Professional Documents
Culture Documents
محاضرات الادب التفاعلي ــ الأستاذة سهام مصطفاوي
محاضرات الادب التفاعلي ــ الأستاذة سهام مصطفاوي
المحاضرة األولى:
مدخل:
قبل الخوض في مفهوم هذا األدب؛ البد من اإلشارة إلى أهمية العولمة وارتباطها بالثورة
التكنلوجية التي سهلت عملية التواصل بين مختلف شعوب العالم ،عن طريق وسائط إلكترونية
سمعية وبصرية وكتابية ساعد في نشرها تعميم الوصول إلى شبكة األنترنت ،حيث انتشرت مواقع
التواصل االجتماعي رغم سلبياتها إال أنها تعتبر في زمننا الحالي ومع انتشار الوباء أدوات فعالة في
نشر المعرفة وصنع الرأي العام ونشر الحقائق (رغم كثرة الشائعات واألخبار المغلوطة) ،كما
ساهمت في تسهيل الحصول على المعلومة والمصادر العلمية المختلفة بوسائل بسيطة ومتاحة لدى
كافة طالب العلم والمعرفة.
ظهر األدب التفاعلي كنتيجة للتحوالت المتسارعة التي شهدتها الحياة البشرية في منتصف
القرن العشرين؛ وإلى التراكمات الكثيرة في شتى الحقول المعرفية ،كما يعود الفضل في ذلك إلى
التطور العلمي والتكنلوجي الذي وسم األلفية الثالثة ،لهذا انتشر األدب التفاعلي بوصفه نشاطا
تشترك في إنتاجه مجموعة من العناصر األدبية والفنية والتقنية ،تمثل فيه الصورة والصوت والتفاعل
والترابط وظهور القارئ الجديد أدوا اًر مهمة في تسهيل الوصول إلى المعلومة.
تتعدد مظاهر التحول الذي نجم عن عالقة التفاعل بين األدب والتكنلوجيا والتي تتمثل في
االنتقال من النصوص الورقية إلى الرقمية اإللكترونية ،حيث انتقلت حياة النصوص األدبية من
مرحلة الشفاهية ثم انتقلت إلى مرحلة الكتابة حتى وصلت إلى المرحلة اإللكترونية التي شكلت في
حياة النص األدبي انتقاال من عهد إلى عهد أكثر تطو اًر.
تختلف مسميات هذا األدب؛ ففي أمريكا يستعمل مصطلح (النص المترابط )HyperTextوفي
أوروبا توظيف مصطلح (الرقمي numériqueوالتفاعلي ،)interactifواستعمل بالفرنسية مصطلح
(األدب المعلوماتي )informatiqueباعتباره الجامع لمختلف الممارسات التي تحققت من خالل
عالقة األدب بالحاسوب والمعلوماتيات ،حيث تم عقد مؤتمر بباريس عام 1994تحت عنوان
(األدب والمعلومات) لدراسة هذه العالقة ،ليظهر فيما بعد وبالضبط سنة 2006مصطلح جديد
1
بعنوان األدب الرقمي littérature numérique
انتقل هذا االضطراب في تحديد مصطلح محدد إلى العرب ،وأصبحت المسألة تتعلق بترجمة
المصطلحات وتحديد طبيعة نمط هذا األدب ،وعلى الرغم من الجهود المتميزة التي بذلتها الناقدة
الرائدة في هذا المجال "فاطمة البريكي" ،فإن الفروق الدقيقة بين المصطلحات :األدب الرقمي ،األدب
التكنلوجي ،األدب اإللكتروني ...ليست ذات شأن؛ فمصطلح األدب التفاعلي ينبغي أن يبتلع هذه
المصطلحات جميعها ،ما عدا تلك التي قدمت على األنترنت ،وفي الوقت نفسه؛ نستطيع تقديمها
على الورق دون أن يحدث خلل فيها؛ ليصبح مدى تحقيق التفاعل هو المعيار الذي نحتكم إليه في
2
نقد العمل.
