‪ ..‬ال أدري َ‬
‫ٍ‬
‫حد ما من الفصحى‪ ،‬ويرتدون‬ ‫ّ‬ ‫ُ ً‬
‫حتى وجدت أناسا يتحدثون العربية القريبة إلى ٍ‬
‫مالبس كأنني في (فيلم الناصر صالح الدين) أو ما شابه‪ ،‬بجواري َج ْد َو ٌل ماء‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫مسرعا ألشرب منه‪.‬‬ ‫شديد ‪ ..‬ذهبت‬
‫ٍ‬ ‫بعطش‬
‫ٍ‬ ‫كنت أشعر‬
‫اغتسلت وشربت ما يرويني من املاء ثم اكتشفت املفاجأة ‪ ..‬بمجرد أن‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اقشعر جسدي وارتميت‬ ‫نظرت للماء ‪-‬بالصدفة وأنا أشرب‪ -‬رأيت وجهي ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫على جانب الجدول‬
‫الترابي من الفزع‪ ،‬ثم اقتربت مرة ثانية ألرى ‪ ..‬ربما كنت‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شاب َه‪ ،‬أو ر َّبما أشعر بالدوار لكنني وجدت ما رأيته بالسابق ‪..‬‬ ‫أحلم أو ما َ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫شخصا َ‬
‫آخر غيري‪ ،‬ال أعرف من هذا ‪ ..‬لست أنا بهذا ‪ ..‬هذا ليس جسدي‪ ،‬وال‬
‫جل ٌ‬
‫كبير يبدو في‬ ‫شابا في العشرين من عمري‪ ،‬آلان أنا ر ٌ‬ ‫حتى شكلي ‪ ..‬أنا كن ُت ًّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫عريض املنكبين حتى إنني أرتدي مالبس‬ ‫ضخم الجثة‬ ‫عقده الرابع ‪ ..‬يبدو‬
‫َّ َ ْ َ َ‬
‫علي أن أكت ِشف آلان‪.‬‬ ‫تشبه مالبس من حولي هنا‪ ،‬ال أعلم كيف!‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫شاب َه ذلك ‪..‬‬
‫قصر أو ما َ‬ ‫ٌ‬ ‫أسوار عالية كبيرة‪ ،‬ويبدو املكان كأنه‬ ‫ٌ‬ ‫تحيط بي‬
‫(الد َّجال)؛ في البداية ُيلقي إلينا بفتاتين‪ ،‬وآلان أنا هنا؛ ال أدري‬ ‫ُس ْح ًقا لهذا َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هدئ من روعي حتى‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أن‬ ‫حاولت‬ ‫شديد ‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫بذعر‬
‫أين أنا وال حتى من أنا ‪ ..‬أشعر ٍ‬
‫أعود ثانية إلى مكاني وجسدي القديم الذي ال أعلم أين هو الان!‬ ‫َ‬
‫‪81‬‬
‫ُ‬
‫طويلة املوصلة بالقصر الكبير هذا ‪ُ ..‬ر َّبما‬ ‫ِ‬ ‫حاولت أن أصل إلى الردهة ال‬
‫َْ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫بشخص من هؤالء؛ طأطأ‬ ‫ٍ‬ ‫الغريب أنني كلما مررت‬ ‫أجد هدى ملا أنا فيه‪ ،‬ولكن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ر َ‬
‫جل يقف‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫على‬ ‫ناديت‬ ‫أسه لي ونعتني بأمين بك ‪ ..‬ال أعرف من أمين هذا ‪..‬‬
‫ّ‬
‫بقص ألاشجار ‪ ..‬رّبما يخبرني ما الذي يجري هنا‪" :‬يا هذا‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫يقوم‬ ‫ي‬ ‫من‬‫مقربة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫على‬
‫أخبرني ما هذا املكان؟"‪.‬‬
‫ُ َّ‬
‫الرجل متعجبا‪" :‬ما بك أمين بك؟ هذا قصرك وأنا أعمل لديك؛ أقلم‬
‫أشجار حديقتك!"‪.‬‬ ‫َ‬
‫خفت أن يعلم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫أحد‬ ‫يتحدث عنه ‪..‬‬ ‫صمت لبرهة وأنا أحاول أن أعي ما‬
‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّأنني لست "أمين بك" هذا ‪ ..‬ر ّ‬
‫علي أن أخفي‬ ‫مشكلة أكبر ‪ ..‬كان‬‫ٍ‬ ‫في‬ ‫وقعت‬ ‫ما‬ ‫ب‬
‫من أنا وأن أتماش ى معهم حتى يحين موعد خروجي من هنا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أحلم ‪ ..‬ما هذا ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َُْ ُ‬
‫الضخم‬ ‫الفن املعمار ُّي‬ ‫القصر العالي وكأنني‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫ت‬ ‫د لف‬
‫باملتاحف ولكن قصور خالية‬ ‫ِ‬ ‫وهذا الجمال الذي ال يوصف؟ ربما رأيته‬
‫قديمة مهجورة حتى زينتها تلفت مع الزمن ‪ ..‬ربما سيعجبني كوني "أمين بك"‬
‫بهذا الشكل‪.‬‬
‫قائم آلان ‪ ..‬إنهم‬ ‫شخص ينادي من بعيد‪" :‬سيدي ‪ ..‬سيدي ‪ ..‬الاجتماع ٌ‬
‫ٌ‬
‫بانتظارك؛ هممت بالذهاب معه وأنا خائف أن ُيكشف أمري‪ ،‬وال أعرف حتى‬
‫ُ‬
‫كبيرة‬
‫ٍ‬ ‫جال ذوو َه ْي َب ٍة‬
‫جلست وسطهم؛ ر ٌ‬ ‫ما الذي أقحمت نفس ي فيه ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫شديد ‪ ..‬يبدو أن هناك ً‬ ‫يتحدثون ُ‬‫ّ‬
‫صمت أستمع‬ ‫ٍ‬ ‫في‬ ‫جلست‬ ‫أمرا ما ‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫بحنق‬
‫لحديثهم ‪..‬‬
‫‪81‬‬

‫جل منهم في غضب وقال‪" :‬إن (دمحم علي) يريد أن ُينهي على سلط ِتنا‬ ‫قام ر ٌ‬
‫ُّ‬
‫‪ ..‬بعد أن حكمنا (مصر) لسنين طوال واستطعنا التخلص من املاغول يأتي‬
‫هذا العثماني املدعو (دمحم علي) ليقض ي علينا ويأخذ حكم (مصر) منا"‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أنا أحاو استيعاب ما يحدث آلان ‪ ..‬يا إلهي إنهم (املماليك) ‪ ..‬أنا في‬ ‫ل‬
‫ُ‬
‫عصر املماليك وبداية دمحم علي هل هذا تمثيل أم ماذا؟ ليتني ما استمعت‬
‫ًّ‬ ‫(الد َّجال)! كيف ُ‬ ‫لهذا َّ‬
‫أهرب آلان منهم؟ أنا وسط اجتماع للمماليك حقا أم‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أنني أصبت بش يء ما في عقلي!؟ ‪ ..‬رجل آخر يقف آلان‪" :‬لن يستطيع هزيمتنا‬
‫كل (قبيلة بني هالل) معكم آلان"‪.‬‬ ‫هذا ألاحمق نحن معكم ‪ُّ ..‬‬

