You are on page 1of 60

‫ّ ُ‬ ‫مجلة ّ‬‫ّ‬

‫فصلية تعىن بمسائل العقيدة وعلم الكالم القديم واجلديد ‪.‬‬ ‫علمية‬ ‫؀‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫؀تصدر عن املركز اإلساليم للدراسات اإلسرتاتيجية ‪.‬‬
‫؀العدد ‪ 1445 )30( :‬هـ ‪.‬‬
‫العدد الثالثون‬
‫ربيع ‪ 2024‬م‬
‫رمضان ‪ 1445‬هـ‬

‫تصدر عن‬
‫ّ‬
‫اإلسرتاتيجية‬ ‫ّ‬
‫اإلساليم للدراسات‬ ‫املركز‬
‫ّ‬
‫واملعرفية)‬ ‫ّ‬
‫الديني�ة‬ ‫ّ‬
‫باإلسرتاتيجية‬ ‫(يعىن‬

‫العراق ‪ /‬ال ّنجف األرشف‬

‫ثورة العرشين ‪ /‬شارع الربيد ‪ /‬مج ّمع اإلمام املرتىض‪ ‬الثقايفّ‬


‫العقيدة‬ ‫‪4‬‬

‫رئيس التحرير‬

‫السيد هاشم امليالين‬

‫مدير التحرير‬
‫عمار عبد الرزاق ّ‬
‫الصغري‬ ‫د‪ّ .‬‬

‫هيئة التحرير‬

‫‪)1‬أ‪.‬د‪ .‬السيد فاضل امليالين‪( .‬لندن)‪ ،‬جامعة ميد لسكس ‪ .‬الفلسفة وعلم الكالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األعريج (العراق)‪ ،‬جامعة الكوفة‪ ،‬كلية الفقه ‪ .‬الفلسفة والكالم ‪.‬‬ ‫‪ )2‬أ‪.‬د‪ .‬ستار‬
‫‪ )3‬أ‪.‬د‪ .‬الشيخ ّ‬
‫محمد شقري ‪( .‬لبن�ان)‪ ،‬اجلامعة اللبن�اني�ة‪ ،‬الفلسفة والكالم ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )4‬أ‪.‬د‪ .‬رؤوف ّ‬
‫الشمري ّ‪( .‬العراق)‪ ،‬جامعة الكوفة‪ ،‬كلية الفقه ‪ .‬علم الكالم ‪.‬‬
‫‪ )5‬أ‪.‬د‪ .‬أكرم بركات ‪( .‬لبن�ان)‪ ،‬اجلامعة اللبن ّ‬
‫�اني�ة‪ ،‬الفلسفة وعلم الكالم ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفكرية املعاصرة‪.‬‬ ‫‪ )6‬أ‪.‬د‪ .‬كريم شايت ‪( .‬العراق)‪ ،‬جامعة الكوفة‪ ،‬كلية الفقه ‪ .‬علم الكالم والتي�ارات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ )7‬أ‪.‬د‪ّ .‬‬
‫محمد حمزة الشيب ّ‬
‫اإلسالمياملعاصر ‪.‬‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬الفكر‬ ‫�اين ‪( .‬العراق) جامعة بابل‪ ،‬كلية العلوم‬
‫ّ‬
‫اإلسالمية ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫السبحاين (إيران)‪ ،‬املعهد العايل لدار احلديث‪ ،‬الشريعة والعلوم‬ ‫‪ )8‬أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬الشيخ ّ‬
‫محمد تقي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املوسوي (العراق)‪ ،‬جامعة الكوفة‪ ،‬كلية الفقه‪ ،‬علم الكالم ‪.‬‬ ‫‪ )9‬أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬رزاق‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫اإلساليم املعاصر ‪.‬‬ ‫األسدي ‪( .‬العراق)‪ ،‬البصرة‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬الفكر‬ ‫‪ )10‬أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬عقيل صادق‬
‫‪5‬‬ ‫العقيدة‬

‫تدقيق ّاللغة ّ‬
‫العربية‬
‫د‪ .‬فضاء ذياب‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلنكليزية‬ ‫تدقيق اللغة‬
‫م‪.‬م‪ .‬فاضل شيحان‬

‫التصميم واإلخراج الفني‬


‫علي صاحب الربقعاوي‬

‫ال حيق النشر واالقتب�اس من حبوث املجلة دون اإلشارة إىل مؤلفيها واجلهة الناشرة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ومعيارا من معايري التحكيم الدويل‬ ‫الفكرية للمؤلفني‪،‬‬ ‫امللكية‬ ‫ويعد ذلك حقا من حقوق‬
‫ّ‬
‫العلمية الرصين�ة ‪.‬‬ ‫للمجالت‬

‫ّ‬
‫الدويل ‪ISSN: 2709 - 0841 :‬‬ ‫الرتقيم‬
‫ّ‬
‫هاتف إدارة املجلة ‪00964-)7717072696( :‬‬
‫ّ‬
‫موقع املجلة على شبكة اإلنرتنت ‪Aqeeda.iicss.iq:‬‬
‫الربيد اإللكرتوين للمركز ‪:‬‬
‫الربيد اإللكرتوين للمجلة ‪:‬‬

‫ّ‬
‫العراقية ‪ 2465 :‬لسنة ‪ 2021‬م ‪.‬‬ ‫رقم اإليداع يف دار الكتب والوثائق‬
‫جمهورية العراق ‪ /‬النجف األشرف ‪ -‬ثورة العشرين‪ -‬شارع الربيد – ّ‬
‫مجمع‬ ‫ّ‬ ‫عنوان املوقع ‪:‬‬
‫اإلمام املرتىض ‪ ‬الثقايف ‪.‬‬
‫العقيدة‬ ‫‪6‬‬

‫ّ‬
‫دليل املؤلف‬
‫تستقبل (مجلَّة العقيدة) البحوث والدراسات الجا ّدة الرصينة وفق‬
‫العلمي اآلتية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫قواعد البحث‬
‫‪ .1‬يشرتط يف البحوث أو الدراسات أن تكون عىل وفق منهجيّة‬
‫العلمي‪ ،‬وخطواته املعمول بها عامل ًيا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫البحث‬
‫‪ .2‬أن يكون البحث مرتبطًا مبحاور املجلّة الرئيسة اآليت ذكرها‪:‬‬
‫أ‌‪ -‬الكالم القديم والجديد ‪.‬‬
‫ب‌‪ -‬الفكر املعارص ‪.‬‬
‫ت‌‪ -‬شبهات وردود ‪.‬‬
‫ث‌‪ -‬مكتبة العقيدة ‪.‬‬
‫ج‌‪ -‬أدب العقيدة ‪.‬‬
‫‪ .3‬تقديم ملخّص للبحث باللغتني العربيّة واإلنجليزيّة‪ ،‬يف حدود‬
‫كامل‪.‬‬
‫ً‬ ‫صفحة واحدة‪ ،‬عىل أن تتضمن عنوان البحث‬
‫‪ .4‬أن تحتوي الصفحة األوىل من البحث عىل عنوان واسم الباحث‪/‬‬
‫الباحثني‪ ،‬جهة العمل‪ ،‬العنوان الوظيفي(إن وجد)‪ ،‬رقم الهاتف‪ ،‬الربيد‬
‫اإللكرتوين‪.‬‬
‫‪ .5‬تكون الهوامش يف منت كل صفحة واملصادر واملراجع يف نهاية‬
‫البحث‪ ،‬أما طريقة كتابة املصادر واملراجع فتكتب عىل وفق الصيغة‬
‫العامل ّية املعروفة بـ (‪ )chicago‬وهي كاآليت‪ :‬اللقب‪ ،‬اسم املؤلف‪،‬‬
‫عنوان الكتاب‪ ،‬الرتجمة‪ ،‬الطبعة‪ ،‬املجلد أو الجزء‪ ،‬مكان الطبع‪ ،‬اسم‬
‫املطبعة‪ ،‬سنة الطبع‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫دليل املؤلف‬

‫‪ .6‬يز َّود البحث بقامئة املصادر واملراجع منفصلة عن الهوامش‪،‬‬


‫ويف حالة وجود مصادر ومراجع أجنبية تُضاف قامئة املصادر واملراجع‬
‫بها منفصلة عن قامئة املراجع واملصادر العربيّة‪ ،‬ويراعى يف إعدا ِدهام‬
‫الرتتيب (األلف بايئ) ألسامء الكتب أو البحوث يف املجالت‪.‬‬
‫‪ .7‬تطبع الجداول والصور واللوحات عىل أوراق مستقلّة‪ ،‬ويشار يف‬
‫أسفل الشكل إىل مصدرها‪ ،‬أو مصادرها‪ ،‬مع تحديد أماكن ظهورها يف‬
‫املنت‪.‬‬
‫‪ .8‬إرفاق نسخة من السرية العلميّة إذا كان الباحث ينرش يف املجلّة‬
‫للم ّرة األوىل‪ ،‬وأن يشري فيام إذا كان البحث قد قُ ِّدم إىل مؤمتر أو ندوة‬
‫علم ّية‪ ،‬كام يلزم أن يشار إىل اسم الجهة العلم ّية‪ ،‬أو غري العلم ّية‪ ،‬التي‬
‫قامت بتمويل البحث‪ ،‬أو املساعدة يف إعداده‪.‬‬
‫‪ .9‬أن ال يكون البحث منشو ًرا يف وسيلة نرش أخرى‪ ،‬وبخالفه يتحمل‬
‫الباحث كل التبعات القانون ّية املرتتِّبة عىل ذلك‪.‬‬
‫‪ .10‬يقدم البحث مطبو ًعا عىل ورق (‪ ،)A4‬مع قرص مدمج (‪)CD‬‬
‫يقل عن (‪ )25‬صفحة بخط «‪ »simplified Arabic‬حجم (‪)16‬‬ ‫ومبا ال ّ‬
‫متسلسل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ترقيم‬
‫ً‬ ‫للمنت‪ ،‬و(‪ )14‬للهامش‪ ،‬عىل أن تُرقّم الصفحات‬
‫‪ .11‬ترتيب البحوث يف املجلّة خاضع العتبارات فن ّية‪ ،‬وال عالقة له‬
‫مبكانة الكاتِب وأهمية البحث‪.‬‬
‫ي؛ لبيان صالحيتها للنرش‪ ،‬وال ت ُعاد‬ ‫رس ّ‬
‫‪ .12‬تخضع البحوث لتقويم ّ‬
‫البحوث إىل أصحابها سواء قُبلت للنرش أم مل تقبل‪ ،‬ووفق اآلل ّية اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬يُ َبلَّغ الباحث باستالم املادة املرسلة للنرش خالل مدة أقصاها‬
‫العقيدة‬ ‫‪8‬‬

‫أسبوع من تأريخ التسلّم‪.‬‬


‫ب‪ -‬يُبَلَّغ أصحاب البحوث املقبولة للنرش مبوافقة هيئة التحرير عىل‬
‫نرشها وموعد نرشها املتوقّع‪.‬‬
‫ج‪ -‬البحوث التي يرى املق ّومون الحاجة إىل إجراء تعديالت أو‬
‫إضافات عليها قبل نرشها ت ُعاد إىل أصحابها‪ ،‬مع املالحظات املح ّددة‪،‬‬
‫يك يعملوا عىل إعدادها نهائ ًيا للنرش يف موعد أقصاه أسبوع واحد‪.‬‬
‫د‪ -‬البحوث املرفوضة يبلغ أصحابها بالرفض من دون رضورة إلبداء‬
‫أسباب الرفض‪.‬‬
‫كل باحث نسخة واحدة من العدد الذي نرش فيه بحثه‪،‬‬ ‫هـ‪ُ -‬ينح ّ‬
‫ومكافأة مالية مجزية‪ ،‬ويعتمد ذلك عىل درجة تقييم البحث وأصالته‪.‬‬

‫ّ‬
‫سياسة النشر يف املجلة‬
‫تسعى املجلّة تقديم فرص متساوية لجميع الباحثني‪ ،‬حيث تقبل‬
‫العلمي وأصالتها‪ ،‬وترى املجلّة أ ّن‬
‫ّ‬ ‫األبحاث العلمية استنا ًدا إىل محتواها‬
‫االلتزام بأخالقيات النرش املهنية ت ُعد أهمية قصوى يجب عىل الباحثني‬
‫واملحكّمني مراعاتها؛ لتحقيق أهداف املجلّة ورؤاها العلم ّية‪.‬‬
‫الخاص باملجلّة‪ ،‬ويتضمن‬
‫ّ‬ ‫العلمي‬
‫ّ‬ ‫وفيام يأيت بيان أخالقيات النرش‬
‫خاصة برئيس التحرير‪ ،‬وأعضاء هيئة التحرير‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لوائح وأنظمة أخالق ّية‬
‫واملحكّمني‪ ،‬والباحثني‪ ،‬كام يتوافق مع مبادئ لجنة أخالقيات النرش‬
‫العاملية(‪:)COPE‬‬
‫تقييم أول ًيا‪ ،‬والنظر‬
‫ً‬ ‫‪ )1‬يقوم رئيس التحرير مبتابعة وتقييم البحوث‬
‫‪9‬‬ ‫دليل املؤلف‬

‫يف مدى صالحيتها للنرش‪ ،‬أو االعتذار من النرش‪ ،‬قبل إرسالها إىل‬
‫السادة املحكّمني‪.‬‬
‫يتول رئيس تحرير املجلّة بالتعاون مع هيئة التحرير وذوي‬
‫ّ‬ ‫‪)2‬‬
‫االختصاص من خارج هيئة التحرير مسؤولية اختيار املحكّمني‬
‫املناسبني عىل وفق موضوع البحث‪ ،‬واختصاص املحكّم برسيّة تامة‪.‬‬
‫‪ )3‬تق ّدم املجلّة يف ضوء تقارير املحكّمني والخرباء خدمة دعم‬
‫ومنهجي ومعلومايتّ للباحثني مبقدار ما يقتضيه البحث ويخدم‬
‫ّ‬ ‫فني‬
‫ّ‬
‫جودته‪.‬‬
‫‪ )4‬االلتزام بعدم التمييز بني الباحثني عىل أساس العرق‪ ،‬أو الجنس‪،‬‬
‫القيمي‪ ،‬أو أي شكل من‬
‫ّ‬ ‫الديني أو‬
‫ّ‬ ‫االجتامعي‪ ،‬أو املعتقد‬
‫ّ‬ ‫أو النوع‬
‫أشكال التمييز األخرى‪ ،‬عدا االلتزام بقواعد ومنهج البحث‪ ،‬ومهارات‬
‫العلمي يف عرض األفكار واالتجاهات واملوضوعات ومناقشتها‬
‫ّ‬ ‫التفكري‬
‫وتحليلها‪.‬‬
‫أي عضو من أعضاء هيئتها‪ ،‬أو‬ ‫‪ )5‬تلتزم املجلّة بعدم استخدام ّ‬
‫املحكّمني ‪ -‬أفكار البحوث غري املنشورة التي يتضمنها البحث املحال‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عىل املجلّة يف أبحاثهم‬
‫‪ )6‬يتعهد الباحثون بأصالة أبحاثهم واستيفائها للمعايري املهنيّة‬
‫واألخالق ّية والعلم ّية‪ ،‬وما يرتتب عىل ذلك من مصداقية عالية يف تقديم‬
‫النتائج من دون أي تغيري أو تحريف عليها‪.‬‬
‫‪ )7‬يلتزم الباحثون باستخدام الطريقة العلميّة املمنهجة يف الوصول‬
‫إىل الحقيقة‪.‬‬
‫‪ )8‬التزام الباحثني بالحيادية واالبتعاد عن التعصب والتز ّمت‬
‫العقيدة‬ ‫‪10‬‬

‫حا عىل الحقيقة العلميّة‪.‬‬


‫والتمسك بالرأي والذاتيّة‪ ،‬وأن يكون الباحث منفت ً‬
‫‪ )9‬يلزم الباحثني اعتام ُد األدلة والرباهني الكافية إلثبات صحة النظريات‬
‫والفرضيات للتوصل إىل الرأي املنطقي املعزز باألدلة‪.‬‬
‫‪ )10‬يلتزم املحكّمون بالتأكد من خلو األبحاث من االنتحال‪ ،‬كام‬
‫يلزمهم اإلشارة إىل جميع األعامل املنشورة التي انتُحل منها‪.‬‬

‫إىل ‪/‬‬
‫العدد ‪:‬‬
‫التأريخ ‪:‬‬
‫م‪ّ /‬‬
‫تعهد وإقرار‬
‫استلمت‬
‫ْ‬ ‫رس هيئة تحرير (مجلّة العقيدة) إعالم جنابكم الكريم بأنّها قد‬ ‫ي ّ‬
‫بحثكم املوسومبـ (‪.).............................................................................‬‬
‫فريجى تفضّ لكم مبلئ أمنوذج التع ّهد املرفق ربطًا يف أقرب وقت‬
‫العلمي‪ ،‬بعد استالم التع ّهد‬
‫ّ‬ ‫ممكن؛ ليتسنى لنا املبارشة بإجراءات التقييم‬
‫‪ ..‬مع التقدير ‪...‬‬
‫مدير التحرير‬
‫أ‪.‬د‪ .‬محمد محمود زوين‬

‫م‪ّ /‬‬
‫تعهد وإقرار‬
‫إن املوقّع يف أدناه (‪ )............................‬وبحثي املوسوم بـ‬ ‫ّ‬
‫(‪) ............................‬‬

‫أتع ّهد مبا يأيت‪:‬‬


‫‪11‬‬ ‫دليل املؤلف‬

‫كامل أو‬
‫ً‬ ‫‪ 1-‬البحث غري منشور سابقًا‪ ،‬ومل أق ّدمه ألية جهة لنرشه‬
‫مستل من رسالة‪ ،‬أو أطروحة‪ ،‬أو كتاب أو غريها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ملخصا‪ ،‬وهو غري‬
‫ً‬
‫‪ 2-‬التق ّيد بتعليامت النرش وأخالقياته املطلوب مراعاتها يف البحوث‬
‫املنشورة يف املجلّة‪ ،‬وتدقيق البحث لغويًا‪.‬‬
‫‪ 3-‬االلتزام بتعديل البحث حسب مالحظات هيئة التحرير املستندة‬
‫إىل تقرير املق ّيم العلمي‪.‬‬
‫إل بعد‬
‫رصف بالبحث بعد صدور قبول النرش من املجلّة‪ّ ،‬‬ ‫‪ 4-‬عدم الت ّ‬
‫حصويل عىل موافقة خطّيّة من رئيس التحرير‪.‬‬
‫‪ 5-‬حمل املسؤول ّية القانون ّية واألخالق ّية عن كل ما يرد يف البحث من‬
‫معلومات‪.‬‬
‫كام أق ّر مبا يأيت‪:‬‬
‫‪ 1-‬ملكيّتي الفكريّة للبحث‪.‬‬
‫‪ 2-‬التنازل عن حقوق الطبع والنرش والتوزيع ‪-‬الورقي واإللكرتوين ‪-‬‬
‫كافّة ملجلّة العقيدة أو من تخ ّوله‪.‬‬
‫وبخالف ذلك أتح ّمل التبعات القانونيّة كافّة‪ ،‬وألجله وقّعت‪.‬‬
‫اسم الباحث‪).................................................................................. ( :‬‬
‫املؤسسة التي يعمل بها الباحث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫اسم الوزارة والجامعة والكل ّية أو‬
‫(‪).........................................................................................................‬‬
‫ين للباحث (‪)...........................................................‬‬ ‫الربيد اإللكرتو ّ‬
‫رقم الهاتف‪).....................................................( :‬‬
‫أسامء الباحثني املشاركني إن وجدوا (‪)................................................‬‬
‫توقيع الباحث‬
‫التاريخ‪ 202//‬ماملوافق‪144//:‬هـ‬
‫‪12‬‬

