You are on page 1of 15

‫ قراءة في نماذج غربية وعربية‬:‫من السرد الرقمي إلى السرد التفاعلي‬

From numerical narratives to Interactive narratives: A Reading in


Western and Arab Models
‫ نماذج من األدب التفاعلي‬: ‫المحور الرابع‬
‫رياض بن يوسف‬.‫د‬
‫أستاذ محاضر أ‬
‫ الجزائر‬-‫ منتوري‬-1‫جامعة قسنطينة‬
‫قسم اآلداب واللغة العربية‬
riadhbenyoucef@yahoo.fr :‫البريد االلكتروني‬
:‫الملخص‬
‫ عالمة فارقة من عالمات‬-‫ بمختلف تجلياته في الفضاء الشبكي العالمي والعربي‬- ‫يمثل السرد الرقمي‬
‫ حيث تسلل إلى المسافة التقليدية "المقدسة" بين النص األدبي السردي والقارئ نمط جديد من‬، ‫عصرنا الراهن‬
‫ يتشعب إلى نصوص ضمنية‬،‫ ذو طابع شجري‬،‫ فالنص السردي في شكله الرقمي‬،‫التعامل مع شيفرة النص‬
‫ وهذه‬،‫ أو الغائبة‬/‫المضمرة‬
ُ ‫ التي تحيل على النصوص‬Liens‫ أو‬Links ‫داخل النص األصلي عبر الروابط‬
‫ بل أهم ما يميزه على اإلطالق أنه بات نصا تفاعليا‬،‫ أهم خصائصه‬-‫في تقديرنا‬- ‫الخصيصة ليست هي‬
‫ فالنص األدبي السردي التفاعلي يكتسب‬،‫خلخل المفهوم التقليدي للكاتب الفرد ُمحال محله المؤلف الجمعي‬
‫ وهؤالء المؤلفون هم في الوقت نفسه قراء ونقاد‬،‫هويته وماهيته من مشاركة عدد من المؤلفين في صياغته‬
.‫للعمل‬
‫ ومثيله‬،‫إن ما نسعى إليه في بحثنا هذا هو رصد بعض تجليات السرد الرقمي في الفضاء األدبي الغربي‬
،‫ وراهن‬،‫ بغية استخالص خصائص‬،‫ ومواكبة هذا الرصد بمالحظاتنا النقدية حول نماذج محددة‬،‫العربي‬
.‫وآفاق السرد الرقمي‬
‫ القارئ‬،‫ المؤلف‬،‫ الروابط‬،‫ التفاعلي‬،‫ السرد الرقمي‬:‫الكلمات المفتاحية‬
Abstract :
The numerical narratives - through its various manifestations in the global and Arab numerical
context - represents a distinctive sign of our current eraes, because it has infiltrated the
traditional “sacred” distance between the narrative literary text and the reader a new style of text
decoding , because the narrative text in its numerical form has a tree-like character, it refers to
implicit texts in the original text via links or links that refer to implicit / absent texts, and this
functionality is not - in our opinion - its most important characteristic, but rather the most
important characteristic of it is that it has become an interactive text which has dislocated the
traditional concept of the individual writer and replaced it with the collective author.interactive
narrative literary text acquires its identity and its essence from the participation of several
authors in its writing. These authors are both readers and critics of the work.
Our objective in this article is to analyze certain numerical works in the Western literary space,
and its Arab counterpart, and to accompany our analysis of our critical observations on specific

1
‫‪models, in order to extract the characteristics, the state current and the horizons of numerical‬‬
‫‪narratives.‬‬

‫‪Key words : numerical narratives, interactive, links, author, reader‬‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫شهد العقد األخير من القرن العشرين طفرة معلوماتية هائلة‪ ،‬من أبرز مالمحها شيوع استعمال‬
‫الحاسوب الشخصي أو المنزلي‪ ،‬واختراع شبكة األنترنت العالمية‪ .‬وتواصلت الثورة المعلوماتية‬
‫ليشيع ‪-‬بعد الحاسوب‪ -‬استعمال الهواتف الذكية واللوح االلكتروني‪ ،‬بداية من أواسط العقد‬
‫األول من القرن الواحد والعشرين‪.‬‬
‫هذه الثورة المعلوماتية غيرت الكثير من عادات اإلنسان المعاصر‪ ،‬فبدال من نمط التراسل‬
‫التقليدي حل التراسل عبر البريد االلكتروني‪ ،‬وبدال من كتابة البحوث والعروض بالورقة والقلم‬
‫أصبحت تكتب بواسطة تطبيقات الكترونية على الحاسوب أو حتى على اللوح االلكتروني مثل‬
‫برنامج الوورد‪ ،‬وبرنامج الباور بوينت وغيرها‪.‬‬
‫لكن أهم عاداتنا التي تغيرت مع تقدم الطفرة المعلوماتي ة هي عادة القراءة‪ :‬فلم يعد الكتاب‬
‫الورقي أو الصحيفة الورقية الخيار الوحيد أو األفضل‪ ،‬بل حل محلهما الكتاب االلكتروني‬
‫والصحيفة االلكترونية‪.‬‬
‫لقد تحول النص الورقي إلى نص رقمي‪ ،‬يتم تصفحه عبر شاشة الحاسوب أو اللوح االلكتروني‬
‫أو حتى الهاتف الذكي‪ ،‬ومن ضمن النصوص الرقمية يمثل النص السردي ‪ -‬بحبكته‬
‫التشويقية‪ -‬أبرز تجليات الطفرة الرقمية على مستوى األدب الرقمي عامة‪ ،‬والتفاعلي خاصة‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ومحددة‪ ،‬تنأى به قليال أو كثي ار عن‬ ‫وقد اكتسب هذا النص السردي الرقمي خصائص َّ‬
‫محددة‬
‫النص السردي التقليدي الذي ظل لقرون محتفظا بخصائصه التقليدية وأبرزها الخطية بدالالتها‬
‫المتشابكة‪ :‬الخطية الزمنية‪ ،‬خطية فعل القراءة‪ ،‬خطية التأليف‪ ،‬خطية الحبكة السردية‪ ،‬ومن تلك‬
‫الخصائص وحدة العمل بمعناها الشامل‪ ،‬وحدة المؤلف‪ ،‬وكذلك وحدة الزمان والمكان‪.‬‬
‫هذه الخصائص التي تختزل مقومات النص السردي قبل عصر األنترنت‪ ،‬تمت خلخلتها نسبيا‬
‫من خالل السرد الرقمي ‪ ،‬فانتفى مفهوم المؤلف الفرد‪ ،‬وتحديدا في السرد الرقمي التفاعلي‪ ،‬كما‬