‫يخيا هنا ويبدو َّأنهم كانوا في جانب‬ ‫ً‬


‫جانبا تار ًّ‬ ‫أن لقبيلتي‬‫َح َس ًنا‪ ،‬يبدو َّ‬
‫املماليك‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫حديثه‪" :‬إنه يدعونا ً‬
‫حفل ضخم‪ ،‬ويبدو أنه‬ ‫ٍ‬ ‫في‬ ‫ملالقاته‬ ‫ا‬ ‫غد‬ ‫يكمل الرجل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تخرج جيوشنا معه‬ ‫يخاف منا ويريد الصلح معنا ‪ ..‬ثم إننا وافقنا على أن‬
‫الوهابيين وأرى أنها فرصة جيدة لنملي عليه شروطنا ‪ ..‬و(مراد بك)‬ ‫ملحاربة َّ‬
‫كبيرنا أعطانا إلاذن واملوافقة ‪ ..‬هل أنتم معنا يا رجال؟"‪.‬‬
‫ً‬
‫جميعا إلى‬ ‫تعالت الضحكات بين املوجودين ‪ ..‬اتفقا على أن يذهبوا‬
‫حد قولهم‪:‬‬ ‫الحفل‪ ،‬وطلبوا مني أن ُأحضر (جوادي الثمين) للتباهي به؛ فعلى ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جواد ‪ ..‬ولكني امتطيت الخيل بضع مرات قليلة ‪ ..‬ال أعلم هل‬‫ٍ‬ ‫إني أملك أجمل‬
‫جواد تاريخي والسيطرة عليه أم ال ‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫سأستطيع امتطاء‬
‫‪82‬‬
‫ُ‬ ‫الليل َّ‬
‫حل والكل ذهب وبقيت وحدي في القصر الكبير مع الخدم ‪..‬‬
‫ً‬
‫كبيرة َّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أعدها‬ ‫حاولت أن أجد طريقي إلى غرفة النوم بعد أن أكلت وليمة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الخ َد ُم ‪ ..‬لم آكل مثلها في حياتي‪ ،‬وكيف لي أن آكل مثلها؟ لم أكن أميرا من قبل‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بدأت ّ‬
‫أتجول في القصر؛ فوجدت فتاة حسناء تقترب مني وتتمايل‪" :‬عزيزي‪،‬‬ ‫‪..‬‬
‫ُ‬
‫الليلة ليلتي ‪ ..‬انتظرت أن تأتي كعادتك ‪ ..‬هل كرهتني أم ماذا؟"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يا إلهي! ربما هي زوجته ‪ ..‬لن أقترب منها؛ فلعله يعود ويقتلني ‪ ..‬حاولت‬
‫التخلص منها بأعجوبة وو ُ‬
‫عدتها أن آتيها ً‬ ‫ّ‬
‫غدا بعد الحفل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫في الصباح جاء الخدم ّ‬
‫وغيروا ثيابي ‪ ..‬يبدو أنني سـأحب العيشة هنا ‪..‬‬
‫ترى أين ألقت التعويذة بصديقي (صادق)؟ فأنا أعيش بين امللوك؛ ليتني‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وعلي أن أبحث عنه‪( ،‬املماليك) في‬ ‫َّ‬ ‫أجده ‪َ ..‬ح َسنا‪ ،‬سأنتهي من هذا الحفل‬
‫متحمس ًّ‬
‫ّ‬ ‫حلة للتباهي بمالبسهم ّ‬
‫جدا ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫البراقة وز ِ‬
‫ينتهم الغالية ‪ ..‬أنا‬ ‫أبهى ٍ‬
‫سأرى (دمحم علي) ‪ ..‬ش ٌيء ال ّ‬
‫يصدقه عقل!‬
‫بكل مكان ‪ ..‬ر ّحبوا بنا‬
‫وح ّراس ّ‬
‫ِ‬
‫اقتربنا من قصره الكبير ‪ ..‬أسوار عالية ُ‬
‫ِ‬
‫بأحصنتهم العربية ألاصيلة ‪ ..‬ويبدو أن‬
‫ِ‬ ‫َو َه َم ْمنا بالدخول ‪ ..‬كلهم يتباهون‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫وكأنها تعلم ّأنها مملوكة‬
‫أجملهم ‪ ..‬دخلنا والخيل تمش ي في تعال َّ‬
‫ٍ‬ ‫جوادي كان‬
‫ألمراء ‪ ..‬حتى اقتربنا من القصر ونزلنا عن الخيول ‪ ..‬يا إلهي! ها هو دمحم علي‬
‫بذقنه الطويلة وشاربه السميك يرحب بالجميع‪ ،‬ومن ورائه ابنه إبراهيم في‬
‫ابتسامة كبيرة ويدعونا للدخول؛ دخلت القصر وكنت أحاو ُل أن أتمالك‬
‫ُ‬
‫نفس ي من جماله ووجدت وليمة كبرى أكبر من التي كانت في قصري ‪ ..‬ومراد‬
‫بك بجوار دمحم علي يرأس الوفد‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫ُّ‬
‫التقدم والجلوس حو َل الوليمة الكبرى ‪ ..‬املماليك‬ ‫ً‬
‫جميعا‬ ‫طلب منا‬
‫وبجوا هم قادة بني هالل أ بعمائة جل منهم جميعا‪ ،‬بما ال أستطع َّ‬
‫العد من‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫ص ِعقت عندما علمت أن قبيلتي كانت من الطبقة الحاكمة‬ ‫أعدادهم!‬
‫ِ‬ ‫كثرة‬
‫لرأس مع املماليك‪ ،‬بل ولقد تزوجوا من‬ ‫في تلك الفترة‪ ،‬بل كانت ر ً‬
‫أسا‬
‫ٍ‬
‫َّ‬
‫الطبقات الحاكمة وتقلدوا املناصب العليا حتى عصراملماليك!‬
‫علي أني‬ ‫أسه في تعال وتفاخر وأنا أخاف أن َ‬
‫يبدو ّ‬ ‫يرفع ر َ‬
‫جلسنا والكل ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫أبله في وسطهم ‪-‬فأنا ما زلت ال أدر ما علي فعله حقا‪ -‬فالتزمت الصمت‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫واستمعت لهم فقط دون أن أتفاعل معهم خوفا من أن يفضح أمري ‪ ..‬كان‬
‫ُ‬ ‫ممال ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫الحديث عن الجيوش َ‬ ‫ُ‬
‫جدا ‪ ..‬حديث سياس ي ال أ ِح ُّبه‬ ‫والوحدة وألاقاليم‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫انتباها من قبل حتى في نشرات ألاخبار في عصرنا كنت أحول القناة‬ ‫ولم أ ِع ْر ُه‬
‫َ‬
‫‪ ..‬يا للحظ ‪ ..‬أنا ُم ْج َب ٌر على الاستماع له آلان بل والتمثيل أنني معهم فيهما‬
‫يتحدون عنه‪.‬‬
‫بعد انتهاء الوليمة طلب منا دمحم علي أن نكون في ُم َق ِّدمة الجيش لنكون‬
‫الحراس من حولنا ال ينظرون وال ينتبهون لنا‬ ‫مودعيه ‪ ..‬كان ّ‬‫في أوائل صفوف ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ولكني وجدت همسات غريبة ‪ ..‬أخذت أعصر عقلي كي أتذكر وضع املماليك‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫مع دمحم علي ‪ ..‬ثم فجأة تذكرت ‪ ..‬يا لحماقتي! كيف لي أن أنس ى!؟ آلان أتذكر‬
‫جيدا؛ إنها (مذبحة القلعة) ‪..‬‬ ‫ً‬

‫نعم تبدو كذلك كانت هذه الحفلة الوحيدة التي ُدعي فيها املماليك من‬
‫أهرب من مذبحة إلى‬ ‫قبل دمحم علي ‪ ..‬أال لعنة هللا على التعويذة الحمقاء! ُ‬
‫َُ‬ ‫ُ‬
‫علي فعله آلان؟ كيف أ ِ ّنبههم أو أن ِّب َه نفس ي؟ ‪ ..‬بالفعل‬
‫أخرى ‪ ..‬يا إلهي! ما الذي َّ‬
‫‪84‬‬

‫سمعت صوت أول طلقة رصاص! ‪ ..‬كان قد فات أوان أي ش يء حتى أنني لم‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مسرعا نحو جوادي العزيز‬ ‫ساعتها قد هرولت‬ ‫أستطع أن أ ّنبههم ‪ ..‬كنت‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ألهرب والرصاص ينهال على‬ ‫مسرعا نحو ألاسوار العالية‬ ‫وانطلقت به‬
‫مكان ‪..‬‬
‫املماليك من كل ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫ق‬
‫كان علي أن أقفز من فو ألاسوار العالية؛ فليس هناك سبيل إال القفز‬
‫َّ ُ ّ‬ ‫منها ‪ ..‬ولكنها كانت باهظة الارتفاع ‪ ..‬كيف لي أن َ‬
‫أنجو منها؟ آلان علي أن أفكر‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫فكرة ال أعرف إن كانت ستبدو جيدة أم سأموت هنا‬ ‫ٍ‬ ‫بسرعة واهتديت إلى‬ ‫ٍ‬
‫وسط هؤالء املماليك وألاحمق دمحم علي الذي كنت أكره حصة التاريخ بسبب‬
‫ْ‬
‫فليذهب آلان هو‬ ‫كثرة إنجازاته التي كان علينا أن ندرسها ونحفظها جميعا ‪..‬‬
‫علي أن َ‬
‫أنجو مما أنا فيه ‪..‬‬ ‫وانجازاته إلى الجحيم ‪َّ ..‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫يقفز ويكون هو من يتلقى الصدمة بدال مني ‪ ..‬كنت‬ ‫جعلت الفرس‬
‫خائفا ًّ‬ ‫ً‬
‫جدا من هذه الفكرة الجنونية والتي لم أكن أراها إال في ألافالم ‪ ..‬لكن ال‬
‫ُ‬
‫بقوة وأغمضت عيني ‪ ..‬وارتطم الفرس‬ ‫سبيل لي آلان إال هي ‪ ..‬أمسكت بالفرس ٍ‬
‫َّ و ُ‬
‫لت بعيداً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫باألرض وتهشم في الحال ‪ ..‬أصبت ببعض الكدمات البسيطة ثم هر‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وخفت أن أنظر ورائي وأنا أجري‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫مسرعا ‪ ..‬ووجدت نفس ي‬ ‫مبتعدا عن ألاسوار‬
‫بصحراء كبيرة وحمدت (هللا) أني هربت من هذه املذبحة الثانية!‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ َ‬
‫الدجالين الذين اتبعت‬ ‫ربما أراد (هللا) لي أن أرى هذه الثانية حتى أترك ط ُرق‬
‫ً ُ‬ ‫َّ‬
‫وعلي أن أرى مذبحة أخرى لبني هالل‬ ‫طريقهم وابتعدت عن (طريق هللا) ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ً‬
‫علم (مذبحة القلعة) والتي رأيتها آلان بأم عيني ‪ ..‬ولكنه لم‬ ‫أيضا لقد ذكر لي امل ِ‬
‫ّ‬
‫ولكني تذكرت أن سبب‬ ‫يذكر لي أن (قادة بني هالل) كانوا معهم في ثوراتهم ‪ِ ..‬‬
‫‪85‬‬

