Professional Documents
Culture Documents
زرزارة
أدخلوها خائفني
ُ ُ ٌ ّ ٌ
يات ُمهشمة تحيط بي ،ال أدري ما الذي أقحمت نفس ي فيه .. ِجدار
ولكنه القدر!
ً ّ َّ ُ َ
وعلي أال أقاومَ .ح َسنا! َعل َّي أن أقبل ما كتبه (هللا) لي
ُ َ
وما الذي سأقاومه؟ ليس هناك َمف ٌّر؛ لقد انتهى ك ُّل ش يء؛
الليلة النطق بالحكم فيما حدث ..ما الذي صار؟..
ُ
وماذا سأقول لو ط ِلب مني الدفاع عن نفس ي غير الاعتراف
َ َّ
وأنا بكامل قواي العقلية أنني الجاني مهما كلف ألامر.
ْ ْ ً
لقد كانت َمذ َبحة ،ال أعرف كيف َب َدأت وتطورت هكذا،
ال أعرف كيف سينتهي ألامر؟
َ ُ
كل ما أعرفه أنني أصبحت أعيش مع ش َب ِحها إلى ألابد!
َ َْ
(أكرم).
(البداية)!
َ ُ
اعتاد أهلها أن يكونوا ًيدا واحدة ،لقد كانت حارة كبيرة بأسوان لطاملا
ّ ُ
الكل يتعايش َس ِو ًّيا في ُّ مكان متعاو ٍن إلى ٍ
حد ما أيامهم ال تختلف عن أي ٍ
َّ ُ
النوب ِّيين.
ِ و ل الهالي
ِ من ها سكان
ِ
ُ
أغلب سالم،
غم العصبية القبلية التي يولد بها أبناء ُك ّل قبيلة منهمَّ ،إال َّ
أن ِ ر
للم َس َّميات َي ُح ُّد من أي تطاول بينهم ،إلى أن حدث ما حدث من انتماءهم ُ
ُ ًّ ُ
مذبحة مهما حكيت ال أصفها حقا وال حتى تغتفر! ٍ
أعز ألاصدقاء ،بل كانا يعتبران ما (عبد العزيز) و(صادق) كانا من ّ
ِ ُ
خوة وليست صداقة فقط ،لم يفترقا منذ نعومة أظافرهما، بينهما رابطة أ ٍ
قررا أنه ال ُب َّد لهما من القيام بما يوقف هذه املهزلة التي وقعوا فيها؛ فكان َّ
َّ عليهما أن يتبعا كالم َّ
(الد َّجال) ..ورغم أنهما قد تربيا على أال يصدقا هذه
َ َّ
الخرافات ولكن ت َحت َم عليهما أن يفعال أي ش يء إليقاف الطوفان ،وليس
َّ
هناك سبيل آخر إال هذه الطريقة الحمقاء.
ُ
وكتاب اسمه ذلك َّ
(الد َّجال)، َ قاما بشراء البخور الذي أعطاهم
جدا لكي ينجزوا ما طلب منهم بحرفية تامة. مهم ًّ التعاويذ ٌّ
ً
نظر (عبد العزيز) إلى (صادق) قائال" :وال أدري ما الذي نقوم به وأي
ُروح هذه التي ستحضر هنا!؟ وهل في إحضارها نجاة مما نحن فيه!؟"
5
ً
لو ْه ٍلة ثم قال" :ال أعلم ،أنا أريد نهاية لهذا الخراب صمت (صادق) َ
الذي َح َّل علينا بأي وسيلة كانت ..ال أريد أن يأتي اليوم الذي أقف فيه
َ ََ َّ
وعل َّي أن أقتلك يا صديقي". ضدك بسالح
ً ُ
آالما ال تحكى ..وبدءا نظرا لبعضهما البعض في حز ٍن يواري بداخلهما
الطقوس :قاموا بإلقاء بعض ألاعشاب والبخور التي جلبوها من َّ
(الد َّجال)
علي النيران التي أمامهم ،وموقفهم آلان ُي َه ْي ِم ُن عليه الرعب والخوف بشدة ..
َ ُ َ َ َ َ َ
فأمسكه (صادق) ورفعه ،وبادل صديقه أشار (عبد العزيز) إلى الكتاب
َََْ ُ َ
واحد إلى الكتاب
ٍ يبتلع ريقه ،وأومأ برأسه ونظرا في وقت بنفس النظرة وهو
وبدأا في القراءة ًّ
سويا ..
"ساقوم ..ناجوم ..خاؤوم ملكوت الليل ألاسود والغيوم ..نستدعي روحا
أبية تساعدنا ..ساقوم ناجوم ..حاؤوم احضر آلان بسر الطالسم الرعدية َّ
والزالزل ألابدية والخمس بنات النرجسية"!
كثيرا ،وأصواتهم تعلو وتعلو؛ حتى انفجرت النار من وأخذا يرددانها ً
ً ً ً ً ً
أمامهم دفعة واحدة وقذفت بهم عرض الحائط قذفة واحدة قوية ..كادت أن
ّ
ُت َه ِشم عظامهما!
مالبس تختلف َ النار بفتاتين غريبتي الشكل؛ كلتاهما ترتدي فجأة َأ ْل َق ْت ُ
ً
ً
نوب َّية "جرجار" ،شعرها ُم َج َّع ٌد
ِ عن ألاخرى ،ألاولى سمراء اللون ترتدي مالبس
ُ ٌ ٌ ٌ
أسود اللون، حجاب شفاف قصير على شكل ضفيرتين صغيرتين فوقهما
ٌ
جميلة ،وما إن أفاقت؛ بدأت َت َت َح َّس ُ
س َ ٌ
نفسها وكانت في قمة مالمحها مصرية
ً
الرعب تنظر يمينا ويسا ًرا! ُّ
6
ٌ ّ ً
طويل ُب ِن ٌّي، قمحاوية تميل إلى اللو ِن ألابيضُ ،
شعرها أما ألاخرى فكانت
ٌ
مالمحها عربية أصيلة ،ترتدي مالبس تبدو عليها أنها من العصور
ُّ
بالصراخ! القديمة..وما إن أفاقت هي ألاخرى؛ بدأت
ً
أحد؛خوفا من أن يشعر بهم ٌ حاول الشابان أن ُي َه ِّدئا من َر ْو ِع الفتاتين
ٌ َََ
حاجة لها؛ آلان يكفيهم ما ٍ فتق َع عليهما مشكلة أكبر مما هم فيه ..فليسوا في
هم فيه.
ََ ُ ُ
السمراء تتحدث باللهجة النوبية؛ فف ِهمها (صادق) أخذت الفتاة
َ
وأخبرها بلهجتها أن تهدأ حتى تشعر باألمان ،أما ألاخرى فقد كانت تتحدث
وعناء شد ٍيد بدأت الفتاتان تهدءان ٍ محاوالت ِع َّد ٍة
ٍ العربية الفصحى ..بعد
"ه َّيا آلان ..أين قواكم السحرية؟ نريد تحدث (عبد العزيز) في لهفةَ : قليالّ ،
ٍ
ًّ
حال ملشاكلنا؛ لقد جلبناكم من أجلها؛ هل لديكم أي قوى؟".
سحر تتحدث؟ أنا ال أعلمٍ نظرت له الفتاة العربية في غرابة" :عن أي
ُ
كيف جئت إلى هنا حتى؟ وأين أنا؟ وما هذه الغرفة ذات ألاساس الغريب؟".
َ ً َ
بدأ الوضع َيت َد ْه َو ُر مرة أخرى ،وعال صوت الفتاتين ..فقال (صادق)
َّ
(الد َّجال) ألاحمق يبدو أنه لم يجلب لنا املطلوب ،بل أنه زاد "ص ْم ًتاَّ ، صار ًخاَ :
ُ
الطين بلة ..هذا اللعين لو رأيته لقتلته".
ً ً
قام (عبد العزيز) بتهدئته ونظر للفتاتين قائال" :سنحاول إعادتكما مرة
َ َ ْ َّ َّ َّ ُ
أخرى ،ولكننا ال نعرف الطريقة ،ويبدو أنكما إنسيتان وال دخل لكما بسحر أو
ّ
جن". ٍ
7
ُ ٌ ُ
جلبنا
ِ قصة "ما الغضب: من مستشيطة وهي السمراء الفتاة وقفت
هنا؟ وكيف جئنا؟ ومن أنتم؟ أريد أن أعرف آلان".
ُ
قبيلة
ِ ابتسم (عبد العزيز) والحسرة تملؤه" :أنا أدعى (عبد العزيز) من
(بني هالل) وهذا صديقي النوبي (صادق) لقد ."...
ُ
أوقفته الفتاة العربية" :انتظر؛ أنا (أميرة) من (بني هالل) وقد قدمت
ً
إلى (مصر) مهاجرة مع أهلي ،ونزلنا في منطقة تدعى (سيناء) وهناك من
ارتحل إلى الجنوب" .وبدأت في البكاء!
ٌ ً َ
ت َن َّه َد (صادق) في حسرة قائال" :وألاخرى نوبية .ما الذي فعله هذا
(الد َّجال) ألاحمق بنا؟ لقد جلب لنا فتاتين من قبيلتنا ،ولكن يبدو أنهما من َّ
أي حماقة أوقعنا أنفسنا َ
يساعدنا فيما نحن فيهّ . غير زماننا بدال من أن
مان ِز ٍ
فيها؟!".
سوءا ،واهتاج الجميع والفتاتان تطلبان آلان الذهاب. ازداد الوضع ً
ً
استوقفته الفتاة النوبية قائلة" :وما الذي دفعكما لجلبنا إلى هنا؟ كان
ً
سا ولكن َه َّ
..آه ،وأين أنا وأين
ٍ ٍ ..آه بالدنا من نا ور ج من املفترض أ أكون عرو
حبيبي مني؟".
وأخذت هي ألاخرى تبكي ً
بكاء حا ًّرا!
8
َ ً ّ
"ح َسنا .. وقف (عبد العزيز) وأخذ َي ُدور حول الغرفة ثم توقف وقال:
وذ لجلب استعنا ُبم َش ْ
ع
ّ
مصيبة كبرى؛ أنا وصديقي ،وقد
ً
َح َسنا! نحن في
ٍ ٍ
ً
املساعدة لنا فجلب لنا فتاتين في مرحلة الهجرةَ ،ح َسنا ..ملاذا؟".
قالت الفتاة الهاللية" :إذن نحن في مرحلة الهجرة من بالدنا ،وأنتم في
مصيبة كبرى ..ما هي املصيبة؟ ثم إنكم بمالبسكم الغريبة هذه ،ال أعلم أي
ٍ
بلد وأي عام نحن آلان".
قال (صادق)" :نحن في مصرعام 2202ميالديا".
صرخت الفتاة واهتاجت" :يا إلهي ،لقد مرت سنون طويلة ..كيف
ّ
تخطيناها وجئنا هنا؟".
ً
وأخذتا تبكيان وتنتحبان مرة أخرى ..بالطبع سنون طويلة بينهما ..
ص ِّدقا؟
كيف لهما أن ُي َ
ّ
وباألخص اختار الكل يريد أن يعرف ما الش يء الذي جلب الفتاتين
ً
الغريب؛ ال ُب َّد أنه يعني شيئا بهذا!
ِ التوقيت
ِ هاتين في ذلك
بعض الطعام للفتيات بعد أن َه َّدءا من
َ جلب (صادق) و (عبد العزيز)
كل منهم أن وءا من ذي قبل ،وكان على َّر ْوعهما؛ وبدأ الحديث يصبح أكثر هد ً
ٍ
َيعرف قصة آلاخر ،وبدأت القصة.
9
ُ ُ َ
الهاللية ما ّ
سر جلب الصمت ُيخ ِّي ُم على املكان بينما سألت الفتاة
َ َ ُ
الشابين لهما ،وما املصيبة التي وقعا فيها ..نظ َر (صادق) إلى صديقه (عبد
العزيز) في حز ٍن ،وبدأ يحكي القصة!
11
َْ
(ز ْرزارة) ( ..املل َحمة)
ِ
جيد في الحارة املجاورة لهم في منطقتهم التي تدعي (زرزارة) بالقرب من ّأنه ٌ
النجار واختيار بيت عمها ،وأنها ستذهب إليه آلان وستقوم هي باالتفاق مع ّ
التصميمات.
َّ ْ ُ َّ َ ً
متحمسة ًّ ْ
وتوجهت جدا للصندوق املتفق عليه ارتدت مالبس الخروج
خاليامحل النجارة ً ص َل ْت إلى مكانه ،كان ُّ ْ
أن َو َ ُ
وتسأل إلى
ُ َّ
إلى الن َّجار تبحث عنه
ً َ َ َّ َ ْ
من ألاشخاص وبه مصنوعات خشبية جميلة ،تلفتت يمينا ويسا ًرا وهي
ْ ٌ ُ
تبحث عن صاحب املكان وتنادي وهي واقفة في واجهة املحل املفتوح ،نظرت
ٌ ّ أمامها فإذا هناك ٌ
أن املحل غرفة مأخوذة من املنزل باب بداخله ويبدو
أحد مشرو ًعا مفتوحة على الشارع -فالعادة في الصعيد أنه إذا أ اد أن يفتح ٌ
ر
ً
يمكنه أن يأخذ غرفة من غرف منزله املطلة على الشارع ويفتح بها ما يريد من
أن النجار هنا فعل العادة.- املشا يع ويبدو َّ
ر
ٌّ َ
شاب َُمش ّ ِم ُر وجيزة خرج من الباب ٍ فترة
كانت تنادي وتنادي؛ وبعد ٍ
َّ ً
الثيابُ ،يمسك في يده منشفة ،قو ّي البنية ،مفتول العضالت ،يبدو أنه في
بداية العشرينات من عمره ،وما أن رآها حتى خجل وقال" :عذ ًرا سيدتي؛
ً
مرحبا بك". َّ
أتوضأ. كنت
نظرت له قائلة" :اسمع يا أستاذً ،أيا يكن اسمك .ال ُي ِهم ..الحقيقة أريد
ً
صندوقا خشبياَ ،ح َسنا ،هل تفهم في ألاشكال الهندسية والزوايا؟".
ّ
"جربيني".
ابتسم لهاِ :
13
َ
فاستطردت حديثها وبدأت تشرح له ما تريده من زوايا بدرجاتها،
النجار ما تعنيه ،ولكن يفهم َّ
وألاشكال الهندسية بصندوقها في خوف منها أال َ
ٍ ِ
أحمق َّ َّ ْ َ َ َ َّ ْ
وأن ُ وجهه تلك الابتسامة مرسومة ال تتزحزح ثم ش ُع َرت بأن ُه ِ على ت ظل
حديثها ال ُيجدي معه ً َ
نفعا؛فمضغت بشفاهها وقالت" :هل تفهم ما أعنيه؟".
َّ
لم يترك تلك الابتسامة البلهاء كما تراها؛ فبدأت تتوت ُر وقالت" :هل
ًّ
تفهم حقا ما أعنيه؟".
ضح َك بشدة ثم نظر لها" :الحقيقة ،أنت تتحدثين إلى ّ َ
شاب في الفرقة ٍ ٍ ِ
حقا أبدو َ ًّ
أبله لهذه الدرجة!؟". الرابعة بكلية الهندسة ..ولكن هل
ولكنها حاولت أن تتالش ى املوقف" :حسنا ال أحست إلاحراج من حديثه ّ
ُيهم".
قة وقلم وبدأت تكتب مواصفات الصندوق بالتفصيل وأمسكت بور ٍ
قمها حتى يتصل عند الانتهاء من ٌ
مستمع لحديثها؛ بعدها طلب منها ر َ وهو
َ
تعطيه العمل به كما يفعل أي أحد في مجال هذه ألاعمال؛ لكنها رفضت أن
ً َ
دائما ما تشعر بالخجل الشديد؛ ف َر َّد عليها قائال:
الرقم ..كانت ً
َ "ح َس ًنا ،هل هناك أشباح معك تعطيني ر َ َ
قمها؛ فابلغها بانتهاء العمل
والقدوم الستالم الطلب!؟".
ق َّ
وقت
أقرب ٍ
ِ في الصندو يد ر وأ قمي ر هو ها اللسان؛ سليط ك أن "-يبدو
ممكن".
14
ّ
محل ّ
"حسان" إلى قالتها ِب ِح َّد ٍة وتركته وذهبت ،في هذه ألاثناء دخل
وجهه؛ اقترب منه الفتى النجار وعالمات الحنق والغيظ تمأل َ الشاب املهندس ّ
وجلس بجواره وقال" :ابن عمي جالب املصائب ما الذي جنيته اليوم؟".
َ َ ْ
َر َّد عليه هو آلاخر بأن حكى له ما َح َدث معه ومع "علي"؛ وبالطبع َو َّبخ ُه
ً َّ َّ
بشد ٍة كما فعلت "آية" مع أخيها؛ فازداد "حسان" غيظا ألنه كان يريد منه أن
ٌ َ َ
"دائما أنت هكذا يا ً ُينصفه ويقف في صفه ف َه َّم بالخروج وهو مغتاظ بشدة:
(أكرم)؛ لن أخبرك بش ٍيء آخر".
ثم تركه وانصرف.
ّ َ ٌ
في اليوم التالي جلست "آية" وهي ُم ْم ِسكة بهاتفها تتصفح موقع
ً
التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" فوجدت رسالة في بريدها إلالكتروني من
شخص ُيدعى (أكرم عبد املعطي) وصورة صفحته الشخصية هي صورة
قابلته أمس؛ ّْ الشاب ّ
تعجبت وفتحت الرسالة لتعرف ما هو ِ النجار الذي
النجار ألابله إلى الفتاة صاحبة الصندوق :ما رأيك في هذه مكتوب بها" :من َّ
ٌ ٌ ُ َْ
ي ر
التصميمات؟ مرفق صو لبعض التصميمات الحديثة؛ فلتختار منها ما
تشائين".
ً
غيظا على ّ َ تعجبت منه بشدة؛ كيف َ ّ
تعجبها صفحتها؟! وزاد ألامر وجد ٍ
ْ
غيظ وردت
بكالمه الذي به سخرية وتلميحات غريبة؛ فأمسكت بالهاتف في ٍ
جئت بصفحتي َ َ
ولم تتحدث بسخرية هكذا؟ وإن كنت على رسالته" :من أين
فليكن"! َ
أبله نفسك َ ترى
ضغطت علي ز ّر إلارسال وأغلقت الهاتف!
15
خجل، ٍ كان (أكرم) يعمل في محل النجارة التابع لوالده ويساعده دون
ّ َّ ُ
بار هكذا فهذه بابن ٍ ووالده يشعر بالسعادة الشديدة؛ ألن (هللا) أكرمه ٍ
مكانة مرموقة ،إال أنه لم ً
مهندسا ذا الوظيفة ال ترقى أن يعمل بها لكونه
ٍ
يكترث إال لسعادة والده فقط.
ً ُ ََ
بجد دون كل ٍل ،حين َد َّق هاتفه ُمعلنا عن قدوم رسالة
ّ
كان (أكرم) يعمل ٍ
ً
مسرعا للمرسل وابتسم؛ َّإنها هي ،أمسك بالهاتف ِ إليه من إلانترنت؛ نظر
وفتح الرسالة ليقرأ ما بها ،وعندما أحس منها أنها غضبت َه َّم بالرد بسرعة:
ٌ
"الحقيقة أنا كنت أداعبك وال أقصد إثارة غضبك ..متأسف لك".
ّ
بالرد كانت هي ألاخرى بجوار الهاتف وعندما فتحت رسالته لم تقابله
عليها واكتفت باملشاهدة ،فوجدته يبعث لها بأخرى" :هل أعجبتك
التصاميم؟".