‫‪2‬‬
‫انتفت خطية السرد من خالل خصيصة التشعب في السرد الرقمي حيث يمتلك القارئ حرية‬
‫التصفح والتنقل بين الروابط دون نسق قبلي محدد‪.‬‬
‫لكن السرد الرقمي ال يزال في بداياته‪ ،‬وهو مرتهن لكثير من اللبس والضبابية حول ماهيته‬
‫وجدواه‪ ،‬ولهذا يستدعي أسئلة جوهرية لفك بعض االلتباس وإضاءة مناطقه المعتمة بداية من‬
‫التسمية‪ :‬فما هو السرد الرقمي؟ وما هي أنواعه؟ وهل ثمة نماذج من السرد الرقمي تمنحه‬
‫شرعية الوجود بوصفه جنسا أدبيا وليدا؟‬
‫لإلجابة عن هذه األسئلة ال بد من مدخل مصطلحي شامل ودقيق‪ ،‬قبل استعراض نماذج السرد‬
‫الرقمي الجديرة بالوقوف عندها‪.‬‬
‫المدخل المصطلحي‪:‬‬
‫تتنوع تسميات النص الرقمي‪ hypertexte‬من باحث آلخر‪ ،‬فهناك من فضل كتابة المصطلح ‪-‬‬
‫دون ترجمة‪ -‬بالحرف العربي "الهايبرتكست" وهناك من اختار ترجمة المصطلح إلى مقابله‬
‫العربي المحتمل مثل‪ :‬النص الفائق‪ ،‬النص المترابط‪ ،‬النص المتشعب‪ ،‬النص الشبكي‪ ،‬النص‬
‫‪1‬‬
‫العنكبوتي‪ ،‬النص التشعبي‪ ،‬النص الكبير‪....‬الخ‪.‬‬
‫وبعيدا عن تغاير الترجمات ‪-‬وهي ظاهرة طبيعية في كل اللغات‪ -‬يتفق الباحثون على تعريف‬
‫النص الرقمي ‪-‬على اختالف تسمياته‪ -‬انطالقا من ِّ‬
‫محدداته التي تنأى به عن النص الورقي‪،‬‬
‫هو‪:‬‬ ‫‪Georges Landow‬‬ ‫فالفرق بين النص الورقي والنص الرقمي حسب "جورج الندو"‬
‫ويق أر بطريقة خطية متسلسلة‪ ،‬بينما يعتبر "الهايبرتكست"‬
‫"أن األول ذو شكل ثابت ومحدد‪ُ ،‬‬
‫شبكة مركبة من عدة نصوص‪ ،‬ليست ذات شكل محدد‪ ،‬ويمكن قراءتها بطريقة غير خطية‬
‫وغير متسلسلة‪ ،‬كذلك فإن النص التقليدي يعرض أمام القارئ على الورق سواء كان ذلك في‬
‫‪2‬‬
‫كتاب أو مجلة‪ ،‬بينما يعرض "الهايبرتكست" أمام القارئ من خالل شاشة الكومبيوتر فقط"‬
‫وربما بدا كالم "جورج الندو" هنا بحاجة إلى تحيين‪ ،‬فلم يعد الكومبيوتر "الحاسوب" هو الوسيط‬
‫االلكتروني الوحيد فقد شاركه‪ ،‬بل تفوق عليه‪ ،‬كل من اللوح االلكتروني والهاتف الذكي‪.‬‬
‫وفي السياق نفسه تعرف "ف اطمة البريكي" جنسا محددا من األدب الرقمي هو الرواية التفاعلية‬
‫كما سمتها فتقول في تعريفها بأنها‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظر ‪ :‬قالم جمال‪ ،‬النص األدبي المترابط‪ :،‬نص جديد لعصر جديد‪ ،‬مجلة معارف‪ ،‬السنة ‪ 7‬العدد ‪ ، 31‬ديسمبر ‪ ،2132‬ص‪.331‬‬
‫‪ 2‬إيمان يونس‪ ،‬مفهوم المصطلح "هايبرتكست" في النقد األدبي الرقمي المعاصر‪ ،‬نقال عن ‪ ،‬أحمد زهير رحاحلة‪ ،‬جدل اللغة في النصوص اإلبداعية‬
‫الرقمية‪ ،‬مجلة دراسات‪ ،‬عمان‪ ،‬مجلد‪ ،64‬عدد ‪ ،2132 ،1‬ص ‪.811‬‬