‫الخالف هو عدم ذكر أي تاريخ للقبائل العربية وباألخص قبيلتي التي ربما‬
‫ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫محوا تاريخها من الكتب املصرية ‪ ..‬ش ُع ْرت بحز ٍن شديد وتذكرت صديقي‬
‫والذي أردته بجواري بشدة في هذه املأساة التي تعرضت ملشاهدتها آلان ‪..‬‬
‫ليتني أراك يا (صادق) ‪ ..‬أين أنت يا أخي العزيز؟‬
‫‪86‬‬

‫(وليد)‬

‫ٌ‬ ‫َ َ ْ‬
‫البالد الغربية وأنا مرهون بفتاة‬ ‫ِ‬ ‫تلك‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫أقدامي‬ ‫ت‬ ‫منذ أن و ِطئ‬
‫ألد أعدائي ‪ ..‬ارتبط‬ ‫أمرها معي؛ فهي ‪-‬إن نظرنا في ألامر‪ -‬تعتبر ابنة ّ‬ ‫عجيب ُ‬
‫ً ُ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫عجيبة ‪ ..‬ألاغرب هي فتاة مجنونة ‪ ..‬وتارة أخرى‬ ‫ٍ‬ ‫بطريقة‬
‫ٍ‬ ‫مصيري بها آلان‬
‫َّ َ‬ ‫ٌ‬
‫حولها من عدوتي إلى‬ ‫عاقلة! ال أفهم أمرها أبدا ‪ ..‬لكن موقفها تجاه الصهاينة‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ابنتي وأمي وأختي؛ فعلي الحفاظ عليها ‪ ..‬ال أعلم ملاذا ‪ ..‬ربما برابط إلاسالم‬
‫ُ‬ ‫الذي دفعني برغم ّ‬
‫كل ش ٍيء أن أراعي (هللا) فيها!‬ ‫ِ‬
‫بأكبر‬ ‫العمل‬ ‫كنا‬‫ر‬ ‫أصبح قلبي ال أدري ماذا به! منذ أن َت َ‬ ‫َ‬ ‫مع مرور ألايام‬
‫ِ‬
‫َّ ْ‬ ‫َ‬
‫الضن َك على الحياة‬ ‫املعامل بالواليات املتحدة ألامريكية وآثرنا املعيشة‬
‫أعز أصدقاء ‪ ..‬ربما يرى البعض ما‬ ‫مقابل الدين والوطن ونحن ّ‬ ‫َ‬ ‫الكريمة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ات زائفة وخاصة في ظل ألاوضاع الاقتصادية التي‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫وشعا‬ ‫حماقة‬ ‫فعلناه‬
‫ولكن لن نعيش أو نكون إال في (سبيل هللا) مهما ضاقت‬ ‫ْ‬ ‫الوطن علينا‬ ‫ُ‬ ‫فرضها‬
‫ُ‬
‫بنا ألاحوال ‪ ..‬فأوطاننا هي أرض زرعت بداخلنا!‬
‫يومنا ‪ ..‬لم ُنحاول‬‫ِ‬
‫َ‬
‫قوت‬ ‫متواضع ال يكاد يكفي‬
‫ٍ‬ ‫مطعم‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫عملنا ً‬
‫مع‬
‫ْ ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُّ َ‬
‫ترحيلنا ‪ ..‬وتكملة‬
‫ِ‬ ‫أحد بما حدث لنا خوفا من‬ ‫التوجه إلى السفارة أو إخطار ٍ‬
‫َ‬
‫ابتغاء العلم‪.‬‬ ‫َ‬
‫العيش فيها‬ ‫ملسيرة من الصعاب واصلنا‬
‫‪87‬‬

‫إقامتها بمبنى مجاو ٍر ملا‬ ‫ِ‬ ‫كنت أعود من عملي وأقوم بتوصيلها إلى مكان‬
‫ُ‬
‫مجموعة من الفتيات الجامعيات وأنا‬ ‫ٍ‬ ‫مع‬ ‫آلان‬ ‫تعيش‬ ‫هي‬ ‫‪..‬‬ ‫فيه‬ ‫ن‬ ‫أسك‬ ‫كنت‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫أيضا مع بعض الفتية الذين كنت أتجن ُب البقاء معهم إال وقت النوم ‪..‬‬
‫َّ‬
‫فالصبح الجامعة‪ ،‬والليل العمل‪ ،‬وآخر الليل أنام كالقتيل من الت َعب‪ ،‬وهي‬
‫بالحرية الزائدة هذه‬ ‫ّ‬ ‫املليئة‬ ‫والحياة‬ ‫ر‬‫فالخمو‬ ‫‪..‬‬ ‫أفعل‬ ‫كما‬ ‫تفعل‬ ‫كانت‬ ‫ا‬ ‫ً‬
‫أيض‬
‫ِ‬
‫حياتنا ولم تكن ما َّ‬ ‫َ‬
‫تربينا عليه قط!‬ ‫لم تكن‬
‫ً‬
‫حجابها ‪ ..‬فكان عليها أن‬ ‫ِ‬ ‫تحديات كبرى وخاصة بسبب‬ ‫ٍ‬ ‫واجهت "سارة"‬
‫ُ ً‬
‫ُ‬
‫فالحجاب‬ ‫شعرها حتى يوافقوا على العمل‬ ‫َ‬ ‫ترتدي ق َّب َعة طوال اليوم لتخبئ‬
‫ُ‬
‫يظهر منها إال‬ ‫قبتها فال‬ ‫هنا جريمة كبرى ‪ ..‬وكانت ترفع الياقة بقميصها لتخبئ َ‬
‫ر‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫تماما حتى مالبسها واسعة وغير ُ‬ ‫كأنها محجبة ً‬ ‫وجهها ّ‬
‫ظهرة ملفاتنها ‪ ..‬أحببت‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫غم الفساد هنا ‪ ..‬ثم َم ْن كان سيراها أو يعاقبها لو صارت‬
‫ُ‬ ‫تعلقها بالدين ر َ‬ ‫ح ًّقا ُّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حجابها أو حتى خانت الوطن؟ إنها أرض مباح فيها كل ش يء‬ ‫مثلهم وخلعت‬
‫حتى الكفر باهلل!‬
‫ُ‬ ‫كثيرة منها ُّ‬ ‫ٌ‬
‫وجنونها ‪ ..‬إنها‬ ‫حبها الشديد للعلم‬ ‫كان يعجبني بها أشياء‬
‫كثيرا هكذا ‪..‬‬ ‫أتحد ُث عنها ً‬ ‫لم َّ‬ ‫حقا َ‬ ‫ًّ‬
‫ملل ‪ ..‬ال أعرف‬ ‫كلل وال ٍ‬ ‫مفعمة بالحيوية بال ٍ‬
‫العربي الذي ال ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫بجمال الشقراوات هنا ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫قار‬ ‫ي‬ ‫ها‬ ‫جمال‬ ‫نسيت‬ ‫آلان؛‬ ‫رت‬ ‫تذك‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫واسعة ُم َك َّحل ٌة‪ ،‬ور ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أصيلة‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫موش طويلة‪ ،‬وبشرة‬ ‫عين‬ ‫إنه جذاب؛ مالمح عربية‬
‫أي من الشقراوات ذوات العيون‬ ‫لم لم َت ْس َت ْهو ِني ٌّ‬ ‫صافية‪ ،‬ال أعلم َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫بيضاء‬
‫ِ‬
‫امللونة الجميلة؟!‬ ‫ّ‬
‫‪88‬‬

‫الج ْري ‪ ..‬لقد كان‬ ‫سويا ملمارسة رياضة َ‬ ‫بعد صالة الفجر كنا نذهب ًّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫طويل يجري فيه الناس َّ‬ ‫ٌ‬ ‫هناك ٌّ‬
‫آخره حديقة عامة جميلة‬ ‫كل صباح ‪..‬‬ ‫ممر‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫وحيوية؛ ُّ‬ ‫ٌ‬
‫مبكرا‪ ،‬الكل يقوم‬ ‫الكل يصحو‬ ‫الشكل ‪ ..‬الناس هنا كلهم نشاط‬
‫بالرياضات البدنية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كنت ً‬
‫دائما أنظر لها وهي تحاول أن تسبقني في الجري وكنت أسمح لها‬
‫نفسها ‪ ..‬كنت أنظر لها على َّأنها الفتاة‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َّ ً‬
‫بأن تسبقني مد ِعيا أنها فعلتها من ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫تحمل في قلبها دينا ووطنا ‪ ..‬وتحمل في رو ِحها فتاة أوربية مفعمة‬ ‫العربية التي‬
‫كل من‬‫فائقة ‪ُّ ..‬‬ ‫بسرعة‬ ‫تكوينها للصداقات‬ ‫ُ‬ ‫بالحيوية والنشاط ‪ ..‬أعجبني فيها‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫الحب بين الرجل واملرأة‬ ‫ّ‬ ‫كان يقابلها كان يقع في شباك ُح ِ ّبها ‪ ..‬ال أعني هنا‬
‫ولكن أقصد حب رو ِحها الجميلة والضحكة الرائعة التي ال ُتفارق َ‬
‫وجهها ‪..‬‬
‫َ‬
‫غريبة وأ َد ٍب في الوقت نفسه ‪ ..‬تحمل بداخلها‬ ‫ٍ‬ ‫بجرأة‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫دائما تتعامل‬
‫متناقضات كثيرة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬
‫أحيانا كنت أخت ِلس النظر إليها وهي تلقي بالنكات مع فتيات املقهى‬
‫ََْ ْ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ٌ‬
‫حولها؛ فقد كانوا‬ ‫املجاور لنا وهي مارة بهن ‪ ..‬كن كلما رأينها التففن من ِ‬
‫حبون َ‬
‫أنظر إليها أم ال ‪..‬‬ ‫فقتها ‪ ..‬ال أعلم هل كانت تراني وأنا ُ‬ ‫جميعا ُي ُّ ر‬
‫ً‬