نجار أنت؟ تبعث بأعمالك على إلانترنت ،ما هذا؟". َر َّد ْت بانفعال" :أي ّ
َ ً ُ َ َ ً
غضبك .سألت سؤالا وأريد إلاجابة ،هل _"ح َسنا ،ال أريد أن أثير
َُ أعجبتك أم ّ
سم فقط ولم أق ْم بالتنفيذ بعد ..اختاري منها ما أغيرها؟ ..هذا ر ٌ
ّ
يعجبك وأنا أنفذ".
ّ َ ً
_"ح َسنا ،دعني أفكر".
َ
صديقتها "خلود" بها الصور التي أرسلها لها لتأخذ ِ بعثت برسالة إلى
َ ً
"ح َسنا يا "آية" ،من هذا املهندس بأيقونة ضاحكة:
ٍ ر َأيها؛ فأجابت صديق ُتها
ُ ٌ
ائعة كهذه يا عزيزتي؛ إنها ت َحف فنية".
النجار الذي يرسل تصاميم ر ٍ
ّ
16
إعجاب منها بتلك التصميمات!ٍ ابتسمت "آية" بينها وبين نفسها في
ُ
بشرية لطلبة (جامعة
ٍ تنمية
ٍ ندوة في اليوم التالي بالجامعة ،كانت هناك
ْ ًّ
أسوان) وكان املكان مكتظا بالطلبة ..دخلت "آية" وصديقتها "خلود"
املدرجات ً
خاليا للجلوس فيه، متأخرتين على وقتها وحاوال إيجاد مكان بين ّ
ٍ ِ
شابا ينادي من بعيد" :تفضلي آنسة "آية" اجلس ي مكاني؛ سمعت "آية" ً
مصدر الصوت ..كان هو (أكرم) ولكن بمالبس أنيقة ِ سأقف أنا ..نظرت إلى
تختلف عن التي رأته بها في مكان عمله يحمل خلفه أدوات الهندسة على
كتفه".
ً َ َ ْ
وصديقتها وكان املقعد ضيقا؛ ألن املكان ال يكفي إال ُ شك َرت ُه وجلست هي
الغريب بها هو ذلك الشاب َ َّ
ولكن واحدا ..كانت املحاضرة َش ّي َق ًة ًّ
جدا، ً
ِ
ُ ْ ْ
ينظر تجاهها ثم برأسها وجدته ِ ت (أكرم) والذي لم يرفع عينيه عنها؛ كلما أدار
كأنه لم يكن ينظر ً ى ّ
أبدا! جهة أخر ُ
يشعر بها وينظر إلى ٍ ُسرعان ما
َ
بعد انتهاء املحاضرة ،نادى عليها" :آنسة آية ..الليلة استالم الصندوق،
أرجو أن يكون التصميم الذي اخترته قد نال إعجابك".
ً ْ َ ُ ً َ ْ َ ْ
موافقتها وذهبت مسرعة في علنة احم َّرت وجنتاها وأومأت ِ
برأسها م ِ
خجل!
َ َ ْ ُ
صديقتها "خلود" ألنها جاء وقت استالم الصندوق؛ بالطبع َجل َبت معها
دفعها لجلب صديقتها معها! هي كانت تشعر بالخجل ،هي ال تعرف ما الذي َ
17
ً ً
فقط أحاسيس اعترتها؛ تارة باالرتباك وتارة أخرى ال تفهم ما الذي جال
بخلدها ودفعها لعدم الذهاب بمفردها!
غرامي -والسعادة تمأل َ
ٌّ ٌ َّ
وجهه، موعد كان (أكرم) يستعد للقائها -وكأنه
حين دخلت أخته "سارة" وهي تنظر له وتغمز بعينيها" :أراك ُم ًّ
هتما بهذا
الصندوق ،يا ترى ما ِس ُّر ُه الدفين؟".
ْ َ ً
_"ح َسنا؛ اذهبي وأكملي مذاكرتك أو ابحثي عن البعثات أيتها املجنونة
بالهجرة واتركيني في حالي".
والدنا يرفض خروجي_"أنت تسخر مني؟ سوف ترى أين سأكون ،ولكن َ
من مصر ،رغم أنه ُحلم حياتي".
"-أنا أدعمك عزيزتي؛ ال تخافي".
ّ تهرب من الحديث ،أخبرني ما ُّ _"ح َس ًنا ،ال ْ
َ
كلي آذان سر الصندوق ِ ..
صاغية".
فأمسك بالصندوق َ
وه ْر َو َل َ قاطعهم صوت "آية" من الخارج تنادي؛
أغلق الباب في وجهها َ خلفه على فعل ِته، ُ ً
مسرعا ناحيتها وأخته تضحك من ِ
ُ ُ
ص عليهما؛ فانطلقت "سارة" تنظ ُر من ثقب الباب امل ِط ّل على حتى ال َت َت َل ّ
ص َ
ُّ ََ
محل النجارة بالخارج وهي تت َن َّه ُد وفي داخلها تعلم بما ُي ِكن ُه أخوها ناحية ّ
ِ
َ ْ ََ
الفتاة فالحب ال مخبأ له!
18
ُّ ْ
بالية كانت أمامه
ٍ رقة خ
ِ ِ ٍ ب فأمسك ب؛ ق هو يعلم َّأنها تنظر من هذا الث
َ
يستجمع ووضعها بداخله! ..واتجه بنظره آلية الواقفة أمامه وهو يحاو ُل أن
ُ
الخجل يربى كالهما على ألاخالق والقيم؛ يكون قواه للحديث معها ،فحينما َّ
هو س َ
يد املوقف!
َ َ َ َ
ناحيتها وأعطاها إياه؛ لم يعرف كيف يبدأ حديثه ..ق َّر َب الصندوق
ّ ّ َ َ َّ ّ َم َّد ْت َ
فأحس الخجل وحاول أال يأخذها منها لكنها أصرت؛ ثم يدها بالنقود
َ وجد انه ليس هناك داع لرفض النقود َّ
غضبها فأخذها
ِ من سيزيد ه فض ر وأن ِ ٍ
ٌ
على استحياء منها ..و"خلود" صديقتها واقفة تنظر إلى كليهما وتستشعر ما
ْ
بيديجول بمكنوناتهما الداخلية؛ فبادرت بشكره والثناء عليه وأمسكت ِ
صديقتها وانصرفا ًّ
سويا.
كثيرا؛ في الليل كانت "آية" تحاو ُل أن تسيطر على عقلها الذي يفكر به ً
ُ
فهي ال تعلم من يكون! وممنوع عليها أن ت ِح َّب من خارج القبيلة النوبية بل
أن ً عار؛ لو ُعلم َّ ّ
أحدا ُيحب كأنه ٌ ممنوع في الصعيد كله الحب ..الحب هنا
ٌ ً َّ َ َ
ممنوع قبيلة غير قبيلته ..
ٍ أحدا كأنه كف َر أو ما شابه ،والكفر ألاكبر لو كان من
َْ
هنا املشاعر فإن ُو ِج َدت خارج أبناء القبيلة؛ عليهم وأد هذه املشاعر فورا.
ً ُ
حب أحد بأي ّ كانت الشبك ُة العنكبوتية هي املالذ آلامن دون أن يشعر ٌ
ٍ
ٌ
غريب ألاطوار ..تساءلت بينها وبين ِ الشاب
ِ ذلك من ى أخر سالة كان ..إنها ر
نفسها :هل تفتح الرسالة؟ لقد انتهت الخدمة التي طلبتها ،ملاذا سيكون
َ شيئا ما بداخلها ال تعرفه َ ً بينهما حديث؟ ّ ..
دفعها لفتح الرسالة" :ل ْم لكن
ُ ُ
تخبريني يا "آية" هل أعجبك ما قمت بصعنه؟".
19
ُ ً َ ْ
تكتب تكتب ..يداها ترتعدان خوفا من مجاراته في الحديث، حاولت أن
ً
غريب ألول مرة بداخلها يجعلها مرتكبة ال تعرف ما الذي ٌ تمس ُح ..شعو ٌر
ثم َ
خوف وخلدت إلى النوم!
ٍ عليها صنعه؛ فأغلقت الدردشة في
كل ش يء؟ َّإنها الجامعة ..لن ينتهي أن تراه أو يراها ..إنها هل انتهى ُّ
ً أمامهاَّ ،
طيلة الوقت وهو َ َ
لكنها حاولت تالشيه إلى أن وجدته واقفا أمام أمامه
ً ْ َ كليتها؛ حاولت كعادتها أن تدعي َ
عدم رؤيته ..ابتلعت ريقها ومضت مسرعة ِ ِ
ً
بعيدة عنه ،اتجهت إلى محاضرتها ..مضت ساعة كاملة بعد انتهاء املحاضرة
واقفا ُم َس َّم ًرا على أبواب الكلية ال ّ ً ..خرجت لتجده ما ُ
يتحرك ..ناظراه يزال
ّ ُّ
الحب الذي ال يفرق بين ّ َ َّ َّ
وأعجمي كما أراده (هللا) ..
ٍ عربي
ٍ ه إن ها؛ ناحيت تتان مثب
ُ
إنها إلانسانية التي تحب دون ممنوع أو عادات جاهلية ..إنه العشق الذي
يباغتنا دون أن نعلم أسبابه أو كينونته ..إنها الفطرة التي حاول الكثير أن
َ
دنيوية تتنافى مع حدود هللا وشرائعه! ٍ يشو َهها حتى تتماش ى مع قوانين ِ
ّ
وقفت وهي مرتبكة أمامهَ :
"لم تتبعني ..هكذا؟ ماذا تريد مني؟".
_"آسف لقد كنت أريد أن أعرف رأيك في الصندوق ..إن لم يعجبك؛
ُ
صنعت لك غيره".
ُ
لم أخذته منك ،كنت سأر ُّده إليك ثانية". _"إن كان لم يعجبني؛ َ
َّ ُ َ ً
"ح َسنا ،اطمأننت آلان ،أرى أنه أعجبك". -
َ
خجل ومضت من أمامه ،بداخله أراد فقط ٍ نظرة ابتسمت له وبادلته
َ ُ ً ً
بتسامتها بسمة صغيرة من حبيبته ،كان ما يحلم به في تلك اللحظة أن يتذكر ا
21
ّ ..هو ال يعلم ما الذي دهاه! ل َم ينتظر منها ابتسامة أو نظرة َ
لم يتذكر تلك ِ
َ ُ ُّ املواقف بينهما ّ
وكأنها شريط ذكريات ال يكف عن إعادة نفسه ..كانت ألايام
ّ َّ كأنها سنون طويلة ،حتى يراهاَّ ، ُ
القليلة َت ُم ُّر َّ
وكأن الكون كله توقف عند
َ َ ابتسامتها َّ
وء القمر است َم َّد جماله من تلك البسمة على شفاهها!
وكأن ض َ
ِ
في أحد ألايام -وفي املواصالت خارج الجامعة تصطف السيارات في
سائق على وجهته -ركب سيارة ألاجرة التي تركبها كل محاذاة بعضها وينادي ُّ
ٍ
ص ْم ٍت كعادتها فوجدت دون أن تنظر فتعرف أنه ركب معها ،وجلست في َ
ً ّ ً
رسالة بهاتفها تدق معلنة وصولها؛ فتحتها لترى ما هي ..إنه هو" :تبدين
ٌ
أجمل وأنت هادئة هكذا"!
ً َ وجهها وأغلقت الهاتف َّ
كأنها لم ت َر شيئا ..رسالة أخرى" :ما فاحمر ُ
َّ
تزالين جميلة حتى وأنت غاضبة"!
ََ َ ْ
غيظ؛ فضحك ..كانت الرسالة ترسل من خلفها؛ إنه هو؛ نفخت في ٍ
تفاجأت وأنزلت ر َ ْ َ
خجل شديد ٍ في ض رألا إلى ونظرت ها أس ها؛ خلف جالس
َ ْ ً
ولكنها سرعان ما قالت له في ِح َّد ٍة" :ما الذي تريده مرة أخرى َّ وابتسمت
مني؟".
َّ َ
تأسف لها ونزل من السيارة واستقل غيرها ..عادت إلى املنزل وهي في كل
ً
دقيقة تفتح هاتفها تتحسسه هل هناك رسائل أخرى منه؟ َ ..ح َسنا ،ال ش يء .
َ ّ تتوتر وأحست َّ ّ
تفك ُر
ِ ولم دهاها الذي ما .. معه فعلتها على حمقاء ها أن .بدأت
سائلها بهذه الطريقة الجنونية؟ يا إلهي هل َ
فيه هكذا؟ لم تبحث عنه في ر ِ
21
َ ُيعجبها؟ َن َع َت ْت َ
نفسها بالحماقة ملجاراة تلك ألامور وأقنعت عقلها أنها
كل ش يء! ستنس ى َّ
ً
سوءا مع "علي" أخيها ومع "حسان" في تلك ألاثناء كانت ألامور تزداد
ابن عم "أكرم"!
ما يزال الفتيان في حماقتهما ومشاكلهما املستمرة والكل ال يهتم فهي
ََْ ْ
مجرد مشاحنات عابرة بين أطفال ليس أكثر " ..آية" لم تكت ِرث ألخيها وأحست
ّ َّ
فسجلت هية لتنس ى ما حدث معها؛ أنها في حاجة إلى تغيير جو ورحلة ترفي ٍ
اسمها في الرحلة الذاهبة إلى جزيرة "دهب" بأسوان؛ جزيرة جميلة بها أماكن
َ ُ َ َّ
عموما قضاء أوقات ُم ْم ِت َع ٍة بها َو َسط ماء النيل،
ً اعتاد الطلبة والناس خالبة
والخضرة التي تسلب العقول ،والهدوء الذي يبحث عنه الجميع.
تتنفس الهواء العليل وتبتسم في سعادة بجمال املكان والهدوء به ،فباغتها
صوت من خلف ألاشجار: ٌ
ّ َ ً
أنت من قدم إلى مكانجالس هنا ،هذه املرة لم أتطفل ِ ..ٌ "ح َسنا ،أنا -
عزلتي".
ْ
نظرت إلى مصدر الصوت والذي خرج من خلف ألاشجار ..يا إلهي إنه
ُ هو! َّ
تسمرت في مكانها دون حراك منها؛ فقط تنظر إليه وال تدري ما الذي
عليها فعله ،ظل هو آلاخر ينظر إلى عينيها وتالقت ألاعين في سحابات الحب
الخيالية ..فدنا منها خطوة إلى ألامام:
"-يا إلهي! تملكين أجمل عيو ٍن فرعونية رأيتها في حياتي ..من قال أن
"نفرتيتي" هي الاجمل؟!".
وحمرة الخجل تكسو َ ُ
وجهها الجميل فاستوقفها" :ملاذا حاولت الذهاب
يم إلى هذا الحد!؟".تهربين مني ..هل أنا َدم ٌ
ِ
َ َ
_"بالطبع ال ..لكني لم أ ْعت ْد الحديث مع الشباب ..أنت تعلم ..لم ُي َر ِّبنا
ُ
أهلنا على تلك العادات الغربية".
ً
حديثا خار ًجا أو ً
كالما به أي تطاول!؟". _"وهل تسمعين مني
_"ال أعلم".
َ
قالتها وابتسمت وهي ت ُه ُّم بالذهاب ،فاعترض طريقها ووقف أمامها" :وال
أنا يا "آية" لم أعتد أن أحادث الفتيات ،ولست ًّ
شابا تافها يهتم بصحبة
23
ً
النساء من أجل اللهو ..أنا لم أفعل شيئا في حياتي هذه غير العلم والدراسة
َّ ُ ً والع َمل مع والدي ..كان ُحلم والدي أن أكون َ
مهندسا وقد حققته له وأقسم
َّ
لك أنني ال أعلم ما الذي يدفعني للحديث معك ..أو لرؤيتك ..أنا أصبحت
ُ
أشعر إليك؛ ًّ
أذهب يوميا إلى مكان كليتك فقط ألراك هناك ..بمجرد أن أنظر ِ
تديت فيه التنورة الزرقاء ..كانت تبدو
شديدة ..تعلمين اليوم الذي ار ِ
ٍ براحة
ٍ
ُ
عليك عالمات الحزن ..ال أعرف ملاذا كدت أ َج ُّن وأذهب ألسألك أو َ
أقتل من
ًّ اقترف ً
جرما تجاهك وجعل عينيك يشوبها الحزن ..حقا أنا ال أعرف ملاذا
أهتم هكذا".ُّ
حتي جاء اليوم الذي فتحت فيه رسائلها ووجدت تلك الرسالة التي
تنتظرها أي فتاة تحب:
" آية ..أنا ُّ
أحبك".
فتاة تحب هذا ُّ
فقط كلمتان "أنا أحبك" كانتا كفيلتين أن تقتل أي ٍ
ُ
الشخص من السعادة ..شعو ٌر ال يوصف! من أ ِح ُّبه يرسل لي كلمة "أحبك" ..
َ ُ َ ً ُ
أيضا تحبه ..هل تخبره أم ت ْسكت ..هل تقاوم يا إلهي ،ماذا تفعل؟ إنها
الحب؟ ليس هناك سبيل للتراجع َّ ..إنها في عرض البحر ..لقد أصبح ُ
قلب
ْ
حاولت املقاومة َّ مشبعا إلى آخره ّ ً
لكنها لم تهتم ..ال يهم في بحب آلاخر .. ِ كليهما
ْ ُ
وجهها أحمر من مبتسمة ُ ..
ٍ بأيقونة
ٍ هذه املرحلة ..نعمَّ ،إنها تحبه ..أجابت ُه
تعبر عن حالتها ..كاد أن الخجل وتملؤها السعادة ..وكأن في هذه ألايقونة ّ
تماما؛ ثم أرسل رسالة منه: يجن ً يطير من السعادة بل كاد أن ّ
ْ ُ
"-أتقبلين بي زو ًجا ..لقد َح َّدثت والدي وهو ال مانع عنده ..وأنا عند
ّ ً
ألني ألاول على الدفعة -إن شاء هللا -ووظيفتي التخرج سوف أعمل معيدا ِ ..
مضمونة ..ما رأيك؟".
_"أنا موافقة ولكن ..من أي قبيلة ّ
نوبي ٍة أنت ؟".
_"أنا لست ًّ
نوبيا".
26
سكتت برهة وهي مصدومة" :يا إلهي ..إنه ليس ًّ
نوبيا؛ سيموت ُ
قلبها من
ُ َ
الق ْه ِر والحزن! لن يوافق أهلها ..ترى من أين هو؟".
قبيلة أنت إذن؟".
ٍ _"من أي
َّ قالها في حز ٍن
شديد وهو يعلم أنه حكم على حبها في هذه اللحظة ٍ
باإلعدام -عندما علم ّأنها ليست من قبيلته" :-أنا هاللي".
وأغلق هاتفه وانغلق في غرفته ..ال يعرف ما الذي عليه فعله ُ ..
قلبه
َّ مشتعل بالنيران وليس هناك سبيل أو ٌٌّ
حل في هذه املصيبة التي حلت عليهما
كبيرا عليهما تحمل الحب سيكون ً
جرما ً ّ يتزوجا ..حتى ..ممنوع عليهما أن ّ
عواقبه!
ْ َْ َ َّ ْ
َّأما هي ..عندما تلقت رسالته وعلمت من هو؛ ألقت بالهاتف ،ووضعت
ً يدها على فمها ُ ..
تكتم صرخة كادت تخرج منها عيناها ..تتساقط منها الدموع ِ
ً ُ َ ّ ُ َ
مالبسها ،وارتمت على سريرها ..ال تح ِدث أحدا وال دون أن تشعر ..تغرق
تعرف ماذا تفعل!