المحاضرة الثانية:
هو أدب تولد عن اندماج األدب مع التكنلوجية الحديثة ،وال يمكن أن يكون في متناول متلقيه إال
من خالل وسيط إلكتروني ،وقد عرفه سعيد يقطين "بأنه مجموع اإلبداعات (األدب من أبرزها) التي
-1ينظر :نوال خمامي ،مفهوم األدب الرقمي التفاعلي ،شبكة النبأ المعلوماتية ،2016
https://annabaa.org/arabic/literature/5475
-ينظر :وحشي أسمهان آمال ،األدب التفاعلي :إشكالية المصطلح والمفهوم والهوية التزاوج بين اإلبداع والتكنلوجيا في األدب العربي، 2
أما الناقدة فاطمة البريكي فقد وضحت أن األدب التفاعلي هو نص مفتوح بدون حدود وبال
عشوا ئية؛ بحيث يلقي المبدع إنتاجه في أحد مواقع شبكة األنترنت ،وعليه فالمتلقي يمثل أهمية ودو ار
كبي ار في بناء العمل اإلبداعي على الشبكة ،وللمتلقي حرية اختيار نقطة البدء ،بحيث يبني المبدع النص
على أساس تعدد المسارات؛ أي ليس له بداية واحدة وال نهاية واحدة ،2وبالتالي اشتراك أكثر من مبدع
في إنتاج النص ،وال يسمى األدب تفاعليا إال إذا كان الوسيط الناقل لهذا األدب إلكترونياً ،سواء
باستخدام الب ارمج الجاهزة على الحاسوب ،أو بالكتابة مباشرة على اإلنترنت ،وبدخول عصر الوسائط
المتعددة في تشكيل المعنى ،واألدب السمعي البصري الذي يقدم عبر الفيديو بتسمية ،digital poème
كما هو الحال في قصائد الشاعر األمريكي دي نورمان ،M.D.Normanوقصائد الشاعر المغربي
منعم األزرق على "اليوتيوب" ،وهذا ما يجعل المحرك الرئيسي في تمييز األدب التفاعلي من األدب
الرقمي هو استحالة تحول المحتوى إلى الورق.
ومجموعة الشاعر مشتاق عباس معن "تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق" على سبيل المثال ،تنتمي إلى
األدب التفاعلي ،على الرغم من عدم ترك مساحة للقارئ ليكتب فيها؛ ألنه استخدم النص التشعب حيث
حضرت في بنيتها عناصر متضافرة في تشكيل المعنى ،منها :الكلمة ،الصورة ،الصوت ،اللون،
الحركة ،بحيث يستحيل أن يتحول العمل إلى الورق ،وعلى هذا األساس نشأ في قطاع التعليم خالل
السنوات األخيرة ما يسمى بالكتاب التفاعلي ،interactive bookحيث يختلف كليا عن اإللكتروني أو
الرقمي الذي جرى تحويله إلى صيغة ،PDFوتقوم فكرته على تضافر العناصر السابقة إضافة إلى
الفيديو وميزة الكتابة في المساحات المحددة لها ،وإمكانية وضع الشروحات والتوضيحات بما يضفي
على القراءة متعة وحيوية وتحرر من اإلمكانات المحدودة في الكتاب الورقي.
-سعيد يقطين ،من النص إلى النص المترابط ،مدخل إلى جماليات اإلبداع التفاعلي ،المركز الثقافي العربي ،المغرب ،ط،2005 ،1 1
ص.129
-ينظر ،فاطمة بريكي ،مدخل إلى األدب التفاعلي ،المركز الثقافي العربي ،المغرب ،ط ،2006 ،1ص.53 2
وهذه ا لعناصر المضافة أخرجت الكتاب عن اقتصاره عن الكلمة ،وفي أحسن األحوال :عن الكلمة
والصورة الثابتة ،إلى أفق أرحب يستحيل أن ينهض به الورق .نشأ في قطاع التعليم أيضا ما يسمى
"السبورة التفاعلية ،وعلى الرغم من وجود مصطلحات أخرى تنافسها ،مثل :السبورة الذكية ،فإن اتصالها
باألنترنت ،ليتحول إلى شاشة حاسوب كبيرة إضافة إلى ميزات أخرى مثل :الكتابة اإللكترونية،
وتصويبها ،ومحوها ،يعني أنها تؤدي وظائف يستحيل أن يؤديها الورق أو يقترب منه؛ بحمل الكلمة
1
المكتوبة وحدها.