‫‪3‬‬
‫"نمط من الفن الروائي يقوم فيه المؤلف بتوظيف الخصائص التي تتيحها تقنية "النص المتفرع"‬
‫والتي تسمح بالربط بين النصوص سواء أكانت نصا كتابيا‪ ،‬أم صو ار ثابتة أم متحركة‪ ،‬أم‬
‫أصواتا حية أو موسيقية‪ ،‬أم أشكاال غرافيكية متحركة‪ ،‬أم خرائط‪ ،‬أم رسوما توضيحية‪ ،‬أم‬
‫جداول‪ ،‬أم غير ذلك‪ ،‬باستخدام وصالت تكون دائما باللون األزرق‪ ،‬وتقود إلى ما يمكن اعتباره‬
‫هوامش على متن‪ ،‬أو إلى ما يرتبط بالموضوع نفسه ‪ ،‬أو ما يمكن أن يقدم إضاءة أو إضافة‬
‫‪3‬‬
‫لفهم النص باالعتماد على تلك الوصالت"‪.‬‬
‫رغم تحفظنا على بعض ما ورد في التعريف‪ ،‬مثل خلط الباحثة بين النص الكتابي ‪-‬وهو‬
‫األصل ونقطة البداية‪ -‬وغيره من الوصالت التشعبية‪ ،‬ومثل زعمها أن الوصالت تكون دائما‬
‫باللون األزرق بينما هي في الواقع قد ترد بألوان أخرى كاألحمر أو الرمادي‪ ،‬وكذلك توصيفها‬
‫المحال إليه بـ"الهامش على المتن" بينما التوصيف األدق له أنه نص ُمضمر‪ ،‬إال أننا‬
‫للنص ُ‬
‫نالحظ شمول تعريفها لمكونات السرد الرقمي وهي‪ :‬النص الكتابي األصلي‪ ،‬وروابط النصوص‬
‫األخرى المضمرة التي قد تكون صو ار أو أشكاال غرافيكية متحركة أو مقاطع فيديو أو خرائط‬
‫‪...‬الخ‪ .‬مع ضرورة اإلشارة إلى أن بعض هذه المكونات‪ ،‬وال سيما الصور ومقاطع الفيديو‬
‫والخرائط‪ ،‬قد تكون مجرد ملحقات بالنص السردي وليست روابط يمكن النقر عليها‪.‬‬
‫أن مصطلح السرد التفاعلي يشمل عددا مهما من‬ ‫‪Serge Boucahrdon‬‬ ‫ويرى "سارج بوشاردون"‬
‫الميادين والممارسات‪ ،‬وهي ألعاب الفيديو‪ ،‬وبرامج األلعاب التربوية‪ ،‬والسينما التفاعلية‪ ،‬وورشات‬
‫‪4‬‬
‫الكتابة على الخط ‪ ،En ligne‬والنصوص األدبية التشعبية‪.‬‬
‫وينقسم السرد الرقمي حسبه إلى عدة أنواع هي‪:‬‬
‫‪.Liens‬‬ ‫‪ -1‬السرد التشعبي‪ :‬وهو يقترح قراءة غير خطية لمقاطع تجمع بينها الروابط‬

‫‪ -2‬السرد الحركي‪ :‬وهو الذي يستغل البعدين الزمني والسمعي البصري (الملتيميديا) ً‬
‫معا‪.‬‬
‫‪ -3‬السرد الخوارزمي‪ :‬ويعني األعمال التركيبية والتوليدية‪ ،‬فالعمل نفسه يختلف باختالف‬
‫القراء‪ ،‬فال يمكن في مثل هذا السرد أن يقع قارئان مختلفان على النص نفسه‪.‬‬
‫الع َّدة التي تسمح للمتصلين بشبكة األنترنت بالمساهمة في‬
‫‪ -4‬السرد الجماعي‪ :‬ويعني ُ‬
‫‪5‬‬
‫كتابة العمل السردي‪.‬‬
‫فاطمة البريكي‪ ،‬مدخل إلى األدب التفاعلي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،2114 ،3‬ص‪.332‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Serge Bouchardon. Le récit littéraire interactif : une valeur heuristique. In: Communication et langages, n°155,‬‬
‫‪2008 P 82.‬‬
‫‪5‬‬
‫(بإيجاز وتصرف) ‪Ibid, p 83‬‬

‫‪4‬‬
‫ومن أبرز ما يميز السرد الرقمي عن غيره ظاهرة الوصلة أو الرابط ‪ ،Le lien‬بل يمكننا أن‬
‫نقول أن الوصلة التشعبية هي ما يمنح السرد الرقمي هويته‪ ،‬وليست الروابط ذات طبيعة واحدة‬
‫بل هي متنوعة تستدعي نوعا من ِّ‬
‫الصنافة "الطوبولوجيا"‪ ،‬ويمكننا هنا أن نستأنس بما تقترحه‬
‫‪Liens-incise‬‬ ‫من تصنيف ألنواع الروابط المعترضة‬ ‫‪Alexandra Saemmer‬‬ ‫"ألكساند ار سايمر"‬
‫‪:Liens- Bifurcation‬‬ ‫والروابط الثنائية‬
‫فالروابط المعترضة تنقسم إلى‪:‬‬
‫الرابط الوسيط ‪ : Lien catalyse‬وهو يستدعي فقرة تمأل الفراغ بين مقولين سرديين قاعديين‪.‬‬
‫الرابط اإلخباري ‪ :Lien-informant‬وهو يستدعي فقرة تمنح مكانا وزمانا للحبكة‪.‬‬
‫‪ :‬وهو يستدعي فقرة تتضمن نشاطا تفسيريا‪ ،‬نشاطا إلعادة بناء‬ ‫‪Lien-indice‬‬ ‫الرابط اإلشاري‬
‫األحداث‪.‬‬
‫أما الروابط الثنائية فتنقسم إلى‪:‬‬
‫الرابط االستباقي ‪ : Lien-propelse‬وهو يستدعي فقرة تتناول حدثا مستقبليا‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫الرابط االسترجاعي ‪ : Lien-analepse‬وهو عكس السابق‪.‬‬
‫الرابط المتسلسل زمنيا ‪ : Lien-chronologique‬ويستدعي فقرة الحقة للفقرة السابقة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫الرابط الموازي ‪ : Lien parallèle‬ويستدعي فقرة تتناول فعال (أو حدثا) موازيا‪.‬‬
‫يمكننا القول أن تصنيف أنواع السرد الرقمي وروابطه محطة أولى فقط تفتقر إلى محطة تالية‬
‫ومحورية هي تحديد الفروق بين نمطين متداخلين في كثير من الدراسات وهما السرد الرقمي‬
‫والسرد التفاعلي‪ .‬فما هي الفروق بينهما؟‬
‫الحظنا أن بعض الباحثين يخلطون خلطا واضحا بين النمطين‪ ،‬مثل "فاطمة البريكي" التي‬
‫ال تفرق بين السرد الرقمي بمعناه المطلق والرواية التفاعلية حيث تكتفي في تعريف الرواية‬
‫التفاعلية بإحصاء الخصائص المشتركة بينها وبين السرد الرقمي وهي النص الكتابي‪ ،‬والصور‬
‫الثابتة أو المتحركة‪ ،‬واألصوات الحية أو الموسيقية‪ ،‬واألشكال الغرافيكية المتحركة‪ ،‬والخرائط‪،‬‬

