You are on page 1of 54

‫نقد العقل اإلسالمي عند دمحم أركون‬

‫بنية وتفكي ًكا‬


‫الدكتور‪ :‬علي عبد الفتاح دمحم عبده‬
‫ادلسمى األكادميي‪ :‬مدرس الفلسفة اإلسالمية‬
‫قسم‪ :‬الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬الكلية‪ :‬دار العلوم‪ ،‬اجلامعة‪ :‬القاىرة‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫ملخص البحث‬
‫يعد نقد العقل اإلسالمي ادلشروع الفكري الكبَت الذي نذر لو حياتو وفكره؛ فكل‬
‫آرائو وأفكاره تندرج ربت ىذا ادلشروع الكبَت‪ ،‬الذي يسميو مشروع العمر؛ ولذلك لن نفهم‬
‫أفكار أركوف إال ابلوقوؼ على أبعاد ىذا ادلشروع الذي تتبلور ربتو كل آراء الرجل وتوجهاتو‪.‬‬
‫ويف سبيل نقد العقل اإلسالمي ؽليز أركوف بُت نوعُت من العقوؿ‪:‬‬
‫األول‪ :‬ىو العقل الكالسيكي اإلسالمي‪ ،‬وىذا العقل ىو سبب زبلف ادلسلمُت‬
‫وتراجع دورىم الفكري واحلضاري؛ ألنو عقل تكراري اجًتاري آلراء السابقُت دوف نقد أو‬
‫سبحيص ذلا‪ ،‬وقد افًتض طرقًا عدة ؽلكن من خالذلا التعرؼ على ىذا العقل‪ ،‬ولكنو يرى أف‬
‫أكرب شلثل ذلذا العقل ىو كتاب "الرسالة" للشافعي؛ حيث يرى أف ىذه الرسالة ىي اليت‬
‫أصلَت لتجمد العقل اإلسالمي وتراجع دوره احلضاري‪ ،‬بعد قضائها على مبدأ النقد‪.‬‬
‫َّ‬
‫والثاين‪ :‬ىو العقل االستطالعي التقدمي ادلنبثق ادلعتمد على الشك والنقد لكل‬
‫عقال ال يؤمن دبقدسات وال بابوىات أو‬
‫شيء‪ ،‬وىذا العقل الذي ينشده؛ فهو ينشد ً‬
‫جديدا يف نقد العقل اإلسالمي يسميو ابإلسالميات‬
‫ً‬ ‫منهجا‬
‫ً‬ ‫مسلمات؛ ولذلك يعتمد‬
‫معوال حملاولة ىدـ ونقد كل‬
‫التطبيقية‪ ،‬وقد ربدث عن مواصفاهتا وشليزاهتا‪ ،‬وقد ازبذىا ً‬
‫الثوابت اإلسالمية‪ ،‬وألعلية ىذا ادلوضوع ‪-‬وال سيما أف أركوف يشكل مدرسة فكرية كبَتة‪-‬‬
‫نقدًّي يف تناولو‪.‬‬
‫منهجا وصفيًّا ًّ‬
‫معتمدا ً‬
‫ً‬ ‫فقد أردت الوقوؼ على أبعاد ىذا ادلشروع‪،‬‬
‫الكلمات ادلفتاحية‪ :‬أركوف‪ ،‬نقد‪ ،‬العقل اإلسالمي‪.‬‬

‫‪012‬‬
‫ علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬/‫د‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

Abstract
Criticism of the Islamic mind at Mohammed Arkoun: structure and
deconstruction
Islamic mind criticism is the great intellectual project that Arkon has given
his life; all his views are part of this great project. We won’t understand
Akron’s ideas except after meditating these project aspects.
Arkon distinguishes between two types of Islamic minds: the first is
the classical type, and this type is the reason behind the Muslims
backwardness and the decline of their Civilization role; because it is a
repetitive mind of the previous opinions without criticism. He has
hypothesized several ways to recognize this mind, but he believes that the
greatest representative for this mind is "The Message" book for Shafi. This
book is the backbone for this mind in his opinion.
The other type is liberal explorative mind that always criticizes
everything (sanctities, taboos or axioms). This is the mind that he seeks.
Therefore, he adopts a new approach in criticizing the Islamic mind, which
he calls applied Islamism. He broadcasts about its features and
specifications. He used this project to criticize and demolish all the Islamic
constants and fundaments. Because of the value of this theme, I want to
identify this project aspects, I adopt critical descriptive approach in dealing
with it.
Keywords: Arkoun, Criticism, Islamic Mind

012
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫نقد العقل اإلسالمي عند دمحم أركون‬


‫بنية وتفكي ًكا‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫والصالة والسالـ على ادلبعوث رمحة للعادلُت‪ ،‬سيدان دمحم وعلى آلو‪ ،‬وصحبو أمجعُت‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فهذا حبث بعنواف "نقد العقل اإلسالمي عند دمحم أركون؛ بنية وتفكي ًكا" أردت‬
‫من خاللو الوقوؼ على أبعاد ىذا ادلشروع‪ ،‬وما لو وما عليو‪ ،‬وال سيما أف صاحبو قد طبَّق‬
‫ذكره اآلفاؽ‪ ،‬وشغل الناس‪.‬‬
‫أمهية البحث‪:‬‬
‫ترجع أعلية ىذا البحث إذل أسباب عديدة أييت على رأسها‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬شخصية أركوف نفسو؛ فهو يشكل مدرسة فكرية يتوزع تالميذىا يف ادلشرؽ‬
‫ً‬
‫وادلغرب فَػتُػتَلقى أفكاره بقبوؿ حسن‪ ،‬وعلى اجلانب اآلخر ىناؾ من يزدريو ويزدري آراءه‪،‬‬
‫وىذا ػلفز الباحث على زلاولة بياف إغلابيات وسلبيات صاحب ىذا ادلشروع‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬ادلوضوع الذي تدور حولو الدراسة؛ فهو يتناوؿ ابلنقد كل الًتاث اإلسالمي‪،‬‬
‫زلاوال زعزعة كل الثوابت‪ ،‬وىذا يلقي ابلتبعة علينا‬
‫دبا فيو القرآف الكرًن‪ ،‬والسنة ادلطهرة‪ً ،‬‬
‫ألداء حق البياف الذي أ ُِم ْران بو‪.‬‬
‫إشكالية البحث‪:‬‬
‫لقد أفٌت أركوف حياتو يف زلاولة إصلاز مشروعو لنقد العقل اإلسالمي‪ ،‬وىو يعتربه‬
‫مشروع العمر‪ ،‬فلو فهمنا أبعاد نقد أركوف للعقل اإلسالمي نكوف قد فهمنا كافة آراء أركوف‪،‬‬
‫ومن مث فإف ىذا البحث ػلاوؿ اإلجابة على سؤالُت تتحدد هبما طبيعة ىذا ادلشروع وأبعاده‪،‬‬
‫وعلا‪:‬‬
‫السؤال األول‪ :‬ما العقل الذي أفٌت أركوف حياتو يف نقده؟‬
‫السؤال الثاين‪ :‬ما العقل الذي ينشده أركوف ويريده؟‬
‫‪012‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫أىداف البحث‪:‬‬
‫يهدؼ ىذا البحث إذل‪:‬‬
‫ػ زلاولة فهم مشروع أركوف الذي فنت العديد من الباحثُت‪.‬‬
‫ػ إظهار إغلابيات وسلبيات ىذا ادلشروع حىت نكوف على بينة من أمران‪ ،‬فال ظليل‬
‫كل ادليل‪ ،‬وال تزيغ بنا األىواء‪.‬‬
‫ػ زلاولة فهم نظرة التيار احلداثي العريب ادلعاصر للًتاث اإلسالمي ابعتبار أركوف ؽلثل‬
‫أسا من رءوس ىذا التيار‪.‬‬ ‫رً‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫من الدراسات السابقة اليت تناولت ىذا ادلوضوع‪:‬‬
‫ػ «نقد العقل اإلسالمي عند دمحم أركوف»‪ ،‬سلتار الفجاري‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بَتوت‪،‬‬
‫لبناف‪ ،‬طٔ (ٕ٘ٓٓـ)‪.‬‬
‫ػ «دمحم أركوف‪ ،‬مفهوـ العقل اإلسالمي وتفكيكو»‪ ،‬الطاوس أغضابنو‪ ،‬حبث منشور‬
‫ضمن موسوعة الفلسفة العربية ادلعاصرة‪ ،‬ربوالت اخلطاب من اجلمود التارؼلي إذل مآزؽ‬
‫الثقافة واأليديولوجيا‪ ،‬منشورات االختالؼ‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬طٔ (ٖ٘ٗٔىػ‪ٕٓٔٗ/‬ـ)‪.‬‬
‫ولكن أزعم أف ما يفرؽ ىذه الدراسة عن ىاتُت الدراستُت‪ ،‬أهنما قد اىتما ‪-‬يف‬
‫اجلانب األغلب األعم‪ -‬ابجلانب الوصفي التحليلي‪ ،‬مغفلُت إذل حد كبَت اجلانب النقدي‪،‬‬
‫معا‪ ،‬ولذلك فقد أفردت‬ ‫وقد حاولت ىذه الدراسة أف ربلق جبناحُت؛ الوصفي والنقدي ً‬
‫مبحثًا للتعقيب على مشروع أركوف يف نقد العقل اإلسالمي‪.‬‬
‫حدود البحث‪:‬‬
‫سيعتمد ىذا البحث على معظم كتاابت أركوف‪ ،‬ال سيما أف ىذا مشروع عمره‪،‬‬
‫فكل كتاابتو يتغلغل فيها جانب أو جوانب تعد دبثابة الروافد لنقد العقل اإلسالمي‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫قسمت ىذا البحث إذل مقدمة‪ ،‬وثالثة مباحث‪:‬‬
‫األول‪ :‬بنية العقل اإلسالمي عند دمحم أركوف‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬تفكيك أركوف للعقل اإلسالمي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬تعقيب‪.‬‬
‫وقد ذيلت ابخلامتة وفيها نتائج ىذه الدراسة‪.‬‬
‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫معا ألعليتهما يف فهم‬‫اعتمدت يف ىذا البحث على ادلنهج الوصفي والنقدي ً‬
‫مشروع أركوف وتقييمو‪.‬‬

‫‪012‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫ادلقدمة‪:‬‬
‫ازدىارا فكرًًّّي‬
‫ً‬ ‫لقد كاف العرب وادلسلموف يعيشوف إابف عصور الظالـ األوربية‬
‫وحضارًًّّي مشل مجيع مناحي احلياة؛ فقد بلغوا التماـ يف كل شيء‪ ،‬ولكن لكل شيء إذا ما مت‬
‫نقصاف؛ فقد تبدلت األحواؿ‪ ،‬وتوالت النكسات واالنتكاسات على اجملتمعات العربية‬
‫واإلسالمية‪ ،‬وعلى اجلانب اآلخر فقد صعد األوربيوف سلم اجملد‪ ،‬وتربعوا على عرش احلضارة‪،‬‬
‫وبلغوا ذرى التقدـ واالزدىار‪ ،‬وأصبحنا ‪-‬ضلن العرب وادلسلمُت‪ -‬نعيش يف عصور ظالـ‬
‫اسودادا من نظَتهتا األوربية إابف اضلدارىا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عربية حنادسها أشد‬
‫وىنا أييت دور ادلفكر الذي يفزع إليو الناس يف ادلدذلمات‪ ،‬ويلوذوف بو يف النكبات‪،‬‬
‫فكثر احلديث عن أسباب ىذه الكبوة احلضارية وكيفية اخلروج منها‪ ،‬وأدذل الكل بدلوه‪،‬‬
‫وأعمل فكره‪ .‬وكاف الفالسفة يف طليعة ىؤالء ادلفكرين؛ فهم عقل األمة النابض‪ ،‬وطليعتها‬
‫الفكرية‪ ،‬فتحدثوا عن كل ىذه األمور‪ ،‬ويكاد غلمعوف على أف أكرب أسباب ىذا التدىور‬
‫فكري ابألساس‪ ،‬ودلا كاف العقل أداة التفكَت كثر حديثهم عن العقل الذي الكتو‬
‫واالضلطاط ٌ‬
‫كل أفكار الفالسفة‪ ،‬وال سيما يف أخرًّيت القرف العشرين‪ ،‬اليت ربوؿ فيها العقل نفسو إذل‬
‫مسار "للصراع بُت التيارات األيديولوجية العربية ادلتنازعة‪ ،‬كل يتهم خصمو ابلبعد عن العقل‬
‫والعقالنية"(ٔ)؛ فقد انقسم أتباع ىذه التيارات بُت من يدَّعوف أهنم حاملي مشاعل األصالة‪،‬‬
‫تبعا ذلذه القسمة‪،‬‬
‫وبُت ادلبشرين ابدلعاصرة‪ ،‬أو بُت أرابب احلداثة وادلعاصرة‪ ،‬وانقسم الناس ً‬
‫وتبعا لذلك تعددت ادلواقف‬‫حىت حدث ما يشبو الصراع بُت ىذين القطبُت الكبَتين‪ً ،‬‬
‫وتشعبت اآلراء؛ فهذا يدعي أف ثقافتو العربية تشتمل على قيم التقدـ والنهضة‪ ،‬وابلتارل ال‬
‫بد من إحياء ىذا الًتاث والنهل منو‪ ،‬وما احلداثة إال رجس من عمل الشيطاف ال بد من‬
‫اعا بذراع‪ ،‬وطرؼ‬
‫شربا بشرب‪ ،‬وذر ً‬
‫اجتناهبا‪ ،‬وذاؾ يرى أننا لن ننهض إال إذا سران سَتة الغرب ً‬

‫(ٔ) مرشو‪ ،‬د‪ .‬غريغوار منصور‪ ،‬وابتشيكو‪ ،‬د‪ .‬خواف أنطونيو‪ٕٕٓٔ( ،‬ـ) «العقالنية يف الفكر العريب ادلعاصر»‪ ،‬طٔ‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬صٖ‪.ٙ‬‬

‫‪012‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫اثلث يرى ضرورة االتكاء على ادلاضي ليكوف سلَّ ًما ننهض بو‪ ،‬دوف إغفاؿ عوامل النهضة‬
‫الغربية‪ .‬وىكذا أصبح الصراع بُت أنصار احلداثة وأنصار األصالة "زلور التفكَت العريب يف‬
‫العصر احلديث‪ ،‬ومصدر حواراتو األساسية"(ٔ)‪.‬‬
‫وكاف شلن خاض ىذا الصراع (دمحم أركوف) الذي تدثر برداء العقل ورأى فيو سر‬
‫عودة العرب وادلسلمُت إذل الصدارة من جديد‪ ،‬وبدونو لن يكونوا فاعلُت يف العادل بعد أف‬
‫غابوا عنو لعشرات السنُت‪ ،‬ومن ىنا كاف مشروعو الذي نذر لو حياتو‪ ،‬والذي تدور حولو‬
‫كل آرائو وأفكاره‪ ،‬مشروع (نقد العقل اإلسالمي)(ٕ) حىت ؽلكننا القوؿ مطمئنُت أف ىذا‬
‫افدا من روافد ىذا ادلشروع‪،‬‬
‫ادلشروع ىو مشروعو الكبَت؛ فكل كتاابتو وحواراتو تشكل ر ً‬
‫الذي يسميو "مشروع العمر"(ٖ)‪ ،‬مث ىي تصب فيو لتغذيو وتنميو‪ ،‬ففيو وضع عصارة فكره‪،‬‬
‫الذي يقوـ على العالقة الدًّيلكتية(ٗ) بُت العقل اإلسالمي الكالسيكي ‪-‬كما يسميو‪-‬‬

‫(ٔ) غليوف‪ ،‬برىاف‪ٕٓٓٙ( ،‬ـ) « اغتيال العقل‪ ،‬زلنة الثقافة العربية بٌن السلفية والتبعية»‪ ،‬طٗ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ادلغرب‪،‬‬
‫ادلركز الثقايف العريب‪ ،‬صٕٓ‪.‬‬
‫(ٕ) يعد دمحم أركوف من أوائل من استخدموا مصطلح (العقل اإلسالمي)‪ ،‬ولعلو يسَت على هنج دمحم عابد اجلابري الذي‬
‫استخدـ مصطلح (العقل العريب) "انظر‪ :‬اجلابري‪ ،‬دمحم عابد‪ٕٜٓٓ( ،‬ـ)‪« ،‬تكوين العقل العريب»‪ ،‬طٓٔ‪ ،‬بَتوت‪،‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬واجلابري‪ ،‬دمحم عابد‪ٕٜٓٓ( ،‬ـ)‪« ،‬بنية العقل العريب‪ :‬دراسة حتليلية نقدية لنظم‬
‫ادلعرفة يف الثقافة العربية»‪ ،‬ط‪ ،ٜ‬بَتوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ .‬وقد استخدمو "كمفهوـ إجرائي لتحليل‬
‫منظومة ادلعرفة اليت أنتجها ادلسلموف يف العهد الكالسيكي‪ ،‬وربديد االبستيمات الرئيس اليت تشتغل يف تلك‬
‫ادلنظومة‪ ،‬فتشكل داخلها موضوعات التفكَت‪ ،‬أو أدوات اإلنتاج‪ ،‬أو عوائق التفكَت‪ ،‬أو حدود إمكانو" انظر‪:‬‬
‫بلقزيز‪ ،‬د‪.‬عبد اإللو‪ٕٓٔٗ( ،‬ـ)‪« ،‬العرب واحلداثة (‪ )3‬نقد الرتاث»‪ ،‬طػٔ‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬صٖ‪ ، ٖٛ‬وشلن سبق اجلابري يف استخداـ ىذا ادلصطلح زكي صليب زلمود يف مقالو يف رللة روز اليوسف‬
‫القاىرية بتاريخ ٔٔ نيساف ‪ ،ٜٔٚٚ‬ربت عنواف (العقل العريب يتدىور)‪ ،‬وكذلك أمحد موسى سادل يف كتابو‪« :‬العقل‬
‫العريب ومناىج التفكًن اإلسالمي»‪( .‬انظر‪ :‬طرابيشي‪ ،‬جورج‪ٜٜٔٙ( ،‬ـ)‪« ،‬نقد نقد العقل العريب»‪ ،‬نظرية‬
‫العقل‪ ،‬طٔ‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬صٔٔ‪.‬‬
‫(ٖ) أركوف‪ ،‬دمحم‪ٕٓٓٓ( ،‬ـ)‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين‪ .‬كيف نفهم اإلسالم اليوم؟» ترمجة وتعليق‪ :‬ىاشم صاحل‪،‬‬
‫بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬صٗ‪.ٔٛ‬‬
‫(ٗ) اجلدلية‪.‬‬

‫‪002‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫والعقل االستطالعي ادلنبثق الذي ينشده(ٔ)‪ ،‬والذي يرى يف ىذا األخَت قارب النجاة الذي‬
‫ؽلكن بو ذباوز سلبيات العقل األوؿ‪ ،‬الذي يرى فيو سبب أزمة ادلسلمُت وتراجع دورىم‬
‫احلضاري‪.‬‬
‫وىذاف العقالف يشكالف طريف نقيض بُت ظالـ القروسطية(ٕ)؛ حيث ساحة العقل‬
‫كزا حوؿ الرؤًّي‬
‫ادلغلقة‪ ،‬واليت كاف العقل فيها الىوتيًّا مركزًًّّي‪ ،‬ولغوًًّّي مركزًًّّي؛ دبعٌت "أنو كاف متمر ً‬
‫كزا حوؿ اللغة‪،‬‬‫الالىوتية للوجود‪ ،‬أو سجُت ىذه الرؤًّي‪ ،‬وال ؽلكن أف ؼلرج منها‪ ،‬وكاف متمر ً‬
‫أو النطق‪ ،‬أو ادلنطق ابدلعٌت ادلقدس للكلمة؛ أي الكتاب ادلقدس"(ٖ) وبُت عصر األنوار‪،‬‬
‫(ٗ)‬
‫عصر احلداثة‪ ،‬اليت خرج فيها العقل من السجن الالىويت‪ ،‬وربرر من أغالؿ األرثوذكسيات‬
‫ومنفتحا للحداثة بصفتها‬
‫ً‬ ‫مفتوحا‬
‫ً‬ ‫اليت تقيده‪ ،‬وتكبح مجاحو‪ ،‬فمع ىذا العقل سنجد اإلطار‬
‫كزا لغوًًّّي؛ ألنو معرب عنو من‬
‫أبدا‪ ،‬وابلتارل سنجد أف العقل "يظل مر ً‬ ‫مشروعا دل ولن يكتمل ً‬
‫ً‬
‫(٘)‬
‫خالؿ اللغة‪ ،‬ولكن ال يعرؼ أية حدود إال احلدود اليت ػلدىا ىو لنفسو" فللعقل السيادة‬
‫الكاملة على نفسو وعلى من حولو‪.‬‬
‫إذف (دمحم أركوف) ػلاوؿ من خالؿ نقده للعقل اإلسالمي أف يتجاوز مرحلة يراىا‬
‫بنياان دل يستطع ادلفكروف أف‬
‫زلضا؛ مرحلة يراىا أقامت ً‬ ‫خَتا ً‬ ‫زلضا إذل مرحلة يراىا ً‬ ‫شرا ً‬ ‫ربمل ًّ‬
‫يَظْ َه ُروه وما استطاعوا لو نػَ ْقبًا‪ ،‬وػلاوؿ ىو أف يزيل ىذا السياج الدوغمائي(‪ )ٙ‬الشديد‬
‫ابخًتاقو من داخلو‪ ،‬وىذا ما يقوـ عليو مشروع (أركوف) يف نقد العقل اإلسالمي‪.‬‬

‫(ٔ) سيفرد للتعريف هبما مساحة كبَتة يف ىذا البحث‪.‬‬


‫(ٕ) القروف الوسطى‪.‬‬
‫(ٖ) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬صٗ‪.ٔٛ‬‬
‫(ٗ) األرثوذكسية تعٍت اخلط ادلستقيم‪ ،‬فهي كل مذىب يدعي امتالؾ احلقيقة وادلعصومية‪ ،‬أو اخلط الوحيد الصحيح‬
‫ادلستقيم القوًن‪ ،‬أو الرأي القوًن الصحيح‪ ،‬وما عداه فمنحرؼ‪ ،‬وبعيد كليًّا أو جزئيًّا عن ادلذىب الصحيح‪.‬‬
‫(٘) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬صٗ‪.ٔٛ‬‬
‫معتربا إًّيىا الصواب الوحيد‪ ،‬الذي ال‬
‫(‪ )ٙ‬ىذا ادلصطلح من اخًتاع أركوف‪ ،‬ويعٍت اعتداد كل صاحب عقيدة بعقيدتو‪ً ،‬‬
‫أيتيها الباطل من بُت يديها وال من خلفها‪ ،‬وما عداىا ابطل‪ ،‬وشر زلض‪ ،‬وىذا ينطبق على أتباع األدًّيف الذين‬
‫ينظروف إذل غَتىم نظرة احتقار وتسفيو‪.‬‬