‫ُ‬
‫متواضع بالبلدة التي نقطن بها؛‬
‫ٍ‬ ‫معمل‬
‫ٍ‬ ‫في‬ ‫نا‬ ‫قبول‬ ‫الليلة التي تم فيها‬
‫ِ‬ ‫وفي‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫كانت سعادتنا ال توصف؛ فقد َه ْر َولنا نصرخ ونضحك تحت املطر ‪ ..‬أتذكر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬
‫يوم أن كنا تحته‪ ،‬أتذك ُره يتساقط على َو ْجنت ْيها؛ فيعطيهما ُح ْم َرة جميلة‬
‫‪89‬‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫املطر كالبلهاء وأنا‬ ‫وتمتص‬ ‫وابتسامتها التي ال مثيل لها‪ ،‬كانت تخرج لسانها‬
‫الحيوية ‪ ..‬في كل ألامور تجذبني ناحيتها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لطريقتها‬ ‫أضحك ً‬
‫كثيرا‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أيام قليلة منذ عملنا باملعمل الجديد‪ ،‬وكانت ألامور‬ ‫مض ْت آلان ٌ‬ ‫َ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫الغريب أنني كنت أساعد "سارة" في الاطمئنان على‬ ‫بالجامعة على ما ُيرام‪،‬‬
‫كل هذا يجعلني أشعرُ‬ ‫عاديا آلان ‪ُّ ..‬‬ ‫كل ش يء ً‬ ‫أهلها! َأ َل ْيسوا أعدائي؟! أصبح ُّ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫للحب ألاحمق هذا ‪..‬‬ ‫قلبها! ُس ْحقا‬
‫ِ‬ ‫شباك‬ ‫في‬ ‫وقعت‬ ‫حبها ‪ ..‬يا إلهي‪ ،‬لقد‬ ‫أني أ ُّ‬
‫ّ‬ ‫غريبة ويحول‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫العدو إلى حبيب!‬ ‫ٍ‬ ‫بطريقة‬
‫ٍ‬ ‫يختار‬ ‫إنه‬
‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حظنا َّ‬ ‫ُ ْ‬
‫عربي من (ألاردن) ‪ ..‬الذي‬ ‫أن أستاذنا بالجامعة‬ ‫كان من حس ِن ِ‬
‫ُ‬ ‫ًّ‬
‫مساعدتها والتقرب منها ‪ ..‬هل‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫الكثيرة‬ ‫ه‬ ‫محاوالت‬ ‫كان ُيثير غضبي حقا هو‬
‫َ‬ ‫أغار؟ نعم‪ ،‬أنا أغار! َّإن ُه شاب في الثانية والثالثين ولم َّ‬
‫يتزو ْج بعد ‪ُ ..‬ر َّبما أحبها‬
‫غريبة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بطريقة‬
‫ٍ‬ ‫هو آلاخر؛ فالكل كان ينجذب لها‬
‫ُ ًَ‬
‫حية والجمال في كل ش يء!؟‬ ‫الطاقة الرو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم من الذي ال ُيحب ش ْعلة من‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َل ْم ُي ْ‬
‫جاذبيتها ‪ ..‬حتى تلك الصهيونية أحبتها‪.‬‬ ‫قاوم‬
‫َّ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تحدث ِإليها ‪ ..‬وهي كانت‬ ‫أشتعل نا ًرا كلما اقترب منها هذا ألاردني أو‬ ‫كنت‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ َّ ً‬
‫حبب إلى أي أ َح ٍد َي ْستمع إليها؛ أ ِج ُدني‬ ‫قيقة في حديثها؛ صوتها عذب ُم ّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ة‬ ‫عف ِوي‬
‫ُ‬
‫دائما ما تحكي لي عن أخيها (أكرم) ‪ ..‬يبدو َّأنها ت ِح ُّبه‬ ‫قربها أبدا ‪ ..‬كانت ً‬ ‫ال ُأقاوم َ‬
‫اسمه واسم أقا بي ً‬ ‫ُ‬
‫أيضا؛ يذكر َّأنهم ُحكم‬ ‫ر‬ ‫خبرا يذكر َ‬ ‫قرأت البارحة ً‬ ‫بشدة ‪..‬‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫َّ َ‬
‫عليهم باإلعدام ‪ ..‬ويبدو أن أهلها ال يحكون لها ما يدور هناك خوفا عليها ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫بشدة سوف يعدم!؟‬ ‫ٍ‬ ‫ولكن يا إلهي! كيف سأخ ِبرها أن أخاها الذي ت ِحبه‬
‫‪91‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫الخبر عنها‬ ‫يتحدث عنه ‪ ..‬حاولت أن أخبئ‬ ‫هذا اليوم‪ ،‬الفيس بوك كله‬
‫طريقة‪ ،‬والحقيقة أحمد (هللا) أني استطعت!‬ ‫ٍ‬ ‫بأي‬
‫ُْ‬
‫أنا أنظر آلان للفيديو الذي به أخوها يوم النطق بالحكم ‪َ ..‬ع َرفت ُه من‬
‫َّ‬
‫غريبة‪ ،‬نعم أعرف‬ ‫ٍ‬ ‫بطريقة‬
‫ٍ‬ ‫الصور التي أرتني إياها ‪ ..‬إن ُه ينظر آلان للكاميرا‬
‫هابه ‪ ..‬يبدو َأ َّن ُه ُي َخ ّبئُ‬
‫الح ّب؛ إنه ال يكترث للموت‪ ،‬ال َي ُ‬ ‫ُ‬
‫نظرة ُ‬ ‫ها‬ ‫هذه النظرة ‪َّ ..‬‬
‫إن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حبه كما أفعل أنا آلان!‬ ‫َّ‬
‫ََ َ‬ ‫َّ ْ ُ َّ َ‬
‫َدققت النظ َر إليه‪َ ،‬ولفت نظري ربطة ٍيد ُي ْم ِس ُك بها بين يديه ‪َّ ..‬إنها‬
‫أهديتها آلية ابنة عمي عقب قدومي من فرنسا في‬ ‫ُ‬ ‫كثيرا تلك الربطة التي‬ ‫ُت ْشب ُه ً‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫بالجامعة العام املاض ي ‪ ..‬كانت ت ِحبها كثيرا ودائما ال تخرج بدونها‬ ‫ِ‬ ‫تلك الرحلة‬
‫َ َّ‬
‫بنفس اللون ونفس الشكل! ذك َر ِني هذا املوقف بها؛ سأذهب‬ ‫ِ‬ ‫‪ ..‬الغريب كونها‬
‫عمي ‪ ..‬فقد كانت كل اتصاالتي في‬ ‫لالطمئنان عليها؛ ُق ْم ُت باالتصال ببيت ّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫السابق بأ ِمي لالطمئنان عليها فقط‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ساعتها أن "آية" مريضة بالسرطان! فجع قلبي هذا الخبر‬ ‫َع ِل ْمت‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫وخاصة إنه يبدو أن أ ِمي كانت تخ ِبئ عني الخبر ‪ ..‬طلبت منهم أن يبعثوا لي‬
‫عالجا هنا في بلد العلم‪.‬‬ ‫بالتحاليل وتقارير ألاطباء؛ َل ُر َّبما َأج ُد لها ً‬
‫ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ألتحدث معها؛ فأنا‬ ‫طلبت من زوجة عمي (أم آية) أن تعطيها الهاتف‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أريد الحديث معها ِب ِش َّد ٍة ‪ ..‬كانت تتحدث بصعوبة ‪ ..‬ليست "آية" القوية التي‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫أتحدث معها ‪ ..‬ولكني ُب ْحت لها بما في قلبي‬ ‫عهدتها ‪ ..‬كم كان قلبي َيت َم َّزق وأنا‬
‫ألول مرة؛ إنها أختي الثانية كما سابق عهدنا؛ كنا ِس َّر بعضنا البعض‪:‬‬
‫‪91‬‬
‫ُ‬
‫‪"-‬آية‪ ،‬ال أريد أن أزعجك ولكن تعلمين ‪ ..‬معي فتاة هنا اسمها "سارة" ال‬
‫أعلم أنا ‪."..‬‬
‫َّ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫"تتحدث بنبرة الحبيب آلان ‪."..‬‬ ‫قاط َعتني‪:‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫_" تفهمينني ً‬
‫منجذب إليها بشدة‪ ،‬ولكن هناك شيئا‬ ‫دائما ‪ ..‬حقا أنا‬
‫َّ‬
‫آخر؛ لديها أخ محكوم عليه باإلعدام في ألاحداث التي وقعت؛ إن ُه ُيدعى‬
‫تحبه بشدة"‪.‬‬ ‫(أكرم) وهي ُّ‬
‫قاطعت َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫كالمها‪:‬‬ ‫كالمها؛‬
‫بدأ صوتها يتغير وأحسست ألالم والحسرة في ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫أهديتها لك ‪."..‬‬ ‫"آية‪ ،‬لقد وجدت في يده ربطة تش ِب ُه تلك التي‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ َ َّ ً ُ‬
‫سكتت مرة أخرى ‪ ..‬ولكن الصمت أحيانا يحكي الكثير‪" :‬هل تحبينه يا‬
‫آية؟"‪.‬‬
‫ً‬
‫_"ال ُي ِه ُّم آلان يا وليد‪ُ ،‬ع ْد ساملا إلينا يا عزيزي"‪.‬‬
‫_"آية‪ ،‬حقا أريد أن أعرف"‪.‬‬
‫َ ُ َ‬
‫_"يبدو أنك أيضا أحببت أخته"‪.‬‬
‫_" الحقيقة ‪َّ ..‬إنها رائعة ليتك هنا ألعرفك بها"‪.‬‬
‫_"أعلم عنها كل ش يء"‪.‬‬
‫ً‬ ‫_"إذن تعترفين َّ‬
‫أن هناك شيئا بينكما"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫_"تعرفني ً‬
‫جيدا يا وليد ‪ ..‬أنا ال أفعل شيئا خاطئا"‪.‬‬
‫‪92‬‬