انطلق األدب من أول مرحلة منها في نقل النصوص األدبية وهي الشفاهية ،التي استمرت فترة
من الزمن إلى أن حان وقت االنتقال إلى المرحلة الثانية نتيجة لعوامل مختلفة انتقل النص إثرها إلى
المرحلة الكتابية وتطورها من الحجر واللوحات الطينية ،إلى أوراق البردي ،ثم إلى لحاء الشجر ،وغير
ذلك من المواد التي استخدمت للكتابة إلى أن اخترع الورق ،وانتشر استخدامه بين الناس الذين استقروا
على هذه المادة بسبب سهولة تصنيعها واستخدامها وقلة تكلفتها ،وبناء على هذا يمكن أن نطلق صفة
الورقية على المرحلة الكتابية التي أعقبت مرحلة الشفاهية ،وبهذا تكون المرحلة الثانية من دورة حياة
النص ذات اسمين ،هما:
تمثل المرحلة اإللكترونية في حياة النص األدبي انتقاال من عهد إلى عهد ،وقد شهد القرن
العشرون انتقال اآلداب اإلنسانية من حضارة الورق إلى حضارة التكنلوجيا واإللكترونيات التي
تغلغلت في مختلف جوانب الحياة ،وال بد أن تكون مثل هذه الطفرة ذات أثر بالغ ،ليس فقط على
نوع النصوص المقدمة (ورقية ،إلكترونية) ،إنما على طبيعتها ،ونوعية األفكار التي تطرحها ،ومدى
-ينظر :وحشي أسمهان آمال ،األدب التفاعلي :إشكالية المصطلح والمفهوم والهوية التزاوج بين اإلبداع والتكنلوجيا في األدب العربي، 1
ص .279
تواؤمها مع معطيات العصر ،والتغيرات التي طرأت عليه خالل فترات زمنية قصيرة ومتقاربة ،بحيث
1
ال تترك مجاال الستيعاب ما قبلها إال فاجأتنا بمستجدات قد تكون أكثر تعقيدا.
المحاضرة الثالثة:
ظهرت في عصرنا الحالي أنواع جديدة من النصوص مع التطور الكبير الذي شهدته
التكنلوجيا ؛ إذ أصبح الوسيط بين المبدع والمتلقي هو الشاشة الزرقاء ،التي حولت كل شيء في هذا
العصر إلى صورة رقمية ،ومن بين النصوص التي ظهرت في هذا العصر اإللكتروني (النص
المتفرع ،)Hypertextو(النص الشبكي )Cybertext
*النص المتفرع :Hypertextيمكن أن يقال في تعريف النص المتفرع إنه نص مؤلف من زمر
من النصوص ،مع الوصالت اإللكترونية التي تربط بينها ،بحيث يقدم لقارئه ،من خالل تلك
النصوص المتعددة والوصالت الرابطة بينها ،مسارات مختلفة غير متسلسلة أو متعاقبة ،وبالتالي
غير ملزمة بترتيب ثابت في القراءة ،فيتيح أمام كل متلق /مستخدم فرصة اختيار الطريقة التي
تناسبه في قراءته .إنه أسلوب في آلية الكتابة والقراءة جديدة كلياً ،على مستوى تكنلوجيا المعلومات
2
وآليات النشر على حد سواء.
كما يعرف بمفهوم أبسط على أنه النص غير الخطي وغير التعاقبي ،الذي ال تستدعي قراءته
االلتزام بترتيب ثابت ومحدد ،ويستطيع قارئه القفز من فكرة إلى أخرى بسهولة ،ومع هذا التبسيط
الذي يحاول بعض المنظرين لمصطلح النص المتفرع أن يقدموه ،نجد أن هذا المصطلح يأخذ في
التوسع والتعقيد شيئاً فشيئاً ،ويبدو أنه بدأ بسيطا داال على أي نص يتضمن روابط وعقداً نصية،
ولكنه تعقد فيما بعد ،وأصبح يحمل داللة خاصة ،تميزه عن النص اإللكتروني البسيط ،الذي ال
إ ن مفهوم النص الشبكي يركز على النظام اآللي للنص ،بوضعه تشابك البيئة وتعقيدها جزءا
متمما للعملية األدبية ،ويحتاج هذا النص إلى مجهود غير بسيط من القارئ /المستخدم ليسمح له
بالنفاذ إليه ،ودخول فضاءاته ،كما فتح النص الشبكي وقبله النص المتفرع ،آفاقا جديدة يتجلى من
خاللها النص األدبي ،نتجت من خالل التقاطع القائم بين األدب؛ من شعر ورواية وقصة قصيرة
2
ومسرح ،والتكنلوجيا ،بما تقدمه من معطيات متجددة وغير محدودة.
