Professional Documents
Culture Documents
0008 - الآليات المصرية لحماية حقوق الإنسان تطبيقا على بعض الجرائم المستحدثة
0008 - الآليات المصرية لحماية حقوق الإنسان تطبيقا على بعض الجرائم المستحدثة
295
296
.1اآلليات املرصية حلامية حقوق اإلنسان تطبيق ًا
عىل بعض اجلرائم املستحدثة
املقدمـــة
العالق�ة وثيق�ة بني الس�لم واألم�ن الدوليني من جهة واحترام حقوق
اإلنس�ان واحلريات األساس�ية للجميع دون متييز من جهة أخرى وقد أرسى
ميث�اق األم�م املتحدة ( 1945م) قواعد متتع األف�راد بمجموعة من احلقوق
املتعلقة بحقوق اإلنس�ان ومل تقترص جهود األمم املتحدة عىل تضمني ميثاقها
ع�ددا م�ن النص�وص املتعلق�ة بحقوق اإلنس�ان ،ب�ل قامت باعتماد العديد
م�ن الصك�وك واالتفاقي�ات الدولي�ة التي تتضم�ن خمتلف حقوق اإلنس�ان
وحريات�ه األساس�ية وكان يف مقدم�ة هذه الصك�وك واالتفاقي�ات اإلعالن
العاملي حلقوق اإلنس�ان عام ( 1948م) والعهدان الدوليان حلقوق اإلنسان
لع�ام (1966م) والعه�د الدويل اخلاص باحلقوق املدنية والسياس�ية والعهد
الدويل اخل�اص باحلقوق االقتصادي�ة واالجتامعية والثقافي�ة ،والربوتوكول
االختياري األول امللحق بالعهد الدويل الذي تعرتف بموجبه الدولة الطرف
يف العهد والتي تصبح طرفا يف الربوتوكول باختصاص اللجنة املعنية بحقوق
اإلنس�ان املنش�أة بموجب العهد يف تسلم ونظر الرس�ائل املقدمة من األفراد
القاطنين يف والي�ة تلك الدولة والذي�ن يدعون أهنم ضحاي�ا أي انتهاك من
جانبه�ا ألي حق من احلقوق املق�ررة يف العهد ،وقد اعتمدت اجلمعية العامة
لألم�م املتحدة املنعق�دة يف باري�س يف 1948/12/10م ،االعلان العاملي
حلقوق االنسان ،حيث أيدته 48دوله من بينها مرص وامتنعت ثامين دول عن
التصوي�ت وقد لعبت مرص بحكم رصيدها التارخيي واحلضاري دورا مؤثرا
297
وبارزا عىل مس�احة العمل الدويل بصفه عامة للمحافظة عىل الس�لم واألمن
الدويل وإشاعة احرتام حقوق اإلنسان وحرياته األساسية بصفة خاصة حيث
ش�اركت مرص مش�اركة فعالة يف جلنة إعداد اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان
الذي بصدوره ترس�خت عاملية حقوق اإلنس�ان وع�دم قابليتها للترصف أو
التجزئة وادراك ًا ألمهية حقوق االنسان واحرتام هذه احلقوق وضامن توفريها
ومحايتها لكل فرد عىل االرض فقد اختذت مرص حزمة من اآلليات الداخلية
تتالءم ومتطلبات االهتامم الدويل بحامية حقوق االنس�ان حيث منحت هذه
االليات احلق يف احوال معينة يف العمل كآلية رصد ومراقبة وتلقي الشكاوى
للتحقيق فيها وتوجية املساءلة( )1عنها وهذا ما سأعرض له عىل النحو التايل :
ـ اآلليات املرصية الدولية والوطنية يف إقرار مبادئ حقوق اإلنسان.
ـ امهية املام رجل األمن بمبادئ حقوق اإلنسان وحدود سلطاته.
ـ اجله�ود األمني�ة املرصي�ة حلامي�ة حق�وق االنس�ان يف بع�ض اجلرائ�م
املستحدثة.
ـ مدى مالءمة اجلهود األمنية ملكافحة اجلريمة ومحاية حقوق االنسـان.
ـ اخلامتة والتوصيات.
1. 1اآللي�ات املرصي�ة الدولي�ة والوطني�ة يف إقرار
مبادئ حقوق اإلنسان
ت�أيت هذه اآللي�ات يف اطار اجله�ود املرصية حلامية حقوق االنس�ان عىل
املس�توىني الدويل والوطني حيث يتمثل املس�توى االول يف انضامم ومشاركة
( )1س�ناء س�يد خليل ،دراس�ة عن النظام القانوين املرصي ومبادئ حقوق اإلنس�ان،
مرشوع بناء القدرات يف جمال حقوق اإلنسان القاهرة 2005ص .57
298
مصر يف العديد من االتفاقي�ات والربوتوكالت االقليمي�ة والدولية اما عىل
املس�توى الداخلي فقد متث�ل ذل�ك يف القيام باج�راء التعديالت الدس�تورية
والقانوني�ة بما يتالءم وتوفير ضامنات اكث�ر حلامية حقوق االنس�ان بجانب
اآللي�ة القضائية املتمثلة يف مراقبة مدى دس�تورية القوانني واالحكام وتدرج
درجات التقايض باالضافة اىل انش�اء االجه�زة املختصة لتقوم بدور املراقب
يف محاية حقوق االنسان (.)1وذلك عىل النحو التايل :
( )1امحد الرش�يدي ،حقوق اإلنس�ان دراس�ة مقارنة يف النظرية والتطبيق ،دار النهضة،
عام 1996ص . 190
299
ويتض�ح م�ن ذلك حرص مصر عىل مس�ايرة كل تطور ين�ادي بتفعيل
حقوق اإلنس�ان ومن هنا تبدو االمهيه القص�وى يف رضورة املام كافة اجهزة
الدولة بصفة عامة بمبادئ حقوق اإلنسان وبصفة خاصة رجال األمن إذ أن
أجهزة األمن تعترب املحك الرئيسى يف محاية اإلنسان والدفاع عنه.
300
3ـ اتفاقي�ة العمل الدولي�ة « »29اخلاصة بالس�خرة والعمل اإلجباري
جنيف «1930م».
4ـ االتفاقية التكميلية البطال الرق وجتارة الرقيق واألعراف واملامرسات
املشاهبة للرق «جنيف 1956م ».
5ـ اتفاقي�ة العمل الدولي�ة رقم « »1.5اخلاصة بتحريم عمل الس�خرة
جنيف لسنة 1957م.
6ـ االتفاقي�ة الدولية ملكافحة االجتار يف األش�خاص واس�تغالل دعارة
الغري لسنة 1951م.
7ـ االتفاقي�ة الدولي�ة اخلاص�ة بالقض�اء على التفرق�ة العنرصي�ة بكافة
أشكاهلا وصورها لسنة 1965م.
8ـ االتفاقية الدولية لتحريم جريمة الفصل العنرصي 1973م.
9ـ االتفاقيـ�ة الدولي�ة اخلاص�ة بوض�ع الالجئين لس�نة 1951م وق�د
حتفظت مرص عىل املواد (.)24 ،23 ،22 ،12
10ـ بروتوكول تعديل االتفاقية اخلاصة بوضع الالجئني لعام 1966م.
11ـ االتفاقية الدولية اخلاصة باحلقوق السياسية للمرأة لعام 1953م.
12ـ اتفاقي�ة القض�اء عىل كافة أش�كال التمييز ضد امل�رآة لعام 1979م
وق�د حتفظت مرص عىل امل�واد ( /9الفقرة الثاني�ة 29 ،16 ،الفقرة
الثانية)2 ،
13ـ االتفاقية الدولية للحقوق املدنية والسياسية لعام 1966م.
14ـ االتفاقي�ة الدولية للحقوق االقتصادية واالجتامعية والثقافية لعـام
1966م.
301
15ـ اتفاقي�ة مناهضة التعذيب وغريها م�ن رضوب املعاملة أو العقوبة
القاسية أو الال إنسانية أو املهينة لعام 1984م.
16ـ اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989م.
17ـ االتفاقي�ة الدولي�ة ملناهضة الفصل العنرصي يف األلعاب الرياضية
لعام 1985م.
18ـ االتفاقيـ�ة الدولي�ة حلمـاي�ة حقـ�وق العمـ�ال املهاجري�ن وأفراد
أرسه�م لعام 1990م وق�د حتفظت مرص عىل امل�واد ( 18 ،4فقرة
)6
19ـ اتفاقي�ة منظمه العمل الدولية رقم 138لعام 1973م بش�أن احلد
األدنى لسن االستخدام.
20ـ اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182لعام 1999م بش�أن حظر
أسوأ أشكال عمل األطفال.
21ـ الربوتوكول االختياري التفاقية حقوق الطفل بش�أن بيع األطفال
واستغالهلم يف البغاء لعام 2000م.
22ـ الربوتوك�ول االختي�اري التفاقي�ة حق�وق الطفل بش�أن اشتراك
األطفال يف النزاعات املسلحة لعام 2000م.