‫دليل ّ‬
‫املقومني‬
‫تحرص (مجلّة العقيدة) عىل ضامن أعىل درجات الكفاءة واإلنصاف‬
‫فضل عن ضامن توحيد آليّة التقويم‪ ،‬واالتفاق عىل‬ ‫ً‬ ‫يف عملية التقويم‪،‬‬
‫مراحلها‪ ،‬وتأكيد أهمية استيفاء معايري التقويم املنصف والدقيق؛ لذلك‬
‫العلمي للبحوث‪ ،‬هي أن يقرأ البحث‬‫ّ‬ ‫نرى أن امله ّمة األساسيّة للمق ّوم‬
‫العلمي بعناية فائقة‪ ،‬ويق ّومه عىل وفق منظور‬
‫ّ‬ ‫تخصصه‬‫ّ‬ ‫الذي يقع ضمن‬
‫علمي أكادميي ّال يخضع آلرائه الشخصيّة‪ ،‬ثم يقوم بتثبيت ملحوظاته‬ ‫ّ‬
‫الصادقة حول البحث‪.‬‬
‫وأن يُعاد البحث إىل املجلّة يف مدة ال تتجاوز خمسة عرش يو ًما‪ ،‬ويتم‬
‫التقييم عىل وفق املحددات اآلتية‪:‬‬
‫‪ )1‬مدى اتساق العنوان مع املحتوى‪.‬‬
‫العلمي املستخدم مع املحتوى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )2‬سالمة املنهج‬
‫‪ )3‬مدى توثيق املصادر واملراجع وحداثتها‪.‬‬
‫‪ )4‬األصالة والقيمة العلم ّية املضافة يف حقل املعرفة‪.‬‬
‫‪ )5‬توافق البحث مع السياسة العامة للمجلّة‪ ،‬وضوابط النرش فيها‪.‬‬
‫‪ )6‬عدم االستالل من دراسات سابقة‪ ،‬ومع ثبوت االستالل يلتزم‬
‫املق ّوم ببيان تلك الدراسات لرئيس التحرير يف املجلّة‪.‬‬
‫‪ )7‬بيان ما إذا كان ملخّص البحث يصف بشكل واضح مضمون‬
‫البحث وفكرته‪ ،‬باللغتني العربيّة واالنكليزية‪.‬‬
‫‪ )8‬بيان مدى استناد النتائج التي توصل إليها الباحث إىل األطر النظرية‬
‫التي اعتمد عليها‪.‬‬
‫حق املؤلّف االطالع‬
‫رسي‪ ،‬وليس من ِّ‬ ‫‪ )9‬عملية التقويم تتم بشكل ّ‬
‫أي جانب منها‪ ،‬وتسلّم امللحوظات مكتوبة إىل مدير التحرير‪.‬‬
‫عىل ّ‬
‫‪ )10‬إن ملحوظات املق ّوم العلم ّية وتوصياته ستعتمد بشكل رئيس يف‬
‫قرار قبول البحث للنرش من عدمه‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫الفهرست‬

‫‪15‬‬ ‫افتتاحية العدد‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬


‫‪17‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬ ‫*‬
‫الدكتور حميد عطايئ‬

‫‪61‬‬ ‫ّ‬
‫الفقهية لألئمة‪%‬‬ ‫ّ‬
‫للمرجعية‬ ‫ّ‬
‫النبوي‬ ‫التأسيس‬ ‫*‬
‫الشيخ سامر عجيم‬

‫‪125‬‬ ‫الس ّني�ة‬


‫اجتهاد الصحابة بني مدرسة أهل البيت واملدرسة ُ‬ ‫*‬
‫الشيخ د‪ .‬عدنان فرحان‬

‫‪173‬‬ ‫ّ‬
‫وكيفيت�ة‬ ‫ّ‬
‫التشيع‬ ‫النقد النوعي لآلراء حول تاريخ نشوء‬ ‫*‬
‫الدكتور محسن ألويري‬

‫الدراسات و التحقيق‬

‫‪247‬‬ ‫مولد اإلمام الباقر ‪ A‬و شهادته‬ ‫*‬


‫الشيخ محمد باقر ملكيان‬

‫‪263‬‬ ‫* نقداإلحلاداملعاصر (احللقةاألوىل)‬


‫الشيخ علي ديالن‬
‫‪ 14‬افتت�احية العدد‬
‫ال يقف علم الكالم عىل حدود بيان العقيدة فحسب‪ ،‬بل إ ّن‬
‫الذب عن العقيدة هي الوظيفة األساسيّة من وجوده‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مه ّمته يف‬
‫فتأمني سالمة العقيدة هي األكرث عناي ًة من سائر وظائفه‪ ،‬ومن جملة‬
‫الضامنات التي أوجدها علم الكالم لسالمة العقيدة ودميومتها‬
‫أسسه رسول الله‬
‫ط التأصيل ال َعقَدي الذي ّ‬‫الحفاظ عىل استمرار خ ّ‬
‫املعب األمثل‬
‫ّ‬ ‫‪ J‬بوساطة وجود فكر أهل البيت ‪ ،%‬بوصفهم‬
‫عن العقيدة اإلسالمية السليمة‪.‬‬

‫ولقد استم َّر أهل البيت ‪ ،%‬عىل هذا النهج‪ ،‬ومن بعدهم‬
‫املؤسسني وحملة فكرهم بإيجاد سبل أمان العقيدة‬ ‫ّ‬ ‫العلامء من جيل‬
‫واألمن الفكري‪ ،‬وصونهام وإيجاد خطوط الص ّد أمام الهجامت التي‬
‫واجهتها والدعاوى التضليلية التي حاولت النيل منها‪ .‬حتى استوى‬
‫علم الكالم اإلمامي عىل ُسو ِقه‪ ،‬مبا ق ّدم أجيال العلامء الذين تلوا‬
‫منهجي‬
‫ّ‬ ‫قالب‬
‫ٍ‬ ‫تالمذة أمئّة أهل البيت ‪ ،%‬عرب تبويبه ووضعه يف‬
‫رصني‪.‬‬

‫يف العدد الحايل من مجلة العقيدة أبحاثٌ ناظر ٌة إىل ما تق ّدم‪،‬‬


‫وأوىل تلك األبحاث هو ما يتعلّق مبباحث التوحيد‪ ،‬ومه ّمة برهان‬
‫الصديقني يف استعامله إلثبات عقيدة وجود الله تعاىل‪ ،‬استنا ًدا‬
‫إىل حقيقة الوجود الخارجي‪ ،‬وأصله الذي يستدعي واج ًدا له‪ ،‬وهو‬
‫واجب للوجود بذاته‪.‬‬
‫‪ 16‬افتت�احية العدد‬

‫النبوي ملرجعيّة أهل البيت‬


‫ّ‬ ‫وييل هذا البحث بحثٌ حول التأسيس‬
‫النبي ‪ ،J‬تلك املرجعية التي حفظت الرسالة‪ ،‬يف بيان‬ ‫ّ‬ ‫الدين ّية بعد‬
‫أصولها وفروعها‪ ،‬ور ّد الشبهات عنها‪ ،‬مراعي ًة يف ذلك مستوى املتلقّي‪،‬‬
‫وطبيعة املوقف‪ ،‬وسياق الخطاب‪.‬‬

‫النبي ‪ J‬يف تأسيس‬ ‫ّ‬ ‫ووفقًا لذلك ولظهور آراء ارتيابية يف مهمة‬
‫تلك املرجعية وتناميها بفضل تب ّني الجانب السيايس لها‪ ،‬فقد كان لعلامء‬
‫مدرسة أهل البيت ‪ ،%‬دو ٌر يف الدفاع عن تلك العقيدة الرسال ّية وحفظه‬
‫النوعي لآلراء حول تأريخ ظهور التشيّع‬
‫ّ‬ ‫هويّتها؛ لذا جاء بحث (النقد‬
‫وكيفيته) للر ّد عىل تلك األصوات املناوئة لفكر أهل البيت ‪ ،،%‬التي‬
‫كان مرسح السالطني عشًّ ا لها‪.‬‬

‫ويف العدد بحوثٌ أُخر ناظر ٌة إىل العقيدة من زوايا قريب ٍة من ذلك‪،‬‬
‫منها بحث حول اجتهاد الصحابة وحج ّية آراءهم كمرشو ٍع بديلٍ ملرشوع‬
‫رسول الله يف مرجعيّة أهل بيته ‪ ،،%‬فيتناول تلك الدعوى قراءةً‪،‬‬
‫حا‪.‬‬
‫ونقدا‪ ،‬وترجي ً‬
‫ويُختتم العدد بدراس ٍة تحليلي ٍة موضوع ّي ٍة حول اإللحاد املعارص ‪،‬‬
‫بعد بيان مناشئه ومرتكزاته‪ ،‬ث ّم مناقشة ونقد أبرز آراء قادته‪.‬‬

‫نأمل أ ْن ت ُق ّدم أبحاث هذا العدد منفع ًة معرفيّ ًة للق ّراء الكرام وعقيدتهم‪.‬‬
‫يل التوفيق‪.‬‬ ‫والل ُه و ُّ‬

‫الصغري‬
‫عمر عبد ال َّرزاق عيل َّ‬
‫د‪ّ .‬‬
‫النجف األرشف ‪ 23‬شهر رمضان ‪1445‬هـ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪17‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫(*)‬ ‫ّ‬
‫متكلمي اإلماميّة‬ ‫برهان ِّ‬
‫الصديقني عند‬

‫الدكتور حميد عطايئ‬


‫تعريب وتلخيص‪ :‬هاشم مرتىض‬

‫مستل من كتاب ( تاريخ برهان هاي اثبات وجود خدا در كالم امامية ) من‬
‫ٌّ‬ ‫(*) أصل هذا البحث‬
‫منشورات املعهد العايل للعلوم والثقافة االسالمية عام ‪ 1401‬ش الجزء الثاين الفصل السابع‪.‬‬
18
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪19‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫ّ‬
‫امللخص‬
‫ري من الدراسات يف برهان الصديقني‪ ،‬إىل نشأته وتط ّوره‬ ‫لقد تط ّرقت كث ٌ‬
‫يف الفلسفة اإلسالم ّية‪ ،‬وأ ّما تاريخه يف علم الكالم فلم يُعتنى به بنح ٍو ج ّيد‪،‬‬
‫وسنحاول هنا بعد تعريف برهان الص ِّديقني بيان التح ّوالت التي شهدها هذا‬
‫وتبي هذه‬
‫املل صدرا (ت ‪0501‬هـ)‪ّ .‬‬ ‫الربهان عند متكلّمي اإلماميّة إىل عرص ّ‬
‫الدراسة كيف ّية إسهام املتكلّمني يف تطوير هذا الربهان وتكثريه وتح ّوله يف تلك‬
‫امل ّدة‪ ،‬وإنّهم متكّنوا من إعطاء تقارير جديد ٍة وبديع ٍة له‪ ،‬وأسهموا يف تقويته‬
‫وتحكيمه‪.‬‬

‫الكلامت املفتاحية‪ :‬واجب الوجود‪ ،‬الوجود‪ ،‬االمتناع‪ ،‬الحدوث‪ ،‬اإلمكان‪ ،‬ال ِقدَم‪.‬‬
20

The Proof of the Righteous Among the Theologians of the


Imamiyyah
Dr. Hamid Ataie Nazari
Translation and Arabization: Hashem Murtada

Abstract
While numerous studies have explored the Proof of the Righ-
teous (Burhan al-Siddiqin) in terms of its origins and development
within Islamic philosophy, its history within the field of Kalam
(Islamic theology) has not been thoroughly examined. This study
aims to define the Proof of the Righteous and trace the transfor-
mations it experienced among the Imamiyyah theologians up to
the time of Mulla Sadra (d. 1050 AH). It reveals how theologians
have contributed to the evolution, expansion, and transformation
of this argument throughout that period. They have succeeded in
providing new and original expositions, thereby reinforcing and
refining the proof.

Keywords: Necessary Existence, Existence, Impossibility, Coming


into Being, Possibility, Perpetuity.
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪21‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫مقدّ مة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫ربا يقال إ ّن برهان الص ِّديقني هو الصورة املتعالية لربهان اإلمكان‬ ‫ّ‬
‫متسكوا بهذا الربهان‬
‫ريا من متكلّمي األشاعرة واإلمام ّية‪ّ ،‬‬ ‫والوجوب؛ لذا نرى كث ً‬
‫بدل برهان اإلمكان والوجوب ملا فيه من خصائص ع ّدة‪ ،‬وبعد مقارنة هذين‬
‫وربا‬
‫الربهانني نرى أ ّن برهان اإلمكان والوجوب يرتبط مبارش ًة بربهان الص ِّديقني ّ‬
‫يكون مق ّدمة له أو من خلفيّاته املعرفيّة‪ ،‬وبلغ هذا التقارب نح ًوا جعل بعضهم يع ّد‬
‫برهان الص ِّديقني من فروع برهان اإلمكان والوجوب‪ ،‬ولكن كام سوف نرى فإ ّن‬
‫مستقل‪ ،‬ويختلف عن برهان اإلمكان والوجوب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫برهان الص ِّديقني برها ٌن‬

‫يُع ّد برهان الص ِّديقني من األدلّة املعتربة إلثبات وجود الله‪ ،‬نشأ يف البداية‬
‫إقبال لدى جميع الفالسفة‪ ،‬ويُع ّد ابن سينا (ت ‪428‬هـ) مبدع‬
‫ً‬ ‫من الفلسفة‪ ،‬والقى‬
‫وسمه (طريق الصديقني) إلثبات وجود الله‪ ،‬ث ّم دخل هذا الربهان‬ ‫ّ‬ ‫هذا الربهان‬
‫يف علم الكالم عىل يد الخواجة نصري الدين الطويس (ت ‪672‬هـ) ورسعان ما ت ّم‬
‫قبوله عنده املتكلّمني وأصبح من أفضل الرباهني إلثبات وجود الله‪.‬‬

‫ث ّم إ ّن اهتامم متكلّمي اإلماميّة بهذا الربهان وتداوله يف مدرستَ ْي الحلّة‬


‫دليل عىل إقبالهم وتعاطيهم‬
‫املتأخّرة وقم‪ ،‬وإسهامهم يف تقديم تقارير متن ّوعة له‪ٌ ،‬‬
‫لهذا الربهان‪ ،‬وعىل سبيل املثال قد أصبح اهتامم متكلّمي مدرسة الحلّة املتأخّرة‬
‫بربهان الص ِّديقني بنح ٍو اكتفى بعضهم به يف إقامة الدليل عىل وجود الله تعاىل‪،‬‬
‫تقليدي متداو ٍل آخر كربهان الحدوث والقدم أو حتى‬
‫ّ‬ ‫أي برهانٍ‬
‫ومل يتط ّرقوا إىل ّ‬
‫برهان اإلمكان والوجوب‪.‬‬
‫تكمن أهم ّية البحث يف برهان الصديقني‪ ،‬وتح ّوالته يف الكالم اإلمامي‬
‫‪22‬‬

‫أنّه أصبح من الرباهني الفلسفية إلثبات الله املستخدمة يف الكالم اإلسالمي‬


‫منذ منتصف القرن السادس الهجري‪ ،‬و ُع ّد بعد قرنني من تلك امل ّدة وإىل يومنا‬
‫الحارض من أه ّم الرباهني عند الفالسفة واملتكلّمني‪ ،‬وعليه فله موقع ّية ممتازة من‬
‫بني سائر براهني إثبات وجود الله تعاىل‪.‬‬

‫تعريف برهان الصديقني‬

‫يُطلق برهان الص ِّديقني عىل نو ٍع من الربهان إلثبات وجود الله تعاىل‪ ،‬إذ‬
‫يثبت وجوده من دون لحاظ املخلوقات‪ ،‬ومبج ّرد االستناد إىل أصل الوجود‬
‫ومطلق الواقع وحقيقة الوجود الخارجي‪ .‬ففي هذا الربهان يُجعل الواقع‬
‫الخارجي أو وجود موجو ٍد يف العامل الخارجي مع قطع النظر عن ماهية ذلك‬
‫دليل عىل وجود الله‪ ،‬ويثبت بهذا الطريق أ ّن‬
‫ً‬ ‫الوجود وخصائصه‪ ،‬يجعل هذا‬
‫تحقّق موجو ٍد يف العامل الخارجي ال ميكن من دون وجود الواجب بالذات أو‬
‫الله تعاىل‪.‬‬

‫يثبت برهان الصديق وصفًا (أي وجوب الوجود) ملطلق الواقع والوجود‪،‬‬
‫وهو وصف لله تعاىل يف الحقيقة‪ ،‬وباملآل تثبت عين ّية الله مع مطلق الواقع‬
‫توسط‬‫والوجود‪ .‬وبنا ًء عىل هذا ميكن إثبات وجود الله بهذا االستدالل من دون ّ‬
‫ولب برهان الص ِّديقني الوارد يف جميع‬ ‫ّ‬ ‫املخلوقات وحتّى يف حالة إنكارها‪.‬‬
‫تقاريره املختلفة هو أ ّن الوجود ال يتحقّق من دون وجود واجب الوجود بالذات؛‬
‫يدل عىل تحقّق واجب‬ ‫ولذا فإ ّن تحقّق الوجود‪ ،‬ووجود املوجودات الخارج ّية‪ّ ،‬‬
‫الوجود بالذات‪ .‬وعليه فإ ّن برهان الص ِّديقني يثبت الله تعاىل بأنّه موجو ٌد وأنّه‬
‫خالق وواجب الوجود‪.‬‬
‫ٌ‬

‫كل براهني‬
‫ومع لحاظ التعريف املذكور أمكن القول بوجود أمرين يف ّ‬
‫الصديقني‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪23‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫‪1.‬لزوم وجود قضيّ ٍة ضمن مق ّدماته الظاهرة أو املضمرة من قبيل‪( :‬اليشء‬


‫حتم)؛ ألنّه مع مج ّرد‬
‫موجو ٌد رضورة)‪ ،‬أو (يوجد موجو ٌد يقي ًنا)‪ ،‬أو (توجد واقع ّية ً‬
‫قض ّية كهذه يتم اتصال االستدالل بالعامل الخارج عن الذهن‪ ،‬وبهذا يختلف برهان‬
‫الص ِّديقني عن الربهان الوجودي الذي يُعد برهانًا مبحوريّة املفهوم‪.‬‬

‫أل‬
‫‪2.‬املوجود أو الواقع الذي يكون الوساطة يف إثبات وجود الله‪ ،‬ال ب ّد ّ‬
‫خاصا أو بتعبريٍ آخر ال يكون موجو ًدا متّصفًا بصفات املخلوقات‬
‫ًّ‬ ‫يكون واق ًعا‬
‫من قبيل اإلمكان أو الحدوث؛ أل ّن إنكارها يف هذه الحالة يؤ ّدي إىل عدم إثبات‬
‫وجود الله‪.‬‬

‫وعليه ال ب ّد ألّ يتّصف الواقع املستند عليه يف مق ّدمات برهان الص ِّديقني‬
‫خاصة مثل الحدوث أو اإلمكان التي تصدق عىل بعض املوجودات‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بأوصاف‬
‫فقط‪ ،‬خالفًا لربهان الحدوث والقدم أو برهان اإلمكان والوجوب‪ .‬هذه الخاص ّية‬
‫يف برهان الص ِّديقني مت ّيزه عن الرباهني املعتمدة عىل املخلوقات التي تثبت‬
‫وجود الله عن طريق االستناد إىل املوجودات املخلوقة الخارجيّة‪.‬‬

‫ومع هذا البيان يظهر الفرق بني برهان الص ِّديقني وبرهان اإلمكان والوجوب‪،‬‬
‫استدالل يدور حول محور املوجود‪ ،‬وناظ ٌر إىل الوجود العا ّم‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فربهان الص ِّديقني‬
‫ٍ‬
‫موجودات‬ ‫ويستند يف مق ّدماته إلثبات وجود الله ‪-‬بدل االستناد إىل موجو ٍد أو ع ّدة‬
‫مع ّين ٍة ومتشخّص ٍة يف الخارج‪ -‬إىل مطلق الواقع ّية أو حقيقة الوجود الخارج ّية مع‬
‫وصف آخر‪ ،‬ويثبت ج ّراء ذلك عدم إمكان تحقّق موجو ٍد يف‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬
‫قطع النظر عن ّ‬
‫الخارج من دون وجود الله تعاىل‪ .‬أ ّما برهان اإلمكان والوجوب فهو باألساس‬
‫نو ٌع آخر من براهني إثبات وجود الله‪ ،‬أي من الرباهني الدائرة مدار املخلوقات‪،‬‬
‫خاص‪ ،‬إذ يتم االستناد يف إثبات وجود الله تعاىل إىل بعض‬ ‫ّ‬ ‫والناظرة إىل وجو ٍد‬
‫املوجودات أو الظواهر مع صفات وخصائص متع ّينة خارج ّية‪ .‬وبعبار ٍة أُخرى إ ّن‬
‫برهان اإلمكان والوجوب من الرباهني الكسمولوجيّة التي تستند ‪-‬إلثبات وجود‬
‫‪24‬‬

