You are on page 1of 38

‫وزارت تحصیالت عالی‬

‫دانشگاه البیرونی‬
‫دانشکده شرعیات‬
‫دیپارتمنت فقه و قانون‬

‫«کتاب الجنایات»‬
‫سمستر هفتم‬

‫مدرس‪ :‬استاد "نظری"‬


‫سال تحصیلی‪1402..........................................................................‬‬
‫باب الجنایات‪:‬‬
‫جره إلیه وجمعت وإن كانت مصدراً الختالف أنواعها فإنها قد‬ ‫هي جمع جنایة مصدر من جنى الذنب یجنیه جنایة أي ّ‬
‫تكون في النفس وفي األطراف وتكون عمداً وخطأ ‪.‬‬
‫ش َه ُد أَ ْن ال‬ ‫سلّم‪" :‬ال یَحِ ُّل َد ُم ا ْم ِرىءٍ ُمس ٍْلم یَ ْ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫َّللا َ‬ ‫سو ُل ه ِ‬ ‫ع ْنهُ قالَ‪ :‬قا َل َر ُ‬ ‫س ُعو ٍد َرضي هللا تَعَالَى َ‬ ‫ابن َم ْ‬ ‫ع َِن ِ‬
‫ق‬‫عةِ" ُمتّفَ ٌ‬ ‫الزاني‪َ ،‬والنّ ْف ِس ِبالنّ ْف ِس‪ ،‬والتّاركِ ِلدِی ِن ِه ال ُمفَ ِ‬
‫ارق ل ْل َج َما َ‬ ‫ب ه‬ ‫َّللا إاله ِبإ ْحدَى ثَالثٍ‪ :‬الثه ِّی ِ‬ ‫سو ُل ه ِ‬ ‫َّللا َوأَني َر ُ‬ ‫إلَه إال ه ُ‬
‫علَ ْی ِه ‪.‬‬‫َ‬
‫أن ال إلهَ إال‬ ‫ش َه ُد ْ‬‫سل ٍِم یَ ْ‬‫سلّم‪ :‬ال یَحِ ُّل َد ُم ا ْم ِرىءٍ ُم ْ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫(عن ابن مسعود رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا َ‬
‫الزاني) أي المحصن بالرجم (والنّ ْف ِس بالنّ ْف ِس‪،‬‬ ‫ب ه‬ ‫َّللاِ) هو تفسیر لقوله مسلم (إال بِ ِإ ْحدَى ثَالثٍ‪ :‬الثّ ْی ِ‬ ‫َّللا وأنِّي َرسُو ُل ه‬ ‫هُ‬
‫عةِ" متفق علیه)‬ ‫ْ‬
‫فارق لل َج َما َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫والتّاركِ ِلدِینِهِ) أي المرتد عنه (ال ُم‬
‫فیه دلیل على أنه ال یباح دم المسلم إال بإتیانه بإحدى الثالث والمراد من النفس بالنفس القصاص بشرطه وسیأتي ‪.‬‬
‫والتارك لدینه یعم كل مرتد عن اإلسالم بأي ردّة كانت فیقتل إن لم یرجع إلى اإلسالم‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬المفارق للجماعة یتناول كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غیرهما كالخوارج إذا قاتلوا وأفسدوا ‪.‬‬
‫وقد أورد على الحصر أنه یجوز قتل الصائل ولیس من الثالثة‪ .‬وأجیب بأنه داخل تحت قوله‪" :‬المفارق للجماعة" أو‬
‫أن المراد من هؤالء من یجوز قتلهم قصداً والصائل ال یقتل قصداً بل دفعا ً ‪.‬‬
‫وفیه دلیل على أنه ال یقتل الكافر األصلي لطلب إیمانه بل لدفع شره وقد بسطنا القول في ذلك في حواشي ضوء النهار‬
‫‪.‬‬
‫وقد یقال إن الكافر األصلي داخل تحت التارك لدینه ألنه ترك فطرته التي فطر علیها كما عرف في محله‪.‬‬
‫ص ٍن فَی ُْر َج ُم‪،‬‬ ‫ان ُم َح َ‬‫صا ٍل‪" :‬زَ ٍ‬ ‫ث خِ َ‬ ‫سلّم قَالَ‪" :‬ال یَحِ ُّل قَتْ ُل ُمس ٍْلم إال بإ ْحدَى ثَال ِ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْن َرسُو ِل هللا َ‬ ‫شةَ َ‬ ‫ع ْن عائِ َ‬ ‫َو َ‬
‫ض"‬ ‫صلَبُ أ ْو یُ ْنفَى مِ نَ ْ‬
‫األر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ْالم فَیُ َحاربُ الل َه َو َرسُولَهُ فَیُ ْقتَ ُل أ ْو یُ ْ‬ ‫ج مِ نَ اإلس ِ‬ ‫َو َر ُج ٍل یَ ْقت ُ ُل ُم ْسلِما ً ُمتَ َع ِ ّمداً فَیُ ْقتَلُ‪َ ،‬و َر ُج ٍل یَ ْخ ُر ُ‬
‫ص ّح َحهُ ْال َحا ِك ُم ‪.‬‬
‫ي َو َ‬ ‫سائ ُّ‬ ‫َر َوا ُه أَبُو دَاو َد َوالنّ َ‬
‫ث خِ صَا ٍل)‬ ‫سلّم قَالَ‪" :‬ال یَحِ ُّل قَتْ ُل ُمس ٍْلم إال بإ ْحدَى ثَال ِ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫(وع َْن عائِشَةَ رضي هللا عنها ع َْن َرسُو ِل هللا َ‬ ‫َ‬
‫سلِما ً ُمتَعَ ِ ّمداً) قید ما أطلق في الحدیث األول (فَیُ ْقتَلُ‪،‬‬ ‫ان ُم َحص ٍَن) یأتي تفسیره (فَیُ ْر َج ُم‪َ ،‬و َر ُج ٍل یَ ْقت ُ ُل ُم ْ‬ ‫بینها بقوله‪َ :‬‬
‫(ز ٍ‬
‫ص ّح َحهُ‬ ‫ي َو َ‬ ‫سائ ُّ‬ ‫ض" َر َوا ُه أَ ُبو دَاو َد َوالنّ َ‬ ‫ب أَ ْو ُی ْنفَى مِ نَ ْ‬
‫األر ِ‬ ‫صلَ ُ‬ ‫سولَهُ فَ ُی ْقتَ ُل أَ ْو ُی ْ‬ ‫َّللا َو َر ُ‬
‫َارب ه َ‬ ‫ْالم فَ ُیح ُ‬
‫ج مِ نَ اإلس ِ‬ ‫َو َر ُج ٍل یَ ْخ ُر ُ‬
‫ا ْلحَا ِك ُم)‪.‬‬

‫صا ٍل) بینها‬ ‫ث خِ َ‬ ‫سلّم قَالَ‪" :‬ال یَحِ ُّل قَتْ ُل ُمس ٍْلم إال بإ ْحدَى ثَال ِ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫سو ِل هللا َ‬ ‫ع ْن َر ُ‬‫شةَ رضي هللا عنها َ‬ ‫ع ْن عا ِئ َ‬ ‫(و َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ص ٍن) یأتي تفسیره (فی ُْر َج ُم‪َ ،‬و َر ُج ٍل یَقت ُل ُم ْسلِما ُمتَعَ ِ ّمدا) قید ما أطلق في الحدیث األول (فیُقتَلُ‪َ ،‬و َر ُج ٍل‬ ‫َ‬ ‫ان ُم َح َ‬ ‫بقوله‪( :‬زَ ٍ‬
‫ْ‬
‫ص ّح َحهُ ال َحا ِك ُم)‪.‬‬ ‫ي َو َ‬ ‫سائ ُّ‬ ‫َ‬
‫ض" َر َواهُ أبُو دَاو َد َوالنّ َ‬ ‫األر ِ‬ ‫َ‬
‫صلبُ أ ْو یُ ْنفَى مِ نَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َّللا َو َرسُولهُ فَیُقتَ ُل أ ْو یُ ْ‬ ‫ْالم فَیُ َحاربُ َّ َ‬ ‫ج مِ نَ اإلس ِ‬ ‫یَ ْخ ُر ُ‬
‫الحدیث أفاد ما أفاده الحدیث األول الذي قبله ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فیحارب هللا ورسوله بعد قوله‪ :‬یخرج من اإلسالم بیان لحكم خاص لخارج عن اإلسالم خاص وهو المحارب‬
‫وله حكم خاص هو ما ذكر من القتل أو الصلب أو النفي فهو أخص من الذي أفاده الحدیث الذي قبله ‪.‬‬
‫والنفي الحبس عند أبي حنیفة وعند الشافعي النفي من بلد إلى بلد ال یزال یطلب وهو هارب فزع وقیل‪ :‬ینفي من بلده‬
‫فقط ‪.‬‬
‫وظاهر الحدیث واآلیة أیضا ً أن اإلمام مخیر بین هذه العقوبات في كل محارب مسلما ً كان أو كافراً‪.‬‬
‫ضى بَیْنَ النّا ِس یَ ْو َم ْال ِقیَام ِة في ال ّدِماءِ "‬ ‫سلّم‪" :‬أَ َّو ُل َما یُق َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫َّللا َ‬‫بن َم ْسعُو ٍد قَالَ‪ :‬قا َل َرسُو ُل َّ ِ‬ ‫ع ْب ِد َّ ِ‬
‫َّللا ِ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َو َ‬
‫َ‬
‫عل ْی ِه ‪.‬‬ ‫ُمتّفَ ٌق َ‬
‫اس َی ْو َم ْال ِق َیام ِة‬ ‫ضى َبیْنَ النّ ِ‬ ‫سلّم‪" :‬أَ َّو ُل َما یُق َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫سو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ع ْنهُ قَالَ‪ :‬قا َل َر ُ‬ ‫َّللا َ‬ ‫ي ُّ‬ ‫ض َ‬ ‫بن َم ْس ُعو ٍد َر ِ‬ ‫ع ْب ِد َّ ِ‬
‫َّللا ِ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫(و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫عل ْیهِ)‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫في ال ّدِماءِ " ُمتفَق َ‬
‫فیه دلیل على عظم شأن دم اإلنسان فإنه ال یقدم في القضاء إال األهم ‪.‬‬
‫ولكنه یعارضه حدیث‪" :‬أول ما یحاسب العبد علیه صالته" أخرجه أصحاب السنن من حدیث أبي هریرة‪.‬‬
‫ویجاب بأن حدیث الدماء فیما یتعلق بحقوق المخلوق وحدیث الصالة فیما یتعلق بعبادة الخالق وبأن ذلك في أولیة القضاء‬
‫واآلخر في أولیة الحساب ‪.‬‬
‫كما یدل له ما أخرجه النسائي من حدیث ابن مسعود بلفظ‪" :‬أول ما یحاسب علیه العبد صالته وأول ما یقضى بین الناس‬
‫في الدماء" وقد أخرج البخاري من حدیث علي رضي هللا عنه وغیره‪" :‬أنه رضي هللا عنه أول من یجثو بین یدي‬
‫الرحمن للخصومة یوم القیامة في قتلى بدر ــــ الحدیث"‪.‬‬
‫فبین فیه أول قضیة یقضي فیها وقد بین االختصام حدیث أبي هریرة‪" :‬أول ما یقضى بین الناس في الدماء‪ ،‬ویأتي كل‬
‫قتیل قد حمل رأسه یقول‪ :‬یا رب سل هذا فیم قتلني ــــ الحدیث"‪.‬‬
‫وفي حدیث ابن عباس یرفعه‪" :‬یأتي المقتول معلقا ً رأسه بإحدى یدیه ُملَ ِبّبا ً قاتله بیده األخرى تشحط أوداجه دما ً حتى‬
‫یقفا بین یدي هللا تعالى" وهذا في القضاء في الدماء‪.‬‬
‫وفي القضاء باألموال ما أخرجه ابن ماجه من حدیث ابن عمر یرفعه‪" :‬من مات وعلیه دینار أو درهم قضى من حسناته‬
‫وفي معناه عدة أحادیث وأنها إذا فنیت حسناته قبل أن یقضي ما علیه طرح علیه من سیئات خصمه وألقي في النار ‪.‬‬
‫وقد استشكل ذلك بأنه كیف یعطى الثواب وهو ال یتناهى في مقابلة العقاب وهو یتناهى؟ یعني على القول بخروج‬
‫الموحدین من النار ‪.‬‬
‫وأجاب البیهقي‪ :‬بأنه یعطى من حسناته ما یوازي عقوبة سیئاته من غیر المضاعفة التي یضاعف هللا تعالى بها الحسنات‬
‫ألن ذلك من محض الفضل الذي یخص هللا تعالى به من یشاء من عباده وهذا فیمن مات غیر ناو لقضاء دینه‪ .‬وأما من‬
‫مات وهو ینوي القضاء فإن هللا یقضي عنه كما قدمناه في شرح الحدیث الثالث من أبواب السلم ‪.‬‬
‫ع ْب َد ُه قَت َْلنَا ُه‪َ ،‬و َم ْن َجدَع َ‬
‫ع ْب َد ُه َج َد ْعنَا ُه"‬ ‫سلّم‪َ " :‬م ْن قَتَ َل َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫سو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ع ْنهُ قالَ‪ :‬قا َل َر ُ‬ ‫َّللا تَ َعالَى َ‬
‫ضي َّ ُ‬ ‫س ُم َرةَ َر َ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َو َ‬
‫روای ِة‬‫س َما ِع ِه مِ ْنهُ‪َ ،‬وفي َ‬ ‫ِف في َ‬ ‫س ُم َرةَ َوقَ ْد ا ْختُل َ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫يِ َ‬ ‫س ِن ْالبَصْر ّ‬ ‫ي َوه َُو من روایة ال َح َ‬ ‫َر َواهُ أَ ْح َم ُد واأل َ ْربَعَةُ َو َح ّ‬
‫سنَهُ التّ ِْرمِ ِذ ُّ‬
‫ص ّح َح ْال َحا ِك ُم َه ِذ ِه َّ‬
‫الزیَا َدةَ‪.‬‬ ‫ص ْینَاهُ" َو َ‬ ‫"و َم ْن خَصى َ‬
‫ع ْب َدهُ َخ َ‬ ‫ي ِ بزیَا َدةِ‪َ :‬‬ ‫سائ ّ‬ ‫أبي دَاو َد والنّ َ‬
‫ع) بالجیم والدال‬ ‫ع ْب َد ُه قَت َْلناه‪ .‬و َم ْن َج َد َ‬ ‫سلّم‪َ " :‬م ْن قَتَ َل َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫( وعن سمرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا َ‬
‫ع ْب َدهُ َج َد ْعنَاهُ" رواه أحمد واألربعة وحسنه الترمذي وهو من روایة الحسن البصري عن سمرة وقد اختلف في‬ ‫المهملة ( َ‬
‫ً‬
‫سماعه منه) على ثالثة أقوال‪ .‬قال ابن معین‪ :‬لم یسمع الحسن منه شیئا وإنما هو كتاب وقیل‪ :‬سمع منه حدیث العقیقة‬
‫وأثبت ابن المدیني سماع الحسن من سمرة (وفي روایة أبي داود والنسائي بزیادة‪ :‬ومن خصى عبده خصیناه وصحح‬
‫الحاكم هذه الزیادة)‪.‬‬
‫والحدیث دلیل على أن السید یقاد بعبده في النفس واألطراف إذ الجدع‪ :‬قطع األنف أو األذن أو الید أو الشفة كما في‬
‫القاموس ‪.‬‬
‫ویقاس علیه إذا كان القاتل غیر السید بطریق األولى والمسألة فیها خالف ‪.‬‬
‫ذهب النخعي وغیره إلى أنه یقتل الحر بالعبد مطلقا ً عمالً بحدیث سمرة وأیده عموم قوله تعالى‪{ :‬النفس بالنفس}‪.‬‬
‫وذهب أبو حنیفة إلى أنه یقتل به إال إذا كان سیده عمالً بعموم اآلیة وكأنه یخص السید بحدیث‪" :‬ال یقاد مملوك من مالكه‬
‫وال ولد من والده" أخرجه البیهقي‪.‬‬
‫إال أنه من روایة عمر بن عیسى یذكر عن البخاري أنه منكر الحدیث ‪.‬‬
‫وأخرج البیهقي أیضا ً من حدیث ابن عمرو في قصة زنباع لما جب عبده وجدع أنفه أنه صلى هللا علیه وآله وسلم قال‪:‬‬
‫"من مثل بعبده وحرق بالنار فهو حر وهو مولى هللا ورسوله" فأعتقه صلى هللا علیه وآله وسلم ولم یقتص من سیده إال‬
‫أن فیه[تض] المثنى بن الصباح[‪/‬تض] ضعیف ‪.‬‬
‫ورواه عن الحجاج بن أرطاة من طریق آخر وال یحتج به ‪.‬‬
‫وفي الباب أحادیث ال تقوم بها حجة وذهبت الهادویة و الشافعي ومالك وأحمد إلى أنه ال یقاد الحر بالعبد مطلقا ً مستدلین‬
‫الحر ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحر بغیر‬ ‫ّ‬ ‫بما یفیده قوله تعالى‪{ :‬الحر بالحر} فإن تعریف المبتدأ یفید الحصر وأنه ال یقتل‬
‫وألنه تعالى قال في صدر اآلیة‪{ :‬كُتب علیكم القصاص} وهو المساواة {الحر بالحر} تفسیر وتفصیل لها وقوله تعالى‬
‫في آیة المائدة‪{ :‬النفس بالنفس} مطلق وهذه اآلیة مقیدة مبینة وهذه صریحة لهذه األمة وتلك سیقت في أهل الكتاب ‪.‬‬
‫وشریعتهم وإن كانت شریعة لنا لكنه وقع في شریعتنا التفسیر بالزیادة والنقصان كثیراً فیقرب أن هذا التقیید من ذلك‬
‫وفیه مناسبة إذ فیه تخفیف ورحمة ‪.‬‬
‫وشریعة هذه األمة أخف من شرائع من قبلها فإنه وضع عنهم فیها اآلصار التي كانت على من قبلهم‪.‬‬
‫والقول بأن آیة المائدة نسخت آیة البقرة لتأخرها مردود بأنه ال تنافي بین اآلیتین إذ ال تعارض بین عام وخاص ومطلق‬
‫ومقید حتى یصار إلى النسخ وألن آیة المائدة متقدمة حكما ً فإنها حكایة لما حكم هللا تعالى به في التوراة وهي متقدمة‬
‫نزوالً على القرآن‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي شیبة من حدیث عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده‪" :‬أن أبا بكر وعمر كانا ال یقتالن الحر بالعبد‬
‫حر بعبد" وفي إسناده[تض] جابر الجعفي[‪/‬تض]‬ ‫وأخرج البیهقي من حدیث علي رضي هللا عنه‪" :‬من السنّة أن ال یقتل ّ‬
‫ومثله عن[تض] ابن عباس [‪/‬تض]وفیه ضعف وأما حدیث سمرة فهو ضعیف أو منسوخ بما سردناه من األحادیث ‪.‬‬
‫تقرر أن الحر ال یقتل بالعبد فیلزم من قتله قیمته على خالف فیها معروف ولو‬ ‫بالحر فإجماع وإذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا وأما قتل العبد‬
‫بلغت ما بلغت وإن جاوزت دیة الحر وقد بیناه في حواشي ضوء النهار‪.‬‬
‫وأما إذا قتل السید عبده ففیه حدیث عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده‪" :‬أن رجالً قتل عبده صبراً متعمداً فجلده النبي‬
‫سلّم مائة جلدة ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمین ولم یقده به وأمره أن یعتق رقبة‪.‬‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫َ‬
‫سلّم یَقُولُ‪" :‬ال یُقَا ُد ْال َوال ُد بالولد" َرواهُ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫َّللاِ َ‬‫سمِ ْعت َرسُو َل َّ‬ ‫ع ْنهُ قَالَ‪َ :‬‬ ‫َّللا َ‬
‫ب رضي َّ ُ‬ ‫ع ْن عُ َم َر ب ِْن ْالخ ّ‬
‫َطا ِ‬ ‫َو َ‬
‫ي‪ :‬إنهُ ُمضْطربٌ ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ي َوقا َل الت ِْرمِ ِذ ُّ‬ ‫ْ‬
‫ارو ِد َوالبَ ْی َه ِق ُّ‬ ‫ْ‬
‫ي واب ُن َما َجهْ َوص ّح َحهُ ا ْب ُن ال َج ُ‬ ‫أَ ْح َم ُد َوالت ِْرمِ ذ ُّ‬
‫ّ‬
‫قال الترمذي‪ :‬وروي عن عمرو بن شعیب مرسالً وهذا حدیث فیه اضطراب والعمل علیه عند أهل العلم انتهى‪ ،‬وفي‬
‫إسناده عنده الحجاج بن أرطأة ‪.‬‬
‫وجه االضطراب أنه اختلف على عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده فقیل‪ :‬عن عمر وهي روایة الكتاب وقیل‪ :‬عن‬
‫سراقة وقیل‪ :‬بال واسطة وفیها[تض] المثنى بن الصباح[‪/‬تض] وهو ضعیف‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬طرق هذا الحدیث كلها منقطعة‪ ،‬وقال عبد الحق‪ :‬هذه األحادیث كلها معلولة ال یصح فیها شيء ‪.‬‬
‫والحدیث دلیل على أنه ال یقتل الوالد بالولد ‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬حفظت عن عدد من أهل العلم لقیتهم أن ال یقتل الوالد بالولد‪ .‬وبذلك أقول‪ .‬وإلى هذا ذهب الجماهیر من‬
‫الصحابة وغیرهم كالهادویة والحنفیة والشافعیة وأحمد وإسحاق مطلقا ً للحدیث ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ألن األب سبب لوجود الولد فال یكون الولد سببا ً إلعدامه وذهب البتي إلى أنه یقاد الوالد بالولد مطلقا ً لعموم قوله‬
‫تعالى‪{ :‬النفس بالنفس} وأجیب بأنه مخصص بالخبر‪ ،‬وكأنه لم یصح عنده ‪.‬‬
‫وذهب مالك إلى أنه یقاد بالولد إذا أضجعه وذبحه قال‪ :‬ألن ذلك عمد حقیقة ال یحتمل غیره فإن الظاهر في مثل استعمال‬
‫الجارح في المقتل هو قصد العمد والعمدیة أمر خفي ال یحكم بإثباتها إال بما یظهر من قرائن األحوال‪ .‬وأما إذا كان‬
‫على غیر هذه الصفة فیما یحتمل عدم إزهاق الروح بل قصد التأدیب من األب وإن كان في حق غیره یحكم فیه بالعمد‪.‬‬
‫وإنما فرق بین األب وغیره لما لألب من الشفقة على ولده وغلبة قصد التأدیب عند فعله ما یغضب األب فیحمل على‬
‫عدم قصد القتل وهذا رأي منه وإن ثبت النص لم یقاومه شيء‪.‬‬
‫وقد قضى به عمر في قصة المدلجي وألزم األب الدیة ولم یعطه شیئا ً وقال‪ :‬لیس لقاتل شيء‪ .‬فال یرث من الدیة إجماعا ً‬
‫وال من غیرها عند الجمهور‪ .‬والج ّد واألم كاألب عندهم في سقوط القود‪.‬‬
‫س َمةَ‪،‬‬
‫ق ال َحبّةَ َوب ََرأَ النّ َ‬
‫آن؟ قَالَ‪ :‬ال‪ ،‬والّذِي فَلَ َ‬ ‫ي‪َ :‬ه ْل ِع ْن َدكُ ْم شي ٌء مِ نَ ا ْل َو ْحي َ‬
‫غی َْر ا ْلقُ ْر ِ‬ ‫َوع َْن أَبي ُج َح ْیفَةَ قالَ‪ :‬قُ ْلتُ ِلعَل َ‬
‫رآن َو َما في َه ِذ ِه الصهحِ یفةِ‪ ،‬قُ ْلتُ ‪َ :‬و َما في ه ِذ ِه الصهحِ یفَةِ؟ قَالَ‪ :‬ا ْلعَ ْق ُل َوفِكاكُ‬ ‫َّللا تَعَالَى َر ُجالً في ا ْلقُ ِ‬ ‫إال فَهْما ً یُعْطِ ی ِه ه ُ‬
‫ي‬‫سائي مِ ْن َو ْج ٍه آ َخ َر ع َْن عَلي ٍ َر ِض َ‬ ‫َاو َد والنّ َ‬ ‫خاري‪َ ،‬وأَ ْخ َر َجهُ أَ ْح َم ُد َوأَبُو د ُ‬ ‫ُّ‬ ‫س ِل ٌم بِكاف ٍِر" َر َواهُ ا ْلبُ‬ ‫األسِیر‪َ ،‬وأَ ْن ال یُ ْقتَ َل ُم ْ‬
‫سعَى ِب ِذ ّمت ِِه ْم أَدْناهُ ْم‪َ ،‬وهُ ْم یَ ٌد عَلى َم ْن س َِواهُ ْم‪َ ،‬وال یُ ْقتَ ُل ُمؤمِ ٌن‬ ‫ع ْنه َوقَا َل فِیهِ‪" :‬المؤمِ نُونَ تَتَكافأ ُ ِد َما ُؤهُ ْم‪َ ،‬ویَ ْ‬ ‫َّللا تَعَالَى َ‬
‫هُ‬
‫ص ّح َحهُ الحا ِك ُم‪.‬‬ ‫ع ْه ِدهِ" َو َ‬ ‫ع ْه ٍد في َ‬ ‫ِبكاف ٍِر وال ذُو َ‬
‫القرآن؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬والذي فلق الحبة‬
‫ِ‬ ‫الو ْحي ِ ٍغی ُْر‬ ‫ي رضي هللا عنه‪ :‬هل عندكم شيء من َ‬ ‫(وعن أبي جحیفة قال‪ :‬قال لعل ّ‬
‫ً‬
‫وبرأ النسمة إال فه ٌم) استثناء من لفظ شيء مرفوع على البدلیة (یعطیه هللا رجال في القرآن وما في هذه الصحیفة) أي‬
‫"ال َع ْقلُ) أي الدیة سمیت عقال ألنهم كانوا یعقلون اإلبل التي هي دیة‬ ‫الورقة المكتوبة‪( :‬قلت‪ :‬وما في هذه الصحیفة؟ قال‪ْ :‬‬
‫وأن ال یُ ْقتَ َل ُم ْس ِل ٌم ِبكَافِر" رواه البخاري وأخرجه أحمد وأبو داود‬‫بفناء دار المقتول (وفِكاك) بكسر الفاء وفتحها (األسِیر ْ‬
‫ي رضي هللا عنه وقال فیه‪" :‬ال ْمؤُمِ نُونَ تَتَكافأ ُ ِد َما ُؤهُ ْم) أي تتساوى في الدیة والقصاص‬ ‫والنسائي من وجه آخر عن عل ّ‬
‫ع ْه ِدهِ" وصححه الحاكم)‪.‬‬‫ع ْه ٍد في َ‬ ‫على َم ْن س َِواهُ ْم وال یُ ْقتَ ُل ُمؤمِ ٌن بِكافِر وال ذُو َ‬‫(ویَ ْسعَى بِ ِذ ّمتِه ْم أَ ْدنَاهُ ْم َوهُ ْم یَ ٌد َ‬
‫قال المصنف‪ :‬إنما سأل أبو جحیفة علیّا ً رضي هللا عنه عن ذلك ألن جماعة من الشیعة كانوا یزعمون أن ألهل البیت‬
‫علیهم السالم ال سیّما علي رضي هللا عنه اختصاصا ً بشيء من الوحي لم یطلع علیه غیره وقد سأل علیا ً رضي هللا عنه‬
‫عن هذه المسألة غیر أبي جحیفة أیضاً‪.‬‬
‫صلّى هللا‬‫ثم الظاهر أن المسؤول عنه هو ما یتعلق باألحكام الشرعیة من الوحي الشامل لكتاب هللا المعجز وسنة النبي َ‬
‫سلّم فإن هللا تعالى سماها وحیا ً إذ فسّر قوله تعالى‪{ :‬وما ینطق عن الهوى} بما هو أع ّم من القرآن ‪.‬‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬
‫َ‬
‫ي رضي هللا عنه من الجفر وغیره وقد‬ ‫ویدل علیه قوله‪" :‬وما في هذه الصحیفة؟" فال یلزم منه نفي ما نسب إلى عل ّ‬
‫یقال‪ :‬إن هذا داخل تحت قوله‪" :‬إال فهم یعطیه هللا تعالى رجالً في القرآن‬
‫ونور بصیرته أنه یستنبط ذلك من القرآن‪.‬‬ ‫فإنه كما نسب إلى كثیر ممن فتح هللا علیه بأنواع العلوم ّ‬
‫والحدیث قد اشتمل على مسائل‪:‬‬
‫األولى‪ :‬العقل وهو الدیة ویأتي تحقیقها ‪.‬‬
‫والثانیة‪ :‬فكاك األسیر‪ ،‬أي حكم تخلیص األسیر من ید العدو‪ ،‬وقد ورد الترغیب في ذلك‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬عدم قتل المسلم بالكافر قوداً وإلى هذا ذهب الجماهیر وأنه ال یقتل ذو عهد في عهده‪ ،‬فذو العهد الرجل من‬
‫محرم على المسلم حتى یرجع إلى مأمنه ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أهل دار الحرب یدخل علینا بأمان فإن قتله‬
‫فلو قتله مسلم فقالت الحنفیة‪ :‬یقتل المسلم بالذمي إذا قتله بغیر استحقاق وال یقتل بالمستأمن‪.‬‬
‫واحتجوا بقوله في الحدیث‪" :‬وال ذو عهد في عهده" فإنه معطوف على قوله‪ :‬مؤمن فال بد من تقیید في الثاني كما في‬
‫الطرف األول فیقدر‪ :‬وال ذو عهد في عهده بكافر وال بد من تقیید الكافر في المعطوف بلفظ الحربي ألن الذمي یقتل‬
‫بالذمي ویقتل بالمسلم‪.‬‬
‫وإذا كان التقیید ال بد منه في المعطوف وهو مطابق للمعطوف علیه فال بد من تقدیر مثل ذلك في المعطوف علیه ‪.‬‬
‫فیكون التقدیر‪ :‬وال یقتل مؤمن بكافر حربي ومفهوم حربي أنه یقتل بالذمي بدلیل مفهوم المخالفة وإن كانت الحنفیة ال‬