‫‪001‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫ادلبحث األول‬
‫بنية العقل اإلسالمي عند دمحم أركون‬
‫إذا كاف العقل يف معناه العاـ ىو "قوة يف اإلنساف تدرؾ طوائف من ادلعارؼ‬
‫الالمادية"(ٔ)؛ فبو تُدرؾ ماىيات األشياء‪ ،‬وادلعاين اجملردة‪ ،‬والعالقات اليت تربط األشياء‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬وىو وظيفة التفكَت الصحيح لدي اإلنساف‪ .‬فالعقل اإلسالمي إذف ‪-‬إذا‬
‫صح ىذا التعبَت‪ -‬ىو الذي يدرؾ حقيقة األشياء انطالقًا من النص الديٍت الذي يشكل‬
‫للمسلم احلقيقة ادلطلقة‪ ،‬وادلعي ار الذىٍت ادلقدس الذي ال يعتوره نقصاف وال يعًتيو ضالؿ‪ ،‬وال‬
‫أيتيو الباطل من بُت يديو وال من خلفو‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إذا كاف ىذا ىو العقل اإلسالمي يف سلياؿ اجلماعة ادلؤمنة؛ فإف (أركوف)‬
‫سيتجاوز ىذا ادلعٌت بكثَت؛ فهو يريد ابلعقل اإلسالمي كل أنظمة الفكر اإلسالمية‪ ،‬وكل‬
‫مكتواب أـ شفهيًّا‪ ،‬إنو يشتمل على كل الثقافة والعلوـ‬
‫ً‬ ‫الًتاث الثقايف اإلسالمي‪ ،‬سواء أكاف‬
‫اإلسالمية‪ .‬إف ىذا ادلشروع الذي يتبناه (أركوف) يهدؼ إذل "القراءة التحليلية ادلقارنة‬
‫االسًتجاعية ادلستقبلية‪ ،‬أو الًتاجعية التقدمية(ٕ) لكل أنظمة الفكر والًتااثت الثقافية ادلكتوبة‬
‫أو الشفهية"(ٖ)‪ .‬إهنا ادلنهجية اليت تغوص يف أعماؽ الًتاث العريب واإلسالمي منذ بداية‬
‫تشكلو حىت يومنا ىذا‪ ،‬وتغربلو وتنقيو وتنقحو من أجل "معرفة بنيتو الداخلية‪ ،‬أو كيفية‬
‫تشكلو التارؼلية طيلة القروف الستة األوذل بشكل خاص‪ ،‬فما جف منو وزبشب ومات‬
‫نطرحو‪ ،‬ونبقي فقط على اجلوىر الروحي واألخالقي لرسالة اإلسالـ العظيم"(ٗ) متسلحة بكل‬

‫(ٔ) كرـ‪ ،‬يوسف‪ٕٓٔٗ( ،‬ـ)‪« ،‬العقل والوجود»‪ ،‬مؤسسة اذلنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬ص‪ ،ٛ‬وجارصلي‪ ،‬جيل جاستوف‪،‬‬
‫(ٕٗٓٓـ)‪« ،‬العقل»‪ ،‬ترمجة‪ :‬زلمود بن مجاعة‪ ،‬طٔ‪ ،‬دار زلمود علي للنشر‪ ،‬صٗٔ‪ .‬مع التأكيد على أنو دل يتفق‬
‫ال الفكر العريب‪ ،‬وال حىت الغريب على تعريف واحد للعقل‪.‬‬
‫(ٕ) يقصد هبا ادلنهجية اليت ترجع إذل الوراء لتفيد منو يف فهم اجلذور الفكرية للقضية زلل الدراسة‪ ،‬مث تنتقل إذل األماـ‬
‫جيدا وكيف حدث التطور هبا‪.‬‬‫لتعرؼ مآالهتا؛ فهي ادلنهجية اليت تربط ادلاضي ابحلاضر‪ ،‬حىت نفهم القضاًّي ً‬
‫(ٖ) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬ص‪.ٗٙ‬‬
‫(ٗ) مقدمة صاحل‪ ،‬ىاشم لكتاب «حنو نقد العقل اإلسالمي»‪ ،‬أركوف‪ ،‬ص‪.ٙ‬‬

‫‪000‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫مناىج العلوـ احلديثة‪ ،‬إنو النقد الذي يقوـ على ربط ادلاضي ابحلاضر والعكس؛ إلعادة تقييم‬
‫وتقوًن شامل لكل ادلوروث اإلسالمي‪.‬‬
‫حاضرا يف مشروع (أركوف) إال يف أف "ػلسن‬‫ً‬ ‫وبناءً عليو فإف العقل دبعناه اجملرد ليس‬
‫قراءة النص الديٍت الذي ػلوي تلك احلقائق‪ ،‬والذي يرسم للبشر ادلعايَت اليت من شأف االلتزاـ‬
‫هبا أف غلنبهم ادلهالك‪ ،‬وأيخذىم إذل طريق اذلداية واخلالص"(ٔ)‪ ،‬إنو يقصد بو كل آليات‬
‫ادلعرفة يف كل اخلطاابت اإلسالمية بدوف استثناء‪ ،‬حىت ولو كانت بعيدة عن مقتضى العقل‬
‫الذي ػلدده اخلطاب العقلي أو اإلسالمي أو الكالمي أو الفلسفي(ٕ)؛ فنحن أماـ عدة‬
‫أشكاؿ للعقل اإلسالمي‪ ،‬أو عقل واحد لو عدة ذبليات تتعدد بتعدد رلاالت ادلعارؼ‬
‫والعلوـ اإلسالمية‪ ،‬والتوجهات األيديولوجية أو الفكرانية يف الثقافة اإلسالمية‪ ،‬وابلتارل‬
‫كثَتا ما يتحدث عن عقل سٍت‪ ،‬وعقل شيعي‪ ،‬وعقل خارجي‪ ،‬وعقل مسيحي‪،‬‬ ‫سنجده ً‬
‫وعقل يهودي‪ ،‬وعقل فلسفي‪ ،‬وأنثربولوجي‪ ،‬وعقل سياسي‪ ... ،‬إخل(ٖ)‪.‬‬
‫وإذا كاف العقل اإلسالمي الذي سينقده (أركوف) يضرب جبذوره إذل بداية تنزؿ‬

‫(ٔ) بلقزيز‪ ،‬د‪ .‬عبد اإللو‪« ،‬نقد الرتاث»‪ ،‬ص٘‪.ٖٛ‬‬


‫أمورا تناقض العقل ادلتعارؼ عليو كاجلنوف‪ ،‬والعاطفة‪ ،‬واخلياؿ‪ ،‬والذاكرة‪.‬‬
‫(ٕ) صلد أف أركوف يضع ضمن العقل اإلسالمي ً‬
‫مثال وإف كاان ؼلتلفاف عن ادلعٌت اجملرد للعقل إال أف أركوف يرى أنو ال ؽلكن فصلهما عن العقل‬
‫فاخلياؿ والذاكرة ً‬
‫"فالعقل حباجة إذل الذاكرة‪ ،‬كما أف العقل حبا جة إذل اخلياؿ‪ ،‬وال يستطيع االنفصاؿ عنو أو عن التصورات اليت ؽلكن‬
‫للخياؿ أف يقدمها للعقل من أجل تغذية عملو وترطيب أجوائو" ػ أركوف‪ ،‬دمحم‪ٜٜٔٛ( ،‬ـ)‪« ،‬الفكر اإلسالمي نقد‬
‫واجتهاد»‪ ،‬ترمجة وتعليق‪ :‬ىاشم صاحل‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ادلؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ص‪ .ٕٖٚ ،ٕٖٙ‬وكذلك اجلنوف "ىو‬
‫عودة إذل العقل بذاكرة جديدة‪ ،‬وىذا يعٍت أف العقل دل يعد بنية مغلقة على ذاهتا ومتعارضة مع البٌت اجملاورة ذلا‪ ،‬بل‬
‫منفتحا على عناصر عدة متفاعلة فيما بينها" ػ الفجاري‪ ،‬د‪ .‬سلتار‪ٕٓٓ٘( ،‬ـ)‪« ،‬نقد العقل‬
‫ً‬ ‫مفهوما‬
‫ً‬ ‫أصبح‬
‫اإلسالمي عند دمحم أركون»‪ ،‬طٔ‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬ص‪.ٙٚ‬‬
‫(ٖ) يقوؿ أركوف‪" :‬كلمة العقل ىنا تعٍت ادلنهج ابدلعٌت الدقيق والقوي للكلمة"‪« ،‬الفكر اإلسالمي نقد واجتهاد»‪،‬‬
‫صػ‪ ،ٕٖٚ‬وانظر‪ :‬أركوف‪ ،‬دمحم‪ٕٜٓٓ( ،‬ـ)‪« ،‬حنو نقد العقل اإلسالمي»‪ ،‬ترمجة‪ :‬ىاشم صاحل‪ ،‬طٔ‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪،‬‬
‫دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬صٗ‪.ٚ‬‬

‫‪002‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫القرآف على قلب دمحم (‪ )ٔ()‬حىت وقتنا احلاضر‪ ،‬وىي فًتة طويلة بال شك‪ ،‬وقد تغَتت فيها‬
‫صعودا وىبوطًا؛ فلذلك صلده ؽليز بُت أربع مراحل‬
‫ً‬ ‫اإلبيستيمات(ٕ) احلاكمة للفكر اإلسالمي‬
‫أساسية تشكل معينًا معرفيًّا لنقد العقل اإلسالمي‪ ،‬وىذه ادلراحل ىي‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬مرحلة القرآن وبداية تشكل الفكر اإلسالمي‪*******:‬‬
‫ً‬
‫وتبدأ من تنزؿ القرآف حىت سنة ٓ٘ٔ ىجرية‪ ،‬ويقوؿ أبف ادلطالع آلًّيت القرآف‬
‫(الكرًن) يرى أنو دل يستخدـ (عقل) بصيغة ادلصدر‪ ،‬وإظلا يستخدـ عبارات استفهامية أو‬
‫تقريرية مثل ﱣأَفَ َال تَ ْع ِقلُو َنﱢ ﱣأَفَ َال يَ ْع ِقلُو َن ﱢ و ﱣيَ ْع ِقلُو َن ﱢ و ﱣًليَ ْع ِقلُو َن ﱢ ‪.........‬‬
‫كما أف القرآف يركز على الطابع اإلبداعي واجملازي الذي يراه طاغيًا ومهيمنًا على‬
‫اخلطاب العقلي االستدالرل الربىاين‪ .‬أضف إذل ذلك أف القرآف غلعل القلب ىو أداة ادلعرفة‪،‬‬
‫وليس الرأس‪ ،‬ودلا كاف القلب ىو مناط الشعور واخلياؿ والعاطفة‪ ،‬فكذلك العقل ابدلفهوـ‬
‫العقلي ىو "ع قل عملي‪ ،‬ذبرييب (أي يرد على األحداث وادلشاكل الناشئة من يوـ ليوـ)‪،...‬‬
‫ابردا أتمليًّا أو استدالليًّا برىانيًّا"(ٖ)‪ ،‬ولذلك دلا أيت الفقهاء وادلفسروف‬
‫عقال ً‬
‫أبدا ً‬
‫وليس ً‬
‫وػلاولوف استخداـ آلية الربىاف العقلي االستدالرل على آًّيت القرآف فهذا خطأ‪.‬‬
‫ودلا أكثر من استخداـ الرمز واجملاز‪ ،‬فيخرج (أركوف) إذل أف القرآف كلو رموز‪،‬‬
‫وابلتارل فكلمات القرآف اليت ضلاوؿ أف نسقط عليها معارؼ العلم احلديث مثل‪ :‬مساء‪،‬‬
‫وأرض‪ ،‬ومشس‪ ،‬وقمر‪ ،‬ورعد‪ ،‬وبرؽ‪ ،‬وصلوـ‪ ... ،‬إخل ينبغي أال زبدعنا‪ ،‬فهي "ليست‬

‫(ٔ) آثرت وضع ألفاظ التبجيل يف ىذا اجلزء الوصفي بُت قوسُت للتأكيد على أهنا من عندي‪ ،‬فأركوف ينكر استخداـ مثل‬
‫ىذه العبارات‪ ،‬ولذلك سنجده يذكر ألفاظًا مثل‪ :‬دمحم‪ ،‬هللا‪ ،‬القرآف‪ ... ،‬رلردة‪.‬‬
‫(ٕ) اإلبستيمة‪ :‬مصطلح بلوره «ميشيل فوكو» لتحقيب باريخ الفكر األوريب منذ عصر النهضة وحىت اليوـ‪َّ ،... ،‬‬
‫وبُت فوكو‬
‫أنو قد ىيمنت على الفكر األوريب ثالثة أنظمة فكرية (أو ثالثة إبستيمات) متعاقبة ىي‪ :‬نظاـ فكر العصور الوسطى‬
‫وحىت عصر النهضة‪ ،‬مث نظاـ فكر العصر الكالسيكي (بدءًا من ديكارت) مث نظاـ فكر احلداثة (بدءًا من كانط)‬
‫انظر‪ :‬ىاشم صاحل‪ ،‬ىامش أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬صٖٓٔ‪ ،‬وىي النظاـ الفكري الذي يتحكم‬
‫كليًّا يف فًتة زمنية زلددة‪.‬‬
‫(ٖ) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬صٗ‪.ٕٛ‬‬

‫‪002‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫مقصودة لذاهتا؛ أي دبعناىا الفيزًّيئي احملسوس‪ ،‬وإظلا مقصودة دبعناىا الرمزي واجملازي"(ٔ)‪.‬‬
‫ومن مث فكل كتاابت ادلفسرين والفقهاء الكالسيكيُت‪ ،‬واليت قدست على مر‬
‫السنُت‪ ،‬وأصبحت من األرثوذكسيات اليت ال أيتيها الباطل من بُت يديها وال من خلفها ‪-‬‬
‫غلب أف يعاد النظر فيها‪ ،‬فقد آف األواف لكي يفهم ادلسلموف القرآف على حقيقتو وأف يروه‬
‫يف "نسيجو اللغوي احلقيقي القائم على الرموز الرائعة‪ ،‬واجملازات ادلتفجرة اليت تسحر‬
‫األلباب"(ٕ)‪.‬‬
‫كانت ىذه ىي مالمح العقل اإلسالمي كما يستشفو أركوف من آًّيت القرآف‬
‫(الكرًن) فهو عقل يتسم ابلبساطة والسذاجة‪ ،‬وال يػُ ْع ٌَت ابلتحليل ادلنطقي للظواىر واألشياء‪،‬‬
‫ويرى أف كل اآلًّيت اليت تشتمل على ألفاظ من مثلﱣأَفَ َال تَ ْع ِقلُو َنﱢ ﱣأَفَ َال يَ ْع ِقلُو َن ﱢ و‬
‫ﱣيَ ْع ِقلُو َن ﱢ و ﱣًليَ ْع ِقلُو َن ﱢ ‪ .........‬معناىا "أفال تروف إذل عجائب هللا يف خلقو؟ أفال‬
‫تلمحوهنا؟ ودلاذا ال تؤمنوف يب؟ أفال تربطوف بُت العالمات والرموز اليت أبينها لكم؟ ‪...‬‬
‫وابلتارل فادلعٌت األوؿ‪ ،‬أو التزامٍت‪ ،‬لكلمة عقل يف القرآف تعٍت رلرد الربط؛ أي إقامة عالقة‬
‫معينة أو رؤية ىذه العالقة بُت شيئُت‪ :‬بُت السماء والتعارل‪ ،‬بُت األرض والنعم اليت رزقنا هللا‬
‫هبا ‪.)ٖ("...‬‬
‫اثنيًا‪ :‬مرحلة العصر الكالسيكي (‪051‬ى ‪451-‬ى ‪767 /‬م‪0158-‬م)‪:‬‬
‫وىذه ادلرحلة التارؼلية من عمر العقل اإلسالمي يرى أهنا مرحلة العصر الذىيب‬
‫للعقلية اإلسالمية؛ حيث تفاعل العقل اإلسالمي مع العقل الفلسفي‪ ،‬واإلغريقي‪ ،‬وظهر‬

‫(ٔ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ص٘‪.ٕٛ‬‬


‫مصدرا للتشريع وإصالح الكوف‪ ،‬وتدخلو يف‬
‫ً‬ ‫(ٕ) ادلرجع نفسو‪ ،‬صٗ‪ ،ٕٛ‬وىذه الدعوى من أركوف تفرغ القرآف من كونو‬
‫نطاؽ احليز األديب‪ ،‬البياين فقط‪ ،‬شأنو شأف أي عمل أديب آخر‪ ،‬وتتيح لكل فرد حرية فهمو بطريقتو اخلاصة‪ ،‬وىذه‬
‫ستدخلنا يف نفق التأويالت والقراءات غَت ادلنضبطة‪ ،‬وىذا ما ينشده أركوف‪ ،‬وقد ذكر ذلك يف أكثر من موضع‪،‬‬
‫وسنشَت إذل ذلك يف ثناًّي ىذا البحث‪.‬‬
‫(ٖ) ادلرجع نفسو‪ ،‬صػ٘‪.ٕٛ‬‬

‫‪002‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫ادلعتزلة الذين أعلوا من قيمة العقل‪ ،‬كما ظهر العديد من الفالسفة الكبار أمثاؿ‪ :‬الكندي‪،‬‬
‫اعا‬
‫والفارايب‪ ،‬وابن سينا‪ ،‬وابن رشد‪ ،‬وابن طفيل‪ ... ،‬وقد أحدثت ىذه العوامل رلتمعة صر ً‬
‫إرىاصا ونواة لصراع‬
‫ً‬ ‫"ضد ادلعرفة األسطورية‪ ،‬أو ضد ادلتخيل الديٍت ادلهيمن"(ٔ)‪ ،‬الذي كاف‬
‫ومدافعة ستظل قائمة بُت ادلقلدين ادلتعلقُت أبىداب ادلاضي وما ؽلثلو من دوغمائية مغلقة‪،‬‬
‫وبُت العقالنيُت ادلطلعُت على آخر ما أنتجو الغَت من معرفة وعلوـ وأفكار ونظرًّيت‪.‬‬
‫اثلثًا‪ :‬مرحلة العصر السكوًلستيكي(‪:)2‬‬
‫بعيدا عن‬
‫وىي ادلرحلة اليت ربجرت فيها العقلية اإلسالمية ‪-‬كما يقوؿ‪ -‬وانزوت ً‬
‫ركاب العلم والفكر والتقدـ‪ ،‬وكانت رلرد مقلدة ورلًتة لعلوـ األقدمُت‪ ،‬واختفى االجتهاد‪،‬‬
‫وأصبحنا نسمع عبارات من مثل‪ :‬قاؿ فالف‪ ،‬وقاؿ فالف‪ ،‬ودل يعد ذلؤالء أي دور أو حىت لبنة‬
‫يف جدار الثقافة والعلوـ‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬مرحلة النهضة‪:‬‬
‫رً‬
‫وتبدأ ىذه ادلرحلة مع االحتالؿ األجنيب للعادل العريب واإلسالمي يف القرف التاسع‬
‫عشر؛ حيث احتك العرب وادلسلموف ابحلداثة الغربية (ادلادية والفكرية)‪ ،‬ولكن ما يقلقو أف‬
‫الكثَت من البالد اإلسالمية ‪-‬وخاصة الغنية منها‪ -‬دخلتها احلداثة ادلادية بكثرة‪ ،‬فأصبح‬
‫عندىا آخر ما توصل إليو الغرب من ربديث معماري وتقٍت‪ ،‬ولكن ما زالت احلداثة‬
‫الفكرية(ٖ) غائبة إذل حد كبَت عن ىذه البالد‪ ،‬ولن يقوـ للعرب وادلسلمُت قائمة إال إذا فتحوا‬
‫أبواهبم ذلذه احلداثة لينهضوا من سباهتم العميق‪ ،‬ويفيقوا من غفوهتم كما فعل األوربيوف يف‬

‫(ٔ) ادلرجع نفسو‪ ،‬صػ‪ٕٛٙ‬‬


‫(ٕ) تعٍت االنغالؽ األكادؽلي‪ ،‬والتحجر الفكري‪.‬‬
‫(ٖ) ما يقصده دمحم أركوف ابحلداثة الفكرية "مجلة الفتوحات الالىوتية والعلمية والفلسفية اليت حصلت يف أوراب منذ القرف‬
‫السادس عشر‪ ،‬وشكلت قطيعة واضحة ابلقياس إذل ادلناخ العقلي للقروف الوسطى‪ ،‬فقد حصلت قطيعة الىوتية ‪...‬‬
‫وحصلت قطيعة إبستمولوجية ‪ ...‬وحصلت القطيعة الكربى مع الالىوت ادلسيحي‪ ،‬أو قل مع ىيمنتو على احلقيقة‬
‫ادلطلقة‪ ،‬أو احتكاره ذلا ‪« ...‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬ص‪.ٕٜٓ ،ٕٜٛ‬‬

‫‪002‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫عصر األنوار‪.‬‬
‫كانت ىذه ىي مراحل تطور العقل اإلسالمي بٌن الصعود واذلبوط‪ ،‬ومن خالل‬
‫ىذه ادلراحل ميكن أن منيز بٌن عقلٌن يقعان على طريف نقيض يتحدث عنهما (دمحم‬
‫أركون) مها‪ :‬العقل الالىويت السكوًلستيكي الدوغمائي األرثوذكسي‪ ،‬والعقل‬
‫اًلستطالعي التقدمي ادلنبثق‪.‬‬
‫أوًل‪ :‬العقل الالىويت األرثوذكسي‪:‬‬
‫ً‬
‫يرى أركوف أف ىذا العقل قد ىيمن على اجملتمعات العربية واإلسالمية بُت القرنُت‬
‫السادس والثاين عشر اذلجريُت‪ ،‬الثاين عشر والثامن عشر ادليالديُت‪ ،‬بعد أف فرضت ادلعرفة‬
‫السكوالستيكية(ٔ) نفسها على الواقع الثقايف اإلسالمي‪ ،‬وذلك بعد أف انطبع يف ذىنية‬
‫ادلفكر العريب واإل سالمي أف العقل لو وجود مثارل متناغم مع الوحي‪ ،‬وأف لو مكانة الىوتية‬
‫ترتقي فوؽ النقد‪ ،‬وأنو كلما اىتدى بنور الوحي فإنو لن يضل ولن يغوى‪ ،‬وإذا أعرض عن‬
‫مستشهدا دبقولة‪« :‬إِ َّن أ ََّو َل َما َخلَ َق هللاُ‬
‫ً‬ ‫الوحي فسيضل ويضيع وتكوف لو معيشة ضن ًكا‪،‬‬
‫ت َش ْي ًًا‬
‫ال‪َ :‬ما َخلَ ْق ُ‬ ‫ال‪ :‬أَقْبِ ْل‪ ،‬فَََقْبَ َل َُُّ قَ َ‬
‫ال‪ :‬أَ ْدبِ ْر فََ ْدبَ َر َُُّ قَ َ‬ ‫ُس ْب َحانَوُ َوتَ َع َال ال َْع ْق ُل فَ َق َ‬
‫ك أُ ْع ِطي»(ٕ)‪ ،‬تلك ادلقولة اليت رفعت من قيمة العقل وجعلتو‬ ‫آخ ُذ َوبِ َ‬‫ك ُ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫س َن ِم ْن َ‬ ‫َح َ‬‫أْ‬