‫الله‪ -‬عىل خاصيّة (اإلمكان الذايت) للموجودات املحسوسة املتشخّصة يف‬


‫العامل الخارجي‪ ،‬فنقطة الرشوع يف هذا الربهان إثبات موجو ٍد ممكن الوجود‪،‬‬
‫وبعد التصديق بهذا الوجود املمكن يثبت وجود واجب‪ ،‬والحال أ ّن نقطة الرشوع‬
‫يف برهان الص ِّديقني هو الوجود املطلق‪.‬‬

‫إ ّن الفرق بني برهان الص ِّديقني وبرهان اإلمكان والوجوب كأسلوبني مختلفني‬
‫لالستدالل عىل وجود الله‪ ،‬يلوح من كلامت بعض املتكلّمني أيضً ا‪ .‬وعىل سبيل‬
‫املثال فإ ّن القايض عضد الدين اإليجي (ت ‪756‬هـ) من كبار متكلّمي األشاعرة‪،‬‬
‫يشري يف كتاب (املواقف) املشهور إىل خمسة مناهج مختلف ٍة إلثبات وجود الله‪،‬‬
‫وقد جعل برهان اإلمكان والوجوب من الرباهني املندرجة تحت عنوان (مسلك‬
‫جا مختلفًا إلثبات وجود الله ضمن‬ ‫املتكلّمني)‪ ،‬وع ّد برهان الص ِّديقني منه ً‬
‫(مسلك الحكامء)[[[‪.‬‬
‫وكذلك الفخر الرازي يف رشحه عىل اإلشارات‪ ،‬يجعل برهان الص ِّديقني‬
‫السينوي الذي يعتمد إلثبات الصانع عىل مج ّرد النظر إىل حال الوجود‪ ،‬يجعله‬
‫جا أوضح وأفضل من االستدالل بالحدوث أو اإلمكان‪ ،‬إلثبات‬ ‫طريقًا ومنه ً‬
‫وجود الله تعاىل[[[‪ .‬ويذكر أيضً ا يف تلخيصه لكتاب اإلشارات طريقني قوميني‬
‫إلثبات واجب الوجود‪ :‬الطريق األ ّول طريق بعض املحقّقني حيث يثبتون أ ّو ًل‬
‫إمكان املحسوسات ث ّم يثبتون وجود الواجب (وهو برهان اإلمكان والوجوب)‪،‬‬
‫والطريق اآلخر وهو أصدق وأبعد عن الشبهات‪ ،‬إذ ينظر إلثبات وجود الله إىل‬
‫تدل عىل‬ ‫حال الوجود من حيث هو هو (وهو برهان الص ِّديقني)[[[‪ .‬وهذه الشواهد ّ‬
‫أ ّن الفخر الرازي يعتقد باستقالل ّية برهان الص ِّديقني عن برهان اإلمكان والوجوب‪.‬‬
‫ومل ّا كان منطلق برهان الص ِّديقني قد ظهر يف الفلسفة السينويّة‪ ،‬واستم ّر‬

‫[[[ اإليجي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬املواقف يف علم الكالم‪.266 :‬‬


‫[[[ الرازي‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬رشح اإلشارات ‪.383 :2‬‬
‫[[[ الرازي‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬لباب اإلشارات‪.150 :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪25‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫عند تالمذته وأتباع مدرسته‪ ،‬فيلزم يف البداية أ ْن نتع ّرف عىل تقرير ابن سينا لربهان‬
‫الص ِّديقني‪ ،‬ث ّم نع ّرج عىل تح ّوالت وتقارير هذا الربهان عند بعض متكلّمي‬
‫اإلمام ّية‪.‬‬

‫برهان الصدِّ يقني يف الفلسفة السينويّة‬

‫معروف فإ ّن مبدع برهان الص ِّديقني هو فيلسوف اإلسالم الشهري‬‫ٌ‬ ‫كام هو‬
‫الشيخ الرئيس ابن سينا (ت ‪428‬هـ)‪ ،‬إذ مل نجد قبله برهانًا بهذا األسلوب إلثبات‬
‫وجود الله‪ .‬وقد ورد يف الكتب املنسوبة إىل أيب نرص الفارايب (ت ‪339‬هـ)‬
‫من قبيل رشح رسالة زينون‪ ،‬فصوص الحكم‪ ،‬عيون املسائل‪ ،‬أدلّة ع ّدها بعض‬
‫املعارصين سوابق وخلفيّات أو تقارير رصيحة لربهان الص ِّديقني عند الفارايب[[[‪.‬‬
‫حة انتساب هذه الكتب إىل الفارايب[[[‪،‬‬ ‫ولكن مع لحاظ التشكيك الجا ّد يف ص ّ‬
‫ال ميكننا قبول هكذا خلف ّيات وسوابق‪ ،‬وعليه لو أردنا االعتامد عىل املصادر‬
‫املؤسس واملبدع‬‫ّ‬ ‫والوثائق املوجودة واملوثقة‪ ،‬ال ب ّد أن نجعل ابن سينا هو‬
‫لربهان الص ِّديقني‪.‬‬

‫وقد وسم ابن سينا برهانه بربهان الص ِّديقني يف مختلف كتبه من قبيل املبدأ‬
‫واملعاد‪ ،‬النجاة‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬وتقريره لهذا االستدالل كام ورد يف املبدأ‬
‫وكل وجو ٍد فإ ّما واجب‬
‫واملعاد وكتاب النجاة هكذا‪« :‬ال شك أ ّن هناك وجو ًدا‪ّ ،‬‬
‫صح وجود واجب وهو املطلوب‪ ،‬وإ ْن كان‬ ‫ّ‬ ‫وإ ّما ممكن‪ ،‬فإ ْن كان واج ًبا فقد‬
‫ممك ًنا فإنّا نوضح أ ّن املمكن ينتهي وجوده إىل واجب الوجود»[[[‪.‬‬

‫ث ّم إ ّن ابن سينا ألجل إثبات مدعاه بانتهاء ممكن الوجود إىل واجب الوجود‪،‬‬

‫[[[ راجع عىل سبيل املثال‪ :‬بارسانيا حميد‪ ،‬برهان صديقني (مباين وتطورات)‪.17-12 :‬‬
‫سليامىن امريى عسكرى‪ ،‬برهان صديق عالمه طباطبايئ‪.36 :‬‬
‫[[[ راجع‪.593-592 Rudolph, Ulrich, philosophy in the Islamic world, vol pp :‬‬
‫[[[ ابن سينا‪ ،‬النجاة‪ ،566 :‬املبدأ واملعاد‪ ،22 :‬وانظر أيضً ا‪ :‬اإلشارات‪.267 :‬‬
‫‪26‬‬

‫ٌ‬
‫محال يف العلل‪ ،‬كام يق ّدم تقري ًرا آخر عن‬ ‫دليل ويثبت أ ّن الدور والتسلسل‬
‫يقيم ً‬
‫«كل موجو ٍدإذا التفت إليه‬
‫برهان الص ِّديقني يف كتابه اإلشارات والتنبيهات ويقول‪ّ :‬‬
‫من حيث ذاته ‪ -‬من غري التفات إىل غريه ‪ -‬فإ ّما أ ْن يكون بحيث يجب له الوجود‬
‫الحق بذاته الواجب وجوده من ذاته‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫يف نفسه أو ال يكون‪ .‬فإ ْن وجب فهو‬
‫القيوم‪ .‬وإ ْن مل يجب مل يجز أ ْن يقال‪( :‬إنّه ممتنع بذاته) بعد ما فُرض موجو ًدا‪ .‬بىل‬
‫ط مثل رشط (عدم علّته) صار ممتن ًعا‪ ،‬أو مثل (وجود علّته)‬ ‫إ ْن قُرن باعتبار ذاته رش ٌ‬
‫ط ‪ -‬ال حصول علّة وال عدمها ‪ -‬بقي له يف ذاته‬ ‫صار واج ًبا‪ ،‬وإ ْن مل يُقرن بها رش ٌ‬
‫األمر الثالث ‪ -‬وهو اإلمكان ‪ -‬فيكون باعتبار ذات اليشء الذي ال يجب وال ميتنع‪.‬‬
‫فكل موجو ٍد إ ّما واجب الوجود بذاته‪ ،‬وإ ّما ممكن الوجود بحسب ذاته‪ .‬ما حقّه‬ ‫ّ‬
‫يف نفسه اإلمكان‪ ،‬فليس يصري موجو ًدا من ذاته‪ ،‬فإنّه ليس وجوده أوىل من عدمه‬
‫كل‬‫من حيث هو ممكن‪ ،‬فإ ْن صار أحدهام أوىل فلحضور يشء أو غيبته‪ .‬فوجود ّ‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫كل‬
‫ممكن الوجود هو من غريه‪ .‬إ ّما أ ْن يتسلسل ذلك إىل غري النهاية‪ ،‬فيكون ّ‬
‫من آحاد السلسلة ممك ًنا يف ذاته‪ ،‬والجملة متعلّقة بها فتكون غري واجب ٍة أيضً ا‪،‬‬
‫فكل سلسل ٍة تنتهي إىل واجب الوجود بذاته»[[[‪.‬‬ ‫وتجب بغريها‪ّ ...‬‬
‫يرى ابن سينا أ ّن أفضل ّية هذا الربهان عىل سائر الرباهني‪ ،‬إنّ ا هو يف برهان ّيته‬
‫ألنّه يثبت وجود الله تعاىل مبج ّرد النظر والتأ ّمل يف الوجود نفسه‪ ،‬من دون الحاجة‬
‫إىل لحاظ أفعال الله أو املخلوقات أو وصف من صفاتها‪ ،‬كام هو الحال يف‬
‫سائر الرباهني‪ .‬ويرى ابن سينا أ ّن هذه الطريقة أي النظر إىل الوجود نفسه‪ ،‬بنحو‬
‫يدل ذات الوجود من حيث هو هو عىل وجود واجب الوجود‪ ،‬ث ّم داللة وجود‬ ‫ّ‬
‫واجب الوجود عىل سائر املوجودات الحادثة عنه‪ ،‬أنّها أفضل وأمنت من الطريقة‬
‫التي يثبت وجود الله عن طريق أوصاف املخلوقات أو أفعال الله‪ .‬ويستشهد ابن‬
‫ش ٍء شَ هِيدٌ ﴾[[[‪.‬‬ ‫ْف ِب َربِّكَ أَنَّهُ َع َ ٰ‬
‫ل ك ُِّل َ ْ‬ ‫سينا لتأييد كالمه بقوله تعاىل‪﴿ :‬أَ َول َْم يَك ِ‬

‫[[[ ابن سينا‪ ،‬اإلشارات‪.269-266 :‬‬


‫[[[ سورة فصلت‪ ،‬اآلية ‪.53‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪27‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫ويقول‪« :‬إ ّن هذا حكم الص ِّديقني الذين يستشهدون به ال عليه»[[[‪.‬‬

‫ث ّم إ ّن الخواجة نصري الدين الطويس يشري ابتدا ًء يف رشح اإلشارات إىل‬


‫طريقني معروفني إلثبات وجود الله تعاىل‪ ،‬أحدهام طريق املتكلّمني وحكامء‬
‫الطبيعة الذين يثبتون وجود الله عن طريق املخلوقات وصفاتها كالحدوث‬
‫والحركة‪ ،‬والثاين طريق اإللهيّني الذين يثبتون وجود الله باالستناد إىل الوجود‬
‫نفسه‪ ،‬ث ّم يقول يف وجه تسمية استدالل اإلله ّيني بربهان الص ِّديقني‪« :‬وملا‬
‫كان طريقة قومه أصدق الوجهني‪ ،‬وسمهم بالصديِّقني‪ ،‬فإ ّن الص ِّديق هو مالز ُم‬
‫الصدق»[[[‪.‬‬
‫إقبال واس ًعا من قبل الفالسفة‬
‫ً‬ ‫ولقد القى برهان الص ِّديقني بعد ابن سينا‬
‫واملتكلّمني‪ ،‬ودليل هذا اإلقبال الخصائص واملم ّيزات املوجودة فيه بالنسبة إىل‬
‫سائر الرباهني‪ ،‬وسنشري يف النقطة اآلتية إىل بعض تلك الخصائص‪.‬‬

‫خصائص برهان الصدِّ يقني‬


‫ربا يكون ابن سينا أ ّول فيلسوف قام بإحداث تغيريٍ جزيئ يف برهان اإلمكان‬ ‫ّ‬
‫والوجوب وح ّوله إىل برهان الص ِّديقني‪ ،‬فاإلبداع الذي عمله يف هذا املجال‪ ،‬أنّه‬
‫استبدل القضايا التالية‪( :‬يوجد ممكن بالذات)‪ ،‬أو (عامل األجسام ممكن الوجود)‬
‫‪ -‬وهي من املق ّدمات األوىل لربهان اإلمكان والوجوب‪ ،‬حيث تكون الحقيقة‬
‫خاص ًة متّصف ًة بوصف اإلمكان بالذات ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫التي يُستند إليها إلثبات الله تعاىل حقيق ًة‬
‫إىل قضايا‪( :‬يوجد وجود‪ ،‬واقع‪ ،‬موجود‪ ،‬يشء) وهي قضيّة عا ّمة تشمل الله تعاىل‬
‫وسائر املخلوقات‪ ،‬وكانت مثرة هذا التغيري‪:‬‬

‫رض يف هذا الربهان إلثبات وجود‬


‫‪1.‬إ ّن إنكار غري الله من املوجودات ال ي ّ‬
‫أي مخلوقٍ يف العامل‪ ،‬فنحن نتمكّن من إثبات‬
‫الله‪ ،‬فلو ا ّدعى شخص عدم وجود ّ‬

‫[[[ ابن سينا‪ ،‬اإلشارات‪.276 :‬‬


‫[[[ الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات ‪.67 :3‬‬
‫‪28‬‬

‫وجود الله بهذا الربهان؛ (ألنّه ال يعتمد يف استدالله عىل وجود املخلوقات‬
‫وأوصافها)‪.‬‬

‫‪2.‬ال حاجة يف هذا الربهان إىل إثبات أوصاف املخلوقات كاملمكن‬


‫بالذات أو الحادث؛ ألنّه يعتمد عىل أصل الوجود ومطلق الواقع وهام أمران‬
‫خاصا من الوجود والواقع‪ .‬أ ّما يف برهان اإلمكان والوجوب‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫بديه ّيان وليسا نو ًعا‬
‫ال ب ّد أ ّولً من إثبات وصف اإلمكان بالذات للعالَم أو بعض املوجودات‪ ،‬كام‬
‫يلزم يف برهان الحدوث والقدم‪ ،‬إثبات حدوث العامل أو بعض املوجودات‬
‫يف البداية‪ ،‬وعليه فإ ّن قض ّية (يوجد موجود‪ ،‬واقع‪ ،‬يشء) يف برهان الص ِّديقني‬
‫قض ّي ٌة بديه ّي ٌة ال تحتاج إىل إثبات‪ ،‬ولكن يف براهني الحدوث والقدم أو اإلمكان‬
‫والوجوب‪ ،‬فإ ّن القضايا (العامل حادث)‪ ،‬أو (العامل ممكن الوجود)‪ ،‬فإنّها غري‬
‫بديهيّ ٍة وتحتاج إىل إثبات[[[‪.‬‬

‫هل برهان الصدِّ يقني دليل ملّي أو شبه ملّي؟‬


‫يوجد خالف بني املتكلّمني يف اإلجابة عىل هذا السؤال‪ ،‬ولإلجابة ال ب ّد‬
‫من معرفة معنى الربهان الل ّمي أ ّو ًل‪ .‬الربهان الل ّمي هو االستدالل عىل وجود‬
‫اإلن حيث‬ ‫ّ‬ ‫املعلول بوجود العلّة‪ ،‬وهذا االستدالل يوجب اليقني خالفًا للربهان‬
‫ربا ال يوجب اليقني‪ .‬وعىل سبيل املثال‬ ‫ّ‬
‫يستدل عىل العلّة بوجود املعلول‪ ،‬فإنّه ّ‬
‫عندما يُراد إعطاء هديّة لشخص‪ ،‬أمكننا ادراك أنّه سيفرح؛ أل ّن الهديّة علّة الفرح‬
‫شخصا يبيك نعلم أنّه‬
‫ً‬ ‫(االستدالل من العلّة عىل املعلول) وكذلك عندما نشاهد‬
‫منزعج؛ أل ّن البكاء معلول االنزعاج (االستدالل من املعلول عىل العلّة)‪.‬‬
‫وإن‪ ،‬وإ ْن كرث استعامله يف آثار املناطقة‬
‫ث ّم إ ّن تقسيم الربهان إىل مل ّي ّ‬
‫والفالسفة‪ ،‬غري أنّه ورد يف بعض آثار املتكلّمني أيضً ا‪ ،‬وعىل سبيل املثال فقد‬
‫أشار املالحمي املعتزيل يف أحد كتبه أ ّن االستدالل العقيل عىل نحوين‪:‬‬

‫[[[ راجع‪ :‬عبوديت‪ ،‬اثبات وجود خدا‪.163-162 :‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪29‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫أ_ االستدالل من األثر عىل املؤث ِّر (وهو ما يعادل برهان اإل ّن عند املناطقة)‬
‫وهذا االستدالل نوعان أيضً ا‪:‬‬

‫‪1.‬األثر الصادر اختيا ًرا من مؤث ّ ٍر (فاعل) مختار‪ ،‬أي الفعل‪.‬‬

‫ب (العلّة أو السبب) أي حكم العلّة أو‬ ‫‪2.‬األثر الصادر إجبا ًرا من مؤث ّ ٍر مو َ‬
‫ج ٍ‬
‫مسبّب السبب‪.‬‬

‫ب_ االستدالل من املؤث ّر واملوجِب عىل األثر واملو َ‬


‫جب (وهو يعادل‬
‫برهان الل ّم عند املناطقة)[[[‪.‬‬
‫إ ّن برهان اللّم يفيد اليقني‪ ،‬لحصول العلم باملعلول عن طريق العلم بالعلّة‪،‬‬
‫ولكن برهان اإل ّن الذي نعلم بالعلّة عن طريق املعلول ال يفيد اليقني‪ ،‬الحتامل‬
‫ٍ‬
‫واحد (البكاء)‪ ،‬وعليه ال‬ ‫وجود ع ّدة عللٍ (مثل االنزعاج‪ ،‬الفرح‪ ،‬الوجع) ملعلو ٍل‬
‫الخاصة عن طريق املعلول‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يحصل العلم بالعلّة‬
‫أي علّ ٍة وسبب‪ ،‬فال ميكن إقامة ّ‬
‫أي برهانٍ‬ ‫يرى ابن سينا مل ّا كان الله ليست له ّ‬
‫قياس شبيه الربهان‪ ،‬أو‬
‫ٌ‬ ‫مل ّي عىل وجوده‪ ،‬فلم يكن برهان الص ِّديقني ملّيًا‪ ،‬بل إنّه‬
‫بعبار ٍة أخرى برهان يشبه الربهان الل ّمي؛ ألنّه يستنتج وجوب الوجود من ذات‬
‫الوجود‪ .‬ويف الواقع إ ّن خالصة هذا الربهان إ ّن الوجود نفسه يقتيض وجوب‬
‫ويدل عىل وجود واجب الوجود‪ ،‬وهذا املنهج من أكرث األدلّة استحكا ًما‬ ‫ّ‬ ‫الوجود‪،‬‬
‫بأي فعلٍ من أفعاله أو آثاره‪،‬‬
‫نتمسك إلثبات وجود الله ّ‬
‫إلثبات وجود الله؛ ألنّه ال ّ‬
‫أي موجو ٍد يف العامل‪ ،‬ومل يظهر له ّ‬
‫أي فعلٍ‬ ‫لذا حتّى لو افرتضنا أ ّن الله مل يخلق ّ‬
‫وأثر‪ ،‬فمع هذا نتمكّن من إثبات وجود الله بعنوان واجب الوجود من مج ّرد إثبات‬
‫الوجود‪.‬‬