‫إن الحدیث یدل على أنه ال یقتل بالحربي صریحا ً ‪.‬‬ ‫تعمل بالمفهوم فهم یقولون ّ‬
‫وأ ّما قتله بالذمي فبعموم قوله تعالى‪{ :‬النفس بالنفس} ولما أخرجه البیهقي من‪ :‬أنه صلى هللا علیه وآله وسلم قتل مسلما ً‬
‫بمعاهد وقال‪" :‬أنا أكرم من وفى بذ ّمته" وهو حدیث مرسل من حدیث عبد الرحمن بن البیلماني وقد روي مرفوعاً‪.‬‬
‫قال البیهقي‪ :‬وهو خطأ‪ ،‬وقال الدارقطني‪ :‬ابن البیلماني ضعیف ال تقوم به حجة إذا وصل الحدیث فكیف بما یرسله؟ ‪.‬‬
‫وقال أبو عبید القاسم بن سالم‪ :‬هذا الحدیث لیس بمسند وال یجعل مثله إماما ً تسفك به دماء المسلمین‪.‬‬
‫وذكر الشافعي في األم‪ :‬إن حدیث ابن البیلماني كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن الضمیري قال‪ :‬فعلى هذا‬
‫لو ثبت لكان منسوخا ً ألن حدیث‪" :‬ال یقتل مسلم بكافر" خطب به النبي صلى هللا علیه وآله وسلم یوم الفتح كما في روایة‬
‫عمرو بن شعیب وقصة عمرو بن أمیة متقدمة قبلذلك بزمان ‪.‬‬
‫هذا وأما ما ذكرته الحنفیة من التقدیر فقد أجیب عنه بأنه ال یجب التقدیر ألن قوله‪" :‬وال ذو عهد في عهده" كالم تام فال‬
‫یحتاج إلى إضمار ألن اإلضمار خالف األصل فال یصار إلیه إال لضرورة فیكون نهیا ً عن قتل المعاهد ‪.‬‬
‫وقولهم‪ :‬إن قتل المعاهد معلوم وإال لم یكن للعهد فائدة فال حاجة إلى اإلخبار به‪.‬‬
‫جوابه‪ :‬أنه محتاج إلى ذلك إذ ال یعرف إال بطریق الشارع وإال فإن ظاهر العمومات یقضي بجواز قتله ولو سلم تقدیر‬
‫الكافر في الثاني فال یسلم استلزام تخصیص األول بالحربي ألن مقتضى العطف مطلق االشتراك ال االشتراك من كل‬
‫وجه ‪.‬‬
‫ومعنى قوله‪" :‬ویسعى بذمتهم أدناهم" أنه إذا أمن المسلم حربیا ً كان أمانه أمانا ً من جمیع المسلمین ولو كان ذلك المسلم‬
‫امرأة كما في قصة أم هانىء ویشترط كون المؤمن مكلفا ً فإنه یكون أمانا ً من الجمیع فال یجوز نكث ذلك وقوله‪" :‬وهم‬
‫ید على من سواهم" أي هم مجتمعون على أعدائهم ال یحل لهم التخاذل بل یعین بعضهم بعضا ً على جمیع من عاداهم‬
‫من أهل الملل كأنه جعل أیدیهم یداً واحدة وفعلهم فعالً واحداً‪.‬‬
‫سأَلُو َها‪َ :‬م ْن َ‬
‫صنَ َع بِكِ هذَا؟ فُال ٌن‬ ‫ع ْنهُ‪" :‬أَ َّن جاریةً َو ِج َد َرأسُ َها قَ ْد ُرضَّ بَیْنَ َح َج َری ِْن فَ َ‬ ‫َّللاُ تَعَالَى َ‬ ‫بن َمالِكٍ َرضي َّ‬ ‫ع ْن أَ ْن ٍس ِ‬ ‫َو َ‬
‫سلّم أَ ْن ی َُرضَّ َرأسُهُ‬‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫ي فَأَقَ َّر‪ ،‬فَأ َ َم َر َرسُو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فال ٌن؟ َحتى ذَك َُروا یَ ُهودیّا ً فَأ َ ْو َمأَتْ بَرأ ِس َها‪ ،‬فَأخِ ذَ الیَ ُهو ِد ُّ‬
‫علَ ْی ِه َواللّ ْفظُ ل ُمس ٍْلم‪.‬‬ ‫َبیْنَ َح َجری ِْن" ُمتّفَ ٌق َ‬
‫صنَ َع بِكِ هذَا؟ فُال ٌن‬‫سأَلُوهَا‪َ :‬م ْن َ‬ ‫ع ْنهُ‪" :‬أَ َّن جاریةً َو ِج َد َرأسُ َها قَ ْد ُرضَّ بَیْنَ َح َج َری ِْن فَ َ‬ ‫َّللا َ‬
‫بن َمالِكٍ َرضي َّ ُ‬ ‫ع ْن أَ ْن ٍس ِ‬ ‫(و َ‬ ‫َ‬
‫سلّم أَ ْن ی َُرضَّ َرأسُهُ‬ ‫و‬
‫َ َ َ‬‫ه‬‫ِ‬ ‫ی‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫هللا‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ص‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬‫س‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬‫ر‬‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫د‬‫ِ‬
‫ُ ُّ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ی‬
‫َ‬ ‫ال‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خِ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫رأ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫تْ‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ی‬
‫ّ‬ ‫ود‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ی‬
‫َ‬ ‫وا‬ ‫َر‬‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫تى‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫؟‬ ‫ن‬‫ٌ‬ ‫فال‬
‫علَ ْی ِه َواللّ ْفظُ ل ُمس ٍْلم)‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ّ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫َبیْنَ َح َج ِ ُ‬
‫"‬ ‫ْن‬‫ی‬ ‫ر‬
‫الحدیث دلیل على أنه یجب القصاص بالمثل كالمحدّد وأنه یقتل الرجل بالمرأة وأنه یقتل بما قتل به فهذه ثالث مسائل‪:‬‬
‫األولى‪ :‬وجوب القصاص بالمثقل وإلیه ذهب الهادویة و الشافعي ومالك ومحمد بن الحسن عمالً بهذا الحدیث والمعنى‬
‫المناسب ظاهر قوي وهو صیانة الدماء من اإلهدار‪.‬‬
‫وألن القتل بالمثل كالقتل بالمحدّد في إزهاق الروح ‪.‬‬
‫وذهب أبو حنیفة والشعبي والنخعي إلى أنه ال قصاص في القتل بالمثل واحتجوا بما أخرجه البیهقي من حدیث النعمان‬
‫بن بشیر مرفوعاً‪" :‬كل شيء خطأ إال السیف ولكل خطأ أرش" وفي لفظ‪" :‬كل شيء سوى الحدیدة خطأ ولكل خطأ‬
‫أرش‪.‬‬
‫وأجیب بأن الحدیث مداره على جابر الجعفي وقیس بن الربیعة وال یحتج بهما فال یقاوم حدیث أنس هذا‪.‬‬
‫وجواب الحنفیة عن حدیث أنس بأنه حصل في الرض الجرح أو بأن الیهودي كان عادته قتل الصبیان فهو من الساعین‬
‫في األرض فساداً‪ :‬تكلف ‪.‬‬
‫وأما إذا كان القتل بآلة ال یقصد بمثلها القتل غالبا ً كالعصا والسوط واللطمة ونحو ذلك فعند الهادویة و اللیث ومالك یجب‬
‫فیها القود ‪.‬‬
‫وقال الشافعي وأبو حنیفة وجماهیر العلماء من الصحابة والتابعین ومن بعدهم‪ :‬ال قصاص فیه وهو شبه العمد وفیه الدیة‬
‫مائة من اإلبل مغلظة فیها أربعون خلفة في بطونها أوالدها لما أخرجه أحمد وأهل السنن إال الترمذي من حدیث عبد‬
‫هللا بن عمرو أن رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم قال‪" :‬أال وإن في قتل الخطإ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا‬
‫مائة من اإلبل فیها أربعون في بطونها أوالدها‪.‬‬
‫قال ابن كثیر في اإلرشاد‪ :‬في إسناده اختالف كثیر لیس هذا موضع بسطه ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إذا صح الحدیث فقد اتضح الوجه وإال فاألصل عدم اعتبار اآللة في إزهاق الروح بل ما أزهق الروح أوجب‬
‫القصاص ‪.‬‬
‫المسألة الثانیة‪ :‬قتل الرجل بالمرأة وفیه خالف ذهب إلى قتله بها أكثر أهل العلم وحكى ابن المنذر اإلجماع على ذلك‬
‫لهذا الحدیث‪ ،‬وعن الحسن البصري أنه ال یقتل الرجل باألنثى وكأنه یستدل بقوله تعالى‪{ :‬األنثى باألنثى}‪.‬‬
‫ور َّد بأنه ثبت في كتاب عمرو بن حزم الذي تلقاه الناس بالقبول أن الذكر یقتل باألنثى فهو أقوى من مفهوم اآلیة‪:‬‬
‫وذهبت الهادویة إلى أن الرجل یقاد بالمرأة ویوفى ورثته نصف دیته قالوا لتفاوتهما في الدیة وألنه تعالى قال‪{ :‬والجروح‬
‫قصاص}‪.‬‬
‫ور َّد بأن التفاوت في الدیة ال یوجب التفاوت في النفس ولذا یقتل عبد قیمته ألف بعبد قیمته عشرون وقد وقعت المساواة‬
‫في القصاص ألن المراد بالمساواة في الجروح أن ال یزید المقتص على ما وقع فیه من الجرح ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬أن یكون القود بمثل ما قتل به وإلى هذا ذهب الجمهور وهو الذي یستفاد من قوله تعالى‪{ :‬وإن عاقبتم‬
‫فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وقوله‪{ :‬فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدى علیكم} وبما أخرجه البیهقي من حدیث البراء عنه‬
‫سلّم‪" :‬من غرض غرضنا له ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه" أي من اتخذه غرضا ً للسهام‪.‬‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫َ‬
‫وهذا یقید بما إذا كان السبب الذي قتل به یجوز فعله ‪.‬‬
‫وأما إذا كان ال یجوز فعله كمن قتل بالسحر فإنه ال یقتل به ألنه محرم وفیه خالف‪ ،‬قال بعض الشافعیة‪ :‬إذا قتل باللواط‬
‫أو بإیجار الخمر أنه یدس فیه خشبة ویوجر الخل وقیل یسقط اعتبار المماثلة ‪.‬‬
‫وذهب الهادویة والكوفیون و أبو حنیفة وأصحابه إلى أنه ال یكون االقتصاص إال بالسیف واحتجوا بما أخرجه البزار‬
‫سلّم أنه قال‪" :‬ال قود إال بالسیف" إال أنه ضعیف قال ابن عدي‪:‬‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫و ابن عدي من حدیث أبي بكرة عنه َ‬
‫طرقه كلها ضعیفة‪.‬‬
‫سلّم‪" :‬إذا قتلتم فأحسنوا القتلة"‪.‬‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫واحتجوا بالنهي عن المثلة وبقوله َ‬
‫وأجیب بأنه مخصص بما ذكر ‪.‬‬
‫وفي قوله‪" :‬فأقر" دلیل على أنه یكفي اإلقرار مرة واحدة إذ ال دلیل على أنه كرر اإلقرار‪.‬‬
‫علَ ْی ِه‬‫صلّى هللا َ‬ ‫ي َ‬ ‫َاس أَ ْغ ِن َیا َء فَأَت َْوا النب َّ‬ ‫الم ألن ٍ‬ ‫ط َع أُذُنَ غُ ٍ‬ ‫َاس فُقَ َرا َء قَ َ‬ ‫ع ْنهُ‪ :‬أَ َّن غُالما ً ألن ٍ‬ ‫َّللا َ‬ ‫ضي َّ ُ‬ ‫صی ٍْن َر ِ‬ ‫ع ْن ِع ْم َرانَ ب ِْن ُح َ‬ ‫َو َ‬
‫صحیحٍ ‪.‬‬ ‫شیْئاً" َر َواهُ أَ ْح َم ُد والثَّالثةُ بإ ْسنَا ٍد َ‬ ‫سلّم فَلَ ْم یَ ْجعَلْ لَ ُه ْم َ‬ ‫َو َ‬
‫علَ ْی ِه‬‫صلّى هللا َ‬ ‫ي َ‬ ‫َاس أَ ْغنِ َیا َء فَأَت َْوا النب َّ‬ ‫الم ألن ٍ‬ ‫ُ‬
‫ط َع أذُنَ غُ ٍ‬ ‫َاس فُقَ َرا َء قَ َ‬ ‫ُ‬
‫ع ْنهُ‪ :‬أَ َّن غُالما ً ِألن ٍ‬ ‫َّللا َ‬ ‫ضي َّ ُ‬ ‫صی ٍْن َر ِ‬ ‫ع ْن ِع ْم َرانَ ب ِْن ُح َ‬ ‫(و َ‬ ‫َ‬
‫حیح)‬
‫َ ٍ‬ ‫ص‬ ‫د‬
‫ٍ‬ ‫َا‬ ‫ن‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫بإ‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫الث‬ ‫َّ‬ ‫ث‬‫وال‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫ح‬
‫َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬‫ا‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫"‬‫ً‬ ‫ا‬ ‫ْئ‬ ‫ی‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫لْ‬
‫ْ َ ْ َ ُْ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ی‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫س‬ ‫َو َ‬
‫الحدیث فیه دلیل على أنه ال غرامة على الفقیر إال أنه قال البیهقي‪ :‬إن كان المراد بالغالم فیه المملوك فإجماع أهل العلم‬
‫أن جنایة العبد في رقبته ‪.‬‬
‫فهو یدل وهللا أعلم أن جنایته كانت خطأ وأن النبي صلى هللا علیه وآله وسلم إنما لم یجعل علیه شیئا ً ألنه التزم أرش‬
‫جنایته فأعطاه من عنده متبرعا ً بذلك ‪.‬‬
‫حراً وكانت الجنایة خطأ وكانت عاقلته فقراء فلم یجعل علیهم شیئا ً إما لفقرهم‬ ‫وقد حمله الخطابي على أن الجاني كان ّ‬
‫وإما ألنه ال یعقلون الجنایة الواقعة على العبد إن كان المجني علیه مملوكا ً ــــ كما قال البیهقي ‪.‬‬
‫حراً غیر بالغ وكانت جنایته عمداً فلم یجعل علیه في الحال أو رآه على عاقلته فوجدهم فقراء‬ ‫وقد یكون الجاني غالما ً ّ‬
‫فلم یجعله علیه لكون جنایته في حكم الخطإ وال علیهم لكونهم فقراء وهللا أعلم انتهى ‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬ولم یجعل أرشها على عاقلته" هذا مذهب الشافعي أن عمد الصغیر یكون في ماله وال تحمله العاقلة وقوله‪" :‬أو‬
‫رآه على عاقلته" یعني مع احتمال أنه خطأ وهذا اتفاق‪ ،‬ومع احتمال أنه عمد كما ذهب إلیه الهادویة و أبو حنیفة ومالك‪.‬‬
‫صلّى‬ ‫طعَنَ َر ُجالً بِقَ ْر ٍن في ُر ْكبَتِ ِه فَ َجا َء إلى النّبي َ‬ ‫ع ْن ُه َما أَ َّن َر ُجالً َ‬ ‫ع ْن َج ّدِه َرضي هللا َ‬ ‫ع ْن أَبِی ِه َ‬ ‫ب َ‬ ‫ع ْمرو ب ِْن شُع ْی ٍ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َو َ‬
‫ع َر ْجتُ ‪،‬‬ ‫َّللا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلم فَقَا َل أقِدْني‪ ،‬فَقَالَ‪َ " :‬حتى تَب َْرأ" ث َّم َجا َء إل ْی ِه فَقَالَ‪ :‬أقِدْني فَأقاده ث َّم َجا َء إل ْی ِه فَقَالَ‪ :‬یَا َرسُو َل َّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عل ْی ِه َو َ‬ ‫َ‬ ‫هللا َ‬
‫ح َحتى‬ ‫أن یُقتَصَّ مِ ْن ُج ْر ٍ‬ ‫ْ‬ ‫سلم ْ‬ ‫ّ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلى هللا َ‬ ‫ّ‬ ‫ع َرجُكَ " ث َّم نَ َهى َرسُو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ط َل َ‬ ‫َّللا َوبَ َ‬
‫ص ْیتَني فأ ْبعَدَكَ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫فَقَالَ‪" :‬قَ ْد نَ َهیْتكَ فَعَ َ‬
‫باإلرسا ِل ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َّارقُطني َوأعِل‬ ‫ْ‬ ‫صاحِ بُهُ‪َ .‬ر َواهُ أَ ْح َم ُد والد َ‬ ‫یَب َْرأَ َ‬
‫سلّم فَقَا َل‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫طعَنَ َر ُجالً بِقَ ْر ٍن في ُر ْكبَتِ ِه فَ َجا َء إلى النّبي َ‬ ‫ع ْن َج ّدِه أَ َّن َر ُجالً َ‬ ‫ع ْن أَبِی ِه َ‬ ‫ب َ‬ ‫ع ْمرو ب ِْن شُع ْی ٍ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َو َ‬
‫ص ْیتَني‬ ‫ع َر ْجتُ ‪ ،‬فَقَالَ‪" :‬قَ ْد نَ َهیْتكَ فَعَ َ‬ ‫أَقِدْني‪ ،‬فَقَالَ‪َ " :‬حتى تَب َْرأ" ث َّم َجا َء إلَ ْی ِه فَقَالَ‪ :‬أقِدْني فَأقاده ث َّم َجا َء إلَ ْی ِه فَقَالَ‪ :‬یَا َرسُو َل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صاحِ بُهُ‪َ .‬ر َواهُ أَ ْح َم ُد‬ ‫ح َحتى یَب َْرأَ َ‬ ‫أن یُ ْقتَصَّ مِ ْن ُج ْر ٍ‬ ‫سلّم ْ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫َّللا َ‬ ‫ع َرجُكَ " ث َّم نَ َهى َرسُو ُل َّ ِ‬ ‫ط َل َ‬ ‫فأ َ ْب َعدَكَ َّ ُ‬
‫َّللا َوبَ َ‬
‫باإلرسا ِل ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫طني َوأعِل‬ ‫َّارقُ ْ‬ ‫والد َ‬
‫بناء على أن شعیبا ً لم یدرك جده وقد دفع بأنه ثبت لقاء شعیب لجده وفي معناه أحادیث تزیده قوة‪.‬‬
‫سِرایة‪.‬‬ ‫وهو دلیل على أنه ال یقتص من الجراحات حتى یحصل البرء من ذلك وتؤمن ال ّ‬
‫قال الشافعي‪ :‬إن االنتظار مندوب بدلیل تمكینه صلى هللا علیه وآله وسلم من االقتصاص قبل االندمال‪.‬‬
‫سلّم‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫وذهب الهادویة وغیرهم إلى أنه واجب وإذنه صلى هللا علیه وآله وسلم باالقتصاص كان قبل علمه َ‬
‫بما یؤول إلیه من المفسدة ‪.‬‬
‫ص ُموا إلى‬ ‫َان مِ ْن هُذَ ْی ٍل فَ َر َمتْ إحْداهُ َما األ ْخ َرى ب َح َج ٍر فَقَتَلَتْ َها َو َما في بَ ْ‬
‫طنِ َها‪ .‬فا ْختَ َ‬ ‫ع ْن أَبي ه َُری َْرةَ قالَ‪ :‬ا ْقتَتَلتْ ا ْم َرأَت ِ‬ ‫َو َ‬
‫َ‬
‫ع ْب ٌد أ ْو َولی َدةٌ‪َ ،‬وقضى بِ ِدیَ ِة‬ ‫َ‬
‫أن دیَة َجنِینِ َها غُ َّرة ٌ َ‬ ‫سلم َّ‬ ‫ّ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬
‫صلى هللا َ‬ ‫ّ‬ ‫سلم فَقَضى َرسُو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ّ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬
‫صلى هللا َ‬ ‫ّ‬ ‫َّللا َ‬‫َرسُو ِل َّ ِ‬
‫َرب َوال‬ ‫َیف یُ ْغ َر ُم َم ْن ال ش َ‬ ‫َّللا ك َ‬‫ي‪ :‬یَا رسو َل َّ ِ‬ ‫ْ‬
‫عاقِلَتِ َها َو َو َّرث َها َولَ َدهَا َو َم ْن َم َع ُه ْم‪ ،‬فَقَا َل حمل ْب ُن النّابغ ِة ال ُهذَل ُّ‬ ‫على َ‬ ‫ْال َم ْرأَةِ َ‬
‫ان" مِ ْن أَجْل‬ ‫سلّم‪" :‬إنّ َما هذا مِ ْن إ ْخ َو ِ‬
‫ان الكُ ّه ِ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫ط ُّل فَقَا َل َرسُو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫طقَ وال ا ْستَ َهلَّ؟ فَمِ ثْ ُل ذلك یُ َ‬ ‫أَ َك َل َوال نَ َ‬
‫سو ِل‬ ‫ش ِهد قَ َ‬
‫ضا َء َر ُ‬ ‫سأ َ َل َم ْن َ‬ ‫ع َم َر َ‬ ‫ّاس‪" :‬أَ َّن ُ‬ ‫عب ٍ‬‫ث اب ِْن َ‬ ‫سائي مِ ْن َحدی ٍ‬ ‫علَ ْیهِ‪َ ،‬وأَ ْخ َر َجهُ أَبُو د َُاو َد والن َ‬ ‫س َج َع‪ُ ،‬متّفَ ٌق َ‬ ‫س ْج ِع ِه الذي َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ض َربَتْ إحْداهُ َما األخ َرى"‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ام َح َم ُل بن النابِغَ ِة فقالَ‪ :‬كنتُ بَیْنَ یَدي ا ْم َرأتَ ْی ِن ف َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِین؟ قالَ‪ :‬فق َ‬ ‫سلم في ال َجن ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عل ْی ِه َو َ‬ ‫صلى هللا َ‬ ‫ّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫ص ّح َحهُ ا ْب ُن حِ بّانَ والحا ِك ُم ‪.‬‬ ‫صرا َو َ‬ ‫ً‬ ‫فَذَك ََرهُ ُم ْختَ َ‬
‫(وعن أبي هریرة رضي هللا عنه قال‪ :‬اقتتلت امرأتان من هذیل فرمت إحداهما األخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها‬
‫فاختصموا إلى رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم فقضى رسول هللا صلى هللا علیه وعلى آله وسلم‪" :‬أَ َّن ِدیّةَ َجنینها‬
‫ع ْب ٌد أَ ْو ولِی َدةٌ) هما بدل من غرة وأو للتقسیم ال للشك (وقضى بدیة المرأة‬ ‫غُ َّرةٌ) بضم الغین المعجمة وتشدید الراء منون ( َ‬
‫على عاقلتها وورثها ولدها من معهم)‪.‬‬
‫سلّم أن میراثها لبنیها‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫في سنن أبي داود أن المرأة التي قضى علیها بالغرة توفیت فقضى رسول هللا َ‬
‫والعقل على عصبتها‪ ،‬ومثله في مسلم فضمیر "ورثها" یعود إلى القاتلة وقیل‪ :‬یعود إلى المقتولة وذلك أن عاقلتها قالوا‪:‬‬
‫إن میراثها لنا فقال‪ :‬ال فقضى بدیتها لزوجها وولدها ‪.‬‬
‫(فقال حمل) بفتح الحاء المهملة وفتح المیم (ابن النابغة) بالنون بعد األلف موحدة فغین معجمة وهو زوج المرأة القاتلة‪:‬‬
‫(الهذلي‪ :‬یا رسول هللا كیف یغرم من ال شرب وال أكل وال نطق وال استهل) االستهالل رفع الصوت یرید أنه لم تعلم‬
‫ط ُّل ) بالمثناة التحتیة مضمومة وتشدید الالم على أنه مضارع مجهول من طل‬ ‫حیاته بصوت نطق أو بكاء (فمثل ذلك یُ َ‬
‫ومعناه یهدر ویلغى وال یضمن ‪.‬‬
‫ویروى بالموحدة وتخفیف الالم على أنه ماض من البطالن (فقال رسول هللا صلى هللا تعالى علیه وآله وسلم‪" :‬إنّ َما هذَا)‬
‫ان" من أجل سجعه الذي سجع‪ .‬متفق علیه)‪.‬‬ ‫ان ْالكُ ّه ِ‬‫إخو ِ‬ ‫أي هذا القائل (مِ ْن َ‬
‫وفي الحدیث مسائل‪:‬‬
‫الغرة مطلقا ً سواء انفصل عن أمه وخرج میتا ً أو‬ ‫األولى‪ :‬فیه دلیل على أن الجنین إذا مات بسبب الجنایة وجبت فیه ّ‬
‫مات في بطنها‪ .‬فأما إذا خرج حیا ً ثم مات ففیه الدیة كاملة ولكنه ال بد أن یعلم أنه جنین بأن تخرج منه ید أو رجل وإال‬
‫فاألصل براءة الذمة وعدم وجوب الغرة وقد فسر الغرة في الحدیث بعبد أو ولیدة وهي األمة‪.‬‬
‫ي‪ :‬الغرة خمسمائة درهم‪ ،‬وعند أبي داود والنسائي من حدیث بریدة مائة شاة وقیل خمس من اإلبل إذ هي‬ ‫قال الشعب ُّ‬
‫األصل في الدیّات وهذا في جنین الحرة وأما جنین األمة فقیل‪ :‬یخصص بالقیاس على دیتها فكما أن الواجب قیمتها في‬
‫ضمانها فیكون الواجب في جنینها األرش منسوبا ً إلى القیمة ‪.‬‬
‫وقیاسه على جنین الحرة فإن الالزم فیه نصف عشر الدیة فیكون الالزم فیه نصف عشر قیمتها‪.‬‬
‫الثانیة‪ :‬قوله‪" :‬وقضى بدیة المرأة على عاقلتها" یدل على أنه یجب القصاص في مثل هذا وهو من أدلة من یثبت شبه‬
‫العمد وهو الحق‪ ،‬فإن ذلك القتل كان بحجر صغیر أو عود صغیر ال یقصد به القتل بحسب األغلب فتجب فیه الدیة على‬
‫العاقلة وال قصاص فیه‪.‬‬
‫والحنفیة تجعله من أدلة عدم وجوب القصاص بالمثقل ‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬في قوله‪ :‬على عاقلتها دلیل على أنها تجب الدیة على العاقلة‪ ،‬والعاقلة هم العصبة وقد فسرت بمن عدا الولد‬
‫وذوي األرحام كما أخرجه البیهقي من حدیث أسامة بن عمیر فقال أبوها‪:‬‬
‫سلّم فقال‪" :‬الدیة على العصبة وفي الجنین غزة" ولهذا بوب‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫إنما یعقلها بنوها فاختصموا إلى رسول هللا َ‬
‫البخاري‪" :‬باب جنین المرأة وأن العقل على الوالد وعصبة الوالد ال على الولد‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬ال أعلم خالفا ً في أن العاقلة العصبة وهم القرابة من قبل األب وفسر باألقرب فاألقرب من عصبة الذكر‬
‫الحر المكلف وفي ذلك خالف یأتي في القسامة‪.‬‬
‫وظاهر الحدیث وجوب الدیة على العاقلة وبه قال الجمهور ‪.‬‬
‫وخالف جماعة في وجوبها علیهم فقالوا‪ :‬ال یعقل أحد عن أحد مستدلین بما عند أحمد وأبي داود والنسائي والحاكم‪" :‬أن‬
‫سلّم‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬ابني فقال له النبي صلى هللا‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫سلّم فقال له النبي َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫رجالً أتى إلى النبي َ‬