‫لك"‪.‬‬ ‫_"لم أقصد ‪ُ ..‬أ ْقس ُ‬


‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫_"أعرف يا عزيزي‪ ،‬ال ُي ِه ُّم آلان ‪ ..‬فهو َس ُي ْع َد ُم وأنا أموت بالسرطان ‪..‬‬
‫ًّ‬
‫ألامر ال ُي ِه ُّم آلان حقا"‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ ْ ُ‬
‫بشدة من الحديث معها! الحقيقة التي عرفتها عنها ‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫يا إلهي‪ ،‬كم تأملت‬
‫ََ ُ‬ ‫َ‬
‫لو كنت عرفتها قبل أن أحب "سارة"‪ -‬ما كنت أتق َّبلها أبدا ‪ ..‬لكن بعد ُح ِ ّبي‬
‫ّ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫َ َّ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫أحدثها بطريقة‬ ‫لسارة توقف التفكير العقيم الذي ت َربيت عليه ‪ ..‬وجدتني ِ‬
‫ُ َّ ْ‬
‫البالد ألاجنبية َعل َمت ِني أن أنس ى عادا ِتنا‬ ‫ُ‬ ‫الح ُّب أم‬ ‫جدا؛ هل َغ َّي َرني ُ‬ ‫عادية ًّ‬
‫ّ‬ ‫ََْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عربي وال‬‫ٍ‬ ‫بين‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫"ال‬ ‫‪:‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ملسو هيلع هللا ىلص‬ ‫–‬ ‫النبي‬ ‫قاله‬ ‫ما‬ ‫كل‬ ‫هنا‬ ‫تعلمت‬ ‫فقد‬ ‫‪..‬‬ ‫نا‬ ‫وتقاليد‬
‫َ‬
‫أ ْع َج ِم ّ ٍي إال بالتقوى"‪.‬‬
‫ٌ ََ‬ ‫هنا حتى التقوى ال َت ْفر ُق معهم؛ الكل َ‬
‫صديق في السكن‬ ‫ٌ‬ ‫واس َية؛ فل َد َّي‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫تربى في َمل َجأ؛ ال يعرف حتى والد ْيه‪ُ ،‬وي ِح ُّب فتاة والدها بالكونجرس ألامريكي‪،‬‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫وألاب ُم َر ّح ٌب بهذا الحب بل ويدعمه ً‬
‫أيضا ‪ ..‬هنا ال فرق بين ِع ْر ٍق وال ن َس ٍب وال‬ ‫ِ‬
‫جاه ًّأيا كان صاحبه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫طاولة بعيدة في وقت الغداء وأخرجت‬ ‫ٍ‬ ‫كنت بالعمل حينما جلست على‬
‫ش بالبكاء عليها ‪ ..‬اقتربت‬ ‫أنظر إليها؛ َو ِك ْد ُت أن َأ ْج َه َ‬ ‫ُ‬ ‫صورة "آية" من هاتفي‬
‫ُ‬
‫"سارة" وهي تنظر إلى الصورة‪" :‬يا إلهي‪ ،‬آية؛ هل هي قريبتك؟"‪.‬‬
‫ُْ ُ‬
‫قلت في حز ٍن‪" :‬إنها ابنة عمي"‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫جلست بجواري وأنا أنظر إلى الصورة ‪ ..‬تحدثت إليها وعيني ال ت ْرف ُع عنها‪:‬‬
‫متحاب ْي ِن"‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أن (أكرم وآية) كانا‬ ‫" أعرف َّ‬
‫‪93‬‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ََ ْ‬
‫بمرضها ‪ ..‬لقد َح ِزنت بشدة‬
‫ِ‬ ‫ها‬ ‫فأخبرت‬ ‫‪..‬‬ ‫ها‬ ‫أحوال‬
‫ِ‬ ‫عن‬ ‫ني‬ ‫وسألت‬ ‫ت‬ ‫فس ك ت‬
‫ً‬
‫عليها‪ ،‬بل وكانت خائفة أن يعلم أخوها بمرض "آية" وأخذت تدعو لها وألخيها‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫‪ ..‬الحقيقة‪ ،‬التز ْمت الصمت ولم أخبرها شيئا عنه أيضا ‪ ..‬يكفي ما نحن فيه‬
‫ُ ُ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫من غربة وأوجاع ً‬
‫الح ْزن في عينيها وإصرارها على‬ ‫بعيدا عن أهلنا ‪ ..‬وملا رأيت‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫النجاح؛ ابتسمت لها قائال‪" :‬كل ش ٍيء سيكون‬ ‫ُ‬ ‫الدعاء لهما أن ُيك ِل َل ُح َّب ُهما‬
‫على ما ُيرام _إن شاء هللا_"‪.‬‬
‫‪94‬‬

‫(تيماء)‬

‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ ْ‬


‫وأصواتها َب ِش َعة‬ ‫غريبة الشكل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ت‬‫ٍ‬ ‫بآال‬ ‫حرب‬ ‫وسط‬ ‫في‬ ‫التعويذة‬ ‫بي‬ ‫ت‬ ‫أ لق‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َت ْث ُق ُب آلاذان ولم ُتع ْ‬
‫صخرة كبيرة خوفا‬‫ٍ‬ ‫اء‬ ‫ر‬‫و‬ ‫فاختبأت‬ ‫ألاصلي؛‬ ‫موطني‬ ‫إلى‬ ‫ني‬ ‫د‬ ‫ِ‬
‫من النيران والضجة الكبيرة التي كانت أمامي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬
‫كنت أرت ِعد خوفا وأنا أختبئ خلف الصخرة ‪ ..‬وجدت بجواري فتى‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫الب ِن َّية هذه‪ ،‬ويحمل بيده شيئا كان يسميه‬ ‫مالبس القتال الغريبة‬ ‫َ‬ ‫يرتدي‬
‫ً‬
‫بالبندقية ففزع حين رآني َو َه َّم صارخا في وجهي‪" :‬من أنت؟"‪.‬‬
‫‪"-‬ساعدني من فضلك ‪ ..‬أخرجني من هنا"‪.‬‬
‫وصلت إلى هنا؟ فليساعدني ويساعدك‬
‫ِ‬ ‫_"يبدو أنك من البدو ‪ ..‬كيف‬
‫(هللا) في وسط هذه الحرب الشرسة"‪.‬‬
‫‪"-‬أي حرب هذه؟"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫قليل؛ا‬ ‫‪"-‬إننا نحارب اليهود‪ ،‬يبدو أنك تائهة أو ما شابه ‪ ..‬انتظري‬
‫ُ‬
‫سأحاول أن أخرجك من هنا"‪.‬‬
‫َ‬ ‫بقوة في ّ‬ ‫ُ‬ ‫أشهر َ‬
‫ظهره رغم‬
‫ِ‬ ‫خلف‬ ‫أختبئ‬ ‫وأنا‬ ‫اتجاه‬
‫ٍ‬ ‫كل‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يضرب‬ ‫وبدأ‬ ‫ه‬ ‫سالح‬
‫ً‬
‫ي يبدو غير مألوف لي ‪ ..‬أردى تسعة من‬ ‫خلف حاجز من صنع بشر ّ‬ ‫َ‬
‫نا‬ ‫اختباء ك َل ْ‬
‫ي‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪95‬‬