في تلك ألاثناء ..كانت النيران تشتعل بين "علي" و"حسان" على أشدها،
ّ
عمه ليخبره بخالفه مع "علي" ويحاول ُّ ًّ
عمه كان "حسان" يأتي يوميا إلى منزل ِ
َ
تهدئته ويكتفي بهذاَّ ،أما (أكرم) فكان يحاول أن يتالشاه؛ فما هو فيه ال
حس َّ
أن العالم يحتمل معه أن يسمع أي خالفات من أي شخص كان ..كان ُي ُّ
ٍ
ٌ َّ َّ
عاجز عن فعل أي ش يء! كله قد توقف وأنه
27
َ
لكنه لم يستطع الاستسالم؛ ق َّر َر أن يتصرف وأنه ال ُب َّد أن يتواصل معها
إليجاد ّ
حل.
ٍ
َ
وسادتها وتحاول ُ كلما َّ
دق هاتفها وكان هو املتصل؛ كانت تتنهد وتحتضن
ّ
الرد على مكاملته ..ثم تخاف وتبتعد!
جرم من تقترب ها َك َّر َر املحاولة عدة مرات؛ حتى اقتربت من الهاتف َّ
كأن
ٍ
ً تشجع َ كبير ،وحاولت أن ّ
ٌ
صغير لإلجابة عليه ..ثم نفسها مرة أخرى ..إنه ز ٌّر
َّ ًّ
َّإنها ستحاول أن تجد حال حتى تنساه؛ ألنه ليس هناك سبيل إال الانفصال.
ً ْ
أخيرا ر ّدت على الهاتف" :نعم ( ..أكرم)".
َ
_"لم ْ
لم تردي على الهاتف ..ستقتليني بأفعالك".
ً
_"تعلم أن ما تريده مستحيال".
_"فلنهرب ..سأترك جامعتي َّ
وكل ش يء من أجلك".
بالوحل ..كيف لي أن أفعل بهم هذا!؟".
ِ _"وهل تريد أن أضع رأس أهلي
قليال قبل الانفصال ..ربما هناك ّ َّ ْ ً
حل ..تعلمين أني أحبك _"فلنتريث
ً ً
كثيرا ،لقد أصبحت حياتي مستحيلة بدونك".
ُ ْ _"أنا أيضا أحبك"ْ .
قالتها وصوت َحش َر َج ٍة يخرج منها والدموع ال تترك
طريقة َ
إيجاد يحاوالن عيناها ..أغلقا الهاتف وهما يحترقان ولكن عليمها أن
ٍ ِ
أو طو ِق ٍ
نجاة ملا هما فيه!
28
َ َ
(امل ْع َركة)
تأكل الجميع بسبب ذهب الرجال من بني هالل إلى منا ِزلهم والنار ُ
ٍ
متهو ٌر لم شباب ّ
ٌ السباب والضرب الذي وقع اليوم ..بالطبع كان هناك
ِ
َّ ً َ ّ
وأحس إلاهانة الشديدة واقعة عليه؛ ورأى أنه ال يتعامل مع املوقف بحكمة
كرامة قبيل ِته كما يرونها؛ فاتفقوا ِ ُب َّد أن يكون له دو ٌر فيما يحدث السترداد
ّ ً َّ ً
النوبيين
ِ مساكن حيث إلى وذهبوا ة بعضهم البعض وحملوا أسلحة ناري مع ِ
وبدؤوا في التباهي والتفاخر وإطالق ألاعيرة النارية في الهواء ..وهنا كانت إرادة
هللا أن يكبر الصراع!
ً ٌ
سيدة عجوز كانت واقفة ٍ طلقة طائشة من إحدى ألاسلحة ثقبت قلب
ً َْ َ ُ
تنظ ُر من خلف زجاج النافذة في خ ْو ٍف فاخترقته؛ وأردتها قتيلة في الحال!
أحد بها حس ٌ ص ِع َق الشباب ولم يعرفوا ما عليهم فعله إال الهرب ..لم ُي ّ َ
النسوة في ُّ ُ ْ
الصراخ؛ وعلم الجميع موت بيتها وبدأت في بادئ ألامر إال أهل ِ
السيدة العجوز؛ ومن هنا كان الاتفاق بين أبناء النوبة على ألاخذ بالثأر
تطاولهم هذا ،واتفقوا ِ وتعليم أبناء القبيلة ألاخرى كيف سيكون ر ّدهم تجاه
ً على أن يكون ر ُّدهم ًّ
قويا وقاتال!
َّ َ
مساء يوم ألاربعاء ..اتف َق الرجال على َج ْم ِع ما َ كان هذا الحدث
أسلحة نار َّي ٍة ..لن يغلبوا؛ فالسوق السوداء ٍ مال وشراء يستطيعون من ٍ
ٌ
بفرقة مرتزقة من ِ عامرة باألسلحة من كل نوع ُ ..يقال َّأنهم استعانوا
أن كل ما نعرفه َّ (القاهرة) معهم ولكن هللا -سبحانه -أعلم بالحقيقة من أينّ .
ً َّ
متحمسا للثأر بشدة! الشباب كان على آخره وأنه كان
31
في فجر الجمعة املوافق الرابع من إبريل عام ألفين وأربعة عشر حدثت
يخها من قبل ،حتى الاحتالل َم َّرفي (أسوان) مجزرة كبرى لم تحدث في تار ِ
بمصر ولم يصب أهلها بما أصابها في هذه املجازر!
"الدابودية" ومعهم أسلحة ذهب الشباب من أبناء النوبة وبالتحديد ّ
"حسان" في (زرزارة) والذي ّ بيضاء وأسلحة ثقيلة وانهالوا على منزل الفتى
تهديد
ِ كثيرا عن منزل (أكرم) ووالده وقاموا بإخراج الرجال تحت يبعد ً
السالح ،ألامر الذي جعل النسوة تهرب؛ من استطاعت منهن .ومن لم تستطع
ْ
حاولت الاختباء!
َ
متحرك قاموا بإخراجه معهم؛ ق َّي ُدوا ألاب ِ
ّ يٍ
كسيح كان على كرس ّ ٌ ر ٌ
جل
َْ
صاحب املنزل والذي يضم عائلتين بداخله بأبنائهم وقاموا ِبقت ِل جميع
ً َّ َ َّ
واحدا أوالده وهم يقتلونِ إلى ر
والدهم املقيد وأجبروه على الن ِ
ظ الرجال أمام ِ
َ ً جميعا أمام عينيهً ، ً
عشر رجال أيضا ثالثة تلو آلاخر ،بل والتمثيل بجثثهم
يصرخ من ألالم والحسرة على أبنائه وقاموا ُ قاسية وألاب
ٍ وحشية
ٍ بطريقة
ٍ
يعا وإحراق من استطاعوا منهم ،حتى الرجل الكسيح بالتمثيل بجثثهم جم ً
َُ َ
الجثث على َع َر َب ٍة وطافوا بها أرجاء املدينة العاجز لم يسلم منهم ،ثم وضعوا
ّ
بتصويرهم وإرفاق الصور في منشورات على الفيس بوك حتى ِ وقاموا ها كلِ
يكونوا عبرة ملن يتطاول عليهم!
ٌ في هذه اللحظة َّ
تحولت (أسوان) إلى مدينة أشباح ..الكل خائف من
َ
قتال حتى الجيش ن َز َل َّ
الخروج من منزله والشرطة حولت املدينة إلى ساحة ٍ
وتم فرض حظر التجوال .. بدباباته ومعداته وسيطروا على كل ركن في املدينة َّ
ٍ
32
كان الخبر قد انتشر في كل وسائل إلاعالم املحلية والعاملية ً
أيضا ،كانت املرة
ألاولى التي تقتل الجثث ويتم التمثيل بها ..ربما في (مصر) ،لم نشاهد هذا من
قبل.
الاجتماع هذه املرة كان عند بني هالل في دار الضيافة بمنطقة َّ
السيل ِ
تام للحرب مع الخصم ..بالطبع في هذه الريفي ،كان الكل على استعداد ّ
ٍ ٍ
تماما على أي تعاليم لنبي هللا -صلى هللا عليه سلم -عن وحدة اللحظة ُقض ي ً
املسلمين!
ُ
الصمت ُي ّ
خيم على املدينة ،حتى ألاطفال ُمنعوا من الذهاب إلى بدأ
َ
املدرسة ،وبعض أبناء القبيلتين بدأ في الفرار من املعركة والهجرة إلى خارج
(أسوان) واللجوء إلى أقاربهم ..هناك بضعة أيام وال ش يء سوى الصمت ..
ُّ ُ ْ َ ْ ُ
هل كان الصمت الذي يسبق العاصفة؟ أغ ِلقت املدارس واملحال التجارية
وحتى أفران الخبز وغيرها من املستلزمات الضرو ية للحياة ..لم يستطع ٌ
أحد ر
ً
الخروج من منزله ،واملرض ى كانت ال تأتيهم إلاسعاف خوفا من حدوث مجزرة
ً
أخرى يكونوا هم طرفا فيها هذه املرة.
َ
بدأ الشباب من بني هالل تجميع النقود كما فعل آلاخرون وشراء
للرد على ما حدث لهم السترداد شرف قبيلتهم ،وبعد أن كان العقالء ألاسلحة ّ
ِ
جميعا عن َر ْد ِع آلاخرين من الذهاب
ً من أبناء القبيلة يرفضون العنف سكتوا
ُّ
والكل في حز ٍن شديد. للقتال وتركوهم يذهبون
ِ
33
ُ ْ ُ
بدأ التجهيز والتخطيط ملعركة كبرى َ ..م َّرت أيام ولم ُيسمع َح ِث ْيث ُهم وما
ُ الصمت َُ
سيد املوقف حتى حانت اللحظة الحاسمة وخرج الشباب على يزال
قرية يتواجد بها النوبيون وبدؤوا بإطالق ألاعيرة النار َّية وإشعال النيران
ً ً باملنازل وقتل ّ
كل من استطاعوا أمامهم من الرجال ،وقتلوا سيدة حامال ِ ِ
ْ َ
وتفحمت قبل أن َّ بجنينها داخلها
ِ بداخل منزلها لم تستطع الخروج؛ ُح ِرقت
انتقام أكبر؛ مهما ُو ِصف لن يروى الحقيقة إلى َّ
وتحول ُ
ألامر يصل إليها ٌ
أحد َ
ٍ
َّ
التي كانت والفزع بين النساء وألاطفال وكأننا عدنا بالزمن إلى الوراء؛ إلى تلك
الحروب الجاهلية التي كانت بين القبائل قبل بعثة النبي -عليه الصالة
والسالمُ -ر َّبما ألاوس والخزرج ،بل كانت حرب البسوس تطل بوجهها هنا!
اجتمع العلماء وكبار الدولة إليجاد ّ
حل لهذه املهزلة الكبرى التي حولت
ٍ
قتال عنيف
(أسوان) من مدينة سياحية هادئة وأهدأ مدن مصر إلى ساحة ٍ
لم تشهدها مصر من قبل!
حل للصلح بين أبناء القبيلتين دون جدوى ،الكل حاول الجميع إ َ
يجاد ّ
ٍ
الصلح وكان الحديث على َّ
أن القتلى من أبناء بني هالل ثالثة عشر ومن َ يرفض
الدابودية "النوبيين" سبعة أو ثمانية؛ فاآلخرون يريدون التساوي في القتلى
وكأننا أمام بعض الخراف تقتل هنا وليست هذه الناس ً َّ
نفسا بشرية!
مطالبها من الحكومة حتى تهدأ ،ولكن املفاوضات لمُ قبيلة
ٍ كان لكل
ُ
تسفر عن صلح قط مما دفع الحكومة لتقديم فدية للقتلى؛ حتى يصمت
ألاهل عن الاستمرار في ألاخذ بالثأر لكال الطرفين!
34
ُ
تنهال ُ
البرامج التلفزيونية بالطبع إلاعالم لم يترك هذه الفرصة؛ كانت
ّ
لتصوير ألاحداث بين الطرفين ،وبرامج تستضيف من هنا وهناك تبث ِ عليهم
لقاءات بين أبناء القبيلتين ،منهم من ُيحاو ُل الصلح ومنهم من يشعل النيران
أعدادا أكبر من املشاهدين. ً ليستقطب
ْ َّ َ ْ
توقفت الحكومة عن املفاوضات بعد الفشل واتخذت قرارها بأن
القبض على بإلقاء
ْ
فقامت ا الص ْل َح بينهما لم ُي ْجد ً
نفع
ً
عنوة طاملا أن ُّ صمتهم
ُ
ت
ِ ِ
حد سواء؛ إلخراس ألاهل عن الثأر ّ
مئات الشباب من أبناء القبيلتين على ٍ
وأصبحت القبيلتان في نار أكبر بين قتالهم الذين لن يعودوا وأبناءهم ألاحياء
في قبضة الحكومة آلان.
ْ
الثأر والنيران طالت الجميع وآلان أبناؤهم خلف القضبان بل إن
الحكومة أحالت أوراق أبنائهم إلى فضيلة املفتي في حكم إعدام أخرس
ً
الجميع؛ وتركوا الثأر وبدؤوا في البحث عن مخرج ألبناءهم بدال من املوت
املحتوم عليهم ..كان هذا الحل الوحيد إلخماد نيران الفتنة!
35
(الغرفة)
الغريب أن الفتاتين بعد أن سمعتا الحكاية من (صادق) و(عبد العزيز) ُ
َ َ لم يشعرا بالخوف وال الرهبة كما َّ
ظن كالهما؛ فقد است َم َعتا للحكاية بنوع
ً
َ
تعرضن لش يء أبشع انفعاالت عادية للموقف ،يبدو ّأنهما ٍ الهدوء ،وأبدتا
ِ من
حل ملا هم فيه!؟ سبيل أو ٌٌّ مما حكيناه معهم ولكن هل ثمة
ْ
بالطبع لم يكن بيدهما أي حل؛ فيبدو الحزن ُمط ِب ٌق عليهما ويبدو أن
َ َّ
قصتهما كانت أفظع مما حكيناه لهما .هكذا فك َر الشابان أو هكذا جال
بخاطرهم ..وآلان ما هي قصتهما؟
ُّ َ َّ ْ ٌ كلنا ٌ
آذان صاغية لنسمع؛ ر َّبما خففنا عنهما ما وضعناهما فيه من توت ٍر
ُّ َْ
سنظل نحن لسنا الجل ِب الغريبة التي جاءت بهما إلينا؛ ففي النهاية بطريقة
ِ
ُّ
الشك ّ ً
يخيم على املكان .إذن فلتبدأ أي واحدة منكما أهال لثقتهن فما يزال
بالحديث!
ُ ُ
مزاج للحكي؛ فقصتكما جعلتني أحزن ٍ في "لست النوبية: الفتاة قالت
َ
املصير املظلم؟ ال أستطيع التحدث أكثر ..فهل يخفي املستقبل ألحفادي هذا
آلان ..اتركوني لبرهة حتى أستعيد أنفاس ي".
ً
الكل للفتاة العربية ..لقد ُحسم ألامر ..ستتحدث هي ّأوال ..فلتبدأ!
نظر ُّ
ْ ً ََ َ ْ
تل ْعث َمت قليال وأغمضت عينيها ،بل واستسلمت ألن تحكي ر ّبما ألنها تريد
أحدا يستمع لها ..أو رَّبما ما تحمله في صد ِرها أقوى من أن ُيسكت عنه!ً
36
َّ ْ
(التغريبة)
(ريحانة)
ُ َّ
أبناء النوبة ..كنا نعيش في سالم
سأحكي آلان قصتي؛ أنا (ريحانة) من ِ
َ َ
ندهن البيوت باللون ألابيض البالد ،اعتدنا أن
ِ وأمان وكانت بالدنا من أجمل
ً ً ُ ُ
نسكن في منطقة تدعى (العالقي) وكنا قرى كثيرة متجاورة في الناصع ،كنا
سعادة وهناء.
املرح والسرور؛ أفراح أتذكر طفولتي السعيدة التي لم يكن فيها إال ُ
ً ً ّ ٌ
فدائما كنا ًيدا واحدة لذلك كانت دائمة ،وحتى أحزاننا كانت ال تبقى ً
كثيرا؛
ُ
سريعا ألننا من كثرة ُح ِّبنا لبعض ال نترك الحزن يتغلغل في ً أحزاننا تتوارى
أحد منا.
قلب أي ٍ
منذ نعومة أظافري وكان ُ ُ
ابن عمتي "عثمان" مكتوبا على اسمي فكان
ضد رغبتي عمتي ،ولم يكن هذا َّ ود وتراحم واتفاق على أن أكون البن َّ ألاهل في ّ
قط؛ لقد كنت سعيدة ًّ ّ
جدا به فقد كنا متحابين منذ الصغر ومنذ علمنا أننا
سنكون لبعضنا البعض.
ّ
لم يكن هناك من ينغص علينا معيشتنا قط ،واتفقنا على أن يكون
عرسنا مع العيد حتى يكون العيد عيدين ..كان ألاهل يستعدون بشراء
ألاغنام لذبحها وإقامة الوالئم في الحفل ،وربما كان البعض منهم يهادي آلاخر
َ
داعي للشراء فالكل يد واحدة ،لم يكن ليفرقنا أي ش يء ..إلى أن ق َّر َر
بها؛ فال َ
كل ما كنا فيه الرئيس (جمال عبد الناصر) إقامة السد العالي بأسوان ..هنا ُّ
َ
من سعادة وحب ذهب مع الريح ..أو باألحرى ذهب مع السد!
41
بسرعة حيث التفوا حولها ٍ بشدة من ألالم؛ أمسك بها بعض النساء وأخفوها
ليخبئوها من الرجال حتى تضع وليدها ..وليس هناك وقت النتظارها في
غما عنا. كل ش يء وكان علينا التهجير من أرضنا ر ً فاملاء كان ُيغرق َّ
ُ مكانها؛
ُ َّ ُ َّ َ
نفذ دون لنختار الرحيل أم ال؛ كان قرا ًرا وال بد أن ي وإنهم لم يرجعوا لنا
مرعاة لنا وال اعتبار لبشريتنا حتى حياتنا لم تكن لها قيمة. ٍ
ُ ْ
مة كبيرة وأصبت باإلعياء الشديد أخذت العربات تمش ي بنا وأنا في صد ٍ
ُ َّ
وبالحمى؛ فأنا وحدي؛ ليلة عرس ي أصبحت كاليتيمة؛ ال أهلي وال زوجي؛
اقتربت مني النسوة يحاولون تدفئتي ببعض املالبس التي استطاعوا حملها.
ُ ُ َ َْ
وأنا أرت ِعد من البرد وإلاعياء الشديد أغمضت عيني وأنا ال أستطيع
جنب ،ال أشعر بأي ش يء في جسدي! َمقاومة النعاس من التعب؛ ارتميت على ٍ
َ َ
أل ٌم ل ْم أشعر به من قبل ،وصحوت ..كم مكثت نائمة؟ ال أدري.
ّ ً
كابوسا أن بيتي تحطم ،وزوجي ضاع صحوت وأنا أصرخ وكأني شاهدت
ُ
مني وأمي وأبي وكل أحبائي؛ نظرت من حولي لم يكن كابوسا ،لم أكن أحلم؛
ُ ُْ ُ
وأناس ال أعرف ُهم، ٍ رة
ٍ ف
ِ ق م صحراء وسط ي فس ن حقيقة!وجدت لقد كانت
يبكون بجواري ،الكل يحاول أن يعثر على أقاربه وسط الدمار الذي كنا فيه،
َْ مسرعة وأنا ال أرى َّأنني مصابة في قدمي إال بعد أن وقعت َّ ً ْ ُ
ألنها لم تق َو َه ْر َولت
على حملي؛ بدأت أصرخ وأنادي؛ لم يكن هناك مجيب.