‫علیه وآله وسلم‪ :‬إنه ال یجني علیك وال تجني علیه" وعند أحمد وأبي داود والترمذي من حدیث عمرو بن األحوص أنه‬
‫صلى هللا علیه وآله وسلم قال‪" :‬ال یجني جان إال على نفسه وال یجني جان على ولده‪.‬‬
‫وجمع بینهما وبین وجوب الدیة على العاقلة بأن المراد به الجزاء األخروي أي ال یجني علیه جنایة یعاقب بها في‬
‫اآلخرة وعلى القول بأن الوالد والولد لیسا من العاقلة كما قاله الخطابي فال یتم به االستدالل ‪.‬‬
‫سلّم‪" :‬إنما هو من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع" یظهر أن قوله من أجل‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫الرابعة‪ :‬قوله َ‬
‫سجعه مدرج فهمه الراوي ففیه دلیل على كراهة السجع قال العلماء‪ :‬إنما كرهه من هذا الشخص لوجهین أحدهما‪ :‬أنه‬
‫عارض به حكم الشرع ورام إبطاله ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه تكلفه في مخاطبته وهذان الوجهان من السجع مذمومان ‪.‬‬
‫وأما السجع الذي ورد منه صلى هللا علیه وآله وسلم في بعض األوقات وهو كثیر في الحدیث فلیس من هذا ألنه ال‬
‫یعارض حكم الشرع وال یتكلفه فال نهي عنه ‪.‬‬
‫صلّى هللا‬ ‫(وأخرجه أبو داود والنسائي من حدیث ابن عباس رضي هللا عنه أن عمر سأل‪ :‬من شهد قضاء رسول هللا َ‬
‫َي امرأتین فضربت‬ ‫سلّم في الجنین؟ قال‪ :‬فقام حمل بن النابغة) المذكور في الحدیث الذي قبله‪( :‬فقال‪ :‬كنت بین یَد ْ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬
‫َ‬
‫إحداهما األخرى فذكره مختصرا وصححه ابن حبان والحاكم)‬ ‫ً‬
‫وأخرجه أبو داود بلفظ‪" :‬أن عمر سأل الناس عن إمالص المرأة فقال المغیرة‪ :‬شهدت رسول هللا صلى هللا علیه وآله‬
‫وسلم قضى فیها بغرة عبد أو أمة فقال‪ :‬ائتني بمن یشهد معك قال‪ :‬فأتاه محمد بن مسلمة فشهد له‬
‫ي إمالصا ً ألن المرأة تزلقه قبل وقت الوالدة وكذلك كل ما زلق‬ ‫س ِ ّم َ‬ ‫ثم قال أبو داود‪ :‬قال أبو عبید‪ :‬إمالص المرأة إنما ُ‬
‫من الید وغیرها فقد ملص انتهى ‪.‬‬
‫وال بد من أن یعلم أن الجنین قد تخلق وجرى فیه الروح لیتصف بأنه قتلته الجنایة‪ ،‬والشافعیة فسروه بما ظهر فیه‬
‫صورة اآلدمي من ید وأصبع وغیرهما‪ .‬فإن لم تظهر فیه الصورة ویشهد أهل الخبرة بأن ذلك أصل اآلدمي فحكمه‬
‫كذلك إذا كانت الصورة خفیة‪.‬‬
‫ُ‬
‫وإن شك أهل الخبرة لم یجب فیه شيء اتفاقاً‪ .‬وفیه دلیل على أن في الجنین غرة ذكراً كان أو أنثى إلطالق الحدیث ‪.‬‬
‫ش فَأَبَ ْوا‪ ،‬فَأَت َْوا‬ ‫طلَبوا إلَ ْی َها ْال َع ْف َو فأ َبَ ْوا فَ َع َرضوا ْ‬
‫األر َ‬ ‫س َرتْ ثَنِیّةَ َجاریَ ٍة فَ َ‬ ‫ع ّمتَهُ ــــ َك َ‬ ‫الربَیِّ َع بِ ْنتَ النّضر ــــ َ‬ ‫ع ْن أَن ٍَس أَ َّن ُّ‬ ‫َو َ‬
‫َس ْب ُن النّضر‪:‬‬ ‫بالقِصاص‪ ،‬فَقَا َل أَن ُ‬ ‫سلّم ْ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫َّلل َ‬ ‫اص‪ ،‬فَأ َ َم َر َرسُ ُ‬
‫وال َّ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫سلّم فَأَبَ ْوا إال ْال ِق َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫َرسُو َل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫َس‬ ‫سلّم‪َ " :‬یا أَن ُ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫س ُر ثَ ِنیّت ُ َها‪ ،‬فَقَا َل رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ق ال ت ُ ْك َ‬ ‫الر َب ِیّ ِع؟ ال‪ ،‬والّذِي َب َعثَكَ بال َح ّ ِ‬ ‫س ُر ثَ ِنیّةُ ُّ‬‫َّللا أَت ُ ْك َ‬
‫سو َل َّ ِ‬ ‫َیا َر ُ‬
‫على َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫س َم َ‬ ‫َّللا َم ْن لَ ْو أَ ْق َ‬ ‫سلّم‪َّ :‬‬
‫"إن مِ ْن ِعبَا ِد َّ ِ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫َّللا َ‬ ‫ضي ْالقَ ْو ُم فَعَف َْوا‪ ،‬فَقَا َل َرسُو ُل َّ ِ‬ ‫اص" فَ َر ِ‬
‫ص ُ‬ ‫َّللا ْال ِق َ‬‫ِكتَابُ َّ ِ‬
‫يِ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫عل ْی ِه واللفظ للبُخَار ّ‬ ‫َ‬ ‫ألَبَ َّرهُ" متفَ ٌق َ‬
‫ّ‬
‫الر َب ِیّ َع) بضم الراء والباء الموحدة المفتوحة فمثناة تحتیة مشدّدة مكسورة أخت أنس ( ِب ْنتَ‬ ‫(وعن أنس رضي هللا عنه أن ُّ‬
‫معوذ ووقع في سنن البیهقي بنت معوذ قال المصنف‪ :‬إنه‬ ‫ع ْمتَهُ) أي عمة أنس بن مالك وهي غیر الربیع بنت ّ‬ ‫ضر َ‬ ‫النّ ِ‬
‫غلط (كسرت ثنیة جاریة) أي شابة من األنصار كما في روایة (فطلبوا) أي قرابة الربیع (إلیها) أي إلى الجاریة (العفو‬
‫فأبوا فعرضوا األرش فأبوا فأتوا رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم فأبوا إال القصاص فأمر رسول هللا صلى هللا علیه‬
‫َكسر ثَنِیّةُ الربیع؟ ال؛ والذي بعثك بالحق ال تكسر ثَنِیّتُها فقال‬ ‫وآله وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر‪ :‬یا رسول هللا أت ُ‬
‫اص" فرضي القوم فعفوا فقال رسول هللا صلى هللا علیه‬ ‫ص ُ‬ ‫َّللا ْال ِق َ‬‫َس ِكتَابُ َّ ِ‬ ‫رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم‪" :‬یّا أَن ُ‬
‫َّللا ألبَ َّرهُ" متف ٌق علیه واللفظ للبخاري)‬ ‫على َّ ِ‬ ‫س َم َ‬ ‫َّللا َم ْن لَ ْو أَ ْق َ‬
‫"إن مِ ْن ِعبَا ِد َّ ِ‬ ‫وآله وسلم‪َّ :‬‬
‫فیه مسائل‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن فیه دلیال على وجوب االقتصاص في السن بأن كانت بكمالها فهو مأخوذ من قوله تعالى‪{ :‬والسن بالسن}‬
‫وقد ثبت على قلع السن بالسن في العمد وأما كسر السن فقد دل هذا الحدیث على القصاص فیه أیضا ً ‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬وذلك إذا عرفت المماثلة وأمكن ذلك من دون سرایة إلى غیر الواجب قال أبو داود‪ :‬قلت ألحمد ــــ یرید‬
‫ي ِ علیه وقال بعضهم‪:‬‬ ‫أحمد بن حنبل ــــ‪ :‬كیف في السن؟ قال تبرد أي یبرد من سن الجاني بقدر ما كسر من سن المجن ّ‬
‫إن الحدیث محمول على القلع وأنه أراد بقوله كسرت‪ :‬قلعت وهو بعید ‪.‬‬
‫وأما العظم غیر السن فقد قام اإلجماع على أنه ال قصاص في العظم الذي یخاف منه ذهاب النفس إذا لم تتأت فیه‬
‫المماثلة بأن ال یوقف على قدر الذاهب ‪.‬‬
‫وقال اللیث والشافعي والحنفیة‪ :‬ال قصاص في العظم غیر السن ألن دون العظم حائالً من جلد ولحم وعصب فیتعذر‬
‫معه المماثلة فلو أمكنت لحكمنا بالقصاص ولكن ال نصل إلى العظم حتى ننال ما دونه مما ال یعرف قدره ‪.‬‬
‫الثانیة‪ :‬قوله‪" :‬أتكسر ثنیة الربیع" ظاهر االستفهام اإلنكار وقد تُؤ ّ ُِو َل بأنه لم یرد به الحكم والمعارضة وإنما أراد به أن‬
‫سلّم بالقسم‪.‬‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫سلّم طلب الشفاعة منهم وأكد طلبه من النبي َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫یؤكد للنبي َ‬
‫وقیل‪ :‬بل قاله قبل أن یعلم أن القصاص حتم وظن أنه یخیر بینه وبین الدیة أو العفو‪.‬‬
‫ویرشد إلیه قوله في جوابه‪" :‬یا أنس كتاب هللا القصاص" وقیل‪ :‬إنه لم یرد اإلنكار بل قاله توقعا ً ورجاء من فضل هللا‬
‫أن یلهم الخصوم الرضا حتى یعفوا أو یقبلوا األرش وقد وقع األمر على ما أراد ‪.‬‬
‫سلّم على الحلف دلیل على أنه یجوز الحلف فیما یظن وقوعه ‪.‬‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫وفي إلهامهم العفو وفي تقریره َ‬
‫سلّم‪" :‬كتاب هللا القصاص" المشهور الرفع على أنه مبتدأ وخبر‪ .‬ویجوز النصب في األول‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫الثالثة‪ :‬قوله َ‬
‫على المصدر وفعله محذوف أي كتب كتاب هللا وفي الثاني على أنه مفعول للكتاب أو للفعل المقدر ویحتمل وجوها ً‬
‫أخر‪.‬‬
‫قیل أراد بالكتاب الحكم أي حكم هللا القصاص وقیل‪ :‬أشار إلى قوله تعالى‪{ :‬والجروح قصاص} أو إلى {فعاقبوا بمثل ما‬
‫عوقبتم به} أو إلى {والسن بالسن}‪.‬‬
‫سلّم بوقوع مثل‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫سلّم‪" :‬إن من عباد هللا من لو أقسم ــــ إلى آخره" تعجب منه َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫وفي قوله َ‬
‫هذا من حلف أنس على نفي فعل الغیر وإصرار الغیر على إیقاع ذلك الفعل ‪.‬‬
‫فبر قسم أنس‪ ،‬وأن هذا االتفاق وقع إكراما ً‬ ‫وكأن قضیة العادة في ذلك أن یحنث في یمینه فألهم هللا تعالى الغیر العفو ّ‬
‫لیبر في یمینه وأنه من جملة عباد هللا الذین یعطیهم هللا تعالى أربهم ویجیب دعاءهم وفیه جواز‬ ‫من هللا تعالى ألنس ّ‬
‫الثناء على من وقع له مثل ذلك عند أمن الفتنة علیه ‪.‬‬
‫س ْوطٍ‬‫سلّم‪َ " :‬م ْن قُتِ َل في ِع ِ ّمیّا أَ ْو ِر ِ ّمیّا ً بح َجر أَ ْو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْن ُه َما قالَ‪ :‬قا َل رسو ُل هللا َ‬ ‫رضي هللا َ‬ ‫َ‬ ‫ّاس‬
‫عب ٍ‬ ‫ع ْن ِ‬
‫ابن َ‬ ‫َو َ‬
‫سائي وا ْب ُن َما َجهْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َّللاِ" أخ َر َجهُ أبُو د َُاو َد والن َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ع ْمدا فَ ُه َو ق َودٌ‪َ ،‬و َم ْن َحا َل دُونَهُ فَعَل ْی ِهل ْعنَة َّ‬ ‫ُ‬
‫عق ُل الخَطأِ‪َ ،‬و َم ْن قتِ َل َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫عصا فَعَقلهُ َ‬ ‫أَ ْو َ‬
‫بإ ْسنَا ٍد قَوي ‪.‬‬
‫سلّم‪َ " :‬م ْن قُتِ َل في ِع ِ ّمیّا) بكسر العین المهملة‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫( وعن ابن عباس رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا َ‬
‫وتشدید المیم والیاء المثناة من تحت بالقصر‬
‫ع ْق ُل ْال َخ َ‬
‫طأ و َم ْن قُ ِت َل‬ ‫عصا ً فَ َع ْقلُهُ َ‬ ‫س ْوطٍ أَ ْو َ‬ ‫فعیلى من العماء‪ .‬قوله‪( :‬أَ ْو ر ِ ّمیّا) بزنته مصدر یراد به المبالغة ( ِب َح َج ٍر أَ ْو َ‬
‫َّللاِ" أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد قوي)‬ ‫ع ْمداً فَ ُه َو قَ َو ٌد و َم ْن َحا َل دونَهُ فَعلَ ْی ِه ل ْعنَهُ َّ‬
‫َ‬
‫قال في النهایة في تفسیر اللفظین‪ :‬المعنى أن یوجد بینهم قتیل یعمى أمره وال یتبین قاتله فحكمه حكم قتیل الخطأ تجب‬
‫فیه الدیة وتكون على العاقلة وظاهره من غیر أیمان قسامة‪ .‬وقد اختلف في ذلك‪:‬‬
‫فقالت الهادویة‪ :‬إن كان الحاضرون الذین وقع بینهم القتل منحصرین لزمت القسامة وجرى فیها حكمها من األیمان‬
‫والدیة ‪.‬‬
‫وإن كانوا غیر منحصرین لزمت الدیة في بیت المال ‪.‬‬
‫وقال الخطابي‪ :‬اختلف هل تجب الدیة في بیت المال أو ال؟ قال إسحاق بالوجوب وتوجیهه من حیث المعنى أنه مسلم‬
‫مات بفعل قوم من المسلمین فوجبت دیته في بیت مال المسلمین‪.‬‬
‫وذهب الحسن إلى أن دیته تجب على جمیع من حضر وذلك ألنه مات بفعلهم فال تتعدّاهم إلى غیرهم وقال مالك‪ :‬إنه‬
‫یهدر ألنه إذا لم یوجد قاتله بعینه استحال أن یؤخذ به أحد‪.‬‬
‫َّع على من شئت واحلف فإن حلف استحق الدیة وإن نكل حلف المدّعى علیه على النفي‬ ‫وللشافعي قول‪ :‬إنه یقال لولیه اد ِ‬
‫وسقطت المطالبة وذلك ألن الدم ال یجب إال بالطلب‪.‬‬
‫وإذا عرفت هذا االختالف وعدم المستند القوي في أي هذه األقوال وقد عرفت أن سند الحدیث قوي كما قاله المصنف‪:‬‬
‫علمت أن القول به أولى األقوال ‪.‬‬
‫المسألة الثانیة‪ :‬في قوله‪" :‬ومن قتل عمداً فهو قود" دلیل على أن الذي یوجبه القتل عمداً هو القود عینا ً ‪.‬‬
‫وفي المسألة قوالن‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه یجب القود عینا ً وإلیه ذهب زید بن علي وأبو حنیفة وجماعة ویدل له قوله تعالى‪{ :‬كُتب علیكم القصاص}‬ ‫ّ‬
‫وحدیث‪" :‬كتاب هللا القصاص‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وأما الدیة فال تجب إال إذا رضي الجاني وال یجبر الجاني على تسلیمها‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬للهادویة وأحمد ومالك غیرهم‪ .‬وقول للشافعي إنه یجب بالقتل عمداً أحد أمرین‪ :‬القصاص أو الدیة لقوله صلى‬
‫هللا تعالى علیه وعلى آله وسلم‪ :‬من قتل له قتیل فهو بخیر النظرین إما أن یقید وإما أن یدي" أخرجه أحمد والشیخان‬
‫وغیرهم‪.‬‬
‫وأجیب عنه بأن المراد من الحدیث أن ولي المقتول مخیر بشرط أن یرضى الجاني أن یغرم الدیة قالوا‪ :‬وفي هذا التأویل‬
‫جمع بین الدلیلین ‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬االقتصار في اآلیة وفي بعض األحادیث على بعض ما یجب ال یدل على أنه ال یجب غیر ما قام الدلیل على وجوبه‬
‫‪.‬‬
‫وقد أخرج أحمد وأبو داود عن أبي شریح الخزاعي قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا تعالى علیه وآله وسلم یقول‪" :‬من‬
‫أصیب بدم أو خبل ــــ والخبل الجراح ــــ فهو بالخیار بین إحدى ثالث‪:‬‬
‫إما أن یقتص أو یأخذ العقل أو یعفو ‪.‬‬
‫فإن أراد الرابعة فخذوا على یدیه فإن قبل من ذلك شیئا ً ثم عدا بعد ذلك فإن له النار‪.‬‬
‫الر ُج َل َوقَتَلَهُ اآلخ َُر ُی ْقتَ ُل الذي‬ ‫الر ُج ُل َّ‬‫سكَ َّ‬ ‫سلّم قالَ‪" :‬إذا أَ ْم َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫يِ َ‬ ‫ع ِن النّب ّ‬ ‫ع ْن ُه َما َ‬
‫َّللا َ‬
‫رضي َّ ُ‬
‫َ‬ ‫ع َم َر‬‫ابن ُ‬ ‫ع ْن ِ‬ ‫َو َ‬
‫ي َر ّج َح‬‫ان‪َ ،‬ور َجالُهُ ثَقَاتٌ ‪ .‬إال أَ َّن ْالبّ ْی َه ِق َّ‬ ‫ط ِ‬ ‫ص ّح َحهُ اب ُن ْالقَ ّ‬‫سالً‪َ ،‬و َ‬ ‫صوالً َو ُم ْر َ‬‫طني َم ْو ُ‬ ‫َّارقُ ْ‬
‫سكَ " َر َواهُ الد َ‬ ‫س الّذي أَ ْم َ‬ ‫قَتَ َل َویُ ْحبَ ُ‬
‫س َل ‪.‬‬ ‫ْال ُم ْر َ‬
‫الر ُج َل َوقَتَلَهُ اآلخ َُر یُ ْقتَ ُل الذي‬ ‫الر ُج ُل َّ‬‫سكَ َّ‬ ‫سلّم قالَ‪" :‬إذا أَ ْم َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫يِ َ‬ ‫ع ِن النّب ّ‬ ‫ع ْن ُه َما َ‬
‫َّللاُ َ‬
‫رضي َّ‬ ‫َ‬ ‫ابن عُ َم َر‬ ‫ع ْن ِ‬ ‫(و َ‬ ‫َ‬
‫ي َر ّج َح‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ان‪َ ،‬ور َجالهُ ثقَاتٌ ‪ .‬إال أ َّن البّ ْی َه ِق َّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ص ّح َحهُ اب ُن القَط ِ‬ ‫سال‪َ ،‬و َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صوال َو ُم ْر َ‬ ‫َّارقطني َم ْو ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫سكَ " َر َواهُ الد َ‬ ‫َ‬
‫س الذي أ ْم َ‬ ‫ّ‬ ‫قَتَ َل َویُ ْحبَ ُ‬
‫سلَ)‬ ‫ْال ُم ْر َ‬
‫قال الحافظ ابن كثیر في اإلرشاد‪ :‬وهذا اإلسناد على شرط مسلم‪ .‬قلت‪ :‬إشارة إلى إسناد الدارقطني فإنه رواه من حدیث‬
‫سلّم‪" :‬الحدیث"‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫أبي داود الحفري عن الثوري عن إسماعیل بن أمیة عن نافع عن ابن عمر أن رسول هللا َ‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫قال الحافظ البیهقي‪ :‬ما رواه غیر أبي داود الحفري عن الثوري وغیره عن إسماعیل بن أمیة مرسالً وهذا هو الصحیح‬
‫‪.‬‬
‫والحدیث دلیل على أنه لیس على الممسك سوى حبسه ولم یذكر قدر مدته فهي راجعة إلى نظر الحاكم وأن القود أو‬
‫الدیة على القاتل وإلى هذا ذهبت الهادویة والحنفیة والشافعیة للحدیث ولقوله تعالى‪{ :‬فمن اعتدى فاعتدوا علیه بمثل ما‬
‫اعتدى علیكم}‪.‬‬
‫وذهب مالك والنخعي وابن أبي لیلى إلى أنهما یقتالن جمیعا ً إذ هما مشتركان‪.‬‬
‫وأجیب بأن النص منع اإللحاق فإن حكم ذلك حكم الحافر للبئر والمردي إلیها فإن الضمان على المردي دون الحافر‬
‫اتفاقا ً ولكن الحدیث اآلتي دلیل لألولین ‪.‬‬
‫سلّم قَتَ َل ُمسْلما ً ب ُم َعا ِه ٍد َوقَالَ‪" :‬أَنَا أَ ْولى َم ْن وفى ِب ِذ ّمتِهِ" أَ ْخ َر َجهُ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫يِ َ‬ ‫ي ِ أَ َّن النّب ّ‬
‫الرحْمن ب ِْن البَیْل َمان ّ‬ ‫ع ْب ِد َّ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َو َ‬
‫صو ِل َوا ٍه ‪.‬‬ ‫ع َم َر فِی ِه َوإ ْسنَا ُد ال َم ْو ُ‬ ‫َّارقُطني ِب ِذ ْكر اب ِْن ُ‬ ‫صلَهُ الد َ‬ ‫سالً َو َو َ‬ ‫ق ُم ْر َ‬ ‫الر َّزا ِ‬‫ع ْب ُد َّ‬ ‫َ‬
‫(وعن عبد الرحمن بن البیلماني رضي هللا عنه) بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتیة وفتح الالم ضعفه جماعة فال یحتج‬
‫صلّى هللا‬
‫بما انفرد به إذا وصل فكیف إذا أرسل فكیف إذا خالف‪ ،‬وفیه إبراهیم بن محمد بن أبي لیلى ضعیف (أن النبي َ‬
‫سلّم قتل مسلما ً بمعاهد وقال‪" :‬أنا أَ ُولَى َم ْن وفي بِذ ّمتِهِ" أخرجه عبد الرزاق هكذا مرسالً ووصله الدارقطني بذكر‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬
‫َ‬
‫ابن عمر فیه وإسناده الموصول واه) تقدم الكالم في الحدیث قریبا ً ‪.‬‬
‫صنّعَا َء لَقَت َْلت ُ ُه ْم بِهِ" أَ ْخ َر َجهُ ْالبُخَاري‬
‫ع ْن ُه َما قَالَ‪" :‬قُتِ َل غُال ٌم غِیلَةً فَقَا َل عُ َم ُر‪ :‬لَو ا ْشت ََركَ فِی ِه أَ ْه ُل َ‬
‫رضي هللا َ‬‫َ‬ ‫ع ِن اب ِْن عُ َم َر‬‫َو َ‬
‫‪.‬‬
‫(وعن ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬قتل غالم غیلة) بكسر الغین المعجمة وسكون المثناة التحتیة أي سراً‪( :‬فقال عمر‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬لو اشترك فیه أهل صنعاء لقتلتهم به‪ .‬أخرجه البخاري) وأخرجه ابن أبي شیبة من وجه آخر عن نافع‪:‬‬
‫أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء برجل‪ ،‬وأخرجه فیالموطإ بسند آخر من حدیث ابن المسیب‪ :‬أن عمر قتل خمسة أو‬
‫ستة برجل قتلوه غیلة وقال‪ :‬لو تماأل علیه أهل صنعاء لقتلتهم به جمیعا ً ‪.‬‬
‫وللحدیث قصة أخرجها الطحاوي والبیهقي عن ابن وهب قال‪ :‬حدثني جریر بن حازم أن المغیرة بن حكیم الصنعاني‬
‫حدثه عن أبیه‪" :‬أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها وترك في حجرها ابنا ً له من غیرها غالما ً یقال له أصیل فاتخذت‬
‫المرأة بعد زوجها خلیالً فقالت له‪ :‬إن هذا الغالم یفضحنا فاقتله فأبى فامتنعت منه فطاوعها فاجتمع على قتل الغالم‬
‫الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها فقتلوه ثم قطعوا أعضاءه وجعلوه في عیبة وطرحوه في ركیة في ناحیة القریة لیس‬
‫فیها ماء ــــ وذكر القصة وفیها ــــ فأخذ خلیلها فاعترف ثم اعترف الباقون فكتب یعلى وهو یومئذ أمیر شأنهم إلى عمر‬
‫رضى هللا عنه فكتب عمر بقتلهم جمیعا ً وقال‪ :‬وهللا لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم أجمعین"‪.‬‬
‫وفي هذا دلیل أن رأي عمر رضي هللا عنه أنه تقتل الجماعة بالواحد وظاهره ولو لم یباشره كل واحد ولذا قلنا إن فیه‬
‫دلیالً لقول مالك والنخعي وقول عمر‪ :‬لو تماأل أي توافق دلیل على ذلك وفي قتل الجماعة بالواحد مذاهب‪:‬‬
‫األول‪ :‬هذا وإلیه ذهب جماهیر فقهاء األمصار وهو مروي عن علي رضي هللا عنه وغیره وقد أخرج البخاري‪" :‬عن‬
‫علي رضي هللا عنه في رجلین شهدا على رجل بالسرقة فقطعه علي رضي هللا عنه ثم أتیاه بآخر فقاال‪ :‬هذا الذي سرق‬
‫وأخطأنا على األول فلم یجز شهادتهما على اآلخر وأغرمهمادیة األول وقال‪ :‬لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما" وال فرق‬
‫بین القصاص في األطراف والنفس ‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬للناصر والشافعي وجماعة وروایة عن مالك أنه یختار الورثة واحداً من الجماعة وفي روایة عن مالك یقرع‬
‫بینهم فمن خرجت علیه القرعة قتل ویلزم الباقون الحصة من الدیة وحجتهم أن الكفاءة معتبرة وال تقتل الجماعة بالواحد‬
‫كما ال یقتل الحر بالعبد وأجیب بأنهم لم یقتلوا لصفة زائدة في المقتول بل ألن كل واحد منهم قاتل‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬لربیعة وداود أنه ال قصاص على الجماعة بل الدیة رعایة للمماثلة وال وجه لتخصیص بعضهم‪ .‬هذه أقوال‬
‫العلماء في المسألة ‪.‬‬
‫والظاهر قول داود ألنه تعالى أوجب القصاص وهو المماثلة وقد انتفت هنا ثم موجب القصاص هو الجنایة التي تزهق‬
‫الروح بها فإن زهقت بمجموع فعلهم فكل فرد لیس بقاتل فكیف یقتل عند الجمهور وإنما یصح على قول النخعي وإن‬
‫كان كل واحد قاتالً بانفراده لزم توارد المؤثرات على أثر واحد والجمهور یمنعونه على أنه ال سبیل إلى معرفة أنه مات‬
‫بفعلهم جمیعا ً أو بفعل بعضهم فإن فرض معرفتنا بأن كل جنایة قاتلة بانفرادها لم یلزم أنه مات بكل منها فال عبرة‬
‫باألسبق كما قیل ‪.‬‬
‫وأما حكم عمر رضي هللا عنه ففعل صحابي ال تقوم به الحجة‪ .‬ودعوى أنه إجماع غیر مقبولة وإذا لم یجب قتل الجماعة‬