‫‪ 6‬تخلط الكاتبة هنا بشكل واضح بين النمطين االسترجاعي واالستباقي فتجعلهما معا استباقيين حيث تعرف الرابط االسترجاعي "‪ "Analepse‬بالقول‪:‬‬
‫‪ Appelle un fragment qui évoque un évènement à venir‬وهي بهذا تبتعد عن تعريف المؤسس جيرار جينيت ‪Gérard Genette‬‬
‫لالسترجاع حيث يعرفه بالقول‪:‬‬
‫‪……. Et par analepse toute évocation après coup d'un événement antérieur au point de l'histoire où l'on se trouve.‬‬
‫‪G.Genette. figure III .Sueil.1972.p82‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Alexandra Saemmer, Structures temporelles et logiques du récit hypertextuel.Rilune ,Revue des littératures de‬‬
‫وقد اضطررنا إلى بعض التعديالت الهينة لصياغة الفكرة بشكل تتقبله اللغة العربية‪l'Union Européenne. N. 5 - Juillet 2006,p 70-71.‬‬

‫‪5‬‬
‫والرسوم التوضيحية‪ ،‬و الجداول‪ ،‬التي تحيل عليها الوصالت (أي الروابط)‪ 8.‬وهذا رغم أنها‬
‫تشير في الفصل األول إلى تفريق بعض الباحثين بين نسقين من النص المتفرع (أي الرقمي)‬
‫وهما النسق السلبي أي النص الذي يصممه الخبراء لتقديم مادة مضمونية محددة ‪...‬ويكون‬
‫مغلقا في وجه أية تعديالت على يد المتلقي‪ ،‬والنسق اإليجابي الذي يتيح للمستخدمين أن‬
‫يعدلوا‪ ،‬أو يحذفوا زم ار نصية وأن يعدلوا كذلك الوصالت بين هذه الزمر النصية وهذا النسق‬
‫‪9‬‬
‫يمكن أن ينقل عملية تأليف النصوص نقلة نوعية من التأليف الفردي إلى التأليف الجماعي‪.‬‬
‫لكن باحثين آخرين أحسنوا اقتناص خصائص السرد التفاعلي التي تنأى به عن بقية أنواع‬
‫السرد الرقمي‪ ،‬مثل "إبراهيم الشتوي" الذي يرى أن تعريف النص التفاعلي يقوم "على أن ما‬
‫ينشر في وسائل التواصل االجتماعي يختلف عن سواه من النصوص‪.....‬ففي المنتديات كما‬
‫هو في الفايسبوك أو في تويتر نجد وحدة يبتدئها الكاتب ثم تنداح عليها المشاركات والتعليقات‪،‬‬
‫وغالبا تكون هذه التعليقات متصلة بالمادة األولى‪ ،‬أو تكون بوحي منها‪.....‬وبناء على هذه‬
‫الصلة الوثيقة بين "النص األصلي" والتعليقات الالحقة‪ ،‬يصبح "النص التفاعلي" هو جماع هذه‬
‫‪10‬‬
‫التعليقات‪ ،‬والمداخالت مع النص األصلي الذي استدعاها"‪.‬‬
‫السرد التفاعلي عبر هذا التحديد الدقيق لتخومه يبقى نوعا من السرد الرقمي لكنه سرد مغاير‬
‫ٍ‬
‫عار من أهم الخصائص التقليدية للنص الرقمي التشعبي فهو ال يقوم على الروابط التشعبية‬
‫والمؤثرات البصرية‪ ،‬بل يقوم على المشاركة التفاعلية للقراء من خالل الميزات التي تتيحها‬
‫مواقع التواصل "وال سيما الفايسبوك" من تعليق وإعجاب وتعديل على النص من طرف صاحبه‬
‫أو صاحب المجموعة‪.‬‬
‫يمكننا بناء على ما سبق أن نقول أن ثمة نوعان من السرد الرقمي‪ :‬سرد رقمي كالسيكي‬
‫يقوم على خصيصة التفرع الشجري أو الوصالت التشعبية والمؤثرات البصرية والغرافيكية‬
‫والصوتية وغيرها‪ ،‬وسرد رقمي حديث ال يقوم على هذه المؤثرات بقدر ما يقوم على خصيصة‬
‫التفاعل بين الكاتب صاحب النص األصلي أو الفكرة األصلية والقراء الذي يساهمون في كتابة‬
‫القصة معه‪.‬‬

‫‪ 8‬فاطمة البريكي‪ ،‬مدخل إلى األدب التفاعلي‪ ،‬ص ‪( 332‬سبق ذكر المرجع والشاهد)‪ ،‬وهو التعريف الذي تكرره الباحثة حرفيا في الصفحة ‪.324‬‬
‫‪ 9‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21-22‬‬
‫‪ 10‬إبراهيم الشتوي‪ ،‬النص التفاعلي‪ -‬مقاربة تأسيسية‪ ،‬دورية خطابات‪ ،‬العدد‪ 3‬ربيع ‪ ،2121‬ص‪.326‬‬

‫‪6‬‬
‫على ضوء هذا المهاد النظري الذي كان ضروريا‪ ،‬سنسعى إلى مقاربة بعض نماذج السرد‬
‫الرقمي الغربية والعربية‪.‬‬
‫أ‪ -‬نماذج من السرد الرقمي عند الغرب‪:‬‬
‫يعتقد بعض الباحثين الغربيين أن السرد الالخطي ‪ -‬وهو ما يميز السرد الرقمي عن السرد‬
‫‪Serge‬‬ ‫الكالسيكي‪ -‬تعود جذوره إلى ما قبل عصر الحاسوب واألنترنت‪ ،‬مثل سارج بوشاردون‬
‫‪Tristam‬‬ ‫الذي يالحظ الالخطية في عدة أعمال سابقة منها رواية "تريستام شنداي"‬ ‫‪Bouchardon‬‬

‫سنة ‪ 1671‬والتي يدعو الكاتب فيها قراءه‬ ‫‪Laurence Sterne‬‬ ‫التي ألفها "لورنس ستيرن"‬ ‫‪Shandy‬‬

