You are on page 1of 100

‫‪1‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬

‫لمحة عامة‬
‫يف اليــوم األول مــن أبريــل لعــام ‪ ،2000‬بــدأت شــركة أرامكــو ألعمــال اخلليــج نشــاطاتها واســتحوذت علــى حصــة حكومــة اململكــة العربيــة الســعودية يف املنطقــة‬
‫احملايــدة املقســومة ويف الوقــت ذاتــه‪ ،‬مثلــت شــركة الزيــت العربيــة اجلانــب الكويتــي يف املنطقــة‪ ،‬وشــرعت الشــركتان يف العمليــات املشــتركة وفق ـ ًا التفاقيــة‬
‫عمليــات إنتــاج النفــط املشــتركة املتعــارف عليهــا باســم «عمليــات اخلفجــي املشــتركة»‪.‬‬
‫وحســب اتفاقيــة عمليــات إنتــاج النفــط املشــتركة‪ ،‬مت تأســيس جلنتــن إلدارة عمليــات اخلفجــي املشــتركة‪ ،‬أولهمــا اللجنــة التنفيذيــة املشــتركة التــي تعــد‬
‫صانعــة القــرار األول وهــي التــي حتــدد سياســة عمليــات اخلفجــي املشــتركة‪ ،‬مبــا يف ذلــك برنامــج التشــغيل وامليزانيــة‪ .‬أمــا اللجنــة الثانيــة‪ ،‬فهــي جلنــة التشــغيل‬
‫املشــتركة التــي تعــد اجلهــة املشــرفة علــى العمليــات والنشــاطات اليوميــة‪.‬‬
‫وتتألــف كال اللجنتــن مــن ســتة أعضــاء مــن كال جانبــي االتفاقيــة‪ .‬ويف ‪ 4‬ينايــر ‪ ،2003‬انتهــت اتفاقيــة امتيــاز شــركة الزيــت العربيــة مــع حكومــة دولــة الكويــت‬
‫وحصلــت الشــركة الكويتيــة لنفــط اخلليــج علــى حصــة دولــة الكويــت يف النصــف غيــر املقســوم مــن املنطقــة املقســومة الســتهالل حقبــة جديــدة مــن العمليــات‬
‫املشــتركة بــن الشــركتني الوطنيتــن‪ ،‬وهمــا شــركة أرامكــو ألعمــال اخلليــج‪ ،‬التــي تديــر حصــة اململكــة العربيــة الســعودية والشــركة الكويتيــة لنفــط اخلليــج‬
‫التــي تديــر حصــة دولــة الكويــت لتمثــا منوذجـ ًا فريــد ًا مــن الشــراكة الناجحــة يف املنطقــة ‪.‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪2‬‬
‫اقرأ في هذا العدد‬

‫رئيس التحرير املسؤول‬


‫م‪.‬يحيى بن فرحان الغامدي‬
‫فهرس احملتويات‬
‫السنة الرابعة واخلمسون – العددان ‪ :‬الثالث ‪ -‬الرابع (‪ )٤ -٣‬مارس ‪ -‬أبريل ‪٢٠٢٤‬م‬
‫مدير التحرير‬
‫أنس ناجي ساملني‬
‫‪٥٤‬‬ ‫مدينة وتاريخ‬ ‫‪٤‬‬ ‫االفتتاحية‬
‫مشرف التحرير‬ ‫فاليتا ‪ ..‬مدينة نابضة باحلياة‬ ‫ثقافة الثمرة وثقافة اجلذور‬
‫سمير العاسمي‬ ‫شتيوي الغيثي‬
‫عبداهلل بن مهدي الشمري‬
‫‪٥٨‬‬ ‫ترجمات‬ ‫‪٥‬‬ ‫رؤى‬
‫مارتن إيدن‬ ‫قنطرة‪ ..‬رواية تكشف قدوم كاتب روائي‬
‫سكرتير التحرير‬
‫آسية السخيري‬ ‫د‪ .‬أحمد سماحة‬
‫وائل أحمد الهنيدي‬
‫‪٦٤‬‬ ‫آفاق‬ ‫‪٦‬‬ ‫الرواق‬
‫احلياة مع اخلوف والقلق‬ ‫والَعبق‬
‫العلِم َ‬
‫ناشُر ِ‬
‫الورق‪ُ ..‬‬
‫مشرف الدعم الفني‬
‫محمد احلمزة‬ ‫أحمد معروف شلبي‬
‫سليم بن محمد الطعيسان‬
‫‪٦٨‬‬ ‫مخترعون‬ ‫‪١٤‬‬ ‫نوافذ‬
‫حَّيان‬
‫جابر بن َ‬ ‫أروقة الثقافة يف أدبي الشرقية‬
‫ناشر إلكتروني‬ ‫مصطفى منر‬ ‫د‪.‬محمد عبد اهلل بودي‬
‫فيصل بن محمد العتيبي‬ ‫حديث الشعر والنثر‬ ‫صحتنا‬
‫‪٧٢‬‬ ‫‪١٦‬‬
‫كلب عبد احلميد الديب‬ ‫الفيتامينات واملكمالت الغذائية‪ ،‬كيف نعوضها؟‬
‫تصميم وإخراج‬ ‫السماح عبداهلل‬ ‫د‪ .‬ملياء البراهيم‬

‫محمد عبد املاجد العجب‬ ‫‪٧٦‬‬ ‫عيادة‬ ‫‪٢٠‬‬ ‫حكاية تربوية‬


‫املالحظة‪ ..‬املنحة الربانية‬ ‫أطفالنا بني اإلنترنت واأللعاب اإللكترونية‬
‫جنم الدين اإلبياري‬ ‫ناصر اخلياري‬