‫يقول الفياض الالهيجي (ت ‪ )1072‬املتكلّم اإلمامي املشهور بخصوص‬

‫[[[ املالحمي‪ ،‬املعتمد يف أصول الدين‪.79 :‬‬


‫‪30‬‬

‫برهان الص ِّديقني‪« :‬هو أوثق املناهج وأقواها وأمتّها وأهداها وأقلّها مؤن ًة وأكرث‬
‫بالحق ال عليه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫معونةً‪ ،‬ويشبه أ ْن يكون طريق الص ِّديقني الذين هم يستشهدون‬
‫لكونه نظ ًرا يف الوجود‪ ،‬وهو عني حقيقته تعاىل‪ ،‬فيغني غناء الرباهني الل ّمية‪...‬‬
‫فهذا الطريق لكونه ال من جهة اآلثار يشبه الل ّم‪ ،‬ومن جهة أنّه ليس من العلّة ليس‬
‫به»[[[‪.‬‬
‫وخالفًا لهذه الرؤية‪ ،‬فقد ذهب نصري الدين الطويس يف رشح اإلشارات ويف‬
‫رشح برهان الص ِّديقني السينوي‪ ،‬يقول بعد اإلشارة إىل طريقني لالستدالل عىل‬
‫وجود الله‪ ،‬أي االستدالل من املخلوقات عىل وجود الله‪ ،‬واالستدالل بالوجود‬
‫نفسه عىل وجود الله‪ ،‬فس ّمى الطريق األ ّول (برهان اإلنّ)‪ ،‬والطريق الثاين (برهان‬
‫الل ّم)[[[‪ .‬وعليه حينام يشري الخواجة إىل أ ّن اآلية التي استشهد بها ابن سينا‪- ،‬‬
‫ش ٍء شَ هِيدٌ ﴾‪ّ -‬‬
‫تدل عىل مرتبة‬ ‫ْف ِب َربِّكَ أَنَّهُ َع َ ٰ‬
‫ل ك ُِّل َ ْ‬ ‫أي قوله تعاىل‪﴿ :‬أَ َول َْم يَك ِ‬
‫كل‬‫(كل يشء) ّ‬
‫كل يشء[[[‪ ،‬ال ب ّد أن يكون املراد من ّ‬ ‫االستشهاد بالله عىل وجود ّ‬
‫يش ٍء مبا يشمل وجود الله تعاىل أيضً ا‪ ،‬ليثبت مل ّية الربهان‪ ،‬مبعنى االستدالل‬
‫(كل يشء)‪:‬‬
‫بالوجود نفسه إلثبات الله واجب الوجود‪ .‬ولكن لو كان املراد من ّ‬
‫نقل‬
‫سائر املوجودات غري الله تعاىل‪ ،‬فيكون مل ّية الربهان ‪-‬كام سنذكره الحقًا ً‬
‫عن الفاضل املقداد والقطب الرازي ‪ -‬مبعنى داللة وجود الله ‪ -‬كعلّ ٍة للموجودات‬
‫‪ -‬عىل وجود املخلوقات‪.‬‬
‫الحل بعد تقريره لربهان الص ِّديقني قال عنه‪ :‬إنّه أرشف الطرق‬
‫ّ‬ ‫العلمة‬
‫ث ّم إ ّن ّ‬
‫وأمتنها وهو طريقة األوائل[[[‪ .‬ولكن خالفًا البن سينا والالهيجي اللذين ع ّداه‬

‫[[[ الالهيجي‪ ،‬شوارق اإللهام ‪.70 ،68 :5‬‬


‫[[[ الطويس‪ ،‬رشح اإلشارات ‪.67-66 :3‬‬
‫[[[ م‪.‬ن‪.67 :‬‬
‫ل‪ ،‬مناهج اليقني‪ ،221 :‬األرسار الخفية‪.519 :‬‬ ‫[[[ العلّمة ِ‬
‫الح ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪31‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫برهانًا شبه مل ّي‪ ،‬ذهب إىل أنّه برهان مل ّي كام ذهب إليه الخواجة نصري[[[‪ .‬وكذلك‬
‫الحل (كان ح ًيا يف ‪790‬هـ) من متكلّمي مدرسة الحلّة‬ ‫ّ‬ ‫ذهب ابن العتائقي‬
‫املتأخّرة‪ ،‬إذ قال‪« :‬وإنّ ا كانت هذه الطريقة أرشف الطرق؛ ألنّا يف هذا الطريق‬
‫نظرنا إىل نفس الوجود من حيث هو وجود‪ ،‬فشهد بوجوب الواجب تعاىل»[[[‪،‬‬
‫استدالل ملّيًا‪ ،‬وأرشف وأمنت من برهان‬
‫ً‬ ‫كام أنّه يعتقد بكون برهان الص ِّديقني‬
‫استدالل إنّ ًيا[[[‪.‬‬
‫ً‬ ‫الحدوث والقدم‪ ،‬حيث لو ت ّم لكان‬
‫وأكّد ابن أيب جمهور اإلحسايئ عىل أفضليّة طريق الحكامء يف إثبات وجود‬
‫الله عن طريق النظر يف أصل الوجود‪ ،‬وذكر أ ّن املتكلّمني وحكامء الطبيعة‬
‫يثبتون وجود الله تعاىل عن طريق النظر يف املخلوقات‪ ،‬واالستناد إىل الحوادث‬
‫وربا ال‬ ‫ّ‬ ‫وحركتها‪ ،‬وطريقتهم يف الواقع هي االستدالل باملعلول عىل العلّة‪،‬‬
‫يفيد هذا االستدالل اليقني ولكن طريق الحكامء اإللهيّني يف إثبات وجود الله‪،‬‬
‫إنّ ا هو االستدالل من العلّة عىل املعلول املفيد لليقني‪ ،‬وكام ذهب أيضً ا تب ًعا‬
‫ش ٍء‬‫ل ك ُِّل َ ْ‬‫ْف ِب َربِّكَ أَنَّهُ َع َ ٰ‬
‫للخواجة نصري الدين إىل أ ّن قوله تعاىل‪﴿ :‬أَ َول َْم يَك ِ‬
‫بأي يش ٍء موجود يف العامل[[[‪.‬‬ ‫يدل عىل االستدالل عىل الله تعاىل ّ‬ ‫شَ هِيدٌ ﴾‪ّ ،‬‬

‫وقد ع ّد الفاضل املقداد السيوري ‪ -‬املتكلّم الشهري من مدرسة الحلّة‬


‫املتأخّرة ‪ -‬برهان الص ِّديقني استداللً ملّيًّا‪ ،‬ولكن ذكر يف كتبه تفسريين لل ّمية هذا‬
‫استدالل‬
‫ً‬ ‫الربهان‪ ،‬فقد قال يف كتابه إرشاد الطالبني أ ّن جهة مل ّية هذا الربهان كونه‬
‫من الوجود نفسه عىل وجود واجب الوجود[[[‪ ،‬ولكن نرى يف كتابه اآلخر اللوامع‬
‫اإلله ّية مل يجعل مل ّية الربهان االستدالل من الوجود املطلق نفسه عىل وجود‬

‫[[[ العلّمة الحلِّ ‪ ،‬كشف املراد‪.392 :‬‬


‫[[[ ابن العتائقي‪ ،‬اإليضاح والتبيني‪.324 :‬‬
‫[[[ م‪.‬ن‪.325 :‬‬
‫[[[ ابن أيب جمهور‪ ،‬املجيل مرآة املنجي ‪.515-514 :2‬‬
‫[[[ مقداد السيوري‪ ،‬إرشاد الطالبني‪.177 :‬‬
‫‪32‬‬

‫الله‪ ،‬بل من حيث الوصول من العلّة (أي الله تعاىل)‪ ،‬إىل املعلول (أي غري الله‬
‫أو سائر املوجودات)[[[‪.‬‬

‫وقد قال قطب الدين الرازي (ت ‪766‬هـ) أيضً ا‪« :‬االستدالل بالعلّة عىل‬
‫املعلول هو االستدالل من واجب الوجود عىل معلوالته‪ .‬فإنّا يف الطريقة‬
‫ّ‬
‫نستدل به عىل‬ ‫املختارة [أي برهان الص ِّديقني] نثبت واجب الوجود أ ّو ًل‪ ،‬ث ّم‬
‫سائر املوجودات‪ .‬وأ ّما القوم فيثبتون سائر املوجودات ويستدلّون بها عىل وجود‬
‫ّ‬
‫ونستدل به عىل الخلق‪ ،‬وأ ّما هم‬ ‫الحق‬
‫ّ‬ ‫واجب الوجود‪ .‬وبعبار ٍة أخرى‪ :‬نحن نثبت‬
‫الحق‪ ،‬فطريقنا أرشف وأوثق»[[[‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فيثبتون الخلق ويستدلّون به عىل‬

‫ٍ‬
‫بحث عند مقارنته‬ ‫يظهر أ ّن األصل يف برهان الص ِّديقني وما يدور حوله من‬
‫مع سائر براهني إثبات وجود الله تعاىل‪ ،‬إنّ ا هو مسألة أصل إثبات وجود الله‪،‬‬
‫وعليه فإ ّن امليزة التي أراد ابن سينا وكذلك الخواجة نصري الدين إثباتها لربهان‬
‫الص ِّديقني‪ ،‬ال بد أ ْن يكون ناظ ًرا بطبيعة الحال إىل مسألة وجود الله‪ .‬فطبقًا لتفسري‬
‫الفاضل املقداد وكذلك القطب الرازي‪ ،‬إذا كانت مل ّية برهان الص ِّديقني ويقينيته‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ال‬ ‫من حيث االستدالل بوجود الله ‪-‬كعلّة املوجودات‪ -‬عىل املخلوقات‪،‬‬
‫تكون لهذا الربهان ميز ٌة بخصوص إثبات وجود الله‪ ،‬وباملآل سوف ال يكون لهذا‬
‫ترجيح عىل سائر الرباهني‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الربهان‬

‫وبعبارة أخرى‪ :‬إ ّن أساس كالم ابن سينا والخواجة نصري‪ ،‬أ ّن طريق برهان‬
‫ٌ‬
‫استدالل مل ٌّّي أو شبه‬ ‫الص ِّديقني من أفضل الطرق إلثبات وجود الله؛ ألنّه‬
‫ملّ‪ ،‬ولكن سائر الرباهني أدلّة إنّيّة‪ ،‬والحال أ ّن تفسري الفاضل املقداد والقطب‬
‫ّ‬
‫الدال عىل ترجيح برهان الص ِّديقني عىل سائر الرباهني يعني أ ّن إثبات‬ ‫الرازي‬
‫املمكنات باالستناد إىل واجب الوجود أفضل من إثبات واجب الوجود عن‬

‫[[[ اللوامع اإلله ّية‪.153 :‬‬


‫[[[ الرازي‪ ،‬اإلله ّيات يف املحاكامت‪.93 :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪33‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫طريق املمكنات[[[‪ .‬واملعلوم أ ّن هذا التقرير لل ّمية برهان الص ِّديقني‪ ،‬ال يوجب‬
‫وصف ناظ ٌر‬
‫ٌ‬ ‫له مزيّة من حيث إثباته لوجود الله‪ ،‬والحال أ ّن مل ّية برهان الص ِّديقني‬
‫إىل مسألة إثبات الله تعاىل‪ ،‬ويع ّد ميزة لهذا الربهان بخصوص هذه املسألة‪.‬‬

‫والخالصة فيام يتعلّق برأي متكلّمي اإلمام ّية حول برهان الص ِّديقني من حيث‬
‫والعلمة‬
‫ّ‬ ‫كل من الخواجة نصري الدين الطويس‪،‬‬ ‫إنّه مل ّّي أو شبه مل ّّي‪ ،‬فقد ذهب ٌّ‬
‫الح ّل‪ ،‬وابن العتائقي‪ ،‬والفاضل املقداد السيوري‪ ،‬وابن أيب جمهور اإلحسايئ‬ ‫ِ‬
‫إىل أنّه مل ّّي‪ ،‬إذ نصل من وجود العلّة (أي الوجود نفسه وهو حقيقة الله تعاىل)‪،‬‬
‫بعض أمثال الفياض الالهيجي‬
‫ٌ‬ ‫إىل وجود املعلول (أي وجود الله)‪ ،‬ولكن ذهب‬
‫تب ًعا البن سينا‪ ،‬إىل أنّه شبه ملّ‪.‬‬

‫مقارنة برهان الصدِّ يقني مع براهني الحدوث والقدم واإلمكان والوجوب‬


‫إ ّن الخصائص املوجودة يف برهان الص ِّديقني‪ ،‬كانت السبب يف إقبال‬
‫الفالسفة واملتكلّمني عىل هذا الربهان‪ ،‬وخالفًا لربهان (الحدوث والقدم) الذي‬
‫استدالل إنّ ًيا يُثبت فيه وجود الباري عن طريق املخلوقات الحادثة ‪ -‬وهي‬
‫ً‬ ‫يُع ّد‬
‫ربا ال يوجب اليقني‪ ،‬فإ ّن برهان الص ِّديقني برهان مل ّي‬
‫أفعال الله وآثاره ‪ -‬لذا ّ‬
‫األقل‪ ،‬وميكن من خالل إثبات الوجود نفسه وحقيقته‪ ،‬إثبات‬ ‫ّ‬ ‫أو شبه مل ّي عىل‬
‫وجود واجب الوجود‪ ،‬أي مل يكن طريق االستدالل من املعلول إىل العلّة؛ ولذا‬
‫فإنّه برها ٌن مفيد لليقني‪.‬‬

‫مضافًا إىل هذه امليزة لربهان الص ِّديقني‪ ،‬فقد أشار نصري الدين الكاشاين‬
‫(ت ‪755‬هـ) ‪ -‬من متكلّمي مدرسة الحلّة املتأخّرة ‪ -‬يف مقام املقارنة بني برهان‬
‫الحدوث والقدم مع برهان الص ِّديقني البن سينا‪ ،‬إىل نقط ٍة أخرى بخصوص أفضل ّية‬
‫برهان الص ِّديقني وهي وضوح مق ّدمات برهان الص ِّديقني وغموض مق ّدمات‬

‫[[[ الباغنوي‪ ،‬الحاشية عىل املحاكامت (مطبوع مع اإللهيّات من املحاكامت للقطب‬


‫الرازي)‪.134 :‬‬
‫‪34‬‬

‫برهان الحدوث والقدم‪ ،‬وحيث قال‪« :‬واعلم أ ّن بيان الشيخ يف إثبات الواجب‬
‫أرشف من بيان املتلكّمني؛ ألنّه ب ّينه بالنظر يف الوجود وتقسيمه إىل الواجب‬
‫واملمكن‪ ،‬وهذه أمور جل ّية عند العقل‪ ،‬وأ ّما املتكلّمون فب ّينوا أ ّو ًل حدوث العامل‪،‬‬
‫ث ّم استدلّوا منه عىل ثبوت الواجب ببيان لو مل يرجع فيه إىل بيان الشيخ ‪ -‬وهو‬
‫إبطال التسلسل ‪ -‬مل يتم داللته عىل املطلوب‪ .‬فهذا البيان موقوف عىل بيان‬
‫إل بأدلّة غامضة»[[[‪.‬‬
‫الشيخ وحدوث العامل الذي ال يت ّم لو ت ّم ّ‬

‫ث ّم إ ّن مقارنة هذين الربهان َْي من حيث النتيجة‪ ،‬يكشف لنا أ ّن برهان الحدوث‬
‫والقدم ال يستطيع من إثبات صفة (وجوب الوجود) إىل الله تعاىل مبفرده‪ ،‬بل‬
‫يثبت مج ّرد وجود ُم ِ‬
‫حد ٍ‬
‫ث قديمٍ للعامل الحادث‪ ،‬ولكن برهان الص ِّديقني ‪ -‬مضافًا‬
‫إىل هذا‪ -‬يثبت وجود واجب الوجود أيضً ا‪ ،‬وهي نتيجة أعىل وأرشف؛ ألنّه ميكن‬
‫إثبات كثريٍ من صفات الله تعاىل عن طريق االستناد إىل صفة وجوب الوجود‪،‬‬
‫وعليه فإ ّن برهان الص ِّديقني أرشف وأفضل من برهان الحدوث والقدم‪.‬‬
‫إىل هنا بيّنا وجوه تفضيل برهان الص ِّديقني عىل برهان الحدوث والقدم‪،‬‬
‫وسنشري فيام ييل إىل وجوه تفضيل برهان الص ِّديقني عىل برهان اإلمكان‬
‫والوجوب‪:‬‬
‫‪1.‬إ ّن برهان الص ِّديقني يدور مدار املوجود‪ ،‬إذ يثبت وجود الله عن طريق‬
‫مالحظة الوجود نفسه وحقيقته فقط‪ ،‬وال يستند إىل وجود املخلوقات أب ًدا؛‬
‫يخل يف إثبات وجود الله يف هذا الطريق‪ ،‬ولكن‬ ‫لذا فإ ّن إنكار املخلوقات ال ّ‬
‫إ ّن برهان اإلمكان والوجوب يدور مدار املخلوق‪ ،‬إذ إ ّن إنكار املخلوقات أو‬
‫املمكنات مينع من إثبات وجود الله يف هذا الطريق‪.‬‬

‫أقل من مق ّدمات برهان اإلمكان‬ ‫‪2.‬إ ّن عدد مق ّدمات برهان الص ِّديقني ّ‬
‫والوجوب؛ أل ّن يف برهان الص ِّديقني ال نحتاج إىل إثبات هذه املق ّدمة الدالّة عىل‬

‫[[[ الكاشاين‪ ،‬الحاشية عىل رشح اإلشارات للطويس‪ 204 :‬أ (نسخة خطية)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪35‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫(أ ّن العامل أو جز ًءا منه ممكن الوجود)‪ ،‬مضافًا إىل أ ّن بعض تقاريره ال تتوقّف‬
‫عىل إبطال الدور والتسلسل‪ .‬وقد ثبت يف املنطق أ ّن مق ّدمات الربهان إذا كانت‬
‫أقل كان ذلك الربهان أفضل وأرشف؛ أل ّن طريق إثبات نتيجة الربهان فيه أقرص‬ ‫ّ‬
‫والوصول إىل املطلوب فيه أرسع‪.‬‬

‫‪3.‬إ ّن عدد مق ّدمات برهان الص ِّديقني البديه ّية أكرث بالنسبة إىل برهان‬
‫األقل‬
‫ّ‬ ‫اإلمكان والوجوب؛ ألنّه يوجد يف برهان الص ِّديقني مق ّدمتان بديه ّيتان عىل‬
‫أو يف حكم البديهي‪:‬‬

‫أ_ (يوجد واق ٌع أو وجود)‪ ،‬وهي قض ّي ٌة بديه ّي ٌة غن ّي ٌة عن اإلثبات‪.‬‬

‫ب_ (هذا الوجود إ ّما واجب بالذات أو ممكن بالذات) وهو تقسي ٌم يبتني‬
‫عىل أصل امتناع التناقض وتعريف الكلامت املستعملة فيه؛ لذا فهو قض ّي ٌة يف‬
‫كل موجو ٍد‬‫حكم البديهي األ ّويل‪ .‬وبعبار ٍة أخرى فإ ّن الحرص العقيل يقتيض أ ّن ّ‬
‫إ ّما يجب له الوجود ذات ًا (أي واجب الوجود بالذات) وإ ّما ال (أي ممكن الوجود)‪.‬‬
‫ولكن عندما نع ّرج عىل برهان اإلمكان والوجوب‪ ،‬نرى أ ّن هذه املق ّدمة القائلة‬
‫(بأ ّن العامل ممكن الوجود) أو (يوجد موجود ممكن) تحتاج إىل إثبات‪ ،‬أو أنّها‬
‫عىل أحسن األحوال من البديهيّات الثانويّة‪.‬‬

‫ومن الواضح أ ّن مق ّدمات برهان الص ِّديقني التي تكون بديه ّي ًة أ ّول ّية‪ ،‬أكرث‬
‫حا من مق ّدمات برهان اإلمكان والوجوب التي تكون بديهيّ ًة ثانويّ ًة‬ ‫إتقانًا وترجي ً‬
‫عىل أحسن األحوال؛ لذا فإ ّن قيمة برهان الص ِّديقني املعرف ّية أكرث من برهان‬
‫اإلمكان والوجوب[[[‪.‬‬

‫‪4.‬إ ّن برهان الص ِّديقني ميتاز بتن ّوع التقارير املذكورة له‪ ،‬ولكن ال ميتاز‬
‫برهان اإلمكان والوجوب بهذا التن ّوع‪.‬‬