‫بالواحد فإنها تلزمهم دیة واحدة ألنها عوض عن دم المقتول‪.‬‬
‫وحررنا دلیله‬‫ّ‬ ‫قررناه هنا ثم قوي لنا قتل الجماعة بالواحد‬ ‫وقیل‪ :‬تلزم كل واحد ونسب قائله إلى خالف اإلجماع‪ .‬هذا ما ّ‬
‫في حواشي ضوء النهار وفي ذیلنا على األبحاث المسدّدة‪.‬‬
‫سلّم‪" :‬فَ َم ْن قُتِ َل لَهُ قَتی ٌل بَ ْع َد َمقَالَتي ه ِذ ِه‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬
‫صلّى هللا َ‬ ‫ع ْنهُ قَالَ‪ :‬قَا َل رسُو ُل ه ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َّللا َ‬
‫ي هُ‬ ‫ي ِ رض َ‬ ‫َوع َْن أَبي ش ٍ‬
‫ُریح ا ْل ُخ َزا ِع ّ‬
‫ث أَبي‬ ‫صلُهُ في الصحی َحی ِْن مِ ْن حَدی ِ‬ ‫یرتَی ِْن‪ :‬إ ّما أَن یَأ ُخذُوا ا ْلعَ ْق َل أَ ْو یَ ْقتُلُوا" أَ ْخ َر َجهُ أَبُو َداو َد والنّسائي‪َ ،‬وأَ ْ‬ ‫فَأ َ ْهلُهُ بَ ْینَ خِ َ‬
‫ه َُری َْرةَ بم ْعنَا ُه ‪.‬‬
‫(وعن أبي شریح رضي هللا عنه) بضم الشین المعجمة وسكون المثناة التحتیة فحاء مهملة (الخزاعي) بضم الخاء‬
‫سلّم‪:‬‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫المعجمة فزاي بعد األلف عین مهملة واسمه عمرو بن خویلد وقیل غیره (قال‪ :‬قال رسول هللا َ‬
‫َ‬
‫خیرتَی ِْن) بالخاء المعجمة فراء تثنیة خیرة‪ ،‬بینهما بقوله‪( :‬إ ّما أ ْن یأ ُخذُوا‬
‫َ‬ ‫"ف َم ْن قُتِ َل لَهُ قَتِی ٌل بَ ْع َد َمقَالتي ه ِذ ِه فَأ َ ْهلُهُ بَیْنَ‬
‫الع ْق َل أَ ْو ی ْقتُلُوا" أخرجه أبو داود والنسائي‪ ،‬وأصله في الصحیحین من حدیث أبي هریرة بمعناه)‪.‬‬
‫أصل الحدیث أنه قال صلى هللا علیه وآله وسلم في أثناء كالمه‪" :‬ثم إنكم معشر خزاعة قتلتم هذا الرجل من هذیل وإني‬
‫عاقله فمن قتل له ــــ الحدیث" وتقدم حدیث أبي شریح فیه التخییر بین إحدى ثالث وال منافاة ‪.‬‬
‫قال في الهدي النبوي‪ :‬إن الواجب أحد الشیئین إما القصاص أو الدیة والخیرة في ذلك إلى الولي بین أربعة أشیاء‪ :‬العفو‬
‫مجاناً‪ ،‬أو العفو إلى الدیة أو القصاص‪ ،‬وال خالف في تخییره بین هذه الثالثة‪ .‬والرابعة المصالحة إلى أكثر من الدیة‬
‫وفیه وجهان‪.‬‬
‫أحدهما‪ :‬أشهرهما مذهبا أي للحنابلة جوازه ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬لیس له العفو على مال إال الدیة أو دونها وهذا أرجح دلیال ‪.‬‬
‫فإن اختار الدیة سقط القود ولم یملك طلبه بعد وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروایتین عن مالك‪ .‬وتقدم القول الثاني أن‬
‫موجبه القود عینا ً ولیس له العفو إلى الدیة إال برضا الجاني وتقدم المختار ‪.‬‬
‫‪ .2‬باب الدیات‪:‬‬
‫الدیات بتخفیف المثناة التحتیة جمع دیة كعدات جمع عدة‪ .‬أصل دیة ِودْیة بكسر الواو مصدر ودي القتیل یدیه إذا‬
‫وعوضت عنها تاء التأنیث كما في عدة‪ .‬وهي اسم ألعم مما فیه القصاص وما‬‫ّ‬ ‫أعطى ولیه دیته حذفت فاء الكلمة‬
‫ال قصاص فیه ‪.‬‬
‫ب‬‫س ّلم َكتَ َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫ي َ‬ ‫ع ْن ُه ْم أَنه النّب ه‬
‫َّللا َ‬
‫ي هُ‬ ‫ع ْمرو ب ِْن ح َْزم ع َْن أَ ِبی ِه ع َْن َج ِ ّد ِه َرض َ‬ ‫ع َْن أَبي بَكْر ب ِْن مح ّم َد ب ِْن َ‬
‫یرضى أَ ّولِیا ُء ال َم ْقت ُو ِل‪،‬‬ ‫ط ُمؤمِ نا ً قَتْالً ع َْن َب ّینَ ٍة فإنّهُ قَ َو ٌد إال أَنّ ْ‬ ‫عتَ َب َ‬‫َدیث َوفِیهِ‪" :‬إنه َم ْن ا ْ‬ ‫إلى أَ ْه ِل ا ْل َی َم ِن‪ ،‬فَذَك ََر ا ْلح َ‬
‫سان ال ِ ّدیَةُ‪،‬‬ ‫ِب َج ْدعُهُ ال ِ ّدیَةُ‪َ ،‬وفِي العَ ْینَی ِْن ال ِ ّدیَةُ‪َ ،‬وفي ال ِلّ َ‬ ‫ف إذا أُوع َ‬ ‫َوإنه في النّ ْف ِس ال ِ ّدیَةَ َمائَةً مِ نَ اإلبِ ِل‪َ ،‬وفي األ ْن ِ‬
‫ْف ال ِ ّدیَةِ‪،‬‬ ‫ب ال ِ ّدیَةُ‪َ ،‬وفي ِ ّ‬
‫الرجْ ِل ا ْل َواحِ د ِة نِص ُ‬ ‫ضتَی ِْن ال ِ ّدیَةُ‪َ ،‬وفي الص ْل ِ‬ ‫شفَتَی ِْن ال ِ ّدیَةُ‪َ ،‬وفي الذّكَر ال ِ ّدیَةُ‪َ ،‬وفي البَ ْی َ‬ ‫وفَي ال ّ‬
‫صب ٍَع مِ ْن أَصَابع‬ ‫عش َْرةَ منَ اإل ِب ِل‪ ،‬وفي كُ ِ ّل إ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ث ال ِ ّد َیةِ‪َ ،‬وفي ال ُمنَ ِقّلَ ِة َخ ْم َ‬‫ث ال ِ ّد َیةِ‪َ ،‬وفي الجا ِئفَ ِة ثُلُ ُ‬ ‫وفي ال َمأ ُمو َم ِة ثُلُ ُ‬
‫بالمرأَ ِة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫الر ُج َل یُ ْقتَل‬
‫س مِ نَ اإلبِ ِل‪ ،‬وإنه ه‬ ‫وض َح ِة َخ ْم ٌ‬ ‫س مِ نَ اإلبِ ِل‪ ،‬وفي ال ُم ِ‬ ‫ِن َخ ْم ٌ‬ ‫عش ٌْر مِ نَ اإلبِ ِل‪ ،‬وفي ال ّ‬
‫س ِّ‬ ‫ا ْلیَ ِد ِ ّ‬
‫والرجْ ِل َ‬
‫َاو َد في ال َم َراسی ِل‪َ ،‬والنسائي وا ْب ُن ُخ َز ْی َمةَ وابُ ُن الجارو ِد وابْن حِ بّانَ‬ ‫ف دینَار" أَ ْخ َر َجهُ أَبُو د ُ‬ ‫ب أَ ْل ُ‬
‫َوعَلى أَ ْه ِل الذه َه ِ‬
‫اختَلَفُوا في ِص ّح ِت ِه ‪.‬‬ ‫َوأَحْ َم ُد َو ْ‬
‫ِي القضاء في‬ ‫(وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بالحاء المهملة مفتوحة وسكون الزاي وهو تابعي ول َ‬
‫المدینة لعمر بن عبد العزیز اسمه كنیته (عن أبیه عن جده) عمرو بن حزم (أن النبي صلى هللا علیه وآله وسلم‬
‫كتب إلى أهل الیمن فذكر الحدیث) أوله "من محمد النبي إلى شرح بیل بن عبد كالل ونعیم بن عبد كالل والحارث‬
‫بن عبد كالل قیل ذي رعین أما بعد" إلى آخر ما هنا (وفیه‪" :‬أَ َّن َم ِن ا ْعتَبَ َ‬
‫ط) بالعین المهملة بعدها مثناة فوقیة ثم‬
‫موحدة آخرها طاء مهملة أي من قتل قتیالً بال جنایة منه وال جریرة توجب قتله ‪.‬‬
‫ع ْن ب ْینَ ٍة فإنّهُ قَ َو ٌد إال أَ ْن یَ ْرضى أَ ْولِیا ُء ا ْل َم ْقتُول) فیه دلیل على أنهم مخیرون كما قررناه ‪.‬‬
‫( ُمؤْ مِ نا ً قَتْالً َ‬
‫وإن في النّفس ال ّدِیة مِ ائةً مِنَ اإلبِ ِل) بدل من الدیة ‪.‬‬
‫( َّ‬
‫ِب) بضم الهمزة وسكون والواو وكسر العین المهملة فموحدة ( َج ْدعُهُ) أي قطع جمیعه (ال ِ ّد َیةُ‬ ‫( وفي األَ ْنفِ إذَا أوع َ‬
‫ان ال ِ ّدیَةُ) إذا قطع من أصله أو ما یمنع منه الكالم‪.‬‬
‫س ِ‬‫وفي الل َ‬
‫شفَتَی ِْن ال ِ ّدیَةُ‪ ،‬وفي الذكَر ال ِ ّدیَةُ) إذا قطع من أصله‪.‬‬
‫( وفي ال ّ‬
‫ف ال ِ ّدیَ ِة) إذا قطعت من مفصل‬ ‫الرجْ ِل ا ْل َواحِ َدةِ نِ ْ‬
‫ص ُ‬ ‫ب ال ِ ّدیَةُ وفي ا ْلعَ ْینَی ِْن ال ِ ّدیَةُ وفي ِ ّ‬
‫ص ْل ِ‬ ‫( وفي ا ْلبَ ْی َ‬
‫ضتی ِْن ال ِ ّدیَةُ‪ ،‬وفي ال ّ‬
‫الساق‪.‬‬
‫(وفي ا ْلمأ ُمو َمةِ) هي الجنایة التي بلغت أم الرأس وهي الدماغ أو الجلدة الرقیقة علیها‪( :‬ثُلُ ُ‬
‫ث ال َّدیَةِ)‬
‫(وفي ا ْل َجائِفَةِ) قال في القاموس‪ :‬هي الطعنة تبلغ الجوف ومثله في غیره‪( :‬ثُلُ ُ‬
‫ث ال ّدِیةِ)‪.‬‬
‫( وفي المنَ ِقّلَةِ) اسم فاعل من نقل مشدد القاف وهي التي تخرج منها صغار العظام وتنتقل من أماكنها وقیل التي‬
‫تنقل العظم أي تكسره ‪.‬‬
‫س مِنَ اإلب ِل وفي ا ْل ُم ِ‬
‫وض َحةِ)‬ ‫ع ْش ٌر مِنَ اإلبِ ِل وفي ال ّ‬
‫س ِِّن َخ ْم ٌ‬ ‫صابع ا ْلیَ ِد ِ ّ‬
‫والرجْ ِل َ‬ ‫س مِنَ اإلبِل وفي كُ ِّل إِ ْ‬
‫صبَ ٍع ْ‬
‫مِن أ َ‬ ‫( َخ ْم ٌ‬
‫اسم فاعل من أوضح وهي التي توضح العظم وتكشفه‪.‬‬
‫دینار" أخرجه أبو داود في المراسیل والنسائي‬
‫ٍ‬ ‫ب أَ ُ‬
‫لف‬ ‫على أَ ْه ِل الذَّ َه ِ‬
‫الر ُج َل یُ ْقتَل بال َمرأةِ و َ‬ ‫س مِنَ اإلبِل‪َّ ،‬‬
‫وإن َّ‬ ‫( َخ ْم ٌ‬
‫وابن خزیمة وابن الجارود وابن حبان وأحمد واختلفوا في صحته)‪.‬‬
‫قال أبو داود في المراسیل قد أسند هذا وال یصح‪ .‬والذي قال في إسناده سلیمان بن داود وهم‪ :‬إنما هو ابن أرقم ‪.‬‬
‫وقال أبو زرعة‪ :‬عرضته على أحمد فقال‪ :‬سلیمان بن داود هذا لیس بشيء ‪.‬‬
‫وقال ابن حبان‪[ :‬تض]سلیمان بن داود الیماني[‪/‬تض] ضعیف وسلیمان بن داود الخوالني ثقة وكالهما یرویان عن‬
‫الزهري ‪.‬‬
‫والذي روى حدیث الصدقات هو الخوالني فمن ضعفه إنما ّ‬
‫ظن أن الراوي هو الیماني‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬لم ینقلوا هذا الحدیث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم‪.‬‬
‫قال ابن عبد البر‪ :‬هذا كتاب مشهور عند أهل السیر معروف ما فیه عند أهل العلم معرفة تغني شهرتها عن اإلسناد‬
‫ألنه أشبه المتواتر لتلقي الناس إیاه بالقبول والمعرفة‪.‬‬
‫قال العقیلي‪ :‬حدیث ثابت محفوظ إال أنا نرى أنه كتاب غیر مسموع عمن فوق الزهري‪ .‬وقال یعقوب بن سفیان‪:‬‬
‫ال أعلم في الكتب المنقولة كتابا ً أصح من كتاب عمرو بن حزم فإن الصحابة والتابعین یرجعون إلیه ویدعون رأیهم‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن شهاب‪ :‬قرأت في كتاب رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم لعمرو بن حزم حین بعثه إلى نجران وكان‬
‫الكتاب عند أبي بكر بن حزم‪ ،‬وصححه الحاكم وابن حبّان والبیهقي‪.‬‬
‫وقال أحمد‪ :‬أرجو أن یكون صحیحا ً ‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن كثیر في اإلرشاد بعد نقله كالم أئمة الحدیث فیه ما لفظه‪ :‬قلت وعلى كل تقدیر فهذا الكتاب متداول‬
‫بین أئمة اإلسالم قدیما ً وحدیثا ً یعتمدون علیه ویفزعون في مهمات هذا الباب إلیه ثم ذكر كالم یعقوب بن سفیان ‪.‬‬
‫وإذا عرفت كالم العلماء هذا عرفت أنه معمول به وأنه أولى من الرأي المحض‪.‬‬
‫وقد اشتمل على مسائل فقهیة‪:‬‬
‫األولى‪ :‬فیمن قتل مؤمنا ً اعتباطا ً أي بال جنایة منه وال جریرة توجب قتله كما قدّمناه وقال الخطابي‪ :‬اعتبط بقتله أي‬
‫قتله ظلما ً ال عن قصاص ‪.‬‬
‫وقد روى االغتباط بالغین المعجمة كما یفیده تفسیره في سنن أبي داود فأنه قال‪ :‬إنه سئل یحیى بن یحیى الغساني‬
‫عن االغتباط فقال‪ :‬القاتل الذي یقتل في الفتنة فیرى أنه في هدى ال یستغفر هللا تعالى منه ‪.‬‬
‫فهذا یدل أنه من الغبطة الفرح والسرور وحسن الحال ‪.‬‬
‫فإذا كان المقتول مؤمنا ً وفرح بقتله فإنه داخل في هذا الوعید ودل على أنه یجب القود إال أن یرضى أولیاء المقتول‬
‫فإنهم مخیرون بینه وبین الدیة كما سلف ‪.‬‬
‫الثانیة‪:‬أنه دل على أن قدر الدیة مائة من اإلبل ‪.‬‬
‫وفیه دلیل أیضا ً على أن اإلبل هي الواجبة وأن سائر األصناف لیست بتقدیر شرعي بل هي مصالحة وإلى هذا‬
‫ذهب القاسم والشافعي وأما أسنانها فسیأتي في حدیث بعد هذا بیانها إال أن قوله في هذا الحدیث "وعلى أهل الذهب‬
‫ألف دینار" ظاهره أنه أصل أیضا ً على أهل الذهب‪ ،‬واإلبل أصل على أهل اإلبل ‪.‬‬
‫ویحتمل أن ذلك مع عدم اإلبل وأن قیمة المائة منها ألف دینار في ذلك العصر‪.‬‬
‫ویدل لهذا ما أخرجه أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده أن رسول هللا صلى هللا علیه وآله‬
‫ویقومها على أثمان اإلبل إذا غلت‬
‫ّ‬ ‫وسلم كان یُقَ ّ ِو ُم دیة الخطأ على أهل القرى أربعمائة دینار أو عدلها من الورق‬
‫رفع من قیمتها وإذا هاجت ورخصت نقص من قیمتها‪.‬‬
‫َف لي شَي ٌء‬ ‫یب ا ْم َرأَتي َف َ‬
‫ظاه َْرتُ مِ ْن َها فَا ْن َكش َ‬ ‫ص َ‬ ‫ضا ُن َفخِ ْفتُ أَ ْن أ ُ ِ‬ ‫ع ْنهُ قالَ‪َ :‬د َخ َل َر َم َ‬ ‫َّللا َ‬ ‫ص ْخ ٍر َر َ‬
‫ضي َّ ُ‬ ‫بن َ‬ ‫سلَ َمةَ ِ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َو َ‬
‫سلّم‪َ " :‬ح ِ ّر ْر َرقَبَةً" فَقُ ْلتُ ‪َ :‬ما أَ ْم ِلكُ إال َرقَبَتي‪ ،‬قَالَ‪" :‬فَ ُ‬
‫ص ْم‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫علَ ْیهَ‪ ،‬فَقَا َل لي َرسُو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫علَ ْی َها لَ ْیلَةً فَ َوقَ ْعتُ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مِن تَ ْم ٍر ِس ِت ّینَ مِ سْكیناً" أ ْخ َر َجهُ‬ ‫ْ‬
‫صیّام؟ قَالَ‪" :‬أط ِع ْم فَ َرقا ً ْ‬ ‫صبْتُ إال مِنَ ال ِ ّ‬ ‫َ‬
‫صبْتُ الذي أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ین" قُلتُ ‪ :‬و َهلْ أ َ‬ ‫ش ْه َری ِْن ُمتَتَابِعَ ِ‬ ‫َ‬
‫ص ّح َحهُ ا ْب ُن ُخزَ ْی َمةَ َوا ْب ُن ا ْل ُ‬
‫جارو ِد ‪.‬‬ ‫واألر َب َعةُ إال النسائ َّ‬
‫ي َو َ‬ ‫ْ‬ ‫أَحْ َم ُد‬
‫وبلغت على عهد رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم ما بین أربعمائة إلى ثمانمائة وعدلها من الورق ثمانیة آالف‬
‫درهم ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقضى على أهل البقر مائتي بقرة ومن كان دیة عقله في الشاء بأل َف ْي شاة‪ .‬وأخرج أبو داود عن ابن عباس‬
‫رضي هللا عنهما‪" :‬أن رجالً من بني عدي قتل فجعل رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم دیته اثني عشر ألفاً"‬
‫ومثله عند الشافعي وعند الترمذي وصرح بأنها اثنا عشر ألفدرهم ‪.‬‬
‫وعند أهل العراق أنها من الورق عشرة آالف درهم ومثله عن[اث] عمر[‪/‬اث] رضي هللا عنه وذلك بتقویم الدینار‬
‫بعشرة دراهم واتفقوا على تقویم المثقال بها في الزكاة‪.‬‬
‫وأخرج أبو داود عن عطاء أن رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم‪" :‬قضى في الدیة على أهل اإلبل مائة من اإلبل‬
‫وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وعلى أهل القمح شیئا ً لم یحفظه‬
‫محمد بن إسحاق‪.‬‬
‫وهذا یدل على تسهیل األمر وأنه لیس یجب على من لزمته الدیة إال من النوع الذي یجده ویعتاد التعامل به في‬
‫ناحیته وللعلماء هنا أقاویل مختلفة وما دلت علیه األحادیث أولى باالتباع وهذه التقدیرات الشرعیة كما عرفت ‪.‬‬
‫وقد استبدل الناس عرفا ً في الدیات وهو تقدیرها بسبعمائة قرش ثم إنهم یجمعون عروضا ً یقطع فیها بزیادة كثیرة‬
‫في أثمانها فتكون الدیة حقیقة نصف الدیة الشرعیة وال أعرف لهذا وجها ً شرعیا ً فإنه أمر صار مأنوسا ً ومن له‬
‫الدیة ال یعذر عن قبول ذلك حتى أنه صار من األمثال "قطع دیة" إذا قطع شيء بثمن ال یبلغه ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬قوله‪" :‬وفي األنف إذا أوعب جدعه" أي استؤصل وهو أن یقطع من العظم المنحدر من مجمع‬
‫الحاجبین فإن فیه دیة وهذا حكم مجمع علیه‪.‬‬
‫واعلم أن األنف مركب من أربعة أشیاء‪ :‬من قصبة ومارن وأرنبة وروثة فالقصبة هي العظم المنحدر من مجمع‬
‫الحاجبین والمارن هو الغضروف الذي یجمع المنخرین والروثة بالراء وبالمثلثة طرف األنف وفي القاموس المارن‬
‫األنف أو طرفه أو ما الن منه ‪.‬‬
‫واختلف إذا جنى على أحد هذه فقیل‪ :‬تلزم حكومة عند الهادي وذهب الناصر والفقهاء إلى أن في المارن دیة لما‬
‫سلّم‪" :‬في األنف إذا قطع مارنه مائة من‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫رواه الشافعي عن طاوس قال‪ :‬عندنا في كتب رسول هللا َ‬
‫اإلبل" قال الشافعي‪ :‬وهذا أبین من حدیث آل حزم‪.‬‬
‫وفي الروثة نصف الدیة لما أخرجه البیهقي من حدیث عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده قال‪ :‬قضى النبي صلى‬
‫هللا علیه وآله وسلم إذا قطعت ثندوة األنف بنصف العقل خمسون من اإلبل أو عدلها من الذهب أو الورق ‪.‬‬
‫قال في النهایة‪ :‬الثندوة هنا روثة األنف وهي طرفه ومقدمه ‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬قوله‪" :‬وفي اللسان الدیة" أي إذا قطع من أصله كما هو ظاهر اإلطالق وهذا مجمع علیه وكذا إذا‬
‫قطع منه ما یمنع الكالم ‪.‬‬
‫وأما إذا قطع ما یبطل بعض الحروف فحصته معتبرة بعدد الحروف وقیل بحروف اللسان فقط وهي ثمانیة عشر‬
‫حرفا ً ال حروف الحلق وهي ستة وال حروف الشفة وهي أربعة‪ .‬واألول أولى ألن النطق ال یتأتى إال باللسان ‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬قوله‪" :‬وفي الشفتین الدیة" واحدتهما شفة بفتح الشین وتكسر كما في القاموس وح ُّد الشفتین من‬
‫تحت المنخرین إلى منتهى الشدقین في عرض الوجه وفي طوله من أعلى الذقن إلى أسفل الخدّین وهو مجمع علیه‬
‫‪.‬‬
‫واختلف إذا قطع إحداهما فذهب الجمهور إلى أن كل واحدة نصف الدیة على السواء‪.‬‬
‫وروي عن[اث] زید بن ثابت[‪/‬اث] أن في العلیا ثلثا ً وفي السفلى ثلثین إذ منافعها أكثر لحفظها للطعام والشراب ‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬قوله "وفي الذكر الدیة" هذا إذا قطع من أصله وهو مجمع علیه فإن قطع الحشفة ففیها الدیة عند مالك‬
‫وبعض الشافعیة واختاره المهدي كمذهب الهادویة وظاهر الحدیث أنه ال فرق بین العنین وغیره والكبیر والصغیر‬
‫وإلیه ذهب الشافعي‪.‬‬
‫وعند األكثر أن في ذكر الخصي والعنین حكومة ‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬قوله‪" :‬وفي البیضتین الدیة" وهو حكم مجمع علیه وفي كل واحدة نصف الدیة‪ .‬وفي البحر عن[اث]‬
‫علي[‪/‬اث] رضي هللا عنه وعن ابن المسیب رضي هللا عنه أن في البیضة الیسرى ثلثي الدیة ألن الولد یكون منها‬
‫وفي الیمنى ثلث الدیة‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬أن في الصلب الدیة وهو إجماع والصلب بالضم والتحریك عظم من لدن الكاهل إلى العجب بفتح العین‬
‫المهملة وسكون الجیم أصل الذنب كالصالبة قال تعالى‪{ :‬یخرج من بین الصلب والترائب} فإن ذهب المني مع‬
‫الكسر فدیتان ‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬أفاد أن في العینین الدیة وهو مجمع علیه وفي إحداهما نصف الدیة وهذا في العین الصحیحة واختلف في‬
‫األعور إذا ذهبت عینه بالجنایة فذهبت الهادویة والحنفیة والشافعیة إلى أنه یجب فیها نصف الدیة إذ لم یفصل الدلیل‬
‫وهو هذا الحدیث وقیاسا ً على من له ید واحدة فإنه لیس له إال نصف الدیة وهو مجمع علیه ‪.‬‬
‫وذهب جماعة من الصحابة و مالك وأحمد إلى أن الواجب فیها دیة كاملة ألنها في معنى العینین واختلفوا إذا جنى‬
‫على عین واحدة فالجمهور على ثبوت القود لقوله تعالى‪{ :‬والعین بالعین} وعن أحمد أنه ال قود فیها ‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬قوله وفي الرجل الواحدة نصف الدیّة وح ّد الرجل التي تجب فیها الدیة من مفصل الساق فإن قطع من‬
‫الركبة لزم الدیة وحكومة في الزائد ‪.‬‬
‫واعلم أنه ذكر البیهقي عن الزهري أنه قرأ في كتاب عمرو بن حزم‪ :‬وفي األذن خمسون من اإلبل قال‪ :‬وروینا‬
‫وعلي أنهما قضیا بذلك ‪.‬‬
‫َ‬ ‫عن عمر‬
‫وروى البیهقي من حدیث معاذ أنه قال‪ :‬وفي السمع مائة من اإلبل وفي العقل مائة من اإلبل وقال البیهقي‪ :‬إسناده‬
‫لیس بقوي ‪.‬‬
‫قال ابن كثیر‪ :‬ألنه من روایة[تض] رشدین بن سعد المصري[‪/‬تض] وهو ضعیف ‪.‬‬
‫قال زید بن أسلم‪ :‬مضت السنة أن في العقل إذا ذهب‪ :‬الدیة‪ .‬رواه البیهقي ‪.‬‬
‫الحادیة عشرة‪ :‬أنه دل على أن في المأمومة والجائفة وتقدم تفسیرهما في كل واحدة ثلث الدیة قال الشافعي‪ :‬ال أعلم‬
‫خالفا ً أن رسول هللا صلى هللا تعالى علیه وعلى آله وسلم قال‪" :‬قال في الجائفة ثلث الدیة" ذكره ابن كثیر في اإلرشاد‬
‫وقال في نهایة المجتهد‪ :‬اتفقوا على أن ا لجائفة من جراح الجسد ال من جراح الرأس وأنه ال یقاد منها وأن فیها ثلث‬
‫الدیة وأنها جائفة متى وقعت في الظهر والبطن واختلفوا إذا وقعت في غیر ذلك من األعضاء فنفذت إلى تجویفه ‪.‬‬
‫ي عضو كان ذلك‬
‫فحكى مالك عن سعید بن المسیب أن في كل جراحة نافذة إلى تجویف عضو من األعضاء أ ّ‬
‫العضو ثلث الدیة واختاره مالك ‪.‬‬
‫وأما سعید فإنه قاس ذلك على الجائفة على نحو ما روي عن عمر رضي هللا عنه في موضحة الجسد‪.‬‬
‫الثانیة عشرة‪ :‬وفي المنقلة خمس عشرة من اإلبل وتقدّم تفسیرها ‪.‬‬
‫الثالثة عشرة‪ :‬أفاد أن في كل أصبع عشرا ً من اإلبل سواء كانت من الیدین أو الرجلین فإن فیها عشرا ً وهو رأي‬
‫الجمهور ‪.‬‬
‫وفي حدیث عمرو بن شعیب مرفوعا ً بلفظ‪" :‬واألصابع سواء" أخرجه أحمد وأبو داود‪.‬‬
‫وقد كان لعمر في ذلك رأي آخر ثم رجع إلى الحدیث لما روي له ‪.‬‬
‫الرابعة عشرة‪ :‬أنه یجب في كل سن خمس من اإلبل وعلیه الجمهور وفیه خالف لیس له دلیل یقاوم الحدیث‪.‬‬
‫الخامسة عشرة‪ :‬أنه یلزم في الموضحة خمس من اإلبل وإلیه ذهب الهادویة والفریقان وفیه خالف لیس له ما یقاوم‬
‫النص ‪.‬‬
‫فائدة" روى البیهقي عن[اث] زید بن ثابت[‪/‬اث] أن في الهاشمة عشرا ً من اإلبل وحكاه البیهقي عن عدد من أهل‬
‫العلم‪.‬‬
‫وروى عبد هللا بن أحمد أن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه قضى في رجل ضرب فذهب سمعه وبصره وعقله‬
‫ونكاحه بأربع دیات‪ .‬رواه عبد هللا بن أحمد ‪.‬‬
‫سلّم قضى في العین‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫وروى النسائي من حدیث عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده‪ :‬أن رسول هللا َ‬
‫العوراء السادّة لمكانها إذا طمست بثلث دیتها وفي الید الشالء إذا قطعت بثلث دیتها وفي السن السوداء إذا نزعت‬