23ـ الربوتوك�ول امللح�ق باالتفاقي�ة الدولي�ة ملكافحة اجلريم�ة املنظمة
عبر الوطنية واخل�اص باالجت�ار باألطفال والنس�اء حيث انضمت
مصر هلذا الربوتوكول بالقرار اجلمه�وري رقم 295لعام 2003م
الصادر يف 4نوفمرب 2003م ونرش باجلريدة الرسمية بالعدد 37يف
9سبتمرب 2004م وعمل به اعتبارا من 2004/4/4م وقد جاءت
302
التحفظ�ات الت�ي أبدهت�ا مرص يف إط�ار االلت�زام بأح�كام الرشيعة
اإلسلامية اس�تنادا للامدة 2من الدس�تور املرصي والتي تنص عىل
اعتبار الرشيعة اإلسالمية املصدر الرئييس للترشيع.
( )1عىل الصاوي ،حقوق االنسان يف القانون واملامرسة ،برنامج االمم املتحدة االئتامين
2005ـ 2006م ،ص 219
303
العمل الدولية رقم 105اخلاصة بتحريم عمل السخرة جنيف لسنة 1957م
ـ االتفاقي�ة الدولي�ة اخلاص�ة بالقضاء عىل التفرق�ة العنرصية بكافة اش�كاهلا
وصورها لس�نة 1965م ـ واالتفاقية الدولية ملكافحة االجتار يف االش�خاص
واس�تغالل دعارة الغري لس�نة 1950م) وهذه الضامنات انفرد هبا الدس�تور
املصري لتعك�س بص�دق وواقعي�ة تقدير واحترام مبادئ حقوق االنس�ان
وحريات�ه وابانت كذل�ك املنزلة التي حتتله�ا تلك املبادئ كقواعد دس�تورية
يتعني عىل كافة س�لطات الدولة االلتزام هبا عند مدارستها الختصاصاهتا او
عند تناول املرشع الوطني لالحكام املتعلة املتصلة باملس�ؤولية القانونية سواء
املدنية او اجلنائية التي يمكن ان ترتتب عليها( ،)1وقد ارس�ت املادتان (،)53
( )57وش�ملهام الب�اب الثال�ث من الدس�تور املرصي عدة قواعد دس�تورية
وقانونية اساسية متثلت يف اآليت :
1ـ ان الدفاع عن حقوق االنسان اصبح سبب ًا دستوري ًا من اسباب اللجوء
الس�يايس اذ اعلنت مرص اىل العامل امجع من خالل دس�تورها ،قبوهلا
ملنح حق االلتجاء السيايس لالجانب املضطهدين بسبب الدفاع عن
حقوق االنس�ان وعدم تس�ليمهم ،وهو االمر الذي جيعل من مرص
ملاذا امن� ًا للمضطهدين من االجانب بس�بب دفاعه�م عن مبادئ
حقوق االنس�ان وحرياته االساس�ية ،وهو تكري�م تعرب به مرص عن
وقوفها الدائم وغري املرشوط بجانب نرصة مبادئ حقوق اإلنسان،
ليس يف مرص فحسب بل لكل انسان يف بقاع االرض.
( )1ابراهيم سلامة ،املواثيق الدولية حلقوق اإلنس�ان وموق�ف معرفها ،برنامج األمم
املتحدة االئتامين 2006ص . 221
304
2ـ ان املشرع ملت�زم بتأثيم كافة االفعال التي تش�كل اعتداء عىل احلرية
الش�خصية او حرمة احلياة اخلاص للمواطنين وغريها من احلقوق
واحلريات العامة والتي يكفلها الدس�تور وهو ما يعني إلزام املرشع
الوطن�ي بتجري�م ه�ذه االفع�ال وتقري�ر عقوب�ات جنائية مناس�بة
ملرتكبيه�ا وحماكمتهم عنها النزال العقاب هبم وفق ًا للقانون عىل من
يثبت ارتكابه هلا.
3ـ إن الن�ص على جتريم هذه االفعال س�يتيح للمجن�ي عليه واملرضور
مطالبة املتهم واملس�ؤول عن احلقوق املدنية بالتعويض عام حلقة من
رضر نتيج�ة م�ا وقع علي�ة من اعتداء س�واء اثناء املحاكم�ة اجلنائية
للمته�م او ع�ن طريق القضاء امل�دين وفق ًا الحكام النظ�ام القانوين
املرصي.
4ـ إن تل�ك االفعال املجرمة ال تس�قط عنها الدع�وى اجلنائية أو املدنية
بميض املدة ويكش�ف ذلك عن حكمة املرشع الدستوري وهدفه يف
اال تك�ون الظروف واالعتبارات التي قد يش�كل تواجدها خوف ًا أو
رهب�ة للمجني عليه حتول بينه وبني االبلاغ عنها وعن اجلاين وقت
وق�وع االعت�داء عليه ،س�بب ًا يف ه�روب مرتكبي تل�ك االفعال من
العقاب اعامال ملبدأ التقادم.
5ـ كفال�ة الدول�ة للتعوي�ض ع�ن االرضار الت�ي تلحق بم�ن وقع عليه
االعت�داء من مثل هذه االفع�ال االمر الذي يضم�ن حقوق املجني
عليه واملرضور يف مجيع االحوال التي تكتمل فيها االركان القانونية
للمسؤولية وفق ًا الحكام القانون املرصي.
ومؤخ�ر ًا قام�ت مصر باج�راء التعديلات الدس�تورية والقانونية فيام
305
يضمن محاية حقوق اإلنسان والتوسع يف متتع املواطن بقدر كبري من احلقوق
والضامن�ات وخري دليل على ذلك التعديالت الدس�تورية التي اجرهتا مرص
على 34م�ادة من الدس�تور حني أعلن ذلك الس�يد رئي�س اجلمهورية امام
جملس الش�عب والش�ورى أن التعديالت تس�تهدف تعزي�ز خطى االصالح
والديمقراطي�ه يف البلاد وتعزيز الفصل بني الس�لطات ،وتعزيز صالحيات
الس�لطة الترشيعية وجملس الوزراء وتأكيد حقوق املواطنه وحتقيقا للحد من
العقوب�ات الس�البة للحرية فقد خط�ت مرص خطوة اجيابي�ه بتخفيف العمل
بالعقوب�ات الس�البة للحري�ات يف قان�ون العقوبات،حي�ث ت�م الغاؤه�ا يف
بعض البنود املجرمة واس�تبداهلا بتغليظ الغرامات املالية كام تم تعديل قانون
االج�راءات اجلنائي�ة بام خفف من اس�تعامل آلية احلب�س االحتياطي والنص
على ح�ق املتهمني املحبوسين احتياطي�ا يف ني�ل التعويض امل�ايل عند ثبوت
براءهتم(.)1
2ـ اآلليه القضائية
وإذا كان م�ا تق�دم ق�در ًا م�ن الضامن�ات اخلاصة الت�ي اقرها الدس�تور
املصري الدائ�م فيام يتعل�ق بمبادئ حقوق االنس�ان واملدافعين عنها إال ان
ذل�ك كله مش�مول بالضامن�ة اهلامة املتمثل�ة يف توفري احلامي�ة بمبادئ حقوق
االنس�ان وحريات�ه االساس�ية اس�تناد ًا لكوهنا نصوص� ًا دس�تورية يف النظام
القانون�ى املصري وذل�ك عن طري�ق املحكمة الدس�تورية العلي�ا املنوط هبا
الرقابة عىل دستورية القوانني وتفسري النصوص الترشيعية بأحكام وقرارات
ملزم�ة لكافة الس�لطات بالدولة ،وهو م�ا يكفل احلصانة الدس�تورية لتلك
( )1عمرو مجعة ،منظومة حقوق اإلنس�ان يف أمانة عامة اجلزء الثاين ،مكتبة األرسة 2004م،
ص .62
306
املب�ادئ وحي�ول دون املس�اس هبا ب�أي اداة ترشيعية أدنى مس�توى وحيقق يف
ذات الوقت توحيد مفهوم نصوص الدستور من خالل جهة قضائية مستقلة
،بام يوفر استقرار تلك احلقوق ومحايتها.
وتت�م تل�ك اآللية م�ن خالل قي�ام القضاء الدس�تورى بمب�ارش ة دوره
يف الرقاب�ة الدس�تورية بصف�ه عامه وبصف�ة خاصة يف جمال حقوق اإلنس�ان
ويف يوني�و 2007م عدل�ت مرص قانون الس�لطة القضائية لضامن اس�تغالل
الس�لطة القضائيه ،وضامن املحاكمة العادلة وق�د خطت مرص خطوة اجيابية
حيث قامت بتعيني النس�اء قاضيات استكامال لذلك تعني قاضيه يف املحكمه
الدستورية العليا(.)1
3ـ األجهزة املختصة
وه�ي الت�ي يتم انش�اؤها لتقوم ب�دور املراقب يف جمال حقوق اإلنس�ان
كانش�اء إدارة خاصة بحقوق اإلنس�ان يتم احلاقها باحدى الوزارات كوزارة
اخلارجية كام هو موجود يف مرص ،او انشاء وزارة مستقلة هلذا الغرض كام هو
موجود يف دولة املغرب ،او انش�اء هيئات حكومية كاملجلس القومي حلقوق
اإلنس�ان ،املجلس القوم�ي للطفولة واالمومة ،واملجل�س القومي للمرأة يف
مصر ،وال خيفى على البال ان املنظمات االهلية غري احلكومي�ة تقوم بدور
مهم يف جمال تعزيز حقوق اإلنسان وكفالة االحرتام الواجب هلا عىل املستوى
الوطني.