‫(ٔ) ادلعرفة السكوالستيكية ىي ادلعرفة "ادلدرسية التقليدية‪ ،‬التكرارية‪ ،‬وغَت اإلبداعية‪ ،‬ادلتولدة يف الواقع عن القوالب ادلعرفية‬
‫الكالسيكية ادل ستأصلة من سياقها‪ ،‬وادلبعثرة‪ ،‬وادلنتقاة‪ ،‬وادلختزلة إذل أطر ومبادئ وقواعد ومناىج ومضامُت جامدة"‬
‫(انظر‪ :‬أركوف‪ ،‬دمحم‪ٜٜٔٙ( ،‬ـ)‪« ،‬اترخيية الفكر العريب اإلسالمي»‪ ،‬ترمجة وتعليق‪ :‬ىاشم صاحل‪ ،‬طٕ‪ ،‬مركز اإلظلاء‬
‫القومي‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪ ،‬صٖٔ‪.‬‬
‫(ٕ) قاؿ ابن تيمية‪ :‬ىذا احلديث رواه بعض من صنف يف فضائل العقل كداود بن احملرب وضلوه‪ ،‬وىو حديث موضوع كذب‬
‫على رسوؿ هللا ‪ ‬عند أىل ادلعرفة ابحلديث كما ذكر ذلك أبو حامت بن حباف البسيت‪ ،‬والدارقطٍت‪ ،‬وابن اجلوزي‬
‫وغَتىم‪ .‬ابن تيمية‪ٔٗٓٙ( ،‬ىػ)‪« ،‬منهاج السنة النبوية»‪ ،‬ربقيق د‪ .‬دمحم رشاد سادل‪ ،‬طٔ‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬ج‪،ٛ‬‬
‫أيضا‪ :‬ابن تيمية‪ٖٔٛٙ( ،‬ىػ)‪« ،‬الفتاوى الكربى»‪ ،‬ربقيق‪ :‬حسنُت دمحم سللوؼ‪ ،‬طٔ‪،‬‬‫ص٘ٔ‪ .ٔٙ ،‬وانظر ً‬
‫بَتوت‪ ،‬دار ادلعرفة‪ ،‬ج٘‪ ،‬ص‪ ،ٛٚ‬وابن تيمية‪ٖٔٛٙ( ،‬ىػ)‪« ،‬النبوات»‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ادلطبعة السلفية‪ ،‬ص‪ ،ٛٛ‬وابن‬
‫تيمية‪ٔٗٔٚ( ،‬ىػ)‪« ،‬الرد على البكري (تلخيص كتاب اًلستغاثة)»‪ ،‬ربقيق‪ :‬دمحم علي عماؿ‪ ،‬طٔ‪ ،‬ادلدينة ادلنورة‪،‬‬
‫=‬
‫‪002‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫أسَتا للمقوالت الدينية‪ ،‬وحرمتو لسنوات عديدة من اإلبداع بدعوى أف خروجو عن ادلألوؼ‬
‫ً‬
‫يعرضو لسخط هللا وغضبو‪ ،‬فهيمنت على ىذا العقل صورة عقل القروف الوسطى الذي ظل‬
‫أسَتا لدوغمائيات حالت بينو وبُت اإلبداع‪.‬‬
‫ً‬
‫وىذا العقل يستقوي خبطاب الىويت ينتشر بشدة ويفرض نفسو ونتائجو وأحكامو‬
‫متًتسا ابستخداـ "زلاجات ادلشروعية الدينية العليا‪،‬‬
‫داخل احلدود ادلعرفية العربية واإلسالمية ً‬
‫مثال؛ أي االستشهاد ابآلًّيت القرآنية‪ ،‬أو األحاديث‬
‫واذليبة والسيادة‪ ،‬كالدليل القطعي ً‬
‫وعندئذ تصبح احملاجة قطعية ال تناقش‪ ،‬وال سبس‪ ،‬كما يستخدـ بشكل اثنوي‬ ‫ٍ‬ ‫النبوية‪،‬‬
‫اجملرًّيت ادلنطقية ادلعنوية‪ ،‬واجلدلية‪ ،‬والبالغية"(ٔ)‪ .‬وىذه األخَتة تستخدـ على استحياء‪،‬‬
‫بينما يعتمد ىذا العقل ابألساس على ادلسلمات الدينية اليت يتكأ عليها ليقطع أسباب احلوار‬
‫صفحا احلديث عن النقد اإلبستمولوجي والتحليل‬ ‫والنقد بدعوى ادلسلمات الدينية‪ ،‬ضارًاب ً‬
‫عقال من‬
‫التفكيكي دلبادئ ىذا العقل‪ ،‬ومقوالتو‪ ،‬وموضوعاتو‪ ،‬وأفكاره‪ ،‬وثقافاتو‪ ،‬فهو ليس ً‬
‫األساس‪ ،‬وإظلا ىو عقل اجًتاري تكراري سبجيدي يفتقد إذل اإلبداع‪.‬‬
‫ويتميز ىذا العقل ويتمايز عن غًنه ابعتماده على عدة تالعبات(‪:)2‬‬
‫أ‪ -‬التالعب األوؿ "ذو انعكاسات بنيوية وإبستمولوجية‪ ،... ،‬يتمثل يف اًلنتقال‬
‫من حالة الكالم الشفهي إل حالة النص ادلكتوب فيما خيص تشكيل ادلعىن"(ٖ)‪.‬‬

‫=‬
‫مكتبة الغرابء األثرية‪ ،‬جٕ‪ ،‬ص٘‪.٘ٚٙ ،٘ٚ‬‬
‫(ٔ) أركوف‪« ،‬حنو نقد العقل اإلسالمي»‪ ،‬ص‪.ٔٔٚ‬‬
‫ومنقادا‬
‫ً‬ ‫(ٕ) التالعب يعٍت استخداـ ادلاضي وتراثو بشكل ديٍت أيديوجلي من أجل إخضاع احلاضر لو‪ ،‬فيصَت احلاضر أسَتًا‬
‫للماضي ال يستطيع عنو فكا ًكا‪.‬‬
‫(ٖ) أركوف‪« ،‬حنو نقد العقل اإلسالمي»‪ ،‬ص‪.ٔٔٚ‬‬

‫‪002‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫(ٔ)‬
‫ففيو حدث‬ ‫وىذا ما حدث مع القرآف الكرًن أو ما يسميو (الظاىرة القرآنية)‬
‫سباما (الزماف ىو بداًّيت التبشَت‪،‬‬
‫"التجلي التارؼلي خلطاب شفهي يف زماف ومكاف زلددين ً‬
‫والبيئة االجتماعية‪-‬الثقافية اليت ظهرت فيها ىي اجلزيرة العربية) ‪ ...‬وىذا اخلطاب الشفهي‬
‫رافق ادلمارسة التارؼلية احملسوسة لفاعل اجتماعي يدعى‪ :‬دمحم بن عبد هللا‪ .‬لقد رافق شلارستو‬
‫عاما(ٕ)‪ .‬ففي ىذه ادلرحلة كاف القرآف الشفهي الذي‬
‫التارؼلية ادلتنوعة اجلوانب طيلة عشرين ً‬
‫تلفظ بو دمحم ‪ ‬يف بيئة زلددة وزماف زلدد‪ ،‬وأماـ مجهور أو فاعلُت اجتماعيُت زلددين‪،‬‬
‫سباما ويصعب‪ ،‬بل ال ؽلكن الوصوؿ إليها‪ ،‬فقد ضاعت إذل األبد‪،‬‬
‫وىذه الفًتة قد انتهت ً‬
‫وقد أعقب ىذه الفًتة االنتقاؿ من التجربة احلية للخطاب الشفهي إذل ادلدونة أو النص‬
‫ادلكتوب (ادلصحف)‪ ،‬أو ما يسميو (ادلدونة النصية الرمسية ادلغلقة)‪ .‬وىذا االنتقاؿ دل يتم إال‬
‫دائما‬
‫بعد "حصوؿ الكثَت من عمليات احلذؼ‪ ،‬واالنتخاب‪ ،‬والتالعبات اللغوية اليت ربصل ً‬
‫يف مثل ىذه احلاالت‪ ،‬فليس كل اخلطاب الشفهي يدوف‪ ،‬وإظلا ىناؾ أشياء تفقد أثناء‬
‫الطريق"(ٖ)‪.‬‬
‫فهو عقل يستند إذل النص ادلكتوب‪ ،‬الذي ىو ‪-‬من وجهة نظر أركوف‪ -‬مشكوؾ‬
‫يف صحتو‪ ،‬فالبوف شاسع بُت القرآف الشفهي‪ ،‬وادلكتوب الذي تدخلت فيو أًّيدي البشر‬
‫أثناء مجعو حيث حدثت العديد من عمليات احلذؼ واالنتخاب والتالعبات اللغوية‪،‬‬
‫عقال اجًتارًًّّي تكرارًًّّي غَت‬
‫وابلتارل فإف العقل الذي يعتمد على ىذا النص ادلكتوب يعد ً‬

‫(ٔ) يستخدـ أركوف مصطلح الظاىرة القرآنية‪ ،‬وليس القرآف‪ ،‬للتأكيد على بارؼلية ىذا احلدث؛ دبعٌت أنو حدث ديٍت وثقايف‬
‫ولغوي يعتمد على مرجعيات ومصطلحات وأفكار وتشريعات سبت يف القروف اذلجرية األوذل‪ ،‬ال يدركها وال تتناسب‬
‫إال مع من عاش ىذه الفًتة الزمنية‪.‬‬
‫(ٕ) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬ص‪.ٔٛٙ‬‬
‫(ٖ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪ ، ٔٛٛ‬وىذا الكالـ من أركوف يف غاية اخلطورة؛ ألنو يشكك يف صدؽ القرآف الكرًن‪ ،‬ويتهم‬
‫جهدا يف مجع القرآف الكرًن‪ ،‬متحرين كل أسباب الدقة والسالمة‪ ،‬وىذه ىي إشكالية أركوف‬ ‫الصحابة الذين دل أيلوا ً‬
‫أنو شأف االذباه احلداثي الغريب‪ ،‬وما بعده‪ ،‬ال يؤمن دبسلمات‪ ،‬بل يعتمد آلية الشك والنقد‪ ،‬وسنتناوذلا ابلبياف والرد‬
‫يف التعقيب على كالمو يف ادلبحث الثالث‪.‬‬

‫‪002‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫نقدي‪ ،‬وال يقولن أحد أبف ادلصحف ىو نفسو القرآف الشفهي؛ ألف ىذا األخَت ال ؽلكن أف‬
‫مصورا يبُت الرسوؿ وىو يتلو‬
‫ً‬ ‫فيلما‬
‫نتوصل إليو إطالقًا؛ فنحن ال ظللك شريطًا تسجيليًّا أو ً‬
‫ىذا القرآف على أصحابو‪ ،‬فهذا شيء بعيد ادلناؿ "ىذا شيء مضى وانقضى وال حيلة لنا‬
‫فيو"(ٔ)‪.‬‬
‫ب‪ -‬التالعب الثاين يتمثل يف االفًتاض "بوجود استمرارية بنيوية‪ ،‬ومتاثلية معنوية‬
‫بٌن الزمكان األويل األصلي الذي لفظت فيو اآلايت واألحاديث ألول مرة‪ ،‬وبٌن‬
‫الزمكاانت ادلتغًنة‪ ،‬أو الظروف اًلجتماعية ادلتغًنة اليت يتم فيها اًلستشهاد هبذه اآلايت‬
‫نصوصا مكتوبة"(ٕ)‪ ،‬فهذا العقل منكفئ‬
‫ً‬ ‫واألحاديث على مر التاريخ بعد أن أصبحت‬
‫على ما ورثو من ادلاضي دوف مراعاة للتغَتات والتحوالت ادلستمرة للمجتمعات‪ ،‬فيقوـ‬
‫إبسقاط أحكاـ خاصة خبطاب مت يف زماف ومكاف زلدد على رلتمعات يف زماف ومكاف‬
‫آخر‪ ،‬دوف مراعاة الختالؼ الظروؼ والتغَتات التارؼلية‪ ،‬وابلتارل فعندما يستشهد أحد يف‬
‫حواراتو وسجاالتو آبية أو حديث نبوي فهو هبذا ينتقل من حالة الكالـ "احلي ادلتفجر‬
‫ادلرتبط بتجربة داخلي ة فريدة ال زبتزؿ وال تعاد وال تستعاد (ىي ىنا ذبربة النيب الذاتية عندما‬
‫كاف يتلفظ هبذه اآلًّيت أو األحاديث ألوؿ مرة ضمن ظروؼ سلتلفة عن ما حصل الح ًقا)‬
‫سباما‪ ،‬كما أهنا ذبربة فريدة من نوعها وال تتكرر؛ ألهنا مرافقة لعمل‬‫إذل حالة أخرى سلتلفة ً‬
‫مجاعي زلدد ىي ىنا ذبربة النيب التارؼلية وأتباعو"(ٖ)‪.‬‬

‫(ٔ) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬ص‪.ٔٛٙ‬‬


‫(ٕ) أركوف‪« ،‬حنو نقد العقل اإلسالمي»‪ ،‬ص‪.ٔٔٛ‬‬
‫(ٖ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪ . ٜٔٔ‬ويالحظ ىنا كيف أف أركوف يريد أف ػليل كل التجربة الدينية اإلسالمية إذل التارؼلية‪ ،‬سواء‬
‫قرآان أـ سنة نبوية شريفة‪ ،‬ويلوـ على من يستشهد أبقواؿ النيب ‪ ‬على اعتبار أف ىذه األقواؿ سبت يف‬ ‫أكانت ً‬
‫ظروؼ ثقافية واجتماعية زبتلف عن واقع الناس ادلعاش اليوـ‪ ،‬وىو هبذا ػلاوؿ نفي صالحية القرآف والسنة لكل زماف‬
‫ومكاف‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫كانت ىذه ىي صورة العقل اإلسالمي الكالسيكي(ٔ) يف ىذه ادلرحلة ادلدرسية‪،‬‬


‫فكيف تعرف (أركون) عليو؟ وما النصوص اليت يتجلى فيها ذا العقل؟‬
‫يضع (أركوف) ثالثة مسارات دبثابة افًتاضات ؽلكن من خالذلا التعرؼ على العقل‬
‫الكالسيكي اإلسالمي‪:‬‬
‫ادلسار األول‪ :‬ينطلق من القرآف (الكرًن)؛ ولكنو يزيح ىذا ادلسار‪ ،‬ويضرب عنو‬
‫صفحا‪.‬‬
‫ً‬
‫ادلسار الثاين‪ :‬ينطلق من التصورات ادلختلفة للعقل اليت تؤمن هبا سلتلف ادلذاىب‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فيختار منها مذىبًا‪ ،‬ويستعرض تصوره عن العقل اإلسالمي الكالسيكي‪ .‬ولكنو‬
‫أيضا؛ ألنو لو فعل ىذا‪ ،‬كما يقوؿ‪ ،‬فكأنو يكوف يف موقف ادلدافع عن‬
‫يرفض ىذا االفًتاض ً‬
‫وجهة نظر ىذا ادلذىب دوف سواه‪ ،‬أو ينحاز الذباه على حساب اذباه آخر‪ ،‬وىذا ينايف‬
‫طبيعة البحث العلمي‪ ،‬وإف كانت أتخذ مظهر العلم بشكل سطحي‪ ،‬والعلم منها براء‪.‬‬
‫ادلسار الثالث‪ :‬ويفضل ىذا ادلسار على ادلسارين السابقُت‪ ،‬ويسلكو يف سبيل‬
‫ربديد طبيعة ىذا العقل اإلسالمي الكالسيكي‪ ،‬وفيو ينطلق (أركوف) من بعض ادلؤلفات‬
‫الكربى اليت ظهرت يف مرحلة النضج الفكري اإلسالمي لينطلق من خالذلا يف أعماؽ ادلا قبل‬
‫وادلا بعد‪ ،‬مع مراعاة اجلوانب السوسيولوجية االجتماعية والثقافية قبل النص موضع االختيار‬
‫وبعده‪ ،‬وابلتارل ؽلكن التعرؼ على األثر الذي أحدثو ىذا النص يف العقل اإلسالمي‪ ،‬وهبذا‬
‫ؽلكن التعرؼ عليو‪.‬‬
‫وبعد فحص وتقص للنصوص ادلؤسسة اليت ؽلكن االنطالؽ من خالذلا وجد‬
‫(أركوف) يف الرسالة للشافعي(ٕ) بغيتو‪ ،‬فمن خالؿ قراءة الرسالة‪ ،‬ومعرفة ما أحدثتو من تغَت‬

‫(ٔ) يفرؽ أركوف بُت (العقل اإلسالمي الكالسيكي) و (العقل الكالسيكي) فاألوؿ ديٍت زلض‪ ،‬أما الثاين فيشمل الديٍت‬
‫وغَت الديٍت؛ فهو يشتمل على كل العلوـ العقلية‪ ،‬وابلتارل الفلسفة والعلوـ الطبيعية والدنيوية غَت الدينية‪«( .‬حنو نقد‬
‫العقل اإلسالمي»‪ ،‬ص٘‪.)ٛٙ ،ٛ‬‬
‫(ٕ) الشافعي‪ ،‬أبو عبد هللا دمحم بن إدريس‪ٖٔ٘ٛ( ،‬ىػ‪ٜٔٗٓ/‬ـ)‪« ،‬الرسالة»‪ ،‬ربقيق‪ :‬أمحد شاكر‪ ،‬طٔ‪ ،‬مصر‪ ،‬مكتبة‬
‫=‬
‫‪021‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫يف البنية ادلفهومية والثقافية والفكرانية نكوف قد تعرفنا على مسات ومواصفات ىذا العقل‬
‫اإلسالمي الكالسيكي‪.‬‬
‫وقد أفرد (أركوف) مساحات واسعة من كتاابتو للحديث عن الرسالة اليت أحدثت ‪-‬‬
‫كبَتا يف مسار العقل بعد أف ىيمنت على التفكَت فيما بعد‪ .‬وأكرب‬
‫ربوال ً‬
‫من وجهة نظره‪ً -‬‬
‫ربوؿ أحدثتو رسالة الشافعي ‪-‬كما يقوؿ‪ -‬أهنا أسست دلا يسميو "أسس السيادة العليا أو‬
‫ادلشروعية الدينية العليا يف اإلسالـ"(ٔ) وىو اذلدؼ العاـ للرسالة‪ ،‬دبعٌت أهنا تؤسس دلن يُؤخذ‬
‫من قولو وال يرد‪ ،‬ومن يؤخذ من قولو ويرد؛ أي أهنا ىي اليت أسست للمصادر األساسية يف‬
‫التشريع اإلسالمي‪ ،‬واليت ما زاؿ يُعمل هبا حىت اآلف‪ ،‬وربجر العقل أماـ ىذه ادلصادر اليت‬
‫نقدا وتفكي ًكا‬
‫أصلت ذلا الرسالة‪ ،‬وأصبح التفكَت يف مثل ىذه النصوص وإعماؿ العقل فيها ً‬
‫من الالمفكر فيو‪ ،‬وادلمنوع التفكَت فيو‪ ،‬بل ومستحيل التفكَت فيو‪ ،‬وقد ربددت ىذه السيادة‬
‫يف فرعُت(ٕ)‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬السيادة اإلذلية العليا ادل تجسدة وادلوضحة يف الوحي؛ أي يف القرآف‪ ،‬كذلك يف‬
‫ً‬
‫السنة؛ أي تعاليم النيب ادلوجودة يف كتب الصحاح‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬السيادة البشرية ادلمارسة من قبل الفقهاء وادلأذونُت ادلؤىلُت دلمارسة االجتهاد‬
‫بشكل صحيح‪.‬‬
‫وما فعلتو الرسالة أهنا جنت على االجتهاد‪ ،‬ومن بعدىا تشكلت األرثوذكسيات‬
‫السنية والشيعية واخلارجية‪.‬‬
‫وبعد أف حدد (أركوف) خصائص ومسات العقل اإلسالمي الكالسيكي ينتقل‬
‫للحديث عن العقل الذي ينشده‪ ،‬والذي يتجاوز من خاللو مجيع سلبيات ىذا العقل‪ ،‬إنو‬

‫=‬
‫احلليب‪.‬‬
‫(ٔ) أركوف‪« ،‬حنو نقد العقل اإلسالمي»‪ ،‬ص‪.ٜٛ‬‬
‫(ٕ) ادلرجع نفسو‪ ،‬صٓ‪.ٜ‬‬

‫‪020‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫العقل االستطالعي أو ادلستقبلي‪.‬‬


‫اثنيًا‪ :‬العقل اًلستطالعي أو ادلستقبلي أو (ادلنبثق حديثًا)‪:‬‬
‫من خالؿ ىذا العقل يريد (أركوف) أف يتجاوز سلبيات العقل األوؿ‪ ،‬فبو‪ ،‬ومن‬
‫خاللو‪ ،‬يطمح إذل التعرؼ على "ما منع التفكَت فيو‪ ،‬وأُبعد عن دائرة االستطالع‪،‬‬
‫واالستكشاؼ"(ٔ)‪ .‬ىذا العقل يتجاوز كل التابوىات(ٕ) واحملرمات الالىوتية واالجتماعية‬
‫والثقافية ‪ ...‬إخل‪ ،‬ويتقيد ابلقواعد التالية(ٖ)‪:‬‬
‫‪ 0‬ػ يصرح دبواقفو ادلعرفية‪ ،‬ويطرحها للبحث وادلناظرة‪ ،‬ويلح على ما ال ؽلكن التفكَت‬
‫فيو‪ ،‬وما دل يفكر فيو‪ ،‬ويؤكد على أف لكل مرحلة بارؼلية زلدوديتها الفكرية‪.‬‬
‫‪ 2‬ػلرص على الشمولية واإلحاطة جبميع ما توفر من مصادر العلم وادلعرفة يف سائر‬
‫اللغات ‪ ،‬وال يقنع ابدلصادر ادلتوفرة يف لغة واحدة‪ ،‬أو مجاعة بشرية دوف سواىا‪ ،‬أو فرع علمي‬
‫دوف غَته‪ ،‬كما ال يؤمن بتفوؽ أمة على أمة‪ ،‬أو سنة على سنة‪ ،‬أو لغة على لغة‪ ،‬أو دين‬
‫على دين‪ ،‬أو مذىب على مذىب‪ ،‬أو فلسفة على فلسفة ‪...‬‬
‫‪ 3‬يعتمد على التنازع بُت التأويالت‪ ،‬فال يدافع عن طريقة ضد طريقة أخرى يف‬
‫التأويل‪ ،‬بل ػلب أف نتفهمها كلها‪ ،‬وضلسن تفسَتىا ونقارف بينها‪ ،‬وطلتار ما يناسبنا دوف‬
‫ربقَت اآلخر من التأويل‪ .‬وىذه الطريقة من النظر للتأويالت ادلختلفة‪ ،‬وجعلها كلها على‬
‫مسافة واحدة‪ ،‬يرى (أركوف) أهنا تنقذان من السياج الدوغمائي ادلغلق‪ ،‬وػلرران من مبدأ "األمة‬
‫الناجية" و"األمم اذلالكة"‪.‬‬
‫‪ 4‬ػ ىو عقل يؤمن بتواصل البحث إذل ما ال هناية‪ ،‬كما يؤمن ابستحالة التأصيل؛‬
‫ألف األصوؿ ادلعتمد عليها ربيل إذل مقدمات ومسلمات تتطلب بدورىا إذل أتصيل وربقيق‪،‬‬