‫خندق في ألارض‪ ،‬وباقي من‬


‫ٍ‬
‫ً‬
‫مسرعا بداخل‬ ‫العدو قتلى أمامه ثم َه ْر َو َل‬
‫ّ‬ ‫رجال‬
‫يرتدون مثل مالبسه يقومون بضرب آلاخرين وتغطيته‪.‬‬
‫تخرجي آلان من هنا ‪ ..‬لكني‬‫عليك أن ُ‬
‫ِ‬ ‫نظر لي وهو يلهث‪" :‬اسمعي يا فتاة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫ُ‬
‫ال أعرف كيف أخرجك حقا ‪ ..‬لقد ق ِتل كل من في كتيبتي هنا‪ ،‬وباقي الكتائب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫بالخارج يحاولون تغطيتي؛ فل َي ْح ِمنا هللا! آلان بعد أن تهدأ هذه النيران؛‬
‫ُ‬
‫سأحاول أن أخرجك من هنا"‪.‬‬
‫َ َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫واحدا واقفا يختبئ وبمجرد أن رآني خرج وهو َيت َرق ُب يمينا‬ ‫وجدت‬
‫جسده ويبدو أنه‬ ‫ركن في‬ ‫ويسارا‪ ،‬وآخر ملقى على ألارض تخرج الدماء من ّ‬
‫ِ‬ ‫كل ٍ‬‫ِ‬
‫أنفاسه ألاخيرة؛ فنظرت إلى زميله آلاخر‪ ،‬وهو نظر لي وله وقال لي‪" :‬هذا‬ ‫َ‬ ‫يلفظ‬
‫َ‬
‫الجبان آث َر الاختباء هنا على الخروج للحرب"‪.‬‬
‫ُ‬
‫آلاخر بنظرة خبيثة‪" :‬لست جبانا‪ ،‬لن أقاتل في هذه الحرب ‪ ..‬هل‬
‫تسمع؟"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫نظ َر له في غيظ‪" :‬اسمع‪ ،‬أنا أريد أن أخرج هذه الفتاة من هنا"‪.‬‬
‫_"وكيف جاءت الفتاة هذه هنا؟"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫_"اسمعا‪ ،‬الحقيقة أنا ألقت بي تعويذة غريبة في هذا املكان وأنا أريد‬
‫العودة ألهلي ‪ ..‬في أي زمن نحن‪ ،‬ال ُي ِه ُّمني ‪ ..‬املهم أن أعود لزماني"‪.‬‬
‫َ َّ َ ْ‬
‫عقلك يا فتاة"‪.‬‬
‫الفتى في غيظ‪" :‬يبدو أن الدماء أثرت على ِ‬
‫‪96‬‬
‫ُ‬ ‫َّ ّ‬
‫غريبة وطلب أن أخبره عن‬
‫ٍ‬ ‫بسرعة‬
‫ٍ‬ ‫مني‬ ‫اقترب‬ ‫هذا‬ ‫الجبان‬ ‫ه‬ ‫ميل‬‫ولكن ز‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫أتحدث عنها؛ فحكيت لهم بسرعة ما حدث ‪ ..‬وقبل أن أكمل‬ ‫التعويذة التي‬
‫كان زميلهما الذي يلفظ أنفاسه ُ(ي َغ ْر ِغر) ‪ ..‬يبدو أن الروح ُ‬
‫تخرج آلان؛ فجرى‬
‫ّ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬
‫أتحدث‬ ‫مسرعا وأنا خلف ُه أنظر في حزن وأس ى ‪ ..‬حاول آلاخر أن‬ ‫ً‬ ‫الفتى ناحيته‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫عن التعويذة لكننا ن َه ْرناه حتى نط َم ِئ َّن على املسكين وحاولنا أال نتركه يموت‬
‫وحده‪.‬‬
‫َ‬
‫صديق‬ ‫"آه يا‬ ‫ُ ْ ٌ‬
‫بكى الفتي وهو مم ِسك بيد آلاخر الذي يلفظ أنفاسه‪ٍ :‬‬
‫ُ‬
‫طفولتي‪ ،‬سامحني أن خرجت للجهاد وتركتك وحدك"‪.‬‬
‫ابتسم آلاخر وهو ُيخرج الدم من فمه ويصارع املوت ‪..‬‬
‫ًّ‬
‫"حقا من ذا الذي يصارع املوت ويبتسم!؟"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قل ُتها في نفس ي بحز ٍن شديد ‪ ..‬أمسك بيد صديقه وهو يتحدث بصعوبة‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫" عبد الصمد‪ ،‬اسمع لي ً‬
‫جيدا؛ ال تجعل دمي يذهب َه َب ًاء‪ ،‬اقتلهم يا صديقي‪،‬‬
‫ستسمي ابنك (أكرم) علي اسمي"‪.‬‬‫ّ‬ ‫س أيها الفتي أنك‬‫وال َت ْن َ‬

‫بال بالدماء‬ ‫ُ‬ ‫ً‬


‫قالها ونظر للسماء ومات مبتسما ‪ ..‬احتضنه الفتى غير م ٍ‬
‫ً‬
‫كتابا ُم َم َّزقا من جيبه ونظر‬
‫وهو يبكي بحرقة ‪ ..‬وأخرج آلاخر الذي رفض القتال ً‬
‫لي بسرعة‪" :‬يا فتاة‪ ،‬سأعيدك ‪ ..‬أخبريني آلان‪ ،‬ما الذي حدث؟ أتذكرين‬
‫التعويذة؟"‪.‬‬
‫ً‬
‫الفتى الذي مات صديقه كان في ُح ْز ِن ِه‪َ ،‬و َه َّب فيه صارخا‪" :‬نحن في‬
‫وسط الحرب وأنت أيها الجبان تركت ال حرب وآلان تبحث عن الخرافات"!‬
‫‪97‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫فصرخ فيه صرخة قوية؛ فوقع الشاب َمغ ِش ًّيا عليه ‪ ..‬حتى أنا ارتعدت‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫من ق َّو ِة الصرخة‪ ،‬ونظر لي وعيناه تخ ِر ُج شرا ًرا‪" :‬آلان أيتها الفتاة‪ ،‬أخبريني‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بالتعويذة" ‪ ..‬كانت لي ذاكرة حديدية ال تنس ى‪ ،‬ومن خوفي ُب ْحت وأخبرته بها؛‬
‫بسرعة؛‬
‫ٍ‬ ‫فضحك ضحكة غريبة‪ ،‬وأمسك بيدي وأشعل نا ًرا وألقي بي فيها‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫فرجعت إلى موطني بأرض (مصر) مرة ثانية ‪ ..‬ولكني ال أنس ى أبدا ما حدث في‬
‫تلك البقعة الغريبة من أرض (مصر)‪.‬‬
‫‪98‬‬

‫(ريحانة)‬

‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ ْ‬


‫وكأني لم أذهب ‪..‬‬
‫ألقت بي التعويذة إلى نفس املكان الذي جئت منه ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫أذهب‪ ،‬بل وكأني‬ ‫الكل ينام كما كانوا وأبي راقد وبجواره أختي "ورد" ِ‬
‫وكأني لم‬
‫ُ‬
‫كنت أحلم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ ً‬
‫وكأن شيئا لم يكن ‪ ..‬خلدت للنوم حتى نكمل في الصباح‬ ‫غريب ما حدث‬
‫َ ْ‬
‫البحث عن أسرتنا من جديد ‪ ..‬م َّرت ألايام ولم نعثر على ٍ‬
‫أحد منهم؛ ال زوجي‪،‬‬
‫القليل َع ُث َر على أهله َّ‬
‫ممن كانوا في القرية التي ذهبنا‬ ‫ُ‬ ‫وال أمي‪ ،‬وال أحد‪ ،‬فقط‬
‫إليها‪.‬‬
‫َ‬
‫أسموها "التهجير" ‪ ..‬هكذا أطلقوا عليها‪ ،‬وبدأ الناس يبنون البيوت من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ذكريات مؤملة قاسية!‬
‫ٍ‬ ‫ويستقرون في هذا املكان‪ ،‬والكل يحمل‬ ‫جديد‬
‫ً‬ ‫حامل ‪ ..‬كم كان وقع الخبر َّ‬‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قاسيا!‬ ‫علي‬ ‫اكتشفت بعد فترة أنني‬
‫سيولد ً‬
‫يتيما بدون‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الطفل‬ ‫ألنه سيكو ُن لي طفل أم أحزن َّ‬
‫أن‬
‫َّ‬
‫هل أفرح‬
‫ُ َ َّ ُ‬ ‫أب؟! َت َح َّم ْل ُت َ‬
‫ألالم في قلبي وحاولت أال أظهره أمام (أبي) املسكين؛ فقد كان‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫مريضا وال يقدر على الت َح ُّمل وخاصة بعد ما جرى لنا!‬
‫ُ‬
‫أسميتهما (صادق)‪ ،‬و(عبد العزيز) على اسم‬ ‫رزقني هللا توأمين ذكو ًرا‬
‫الفتيين الذين ُ‬
‫قابلتهما في املكان الغريب يوم الحادثة‪.‬‬
‫‪99‬‬