ّ ُ ُ ٌ
كامل وأنا أحاول أن أقاوم مع من بقي ممن ه ِجروا ،منهم من أسبوع ٌ َم َّر
ً
وجد عائلته كاملة ،ومنهم من فقد بعضها .ولكن أنا الوحيدة التي لم أجد
45
حقا أم َّ ًّ ُ ً
أن هناك غيري؟ كنت ال أحدا من عائلتي ،هل كنت أنا الوحيدة
بعض النسوة ُك َّن يشفقن َّ
علي ويأتين لي َ أحدا من الصدمة لدرجة أن ُأحدث ً
للتخفيف عني فيما أنا فيه ..كم بالطعام ويجلسن بجواري محاولة َّ
منهن
ِ
أناسا طيبين!كانوا ً
ً ُ ً ُ
بعيد وجريت مسرعة؛ إنه صوت أبي؛ كان ينادي؛ سمعت صوتا من ٍ
أحد منكم ريحانتييبدو ّأنه كان يبحث عني طيلة هذه ألايام " يحانة" ..ألم ير ٌ
ر
ً ُ تعافت إلى ّ ْ
حد ما؛ فهرولت مسرعة وأنا ٍ ..ابنتي ريحانة" .كانت إصابتي قد
ْ ُ
أص ُرخ "أبي ..أبي".
بقوة وهو يبكي" :ابنتي! ً
حمدا هلل ..آه يا هللا .. َّ
فتح ذراعيه واحتضنني ٍ
وجدت ابنتي ..الحمد هلل الحمد هلل".
َ َ ُ
ساعتها أن هللا -سبحانه -استجاب كم كانت سعادتي ال توصف! ش ُع ْرت
ً ً
لدعائي وأن هناك أمال أن أجد باقي عائلتي وخاصة أن معه أختي "ورد"
َ َّ
شملنا من جديد! الصغيرة ..حمدا هلل على مل ِة ِ
دة ًّ ٌ ٌ
َ
الحطب للتدفئة ،وأنا جدا ..كان الناس ُيشعلون حتى كانت ليلة بار
الكل نائم وسواد الليل في كل مكان والقمر ضوؤه خافت؛ ال أشعر بالنوم ُّ ..
َّ مشتعلة وأنا ٌَّ ُ
أتنهد وأتذكر حبيبي "عثمان" إلى أن النار فذهبت إلى حيث
ُ
كل اتجاه ثم وجدت نفس ي هنا وف ْج َأ ًة أحاطت بي من ّ َ وجدت َ
النار تعلو وتعلو؛
ُ
َ ِ
النار بي بداخلها إلى أنمعكم ..ال أعلم أين أنا ،ومن أنتم ،وكيف أ ْد َل َف ْت ُ
جئت في بيتكم الغريب ألاثاث هذا ،ومالبسكم ً ُ
أيضا ،وبالطبع أرجو منكم أن
تعيدوني إلى حيث أتيت".
46
(آية)
يحمل في يده الجرائد ،كالعادة بها أخبار عما ُ جاء "علي" من الخارج
ََْ ْ ُ ٌ
صادق وبعضها أحاديث ليس إال ،لكني لم أكت ِرث ..ثم يحدث هنا ،بعضها
ُ
بقوة؛ أسماء املقبوض عليهم ،أمسكت بالجريدة وقعت عيناي على ما أفزعني ٍ
ّ ً
مسرعة أقرأ الاسم مرا ًرا وتكرارا ربما خانتني عيناي؛ إنه (أكرم)! يا إلهي! من
ألم بي في هذه ضمن املقبوض عليهم ،اسمه أمامي آلانَّ ،إنه هو ،ال أعلم ما ّ
ُ
اللحظة ،أحسست تلك ألاحاسيس يوم مات أخي وكأنها تعاودني من جديد.
ْ
زادت شجوني وأحزاني أكثر فأكثر ،حتى َم َر ِض ي أصبح صديقي آلان ،ال
حاولت طرده بالدواء ولكن الدواء لم ُي ْجد ً ُ
نفعا. ِ ُيفارقني البتة ..
َّ ُ مرت ألايام بل ألاشهر سريعة ًّ ْ
أحد وال أذهب إلى ٍ مع ث جدا وأنا ال أتحد
َّ َ ْ ُ ُ
ص َدق ما أراه في إلاعالم من الجامعة ،أتابع ألاخبار على الفيس البوك؛ إنها أ
طياتها الصواب والخطأ. متخبطة تحمل في ّ أخبار ّ
ٍ
ُ ً
وجدت رابطا على صفحات الفيس بوك لفيديو -يتناقله الشباب بينهم-
ُ املحكمة َّ
تم تصويره بكاميرا هاتف؛ فتحته في ِ قاعة
ِ داخل
ِ للنطق بالحكم من
مل البطيء أن ينتهي ألرى وأعرف ما الذي الة وأنا أنتظر التحميل املُ َّ عج ٍ
يحدث.
حد ماواضحا ،ولكن يظهر الصورة بطريقة إلى ّ ً كان التصوير ليس
ٍ ٍ
جالسا خلف ً ً
شابا مساملا الكل يصرخ إال ًّ كل املوجودين فيهاُّ ، تتعر ُف َّ
تجعلك َّ
ُ
القضبان معهم ال يفعل شيئا وال حتى ينفعل كما يحدث آلان ،اقتربت من
َّ ُ ً
بتكبيرها وعرفته ..إنه هو حبيبي (أكرم) خلف ِ جيدا وقمت الصورة
ً
القضبان ينتظر الحكم عليه هادئا كعادته ،ينظر للكاميرا باستمرار ،ال أعرف
51
ّ
هل يراني أم ماذا من تلك النظرة الغريبة وكأنها موجهة تجاهي؛ تذكرت آلان
ًّ
كل ش ٍيء من الفيس بوك ،ربما ينظر لي حقا أنه على علم َّأنني ُاتابع َأخبار ّ
ِ ٍُ
ويعلم أنني أشاهده.
تأجيل القضية وانتهى الفيديو على هذا ،لكني أحسست َ طلب املحامون
َ َ َ ُ ً ً
غير ُمط ْم ِئن ٍة؛ الكل رعشة غريبة تسري بجسدي كله ،قرأت التعليقات وكانت
ً سيعدمونُ ، يقول أنهم ُ
سيقتلون؛ حبيبي أيضا سيموت! ..أحسست شيئا
َ ً
غريبا يسري بداخلي؛ ثم أظلمت الدنيا من حولي ولم أستطع السيطرة على
نفس ي!
ُ َ َ ُ
أفقت آلان ،أنا في مشفى ،ال أعرف ما بي؛ الرؤية ُمش َّوشة ٌ،أحاول أن
يجيا حتى رأيت الطبيب واملمرضة وأمي؛ النظر يعود لي تدر ًُّ أرى أمامي ،بدأ
ُ
الحمد هللَّ ،إنها أ ّمي ولكن ألول مرة أشاهد ّأمي تبكي وهي َت َع ُّ
ض على يديها؛ ما ِ ِ
َّ َ ُّ
الذي هناك؟ ما الذي دفع أ ِمي لهذا؟ يبدو أن هذه املرة فوق احتمالها؛ نظر لي
ً َ
الطبيب وابتسم و َر َّبت على رأس ي قائال" :ال تخافي؛ فالعالج الكيميائي آلان
النفسية َأ َهمُّ
ّ َ
يعطي نتائج مذهلة؛ ستشفين بإذن هللا ،ولكن ال ُب َّد أن ت ْه َد ِئي؛
ما في ألامر".
ُ
الثقيل الذي ال وذهب؛ علمت آلان ما الذي بيَ ،م ْن هذا الزائر
َ وتركني
يفارقني؟ إنه السرطان ينهش جسدي كما ينهش آلان قلبي من ألالم والحسرة،
َّ آلان ال أهتم ملوتي؛ فأكرم ً
أيضا سيموت ،سنموت سويا ..نعم ،كيف لي أال
َّ َُّ
أف ِكر في هذا من قبل؟ لم يكن إال املوت هو الرابط الوحيد الذي يجمعنا
سويا.
51
َُّ
كيف غاب عن عقلي هذا!؟ كيف لم أف ِك ْر من قبل في ش يء سيجعلنا
أن عند (هللا) ليس هناك سويا دون أن يتدخل أحد في حبنا؟ كيف لم ُأ َف ّك ْر َّ ًّ
ِ
تفرقة وال قبلية وال أي من تلك ألامور الدنيوية السخيفة؟ سنجتمع يا (أكرم)
ُ َّ ً ُ
أخيرا ُّ ..أيها املوت الرحيم ،فلتأت آلان ولتكن رؤوفا بأرواحنا امل َعذ َبة!
ً
52
(أكرم)
ًّ ي
ٌ ٌ َّ ُّ َّ ُ َ ّ ُ
ال أص ِدق أنها تهتم بي ،إنها لحظة فارقة في عمر ..نتحدث سويا في
أمور عامة ،ال ُي ِه ّم ،ال أهتم لكوني أكلت أم ال ،ما ُي ِه ّم هو الحديث معها ..
ً ُ ُ
نظرات الخجل في عينيها عندما تلمحني بالجامعة تشعلني عشقا ..كم أنا
ّ َ
ُمت َّي ٌم بأدق تفاصيلها!مالمحها الصغيرة ،وابتسامتها التي تفوق ابتسامة أي
فتاة أخرى.
ال أدري إلى أين سينتهي بنا املطاف ،ولكني أخاف من نهايتنا ..محكوم
َ
عليها بالفشل ،لن تعترف لي ِب ُح ِ ّبها ولكني أراه في عينيها ،وأرى خوفها من أهلها
أن َأ َّو َل رجل من عائلتها سيتقدم لخطبتها ستختارهُ حبها لي ..وأعلم َّ
أكثر من ّ
َ
ِ
ُ ُ
لتهرب مني ،دائما ما أتساءل هل هي تحبني أم تخافني؟ لست أدري! عقلي
ٌ
مش َّوش ،أسئلة كثيرة تجول بخاطري ،أريد أن أعرف إجابتها ،أنا أحترق من
َّ ُ َّ
الداخل كلما فكرت في َّأنها لن تكون لي ..يا إلهي ساعدنا!
َ ًّ
البارحة ال أعلم حقا ما الذي دفعني للشعور بالغ ْي َر ِة الشديدة من هذا
َّ ُ الشخص الذي ر ُ
وتتحدث معه ،ربما يكون أخاها أو ما شابه أيتها تقف بجواره
ذلك ،ال أدري ولكني ال َّ
أتحم ُل السكوت؛ سأبعث لها برسالة لتخبرني من هو:
ً
"-من هذا الشخص الذي كان واقفا معك؟ مجرد فضول ،أريد أن
أعرف".
_"إنه أخي ضياء".
53
َّ
ليتها ال تغضب مني ولكنه ال ُيشبهها أظن َّأنه أخوهاَ ، يا َلحماقتي؛ كنت ُّ
ّ كثيرا ..يا إلهي ،ما الذي َّ
حل بي ..إنني أقض ي الليالي الطوال ال أفكر إال بها ..
ْ ً حديثها في لهفة شديدة َّ َ
وكأن روحي كانت هائمة ووجدت طريقها بين ٍ أنتظر
سويا آلان أطراف الح ّب الغريب! إنه يمتلكك ،نتجاذب ًّ نبضات حبها ..يا َلهذا ُ
ِ
ًّ َّ َ ٌ
الحديث على الفيس بوك ..إنها م ِرحة جد ا وتضحك على نكاتي البلهاء ..ال
ُ أحدثها َّ أستطيع النوم إن لم ّ
كل يوم ..كم أريد أن أخبرها عن مدى عشقي
لها!
ُ ْ
بضعة أيام َم َّرت آلان على واقعة املدرسة والسيدة العجوز التي قتلت
توقفت بيننا املحادثات ً َّ
تماما ،حتى ألامل وأنا ال أستطيع الحديث معها ،لقد
ّ
أظنه مات آلان.
ُ ً ُ
صرخات
ٍ مسرعا وأنا أهرول على أصوات ولكن ما هذا الصوت؟ خرجت
صاص من بعيد ..ال أعلم ما ٍ طلقات ر
ِ للنساء وألاطفال بالخارج وأصوات
كل مكان حتى إنني ال أستطيع أن أعلم إلى أين الذي يجري ،صريخ النساء في ّ
ِ
ٌ ٌ َّ
علي أن أذهب لنجدتهم ،هناك سيدة تجري ناحيتي قادمة من بعيد ال أراها
جيدا؛ سوف أقدم عليها ألقترب منها؛ ربما تحتاج نجدتي ،يا إلهي ،من ورائها ً
نسوة ُك ُثر وأطفال ..رجال املنطقة ّكلها تهرول ناحية أصوات الطلقات ،الكلُّ ٌ
حد ما ،سيدة من الالتي بعيد عنا إلى ّ يحمل ما يقدر عليه من سالح ،املكان ٌ
ٍ
ْ
بطريقة هيستيرية ..
ٍ يهرولن وقعت أمامي آلان وأنا أحاول إفاقتها وهي تصرخ
أذهب مع الرجال. ُ ومساعدتها على النهوض ثم بتهدئتها سأقوم
ِ ِ
54
كل مكان لألخذ بالثأر .. جميعا من ّ ً متكررة ألبناء عمومتي ّ اجتماعات
ِ ِ
َّ َ
بمصيبة كبرى،
ٍ سالحه آلان ،أعلم أنه سيقوم أخي ألاكبر "عصام" أراه يشحذ
َّ ً ُ
مسرعا مع الشباب الغاضب ً لكنه َن َهرني وجرى حاولت ردعه خوفا عليه
يتحم َل الصدمات ،وعمي َّ علي أن أبقى مع والدي املريض ،لن بالخارج ،كان َّ
علي أن أبقى ألحمي أختي وأبي وزوجة أخي بمفرده في منزلهَّ . ِ قرر البقاء َّ
َّ وأطفاله ّ
الصغار؛ كان على ِقل ٍة منا أن تبقى تحرس املكان ،والباقون ذهبوا ال ِ
أعلم إلى أين.
َّ ُ
كنت أرى بريدي إلالكتروني خا ًليا ولكني لم أبحث عنها؛ فأنا أعلم أننا
انتهينا هنا؛ ليس هناك سبيل للرجوع بيننا فالدماء حسمت القضية!
ٌ ٌ
أيام قليلة وحدثت املجزرة الثانية؛ لقد هجموا على القرية املجاورة
لنا؛ يا إلهي! إن بها "آية" ..دعوت (هللا) أن يبقيها بخير ..بعد أن سمعت بما
ُ
حدث فيها من مجازر؛ هرولت ألفتح الفيس بوك وأعرف ألاخبار فاألخبار تأتي
ُ في ساعتها؛ رأيت السباب والشتائم في ّ
كل مكان من كال الطرفين ..قرأت ِ
أسماء القتلى؛ يا إلهي! بينهم "ضياء" أخو "آية" ..يا هللا! من بين كل َ بسرعة
لم أكترث آلان؟ إن الناس لم يجدوا إال أخاها! ولكن إن كان هو أو غيرهَ ،
ٌ ُ ّ ٌ
صة شديدة ال تقوى على موضوعنا قد انتهى وقتل مع أقاربنا ولكن قلبي به غ
ّ
التحمل.
ْ
دخلت أختي "سارة" وهي تبكي" :أخي ،هل كل ش يء انتهى؟ هل أصبحنا
سنظل هكذا إلى أن يأتي علينا الدور؟". ّ مدينة أشباح؟ هل
57
َه َّد ْأ ُتها وأخذتها في حضني ،صغيرتي الجميلة لقد ُا ْخ ِت َيرت ً
أخيرا في منحة
علي أن أقف ظل هذه الظروف َّ للتعليم خارج مصر ،ولكن مسكينة ،في ّ
ِ
ً َ
دت منحة طيلة حياتك وها ِ ر أ أنت حبيبتي، يا "اسمعي - ها: أترك بجوارها؛ لن
َ ُ
هي فرصتك؛ لن أتركك هنا؛ سأكون بجوارك حتى تكملي حلمك".
َ
"-أنت الوحيد الذي يقف معي في أحالمي " ..عصام" أخونا سيمنعني
الذهاب ،ثم كيف أذهب وأترككم هكذا؟". ِ من
جيدا؛ هذا طلبي منك نستطيع العيش ..اسمعيني ً ُ _"ال تكترثي بنا؛
بعيدا عن بالد الظلم ..فلتعيش ي في الحرية ً فلتكملي أحالمك ولتعيش ي
ً
ولتنعمي بالحياة التي ُحرمنا منها ..كم ستكون سعادتي وأنا أراك سعيدة؛
ّ
حققي أحالمي". أرجوك ِ
ّ
ظني! أخذت تبكي في أحضاني وتعدني أن تكون عند حسن ِ
ُ ُ
شديدة على الباب ..أسرعت ألفتح ..كان "عصام" ٍ طرقات
ٍ صوت
ُ أن هناك من ُ ُ
فعلمت َّ َ
يتبعه؛ أخذت منه البندقية يحاول أن ُيخبئ بندقيته؛
ّ َ ّ ُ
نصر؛ لقد كانٍ عالمات ها كل ه عيني نظرة أيت ر ي لكن أخبؤها، أين أعرف وأنا ال
مع القتلة ،بل لقد كان القاتل مثلهم.
ً
أبي ال يقدر على الحراك؛ فنظر تجاه أخي قائال" :الدماء ال تأتي إال
ً ً
وخرابا"! بالدماء يا ولدي ،الثأر نار تأكل ألاخضر واليابس ..كفي موتا
صرخ أخي "عصام"" :يكفيك يا أبي ..هل كنت تريدنا أن نعيش
أذالء!؟".
58
_"ال يا ولدي ،حرمة الدماء ،أخاف عليك أن تقابل (هللا) وفي يدك دماء
ُ
مسلمة معلقة في رقبتك ..ماذا ستخبر (هللا)؟ ما هي ُح َّجت َك أمامه وأنت
ارتكبت خطيئة ال تغفر؟".
َّ ٌ
طرقات على الباب شديدة ..يا إلهي! َّإنها الشرطة ..توقف الزمن بي
أيتام بدونه ،وأبي ال يقوى ٌ ُ َّ
وأحسست أنني أمام عائلتي وهي تنهار؛ أوالد أخي
ٌ
سبيل لبقائي ..أنا على تربيتهم في هذه اللحظة ،وبعد أن مات ُح ِ ّبي ليس هناك
ُ َّ َّ ّ ّ َّ ُ َ ً
ويربي أبناءه؛ إنه ألاكبر؛ إنه عمود العائلة ِ أخي ليعيش ي ح ِ ض أ أن علي ا أيض
َّ
كما علمني أبي ثم إنني ال أريد الحياة؛ ال طعم لها آلان!
وقف الضابط يصرخ" :أين الشخص الذي دخل هنا ومعه سالح؟ من
منكم؟".
و ُ ُ
بقوة" :أنا هو الفاعل".