‫بثلث دیتها‪ .‬ذكره ابن كثیر في اإلرشاد‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬وإن الرجل یقتل بالمرأة فتقدم الكالم فیه ‪.‬‬
‫ط ِأ أَ ْخ َماساً‪ِ :‬عش ُْرونَ حِ قّةً َو ِعشْرون َجذَعَةً‬ ‫سلّم قَالَ‪ِ " :‬دیَةُ ا ْل َخ َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬
‫صلّى هللا َ‬ ‫سعُو ٍد عن النّبي َ‬ ‫َوع َِن اب ِْن َم ْ‬
‫األربَعَةُ بِلَ ْفظِ ‪:‬‬
‫طني وأَ ْخ َر َجهُ ْ‬ ‫ون" أَ ْخ َر َجهُ الد َ‬
‫هارقُ َ‬ ‫ت لَبُون وعشرونَ بَني لَبُ ٍ‬ ‫اض َو ِعشْرونَ بَنَا ِ‬ ‫ت َم َخ ٍ‬
‫وعشرونَ بَنَا ِ‬
‫ش ْیبَةَ مِ ْن َوجْ ٍه آ َخ َر َم ْوقُوفا ً َوه َُو‬ ‫األو ِل أَ ْق َوى‪َ ،‬وأَ ْخ َر َجهُ ا ْب ُن أَبي َ‬
‫سنَا ُد ه‬ ‫ون" وإ ْ‬ ‫اض" بَ َد َل "لَبُ ٍ‬ ‫"و ِعش ُْرونَ بَنُو م َخ ٍ‬
‫ع ْن ُه َما‬
‫َّللا َ‬
‫ي هُ‬ ‫ب ع َْن أَبی ِه ع َْن َج ِ ّد ِه َر ِض َ‬‫ع ْمرو ب ِْن شُعَ ْی ٍ‬ ‫ریق َ‬‫ط ِ‬ ‫َاو َد والت ّْرمِ ذي مِ ْن َ‬‫ص ُّح مِ نَ ال َم ْرفُوع‪َ ،‬وأَ ْخ َر َجهُ أَبُو د ُ‬
‫أَ َ‬
‫أربَعُونَ َخ ِلفَةً في بُطُونها أَ ْوال ُد َها"‪.‬‬ ‫َرفَعَهُ "ال ِ ّدیَةُ ثَالثُونَ حِ قّةً‪َ ،‬وثَالثُونَ َجذَعَةً‪َ ،‬و ْ‬
‫أخ َماساً)‬
‫طأ ْ‬ ‫(وعن ابن مسعود رضي هللا تعالى عنه عن النبي صلى هللا تعالى علیه وعلى آله وسلم قال‪" :‬دیة ا ْل َخ َ‬
‫ت لَب ٍ‬
‫ُون و ِع ْش ُرونَ‬ ‫َاض و ِع ْش ُرونَ َبنَا ِ‬ ‫عةً و ِع ْش ُرونَ بنَا ِ‬
‫ت َمخ ٍ‬ ‫أي تؤخذ أو تجب‪ ،‬بینه بقوله (ع ْش ُرونَ حِ قّةً و ِع ْش ُرونَ َجذَ َ‬
‫ُون" أخرجه الدارقطني وأخرجه األربعة بلفظ‪ :‬وعشرون بنو مخاض بدل بني لبون وإسناد األول أقوى) أي‬ ‫بَني لب ٍ‬
‫من إسناد األربعة فإن فیه خشف بن مالك الطائي قال الدارقطني‪ :‬إنه رجل مجهول وفیه الحجاج بن أرطاة‪.‬‬
‫واعلم أنه اعترض البیهقي على الدارقطني وقال‪ّ :‬‬
‫إن جعله لبني اللبون غلط منه ثم قال البیهقي‪ :‬والصحیح أنه‬
‫موقوف على عبد هللا بن مسعود ‪.‬‬
‫والصحیح عن عبد هللا أنه جعل أحد أخماسها بني المخاض ال كما ت ََوهم شیخنا الدارقطني رحمه هللا تعالى ‪.‬‬
‫والحدیث دلیل على أن دیة الخطأ تؤخذ أخماسا ً كما ذكر وإلیه ذهب الشافعي ومالك وجماعة من العلماء وإلى أن‬
‫الخامس بنو لبون ‪.‬‬
‫وعن أبي حنیفة أنه بنو مخاض كما في روایة األربعة ‪.‬‬
‫وذهب الهادي وآخرون إلى أنها تؤخذ أرباعا ً بإسقاط بني اللبون واستدل له بحدیث له لم یثبته الحفاظ وذهبوا إلى‬
‫أنها أرباع مطلقا ً ‪.‬‬
‫وذهب الشافعي ومالك إلى أن الدیة تختلف باعتبار العمد وشبه العمد والخطأ فقالوا‪ :‬أنها في العمد وشبه العمد تكون‬
‫أثالثا ً كما في الخطأ ‪.‬‬
‫وأما التغلیظ في الدیة فإنه ثبت عن[اث] عمر[‪/‬اث] و[اث]عثمان[‪/‬اث] رضي هللا عنهما فیمن قتل في الحرم بدیة‬
‫وثلث تغلیظ في الدیة وثبت عن جماعة القول بذلك ویأتي الكالم فیه‪.‬‬
‫(وأخرجه) ــــ أي حدیث ابن مسعود ــــ (ابن أبي شیبة من وجه آخر موقوفاً) على ابن مسعود (وهو أصح من‬
‫المرفوع)‬
‫(وأخرجه أبو داود والترمذي من طریق عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده رفعه) إلى النبي صلى هللا علیه وآله‬
‫وأر َب ُعونَ خِ ْلفَةً في بُطُونِها ْأوال ُدهَا") وقد تقدم تفسیر هذه األسنان في‬
‫وسلم‪"( :‬ال ِ ّد َیةُ ثَالثُونَ حقةً وثالثُونَ جذعة ْ‬
‫الزكاة ‪.‬‬
‫َّللا ثَالثةٌ‪َ :‬م ْن قَتَ َل في‬ ‫"إن أَعتى النّاس َ‬
‫على َّ ِ‬ ‫قَالَ‪ّ :‬‬ ‫سلّم‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫عن ال ّنبي َ‬ ‫ع ْن ُه َما ِ‬ ‫َّللا َ‬
‫ابن عُ َم َر َرضي َّ ُ‬ ‫ع ِن ِ‬ ‫َو َ‬
‫ص ّح َحهُ ‪.‬‬
‫ث َ‬
‫في َحدی ٍ‬ ‫غی َْر قَا ِت ِلهِ‪ ،‬أَ ْو ِلذَحْ ِل ا ْل َجا ِه ِلیّةِ" أَ ْخ َر َجهُ ا ْب ُن حِ بّانَ‬
‫َّللاِ‪ ،‬أَ ْو قَتَ َل َ‬
‫َح َر ِم َّ‬
‫"إن أَعْتى) بفتح الهمزة وسكون العین المهملة‬ ‫سلّم قال‪َّ :‬‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫(وعن ابن عمر رضي هللا عنه عن النبي َ‬
‫َ‬
‫َّللاِ‪ ،‬أو قَتَ َل‬ ‫من قَتَ َل في َ‬
‫حر ِم َّ‬ ‫ٌ‬ ‫علَى َّ ِ‬
‫َّللا ثَالثة‪ْ :‬‬ ‫اس َ‬‫فمثناة فوقیة فألف مقصورة اسم تفضیل من العتو وهو التجبر (النّ ِ‬
‫غی َْر قَا ِت ِل ِه‪ ،‬أَ ْو قَتَ َل ِلذَحْ ل) بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة الثأر وطلب المكافأة بجنایة جنیت علیه من قتل‬
‫َ‬
‫أو غیره (ا ْل َجا ِه ِلیّةِ"‪ .‬أخرجه ابن حبان في حدیث صححه)‬
‫الحدیث دلیل على أن هؤالء الثالث أزید في العتو على غیرهم من العتاة ‪.‬‬
‫األول من قتل في الحرم فمعصیة قتله تزید على معصیة من قتل في غیر الحرم وظاهره العموم لحرم مكة والمدینة‪،‬‬
‫ولكن الحدیث ورد في غزاة الفتح في رجل قتل بالمزدلفة إال أن السبب ال یخص به إال أن یقال‪ :‬اإلضافة عهدیة‬
‫والمعهود حرم مكة ‪.‬‬
‫وقد ذهب الشافعي إلى التغلیظ في الدیة على من وقع منه قتل الخطأ في الحرم أو قتل محرما ً من النسب أو قتل في‬
‫األشهر الحرم‪ .‬قال‪ :‬ألن الصحابة غلظوا في هذه األحوال‪ .‬وأخرج السدي عن مرة عن[اث] ابن مسعود[‪/‬اث] قال‪:‬‬
‫"ما من رجل یهم بسیئة فتكتب علیه إال أن رجالً لو هم بعدن أن یقتل رجالً بالبیت الحرام إال أذاقه هللا تعالى من‬
‫عذاب ألیم"‪.‬‬
‫وقد رفعه في روایة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا مبني على أن الظرف في قوله تعالى‪{ :‬ومن یرد بإلحاد بظلم نذقه من عذاب ألیم} متعلق بغیر اإلرادة‬
‫بل باإللحاد وإن كانت اإلرادة في غیره واآلیة محتملة‪ .‬وورد في التغلیظ في الدیة حدیث عمرو بن شعیب مرفوعا ً‬
‫بلفظ‪" :‬عقل شبه العمد مغلظ مثل قتل العمد وال یقتل صاحبه وذلك أن ینزو الشیطان بین الناس فتكون دماء في غیر‬
‫ضغینة وال حمل سالح" رواه أحمد وأبو داود ‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬من قتل غیر قاتله أي من كان له دم عند شخص فیقتل رجالً آخر غیر من عنده له الدم سواء كان له‬
‫مشاركة في القتل أو ال ‪.‬‬
‫الثالث قوله‪" :‬أو قتل لذحل الجاهلیة" تقدم تفسیر الذحل وهو العداوة أیضا ً وقد فسر الحدیث حدیث أبي شریح‬
‫الخزاعي أنه صلى هللا علیه وآله وسلم قال‪" :‬أعتى الناس من قتل غیر قاتله أو طلب بدم في الجاهلیة من أهل‬
‫اإلسالم أو بصر عینه ما لم تبصر" أخرجه البیهقي ‪.‬‬
‫طأ‬ ‫سلّم قالَ‪" :‬أال ّ‬
‫إن ِدیَ َة ال َخ َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫ع َل ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْن ُهما أَ َّن َرسُو َل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َّللا َ‬
‫اص َرضي َّ ُ‬ ‫ع ْمرو ب ِْن ا ْل َع ِ‬ ‫ع ْن َ‬
‫ع ْب ِد َّ ِ‬
‫َّللا ب ِْن َ‬ ‫َو َ‬
‫صا مِ ائةٌ مِنَ اإل ِب ِل مِ ْن َها أَ ْر َبعْونَ في بُطُونِ َها أَ ْوال ُدهَا" أَ ْخ َر َجهُ أبُو َد ُاو َد والنسائي وا ْب ُن‬‫َو ِشبْه ا ْل َع ْم ِد َما َكانَ ِبالس ّْوطِ َوا ْل َع َ‬
‫ص ّح َحهُ اب ُن حِ بّانَ ‪.‬‬‫َماجه َو َ‬
‫طأ َو ِشبْه ا ْل َع ْم ِد َما َكانَ‬ ‫سلّم قالَ‪" :‬أال ّ‬
‫إن ِدیَةَ ال َخ َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫َّللا َ‬‫اص أَ َّن َرسُو َل َّ ِ‬ ‫ع ْمرو ب ِْن ا ْل َع ِ‬ ‫َّللا ب ِْن َ‬ ‫ع ْن َ‬
‫ع ْب ِد َّ ِ‬ ‫(و َ‬‫َ‬
‫ص ّح َحهُ‬
‫َ َ‬‫و‬ ‫اجه‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ب‬
‫ْ‬ ‫وا‬ ‫والنسائي‬ ‫د‬ ‫او‬
‫َ ُ َ‬‫د‬ ‫ُو‬ ‫ب‬‫أ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ر‬
‫َ َ‬ ‫خ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َا"‬
‫ه‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫ال‬‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬
‫َِ ْ‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ن‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫ط‬ ‫ب‬
‫ُ‬ ‫في‬ ‫ع‬
‫ْونَ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫ِ ِ مِ َ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫اإل‬ ‫مِنَ‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫ائ‬ ‫ْ‬
‫ِب ْ طِ َ َ َ مِ‬
‫ا‬ ‫ص‬ ‫ع‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ّو‬‫س‬ ‫ال‬
‫اب ُن حِ بّانَ )‪.‬‬
‫قال ابن القطان وهو صحیح وال یضره االختالف ‪.‬‬
‫وتقدم الكالم في الحدیث وإنما ذكره المصنف تفسیرا ً للحدیث الذي سلف من حدیث عمرو بن شعیب وفیه تغلیظ‬
‫عقل الخطأ ولم یبینه هنالك فبیّنه هنا ‪.‬‬
‫ام‪َ ،‬ر َواهُ ا ْلبُخاري‪.‬‬ ‫سلّم َقالَ‪" :‬ه ِذ ِه وهذه سوا ٌء" یَ ْعني الخِ ْن َ‬
‫ص َر واإل ْب َه َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ِن النّبي َ‬ ‫ّاس َ‬ ‫عب ٍ‬
‫ابن َ‬ ‫ع ِن ِ‬ ‫َو َ‬
‫س َوا ٌء"‪َ ،‬وال ْب ِن حِ بّانَ ‪ِ " :‬د َیةُ أَصابع‬
‫س َ‬
‫ض ْر ُ‬‫س َوا ٌء‪ ،‬الث ّ ِنیّةُ َوال ِ ّ‬
‫س َوا ٌء‪َ ،‬واأل ْسنَا ُن َ‬ ‫يِ‪ِ " :‬د َیةُ األ َ‬
‫صاب ُع َ‬ ‫َوألبي َد ُاو َد والت ّ ِْرمِ ِذ ّ‬
‫عش ََرة ٌ مِنَ اإلبِ ِل لِك ِّل إ ْ‬
‫صبَ ٍع‪.‬‬ ‫س َوا ٌء‪َ :‬‬‫الرجْ لَی ِْن َ‬‫ا ْلیدی ِْن َو ِ ّ‬
‫س َوا ٌء یَ ْعني‬
‫(وعن ابن عباس رضي هللا عنهما عن رسول هللا صلى هللا تعالى علیه وآله وسلم قال‪" :‬ه ِذ ِه وه ِذ ِه َ‬
‫س َوا ٌء) هذا أعم من‬ ‫صابع َ‬ ‫خنصر واإلبهام" رواه البخاري وألبي داود والترمذي) أي من حدیث ابن عباس ( ِد َیةُ األ َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل‬
‫سوا ٌء) فال یقال الدیة على قدر النفع والضرس أنفع في‬ ‫س َ‬ ‫س َوا ٌء" زاده بیانا ً بقوله‪( :‬الثّنِیّةُ وال ِ ّ‬
‫ض ْر ُ‬ ‫األول "واأل ْسنَا ُن َ‬
‫عش ََرة ٌ مِنَ اإلبِ ِل ِل ُك ِّل إ ْ‬
‫صبَع)‬ ‫سوا ٌء َ‬ ‫صابع ا ْلیَ َدی ِْن ِ ّ‬
‫والرجْ لَی ِْن َ‬ ‫المضغ (والبن حبان) أي من حدیث ابن عباس‪ِ ( :‬دیَةُ أَ َ‬
‫وقد قدمنا الكالم في هذا مستوفى‪.‬‬
‫اب‬
‫ص َ‬ ‫طبّ ِ َم ْع ُروفا ً فَأ َ َ‬‫ّب َولَ ْم یَكُ ْن بال ِ ّ‬ ‫ع ْن ُه ْم َرفَعَهُ‪ ،‬قَالَ‪َ " :‬م ْن تَ َ‬
‫طب َ‬ ‫َّللا َ‬ ‫ع ْن أَبِی ِه َ‬
‫ع ْن َج ِ ّد ِه َرضي َّ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ع ْمرو ب ِْن شُعَ ْی ٍ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َو َ‬
‫َ‬
‫غی ِْر ِه َما‪ ،‬إال أ َّن َم ْن‬ ‫ص ّح َحه الحا ِك ُم‪َ ،‬وه َُو ِع ْن َد أبي َدا ُو َد والنسائي َو َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضامِ نٌ" أ ْخ َر َجهُ الدارقطني َو َ‬ ‫نَ ْفسا فَ َما دُونَ َها فَ ُه َو َ‬
‫ً‬
‫صلَهُ ‪.‬‬ ‫سلَهُ أَ ْق َوى م ّم ْن َو َ‬ ‫أَ ْر َ‬
‫ّب) أي تكلف الطب ولم یكن طبیبا ً‬ ‫( وعن عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده رضي هللا عنهم رفعه قال‪َ " :‬م ْن تَ َ‬
‫طب َ‬
‫كما یدل له صیغة تفعّل ‪.‬‬
‫اب نَ ْفسا ً فما دونَها فَ ُه َو َ‬
‫ضامِ نٌ" أخرجه الدارقطني وصححه الحاكم وهو عند أبي‬ ‫ص َ‬‫طبّ ِ َم ْع ُروفا ً فأ َ َ‬
‫( و َل ْم َی ُك ْن بال ِ ّ‬
‫داود والنسائي وغیرهما إال أن من أرسله أقوى ممن وصله)‬
‫الحدیث دلیل على تضمین المتطبب ما أتلفه من نفس فما دونها سواء أصاب بالسرایة أو المباشرة وسواء كان عمدا ً‬
‫ِي على هذا اإلجماع وفي نهایة المجتهد‪ :‬إذا أعنت أي المتطبب كان علیه الضرب والسجن والدیة‬ ‫أو خطأ وقد ا ُّدع َ‬
‫في ماله وقیل‪ :‬على العاقلة‪.‬‬
‫واعلم أن المتطبب هو من لیس له خبرة بالعالج ولیس له شیخ معروف والطبیب الحاذق هو من له شیخ معروف‬
‫وثق من نفسه بجودة الصنعة وإحكام المعرفة ‪.‬‬
‫قال ابن القیم في الهدي النبوي‪ :‬إن الطبیب الحاذق هو الذي یراعي في عالجه عشرین أمرا ً وسردها هنالك‪ .‬قال‪:‬‬
‫والطبیب الجاهل إذا تعاطى علم الطب أو علمه ولم یتقدم له به معرفة فقد هجم بجهله على إتالف األنفس وأقدم‬
‫بالتّهور على ما ال یعلمه فیكون قد ّ‬
‫غرر بالعلیل فیلزمهالضمان وهذا إجماع من أهل العلم‪.‬‬
‫قال الخطابي‪ :‬ال أعلم خالفا ً في أن المعالج إذا تعدى فتلف المریض كان ضامنا ً والمتعاطي علما ً أو عمالً ال یعرفه‬
‫متعدّ‪ ،‬فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدیة وسقط عنه القود ألنه ال یستبد بذلك دون إذن المریض‪ .‬وجنایة الطبیب‬
‫على قول عا ّمة أهل العلم على عاقلته اهـ‪.‬‬
‫وأما إعنات الطبیب الحاذق فإن كان بالسرایة لم یضمن اتفاقا ً ألنها سرایة فعل مأذون فیه من جهة الشرع ومن جهة‬
‫المعالج وهكذا سرایة كل مأذون فیه لم یتعد الفاعل في سببه كسرایة الحد وسرایة القصاص عند الجمهور خالفا ً‬
‫ألبي حنیفة رضي هللا عنه فإنه أوجب الضمان بها‪.‬‬
‫وفرق الشافعي بین الفعل المقدر شرعا ً كالحد وغیر المقدر كالتعزیر فال یضمن في المقدر ویضمن في غیر المقدر‬
‫ألنه راجع إلى االجتهاد فهو في مظنة العدوان‪ .‬وإن كان اإلعنات بالمباشرة فهو مضمون علیه إن كان عمداً‪ ،‬وإن‬
‫كان خطأ فعلى العاقلة ‪.‬‬
‫واألربَعَةُ‪َ ،‬وزَ ا َد أَحْ َمدُ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫س مِنَ اإلبِ ِل" َر َواهُ أَحْ َم ُد‬ ‫س َخ ْم ٌ‬ ‫ح َخ ْم ٌ‬‫اض ِ‬ ‫سلّم قالَ‪" :‬في ا ْل َم َو ِ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ي َ‬ ‫ع ْنهُ أَ َّن النّب َّ‬
‫َو َ‬
‫ارو ِد ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ص ّح َحهُ اب ُن ُخزَ ْی َمةَ َوا ْب ُن ال َج ُ‬‫ع ْش ٌر مِنَ اإلبِ ِل" َو َ‬‫ع ْش ٌر َ‬ ‫س َوا ٌء‪ :‬كُل ُه َّن َ‬‫صاب ُع َ‬ ‫"واأل َ‬ ‫َ‬
‫اضح) جمع موضحة‬ ‫(وعنه) أي عن عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده (أنه صلى هللا علیه وآله وسلم قال‪" :‬في ا ْل َم َو ِ‬
‫ع ْش ٌر مِنَ اإلبِ ِل" وصححه‬ ‫س َوا ٌء كُلُّ ُه َّن َ‬
‫ع ْش ٌر َ‬ ‫صابِ ُع َ‬
‫س مِنَ اإلبل" رواه أحمد واألربعة‪ .‬وزاد أحمد "واأل َ‬
‫س َخ ْم ٌ‬
‫( َخ ْم ٌ‬
‫ابن خزیمة وابن الجارود)‬
‫وهو یوافق ما تقدم في حدیث كتاب عمرو بن حزم وموضحة الوجه والرأس سواء باإلجماع إذ هما كالعضو الواحد‪.‬‬
‫ع ْق ِل ال ُم ْسلِمِینَ " َر َواهُ أَحْ َم ُد‬
‫صف َ‬ ‫ع ْق ُل أَ ْه ِل ال ِذّ ّم ِة نِ ْ‬
‫سلّم‪َ " :‬‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْنهُ َقالَ‪َ :‬قا َل َرسو ُل هللا َ‬ ‫ع ْنهُ رضي َّ ُ‬
‫َّللا َ‬ ‫َو َ‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫الر ُج ِل َحتى یَ ْبلُ َغ الثلثَ‬ ‫ع ْق ِل َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عق ُل ال َم ْرأةِ مِ ث ُل َ‬ ‫يِ‪َ " :‬‬ ‫ْ‬
‫ف دیَ ِة ال ُح ِ ّر"‪ ،‬وللنّ َ‬
‫سائ ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫األربَ َعةُ‪َ ،‬ولَ ْفظُ أبي َد ُاو َد‪ِ " :‬دیّةُ ال ُم َعا َه ِد نِ ْ‬
‫َو ْ‬
‫ص ّح َحهُ اب ُن ُخز ْی َمةَ ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫مِن دیَتِ َها" َو َ‬
‫ع ْق ُل أَ ْه ِل ال ِذّ ّم ِة‬
‫سلّم‪َ " :‬‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْنهُ) أي عن عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده ( َقالَ‪َ :‬قا َل َرسو ُل هللا َ‬ ‫(و َ‬‫َ‬
‫عق ُل ا ْل َم ْرأَةِ‬ ‫يِ‪َ " :‬‬ ‫ف د َی ِة ا ْل ُح ِ ّر"‪ ،‬وللنّ َ‬
‫سائ ّ‬ ‫ص ُ‬‫األر َب َعةُ‪َ ،‬ولَ ْفظُ أَبي َد ُاو َد‪ِ " :‬دیّةُ ا ْل ُم َعا َه ِد نِ ْ‬
‫ع ْق ِل ال ُم ْسلِمِ ینَ " َر َواهُ أَحْ َم ُد َو ْ‬
‫صف َ‬ ‫نِ ْ‬
‫ص ّح َحهُ اب ُن ُخز ْی َمةَ)‬‫مِن دیَتِ َها" َو َ‬ ‫الر ُج ِل َحتى یَ ْبلُ َغ الث ُّ ْلثَ ْ‬ ‫مِ ثْ ُل َ‬
‫ع ْق ِل َّ‬
‫لكنه قال ابن كثیر‪ :‬إنه من روایة إسماعیل بن عیاش وهو إذا روى عن غیر الشامیین ال یحتج به عند جمهور‬
‫األئمة وهذا منه ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬تعنتوا في إسماعیل بن عیاش إذا روى عن غیر الشامیین وقبوله في الشامیین والذي یرجح عند الظن قبوله‬
‫مطلقا ً لثقته وضبطه وأنه لذلك صحح ابن خزیمة هذه وهي عن إسماعیل عن ابن جریج وابن جریج لیس بشامي ‪.‬‬
‫واعلم أنه اشتمل الحدیث على مسألتین‪ :‬األولى في دیة أهل الذ ّمة‪ ،‬وههنا للعلماء ثالثة أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنها نصف دیة المسلم كما أفاده الحدیث‪ .‬قال الخطابي في معالم السنن‪ :‬لیس في دیة أهل الكتاب شيء أبین‬
‫من هذا وإلیه ذهب عمر بن عبد العزیزو[اث] عروة بن الزبیر[‪/‬اث] وهو قول مالك وابن شبرمة وأحمد بن حنبل‬
‫‪.‬‬
‫غیر أن أحمد قال إذا كان القتل خطأ فإن كان عمدا ً لم یقد به وتضاعف علیه اثني عشر ألفاً‪.‬‬
‫وقال أصحاب الرأي و سفیان الثوري‪ :‬دیته دیة المسلم وهو قول الشعبي والنخعي ویروى ذلك عن[اث] عمر[‪/‬اث]‬
‫و[اث]ابن مسعود[‪/‬اث] وقال الشافعي وإسحاق بن راهویه‪ :‬دیته الثلث من دیة المسلم اهـ ‪.‬‬
‫فعرفت أن دلیل القول األول حدیث الكتاب‪ ،‬واستدل للقول الثاني وهو قول الحنفیة وإلیه ذهب الهادویة بقوله تعالى‪:‬‬
‫{وإن كان من قوم بینكم وبینهم میثاق فدیة مسلمة إلى أهله} قالوا‪ :‬فذكر الدیة والظاهر فیها اإلكمال وبما أخرجه‬
‫البیهقي عن ابن جریج عن الزهري عن أبي هریرة قال‪ :‬كانت دیة الیهودي والنصراني في زمن النبي صلى هللا‬
‫تعالى علیه وعلى آله وسلم مثل دیة المسلمین‪ ،‬الحدیث ‪.‬‬
‫وأجیب بأن الدیة مجملة وحدیث الزهري عن أبي هریرة مرسل ومراسیل الزهري قبیحة وذكروا آثارا ً كلها ضعیفة‬
‫اإلسناد ‪.‬‬
‫ودلیل القول الثالث هو مفهوم قوله في حدیث عمرو بن حزم‪" :‬وفي النفس المؤمنة مائة من اإلبل" فإنه دل على أن‬
‫غیر المؤمنة بخالفها وكأنه جعل بیان هذا المفهوم ما أخرجه الشافعي نفسه عن ابن المسیب أن عمر بن الخطاب‬
‫رضي هللا عنه قضى في دیة الیهودي والنصراني بأربعة آالفوفي دیة المجوسي بثمانمائة"‪.‬‬
‫ومثله عن عثمان رضي هللا عنه فجعل قضاء عمر رضي هللا عنه مبینا ً للقدر الذي أجمله مفهوم الصفة‪.‬‬
‫وال یخفى أن دلیل القول األول أقوى ال سیما وقد صحح الحدیث إمامان من أئمة أهل السنة‪.‬‬
‫المسألة الثانیة‪ :‬ما أفاده قوله‪ :‬وللنسائي أي من حدیث عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده‪" :‬عقل المرأة مثل عقل‬
‫الرجل حتى یبلغ الثلث من دیتها‪.‬‬
‫وهو دلیل على أن أرش جراحات المرأة یكون كأرش الرجل إلى الثلث وما زاد علیه كان جراحتها مخالفة لجراحاته‬
‫‪.‬‬
‫صلّى هللا‬
‫والمخالفة بأن یلزم فیها نصف ما یلزم في الرجل وذلك ألن دیّة المرأة على النصف من دیة الرجل لقوله َ‬
‫سلّم في حدیث معاذ‪" :‬دیة المرأة على النصف من دیة الرجل‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬
‫َ‬
‫وهو إجماع فیقاس علیه مفهوم المخالفة من أرش جراحة المرأة على الدیة الكاملة‪.‬‬
‫وإلى هذا ذهب الجمهور من الفقهاء وهو قول[اث] عمر[‪/‬اث] وجماعة من الصحابة‪.‬‬
‫وذهب[اث] علي[‪/‬اث] رضي هللا عنه والهادویة والحنفیة والشافعیة إلى أن دیة المرأة وجراحاتها على النصف من‬
‫دیة الرجل ‪.‬‬
‫وأخرج البیهقي عن علي أیضا ً أنه كان یقول‪" :‬جراحات النساء على النصف من دیة الرجل فیما قل وكثر‬
‫وال یخفى أنه قد صحح ابن خزیمة حدیث‪" :‬إن عقل المرأة كعقل الرجل حتى یبلغ الثلث" فالعمل به متعین والظن‬
‫به أقوى وبه قال فقهاء المدینة السبعة وجمهور أهل المدینة وهو مذهب مالك وأحمد ونقله أبو محمد المقدسي‬
‫عن[اث] عمر[‪/‬اث] وابنه وقال‪ :‬ال نعلم لهما مخالفا ً من الصحابة إال عن علي رضي هللا عنه وال نعلم ثبوته عنه‪.‬‬
‫قال ابن كثیر‪ :‬قلت‪ :‬هو ثابت عنه‪ .‬وفي المسألة أقوال أخر بال دلیل ناهض ‪.‬‬
‫ع ْق ِل ا ْلعَ ْمدِ‪ ،‬وال یُ ْقتَ ُل صاحِ بُهُ‪ ،‬وذلِكَ أَ ْن‬ ‫ع ْق ُل ِش ْب ِه ا ْلعَ ْمد ُمغَلّظٌ مِ ثْ ُل َ‬
‫سلّم‪َ " :‬‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْنهُ قالَ‪ :‬قا َل َرسُو ُل هللا َ‬ ‫َو َ‬
‫ضعّفَهُ ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ارقُطني َو َ‬ ‫َ‬
‫سالح" أ ْخ َر َجهُ ال َّد َ‬
‫ٍ‬ ‫ضغِین ٍة َوال َح ْم ِل‬ ‫اس في غیر َ‬ ‫شیْطا ُن فَتَكُو ُن ِد َما ٌء بین النّ ِ‬‫یَ ْن ُز َو ال ّ‬
‫ع ْق ُل ِش ْب ِه ا ْل َع ْم ِد‬