( )1عبد احلميد متويل ،الوسيط يف القانون الدستوري القاهرة ،دار النهضة العربية ص .298
307
2. 1. 1أمهية املام رجل األمن بمبادئ حقوق اإلنس�ان
وحدود سلطاته
عندم�ا يصب�ح رجل األمن ملما باملب�ادئ احلقوقية اإلنس�انية فان ذلك
س�وف يولد اجتاه ًا اجيابي ًا طوعي ًا يكون دافعا له اىل حتويل معاملته التي يراها
معظم اجلامهري اهنا س�يئة اىل معاملة انسانية حتكمها القوانني واملبادئ والقيم
والتقالي�د( )1التي حترتم حقوق اإلنس�ان ومن ثم تتولد العالقة الرش�يدة بني
رجل األمن واجلامهير بطوائفها املختلفة ،وليس معنى ذلك الضامن الكامل
الحرتام حقوق اإلنس�ان وكرامته فاالمر خمتلف م�ن جمتمع آلخر إذ أن هذه
الثقاف�ة احلقوقي�ة نس�بية من مكان اىل آخ�ر ومن جمتمع اىل اخ�ر ،ولكن تظل
حقوق اإلنسان وصون كرامته وحريته هي االساس العام يف كل املجتمعات
يف خمتلف االماكن ومطلب اسايس لكل املواطنني غري قابل للتنازل عنه مهام
كانت االس�باب ،ولكي يس�تطيع رج�ل األمن ان حيدث الت�وازن بني حتقيق
األمن واملحافظة عىل حقوق اإلنسان فان ذلك يتطلب املامه بمبادئ حقوق
اإلنس�ان يف أوجه تعامالته املختلفة مع املواطنني( )2أما عن حدود س�لطات
رجل األمن فتكمن يف اآليت :
1ـ تعترب الوظيفة الرشطية التجسيد الطبيعي لسلطة الدولة يف ان تدافع
عن نفس�ها دفاع ًا رشعي ًا طبق ًا للنظام القانوين الذي انش�أته من اجل
تنظي�م خمتل�ف االمور السياس�ية الفرادها ومن ثم فإن�ه يتوجب ان
( )1حمس�ن ع�وض ،املعايري الدولية حلقوق اإلنس�ان يف األداء املهن�ي لضباط الرشطة،
برنامج األمم املتحدة 2006-2005م ،ص.121
( )2اس�كندر غطاس ،محاية حقوق اإلنس�ان يف التطبيق القضائي الدويل املقارن ،من كتاب
املعايري الدولية حلقوق اإلنسان ،الربنامج االئتامين لألمم املتحدة 2006ص .178
308
تكون هناك س�لطة ترقب الس�لوك العام يف املجتمع وهذه الس�لطة
تتمث�ل يف اجهزة األمن بمختلف تكويناهتا لتكون االدارة املس�ؤولة
عن تنفيذ القانون ولكي تتمكن من اداء هذا الواجب خوهلا القانون
اس�تعامل الق�وة الداء وظيفته�ا وذل�ك بالقدر الذي يبيح�ه القانون
باالضاف�ة اىل قي�ام الرشطة بمس�اعدة اهليئ�ات االداري�ة بالدولة يف
تنفيذ قوانينها وقراراهتا(.)1
2ـ ختت�ص الرشطة باملحافظة عىل النظام واألمن العام ،واآلداب العامة
ومحاي�ة االرواح واالم�وال واملمتل�كات العام�ة واخلاص�ة ،وعلى
االخ�ص منع اجلرائم وضبطها ،وتكف�ل الطامنينة واألمن وتنفيذ ما
تفرضه عليها القوانني من واجبات.
3ـ احرتام رجل الرشطة حلقوق االنس�ان املقررة رشع ًا وقانون ًا ومن ثم
يتوج�ب عىل رجل الرشطة ع�دم خمالفتها ،النه يع�د واجب ًا اخالقي ًا
ورضورة أمنية الغنى عنها لتحقيق األمن واالستقرار.
4ـ األم�ن احلقيق�ي اليتحق�ق اال يف ظل الع�دل واملس�اواة واالنصاف
فاحترام الرشطة حلقوق االنس�ان وحرصها على محاية هذه احلوق
مها املدخل الصحيح لتحقيق األمن.
5ـ تنظ�ر الرشائ�ع السماوية إىل االنس�ان نظ�رة التبجي�ل واالحرتام يف
كل زم�ان وم�كان ألن االنس�ان يف نظره�ا هو خليف�ه اهلل يف أرضه
يعمره�ا وينميه�ا ،ويس�تخرج كل خرياهت�ا وكنوزه�ا لتعين�ه على
( )1ضاح�ي خلفان متييم ،الرشطة وحقوق اإلنس�ان يف املنظ�ور الوطني «بحث تطبيقي»،
مقدم إىل جامعة نايف العربية للعلوم األمنية الرياض 1422هـ 2001 -م ص .145
309
احلي�اه والعيش فيها ،وكانت منحة م�ن اهلل اليه اختصه هبا دون بقية
خلقه( ،)1واستأمنه عليها برغبته واختياره ،وبذلك كرم اهلل االنسان
بذاته وجنس�ه مهما تعددت انواع�ه وثقافته املعرفي�ه ،واكد التنظيم
الترشيع�ي املصري على ان حق�وق االنس�ان قيم�ة انس�انية رفيعة
بمقتضاها يتمتع كل كائن انس�اين بحقوق طبيعته تنبع من انسانيته،
وتضم�ن كافة األحكام واملب�ادئ التي تناولته�ا الصكوك واملواثيق
الدولي�ه املعنية باحرتام حقوق االنس�ان ورجال األمن هم احلارس
الطبيعي للحقوق واحلريات العامة وهم يؤدون وظيفتهم.
6ـ طبقا للدس�تور والقانون فنجد الدستور يف مادته 184ينص عىل ان
هيئ�ة الرشطة هيئة مدنية نظامية رئيس�ها االعلى رئيس اجلمهورية،
وتؤدي الرشطة واجبها وتكفل للمواطنني الطمأنينة واألمن وحفظ
النظ�ام الع�ام واآلداب العامة ،وتتوىل تنفي�ذ القوانني واللوائح عىل
الوجه املبني بالقانون.
7ـ كام نص قانون هيئة الرشطه رقم 1.9لعام 1971يف املاده ( )3عىل
ان ختتص هيئة الرشطة باملحافظة عىل النظام واألمن العام واالداب
،وبحامي�ة االرواح ،واالع�راض واالم�وال وعلى االخ�ص من�ع
اجلرائم وضبطها ،كام ختتص بكفالة الطمأنينة واألمن للمواطنني يف
كاف�ة املجاالت ،وبتنفيذ ما تعرضه القوانني واللوائح وليس بخاف
ان اجهزة األمن تقوم بحامية النظام واألمن العام وتس�هر عىل تنفيذ
( )1امحد كامل ابو املجد ،حقوق االنسان يف االسالم ،كتاب املعايري الدولية وضامنات محاية
حقوق االنس�ان يف الترشيع�ات املرصية ،الربنام�ج االئتامين لالم�م املتحدة 2006م،
القاهرة ص . 160
310
القوانين واللوائ�ح( )1وتعمل جاهدة عىل من�ع وضبط اجلرائم التي
تعك�ر األمن للمواطنني وهذه مهمة ليس�ت باليسيره اذ ان البعض
يته�م االجهزه األمنية وهي تقوم بوظائفها التي كفلها هلا الدس�تور
والقان�ون بانته�اكات حقوق اإلنس�ان بينام يرى القلي�ل أن ذلك ال
يعتبر انته�اكا اذ ان هذا العم�ل الذي تقوم به اجه�زة األمن انام هو
محاي�ة حلقوق اآلخرين لتوفري اقىص درج�ة حلامية امنهم وممتلكاهتم
وحفاظ�ا عىل النظ�ام العام والس�كينة العامة التي ه�ي احتياج مهم
ل�كل املواطنني .ولكي يس�تطيع رج�ال األمن ان يقوم�وا بوظيفتهم
فقد منحهم القانون س�لطات متنوعة يستطيعون بموجبها ان ينفذوا
القوانين واللوائ�ح وتقترص هذه الس�لطات يف القبض عىل املتهمني
واحتج�از املش�تبه فيه�م ،وتفتي�ش املن�ازل واالماك�ن واملمتلكات
اخلاص�ة واس�تعامل القوة يف احلدود املرشوعة وهذه الس�لطات نص
عليه�ا القان�ون ومصدرها القان�ون ويتحتم عىل رج�ال األمن عدم
اس�اءة اس�تخدام ه�ذه الس�لطات او التج�اوز يف اس�تعامهلا وان يتم
االستفاده منها طبقا ملا حدده الدستور والقانون(.)2
( )1دراس�ة بعن�وان ( حق�وق اإلنس�ان وال�دور األمن�ي يف تفعيلها ) ص�ادرة عن كلية
الدراسات العليا بأكاديمية الرشطة عام 2000م ،ص 70ـ .71
( )2إبراهي�م حام�د طنط�اوي ،س�لطات الضبط القضائ�ي ،طبعة ع�ام 1997م ،ناس
للطباعة ص .141
311
3. 1. 1اجله�ود األمنيـ�ة املرصيـ�ة حلاميـ�ة حقـ�وق
االنسـان يف بعض اجلرائم املستحدثة
1ـ اجلرائم االقتصادية
دخل�ت يف اط�ار العل�وم اجلنائي�ة يف العصر احلدي�ث عب�ارة (اجلريم�ة
االقتصادية) وذلك بعد التطور الذي حدث يف االنشطة االقتصادية عىل املستوى
الوطني أو الدويل ،وبعد صدور القوانني املختلفة التي تعالج أمور االقتصاد(.)1
واجلريم�ة االقتصادية هي كل فع�ل غري مرشوع يرض باالقتصاد القومي
أو بعبارة اخرى كل فعل موجه ضد االنتاج أو الفالحة أو الثروة الوطنية.