ٍ قفت و السالح أخرجت
َّ َّ َْ ْ
ولكن أبي ،وأخي حاول أن ُيخبرهم أنه الفاعل لت ْ عالمات الصدمة اعت
َّ ُ
دليل على أنني الفاعل؛ أشار الضابط إلى باقي السالح الذي كان في يدي أكبر ٍ
ألاغالل في يدي وتقييدي ..نظرت إلى
ِ أفراد الشرطة الواقفين فأسرعوا بوضع
أخي والابتسامة على وجهي يملؤها ألاس ى والحسرة" :أوصيك بأبي وبأختنا
ْ
"سارة" ..إنها وصيتي لك ،اترك "سارة" تسافر َو ِقف معها ..إنهما أمانة في
ً ُ
مسرعا وراء الضابط عنقك آلان"! وتركتهم وذهبت مع الضابط ..جري أخي
َّ
يحاول أن يشرح له أنه الفاعل ولست أنا ..لكن الضابط أزاحه من طريقة ولم
ً
اهتماما وألقى بي داخل عربة الشرطة. ُي ِع ْر ُه
59
إيداعنا إلى السجن ،نظرت إلى نفس ي ُ ُسحبت مع بعض الرجال وتم
أتعج ُب ممن يدخلون بت حينما كنت ألوم املجرمين و َّ َّ ُ
داخل السجن وتعج
واحد منهم.ٌ السجون؛ آلان أنا
وجيزة ،سمعت بعدها من أبي الذي كان يزو ني باستمرار َّ ٌ ٌ ْ
أن ر َم َّرت فترة
وأن هناك من هجر (أسوان) هاربا خارج كل محاوالت الصلح باءت بالفشلَّ ،
ُ أسوارها التي أصبحت بلون الدماء آلان! بعدها ّ
قليلة وجدت السجن ٍ بأي ٍام
ً ُ َّ
جميعا إلى سجن قنا العمومي. قد اكتظ بالرجال من بيننا وبينهم وتم ترحيلنا
يقترب ٌ ْ ّ
أحد منهم من آلاخر وال حتى بالسباب ،ال الغريب أن الرجال لم
ُ ً
السجان أم َّأنهم اكتفوا من الدماء التي أريقت ،بعدها ّ أعلم أخوفا من
وائيا إلجبار ألاهل على أغلبهم ُأخذ عش ًّ أن َ ُ
وعلمت َّ تعرفت على بعضهم َّ
وأنمجد ًدا َّ
الرضوخ ألوامر الحكومة ليتم الصلح وعدم الخوض في القتال َّ
ِ ِ
أغلب املسجونين لم يقترفوا أي جرم كان.
علمت بالصدفة َ ُ
قربه كان من بين السجناء قريب "آية" إنه ابن خالتها،
منها عن طريق سماعي لحديثة بالخطأ عن أخيها ومنذ ذلك الحين وأنا أتبعه
َ َّ ْ َ
القلبُ ص ألعرف أخبا َرها؛ ما يزال أتلص َُّ ألاخبار دون أن َي ِع َي أنني َ ألعرف
ُ ُ ُ ينبض ّ ُ
بحبها وأنا من ظننت أنني دفنته مع من ماتوا ولكني دفنت أحالمي بأن ِ
ّ تكون لي ولم ُيدفن ّ
حبي قط. ِ
ّ ّ
السجان نمر ُرها دون أن يشعر ِ
كنا نملك هواتف داخل السجن؛ ّ بالطبع
ُ َ ً ُ
مهموما؛ فجلست خلفه ال بها ،نعرف بها أخبار عائال ِتنا ،وجدته في أحد ألايام
ّ ُ
شاب َه ،ال ُي ِه ُّم ،أريد أن وكأني أقرأ أو ما َ أعرف ما الذي يجرى دون أن يشعر بي
61
أعرف ما الذي هناكَّ ،إنه يبكي آلان على "آية" ..ما هذا؟ َّإنه ُيحبها ً
أيضا ولكن
ُ َ ِل َم يبكي عليها؟ ما الذي جري لها حبيبتي ..أنا أسترق
السمع وقد اقتربت أن
أضربه ألعرف ما بها ولكن َّ
علي أن أتمالك نفس ي.
ُ
أوقعت ما بيدي عندما سمعت ما جري ..لقد أصيبت حبيبتي
َّ ُ
بالسرطان وهي ال تقاومه؛ كدت أموت؛ ساعتها تمنيت لو أنه تز ّوجها وأن
ً
سعيدة؛ َّ
علي أن أراها تموت وأنا هنا ال أقدر على ش يء! أراها
الحمام وأخرجت هاتفي وفتحت إلانترنت ..بعثت لها برسالة اختبأت في ّ
ُ ُ
ترد عليها ..انتظرت كثيرا والنار تنهش في قلبي وأنا أكاد أ َج ّنلكن ال ش َيء ..لم ّ
َ ُ
عليها وال سبيل للوصول إليها ..هنا أريد أن اسمع صوتها ،أريد أن أطم ِئ َّن
ُ
عليها ..حاولت مرا ًرا الاتصال بها دون جدوى!
ُ ّ ُ
القضية ال ُيهم ًّأيا كان الحكم؛ فأنا اخترت أال ّ النطق بالحكم في إذن
َ َ ْ ُ
اليوم ِجل َسة النطق بالحكم؛ لم أ ُع ْد َ
أعيش بدونها ،اقتادونا إلى املحكمة ..
َّ ّ ّ ٌ َ
أكترث ألي ش يء ..ضجيج في كل مكان ،والكل يصرخ أنه ليس الفاعل ،وألاهل
يبكون على أبنائهم ،ولكن القاض ي قال كلمته وانصرف.
َّ ُ ً
فضيلة املفتي؛ إنه إعدام ،أنا
ِ جميعا بإحالة أوراقنا إلى تم الحكم علينا
بتصوير
ِ الشباب الذين يقومون
ِ بهاتف أحد
ِ أنظر آلان إلى كاميرا أمامي
ُ ن الجلسة ..أعرف َّ
بنشره على إلانترنت ..نظرت للكاميرا حتى
ِ سيقومو هم أن ِ
ّ ُ ُ
أقلبها بين يديبربطة يدها في جيبي؛ أخرجتها وأنا ِ
ِ تراني ..أنا ال أزال أحتفظ
ّ
وعيني تجاه الكاميرا حتى تراني؛ ر َّبما تشعر أنني أتمنى املوت على أن أعيش
ُ
دونها ،بل أنا أموت معها آلان!
61
(سارة)
ُ
سنحت لها فرصة السفر بفضل املنحة التي حصلت عليها ،خرجت
"سارة" من ِق َب ِل أحداث دامية من َر ِح ِم أحبابها إلى غياهب الدنيا!
ّ َْ َ َّ
تنفك تت ُركها، عائلتها كلها والدموع ال بقلبها وو ّدعت ودعت (أكرم) أخيها ِ
َ َّ
ضحى (أكرم) أن َّ ْ تغي َر ً
تماما بعد والغريب هو أخوها "عصام" الذي يبدو ّأنه َّ
َ
طريح َ
وأصبح أجل العائلة ،ووالدها الذي أصابته ألامراض بنفسه من ِ
َ ٌ
وتاركة َّ ٌ
ظهرها ومعها ِ خلف ماضيها كل مهاجرة الفراش ،هي آلان باملطار
ٌ َّ ُ َّ
املعلمون امل َوكلون بتوصيلها ،و"عصام" أخوها فقط من عائلتها واقف كأنه
تكاد تصرخ في وجهها ..ارجعي؛ كفى الفراق! ألم ليس هوُ ،ي َو ّد ُعها بعيون ُ
ٍ ِ
ْ
َيك ِفنا ما حدث؟ عيون آسفة على ما فعله بنا جميعا ،حتى وقوفه في وجه
نادما عليه! الثأر يبدو َّأنه صار ً
ً
صمت ،وو َّدعها ،وطلب منها أن تفتحها بعد ٍ َ
ونظر لها في أعطى لها ورقة
ْ ّ َ
وف ْو َ ْ
وبمجرد أن بدأت بداخل الطائرة
ِ .. ها ركوب
ِ ر أن تقلع الطائرة بالفعل
لهفة وشو ٍق ْ ر ََ َ ْ
ٍ في بها ما تقرأ وبدأت أخوها منها طلب كما قة الو ت تقلع؛ فتح
ُّ ُ ُ
تنفك تفارقها: ودموع ال
ٍ
دائما في"-حبيبتي "سارة" ال تلتفتي وراءك ..تعلمين أنني من يدعمك ً
دائما وكما َو َع ْدتني ،ال أحالمك ،أر ُيدك أن تصلي إلى أعلى املراتب كما عهدتك ً
62
ُ ّ ُ
تحققي أحالمك هذا طلبي منك ..أ ِح ُّبك ( ..أخوك
تحاولي الرجوع إال بعد أن ِ
أكرم)"!
ّ ُ ُ ََ ُ ْ
دموعها واحتضنت الورقة ،وألالم واملرارة كل ما يتواجد بقلبها سالت
ٌ ٌ ُ
آلان ..كان وضعها ال تحسد عليه ،مسافرة إلى دولة العلم والحضارة ،مقبلة
َّ
حياة جديدة بعيدة كل البعد عن العصبية القبيلة والدماء التي خلفتها على ٍ
كل هذه الدموع وألاحزان .. وراءها ..ولكن هيهات للقلب أن َ
يفرح في َو َس ِط ّ
ِ
ً ُ
عليها أن تحاول آلان ،بل ال ُب َّد لها أن تجعل وصية أخيها لها حقيقة ..عليها أن
أسه كما طلب منها. ترفع ر َ
في أثناء الرحلة -بالطبع ال ُب َّد لهم من دخول مطار (القاهرة) ّأوال حتى
تجتاز إلى مطار (أمريكا) من بعد طائرة (أسوان) التي أودعتهم إلى مطار
ً
القاهرة الدولي_ الطريق بدا طويال في َو َس ِط ألاحزان التي هي فيها آلان حتى
َّ ْ
حطت الطائرة بمطار (نيويورك).
َّ َ
ِكال الشابين الذ ْي ِن وقع عليهما الاختيار للبعثة _فقد كان معها شاب
حد ما ،لم ْ
يترك أسمر ،مفتو ُل العضالت إلى ّ ُ طويل القامة، ُ ُيدعى "وليد"
ٍ
ُ دائم الاتصال بأهله ،كالهما آلان ٌ هاتفه منذ بداية الرحلة وهو ُ َ
بعيد عن تراب ِ
بغرابة الب ْعد عن الدين ّ
ولكنها تحمل تعاليمه كل ُبعيد ّ
ٍ ِ بلد ٍ ِ ألام ،وفي أكناف ٍ
ًّ
لضبط أوراقهما:
ِ ةر السفا إلى الشديدة_ عليهما الذهاب أو
ٍ
ً
فضلكما". ِ من كامال "-اسميكما
_"أنا سارة عبد الصمد".
63
فندق تا ٍبع للمؤسسة التي ٍ بعد الانتهاء من ألاوراق تم نقلهم إلى
ْ َ ً ً ً
سيعملون بها ،وكان مكان العمل يعطي غرفة كبيرة لكل من يعمل به ُمل َحقة
بالفندق ،ويقوم العمال بخدمتهما وتقديم وجبات الطعام املختلفة لهما بعد
ْ ْ ُ
املصعد إلى الطابق الذي يوجد به غرفتيهما؛ دخلت وأغلقت أن أوصلهما
ً َ الباب َّ
بشدة خلفها محاولة تالش ي النظر له.
والح ْز ُن يمأل َ
ُ َ َ َ َّ
قلبها ،خرجت بالغرفة كانت "سارة" تتذك ُر ما حدث
ً ُ َّ ُّ ُ َ
لتستنشق بعض الهواء املنعش من الش ْرفة املطلة على الشارع مباشرة ،كان
ْ َ َّ ّ َ ً ُ
عقلها ُمش َّوشا؛ أحالم تمنتها تحققت ،وحرية أرادتها نال ْتها ،بل نالت ال ِعل َم
ْ
ألاهل .كيف لها أن تطم ِئ َّن عليهم؟ آلان أخذت ترجو َ وكل ش يء ولكن فقدت َّ
طل أمامها ألناس كثيرا أن يرحمهم ويساعدهم ..املنظر املُ ّ _ع َّز َو َج َّل_ ً (هللا) َ
ْ
تتحسر ّ يمشون ِب ُح ّ ِر َّي ٍة في كل مكان هنا حيث ال أبيض وال أسود سيفرق ،كادت
َ َ ُْ عاشت فيه َّ ْ
ثم حاولت أن تهدأ لتك ِم َل وصية أخيها لها! على ما
تم اختيار بحثها من بالغد كان عليها استالم العمل في املعمل؛ فقد ّ
ِ
املؤهلة للعمل به ،ولقد كان بحث الشاب "وليد" من ضمن ّ ضمن ألابحاث
ِ
موضوعها حيث الاثنان قد ِ ألابحاث الناجحة أيضا ،وموضوعه مقار ٌب إلى
بحثا ر ً ً َّ
ائعا في (الفيزياء الحيوية) ب الطبع املعمل الجديد بأمريكا كان قدما
ً
اختالفا ًّ ُ
كليا عن (معمل كلية العلوم بأسوان) والذي كان منبعهما يختلف
ُ ألاول لتعلم العلوم الكيمائية والفيزيائية ً
أيضا ،ألادوات حديثة الصنع
جدا ،كان كالهما يتالش ى الحديث أو مجرد الاحتكاك باآلخر، فخم ًّ واملكان ٌ
ٌ ٌ ُ ُ
وكانت الطبيبة املشرفة عليهما دكتور "الن ويلسون" -والتي لها مكانة عالية
65
ٌ َ
بالدولة هنا -قد الحظت هذا الخالف بينهما ..هي سيدة من الطبقة الراقية
تتزوج أو تنجب ً
أوالدا؛ قاء العينين ،تبدو في عقدها الخامس ،لم ّ شقراء زر ُ
ُ
ْ َ
فقد ك َّر َست حياتها للعلم فقط.
ْ يبدو َّ
أن الطبيبة كانت تنحاز لجانبها النسوي في "سارة" التي بدأت
العداء والحز ِن
ِ تتقر ُب منها وتربطها عالقة طيبة ،وفي محاوله منها لتخفيف َّ
ُ َ ْ
الظاهر عليهما ق َّر َرت أن تخرجهما لرؤية معالم البلد معها؛ لتنحي خالفاتهما
ً
جانبا.
َّ ٌ ُ
مقدسة لدى ألامريكان ،ال الاختيار في نهاية ألاسبوع والتي هي إجازة وقع
َ َ
ُب َّد أن يقضوا فيها أ ْمت َع ألاوقات وأن يتناسوا العمل ..وقع اختيارها على
ُ مطعم في وسط املدينة يبدو َّأن ُ
غال الثمن فخم للغاية ،جلست الطبيبة وفي ِ ه ٍ
ٌ
بعضهما كعادتها؛ فكانا يتالشيان النظر إلى ِ
ِ صحبتها الشابان وهي هادئة
ْ
خجل وتسكت.ٍ في تبتسم ة"ر و"سا معهما تتسامر أن حاولت البعض ،بالطبع
ْ
جاء النادل لتلقي طلباتهم ،وجدت على وجهيهما العبوس والبغضاء
كأساتجاه بعضهما البعض وطلبوا منها هي أن تختار لهما فاختارت لنفسها ً
يجهز العشاء ..ابتسمت من البراندي ،وعصير البرتقال لهما كبداية إلى أن ّ
َّ
لهما وقالت" :أعلم أنكما مسلمان ولن تشربا معي (البراندي) فاخترت
أتمنى أن يعجبكما". عصيرا؛ َّ ً
وحسن تصرفها معهما ثم أكملت حديثها" :أعلم ِس َّر َ َش َك َرا لها ُّ
تفه َمها
أن ألامور العائلية في العمل ال مكان لها .. جيدا ..ال ُب َّد أن تتعلما َّ خالفكما ً
ِ
66
ُ َ َّ
صعب؛ فأنا تابعت ألاحداث علىٌ كل ما كان ،أعلم أن ُه عليكما أن تنسيا َّ
ً
ماضيا آلان ..اتفقنا؟". لكن هذا أصبحالتلفازَّ ،
بسرعة ُ
يسحبه في أحد ألايام كان "وليد" ما ًّرا آخر الليل ..وجد من
ٍ
شديدة ُويغلق عليه باب إحدى الغرف َّ ..
تعج َب من املوقف وألاغرب أنها ٍ
ً ُ ُ ً َّ
تتصب ُب عرقا وتلهث وتنظ ُر في ّ
مكان خائفة؛ نظر
كل ٍِ كانت "سارة" ..لقد كانت
شديد" :ماذا بك ،ما الذي يجري؟". لها في ُّ
تعج ٍب
ٍ
_"أخاف أن يسمعني أحد ،لن تصدق ما حدث".
ً َ ً
_"ح َسنا ،اهدئي قليال واحكي لي حتى أفهم".
تتحدث اليوم مع شخص وتذكر أبحاثنا ّ ُ
سمعتها ّ
_"إنها الطبيبة "الن"
وقت فور انتهائنا منها". أسرع في أبيب لتل ستبعثها ها ُوتخبره َّ
أن
ٍ
صمت "وليد" في ذهول" :يا إلهي ..ال أعرف ما أقول".
َ
"سارة" في انفعال" :فلننقل أبحاثنا ملعمل آخر".
_"كيف نفعل؟ هذا ُينهي املنحة ُّ
وكل ش ٍيء سيضيع يا "سارة".
َ ْ
غيرها ولن أ ْب َق
ِ على َ
أحصل حتى يء ش أي ُ
سأعمل .. هم ي_"فل َيض ْع ،ال ُ
ِ
هنا بعد اليوم".
َ ً ْ ُ َ
"ح َسنا يا قطع حديثهما الطبيبة ..فتحت الباب وهي تبتسم كعادتها:
ن َ ُ ُّ ّ
شباب ،نحن في القرن الحادي والعشرين ،آلان ال أظن أنه سيكو بيننا
خالف؛ فالتطبيع بين بالدنا قض ى على أي خالف ..ثم ّإنكما مختلفان َ ..أ َلمْ
تمثالن َّ تفهما َّ
نفس قضيتي ..أرض مشتركة بيننا". سر اختياركما؟! ِ
69
"سارة" في غيظ" :هي إذن هكذا ..لقد اخترِتنا للخالفات بين عائالتنا ..
معك!؟". أن خالفنا سيجعلنا َن َّتح ُ
د َّ كنت تعتقدين هل
ِ ِ ِ
َ
خالفكما َ .. ً
لم ال "-صمتا يا فتاة ،لقد جعلتكما تقتربان من بعض وتنسيان
ً
تنسيا الخالف معي ..أرى ألامو َر متشابهة هنا".
َّ
حاد" :اسمعي َّأي ُتها الطبيبة ،إن كنا مثل املهاجرين "وليد" بصوت ّ
ٍ ٍ
وألانصار كمسلمين مع بعضنا ..لن نكون هكذا مع اليهود أبدا ..هيا يا
"سارة" فلنخرج من هنا".
ذهبت "سارة" معه ثم نادت الطبيبة عليهما من بعيد" :ستندمان أيها
ً ً
معمل
ٍ أكبر هنا مكان؛ أي في تجداها لن ذهبية فرصة ألاحمقان؛ لقد تركتما
في أمريكا كلها".
فنظرا لها باستخفاف وأكمال طريقهما.
َ ّ
خرج كالهما وهما ال يملكان إال القليل من النقود تارك ْي ِن خلفهما
َّ
أحالمهم محطمة ال يعرفان ما الذي عليهما فعله ..نظر "وليد" إلى "سارة":
نفكر في ّّ َ
حل ملا نحن فيه". ٍ "أشكر لك حسن تصرفك يا "سارة" آلان علينا أن ِ
ّ
"سارة" في حزن" :لن أعود للسفارة ،ستسلمنا إن عدنا".
ُ ً
إلاسالم فينا "وليد" في خجل" :أريد منك أوال أن تسامحيني؛ فما بناه
ًّ ُ َ
ظهر آلان ..إن رابطة الدين أقوى من الدماء التي أريقت حقا ..من آلان أنت
ً
معمال َ ُ َّ
غيره .. أختي ..لن أتخلى عنك؛ سنكافح ونبحث عن عمل وسنجد
ُ َ
أ ِعد ِك بذلك".