‫(وعنه) أي عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده (قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم‪َ " :‬‬
‫ع ْق ِل ا ْلعَ ْمدِ) بینه في حدیث أبي داود بلفظ "مائة من اإلبل منها أربعون في بطونها أوالدها" وتقدم (وال‬ ‫ُمغَ ْلظٌ مِ ثْ ُل َ‬
‫طانُ) النزو بفتح النون فزاي فواو أي یثب (فَتَكُونَ ِد َما ٌء‬ ‫صاحِ بُهُ) وبین شبه العمد بقوله‪( :‬وذلِكَ أَ ْن ی ْن ُز َو ال ّ‬
‫ش ْی َ‬ ‫یُ ْقتَ ُل َ‬
‫ِالح" أخرجه الدارقطني وضعفه)‪.‬‬ ‫ضغینَ ٍة وال َح ْم ِل س ٍ‬ ‫غیْر َ‬ ‫اس في َ‬ ‫َبیْنَ النّ ِ‬
‫وأخرجه البیهقي بإسناده ولم یضعفه‪ .‬والحدیث دلیل أنه إذا وقع الجراح من غیر قصد إلیه ولم یكن بسالح بل بحجر‬
‫أو عصا أو نحوهما فإنه ال قود فیه وأنه شبه العمد فیلزم فیه الدیة مغلظة كما تقدم في دیة العمد ‪.‬‬
‫وقد تقدم أن الدیة في العمد وشبه العمد تكون أثالثا ً عند الشافعي ومالك وأنها أرباع عند الهادویة وتقدم ذلك ‪.‬‬
‫وأما أنها تكون أخماسا ً كما أفاده حدیث ابن مسعود الماضي في الخطأ فتقدم أنه قال به أصحاب الرأي وغیرهم‪،‬‬
‫وفیه دلیل على إثبات شبه العمد وقدمنا أنه الحق‪.‬‬
‫سلّم‪ ،‬فَ َج َع َل النّبي‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫سو ِل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ع ْه ِد َر ُ‬
‫على َ‬ ‫ع ْن ُه َما قَالَ‪" :‬قَتَ َل ر ُج ٌل َر ُجالً َ‬
‫َّللا َ‬
‫ّاس َرضي َّ ُ‬ ‫عب ٍ‬ ‫ابن َ‬
‫ع ِن ِ‬ ‫َو َ‬
‫سالَهُ ‪.‬‬
‫إر َ‬ ‫سائي َوأَبو َح ٍ‬
‫اتم ْ‬ ‫عش ََر أَ ْلفاً" َر َواهُ ْ‬
‫األربَعَةُ َو َر ّج َح النّ َ‬ ‫سلّم ِدیَتَهُ اثني َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫َ‬
‫سلّم فجعل النبي‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫( وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬قتل رجل رجالً على عهد رسول هللا َ‬
‫سلّم دیته اثنى عشر ألفاً) بین البیهقي أن المراد درهماً‪( .‬رواه األربعة ورجح النسائي وأبو حاتم‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫َ‬
‫إرساله)‬
‫وقد أخرج البیهقي عن علي رضي هللا عنه وعائشة وأبي هریرة وعمر بن الخطاب رضي هللا عنهم مثل هذا‪ .‬وإنما‬
‫رجح النسائي وأبو حاتم إرساله لما قاله البیهقي‪ :‬إن محمد بن میمون رواه عن سفیان بن عیینة عن عمرو بن دینار‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس‪ ،‬إنما قال لنا فیه‪ :‬عن ابن عباس مرة واحدة وأكثر ما كان یقول‪ :‬عن عكرمة عن النبي‬
‫صلى هللا علیه وآله وسلم انتهى ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وزیادة العدل مقبولة وكونه مرة واحدة كاف في الرفع فإنه لو اقتصر علیها لحكم برفع الحدیث فإرساله مرارا ً‬
‫ال یقدح في رفعه مرة واحدة‪ .‬وإلى هذا ذهب أكثر العلماء‪.‬‬
‫وذهب الهادویة وأهل العراق أنها عشرة آالف درهم واستدل له في البحر بقوله‪ :‬لقول علي به وهو توقیف انتهى‪.‬‬
‫ي اجتهاد وال‬
‫إال أنه لم یطرد هذا فیما ینقله عن علي رضي هللا عنه بل تارة یقول مثل هذا وتارة یقول إن قول عل ّ‬
‫یلزمنا‪ ،‬ودعوى التوقیف غیر صحیحة إذ مثل هذا فیه لالجتهاد مسرح ‪.‬‬
‫سلّم َو َمعِي ابْني‪ ،‬فَقَالَ‪َ " :‬م ْن هذَا؟" فَقُ ْلتُ ‪ :‬ابْني َوأَ ْش َه ُد بِهِ‪ ،‬قَالَ‪" :‬أَ َما‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ي َ‬ ‫ع ْن أَبي ِر ْمثَةَ قالَ‪ :‬أَتَیْتُ النّب َّ‬
‫َو َ‬
‫ص ّح َحهُ اب ُن ُخزَ ْی َمةَ وابْن ا ْل َج َ‬
‫ارودِ‪.‬‬ ‫سائي َوأَبُو َد ُاو َد َو َ‬ ‫علَ ْیهِ" َر َواهُ النّ َ‬‫علَیْكَ وال تَجْ ني َ‬ ‫إنّهُ ال َیجْ نِي َ‬
‫(وعن أبي رمثة) بكسر الراء وسكون المیم وبالمثلثة اسمه رفاعة بن یثربي بفتح المثناة التحتیة وسكون المثلثة فراء‬
‫فموحدة فیاء النسبة‪ ،‬قدم على النبي صلى هللا علیه وآله وسلم وعداده في أهل الكوفة‪( :‬قال‪ :‬أتیت النبي صلى هللا‬
‫علَ ْیهِ"‬ ‫علیه وآله وسلم ومعي ابني فقال‪َ " :‬م ْن هذَا؟" فقلت‪ :‬ابني وأشهد به قال‪" :‬أَ َما إنّهُ ال َیجْ ني َ‬
‫علَیْكَ وال تَجْ ني َ‬
‫رواه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزیمة وابن الجارود) وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حدیث‬
‫عمرو بن األحوص أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى هللا علیه وآله وسلم فقال‪" :‬ال یجني جان إال على نفسه وال‬
‫یجني جان على ولده‪.‬‬
‫في الباب روایات أخر تعضده ‪.‬‬
‫والجنایة الذنب أو ما یفعله اإلنسان مما یوجب علیه العقاب أو القصاص ‪.‬‬
‫وفیه داللة على أنه ال یطالب أحد بجنایة غیره سواء كان قریبا ً كاألب والولد وغیرهما‪ ،‬أو أجنبیاً‪ .‬فالجاني یطلب‬
‫وحده بجنایته وال یطالب بجنایته غیره ‪.‬‬
‫قال هللا تعالى‪{ :‬وال تزر وازرة وزر أخرى} فإن قلت‪ :‬قد أمر الشارع بتحمل العاقلة الدیة في جنایة الخطأ والقسامة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا مخصص من الحكم العام وقیل‪ :‬إن ذلك لیس من تحمل الجنایة بل من باب التعاضد والتناصر فیما بین‬
‫المسلمین‪.‬‬

‫«باب دعوی الدم و القسامة»‬


‫القسامة بفتح القاف وتخفیف المهملة مصدر أقسم قسما ً وقسامة‪ .‬وهي األیمان تقسم على أولیاء القتیل إذا ادّعوا‬
‫الدم أو على المدعى علیهم الدم وخص القسم على الدم بالقسامة‪.‬‬
‫قال إمام الحرمین‪ :‬القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذین یقسمون وعند الفقهاء اسم لألیمان‪.‬‬
‫وفي القاموس‪ :‬القسامة الجماعة یقسمون على الشيء ویأخذونه أو یشهدون ‪.‬‬
‫وفي الضیاء‪ :‬القسامة األیمان تقسم على خمسین رجالً من أهل البلد أو القریة التي یوجد فیها القتیل ال یعلم قاتله‬
‫وال یدعي أولیاؤه قتله على أحد بعینه ‪.‬‬
‫صةَ بنَ َم ْسعُو ٍد خ ََرجا‬ ‫س ْه ٍل َو ُم َحیِّ َ‬
‫ع ْب َد هللا بنَ َ‬ ‫مِن كُبراءِ قَ ْومِ ِه أَ َّن َ‬ ‫ع ْن رجا ٍل ْ‬ ‫ع ْنهُ َ‬ ‫س ْه ِل ب ِْن أَبي َحثْ َمةَ رضي َّ ُ‬
‫َّللا َ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عی ٍْن‪ ،‬فَأتى ی ُهو َد فَقَالَ‪ :‬أ ْنت ُ َم‬ ‫ُ‬
‫س ْه ٍل قَ ْد قُتِ َل َوطر َح في َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صة فَأ ْخبر أ ّن َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّللا بنَ َ‬ ‫ع ْب َد َّ ِ‬ ‫ِي ُم َحیِّ َ‬ ‫مِن َج ْه ٍد أصابه ْم فَأت َ‬ ‫إلى َخ ْیبَ َر ْ‬
‫صةُ ِل َیتَ َكلّم فَقَا َل‬
‫َب ُمحِ ِیّ َ‬ ‫س ْه ٍل فَذَه َ‬‫الرحْ َم ِن ْب ُن َ‬ ‫ع ْب ُد َّ‬ ‫صةُ َو َ‬ ‫َّللا َما قَتَ ْلنَا ُه‪ ،‬فَأ َ ْق َب َل ه َُو وأَ ُخو ُه ُح َو ِیّ َ‬
‫وَّللا قَتَ ْلت ُ ُمو ُه‪ ،‬قالوا‪َ :‬و َّ ِ‬
‫َّ ِ‬
‫صلّى هللا‬ ‫صةُ‪ ،‬فَقَا َل َرسُو ُل هللا َ‬ ‫صةُ ث َّم تَكلّ َم ُم َحیِّ َ‬ ‫س َِّن‪ ،‬فَتَ َكلّ َم ُح َویِّ َ‬ ‫سلّم‪َ " :‬كبِّ ْر َكبِّ ْر" یُری ُد ال ّ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫َرسو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫ْ‬ ‫َب إلَ ْی ِه ْم في ذِلكَ ‪ ،‬فَ َكتَبُوا‪ :‬إنّا َّ ِ‬
‫وَّللا َما قَتَلنَاهُ‪ ،‬فَقَا َل‬ ‫ب" فَ َكت َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صاحِ بَكم َوإ ّما أ ْن یَأذَنُوا ب َحر ٍ‬ ‫سلّم‪" :‬إ ّما أ ْن یَدُوا َ‬
‫َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫َ‬
‫صاحِ ِبكُ ْم؟" قَالُوا‪ :‬ال‪ ،‬قَالَ‪" :‬فَ َیحْ ل ُ‬
‫ِف لَكُ ْم‬ ‫س ْه ٍل‪" :‬أَتَحْ ِلفُونَ َوتَ ْستَحِ قُّونَ َد َم َ‬ ‫بن َ‬ ‫الرحْ َم ِن ِ‬ ‫ع ْب ِد َّ‬‫صةَ َو َ‬ ‫صةَ َو ُم َح ِیّ َ‬ ‫ِحو ِیّ َ‬
‫ل َ‬
‫س ْهلٌ‪ :‬فَلَقَ ْد‬ ‫سلّم ْ‬
‫مِن ِع ْن َدهِ‪ ،‬فَبَعَثَ إل ْی ِه ْم َمائة نَاقَةٍ‪ ،‬قَا َل َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫یَ ُهودُ؟" قَالُوا‪ :‬لَ ْیسُوا ُم ْسلِمِ ینَ ‪ ،‬فَ َو َداهُ َرسُول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫ضتْني مِ ْن َها ناقَةٌ َح ْم َرا ُء‪ُ .‬متّف ٌَق َ‬
‫علَ ْی ِه ‪.‬‬ ‫َر َك َ‬
‫(عن سهل بن أبي حثمة) بفتح المهملة وسكون المثلثة واسم أبي حثمة‪ :‬عبد هللا بن ساعدة بن عامر أوسي‬
‫صةَ) بضم المیم فحاء مهملة فمثناة تحتیة مشددة‬ ‫س ْه ٍل و ُم َحیِّ َ‬‫َّللا بنَ َ‬ ‫أنصاري (عن رجال من كبراء قومه أن عبد َّ ِ‬
‫فصاد مهملة (ابن مسعود خرجا إلى خیبر من َج ْهدٍ) بضم الجیم وفتحها المشقة هنا (أصابهم فأتى َمحیّصة) مغیر‬
‫الصیغة (فأخبر أن عبد هللا بن سهل قد قُتل وطُرح) مغیران أیضا ً (في عین فأتى) أي محیصة (یهود) اسم جنس‬
‫صةُ) بضم المهملة وفتح الواو‬ ‫یجمع على یهدان فقال‪ :‬أنتم وهللا قتلتموه قالوا وهللا ما قتلناه فأقبل هو وأخوه ُح َویّ َ‬
‫فمثناة تحتیة فصاد مهملة مشدّدة (وعبد الرحمن بن سهل فذهب محیصة لیتكلم) وكان أصغر من حویصة وفي‬
‫روایة فبدأ عبد الرحمن یتكلم وكان أصغر القوم‪( :‬فقال رسول هللا صلى هللا وآله وسلم‪َ " :‬كب ّْر َكب ّْر") بلفظ األمر‬
‫صةُ ثم تكلم‬ ‫فیهما والثاني تأكید لألول (یرید السن) مدرج تفسیر لقوله‪ :‬كبر أي یتكلم من كان أكبر سنا ً (فتكلّم ُح َویِّ َ‬
‫سلّم‪" :‬إ ّما أَ ْن َیدُوا) أي الیهود (صاحبكُ ْم) أي عبد هللا بن سهل (وإ ّما أَ ْن‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫محیصة فقال رسول هللا َ‬
‫سلّم‪( :‬إلیهم في ذلك) أي فیما ذكر من أنهم قتلوا عبد هللا‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫َب) أي رسول هللا َ‬ ‫یأذَنُوا ب َح ْر ٍ‬
‫ب" فَ َكت َ‬
‫(فكتبوا) أي الیهود‪( :‬إنا وهللا ما قتلناه فقال) أي النبي صلى هللا تعالى علیه وآله وسلم‪( :‬لحویصة ومحیصة وعبد‬
‫صاحِ بكُ ْم" قالوا‪ :‬ال) وفي روایة عند مسلم‪ :‬قالوا‪ :‬لم نحضر ولم نشهد‪.‬‬ ‫الرحمن بن سهل‪" :‬أَتَحْ ِلفُونَ وتَ ْستَحِ قُّونَ َد َم َ‬
‫وفي بعض ألفاظ البخاري أنه قال لهم‪" :‬تأتون بالبیّنة؟ قالوا‪ :‬ما لنا بیّنة" فقال‪ :‬أتحلفون؟‬
‫ِف لَكُ ْم یَ ُهودُ" قالوا‪ :‬لیسوا مسلمین) وفي لفظ قالوا‪ :‬ال نرضى بأیمان الیهود‪ .‬وفي لفظ‪ :‬كیف نأخذ‬‫(قال‪" :‬فَتَحْ ل ُ‬
‫سلّم من عنده فبعث إلیهم مائة ناقة‪ .‬قال سهل فلقد ركضتني منها‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫بأیمان كفار (فوداه رسول هللا َ‬
‫ناقة حمراء‪ .‬متفق علیه)‬
‫اعلم أن هذا الحدیث أصل كبیر في ثبوت القسامة عند القائلین بها وهم الجماهیر فإنهم أثبتوها وبینوا أحكامها‪.‬‬
‫ونتكلم على مسائل‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أنها ال تثبت القسامة بمجرد دعوى القتل على المدعى علیهم من دون شبهة إجماعا ً وقد روي عن‬
‫األوزاعي وداود ثبوتها من غیر شبهة‪ ،‬وال دلیل لهما ‪.‬‬
‫واختلف العلماء في الشبهة التي تثبت بها القسامة فمنهم من جعل الشبهة اللوث وهو كما في النهایة أن یشهد شاهد‬
‫واحد على إقرار المقتول قبل أن یموت أن فالنا ً قتلني أو یشهد شاهدان على عداوة بینهما أو تهدید له منه أو نحو‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ومن اللوث التلطخ ومنهم من لم یشترطه كالهادویة والحنفیة فإنهم قالوا‪ :‬وجود المیت وبه أثر القتل في محل‬
‫یختص بمحصورین تثبت به القسامة عندهم إذا لم یدع المدعي على غیرهم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ألن األحادیث وردت في مثل هذه الحالة‪َ ،‬و ُر َّد بأن حدیث الباب أصح ما ورد وفیه دلیل على اللوث‬
‫وحقیقته شبهة یغلب الظن بالحكم بها كما فصله في النهایة وهو هنا العداوة‪.‬‬
‫فلهذا ذهب مالك والشافعي إلى أنه ال یثبت بهذا قسامة إال إذا كان بین المقتول والمدعى علیهم عداوة كما كان في‬
‫قصة خیبر قالوا‪ :‬فإنه یقتل الرجل الرجل ویلقیه في محل طائفة لینسب إلیهم ‪.‬‬
‫وقد عدّوا من صور اللوث قول المقتول قبل وفاته‪ :‬قتلني فالن ‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬إنه یقبل قوله وإن لم یكن به أثر أو یقول جرحني ویذكر العمد‪.‬‬
‫وادعى مالك أنه مما أجمع علیه األئمة قدیما ً وحدیثا ً ورده ابن العربي بأنه لم یقله من فقهاء األمصار غیره وتبعه‬
‫علیه اللیث ‪.‬‬

‫واحتج مالك بقصة بقرة بني إسرائیل فإنه أُحْ یِ َ‬


‫ي الرجل وأخبر بقاتله ‪.‬‬
‫وأجیب‪ :‬بأن ذلك معجزة لنبي وتصدیقها قطعي ‪.‬‬
‫ال بعد موته وعین قاتله قلنا به وال یكون ذلك أبدا ً ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وألنه أحیاه هللا بعد موته فعین قاتله فإذا أحیا هللا مقتو ً‬
‫واحتج أصحابه بأن القاتل یطلب غفلة الناس فلو لم یقبل خبر المجروح أدّى ذلك إلى إبطال الدماء غالبا ً وأنها‬
‫ویتحرى التقوى والبر فوجب قبول قوله‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫حالة یتحرى فیها المجروح الصدق ویتجنب الكذب والمعاصي‬
‫یخفى ضعف هذه االستدالالت‪.‬‬
‫وقد عدّوا صور اللوث مبسوطة في كتبهم ‪.‬‬
‫المسألة الثانیة‪ :‬أنه بعد ثبوت ما ذكر من القتل وكل على أصله تثبت دعوى أولیاء القتیل القسامة فتثبت أحكامها‬
‫فمنها القصاص عند كمال شروطها لقوله في الحدیث‪" :‬تستحقون قتیلكم أو صاحبكم بأیمان خمسین منكم على‬
‫رجل منهم فیدفع بِ ُر ّمتِ ِه وقوله‪" :‬دم صاحبكم" في لفظ مسلم‪" :‬یقسم خمسون منكم على رجل منهم فیدفع برمته"‬
‫وإن كان قوله‪" :‬إما أن بدوا صاحبكم" الحدیث‪ ،‬یشعر بعدم القصاص إال أن هذا التصریح في روایة مسلم أقوى‬
‫في القول بالقصاص وهذا مذهب أهل المدینة فإن كانت الدعوى على واحد معین ثبت القود علیه وإن كانت على‬
‫جماعة حلفوا وثبتتعلیهم الدیة عند الشافعیة‪.‬‬
‫وفي قول یجب علیهم القصاص واألول الصحیح عنه ‪.‬‬
‫فإن كان الوارث واحدا ً حلف خمسین یمینا ً فإن اإلیمان الزمة للورثة ذكورا ً كانوا أو إناثا ً عمدا ً كان أو خطأ‪ ،‬هذا‬
‫مذهب الشافعي ‪.‬‬
‫ومنها أن یبدأ بأیمان المدّعي في القسامة بخالف غیرها من الدعاوى كما في هذه الروایة ویدل له حدیث أبي‬
‫هریرة‪" :‬البینة على المدعي والیمین على المدعى علیه إال في القسامة" وفي إسناده لین إال أنه قد أخرجه البیهقي‬
‫من حدیث عمرو بن شعیب ولم یتكلم فیه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وألن جنبة المدعي إذا قویت بشهادة أو شبهة صارت الیمین له وهنا الشبهة قویة فصار المدعي في القسامة‬
‫مشابها ً للمدعى علیه المتأید بالبراءة األصلیة ‪.‬‬
‫وذهبت الهادویة والحنفیة وآخرون إلى أنه یحلف المدعى علیه وال یمین على المدعین فیحلف خمسون رجالً من‬
‫أهل القریة ما قتلناه وال علمنا قاتله وإلى هذا جنح البخاري وذلك ألن الروایات اختلفت في ذلك في قصة األنصار‬
‫ویهود خیبر فیر ّد المختلف فیه إلى المتفق علیه من أن الیمین على المدعى علیه ‪.‬‬
‫فإن حلفوا فهل تلزمهم الدیة أم ال؟ ذهبت الهادویة إلى أنها تلزمهم الدیة بعد األیمان‪.‬‬
‫وذهب آخرون إلى أنهم إذا حلفوا خمسین یمینا ً برئوا وال دیة علیهم وعلیه تدل قصة أبي طالب اآلتیة‪.‬‬
‫واستدل الجماعة المذكورة ومن معهم في إیجاب الدیة بأحادیث ال تقوم بها حجة لعدم صحة رفعها عند أئمة هذا‬
‫الشأن ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فوداه رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم من عنده ‪.‬‬
‫وفي لفظ‪" :‬إنه وداه من إبل الصدقة" فقیل‪ :‬المراد به أنه اقترضها منها وأنه لما تحملها صلى هللا تعالى تعالى‬
‫وعلى آله وسلم لإلصالح بین الطائفتین كان حكمها حكم القضاء عن الغارم لما غرمه إلصالح ذات البین فلم‬
‫یأخذها صلى هللا تعالى علیه وعلى آله وسلم لنفسه فإن الصدقة ال تحل له ولكن جرى إعطاء الدیة منها مجرى‬
‫إعطائها في الغرم إلصالح ذات البین ‪.‬‬
‫وأ ّما من قال‪ :‬إنه صلى هللا تعالى علیه وعلى آله وسلم أعطى ذلك من سهم الغارمین فال یصح فإن غارم أهل‬
‫الذ ّمة ال یعطى من الزكاة كذا قیل ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفیه نظر فإن الیهود لم تلزمهم الدیة ألنه لم یحلف المدعون كما عرفت فما وداه صلى هللا تعالى علیه وعلى‬
‫آله وسلم إال تبرعا ً منه لئال یهدر دمه‪ .‬وأما روایة النسائي‪ :‬أنه صلى هللا تعالى علیه وعلى آله وسلم قسمها على‬
‫الیهود وأعانهم ببعضها فقال ابن القیم‪ّ :‬‬
‫إن هذا لیس بمحفوظ فإنه الدیة ال تلزم المدعى علیهم بمجرد دعوى القتیل‬
‫بل ال بد من إقرار أو بینة أو أیمان لمدعین ولم یوجد هنا شيء من ذلك‪.‬‬
‫وقد عرض رسول هللا صلى هللا تعالى علیه وعلى آله وسلم على المدعین أن یحلفوا فأبوا فكیف یلزم الیهود بالدیة‬
‫بمجرد الدعوى؟ انتهى ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ویظهر لي أنه لیس في هذا الحدیث حكم منه صلى هللا تعالى علیه وعلى آله وسلم بالقسامة أصالً كما أفاده‬
‫سلّم قصة الحكم على التقدیرین‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫الحدیث وإنما دل الحدیث على حكایة للواقع ال غیر وذكر لهم َ‬
‫ومن ثمة كتب إلى یهود بعد أن دار بینهم الكالم المذكور وسیأتي تحقیقه ‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬فكتبوا إنا وهللا ما قتلناه" فیه دلیل على االكتفاء بالمكاتبة وبخبر الواحد مع إمكان المشافهة ‪.‬‬
‫فائدة" اختار مالك إجراء هذه الدعوى في األموال فأجاز شهادة المسلوبین على السالبین وإن كانوا مدعین قال‪:‬‬
‫ألن قاطع الطریق إنما یفعل ذلك مع الغفلة واالنفراد عن الناس انتهى ‪.‬‬
‫وعرفناك هنا عدم نهوض ذلك‬
‫ّ‬ ‫سلّم حكم بالقسامة‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫وال یخفى أنه ال یتم هذا إال بعد ثبوت أنه َ‬
‫وسنزیده بیانا ً عن قریب ‪.‬‬
‫وإذا ثبت فهذا قیاس من مالك مصادم لنص "البینة على المدعي والیمین على المنكر" إال أن یكون مذهبه جواز‬
‫تخصیص عموم النص بالقیاس وللعلماء كالم في حجیة العام بعد تخصیصه ‪.‬‬
‫علَ ْی ِه في الجا ِه ِلیّ ِة َوقَضى‬‫على َما كَانَتْ َ‬ ‫سا َمةَ َ‬ ‫سلّم أَقَ َّر ا ْلقَ َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫سو َل هللا َ‬ ‫صار‪" :‬أَ َّن َر ُ‬ ‫ع ْن َر ُج ٍل مِنَ األ ْن َ‬ ‫َو َ‬
‫على ا ْلیَ ُهودِ" َر َواهُ ُمسْل ٌم ‪.‬‬ ‫ع ْوهُ َ‬‫صار في قَتِی ٍل ا َّد َ‬ ‫َاس مِنَ األ ْن َ‬ ‫سلّم بَیْنَ ن ٍ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫بها َرسُو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫علَ ْی ِه في الجا ِه ِلیّ ِة َوقَضى‬
‫على َما كَانَتْ َ‬ ‫سلّم أَقَ َّر ا ْلقَ َ‬
‫سا َمةَ َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬‫صلّى هللا َ‬ ‫صار‪" :‬أَ َّن َرسُو َل هللا َ‬ ‫ع ْن َر ُج ٍل مِنَ األ ْن َ‬ ‫(و َ‬‫َ‬
‫على ا ْل َی ُهودِ" َر َوا ُه ُمسْل ٌم)‪.‬‬ ‫ه‬ ‫و‬‫ع‬
‫ٍ َْ ُ َ‬ ‫د‬ ‫َّ‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ِی‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫ار‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫األ‬ ‫مِنَ‬ ‫َاس‬
‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫ی‬
‫ْنَ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫َ ِ َ َ َ‬‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ی‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫هللا‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َّللا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬‫س‬ ‫ر‬
‫َ ُ‬ ‫بها‬
‫قوله‪ :‬على ما كانت علیه في الجاهلیة كأنه أشار إلى ما أخرجه البخاري في قصة الهاشمي في الجاهلیة وفیها "أن‬
‫أبا طالب قال للقاتل‪ :‬اختر منّا إحدى ثالث‪ :‬إن شئت أن تؤدّي مائة من اإلبل فإنك قتلت صاحبنا خطأ وإن شئت‬
‫حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله وإن أبیت قتلناك به‬
‫وفیه دلیل على ثبوت القتل بالقسامة واعلم أنا قد أشرنا إلى أنه لم یثبت القسامة إال الجماهیر كما قررناه عنهم ‪.‬‬
‫وذهب سالم بن عبد هللا وعمر بن عبد العزیز وأبو قالبة وابن علیة والناصر إلى عدم شرعیتها لمخالفتها األصول‬
‫المقررة شرعا ً ‪.‬‬
‫فإن األصل أن البینة على المدعى علیه ‪.‬‬
‫وبأن األیمان ال تأثیر لها في إثبات الدماء وبأن الشرع ورد بأنه ال یجوز الحلف إال على ما علم قطعا ً أو شوهد‬
‫حسا ً ‪.‬‬