‫[[[ عبوديت‪ ،‬اثبات وجود خدا به روش اصل موضوعى‪.163 :‬‬


‫‪36‬‬

‫وفيام ييل نشري إىل بعض هذه التقارير املتن ّوعة عند متكلّمي اإلماميّة‪:‬‬

‫التقارير املختلفة لربهان الصدِّ يقني عند متكلّمي اإلمام ّية‬


‫ال ب ّد من متابعة التقارير األوىل لربهان الص ِّديقني عند متكلّمي اإلمام ّية يف‬
‫تراث مدرسة الحلّة املتأخّرة‪ ،‬إذ إ ّن متكلّمي هذه املدرسة‪ ،‬ونظ ًرا ألهم ّية برهان‬
‫الص ِّديقني وخصائصه قاموا باقتباسه من فلسفة ابن سينا وغريه‪ ،‬وجعلوه يف صدارة‬
‫براهني إثبات وجود الله‪.‬‬
‫فربهان الص ِّديقني ُع ّد يف مدرسة الحلّة الكالم ّية املتأخّرة‪ ،‬وكذلك يف‬
‫مدرستَ ْي قم وأصفهان‪ ،‬من أهم براهني إثبات وجود الله وأشهرها‪ .‬ويف الحقيقة‬
‫منذ عرص الخواجة نصري الدين الطويس (ت ‪672‬هـ) ‪ -‬ونحتمل أنّه أ ّول من‬
‫ّ‬
‫استدل بربهان الص ِّديقني عىل إثبات وجود الله يف علم الكالم اإلمامي ‪ -‬وإىل‬
‫خاصا برشح وتبيني هذا الربهان‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫يومنا الحارض‪ ،‬قد أوىل متكلّموا اإلمام ّية اهتام ًما‬
‫حيث كان لهم دو ٌر بار ٌز يف تداول هذا الربهان ورشحه وكذلك إعطاء تقارير‬
‫مم أ ّدى إىل تقوية هذا الربهان وتكامله يف علم الكالم اإلمامي‪.‬‬ ‫إبداعيّ ٍة عنه‪ّ ،‬‬

‫ومل يت ّم رشح تاريخ برهان الص ِّديقني لح ّد اآلن يف كالم اإلمام ّية‪ ،‬كام مل‬
‫بي نوعية مشاركة علامء اإلماميّة يف تأييده ونرشه أيضً ا؛ لذا وألجل التع ّرف عىل‬‫يُ ّ‬
‫التط ّورات التاريخ ّية التي م ّر بها برهان الص ِّديقني يف علم الكالم اإلمامي‪ ،‬منذ‬
‫وروده إىل الرتاث الكالمي يف القرن السابع الهجري وإىل م ّدة تكوينه يف مدرسة‬
‫أصفهان‪ ،‬نقوم هنا برسد التقارير املختلفة التي ذكرها بعض متكلّمي‪.‬‬

‫‪ -1‬تقارير الخواجة نصري الدين الطويس‬

‫نحتمل ‪ -‬بحسب الكتب واملصادر املتوفّرة لدينا ‪ -‬أ ّن الخواجة نصري الدين‬
‫استدل بربهان الص ِّديقني عىل إثبات وجود الله‬‫ّ‬ ‫إمامي‬
‫ّ‬ ‫الطويس هو أ ّول متكلّمٍ‬
‫يف كتبه‪ .‬فقد قام الخواجة بتبيني برهان الص ِّديقني يف رشحه لكتاب ابن سينا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪37‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫اإلشارات والتنبيهات‪ ،‬وبعد أ ْن رآه طريقًا قوميًا إلثبات وجود الله‪ ،‬استفاد منه‬
‫يف آثاره الكالم ّية املختلفة‪ .‬وقد ذكر الطويس يف كتبه ثالثة تقارير مختلفة لهذا‬
‫يدل بوضوح عىل اقتباسه من ابن سينا‪ ،‬إذ جعل إثبات‬ ‫الربهان‪ ،‬فالتقرير األ ّول ّ‬
‫الواجب متوقّفًا عىل استحالة الدور والتسلسل‪ .‬أ ّما يف التقرير الثاين فيثبت واجب‬
‫الوجود حتّى عىل افرتاض التسلسل‪ ،‬والتقرير الثالث ‪ -‬وهو من إبداعات الخواجة‬
‫الطويس ‪ -‬يُثبت وجود الواجب من دون التوقّف عىل إبطال الدور والتسلسل‪،‬‬
‫وسنشري إىل هذه التقارير الثالثة فيام يأيت‪:‬‬

‫أ_ تقرير املحقّق الطويس لربهان الص ِّديقني عند ابن سينا‬
‫إ ّن تقرير املحقّق الطويس األ ّول لربهان الص ِّديقني‪ ،‬يع ّد خالص ًة لربهان‬
‫الص ِّديقني السينوي‪ ،‬حيث لخّصه الطويس يف تجريد االعتقاد وقال‪« :‬املوجود‬
‫وإل استلزمه‪ ،‬الستحالة الدور والتسلسل»[[[‪.‬‬ ‫إ ْن كان واج ًبا فهو املطلوب‪ّ ،‬‬

‫الح ّل هذا الربهان يف رشحه عىل تجريد االعتقاد هكذا‪:‬‬ ‫العلمة ِ‬


‫بي ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫«الدليل عىل وجوده أ ْن نقول‪ :‬هنا موجو ٌد بالرضورة‪ ،‬فإ ْن كان واج ًبا فهو املطلوب‪،‬‬
‫وإ ْن كان ممك ًنا افتقر إىل مؤث ّ ٍر موجود بالرضورة‪ ،‬فذلك املؤث ّر إ ْن كان واج ًبا‬
‫فاملطلوب‪ ،‬وإ ْن كان ممك ًنا افتقر إىل مؤث ّ ٍر موجود‪ ،‬فإ ْن كان واج ًبا فاملطلوب‪،‬‬
‫وإ ْن كان ممك ًنا تسلسل أو دار‪ ،‬وقد تق ّدم بطالنهام»[[[‪.‬‬
‫وقد أعاد الخواجة هذا الربهان نفسه يف كتابه قواعد العقائد بتفصيلٍ أكرث‬
‫ونسبه إىل الحكامء وقال‪« :‬وأ ّما الحكامء فقالوا‪[ :‬إن] املوجودات تنقسم إىل‬
‫واجب وممكن‪ ،‬واملمكن يحتاج يف وجوده إىل مؤث ّ ٍر موجد‪ ،‬فإ ْن كان موجده‬ ‫ٍ‬
‫جا‬
‫واج ًبا فقد ثبت إ ّن يف الوجود واجب الوجود لذاته‪ ،‬وإ ْن كان ممك ًنا كان محتا ً‬
‫إىل مؤث ّ ٍر آخر‪ ،‬والكالم فيه كالكالم يف األ ّول‪ ،‬والدور والتسلسل محال كام‬

‫[[[ تجريد االعتقاد للطويس‪.189 :‬‬


‫ل‪.280 :‬‬
‫[[[ كشف املراد للح ّ‬
‫‪38‬‬

‫م ّر»[[[»‪.‬‬

‫الح ّل هذا االستدالل يف رشحه عىل قواعد العقائد هكذا‪:‬‬ ‫العلمة ِ‬


‫بي ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫«إ ّن هنا موجو ًدا بالرضورة‪ ،‬فإ ّما أ ْن يكون واج ًبا لذاته أو ممك ًنا‪ ،‬فإ ْن كان األ ّول‬
‫فاملطلوب‪ ،‬وإ ْن كان الثاين افتقر يف وجوده إىل مؤث ّ ٍر يوجده؛ للعلم الرضوري‬
‫محتاج إىل مؤث ّر‪ ،‬واملوجد له إ ْن كان واج ًبا لذاته فاملطلوب‪ ،‬وإ ْن‬
‫ٌ‬ ‫بأ ّن املمكن‬
‫كان ممك ًنا افتقر إىل مؤث ّ ٍر آخر‪ ،‬ويلزم عنه إ ّما الدور أو التسلسل أو االنتهاء إىل‬
‫فتعي األخري»[[[‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واجب‪ ،‬والدور والتسلسل محاالن ملا م ّر‪،‬‬

‫وهذا التقرير لربهان الص ِّديقني‪ ،‬مل يكن يف الحقيقة سوى صور ٍة تفصيل ّي ٍة‬
‫لربهان الص ِّديقني السينوي‪ ،‬وال يوجد فيه ابتكار وإضافات‪ .‬وقد وردت أدلّ ٌة كثري ٌة‬
‫تناظر هذه التقارير لربهان الص ِّديقني السينوي‪ ،‬يف كتب متكلّمي اإلماميّة إلثبات‬
‫ويبي‬
‫وجود الله تعاىل‪ .‬وهذا يكشف عن إقبال املتكلّمني عىل برهان الص ِّديقني‪ّ ،‬‬
‫موقع ّيته الرفيعة يف مباحث اإلله ّيات يف كالم اإلمام ّية‪.‬‬

‫ب_ تقرير برهان الصدِّ يقني مع افرتاض التسلسل (برهان مجموع املمكنات ‪)1‬‬

‫يظهر أ ّن أ ّول تح ّو ٍل لتقرير برهان الص ِّديقني يف كالم اإلماميّة ظهر عىل يد‬
‫الخواجة نصري الدين الطويس‪ ،‬إذ استلهم من تقرير ابن سينا لربهان الص ِّديقني يف‬
‫كتاب النجاة‪ ،‬ولعلّه أيضً ا استفاد من الفخر الرازي يف برهان (مجموع املمكنات‬
‫جديد لربهان الص ِّديقني يقوم بإثبات الواجب حتّى عىل‬ ‫ٍ‬ ‫‪ )1‬وقام بإعطاء تقري ٍر‬
‫افرتاض تسلسل املمكنات‪ ،‬ويظهر أ ّن الفخر الرازي هو أ ّول من ذكر هذا التقرير‬
‫لربهان الص ِّديقني‪.‬‬

‫[[[ قواعد العقائد للطويس‪.35 :‬‬


‫ل‪.148 :‬‬
‫[[[ كشف القواعد للح ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪39‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫بيان ذلك‪:‬‬

‫إ ّن التقرير الثاين الذي ذكره نصري الدين الطويس لربهان الص ِّديقني‪ ،‬والذي‬
‫يثبت وجود واجب الوجود حتّى عىل افرتاض تسلسل املمكنات‪ ،‬هو ما ذكره يف‬
‫ريا (برهان‬
‫كتابه قواعد العقائد ونسبه إىل الحكامء‪ ،‬وهذا التقرير كام قلنا يشبه كث ً‬
‫مجموع املمكنات) الذي ذكره الفخر الرازي يف كتاب املعامل[[[‪ ،‬باالعتامد عىل‬
‫استدالل ابن سينا يف كتاب النجاة ورسالة املبدأ أو املعاد‪.‬‬

‫قال املحقّق الطويس بهذا الصدد‪« :‬وأ ّما الحكامء فقالوا‪[ :‬إنّ] املوجودات‬
‫واجب وممكن‪ ،‬واملمكن يحتاج يف وجوده إىل مؤث ّ ٍر موجد‪ ،‬فإ ْن كان‬ ‫ٍ‬ ‫تنقسم إىل‬
‫موجده واج ًبا فقد ثبت أ ّن يف الوجود واجب الوجود لذاته‪ ،‬وإ ْن كان ممك ًنا كان‬
‫جا إىل مؤث ّ ٍر آخر‪ ،‬والكالم فيه كالكالم يف األ ّول‪ ،‬والدور والتسلسل محال‬ ‫محتا ً‬
‫كام م ّر‪ ،‬وعىل تقدير ثبوته نأخذ جميع املوجودات املمكنة فيكون ممك ًنا؛ ألنّه‬
‫يتحصل بدون أفراده‪ ،‬وأفراد غريه‪ .‬ث ّم املؤث ّر فيه ال يجوز أ ْن يكون نفسه‪ ،‬وال‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫داخل فيه؛ أل ّن الداخل ال يكون مؤث ّ ًرا يف نفسه وال يف علله‪ ،‬فال‬
‫ً‬ ‫يجوز أ ْن يكون‬
‫إل أ ْن يكون] للجميع مؤث ّر خارج‪ ،‬والخارج‬ ‫يكون مؤث ّ ًرا [يف املجموع‪ ،‬فلم يبق ّ‬
‫عن جميع املمكنات ال يكون ممك ًنا فيكون واج ًبا‪ ،‬فإذن وجود واجب وجوده‬
‫لذاته رضوري‪ ،‬وهو املؤث ّر للممكنات كلّها وهو املطلوب»[[[‪.‬‬

‫بي يف هذا االستدالل أ ّن جميع موجودات العامل لو كانت ممكنة‬ ‫وقد ّ‬


‫الوجود‪ ،‬لحصل عندنا مجموع ٌة من املمكنات وهي [أي املجموعة] ممكنة‬
‫الوجود أيضً ا؛ لذا تحتاج يف وجودها إىل علّة‪ ،‬وهذه العلّة ال ميكن أ ْن تكون‬
‫املجموعة نفسها أو فرد من أفرادها؛ لذا ال ب ّد من وجود موجو ٍد خارج هذه‬
‫إل‬
‫السلسلة من املمكنات‪ ،‬ومن املعلوم أ ّن الخارج عن هذه السلسلة ال يكون ّ‬

‫[[[ معامل أصول الدين للفخر الرازي‪.50-49 :‬‬


‫[[[ قواعد العقائد للطويس‪.35 :‬‬
‫‪40‬‬

‫دليل عىل وجود موجود‬


‫واجب الوجود‪ ،‬وعليه فإ ّن وجود سلسلة املمكنات ٌ‬
‫واجب بالذات‪.‬‬

‫وقد أثبت الخواجة يف استدالله هذا باستحالة وجود سلسلة من املمكنات‬


‫‪ -‬املتناهية أو غري املتناهية ‪ -‬من دون وجود واجب بالذات‪ ،‬وبناء عىل هذا فإ ّن‬
‫وجود املمكنات يستلزم دامئًا وجود واجب الوجود بالذات‪ .‬وهذا االستدالل‬
‫عند قائليه كام يثبت وجود واجب الوجود عىل افرتاض تسلسل املمكنات‪ ،‬يثبت‬
‫أيضً ا استحالة التسلسل‪ ،‬إذ يُع ّد إحدى أدلّة إبطال التسلسل املشهورة‪.‬‬

‫وقد استم ّر االستدالل بهذا التقرير الثاين لربهان الص ِّديقني لدى كثريٍ من‬
‫متكلّمي اإلمام ّية سواء بنفس اللفظ أم ببعض التغيريات‪ ،‬كام حاول ابن ميثم‬
‫ٍ‬
‫جديد له[[[‪.‬‬ ‫البحراين (ت حدود ‪ )699‬املعارص للمحقّق الطويس إعطاء تقري ٍر‬
‫الح ّل (ت ‪726‬هـ) تلميذ الطويس‪ ،‬الذي ذكر هذا‬ ‫العلمة ِ‬
‫ّ‬ ‫وكذلك األمر عند‬
‫متسكه بالتقرير األ ّول‬‫الربهان بهذا التقرير يف مجموعة من كتبه[[[‪ ،‬مضافًا إىل ّ‬
‫الح ّل وقاموا برشحه‬ ‫العلمة ِ‬
‫ّ‬ ‫أيضً ا‪ .‬وقد تبع رشاح الباب الحادي عرش أدلّة‬
‫وتبيينه‪ ،‬أمثال ابن مخدوم الحسيني (ت ‪976‬هـ) وصفي الدين الطريحي وابن‬
‫أيب جمهور اإلحسايئ وغريهم[[[‪.‬‬
‫ورغم كرثة تداول هذا الربهان بتقريره الثاين أي مجموع املمكنات‪ ،‬فقد‬
‫انربى بعضهم لنقده وعدم كفايته‪ ،‬وذلك أ ّن هذا التقرير يبتني عىل افرتاض وجود‬
‫حقيق ٍة مستقلّ ٍة ملجموعة املمكنات عدا فر ٍد من هذه السلسلة‪ ،‬لتحتاج هذه‬
‫انتزاعي واعتبا ٌر‬
‫ّ‬ ‫املجموعة إىل علّ ٍة مستقلّة‪ ،‬والحال أ ّن (مجموع املمكنات) أم ٌر‬
‫مستقل عن أفراد تلك املجموعة؛‬ ‫ٌّ‬ ‫خارجي‬
‫ّ‬ ‫واقعي‬
‫ّ‬ ‫يل محض مل يكن له وجو ٌد‬ ‫عق ٌّ‬

‫[[[ راجع‪ :‬قواعد املرام البن ميثم‪.179 :‬‬


‫ل‪ ،139 :‬وأيضً ا الباب الحادي عرش‪.‬‬ ‫[[[ تسليك النفس للعلّمة ِ‬
‫الح ّ‬
‫[[[ راجع‪ :‬مفتاح الباب البن مخدوم‪ ،89 :‬ومطارح النظر للطريحي‪ ،5 :‬واملجيل لإلحسايئ‬
‫‪.505 :2‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪41‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫املل صدرا بهذا الصدد‪« :‬إنّا ال‬ ‫ّ‬ ‫لذا ال ميكن افرتاض علّ ٍة مستقلّ ٍة له‪ ،‬وقد قال‬
‫كل موجو ٍد ال ب ّد له‬
‫نسلّم أ ّن للمجموع وجو ًدا آخر سوى وجودات األجزاء‪ ،‬فإ ّن ّ‬
‫حقيقي بل اعتباري‪ ،‬ال يحتاج‬‫ّ‬ ‫من وحد ٍة حقيق ّية‪ ...‬فإذا مل يكن للمجموع وجو ٌد‬
‫إىل علّ ٍة موجودة»[[[‪.‬‬

‫جهة إىل هذا التقرير من برهان الص ِّديقني‪ ،‬قام بعضهم‬ ‫وبعد هذه النقود املتو ّ‬
‫بر ّد هذه االنتقادات وحاولوا تصحيح الربهان بنح ٍو يخلو من النقد واإلشكال‪،‬‬
‫وهو ما أُطلق عليه (برهان مجموع املمكنات ‪ .)2‬وقد أشار صدر املتألّهني إىل‬
‫هذا األمر حيث قال‪« :‬واألصوب أ ْن يُق ّرر كالم املصنف بهذا الوجه وهو‪ :‬أنّه إ ْن‬
‫واجب بالذات لكانت املوجودات بأرسها سواء كانت‬ ‫ٌ‬ ‫مل يكن يف الوجود موجو ٌد‬
‫وكل ممكنٍ جائز‬ ‫ٍ‬
‫ممكنات رصفة‪ّ ،‬‬ ‫غري متناهي ٍة بأ ْن تتسلسل أو متناهية بأ ْن تدور؛‬
‫أصل‪ .‬ويلزم من‬ ‫ً‬ ‫العدم لذاته‪ ،‬فيجوز انتفاء اآلحاد بأرسها بأ ْن ال يوجد واح ٌد منها‬
‫سبب‪ ،‬وذلك محال؛ أل ّن سبب املمكن‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك أن ال يكون يش ٌء منها مستن ًدا إىل‬
‫ما مل يجب به وجوده ومل ميتنع عدمه لو يوجد ذلك املمكن‪ ،‬فال محالة من أ ّن‬
‫وجودات املمكنات ‪ -‬متناهية أو غري متناهية ‪ -‬تحتاج إىل علّ ٍة خارج ٍة عنها»[[[‪.‬‬

‫ب_ لتقرير اإلبداعي للخواجة نصري الدين عن برهان الصدِّ يقني‬

‫لقد ذكر نصري الدين الطويس يف رسالته املوجزة والق ّيمة (الفصول) التي‬
‫كتبها باللغة الفارس ّية‪ ،‬تقري ًرا جدي ًدا لربهان الص ِّديقني ال يتوقّف عىل إبطال الدور‬
‫رشاح هذه الرسالة كالفاضل املقداد‬ ‫والتسلسل‪ ،‬وهذا التقرير قد ع ّده بعض ّ‬
‫السيوري وعبد الوهاب األسرتآبادي‪ ،‬برهانًا بدي ًعا إلثبات وجود الله تعاىل‪،‬‬
‫وجعاله من إبداعات الخواجة[[[‪ .‬علمً بأ ّن الطويس مل يدع بأ ّن هذا التقرير من‬

‫[[[ رشح الهداية األثرييّة مللّ صدرا ‪.128 :2‬‬


‫[[[ م‪.‬ن ‪.131 :2‬‬
‫[[[ األنوار الجالل ّية للسيوري‪ ،59 :‬رشح الفصول النصرييّة لألسرتآبادي‪.72 :‬‬
‫‪42‬‬