71
بدأا في العمل في إحدى املطاعم الصغيرة التي اعتادا الذهاب إليها ..
ُ يغسل ألاطباق إلى أن َ
ُ ً
(جواب يأتيهم عملت "سارة" نادلة هناك وهو كان
ُ املوافقة) من ّ
أي معمل مما قدموا أوراق الالتحاق لديهم؛ فكان عملها في
َ ً
هذا املطعم مؤقتا إلى أن ُيوافق على عملهم في أي معمل ،بل والتحقا
بالجامعة حتى يكون معهم شهادة معادلة؛حيث ال ُيعترف كثيرا بالشهادات
ّ
املصرية إال من خالل املنح فقط ،والتي تعطي لهم املعادلة لهذه الشهادة؛
أي مكان، تؤه ُلهم للعمل في ّ ٌ
كبيرة لعمل املعادلة التي ّ ٌ
فرصة
ُ
الجامعة إذن
ِ ِ
أخيرا ،كانت كل املعامل حتى وافق أحد املعامل ً يقدمان أبحاثهما في ّ وكانا ّ
ِ ِ
تربطهما صداقة قوية في هذه الفترة؛ فالبطبع (ما بناه إلاسالم فينا لن يهدمه
ُّ
أي ش يء كان)!
71
َ
(الع ْودة)
بعـد ان ســمع كــال منــا القصـة مــن الاخــر اصــبحنا ال نعـرف مــا الــذي علينــا
فعله كالنا يحمل دماء وهموم تكاد تشيح به لكن علينا الا نستسلم ابدا ..البد
من مخرج ملا نحن فيه البد من حل ..
نظــرت لنــا "تيمــاء " ربمــا علينــا إعــادة قــول هــذا الطلســم مــن جديــد لبرمــا
يعيدنا الي حياتنا او يحدث أي ش يء "
قاطعته ــا ريحانـ ــة والـ ــدموع ال تفارقهـ ــا " وهـ ــل جلـ ــب لنـ ــا املثائـ ــب الا هـ ــذا
الطلسم امللعون "
الكــل كــان يــدلي بأفكــارة الكــل كــان مشوشــا ال يعــرف مــا الــذي عليــه فعلــه
لك ــن بالنهاي ــة ك ــان المف ــر الا م ــن إع ــادة ق ــول الطلس ــم لربم ــا تع ــود ألام ــور ال ــي
ناصبها من جديد
شـ ــجع كـ ــال مـ ــنهم الاخـ ــر ووقفـ ــوا مصـ ــطفين بشـ ــكل دائـ ــري حـ ــول النيـ ــران
واغمضوا اعينهم
جميعــا وبــدءوا فــي نفــس واحــد بأعــادة ســرد الطلســم ""ســاقوم ..نــاجوم
أبية تساعدنا ..ساقوم ..خاؤوم ملكوت الليل ألاسود والغيوم ..نستدعي روحا َّ
نــاجوم ..حــاؤوم احضــر آلان بســر الطالســم الرعديــة والــزالزل ألابديــة والخمــس
بنات النرجسية"!" اهتزت ألارض اسفل اقدامهم
وانفجرت النار من جديد في وجه كل واحد منهم وتفرقا الي حيث
املجهول
72
(صادق):
ُ ُ َّ ْ
بعد التعويذة وهذا الطل َس ِم الغريب ،وجدت نفس ي قد ألقي بي في مكان
ً ٌ ٌ ْ
مشهدا لرجال يحملون أحجار كبيرة ضخمة ،وأرى أمامي ٌ أغربُ ،مق ِف ٍر وحوله
أناسا يقفون ال حو َل لهم وال ّ ضخمة ويضربون بالسياط ً ً ً
قوة، أحجا ًرا كبيرة
ضربة مثلهم؛ باغتني بها ُ ً ُ َ
أحد وكأنهم مست ْع َبدون لهؤالء الطغاة ،تلقيت
ُ َ ْ َ ْ ُ ن
َ
شديد بذراعي ..ما الذي يحدث ٍ بتنميل
ٍ ت س س ح أ أشعر؛ أن الجالدين دو
هنا وأين أنا آلان ..يا إلهي ساعدني! حاولت أن أجري منهم لكنهم ْانهالوا َّ
علي
مرة أخرى؛ ُّ ً ُ َّ ُ ضربا؛ َف َخ َّر ْت قواي ً ً
الكل تماما وتوقفت عن املقاومة كي ال أضرب
ُ َّ ُ ُ
الشنيعة في صمت حتي أنهم ال ِ الطريقة
ِ بهذه ضرب أ وأنا إلي ر ينظ
ٌ ّ
يساعدونني ،وأعينهم منكسرة؛ يبدو أنني رهينة هنا أو ما شابه ..ال أعلم إلى
ُ َ َ َ َ ُ ُ ْ
أين ألقت بي التعويذة ..آلان أحاو ُل أن أ ْع ِرف وأ ِع َي أ ْي َن أنا؛ انضممت
ّ ٌ للصفوف التي تمش ي َّ
إنسان ،ومالبسهم الشفافة تكشف أغلب وكأنها
َ
أغلبهم ال يرتدي إال ما يواري عو َرته فقط. جسدهم ،ربما ُ
ُ ً ُ
فرعونيا ُيبنى ،حاولت استيعاب أين أنا؛ ًّ معبدا ً
كبيرا رأيت أمامي
ّ َّ ُ
عصر الفراعنة، ِ وسط آلان ني إن الكبيرة؛ الصدمة ى أتلق وأنا يقي ر فابتلعت
ُ ٌ
ربما هي حقيقة أو إنني أحلم ..يا إلهي ،كيف حدث هذا؟! وجدت من حولي
قوةَ ،و ُه ْم يسيرون َّ َ ً َّ
كأن على رؤوسهم كلهم رجاال منكسرين ال حو َل لهم وال
ُ َ
الطير؛ ال أ َح َد يعترض على ما هو فيه ،خفت وحاولت أن أصمت لكيال أنال
ضخمة معهم وال ُ ُ َ َ
أعلم ٍ أحجار
ٍ حمل على جبرت أ الشديد منهم ..آلان العقاب
كل الكم الهائل من ألاحجار هذه! أحمل ََّ كيف استطعت أن
73
حل أفهم اللغة التي يتحدثون بها ..بعد الانتهاء ر َ ُ ال أعلم كيف كنت
فقير مقارنة بالقصور الفرعونية التي ّ الرجال؛ ٌّ
طيني ٍ ٍ بيت
كل منهم رحل إلى ٍ
َ َّ مسرعة" :كرشاب" ً ً ً ُ ر ُ
حمدا هلل أنك جئت؛ أيتها ،ووجدت فتاة تهرو ُل ناحيتي
َ ُّ ُ
أمنا مريضة ..تعال بسرعة".
ّ ُ
تتحدث باللهجة ذهبت معها وأنا ال أدري من "كرشاب" هذا ،ولكنها
َّ
أناس أشعر معهم النوبية؛ هذا ما أسعدني وربما أشعرني باألمان؛ أنا وسط ٍ
ً
كبير
ٍ لٍ منز إلى وصلنا حتى مسرعة بالوطن ..أمسكت الفتاة بيدي وهي تجري
ً ُ
شاب َه ،ووجدت سيدة كبيرهم أو ما َ
أكبر من املنازل ألاخرى ،أرى أنني رّبما ُ
َّ ُ ْ َ ُ
بالغة" :كرشاب" ٍ عوبة
ٍ بص ث تتحد وهي بيدي مسكت أ فراشها؛
ِ تحتضر في
ّ ُّ َّ َ
قاوم كما علمتك ..قم بالتخلص من (تحتمس) هذا امللك الظالم ِ دي، ول
النوبية ،أعلم انك ستفعل"! ّ بالدنا ُ
الذي يريد الاستيالء على ِ
ْ ُ وبدأت تسعل َّ ْ
بشد ٍة ..أعطتها الفتاة بعض الشراب بجوا ِرها؛ فشربت
ْ َ ُّ ْ ً ْ َ
منه وهدأت قليال ،ثم أخرجت من تحت وسادتها تميمة يدوية الصنع وأعطتها
مرضها ة تهرب منها -بصعوبة َّ
لشد لي وهي تحاول أن تخرج الكلمات -التي ُ
ِ ِ
معقود بعض الش يء" :-إنها ل َج ّد َك ..كان ً ٌ َ -فقد كانت َّ
قائدا ِ ِ وكأن لسانها
َ َ ً
عظيما ،وأنت ستكون مكانه".
معا ،وهيداخل أيدينا ً
ُ أمسكت بيدي بين يديها واحتضنتهما والتميمة
ْ َ ً
فتحت َ
فمها ماه َيت ُه ،ثم
ِ
ُ
أجهل يء
ٍ ش على عزيمتي تثبت أن جاهدة تحاو ُل
وعينيها إلى أعلى وصمتت!
74
ُ وأخذت تبكي َ ْ ْ
بشد ٍة؛ فجأة امتأل البيت صرخت الفتاة التي أحضرتني
ّ ْ
تتوسط الواقفين" :إن بأناس كثر؛ رجال ونساء يبكون ،وقفت الفتاة
"كرشاب" معه التميمة؛ سيقود ثورتنا وسننتصر"!
ُ ُ ّ هاج الجميع وبدؤوا ّ
املنتظر أو ما شابه ،ما زالت البطل يحيونني وكأنني
ولكني ال ُ ّ ُ
أعلم أي ثورة أخذتها من الفراعنة الجالدين تؤملني .. الضربة التي
غريبة ًّ ً ُ ْ
جدا وأخرجوا السيدة مراسم العزاء يريدوني أن أكون قائدها ..كانت
ً حلة لها فوق
خشبية ،وصنعوا لها حفرة ووضعوها ٍ مصطبة
ٍ العجوز في أبهى ٍ
ّ
بعض ألاطعمة والفخاريات وو َّدعوها وأغلقوا عليها التراب ..وجلسوا ُ َو َم َعها
َ نشدون ألاغاني الحزينة ..وأنا في ذهولي ال أعرف ما َّ ُ
علي أن أفعله بجوا ِرها ي ِ
علي العودة إلى مكاني الذي كنت فيه. في تلك الثورة وال حتى كيف َّ
ُ ُ َ
الجميع جلست بجوار القبر؛ِ ال أر ُيد العودة؛ فوجدت ُ بعد أن انصرف
ٌ ّ ُ ُ
حزين لرحيل ّ ِأمنا، تجلس بجواري وت َر ّبت على كتفي" :أعلم يا أخي أنك ُ الفتاة
ًّ ُ ً
ولكنك ال ُب َّد أن تستجمع قواك مرة أخرى وأن تجد حال ملا نحن فيه".
ُ ُ
يت به ً ُ
شديد ،وال أنظر
ٍ أشعر بحنق بعيدا وأنا صغير وألق
ٍ بحجر
ٍ أمسكت
ُ ّ
حتى إليها " :اسمعي ،أنا أشعر أني مشوش وأريد أن أعرف ما الذي يحدث؛
ْ
فوفاة ّأمنا جعلت عقلي توقف".
أسها علىقامت من مكانها وجلست بجواري وأمسكت بيدي وألقت ر َ
تتحد ُث في حزن شديد" :أعلم يا "كرشاب" َّأنك كنت ُتحبها ًّ
جدا، َّ وهي في ت
َ
ك
ٍ ِ
جدا باستطاعتك هزيمة (تحتمس الثالث) ..إنه يريد سرقة وهي كانت مؤمنة ًّ
َ
تصبح أكبر وأعظم ..إنه بالدنا (النوبة) وضمها إلى مملك ِته التي يريدها أن
75
عامه الثاني ولم ُيظهر لنا إال القوة الحربية والشراسة فيس؛ هذا ُ ملك َشر ٌ ٌ
ِ
التعامل معنا".
ً َّ ُ لم أستطع أن َ
أجيبها ..يا إلهي ،علي أن أحارب (تحتمس) ،وأقود ثورة
ُ نوبية ًَّ
تعويذة حمقاء من
ٍ بفعل
ِ جاء فتى مجرد أنا هذه! حماقة أي ه، ضد
بل من املستقبل إلى هذا املكان الغريب ..يا إلهي ساعدني! (صعيد مصر) ْ ..
..أين أنت يا صديقي (عبد العزيز)؟ لو كنت هنا ر ّبما كنت ستساعدني ..آلان
كم أفتقدك بشدة!
َ َ ُ ُ
ألافكار الكثيرة جاء الصباح وأنا ال أستطيع النوم ..حاولت أن أقاوم
ّ ً َ َّ
املشوشة بعقلي وأنا أكره فكرة رجوعي مرة أخرى إلى الجالدين الذين ال
يهتمون إال َّ
بالض ْرب بالسياط الكبيرة التي يحملونها! ُّ
فجأة َف َتحَ ً ّ ً ُ
الشمس تمأل املكان وأنا ما زلت في مكاني خائفا أترقب ..
َّ َ ّ عنوة ُ ً
أحد هؤالء الجالدين ُيمسك في يده السوط ويريد ضربي أل ِني َ
الباب
ي ُ ْ ُ ُ ُ
وبمجرد أن خطت ّ ضط ِر ْرت للخروج معه. تأخرت عن املجيء مثل غير ..ا
ُ
كل أهل القرية واقفين بانتظاري في الخارج ..لم يذهبوا وجدت َّ قدماي خار ًجا
يعتمد َّ ُ أن َّ ُ ّ هم ً
علي؛ الكل أيضا إلى العمل عند الفراعنة ..يا إلهي! اكتشفت
ّ ُ
سيضربون إذا ذهبت مع هؤالء الجالدين .كم أكره ما أنا فيه! آلان ال ُب َّد كلهم ُ
ّ َّ ُ َُّ
علي فعله ّ ..إنهم ينظرون لي وإلى التميمة في يدي وإنني أن أف ِكر فيما
َّ َ ص ُهم؛ َّ ُم َخ ّل ُ
أتصرف بسرعة! علي أن ِ
ُ ّ فعتها ً أمسكت بالتميمة ور ُ ُ
أحد الجالدين أن يضربني عاليا ..حين حاول
ْ ُ ر ُ ُ
ي ُم َجل ِجل: ٍ
بصوت قو ّ
ٍ أصرخ وأنا ه وجه
ِ في ه فعت و منه ه أمسكت بالسوط؛
76
"اسمع يا أحمق أنت ،لن تكون بالدنا لكم أبدا ..اذهب وأخبر (تحتمس
َ
يذهب إلى الجحيم". الثالث) أن
ّ
تحمسوا بشدة وهم الرجال من أهل القرية يهتفونَّ ، الجالدون َّ ص ِع َق
َ
ّ
وبدؤوا يسيطرون على الجالدين ُويسمكون السياط بأيديهم ويضربونهم بها في
ََ ّ
أيضاّ ،أما الجالدون فق ْد َه ْر َولوا إلى الخارج وهم
مشهد مهيب ،والنساء معهم ً
ٍ
ٌ
جيش أكبر! يتوعدوننا بالعودة من جديد ومعهم
ْ
بدأت الهتافات والرقص والغناء بين املوجودين ،وحملوني على ألاكتاف
ُ ُ
موقف ال أحسد عليه مما فعلته؛ فأنا ال أعلم كيف سنحارب ٍ وأنا في
ّ
الجالدين وال أي أسلحة سنحاربهم بها.
َّ ُ
تنفست الصعداء وأنا أحاو ُل أن أتذك َر العجالت الحربية وألاسلحة التي
ُ ُْ ُ در ُ
بجمع
ِ قمت .. ها ع ِ ن ص وكيفية باملستقبل هناك كنت عندما بالجامعة ها ست
َ ُْ ُ
جديدة ،ور ّبما
ٍ أسلحة
ٍ صن ِع كبار القرية وشبابها وبدأت أشرح لهم كيفية
ً َ
متطورة بعض الش يء عن أسلحة امل ِلك ..لم أستطع أن أصنع بندقية أو
ً
صاروخا ولكن هذا ما استطعت تذكره!
جدا باقتراحاتي ،وكانوا يروني كرمز كبير لهم؛ وبدأ ُّ
الكل كانوا سعداء ًّ
ٍ ٍ
ً
سعيدا ًّ ُ ّ حبني حتى أنهم أطلقوا َّ ُي ُّ
جدا بالنوبية ..كنت علي "كو"؛ (ألاسد)
ُ والسعادة أن أكون ز ًُ
عيما ،ثم ذهبت ألخلد للنوم فقد وأخذتني الحماسة
ْ
كنت ُمت َع ًبا من العمل املتواصل دون راحة.
77
ُ
صحوت على صوت الرجال ينادون والفتاة _التي من املفترض ّأنها أختي-
ُ
تصرخ بشدة" :ق ْم آلان ..لقد بدأت املعركة".
ْ
بعض الرجال ويبدو َّأنهم من (جيش امللك) وبدأت ُ في البداية جاء إلينا
ً َّ ً
وقوة وأضرب معهم ..ش ٌيء املعركة وأنا أهتف في الرجال ألزيدهم صالبة
ّ ْ
وحماس لم أشهدهٍ بقوة
ٍ ضرب أ كنت ي لكن أدخل في معارك من قبل غريب! لم
ً ً ً
في نفس ي السابقة قط ،رّبما ألنهم أعطوني دفعة قوية وحماسية ،أو رّبما ألنني
القائد آلان وال يجب أن أفشل.
ملكهم إلى مسرعين لوا و وهر .. ا كبيرا لن ينسوه ً
أبد ً ا َل َّق َّناهم در ً
س
ِ
يشكون ما حدث معهم ..أما القرية فقامت فيها ألافراح والاحتفاالت إلى
الصباح.
ً ً
بعد عدة أيام وجدنا جيشا مهوال يكاد الناظر إليه أال يجد آخره ..
ُ ُ ً
الفرعونية ،ومعهم العجالت الحربية الكبيرة .. ِ الحربية
ِ مسلحا باألسلحة
ُ وبدؤوا في إشعال النيران في القرية والسيطرة عليها ..حاولنا ً
كثيرا أن نقاوم
ً ً ً ولكن كانوا يفوقوننا ً ْ
مسرعا ُويهرو ُل عددا ..وجدت رجال عجوزا ُيمسك بي
َ َ ر َ
نساء وأطفال ..نظ َر لي الرجل العجوز وهو تحت ألارض وبه ٌ
مكان محفو ٍ
إلى ٍ
بسرعة من قائدنا ..عليك أن تأخذ نساءنا وأطفالنا يتنه ُد" :كرشاب" ..أنت ُ َّ
ٍ
ٌ
جميعا؛ َّإنهم أمانة في عنقك". ً َ
تحميهم مكان آمن ..عليك أن هنا إلى ٍ
ُ
نتواجد فيها الكبيرة التي الحفرة َو َخ َر َج من الفتحة وأغلق من ورائه َ
باب
ِ ِ
َّ َ َ ٌّ ٌّ
والتي يبدو أنها ممر سري يصل إلى ٍ
مكان أنا ال أعلمه.