‫(ٔ) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬ص‪.ٛ‬‬


‫(ٕ) التابوىات‪ :‬ىي احملظورات واخلطوط احلمر اليت ػلظر على اجملتمع ذباوزىا‪.‬‬
‫(ٖ) أركوف‪ ،‬دمحم‪ٜٜٜٔ( ،‬ـ)‪ ،‬الفكر األصويل واستحالة التَصيل (حنو اتريخ آخر للفكر اإلسالمي) ترمجة وتعليق‪:‬‬
‫ىاشم صاحل‪ ،‬طٔ‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬صٗٔ ػ ‪ ٔٙ‬بتصرؼ‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫فتدفعنا إذل مقدمات أخرى ‪ ...‬وىكذا دواليك‪.‬‬


‫ِ‬
‫ومؤصلة للحقيقة‪ ،‬فهو يرفض خطاب‬ ‫‪5‬ػ ػلذر من بناء منظومة معرفية أصيلة‪،‬‬
‫ّ‬
‫ادلنظور الوحيد لكي يُبقي ادلنظورات العديدة مفتوحة‪.‬‬
‫كانت ىذه ىي أىم خصائص ومميزات العقل الذي ينشده (أركون)‪ ،‬ولكن‬
‫كيف يتم حتقيق ذلك يف وجود عقل منغلق منكفئ على نفسو؟‬
‫يرى أف ىذا ال ؽلكن أف يتم إال بتفكيك كل ادلنظومة الفكرية والثقافية الكالسيكية‬
‫اإلسالمية القدؽلة حىت نبٍت من جديد‪ ،‬فمنهج (أركوف) يقوـ على سياسة اذلدـ من أجل‬
‫البناء‪ ،‬أو طب ًقا للمنظور الصويف (التخلي مث التحلي)‪ ،‬فموطن الداء ىو يف العقل الدوغمائي‬
‫األرثوذكسي الذي ػلتكر احلقيقة لنفسو‪ ،‬ويرفع سي ًفا مسلطًا‪ ،‬وعصى غليظة على كل سلالف‬
‫لو يف رأيو‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫ادلبحث الثاين‬
‫تفكيك أركون للعقل اإلسالمي‬
‫إذا كانت كل ىذه الرتاجعات مردىا إل ىذا العقل الكالسيكي األرثوذكسي‪،‬‬
‫فلماذا مل جند أح ًدا من ادلفكرين ينتقده؟‬
‫صلد أف (أركوف) يرد أسباب إحجاـ‪ ،‬بل ورىبة ادلفكرين من انتقاد ىذا العقل‬
‫مرجعُت ذلك إذل أمرين‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬ربوؿ ىذه األمور مع مرور الوقت إذل عقائد راسخة‪ ،‬ال ؽلكن االقًتاب منها‬
‫ً‬
‫حىت ثبتت وصمدت وأضحت كالصنواف الذي تتكسر عليو أمواج النقد والنظر‪ ،‬ومع ربوذلا‬
‫إذل عقائد راسخة‪ ،‬يتحوؿ العقل إذل سجُت‪ ،‬وػلرـ من حريتو وقدرتو على النقد‪ ،‬وقد حدث‬
‫ىذا "أثناء ادلرحلة السكوالئية االجًتارية واالضلطاطية(ٔ) من باريخ الفكر العريب اإلسالمي‪،‬‬
‫وىي ال تزاؿ شلتدة حىت اآلف وتشكل الفكر يف العادل اإلسالمي"(ٕ)‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬وقوع العادل العريب واإلسالمي ربت وطأة اإلسالـ السياسي الذي يتخذ من‬
‫معتمدا على عناصر من الًتاث‬
‫ً‬ ‫احلذؼ واالنتخاب واالختيار أداة لتمكُت سلطانو وملكو‪،‬‬
‫وسندا شرعيًّا لًتسيخ ملكو وسلطانو‪ ،‬وقد سادت ىذه الفًتة يف عصور‬
‫يتخذىا ذريعة ً‬
‫االضلطاط والًتدي احلضاري‪ .‬وىذا االنتخاب من الًتاث يسميو (أركوف) "التالعب‬
‫اإلبستمولوجي وادلعنوي‪ ،‬أو األدجلة واألسطرة وخلع التقديس"(ٖ)‪.‬‬
‫وىكذا وجد ادلفكرون أنفسهم بٌن سندانٌن‪:‬‬
‫ػ اجملتمع الذي تشرب ىذه األفكار اخلاطئة وربولت عنده إذل عقائد ومسلمات‬

‫مغفال‬
‫(ٔ) يقصد أركوف ابدلرحلة السكوالئية االجًتارية تلك ادلرحلة االنغالقية اليت انكفأ فيها الفكر اإلسالمي على نفسها‪ً ،‬‬
‫قانعا دبا عنده من أفكار ورؤى‪.‬‬ ‫ما وصل إليو الغَت من تقدـ على مجيع األصعدة‪ً ،‬‬
‫(ٕ) أركوف‪« ،‬حنو نقد العقل اإلسالمي»‪ ،‬صٓ‪.ٛ‬‬
‫(ٖ) ادلرجع نفسو‪ ،‬صػٔ‪ ،ٛ‬واألدجلة تعٍت أف يكوف اإلنساف مؤدجلًا مؤمنًا بفكرة وتسيطر عليو‪ ،‬وتنعكس من خالذلا نظرتو‬
‫لألشياء والناس من حولو‪ ،‬فيحكم عليهم بقناعاتو ىو‪ ،‬حىت وإف جافت احلقيقة وادلنطق‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫دائما ما‬
‫دائما عدو ما غلهل‪ ،‬فأي فكر جديد ً‬
‫وبابوىات ال غلب االقًتاب منها‪ ،‬واإلنساف ً‬
‫غلد لو معارضُت ومنكرين‪ ،‬فما ابلكم أبفكار خلعت عليها القداسة وتشربتها عقوؿ الناس‪.‬‬
‫ػ السلطات السياسية اليت وجدت يف ىذا العقل بغيتها‪ ،‬فمن خاللو رسخت‬
‫سلطاهنا‪ ،‬وتًتست بو يف اكتساب شرعية زائفة تػُ ْر ِغم هبا أنوؼ الناس‪.‬‬
‫فأحجم ادلفكروف عن نقد ىذا العقل الدوغمائي؛ ولكن (أركوف) ػلاوؿ كسر ىذه‬
‫مستخدما معوؿ اذلدـ الشديد لتأسيس العقل الذي‬
‫ً‬ ‫احملرمات ويلج ىذا احلقل الشائك‪،‬‬
‫يرجوه وينشده‪ ،‬وىذه العملية ليست سهلة وال ميسورة؛ وإظلا ربتاج لرجل جسور يدرؾ أنو‬
‫معرض لالغتياؿ النفسي وادلعنوي من اجملتمع بكل فئاتو وطوائفو‪ .‬وقد أدرؾ خطورة اخلطوة‬
‫اليت ىو مقبل عليها‪ ،‬ولذلك سنجده يف أكثر من موضع يف كتاابتو‪ ،‬بل ويف لقاءاتو يلح‬
‫على ما يتعرض لو من معاانة من أرابب األرثوذكسيات والعقائد الدوغمائية؛ سواء يف العادل‬
‫العريب واإلسالمي‪ ،‬أو حىت يف اجملتمعات الغربية اليت يعيش فيها‪.‬‬
‫ويف سبيل ربقيقو ألمانيو يف نقد وتفكيك العقل اإلسالمي صلده يعتمد آلية تًتاوح‬
‫بُت التأصيل‪ /‬التأسيس‪ /‬التنظَت‪ ،‬وبُت التطبيق‪.‬‬
‫ومسألة التأصيل ىذه تناوذلا أركوف يف أثناء حديثو عما يسميو "اإلسالميات‬
‫سبيال لنقد العقل اإلسالمي(ٔ)‪ ،‬بل إننا‬
‫التطبيقية" اليت ؽلكن أف نعتربىا ادلنهج الذي يعتمده ً‬
‫لن نفهم مشروع أركوف الكبَت يف نقد العقل اإلسالمي إال ابستيعاب مشروعو عن‬
‫اإلسالميات التطبيقية‪ ،‬فهي ادلشروع ادلقابل لإلسالميات الكالسيكية‪ ،‬تلك اليت ساعلت‪،‬‬
‫من وجهة نظره‪ ،‬بشكل ما يف تضليل العقل اإلسالمي‪.‬‬
‫اإلسالميات الكالسيكية‬ ‫‪‬‬
‫يعرؼ (أركوف) اإلسالميات الكالسيكية أبهنا "خطاب ‪ discours‬غريب حوؿ‬
‫اإلسالـ؛ ذلك أف كلمة (ومصطلح) اإلسالميات (‪ -L'islamologie‬أي‪ :‬اخلطاب‬

‫(ٔ) الفجاري‪« ،‬نقد العقل اإلسالمي عند دمحم أركون»‪ ،‬صٕٔ‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫الذي يهدؼ إذل العقالنية يف دراسة اإلسالـ‪ -‬ىي يف الواقع من اخًتاع غريب"(ٔ)‪.‬‬
‫كثَتا‬
‫إذف ىي اخلطاب أو الدراسات االستشراقية عن اإلسالـ‪ ،‬ويرى أهنا أخفقت ً‬
‫يف نقد العقل اإلسالمي على الرغم من اجلهود اليت بذذلا الكثَت من ىؤالء ادلستشرقُت يف‬
‫دراسة الفكر العريب واإلسالمي‪ ،‬وقد أرجع أركوف أوجو إخفاؽ ىذه الدراسات االستشراقية‬
‫إذل عدة أمور ؽلكن إغلازىا يف اآليت(ٕ)‪:‬‬
‫خصوصا عند الشعوب اليت ليس ذلا كتابة‬
‫ً‬ ‫‪ 0‬ادلمارسة‪ ،‬أو التعبَت الشفهي لإلسالـ‬
‫مثل‪ :‬الرببر واألفارقة‪ ،‬وبشكل عاـ اجلماىَت الشعبية‪ .‬فقد قصرت اإلسالميات الكالسيكية‬
‫كتاابهتا فقط على الًتاث ادلكتوب دوف الرجوع للممارسات الشفهية‪ ،‬وىذا ما ينطبق على‬
‫القرآف (الكرًن) حيث قد ركز ادلستشرقوف على دراسة ادلصحف ادلكتوب‪ ،‬مهملُت القرآف‬
‫الشفهي قبل مجعو يف ادلدونة النصية ادلغلقة‪ ،‬ولذلك صلده يفرؽ بُت احلدث القرآين‪ ،‬واحلدث‬
‫اإلسالمي‪ ،‬أو الظاىرة القرآنية‪ ،‬والظاىرة اإلسالمية‪ .‬فاألوؿ (أي احلدث القرآين) "يدؿ على‬
‫االنبثاؽ التارؼلي لظاىرة جديدة‪ ،‬ظاىرة زلصورة سب ًاما يف الزماف وادلكاف‪ ،‬ولكن ال ؽلكن‬
‫اختزاذلا إذل رلرد النصوص اليت وصلتنا منذ أف كانت قد تشكلت رمسيًّا‪ ،‬وإظلا ىي تتطلب‬
‫اسًتاتيجية جديدة يف التحليل وازباذ الكثَت من االحتياطات األبستمولوجية‪.‬‬
‫وأما الثاين (أي احلدث اإلسالمي) فال يتفرع عن األوؿ بشكل كلي‪ ،‬كما يتوىم‬
‫مجهور ادلسلمُت‪ ،‬أو كما يعتقد الًتاث التبجيلي السائد‪ ،‬فهذا الًتاث ال يهتم إطالقًا ابلنقد‬
‫التارؼلي ‪ ...‬وإظلا يهتم بًتسيخ القدوة وادلوعظة أو النموذج الصاحل"(ٖ)‪.‬‬
‫وقد ترتب على اىتماـ اإلسالميات الكالسيكية ابلشكل ادلكتوب دوف الشفهي‬

‫(ٔ) أركوف‪« ،‬اترخيية الفكر العريب اإلسالمي»‪ ،‬صػٔ٘‪ ،‬وأركوف‪ ،‬دمحم‪ٜٜٔٙ( ،‬ـ)‪« ،‬العلمنة والدين‪ ،‬اإلسالم‪،‬‬
‫ادلسيحية‪ ،‬الغرب»‪ ،‬ترمجة‪ :‬ىاشم صاحل‪ ،‬طٖ‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬ص‪.ٖٚ‬‬
‫(ٕ) يرجع إذل أركوف‪« ،‬اترخيية الفكر العريب اإلسالمي»‪ ،‬صٕ٘‪ ٖ٘ ،‬بتصرؼ‪.‬‬
‫(ٖ) أركوف‪ ،‬دمحم‪ٕٓٓٔ( ،‬ـ)‪« ،‬اإلسالم‪ ،‬أوراب‪ ،‬الغرب‪ ،‬رىاانت ادلعىن‪ ،‬وإرادات اذليمنة»‪ ،‬ترمجة‪ :‬ىاشم صاحل‪ ،‬طٕ‪،‬‬
‫بَتوت‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬صٕٔ‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫حرماننا من قفزة كانت من ادلمكن أف ربدث كوة يف العقل اإلسالمي‪ ،‬وهتيئ اجملاؿ لنقده‪.‬‬
‫‪ 2‬إعلاؿ ادلعاش غَت ادلكتوب‪ ،‬لكن احملكي‪ ،‬وذلك أف اإلسالـ احملكي يف لقاءات‬
‫الناس اليومية‪ ،‬واالجتماعات‪ ،‬وادلؤسبرات‪ ،‬والدروس ادللقاة يف ادلساجد‪ ،‬وادلدارس‪،‬‬
‫واجلامعات‪ ،‬ىو أكثر داللة بكثَت من اإلسالـ ادلكتوب‪ ،‬ال سيما إذا كاف ىذا ادلكتوب قد‬
‫أفكارا بذاهتا ىي اليت‬
‫اعتمد على آلية االنتخاب واالختيار واحلذؼ‪ .‬فنجد مؤلفات بعينها‪ ،‬و ً‬
‫يراد ذلا أف تُتداوؿ بُت الناس‪ ،‬بينما تطمر بعض ادلؤلفات وادلؤلفُت ألهنا زبالف التوجو‬
‫األيديولوجي العاـ يف اجملتمع‪.‬‬
‫‪ 3‬إعلاؿ ادلعاش غَت ادلكتوب‪ ،‬وغَت ادلقاؿ‪ ،‬وخاصة بعدما دخلت احلداثة بالد كثَت‬
‫من ادلسلمُت‪ ،‬فقد رأوا أشياء ومسعوا عن أشياء‪ ،‬ولكن‪ ،‬ويف ظل ىيمنة احلزب الواحد يف‬
‫قوال وال كتابة‪ ،‬وىذه القضية‬
‫رلتمعاهتم اإلسالمية‪ ،‬ال يستطيعوف التعبَت عما شاىدوا وقرأوا ال ً‬
‫ؽلكن تسميتها "ذباىل ادلقاربة اإلانسية"(ٔ)‪ ،‬ويرجع السبب يف ذباىل ادلستشرقُت ذلذه ادلقاربة‬
‫اإلانسية أهنم "ال ينطلقوف إال من مرجعيات نقدية‪ ،‬إما خاضعة لسلطة ادلكتوب‪ ،‬من دوف‬
‫اعتبار خاصية الفروؽ بُت اجملتمعات الكتابية‪ ،‬واجملتمعات الشفوية‪ ،‬وإما خاضعة لسلطة‬
‫العقل‪ ،‬أو التمركز العقالين‪ ،‬من دوف اعتبار عنصر ادلخياؿ واألسطورة"(ٕ)‪ .‬وكل ىذا أوقع‬
‫ىذه اإلسالميات الكالسيكية يف االختزاؿ والسطحية والتقصَت؛ فباتت عاجزة عن نقد‬
‫العقل اإلسالمي‪.‬‬
‫‪4‬ػ إعلاؿ ادلؤلفات والكتاابت ادلتعلقة ابإلسالـ ادلنظور إليو أبنو غَت ظلوذجي أو‬
‫سبثيلي‪ ،‬ومن مث سنجد معظم علماء اإلسالميات الكالسيكية يهتموف فقط إبسالـ األغلبية‬
‫ادلدعو (أرثوذكسي) (السٍت)‪ ،‬وىم وإف كانوا ينطلقوف من منطلق الصحة وادلوضوعية؛ ذلك‬
‫جيدا أبنو أجنيب عن موضوع دراستو؛‬
‫"أف عادل اإلسالميات (‪ )l'islamologue‬يعرؼ ً‬

‫(ٔ) انظر‪ :‬الفجاري‪« ،‬نقد العقل اإلسالمي عند دمحم أركون»‪ ،‬صٖٓ‪.‬‬
‫(ٕ) ادلرجع نفسو‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫ولذا ومن أجل أف يتجنب كل حكم تعسفي فإنو سيكتفي أبف ينقل إذل إحدى اللغات‬
‫األجنبية زلتوى كربًّيت النصوص اإلسالمية"(ٔ) إال أف ىذه الطريقة تفتقر إذل أدىن معيار‬
‫وعلما أفضل شلا ىو معروؼ‬
‫فضال ً‬ ‫العلمية وادلوضوعية؛ فلعل فيما ليس دبشتهر وال معروؼ ً‬
‫كثَتا دبوقف ادلعتزلة الذين طمرت آراؤىم‬
‫ومتداوؿ‪ ،‬وىذا ما يؤمن بو (أركوف) ويدلل ً‬
‫وأفكارىم‪ ،‬وال سيما نظريتهم يف خل ق القرآف‪ ،‬بينما االذباه اآلخر‪ ،‬ىو الذي حقق لو‬
‫االنتصار والرسوخ‪.‬‬
‫‪ 5‬إعلاؿ األنظمة السيميائية(ٕ) غَت اللغوية اليت تشكل احلقل الديٍت‪ ،‬أو ادلرتبط بو‬
‫مثل‪ :‬ادليثولوجيات(ٖ) والشعائر وادلوسيقى‪ ،‬وتنظيم الزمكاف‪ ،‬وتنظيم ادلدف‪ ،‬وفن العمارة‪ ،‬وفن‬
‫الرسم والديكور واألاثث وادلالبس ‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫وميكن إمجال كل ىذه السلبيات اليت أغفلتها اإلسالميات الكالسيكية ابلقول‬
‫أبهنا قد اىتمت ابلدراسة الوصفية لإلسالم فَغلبهم "يزدرون ادلناقشات ادلنهجية والقلق‬
‫اإلبستمولوجي‪ ،‬وًل يهتمون إًل بدراسة الوقائع ادلادية احملسوسة ابدلعىن الذي يقصدونو‬
‫ضمن اإلطار ادلعريف الذي خيتارونو"(ٗ)‪ ،‬وابلتارل ال يدرجوف اإلسالـ ضمن "إشكالية عامة‬
‫زبص الظاىرة الدينية دبجملها‪ ،‬أو أهنم إذا ما أدخلوه يف دراسة مقارنة فإهنا تكوف أيديولوجية‬
‫أو الىوتية أكثر منها علمية حبتة"(٘)‪.‬‬
‫أضف إذل كل ما سبق أف ادلستشرقُت الذين يتصدروف لدراسة اإلسالـ إما مؤمنُت‪،‬‬
‫وإما غَت مؤمنُت‪ ،‬وعندما يتصدروف لدراسة اإلسالـ فال شك أهنم ػلملوف معهم مرجعيتهم‬

‫(ٔ) أركوف‪« ،‬اترخيية الفكر العريب اإلسالمي»‪ ،‬صٕ٘‪.‬‬


‫(ٕ) األنظمة السيميائية تعٍت كل مظاىر الداللة وادلعٌت يف احلياة االجتماعية اليومية للبشر‪ ،‬سواء أكانت اللغوية أو‬
‫اإلشارية‪ ،‬أو طريقة األكل والشرب‪ ،‬أو األعراؼ والتقاليد‪ ،‬اليت زبتلف من رلتمع آلخر‪.‬‬
‫(ٖ) تعٍت األساطَت واخلرافات اليت تسيطر على رلتمع من اجملتمعات‪.‬‬
‫(ٗ) أركوف‪« ،‬الفكر األصويل واستحالة التَصيل»‪ ،‬صٕٓ‪.‬‬
‫(٘) أركوف‪« ،‬العلمنة والدين»‪ ،‬ص‪.ٖٛ‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫الفكرية والنفسية‪ .‬فادلؤمنوف سيدرسونو من منطلق الىويت ديٍت متأثرين بيهوديتهم أو‬
‫سباما مسألة ادلعٌت يف اخلطاب الديٍت أو يتجاىلوهنا‬
‫نصرانيتهم‪ ،‬وغَت ادلؤمنُت فسػ"يطمسوف ً‬
‫باما‪ ،‬وىكذا يرفضوف الدخوؿ يف مناقشات حوؿ مضامُت اإلؽلاف‪ ،‬ليس بصفتها‬ ‫ذباىال ًّ‬
‫ً‬
‫قواعد حياة وسلوؾ مستبطنة من قبل كل مؤمن‪ ،‬وإظلا بصفتها تركيبات نفسية‪/‬لغوية‪،‬‬
‫واجتماعية‪ ،‬وبارؼلية"(ٔ)‪.‬‬
‫وأماـ كل ىذه السلبيات فإف اإلسالميات الكالسيكية قد عملت على تفاقم‬
‫ادلشكلة‪ ،‬وساعلت يف ازدًّيد "خطورة ادلنهجية اإلؽلانية الشكلية للمسلمُت وتفاقمها"(ٕ)‪.‬‬
‫وليس معٌت ذلك أف (أركوف) ينكر الدور الفكري والثقايف الذي قامت بو‬
‫اإلسالميات الكالسيكية‪ ،‬وإظلا يرى أف اإلسالميات التطبيقية اليت اندى هبا متضامنة كليًّا مع‬
‫اإلسالميات الكالسيكية‪ ،‬ولكن بشرط واحد‪ ،‬ىو "أف زبضع ىذه األخَتة خطاهبا اخلاص‬
‫لعملية نقد إبستمولوجي شديد‪ .‬إنو دل يعد شلكنًا تقدًن اإلسالـ بواسطة فرضيات جوىرية‪،‬‬
‫وذاتية‪ ،‬وذىنية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬وأترؼلية‪ ،‬ومادية‪ ،‬وبنيوية‪ ... ،‬إخل"(ٖ)‪.‬‬
‫اإلسالميات الكالسيكية إذف ذلا دور رئيس‪ ،‬بل يف غاية األعلية؛ فهي سبثل نقطة‬
‫البداية اليت تنطلق منها اإلسالميات التطبيقية‪ ،‬بل إنو يؤكد يف أكثر من موضع أف‬
‫اإلسالميات الكالسيكية لو ربملت دورىا‪ ،‬وأدركت سلبياهتا وذباوزهتا‪ ،‬وأعقبت دراساهتا‬
‫الوصفية الدراسة النقدية فإنو لن يكوف ىناؾ حديث عن إسالميات تطبيقية‪.‬‬
‫إذًا فاإلسالميات الكالسيكية فشلت يف ربقيق بغية (أركوف) يف نقد العقل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وىنا يوفر (أركوف) البديل ادلتمثل يف اإلسالميات التطبيقية‪ ،‬واليت هتدؼ إذل‬
‫"خلق الظروؼ ادلالئمة دلمارسة فكر إسالمي زلرر من احملرمات (‪ )tabous‬العتيقة‪،‬‬