‫رصح من املتكلّمني بإبداعيّة هذا‬


‫وربا يكون املقداد السيوري أ ّول من ّ‬ ‫إبداعاته‪ّ ،‬‬
‫التقرير‪ ،‬وقد وصف الخواجيك الشريازي هذا التقرير بأنّه (أسهل الطرق وأخرص‬
‫الطرق) إلثبات وجود الله‪ ،‬وع ّده طريقة املتألّهني والص ِّديقني[[[‪ .‬وقد انربى بعد‬
‫ري من املتكلّمني اإلمام ّية واألشاعرة القتياس هذا التقرير‪.‬‬
‫الطويس كث ٌ‬

‫قال املحقّق الطويس يف تقرير هذا الربهان اعتام ًدا عىل ترجمة ركن الدين‬
‫كل يش ٍء إ ّما أ ْن يكون من غريه أو مل يكن‪ ،‬واأل ّول‬
‫الجرجاين له‪« :-‬تقسيم‪ :‬وجود ّ‬
‫ممكن الوجود والثاين واجب الوجود‪ ،‬واملوجودات بأرسها منحرصة فيهام‪.‬‬
‫واملمكن إذا كان وجوده من غريه‪ ،‬فإذا مل يعترب ذلك الغري مل يكن له وجود‪،‬‬
‫ج ًدا‪.‬‬‫وإذا مل يكن له وجود مل يكن لغريه عنه وجود‪ ،‬الستحالة كون املعدوم مو ِ‬
‫كل من عرف حقيقة الواجب واملمكن كام قلناه عرف بأدىن فك ٍر أنّه لو مل‬ ‫أصل‪ّ :‬‬
‫أصل؛ أل ّن‬
‫ً‬ ‫يكن يف الوجود واجب الوجود مل يكن ليش ٍء من املمكنات وجود‬
‫ٍ‬
‫حينئذ كلّها تكون ممكنة‪ ،‬واملمكن ليس له من نفسه وجو ٌد وال لغريه‬ ‫املوجودات‬
‫عنه وجود‪ ،‬فال ب ّد من وجود واجب الوجود ليحصل وجود املمكنات منه»[[[‪.‬‬

‫وقد قال الفاضل املقداد يف وصف هذا التقرير‪« :‬ولنذكر هنا طرقًا رشيف ًة‬
‫منها بديع ومنها مشهور‪ :‬أ ّما األ ّول فدليالن‪ ،‬األ ّول مخرتع املحقّق الطويس‬
‫أصل‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتقريره‪ :‬لو مل يكن الواجب موجو ًدا مل يكن ليشء من املمكنات وجود‬
‫والالزم كامللزوم يف البطالن»[[[‪.‬‬

‫وحاصل هذا االستدالل أنّنا لو افرتضنا عدم وجود واجب الوجود يف العامل‪،‬‬
‫وأ ّن جميع املوجودات الخارجيّة ممكنة الوجود‪ ،‬ومبا أ ّن املمكنات ليس لها‬
‫وجود ذات ًا يلزم عدم وجودها‪ ،‬ولكن من البديهي وجود موجودات يف الخارج‪،‬‬

‫[[[ رشح فصول نصرييّة للشريازي‪.54 :‬‬


‫[[[ فصول العقائد للطويس‪.3-2 :‬‬
‫[[[ اللوامع اإلله ّية للسيوري‪.151 :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪43‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫فثبت وجود واجب الوجود‪ .‬فهذا التقرير يثبت وجود الله من دون حاجة إىل‬
‫إبطال الدور والتسلسل‪.‬‬
‫اختالف يف رشحه عىل فصول‬ ‫ٍ‬ ‫وقد ذكر الفاضل املقداد هذا الربهان بأدىن‬
‫الطويس حيث قال‪« :‬الواجب لذاته موجود يف الخارج؛ ألنّه لو مل يكن موجو ًدا‬
‫يف الخارج النحرصت املوجودات الخارج ّية كلّها يف املمكن‪ ،‬لكن الالزم باطل‬
‫فامللزوم مثله‪ .‬أ ّما بيان املالزمة فلام سبق من انحصار املوجود الخارجي يف‬
‫الواجب واملمكن‪ .‬وأ ّما بطالن الالزم فألنّه لو انحرص املوجود الخارجي يف‬
‫أصل‪ ،‬لكن الالزم باطل فامللزوم مثله»[[[‪.‬‬
‫ً‬ ‫املمكن مل يكن ملوجو ٍد ما وجو ٌد‬
‫إ ّن املحور األسايس يف هذا التقرير اإلبداعي للمحقّق الطويس‪ ،‬إنّ ا هو‬
‫االلتفات إىل فقر ممكن الوجود الذايت والوجودي‪ ،‬وعدم استقالله الذايت يف‬
‫الوجود واإليجاد‪ ،‬من دون فرق بني املمكنات املتناهية أو غري املتناهية‪ ،‬كام‬
‫أنّه يبتني عىل املبنى األصيل القائل بـ(تق ّدم ما بالذات عىل ما بالعرض)‪ ،‬أو‬
‫(كل ما بالعرض ينتهي إىل ما بالذات)‪ ،‬ويف الحقيقة فإ ّن املحقّق الطويس‬
‫قاعدة ّ‬
‫بعد تعريف ممكن الوجود باملوجود الذي ال وجود له ذات ًا وإ ّن وجوده مأخو ٌذ‬
‫من الغري‪ ،‬وبعد تعريف واجب الوجود باملوجود الذي وجوده ذايت ومل يؤخذ‬
‫من الغري‪ ،‬قد استنتج أ ّن موجودات العامل لو كانت جميعها ممكنة الوجود ومل‬
‫يكن لها وجود ذات ًا‪ ،‬لزم أ ْن تعتمد يف وجودها عىل ما يكون وجوده ذايت‪ ،‬وهذا‬
‫إل واجب الوجود‪ ،‬وبعبار ٍة أُخرى‪ :‬إ ّن املوجودات الخارج ّية‬
‫املوجود ال يكون ّ‬
‫إذا مل يكن وجودها من ذاتها‪ ،‬لكان وجودها بالعرض وناشئًا من الغري‪ ،‬وال بد‬
‫أ ْن يكون هذا (الغري) موجو ًدا بالذات أي واجب الوجود‪ .‬ففي الحقيقة مل يتحقّق‬
‫أي موجو ٍد يف الخارج ما مل يكن وجو ًدا يعتمد يف وجوده عىل ذاته‪ .‬إ ّن ممكن‬
‫ّ‬
‫الوجود سواء كان متناه ًيا أم غري متنا ٍه سيكون بحكم موجودات بالق ّوة من دون‬
‫وجود واجب الوجود‪ ،‬ويكون وجودها مرشوطًا بوجود واجب الوجود‪ ،‬فإذا مل‬

‫[[[ األنوار الجالل ّية للسيوري‪.59 :‬‬


‫‪44‬‬

‫يكن واجب الوجود مل توجد املمكنات‪.‬‬

‫لقد القى برهان املحقّق الطويس الذي يثبت وجود الله تعاىل من دون‬
‫ريا بني متكلّمي اإلماميّة‪ ،‬وقد‬
‫جا كب ً‬
‫الحاجة إىل إبطال الدور والتسلسل‪ ،‬روا ً‬
‫ري منهم يف مباحث اإلله ّيات بهذا الربهان‪ ،‬أو قاموا باالقتباس منه‬
‫استشهد كث ٌ‬
‫وتدوين تقارير جديد ٍة عنه مع الحفاظ عىل بنية التقرير الذي أفاده املحقّق‬
‫العلمة ِ‬
‫الح ّل الذي استشهد يف كتابه‬ ‫الطويس‪ .‬ومن هؤالء فخر املحقّقني ابن ّ‬
‫تحصيل النجاة بربهان الص ِّديقني مبا يشبه هذا التقرير للمحقّق الطويس‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«من عرف حقيقة الواجب واملمكن عرف بأدىن فكر وجود الواجب لذاته؛ ألنّه‬
‫حق فالثاين مثله‪ .‬أ ّما املالزمة‬
‫كلّام ُوجد موجود ُوجد الواجب لذاته‪ .‬واأل ّول ّ‬
‫فأل ّن ذلك الوجود إ ّما واجب أو ممكن‪ ،‬فإ ْن كان واج ًبا فاملالزمة ظاهرة‪ ،‬وإ ْن‬
‫وكل ما ال يكون بانفراده موجو ًدا ال‬ ‫كان ممك ًنا فألنّه ال يكون بانفراده موجو ًدا‪ّ ،‬‬
‫ج ًدا‪ .‬فلو كان جميع املوجودات ممك ًنا‪ ،‬مل يكن يش ٌء منها بانفراده‬ ‫يكون ُمو ِ‬
‫ج ًدا‪ ،‬فيلزم من كون جميع املوجودات ممك ًنا عدم املوجودات‬ ‫موجو ًدا وال ُمو ِ‬
‫وهو محال‪ .‬فإذا مل يكن جميع املوجودات ممك ًنا كان بعضها واج ًبا»[[[‪.‬‬

‫‪ -2‬تقرير برهان الصدِّ يقني عند نصري الدين الكاشاين‬

‫الح ّل (ت‬‫يل نصري الدين الكاشاين (القايش) ِ‬ ‫يُع ّد عيل بن مح ّمد بن ع ّ‬


‫‪755‬هـ) من كبار علامء اإلمام ّية يف مدرسة الحلّة املتأخّرة‪ ،‬وكان عامل ًا يف‬
‫مختلف العلوم كالكالم والفلسفة واملنطق والفقه‪ .‬ولقد وصفه الفاضل املقداد‬
‫بألقاب فخم ٍة من قبيل (سلطان املحقّقني‪ ،‬وارث األنبياء واملرسلني‪ ،‬نصري امللّة‬
‫ٍ‬
‫والحق والدين‪ ،‬عيل بن مح ّمد القايش)[[[‪ .‬ومل نقف عىل أساتذته بالتفصيل سوى‬‫ّ‬
‫جالل الدين جعفر بن عيل بن صاحب دار الصخر الحسيني‪ ،‬ولكن وردت ع ّدة‬

‫[[[ تحصيل النجاة‪ ،‬فخر املحقّقني‪.51 :‬‬


‫[[[ انظر‪ :‬إرشاد الطالبني للسيوري‪.177 :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪45‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫أسامء المعة يف عداد تالمذته من قبيل السيِّد حيدر اآلميل (ت ‪787‬هـ)‪ ،‬وشمس‬
‫الحل‪ ،‬وعبد الرحمن بن مح ّمد بن إبراهيم العتائقي‬
‫ّ‬ ‫الدين مح ّمد بن صدقة‬
‫الحل (كان ح ًيا ‪790‬هـ)‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد ألّف نصري الدين الكاشاين كتبًا كالميّة مه ّمة‪ ،‬منها‪ :‬النكات مبسائل‬
‫امتحان ّية يف علمي املنطق والكالم‪ ،‬وموصل الطالبني إىل رشح نهج املسرتشدين‪،‬‬
‫ٍ‬
‫جديد عن‬ ‫وحاشية عىل معارج الفهم وغريها‪ .‬وقد قام الكاشاين بإعطاء تقري ٍر‬
‫برهان الص ِّديقني يع ّد من إبداعاته‪ ،‬وقد أحدث تط ّو ًرا جدي ًدا يف هذا الربهان عند‬
‫وربا نسب برهانه هذا‬ ‫ربا لعدم انتشار كتبه‪ّ ،‬‬‫ريا ّ‬
‫جا كث ً‬
‫اإلماميّة‪ ،‬ومل يلق تقريره روا ً‬
‫إىل املحقّق الطويس خطأ‪ .‬وقد أورد الكاشاين تقريره اإلبداعي لربهان الص ِّديقني‬
‫الح ّل املوسوم مبوصل الطالبني‬ ‫للعلمة ِ‬
‫يف رشحه عىل كتاب نهج املسرتشدين ّ‬
‫إىل رشح نهج املسرتشدين‪ ،‬وقد جعله أفضل من برهان الص ِّديقني السينوي‬
‫لعدم ابتنائه عىل بطالن الدور والتسلسل‪ ،‬وهو وإ ْن مل يرش إىل إبداعيّة برهانه‬
‫رصح بذلك بعض متكلّمي اإلمام ّية املتأخّرين منهم الس ِّيد جالل الدين‬ ‫ولكن قد ّ‬
‫رشف شاه العلوي الحسيني (ت حدود ‪810‬هـ) حيث تكلّم عن هذا الربهان يف‬
‫رشحه عىل باب الحادي عرش وقال عنه‪« :‬وهنا برها ٌن آخر أرشف من األ ّول عىل‬
‫مم سنح ملوالنا العامل‬ ‫إثبات واجب الوجود بغري إبطال الدور والتسلسل‪ ،‬وذلك ّ‬
‫الفاضل‪ ،‬وارث األنبياء واملرسلني‪ ،‬سلطان الحكامء واملتكلّمني‪ ،‬نصري امللّة‬
‫والحق والدين‪ ،‬عيل بن مح ّمد القايش ق ّدس الله نفسه ور ّوح رمسه»[[[‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وكذلك ذكره الفاضل املقداد (ت ‪826‬هـ) ومدحه وقال‪« :‬وهاهنا برها ٌن‬
‫ّف عىل إثبات الدور والتسلسل‪ ،‬سمعناه من شيخنا دام رشفه‪ ،‬وهو‬ ‫بدي ٌع غري متوق ٍ‬
‫العلمة سلطان املحقّقني‪ ،‬وارث األنبياء واملرسلني‪ ،‬نصري امللّة‬
‫من مخرتعات ّ‬
‫رسه»[[[‪.‬‬
‫رسه وبحظرية القدس ّ‬‫والحق والدين‪ ،‬عيل بن مح ّمد القايش ق ّدس الله ّ‬
‫ّ‬

‫[[[ رشح الباب الحادي عرش للحسيني‪ ،‬الورقة‪84 :‬ب‪ /‬نسخة خط ّية‪.‬‬
‫[[[ إرشاد الطالبني للسيوري‪.177 :‬‬
‫‪46‬‬

‫وكذلك األمر عند ابن أيب جمهور اإلحسايئ (ت بعد ‪904‬هـ) حيث‬
‫اطّلع عليه عن طريق كتب الفاضل املقداد‪ ،‬وقال عنه‪ ...« :‬وهو برها ٌن حس ٌن‬
‫متسه أذهان املتق ّدمني‪ ،‬وال اهتدت إليه‬ ‫بديع‪ ،‬اخرتعه وأجاد يف تقريره‪ ،‬مل ّ‬
‫عقول الحكامء واملتكلّمني‪ ...‬وهذا الربهان مع حسنه وبداعة ألفاظه‪ ،‬اشتمل‬
‫عىل يش ٍء مل تشتمل عليه الرباهني املتق ّدمة؛ ألنّه مل يُحتج فيه إىل إبطال الدور‬
‫والتسلسل»[[[‪.‬‬

‫إ ّن برهان الص ِّديقني عند الكاشاين يبتني عىل مق ّدمتني تص ّوريّة وتصديقيّة‪،‬‬
‫إنّه يقول بهذا الصدد‪« :‬وهنا برها ٌن آخر عىل إثبات واجب الوجود‪ ،‬أرشف من‬
‫موقوف عىل‬‫ٌ‬ ‫ّف عىل بطالن الدور والتسلسل‪ ،‬وتقريره‬ ‫األ ّول لكونه غري متوق ٍ‬
‫مق ّدمتني تص ّوريّة وتصديق ّية‪ ،‬أ ّما األوىل فهو أ ّن مرادنا باملوجب التا ّم‪ ،‬يكون كاف ًيا‬
‫ِب تا ٍّم لوجود يش ٍء‬ ‫يف وجود أثره‪ ،‬وأ ّما الثانية فهو أ ْن ال يشء من املمكن مبوج ٍ‬
‫من األشياء‪ ،‬بيانه‪ :‬إ ّن إيجاد املمكن لغريه يتوقّف عىل وجوده ووجوده من غريه‪،‬‬
‫فإيجاده لغريه من غريه‪ ،‬فال يكون موج ًبا تا ًّما‪ .‬إذا تق ّرر ذلك فنقول‪ :‬هاهنا موجو ٌد‬
‫ِب تا ّم بوجوده‪ ،‬وليس ذلك ممك ًنا ملا قلنا يف املق ّدمة‬ ‫بالرضورة‪ ،‬فيفتقر إىل موج ٍ‬
‫التصديقيّة‪ ،‬فيكون واجبًا‪ ،‬فيكون الواجب موجو ًدا وذلك هو املطلوب»[[[‪.‬‬

‫ريا برهان املحقّق الطويس‪ ،‬إذ إ ّن‬


‫إ ّن برهان الكاشاين اإلبداعي يشبه كث ً‬
‫كليهام يعتمدان عىل أصل (الفقر الذايت‪ ،‬والوجود املرشوط بالق ّوة ملمكن‬
‫الوجود)‪ ،‬وأصل (عدم العلّية واألثر الذايت ملمكن الوجود)‪.‬‬

‫وقد ورد يف تقرير الكاشاين قوله‪« :‬هاهنا موجو ٌد بالرضورة فيفتقر إىل‬
‫ِب تا ٍّم يوجده»‪ ،‬ويظهر منه استناده عىل إمكان الوجود الخارجي وحاجته‬
‫موج ٍ‬
‫إىل العلّة التا ّمة‪ .‬وعليه يكون مراده من (املوجود) خصوص ممكن الوجود ال‬

‫[[[ كشف الرباهني البن أيب جمهور ‪.280-279 :1‬‬


‫[[[ موصل الطالبني للكاشاين‪ /50 :‬نسخة خط ّية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪47‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫ٍ‬
‫حينئذ عىل إثبات‬ ‫مطلق املوجود أع ّم من الواجب واملمكن‪ ،‬فيتوقّف استدالله‬
‫إمكان املوجود الخارجي‪ ،‬وهذه املق ّدمة تخرج برهان الكاشاين من نطاق برهان‬
‫الص ِّديقني وتدخله يف برهان اإلمكان والوجوب‪.‬‬

‫ومم يؤيّد هذا ما ذكره ابن أيب جمهور اإلحسايئ‪ ،‬حيث ق ّرره ضمن برهان‬
‫ّ‬
‫اإلمكان والوجوب غري املتوقّف عىل الدور والتسلسل‪ ،‬فقال‪« :‬وللعالمة اإلمام‬
‫موقوف عىل [إبطال الدور والتسلسل]‬ ‫ٍ‬ ‫نصري الدين الكايش هنا برها ٌن بدي ٌع غري‬
‫ِب تا ّم‪ ،‬ونعني‬ ‫تقريره أ ْن يقال‪ :‬هنا موجوداتٌ ممكن ٌة قط ًعا‪ ،‬فال ب ّد لها من موج ٍ‬
‫باملوجِب التا ّم الكايف يف وجود أثره‪ ،‬فيكون واج ًبا؛ أل ّن املمكن ال يكون مو ِ‬
‫ج ًبا‬
‫واجب‬
‫ٍ‬ ‫تا ًّما لغريه؛ أل ّن املمكن ليس له وجو ٌد وال لغريه عنه وجود‪ ،‬فال ب ّد من مؤث ّ ٍر‬
‫وهو املطلوب»[[[‪.‬‬

‫ويذكر الكاشاين هنا إشكالني ويُجيب عىل أحدهام ويرتك اآلخر من دون‬
‫جواب‪ ،‬وقد ذكر الفاضل املقداد الجواب لإلشكال الثاين‪ .‬قال الكاشاين‪« :‬وعىل‬
‫الربهان املذكور نقضان إجامليّان‪ .‬أ ّما األ ّول فتقريره أ ْن يقال‪ :‬لو كان هذا الربهان‬
‫حقًّا للزم قدم الحادث اليومي‪ ،‬والالزم باطل فامللزوم مثله‪ ،‬بيان املالزمة‪ :‬إ ّن‬
‫ِب تا ٍّم يؤث ّر فيه ويوجده‪ ،‬وليس ذلك‬ ‫الحادث اليومي ممك ٌن مفتق ٌر إىل موج ٍ‬
‫ممكن كام قلتموه‪ ،‬فيكون واج ًبا وهو املدعى‪ ،‬وقدم العلّة يستلزم قدم املعلول‪،‬‬
‫فيكون الحادث اليومي قدميًا‪ .‬والجواب‪ :‬إنّا ال نسلّم أنّه يلزم من قدم الواجب‬
‫قدم الحادث اليومي‪ ،‬وإنّ ا يلزم أ ْن لو كان املؤث ّر موج ًبا‪ ،‬أ ّما إذا كان مختا ًرا فال‪،‬‬
‫حينئذ قدم الحادث اليومي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واملؤث ّر هنا مختار كام سيأيت‪ ،‬فال يلزم‬