‫سلّم لیریهم‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫سلّم لم یحكم بها وإنما كانت حكما ً جاهلیا ً فتلطف بهم رسول هللا َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫وبأنه َ‬
‫كیف ال یجري الحكم بها على أصول اإلسالم‪ .‬وبیان أنه لم یحكم بها أنهم لما قالوا له‪ :‬وكیف نحلف ولم نحضر‬
‫ولم نشاهد؟ لم یبین لهم أن هذا الحلف في القسامة من شأنه ذلك وأنه حكم هللا فیها وشرعه بل عدل إلى قوله‪:‬‬
‫یحلف لكم یهود؟ فقالوا‪ :‬لیسوا بمسلمین فلم یوجب صلى هللا تعالى علیه وعلى آله وسلم علیهم ویبین لهم أن لیس‬
‫لكم إال الیمین من المدعى علیهم مطلقا ً مسلمین كانوا أو غیرهم بل عدل إلى إعطائه الدیة من عنده صلى هللا علیه‬
‫وآله وسلم ‪.‬‬
‫ولو كان الحكم ثابتا ً بها لبین وجهه لهم بل تقریره صلى هللا علیه وآله وسلم لهم على أنه ال حلف إال على شيء‬
‫مشاهد مرئي دلیل على أنه ال حلف في القسامة ‪.‬‬
‫وألنه لم یطلب صلى هللا علیه وآله وسلم الیهود لإلجابة عن خصومهم في دعواهم‪ .‬فالقصة منادیة بأنه لم تخرج‬
‫مخرج الحكم الشرعي إذا ال یجوز تأخیر البیان عن وقت الحاجة فهذا أقوى دلیل بأنها لیست حكما ً شرعیا ً ‪.‬‬
‫وإنما تلطف صلى هللا علیه وآله وسلم في بیان أنها لیست بحكم شرعي بهذا التدریج المنادي بعدم ثبوتها شرعا ً‬
‫وأقرهم صلى هللا علیه وآله وسلم بأنهم ال یحلفون على ما ال یعلمونه وال شاهدوه وال حضروه ‪.‬‬
‫ولم یبین لهم بحرف واحد أن أیمان القسامة من شأنها أن تكون على ما ال یعلم‪.‬‬
‫وبذا تعرف بطالن القول بأن في القصة دلیالً على الحكم على الغائب إذ ال حكم فیها أصالً‪.‬‬
‫وبطالن الجواب عن كونها مخالفة لألصول بأنها مخصصة من األصول ألن القسامة سنة مستقلة بنفسها منفردة‬
‫مخصصة لألصول كسائر المخصصات للحاجة إلى شرعیتها حیاطة لحفظ الدماء وردع المعتدین ‪.‬‬
‫ووجه بطالنه أنه فرع ثبوت الحكم بها عن الشارع فلو ثبت الحكم بها لكان هذا جوابا ً حسناً‪.‬‬
‫"أقر القسامة على ما كانت علیه في الجاهلیة وقضى بها‬
‫وأما ما في حدیث مسلم أنه صلى هللا علیه وآله وسلم‪ّ :‬‬
‫بین ناس من األنصار في قتیل ادّعوه على الیهود" فهو إخبار عن القصة التي في حدیث سهل بن أبي حثمة وقد‬
‫عرفت أنه صلى هللا علیه وآله وسلم لم یقض بها فیه كما قررناه ‪.‬‬
‫وقد عرفت من حدیث أبي طالب أنها كانت في الجاهلیة على أن یؤدي الدیة القاتل ال العاقلة كما قال أبو طالب‪:‬‬
‫(إما أن تؤدي مائة من اإلبل) فإنه ظاهر أنها من ماله ال من عاقلته أو یحلف خمسون من قومك أو تقتل ‪.‬‬
‫وهنا في قصة خیبر لم یقع شيء من ذلك فإن المدعى علیهم لم یحلفوا ولم یسلموا الدیة ولم یطلب منهم الحلف‬
‫ولیس هذا قدحا ً في روایة الراوي من الصحابة بل في استنباطه ألنه قد أفاد حدیثه أنه استنبط قضاء رسول هللا‬
‫صلى هللا علیه وآله وسلم بالقسامة من قصة أهل خیبر ولیس في تلك القصة قضاء ‪.‬‬
‫وعدم صحة االستنباط جائز على الصحابي وغیره اتفاقا ً وإنما روایته للحدیث بلفظه أو بمعناه هي التي یتعین‬
‫قبولها ‪.‬‬
‫وأما قول أبي الزناد‪" :‬قتلنا بالقسامة والصحابة متوافرون إني ألرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان" فإنه‬
‫قال في فتح الباري‪ :‬إنما نقله أبو الزناد عن خارجة بن زید بن ثابت كما أخرجه سعید بن منصور والبیهقي في‬
‫روایة عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبیه وإال فأبو الزناد ال یثبت أنه رأى عشرة من الصحابة فضالً عن ألف‬
‫اهـ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ال یخفى أنه تقریر لما رواه أبو الزناد لثبوت ما رواه عن خارجة بن زید الفقیه وإنما دلس أبو الزناد بقوله‬
‫قتلنا‪ :‬وكأنه یرید معشر المسلمین وإن لم یحضرهم ثم ال یخفى أن غایته بعد ثبوته عن خارجة فعل جماعة من‬
‫الصحابة ولیس بإجماع حتى یكون حجة‪.‬‬
‫وال شك في ثبوت فعل عمر بالقسامة وإن اختلف عنه في القتل بها وإنما نزاعنا في ثبوت حكمه صلى هللا علیه‬
‫وآله وسلم بها فإنه لم یثبت‬

‫«باب قتال اهل البغی»‬


‫البغي مصدر بغى علیه بفتح المعجمة بغیا ً بفتح الموحدة وسكون المعجمة عال وظلم وعدل عن الحق وله معان‬
‫كثیرة وذكر الشارح رحمه هللا معناه االصطالحي هنا وساقه على اصطالح الهادویة وقد أبنّا ما فیه في حواشي‬
‫ضوء النهار ولم نذكره هنا لعدم انطباق األحادیث علیه‪.‬‬
‫ح فَلَی َ‬
‫ْس مِ نّا"‬ ‫علَ ْینَا ال ّ‬
‫سِال َ‬ ‫سلّم‪َ " :‬م ْن َح َم َل َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْن ُه َما قال‪ :‬قَا َل َرسُو ُل هللا َ‬
‫صلّى هللا َ‬ ‫َّللا َ‬
‫ع َِن اب ِْن عُ َم َر رضي ه ُ‬
‫علَ ْیهِ‪.‬‬
‫ق َ‬‫ُمت ّف ٌ‬
‫ِي بحمله عن المقاتلة إذ القتل الزم لحمل السیف في األغلب ویحتمل أنه‬ ‫أي من حمله لقتال المسلمین بغیر حق كُنّ َ‬
‫ال كنایة فیه وأن المراد حمله حقیقة إلرادة القتال ویدل له قوله‪" :‬علینا" وقوله‪" :‬فلیس منا" تقدم بیانه بأن المراد‬
‫لیس على طریقتنا وهدینا ‪.‬‬
‫فإن طریقته صلى هللا علیه وآله وسلم نصر المسلم والقتال دونه ال ترویعه وإخافته وقتاله‪.‬‬
‫وهذا في غیر المستحل فإن استحل القتال للمسلم بغیر حق فإنه یكفر باستحالله المحرم القطعي‪.‬‬
‫والحدیث دلیل على تحریم قتال المسلم والتشدید فیه وأما قتال البغاة من أهل اإلسالم فإنه خارج من عموم هذا‬
‫الحدیث بدلیل خاص ‪.‬‬
‫ق ا ْل َج َماعَةَ َو َماتَ فَمِ ْیتَتُهُ مِ یتَةٌ‬ ‫ع ِة َوفَ َ‬
‫ار َ‬ ‫سلّم قَالَ‪َ " :‬م ْن َخ َر َ‬
‫ج عن ال ّ‬
‫طا َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫َوع َْن أَبي ه َُری َْرة ع َِن النّبي َ‬
‫صلّى هللا َ‬
‫جا ِه ِلیّةٌ" أَ ْخ َر َجهُ ُمسْل ٌم ‪.‬‬
‫ع ِة‬ ‫ع ِن ال ّ‬
‫طا َ‬ ‫( وعن أبي هریرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا تعالى علیه وعلى آله وسلم قال‪َ " :‬م ْن خ ََر َج َ‬
‫عةَ و َماتَ فَمِ ْیتَتُهُ مِیتَةٌ) بكسر المیم مصدر نوعي ( َجا ِه ِلیّةٌ" أخرجه مسلم)‪.‬‬
‫وفارقَ ا ْل َج َما َ‬
‫َ‬
‫قوله عن الطاعة‪ :‬أي طاعة الخلیفة الذي وقع االجتماع علیه ‪.‬‬
‫ي قطر من األقطار إذ لم یجمع الناس على خلیفة في جمیع البالد اإلسالمیة من أثناء الدولة‬ ‫وكأن المراد خلیفة أ َّ‬
‫العباسیة بل استقل أهل كل إقلیم بقائم بأمورهم‪.‬‬
‫إذ لو حمل الحدیث على خلیفة اجتمع علیه أهل اإلسالم لقلت فائدته ‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وفارق الجماعة" أي خرج عن الجماعة الذین اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم واجتمعت به كلمتهم‬
‫عدوهم ‪.‬‬
‫وحاطهم عن ّ‬
‫قوله‪" :‬فمیتته میتة جاهلیة" أي منسوبة إلى أهل الجهل والمراد به من مات على الكفر قبل اإلسالم وهو تشبیه‬
‫لمیتة من فارق الجماعة بمن مات على الكفر بجامع أن الكل لم یكن تحت حكم إمام فإن الخارج عن الطاعة كأهل‬
‫الجاهلیة ال إمام له‪.‬‬
‫وفي الحدیث دلیل على أنه إذا فارق أحد الجماعة ولم یخرج علیهم وال قاتلهم أنا ال نقاتله لنرده إلى الجماعة‬
‫ویذعن لإلمام بالطاعة ‪.‬‬
‫سلّم بقتاله بل أخبر عن حال موته وأنه كأهل الجاهلیة وال یخرج‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫بل نخلیه وشأنه ألنه لم یأمر َ‬
‫بذلك عن اإلسالم ‪.‬‬
‫ویدل له ما ثبت من قول علي رضي هللا عنه للخوارج‪" :‬كونوا حیث شئتم وبیننا وبینكم أن ال تسفكوا دما ً حراما ً‬
‫وال تقطعوا سبیالً وال تظلموا أحدا ً فإن فعلتم نفذت إلیكم بالحرب"‪.‬‬
‫وهذا ثابت عنه بألفاظ مختلفة‪ .‬أخرجه أحمد والطبراني والحاكم من طریق عبد هللا بن شدّاد‪ .‬قال عبد هللا بن شداد‪:‬‬
‫فوهللا ما قتلهم حتى قطعوا السبیل وسفكوا الدم الحرام‪.‬‬
‫مجرد الخالف على اإلمام ال یوجب قتال من خالفه ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فدل على أن‬
‫ع ّمارا ً ا ْل ِفئَةُ ا ْلبَا ِغیَةُ" َر َواهُ‬
‫سلّم‪" :‬تَ ْقت ُ ُل َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْنهَا قَالَتْ ‪ :‬قَا َل َرسُو ُل هللا َ‬
‫صلّى هللا َ‬ ‫سلَ َمةَ َرضي ه ُ‬
‫َّللا َ‬ ‫َوع َْن أ ُ ِ ّم َ‬
‫ُمسل ٌم ‪.‬‬
‫تمامه في مسلم‪" :‬یدعوهم إلى الجنة ویدعونه إلى النار‪.‬‬
‫قال ابن عبد البر‪ :‬تواترت األخبار بهذا وهو من أصح الحدیث‪ ،‬وقال ابن دحیة‪ :‬ال مطعن في صحته ولو كان‬
‫غیر صحیح لردّه معاویة ‪.‬‬
‫وإنما قال معاویة‪ :‬قتله من جاء به ولو كان فیه شك لردّه وأنكره حتى أجاب عمرو بن العاص على معاویة فقال‪:‬‬
‫فرسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم قتل حمزة؟‪.‬‬
‫وأما ما نقله المصنف في التلخیص وتبعه الشارح في نقله من أنه نقل ابن الجوزي عن خالد في العلل أنه حكى‬
‫عن أحمد أنه قال‪ :‬قد ُروي هذا الحدیث من ثمانیة وعشرین طریقا ً لیس فیها طریق صحیح ‪.‬‬
‫وحكى أیضا ً عن أحمد وابن معین وابن أبي خیثمة أنهم قالوا‪ :‬لم یصح ‪.‬‬
‫فقد أجاب السید محمد بن إبراهیم الوزیر عن هذا بقوله‪ :‬االسترواح إلى ذكر هذا الخالف الساقط من غیر بیان‬
‫لبطالنه من مثل ابن حجر عصبیة شنیعة ‪.‬‬
‫فأما ابن الجوزي فلم یعرف هذا الشأن وقد ذكر الذهبي في ترجمته في التذكرة كثرة خطئه في مصنفاته فهو‬
‫أجهل وأحقر من أن ینتهض لمعارضة أئمة الحدیث وفرسانه وحفاظه كابن عبد البر والبخاري ومسلم والحمیدي‬
‫‪.‬‬
‫وقد رواه كامالً أبو داود والترمذي والذهبي والحاكم وابن خزیمة والقرطبي واإلسماعیلي والبرقاني وأمثالهم؛ وقد‬
‫ذكر جملة منهم تواتره وصحته وجماعة منهم إجماع أهل السنة وأهل الفقه وأهل العلم على ذلك ‪.‬‬
‫وذكره القرطبي في آخر تذكرته والحاكم في علوم الحدیث له وحكاه ابن خزیمة ــــ المعروف بإمام األئمة ــــ ولم‬
‫یحك أحد عنهم خالفا ً في ذلك ‪.‬‬
‫وأما الذهبي فإنه حقق صحة دعواه بما أورده من الطرق الصحیحة الج ّمة ‪.‬‬
‫والمنع من الصحة بمجرد العصبیة من غیر حجة صنیع من ال علم له بل من ال عقل له وال حیاء‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وال یخفى أن ابن الجوزي نقل عن أحمد عدم صحته ولیس له هو قدح في صحته حتى یقال إنه أحقر من أن‬
‫ینتهض لمعارضة أئمة الحدیث وفرسانه وحفاظه ‪.‬‬
‫فاألولى في الجواب عن نقل ابن الجوزي ما قاله السید محمد أیضا ً أنه قد روى یعقوب بن شیبة اإلمام الثقة‬
‫الحافظ عن أحمد بن حنبل أنه قال فیه‪ :‬إنه حدیث صحیح سمعه عنه یعقوب وقد سئل عنه‪ .‬ذكره الذهبي في‬
‫ترجمة عمار في النبالء ‪.‬‬
‫ویؤیده أنه رواه أحمد عن جماعة كثیر من الصحابة وكان یرى الضرب على روایات الضعاف والمنكرات وهذا‬
‫یدل على بطالن ما حكاه ابن الجوزي وإال فغایته أنه قد تعارض عن أحمد القوالن فیطرح‪ ،‬وفي تصحیح غیره ما‬
‫یغني عنه كما ال یخفى ‪.‬‬
‫وأما الحكایة عن ابن معین وابن أبي خیثمة فإنه رواها المصنف بصیغة التمریض ولم ینسبها إلى راو فیتكلم‬
‫علیها ‪.‬‬
‫والحدیث دلیل على أن الفئة الباغیة معاویة ومن في حزبه ‪.‬‬
‫ي رضي هللا عنه ومن في صحبته؛ وقد نقل اإلجماع من أهل السنة بهذا القول جماعة من أئمتهم‬ ‫والفئة المحقة عل ّ‬
‫كالعامري وغیره وأوضحناه في الروضة الندیة ‪.‬‬
‫ْف ُح ْك ُم هللا‬ ‫سلّم‪َ " :‬هلْ تَدْري یَا ابْنَ أ ُ ِ ّم َ‬
‫ع ْب ٍد َكی َ‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫َّللا َ‬ ‫ع ْنه َما قال‪ :‬قَا َل َرسُو ُل َّ ِ‬ ‫َّللا َ‬
‫ابن عُ َم َر َرضي َّ ُ‬ ‫عن ِ‬ ‫َو ِ‬
‫ْ‬
‫سیر َها‪ ،‬وال یُطلبُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫على جریحِ َها‪ ،‬وال یُقتَ ُل أ ُ‬ ‫َ‬
‫َّللا ورسُولهُ أ ْعلَ ُم‪ ،‬قالَ‪" :‬ال یُجْ َه ُز َ‬‫ُ‬ ‫مِن ه ِذ ِه األ ّمةِ؟" قَالَ‪ُ َّ :‬‬ ‫فِی َم ْن بَغَى ْ‬
‫ص َّح‬‫كیم َوه َُو َمتْ ُروكٌ ‪َ ،‬و َ‬ ‫ألن في إ ْسنَا ِد ِه ك َْوثَ َر بنَ َح ٍ‬ ‫ص ّح َحهُ فَ َوه َِم‪َّ ،‬‬ ‫س ُم فَ ْیئ ُ َها" َر َوا ُه ا ْل َب َّز ُ‬
‫ار والحا ِك ْم َو َ‬ ‫هَاربُها‪َ ،‬وال یُ ْق َ‬
‫ق نَحْ ُوهُ َم ْوقُوفاً‪ ،‬أَ ْخ َر َجهُ ا ْب ُن أبي َ‬
‫ش ْیبَةَ َوالحا ِك ُم‪.‬‬ ‫مِن طُ ُر ٍ‬ ‫لي ْ‬ ‫ع ْن َ‬
‫ع َ‬ ‫َ‬
‫ع ْبدٍ) هو ابن‬ ‫سلّم‪َ " :‬هلْ تَدْري یَا ابنَ أ ُ ِ ّم َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫ع َل ْی ِه َو َ‬ ‫(وعن ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا َ‬
‫مسعود ألنه المعروف بذلك وكأنه رواه عنه ابن عمر رضي هللا عنهما أو سمع النبي صلى هللا تعالى علیه وآله‬
‫على َج ِریحِ َها) أي ال‬ ‫مِن ه ِذ ِه األ ّمةِ؟ قال‪ :‬هللا ورسوله أعلم قال‪" :‬ال یُجْ َهز َ‬ ‫ْف ُح ْك ُم هللا فِی َم ْن بَغَى ْ‬ ‫وسلم یحدثه ( َكی َ‬
‫س ُم فَ ْی ُؤهَا"‪ .‬رواه البزار والحاكم‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫یتمم قتل من كان جریحا ً من البغاة (وال یُ ْقتَل أسیرهَا‪َ ،‬وال یُطلبُ هَاربُها‪َ ،‬وال یُ ْق َ‬
‫وصححه فوهم فإن في إسناده كوثر) بفتح الكاف وسكون الواو ومثلثة مفتوحة فراء (ابن حكیم وهو متروك وصح‬
‫عن علي نحوه من طرق موقوفاً‪ .‬أخرجه ابن أبي شیبة والحاكم)‬
‫في المیزان‪ :‬كوثر بن حكیم عن عطاء ومكحول وهو كوفي نزل حلب قال ابن معین‪ :‬لیس بشيء وقال أحمد بن‬
‫حنبل‪ :‬أحادیثه بواطیل انتهى ‪.‬‬
‫قال ابن عدي‪ :‬هذا حدیث غیر محفوظ وأما الروایة عن علي علیه السالم فرواها البیهقي وغیره‪.‬‬
‫وفي الحدیث مسائل‪:‬‬
‫األولى‪ :‬جواز قتال البغاة وهو إجماع لقوله تعالى‪{ :‬فقاتلوا التي تبغي}‪.‬‬
‫قلت‪ :‬واآلیة دالة على الوجوب وبه قالت الهادویة ولكن شرطوا ظن الغلبة ‪.‬‬
‫وعند جماعة من العلماء أن قتالهم أفضل من قتال الكفار ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬لما یلحق المسلمین من الضرر منهم ‪.‬‬
‫ال قبل قتالهم دعاؤهم إلى الرجوع عن البغي وتكریر الدعاء كما فعل علي رضي هللا عنه في‬ ‫واعلم أنه یتعین ّأو ً‬
‫الخوارج فإنهم لما فارقوه أرسل إلیهم ابن عباس فناظرهم فرجع منهم أربعة آالف وكانوا ثمانیة آالف وبقي أربعة‬
‫أبوا أن یرجعوا وأصروا على فراقه فأرسل إلیهم‪" :‬كونوا حیث شئتم وبیننا وبینكم أن ال تسفكوا دما ً حراما ً وال‬
‫تقطعوا سبیالً وال تظلموا أحدا ً‬
‫فقتلوا عبد هللا بن خباب صاحب رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم ثم بقروا بطن سریته وهي حبلى وأخرجوا‬
‫ما في بطنها فبلغ علیا ً كرم هللا وجهه فكتب إلیهم‪ :‬أقیدونا بقاتل عبد هللا بن خباب فقالوا‪ :‬كلنا قتله‪ ،‬فأذن حینئذ في‬
‫قتالهم وهي روایات ثابتة ساقها المصنف في فتح الباري ‪.‬‬
‫المسألة الثانیة‪ :‬أنه ال یجهز على جریحها‪ ،‬وهو من أجهز على الجریح وجهز أي بت قتله وأسرعه وتمم علیه‬
‫ودلیله قوله‪ :‬وال یجهز على جریحها ‪.‬‬
‫وأخرج البیهقي أن علیا ً علیه السالم قال ألصحابه یوم الجمل‪" :‬إذا ظهرتم على القوم فال تطلبوا مدبرا ً وال‬
‫تجهزوا على جریح وانظروا ما حضرت به الحرب من آلته فاقبضوه وما سوى ذلك فهو لورثته" قال البیهقي‪:‬‬
‫هذا منقطع والصحیح أنه لم یأخذ شیئا ً ولم یسلب قتیالً‪.‬‬
‫ودل الحدیث أیضا ً على أنه ال یقتل أسیر البغاة قالوا‪ :‬وهذا خاص بالبغاة ألن قتالهم إنما هو لدفعهم عن المحاربة‪.‬‬
‫ودل الحدیث أیضا ً على أنه ال یطلب هاربها وظاهره ولو كان متحیزا ً إلى فئة وإلى هذا ذهب الشافعي ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ألن القصد دفعهم في تلك الحال وقد وقع ‪.‬‬
‫وذهبت الهادویة والحنفیة إلى أن الهارب إلى فئة یقتل إذ ال یؤمن عوده‪ ،‬والحدیث یرد هذا القول وكذا ما تقدّم من‬
‫ي علیه السالم ‪.‬‬
‫كالم عل ّ‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬قوله‪" :‬ال یقسم فیؤها" أي ال یغنم فیقسم‪ ،‬دال على أن أموال البغاة ال تغنم وإن أجلبوا بها إلى دار‬
‫الحرب وإلى هذا ذهبت الشافعیة والحنفیة وأید هذا بقوله صلى هللا علیه وآله وسلم‪" :‬ال یحل مال امرىء مسلم إال‬
‫بطیبة من نفسه"‪.‬‬
‫وقد صحح البیهقي أن علیا ً علیه السالم لم یأخذ سلبا ً فأخرجه عن الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبیه علیا ً‬
‫علیه السالم‪ :‬كان ال یأخذ سلبا ً ‪.‬‬
‫وأخرج أیضا ً عن أبي بكر بن أبي شیبة عن جعفر بن محمد عن أبیه‪ :‬أن علیا ً علیه السالم یوم البصرة لم یأخذ‬
‫من متاعهم شیئا ً ‪.‬‬
‫وأخرج عن أبي أمامة قال‪ :‬شهدت یوم صفین وكانوا ال یجهزون على جریح وال یقتلون مولیا ً وال یسلبون قتیالً ‪.‬‬
‫ي علیه السالم‪ :‬لكم المعسكر وما‬
‫وذهبت الهادویة إلى أنه یغنم ما أجلبوا به من مال وآلة حرب ویخمس لقول عل ّ‬
‫حوى ‪.‬‬
‫ي علیه السالم مما یوافق الحدیث أكثر وأقوى‬
‫وأجیب بأن الحدیث مصرح بأنها ال تغنم وبأن ما ذكرناه عن عل ّ‬
‫طریقا ً ‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬یؤخذ من اطالق قوله‪" :‬وال یجهز على جریحها" أنه ال یضمن البغاة ما أتلفوا في القتال من‬
‫الدماء واألموال وإلیه ذهب اإلمام یحیى والحنفیة واستدل أیضا ً بقوله تعالى‪{ :‬حتى تفيء إلى أمر هللا} ولم یذكر‬
‫ضمانا ً وبما أخرجه البیهقي عن ابن شهاب قال‪:‬‬
‫ال ذوي عدد من أصحاب رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم ممن شهد‬ ‫هاجت الفتنة األولى فأدركت الفتنة رجا ً‬
‫معه بدرا ً وبلغنا أنهم كانوا یرون أن یهدر أمر الفتنة وال یقام فیها على رجل قاتل في تأویل القرآن قصاص فیمن‬
‫قتل وال ح ّد في سباء امرأة سبیت وال یرى علیها ح ّد والبینها وبین زوجها مالعنة وال یرى أن یقذفها أحد إال جلد‬
‫األول‬
‫األول بعد أن تعتد فتنقضي عدتها من زوجها اآلخر ویرى أن یرثها زوجها ّ‬ ‫الحد ویرى أن تر ّد إلى زوجها ّ‬
‫‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا وإن لم یكن إجماعا ً فإنه ّ‬
‫مقو للبراءة األصلیة إذا األصل أن أموال المسلمین ودماءهم معصومة‪.‬‬
‫وذهب الشافعي وحكي عن الهادویة إلى أنه یقتص ممن قتل من البغاة واستدلوا بعموم اآلیات واألحادیث نحو‬
‫{ومن قتل مظلوما ً وقد جعلنا لولیه سلطانا} وحدیث‪" :‬من اعتبط مسلما ً بقتل عن بینة فهو قود" وأجیب بأنها‬
‫األول ‪.‬‬
‫عمومات خصت بما ذكر من أدلة أهل القول ّ‬
‫سلّم َیقُولُ‪َ " :‬م ْن أَتَاكُ ْم َوأَ َم ُركُم جمِ ی ٌع‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْنهُ قَالَ‪َ :‬‬
‫سمِ ْعتُ َرسُو َل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ُریح رضي هللا َ‬ ‫بن ش ٍ‬ ‫ع ْرفَ َجةَ ِ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫َو َ‬
‫عتَكُ ْم فَا ْقتُلُوهُ" أَ ْخ َر َجهُ ُمسْل ٌم‪.‬‬
‫یُری ُد أَ ْن یُف ِ َّرقَ َج َما َ‬
‫(وعن عرفجة) بضم العین وسكون الراء وضم الفاء وجیم (ابن شریح) بالشین المعجمة مصغر شرح وقیل‬
‫بالمهملة (قال سمعت رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم یقوله‪َ " :‬م ْن أَتَاكُ ْم وأَ ْم ُركُ ْم َجمی ٌع یُری ُد أَ ْن یُف ِ َّرقَ َج َما َ‬
‫عتَكُ ْم‬
‫فا ْقتُلُوهُ" أخرجه مسلم)‪.‬‬
‫سلّم یقول‪" :‬ستكون هنات وهنات فمن أراد أن ّ‬
‫یفرق أمر‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ورواه مسلم بلفظ‪ :‬سمعت رسول هللا َ‬
‫هذه األ ّمة وهي جمیع فاضربوه بالسیف كائنا ً من كان‪.‬‬
‫یفرق جماعتكم‬
‫وفي لفظ‪" :‬فاقتلوه" وفي لفظ‪" :‬من أتاكم وأمركم جمیع على رجل واحد یرید أن یشق عصاكم أو ّ‬
‫فاقتلوه‪.‬‬
‫وأخرج الشیخان واللفظ للبخاري من حدیث ابن عباس رضي هللا عنه قال‪" :‬من رأى من أمیره شیئا ً یكرهه‬
‫فلیصبر علیه فإنه من فارق الجماعة شبرا ً فمات مات میتة جاهلیة"‪.‬‬
‫وفي لفظ‪" :‬من خرج عن السلطان شبرا ً مات میتة جاهلیة‪.‬‬
‫دلت هذه األلفاظ على أن من خرج على إمام قد اجتمعت علیه كلمة المسلمین والمراد أهل قطر ــــ كما قلناه ــــ‬
‫فإنه قد استحق القتل إلدخاله الضرر على العباد‪.‬‬
‫وظاهره سواء كان جائرا ً أو عاد ً‬
‫ال وقد جاء في أحادیث تقیید ذلك بما أقاموا الصالة‪.‬‬
‫وفي لفظ‪ :‬ما لم تروا كفرا ً بواحا ً ‪.‬‬
‫وقد حققنا هذه المباحث في منحة الغفار حاشیة ضوء النهار تحقیقا ً تضرب إلیه آباط اإلبل والحمد هللا المنعم‬
‫المتفضل‪.‬‬
‫باب قتال الجانی و قتل المرتد‪:‬‬
‫سلّم‪َ " :‬م ْن قُتِ َل دُونَ َما ِل ِه فَ ُه َو شَهیدٌ" َر َوا ُه أَبُو َداو َد‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫سو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ع ْن َ‬