‫(ٔ) أركوف‪« ،‬الفكر األصويل واستحالة التَصيل»‪ ،‬صٕٓ‪.‬‬


‫(ٕ) أركوف‪« ،‬اترخيية الفكر العريب اإلسالمي»‪ ،‬صٕٓ‪.‬‬
‫(ٖ) ادلرجع نفسو‪ ،‬صٔ‪.ٙ‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫وزلررا من األيديولوجيات الناشئة حديثًا"(ٔ)‪.‬‬


‫وادليثولوجيات البالية‪ً ،‬‬
‫‪ ‬اإلسالميات التطبيقية‪:‬‬
‫وػلدد بوضوح اجلديد الذي ستضيفو إسالمياتو التطبيقية سلتل ًفا عن اإلسالميات‬
‫الكالسيكية اليت هتتم ابلدراسة الوصفية الفيلولوجية التارؼلية على الطريقة القدؽلة يف أف ىذه‬
‫األخَتة ستقدـ لو ادلعلومات وادلعطيات الدقيقة عن الًتاث "وما علينا إال أف ننطلق منها‬
‫لكي نقوـ ابلدراسة التفكيكية واألركيولوجية(ٕ) العميقة ذلذا الًتاث ابلذات‪ .‬إنو ؽلثل ادلرحلة‬
‫الوصفية من دراسة الًتاث مث يتوقف عندىا من دوف أف ينتقل إذل ادلرحلة (التحليلية‪-‬‬
‫التفكيكية) وىذه ىي مهمتنا"(ٖ)‪.‬‬
‫ودلا كانت اإلسالميات التطبيقية ىي مشروع العمر ألركوف‪ ،‬فإننا سنجده قد حاوؿ‬
‫أف ػليط ىذا ادلشروع من مجيع جوانبو‪ ،‬فتحدث عن ادلنطلقات‪ ،‬والدور ادلوكوؿ إليها‪ ،‬أو‬
‫العبء ادلعريف ادللقى على عواىنها‪ ،‬ودورىا يف إعادة بناء العقل اإلسالمي من جديد بعد‬
‫ىدمو‪.‬‬
‫منطلقات اإلسالميات التطبيقية‪:‬‬
‫يف إطار حديث (أركوف) عن منطلقات اإلسالميات التطبيقية اليت سبيزىا عن غَتىا‬
‫من اإلسالميات الكالسيكية‪ ،‬صلده ػلدد ذلا مخسة منطلقات أو مسات شليزة‪ ،‬وىي(ٗ)‪:‬‬
‫‪ 0‬التوجو العملي لإلسالميات يف الواقع‪ ،‬والذي يتمثل يف االنتشار الكبَت لإلسالـ‬
‫يف كثَت من اجملتمعات‪ ،‬وحىت اجملتمعات الغربية‪ ،‬وىذا االنتشار واالنفتاح على ثقافات سلتلفة‬
‫ومشارب فكرية متعددة أدى إذل إاثرة الكثَت من األسئلة اليت تطرح نفسها يوميًّا من قبل‬

‫(ٔ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.٘ٛ‬‬


‫(ٕ) ادلنهجية األركيولوجية ىي ادلنهجية اليت ال تكتفي ابلوصف‪ ،‬وإظلا زبًتؽ موضوع الدراسة عم ًقا لكي تصل إذل أصل‬
‫ادلوضوع ونقطة البداية‪.‬‬
‫(ٖ) أركوف‪« ،‬حنو نقد العقل اإلسالمي»‪ ،‬صٖ‪.ٛ‬‬
‫(ٗ) أركوف‪« ،‬اترخيية الفكر العريب اإلسالمي»‪ ،‬ص٘٘‪ ،٘ٚ-‬بتصرؼ‪.‬‬

‫‪021‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫اجلمهور ا دلسلم‪ ،‬وابلتارل‪ ،‬فال بد ذلذه اإلسالميات التطبيقية أف تعيد فهم احملتوى ادلوضوعي‬
‫للرسالة القرآنية‪ ،‬ولفكر العلماء ادلؤسسُت للًتاث احلي‪ ،‬ليس فقط عند األقلية من اخلاصة‪،‬‬
‫اليت احتكرت لنفسها أحقية التحدث ابسم اإلسالـ على اعتبار فهمها للرسالة القرآنية‪ ،‬وإظلا‬
‫بعيدا عن اجًتار ادلاضي‪ ،‬وإظلا إبعادة ىيكلتو ونقده‪.‬‬
‫أيضا للجماىَت الشعبية‪ ،‬كل ذلك ً‬
‫ً‬
‫‪ 2‬من ادلؤكد أنو قد حدثت ثورة معرفية وتقنية عالية‪ ،‬وتقدمت العلوـ الغربية يف‬
‫الدراسات اإلنسانية بشكل ملفت للنظر‪ ،‬ودل تعد العلوـ احلديثة تقنع ابدلسلمات ادلوروثة‪،‬‬
‫وال ابألرثوذكسيات البالية‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك ما زاؿ الفكر اإلسالمي غلًت ادلاضي‪،‬‬
‫ويرتكز على ادلسلمات اإلبستيمية للقروف الوسطى‪ ،‬وما زاؿ ؼللط بُت األسطوري والتارؼلي‪،‬‬
‫مث يقوـ بعملية تكريس دوغمائية للقيم األخالقية والدينية‪ ،‬ويؤكد على تفوقية ادلؤمن على غَت‬
‫ادلؤمن‪ ،‬وادلسلم على غَت ادلسلم‪ ،‬وتقديس اللغة العربية على غَتىا من اللغات‪ ،‬واإلسالميات‬
‫التطبيقية "مدعوة إذل مقاربة ىذا ادلوضوع‪ ،‬وإذل التفكَت يف معضالت االنتقاؿ من ادلسلمات‬
‫ادلعرفية التقليدية إذل ادلسلمات احلديثة ضمن منظور التجدد"(ٔ)‪.‬‬
‫‪ 3‬يرى (أركوف) أف اإلسالميات التطبيقية تدرس اإلسالـ ضمن منظورين‬
‫متكاملُت‪:‬‬
‫األول‪ :‬كفاعلية علمية داخلية للفكر اإلسالمي؛ ذلك أهنا تريد أف تستبدؿ ابلًتاث‬
‫االفتخاري واذلجومي الذي ؽليز موقف اإلسالـ من األدًّيف األخرى‪ ،‬وتعاليو عليها‪ ،‬وشعوره‬
‫ابألفضلية‪ ،‬إذل ادلوقف ادلقارف‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬كفاعلية متضامنة مع الفكر ادلعاصر‪ ،‬وابلتارل يدخل اإلسالـ ضمن ما‬
‫يسميو رلموعات الكتاب ادلقدس‪ ،‬ومن خالؿ ىذه اآللية يطبق على اإلسالـ كل ما أثَت‬
‫حوؿ الدًّيانت السماوية‪ ،‬بل والوضعية األخرى من آليات التفكيك‪ ،‬وابلتارل ؼلضع القرآف‬
‫آلليات النقد التارؼلي‪ ،‬واأللسٍت‪ ،‬والتأمل الفلسفي‪.‬‬

‫(ٔ) بلقزيز‪ ،‬نقد الرتاث‪ ،‬صٖ‪.ٖٚ‬‬

‫‪020‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫‪ 4‬يف اإلسالميات التطبيقية ينظر إذل الظاىرة القرآنية ابعتبارىا معطى لغوي‪،‬‬
‫وابلتارل تستبعد يف دراستها النظرة التقديسة ابعتبارىا وحيًا إذليًّا‪ ،‬وإذا حدث ذلك يواجو‬
‫الناقد أو الباحث يف اإلسالميات التطبيقية النص القرآين جبرأة وقوة تؤىلو أف يػُ ْع ِمل فيو عقلو‬
‫وفكره دوف رىبة أو خوؼ‪.‬‬
‫‪5‬ػ يف اإلسالميات التطبيقية ليس ىناؾ خطاب بريء‪ ،‬ومن مث فإهنا تنظر إذل النص‬
‫نصا ػلتاج إذل إعادة قراءة‪ ،‬وكل قراءة ربتاج بدورىا إذل إعادة قراءة‪،‬‬
‫ًّأًّي كاف مسماه ابعتباره ًّ‬
‫مستخدما كل ادلناىج ادلتاحة من أجل إسباـ ىذه القراءة‪ ،‬معتمدة على ادلنهج السليب الذي‬
‫ً‬
‫ي نظر إذل كل نص بعُت الريبة والشك إذل أف يتضح العكس‪ ،‬وىذه الدراسة ىي ما يسميها‬
‫(دراسة الالمفكر فيو يف الفكر اإلسالمي) ولذلك صلده وىو يتحدث عن العقل‬
‫االستطالعي ادلستقبلي يؤكد على أنو ال ينتمي ال دلشرؽ وال دلغرب‪ ،‬وال لدنيا‪ ،‬وال لدين‪ ،‬وال‬
‫لفلسفة‪ ،‬وال ‪ ...‬إنو فق ط ينتمي إذل "مذىب االهتاـ الفلسفي ادلنهاجي البناء‪ ،‬ىذا ادلذىب‬
‫الذي يشك يف كل ما ينطق بو العقل‪ ،‬وػلاوؿ أتسيسو كمذىب ال مذىب سواه أو بعده‪،‬‬
‫مث يفرضو اإلنساف ابلقوة على اإلنساف"(ٔ)‪.‬‬
‫وادلتفحص ذلذه ادلنطلقات اليت سبيز اإلسالميات التطبيقية غلد أهنا متعددة ادليادين‬
‫فهي لن تًتؾ شاردة وال واردة إال وتناولتها ابلدراسة‪ ،‬ولذلك صلده يؤكد على أف مشروعو‬
‫ىذا "ينخرط إبستمولوجيًّا يف العمق‪ ،‬بل يف عمق العمق"(ٕ)‪ .‬فستنخرط اإلسالميات‬
‫التطبيقية يف دراسة ادلفكر فيو‪ ،‬والالمفكر فيو‪ ،‬وادلستحيل التفكَت فيو‪ ،‬وكذلك يف واقع حياة‬
‫الناس اليومية‪ ،‬أفر ًادا ومجاعات‪ ،‬متغلغلة يف البحث عن مشاكلهم وربديد أسباهبا للعمل على‬
‫حلها‪ ،‬وكذلك إعادة قراءة الًتاث دبا فيو الظاىرة القرآنية واإلسالمية‪ ،‬ودراسة ادلتخيل فيو‪،‬‬
‫وادلهمش يف الفكر اإلسالمي؛ ولذلك سنجده يدعو إذل ضرورة الرجوع واإلفادة من نقد‬

‫(ٔ) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬ص‪.ٜ‬‬


‫(ٕ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.ٜٗ‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫مشركي مكة للقرآف وحملمد ‪ ‬وال يرى يف ذلك غضاضة‪ ،‬بل يرى فيها وجاىة وفائدة‪.‬‬
‫بعد أف حددان ادلنهج الذي يتبعو (أركوف) يف نقد العقل اإلسالمي‪ ،‬وادلتمثل يف‬
‫اإلسالميات التطبيقية‪ ،‬ننتقل من التنظَت إذل التطبيق‪ ،‬وىذا ىو اإلجراء العملي الذي سيتبعو‬
‫يف نقده‪ ،‬ويتمثل ىذا اإلجراء العملي يف تفكيك العقل اإلسالمي‪ ،‬فال ؽلكن للعادل العريب‬
‫واإلسالمي أف ينطلق حضارًًّّي إال إذا "اطلرط يف عملية تفكيكية نقدية شاملة ألنظمة الفكر‬
‫الديٍت القدًن ادلسيطر والراسخ اجلذور‪ ،‬وكذلك ينبغي تفكيك كل األيديولوجيات الغوغائية‬
‫اليت سيطرت علينا بعد االستقالؿ"(ٔ)‪.‬‬
‫فأركوف يرى يف تفكيك كل األنظمة الالىوتية والفقهية حبل النجاة الذي ينهض بو‬
‫العادل اإلسالمي من كبوتو احلضارية والثقافية‪ ،‬ودلا كانت األنظمة الالىوتية قد اكتسبت‬
‫مجيعا‬
‫قداسة كبَتة‪ ،‬وقدسية عالية‪ ،‬ال سيما القرآف (الكرًن) الذي انطبع يف أذىاف ادلسلمُت ً‬
‫أنو (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ)‬ ‫يف مشارؽ األرض ومغرهبا‬
‫صلَت‪ 24:‬ﱠ]فكلمة قرآف ‪-‬كما يقوؿ ىاشم صاحل‪" -‬مشحونة الىوتيًّا إذل درجة أنو يصعب‬
‫[ف ُ ِ ّ‬
‫استخدامها قبل تفكيكها؛ فهي تعرض نفسها على الباحث ادلسلم بكل ىيبة التقديس‬
‫التارؼلية‪ ،‬وتسحقو ربت وطأهتا فال يعود غلرؤ على طرح أي تساؤالت عليها"(ٕ)‪ ،‬ولذلك‬
‫أوال التحرر من ىذه القداسة‬
‫فإنو حىت نستطيع فهم القرآف ‪-‬طب ًقا ذلذه النظرة‪-‬فإنو ينبغي ً‬
‫حىت تتالشى اذليبة يف نفس أي مفكر أو انقد يضع نفسو يف مواجهة القرآف (الكرًن)‪.‬‬
‫وحىت تزاؿ ىذه اذليبة فإنو يؤكد ابدئ ذي بدء على أف القرآف نص شأنو شأف أي‬
‫"نصا من مجلة نصوص أخرى ربتوي على نفس‬ ‫نص ديٍت أو أديب آخر فهو ليس إال ًّ‬
‫ِ‬
‫ادلؤسسة للبوذية أو‬
‫مستوى التعقيد‪ ،‬وادلعاين الفوارة الغزيرة كالتوراة‪ ،‬واألانجيل‪ ،‬والنصوص ّ‬

‫نقال عن صاحل‪ ،‬ىاشم دلقدمة كتاب‪« :‬حنو نقد‬


‫(ٔ) تصرػلات أركوف جمللة اإلكسربس الفرنسية‪ ،‬بتاريخ ‪ٕٖٓٓ/ٖ/ٕٚ‬ـ‪ً ،‬‬
‫العقل اإلسالمي»‪ ،‬ص‪.ٛ‬‬
‫(ٕ) أركوف‪« ،‬الفكر األصويل واستحالة التَصيل»‪ ،‬ىامش ص‪.ٕٜ‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫اذلندوسية"(ٔ)‪ .‬فإذا ترسخ ذلك يف قلب ادلسلم وغَته‪ ،‬وقد رأى كيف تعرضت النصوص‬
‫األخرى غَت القرآف بعد ظهور احلداثة إذل نقد شديد‪ ،‬وكيف وضعت ربت زلك العقل‪ ،‬فال‬
‫غلد يف نفسو غضاضة أف يفعل مع القرآف مثلما فُعل مع النصوص األخرى‪.‬‬
‫وىنا ال رلاؿ للحديث عن عصمة القرآف من التحريف والتبديل والتزييف‪ ،‬فهذه‬
‫األحكاـ ما ورثناىا إال من ادلمارسات الطقسية الشعائرية من الًتاث اإلؽلاين الورع الذي‬
‫أضفى مسحة من القداسة على القرآف غلب إزالتها‪.‬‬
‫وحىت يتضح اجلديد الذي سيأيت بو يف تفكيك العقل اإلسالمي‪ ،‬ال سيما القرآف‬
‫الكرًن؛ فإنو يف البداية يؤكد أف ىناؾ معطيُت كبَتين لربوتوكوالت القراءة علا‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬القراءة اإلميانية‪:‬‬
‫ً‬
‫وىذا الربوتوكوؿ يركز على "الوظيفة النبوية‪ ،‬والكالـ ادل ْو َحى‪ ،‬والكاشف‪ ،‬وادلقدس‪،‬‬
‫ُ‬
‫والثواب‪ ،‬والصالة‪ ،‬وتسليم النفس إذل هللا ‪ )ٕ("...‬إنو يعلي من قيمة الوحي واإلؽلاف‪ ،‬وتكثر‬
‫فيو ادلسلمات اإلؽلانية‪ ،‬والالمفكر فيو‪ ،‬وادلمنوع التفكَت فيو‪ ،‬وادلستحيل التفكَت فيو‪ ،‬فهي‬
‫كثَتا من شخصية اإلنساف يف مقابل رب اإلنساف‪ ،‬ويغيب العقل‪ ،‬ويًتؾ قياده لقوة‬
‫تلغي ً‬
‫خارجية توجهو وأتخذ خبطامو أينما تشاء‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬القراءة النقدية‪:‬‬
‫وىي القراءة اليت ال تؤمن دبسلمات‪ ،‬وال تذعن أليديولوجيات‪ ،‬وإظلا تعلي من قيمة‬
‫العقل‪ ،‬وتًتؾ لو العناف إلعادة "قراءة كل الًتاث اإلسالمي على ضوء أحدث ادلناىج‬
‫اللغوية‪ ،‬والتارؼلية‪ ،‬والسوسيولوجية‪ ،‬واألنثربولوجية‪( ،‬أي ادلقارنة مع بقية الًتااثت الدينية‪،‬‬
‫وخباصة ما حصل يف الغرب ادلسيحي"(ٖ)‪ ،‬مث تقوـ بعد ذلك بتقييم ىذا الًتاث لطرح ما ليس‬
‫صاحلًا حلركة التطور السيالة اليت ال تتوقف‪ ،‬واإلبقاء على ما يناسب ىذه احلركة‪ ،‬مع‬

‫(ٔ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ىامش ص‪.ٖٙ‬‬


‫(ٕ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ىامش صٗٓٔ‪.‬‬
‫(ٖ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ىامش صٕ‪.ٕٜ‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫االىتماـ ابلبعد الديٍت للقراءة اإلؽلانية‪ ،‬وأخذه بعُت االعتبار ليس من أجل ىالتو ادلقدسة‪،‬‬
‫وإظلا للتذكَت "دبخاطر القراءات الوصفية االختزالية؛ فإننا ال نريد أف نقدـ أي تنازؿ‬
‫للتحديدات الدوغمائية اليت يقدمها ادلؤمنوف عن كتاابهتم ادلقدسة"(ٔ)‪.‬‬
‫وابلتَكيد فإن مشروع (أركون) لنقد العقل اإلسالمي يندرج حتت ىذا‬
‫الربوتوكول الثاين‪ ،‬وىو ‪-‬بال شك‪ -‬سيصطدم بعقلية اجملتمع أبسره‪ ،‬وخاصة إذا كان‬
‫احلديث عن القرآن (الكرمي) ولذلك سنجده يف سبيل إحداث كوة يف ىذا الصرح‬
‫الكبًن يؤكد على أن اإلسالم قد انطلق من حدثٌن تدشينيٌن متكاملٌن مها‪ :‬اخلطاب‬
‫القرآين‪ ،‬وجتربة ادلدينة‪ ،‬وإذ يلجَ إل ىذه القسمة فهي زلاولة منو للتَكيد على أن ىذه‬
‫القداسة ادلزعومة ىي يف احلقيقة قداسة بشرية‪ ،‬وليست إذلية ‪-‬كما يدعي العقل‬
‫الالىويت‪.‬‬
‫أوًل‪ :‬اخلطاب القرآين‪:‬‬
‫ً‬
‫وفيو يريد (أركوف) الًتكيز على الفضاء اللغوي‪ ،‬أو النسيج اللغوي للقرآف‪ ،‬ولذلك‬
‫فإنو يقسم ىذا اخلطاب القرآين إذل قسمُت‪:‬‬
‫األول‪ :‬مستوى التلفظ األول‪:‬‬
‫وىذه ىي الفًتة اليت كاف يتنزؿ فيها القرآف شفهيًّا من هللا‪ -‬تعاذل‪ -‬عن طريق جربيل‬
‫رلتمعا لو‬
‫إذل دمحم ‪ ،‬وىي ما يسميها‪( :‬القرآف)‪ ،‬ويف ىذه الفًتة وجد دمحم ‪ ‬أمامو ً‬
‫عاداتو وتقاليده‪ ،‬وقيمو‪ ،‬ودينو وثقافتو‪ ،‬وأراد تغيَت ىذا الواقع‪ ،‬واالنتقاؿ بو إذل "إطار‬
‫مؤسسايت آخر‪ ،‬وإذل طريقة أخرى يف احلياة‪ ،‬وإذل طراز ثقايف وقانوين سلتلف‪ ،‬وعملية‬
‫االنتقاؿ ىذه ىي اليت يقوـ هبا القرآف الشفهي"(ٕ)‪ ،‬وىذه الفًتة ‪-‬كما ذكران سل ًفا‪ -‬قد‬
‫انتهت وال ؽلكن الرجوع إليها‪ ،‬أو التعرؼ على تفاصيلها‪.‬‬

‫(ٔ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.ٖٙ‬‬


‫(ٕ) أركوف‪« ،‬العلمنة والدين»‪ ،‬ص‪.ٗٙ‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫الثاين‪ :‬مستوى الكتاب احملصور بٌن دفتٌن (ادلصحف)‪:‬‬


‫ويف ىذا ادلستوى مت االنتقاؿ من الثقافة الشفهية إذل الثقافة ادلكتوبة‪ ،‬وفيها انتقلنا‬
‫إذل مرحلة التقديس الذي خلع على ىذا الكتاب‪ ،‬ال سيما أنو أصبح يشكل للمسلمُت‬
‫ادلرجعية األوذل اليت ال أيتيها الباطل وال الزيغ وال الضالؿ‪ ،‬وعملية االنتقاؿ من النص‬
‫الشفهي إذل النص ادلكتوب ليست مضمونة حبذافَتىا‪.‬‬
‫وىذه تعد أوؿ مسلمة ؽلكن شقها يف ىذا اجلدار الدوغمائي؛ فهذا ادلصحف الذي‬
‫بُت أيديكم ىو يف احلقيقة من مجع البشر الذين دل َْػلبُوىم هللا ابلعصمة‪ ،‬وليسوا مأمونُت من‬
‫اخلطأ والزيغ والنسياف ‪ ،‬وىذه دعوة للتفكَت بعمق يف ىذا ادلصحف ادلكتوب‪ ،‬وادلوجود بُت‬
‫يدي الناس والذي تعلوه كل ىالة التقديس ىذه‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬جتربة ادلدينة‪:‬‬
‫وفيها ؽليز بُت الظاىرة القرآنية‪ ،‬والظاىرة اإلسالمية اليت بدأت مع ذبربة ادلدينة‪،‬‬
‫وذلك بعد أف ىاجر دمحم (‪ )‬من مكة إذل ادلدينة‪ ،‬وأسس دولة ادلدينة‪ ،‬وىذا الشكل‬
‫أوال‪ ،‬مث من‬
‫مستعارا من دولة أثينا ً‬
‫ً‬ ‫جديدا للدولة‬
‫"ظلوذجا ً‬
‫ً‬ ‫اجلديد من الدولة ادلؤسسة يشكل‬
‫الدولة اإلمرباطورية الرومانية بعد تشكل اخلالفة اثنيًا‪ ،‬مث انضاؼ إذل ىذه الدولة البعد الديٍت‬
‫(ٔ)‬
‫سباما‬
‫الداعم ذلا‪ ،‬وادلتمثل ابلوحي القرآين" ‪ ،‬وىذا الشكل اجلديد يشبو ‪-‬من وجهة نظره‪ً -‬‬
‫متمثال يف‬
‫ً‬ ‫ادلسيحية يف القروف الوسطى اليت كانت تتنازع فيها السلطة بُت البعد الزمٍت‬
‫متمثال يف البااب‪ ،‬واالختالؼ الوحيد بُت ىذه الدولة اجلديدة‬
‫ً‬ ‫اإلمرباطور‪ ،‬والبعد الديٍت‬
‫الناشئة‪( :‬ادلدينة) واإلمرباطورية ادلسيحية يف القروف الوسطى‪ ،‬أف ىذه الدولة اجلديدة قد‬
‫متمثال يف خليفة ادلسلمُت‪.‬‬
‫معا ً‬ ‫اجتمع فيها البعداف‪ :‬الزمٍت‪ ،‬والديٍت ً‬
‫وإذا كانت أوراب قد عاشت يف ظالـ دامس بسبب ىذا الصراع الدائر بُت ىذين‬
‫البعدين‪ ،‬ودل تقم ذلا قائمة‪ ،‬ودل تنهض من كبوهتا إال بعد فك االشتباؾ بينهما‪ ،‬فكذلك احلاؿ‬