وق�د يك�ون م�ن املفي�د االش�ارة بال�ذات إىل بع�ض االنش�طة الض�ارة
باالقتص�اد مم�ا مل يكن مألوف ًا يف ميدان اجلريمة م�ن قبل ،أو ازدادت خطورته
حالي ًا ،يعد ذلك اش�د االعتداءات عىل حق االنس�ان يف اخلصوصية والرسية
والتي متثل الكيان الداخيل له.
أ ـ جرائم احلاسب اآليل
ازداد يف االربعني س�نة االخرية اس�تخدام احلاسب اآليل (الكمبيوتر)
يف كل بلاد الع�امل ،وأصبح�ت اهليئ�ات واحلكوم�ات واألف�راد يشترون
من�ه املاليين كل ع�ام م�ن رشكات خمتلفة تنتج�ه أو تبيع�ه ،واذا كان قد بدأ
اس�تخدامه الغراض العمل يف اول االمر إال انه أصبح يس�تخدم يف البيوت
اخلاصة الغراض خاصة أيض ًا(.)2
( )1عب�د الرؤوف مهدي ،املس�ؤولية اجلنائية عن اجلرائم االقتصادية 1976م ،منش�أة
املعارف ،االسكندرية ص .37
()2هدى قش�قوش ،جرائم احلاس�ب اآليل ،دار النهضة العربية س�نة 1992م ،ص 37
وما بعدها.
312
وعىل الرغم من أن احلاس�ب اآليل يمثل طف�رة حضارية كربى يف عاملنا
احلدي�ث إال ان ي�د االجرام قد امتدت الي�ه فجعلت منه احيان� ًا طامة كربى
على املنتفعين منه وعىل احلق�وق التي خيتزهن�ا واملعلومات التي تس�تند اليها
بي�وت االقتص�اد وامل�ال وغريها م�ن املؤسس�ات االقتصادي�ة ،واصبحت
هناك مس�ميات جديدة تطلق عىل االجرام املتصل بعمل احلاس�ب اآليل مثل
فريوس الكمبيوتر ،أو تعسف الكمبيوتر ،أو القرصنة االلكرتونية أو اجلرائم
اإلعالمية ..الخ.
وازدادت خط�ورة جرائ�م احلاس�ب اآليل نتيج�ة زي�ادة أنظمة تش�غيل
احلاس�ب وضخامته�ا ووجود املنظمات التي تعم�ل بنظام الوقت املشترك
وتتعامل مع آالف املس�تخدمني يف مناطق ش�تى وتس�تخدم وس�ائل اتصال
متع�ددة لنق�ل البيانات واملعلوم�ات ،حتى انه اصبح هن�اك ثغرات كبرية يف
مثل هذه االنظمة وشبكات تبادل ونقل املعلومات يمكن من خالهلا نفاذ يد
املجرمين لتدمري املعلومات أو تغيريه�ا أو ادخال معلومات مزورة أو مزيفة
عليها أو وقف التعامل هبا أو العبث بمحتوياهتا وبراجمها ونظام تشغيلها.
وال تقترص جرائم احلاسب اآليل عىل هذه العملية فقط بل توجد جرائم
أخرى مثل:
1ـ جرائم رسقة البيانات واملعلومات التي خيتزهنا احلاسب سواء أكانت
معلوم�ات ش�خصيه أو ختص العم�ل أو النش�اط الع�ام للدولة أو
نشاط اهليئات أو املؤسسات ،مالية كانت أو جتارية أو علمية ويمثل
ذلك اعتداء عىل حق االنسان يف اخلصوصبة.
2ـ جرائ�م تعدي�ل الربامج والبيانات ،وذلك ع�ن طريق أنظمة التأمني
اخلاصة بنظم املعلومات القائمة عىل اس�تخدام احلاس�بات وادخال
313
تعديلات على الربامج والبيان�ات ،مما يرتتب عليه ارضار جس�يم
بحق�وق الغري ،كتغيري الدرجات العلمية للدارسين ،وتغيري نتائج
االمتحان�ات أو االنتخاب�ات أو االس�تفتاءات أو تغيير املؤهلات
العلمية.
3ـ تغيري الربامج وإجراءات التش�غيل ،وهي الربامج واالجراءات التي
تضعها الشركات املنتجة التي دفعت تكاليف تصميمها وانتاجها ،
وهذا يمثل ارضار ًا بالذمة املالية الصحاب هذه الرشكات.
4ـ جرائ�م االختالس ورسقة االرصدة باس�تخدام احلاس�ب اآليل عن
طريق التالعب يف بيانات االرصدة املختزنة يف احلاسب ،وتبلغ قيمة
االموال املختلس�ة يف البنوك التي تس�تخدم احلاس�بات اإللكرتونية
ضع�ف قيم�ة االم�وال املختلس�ة يف البنوك الت�ي ال تس�تخدم هذا
احلاسب.
5ـ رسقة ازمنة احلاسب اآليل ،وحيدث ذلك يف الدول التي هبا منظامت
لتش�غيل البيان�ات عن طريق نظام الوقت املشترك حي�ث يتم ربط
املشتركني بخط�وط اتص�ال س�لكية أو الس�لكية تس�تخدم لنق�ل
البيانات واملعلوم�ات ،وتتم الرسقة يف هذه األحوال باالتصال غري
املرشوع باحلاس�ب اآليل واستخدامه يف تشغيل البيانات خلسة دون
احلصول عىل ترصيح بذلك من ذوى الشأن.
6ـ رسق�ة برنام�ج خم�زون عىل هيئة ك�روت مثقبة أو بك�رات االرشطة
املمغنط�ة أو الصحائف الورقية املطبوعة والت�ي حتتوي عىل بيانات
خاص�ة ببع�ض االف�راد ،مما يعد اعت�داء عىل حق االنس�ان يف رسية
املعلومات التي حيرص عىل االحتفاظ هبا يف رسيرته.
314
7ـ رسقة النسخ احلاوية لالسامء والعناوين.
8ـ افتع�ال معلومات غير حقيقية للحصول عىل ش�يكات قابلة للدفع
بطري�ق غري مشروع إرضار ًا بالذمة املالية لالفراد التي تنس�ب هذه
الشيكات هلم.
9ـ التحايل عىل احلاسب حتى يعجز عن اضافة التعديالت التي تدخل
عىل حساب إحدى الرشكات أو االفــراد.
10ـ االئتلاف العم�د لوح�دات تش�غيل املعلوم�ات بطري�ق الرضب
بأدوات ثقيلة أو اش�عال حريق أو تفجري ش�حنات ناسفة أو العبث
بلوح�ات مفاتي�ح وأزرار التش�غيل ،وكله�ا معقدة الرتكي�ب بالغة
احلساسية حتتوي عىل كم هائل من املعلومات.
واذا كان ال يوج�د يف مصر بيانات مس�جلة عن جرائ�م الكمبيوتر فان
ذلك ال يعني اهنا مل تقع ،اذ من املعروف أن البنوك أو املؤسس�ات املالية التي
تقع فيها مثل هذه اجلرائم تتعمد عدم االبالغ عنها حتى ال تفقد ثقة اجلمهور
فيها ،وهلذا الس�بب ال يوجد يف كل بالد العامل احصاءات موثوق فيها بش�أن
ه�ذه اجلرائم وليس عدم وجود احص�اء دقيق جلرائم الكمبيوتر راجع ًا لعدم
ابالغ املؤسسات التي تستخدمه عن هذه اجلرائم ولكن يرجع ايض ًا إىل قعود
املجني عليهم من االش�خاص عن االبالغ إذ يفضلون الس�كوت عىل إفشاء
أرسارهم.
وق�د بادرت كثري من الدول بوض�ع ترشيعات خاصة ملكافحة جرائم
احلاس�ب اآليل ،مثل الواليات املتحدة واملانيا والدانامرك والسويد واسرتاليا
والنمس�ا وكندا والصني واسبانيا وفنلندا وفرنسا وايطاليا واليابان والنرويج
وهولن�دا والربتغ�ال وس�ويرسا واململكة املتح�دة ،وذلك ايامن� ًا منها بمدى
315
اخلطورة واالرضار التي ترتتب عىل تلك اجلرائم وما متثله من انتهاكات عىل
حقوق االنسان.
وم�ن املع�روف أن جرائم الكمبيوتر من اجلرائم الت�ي يصعب اثباهتا يف
ح�ق مرتكبيه�ا ،الهن�ا تتم ع�ادة دون أن ترتك أث�ر ًا عىل مرتكبيه�ا ،فهي تتم
باصدار تعليامت للحاس�ب دون دليل مادي على الفاعل ،أو بالتنصت عىل
وسائل االتصال أو نسخ الربامج والبيانات دون ترك اية اثار تدل عىل وقوع
الفاعل هلذا السبب ال تكتشف جرائم احلاسب غالب ًا إال مصادفة حينام يظهر
الث�راء فج�أة عىل أحد املش�تبه فيهم التصال�ه باحلاس�ب أو بالعاملني فيه ،أو
حينام تضبط بطريق الشبهة شيكات أو مستندات مالية أو شهادات علمية أو
وثائق تأمينية تدور الشبهة حول صحتها.