78
وجدت ألاطفال والنساء ينظرون لي ..لقد َّ ُ
تم سيطرة امللك (تحتمس)
َّ ُ
علي أن أساعد قريتهم إلى مملك ِته ..وأنا آلان على (ثورة النوبيين) وانضمام ِ
صغيرا كان يبكي َ ً ً ُ ّ
وحده وال يوجد بر ألامان ..حملت طفال هؤالء املساكين إلى ِ
ُ ُ معه أحد؛ بما ُ
والده قد قتل في املعركة ..وأصوات السيوف والضربات من ر
ّ ُ
الضيق وألاتربة تتساقط ِ النفق هذا في بهم أسير ظللت ؛ بقوة
ٍ سمع ت فو ِقنا
س بات ضعيفا من نقص ألاكسجين الذي نعانيه
ً والن َف ُ
َّ
كل مكان ..علينا من ّ
ِ
و ُ ُ
عذب و جدت ٍ جراء الكتمة تحت ألارض ..إلى أن وصلت إلى جدو ِل ٍ
ماء
ضوء الشمس يختر ُق كل مكان َ ..ف َه ْر َو َل ألاطفالُ َ ُ
الخضرة من حولي ورأيت
أحمل سيفي من ورائهم وال أدري نهاية ما أنا ُ والنساء يشربون ويغتسلون وأنا ُ
فيه وال إلى أين ألقت التعويذة بصديقي (عبد العزيز).
79
(عبد العزيز)
ً ُ
أين أنا ..أخذت أبحث مدة َأ ْل َق ْت بي التعويذة إلى مكان غريب ..ال أدري َ
ٍ
حد ما من الفصحى ،ويرتدون ّ ُ ً
حتى وجدت أناسا يتحدثون العربية القريبة إلى ٍ
مالبس كأنني في (فيلم الناصر صالح الدين) أو ما شابه ،بجواري َج ْد َو ٌل ماء،
ً ُ
مسرعا ألشرب منه. شديد ..ذهبت
ٍ بعطش
ٍ كنت أشعر
اغتسلت وشربت ما يرويني من املاء ثم اكتشفت املفاجأة ..بمجرد أن
ُ َّ ُ
اقشعر جسدي وارتميت نظرت للماء -بالصدفة وأنا أشرب -رأيت وجهي ..
ُ ُ ّ على جانب الجدول
الترابي من الفزع ،ثم اقتربت مرة ثانية ألرى ..ربما كنت ِ
ُ ُ ُ
شاب َه ،أو ر َّبما أشعر بالدوار لكنني وجدت ما رأيته بالسابق .. أحلم أو ما َ
ُ ً
شخصا َ
آخر غيري ،ال أعرف من هذا ..لست أنا بهذا ..هذا ليس جسدي ،وال
جل ٌ
كبير يبدو في شابا في العشرين من عمري ،آلان أنا ر ٌ حتى شكلي ..أنا كن ُت ًّ
َ َّ َ
عريض املنكبين حتى إنني أرتدي مالبس ضخم الجثة عقده الرابع ..يبدو
َّ َ ْ َ َ
علي أن أكت ِشف آلان. تشبه مالبس من حولي هنا ،ال أعلم كيف!
ٌ ٌ ُ
شاب َه ذلك ..
قصر أو ما َ ٌ أسوار عالية كبيرة ،ويبدو املكان كأنه ٌ تحيط بي
(الد َّجال)؛ في البداية ُيلقي إلينا بفتاتين ،وآلان أنا هنا؛ ال أدري ُس ْح ًقا لهذا َّ
ْ َ ّ ُ ُ
هدئ من روعي حتى ِ أ أن حاولت شديد ..
ٍ بذعر
أين أنا وال حتى من أنا ..أشعر ٍ
أعود ثانية إلى مكاني وجسدي القديم الذي ال أعلم أين هو الان! َ
81
ُ
طويلة املوصلة بالقصر الكبير هذا ُ ..ر َّبما ِ حاولت أن أصل إلى الردهة ال
َْ ََ ُ َ
بشخص من هؤالء؛ طأطأ ٍ الغريب أنني كلما مررت أجد هدى ملا أنا فيه ،ولكن
ُ ُ ر َ
جل يقف ٍ ر على ناديت أسه لي ونعتني بأمين بك ..ال أعرف من أمين هذا ..
ّ
بقص ألاشجار ..رّبما يخبرني ما الذي يجري هنا" :يا هذا ّ
ِ يقوم ي منمقربة ِ ٍ على
أخبرني ما هذا املكان؟".
ُ َّ
الرجل متعجبا" :ما بك أمين بك؟ هذا قصرك وأنا أعمل لديك؛ أقلم
أشجار حديقتك!". َ
خفت أن يعلم ٌ ُ َّ ُ َ ُّ
أحد يتحدث عنه .. صمت لبرهة وأنا أحاول أن أعي ما
َّ ُ ُ ّأنني لست "أمين بك" هذا ..ر ّ
علي أن أخفي مشكلة أكبر ..كانٍ في وقعت ما ب
من أنا وأن أتماش ى معهم حتى يحين موعد خروجي من هنا.
ُ أحلم ..ما هذا ُّ ُ َُْ ُ
الضخم الفن املعمار ُّي القصر العالي وكأنني ِ إلى ت د لف
باملتاحف ولكن قصور خالية ِ وهذا الجمال الذي ال يوصف؟ ربما رأيته
قديمة مهجورة حتى زينتها تلفت مع الزمن ..ربما سيعجبني كوني "أمين بك"
بهذا الشكل.
قائم آلان ..إنهم شخص ينادي من بعيد" :سيدي ..سيدي ..الاجتماع ٌ
ٌ
بانتظارك؛ هممت بالذهاب معه وأنا خائف أن ُيكشف أمري ،وال أعرف حتى
ُ
كبيرة
ٍ جال ذوو َه ْي َب ٍة
جلست وسطهم؛ ر ٌ ما الذي أقحمت نفس ي فيه ..
ُ شديد ..يبدو أن هناك ً يتحدثون ُّ
صمت أستمع ٍ في جلست أمرا ما .. ٍ بحنق
لحديثهم ..
81
جل منهم في غضب وقال" :إن (دمحم علي) يريد أن ُينهي على سلط ِتنا قام ر ٌ
ُّ
..بعد أن حكمنا (مصر) لسنين طوال واستطعنا التخلص من املاغول يأتي
هذا العثماني املدعو (دمحم علي) ليقض ي علينا ويأخذ حكم (مصر) منا".
َّ َ ُ
أنا أحاو استيعاب ما يحدث آلان ..يا إلهي إنهم (املماليك) ..أنا في ل
ُ
عصر املماليك وبداية دمحم علي هل هذا تمثيل أم ماذا؟ ليتني ما استمعت
ًّ (الد َّجال)! كيف ُ لهذا َّ
أهرب آلان منهم؟ أنا وسط اجتماع للمماليك حقا أم
َ ُ ُ
أنني أصبت بش يء ما في عقلي!؟ ..رجل آخر يقف آلان" :لن يستطيع هزيمتنا
كل (قبيلة بني هالل) معكم آلان". هذا ألاحمق نحن معكم ُّ ..
نعم تبدو كذلك كانت هذه الحفلة الوحيدة التي ُدعي فيها املماليك من
أهرب من مذبحة إلى قبل دمحم علي ..أال لعنة هللا على التعويذة الحمقاء! ُ
َُ ُ
علي فعله آلان؟ كيف أ ِ ّنبههم أو أن ِّب َه نفس ي؟ ..بالفعل
أخرى ..يا إلهي! ما الذي َّ
84
سمعت صوت أول طلقة رصاص! ..كان قد فات أوان أي ش يء حتى أنني لم
ً ُ َ ُ
مسرعا نحو جوادي العزيز ساعتها قد هرولت أستطع أن أ ّنبههم ..كنت ِ
ُ ً ُ
ألهرب والرصاص ينهال على مسرعا نحو ألاسوار العالية وانطلقت به
مكان ..
املماليك من كل ٍ
َ َّ َ
ق
كان علي أن أقفز من فو ألاسوار العالية؛ فليس هناك سبيل إال القفز
َّ ُ ّ منها ..ولكنها كانت باهظة الارتفاع ..كيف لي أن َ
أنجو منها؟ آلان علي أن أفكر
ً ُ
فكرة ال أعرف إن كانت ستبدو جيدة أم سأموت هنا ٍ بسرعة واهتديت إلى ٍ
وسط هؤالء املماليك وألاحمق دمحم علي الذي كنت أكره حصة التاريخ بسبب
ْ
فليذهب آلان هو كثرة إنجازاته التي كان علينا أن ندرسها ونحفظها جميعا ..
علي أن َ
أنجو مما أنا فيه .. وانجازاته إلى الجحيم َّ ..
ً ُ
يقفز ويكون هو من يتلقى الصدمة بدال مني ..كنت جعلت الفرس
خائفا ًّ ً
جدا من هذه الفكرة الجنونية والتي لم أكن أراها إال في ألافالم ..لكن ال
ُ
بقوة وأغمضت عيني ..وارتطم الفرس سبيل لي آلان إال هي ..أمسكت بالفرس ٍ
َّ و ُ
لت بعيداً ُ ُ َّ
باألرض وتهشم في الحال ..أصبت ببعض الكدمات البسيطة ثم هر
ُ ً وخفت أن أنظر ورائي وأنا أجري ُ ً
مسرعا ..ووجدت نفس ي مبتعدا عن ألاسوار
بصحراء كبيرة وحمدت (هللا) أني هربت من هذه املذبحة الثانية!
ُ ّ ُ َ
الدجالين الذين اتبعت ربما أراد (هللا) لي أن أرى هذه الثانية حتى أترك ط ُرق
ً ُ َّ
وعلي أن أرى مذبحة أخرى لبني هالل طريقهم وابتعدت عن (طريق هللا) ..
ّ ُ ُ ّ ً
علم (مذبحة القلعة) والتي رأيتها آلان بأم عيني ..ولكنه لم أيضا لقد ذكر لي امل ِ
ّ
ولكني تذكرت أن سبب يذكر لي أن (قادة بني هالل) كانوا معهم في ثوراتهم ِ ..
85
الخالف هو عدم ذكر أي تاريخ للقبائل العربية وباألخص قبيلتي التي ربما
ّ َ ُ َ
محوا تاريخها من الكتب املصرية ..ش ُع ْرت بحز ٍن شديد وتذكرت صديقي
والذي أردته بجواري بشدة في هذه املأساة التي تعرضت ملشاهدتها آلان ..
ليتني أراك يا (صادق) ..أين أنت يا أخي العزيز؟
86
(وليد)
ٌ َ َ ْ
البالد الغربية وأنا مرهون بفتاة ِ تلك ض ر أ أقدامي ت منذ أن و ِطئ
ألد أعدائي ..ارتبط أمرها معي؛ فهي -إن نظرنا في ألامر -تعتبر ابنة ّ عجيب ُ
ً ُ ٍ
ٌ
عجيبة ..ألاغرب هي فتاة مجنونة ..وتارة أخرى ٍ بطريقة
ٍ مصيري بها آلان
َّ َ ٌ
حولها من عدوتي إلى عاقلة! ال أفهم أمرها أبدا ..لكن موقفها تجاه الصهاينة
َّ ُ ُ
ابنتي وأمي وأختي؛ فعلي الحفاظ عليها ..ال أعلم ملاذا ..ربما برابط إلاسالم
ُ الذي دفعني برغم ّ
كل ش ٍيء أن أراعي (هللا) فيها! ِ
بأكبر العمل كنار أصبح قلبي ال أدري ماذا به! منذ أن َت َ َ مع مرور ألايام
ِ
َّ ْ َ
الضن َك على الحياة املعامل بالواليات املتحدة ألامريكية وآثرنا املعيشة
أعز أصدقاء ..ربما يرى البعض ما مقابل الدين والوطن ونحن ّ َ الكريمة
ً ً ً
ات زائفة وخاصة في ظل ألاوضاع الاقتصادية التي ٍ ر وشعا حماقة فعلناه
ولكن لن نعيش أو نكون إال في (سبيل هللا) مهما ضاقت ْ الوطن علينا ُ فرضها
ُ
بنا ألاحوال ..فأوطاننا هي أرض زرعت بداخلنا!
يومنا ..لم ُنحاولِ
َ
قوت متواضع ال يكاد يكفي
ٍ مطعم في ا عملنا ً
مع
ْ ً ً َ ُّ َ
ترحيلنا ..وتكملة
ِ أحد بما حدث لنا خوفا من التوجه إلى السفارة أو إخطار ٍ
َ
ابتغاء العلم. َ
العيش فيها ملسيرة من الصعاب واصلنا
87
إقامتها بمبنى مجاو ٍر ملا ِ كنت أعود من عملي وأقوم بتوصيلها إلى مكان
ُ
مجموعة من الفتيات الجامعيات وأنا ٍ مع آلان تعيش هي .. فيه ن أسك كنت
َّ َّ ُ ً
أيضا مع بعض الفتية الذين كنت أتجن ُب البقاء معهم إال وقت النوم ..
َّ
فالصبح الجامعة ،والليل العمل ،وآخر الليل أنام كالقتيل من الت َعب ،وهي
بالحرية الزائدة هذه ّ املليئة والحياة رفالخمو .. أفعل كما تفعل كانت ا ً
أيض
ِ
حياتنا ولم تكن ما َّ َ
تربينا عليه قط! لم تكن
ً
حجابها ..فكان عليها أن ِ تحديات كبرى وخاصة بسبب ٍ واجهت "سارة"
ُ ً
ُ
فالحجاب شعرها حتى يوافقوا على العمل َ ترتدي ق َّب َعة طوال اليوم لتخبئ
ُ
يظهر منها إال قبتها فال هنا جريمة كبرى ..وكانت ترفع الياقة بقميصها لتخبئ َ
ر ِ
ُ تماما حتى مالبسها واسعة وغير ُ كأنها محجبة ً وجهها ّ
ظهرة ملفاتنها ..أحببت ِ م
غم الفساد هنا ..ثم َم ْن كان سيراها أو يعاقبها لو صارت
ُ تعلقها بالدين ر َ ح ًّقا ُّ
َ ْ َ
حجابها أو حتى خانت الوطن؟ إنها أرض مباح فيها كل ش يء مثلهم وخلعت
حتى الكفر باهلل!
ُ كثيرة منها ُّ ٌ
وجنونها ..إنها حبها الشديد للعلم كان يعجبني بها أشياء
كثيرا هكذا .. أتحد ُث عنها ً لم َّ حقا َ ًّ
ملل ..ال أعرف كلل وال ٍ مفعمة بالحيوية بال ٍ
العربي الذي ال ُ َّ َ ُ َّ ُ
بجمال الشقراوات هنا .. ِ نقار ي ها جمال نسيت آلان؛ رت تذك
ٌ ٌ َ
واسعة ُم َك َّحل ٌة ،ور ٌ ٌ أصيلةٌ ، ٌ ٌ
موش طويلة ،وبشرة عين إنه جذاب؛ مالمح عربية
أي من الشقراوات ذوات العيون لم لم َت ْس َت ْهو ِني ٌّ صافية ،ال أعلم َ ٌ ُ
بيضاء
ِ
امللونة الجميلة؟! ّ
88
الج ْري ..لقد كان سويا ملمارسة رياضة َ بعد صالة الفجر كنا نذهب ًّ
ِ
ُ ٌ ُ طويل يجري فيه الناس َّ ٌ هناك ٌّ
آخره حديقة عامة جميلة كل صباح .. ممر
ً ٌ
وحيوية؛ ُّ ٌ
مبكرا ،الكل يقوم الكل يصحو الشكل ..الناس هنا كلهم نشاط
بالرياضات البدنية.
ُ كنت ً
دائما أنظر لها وهي تحاول أن تسبقني في الجري وكنت أسمح لها
نفسها ..كنت أنظر لها على َّأنها الفتاة
ُ َ ْ ُ َّ ً
بأن تسبقني مد ِعيا أنها فعلتها من ِ
ً ً ً ً ُ
تحمل في قلبها دينا ووطنا ..وتحمل في رو ِحها فتاة أوربية مفعمة العربية التي
كل منفائقة ُّ .. بسرعة تكوينها للصداقات ُ بالحيوية والنشاط ..أعجبني فيها
ٍ ٍ ِ
ُ
الحب بين الرجل واملرأة ّ كان يقابلها كان يقع في شباك ُح ِ ّبها ..ال أعني هنا
ولكن أقصد حب رو ِحها الجميلة والضحكة الرائعة التي ال ُتفارق َ
وجهها ..
َ
غريبة وأ َد ٍب في الوقت نفسه ..تحمل بداخلها ٍ بجرأة
ٍ ً
دائما تتعامل
متناقضات كثيرة.
ُ ُ َ َْ
أحيانا كنت أخت ِلس النظر إليها وهي تلقي بالنكات مع فتيات املقهى
ََْ ْ َ ُ َّ ٌ
حولها؛ فقد كانوا املجاور لنا وهي مارة بهن ..كن كلما رأينها التففن من ِ
حبون َ
أنظر إليها أم ال .. فقتها ..ال أعلم هل كانت تراني وأنا ُ جميعا ُي ُّ ر
ً
ُ
متواضع بالبلدة التي نقطن بها؛
ٍ معمل
ٍ في نا قبول الليلة التي تم فيها
ِ وفي
ُ ْ
كانت سعادتنا ال توصف؛ فقد َه ْر َولنا نصرخ ونضحك تحت املطر ..أتذكر
ً ً ََ َّ
يوم أن كنا تحته ،أتذك ُره يتساقط على َو ْجنت ْيها؛ فيعطيهما ُح ْم َرة جميلة
89
َ ُّ َ ْ ُ
املطر كالبلهاء وأنا وتمتص وابتسامتها التي ال مثيل لها ،كانت تخرج لسانها
الحيوية ..في كل ألامور تجذبني ناحيتها. ّ لطريقتها أضحك ً
كثيرا ُ
ِ
أيام قليلة منذ عملنا باملعمل الجديد ،وكانت ألامور مض ْت آلان ٌ َ
ُ ُ ُ ّ
الغريب أنني كنت أساعد "سارة" في الاطمئنان على بالجامعة على ما ُيرام،
كل هذا يجعلني أشعرُ عاديا آلان ُّ .. كل ش يء ً أهلها! َأ َل ْيسوا أعدائي؟! أصبح ُّ ِ
ً ُ ُ
ّ
للحب ألاحمق هذا .. قلبها! ُس ْحقا
ِ شباك في وقعت حبها ..يا إلهي ،لقد أني أ ُّ
ّ غريبة ويحول ُ َّ
العدو إلى حبيب! ٍ بطريقة
ٍ يختار إنه
ٌّ َ ّ
حظنا َّ ُ ْ
عربي من (ألاردن) ..الذي أن أستاذنا بالجامعة كان من حس ِن ِ
ُ ًّ
مساعدتها والتقرب منها ..هل ِ في الكثيرة ه محاوالت كان ُيثير غضبي حقا هو
َ أغار؟ نعم ،أنا أغار! َّإن ُه شاب في الثانية والثالثين ولم َّ
يتزو ْج بعد ُ ..ر َّبما أحبها
غريبة.
ٍ بطريقة
ٍ هو آلاخر؛ فالكل كان ينجذب لها
ُ ًَ
حية والجمال في كل ش يء!؟ الطاقة الرو ِ ِ ثم من الذي ال ُيحب ش ْعلة من
ْ َّ َ َ َ َل ْم ُي ْ
جاذبيتها ..حتى تلك الصهيونية أحبتها. قاوم
َّ َ ُ َّ ُ ُ
تحدث ِإليها ..وهي كانت أشتعل نا ًرا كلما اقترب منها هذا ألاردني أو كنت
َ َ ً َ َ َّ ً
حبب إلى أي أ َح ٍد َي ْستمع إليها؛ أ ِج ُدني قيقة في حديثها؛ صوتها عذب ُم ّ
ِ ر ة عف ِوي
ُ
دائما ما تحكي لي عن أخيها (أكرم) ..يبدو َّأنها ت ِح ُّبه قربها أبدا ..كانت ً ال ُأقاوم َ
اسمه واسم أقا بي ً ُ
أيضا؛ يذكر َّأنهم ُحكم ر خبرا يذكر َ قرأت البارحة ً بشدة ..