‫‪٨٠‬‬ ‫ثقافات‬ ‫‪٢٤‬‬ ‫مسيرة قلم‬


‫اَملَ ْل ُُْحون املغربي‬ ‫الُع ْْمر‬
‫صفحات من كتاب ُ‬
‫د‪.‬سعيد بوعيطة‬ ‫خليل الفزيع‬

‫‪٨٦‬‬ ‫إطاللة‬ ‫‪٢٨‬‬ ‫مساحة حرة‬


‫باسم فرات‬ ‫يف إيقاع قصيدة النثر‬
‫عبدالوهاب العريض‬ ‫سامي املسلماني‬

‫‪٩٠‬‬ ‫جماليات فنية‬ ‫‪٣٢‬‬ ‫اجتاهات ثقافية‬


‫اإلبرو ‪ ..‬ابداع فني على صفحة املاء‬ ‫الفلسفة األخالقية بني اإلطالقية والنسبية‬
‫خلف أحمد أبو زيد‬ ‫رجاء البوعلي‬

‫‪٩٢‬‬ ‫شعر‬ ‫‪٣٦‬‬ ‫خالصات‬


‫هنا يف الرياض‬ ‫أسرار السعادة يف العمل‬
‫محمد جبر احلربي‬ ‫نسيم الصمادي‬

‫‪٩٤‬‬ ‫فنون‬ ‫‪٤٠‬‬ ‫تربية‬


‫فلسفة صندوق باندورا كمصدر إلهام للمبدعني‬ ‫الدمج يف التربية اخلاصة‪ :‬تعريفه‪ ،‬أساليبه‪ ،‬فوائده‬
‫هدى العمر‬ ‫نذير الزاير‬

‫‪٩٨‬‬ ‫األخيرة‬ ‫‪٤٢‬‬ ‫محطات‬


‫يوم العلم السعودي‬ ‫ما مستقبل الطاقة الشمسية؟‬
‫عبداهلل مهدي الشمري‬ ‫د‪ .‬أبوبكر سعد اهلل‬

‫‪٩٩‬‬ ‫لوحة ‪/‬صورة‬ ‫‪٤٨‬‬ ‫موارد‬


‫يوم التأسيس‬ ‫يف أصل الكراهية وفصلها‬
‫بشرى على اليامي‬ ‫منصور مبارك املطيري‬

‫‪52‬‬ ‫فضاء‬
‫اإلنتاج الرشيق‪ :‬تعزيز القيمة وإزالة الهدر‬
‫م‪ .‬خالد العنانزة‬

‫أبو بكـر حامد األمني‬ ‫املراجعة اللغوية ‬

‫‪3‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫شتيوي الغيثي‬
‫أكادميي وكاتب وأديب سعودي‬
‫‪shtiwi4@gmail.com‬‬