‫عوضا جميال‬ ‫ً‬ ‫كل ش ٍيء في حياتي ‪ ..‬عوضني (هللا) بهما‬ ‫كان الطفالن َّ‬
‫سعادة بعد أن غابت منه السعادة ‪ُ ..‬ك ْن ُت لهما ًّأما ً‬
‫وأبا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وملؤوا علينا املنزل‬
‫دائما ما أحكي لهما عن والدهما ‪ ..‬الحقيقة لم أتز َّو ْج بعده ‪ ..‬رغم كثرة‬‫وكنت ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫لخطبتي إال أنني ك َّر ْست حياتي لهما ‪ ..‬فحبي لهما مأل كل حياتي‪.‬‬‫من تقدموا ِ‬
‫تربيتهم‪ ،‬وكان يحبهما بشدة؛ فلم يرزقنا (هللا) بأخوة‬‫ساعدني والدي في ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ ُ َّ‬
‫ذكور ‪ ..‬أنا وأختي ورد فقط‪ ،‬مرت السنون وتو ِفي والدي‪ ،‬وتزوجت أختي‬
‫ى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫و‬ ‫َُ‬ ‫وأنجبت ‪ ..‬وكبر أبنائي َو َم َّن (هللا) َّ‬
‫علي بأن أز ِ جهم وأر أحفادي ‪ ..‬ولكنهما‬
‫ص َّرا على العيش في (أسوان) املدينة وترك مكان مولدهما‪ً ،‬‬
‫بعيدا عن قريتنا‪،‬‬ ‫َأ َ‬
‫وأنا ليس لي غيرهما بعد أبي فذهبت للعيش معهما‪.‬‬
‫الغريب ّأنهما اختارا البقاء في قرية مجاورة للقرية التي حكى لي الشابان‬
‫عن اسمها (ز ْرزارة) هذه ‪ ..‬سكنا في تلك القرية القريبة منها ‪ ..‬خفت ً‬
‫كثيرا‬
‫َ‬ ‫َِ‬
‫َ‬
‫وحاولت أن أ ْمن َع ُهما لكنهما أ َ‬
‫ص َّرا‪ ،‬وملا حكيت لهما القصة وخوفي عليهما من‬
‫َّ‬
‫غريب وأن عقلي اختلق ألامر ألنه كان‬ ‫ٍ‬ ‫وضع‬
‫ٍ‬ ‫املجزرة؛ اتهماني بأني كنت في‬
‫ً‬
‫متعبا من الصدمة ‪..‬‬
‫لم يصدقاني قط حتى حدث ما حكاه لي الفتيان ‪ ..‬وقلبي آلان ُ‬
‫قلب سيدة‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫عجوز ال يقدر على ت َح ُّم ِل الصدمات وخاصة بعد موت حفيدي "ضياء" ابن‬
‫عمره بالخليج يجمع املال لألبناء وتركني مع‬
‫ولدي (صادق) والذي عاش أغلب ِ‬
‫زوجته وابنيه (ضياء وعلي) وابنته (آية) ‪ ..‬يا ملرارتي يا ولدي لو علمت ما‬
‫حدث البنك‪.‬‬
‫‪111‬‬

‫مسرعا بسبب معرفته بما حدث لولده ‪ ..‬وبعدها‬ ‫ً‬ ‫قطع إجازته وجاء‬
‫جاءت صدمتنا في "آية" ومرضها ‪ ..‬يا طفلتي الجميلة ‪ ..‬ريحانة قلبي الذي يكاد‬
‫َ ُ‬ ‫ّ‬
‫عاص ْرت موت عائلتي في حياتي وآلان في الكبر‪ ،‬يا (هللا)‬ ‫يتمزق عليها من ألالم ‪..‬‬
‫قلب ولدي في مصابه!‬‫صابرة ومحتسبة ألاجر ‪ ..‬يا إلهي‪ ،‬اربط على ِ‬
‫جاءنا آلان اتصال من حفيدي آلاخر (وليد) وهو ابن (عبد العزيز) ولدي‬
‫آلاخر ‪ ..‬لقد كان َ‬
‫فخر عائلتنا؛ فقد ذهب في منحة إلى (أمريكا) ‪ ..‬أسأل (هللا)‬
‫أن يعطيه الزوجة الصالحة التي تسعد قلبه!‬
‫‪"-‬حبيبي وليد‪ ،‬كيف حالك يا فلذة كبدي؟"‪.‬‬
‫‪"-‬بخير يا جدتي"‪.‬‬
‫ٌ‬
‫سعيد‪ ،‬هل هناك ما تخبؤه عني يا فتي؟"‪.‬‬ ‫‪"-‬صوتك‬
‫أحدا إال أنت وآية‪،‬‬ ‫‪"-‬الحقيقة يا جدتي أنا ُأح ُّب فتاة هنا ‪ ..‬لم ُأخبر ً‬
‫ِ‬
‫الحقيقة يا جدتي ‪ ..‬هي من بني هالل"‪.‬‬
‫كالمه ولكني تذكرت (صادق) و(عبد العزيز) بل وتذكرت‬ ‫ُ‬ ‫ص َد َمني‬ ‫َ‬
‫قابلتها مرة واحدة في حياتي‪" :‬اسمع يا ولدي‪ ،‬القلب ال‬ ‫ُ‬ ‫(تيماء) الفتاة التي‬
‫جدك! حتى السنين لم َت ْم ُح َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت أح ُّب َّ‬ ‫ُ‬
‫حبه في‬ ‫ِ‬ ‫يختار من يحب ‪ ..‬لو تعلم كم‬
‫ش حياتك يا بني وانعم بحبك؛‬ ‫يفرق بين عرق وال لون ‪ِ ..‬ع ْ‬
‫إن الحب ال ّ‬ ‫قلبي‪َّ ،‬‬
‫فليساعدك هللا"‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪"-‬هل أنت موافقة يا جدتي ‪ ..‬تعلمين والدي سيرفض"‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫"ص ْم ًتا يا فتى‪ ،‬لن يستطيع تكسير أوامري ‪ ..‬لن ُي ْك َس َر ٌ‬
‫قلب في هذا‬ ‫‪َ -‬‬
‫بالحب يا أحفادي‬ ‫ّ‬ ‫البيت مرة أخرى ‪ ..‬لن أسمح بذلك؛ فلتحبوا وتهنؤوا‬
‫وليكرمكم هللا جميعا"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الحب!؟ لقد ذقت‬ ‫أحسست بالسعادة في صوته؛ فمن أنا حتى أحرمه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫أكمل حديثه بالهاتف مع "آية" ‪..‬‬ ‫يتجرعها أبدا ‪..‬‬ ‫مرارة الفقد ولن أجعله‬
‫"جدتي ‪ ..‬فلتساعدي "وليد" في‬ ‫وبعد أن أغلقت الهاتف معه اقتربت مني آيه‪ّ :‬‬
‫دمر ‪ ..‬أنا أعرف الفتاة التي ُي ِح ُّبها ‪ ..‬إنها من‬ ‫حبه؛ ال تسمحي لقلبيهما أن ُي ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫عائلة محترمة وأسرة طيبة"‪.‬‬
‫ً‬ ‫احتضنتها و ُ‬‫ُ‬
‫قبلتها على رأسها ودعوت لها بالشفاء واعدة إياها أن‬
‫ُ‬
‫أحسست َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أن (هللا) قد جعل الحادثة‬ ‫ساعدهم ما آتاني (هللا) من قوة ‪ ..‬آلان‬ ‫أ‬
‫ُْ‬ ‫طرفا في َف ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ض النزاع وألنه َِي هذه العادات‬ ‫ِ‬ ‫أنا‬ ‫ن‬ ‫الغريبة التي كانت تحدث ألكو‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫والتقاليد الخ ِر َبة التي َد َّم َرت أجيالنا!‬
‫‪112‬‬