‫صح دليلكم للزم أ ْن ال يكون يف الوجود‬‫وأ ّما الثاين فتقريره أ ْن نقول‪ :‬لو ّ‬
‫مؤث ّ ٌر غري الله تعاىل‪ .‬وبيان ذلك‪« :‬إ ّن األثر املذكور ممك ٌن‪ ،‬فيفتقر إىل مؤثّرٍ‪،‬‬

‫[[[ زاد املسافرين لإلحسايئ ‪.102-101 :1‬‬


‫‪48‬‬

‫وذلك ليس مبمكنٍ كام قلتموه فيكون واجبًا وهو املطلوب»[[[‪.‬‬

‫وقد أجاب الفاضل املقداد عىل اإلشكال الثاين بقوله‪« :‬واألوىل يف‬
‫ِب تا ٌّم ألفعاله‬
‫الجواب أ ْن يقال‪ :‬املعتزيل ال يقول‪ :‬إ ّن هذا الشخص املمكن موج ٌ‬
‫ج ًبا تا ًّما‪ ،‬رضورة توقّف‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ نقول‪ :‬إ ّن هذا الشخص ليس مو ِ‬ ‫رش قريب‪.‬‬ ‫بل مبا ٌ‬
‫فعله عىل وجوده وعىل رشائط أُخر‪ .‬ونحن مل نقل‪ :‬إ ّن املمكن ال يكون موج ًبا‬
‫مطلقًا‪ ،‬بل ال يكون موجبًا تا ًّما بالنظر إىل ذاته‪ ،‬فال يت ّم النقض»[[[‪.‬‬
‫وهاهنا مالحظ ٌة جدير ٌة باإلشارة إليها‪ ،‬وهي أنّه نُسب هذا التقرير خطأً إىل‬
‫نصري الدين الطويس‪ ،‬إذ طبع ملخّص هذا التقرير ضمن الرسائل املخترصة‬
‫املطبوعة يف كتاب تلخيص املحصل للمحقّق الطويس تحت عنوان (برهان يف‬
‫إثبات الواجب)‪ ،‬فمع لحاظ أ ّن هذا التقرير مل يرد يف كتب الطويس األساس ّية‪،‬‬
‫ومع لحاظ اعرتاف الفاضل املقداد ورشف شاه الحسيني بأنّه من إبداعات‬
‫حة تلك النسبة‪ ،‬وإ ّن هذا الربهان‬ ‫ّ‬
‫للشك يف عدم ص ّ‬ ‫ٌ‬
‫مجال‬ ‫الكاشاين‪ ،‬ال يبقى‬
‫للكاشاين ال املحقّق الطويس‪.‬‬
‫علم بأ ّن هذا التقرير لربهان الص ِّديقني الذي ابتكره الكاشاين‪ ،‬قد انعكس يف‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫اقتباس مع بعض التعديالت‬ ‫رش وإ ّما عىل شكل‬
‫الكتب الكالم ّية إ ّما بشكل نقل مبا ٍ‬
‫كل من الفاضل املقداد ورشف شاه‬ ‫واإلضافات‪ ،‬وم ّمن اعتمد عىل هذا الربهان ٌّ‬
‫الحسيني ‪-‬كام م ّر‪ -‬وكذلك فخر املحقّقني حيث أعطى تقريرين جديدين لهذا‬
‫حبلَرودي (ق ‪،[[[)9‬‬
‫الربهان[[[‪ ،‬وكذلك األمر عند نجم الدين خرض بن مح ّمد ال َ‬
‫وسليامن أحمد القطيفي (ت ‪1266‬هـ)[[[‪.‬‬

‫[[[ موصل الطالبني للكاشاين‪ /51 :‬نسخة خطيّة‪.‬‬


‫[[[ األنوار الجالليّة للسيوري‪.61 :‬‬
‫[[[ راجع‪ :‬تحصيل النجاة‪ ،51 :‬إرشاد املسرتشدين‪.21 :‬‬
‫[[[ راجع‪ :‬تحفة املتقني‪.24 :‬‬
‫[[[ إرشاد البرش‪.45 :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪49‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫‪ -3‬تقرير برهان الصدِّ يقني عند الفياض الالهيجي‬

‫بعدما ب ّينا تط ّورات برهان الص ِّديقني يف مدرسة الحلّة املتأخّرة‪ ،‬نع ّرج عىل‬
‫مدرسة قم لرنى تط ّورات هذا الربهان فيها‪ ،‬ونقترص عىل بيان الفياض الالهيجي‬
‫(ت ‪1072‬هـ)‪ ،‬إذ يُع ّد املمثّل األبرز لهذه املدرسة‪ .‬وقد حاول الالهيجي‬
‫وباالعتامد عىل قاعدة (اليشء ما مل يجب مل يوجد) من إعطاء تقارير جديد ٍة لهذا‬
‫الربهان بحيث ال يتوقّف عىل الدور والتسلسل‪ ،‬وسنشري فيام ييل إىل تقريرينلهذا‬
‫الربهان عند الالهيجي‪.‬‬
‫التقرير األ ّول‬
‫لقد ذكر الالهيجي يف رشحه لتجريد االعتقاد أ ّن برهان الص ِّديقني الذي ذكره‬
‫املحقّق الطويس (أي قوله‪ :‬املوجود إن كان واجبًا فهو املطلوب‪ ،‬وإلّ استلزمه‬
‫الستحالة الدور والتسلسل)‪ ،‬يتوقّف عىل إبطال الدور والتسلسل‪ ،‬ولكن ميكن‬
‫تقرير هذا الربهان بنح ٍو ال يتوقّف عىل إبطال الدور والتسلسل‪ ،‬ويكون أخرص‬
‫وأسهم‪ .‬والربهان الذي يق ّرره الالهيجي يبتني عىل ما اقتبسه الالهيجي من برهان‬
‫إبطال التسلسل عند املحقّق الطويس‪ ،‬حيث قال‪« :‬إ ّن املمكن ال يجب لذاته‪،‬‬
‫وما ال يجب لذاته ال يكون له وجود‪ ،‬وما مل يكن له وجود ال يكون لغريه عنه‬
‫وجود‪ ،‬فلو كانت املوجودات بأرسها ممكنة ملا كان يف الوجود موجود‪ ،‬فال بد‬
‫من واجب لذاته‪ ،‬فقد ثبت واجب الوجود وانقطعت السلسلة أيضً ا‪ .‬وهذه طريقة‬
‫حسنة حقّة مستقيمة خفيفة املؤنة»[[[‪.‬‬

‫وبعد هذه املق ّدمة يق ّرر الالهيجي رأيه حول برهان الص ِّديقني من دون أ ْن‬
‫قائل‪« :‬واعلم أنّه ميكن أن يق ّرر هذا الدليل‬
‫يتوقّف عىل إبطال الدور والتسلسل ً‬
‫عىل الوجه الذي ق ّررنا به إبطال التسلسل بأ ّن نقول‪ :‬وهكذا فسواء رجعت الحاجة‬
‫إىل املمكن األ ّول أو ذهبت إىل غري النهاية ال ميكن أ ْن يجب بذلك وجود‬

‫[[[ شوارق اإللهام ‪.311 :2‬‬


‫‪50‬‬

‫املمكن األ ّول‪ ،‬وإنّ ا يجب لو انس ّد عليه جميع أنحاء العدم‪ ،‬وهو غري ممكن‬
‫مع انحصار املوجودات يف املمكنات‪ ،‬فال ب ّد من الواجب الوجود لذاته ليستند‬
‫إليه وجوب الواجبات بالغري من املمكنات بالغري من املمكنات وهو املطلوب‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال توقّف لهذا الدليل عىل إبطال الدور والتسلسل وإن لزم منه إبطالهام»[[[‪.‬‬

‫التقرير الثاين‬

‫قسم الفياض الالهيجي براهني إثبات وجود الله يف كتابه (رسمايه اميان)‬
‫لقد ّ‬
‫إىل الرباهني املتوقّفة عىل إبطال الدور والتسلسل والرباهني غري املتوقّفة عىل‬
‫بإسهاب ومق ّد ٍ‬
‫مات‬ ‫ٍ‬ ‫إبطالهام‪ .‬وقد ذكر ما ال يتوقّف عىل إبطال الدور والتسلسل‬
‫كثري ٍة ال تخلو من إبداع‪ ،‬ونق ّدم خالصة استدالله يف قالب القياس االستثنايئ‬
‫أي موجود‪ ،‬سواء كان الدور‬ ‫هكذا‪( :‬إذا مل يكن هناك واجب الوجود‪ ،‬ال يتحقّق ّ‬
‫باطل أم مل يكن‪ ،‬ولكن ممكن الوجود موجود‪ ،‬فواجب الوجود أيضً ا‬ ‫ً‬ ‫والتسلسل‬
‫موجود)‪.‬‬

‫بي الفياض استدالله هذا عىل النحو التايل‪:‬‬


‫وقد ّ‬
‫‪1.‬إذا مل يكن ضمن موجودات العامل واجب الوجود‪ ،‬وكان الجميع ممك ًنا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يف العامل‪:‬‬ ‫فتكون مجموع املمكنات‬

‫أ‪ -‬إ ّما موجو ًدا واح ًدا حقيق ًّيا متم ّي ًزا‪ ،‬أي بأ ْن يكون له مضافًا إىل أفراد‬
‫املجموعة صورة وهيأة حقيق ّية يف الخارج‪ ،‬ويكون ملجموعها من حيث كونها‬
‫مجموعة وحدة حقيق ّية قامئة بأفراد تلك املجموعة‪ ،‬كالدار التي لها شكل وصورة‬
‫حقيقيّة مضافًا إىل األجزاء‪.‬‬
‫ب_ وإ ّما ال يكون موجو ًدا واح ًدا حقيق ًّيا متم ّي ًزا‪ ،‬وال يتحقّق يف الخارج يشء‬
‫مثل‪.‬‬
‫سوى أفراد املمكن من تلك املجموعة‪ ،‬كأفراد الجنود يف الجيش ً‬

‫[[[ م‪.‬ن‪.71 :‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪51‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫‪2.‬إذا كانت مجموع املمكنات موجو ًدا واح ًدا حقيقيًّا متميّ ًزا يف الخارج‪،‬‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ‪:‬‬

‫أ_ مبا أنّه قد افرتضنا عدم وجود الواجب يف الخارج‪ ،‬ال بد أ ْن يكون هذا‬
‫املوجود الواحد الحقيقي املتم ّيز ممكن الوجود أيضً ا‪.‬‬

‫محتاج إىل العلّة يك متنح له وجوب الوجود‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫كل ممكن الوجود‬
‫ب‪ّ -‬‬

‫ج_ مبا أ ّن هذه املجموعة مل تكن واجب الوجود‪ ،‬ال ميكن أ ْن تكون علّ ًة‬
‫تا ّم ًة لنفسها‪.‬‬

‫د‪ -‬فالعلّة التا ّمة لهذه املجموعة إ ّما أن تكون األفراد واألجزاء وإ ّما موجو ًدا‬
‫جا عنها‪.‬‬‫خار ً‬

‫هـ ‪ -‬إ ّن العلّة التا ّمة لهذه املجموعة مل تكن أفراد تلك املجموعة؛ أل ّن العلّة‬
‫كل فر ٍد من أفرادها‪ ،‬وعليه يلزم أ ْن تكون‬
‫التا ّمة لتلك املجموعة ال ب ّد أ ْن تكون علّة ّ‬
‫علّة املجموعة علّة نفسها أيضً ا ألنّها أحد أفراد املجموعة‪ .‬ولكن ذلك الفرد من‬
‫املجموعة ‪ -‬بحسب االفرتاض‪ -‬ممكن الوجود أيضً ا‪ ،‬ويستحيل أن يكون املمكن‬
‫علّة لنفسه‪.‬‬
‫جا عنها أيضً ا؛ أل ّن الخارج من‬
‫و_ ال تكون علّة هذه املجموعة موجو ًدا خار ً‬
‫مجموعة املمكنات ال يكون إلّ واجب الوجود‪ ،‬وليس لنا واجب الوجود يف‬
‫الخارج بحسب االفرتاض‪.‬‬
‫وعليه فإ ّن مجموعة املمكنات مل تكن موجو ًدا واح ًدا حقيق ًّيا متم ّي ًزا يف‬
‫العامل الخارجي [لعدم إمكان تص ّور علّة لها]‪.‬‬

‫‪3.‬إذا مل تكن مجموعة املمكنات موجو ًدا واح ًدا حقيق ًّيا متم ّي ًزا يف العامل‬
‫حينئذ إىل علّ ٍة مستقلّة‪ ،‬ألنّه ال يوجد يف‬ ‫ٍ‬ ‫الخارجي‪ ،‬فال تحتاج هذه املجموعة‬
‫‪52‬‬

‫ٍ‬
‫واحد منهم علّة اآلخر‪ ،‬وعليه‬ ‫كل‬ ‫ّ‬
‫ومتكثين يكون ّ‬ ‫الخارج سوى أفراد متع ّددين‬
‫فتحقّق هذه املجموعة ‪ -‬وتع ّد اعتباريّة من حيث كونها مج ّرد مجموع ٍة ال أكرث‪-‬‬
‫واحد منهم موجو ٌدبسبب الفرد اآلخر بحسب‬‫ٍ‬ ‫وكل‬
‫بحاجة إىل تحقّق أفرادها‪ّ ،‬‬
‫االفرتاض‪.‬‬

‫ٌّ‬
‫متكث‪،‬‬ ‫مستقل‬
‫ٌّ‬ ‫‪4.‬إ ّن مجموعة املمكنات املركّبة من األفراد‪ ،‬موجو ٌد‬
‫مستقل عن‬‫ّ‬ ‫وتختلف عن أفرادها‪ ،‬أي أنّها وجو ٌد كثري ‪-‬ال وجود واحد حقيقي‪-‬‬
‫كل فر ٍد من األفراد‪ ،‬وتكون عني وجود األفراد‪ ،‬ومل ّا كان هذا الوجود الكثري‬ ‫وجود ّ‬
‫املستقل يكون عني وجود األفراد‪ ،‬مل يكن له علّة سوى العلل املتعلّقة بفرد فر ٍد‬ ‫ّ‬
‫كل فر ٍد من أفراد املجموعة علّ ٌة لآلخر)‪.‬‬
‫بحسب االفرتاض (ألنّنا افرتضنا أ ّن ّ‬

‫‪5.‬إ ّن وجود مجموعة املمكنات من حيث إنّه عني وجود األفراد‪ ،‬وإ ْن مل‬
‫يحتج إىل علّ ٍة مستقلّ ٍة غري علّة األفراد‪ ،‬غري أنّه ألجل أ ْن يكون واجب الوجود‬
‫يحتاج إىل علّ ٍة أُخرى غري علّة األفراد؛ أل ّن هذه األفراد ال تستطيع أ ْن تكون سببًا‬
‫لوجوب وجود مجموعة املمكنات‪ ،‬ويف الحقيقة أ ّن وجود مجموعة املمكنات‬
‫واحد من أفراد تلك املجموعة‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫وقابل للعدم؛ وذلك أ ّن وجود ّ‬‫ٌ‬ ‫ين‬
‫وجو ٌد إمكا ّ‬
‫وإ ْن كان واج ًبا بسبب وجود علّته ‪ -‬وهي فر ٌد آخر من تلك املجموعة نفسها ‪-‬‬
‫ولكن مع هذا فإ ّن انعدام مجموع تلك األفراد اإلمكانيّة سوية ممكن ومحتمل‬
‫واحد من تلك األفراد‪ ،‬وعليه مبا أ ّن انعدام تلك املجموعة‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫أيضً ا بدليل إمكان ّ‬
‫من املمكنات جائز‪ ،‬ال يكون وجود مجموعها واج ًبا‪ ،‬أي أ ّن مجموعة املمكنات‬
‫ممكنة‪.‬‬

‫كل ممكن الوجود مل يوجد ما مل يصل إىل مرتبة وجوب الوجود‪.‬‬


‫‪6.‬إ ّن ّ‬

‫‪7.‬إ ّن مجموعة املمكنات ‪ -‬املركب من وجوب األفراد ‪ -‬ال يكون موجو ًدا‬
‫ما مل يصل إىل وجوب الوجود‪.‬‬

‫‪8.‬ال ميكن أن تكون علّة وجود مجموعة املمكنات واح ًدا من أفراد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪53‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫إل عني وجود أفرادها‪.‬‬‫املجموعة؛ أل ّن هذه السلسلة أو املجموعة ال تكون ّ‬


‫وعليه فلو كان فر ٌد من أفراد هذه السلسلة علّة وجوب وجود جميع أفراد املجموعة‬
‫والسلسلة‪ ،‬للزم أ ْن يكون علّة لوجوب وجود نفسه أيضً ا‪ ،‬أي يلزم أ ْن يكون واجب‬
‫الوجود بالذات والحال أنّنا افرتضناه ممكن الوجود‪.‬‬

‫‪9.‬إ ّن مجموع السلسلة ال ميكن أ ْن تكون علّة وجوب الوجود أيضً ا‪ ،‬أل ّن‬
‫مجموع السلسلة تكون عني أفراد السلسلة ووجودها عني وجود األفراد‪ ،‬ومبا أ ّن‬
‫كل فر ٍد منها ممكن الوجود‪ ،‬فمجموع السلسلة تكون ممكن الوجود أيضً ا‪ ،‬وما‬‫ّ‬
‫كان ممكن الوجود ال يكون علّة لوجوب الوجود‪.‬‬

‫ ‪10.‬إذا مل تكن علّة وجوب وجود سلسلة املمكنات فر ًدا من األفراد وال‬
‫املجموعة‪ ،‬ال بد أ ْن تكون علّة وجوب الوجود موجو ًدا خارج سلسلة املمكنات‪.‬‬

‫ ‪11.‬إ ّن املوجود الخارج عن سلسلة املمكنات ال ب ّد أ ْن يكون واجب الوجود‬


‫بالذات‪.‬‬

‫أي ممكن‪.‬‬
‫ ‪12.‬إذا مل يكن هناك واجب الوجود بالذات‪ ،‬مل يتحقّق ّ‬

‫ ‪13.‬ولكن إ ّن وجود املمكنات ثابت‪.‬‬

‫والنتيجة أ ّن واجب الوجود بالذات موجود[[[‪.‬‬


‫كام هو املالحظ فإ ّن استدالل الالهيجي املط ّول يبتني عىل قاعدة (اليشء ما‬
‫مل يجب مل يوجد) وملخّصه أ ّن موجودات العامل إذا مل تصل إىل مرحلة وجوب‬
‫الوجود‪ ،‬ومل تنتف جميع احتامالت عدمها‪ ،‬ال توجد أب ًدا‪ .‬ولكن نرى وجود‬
‫ويتبي أنّها وصلت إىل مرحلة وجوب الوجود‪ ،‬ث ّم‬‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫موجودات يف العامل الخارجي‪،‬‬
‫إ ّن سبب وجوب وجود املوجودات مل يكن واح ًدا من تلك املوجودات املمكنة‬
‫وال مجموعها؛ ألنّها ال تكون واجبة الوجود ذات ًا‪ ،‬و هي أيضً ا قابلة للعدم‪ ،‬فمهام‬
‫أي ممكنٍ منشأ‬ ‫تع ّددت ال ميكنها أ ْن تكون موجبًا لوجود يش ٍء آخر‪ ،‬فال يكون ّ‬
‫[[[ رسمايه اميان‪.42-41 :‬‬
‫‪54‬‬

‫وجوب املمكنات وامتناع عدمها‪ .‬وعليه يلزم وجود موجود واجب بالذات مينح‬
‫املمكنات وجوب الوجود‪ .‬وبعبار ٍة أخرى‪ :‬إ ّن املمكنات ‪ -‬سواء املتناهيات أم‬
‫غري املتناهيات ‪ -‬تكون موجود ًة جميعها بالق ّوة وبشكل مرشوط‪ ،‬وما دام مل يكن‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫أي‬
‫واجب الوجود بالذات يوصلها إىل ح ّد الوجوب والفعليّة‪ ،‬ال يوجد ّ‬
‫منها بالفعل‪ .‬ويف مقام التشبيه يقال إ ّن املوجودات املمكنة تكون مبنزلة الصفر‪،‬‬
‫فمهام كرثت األصفار وتع ّددت يكون مجموعها صف ًرا أيضً ا‪ ،‬وما دام مل ِ‬
‫يأت‬
‫العدد يف بدايتها مل تنل التحقّق والفعليّة‪.‬‬
‫فهذا التقرير ال يبتني عىل إبطال الدور والتسلسل؛ ألنّه يؤكّد عىل أ ّن مجموع‬
‫ممكنات العامل‪ ،‬ممكنة الوجود ال تصل إىل مرحلة وجوب الوجود من دون وجود‬
‫باطل أم مل يكن‪ ،‬يلزم‬
‫ً‬ ‫واجب الوجود بالذات‪ ،‬وعليه سواء كان الدور والتسلسل‬
‫وجود الواجب بالذات لتحقّق املوجودات املمكنة‪.‬‬