وال تق�ع جرائ�م احلاس�ب اآليل اال م�ن اش�خاص ذوي كف�اءة عالي�ة
ودراية بشؤون احلاسب ،ولذلك يصعب البحث عن مرتكبيها بني املجرمني
املحرتفين العاديين بل إن املؤسس�ات الصحفي�ة أو غريها مم�ا توقع جرائم
احلاس�ب ارضار ًا هبا ال تتعاون عىل اثبات وقوع اجلريمة ،بل هي تتستر عىل
اجلن�اة وأدل�ة جرائمه�م ،وتقصد بذل�ك اتقاء فق�دان الثقة فيه�ا من جانب
عمالئها.
ب ـ بطاقات االئتامن
أش�هر بطاق�ات االئتمان البنكية ،ه�ي البطاقات الت�ي تصدرها البنوك
واملؤسس�ات املالية االخرى بأسماء عمالئها( ، )1فيستخدمها هؤالء العمالء
( )1عمر سامل ،احلامية املدنية البطاقات الوفاء (دراسة مقارنة) ،دار النهضة العربية سنة
1995م ،ص 40وما بعدها.
316
اما يف رصف مبالغ من حس�اهبم يف البنوك أو املؤسس�ات املذكورة عن طريق
الصناديق أو الشبابيك االتوماتيكية التابعة هلا واملوجوده يف اماكن متفرقه يف
املدن ،واما عن طريق التقدم هبذه البطاقات إىل املحال التجارية لرشاء السلع
أو اخلدمات فيحصلون عليها بمقتىض البطاقة ،وحيصل املحل التجاري عىل
ثمن الس�لعة أو اخلدمة من البنك أو املؤسس�ة املالية الت�ي أصدرت البطاقه،
وس�واء أكان األمر متعلق ًا برصف مبلغ من النقود أو برشاء س�لعة من السلع
أو اخلدم�ات فإن مبلغ النقود الذي حصل عليه حامل البطاقه من الصندوق
األتوماتيك�ي أو قيم�ة الس�لعة التي اشتراها ختص�م من حس�ابه املوجود يف
البنك أو املؤسس�ه املالية ،ويتم استخدام هذه البطاقات يف العامل ،ويصدرها
ال يص�در بنك مصر (كارت مصرـ والكارت بع�ض البن�وك املرصي�ة ،فمث ً
الش�خىص) الذي يتيح الرصف من الصناديق األوتوماتكيه ،وكروت ماسرت
كارد الت�ي يت�م التعامل هبا مع املحال التجاري�ة واخلدمية وهي ثالث فئات:
س�تاندرد ماستر كارد ،وبيزنيس ماسرت كارد ،وجولد ماستر كارد ،والنوع
األول لعام�ة الن�اس ،والث�اين ألصح�اب ومدي�ري الشركات والعاملين
يف املس�توىات اإلداري�ة العليا ،والثال�ث يتعلق بح�دود رصف عالية غري أن
املجرمني قد اس�تغلوا فرصة هذا النوع م�ن االئتامن يف بعض الدول وأخذوا
حيتال�ون م�ن خالل�ه للحصول عىل مبال�غ طائلة تص�ل يف الع�ام الواحد إىل
مايبلغ ملياري دوالر وهو مايعترب خر ًقا حلق اإلنسان يف حرية تداول أوراقه
املالية واستثامرها(.)1
واه�م وس�يلة لالحتي�ال يف ه�ذا الص�دد ه�ي احلصول على البطاقة
( )1راج�ع يف ذل�ك ن�دوة الص�ور املس�تحدثة جلرائم بطاق�ات الدفع االلكرتوين س�نة
1997م ،التي نظمها مركز بحوث الرشطة بأكاديمية الرشطة ،القاهرة.
317
الصادرة باس�م ش�خص معني من البنك أو املؤسس�ة املالية بطريق الرسقة أو
العثور عليها إذا كانت ضائعة ( وغالب ًا ما يكون ذلك أثناء إرسال البطاقة إىل
صاحبها بالربيد ) ،أو استعامل بطاقة مزيفة أو مزورة ،أو احلصول عىل البطاقة
بطري�ق االحتيال من اجله�ة التي أصدرهتا ويظل حام�ل البطاقة املرسوقه أو
الضائع�ة أو املزيف�ة يس�تخدمها يف احلص�ول عىل امل�ال بطريق غير مرشوع
حت�ى يتنبه صاح�ب البطاقة إىل أهنا رسقت أو فق�دت أو حتى يتنبه البنك أو
املؤسسة التي أصدرهتا إىل االعرتاض عىل املسحوب بموجبها ،بل قد حيدث
أن يدعي صاحب البطاقة بس�وء نية أهن�ا رسقت أو فقدت ،وذلك كمحاولة
من�ه لعدم خصم ما رصف من حس�ابه منذ تاريخ الرسق�ة املزعومة أو تاريخ
الفق�د املزعوم ،وتتخذ بعض البنوك أو املؤسس�ات املالية بعض اإلجراءات
للح�د من اخلس�ائر النامجة عن اس�تعامل بطاقات مرسوق�ة أوضائعة ،ومثال
ذل�ك أن حيدد ألصحاب املحال التجارية احلد األقىص لقيمة الس�لع املقدمة
حلاملي كل بطاق�ة أو لقيمة اخلدم�ة املؤداة له ،أو أن تعمم نشرات دورية أو
غري دورية بأرقام البطاقات ولكن من املؤسف أن عمل نرشات يستغرق وقت ًا
طويالً ،ثم إن إبالغها للجهات صاحبة الشأن قد يستغرق وقت ًا أطول خاصة
إذا كانت يف خارج الدولة التي تعد فيها النرشات.
ولتف�ادي مثل ه�ذا التأخري قامت بعض البنوك أو املؤسس�ات املالية يف
الواليات املتحدة باس�تعامل قناة البث بالذبذبات القصرية ،بل حتاول جهات
أخرى إبالغ النرشات بطريق التلفزيون أو األقامر الصناعية.
أم�ا فيام يتعلق بالبطاقات املرسوقة أثناء نقله�ا بالربيد فإن اجلهات التي
تصدر البطاقات تلجأ يف معظم األحيان إىل إبالغ العمالء تليفوني ًا أو السلكي ًا
بإرس�ال البطاقات إليهم وتطالبهم بإعالمه�ا بوصوهلا ،حماولة منها للحفاظ
عىل حقوق هؤالء األفراد.
318
وكثري ًا ما حيدث أن ترسق بطاقات قبل تس�جيل األرقام أو قبل تسجيل
أسماء أصحاهبا عليها ،وهنا يصبح العثور عىل مثل هذه البطاقات شاق ًا جد ًا
ألن�ه اليع�رف أي أرقام أو أية أسماء قد كتبت عليه�ا ،وألجل ذلك تفرض
دائ ًام رقابة صارمه عىل إعداد وطبع البطاقات املشار إليها.
وقد اختذت اجلهات التي تصدر البطاقات االئتامنية وس�ائل شتى حلامية
ه�ذه البطاقات بحي�ث يصبح تزييفها صعب� ًا ،منها أرقام تعري�ف اهليئة التي
تصدرها أو عالمات تقرأ باألشعة حتت احلمراء ،وختم واضح الطباعة دقيق
التفاصيل ،أو صورة مركبة عىل نامذج أوراق مؤسسة اإلصدار وماسرت كارد
تيرس اكتشاف التزييف.
ومن الغريب أن ملزيفي البطاقات وس�ائلهم يف معرفة أرقام احلسابات،
إذ يستطيعون احلصول عليها يف الفنادق واملطاعم ورشكات تأجري السيارات
وغريه�ا من اجلهات الت�ي يتم التعامل معها بالبطاقه ،ب�ل أحيان ًا حيصلون –
بطريق الرشاء عىل صور منس�وخة بالكربون لاليصاالت التي يوقعها حاملو
البطاقات عند حصوهلم عىل سلعة أو خدمة.
جـ ـ تزييف النقد
يش�كل تزيي�ف النقد أو تزوي�ره ظاهرة خطيرة جد ًا بالنس�بة القتصاد
الدول س�واء أكانت هي ال�دول املصدرة للنقد أو املتعامل�ة به .ويمثل أيضا
أرضار ًا بالذمة املالية للفرد فهي متثل غش� ًا وخداع ًا له حيث حيصل عىل نقود
مزيفة مقابل سلع وخدمات تقدمها حلامل هذه األوراق املزيفة(.)1
( )1حممد ابو زيد حممد ،بحث بعنوان « الضوابط التنظيمية للحقوق واحلريات العامة»
منشور بمجلة كلية الدراسات العليا ،العدد الثالث ،يوليو 2000
319
وتعتبر جرائ�م تزوي�ر وتزيي�ف العمل�ة املعدني�ة أو الورقي�ة يف معظم
األحوال جرائم دولية ،وذلك ألن من مصلحة املزورين أو املزيفني أو الذين
يس�تعملون العمالت املزيفه أو املزورة أو يدخلون يف التداول أن ينش�طوا يف
بلدان غري البلدان التي وقع التزوير أو التزييف فيها.