‫إلى تجاوز أحد فصولها إن لم يكونوا مهتمين بالتعمق في التفاصيل‪ .‬ومنها قصة "حكاية على‬
‫الصادرة سنة ‪ 1676‬وهي‬ ‫‪Raymond Queneau‬‬ ‫طريقتك "‪ Un conte a votre façon‬ل"ريمون كونو"‬
‫مبنية على ‪ 21‬مقطعا مرقما‪ ،‬ومع نهاية كل مقطع يجد القارئ نفسه مدعوا إلى أحد خيارين‬
‫اثنين الستئناف قراءته‪ ،‬ومن أحدث األعمال التي يشير إليها الكاتب رواية "حريق لندن الكبير"‬
‫‪11‬‬
‫الصادرة سنة ‪.1696‬‬ ‫‪Jacques Roubaud‬‬ ‫ل"جاك روبو"‬ ‫‪Le grand incendie de Londres‬‬

‫ل"مايكل‬ ‫‪Afternoon, a story‬‬‫فيؤرُخ له عادة بظهور رواية "بعد الظهر‪ ،‬قصة"‬


‫أما السرد الرقمي َّ‬
‫‪Story space‬‬ ‫جويس" ‪ Michael Joyce‬سنة ‪ 1696‬وهو عمل أنجز بواسطة برنامج ستوري سبايس‬
‫‪Eastgate‬‬ ‫ووزع على شكل أقراص مرنة‪ ،‬ثم أقراص صلبة بواسطة شركة إيست غايت سيستمز‬
‫‪12‬‬
‫‪.Systems‬‬
‫ولكن رواية مايكل جويس كانت غامضة فالقارئ "لم يكن له ‪-‬تقريبا‪ -‬أي تحكم في مسار‬
‫القراءة ‪ ،‬ولم يتعلق األمر فقط بجهله أية جزئية من الرواية هي تحت بصره‪ ،‬ولكنه كان عاج از‬
‫تماما عن إعادة قراءة فقرة سبق له أن قرأها في جلسة سابقة‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك فإن بعض‬
‫الفقرات ل م تكن متاحة له إال بعد أن يزور سلسلة نصية محددة‪ .‬هذه الميزات كانت مقصودة من‬
‫‪13‬‬
‫طرف الكاتب وليست متعلقة بجهاز الحاسوب"‪.‬‬
‫واجهة ‪ . Afternoon story‬الرابط‪http://nt2.uqam.ca/fr/repertoire/afternoon-story:‬‬

‫‪11‬‬
‫‪Serge Bouchardon, Du récit hypertextuel au récit interactif, Revue de la BNF, 2012/3 n° 42, p13.‬‬
‫‪12‬‬
‫والجدير بالذكر هنا أن فاطمة البريكي تذكر أن سنة صدور الرواية هي ‪ ،3214‬ينظر فاطمة البريكي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،338‬وقد ‪Ibid, p13.‬‬
‫تابعها بعض الباحثين العرب الذين نقلوا عنها في هذا الخطأ‪ ،‬والواقع أن الرواية تم تأليفها سنة ‪. 3217‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Christian Vandendorpe, Du papyrus à l’hypertexte, Boréal (Montréal), La Découverte (Paris),1999, P131-132.‬‬

‫‪7‬‬
‫الذي ربما‬ ‫‪Twelve blue‬‬ ‫تجنب مايكل جويس عيوب قصته األولى في عمله السردي الثاني‬
‫صحت ترجمته ب ‪ :‬اثنتا عشرة قصة زرقاء‪ ،‬وقد صدر هذا العمل السردي بعد روايته األولى‬
‫‪14‬‬
‫بسنوات وتميز ب" تقدم شديد الوضوح نحو مزيد من الشفافية"‪.‬‬
‫في هذه الرواية الصادرة سنة ‪ 1667‬يمكننا قراءة قصص العديد من الشخصيات التي تربط‬
‫بينها أواصر الزواج أو القرابة العائلية وقد اتسمت حياة أغلب أفرادها بتجربة الفقد والحداد‪،‬‬
‫ويرتبط الفقد دائما بالغرق‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬نق أر حكاية شابة تفقد عشيقها‪ ،‬وطفل يفقد والدته‪،‬‬
‫ورجل يفقد زوجته‪...‬الخ‪ .‬ويستطيع القارئ تصفح القصص في العمل باتباع الروابط التشعبية‬
‫المضمنة في النص‪ ،‬أو بالنقر فوق الصور‪ ،‬أو بالنقر فوق المستطيل الموجود على يسار‬
‫‪15‬‬
‫الشاشة ‪ ....‬وكل هذا يسمح بقراءة أكثر تنظيماً للعمل‪.‬‬
‫واجهة ‪ Twelve Blue‬من موقع ‪ eastgate‬الرابط ‪:‬‬
‫‪http://www.eastgate.com/TwelveBlue/Twelve_Blue.html‬‬

‫‪14‬‬
‫‪Ibid, p132.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪JOËLLE GAUTHIER, Twelve Blue, in ALN NT2 Le Laboratoire de recherche sur les œuvres hyper médiatiques.‬‬
‫‪http://nt2.uqam.ca/fr/repertoire/twelve-blue-0 consulté le 02/03/ consulté le 05/03/2021‬‬

‫‪8‬‬
‫"رحلة"‪،‬‬ ‫نحوا منحى مايكل جويس‪" ،‬ماثيو ميلر" ‪ ،Matthew Miller‬في قصته‬
‫‪Trip‬‬
‫ومن الذين ْ‬
‫حيث بنى عملية التصفح في قصته على خريطة الواليات المتحدة األمريكية ‪ ،‬إذ يمكن للقارئ‬
‫‪16‬‬
‫أن ينقر فوق إحدى الواليات على الخريطة ليكتشف ويتابع خيط السرد‪.‬‬
‫واجهة ‪ TRIP‬نقال عن‪ Christian Vandendorpe, Du papyrus à l’hypertexte :‬الصفحة ‪.311‬‬