‫(ٔ) أركوف‪« ،‬العلمنة والدين»‪ ،‬ص‪.ٜٗ‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫يف الدولة اإلسالمية‪ ،‬لن ػلدث ذلا هنضة إال بعد فك ىذه الواشجة بينهما‪.‬‬
‫طلرج من ىذه القسمة أف قداسة القرآف‪ ،‬وكذلك السنة قداسة مزعومة‪ ،‬وكذلك‬
‫أيضا قداسة مزعومة؛ ألهنا كانت تستقوي ابخلليفة‪ ،‬وىو شكل زمٍت للحكم‪،‬‬ ‫أقواؿ الفقهاء ً‬
‫مقدسا‪ ،‬بل إف ىذا يؤكد أننا لسنا إزاء إسالـ واحد‪ ،‬كما يظن البعض‪ ،‬وإظلا ضلن‬
‫وليس إذليًّا ً‬
‫أماـ (إسالمات) متعددة‪ ،‬فهناؾ "اإلسالـ التيولوجي‪ ،‬واإلسالـ السوسيولوجي‪ ،‬واإلسالـ‬
‫جيدا وجدان أهنا إسالمات سلتلفة‪ ،‬وال أستطيع ‪-‬فيما‬
‫التارؼلي‪ ... ،‬وإذا ما دققنا النظر فيها ً‬
‫ؼلصٍت كمسلم‪ -‬أف أنتسب إذل أي واحدة من ىذه الصيغ السائدة؛ ألهنا منقوصة مجيعها‬
‫من قبل احلداثة الفكرية اليت أتبناىا"(ٔ)‪.‬‬
‫وبعد أف فك أركوف االشتباؾ ‪-‬من وجهة نظره‪ -‬بُت ادلقدس‪ ،‬الذي ال ؽلكن‬
‫الوصوؿ إليو‪ ،‬وغَت ادلقدس ادلتاح بُت أيدينا‪ ،‬يؤكد على أف أسباب ادلشكلة تعود إذل العقل‬
‫الكالسيكي الذي رسخ ىذه األفكار‪ ،‬مث العقل السكوالئي ادلدرساين التكراري واالجًتاري‬
‫الذي تلقف ىذه األفكار دوف سبحيص‪ ،‬وىنا أييت العقل االستطالعي اجلديد الذي يعود‬
‫"القهقرى إذل الوراء حىت نصل إذل اللحظة النبوية‪ ،‬واللحظة التكوينية اإلبداعية اجمليدة للفكر‬
‫اإلسالمي"(ٕ) ‪ ،‬وىذه العودة إذل الوراء ال ؽلكن أف تتم إال بتدشُت قراءة جديدة تكوف قراءة‬
‫دًّيلكتيكية جدلية "تًتاوح ابستمرار بُت القطاع الذي سيطرت عليو الثقافة الشفهية‪ ،‬والقطاع‬
‫الذي سيطرت عليو ظاىرة الكتابة"(ٖ)‪.‬‬
‫سباما دل‬
‫كدا على أهنا قراءة جديدة ً‬
‫ويزىو أركوف هبذا الشكل اجلديد من القراءة مؤ ً‬
‫يسبق إليها‪ ،‬وىي تعتمد على تفكيك كل الًتكيبات ادلعرفية الدينية‪ ،‬سواء أكانت أنظمة‬
‫الى وتية‪ ،‬أو تفاسَت‪ ،‬أو تواريخ‪ ،‬أو عالقات ثقافية واجتماعية‪ ... ،‬كل ىذا سيتحوؿ إذل‬

‫(ٔ) ادلرجع نفسو‪ ،‬صٔ٘‪.‬‬


‫(ٕ) أركوف‪« ،‬حنو نقد العقل اإلسالمي»‪ ،‬ص٘‪.ٛ‬‬
‫(ٖ) أركوف‪« ،‬العلمنة والدين»‪ ،‬ص‪.ٗٛ‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫(ٔ)‬
‫ورشة عمل من أجل نقدىا "بطريقة بارؼلية‪ ،‬وليس بطريقة أتملية ذبريدية سكوالستيكية"‬
‫معتمدة على أشكلة(ٕ) كل األنظمة الفكرية اليت تنتج ادلعٌت‪.‬‬
‫ويف سبيل إصلاز ىذا ادلشروع الكبَت يف تفكيك العقل اإلسالمي‪ ،‬وعلى رأسو القرآف‬
‫(الكرًن) يضع عدة خطوات عملية ذلذه العملية التفكيكية‪ ،‬ؽلكن إغلازىا يف اآليت‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬ضرورة اًلىتمام ابلدراسات ادلقارنة مع األداين التوحيدية وغًنىا‪.‬‬
‫ً‬
‫فال غلب أف يدرس اإلسالـ يف جزيرة منعزلة عن األدًّيف السماوية األخرى‪ ،‬فال بد‬
‫من دمج الظاىرة القرآنية داخل "الدراسة ادلقارنة‪ ،‬ليس فقط لألدًّيف التوحيدية الثالثة‪ ،‬وإظلا‬
‫داخل األنثربولوجيا التارؼلية للظاىرة الدينية كما سادت يف حوض البحر األبيض ادلتوسط‬
‫‪ ...‬من أجل أف نعمق معرفتنا ابلعناصر ادلؤسسة وادلشًتكة للوعي الديٍت التوحيدي مأخو ًذا‬
‫يف تولده التارؼلي الكلي ويف رلرًّيت سبايزه عن طريق حلظات تدشينية أو انطالقات جديدة‬
‫للشيفرات الثقافية"(ٖ)‪.‬‬
‫فكل األدًّيف التوحيدية الثالثة نشأت وترعرعت يف منطقة جغرافية واحدة‪ ،‬ىي‬
‫حوض البحر األبيض ادلتوسط‪ ،‬ولكنها سبايزت مع كل نيب من األنبياء‪ ،‬فمع موسى ‪‬‬
‫كانت التوراة‪ ،‬ومع عيسى ‪ ‬كاف اإلصليل‪ ،‬ومع دمحم ‪ ‬كاف القرآف‪ ،‬ولذلك ال بد من‬
‫دراسة الظاىرة القرآنية من خالؿ مقارنتها مع الكتب ادلشاهبة ذلا؛ ألف ادلقارنة ىي أساس‬
‫دائما ما يتحدث ليس عن اإلسالـ‪ ،‬وإظلا عما‬
‫النظر والفهم يف مثل ىذه احلالة‪ ،‬ولذلك صلده ً‬
‫يسميو (احلدث اإلسالمي) ورلتمعات أـ الكتاب‪ /‬الكتاب‪ ،‬وذلك لػعدة أسباب(ٗ)‪:‬‬
‫رلردا خارج الزماف‬
‫مفهوما مثاليًّا ً‬
‫ً‬ ‫أػ ذبذير اإلسالـ يف التارؼلية ً‬
‫بدال من أف يبقى‬

‫(ٔ) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬ص‪.ٜٗ ،ٗٛ‬‬


‫(ٕ) يعرؼ ىاشم صاحل مصطلح األشكلة أبنو يعٍت "نزع البداىة عن الًتاث ووضعو على زلك التساؤؿ والنقد من جديد"‬
‫الفكر األصويل‪ ،‬واستحالة التَصيل‪ ،‬ىامش صٕٕ‪.‬‬
‫(ٖ) الفكر األصويل‪ ،‬واستحالة التَصيل‪ ،‬صٗ‪.ٚ‬‬
‫(ٗ) أركوف‪« ،‬اإلسالم‪ ،‬أوراب‪ ،‬الغرب»‪ ،‬صٔٔ بتصرؼ‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫وادلكاف‪.‬‬
‫بػ يتيح ىذا ادلصطلح اجلديد أف ننفض عن مفهوـ اإلسالـ كل الًتاكمات‬
‫واإلضافات احلشوية ‪ ،‬وأنواع اخللط اليت حلقت بو على مر العصور‪ ،‬ال سيما أننا نتحدث‬
‫ليس عن إسالـ؛ وإظلا إسالمات‪.‬‬
‫ج ‪ -‬يزيل البداىة العفوية عن مفهوـ اإلسالـ الذي نعتقد أبننا نفهم ما ىو دبجرد‬
‫أف نلفظ كلمة (إسالـ)‪ ،‬فهناؾ فرؽ بُت ادلعرفة التارؼلية‪ ،‬وادلعرفة التبجيلية والتقليدية‬
‫السائدة‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬أن يصبح النص القرآين إشكاليًّا‪:‬‬
‫بعيدا عن أي إكراىات‬
‫فال بد أف يوضع اإلسالـ على زلك الشك والنقد والتساؤؿ ً‬
‫تبجيلية تقديسية؛ وذلك للتأكيد على بارؼليتو وارتباطو بلحظة اجتماعية وثقافية وسياسية‬
‫معينة‪ ،‬وإذا دل "نكشف عن بارؼليتو فإنو سوؼ يظل يقدـ نفسو وكأنو انزؿ من السماء‬
‫مباشرة‪ ،‬وسوؼ يظل يسحقنا ربت وطأتو ورىبتو"(ٔ)‪.‬‬
‫فال َّ‬
‫بد إذف من البحث العلمي للظاىرة القرآنية بصورة زلررة من العقائد ادلغلقة اليت‬
‫اعتمدت على آلية االنتقاء واحلذؼ واالختيار لًتسيخ قراءة واحدة واعتبارىا وحدىا فقط‬
‫القراءة الصحيحة‪ ،‬أو ما يسميها (النص الرمسي ادلغلق)‪ ،‬ولكي يتحرر من ىذه النظرة‬
‫الدوغمائية ادلغلقة وحىت يضع النص القرآين ربت دائرة الشك والنقد والتساؤؿ‪ ،‬اقًتح عدة‬
‫قراءات للنص القرآين تتمثل يف‪:‬‬
‫ػ القراءة التارؼلية‪ /‬األنثربولوجية‪.‬‬
‫ػ القراءة األلسنية والسيميائية واألدبية‪.‬‬

‫(ٔ) صاحل‪ ،‬ىاشم ىامش «الفكر األصويل واستحالة التَصيل»‪ ،‬صٗ‪.ٚ‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫ػ القراءة اإلؽلانية (أو ادلؤمنة)(ٔ)‪.‬‬


‫اثلثًا‪ :‬نقد العقلية السائدة يف رلتمعات الكتاب ادلقدس‪:‬‬
‫ويف ىذه ادلرحلة يتم نقد‪ ،‬ليس فقط الظاىرة القرآنية‪ ،‬وإظلا "ادلواقف الالىوتية‬
‫والفلسفية للعقل السائد يف رلتمعات الكتاب ادلقدس‪/‬الكتاب العادي أف تتعرض لنفس‬
‫الدراسة التارؼلية ادلقارنة ضمن منظور اإلبستمولوجيا التارؼلية النقدية"(ٕ)‪.‬‬
‫وىكذا صلد أف مشروع تفكيك العقل اإلسالمي يشمل كل شيء‪ ،‬سواء أكاف‬
‫النص ادلقدس‪ ،‬أـ الواقعُت ربت أتثَته ػللم بقراءة تستخدـ منهجيات متعددة‪ ،‬وزلررة من كل‬
‫قيود دوغمائية أرثوذكسية‪ ،‬وخبصوص القرآف ابلذات ػللم بقراءة "حرة إذل درجة التشرد‬
‫والتسكع يف كل االذباىات ‪ ...‬إهنا قراءة ذبد فيها كل ذات بشرية نفسها‪ ،‬سواء أكانت‬
‫مسلمة أـ غَت مسلمة ‪ ...‬قراءة تًتؾ فيها الذات احلرية لنفسها ولديناميكيتها اخلاصة يف‬
‫الربط بُت األفكار والتصورات انطالقًا من نصوص سلتارة حبرية من كتاب طادلا عاب عليو‬
‫الباحثوف "فوضاه" ولكنها الفوضى اليت رببذ احلرية ادلتشردة يف كل االذباىات"(ٖ)‪.‬‬

‫(ٔ) يراجع يف تفاصيل ىذه القراءات‪ :‬أركوف‪« ،‬الفكر األصويل‪ ،‬واستحالة التَصيل»‪ ،‬ص‪ ،ٚٔ-ٖٜ‬وأركوف‪ ،‬دمحم‪،‬‬
‫(ٕ٘ٓٓـ)‪« ،‬القرآن من التفسًن ادلوروث إل حتليل اخلطاب الديين»‪ ،‬ترمجة وتعليق‪ :‬ىاشم صاحل‪ ،‬طٕ‪ ،‬بَتوت‪،‬‬
‫دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬صٔٔٔ‪ ،‬وما بعدىا‪.‬‬
‫(ٕ) أركوف‪« ،‬الفكر األصويل‪ ،‬واستحالة التَصيل»‪ ،‬ص٘‪.ٚ‬‬
‫(ٖ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.ٚٙ‬‬

‫‪021‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫ادلبحث الثالث‬
‫التعقيب‬
‫استخدـ (أركوف) مصطلح (العقل اإلسالمي)‪ ،‬وظالؿ كلمة (عقل) توحي بكياف‬
‫ما ورائي غييب‪ ،‬ما قبلي‪ ،‬وظالؿ كلمة (إسالمي) توحي أبف ىذا الكياف لو قواعد وأطر‬
‫حاكمة مستوحاة من اإلسالـ‪ ،‬وىذا "مزعم الىويت يلغي الفروقات بُت التجارب واألعماؿ‬
‫وادليادين والنصوص ابسم وحدانية العقل العريب أو اإلسالمي"(ٔ)‪ .‬فال شك أف ذبربة (أركوف)‬
‫انقدا آخر للعقل اإلسالمي "فإنو‬
‫ىي يف األساس ذبربة ذاتية تعرب عنو شخصيًّا‪ ،‬فلو افًتضنا ً‬
‫عقال يف الواقع‪ ،‬وإظلا ضلدد‬
‫مغايرا ابلضرورة‪ ،‬والسبب أننا ال ضلدد ً‬
‫عقال إسالميًّا ً‬
‫سيحدد لنا ً‬
‫ذواتنا من خالؿ اخلطاب الذي ندرسو"(ٕ)‪ ،‬مث إننا عندما نستخدـ مصطلح (العقل‬
‫اإلسالمي) نغفل دور اخلطاب‪ ،‬والنص يف إنتاج ادلعٌت‪ ،‬وتشكيل احلقيقة‪ .‬أضف إذل ذلك‬
‫وحرمنا‬
‫سياجا دوغمائيًّا حوؿ أنفسنا‪ُ ،‬‬
‫أننا عندما نتحدث عن عقل إسالمي نكوف قد أقمنا ً‬
‫من التعرؼ على أوجو االتفاؽ واالختالؼ‪ ،‬أو الشبو بُت ىذا العقل الذي نتحدث عنو‪،‬‬
‫والعقوؿ األخرى‪ ،‬وهبذا نقع يف احملذور الذي طادلا حذران منو أركوف من االنكفاء على‬
‫الذات‪ ،‬وعدـ اإلفادة من ذبارب الغَت‪.‬‬
‫عندما يتعامل أركوف مع النصوص ادل َش ِّكلة للثقافة اإلسالمية يكوف التعامل مع‬
‫ُ‬
‫كينونة النص‪ ،‬ووقائعية اخلطاب‪ ،‬بعكس العقل الذي يوحي ‪-‬كما قلنا‪ -‬بكياف ما ورائي‪،‬‬
‫فمن األوذل إذف أف يوضع مشروع أركوف ضمن نقد النص‪ ،‬وليس نقد العقل؛ ألف نقد العقل‬
‫يقع من جهة "األان ادلتعالية والكليات ادلطلقة‪ ،‬أو الثوابت ادلاورائية الالىوتية‪ ،‬يف حُت أف‬
‫نقد النص يتعلق ابدلشروط واحملايث والنسيب والتارؼلي‪ .‬األوؿ يبحث عن القبليات احملضة‬
‫اليت تتأسس عليها كل ذبربة شلكنة؛ يف حُت أف الثاين يكشف عن القبلية التارؼلية اليت‬

‫(ٔ) حرب‪ ،‬علي‪ٜٜٔ٘( ،‬ـ)‪« ،‬ادلمنوع وادلمتنع‪ .‬نقد الذات ادلفكرة»‪ ،‬طٔ‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪ ،‬ص‪.ٕٜٔ‬‬
‫(ٕ) الفجاري‪« ،‬نقد العقل اإلسالمي عند دمحم أركون»‪ ،‬صٕٔٔ‪.‬‬

‫‪020‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫ربجب كل أتسيس"(ٔ)‪ .‬يف نقد العقل يهدر فعل الكالـ‪ ،‬ويكوف الًتكيز على الكليات‬
‫منفصال عن‬
‫ً‬ ‫اان‬ ‫ِ‬
‫ادلؤسسة واحلقائق ادلتعالية‪ ،‬ويف نقد النص يتم التعامل مع اخلطاب بوصفو كي ً‬
‫ّ‬
‫ادلؤلف‪ ،‬ومن حق القارئ أف يؤولو ويفسره‪ ،‬بل ويفككو ابعتباره حقًّا لو‪.‬‬
‫ادلالحظ أف أركوف يف نقده للعقل اإلسالمي دل ينقد العقل بصفتو ملكة قادرة على‬
‫التفكَت‪ ،‬وىذا قد حرمو من احلديث عما قدمو العرب وادلسلموف من خدمة جليلة هبذا‬
‫الشأف‪ ،‬وليس أدؿ على ذلك من اعتداد ادلعتزلة بو‪ ،‬والذين طادلا أشاد أركوف هبم‪ ،‬وإظلا نقد‬
‫رلاال‬
‫آليات الثقافة اإلسالمية‪ ،‬كما أننا ال نعرؼ دلاذا دل يفرد أركوف يف حديثو عن نقد العقل ً‬
‫للحديث عن العقل يف القرآف مع أف ادلوضوع لصيق بو‪ ،‬كما أف القرآف قد أعطى أعلية كربى‬
‫للعقل‪ ،‬وعندما أشار إذل العقل يف القرآف الكرًن‪ ،‬فإنو قد تناولو من ادلنطلق األرسطي ابعتباره‬
‫نصا يعتمد على الرمز واخلياؿ والقصص األسطورية‪ ،‬وىذا يؤكد على أنو ينطلق من مواقف‬ ‫ًّ‬
‫انتقائية أيديولوجية‪.‬‬
‫كثَتا ما ربدث أركوف أف مشروعو يف نقد العقل اإلسالمي يشتمل على كل الفكر‬
‫ً‬
‫اإلسال مي سواء ادلكتوب أو الشفوي أو حىت ادلعاش‪ ،‬وىذا نوع من الشطط‪ ،‬واالعتداد‬
‫ابلنفس‪ ،‬والتعارل الذي ال ؽلكن أف يفي بو أي مفكر أو انقد‪ ،‬فكيف لرجل‪ ،‬مهما أويت من‬
‫قدرة أف يقوـ بعمل ػلتاج إذل علم أمة أبسرىا‪ ،‬مث إنو يقوؿ إنو سيواجو كل الًتاث إلحداث‬
‫تغيَت جذري وكلي فيو‪ ،‬وىذه مغالطة؛ "إذ ىي تقفز فوؽ الوقائع وتطمس احلقائق‪ ،‬فال‬
‫وجود لتغيَت جذري‪ ،‬أو ال انقطاع إال يف أذىاف ادلثقفُت احلادلُت‪ ،‬وذلذا فإف زلاوالت التغيَت‬
‫الشامل تئوؿ إذل الفشل واإلحباط‪ ،‬أو تًتجم مشاريع استبدادية كالمية‪ ،‬بل ىي تسهم يف‬
‫إعادة إنتاج ما يراد تغيَته من األظلاط والبٌت وادلمارسات والتقاليد البالية أو العقيمة"(ٕ)‪ .‬وقد‬
‫اعًتؼ أركوف بعد سنوات عديدة من ادلمارسة‪ ،‬والنقد الشامل للًتاث ابإلخفاؽ واإلحباط‪،‬‬

‫(ٔ) حرب‪« ،‬ادلمنوع وادلمتنع»‪ ،‬ص‪.٘ٚ‬‬


‫(ٕ) ادلرجع نفسو‪ ،‬صٕ‪.ٙ‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫جاىزا‪،‬‬
‫فعندما طُلب منو البديل قاؿ‪" :‬ال يطلنب أحد مٍت البديل مسب ًقا‪ ،‬فالبديل ليس ً‬
‫البديل يتولد من خالؿ العمل‪ ،‬من خالؿ الصراع‪ ،‬من خالؿ التفاعل مع ما ىو موجود"(ٔ)‪.‬‬
‫متجاوزا التأويل‪،‬‬
‫ً‬ ‫لقد اعتمد أركوف يف نقده للعقل اإلسالمي على آلية التفكيك‬
‫ويف التفكيك يُغض الطرؼ عن ادلؤلف‪ ،‬ومراده من النص‪ ،‬وإظلا تكوف ادلواجهة مباشرة مع‬
‫النص ابعتباره واقعة خطابية تُواجو من أجل إعادة إنتاج ادلعٌت من جديد‪ ،‬ومن مث يكوف‬
‫الًتكيز يف التفكيك على ما يسكت عنو ادلؤلف‪ ،‬ويضمره‪ ،‬وىذا مدار حديث أركوف عن‬
‫الالمفكر فيو‪ ،‬وادلستحيل التفكَت فيو‪ ،‬وادلمنوع التفكَت فيو‪ ،‬واستخداـ ىذه اآللية يف إعادة‬
‫إنتاج ادلعٌت تعٍت "رفض التقاليد‪ ،‬رفض القراءات ادلعتمدة‪ ،‬رفض النظاـ والسلطة من انحية‬
‫ادلبدأ"(ٕ) ‪ ،‬فهو مشروع يرى أنو ليس ىناؾ حقيقة متعالية‪ ،‬أو فكرة مقدسة‪ ،‬فكل حقيقة‬
‫معرضة للنقد‪ ،‬وىذا النقد عرضة للنقد‪ ،‬وىكذا دواليك‪ ،‬إهنا "تعطل وتعلق كل ما أنخذه‬
‫قضية مسلمة هبا يف كل اللغة‪ ،‬ويف ذبربة التواصل اإلنساين واحتماالهتا ادلعتادة"(ٖ)‪.‬‬
‫التفكيكية ادلعاصرة‪ ،‬ابعتبارىا صيغة لنظرية النص والتحليل‪" ،‬زبرب ‪ ...‬كل شيء يف‬
‫التقاليد تقريبًا‪ ،‬وتشكك يف األفكار ادلوروثة عن العالمة‪ ،‬واللغة‪ ،‬والنص‪ ،‬والسياؽ‪ ،‬وادلؤلف‪،‬‬
‫والقارئ‪ ،‬ودور التاريخ‪ ،‬وعملية التفسَت‪ ،‬وأشكاؿ الكتابة النقدية‪ ،‬ويف ىذا ادلشروع فإف‬
‫ادلادي ينهار ليخرج شيء فظيع"(ٗ)‪.‬‬