‫االفتتاحية‬

‫ثقافة الثمرة وثقافة الجذور‬


‫أقصــد بذلــك أن الثقافــة الشــبابية _ إذا صــح التعبيــر _ تكتفــي مبــا هــو‬ ‫أكاد أجــزم أن اجملتمــع الســعودي يف مجملــه أصبــح مجتمع ـ ًًا متعلم ـ ًًا‪ ،‬حيــث‬
‫حاضــر مــن دون وعــي عميــق باألصــول اجملتمعيــة والثقافيــة لــكل مــا هــو‬ ‫حت ـ ّّول اجملتمــع إلــى التحديــث‪ ،‬خصوص ـ ًًا لــدى فئــة الشــباب الذيــن شــّكّ ل‬
‫حا ــضر‪.‬‬ ‫التعليــم‪ ،‬إلــى جانــب التطــورات اجملتمعيــة مــا بعــد الطفــرة‪ ،‬حتــى اآلن‪ ،‬وعيهــم‬
‫جنــد مـ ً‬
‫ـثًال أن الثقافــة الشــبابية قــادرة علــى ســرد العديــد مــن أســماء الروائــيني‪،‬‬ ‫الكلــي‪ ،‬ورمبــا كان جيــل األلفيــة _ إذا صــح الوصــف _ هــو األكثــر اتســاق ًًا‬
‫والفنــانني والعــادات الثقافيــة‪ ،‬وأســماء املواقــع اجلغرافيــة لــدى البلــدان‬ ‫مــع تطــورات اجملتمــع الســعودي احلديثــة‪ ،‬وحتديــد ًًا يف جانبيــه‪ :‬التقنــي‬
‫واحلضــارات األخــرى مــن شــرقية أو غربيــة مــن دون أن جنــد مثـ ً‬
‫ـيًال لذلــك يف‬ ‫والتواصلــي‪ ،‬األمــر الــذي جعــل الســعوديني مــن أكثــر اجملتمعــات اخلليجيــة‬
‫الداخــل‪ ،‬فال جنــد معرفــة عميقــة باملــوروث الشــعبي الســعودي لــدى غالبيــة‬ ‫والعربيــة حضــور ًًا يف غالــب احملافــل الثقافيــة واإلعالميــة والفنيــة والتقنيــة‪،‬‬
‫هــؤالء الشــباب‪ ،‬فال يــكادون يقــرأون للكاتــب العربــي أو الســعودي‪ ،‬أو رمبــا‬ ‫ويــكادون يكتســحون وســائل التواصــل بــكل أنواعهــا لوفــرة يف التعليــم‪ ،‬وكثافــة‬
‫تغيــب عــن معظمهــم أســماء الشــعراء‪ ،‬أو الروائــيني الســعوديني إال فيمــا نــدر‪،‬‬ ‫ســكانية‪ ،‬ووفــرة يف االســتقرار السياســي‪ ،‬إضافــة إلــى وفــرة يف احلضــور التقنــي‪.‬‬
‫أو تغيــب عــن أكثرهــم عــادات اجملتمــع وثقافتــه القدميــة‪ ،‬وكأنهــم يف حالــة‬ ‫ونتيجة لكل ذلك فإن معدالت القراءة ً‬
‫مثًال أصبحت عالية‪.‬‬
‫انقطــاع مــع الوعــي املتشــكل للماضــي البعيــد‪ ،‬أو القريــب‪ ،‬رغــم أنهــا متســهم‪،‬‬ ‫نشــهد ذلــك يف معــارض الكتــب التــي تطــوف املــدن الســعودية‪ ،‬وحتظــى بحضــور‬
‫أو متــس حياتهــم وواقعهــم أكثــر مــن أن متســهم ثقافــات اآلخريــن‪ ،‬فتراهــم‬ ‫ـضًال عــن املكتبــات املتوفــرة هنــا وهنــاك‪ ،‬وفـ ً‬
‫ـضًال عــن مجتمعــات‬ ‫كثيــف؛ فـ ً‬
‫يقــرأون روايــات اإلســباني‪ :‬كارلــوس زافــون‪ ،‬يف حني ال يعرفــون شــيئ ًًا عــن روايــات‬ ‫الــقراءة املصــغرة يف كل مديــنة‪.‬‬
‫عــواض شــاهر العصيمــي‪ ،‬أو أمــل الفــاران‪ ،‬التــي تــدور أحــداث رواياتهمــا يف‬ ‫هذا غير متابعة املسلسالت واألفالم السينمائية‪ ،‬وحضور اجملاالت الترفيهية‬
‫صحــاري اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬أو يعرفــون أســماء الفــرق الكوريــة ويجهلــون كثيــر‬ ‫واملهرجانــات العديــدة‪ ،‬ممــا مينحنــا قــدرة علــى رصــد كثافــة احلضــور الثقــايف يف‬
‫مــن الفنــانني الشــعبيني لدينــا‪ ،‬وبقــدر مــا يعطــي هــذا األمــر انطباعـ ًًا بانفتــاح‬ ‫الســعودية‪ ،‬وهــذا يقودنــا إلــى فرضيــة االطالع الواســع علــى الثقافــات العامليــة‬
‫اجملتمــع علــى اآلخــر انفتاح ـ ًًا كبيــرًاً؛ إال أنــه يعطــي انطباع ـ ًًا مقطــوع الصلــة‬ ‫مــن قبــل مجتمعنــا‪ ،‬حتــى صــارت الســعودية مركــز ًًا ثقافي ـ ًًا‪ ،‬يف الوقــت الــذي‬
‫بالثقافــة احملليــة‪ ،‬وبالطبــع ال أدعــو لقطــع الصلــة مــع ثقافــة اآلخريــن‪ ،‬ولكــن‬ ‫تراجعــت فيــه الكثيــر مــن املراكــز العربيــة األخــرى ألســباب ليــس هنــا محــل‬
‫كان مــن املفتــرض أن االنفتــاح علــى اآلخــر يعمــق الصلــة أكثــر يف فهــم الــذات‪،‬‬ ‫حتليلهــا‪.‬‬
‫وأظــن أن الســبب الرئيــس يف ذلــك يعــود إلــى االكتفــاء بقطــف الثمــار الثقافيــة‬ ‫لكــن‪ ،‬ومــع كل ذلــك‪ ،‬فإننــا نالحــظ أن غالــب هــذا الوعــي إمنــا هــو وعــي يكتفــي‬
‫مــن دون معرفــة جذورهــا فهــو مشــغول مبعرفــة حاضــره مــن دون انشــغاله‬ ‫بقطــف الثمــرة مــن دون الذهــاب بعيــد ًًا يف فحــص اجلــذور الثقافيــة التــي‬
‫باملــوروث الــذي شــّكّ ل هــذا احلاضــر‪.‬‬ ‫أنتــجت تــلك الثــمار‪.‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪4‬‬
‫د‪ .‬أحمد سماحه‬
‫كاتب وناقد وإعالمي مصري ‪ -‬مستشار ثقايف مركز األدب العربي‬
‫ومسؤول حترير مجلة النص اجلديد‬
‫رؤى‬
‫‪raaan80@gmail.com‬‬