ومن البيانات التي حصلت عليها املنظمة الدولية للرشطة اجلنائية س�نة
1986م ،اتض�ح أن الدوالر األمريكي كان أكثر العملات تزويرا أو تزييف ًا
س�واء بالنس�بة لعدد القضايا ومقدار األوراق املضبوطة أو بالنس�بة حلاالت
التزيي�ف التي ترسبت إىل التداول العامل�ي .حيث إنه يمثل عملة عاملية كثرية
الت�داول عرب ال�دول مما جيعل فرص�ة الوقوع يف اجلريمة كثيرة احلدوث من
جانب األفراد املعتدى عليهم عن طريق تقديم هذه العملة املزيفة هلم مقاب ً
ال
لس�لع وخدمات يقدموهنا حلاميل هذه األوراق املزيفة مم�ا خرق ًا للذمة املالية
هلم.
وأكث�ر ما يكون التزيي�ف يف األوراق ذات القيمة الكبيرة ،مثل الورقة
ذات املائ�ة دوالر ،أو ذات املائتي فرنك فرنيس ،أو ذات املائة مارك ،أو ذات
اخلمسني لرية إيطالية.
وقد أصبح واضح ًا أن تزييف العملة يرتبط عىل الصعيد العاملي بأنشطة
إجرامية أخرى مثل هتريب املخدرات والقوادة واإلجرام العنيف.
ويعم�ل «االنرتب�ول» من�ذ قيام�ه س�نة 1923م ،على مكافح�ة جرائم
تزيي�ف العملة والوقاية منها وكان ل�ه دوره البارز يف اعداد االتفاقية الدولية
بش�أن مكافح�ة تزييف النقد التي وقع عليها يف عه�د عصبة األمم يف جنيف
يف 26أبريل 1929م ،وأنش�أت مركز (تزييف النقد) يف الهاي ،وهو املركز
الذي تتجمع فيه البيانات الدقيقة عن العمالت املزيفة والذي يمكن الرجوع
320
إليه يف الناحيه الفنية املتصلة بالتزييف ومع مرور الوقت أصبحت اإلنرتبول
بمثاب�ة الوكال�ة املركزية الدولية ملكافحة تزييف النق�د ،فهي التي تتوىل مركز
حتلي�ل وبث املعلومات التي تس�هل هذه املكافحة وهي املرجع بش�أن وقائع
التزييف املكتشفة ،سواء تعلق ذلك بالتحاليل يف املخترب أو تسجيل وتصنيف
املعلوم�ات أو حتد رموز دولية ،أو توصيف وب�ث التوصيفات ،ثم هي تدير
بنك ًا للمعلومات حول مس�تندات القيمة األصلية (عمالت ورقية أو معدنية
ش�يكات س�فر ،ش�يكات بنكي�ة) إذ تس�جلها وتصنفه�ا وتذي�ع أوصافه�ا،
وتص�در اإلنرتبول حالي ًا جملة (تزويرات وتزييفات بلغات مخس هي األملانية
واالنجليزي�ة والعربية واألس�بانية والفرنس�ية) ،وتتضم�ن اخلصائص الفنية
لوقائ�ع التزوير املكتش�فة وخصائص األوراق األصلية ملائة ومخسين دولة،
وأوراقا ً نقدية مل تعد مس�تعملة وش�يكات سفر أصلية ،وهو ما يفيد الرشطة
املحلية يف الكش�ف عن اجلرائم النقدي�ة املرتكبة ،وهو ما يعد واجب ًا عليها يف
احلفاظ عىل حق الفرد يف امللكية وعدم وقوعه يف جرائم النصب.
2ـ جرائم البيئة
يتعاظم يف العرص احلديث االهتامم بالبيئة بعد أن امتدت اليها يد االنسان
بطريقه غري مألوفة من قبل بالتدمري واالتالف ،حتى اصبحت حياة االنسان
نفسه يف خطر نتيجة لذلك.
وهك�ذا ب�دأ الع�امل يف أواخ�ر الق�رن العرشين يعق�د املؤمت�رات ويضع
االتفاقي�ات ويصدر الترشيعات التي تس�تهدف محاية البيئ�ة التي يعيش فيها
االنسان ،والذي من حقه العيش يف حياة خالية من التلوث.
واملضار التي تقع عىل البيئة سواء أكانت يف اجلو أو يف املاء أو يف االرض
321
ال للتجريم ،وقامت مؤسس�اتأو على الكائنات بكافة أنواعها أصبحت حم ً
وهيئات وأجهزة خمتلفة تسعى مجيع ًا إىل مكافحة جرائم البيئة.
أ ـ االجتار يف النفايات السامة
أصب�ح موض�وع هتري�ب النفايات ،الس�امة التي تتخل�ص منها الدول
الصناعي�ة الكبرى إىل الدول النامية أم�ر ًا بالغ اخلطورة عىل احلي�اة البيئية يف
ه�ذه ال�دول االخرية ،وه�ي دول ال تتواف�ر فيها ع�اد ًة اإلمكان�ات الالزمة
لكش�ف ومراقب�ة حترك النفايات عبر أراضيها( ، )1اذ ال يوج�د لدهيا أجهزة
أو خمتبرات أو ك�وادر مدربة أو قوانين بيئة مالئمة ،يضاف إىل ذلك فس�اد
منتشر يف بعض هذه ال�دول بني املس�ؤولني والعاملني فيها ،ووس�ائل غش
ملتوي�ة وتكالب عىل مج�ع الثروات دون مراعاة ملصلح�ة عامة ،األمر الذي
ييرس دخول االطنان من النفايات الس�امة ترد اليها مغلفة تغليف ًا جيد ًا ،حتت
مس�ميات عديدة متنوعة ثم يكش�ف م�ا هبا دون مب�االة ليتدفق يف االرايض
النائبة أو الصحاري الواسعة أو يف البحريات البعيدة.
واملعروف أن جتارة النفايات تتدفق من الدول الغربية غالب ًا ومن الدول
الصناعية الكربى عاد ًة عىل الدول النامية ،وخصوص ًا يف أفريقيا ،ويتوس�ط
يف ه�ذه التجارة وس�طاء يدفع هلم يف الطن الواح�د أحيان ًا ثالثة آالف دوالر
ليحملوه إىل الدول املستوردة الفقرية بخمسني دوالر ًا فقط.
والسبب يف تصدير النفايات هو أن الدول املصدرة ال تستطيع التخلص
منها.
( )1طارق خرض ،ورقة عمل بعنوان (اسرتداد النفايات اخلطرة إحدى جرائم االعتداء
عىل البيئ�ة) مقدمة لندوة (جرائم البيئة) بمركز بحوث الرشطة باكاديمية الرشطة
يونيو 2000م.
322
وكان ينبغ�ي حس�ب االص�ل أن تعالج مث�ل هذه امل�واد معاجلة خاصة
تتخل�ص هبا من الس�موم ،ولك�ن تكلفة معاجلتها أكرب م�ن تكلفة تصديرها
بعيد ًا يف دول أخرى.
وم�ن املؤس�ف أن بعض ه�ذه النفايات تلق�ى يف البح�ار املفتوحة دون
مب�االة بخطره�ا على االحياء املائي�ة ،وكثري ًا ما منعت س�فن م�ن عبور قناة
السويس يشتبه يف محلها نفايات واردة من أوروبا.
وم�ن املؤس�ف كذلك ان 23دول�ة فقط من العامل صدق�ت عىل اتفاقية
ب�ازل حتى أوائل س�نة 1993م ،وهي االتفاقية التي تعال�ج التحكم يف نقل
النفاي�ات عرب احلدود وكيفي�ة التخلص منها ،ويعترب جهاز ش�ؤون البيئة يف
مصر هو املختص بش�ؤون البيئ�ة وينبغي عليه ب�ذل اجلهد الكثير من اجل
احلفاظ عىل بيئة نظيفة خالية متام ًا من تلك النفايات التي متثل أش�د االرضار
عىل حياة االنسان.
ب ـ تعريض البيئة ملخاطر االشعاع النـووي
مل يثب�ت حتى اآلن أن تعريض البيئة لالش�عاع النووى ق�د وقع عمد ًا ،
وانما الذي حيدث ه�و االمهال يف صيانة وادارة املفاعلات النووية فيترسب
منه�ا االش�عاع الذري ويصي�ب البيئة كله�ا بام فيه�ا من االنس�ان واحليوان
والنبات والرتبة واملياه.
وربما كان اول ح�ادث م�ن هذا الن�وع هو ح�ادث حمطة تولي�د الطاقة
النووي�ة يف (ث�رى ماي�ل أيالن�د) يف الواليات املتح�ده يف م�ارس 1979م،
وترتب عىل ترسب االش�عاع النووي منه إخالء املنطقة املحمية به من مائتي
ألف شخص.
ث�م جاءت بع�د ذلك كارث�ة (بوبال) يف اهلند س�نة 1984م ،ث�م كارثة
تشرينوبيل يف االحتاد السوفيتي سنة 1986م وهي الكارثة التي امتد رضرها
323
إىل معظ�م الدول االوروبية عىل مس�افة آالف االميال وترتب عليها خس�ائر
فادحة يف بيئة اوروبا الرشقية.