‫أما في الفضاء الفرنكفوني فلم تظهر القصة الرقمية إال سنة ‪ 1667‬حيث ظهرت في هذه‬
‫"عشرون بالمائة من الحب اإلضافي" ل "فرانسوا كولون"‬ ‫‪20% d’amour en plus‬‬ ‫السنة قصة‬
‫وتم توزيع القصتين‬ ‫‪Frank Dufour‬‬ ‫"زمن رديء" ل"فرانك دوفور"‬ ‫‪Sale temps‬‬ ‫و‬ ‫‪François Coulon‬‬
‫‪17‬‬
‫على قرص مضغوط‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪Christian Vandendorpe, Du papyrus à l’hypertexte, op cit, p132.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪Serge Bouchardon, Du récit hypertextuel au récit interactif, p14.‬‬

‫‪9‬‬
‫"تجليات مقلقة" للبلجيكية "آن‬ ‫‪Apparences inquiétantes‬‬ ‫ثم تتالت األعمال المشابهة ومن أبرزها‬
‫"ال‪ -‬رواية" ل"لوسي دو‬ ‫‪Non-Roman‬‬ ‫و‬ ‫‪Anne-Cécile Branenbourger‬‬ ‫سيسيل براندربورغر"‬
‫‪Lucie de Boutiny18‬‬ ‫بوتيني"‬
‫‪Cécile Brandenbourger‬‬ ‫للكاتبة‬ ‫‪Apparitions inquiétantes‬‬ ‫حين نتصفح قصة "تجليات مقلقة"‬
‫نالحظ أنها قصة رقمية تشعبية‪ ،‬يظهر فيها العنوان بالتدرج‪ ،‬أي بتقنية الرقن التلقائي‪ ،‬ويختفي‬
‫ليعاود الظهور بالتقنية نفسها مما يلفت انتباه المتلقي للعنوان‪.‬‬
‫‪(Le‬‬ ‫وتمنحنا صفحة القصة أربعة خيارات‪ :‬أ‪ -‬البداية من أول القصة‪ ،‬ب‪ -‬التحول األخير‬
‫لمعرفة آخر تطورات القصة ج‪ -‬من مفاجأة إلى أخرى (للتصفح العشوائي‬ ‫)‪dernier Avatar‬‬

‫للقصة) د‪ -‬التحليق السريع فوق الوقائع (لقراءة لمحة صغيرة عن األحداث)‪.‬‬


‫سيظهر لنا مشهد‬ ‫‪commencer par le début‬‬ ‫إذا اخترنا النقر على زر البداية من أول القصة‬
‫سردي تبدو فيه هيلين‪ ،‬خليلة الدكتور ماربيال‪ ،‬المتمدد على كرسي المسبح الطويل‪ ،‬وهي‬
‫تتمدد بجانبه على كرسيها‪ ،‬وحين تدرك أنه قد أنهى للتو كأس الويسكي الخاص به‪ ،‬تقترح عليه‬
‫كأسا آخر‪ ،‬لكنه ال يجيب‪ ،‬وحين تكرر بصوتها العالي المبحوح اقتراحها دون أن تسمع الجواب‬
‫تدرك الحقيقة اآلتية‪ :‬إنه ميت‪ ،‬هناك من قتله ‪.‬‬
‫لكن نص القصة نفسه يتضمن عبارات تمثل روابط تشعبية تحيل إلى صفحات أخرى ضرورية‬
‫‪grâce à elle‬‬ ‫لفهم القصة وهي‪ُ :‬مشاهد متلصص ‪ Un Voyeur‬تتبضع ‪ Faire des courses‬بفضلها‬
‫هناك من قتله‪Quelqu'un l'avait tué‬‬

‫العاشر‪.dixième avatar‬‬ ‫أما زر التحول األخير فيحيلنا على صفحة تتحدث عن التحول‬
‫وهي غنية بالعبارات‪/‬الروابط التي تحيل على صفحات عديدة ال يمكن فهمها دون أن يكون‬
‫القارئ قد فتح جميع روابط صفحة البداية‪ ،‬لكن القارئ ليس ملزما بمراعاة نسق أو ترتيب معين‬
‫في اختيار الروابط ‪.‬‬
‫والذي الحظناه أن الخيار الثالث "من مفاجأة ألخرى" ‪ De surprise en surprise‬ملغى ألن النقر‬
‫على الرابط المرفق يحيل دائما على صفحة تعلن عن خطأ في خادم الويب‪ .‬وال نملك أن نعرف‬
‫جلية األمر‪ ،‬فهل اإلحالة على صفحة الخطأ متعمدة من طرف الكاتبة أو مصمم الصفحة ‪-‬‬
‫لكون كل الروابط األخرى فعالة‪ -‬أم أن األمر يتعلق بمجرد خطأ تقني؟ ربما كان األرجح أن‬

‫‪18‬‬
‫‪Ibid.‬‬

‫‪10‬‬
‫الخطأ متعمد من الكاتبة‪ ،‬ألن كل الروابط األخرى فعالة‪ ،‬وألن المفاجآت المفترضة مبثوثة في‬
‫بقية الروابط‪.‬‬
‫أما الخيار الرابع فيحيلنا على صفحة مثقلة بالعبارات‪/‬الروابط التي من شأنها أن تضع القارئ‬
‫في جو القصة من خالل معرفة أبرز شخصياتها وأحداثها‪.‬‬

‫واجهة ‪ Apparitions inquiétantes‬الرابط‪:‬‬


‫‪http://www.anacoluthe.be/bulles/apparitions/jump.html‬‬

‫التي‬ ‫‪Ana Pano Alamán‬‬ ‫لقد حظيت هذه القصة باهتمام عدد من النقاد منهم"آنا بانو أالمان"‬
‫تقدم دراسة وصفية للروابط في هذه القصة تخلص منها إلى نتائج تعميمية يمكن تلخيصها في‬
‫قولها أن كل ما يتعلق بالسرد الرقمي " ُيْلعب في فضاء الروابط‪ ،‬فالقارئ يتموقع في حركة‬
‫مزدوجة النفتاح وانغالق المعنى‪ ،‬وهي حركة في سياق النص التشعبي‪ ،‬ليست عقلية فقط بل‬
‫‪19‬‬
‫مادية أيضا"‪.‬‬
‫لكن حصر السرد الرقمي في خصيصة واحدة وبعد يتيم هو الروابط المتشعبة من شأنه اختزال‬
‫أبعاده السخية‪ ،‬التي يمثل البعد التفاعلي أهمها في تقديرنا‪ .‬فالسرد الرقمي التشعبي هو نوع‬
‫مغاير للسرد الرقمي التفاعلي‪ ،‬واألول منهما‪ ،‬أي التشعبي‪ ،‬كما نالحظ‪ ،‬آخذ في الت ارجع‬
‫واالنكماش لصالح النوع الثاني‪ ،‬أي التفاعلي‪ ،‬الذي ما زال في طور النشأة واالنتشار‪.‬‬