‫�قـــنــــطـــــرة‬
‫رواية تكشف عن قدوم كاتب روائي‬

‫الزمــان ويف تأثيــر املتغيــرات علــى شــخصيات هــذا املــكان‪.‬‬ ‫عبــر مجلتنــا "اخلفجــي" اســمحوا لــي أن أتوقــف عنــد روايــة ســعودية لروائــي ســعودي‬
‫ويقــدم لنــا الروائــي الواقــع الــذي عايشــه وحيــد مــع الفــن‪ ،‬أحــداث ســريعة وكثيــرة جعلتــه‬ ‫موهــوب هــو "أحمــد الســماري"‪ ،‬وملــن قــرأ الروايــة رمبــا يــدرك أنــه أمــام روايــة ســيرة‬
‫كّيــف مــع الوحــدة والعــزف والغنــاء رغــم العــوز والديــن‪.‬‬
‫يت ّ‬ ‫شــخوص‪ ،‬وســيرة أماكــن‪ ،‬وأكــد الروائــي علــى ذلــك بقولــه‪ :‬إنهــا مســتلهمة مــن مرحلــة‬
‫ويحكــي لنــا عــن مغامراتــه العاطفيــة وحبــه لســارة‪ ،‬جتربــة قاســية وأحــداث متتاليــة‬ ‫واقعــية أحداثــها حقيقــية‪ ،‬وإن كاــنت الــشخصيات واملواــقف ــمن نــسج اخلــيال"‪.‬‬
‫تعــدت حتــى البعــد الزمنــي املتخيــل للقــارئ ودفعتــه إلــى عوالــم عديــدة‪.‬‬ ‫الروايــة التــي اعتبرهــا شـكاًلا مــن أشــكال طقــوس االعتــراف عبــر رؤى مخادعــة‪ ،‬ومغايــرة‬
‫يف الفصــل الثانــي ينقلنــا الكاتــب إلــى واقــع مكانــي مت ّّثــل يف حــي شــعبي هــو (الطراديــة)‬ ‫غّيــرات مفاجئــة مت ّّثلــت يف حيــاة‬‫مت ّّثلــت يف األغانــي ويف الهــروب مــن واقــع مؤلــم‪ ،‬ومت ّ‬
‫انتقــل إليــه وحيــد‪ ،‬وهنــاك تعـ ّّرف علــى "ســارة" الشــخصية األخــرى أو املأســاة األخــرى‪.‬‬ ‫البطــل "وحيــد" الــذي جــاء اســمه معبـ ًـًرا عــن ذات ووحــدة وتفــرد توزعــت بني أربعــة‬
‫وتتوالــى أحــداث الروايــة ليضيــف لنــا الكاتــب مرحلــة جديــدة‪ ،‬وانفتاحـ ًًا جديــد ًًا مت ّّثــل يف‬ ‫أصــوات هــم‪ :‬وحيــد وســارة وخالــد وعبــد اهلل العــب الكــرة‪.‬‬
‫انتشــار الفن‪ ،‬والطرب‪ ،‬واألســطوانات‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫إننــا يف الروايــة أمــام شــخصيات وفصــول وســير ذاتيــة‪ ،‬وســير غيريــة ونهايــة مفتوحــة‬
‫راٍو يحيلنــا‬ ‫يف الفصــل الثالــث وحتــت عنــوان‪" :‬مــن املنت إلــى الهامــش" نكــون إزاء ٍ‬ ‫وكأنهــا تشــير إلــى املغيــب الــذي ميكــن أن يشــرق ثانيــة‪ ،‬وهــذا مــا تركنــا الكاتــب لنفكــر‬
‫إلــى مرجعيــة جديــدة لعوالــم القصــة تكشــف عــن نفســها‪ ،‬وتتبــدى مــن خالل الســرد‬ ‫فيــه‪.‬‬
‫والشــخصيات واملــكان‪.‬‬ ‫أربعــة فصــول وأربــع شــخصيات أوقفنــا أمامهــا الكاتــب‪ ،‬فالبطــل الــذي مــات وحيــًدً ا علــى‬
‫راٍو آخــر قابلــه وحيــد يف الســجن وهــو العــب كــرة "عبــد اهلل" الــذي كان ميلــك مكتبــة لبيــع‬ ‫ٍ‬ ‫مقعــد يف اخلالء انتقــل مــن مــكان إلــى مــكان‪ ،‬ومــن صداقــة إلــى صداقــة‪ ،‬ومــن عمــل إلــى‬