‫َّ‬
‫(الد َّجال)‬

‫َ‬
‫لم يعلم الحمقى هؤالء أ َّنني الفتى الجبان‪ ،‬فتى الحرب ‪ ..‬وهل يظنون‬
‫ُّ‬
‫وسأظل‬ ‫أن مثلي كان ليحارب في صف الحق ًّأيا كان!؟ أحارب للباطل فقط‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أنتظر هذه التعويذة منذ قرون ‪ ..‬سنوات وعشيرتي‬ ‫أحارب جانبه ‪ ..‬كم كنت‬
‫َ َ‬ ‫ُّ‬
‫كلها تنتظر هذه التعويذة بفارغ الصبر ‪ ..‬سنوات وعشيرتي تنتظر لن ْع َبث كما‬
‫يحلو لنا بقوة أكثر مما نحن فيها!‬
‫سرها ‪ ..‬وهذا أنا ‪ ..‬آلان‬ ‫تيح لواحد فقط َح َ‬
‫مل ّ‬ ‫ولكن هذه التعويذة ُت ُ‬
‫ِ‬
‫َ ََّ‬ ‫ّ‬
‫املحبوب بين عشيرتي ِكلها‪ ،‬علي آلان أن‬ ‫َ‬ ‫َس َي ْف َرحون بما سأفعله‪ ،‬سأكون‬
‫ُ‬
‫أضبط ألاحداث كما يجب وأن أعيد الفتاة لتعطيني التعويذة‪.‬‬
‫ودمار‪ُ ،‬وأ ْش ِع ُل َف َ‬
‫يتل النار‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وخراب‬ ‫مكان به حرو ٌب‬ ‫ُ‬
‫بالطبع سأذهب لكل ٍ‬
‫بها؛ أنا آلان في (إحدى املدارس الثانوية بمحافظة أسوان) ‪ ..‬سأبدأ ألاحداث‬
‫لتصلني التعويذة‪.‬‬
‫عجبني هذا الفتى ‪ُ ..‬يدعى "علي" سأجلس‬ ‫ترى َم ْن أختار ‪َ ..‬ح َس ًنا‪ُ ،‬ي ُ‬
‫َ َ َ َّ ُ‬
‫بجواره وأتهيأ في شكل فتى في سنه‪" :‬تعلم يا صديقي أن الفتى املدعو "حسان"‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫عبيد للفراعنة وال‬ ‫بسوء شديد؟ يقول أنكم أفارقة‬ ‫ٍ‬ ‫هذا كان يذكر قبيلتك‬
‫حق لكم في أي شبر في أرض مصر"‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪113‬‬
‫َ َ‬
‫ص َّدقني والنيران متأ ِ ّججة بداخله‪ ،‬حان‬ ‫أنا أضحك بشدة آلان ‪ ..‬الفتى‬
‫"مرحبا "حسان"‪ ،‬تدري الفتي املدعو "علي"؛ ذكر‬ ‫ً‬ ‫الوقت للذهاب لآلخر‪:‬‬
‫َ‬
‫قبيلتك بسوء شديد يقول أنكم ال عرب وال عجم وأنكم تريدون الاستيالء على‬
‫أرضهم وسيقومون ب َط ْرد ُكم منها ً‬
‫قريبا"‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيضا ‪ ..‬يا‬ ‫الخ َّط ُة وآلاخر على آخره من الغيظ ً‬ ‫ْ ُ‬
‫جدا ‪ ..‬نجحت‬ ‫جميل ًّ‬
‫ِ‬
‫السلسة ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الحرب وأذهب إلى الصديقين‬ ‫ِ‬ ‫اشتعال‬ ‫سأنتظر‬ ‫ا‪،‬‬ ‫جيد‬ ‫بدأت‬ ‫جمالي؛‬ ‫ل‬
‫(الد َّجال) للخرو ِج من املحنة ‪..‬‬ ‫(عبد العزيز) و(صادق) اللذين لن يجدا إال َّ‬
‫ُ َْ ُ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َّ‬
‫فالد َج ُل هذا شغل ِتي وشغلة الحمقى من أتباعي!‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫مني‬ ‫ِ‬ ‫الضائع‬ ‫ها‬ ‫نصف‬ ‫يعتقدون أنني سأعطيهم التعويذة ‪ ..‬لن ينالوا إال‬
‫ُ ّ‬
‫ص َّدقاني ‪..‬‬ ‫تحك ٌم غيري أنا ‪ ..‬يا لسعادتي وضحكاتي؛ لقد َ‬ ‫حتى ال يكون هناك م‬
‫َ‬ ‫فتاة أخرى َم َعها ‪َّ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫علي أن أبحث‬ ‫علي آلان أن أبحث عن الفتاة؛ لقد ذكرت‬
‫َ َ َّ‬ ‫عنها؛ ُتدعى ( يحانة)‪ ،‬ها أنا أ اها آلان واقفة َ‬
‫وحدها بجوار النار ِلتت َدفأ؛‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫مرحبا يا صغيرتي الجميلة!‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫يحب صديقه‬ ‫أما عن ألاحمقين (صادق) و(عبد العزيز) فكالهما‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫بشدة؛ سألقي بهما ‪َ ..‬ح َسنا سأفكر قليال‪(" :‬صادق) يحب‬ ‫ٍ‬ ‫بوفاء‪ ،‬أكره الوفاء‬‫ٍ‬
‫أجداده بشدة هاهاهاها ‪ ..‬تعال يا عزيزي وانعم هنا مع الفراعنة؛ من‬ ‫ِ‬ ‫تاريخ‬
‫أجدادك مضطهدين فيه ‪ ..‬فتى‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫عصرا كان‬ ‫َ‬
‫سأعطيك‬ ‫ُح ِ ّبي لك أيها البشري‬
‫ٌ ُ‬
‫الثورة ألاحمق (كرشاب) ‪ ..‬أما آلاخر (عبد العزيز) فله عندي قصة أخرى؛‬
‫ُْ‬ ‫ُ‬
‫هيا يا فتى‪ ،‬إلى املذبحة الكبرى ‪ ..‬سأفعل بك ما فعلته بصديقك ولت ِح ّبا‬
‫تاريخكما في أسود أيامه!‬
‫‪114‬‬
‫ّ‬ ‫ائع! انتهى دو ُر الفتاتين آلان ‪ ..‬ابتسما ً‬
‫جيدا في موطنكما أل ِني سأجعل‬ ‫ر‬
‫أحفادكما يقتتالن حتى املوت ‪..‬‬
‫َّأما عن الفتى الغبي (عبد الصمد) الذي كان باملعركة؛ فلقد أنجب‬
‫مريضا ‪ ..‬خاف عليه من املوت إن أسماه (أكرم) على اسم‬ ‫ً‬ ‫ولده البكر‬
‫ولدا آخر وأسماه (أكرم) ‪ ..‬لم يكن يعلم َّ‬
‫أنجب ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن ابنه‬ ‫صديقه؛ فانتظر ملا‬‫ِ‬
‫البكر سيسمع ك ل ما أقوله له في املذبحة الطاحنة في (أسوان) ‪ ..‬الكل‬
‫بسماعهم لي ‪ ..‬ال يعلمون أنني سأجعلهم‬
‫ِ‬ ‫يسمعني آلان ‪ ..‬يعتقدون َّأنهم سعداء‬
‫َ َ َ‬
‫يرون أسوأ م ِ‬
‫او ِف ِهم!‬ ‫خ‬
‫‪115‬‬

‫(املصير)‬

‫َ ُ َّ‬
‫لم يكن الشيطان لينفذ إال إرادة (هللا) فقط ‪ ..‬فكل َما أشعل نا ًرا للحرب‬
‫كل ما يفعله بأمر (هللا) وإرادته ‪ ..‬حتى اختياره لكل‬‫يعلم َأ َّن َّ‬
‫أطفأها (هللا) ‪ ..‬ال ُ‬
‫واحد منهم لم يكن هو من يختار‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫أما عن (أكرم) فهو بالسجن ينتظر حكما باإلعدام في القضية املشهورة‬
‫والتي عرفت إعالميا بمعركة (الدابودية والهاليل)‪ ،‬بعدما فقد ُح َّب حياته‪،‬‬
‫ً َّ‬ ‫حبيسا ألحزانه ‪ ..‬ال ّ‬‫ً‬
‫أحدا إال ذلك الشبح‪ ،‬وقد اتهمه البعض‬ ‫يحدث‬ ‫أصبح‬
‫َ‬
‫ي ُيدمي القلوب!‬‫ٍ‬
‫طيلة الوقت في مشهد مأساو ّ‬ ‫بالجنو ِن؛ فهو يتحدث معه‬
‫و(تيماء) كان من أحفادها (أمين باشا) بعدما ارتبطوا بأهل مصر‬
‫بعيدا عن (املذبحة‬‫وتز ّوجوا من الحكام والعامة على حد سواء‪ ،‬والذي هرب ً‬
‫َّ‬
‫يخيا باسم (مذبحة القلعة) ُويقال أنه هرب إلى‬ ‫الكبرى) والتي عرفت تار ًّ‬
‫ً‬
‫سوريا وال أحد يعلم عن اختفائه شيئا‪.‬‬
‫تغيرت فكرة‬‫والد أكرم وأخوه لتربية أطفالهم ‪ ..‬والحقيقة لقد َّ‬ ‫عاش ُ‬
‫ِ‬
‫(عصام) عن كل ش يء حتى أنه يربي أبناءه آلان على نبذ العنف والعنصرية ‪..‬‬
‫وأهل (آية) يعيشون في سالم مع أبنائهم وعاد كل ش يء لطبيع ِته ألاولى ‪..‬‬
‫‪116‬‬
‫َُّ ْ‬
‫ك ِللت قصة حب (سارة ووليد) بالنجاح‪ ،‬بعدما أقنع كالهما ألاهل‬
‫ُ‬
‫بحبهما‪ ،‬والذي ُر ّبما لتلك الظروف التي أحاطت به لم يكن يقف أمامه‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫َ َّ َ ْ‬
‫العراقيل التي دمرت حياة وحب (أكرم وآية) ‪ ..‬وتمت خطبتهما؛ وهما آلان‬
‫لديهما صفحة كبيرة على إلانترنت‪ ،‬وهما من املدافعين عن (نبذ القبيلة‬
‫َ‬
‫ً‬
‫نجاحا ً‬
‫كبيرا وحققا ملصر‬ ‫والعنصرية) في وقتنا الحالي ‪ ..‬وقد ن َجحا في عملهما‬
‫معا‪.‬‬‫وحبهما ً‬
‫كبيرا‪ ،‬وهما آلان مستمران في أبحاثهما ّ‬ ‫انتصا ًرا ً‬
‫ِ‬
‫(الد َّجال) ‪-‬والذي ال شك أنكم قد عرفتم من هو‪ -‬يجري في ّ‬
‫كل‬ ‫وأما َّ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫مكان ليشعل النيران ‪َ ..‬ف ْل ّ‬
‫تتمسكوا باهلل َولتعلموا أنه (لن ُيصيبنا إال ما كتب‬ ‫ٍ‬
‫هللا لنا) واستعيذوا باهلل ً‬
‫كثيرا منه!‬ ‫ُ‬

‫َ ْ‬
‫ت َّمت‪.‬‬
‫‪117‬‬

‫رسالتنا يف املكتبة العربية للنشر والتوزيع‪:‬‬


‫نشر كل إنتاج إبداعي ذو جودة عالية وأفكار أصيلة تعبر عن هويتنا العربية‬ ‫‪-‬‬

‫وتاريخنا العريق‪ ،‬تحترم قيم مجتمعنا ومعتقداته‪ ،‬ال تساعد في نشر العنف أو‬
‫العنصرية‪ّ ،‬‬
‫ترسخ ملبدأ املساواة والحرية والعدالة‪ .‬والسعى نحو الارتقاء‬
‫باألدب العربي في كافة مجاالته‪ ،‬والوصول به نحو العاملية‪.‬‬
‫ملراسلتنا بشأن نشر ألاعمال ألادبية‬

‫‪arabiclibrary2017@gmail.com‬‬

‫صفحتنا على موقع الفيسبوك‬

‫‪facebook.com/arabiclibrary2017‬‬
118

You might also like