المحاضرة الرابعة:
بعد الثورة التكنلوجية التي اجتاحت العالم ومع مجيء عصر المعلوماتية وما بعد الحداثة بزخمه
المعرفي والتقني واإللكتروني ،جاءت فكرة استغالل هذه التكنلوجيا الجديدة خدمة لإلبداع األدبي ،ولم تكن
الساحة األدبية العربية بمنأى عن هذه التغيرات الثقافية لحاصلة في الساحة اإلبداعية والنقدية العالمية،
بل سارت على نفس النهج ،حيث استعارت الفكرة كما استعارت مجمل األفكار النقدية الحديثة
والمعاصرة ،وبناء على ذلك ظهرت أول رواية إلكترونية/تفاعلية عربية ،هي قصة "شات" للكاتب األردني
"محمد سناجلة ،ليؤكد التجربة اإلبداعية بأكثر عمق في قصته التالية ،وهي قصة "صقيع" لتتوالى
التجارب األدبية اإللكترونية العربية سواء الشعرية منها أو القصصية ،وتأتي أسماء جديدة في سماء هذا
النوع اإلبداعي مثل إدريس بلمليح ،محمد اشويكة ،محمد حبيب ،مشتاق عباس معن ،ومنعم األزرق
وغيرهم ،لتتأخر األسماء النسوية العربية في تبني األدب اإللكتروني ،ومع ذلك ظهرت أسماء نسوية
3
عربية من أمثال األديبة الشاعرة سوال ار الصباح ،ولبيبة خمار ،منى شوقي غني وغيرهن.
المحاضرة الخامسة:
بدأت األجناس األدبية الكالسيكية (الشعر ،السرد ،الدراما) تتلبس باألليات الرقمية بتوظيفها
لفائدتها ،متخذة بذلك مظه ار جديدا لألدب ،فقد تنوعت التجارب في هذه األجناس وصارت متعددة
مع اتصالها بالرقميات والوسائط المتفاعلة ...كما تفرعت داخلها أنواع فرعية تعددت بتعدد اإلبداعات
التي صارت مفتوحة على مصراعيها والتي يستفيد فيها المبدع بما تمده به البرمجيات المتطورة،
والتي يتداخل فيها اللفظي بالصوري بالحركي والصوتي بالسمعي والثابت بالمتحرك ...كما بدأت
تظهر أجناس جديدة من جهة أخرى ،متصلة بالحاسوب والفضاء الشبكي مثل الروايات المشتركة
والكتابات التفاعلية الجماعية التي يشارك العديد من القراء والكتاب في كتابتها.2
• الشعر التفاعلي :الشعر التشعبي (المترابط) هو شكل يستخدم نظام ربط غير خطي ينقل القارئ
من دور المستهلك إلى دور الصانع المشارك في السيطرة على النص وتوجيهه ،وسواء كان
الشعر التشعبي بصريا /صوتيا /حركيا أو نصيا ،يقتضي هذا الشكل اتخاذ ق اررات جالية كثيرة
- 1ينظر :فاطمة مختاري :خصائص األدب التفاعلي في رواية ظالل الواحد لمحمد سناجلة ،مجلة الباحث ،2019 ،ص .29
- 2ينظر :محمد سناجلة ،األدب الرقمي يكتب ويقرأ ويشاهد معا،
http://www.foruml.esgmarkets.com/showthread.php?p=196187.
تنأى بالقصيدة عن أن تكون مجموعا متماسكا يسهل اإلمساك بأطرافه ،وتحيلها إلى تداخل
هجين تضاريسه ممتدة من عناصر ديناميكية وأج ازء متناسبة أو غير متناسبة تق أر بقراءات
متعددة ،وتؤلف استم اررية نصية عبر ما تنسجه ممارسات الكتابة التفاعلية.