‫الكتــب‪ ،‬طلــب منــه وحيــد أن يعــود لعملــه وأن يكتــب روايــة عــن الفــن الشــعبي الــذي كان‬ ‫عمــل مغايــر‪ ،‬ومــن احلريــة إلــى الســجن‪.‬‬
‫(قنطــرة) لتطــور الفنــون املوســيقية والغنائيــة يف اململكــة‪.‬‬ ‫إن "قنطــرة" هنــا التــي جعلهــا الروائــي مــن دون تعريــف محــدد تقودنــا إلــى كل هــذه‬
‫هنــا يوقفنــي الكاتــب أمــام هــذا الوصــف ألعــود إلــى العنــوان وأقــول‪ :‬رمبــا هــذا هــو الســبب‬ ‫اجلوانــب واملفارقــات‪ ،‬وتداخــل الشــخصيات والعالقــات وتكشــف لنــا عــن جوانــب عديــدة‬
‫الــذي دفــع بالروائــي إلــى اختيــار عنــوان‪ " :‬قنطــرة" لروايتــه‪.‬‬ ‫لــم يكــن يعرفهــا الكثيــر ممــن عاشــوا يف املــكان‪.‬‬
‫تقودنــا ســارة عبــر اجلــزء الرابــع مــن الفصــل الثالــث كراويــة لتكشــف لنــا عــن أحــداث‬ ‫راٍو عليــم يــروي بضميــر املتكلــم‪،‬‬‫يف تلــك الروايــة وعبــر فصولهــا األربعــة جتــد أن ثمــة ٍ‬
‫عديــدة ترتبــط بهــا وبالواقــع الــذي تعيشــه‪.‬‬ ‫ويكشــف أبعــاد الواقــع عبــر جتربتــه الذاتيــة‪.‬‬
‫هكــذا ننتقــل مــن حــدث إلــى حــدث ومــن شــخصية إلــى أخــرى‪ ،‬ومــن مــكان إلــى آخــر‬ ‫حيــاة البطــل "وحيــد" مثيــرة ومربكــة ومغايــرة ومؤملــة‪ ،‬والروائــي الــذي جعــل "وحيــد"‬
‫لنرصــد عناصــر عديــدة ترتبــط بالواقــع وبالســلطة واحليــاة والشــخوص عبــر مــا يحــدث‬ ‫وأيًضــا الــرواة اآلخــرون بضميــر املتكلــم جعلنــا نشــعر أننــا أمــام شــكل مــن أشــكال‬ ‫يــروي ً‬
‫لوحــيد اــلذي ــمات وــهو ناــئم عــلى مقــعد يف حديــقة عاــمة وحقيبــته بجانــبه‪.‬‬ ‫طقــوس االعتــراف عبــر رؤى مغايــرة (ومخادعــة) أحيا ًًنــا‪ ،‬مت ّّثلــت يف األغانــي والهــروب‬
‫ميتلــك "أحمــد الســماري" قــدرات حكائيــة‪ ،‬فنحــن يف الروايــة وعبــر مــا رواه لنــا الــرواة‬ ‫مــن واقــع مؤلــم‪.‬‬
‫األربعــة وخصوص ـ ًًا وحيــد الــذي قدمــه الكاتــب كشــخصية لهــا وجهــة نظــر واهتمــام‬ ‫كذلــك حيــاة "ســارة" التــي ظلــت قيــود العبوديــة تكبلهــا‪ ،‬والتــي كشــف عنهــا الروائــي بألــم‬
‫وأيًضــا كشــخصية ضائعــة حطمتهــا األحــداث واألقــدار‪ ،‬نرصــد لبنائيــة ســردية‬ ‫بنفســها‪ً ،‬‬ ‫عبــر وقائــع حياتهــا منــذ املــيالد وحتــى املــرض واملــوت‪.‬‬
‫ملفتــة‪ ،‬فالكاتــب جعــل العالقــة بني الــذات ومــا ترويــه أو تشــير إليــه وثيقــة‪ ،‬فهــي بــؤرة‬ ‫وأيًضــا‬
‫ويجــيء املــكان كبطــل مــن أبطــال الروايــة فهــو الشــاهد األبــرز ملعاناتهــم وآالمهــم ً‬
‫الســرد والفاعلــة للحــرف علــى مســتوى التحقــق الفــردي واملفعــول بهــا علــى مســتوى‬ ‫متغيــرات الواقــع االجتماعــي‪.‬‬
‫التحقــق االجتماعــي‪.‬‬ ‫رحلــة مثيــرة ومدهشــة قــام بهــا الروائــي عبــر شــخصية ليســت يف املــكان فقــط‪ ،‬ولكــن يف‬