‫نماذج من السرد الرقمي عند العرب‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫‪19‬‬
‫‪Ana Pano Alamán, Le lien dans l’hypertexte de fiction: ouverture et clôture dans un récit multiple,‬‬
‫‪http://lexicometrica.univ-paris3.fr/article/numero5/lexicometrica-pano.pdf P18 consulté le 07/03/2021‬‬

‫‪11‬‬
‫يجمع الباحثون على أن أول رواية رقمية عربية هي "ظالل الواحد" للكاتب األردني محمد‬
‫سناجلة‪20.‬وقد تبعتها روايات أخرى متاحة للتحميل على موقع الكاتب‪ ،‬منها‪ :‬ظالل العاشق‪،‬‬
‫‪21‬‬
‫وشات‪ ،‬وصقيع‪.‬‬
‫ومن القصص التفاعلية المبكرة في األدب الرقمي العربي‪ ،‬قصة "ربع مخيفة" ألحمد خالد‬
‫‪22‬‬
‫توفيق‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫ومن نماذج السرد التفاعلي في األدب الجزائري رواية" الزنزانة رقم ‪ "17‬للكاتب حمزة قريرة‪.‬‬
‫وقد الحظنا سمات مشتركة في هذه القصص جميعا وهي اعتمادها في المقام األول على‬
‫الروابط التشعبية‪ ،‬أيا كان ما تحيل عليه هذه الروابط‪ :‬كالصور‪ ،‬ومقاطع الفيديو‪ ،‬والنصوص‬
‫الشارحة‪ ،‬كما أنها جميعا تعتمد على نص سردي‪ -‬نواة ال يمكن تجاوزه في عملية القراءة‪.‬‬
‫ونظ ار للتشابه الشديد بين هذه التجارب فسنكتفي بالوقوف عند عينة واحدة‪ ،‬وهي رواية "ظالل‬
‫وهي رواية متاحة للتحميل من موقع الكاتب‬ ‫‪24‬‬
‫العاشق (التاريخ السري لكموش) لمحمد سناجلة‪.‬‬
‫على هيئة ملف مضغوط ويتم فتحها من خالل الضغط على ملف تنفيذي باسم "‪،" novel.exe‬‬
‫وبعد الضغط على الملف تظهر واجهة رسومية متحركة لعملية غزو مدينة محصنة‪ ،‬ثم يظهر‬
‫العنوان على طريقة الجينيريك متضمنا معلومات تتعلق بالمؤلف والمؤسسة المنتجة‪ ،‬ثم يظهر‬
‫نص‪ -‬مقدمة بخلفية خرائطية يمثل مدخال شارحا لزمن ومكان وأبطال وأحداث القصة‪ .‬قبل أن‬
‫يظهر نص طويل نسبيا يمثل النص‪ -‬النواة‪.‬‬
‫وهذه نماذج مصورة من الصفحات المشار إليها‪:‬‬

‫‪ 20‬ينظر‪ :‬فاطمة البريكي‪ ،‬مدخل إلى األدب التفاعلي‪ ،‬سبق ذكره‪ ،‬ص‪ ،.221‬زهير رحاحلة‪ ،‬جدل اللغة في النصوص اإلبداعية الرقمية‪ ،‬سبق ذكره‬
‫ص ‪ ،817‬زهور كرام‪ ،‬األدب الرقمي‪ ،‬ط‪ ،3‬دار رؤية‪ ،‬القاهرة‪ ،2112 ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ 21‬تنظر الصفحة التالية في موقع الكاتب‪http://sanajleh-shades.com/other-accounts-of-the-author :‬‬

‫‪ 22‬رابط القصة‪https://www.angelfire.com/sk3/mystory/interactive.htm :‬‬

‫‪ 23‬رابط االطالع على الرواية‪https://www.litartint.com/2018/11/blog-post_5.html :‬‬

‫‪ 24‬رابط التحميل المباشر لملف الرواية‪:‬‬


‫‪https://drive.google.com/file/d/0B52tMZcswddxbzNOTDJ5bUJrZGc/view?usp=sharing‬‬

‫‪12‬‬
‫الشكل‪ :2‬واجهة رسومية تمثل غزو المدينة‬ ‫الشكل ‪ : 1‬واجهة العنونة‬

‫الشكل ‪ :4‬اإلشارة إلى أن العمل تأليف وإخراج في الوقت نفسه‬ ‫الشكل ‪ :3‬واجهة تجنيسية " تحدد نوع العمل"‪.‬‬

‫الشكل ‪ :7‬النص‪ -‬النواة‬ ‫الشكل ‪ :5‬النص‪ -‬المقدمة الذي يضعنا في جو القصة‪.‬‬