-والقصيدة التفاعلية هي شكل جديد من أشكال الشعر الحديث الذي يعتمد على اآلليات المتطورة
في الحاسبة اإللكترونية ،والتي تعتمد الصورة والموسيقى واالسترجاع ،جنبا إلى جنب مع القصيدة
المتخطية لحدود النط الواحد الباحثة عن آفاق أكثر رحابة وسعة لإليغال في فضاءات النفس
اإلنسانية لكشف أغوارها العميقة من خالل التفاعل المشترك بين الشاعر ومتلقيه ،وهي عبارة
عن بانوراما متحركة ،في حدود الذات الخالقة ،المبدعة مع الذات األخرى المتذوقة أو المتفحصة
أو المشاركة في ذات الوقت ،حيث تعتمد القصيدة على الكلمة المرادفة للصورة بأشكالها
المتعددة ،المتحركة والثابتة ،جنباً إلى جنب مع الموسيقى أو المؤثر الصوتي الفاعل والمتحرك
هو اآلخر ،لدفع القصيدة باتجاه التناغم واالكتشاف ،وهي أنواع منها:
-قصيدة الومضة التي تقوم غالبا على المفارقة والسخرية والدهشة وفي استثمارها لمعطيات
التكنلوجيا ،يؤدي الزمن فيها دو ار واضحا يكون مختص ار في أضيق الحدود ،وتعتمد على برنامج
العروض التفاعلية الذي يؤسس لهيكلة جديدة للقصيدة يعتمد على مشاركة المتلقي/المستخدم.
وهناك الشعر البصري الذي ال يق أر فقط إنما يشاهد ويرى وقد ظهر في عدد مختلف ن المواقع
التي عملت على تحويل الكلمات إلى صور ،وفي هذا السياق يوجد الشعر الهندسي الذي يكتب
على شكل من األشكال الهندسية والذي عرفه األدب العربي وقد استخدمت هذه المواقع مصطلح
الشعر الهندسي بديال لمصطلح الشعر الدائري ،والقصيدة التفاعلية ال ترتبط دائما بشبكة
االنترنت؛ إذ بمكن الحصول عليها على األقراص المدمجة والتعامل معها دون شروط االتصال
بالشبكة.
-2الرواية التفاعلية:
تعبر الرواية التفاعلية عن عال جديد ،خليط بين فهوم الخيال ووجهة النظر الخاصة بالروائي،
مع استخدام تقنيات أخرى تضيف المعنى وتبرز وجهة النظر للرواية والروائي ،وهذه اإلمكانات
المتاحة سوف تخلق موضوعاتها غي تلك التي طرحتها الرواية الورقية ،لذا يعتقد أن الزمن سوف
يضيف للرواية الرقمية بجهد روادها ،حتى قد ننتهي إلى شكل جديد آخر ،مزيج بين ما نعرفه
عن الرواية التقليدية ،وما أتاحته التقنيات الجديدة والمضافة ..خصوصا أننا على بداية الطريق.
تتميز الرواية التفاعلية بكتابتها الموجزة التي تعمل على مضاعفة طرق تقطيع الخطاب
وابتكار طرق جديدة لكسره ،كتابة بنكب فيها الروائي على لحظة معينة يقوم بتقديمها بشكل
مفصل دون اللجوء إلى اإلطناب ،بل يركز على حدث معين ال يغادره حتى يفرغ منه ،وهذا ما
يجعلها تتقدم في شكلها البسيط كفقرات يمكن ولوجها بشكل اعتباطي.
-3المسرحية التفاعلية:
المسرحية بوصفها جنساً أدبيا مهماً داخل مجاالت الرقمية الرحبة ،ال تعتمد النص فقط بل
تعتمد أيضا على العرض المسرحي ،الذي ه و اآلخر في طريقه لمثل هذا التعرض الرقمي،
لتتحول إلى مسرحية رقمية ال مكان لها على الورق ،وال يمكن التفاعل معها أو قراءتها إلى على
شاشة االنترنت ،وقد قامت بترجمة مصطلحه الغربي الدكتورة فاطمة البريكي إلى المسرحية
التفاعلية ،وقد عرفتها بأنها نمط جديد من الكتابة األدبية ،يتجاوز الفهم التقليدي لفعل االبداع
األدبي الذي يتمحور حول المبدع الواحد ،إذ يشترك في تقديمه عدة كتاب ،كما قد يدعى القارئ
التلقي أيضا للمشاركة فيه ،وهو مثال العمل الجماعي المنتج ،الذي يتخطى حدود الفردية وينفتح
على آفاق الجماعية الرحبة ،ويعتبر تشارلز ديمر رائد المسرح التفاعلي حيث ألف أول مسرحية
تفاعلية عام ،1985كما أسس مدرسة تعليم كتابة سيناريو المسرح التفاعلي في موقعه الخاص
على االنترنت.