‫‪5‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫أحمد معروف شلبي‬
‫شاعر وناقد وباحث عضو احتاد كتاب مصر‬
‫‪shalaby_58@hotmail.com‬‬

‫الـ ـ ـ ـ ـ ــرواق‬

‫الـــــــــورق‬
‫َع ََبق‬
‫ِم وال َ‬ ‫ُرش ال ِ‬
‫ِعْلْ ِ‬ ‫نا ُ‬
‫لــم أزل – رغــم مــرور عقـ ٍ‬
‫ـوٍد مــن الســنوات وعقــود ‪ -‬أذكــر رائحــة تلــك الصحــف األولــى‪ ..‬نعــم إنهــا رائحــة تســكن الذاكــرة‪ ،‬منــذ أن كنــت‬
‫أحمــل (جــزء عـ َـَّم) ذا الــورق األصفــر الــذي يفــوح برائحــة غريبــة كنــت أتخيلهــا رائحــة القــرآن الكــرمي‪ ،‬أحملــه بفخــر واعتــزاز يف رحلتــي‬
‫اليوميــة إلــى (ُكُ َّتَ ــاب الشــيخ صالــح) وأنــا ابــن أربــع سـ ٍ‬
‫ـنواٍت قبــل التحاقــي باملرحلــة االبتدائيــة يف ســتينيات القــرن املاضــي‪ ،‬أتأمــل الزخــارف‬
‫تفاصيِلهــا‪ ،‬ولكــن كنــت أرســمها يف اللــوح اخلشــبي‬
‫ِ‬ ‫اجلميلــة التــي تزيــن الصفحــات بني الســور القصيــرة‪ ،‬واحلــروف التــي لــم أكــن مــدرًكً ا‬
‫ـاٍب ي ْْبريــه لــي والــدي ‪-‬رحمــه اهلل ‪ -‬بعــد َغَ ْْم ِِســه يف احملبــرة بأمــر مــن الشــيخ نـ ً‬
‫ـقًال مــن املصحــف الصغيــر‪ ،‬ثــم ََع ِِلــق يف ذاكرتــي‬ ‫بقلـ ٍـٍم مــن غـ ٍ‬
‫الِك ََتــاب الــذي ســلمته ُاُملعلمـ ُـُة لــي يف الصــف األول االبتدائــي‪ ،‬وعندمــا فتحتــه‪ ،‬شــممت لــه عبًقً ــا‪ ،‬ارتبــط عنــدي بــأن هــذا عبــق العلــم‪،‬‬
‫ذلــك ِ‬
‫ـخاًصا أحاورهــا وأشــاركها‪ ،‬وكأنهــا أصدقائــي املقـ َـَّربني‪ ،‬ومنــذ تلــك األيــام البعيــدة ارتبــط الــورق عنــدي بعطــر‬
‫وكانــت الصــور والرســوم أشـ ً‬
‫خــاص‪ ،‬أشـ ُـُّم فيــه القــرآن الكــرمي‪ ،‬والعلــم‪ ،‬والتاريــخ‪ ،‬والقصــص‪ ،‬والشــعر‪ ،‬حتــى كبــرت وصــار لــي كتـ ٌـٌب خاصــة ودواويــن شــعر‪ ،‬وســمعت يف‬
‫املطابــع عــن أنــواع الــورق وأحجامــه‪ ،‬وســمعت مــن الناشــرين عــن جــودة الــورق وأوزانــه‪ ،‬فمــا قصــة الــورق؟‬
‫هــذا مــا يتناولــه بــاب الــرواق يف جتوالــه عبــر العصــور‪ ،‬وخالل الــبالد ملعرفــة قصــة الــورق العبقــة بالعلــم‪ ،‬وحفــظ تــراث البشــرية‪ ،‬ونقــل‬
‫ثقاــفات العاــلم عــبر التارــيخ‪ ،‬وقيمــته يف نــقل الثقاــفة العربــية ــمن الرواــية الــشفوية إــلى الكتاــبة والتدوــين‪.‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬ ‫‪66‬‬
‫الورق يف اللغة‪:‬‬
‫يف مختــار الصحــاح‪" :‬يِفي ا ْْل ـ ََو ِِر ِِق ََث ُ‬
‫اَلاُث ُُل ََغـ ٍ‬
‫ـاٍت‪ََ :‬و ِِر ٌٌق ََو ِِو ْْر ٌٌق‬
‫ََو ََو ْْر ٌٌق ِِم ُ‬
‫ْثــُْل ََكِبـ ٍـٍِد ََو ِِكْبـ ٍـٍْد ََو ََكْبـ ٍـٍْد‪.‬‬
‫الَّد ََر ِاِهـ ِـِم‪َ ،‬وَُهُ ـ ََو َأَ ْْي ًًضــا ا ََّلـ ِـِذي ُُيـ ِ‬
‫ـوِرُقُ‬ ‫ََو ََر ُُجـ ٌـٌل ََو ََّر ٌاٌق‪َ :‬ك َِِثيـ ُـُر َ‬
‫ََو ََيْكْ ُتُ ـ ُـُب ‪.‬‬
‫اِح ـ ََدُةُ‪ََ :‬و ََر ََقـ ٌـٌة‪،‬‬ ‫ـَج ِِر ََواْل ِِْك ََتـ ِ‬
‫ـاِب‪ ،‬ا ْْل ََو ِ‬ ‫الَّشـ َ‬‫ََوا ْْل ـ ََو ََرُقُ ‪ِِ :‬مـ ْـْن َأَ ْْو ََر ِاِق َ‬
‫ـَج ُُر‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َقَ‬ ‫َ‬ ‫َأْل�‬
‫ـَج ََرٌةٌ ََو ِِر ََقـ ٌـٌة ََو ََو ِِري ََقـ ٌـٌة‪َ :‬أَ ْْي َك َِِثيـ ََرُة ا ْْو ََر ِاِق‪ََ ،‬وَأ ْْو ََر الَّشـ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََوَشَ ـ َ‬
‫ـَج ُُر ََوَأَ ْْو ََرَقَ ‪،‬‬ ‫ـاُل‪ََ :‬و ََرَقَ َ‬
‫الَّشـ َ‬ ‫ـاَل اَأْل� َ ْْص ََم ِِعـ ُـُّي‪ُُ :‬ي ََقـ ُ‬
‫َأَ ْْخ ـ ََر ََج ََو ََر ََقــُهُ ‪ََ ،‬قـ َ‬
‫ـَج ََر ُُة‬ ‫ََواَأْل� َ ِِلـ ُـُف َأَ ْْك ََثـ ُـُر‪ََ ،‬و ََو ََّرَقَ ‪َ ،‬أَ ْْي ًًضــا ‪ََ ،‬ت ْْو ِِريًقً ــا‪ََ ،‬وا ْْل ََو ِاِر ََقـ ُـُة‪َ :‬‬
‫الَّشـ َ‬
‫اَخْل� َ ْْض ـ ََر ُاُء ا ْْل ـ ََو ََر ِِق اَحْل� َ ََس ـَن َُُة‪.‬‬
‫ََوا ْْل ـ ََو ََرُقُ َأَ ْْي ًًضــا ِِب ََف ْْتـ ِـِح الـ َـَّراِءِ ‪ :‬اَمْل� اُل ِِمـ ْـْن ََد ََر ِاِه ـ ََم ََو ِِإ ِِبـ ٍـٍل ََو ْْيـ ِـِر‬
‫َغَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َذ َِِلـ َ‬
‫ـَك‪.‬‬
‫ـاُء َأِل� َ َّنَ يِفي ََل ْْو ِِن ََهــا ََب ََي ً‬
‫اًضــا ِِإ ََلــى‬ ‫اَمـ ِـِة‪ََ :‬و ْْر ََقـ ُ‬
‫َْح ََم َ‬ ‫ََو ُُي ََقـ ُ‬
‫ـاُل ِِلْل َ‬
‫ََس ـ ََو ٍاٍد ‪".‬‬