‫(ٔ) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬صٖ‪.ٕٜ‬‬


‫(ٕ) محودة‪ ،‬عبد العزيز‪ ،‬إبريل ‪ٜٜٔٛ‬ـ‪« ،‬ادلرااي احملدبة من البنيوية إل التفكيك»‪ ،‬سلسلة عادل ادلعرفة‪ ،‬ص‪ ،ٕٙٚ‬وانظر‪:‬‬
‫سلدف‪ ،‬راماف‪ٜٜٔٛ( ،‬ـ)‪« ،‬النظرية األدبية ادلعاصرة»‪ ،‬ترمجة‪ :‬جابر عصفور‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار قباء للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬صٕٔٔ‪ ،‬ورونس‪ ،‬ىنري‪ .‬كريسطيفا‪ ،‬جوليا‪ .‬سكاربتيا‪ ،‬جييب‪ .‬ىودبُت‪ ،‬جاف لوي‪ٜٜٕٔ( ،‬ـ)‪« ،‬مواقع‬
‫حوارات مع جاك دريدا»‪ ،‬ترمجة وتقدًن‪ :‬فريد الزاىي‪ ،‬طػٔ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬دار توبقاؿ للنشر‪ ،‬صٖ٘ٔ‪.‬‬
‫(ٖ) نوريس‪ ،‬كريستوفر‪ٔٗٔٓ( ،‬ىػ‪ٜٜٔٛ/‬ـ)‪« ،‬التفكيكية‪ ،‬النظرية وادلمارسة»‪ ،‬ترمجة د‪.‬صربي دمحم حسن‪ ،‬الرًّيض‪ ،‬دار‬
‫ادلريخ للنشر‪ ،‬صٗٔ‪ ،‬وأصللتوف‪ ،‬تَتي‪ٜٜٔ٘( ،‬ـ)‪« ،‬نظرية األدب»‪ ،‬ترمجة‪ :‬اثئر ديب‪ ،‬سورية‪ ،‬منشورات وزارة‬
‫الثقافة‪ ،‬صٖٕ٘‪.‬‬
‫(ٗ) محودة‪« ،‬ادلرااي احملدبة»‪ ،‬صٕٗ٘‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫وليس معٌت ذلك أننا ننكر التفكيك كمنهج من مناىج النقد‪ .‬ابلعكس للتفكيك‬
‫ميزات كثَتة‪ ،‬فبو ؽلكن فتح أبواب موصدة كثَتة‪ ،‬والكشف عن حقائق مبهمة‪ ،‬ومعارؼ‬
‫مطموسة‪ ،‬وبو ؽلكن إحداث التواصل بُت األمم والشعوب طادلا أف التعامل على أساس‬
‫يدا عن األيدولوجيات واألعراؽ‪ ،‬وكل النصوص‪ ،‬بناء على ذلك‪ ،‬تكوف ذلا أعليتها‬ ‫النص بع ً‬
‫ومكانتها ادلعرفية‪ ،‬ومن مث يكوف األمر مرتبطًا دبناىج كل قراءة وآليتها‪ ،‬وكأننا نفكك آلية‬
‫التفكَت‪ ،‬فتكوف األولوية "للطريقة اليت يدير هبا ادلرء أفكاره‪ ،‬ويستأثر ابالىتماـ ظلط العالقة‬
‫اليت يقيمها بينو وبُت نفسو‪ ،‬وذلك بقصد نقد زلاوالت التمركز على الذات أو التمًتس وراء‬
‫األفكار أو تقديس ادلقوالت"(ٔ)‪.‬‬
‫ضخما‪ ،‬فهو مطلع جيد‬
‫ً‬ ‫حشدا منهجيًّا وفلسفيًّا غربيًا‬
‫ادلالحظ أف أركوف قدـ لنا ً‬
‫على أحدث ما توصل إليو الغرب من مناىج وأدوات نقدية‪ ،‬ولكن ىذه ادلناىج مقتطعة من‬
‫سباما‪ ،‬مع أف الظروؼ غَت‬
‫سياؽ معريف وحضاري ليعاد تدويرىا يف سياؽ حضاري سلتلف ً‬
‫أسَتا ذلذه ادلناىج ربركو وال ػلركها‪ ،‬وتوجهو وال‬
‫الظروؼ‪ ،‬ولذلك وجدانه يف معظم األحياف ً‬
‫يوجهها‪ ،‬وأتمره وال أتسبر أبمره؛ وابلتارل فقد جٌت على كثَت شلا انتقده من تراثو‪ ،‬أو من العقل‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫وليس معٌت ذلك أننا ننكر ما قدمو الغرب للبشرية واحلضارة من معرفة جديرة‬
‫ابلنظر واالىتماـ‪ ،‬بل إننا نؤكد على أف ىذه ىي واحدة من أكرب ميزات أركوف‪ ،‬ولكن غلب‬
‫أف نتعلم مناىج الغرب "لكي نعرؼ كيف نتحرر من سلطاهنم أف نستدخل أعماذلم لكي‬
‫ننجح يف اخل روج عليها‪ .‬أف نفكر بواسطتهم لكي نعيد التفكَت على ضلو غلدد الفكر‬
‫والفلسفة"(ٕ)‪ ،‬ولكن أف نظل أسراء لكل ما يقدمونو من مناىج وأفكار‪ ،‬فهذا ىو اإلشكاؿ‪.‬‬
‫مهما وضلن يف حاجة‬
‫مث إننا نؤكد أبنو إذا كانت اإلفادة من ادلناىج الغربية واحلداثية ًّ‬

‫(ٔ) حرب‪« ،‬ادلمنوع وادلمتنع»‪ ،‬ص‪.ٕٙ‬‬


‫(ٕ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.ٗٛ‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫إليو‪ ،‬فإف االتكاء على ىذه ادلناىج والركوف إليها ال يكفي حىت تكوف القراءة علمية ومنتجة‪،‬‬
‫"فالقراءة العلمية أو ادلبدعة أو الناضجة ىي اليت تثبت جدارهتا‪ ،‬أي ىي اليت تنطوي على‬
‫وجو برىاين ؽلنحها مصداقيتها"(ٔ)‪.‬‬
‫حديث أركوف ادلتفاخر ابإلسالميات التطبيقية اليت وضعها يف مقابل اإلسالميات‬
‫الكالسيكية اعتمدت على التنظَت أكثر من اعتمادىا على التطبيق‪ ،‬ودلا جلأ إذل التطبيق صلده‬
‫قد انطلق من "نصوص سلتارة"(ٕ)‪ ،‬وىذه االنتقائية تؤكد لنا أنو قد واجو العقل اإلسالمي‬
‫وىو مشحوف خبلفية أيديولوجية والىوتية مسبقة‪.‬‬
‫متخيال أنو بذلك‬
‫ً‬ ‫اعتمد أركوف آلية الشك يف كل شيء‪ ،‬حىت على النص القرآين‪،‬‬
‫ؽلكنو أف يكتشف رلهولو‪ ،‬ويسرب أغواره‪ ،‬ويتعرؼ على مكنوانتو؛ ولكنو ‪-‬ومع استمرار‬
‫تطبيق ىذه اآللية‪ -‬قد حوذلا إذل يقُت‪ ،‬فنزع القداسة عن القرآف الكرًن‪ ،‬مع أف آلية الشك‬
‫تنفع يف رلاؿ الظواىر‪ ،‬أما "اآلًّيت القرآنية اليت ىي ليست من ىذا اجملاؿ‪ ،‬وإظلا من رلاؿ‬
‫القيم‪ ،‬فال ينفع يف الوصوؿ إذل احلقيقة بشأهنا إال سلوؾ طريق يضاد طريق الشك‪ ،‬وغٍت عن‬
‫البياف أنو ىو طريق اإلؽلاف واليقُت"(ٖ)‪ ،‬فلما فعل دل يصل إذل شيء ذا ابؿ‪.‬‬
‫ػ انطلق أركون من مسلمات خاطًة‪ ،‬فكانت الكثًن من النتائج ادلرتتبة عليها‬
‫خاطًة ابلضرورة؛ ومنها‪:‬‬
‫أ (العقل يعقل كل شيء)‪:‬‬
‫وىي مسلمة خاطئة؛ ألنو ال يستطيع أف يعقل نفسو‪ ،‬مع أنو شيء من األشياء؛‬
‫ألف "األصل يف الوسيلة أف تكوف أقوى من ادلتوسل إليو‪ ،‬فنحتاج إذف يف عقل العقل‪ ،‬إذل‬
‫عقل أقوى منو‪ ،‬وحىت نعقل ىذا العقل الثاين ضلتاج إذل عقل فوقو‪ ،‬فنقع يف التسلسل إذل ما‬

‫(ٔ) حرب‪ ،‬علي‪« ،)ٕٓٓ٘( ،‬نقد النص»‪ ،‬طػٗ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬ادلركز الثقايف ادلصري‪ ،‬صٖ‪.ٛ‬‬
‫(ٕ) أركوف‪« ،‬الفكر األصويل‪ ،‬واستحالة التَصيل»‪ ،‬ص‪.ٚٙ‬‬
‫(ٖ) عبد الرمحن‪ ،‬د‪ .‬طو‪ٕٓٓٙ( ،‬ـ)‪« ،‬روح احلداثة‪ ،‬ادلدخل إل أتسيس احلداثة اإلسالمية»‪ ،‬طٔ‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫ادلغرب‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪ ،‬صٕ‪.ٜٔ‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫ال هناية"(ٔ) ‪ ،‬مث إف العقل لو حدود‪ ،‬فهو دبثابة ميزاف الذىب‪ ،‬الذي يزف ابجلراـ فما دونو‪،‬‬
‫صخورا فقد ظلمو‪ ،‬ودلا كاف جزءًا من الكل فكيف بو أف ػليط ابلكل‬
‫ً‬ ‫فمن راـ أف يزف بو‬
‫الذي ىو جزء منو؟‬
‫ب (حتكيم ادلاضي يف احلاضر ظلم للحاضر وحتقًن للعقل)‪:‬‬
‫وبناء على ذلك يرى أف الذي يرجع إذل ماضيو وتراثو‪ ،‬فإنو يقيس حاضره مع‬
‫اختالؼ الظروؼ التارؼلية والثقافية ٍ‬
‫دباض سلتلف بارؼليًّا وثقافيًّا‪ ،‬ولذلك وجد اخلالص يف‬
‫القوؿ ابلتارؼلية‪ ،‬مع أنو لو أمعن النظر فسيجد أف من سبل وصوؿ العقل إذل ادلعرفة ىو أف‬
‫أبدا ظلاذج سالفة يرجع إليها يف ربصيل‬
‫دائما و ً‬
‫يتمثل ماضيو وأيخذ منو‪ ،‬فالفكر "يعتمد ً‬
‫ادلعرفة وتبليغها‪ ،‬أو قل إف الفكر ال يستقيم إال ابالرتكاز على ما سلف من ظلاذج‬
‫ادلعرفة"(ٕ) ‪ .‬مث إنو يقع يف مغالطة شديدة‪ ،‬فهو قد توسل دبناىج غربية ىي يف أغلبها مناىج‬
‫عقلية رلردة‪ ،‬يريد تطبيقها على تراث يشتمل على جوانب نظرية وعملية‪ ،‬كما ىو معروؼ‪،‬‬
‫واستخداـ ىذه اآللية لن يؤدي إال إذل أمرين‪" :‬إما إذل استبعاد أجزاء من الًتاث حبجة ضآلة‬
‫درجتها من العقالنية‪ ،‬أو انعدامها منها‪ ،‬وإما إذل محل أجزاء منو على وجوه من التأويل‬
‫تفصلها عن بقية األجزاء األخرى"(ٖ)‪ ،‬وىذا ما حدث‪.‬‬
‫ج (كل شيء يقبل النقد)‪:‬‬
‫وىذه ادلسلمة تنطوي على فرضيتُت فاسدتُت‪" :‬أف النقد ىو الطريق الوحيد الذي‬
‫يوصل إذل احلق يف كل شيء‪ ،‬والصواب أف طرؽ ادلعرفة ال تنحصر يف النقد‪ ،‬فنقيضو ىو‬
‫(اخلََرب) ىو واحد من ىذه الطرؽ"(ٗ)‪ ،‬واألخبار ‪-‬كما ىو معلوـ‪ -‬درجات أعالىا ىي اليت‬
‫بعيدا عن النقد‪.‬‬
‫توصل إذل عُت اليقُت‪ ،‬كل ذلك ً‬

‫(ٔ) ادلرجع نفسو‪ ،‬صٖٗ‪.‬‬


‫(ٕ) عبد الرمحن‪ ،‬د‪ .‬طو‪ٕٜٓٓ( ،‬ـ)‪« ،‬العمل الديين‪ ،‬وجتديد العقل»‪ ،‬طٗ‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪ ،‬صٓ‪.ٚ‬‬
‫(ٖ) عبد الرمحن‪ ،‬د‪ .‬طو‪ٕٓٓٚ( ،‬ـ)‪« ،‬جتديد ادلنهج يف تقومي الرتاث»‪ ،‬طٖ‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪ ،‬ص‪.ٕٙ‬‬
‫(ٗ) عبد الرمحن‪ ،‬روح احلداثة‪ ،‬ص٘ٗ‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫واالفًتاض الثاين ادلستشف من ىذه الفرضية‪ ،‬أف كل األشياء ظواىر ؽلكن نقدىا‬
‫مع أف من األشياء ما ليس بظواىر "كالقيم الروحية‪ ،‬وادلثل العليا‪ ،‬فهذه ال ينفع يف معرفتها‬
‫التشكيك فيها‪ ،‬وإظلا الذي ينفع فيها ىو الثقة هبا‪ ،‬والعمل على وفقها"(ٔ)‪.‬‬

‫د (الشافعي جىن على اًلجتهاد)‪:‬‬


‫فقد ذكران أنو قد أرجع نشأة العقل الكالسيكي اإلسالمي إذل الشافعي واهتمو‬
‫بتكبيل العقل بقضائو على االجتهاد(ٕ)‪ ،‬وىو قوؿ ؼلالف ما كاف عليو الرجل‪ ،‬فمن ادلعلوـ‬
‫أف الشافعي عندما جاء إذل مصر كاف لو إبداع دلذىب جديد ؼلالف مذىبو يف العراؽ‪ ،‬ففي‬
‫مصر "أعاد النظر يف كتبو‪ ،‬ويف آرائو‪ ،‬ويف مذىبو‪ ،‬فغَت وبدؿ‪ ،‬ووضع كتبو اجلديدة"(ٖ)؛‬
‫ولذلك كاف يُ َس َّمى مذىب الشافعي يف بغداد ابلقدًن‪ ،‬ومذىبو يف مصر ابجلديد‪ ،‬حيث‬
‫ألف كتبو دبا انتهى إليو اجتهاده‪ .‬مث من ذا الذي يستطيع أف يتجاىل داللة شعار الشافعي‪:‬‬
‫"مذىيب صواب ػلتمل اخلطأ‪ ،‬ومذىب غَتي خطأ ػلتمل الصواب ‪...‬؟! داللتو يف التأسيس‬
‫والتقعيد للتعددية الفكرية‪ ،‬والفقهية‪ ،‬وادلذىبية‪ ،‬والشرعية ومشروعية التنوع يف‬
‫االجتهادات!"(ٗ) ‪ .‬والغريب حبق أنو يعيب على الرجل ويتهمو إبلغاء العقل‪ ،‬واالقتصار على‬

‫(ٔ) ادلرجع نفسو‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬


‫(ٕ) ليس أركوف فقط من يرمي الشافعي هبذه التهمة‪ ،‬بل إف أغلب‪ ،‬إف دل يكن كل أرابب الفكر ادلعاصر‪ ،‬يذىبوف ىذا‬
‫ادلذىب‪ ،‬انظر على سبيل ادلثاؿ‪ :‬أبو زيد‪ ،‬نصر حامد‪ٜٜٔ٘( ،‬ـ)‪« ،‬النص‪ ،‬السلطة‪ ،‬احلقيقة‪ ،‬الفكر الديين بٌن‬
‫إرادة ادلعرفة‪ ،‬وإرادة اذليمنة»‪ ،‬طػٔ‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪ ،‬ص‪ ،٘ٚ‬واجلابري‪« ،‬بنية العقل العريب»‪ ،‬صٓٔٔ‪،‬‬
‫ٔٔٔ‪ ،‬وأبو زيد‪ ،‬نصر حامد‪ٜٜٔٙ( ،‬ـ)‪« ،‬اإلمام الشافعي وأتسيس األيديولوجية الوسطية»‪ ،‬طػٕ‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫مكتبة مدبورل‪ ،‬صٗ٘‪ ،‬وتيزيٍت‪ ،‬طيب‪ٜٜٔٚ( ،‬ـ)‪« ،‬النص القرآين أمام إشكالية البنية والقراءة»‪ ،‬دار الينابيع‪،‬‬
‫ص‪ ،ٔٗٚ‬واجلابري‪« ،‬تكوين العقل العريب»‪ ،‬ص‪ ،ٔٓٙ‬وعبد الرمحن‪ ،‬عبد اذلادي‪ٜٜٔٛ( ،‬ـ)‪« ،‬سلطة النص‪،‬‬
‫قراءات يف توظيف النص الديين»‪ ،‬طػٔ‪ ،‬سينا للنشر‪ ،‬مؤسسة االنتشار العريب‪ ،‬صٖ٘ٓ‪.‬‬
‫(ٖ) أبو زىرة‪ ،‬اإلماـ دمحم‪« ،)ٜٔٛٚ( ،‬الشافعي‪ ،‬حياتو وعصره‪ ،‬وآراؤه وفقهو»‪ ،‬طػٕ‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬ص‪.ٔ٘ٛ‬‬
‫(ٗ) عمارة‪ ،‬د‪ .‬دمحم‪ٕٕٔٗ( ،‬ىػ‪ٕٕٓٓ/‬ـ)‪« ،‬التفسًن ادلاركسي لإلسالم»‪ ،‬طػٕ‪ ،‬دار الشروؽ‪ ،‬صٖ‪.ٜ‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫النص‪ ،‬مع أف الشافعي رمحو هللا قد قاؿ ابلقياس‪ ،‬والقياس ‪-‬كما يقوؿ د‪ .‬نصر أبو زيد‪-‬‬
‫"ىو األداة اليت يستطيع هبا العقل اإلنساين تطوير داللة ىذه النصوص لتالئم متغَتات الزماف‬
‫وادلكاف يف رلاؿ األحكاـ الشرعية‪ ،‬وىي األداة اليت يقوـ هبا التأويل يف اجلوانب األخرى‬
‫للنصوص الدينية"(ٔ)‪.‬‬
‫أيضا سيد القمٍت يشيد ابجتهادات الشافعي؛ ففي معرض رده على الشيخ‬ ‫وىذا ً‬
‫إمساعيل حبلوش عندما تصدى ىذا األخَت للرد على الدكتورة آمنة نصَت‪ ،‬عميدة كلية‬
‫الدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة األزىر‪ ،‬عندما طعنت يف حديث البخاري "ادلرأة انقصة عقل‬
‫(ٕ)‬
‫فقيها كالشافعي ينتقل فقط عرب ادلكاف‪ ،‬وليس الزماف‪ ،‬من‬
‫"أبدا دل ير الرجل ً‬
‫ودين" بقولو‪ً :‬‬
‫رلتمعا مباينًا‪ ،‬وادلصاحل فيو زبتلف عن ادلصاحل يف العراؽ‪ ،‬فيغَت من‬
‫العراؽ إذل مصر‪ ،‬فَتى ً‬
‫فهمو‪ ،‬وفتواه"(ٖ) ‪ .‬وما قيل عن الشافعي يقاؿ عن قضية خلق القرآف اليت قاؿ هبا ادلعتزلة؛‬
‫فإهنم ما قالوا هبا إال لتقديس النص‪ ،‬وليس لنزع القداسة عنو‪.‬‬
‫أكد أركوف يف أكثر من موضع أف مشروعو يشتمل على نقد العقل‪ًّ ،‬أًّي كاف ىذا‬
‫مسلما أـ غَت مسلم‪ ،‬وخبصوص العقل ادلسلم سينتقد كل العقوؿ سواء‬ ‫العقل‪ ،‬سواء أكاف ً‬
‫أكانت سنية‪ ،‬أو شيعية‪ ،‬أو خارجية‪ ،‬أو ‪ ،..‬ولكن احلقيقة اليت ال مراء فيها أنو قد خالف‬
‫دعواه تلك‪ ،‬فقد اقتصر نقده على العقل السٍت دوف سواه‪ ،‬ودل يتعرض لباقي العقوؿ إال ما‬