ومنذ ذلك الوقت تسن الدول الترشيعات املختلفة للوقاية من االرضار
املحتمل�ة م�ن حمطات تولي�د الطاق�ة النووية ،ب�ل ان بعض ال�دول قد رأت
ع�دم قي�ام مثل هذه املحطات يف اراضيها عىل الرغ�م من رضورهتا للصناعة
والزراع�ة والطاقة ،ترتب عىل صدور الترشيعات املختلفة يف هذا الش�أن أن
ظه�رت ما يطل�ق عليها جرائ�م املفاعالت النووي�ة ،ايامن ًا منه�ا بأمهية حياة
االفراد واحلفاظ عليهم من كل ما يمثل اعتدا ًء عىل صحتهم.
وربما كان�ت اهم امله�ام التي تلق�ى عىل عات�ق الرشطة عن�د انفجار أحد
املفاعلات النووية أو ترسب االش�عاع النووي منه ه�ي اخالء املناطق املحيطة
به من س�كاهنا ،وقد تتس�ع هذه املناطق آلالف االميال ويصل عدد س�كاهنا إىل
املاليين الذي�ن يصبحون يف حاجة إىل الوقاية الرسيعة من اهلالك وس�ط موجة
عالية من الذعر واالضطراب اجلامهريي الذي قد يدفع اجلامهري ـ طلب ًا للنجاه إىل
أنواع من الس�لوك التلقائي الشاذ أو االجرامي ،وخصوص ًا اذا تعذر تسكينهم
أو ايواؤهم وامدادهم بالغذاء والغطاء وحاجاهتم املعيشية الرضورية.
وهنا تصبح مهمة الرشطة صعبة للغاية فهي التي تواجه غضبة اجلمهور
إذا مل جي�د العناية الكافية يف مثل هذه االحوال ،وهي التي تتحمل مس�ؤولية
محاية النفس واملال اذا ما تعقدت األمور.
وملا كان النشاط االجرامي أو االرهايب الذي يسود العامل أحيانا قد يمتد
إىل املفاعالت النووية بقصد احداث التخريب أو التدمري أو احداث مأس�اة
ال نووي ًا
أو كارثة كربى ال تبقي وال تذر ،فان واجب الدول التي تنشئ مفاع ً
أو اكثر ان تضع يف اعتبارها األول كيفية محاية مثل هذا املفاعل ضد أي نشاط
إجرامي فردي أو مجاعي.
324
جـ ـ تلويث املياه
بع�د الث�ورة الصناعية الكبرى يف العامل احلدي�ث وما ترت�ب عليها من
رضورة ترصيف نفايات الصناعة وخملفات االنتاج الزراعي واحليواين بعيد ًا
عن البحار والبحريات واالهنار التي يستخدمها االنسان(.)1
وبعد ان اتسعت وتعددت مرشوعات الرصف الصحي يف املدن والقرى
وم�ا ترت�ب عىل ذلك م�ن رضورة البحث عن وس�ائل معاجل�ة مياه الرصف
الصحي أو احتوائه يف أماكن بعيدة عن االستخدامات البرشية.
وبعد ان اتس�ع إىل اقىص حد اس�تخدام املبيدات احلرشية حلامية الزراعة
وم�ا ترت�ب عىل ذلك من رضورة البحث عن وس�يلة مأمون�ة لترصيف املياة
امللوث�ة بع�د ري االرض بما حتمل�ة من اث�ار تلك املبي�دات واث�ار املركبات
الكميائية االخرى الضارة التي تفرزها الرتبة بعد الري ،وماله من تأثري عىل
املنتجات الزراعية وهي بدورها هلا أشد التأثري عىل صحة الفرد.
وبع�د ان اتض�ح ان مياه البحريات واالهنار يف كثير من الدول تتعرض
للتلوث نتيجة ترصيف املياه امللوثة املشار اليها يف جمارى االهنار والبحريات.
بع�د ذل�ك كله كان م�ن الضرورى احلفاظ على صالحية املي�اه املعدة
للرشب أو الري أو حياة االسامك والكائنات البحرية االخرى من التلوث.
وهك�ذا تص�در الترشيع�ات يف معظم ال�دول حلامية املياه م�ن التلوث ،
وخصوص ًا يف الدول التي تعترب االهنار والبحريات رشيان حياهتا.
( )1صلاح هاش�م مجعة ،املس�ؤولية الدولية عن املس�اس بسلامة البيئ�ة البحرية ،دار
النهضة العربية ص 29وما بعدها .
325
وكان�ت مصر (التي تعترب النيل رشي�ان حياهتا) من أوائ�ل الدول التي
تص�در الترشيع�ات حلامية املس�طحات املائي�ة ،والتي انش�أت رشطة خاصة
لذل�ك ه�ي رشطة املس�طحات املائي�ة ،لتنفي�ذ الترشيعات الص�ادرة يف هذا
الشأن ،وهي ترشيعات تضع عقوبات جنائية عىل خمالفة احكامها ،ومن هنا
كان املصطلح اجلديد (جرائم امليــاه).
وكان القان�ون رقم 196لس�نة 1953م ،ه�و أول قانون ينظم رصف
املخلف�ات الس�ائلة من املحلات التجارية والصناعية يف جم�اري املياه ،وهو
القانون الذي اجاز رصف املخلفات الس�ائلة لعمليات الرصف الصحي إىل
املجاري املائية بعد احلصول عىل ترخيص من وزارة االشغال العمومية.
وبع�د ذلك صدر القانون 93لس�نة 1962م ،بش�أن رصف املخلفات
السائلة ،ثم أعقبه القانون 48لسنة 1982م ،يف شأن محاية هنر النيل واملجاري
املائي�ة من التلوث ،فحظر الق�اء املخلفات الصلبة أو الس�ائلة أو الغازية من
العقارات واملحال واملنش�آت التجارية والصناعية والسياحية ومن عمليات
الرصف الصحي وغريها يف جماري املياه عىل كامل مساحتها وأطواهلا اال بعد
احلص�ول عىل ترخيص من وزارة الري يف احلاالت ووفق الضوابط واملعايري
التي يصدر هبا قرار من وزير الري بناء عىل اقرتاح وزير الصحة.
وحظ�رت املادة 4م�ن القانون الترصي�ح بإقامة أية منش�آت ينتج عنها
خملفات ترصف يف جماري املياه.
وألزم�ت املادة اخلامس�ة ملاك العائامت الس�كنية والس�ياحية وغريها
املوجودة يف جمرى النيل وفرعيه بإجياد وس�يلة لعلاج خملفاهتا أو جتميعها يف
اماكن حمددة والقائها يف جماري الرصف الصحي.
ث�م نصت امل�اده 16عىل عقوبات اجلرائ�م التي تق�ع باملخالفة للقانون
وهي احلبس والغرامة.
326
وعلى الرغ�م من وج�ود النص�وص الترشيعية التي حتمي املس�طحات
املائي�ة يف مصر ،ف�إن هذه النص�وص مل توضع موض�ع التنفيذ املالئ�م ،إما
بس�بب انع�دام الوعي أو ضع�ف الوعي لدى مجه�ور بأمهية صيان�ة املياه أو
الالمب�االة بمخالف�ة القان�ون ،وام�ا لضعف الرقاب�ة من جانب الس�لطات
االداري�ة املس�ؤولة وضعف امكاناهت�ا لتطبيق القانون عىل م�ن خيالفه ،االمر
الذي ترتب عليه تعرض املسطحات املائية لتلوث خطري ،وبالتايل التأثري عىل
املنتجات الزراعية وصحة االنسان.
( )1راج�ع بحث� ًا بعن�وان ح�ق املواطن يف األم�ن ،صادر ع�ن املركز القوم�ي للبحوث
االجتامعية واجلنائية .
327
اجلريم�ة يدرك بجالء ارتكازها عىل العديد من االس�س الت�ي يمكن إمجاهلا
فيام ييل:
1ـ إجراء الدراسات العميقة لالحاطة بكافة العوامل املؤثرة يف الظاهرة
االجرامية.
2ـ وضع اخلطط الكفيلة بإجهاض دورة الس�لوك االجرامي واحليلولة
دون اكتامل عنارصها.
3ـ الرتكيز عىل القيم الفكرية واملبادئ اخللقية املوجهة للسلوك اإلنساين
السوي.
4ـ حس�ن تطبيق مقومات السياس�ة اجلنائية املعارصة بشكل حيول دون
استفحال الظاهرة االجرامية.
5ـ االهتامم باملؤسس�ات العقابية وأعامل منهج التفريد دون انتقال الفن
االجرامى بني املذنبني.
6ـ االهتمام برس�الة االعلام األمن�ي والرتكيز على دوره يف جمال منع
وضب�ط اجلريمة وهو ال�دور الذي تقوم به عىل اكم�ل وجه االدارة
العام�ة لالعلام والعالق�ات ب�وزارة الداخلي�ة من خالل وس�ائل
االعالم بكافة صورها سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة(.)1
7ـ حتديث املعلومة األمنية ،والعمل عىل تنويع مصادرها.
8ـ االهت�ام باجلمهور وتش�جيعه على اداء دوره األمن�ي باعتباره رجل
األمن األول.
( )1حمم�ود الكايبي ،رشح قانون هيئة الرشط�ة ،الطبعة االوىل 1968 ،م ،ص 47وما
بعدها.