‫ويف معجم املعاني اجلامع‪:‬‬


‫عَّمــا ُُي َ‬
‫كَتــب فيــه‪ ،‬فقــد أورد القــرآن أربعــة أســماء ملا ُُيْكْ تــب فيــه‪ ،‬وهــي اللــوح‪،‬‬ ‫أمــا َ‬
‫ـاُس‪َ ،‬أَ ِِي الـ ََو ََرُقُ َ‬
‫الَّص ِاِلـ ُـُح ِِلْل ِِْكَتَا ََبـ ِـِة‬ ‫الِق ْْرطـ ُ‬
‫الكاِغــُدُ ‪ِ :‬‬
‫ِ‬ ‫كاِغــد‪( :‬اســم)‪ ،‬اجلمــع‪ََ :‬ك ََو ِاِغــُدُ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والـ َـَّرّقّ ‪ ،‬والصحــف‪ ،‬والقرطــاس‪ ،‬كاآلتــي‪:‬‬
‫َأَ ِِو ال ََّلـ ِـِّف‪.‬‬
‫‪ -‬اللــوح‪ :‬يف قولــه تعالــى‪ََ ﴿ :‬بــْلْ ُهُ ـ ََو ُُقـ ْـْرآٌنٌ ََّم ِِجيــٌدٌ * يِفي ََل ـ ْْو ٍٍح ََّم ْْحُفُ ـ ٍ‬
‫ـوٍظ﴾ (‪22 -21‬‬
‫ويف صبــح األعشــى للقلقشــندي‪" :‬الــو ََرق بفتــح الــراء اســم جنــس يقــع علــى‬
‫البــروج)‬
‫القليــل والكثيــر‪ ،‬واحــده ورقــة‪ ،‬وجمعــه أوراق‪ ،‬وجمــع الورقــة ورقــات‪ ،‬وبــه ُُسـ ِـِّمي‬
‫يقول اإلمام الطبري يف تفسيره‪:‬‬
‫أيًضــا‬ ‫الرجــل الــذي يكتــب و ََّر ًاًقــا‪ ..‬ويســمى ً‬
‫أيًضــا الكاغــد‪ ..‬ويقــال للصحيفــة ً‬
‫"يف لــوح محفــوظ أي مكتــوب يف لــوح‪ ،‬وهــو محفــوظ عنــد اهلل تعالــى مــن وصــول‬
‫ِِطـ ْـْرس‪ ،‬ويجمــع علــى ُُطــروس‪ُ ،‬‬
‫وُم ْْهـ ََر ٌٌق‪ ،‬ويجمــع علــى مهــارق‪ ،‬وهو فارســي معرب"‪.‬‬
‫الشــياطني إليــه‪ ،‬وقيــل‪ :‬هــو أم الكتــاب؛ ومنــه انتســخ القــرآن والكتــب‪ ،"..‬ويــورد‬
‫ويف بالد املغرب العربي يستعملون كلمة كاغد‪ ،‬ولكن ُُح ِِّرف االسم إلى كاغط‪.‬‬
‫روايــات عديــدة يف صفــة اللــوح‪ ،‬فقيــل‪ :‬اللــوح مــن ياقوتــة حمــراء‪ ،‬وقيــل‪ :‬إنــه عــن‬
‫الورق يف القرآن الكرمي‪:‬‬
‫ميني العــرش‪ ،‬وفيــه أصنــاف اخللــق واخلليقــة‪ ،‬وبيــان أمورهــم‪.‬‬
‫ـاُحِت ا ْْل ََغ ْْيـ ِـِب اَلا ََي ْْع ََل ُُم ََهــا ِِإاَّلا ُهُ ـ ََو‬
‫ورد مبعنــى ورق الشــجر يف قولــه تعالى‪ََ ﴿:‬و ِِع ْْنـ ََد ُُه ََم ََفـ � ُ‬
‫(َم ْْحُفُ وظ)‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫أما اإلمام الطبري فيورد اختالف الق ّّراء يف قراءة قوله‪َ :‬‬
‫ـاِت‬‫ََو ََي ْْع ََلـ ُـُم ََمــا يِفي ا ْْل ََبـ ِِّر ََوا ْْل ََب ْْحـ ِـِر ََو ََمــا َت َْْســُقُ ُُط ِِمـ ْـْن ََو ََر ََقـ ٍـٍة ِِإاَّلا ََي ْْع ََل ُُم ََهــا ََواَلا ََح ََّبـ ٍـٍة يِفي ُُظ ُُل ََمـ ِ‬
‫خفًضــا علــى معنــى أن اللــوح هــو املنعــوت‬
‫ً‬ ‫"فمنهــم مــن قــرأه باخلفــض (اجلــر)‬
‫ـاٍب ُُمـ ِـِب ٍٍني﴾ (األنعــام ‪)59 -‬‬ ‫اَأْل� َ ْْر ِِض ََواَلا ََر ْْطـ ٍـٍب ََواَلا ََي ِاِبـ ٍـٍس ِِإاَّلا يِفي ِِك ََتـ ٍ‬
‫ـوٍظ مــن الزيــادة فيــه‬
‫ـوٍح محفـ ٍ‬
‫باحلفــظ‪ ،‬وإذا كان ذلــك كذلــك كان التأويــل‪ :‬يف لـ ٍ‬
‫ـَج ََر ََة ََب ـَدَْتْ ََل ُُه ََمــا ََس ـ ْْوآُت ُُُه ََما ََو ََط ِِف ََقــا ََي ْْخ ِِص ََفـ ِ‬
‫ـاِن‬ ‫﴿ ََفَدَاَّلاُهُ ََمــا ِِبُغُ ـ ُـُر ٍوٍر ََف ََل ََّمــا َذَا ََقــا َ‬