‫يمثل النص‪ -‬النواة كل أحداث القصة التي تبدأ بغزو بني إسرائيل واألدوميين لمملكة " ميشع‬
‫بن كموشيت" وحصارهم لعاصمة ملكه "ديبون" ومقاومة المدينة للحصار حتى ظهور المجاعة‬
‫فيها‪ ،‬وتتوالى األحداث حتى يقترح الكاهن على الملك إرضاء الرب كموش بتقديم ابنه قربانا‬
‫وحين يهم الملك بذبح ابنه يتدخل الرب ليفديه بكبش عظيم يأمره بذبحه ونثر دمه على األعداء‬
‫فينهزمون‪ ،‬ثم يتحول المغزو إلى غاز فيهاجم االبن مملكة اسرائيل ويحاصر أور سليم ولكن‬
‫الرومان يوقفون الحصار فينصرف االبن إلى مناصرة أحد حلفائهم بعد استنجاده به‪ ،‬وبعد‬
‫دخانا على شكل غيمة عظيمة أخذ يقترب من‬
‫ً‬ ‫انتصاره‪ ،‬يقصد مصر لمواصلة غزوه‪ ،‬ولكن‬
‫الجيش‪ ،‬ويصيح الكاهن‪ :‬إنها الساعة "يوم القيامة"‪ ،‬ثم هبت ريح رفعت الكل إلى السماء ومنهم‬
‫ابن الملك‪ .‬وتنتهي القصة بهذه الجملة الرابط‪ -‬وفجأة جاء الصوت‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫خارج هذا النص النواة‪ ،‬لن يجد القارئ ما يشبع فضوله‪ ،‬ورغم أن المؤثرات السمعية والبصرية‬
‫موجودة‪ ،‬إال أنها متواضعة جماليا‪ ،‬كالمشهد الذي تحيل عليه الجملة‪-‬الرابط "سرت على رأس‬
‫الجيش" ‪:‬‬

‫فهو مشهد رسومي ساذج ورتيب‪ .‬إن الروابط المقحمة ال تشكل لبنة حقيقية في البناء السردي‬
‫للقصة‪ ،‬إذ يمكن االستغناء عنها تماما‪ ،‬وبعضها مقحم في القصة خارج سياق الحبكة والتسلسل‬
‫المنطقي لألحداث مثل مشهد إحراق الطيار األردني معاذ الكساسبة من طرف داعش إذ ال‬
‫عالقة له ب السياق السردي‪ ،‬فالقصة تتحدث عن إحراق ابن الملك لقائد جيش العدو‪ ،‬فما عالقة‬
‫هذا بمشهد إعدام الكساسبة من طرف داعش؟‬

‫وإذا تأملنا بنية العمل فأول مالحظة أنه نص هجين يقوم على االقتباس المتعدد من القصص‬
‫القرآني والتوراتي والتاريخ األردني المحلي "الحروب القبلية في األردن" ولغته السردية متوسطة‪،‬‬
‫أما الحبكة فمرتبكة وتفتقر إلى التماسك المنطقي‪ ،‬ون أمثلة ذلك"غضب " الرب كموش دون‬
‫سبب في نهاية القصة‪ ،‬وإعالن يوم القيامة‪.‬‬

‫بعيدا عن األبعاد الفنية والجمالية في القصة‪ ،‬يمكننا تقديم المالحظات اآلتية بإيجاز يفرضه‬
‫الحيز المتاح للتحليل‪:‬‬

‫‪ -‬الرابط التشعبي ال يبرر الحديث عن نوع أدبي جديد كما بشر به الكاتب في كتابه عن‬
‫فالرابط الرقمي هو في نهاية‬ ‫‪25‬‬
‫الرواية الرقمية‪ ،‬حيث يقول أنه جاء "ببدعة جديدة"‪،‬‬

‫‪ 25‬محمد سناجلة‪ ،‬رواية الواقعية الرقمية‪( ،‬نسخة الكترونية من موقع ‪ )/https://www.facebook.com/TheBooks‬ص ‪.1‬‬

‫‪14‬‬
‫المطاف ليس إال نوعا من الفهرس الرقمي‪ ،‬أو الهامش الرقمي‪ .‬ألن الفهرس والهامش‬
‫الكالسيكيان يلعبان دو ار مشابها للروابط‪ .‬وكل روابط النص ال تحيل إال إلى مقاطع‬
‫فيديو مأخوذة من مواقع األنترنت‪ ،‬وهي مبتوتة الصلة بسياقات القصة‪.‬‬
‫‪ -‬التفاعل مع القصة تأكيد لدور الكاتب الفرد‪ ،‬فرغم أن الكاتب محمد سناجلة يوفر الخيار‬
‫التفاعلي الذي يستلزم منطقيا مشاركة القارئ في بناء وتحوير أحداث القصة‪ ،‬إال أنه في‬
‫الواقع ال يملك تغيير األحداث‪ ،‬بل يملك الضغط عل الزر للوصول إلى نص آخر‪ ،‬أو‬
‫قراءة أخرى كما يسميها الكاتب‪ ،‬كما أنه ال يملك خيار التقديم والتأخير‪ ،‬إذ ال بد له من‬
‫قراءة النص‪ -‬النواة قبل أن ينتقل إلى خيارات محدودة تتيحها الروابط التشعبية التي ال‬
‫تمثل إال ملفات صورية أو رسومية أو فيلمية هامشية مبتوتة الصلة بصلب القصة‪.‬‬

‫الخالصة‪ :‬بناء على النماذج التي تمت اإلشارة إليها يمكننا القول أن السرد الرقمي‬
‫العربي ما زال لم يحقق غايته المنشودة وهي بناء نص مفتوح يشارك في كتابته مجموعة‬
‫من القراء عبر خصيصة التفاعل المتاحة عبر األنترنت ومواقع التواصل االجتماعي‪،‬‬
‫وهي تجربة تتطلب التواضع من طرف المؤلف بأن يزيح اسمه أوال‪ ،‬وأن يشرك القراء‬
‫في اختيار الشخصيات واألحداث‪ ،‬نحن في النهاية إزاء نصوص سردية منشورة رقميا‪،‬‬
‫ومزودة بمؤثرات سمعية بصرية محدودة التأثير‪ ،‬وبناء عليه يمكننا القول أنها نصوص‬
‫كالسيكية منشورة رقميا‪ ،‬بل إن أغلبها قد تمت إعادة نشرها ورقيا مثل رواية "ظالل‬
‫الواحد" لمحمد سناجلة‪ ،‬ورواية " الزنزانة رقم ستة" لحمزة قريرة‪ ،‬وهذا يؤكد أنها مبنية‬
‫على النص‪ -‬النواة كما قلنا‪ ،‬أي أنها ال تختلف عن النص الكالسيكي الخطي في‬
‫جوهرها‪.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like