‫(ٔ) أبو زيد‪ ،‬نصر حامد‪ٕٓٓ٘( ،‬ـ)‪« ،‬إشكاليات القراءة وآليات التَويل»‪ ،‬طػ‪ ،ٚ‬الدار البيضاء‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬ادلركز الثقايف‬
‫العريب‪ ،‬صػٕٗٓ‪.‬‬
‫(ٕ) احلديث رواه البخاري‪ ،‬يف ابب ترؾ احلائض الصوـ‪ ،‬رقم ٖٗٓ‪ ،‬وابب الزكاة على األقارب‪ ،‬رقم ٕ‪ ،ٔٗٙ‬وفيو عن أيب‬
‫سعيد اخلدري قاؿ‪ :‬خرج رسوؿ هللا ‪ ‬يف أضحى أو فطر إذل ادلصلي‪ ،‬فمر على النساء‪ ،‬فقاؿ‪« :‬اي معشر النساء‪،‬‬
‫تصدقن فإين رأيتكن أكثر أىل النار»‪ ،‬فقلن‪ :‬ومب ًّي رسوؿ هللا؟ قاؿ‪« :‬تكثرن اللعن‪ ،‬وتكفرن العشًن‪ ،‬ما رأيت‬
‫من انقصات وعقل ودين أذىب للب الرجل احلازم من إحداكن»‪ ،‬وقلن‪ :‬وما نقصاف ديننا وعقلنا ًّي رسوؿ هللا؟‬
‫قاؿ‪« :‬أليس شهادة ادلرأة مثل نصف شهادة الرجل؟!»‪ ،‬قلن‪ :‬بلى‪ ،‬قاؿ‪« :‬فذلكن من نقصان عقلها‪ ،‬أليس إذا‬
‫حاضت مل تصل ومل تصم»‪ ،‬قلن‪ :‬بلى‪ ،‬قاؿ‪« :‬فذلك من نقصان دينها»‪.‬‬
‫(ٖ) القمٍت‪ ،‬سيد‪ٜٜٜٔ( ،‬ـ)‪« ،‬الفاشيون والوطن»‪ ،‬طػٔ‪ ،‬ادلركز ادلصري لبحوث احلضارة (ربت التأسيس)‪ ،‬صٕٗٔ‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫ندر‪ ،‬بل إنو دلا تعرض ذلا فمن أجل استخدامها كأدوات فاعلة يف نقد العقل السٍت‪ .‬ومن‬
‫ذلك دعوتو ادلسلمُت إذل العودة إذل تراثهم‪ ،‬ادلتمثل يف تراث ادلعتزلة‪ ،‬ليقرءوه من جديد؛ ألنو‬
‫معوال قوًًّّي ؽلكننا بو القضاء على صرح السلفيُت‪ ،‬أفضل من احلديث عن نظرًّيت غربية‪،‬‬ ‫ؽلثل ً‬
‫ال ؽلكن أف ربقق ذلك الغرض‪ ،‬فػ ػػ"ال ؽلكنك أف تدحض كالـ السلفيُت ادلعاصرين‬
‫ابلنظرًّيت الفلسفية الغربية‪ .‬ؽلكنك أف تدحضو بكالـ الشق الثاين من الًتاث اإلسالمي‬
‫ذاتو‪ ،‬ىذا الشق الذي بًت وحذؼ منو أكثر من عشرة قروف حبد السيف"(ٔ)‪.‬‬
‫وىذا غلعلنا نشكك يف الغرض من ىذا ادلشروع الكبَت‪ ،‬وأنو وإف كاف أيخذ طابع‬
‫التعميم فهو يف واقع األمر مقتصر على فرع واحد من فروع الًتاث اإلسالمي‪ ،‬فوقع فيما‬
‫أيضا يسكنو عقل دوغمائي أرثوذكسي سكوالئي‪.‬‬
‫حذر منو سواه‪ .‬ومن مث ؽلكننا القوؿ أبنو ً‬
‫على الرغم من تنظَتات أركوف الكثَتة أنو سيفكك وػللل‪ ،‬وػلفر أركيولوجيًّا‪،‬‬
‫ويقتحم الالمفكر فيو‪ ،‬و‪ ...‬إال أنو يف تعاملو مع القرآف الكرًن كاف ؼلطو ببطء شديد‪،‬‬
‫وحذر كبَت‪ ،‬فلم يستطع أف يسلك الطريق إذل هنايتو‪ ،‬أو يطبق ادلناىج اليت تسلح هبا عليو‪،‬‬
‫ولعل ذلك يرجع إذل إؽلانو خبطورة ما ىو مقدـ عليو‪ ،‬فالنص شديد اخلصوصية‪ ،‬سواء يف‬
‫داخلو‪ ،‬أو على ادلؤمنُت بو‪ ،‬وىو يبصر ما تعرض لو من سلكوا ىذا السبيل من مواجهة‬
‫عاتية‪ ،‬وقد ذكر ذلك يف أكثر من موضع سواء يف كتاابتو أو حواراتو‪ ،‬ولذلك ؼلرج بنتيجة‬
‫حامسة وىي‪" :‬يف اللحظة الراىنة لإلسالـ ادلعاصر إنو من ادلستحيل عمليًّا فتح مناقشة للنقد‬
‫التارؼلي أو حىت مناقشة أتويلية (‪ )herméneutique‬خبصوص القرآف"(ٕ)‪ ،‬وإظلا توقفت‬
‫جرأتو فقط على رلرد "القراءة اللسانية والسيميائية للنص دبا ىو معطى لغوًًّّي‪ ،‬مادتو لغة‬
‫بارؼلية قابلة للقراءة أبدوات التحليل اللغوي"(ٖ)‪.‬‬
‫ولكن ال بد من االنتباه أنو قد استخدـ عبارة (يف اللحظة الراىنة) وكأنو يؤمل أف‬

‫(ٔ) أركوف‪« ،‬قضااي يف نقد العقل الديين»‪ ،‬ص‪.ٕٜٚ‬‬


‫(ٕ) أركوف‪« ،‬الفكر اإلسالمي قراءة علمية»‪ ،‬صٔ٘‪.ٕٖٔ ،‬‬
‫(ٖ) بلقزيز‪« ،‬نقد الرتاث»‪ ،‬ص‪.ٗٓٛ‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫متًتسا وراء حشد كبَت من ادلناىج‬


‫يُفض ىذا اخلامت وتػُْنػتَػ َهك ىذه القدسية يف ادلستقبل‪ً ،‬‬
‫واألفكار اليت يعتمد عليها كمعاوؿ ماضية إلحداث ثلمة يف ىذا اجلدار‪ ،‬فهو أشد خطورة‬
‫من الذين يتعاملوف مع القرآف بصورة تبسيطية تقوـ على استبعاده والتنكر لو(ٔ)‪ ،‬أما ىو‬
‫متسلحا دبنهجيتو ذات القدرة على احلفر والسرب أف يلج القلعة لكي يقوـ بتلغيمها‬
‫ً‬ ‫فػ ػػ"ػلاوؿ‬
‫(ٕ)‬
‫خطرا‪.‬‬
‫أو تفكيكها من الداخل" ‪ ،‬وابلتارل فمحاولتو أشد ً‬
‫وبناءً عليو فإف مشروع أركوف الكبَت ال يعدو "كونو رلرد خطط للبحث‪ ،‬أو برامج‬
‫مقًتحة ىي عبارة عن لوائح ابلعلوـ اليت ينبغي تشكيلها‪ ،‬ابلطبع على غرار العلوـ اليت‬
‫تشكلت يف الغرب"(ٖ)‪ ،‬فهو ال يبتكر بقدر ما يوظف ما وقع بُت يديو من مفاىيم‪ ،‬وىكذا‬
‫ينتهي مشروع أركوف يف نقد العقل اإلسالمي عند "منتصف الطريق‪ ،‬بل عند بدايتو‪ ،‬ليس‬
‫رلددا إذل منطقة ادلمتنع‬
‫لعجز يف الرجل وأدواتو‪ ،‬بل لوعي منو ابالستحالة‪ ،‬ليدخل ادلوضوع ً‬
‫التفكَت فيو"(ٗ)‪.‬‬

‫(ٔ) ولذلك عندما سئل نصر أبو زيد عن مشروعو يف نقد النص‪ ،‬وكيف أف أركوف كاف أكثر صراحة منو‪ ،‬ولديو القدرة‬
‫على استيعاب ادلناىج الغربية‪ ،‬قاؿ‪" :‬دمحم أركوف مستوعب ذلذه ادلناىج بشكل كفؤ‪ ،‬وىو من ىذه الناحية ادلنهجية‬
‫(معلم) الغريري‪ ،‬فهد‪ٕٕٓٔ( ،‬ـ)‪« ،‬احلوار األخًن مع نصر حامد أبو زيد»‪ ،‬طٔ‪ ،‬دار مدارؾ للنشر‪ ،‬ص‪.ٜ٘‬‬
‫(ٕ) حرب‪« ،‬ادلمنوع وادلمتنع»‪ ،‬صٕٔٔ‪.‬‬
‫(ٖ) ادلرجع نفسو‪ ،‬ص‪.ٕٔٙ‬‬
‫(ٗ) بلقزيز‪« ،‬نقد الرتاث»‪ ،‬ص‪.ٗٓٛ‬‬

‫‪021‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫اخلامتة‬
‫ػ اعتمد مشروع أركوف يف نقده للعقل اإلسالمي على مناىج مقتطعة من سياؽ‬
‫معريف سلتلف عن السياؽ اإلسالمي‪ ،‬مع عدـ مراعاة االختالؼ بُت السياقُت‪ ،‬فكانت‬
‫النتيجة أنو سلب من الًتاث اإلسالمي أفضل ما فيو من سلاطبة الوجداف والروح‪.‬‬
‫ػ اتضح شلا سبق أف أركوف قد تصدر لنقد العقل اإلسالمي وىو مشحوف خبلفية‬
‫أيديولوجية والىوتية يغلب عليها معادة العقل السٍت اإلسالمي دوف غَته‪ ،‬على الرغم من‬
‫تصرػلو بغَت ذلك‪.‬‬
‫ػ ينطلق أركوف من آلية الشك اليت تتحوؿ عنده إذل يقُت‪ ،‬وىذه اآللية وإف كانت‬
‫تتناسب مع رلاؿ الظواىر‪ ،‬فإهنا ال تتناسب مع النصوص القرآنية اليت تناسبها رلاؿ القيم‪.‬‬
‫ػ يعتمد أركوف يف نقده للعقل اإلسالمي على كثَت من ادلسلمات اخلاطئة‪ ،‬ومن مث‬
‫كانت معظم نتائجو اليت توصل إليها خاطئة ابلضرورة‪.‬‬
‫ػ يف تطبيقو آلليات التفكيك على القرآف الكرًن كاف ؼلطو ببطء شديد‪ ،‬ودل يستطع‬
‫أف يسلك الطريق إذل هنايتو‪ ،‬وإف كاف قد فتح ثلمة فيو حاوؿ غَته الولوج من خالذلا‪.‬‬
‫ػ انتهى مشروع أركوف يف نقد العقل اإلسالمي إذل رلرد خطط للبحث‪ ،‬وبرامج‬
‫مقًتحة ليس إال‪ ،‬فانتهى مشروعو‪ ،‬ابعًتافو‪ ،‬إذل اإلخفاؽ والفشل‪.‬‬

‫‪020‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫ادلصادر وادلراجع‬
‫ػ ابن تيمية‪ ،‬أمحد‪ٖٔٛٙ( ،‬ىػ)‪ ،‬الفتاوى الكربى‪ ،‬ربقيق‪ :‬حسنُت دمحم سللوؼ‪( ،‬الطبعة‬
‫األوذل)‪ ،‬بَتوت‪ ،‬دار ادلعرفة‪.‬‬
‫ػ ابن تيمية‪ ،‬أمحد‪ٔٗٓٙ( ،‬ىػ)‪ ،‬منهاج السنة النبوية‪ ،‬ربقيق‪ :‬د‪ .‬دمحم رشاد سادل‪( ،‬الطبعة‬
‫األوذل) مؤسسة قرطبة‪.‬‬
‫ػ ابن تيمية‪ ،‬أمحد‪ٔٗٔٚ( ،‬ىػ)‪ ،‬الرد على البكري (تلخيص كتاب اًلستغاثة) ربقيق‪ :‬دمحم‬
‫علي عماؿ‪( ،‬الطبعة األوذل)‪ ،‬ادلدينة ادلنورة‪ ،‬مكتبة الغرابء األثرية‪.‬‬
‫ػ ابن تيمية‪ ،‬أمحد‪ٖٔٛٙ( ،‬ىػ)‪ ،‬النبوات‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ادلطبعة السلفية‪.‬‬
‫ػ أبو زىرة‪ ،‬دمحم‪ ،)ٜٔٛٚ( ،‬الشافعي‪ ،‬حياتو وعصره‪ ،‬وآراؤه وفقهو‪( ،‬الطبعة الثانية)‪ ،‬دار‬
‫الفكر العريب‪.‬‬
‫ػ أبو زيد‪ ،‬نصر حامد (‪ٜٜٔٙ‬ـ)‪ ،‬اإلمام الشافعي وأتسيس األيديولوجية الوسطية‪،‬‬
‫(الطبعة الثانية) مكتبة مدبورل‪.‬‬
‫ػ أبو زيد‪ ،‬نصر حامد (ٕ٘ٓٓـ)‪ ،‬إشكاليات القراءة وآليات التَويل‪( ،‬الطبعة السابعة)‪،‬‬
‫ادلغرب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪.‬‬
‫ػ أبو زيد‪ ،‬نصر حامد‪ٜٜٔ٘( ،‬ـ)‪ ،‬النص‪ ،‬السلطة‪ ،‬احلقيقة‪ ،‬الفكر الديين بٌن إرادة‬
‫ادلعرفة‪ ،‬وإرادة اذليمنة‪( ،‬الطبعة األوذل) ادلركز الثقايف العريب‪.‬‬
‫ػ أركوف‪ ،‬دمحم‪ٜٜٔٛ( ،‬ـ) الفكر اإلسالمي نقد واجتهاد‪ ،‬ترمجة وتعليق‪ :‬ىاشم صاحل‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،‬ادلؤسسة الوطنية للكتاب‪.‬‬
‫ػ أركوف‪ ،‬دمحم‪ٜٜٔٙ( ،‬ـ)‪ ،‬العلمنة والدين‪ ،‬اإلسالم‪ ،‬ادلسيحية‪ ،‬الغرب‪ ،‬ترمجة‪ :‬ىاشم‬
‫صاحل‪( ،‬الطبعة الثالثة)‪ ،‬لبناف‪ ،‬بَتوت‪ ،‬دار الساقي‪.‬‬
‫ػ أركوف‪ ،‬دمحم‪ٜٜٔٙ( ،‬ـ)‪ ،‬اترخيية الفكر العريب اإلسالمي‪ ،‬ترمجة وتعليق‪ :‬ىاشم صاحل‪،‬‬
‫(الطبعة الثانية) مركز اإلظلاء القومي‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫ػ أركوف‪ ،‬دمحم‪ٜٜٜٔ( ،‬ـ)‪ ،‬الفكر األصويل واستحالة التَصيل (حنو اتريخ آخر للفكر‬
‫اإلسالمي) ترمجة وتعليق‪ :‬ىاشم صاحل‪( ،‬الطبعة األوذل)‪ ،‬لبناف‪ ،‬بَتوت‪ ،‬دار الساقي‪.‬‬
‫ػ أركوف‪ ،‬دمحم‪ٕٓٓٓ( ،‬ـ)‪ ،‬قضااي يف نقد العقل الديين‪ .‬كيف نفهم اإلسالم اليوم؟ ترمجة‬
‫وتعليق‪ :‬ىاشم صاحل‪ ،‬لبناف‪ ،‬بَتوت‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪.‬‬
‫ػ أركوف‪ ،‬دمحم‪ٕٓٓٔ( ،‬ـ)‪ ،‬اإلسالم‪ ،‬أوراب‪ ،‬الغرب‪ ،‬رىاانت ادلعىن‪ ،‬وإرادات اذليمنة‪،‬‬
‫ترمجة‪ :‬ىاشم صاحل‪( ،‬الطبعة الثانية)‪ ،‬دار الساقي‪.‬‬
‫ػ أركوف‪ ،‬دمحم‪ٕٓٓ٘( ،‬ـ)‪ ،‬القرآن من التفسًن ادلوروث إل حتليل اخلطاب الديين‪ ،‬ترمجة‬
‫وتعليق‪ :‬ىاشم صاحل‪( ،‬الطبعة الثانية)‪ ،‬بَتوت‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪.‬‬
‫ػ أركوف‪ ،‬دمحم‪ٕٜٓٓ( ،‬ـ)‪ ،‬حنو نقد العقل اإلسالمي‪ ،‬ترمجة‪ :‬ىاشم صاحل‪( ،‬الطبعة األوذل)‪،‬‬
‫لبناف‪ ،‬بَتوت‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪.‬‬
‫ػ اجلابري‪ ،‬دمحم عابد (‪ٕٜٓٓ‬ـ)‪ ،‬بنية العقل العريب‪ :‬دراسة حتليلية نقدية لنظم ادلعرفة يف‬
‫الثقافة العربية‪( ،‬الطبعة التاسعة)‪ ،‬بَتوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫ػ اجلابري‪ ،‬دمحم عابد‪ٕٜٓٓ( ،‬ـ)‪ ،‬تكوين العقل العريب‪( ،‬الطبعة العاشرة)‪ ،‬بَتوت‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫ػ الشافعي‪ٖٔ٘ٛ( ،‬ىػ‪ٜٔٗٓ/‬ـ)‪ ،‬الرسالة‪ ،‬ربقيق‪ :‬أمحد شاكر‪( ،‬الطبعة األوذل)‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫مكتبة احلليب‪.‬‬
‫ػ الغريري‪ ،‬فهد‪ٕٕٓٔ( ،‬ـ)‪ ،‬احلوار األخًن مع نصر حامد أبو زيد‪( ،‬الطبعة األوذل)‪ ،‬دار‬
‫مدارؾ للنشر‪.‬‬
‫ػ الفجاري‪ ،‬سلتار (ٕ٘ٓٓـ)‪ ،‬نقد العقل اإلسالمي عند دمحم أركون‪( ،‬الطبعة األوذل) لبناف‪،‬‬
‫بَتوت‪ ،‬دار الطليعة‪.‬‬
‫ػ القمٍت‪ ،‬سيد‪ٜٜٜٔ( ،‬ـ)‪ ،‬الفاشيون والوطن‪( ،‬الطبعة األوذل)‪ ،‬ادلركز ادلصري لبحوث‬
‫احلضارة (ربت التأسيس)‪.‬‬

‫‪022‬‬
‫العدد احلادٍ والثالثني ‪ ،‬يهاير ‪0202‬م‬ ‫جملة جامعة املديهة العاملًة (جممع)‬

‫ػ أصللتوف‪ ،‬تَتي‪ٜٜٔ٘( ،‬ـ)‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ترمجة‪ :‬اثئر ديب‪ ،‬سورية‪ ،‬منشورات وزارة‬
‫الثقافة‪.‬‬
‫ػ بلقزيز‪ ،‬عبد اإللو‪ٕٓٔٗ( ،‬ـ)‪ ،‬العرب واحلداثة (‪ )3‬نقد الرتاث‪( ،‬الطبعة األوذل)‪ ،‬لبناف‪،‬‬
‫بَتوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫ػ تيزيٍت‪ ،‬طيب‪ٜٜٔٚ( ،‬ـ)‪ ،‬النص القرآين أمام إشكالية البنية والقراءة‪ ،‬دار الينابيع‪.‬‬
‫ػ جارصلي‪ ،‬جيل جاستوف‪ٕٓٓٗ( ،‬ـ)‪ ،‬العقل‪ ،‬ترمجة‪ :‬زلمود بن مجاعة‪( ،‬الطبعة األوذل) دار‬
‫زلمود علي للنشر‪.‬‬
‫ػ حرب‪ ،‬علي (٘‪ٜٜٔ‬ـ)‪ ،‬ادلمنوع وادلمتنع‪ .‬نقد الذات ادلفكرة‪( ،‬الطبعة األوذل)‪ ،‬ادلركز‬
‫الثقايف العريب‪.‬‬
‫ػ حرب‪ ،‬علي (ٕ٘ٓٓ)‪ ،‬نقد النص‪( ،‬الطبعة الرابعة)‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬لبناف‪،‬‬
‫بَتوت‪ ،‬ادلركز الثقايف ادلصري‪.‬‬
‫ػ محودة‪ ،‬عبد العزيز‪ٜٜٔٛ( ،‬ـ)‪ ،‬ادلرااي احملدبة من البنيوية إل التفكيك‪ ،‬سلسلة عادل‬
‫ادلعرفة‪.‬‬
‫ػ رونس‪ ،‬ىنري‪ .‬كريسطيفا‪ ،‬جوليا‪ .‬سكاربتيا‪ ،‬جييب‪ .‬ىودبُت‪ ،‬جاف لوي‪ٜٜٕٔ( ،‬ـ)‪،‬‬
‫مواقع‪ .‬حوارات مع جاك دريدا‪ ،‬ترمجة وتقدًن‪ :‬فريد الزاىي‪( ،‬الطبعة األوذل)‪ ،‬ادلغرب‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬دار توبقاؿ للنشر‪.‬‬
‫ػ سلدف‪ ،‬راماف‪ٜٜٔٛ( ،‬ـ)‪ ،‬النظرية األدبية ادلعاصرة‪ ،‬ترمجة‪ :‬جابر عصفور‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار‬
‫قباء للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫ػ طرابيشي‪ ،‬جورج‪ٜٜٔٙ( ،‬ـ)‪ ،‬نقد نقد العقل العريب‪ ،‬نظرية العقل‪( ،‬الطبعة األوذل)‪،‬‬
‫لبناف‪ ،‬بَتوت‪ ،‬دار الساقي‪.‬‬
‫ػ عبد الرمحن‪ ،‬طو‪ٕٓٓٙ( ،‬ـ)‪ ،‬روح احلداثة‪ ،‬ادلدخل إل أتسيس احلداثة اإلسالمية‪،‬‬
‫(الطبعة األوذل)‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬لبناف‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪.‬‬
‫ػ عبد الرمحن‪ ،‬طو‪ٕٓٓٚ( ،‬ـ)‪ ،‬جتديد ادلنهج يف تقومي الرتاث‪( ،‬الطبعة الثالثة)‪ ،‬ادلغرب‪،‬‬
‫‪022‬‬
‫د‪ /‬علٌ عبد الفتاح حممد عبده‬ ‫نقد العقل اإلسالمٌ عهد حممد أركىن بهًة وتفكًكًا‬

‫ادلركز الثقايف العريب‪.‬‬


‫ػ عبد الرمحن‪ ،‬طو‪ٕٜٓٓ( ،‬ـ)‪ ،‬العمل الديين‪ ،‬وجتديد العقل‪( ،‬الطبعة الرابعة)‪ ،‬ادلغرب‪،‬‬
‫ادلركز الثقايف العريب‪.‬‬
‫ػ عبد الرمحن‪ ،‬عبد اذلادي‪ٜٜٔٛ( ،‬ـ)‪ ،‬سلطة النص‪ ،‬قراءات يف توظيف النص الديين‪،‬‬
‫(الطبعة األوذل) سينا للنشر‪ ،‬مؤسسة االنتشار العريب‪.‬‬
‫ػ عمارة‪ ،‬دمحم‪ٕٕٔٗ( ،‬ىػ‪ٕٕٓٓ/‬ـ)‪ ،‬التفسًن ادلاركسي لإلسالم‪( ،‬الطبعة الثانية) دار‬
‫الشروؽ‪.‬‬
‫ػ غليوف‪ ،‬برىاف‪ٕٓٓٙ( ،‬ـ)‪ ،‬اغتيال العقل‪ .‬زلنة الثقافة العربية بٌن السلفية والتبعية‪،‬‬
‫(الطبعة الرابعة)‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ادلركز الثقايف العريب‪.‬‬
‫ػ كرـ‪ ،‬يوسف (ٕٗٔٓـ)‪ ،‬العقل والوجود‪ ،‬مؤسسة اذلنداوي للتعليم والثقافة‪.‬‬
‫ػ مرشو‪ ،‬غريغوار منصور‪ ،‬وابتشيكو‪ ،‬خواف أنطونيو (ٕٕٔٓـ)‪ ،‬العقالنية يف الفكر العريب‬
‫ادلعاصر‪( ،‬الطبعة األوذل)‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫ػ نوريس‪ ،‬كريستوفر‪ٔٗٔٓ( ،‬ىػ‪ٜٜٔٛ/‬ـ)‪ ،‬التفكيكية‪ ،‬النظرية وادلمارسة‪ ،‬ترمجة د‪.‬‬
‫صربي دمحم حسن‪ ،‬الرًّيض‪ ،‬دار ادلريخ للنشر‪.‬‬

‫‪022‬‬

You might also like