ٍ
ً َّ َ
عليهم باإلعدام ..ويبدو أن أهلها ال يحكون لها ما يدور هناك خوفا عليها ..
ُ ُّ ُ ُ ُ ْ
بشدة سوف يعدم!؟ ٍ ولكن يا إلهي! كيف سأخ ِبرها أن أخاها الذي ت ِحبه
91
َ َّ ُّ
الخبر عنها يتحدث عنه ..حاولت أن أخبئ هذا اليوم ،الفيس بوك كله
طريقة ،والحقيقة أحمد (هللا) أني استطعت! ٍ بأي
ُْ
أنا أنظر آلان للفيديو الذي به أخوها يوم النطق بالحكم َ ..ع َرفت ُه من
َّ
غريبة ،نعم أعرف ٍ بطريقة
ٍ الصور التي أرتني إياها ..إن ُه ينظر آلان للكاميرا
هابه ..يبدو َأ َّن ُه ُي َخ ّبئُ
الح ّب؛ إنه ال يكترث للموت ،ال َي ُ ُ
نظرة ُ ها هذه النظرة َّ ..
إن
ِ ِ
حبه كما أفعل أنا آلان! َّ
ََ َ َّ ْ ُ َّ َ
َدققت النظ َر إليهَ ،ولفت نظري ربطة ٍيد ُي ْم ِس ُك بها بين يديه َّ ..إنها
أهديتها آلية ابنة عمي عقب قدومي من فرنسا في ُ كثيرا تلك الربطة التي ُت ْشب ُه ً
ِ
ُ ُ ً َ ْ ً ُّ ُ َ
بالجامعة العام املاض ي ..كانت ت ِحبها كثيرا ودائما ال تخرج بدونها ِ تلك الرحلة
َ َّ
بنفس اللون ونفس الشكل! ذك َر ِني هذا املوقف بها؛ سأذهب ِ ..الغريب كونها
عمي ..فقد كانت كل اتصاالتي في لالطمئنان عليها؛ ُق ْم ُت باالتصال ببيت ّ
ِ ِ ِ
ّ ُ
السابق بأ ِمي لالطمئنان عليها فقط.
َ ُ
ساعتها أن "آية" مريضة بالسرطان! فجع قلبي هذا الخبر َع ِل ْمت
ُ َ ُ ّ ُ َ ّ ُ ً
وخاصة إنه يبدو أن أ ِمي كانت تخ ِبئ عني الخبر ..طلبت منهم أن يبعثوا لي
عالجا هنا في بلد العلم. بالتحاليل وتقارير ألاطباء؛ َل ُر َّبما َأج ُد لها ً
ِ
َّ َ ْ ُ
ألتحدث معها؛ فأنا طلبت من زوجة عمي (أم آية) أن تعطيها الهاتف
َ ُ
أريد الحديث معها ِب ِش َّد ٍة ..كانت تتحدث بصعوبة ..ليست "آية" القوية التي
ُ َّ ُ َ ُ ُ
أتحدث معها ..ولكني ُب ْحت لها بما في قلبي عهدتها ..كم كان قلبي َيت َم َّزق وأنا
ألول مرة؛ إنها أختي الثانية كما سابق عهدنا؛ كنا ِس َّر بعضنا البعض:
91
ُ
"-آية ،ال أريد أن أزعجك ولكن تعلمين ..معي فتاة هنا اسمها "سارة" ال
أعلم أنا ."..
َّ ُ َ ْ
"تتحدث بنبرة الحبيب آلان .".. قاط َعتني:
ً ٌ _" تفهمينني ً
منجذب إليها بشدة ،ولكن هناك شيئا دائما ..حقا أنا
َّ
آخر؛ لديها أخ محكوم عليه باإلعدام في ألاحداث التي وقعت؛ إن ُه ُيدعى
تحبه بشدة". (أكرم) وهي ُّ
قاطعت َ ُ ُ ّ ُ
كالمها: كالمها؛
بدأ صوتها يتغير وأحسست ألالم والحسرة في ِ
ُ ْ ُ
ُ
أهديتها لك .".. "آية ،لقد وجدت في يده ربطة تش ِب ُه تلك التي
ً َ َّ َ َ َ ْ َ َّ ً ُ
سكتت مرة أخرى ..ولكن الصمت أحيانا يحكي الكثير" :هل تحبينه يا
آية؟".
ً
_"ال ُي ِه ُّم آلان يا وليدُ ،ع ْد ساملا إلينا يا عزيزي".
_"آية ،حقا أريد أن أعرف".
َ ُ َ
_"يبدو أنك أيضا أحببت أخته".
_" الحقيقة َّ ..إنها رائعة ليتك هنا ألعرفك بها".
_"أعلم عنها كل ش يء".
ً _"إذن تعترفين َّ
أن هناك شيئا بينكما".
ً ً _"تعرفني ً
جيدا يا وليد ..أنا ال أفعل شيئا خاطئا".
92
(تيماء)
(ريحانة)
عوضا جميال ً كل ش ٍيء في حياتي ..عوضني (هللا) بهما كان الطفالن َّ
سعادة بعد أن غابت منه السعادة ُ ..ك ْن ُت لهما ًّأما ً
وأبا،
ً وملؤوا علينا املنزل
دائما ما أحكي لهما عن والدهما ..الحقيقة لم أتز َّو ْج بعده ..رغم كثرةوكنت ً
ُ َ ّ
لخطبتي إال أنني ك َّر ْست حياتي لهما ..فحبي لهما مأل كل حياتي.من تقدموا ِ
تربيتهم ،وكان يحبهما بشدة؛ فلم يرزقنا (هللا) بأخوةساعدني والدي في ِ
ْ ُ ُ ُ َّ
ذكور ..أنا وأختي ورد فقط ،مرت السنون وتو ِفي والدي ،وتزوجت أختي
ى ُ َ ّ
و َُ وأنجبت ..وكبر أبنائي َو َم َّن (هللا) َّ
علي بأن أز ِ جهم وأر أحفادي ..ولكنهما
ص َّرا على العيش في (أسوان) املدينة وترك مكان مولدهماً ،
بعيدا عن قريتنا، َأ َ
وأنا ليس لي غيرهما بعد أبي فذهبت للعيش معهما.
الغريب ّأنهما اختارا البقاء في قرية مجاورة للقرية التي حكى لي الشابان
عن اسمها (ز ْرزارة) هذه ..سكنا في تلك القرية القريبة منها ..خفت ً
كثيرا
َ َِ
َ
وحاولت أن أ ْمن َع ُهما لكنهما أ َ
ص َّرا ،وملا حكيت لهما القصة وخوفي عليهما من
َّ
غريب وأن عقلي اختلق ألامر ألنه كان ٍ وضع
ٍ املجزرة؛ اتهماني بأني كنت في
ً
متعبا من الصدمة ..
لم يصدقاني قط حتى حدث ما حكاه لي الفتيان ..وقلبي آلان ُ
قلب سيدة
ً َ
عجوز ال يقدر على ت َح ُّم ِل الصدمات وخاصة بعد موت حفيدي "ضياء" ابن
عمره بالخليج يجمع املال لألبناء وتركني مع
ولدي (صادق) والذي عاش أغلب ِ
زوجته وابنيه (ضياء وعلي) وابنته (آية) ..يا ملرارتي يا ولدي لو علمت ما
حدث البنك.
111
مسرعا بسبب معرفته بما حدث لولده ..وبعدها ً قطع إجازته وجاء
جاءت صدمتنا في "آية" ومرضها ..يا طفلتي الجميلة ..ريحانة قلبي الذي يكاد
َ ُ ّ
عاص ْرت موت عائلتي في حياتي وآلان في الكبر ،يا (هللا) يتمزق عليها من ألالم ..
قلب ولدي في مصابه!صابرة ومحتسبة ألاجر ..يا إلهي ،اربط على ِ
جاءنا آلان اتصال من حفيدي آلاخر (وليد) وهو ابن (عبد العزيز) ولدي
آلاخر ..لقد كان َ
فخر عائلتنا؛ فقد ذهب في منحة إلى (أمريكا) ..أسأل (هللا)
أن يعطيه الزوجة الصالحة التي تسعد قلبه!
"-حبيبي وليد ،كيف حالك يا فلذة كبدي؟".
"-بخير يا جدتي".
ٌ
سعيد ،هل هناك ما تخبؤه عني يا فتي؟". "-صوتك
أحدا إال أنت وآية، "-الحقيقة يا جدتي أنا ُأح ُّب فتاة هنا ..لم ُأخبر ً
ِ
الحقيقة يا جدتي ..هي من بني هالل".
كالمه ولكني تذكرت (صادق) و(عبد العزيز) بل وتذكرت ُ ص َد َمني َ
قابلتها مرة واحدة في حياتي" :اسمع يا ولدي ،القلب ال ُ (تيماء) الفتاة التي
جدك! حتى السنين لم َت ْم ُح َّ ُ ُ
كنت أح ُّب َّ ُ
حبه في ِ يختار من يحب ..لو تعلم كم
ش حياتك يا بني وانعم بحبك؛ يفرق بين عرق وال لون ِ ..ع ْ
إن الحب ال ّ قلبيَّ ،
فليساعدك هللا".
ٌ
"-هل أنت موافقة يا جدتي ..تعلمين والدي سيرفض".
111
"ص ْم ًتا يا فتى ،لن يستطيع تكسير أوامري ..لن ُي ْك َس َر ٌ
قلب في هذا َ -
بالحب يا أحفادي ّ البيت مرة أخرى ..لن أسمح بذلك؛ فلتحبوا وتهنؤوا
وليكرمكم هللا جميعا".
ُ َّ
الحب!؟ لقد ذقت أحسست بالسعادة في صوته؛ فمن أنا حتى أحرمه
َ َ ّ
أكمل حديثه بالهاتف مع "آية" .. يتجرعها أبدا .. مرارة الفقد ولن أجعله
"جدتي ..فلتساعدي "وليد" في وبعد أن أغلقت الهاتف معه اقتربت مني آيهّ :
دمر ..أنا أعرف الفتاة التي ُي ِح ُّبها ..إنها من حبه؛ ال تسمحي لقلبيهما أن ُي ّ
ِ
ّ
عائلة محترمة وأسرة طيبة".
ً احتضنتها و ُُ
قبلتها على رأسها ودعوت لها بالشفاء واعدة إياها أن
ُ
أحسست َّ َ ُ
أن (هللا) قد جعل الحادثة ساعدهم ما آتاني (هللا) من قوة ..آلان أ
ُْ طرفا في َف ّ
ً َ
ض النزاع وألنه َِي هذه العادات ِ أنا ن الغريبة التي كانت تحدث ألكو
ْ َ ْ
والتقاليد الخ ِر َبة التي َد َّم َرت أجيالنا!
112
َّ
(الد َّجال)
َ
لم يعلم الحمقى هؤالء أ َّنني الفتى الجبان ،فتى الحرب ..وهل يظنون
ُّ
وسأظل أن مثلي كان ليحارب في صف الحق ًّأيا كان!؟ أحارب للباطل فقط َّ
ُ ُ
أنتظر هذه التعويذة منذ قرون ..سنوات وعشيرتي أحارب جانبه ..كم كنت
َ َ ُّ
كلها تنتظر هذه التعويذة بفارغ الصبر ..سنوات وعشيرتي تنتظر لن ْع َبث كما
يحلو لنا بقوة أكثر مما نحن فيها!
سرها ..وهذا أنا ..آلان تيح لواحد فقط َح َ
مل ّ ولكن هذه التعويذة ُت ُ
ِ
َ ََّ ّ
املحبوب بين عشيرتي ِكلها ،علي آلان أن َ َس َي ْف َرحون بما سأفعله ،سأكون
ُ
أضبط ألاحداث كما يجب وأن أعيد الفتاة لتعطيني التعويذة.
ودمارُ ،وأ ْش ِع ُل َف َ
يتل النار ٌ ٌ
وخراب مكان به حرو ٌب ُ
بالطبع سأذهب لكل ٍ
بها؛ أنا آلان في (إحدى املدارس الثانوية بمحافظة أسوان) ..سأبدأ ألاحداث
لتصلني التعويذة.
عجبني هذا الفتى ُ ..يدعى "علي" سأجلس ترى َم ْن أختار َ ..ح َس ًناُ ،ي ُ
َ َ َ َّ ُ
بجواره وأتهيأ في شكل فتى في سنه" :تعلم يا صديقي أن الفتى املدعو "حسان"
ٌ ٌ َ
عبيد للفراعنة وال بسوء شديد؟ يقول أنكم أفارقة ٍ هذا كان يذكر قبيلتك
حق لكم في أي شبر في أرض مصر". َّ
113
َ َ
ص َّدقني والنيران متأ ِ ّججة بداخله ،حان أنا أضحك بشدة آلان ..الفتى
"مرحبا "حسان" ،تدري الفتي املدعو "علي"؛ ذكر ً الوقت للذهاب لآلخر:
َ
قبيلتك بسوء شديد يقول أنكم ال عرب وال عجم وأنكم تريدون الاستيالء على
أرضهم وسيقومون ب َط ْرد ُكم منها ً
قريبا". ِ ِ ِ
أيضا ..يا الخ َّط ُة وآلاخر على آخره من الغيظ ً ْ ُ
جدا ..نجحت جميل ًّ
ِ
السلسة ً ُ َ
الحرب وأذهب إلى الصديقين ِ اشتعال سأنتظر ا، جيد بدأت جمالي؛ ل
(الد َّجال) للخرو ِج من املحنة .. (عبد العزيز) و(صادق) اللذين لن يجدا إال َّ
ُ َْ ُ ُ َْ َّ
فالد َج ُل هذا شغل ِتي وشغلة الحمقى من أتباعي!
ّ َ َّ
مني ِ الضائع ها نصف يعتقدون أنني سأعطيهم التعويذة ..لن ينالوا إال
ُ ّ
ص َّدقاني .. تحك ٌم غيري أنا ..يا لسعادتي وضحكاتي؛ لقد َ حتى ال يكون هناك م
َ فتاة أخرى َم َعها َّ .. ُ ً ْ َ َّ
علي أن أبحث علي آلان أن أبحث عن الفتاة؛ لقد ذكرت
َ َ َّ عنها؛ ُتدعى ( يحانة) ،ها أنا أ اها آلان واقفة َ
وحدها بجوار النار ِلتت َدفأ؛ ر ر
مرحبا يا صغيرتي الجميلة!
َ ُّ
يحب صديقه أما عن ألاحمقين (صادق) و(عبد العزيز) فكالهما
ّ ً
بشدة؛ سألقي بهما َ ..ح َسنا سأفكر قليال(" :صادق) يحب ٍ بوفاء ،أكره الوفاءٍ
أجداده بشدة هاهاهاها ..تعال يا عزيزي وانعم هنا مع الفراعنة؛ من ِ تاريخ
أجدادك مضطهدين فيه ..فتى ُ ً
عصرا كان َ
سأعطيك ُح ِ ّبي لك أيها البشري
ٌ ُ
الثورة ألاحمق (كرشاب) ..أما آلاخر (عبد العزيز) فله عندي قصة أخرى؛
ُْ ُ
هيا يا فتى ،إلى املذبحة الكبرى ..سأفعل بك ما فعلته بصديقك ولت ِح ّبا
تاريخكما في أسود أيامه!
114
ّ ائع! انتهى دو ُر الفتاتين آلان ..ابتسما ً
جيدا في موطنكما أل ِني سأجعل ر
أحفادكما يقتتالن حتى املوت ..
َّأما عن الفتى الغبي (عبد الصمد) الذي كان باملعركة؛ فلقد أنجب
مريضا ..خاف عليه من املوت إن أسماه (أكرم) على اسم ً ولده البكر
ولدا آخر وأسماه (أكرم) ..لم يكن يعلم َّ
أنجب ً َ َّ
أن ابنه صديقه؛ فانتظر ملاِ
البكر سيسمع ك ل ما أقوله له في املذبحة الطاحنة في (أسوان) ..الكل
بسماعهم لي ..ال يعلمون أنني سأجعلهم
ِ يسمعني آلان ..يعتقدون َّأنهم سعداء
َ َ َ
يرون أسوأ م ِ
او ِف ِهم! خ
115
(املصير)
َ ُ َّ
لم يكن الشيطان لينفذ إال إرادة (هللا) فقط ..فكل َما أشعل نا ًرا للحرب
كل ما يفعله بأمر (هللا) وإرادته ..حتى اختياره لكليعلم َأ َّن َّ
أطفأها (هللا) ..ال ُ
واحد منهم لم يكن هو من يختار. ٍ
َّ َ
أما عن (أكرم) فهو بالسجن ينتظر حكما باإلعدام في القضية املشهورة
والتي عرفت إعالميا بمعركة (الدابودية والهاليل) ،بعدما فقد ُح َّب حياته،
ً َّ حبيسا ألحزانه ..ال ًّ
أحدا إال ذلك الشبح ،وقد اتهمه البعض يحدث أصبح
َ
ي ُيدمي القلوب!ٍ
طيلة الوقت في مشهد مأساو ّ بالجنو ِن؛ فهو يتحدث معه
و(تيماء) كان من أحفادها (أمين باشا) بعدما ارتبطوا بأهل مصر
بعيدا عن (املذبحةوتز ّوجوا من الحكام والعامة على حد سواء ،والذي هرب ً
َّ
يخيا باسم (مذبحة القلعة) ُويقال أنه هرب إلى الكبرى) والتي عرفت تار ًّ
ً
سوريا وال أحد يعلم عن اختفائه شيئا.
تغيرت فكرةوالد أكرم وأخوه لتربية أطفالهم ..والحقيقة لقد َّ عاش ُ
ِ
(عصام) عن كل ش يء حتى أنه يربي أبناءه آلان على نبذ العنف والعنصرية ..
وأهل (آية) يعيشون في سالم مع أبنائهم وعاد كل ش يء لطبيع ِته ألاولى ..
116
َُّ ْ
ك ِللت قصة حب (سارة ووليد) بالنجاح ،بعدما أقنع كالهما ألاهل
ُ
بحبهما ،والذي ُر ّبما لتلك الظروف التي أحاطت به لم يكن يقف أمامه ّ
ِ
َ َّ َ ْ
العراقيل التي دمرت حياة وحب (أكرم وآية) ..وتمت خطبتهما؛ وهما آلان
لديهما صفحة كبيرة على إلانترنت ،وهما من املدافعين عن (نبذ القبيلة
َ
ً
نجاحا ً
كبيرا وحققا ملصر والعنصرية) في وقتنا الحالي ..وقد ن َجحا في عملهما
معا.وحبهما ً
كبيرا ،وهما آلان مستمران في أبحاثهما ّ انتصا ًرا ً
ِ
(الد َّجال) -والذي ال شك أنكم قد عرفتم من هو -يجري في ّ
كل وأما َّ
ِ
َّ ْ مكان ليشعل النيران َ ..ف ْل ّ
تتمسكوا باهلل َولتعلموا أنه (لن ُيصيبنا إال ما كتب ٍ
هللا لنا) واستعيذوا باهلل ً
كثيرا منه! ُ
َ ْ
ت َّمت.
117
وتاريخنا العريق ،تحترم قيم مجتمعنا ومعتقداته ،ال تساعد في نشر العنف أو
العنصريةّ ،
ترسخ ملبدأ املساواة والحرية والعدالة .والسعى نحو الارتقاء
باألدب العربي في كافة مجاالته ،والوصول به نحو العاملية.
ملراسلتنا بشأن نشر ألاعمال ألادبية
arabiclibrary2017@gmail.com
facebook.com/arabiclibrary2017
118