بدأت فكرة المسرح الرقمي بغرض الوصول إلى تأليف مسرحية مشتركة عبر االنترنت بين
أفراد متباعدين من جنسيات وبلدان مختلفة ،هذا التجريب في األليف المسرحي يعد شكال مغاي ار،
فهو يقوم أوال بإلغاء شخصية المؤلف األساس ،ويمكن ألي قارئ أن يكون مؤلفا آخر بمجرد
الدخول لموقع أحداث المسرحية االلكترونية ويساهم في تكملة األحداث التي ال تنتهي ،كأن
يختار شخصية معينة ويهتم بها لغرض تفعيل مسيرتها الدرامية ،ثم يأتي شخص آخر ويختار
شخصية أخرى في المسرحية نفسها ويحاول أن يوسع حركتها النصية وهكذا تستمر العملية بال
1
توقف.
المحاضرة السادسة:
• مظاهر تجلي األدب االلكتروني:
تتيح التكنلوجيا (من أجهزة الحاسوب وشبكة االنترنت)؛ فرصا ال محدودة يستطيع األدب
استثمارها ،والتجلي من خاللها ،وبهذا تتعدد أشكال إفادته منها ،ومن مظاهر تجلي األدب عبر
التكنلوجيا ما يلي:
ليست هذه المنتديات حك اًر على اإلنترنت ،وال هي نتاج جديد ارتبط ظهوره بظهور هذه
الشبكة ،بل كانت المنتديات األدبية معروفة من قبل منذ عرف األدب ،وبعد تطورها مع الزمن
أصبحت متاحة للجميع ممن يهتمون باألدب ،وهي أكثر من أ ،تحصى ،ويتخذ كل منها طريقة
وأسلوبا مختلفا في التواصل وتبادل األدب بفنونه المختلفة ،شع اًر ونث اًر ،ويفتح فيها باب النقاش حول
النصوص كتابة من خالل المداخالت والتعليقات والنقد البناء.
الصالونات األدبية ليست ابتكا ار جديدا ،بل عرفها األدب في مختلف الثقافات سواء تحت
اسم الصالون األدبي أو السوق األدبية ...وتتيح شبكة االنترنت لألدباء والمثقفين والمهتمين باألدب
ألن ينشئوا صالونات يمارسون فيها الحوار األدبي الحر ،بعيدا عن أي قيود قد تفرضها الصالونات
األدبية الواقعية والتي كانت موجودة في عصر ما قبل االنترنت ،كقيد المكان مثال ،الذي يعد أهم
فرق بين هذين النمطين المختلفين للصالون األدبي؛ فهو يتم إلكترونيا ويسمح بحضور األفراد من
مختلف أنحاء العالم للجلسات التي تعقد في مكان واحد هو فضاء الشبكة.
- 1ينظر :فاطمة مختاري :خصائص األدب التفاعلي في رواية ظالل الواحد لمحمد سناجلة ،ص.36...30
-المواقع األدبية اإللكترونية:
تتنوع هذه المواقع بتنوع توجهات مالكيها والقائمين عليها ،فبعضها شخصي بشكل كلي ،ال
يقدم غير اإلنتاج األدبي لصاحب الموقع ،وما كتب عنه سواء نشر على اإلنترنت ،أو غيره من
الجرائد والمجالت ،فيعاد تقديمه عبر الموقع ،وبعضها مؤسساتي تنشئه مؤسسة ما حكومية أو
خاصة ،وتقدم فيه إلصداراتها أن نتاجات أعضائها ،وبعضها شخصي من حيث الملكية؛ وعام من
حيث المضمون والمحتوى ،إذ يقدم اإلنتاج األدبي دون أن يتقيد إال بكونه أدبياً ،وبذلك يمزج فيه بين
نتاج مالك الموقع ،والنتاج األدبي الجديد ألي أديب.
تمثل هذه المظاهر التي ذكرناها اإلف ارزات األولى لتقاطع األدب مع التكنلوجيا ،وقد مهدت
لظهور مولود جديد لهذا التالقح العلمي القائم بين هذين المجالين اللذين ينتميان إلى حقلين
1
معرفيين مختلفين ،وهذا المولود هو األدب التفاعلي.