‫‪ -4‬تقرير الفيض الكاشاين‬


‫لقد شهد برهان الص ِّديقني يف مدرسة أصفهان الفلسف ّية والكالم ّية يف العرص‬
‫املل صدرا (ت ‪1050‬هـ)‪ ،‬وقد استم ّر هذا التح ّول‬ ‫ريا بجهود ّ‬‫الصفوي تح ّو ًل كب ً‬
‫املل محسن الفيض الكاشاين‬ ‫ّ‬ ‫عىل يد أتباع مدرسة الحكمة املتعالية‪ ،‬ومنهم‬
‫(ت‪1091‬هـ) حيث رأى كغريه أ ّن برهان الص ِّديقني أقوى وأرسع دليلٍ عىل إثبات‬
‫وجود الله تعاىل‪ ،‬وال يحتاج يف تقريره إىل لحاظ غري الله تعاىل[[[‪.‬‬

‫وقد ذكر الكاشاين تقريرين لهذا الربهان غري معتمدين عىل إبطال الدور‬
‫خاص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أي إبداع‬
‫والتسلسل يف كتبه الكالميّة‪ ،‬وال يوجد فيهام ّ‬

‫التقرير األ ّول‬

‫املل محسن الفيض تقريره األ ّول تحت عنوان (آية أصل الوجود)‬ ‫ّ‬ ‫لقد ذكر‬
‫أصل‪ ،‬فهو‬
‫ً‬ ‫وقال‪« :‬آية أصل الوجود‪ ،‬فإنّه إ ْن كان قامئًا بذاته غري متعلّقٍ بغريه‬

‫[[[ عني اليقني للكاشاين ‪.326 :1‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪55‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫الله املبدأ املبدئ‪ ،‬وإ ْن كان قامئًا بغريه‪ ،‬وذلك الغري يكون وجو ًدا أيضً ا‪ ،‬إذ‬
‫غري الوجود ال يتص ّور أ ْن يكون مق ّو ًما للوجود‪ ،‬فننقل الكالم إليه وهكذا إىل أ ْن‬
‫أصل‪ .‬ث ّم جميع‬ ‫ً‬ ‫يتسلسل أو يدور أو ينتهي إىل وجو ٍد قائمٍ بذاته‪ ،‬غري متعلّقٍ بغريه‬
‫ٍ‬
‫واحد يف تق ّومها بغريها‪،‬‬ ‫تلك الوجودات املتسلسلة أو الدائرة يف حكم وجو ٍد‬
‫جل ذكره»[[[‪.‬‬
‫وهو الله القيوم ّ‬

‫التقرير الثاين‬

‫ريا تقرير الخواجة‬ ‫التقرير الثاين لربهان الص ِّديقني عند الكاشاين يشبه كث ً‬
‫ٍ‬
‫اختالف‬ ‫نصري الدين الطويس املذكور يف رسالة الفصول‪ ،‬حيث نقله الكاشاين مع‬
‫طفيف تحت عنوان (آية اإلمكان والفقر)‪ ،‬وقال‪« :‬لو مل يوجد الواجب ‪ -‬أعني‬ ‫ٍ‬
‫الغني بالذات ‪ -‬مل يوجد املمكن ‪ -‬أعني املستغني بالغري‪ -‬فلم يوجد موجود‬
‫أصل؛ أل ّن ذلك الغري عىل هذا التقرير مستغنٍ بالغري‪ ،‬فإ ّما أ ْن يتسلسل أو يدور‪،‬‬
‫ً‬
‫ح‬
‫ج ٍ‬ ‫أصل‪ ،‬فال ب ّد من مر ّ‬
‫ً‬ ‫بأل يوجد يش ٌء منها‬
‫الكل ّ‬
‫وعىل التقديرين جاز انتفاء ّ‬
‫الغني وأنتم الفقراء﴾ ‪.‬‬
‫[[[‬
‫ّ‬ ‫جح وجودها‪ ،‬وهو الغني بالذات‪ ﴿ :‬والله‬ ‫خارج عنها ير ّ‬

‫[[[ م‪.‬ن ‪.324 :1‬‬


‫[[[ أنوار الحكمة‪.13-12 :‬‬
‫‪56‬‬

‫الئحة املصادر واملراجع‬


‫‪ .1‬ابن أيب جمهور األحسايئ ‪ ،‬محمد بن عيل ‪ ،‬كشف الرباهني لرشح زاد املسافرين‪،‬‬
‫‪3‬ج ‪ ،‬تصحيح وتحقيق ‪ :‬رضا يحيى پور فارمد ‪ ،‬جمعية ابن أيب جمهور األحسايئ إلحياء‬
‫الرتاث ‪ ،‬بريوت ‪ 1439 ،‬هـ ق‪.‬‬

‫‪ .2‬ابن أيب جمهور األحسايئ ‪ ،‬محمد بن عيل ‪ ،‬مجيل مرآة املنجي ‪ 5‬ج ‪ ،‬تحقيق‬
‫وتصحيح ‪ :‬رضا يحيى پور فارمد ‪ ،‬جمعية ابن أيب جمهور األحسايئ إلحياء الرتاث ‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ 1434‬هـ ق ‪.‬‬

‫‪ .3‬ابن العتائقي الحيل ‪ ،‬عبد الرحمن ‪ ،‬اإليضاح والتبيني رشح مناهج اليقني ‪ ،‬العتبة‬
‫العلوية املقدسة ‪ ،‬النجف ‪ 1438‬هـ ق ‪.‬‬

‫‪ .4‬ابن سينا ‪ ،‬الحسني بن عبد الله ‪ ،‬اإلشارات والتنبيهات ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬مجتبى الزارعي ‪،‬‬
‫مؤسسة بوستان كتاب ‪ ،‬قم ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1387 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .5‬ابن سينا ‪ ،‬الحسني بن عبد الله ‪ ،‬املبدأ واملعاد ‪ ،‬به اهتامم ‪ :‬عبد الله نوراين ‪،‬‬
‫انتشارات مؤسسة مطالعات إسالمي دانشگاه تهران ‪ ،‬تهران ‪ ،‬چاپ دوم ‪ 1383 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .6‬ابن سينا ‪ ،‬الحسني بن عبد الله ‪ ،‬النجاة من الغرق يف بحر الضالالت ‪ ،‬با ويرايش ‪:‬‬
‫محمد تقي دانش پژوه ‪ ،‬انتشارات دانشگاه تهران ‪ ،‬تهران ‪ ،‬چاپ دوم ‪ 1379 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .7‬ابن مخدوم الحسيني ‪ ،‬أبو الفتح ‪ ،‬مفتاح الباب چاپ شده در ‪ :‬الباب الحادي عرش‬
‫للعالمة الحيل مع رشحيه ‪ ،‬حقّقه وقدّم عليه ‪ :‬مهدي محقّق ‪ ،‬مؤسسة چاپ وانتشارات آستان‬
‫قدس رضوي ‪ ،‬مشهد ‪ ،‬چاپ سوم ‪ 1372 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .8‬األسرتآبادي ‪ ،‬السيد عبد الوهاب بن عيل ‪ ،‬رشح الفصول النصرييّة ‪ ،‬قسم الشؤون‬
‫الفكرية والثقافية يف العتبة الحسينية املقدسة ‪ ،‬كربالء ‪ 1433 ،‬هـ ق ‪.‬‬

‫‪ .9‬آل عبد الج ّبار القطيفي ‪ ،‬سليامن بن احمد ‪ ،‬إرشاد البرش يف رشح الباب الحادي‬
‫عرش ‪ ،‬إرشاف ‪ :‬مصطفى آل مرهون ‪ ،‬رشكة دار املصطفى إلحياء الرتاث ‪ ،‬قم ‪ 1429‬هـ ق ‪.‬‬

‫‪ .10‬ايجي ‪ ،‬عضد الدين ‪ ،‬املواقف يف علم الكالم ‪ ،‬عامل الكتب ‪ ،‬بريوت ‪.‬‬

‫‪ .11‬الباغنوي ‪ ،‬مريزا حبيب الله ‪ ،‬الحاشية عىل املحاكامت بني رشحي اإلشارات‪،‬‬
‫چاپ شده در ‪ :‬الرازي ‪ ،‬قطب الدين ‪ ،‬اإللهيات من املحاكامت بني رشحي اإلشارات ‪،‬‬
‫ححه ‪ :‬مجيد هادي زاده ‪ ،‬مرياث مكتوب ‪ ،‬تهران ‪ 1381 ،‬هـ ش ‪.‬‬
‫ص ّ‬
‫‪ .12‬البحراين ‪ ،‬ابن ميثم كامل الدين ميثم بن عيل ‪ ،‬قواعد املرام يف علم الكالم ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪57‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫تحقيق‪ :‬أمنار معاد املظفّر ‪ ،‬العتبة الحسينية املقدسة ‪ ،‬كربالء ‪ 1435 ،‬هـ ق ‪.‬‬

‫‪ .13‬پارسانيا ‪ ،‬حميد ‪ ،‬برهان صدّيقني (مباين وتطّورات) ‪ ،‬پژوهشگاه علوم انساين‬


‫ومطالعات فرهنگي ‪ ،‬تهران ‪ 1390 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫الحل ‪ ،‬الحسن بن يوسف ‪ ،‬الباب الحادي عرش چاپ شده در ‪ :‬همو ‪ ،‬منهاج‬ ‫ّ‬ ‫‪.14‬‬
‫الصالح ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عبد الحميد املريدامادي ‪ ،‬منشورات مكتبة العالمة املجليس ‪ ،‬قم ‪1430 ،‬‬
‫هـ ق ‪.‬‬

‫الحل ‪ ،‬الحسن بن يوسف ‪ ،‬تسليك النفس اىل حظرية القدس ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬فاطمة‬
‫ّ‬ ‫‪.15‬‬
‫رمضاين ‪ ،‬مؤسسة االمام الصادق ‪ ، A‬قم ‪ 1426 ،‬هـ ق ‪.‬‬

‫الحل ‪ ،‬الحسن بن يوسف ‪ ،‬كشف الفوائد يف رشح قواعد العقائد ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬حسن‬
‫ّ‬ ‫‪.16‬‬
‫مك العاميل ‪ ،‬دار الصفوة ‪ ،‬بريوت ‪ 1413 ،‬هـ ق ‪.‬‬
‫ّ‬

‫الحل ‪ ،‬الحسن بن يوسف ‪ ،‬كشف املراد يف رشح تجريد االعتقاد ‪ ،‬تصحيح ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪.17‬‬
‫حسن حسن زاده آميل ‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي ‪ ،‬قم ‪ ،‬الطبعة التاسعة ‪ 1422 ،‬هـ ق ‪.‬‬

‫الحل ‪ ،‬الحسن بن يوسف ‪ ،‬مناهج اليقني يف أصول الدين ‪ ،‬آستان قدس رضوي ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪.18‬‬
‫مشهد ‪ ،‬چاپ دوم ‪ 1388 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .19‬خواجگي شريازي ‪ ،‬محمد بن احمد ‪ ،‬رشح فصول نصرييّة ‪ ،‬تحقيق وتصحيح ‪:‬‬
‫خديجه مقدّس زاده ‪ ،‬كتابخانه ‪ ،‬موزه ومركز اسناد مجلس شوراي إسالمي ‪ ،‬تهران ‪1390 ،‬‬
‫هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .20‬الرازي ‪ ،‬فخر الدّين محمد بن عمر ‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات ‪ ،‬مقدمه وتصحيح‪:‬‬
‫عيل رضا نجف زاده ‪ ،‬انجمن آثار ومفاخر فرهنگي ‪ ،‬تهران ‪ 1384 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫حمدي ‪،‬‬
‫‪ .21‬الرازي ‪ ،‬فخر الدين محمد بن عمر ‪ ،‬معامل أصول الدين ‪ ،‬اعتني به ‪ :‬نزار ّ‬
‫دار الضياء ‪ ،‬كويت ‪ 1433 ،‬هـ ق ‪.‬‬

‫ححه ‪:‬‬
‫‪ .22‬الرازي ‪ ،‬قطب الدين ‪ ،‬اإللهيات من املحاكامت بني رشحي اإلشارات ‪ ،‬ص ّ‬
‫مجيد هادي زاده ‪ ،‬مرياث مكتوب ‪ ،‬تهران ‪ 1381 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .23‬سليامين امريي ‪ ،‬عسكري ‪ ،‬برهان صديقني عالمه طباطبايي ‪ ،‬پژوهشگاه حوزه‬


‫ودانشگاه ‪ ،‬قم ‪ 1395 ،‬هـ ق ‪.‬‬

‫الحل ‪ ،‬مقداد بن عبد الله ‪ ،‬إرشاد الطالبني اىل نهج املسرتشدين ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .24‬السيوري‬
‫تحقيق‪ :‬السيد مهدي الرجايئ ‪ ،‬مكتبة آية الله املرعيش العامة ‪ ،‬قم ‪ 1405 ،‬هـ ق ‪.‬‬
‫‪58‬‬

‫الحل ‪ ،‬مقداد بن عبد الله ‪ ،‬األنوار الجاللية يف رشح الفصول النصريية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .25‬السيوري‬
‫تحقيق ‪ :‬عىل حاجي آبادي وعباس جاليل نيا ‪ ،‬مجمع البحوث اإلسالمية ‪ ،‬مشهد ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪ 1392 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫الحل ‪ ،‬مقداد بن عبد الله ‪ ،‬اللوامع اإللهية يف املباحث الكالمية ‪ ،‬حقّقه‬


‫ّ‬ ‫‪ .26‬السيوري‬
‫وعلّق عليه ‪ :‬محمد عىل القايض الطباطبايئ ‪ ،‬مؤسسة بوستان كتاب ‪ ،‬قم ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪،‬‬
‫‪ 1387‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .27‬رشف شاه الحسيني ‪ ،‬السيد جالل الدين ‪ ،‬رشح الباب الحادي عرش ‪ ،‬نسخة شامره‬
‫‪ 10706‬كتابخانه مجلس شوراي إسالمي ‪.‬‬

‫‪ .28‬الشريازي ‪ ،‬صدر الدين محمد ‪ ،‬رشح الهداية األثريية ‪2 ،‬ج ‪ ،‬تصحيح ‪ ،‬تحقيق‬
‫ومقدمة ‪ :‬مقصود محمدي ‪ ،‬بنياد حكمت إسالمي صدرا ‪ ،‬تهران ‪ 1393 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .29‬الطريحي ‪ ،‬صفي الدين ‪ ،‬مطارح النظر يف رشح الباب الحادي عرش ‪ ،‬نرش باقيات‬
‫ومكتبة فدك ‪ ،‬قم ‪ 1428 ،‬هـ ق ‪.‬‬

‫‪ .30‬الطويس ‪ ،‬نصري الدين ‪ ،‬تجريد االعتقاد ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد جواد الحسيني الجاليل‪،‬‬
‫مكتب اإلعالم اإلسالمي ‪ ،‬قم ‪ 1407 ،‬هـ ق ‪.‬‬

‫‪ .31‬الطويس ‪ ،‬نصري الدين ‪ ،‬رشح اإلشارات والتنبيهات ‪3 ،‬ج نرش البالغة ‪ ،‬قم ‪1375‬‬
‫هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .32‬الطويس ‪ ،‬نصري الدين ‪ ،‬قواعد العقائد ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عيل حسن خازم ‪ ،‬دار الغربة ‪،‬‬
‫لبنان ‪ 1413 ،‬هـ ق ‪.‬‬

‫‪ .33‬الطويس ‪ ،‬نصري الدين محمد بن محمد ‪ ،‬فصول العقائد ‪ ،‬راجعه ونقّاه ‪ :‬شاكر‬
‫العارف وحميد الخاليص ‪ ،‬مطبعة املعارف ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1380 ،‬هـ ق ‪ 1960 / .‬م ‪.‬‬

‫‪ .34‬عبوديت ‪ ،‬عبد الرسول ‪ ،‬اثبات وجود خدا به روش اصل موضوعي ‪ ،‬انتشارات‬
‫مؤسسة آموزيش و پژوهيش امام خميني ‪ ،‬قم ‪ ،‬چاپ سوم ‪ 1389 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫الحل ‪ ،‬محمد بن الحسن ‪ ،‬إرشاد املسرتشدين ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬يعقوب‬


‫ّ‬ ‫‪ .35‬فخر املحقّقني‬
‫جعفري ‪ ،‬قسم ‪ ،‬مجلة كالم إسالمي ‪ ،‬سال دوم ‪ ،‬شامره پنجم ‪ 1372 ،‬هـ ش ‪ ،‬صص ‪– 19‬‬
‫‪. 32‬‬

‫الحل ‪ ،‬محمد بن الحسن ‪ ،‬تحصيل النجاة يف أصول الدين ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .36‬فخر املحقّقني‬
‫الحل إلحياء تراث حوزة الحلة ‪ ،‬بابل ‪ 1438 ،‬ه ق ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تحقيق ‪ :‬حامد ف ّيايض ‪ ،‬مركز العالمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪59‬‬ ‫اإلمامية‬ ‫برهان الصديقني عند متكليم‬

‫‪ .37‬الكاشاين ‪ ،‬مال محسن ‪ ،‬أنوار الحكمة ‪ ،‬تحقيق وتعليق ‪ :‬محسن بيدارفر ‪ ،‬انتشارات‬
‫بيدار ‪ ،‬قم ‪ 1383 ،‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .38‬الكاشاين ‪ ،‬مال محسن ‪ ،‬عني اليقني ‪2 ،‬ج ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬فالح عبد الرزاق العبيدي ‪،‬‬
‫أنوار الهدى ‪ ،‬قم ‪ 1427 ،‬هـ ق ‪.‬‬

‫‪ .39‬الكاشاين ‪ ،‬نصري الدين ‪ ،‬الحاشية عىل رشح اإلشارات للطويس ‪ ،‬نسخة خطّي‬
‫شامره ‪ 3220‬كتابخانة احمد ثالث موزة طوپقاپو رساي تركيه ‪.‬‬

‫‪ .40‬الكاشاين ‪ ،‬نصري الدين ‪ ،‬موصل الطالبني إىل رشح نهج املسرتشدين ‪ ،‬نسخة خطّي‬
‫مل ملك تهران ‪.‬‬‫شامره ‪ 1629‬كتابخانة ّ‬

‫‪ .41‬الهيجي ‪ ،‬مال عبدالرزاق ‪ ،‬رسمايه اميان ‪ ،‬به تصحيح ‪ :‬صادق الريجاين آميل ‪،‬‬
‫انتشارات الزهراء ‪ ،‬قم ‪ ،‬چاپ سوم ‪ ،‬تابستان ‪ 1372‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .42‬الالهيجي ‪ ،‬مال عبدالرزاق ‪ ،‬شوارق اإللهام يف رشح تجريد الكالم ‪ ،‬ج‪ ، 5‬تحقيق ‪:‬‬
‫أكرب أسد عيل زاده ‪ ،‬قم ‪ ،‬مؤسسة امام صادق ‪ 1430 A‬هـ ق ‪ 1387 / .‬هـ ش ‪.‬‬

‫‪ .43‬املالحمي الخوارزمي ‪ ،‬ركن الدين محمود بن محمد ‪ ،‬املعتمد يف أصول الدين ‪،‬‬
‫تحقيق وتقديم ‪ :‬ويلفرد مادلونغ ‪ ،‬تهران ‪ ،‬مرياث مكتوب ‪ 1390 ،‬هـ ش ‪.‬‬
‫‪44. Rudolph – Ulrich Rotraud Hansberger – and peter Adamson‬‬
‫– ‪(eds)- philosophy in the Islamic world – vol 8 :1th10-th centuries‬‬
‫‪translated by Rotraud Hansberger – Brill – Leiden - 2017‬‬

You might also like