‫ع ْب ِد َّ ِ‬
‫َّللا ب ِْن عُ َم َر قالَ‪ :‬قا َل َر ُ‬ ‫َ‬
‫ص ّح َحهُ ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫سائي والت ْرمِ ذي َو َ‬ ‫ّ‬
‫والن َ‬
‫سلّم‪َ " :‬م ْن قُتِ َل دُونَ َما ِل ِه فَ ُه َو شَهیدٌ"‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫َّللا ب ِْن عُ َم َر رضي هللا عنهما قالَ‪ :‬قا َل َرسُو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ع ْن َ‬
‫ع ْب ِد َّ ِ‬ ‫َ‬
‫َر َوا ُه أَبُو َداو َد والنّ َ‬
‫سائي والت ّ ْرمِ ذي َو َ‬
‫ص ّح َحهُ ‪.‬‬
‫وأخرجه البخاري من حدیث عبد هللا بن عمرو بن العاص وأخرجه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حدیث‬
‫سعید بن زید ‪.‬‬
‫وفي الحدیث دلیل على جواز المقاتلة لمن قصد أخذ مال غیره بغیر حق قلیالً كان المال أو كثیرا ً وهذا قول‬
‫الجماهیر ‪.‬‬
‫وقال بعض المالكیة‪ :‬ال یجوز القتال على أخذ القلیل من المال ‪.‬‬
‫قال القرطبي‪ :‬سبب الخالف في ذلك هل القتال لدفع المنكر فال یفترق الحال بین القلیل والكثیر أو من باب دفع‬
‫الضرر فیختلف الحال في ذلك؟ ‪.‬‬
‫وحكى ابن المنذر عن الشافعي رضي هللا عنه‪ :‬أن من أرید ماله أو نفسه أو حریمه ولم یمكنه الدفع إال بالقتل فله‬
‫ذلك ولیس علیه قود وال دیة وال كفارة ‪.‬‬
‫لكن لیس له أن یقصد القتل من غیر تفصیل ‪.‬‬
‫قال ابن المنذر‪ :‬والذي علیه أهل العلم أن للرجل أن یدفع عما ذكر إذا أرید ظلما ً بغیر تفصیل إال أن كل من یحفظ‬
‫عنه من علماء الحدیث كالمجمعین على استثناء السلطان لآلثار الواردة باألمر بالصبر على جوره وترك القیامة‬
‫علیه ‪.‬‬
‫وفرق األوزاعي بین الحال التي للناس فیها جماعة وإمام فحمل الحدیث علیها‪.‬‬
‫وأما في حال الخالف والفرقة فلیستسلم وال یقاتل أحدا ً ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ویؤید ما قاله ابن المنذر عن أهل العلم ما أخرجه مسلم من حدیث أبي هریرة مرفوعا ً بلفظ‪" :‬أرأیت إن جاء‬
‫رجل یرید أخذ مالي؟ قال‪ :‬فال تعطه‪ .‬قال‪ :‬أرأیت إن قاتلني؟ قال‪ :‬قاتله‪ .‬قال‪ :‬أرأیت إن قتلني؟ قال‪ :‬فأنت شهید‪.‬‬
‫قال‪ :‬أرأیت إن قتلته؟ قال‪ :‬فهو في النار"‪.‬‬
‫وظاهر الحدیث إطالق األحوال‪ .‬قلت‪ :‬هذا في جواز قتال من یأخذ المال فهل یجوز له أي لمن یراد أخذ ماله‬
‫ظلما ً االستسالم وترك المنع بالقتال؟ الظاهر جوازه ‪.‬‬
‫ویدل له حدیث‪" :‬فكن عبد هللا المقتول" فإنه دال على جواز االستسالم في النفس‪ ،‬والمال باألولى فیحمل قوله هنا‪:‬‬
‫وال تعطه على أنه نهي لغیر التحریم‪.‬‬
‫مِن فَمِ ِه‬
‫ع یَ َدهُ ْ‬‫صاحِ بَهُ فَا ْنتَزَ َ‬ ‫ع ْنهُ قَالَ‪ :‬قَاتَ َل یَ ْعلى ب ُن أ ُ َمیّةَ َر ُجالً فَ َع َّ‬
‫ض أ َح ُدهُ َما َ‬ ‫َّللا َ‬
‫صی ٍْن َرضي َّ ُ‬ ‫بن ُح َ‬ ‫ع ْن ِع ْم َرانَ ِ‬ ‫َو َ‬
‫سلّم فَقَالَ‪َ " :‬ی َعض أَ َح ُدكُ ْمكما َی َعض ا ْلفَحْ لُ؟ ال ِد َیةَ لَهُ" ُمتّف ٌَق َ‬
‫علَ ْی ِه‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫يِ َ‬ ‫ص َما إلى النَّ ِب ّ‬ ‫ع ثَنِیّتَهُ‪ ،‬فَ ْ‬
‫اختَ َ‬ ‫فَنَزَ َ‬
‫َوالل ْفظُ ِل ُم ْسل ٍِم ‪.‬‬
‫فعض أَ َح ُدهُ َما صاحِ بَهُ فانتزع یده من فمه فنزع ثنیته‬ ‫َّ‬ ‫(وعن عمران بن حصین قال‪ :‬قَاتَ َل یعلى ب ُن أُمیَة رج ً‬
‫ال‬
‫ض أَ َح ُدكُ ْم) بفتح حرف المضارعة والعین المهملة‬ ‫فاختصما إلى رسول هللا صلى هللا علیه وآله وسلم فقال‪" :‬أ َی َع ُّ‬
‫ماضیة عضـض بكسر الضاء األولى یعضـض بفتحها في المضارع فأدغمت ونقلت حركتها إلى ما قبلها (أخاه‬
‫ض ا ْلفَحْ لُ) أي الذكر من اإلبل (ال دیَةَ لَهُ" متفق علیه واللفظ لمسلم)‪.‬‬ ‫ك َما یَ َع ُّ‬
‫اختلف في العاض والمعضوض منهما فقال الحافظ‪ :‬الصحیح المعروف أن المعضوض أجیر یعلى ال یعلى قیل‪:‬‬
‫فیتعین أن یكون یعلى هو العاض ‪.‬‬
‫وفي الحدیث دلیل على أن هذه الجنایة التي وقعت ألجل الدفع عن الضرر تهدر وال دیة على الجاني وإلى هذا‬
‫ذهب الجمهور ‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬ال یلزمه شيء ألنه في حكم الصائل ‪.‬‬
‫واحتجوا أیضا ً باإلجماع على أن من شهر على آخر سالحا ً لیقتله فدفع عن نفسه فقتل الشاهر أنه ال شيء علیه ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولو جرحه المعضوض في محل آخر من بدنه لم یلزمه شيء ‪.‬‬
‫وشرط اإلهدار أن یتألم المعضوض وأن ال یمكنه تخلیص یده بغیر ذلك من ضرب شدقه أو فك لحییه لیرسلهما‬
‫ومهما أمكن التخلص بدون ذلك فعدل عنه إلى األثقل لم یهدر‪.‬‬
‫وللشافعیة وجه أنه یهدر على اإلطالق ودلیل شرط اإلهدار بما ذكر مأخوذ من القواعد الكلیة في الشرع وإال فال‬
‫یفیده الحدیث ‪.‬‬
‫فإن كان لعض في موضع آخر من البدن جرى فیه هذا الحكم قیاسا ً ‪.‬‬
‫علَیْكَ بِغَیْر إ ْذ ٍن‬ ‫سلّم‪" :‬لَ ْو أَ َّن ا ْم َرأ ً ا ّ‬
‫طلَ َع َ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫القاسم َ‬
‫ِ‬ ‫ع ْنهُ قالَ‪ :‬قا َل أَبُو‬ ‫ع ْن أبي ه َُری َْرةَ َرضي َّ ُ‬
‫َّللا َ‬ ‫َو َ‬
‫ص ّح َحهُ ابن حِ بّانَ ‪" :‬فَال دیَةٌ‬ ‫ي ِ َو َ‬ ‫سائ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عل ْیهِ‪َ ،‬وفي لفظٍ ألحْ َم َد َوال ْن َ‬ ‫َ‬ ‫علیْكَ ُجنَاحٌ" ُمتّف ٌَق َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ع ْینَهُ ل ْم یَكُ ْن َ‬‫صاةٍ فَفَقَأتَ َ‬ ‫ْ‬
‫فَ َحذَفتَهُ بح َ‬
‫اص‪.‬‬
‫ص َ‬ ‫لَهُ َوال قِ َ‬
‫علَیْك بغَیْر إ ْذ ٍن‬‫اطلع َ‬ ‫(وعن أبي هریرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال أبو القاسم صلى هللا علیه وآله وسلم‪" :‬لَ ْو أَ َّن أ ْم َرأ ً ْ‬
‫علَیْكَ ُجنَاحٌ" متفق علیه)‪.‬‬ ‫ع ْینَهُ لَ ْم یكُ ْن َ‬‫صاةٍ فَفَقَأتَ َ‬‫فَ َحذَ ْفتُهُ بح َ‬
‫دل الحدیث على تحریم االطالع على الغیر بغیر إذنه وعلى أن من اطلع قاصدا ً للنظر إلى محل غیره مما ال‬
‫یجوز الدخول إلیه إال بإذن مالكه فإنه یجوز للمطلع علیه دفعه بما ذكر‪ ،‬وإن فقأ عینه فإنه ال ضمان علیه (وفي‬
‫لفظ ألحمد والنسائي وصححه ابن حبان‪ :‬فال دیة له وال قصاص) ‪.‬‬
‫وأما إذا كان مأذونا ً بالنظر فالجناح غیر مرفوع على من جنى على الناظر ‪.‬‬
‫وكذا لو كان المنظور إلیه في محل ال یحتاج إلى اإلذن ولو نظر منه ما ال یحل له النظر إلیه ألن التقصیر من‬
‫المنظور إلیه وإلى هذا ذهب الشافعي وغیره ‪.‬‬
‫والخالف فیه للمالكیة قال یحیى بن یعمر من المالكیة‪ :‬لعل مالكا ً لم یبلغه الخبر‪.‬‬
‫وقال ابن دقیق العید تصرف الفقهاء في الحكم بأنواع من التصرفات‪:‬‬
‫منها‪ :‬أنه یفرق بین أن یكون هذا الناظر واقفا ً في الشارع أو في خالص ملك المنظور إلیه أو في ِس َّك ٍة منسدْة‬
‫األسفل اختلفوا فیه‪ :‬واألشهر أنه ال فرق ‪.‬‬
‫وال یجوز م ّد العین إلى حرم الناس بحال وفي وجه للشافعیة أنه ال تفقأ إال عین من وقف في ملك المنظور إلیه‬
‫والحدیث مطلق ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه هل یجوز رمي الناظر قبل اإلنذار والنهي؟ فیه وجهان للشافعیة أحدهما‪ :‬ال؛ والثاني‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو الذي یدل له الحدیث ویؤیده الحدیث اآلخر‪" :‬أنه صلى هللا علیه وآله وسلم جعل یختل المطلع علیه‬
‫لیطعنه‬
‫والختل فسره في النهایة بقوله‪ :‬یراوده ویطلبه من حیث ال یشعر ‪.‬‬
‫وفي الحدیث دلیل أنه إنما یباح له قصد العین بشيء خفیف كالمدرى والبندقة والحصاة لقوله‪( :‬فحذفته)‪.‬‬
‫قال الفقهاء‪ :‬فأما لو رماه بالنشاب أو بحجر یقتله فقتله فهذا قتیل یتعلق به القصاص أو الدیة‪.‬‬
‫ومما تصرف فیه الفقهاء أن هذا الناظر إذا كان له محرم في الدار أو زوجة أو متاع لم یجز قصد عینه ألنه له‬
‫في النظر شبهة ‪.‬‬
‫وقیل‪ :‬ال یكفي إذا كان له في الدار محرم بل إنما یمتنع قصد عینه إذا لم یكن في الدار إال محارمه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إذا لم یكن في الدار إال صاحبها فله الرمي إن كان مكشوف العورة وال ضمان وإال فوجهان‪ :‬أظهرهما ال‬
‫یجوز رمیه ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الحریم إذا كن في الدار مستترات أو في بیت ففي وجه ال یجوز قصد عینه ألنه ال یطلع على شيء قال‬
‫بعض الفقهاء‪:‬‬
‫واألظهر الجواز إلطالق األخبار‪ ،‬وأنه ال تنضبط أوقات الستر والتكشف‪ ،‬واالحتیاط حسم الباب‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن ذلك إنما یكون إذا لم یقصر صاحب الدار فإن كان بابه مفتوحا ً أو ث َّم كوة واسعة أو ثلمة مفتوحة‬
‫فینظر‪ ،‬فإن كان مجتازا ً لم یجز قصده وإن كان وقف وتعمد فقیل‪ :‬ال یجوز قصده لتفریط صاحب الدار بفتح‬
‫الكوة‪ .‬وقیل‪ :‬یجوز لتعدیه بالنظر‪.‬‬
‫الباب وتوسیع ّ‬
‫وأجرى هذا الخالف فیما إذا نظر من سطح بیته أو نظر المؤذّن من المئذنة لكن األظهر ههنا عندهم جواز الرمي‬
‫ألنه ال تقصیر من صاحب الدار ثم قال‪:‬‬
‫واعلم أن ما كان من هذه التصرفات الفقهیة داخالً تحت إطالق الحدیث فهو مأخوذ من القیاس وهو قلیل فیما ذكر‬
‫انتهى كالمه ‪.‬‬
‫واعلم أنه یؤخذ من هذا الحدیث صحة قول الفقهاء إنها تهدم الصوامع المحدثة المعورة‪.‬‬
‫وكذا تعلیة الملك إذا كانت معورة وهو محكي عن القاسم الرسي وهو رأي عمر‪ ،‬فإنه أخرج عنه ابن عبد الحكم‬
‫في فتوح مصر عن یزید بن أبي حبیب قال‪ :‬أول من بنى غرفة بمصر خارجة بن حذافة فبلغ ذلك عمر بن‬
‫الخطاب رضي هللا عنه فكتب إلى عمرو بن العاص‪" :‬سالم علیك أما بعد‪ ،‬فإنه بلغني أن خارجة بن حذافة بنى‬
‫غرفة ولقد أراد أن یطلع على عورات جیرانه فإذا أتاك كتابي هذا فاهدمها إن شاء هللا تعالى والسالم‪.‬‬
‫على‬ ‫ظ الحوائطِ بالنّ َهار َ‬ ‫أن حف َ‬ ‫سلّم َّ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْنه قالَ‪" :‬قَضى َرسُو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َّللا َ‬
‫ضي َّ ُ‬
‫ب َر َ‬ ‫عاز ٍ‬ ‫بن َ‬ ‫ع ِن ا ْلبَ َراءِ ِ‬‫َو َ‬
‫األربَ َعةُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صابتْ َما ِشیَت ُ ُه ْم بالل ْی ِل" َر َواهُ أحْ َم ُد َو ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫على أ ْه ِل ال َما ِشیَ ِة َما أ َ‬ ‫على أ ْه ِل َها‪َ ،‬و َّ‬
‫أن َ‬ ‫ّ‬
‫شیَ ِة بالل ْی ِل َ‬‫ظ ال َما َ‬‫أَ ْه ِل َها‪َ ،‬وأ َّن حِ ْف َ‬
‫َ‬
‫ِالف ‪.‬‬ ‫ص ّح َحهُ ابن حِ بّانَ ‪ ،‬وفي إسنَا ِد ِه ْ‬
‫اخت ٌ‬ ‫إال الت ّ ِْرمِ ذي‪َ ،‬و َ‬
‫على‬ ‫ظ الحوائطِ بالنّ َهار َ‬ ‫أن حف َ‬ ‫سلّم َّ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫َّللا َ‬‫ع ْنه قالَ‪" :‬قَضى َرسُو ُل َّ ِ‬ ‫َّللا َ‬
‫ضي َّ ُ‬
‫ب َر َ‬ ‫عاز ٍ‬ ‫بن َ‬‫ع ِن ا ْلبَ َراءِ ِ‬
‫(و َ‬ ‫َ‬
‫األربَ َعةُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صابتْ َما ِشیَت ُ ُه ْم بالل ْی ِل" َر َواهُ أحْ َم ُد َو ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫على أ ْه ِل ال َما ِشیَ ِة َما أ َ‬ ‫على أ ْه ِل َها‪َ ،‬و َّ‬
‫أن َ‬ ‫ّ‬
‫شیَ ِة بالل ْی ِل َ‬ ‫أَ ْه ِل َها‪َ ،‬وأ َّن حِ ْف َ‬
‫ظ ال َما َ‬ ‫َ‬
‫ِالف)‪.‬‬ ‫ص ّح َحهُ ابن حِ بّانَ ‪ ،‬وفي إسنَا ِد ِه ْ‬
‫اخت ٌ‬ ‫إال الت ّ ِْرمِ ذي‪َ ،‬و َ‬
‫مداره على الزهري وقد اختلف علیه فإنه روي من طرق كلها عن الزهري عن حزام عن البراء وحزام لم یسمع‬
‫من البراء قاله عبد الحق تبعا ً البن حزم ‪.‬‬
‫وأخرجه البیهقي من طرق وفیها االختالف ‪.‬‬
‫إال أنه قال الشافعي رحمه هللا‪ :‬أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله ‪.‬‬
‫قال البیهقي‪ :‬ورویناه عن الشعبي عن شریح أنه كان یضمن ما أفسدته الغنم باللیل وال یضمن ما أفسدته بالنهار‬
‫ویتأول هذه اآلیة {وداود وسلیمان إذ یحكمان في الحرث إذ نفشت فیه غنم القوم}‪.‬‬
‫وكان یقول‪ :‬النفش باللیل‪ ،‬وروي مرة عن مسروق‪{ :‬إذ نفشت فیه غنم القوم} قال‪ :‬كان كرما ً فدخلت فیه لیالً فما‬
‫تركت فیه خضرا ً ‪.‬‬
‫فدل الحدیث أنه ال یضمن مالك البهیمة ما جنته في النهار ألنه یعتاد إرسالها في النهار ویضمن ما جنته باللیل‬
‫ألنه یعتاد حفظها باللیل وإلى هذا ذهبت الهادویة ومالك والشافعي ودلیلهم الحدیث واآلیة ‪.‬‬
‫وذهب أبو حنیفة إلى أنه ال ضمان على أهل الماشیة مطلقا ً وحجته حدیث‪" :‬العجماء جرحها جبار" أخرجه أحمد‬
‫والشیخان من حدیث أبي هریرة‪ ،‬وأحمد والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن عوف وفیه زیادة ‪.‬‬
‫ولكنه قال الطحاوي‪ :‬مذهب أبي حنیفة أنه ال ضمان إذا أرسلها مع حافظ ‪.‬‬
‫وأما إذا أرسلها من دون حافظ فإنه یضمن‪ ،‬وكذا المالكیة یقیدون ذلك بما إذا سرحت الدواب في مسارحها‬
‫المعتادة للرعي وأما إذا كانت في أرض مزروعة ال مسرح فیها فإنهم یضمنون لیالً أو نهارا ً ‪.‬‬
‫وفي المسألة أقوال أخر ال تناسب النص هذا وال دلیل لها یقاومه ‪.‬‬
‫َّللا َو َرسُو ِلهِ" فَأ ُ َم َر‬
‫ضا ُء َّ ِ‬ ‫ع ْنه ــــ في َر ُج ٍل أَ ْسلَ َم ثم تَ َه َّو َد ــــ‪" :‬ال أَجْ ل ُ‬
‫ِس َحتى یُ ْقتَلَ‪ ،‬قَ َ‬ ‫بن َجبَ ٍل رضي هللا َ‬ ‫ع ْن ُمعَا ِذ ِ‬ ‫َو َ‬
‫"و َكانَ قَ ِد ا ْستُت َ‬
‫ِیب قَ ْب َل ذلكَ‬ ‫علَ ْیهِ‪ ،‬وفي َ‬
‫روا َی ٍة ألبي َد ُاو َد‪َ :‬‬ ‫ِب ِه فَقُتِلَ‪ُ ،‬متّف ٌَق َ‬
‫تهود‪ :‬ال أجلس حتى یقتل‪ .‬قضاء هللا ورسوله)‪.‬‬
‫(وعن معاذ بن جبل رضي هللا عنه في رجل أسلم ثم ّ‬
‫جوز في "قضاء" رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ونصبه على أنه مصدر حذف فعله وهو یشیر إلى حدیث‪:‬‬
‫"من بدل دینه فاقتلوه" وسیأتي من أخرجه‪.‬‬
‫(فأمر به فقتل‪ .‬متفق علیه‪ .‬وفي روایة ألبي داود‪ :‬وكان قد استتیب قبل ذلك)‪.‬‬
‫الحدیث دلیل على أنه یجب قتل المرت ّد وهو إجماع وإنما وقع الخالف هل تجب استتابته قبل قتله أو ال؟ ذهب‬
‫الجمهور إلى وجوب االستتابة لما في روایة أبي داود هذه‪ ،‬وله في روایة أخرى‪ :‬فدعاه أبو موسى عشرین لیلة‬
‫أو قریبا ً منها وجاء معاذ فدعاه فأبى فضرب عنقه‪.‬‬
‫وذهب الحسن وطاوس وأهل الظاهر وآخرون إلى عدم وجوب استتابة المرتد وأنه یقتل في الحال مستدلین بقوله‬
‫صلى هللا علیه وآله وسلم‪" :‬من بدّل دینه فاقتلوه" یعني والفاء تفید التعقیب كما ال یخفى؛ وألن حكم المرتد حكم‬
‫الحربي الذي بلغته الدعوة فإنه یقاتل من دون أن یدعى ‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإنما شرعت الدعوى لمن خرج عن اإلسالم ال عن بصیرة وأما من خرج عن بصیرة فال‪.‬‬
‫وعن[اث] ابن عباس[‪/‬اث]و عطاء إن كان أصله مسلما ً لم یستتب وإال استتیب نقله عنهما الطحاوي‪.‬‬
‫ثم للقائلین باالستتابة خالف آخر وهو أنه هل یكفي مرة أو ال بد من ثالث في مجلس أو في یوم أو في ثالثة‬
‫أیام؟‪ .‬ویروى عن[اث] علي[‪/‬اث] علیه السالم‪ :‬یستتاب شهراً‪.‬‬
‫سلّم‪َ " :‬م ْن َب َّد َل دینهُ فَا ْقتُلُو ُه" َر َوا ُه‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫سو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َّللا تَ َعالَى َ‬
‫ع ْن ُه َما قالَ‪ :‬قا َل َر ُ‬ ‫ّاس َرضي َّ ُ‬
‫عب ٍ‬
‫ع ِن اب ِْن َ‬
‫َو َ‬
‫ا ْلبُخَاري ‪.‬‬
‫سلّم‪َ " :‬م ْن بَ َّد َل دینهُ فَا ْقتُلُوهُ" َر َواهُ‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ع ْن ُه َما قالَ‪ :‬قا َل َرسُو ُل َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َّللا َ‬
‫ّاس َرضي َّ ُ‬
‫عب ٍ‬
‫ع ِن اب ِْن َ‬
‫( َو َ‬
‫ا ْلبُخَاري)‬
‫الحدیث دلیل على قتل من بدل دینه كما تقدم وهو عام للرجل والمرأة واألول إجماع وفي الثاني خالف‪.‬‬
‫ذهب الجمهور إلى أنها تقتل المرأة المرتدة ألن كلمة "من" هنا تعم الذكر واألنثى وألنه أخرج ابن المنذر عن ابن‬
‫عباس راوي الحدیث أنه قال‪" :‬تقتل المرأة المرتدة"‪.‬‬
‫ولما أخرجه هو والدارقطني‪" :‬أن أبا بكر رضي هللا عنه قتل امرأة مرتدة في خالفته والصحابة متوافرون ولم‬
‫ینكر علیه أحد" وهو حدیث حسن ‪.‬‬
‫أخرج أیضا ً حدیثا ً مرفوعا ً في قتل المرأة ولكنه حدیث ضعیف ‪.‬‬
‫وقد وقع في حدیث معاذ حین بعثه النبي صلى هللا علیه وآله وسلم إلى الیمن أنه قال له‪" :‬أیما رجل ارت ّد عن‬
‫اإلسالم فادعه فإن عاد وإال فاضرب عنقه‪ ،‬وأیما امرأة ارتدت عن اإلسالم فادعها فإن عادت وإال فاضرب‬
‫عنقها" وإسناده حسن وهو نص في محل النزاع ‪.‬‬
‫سلّم النهي عن قتل النساء‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫وذهب الحنفیة إلى أنها ال تقتل المرأة إذا ارتدت قالوا‪ :‬ألنه قد ورد عنه َ‬
‫لما رأى امرأة مقتولة وقال‪ :‬ما كانت هذه لتقاتل‪ .‬رواه أحمد‪.‬‬
‫وأجاب الجمهور بأن النهي إنما هو عن قتل الكافرة األصلیة كما وقع في سیاق قصة النهي فیكون النهي‬
‫مخصوصا ً بما فهم من العلة وهو لما كانت ال تقاتل فالنهي عن قتلها إنما هو لتركها المقاتلة فكان ذلك في دین‬
‫الكفار األصلیین المتحزبین للقتال وبقي عموم قوله‪ :‬من بدل دینهسالما ً عن المعارض‪.‬‬
‫وأیدته األدلة التي سلفت‪ .‬واعلم أن ظاهر الحدیث إطالق التبدیل فیشمل من تنصر بعد أن كان یهودیا ً وغیر ذلك‬
‫من األدیان الكفریة وإلى هذا ذهبت الشافعیة ‪.‬‬
‫تقر بالجزیة أم ال إلطالق هذا اللفظ ‪.‬‬
‫وسواء كان من األدیان التي ّ‬
‫وخالفت الحنفیة في ذلك وقالوا‪ :‬لیس المراد إال تبدیل الكفر بعد اإلسالم‪ ،‬قالوا‪ :‬وإطالق الحدیث متروك اتفاقا ً في‬
‫حق الكافر إذا أسلم مع تناول اإلطالق له وبأن الكفر ملة واحدة فالمراد من بدل دین اإلسالم بدین آخر‪ ،‬فإنه قد‬
‫أخرج الطبراني من حدیث ابن عباس مرفوعاً‪" :‬منخالف دینه دین اإلسالم فاضربوا بعنقه" فصرح بدین اإلسالم‬
‫‪.‬‬
‫سلّم َوتَقَ ُع فِی ِه فَ َی ْن َهاهَا فَال تَ ْنتَهي‪،‬‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫صلّى هللا َ‬ ‫ع َمى كَانَتْ لَهُ أُم َولَ ٍد تَ ْشت ُ ُم النّبي َ‬ ‫ع ْنهُ أَ َّن أَ َ‬
‫ع ْنهُ رضي هللا تَ َعالَى َ‬ ‫َو َ‬
‫سلّم فَقَالَ‪" :‬أال‬ ‫صلّى هللا َ‬
‫علَ ْی ِه َو َ‬ ‫ي َ‬ ‫طنِ َها واتّكأ َ َ‬
‫علَ ْی َها فَقَتَلَ َها‪ ،‬فَبَلَ َغ ذلك النّب َّ‬ ‫فَلَ ّما كانَ لَ ْیلَ ٍة أَ َخذَ المِ ْع َو َل فَ َجعَلَهُ في بَ ْ‬
‫إن د َم َها َه َد ٌر" َر َواهُ أَبُو َد ُاو َد َو ُر َواتُهُ ثِقاتٌ ‪.‬‬‫ا ْش َهدُوا فَ َّ‬
‫ي صلى هللا علیه وآله وسلم وتقع فیه فینهاها‬ ‫أن أَ ْع َمى كانت له أ َّم ول ٍد تَ ْشت ُ ُم النب َّ‬ ‫(وعن ابن عباس رضي هللا عنهما َّ‬
‫فال تنتهي‪ ،‬فلما كان ذات لیلة أخذ المعول) بكسر المیم وعین مهملة وفتح الواو (فجعله في بطنها واتكأ علیه فقتلها‬
‫إن َد َم َها َه َد ٌر" رواه أبو داود ورواته ثقات)‬ ‫فبلغ ذلك النبي صلى هللا علیه وآله وسلم فقال‪" :‬أَ َال ا ْش َهدُوا فَ َّ‬
‫ص ّلى‬
‫الحدیث دلیل على أنه یقتل من سبَّ النبي صلى هللا علیه وآله وسلم ویهدر دمه فإن كان مسلما ً كان سبه له َ‬
‫سلّم ردّة فیقتل ‪.‬‬ ‫علَ ْی ِه َو َ‬
‫هللا َ‬
‫قال ابن ابطال‪ :‬من غیر استتابة ‪.‬‬
‫ونقل ابن المنذر عن األوزاعي واللیث أنه یستتاب‪ ،‬وإن كان من أهل العهد فإنه یقتل إال أن یسلم‪.‬‬
‫ونقل ابن المنذر عن اللیث واألوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق أنه یقتل أیضا ً من غیر استتابة‪.‬‬
‫وعن الحنفیة أنه َّ‬
‫یعزر المعاهد وال یقتل‪ ،‬واحتج الطحاوي بأنه صلى هللا علیه وآله وسلم لم یقتل الیهود الذین‬
‫قالوا‪ :‬السام علیك‪ .‬ولو كان هذا من مسلم لكان ردّة وألن ما هم علیه من الكفر أش ّد من السب ‪.‬‬
‫أقروا علیه‪ ،‬إال أن‬
‫قلت‪ :‬یؤیده أن كفرهم به صلى هللا علیه وآله وسلم معناه أنه كذاب وأي سبٌّ أفحش من هذا وقد ّ‬
‫یقال‪ :‬إن هذا النص في حدیث األمة یقاس علیه أهل الذمة‪.‬‬
‫وأما القول بأن دماءهم إنما حقنت بالعهد ولیس في العهد أنهم یسبون النبي صلى هللا علیه وآله وسلم فمن سبه‬
‫منهم انتقض عهده فیصیر كافرا ً بال عهد فیهدر دمه‪.‬‬
‫فقد یجاب عنه أن عهدهم تضمن إقرارهم على تكذیبهم له صلى هللا علیه وآله وسلم وهو أعظم سب‪ ،‬إال أن یقال‪:‬‬
‫یخص من بین غیره من السب وهللا اعلم‪.‬‬
‫تمت بالخیر‬
‫" سخی زاده "‬

You might also like