328
9ـ حتقيق اقىص قدر من التوازن املنش�ود بني مقتضيات العدالة اجلنائية
واعتبارات اجلريمة الفردية.
10ـ متكني اليات العدالة اجلنائية من حسن القيام بدورها دون تسويف
أو مماطلة.
11ـ فتح باب التوبة النصوحة لكل جاد للحيلولة دون تورطه يف املزيد
من اجلرائم.
12ـ تكثيف التواجد األمني الفعال يف مناطق االلتهاب االجرامي.
13ـ تركيز اسرتاتيجية املواجهة األمنية عىل خطط منع اجلريمة للحيلولة
ابتداء دون امتامها.
14ـ تعمي�ق قن�وات االتصال والتعاون الدويل لتب�ادل اخلربات األمنية
وحتقيق خطة التكامل املعلوماتية.
15ـ حتدي�ث كاف�ة وس�ائل وأدوات العمل الرشطي لتحقيق الس�يطرة
األمنية املانعة للجريمة.
16ـ تعق�ب ج�ذور االجرام ومص�ادر امتامه وفق ًا ملا تشير اليه الدالئل
الكافية الدالة عليه.
17ـ وض�ع خطط الرعاية الالحقة الكفيلة بمنع تورط املفرج عنهم يف
املزيد من اجلرائم اجلديدة.
ومما س�بق يتضح أن أهم ما يميز املنظور األمني املرصي الستراتيجية
منع اجلريمة هو رعاية كافة حقوق االنسان الواردة يف االعالن العاملي حلقوق
االنسان وعدم انتهاكها أو املساس هبا.
329
5 . 1اخلامتة والتوصيات
1ـ اخلامتة
وختام ًا هلذه الورقة البحثية فانني قد عرضت لآلليات الدولية والوطنية
املتعلقة بحامية حقوق اإلنس�ان ثم المهي�ة ان يكون رجل األمن مل ًام بمبادئ
حقوق اإلنسان ،ومعرفة حدود السلطة التي يتمتع هبا يف مبارشة عمله الشاق
املتمث�ل يف محاية اإلنس�ان والدف�اع عن امنه وكل ما من ش�أنه ان يعكر صفو
الشعور هبذا األمن ،وانه قد استمد هذه السلطة من خالل الدستور والقانون
ال�ذي ه�و اوالً وقب�ل كل يشء حيكم العالق�ة بني رجال األم�ن واملواطنني،
وايامن ًا من احلكومة املرصية بامهية احرتام االنس�ان وحرياته فقد كانت مرص
من اوائل الدول التي سامهت بجهد مميز يف االنشاء والتصديق عىل العديد من
االتفاقيات واملعاهدات االقليمية والدولية املهتمة بحقوق االنسان وانشئت
اآللي�ات الوطنية التي تضم�ن تنفيذ وتطبيق تلك االتفاقي�ات التي صادقت
عليها ،ومع التطور الذي نلمس�ه يف فن واس�اليب ارت�كاب اجلرائم ووجود
ان�واع حديث�ة من اجلرائ�م مل يكن هلا وجود م�ن قبل ومل تتناول�ه الترشيعات
والقوانني جاءت اسرتاتيجية وزارة الداخلية املرصية لتؤكد انه ليس من سبيل
لتحقيق محاية حقوق االنس�ان اال الصدق يف االداء واالخالص يف العطاء..
وااللتزام يف كل التعامالت بالرشيعة وسيادة القانون وحسن معاملة اجلامهري
والتف�اين يف تقديم اخلدمات واملس�اعدات للمواطنني واحلفاظ عىل كرامتهم
واحرتام حقوق االنسان وصون حرياته االساسية.
2ـ التوصيات
1ـ العم�ل عىل املواءمة بين تطبيق حقوق االنس�ان ومحايتها من خالل
الفهم الرش�يد للمفاهيم احلديثة للحريات االساسية بام ال يتعارض
330
مع ترفيق األمن ،وذلك من خالل نرش ثقافة التعبري وكيفية ممارس�ه
تل�ك احلقوق باملفاهي�م الصحيحة عن طريق تدري�س مادة حقوق
االنسان امتداد ًا من املدارس يف صفوفها االعدادية وحتي اجلامعات
بجميع مراحلها.
2ـ العم�ل على رضورة تطبيق القوانين عىل مجيع اف�راد املجتمع وعدم
التمييز بينهم الي سبب كان حتى تتم املساواة بني اجلميع يف احلقوق
والواجبات.
3ـ االهتامم بمعرفة األمن ،وتوفري كل االحتياجات واالمكانات املادية
والبرشية ملواكبة التطور اهلائل يف اس�اليب ارتكاب اجلرائم املنتهكة
ألمن االنسان.
4ـ إع�داد وثيق�ة يف اطار الدس�تور والقانون توضح حق�وق وحريات
االفراد يف املجتم�ع ومدى التزام رجل الرشطة هبا ويتم التوعية من
خالل وسائل االعالم املختلفة املرئية واملسموعة واملقروءة.
331
املراجـــع
اب�و املجد ،امحد كامل2006،م ،حقوق االنس�ان يف االسلام ،كتاب املعايري
الدولي�ة وضامنات محاية حقوق االنس�ان يف الترشيع�ات املرصية،
الربنامج االئتامين لالمم املتحدة القاهرة ص .16
متيي�م ،ضاحي خلف�ان1422 ،هـ 2001 -م ،الرشطة وحقوق اإلنس�ان يف
املنظ�ور الوطني «بحث تطبيق�ي» ،مقدم إىل جامع�ة نايف العربية
للعلوم األمنية الرياض ،ص .145
مجعة ،صالح هاش�م ،املسؤولية الدولية عن املس�اس بسالمة البيئة البحرية،
دار النهضة العربية ص 29وما بعدها.
مجع�ة ،عم�رو2004،م ،منظومة حقوق اإلنس�ان يف مائة ع�ام اجلزء الثاين،
مكتبة األرسة ،ص .62
خضر ،ط�ارق2000،م ،ورق�ة عمل بعن�وان (استرداد النفاي�ات اخلطرة
اح�دي جرائم االعتداء على البيئة) مقدم�ة لندوة (جرائ�م البيئة)
بمركز بحوث الرشطة باكاديمية الرشطة.
خليل ،س�ناء س�يد2005 ،م ،دراس�ة عن النظام القان�وين املرصي ومبادئ
حقوق اإلنس�ان ،مشروع بناء الق�درات يف جمال حقوق اإلنس�ان
القاهرة ،ص .57
راج�ع يف ذل�ك ندوة الصور املس�تحدثة جلرائ�م بطاقات الدف�ع اإللكرتوين
1997م ،الت�ي نظمه�ا مركز بح�وث الرشط�ة بأكاديمية الرشطة،
القاهرة.
راجع بحث ًا بعنوان حق املواطن يف األمن ،صادر عن املركز القومي للبحوث
االجتامعية واجلنائية.
332
الرشيدي1996،م ،امحد ،حقوق اإلنسان دراسة مقارنه يف النظرية والتطبيق،
دار النهضة ،ص .19
سالمة ،ابراهيم2006 ،م ،املواثيق الدولية حلقوق اإلنسان وموقف معرفها،
برنامج األمم املتحدة االئتامين ،ص .221
دراسة بعنوان (حقوق اإلنسان والدور األمني يف تفعيلها)2000،م ،صادرة
عن كلية الدراسات العليا بأكاديمية الرشطة ،ص 70ـ .71
س�امل ،عمر1995 ،م ،احلامية املدني�ة البطاقات الوفاء (دراس�ة مقارنة) ،دار
النهضة العربية ،ص 40وما بعدها.
الص�اوي ،عىل2006 - 2005 ،م ،حقوق االنس�ان يف القانون واملامرس�ة،
برنامج االمم املتحدة االئتامين ،ص .219
طنطاوي ،إبراهيم حامد1997 ،م ،سلطات الضبط القضائي ،ناس للطباعة
ص .141
عوض ،حمسن2006 - 2005 ،م ،املعايري الدولية حلقوق اإلنسان يف األداء
املهني لضباط الرشطة ،برنامج األمم املتحدة ،ص.121
غط�اس ،اس�كندر2006،م ،محاي�ة حق�وق اإلنس�ان يف التطبي�ق القضائ�ي
الدويل املقارن ،من كتاب املعايري الدولية حلقوق اإلنسان ،الربنامج
االئتامين لألمم املتحدة ،ص . 178
قشقوش ،هدي1992 ،م ،جرائم احلاسب االلكرتوين ،دار النهضة العربية،
ص 37وما بعدها.
الكايب�ي ،حمم�ود 1968 ،م ،رشح قانون هيئة الرشط�ة ،الطبعة االوىل ،ص
47وما بعدها.
333
مت�ويل ،عب�د احلميد ،الوس�يط يف القانون الدس�توري القاه�رة ،دار النهضة
العربية ص.298
حمم�د ،حممد ابو زيد2000 ،م ،بحث بعن�وان «الضوابط التنظيمية للحقوق
واحلري�ات العامة » منش�ور بمجلة كلية الدراس�ات العليا ،العدد
الثالث.
مهدي ،عبد الرؤوف1976 ،م ،املس�ؤولية اجلنائية ع�ن اجلرائم االقتصادية
منشأة املعارف ،االسكندرية ص .37
334