‫الَّشـ َ‬
‫والنقــصان مــنه عــما أثبــته اهلل فــيه‪.‬‬
‫ـَج ََر ِِة ََوَأَ ُُقــْلْ‬ ‫ََع ََل ْْي ِِه ََمــا ِِمـ ْـْن ََو ََر ِِق اَجْل� َ ََّنـ ِـِة ََوَنَاَدَاُهُ ََمــا ََر ُُّب ُُه ََمــا َأَ ََلـ ْـْم َأَ ْْن ََهُكُ ََمــا ََعـ ْـْن ِِتْلُْكُ ََمــا َ‬
‫الَّشـ َ‬
‫رفًعــا‪ ،‬ر ًًّد� ا علــى القــرآن‪ ،‬علــى أنــه مــن نعتــه وصفتــه‪،‬‬ ‫(َم ْْحُفُ ـ ٌ‬
‫ـوٌظ) ً‬ ‫ومنهــم مــن قــرأ َ‬
‫الَّش ـ ْْي ََطا ََن َلَُكُ ََمــا ََعــُدُ ٌٌّو ُُمـ ِـِب ٌٌني﴾ (األعــراف ‪)22 -‬‬ ‫َلَُكُ ََمــا ِِإَّنَ َ‬
‫ـوٌظ مــن التغييــر والتبديــل يف‬‫وكان معنــى ذلــك‪( :‬بــل هــو قــرآٌنٌ مجيــٌدٌ ) محفـ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫﴿ ََف ـَأََكَاَلا ِِم ْْن ََهــا َف ََب ـَدَْتْ َل ُُه ََمــا ََس ـ ْْوآُت ُُُه ََما ََوَط ِِف ََقــا ََي ْْخ ِِصَفـ ِ‬
‫ـاِن ََعَل ْْي ِِه ََمــا ِِمـ ْـْن ََو ََر ِِق اَجْل� ََّنـ ِـِة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لــوح"‪.‬‬
‫ََو ََع ََصــى آ ََد ُُم ََر ََّبــُهُ ََف ََغ ـ ََوى﴾‬
‫ويقــول اإلمــام الطبــري‪ :‬والصــواب مــن القــول يف ذلــك عندنــا أنهمــا قراءتــان‬
‫(طه ‪)121 -‬‬
‫معروفــتان يف ــقرأة األمــصار‪ ،‬صحيحــتا املعــنى‪ ،‬فبأيتهــما ــقرأ الــقارئ فمصــيب‪.‬‬
‫الُعملة يف قصة أهل الكهف‪:‬‬
‫وورد مبعنى ُ‬
‫ونعود لإلمام القرطبي الذي يضيف‪:‬‬
‫ـاَل ََق ِاِئـ ٌـٌل ِِمْن ُُْهـ ْـْم ََكـ ْـْم ََل ِِبْثُْتُ ـ ْـْم ََقا ُُلــوا ََل ِِب ْْث ََنــا‬ ‫ـَك ََب ََع ْْث ََناُهُ ـ ْـْم ِِل ََيَت َََســا ََء ُُلوا ََب ْْيَن َُُهـ ْـْم ََقـ َ‬ ‫﴿ ََو ََكَذ َِِلـ َ‬
‫"والقــراء متفقــون علــى فتــح الالم مــن ( ََلـ ْْوح) إال مــا روي عــن يحيــى بــن يعمــر؛‬
‫ـَض ََي ـ ْْو ٍٍم ََقا ُُلــوا ََر ُُّبُكُ ـ ْـْم َأَ ْْع ََلـ ُـُم َمِب� َ ــا ََل ِِبْثُْتُ ـ ْـْم ََفا ْْب ََع ُُثــوا َأَ ََح ََدُكُ ـ ْـْم ِِب ََو ِِر ِِقُكُ ـ ْـْم َهَ ـ ِـِذ ِِه‬
‫ََي ْْو ًًمــا َأَ ْْو ََب ْْعـ َ‬
‫فإنــه قــرأ " ُُلــوح" بضــم الالم‪ ،‬أي إنــه يلــوح‪ ،‬وهــو ذو نــور وعلــو وشــرف‪ ،‬قــال‬
‫اًمــا ََف ْْل ََي ْْأ ِِتُكُ ـ ْـْم ِِبـ ِـِرْز ٍٍْق ِِم ْْنــُهُ ََو ْْل ََي ََت ََل ََّطـ ْـْف ََواَلا ُُي ْْشـ ِـِع ََرَّنَ‬
‫ِِإ ََلــى اَمْل� َ ِِدي ََنـ ِـِة ََف ْْل ََيْن ُُْظـ ْـْر َأَ ُُّي ََهــا َأَ ْْز ََكــى ََط ََع ً‬
‫الزمخشــري‪ :‬واُّلُ لــوح‪ :‬الهــواء‪ ..‬ويف الصحــاح‪ :‬الح الشــيء يلــوح ََل ْْو ًًحــا أي ملــح‪،‬‬
‫ِِبُكُ ـ ْـْم َأَ ََحــًدً ا﴾ ســورة‪ :‬الكهــف ‪ -‬مدنيــة ‪ -‬اآليــة‪ - )19( :‬قــرأ أبــو عمــرو وحمــزة وأبــو‬
‫ولواًحــا‪ :‬عطــش‪ ،‬وا ْْلتــاح مثلــه‪ ،‬واللــوح‪ :‬الكتــف‪،‬‬
‫ً‬ ‫والحــه الســفر‪ :‬غيــره‪ ،‬والح ََل ْْو ًًحــا‬
‫بكــر‪ :‬ب ََو ْْر ِِقكــم ســاكنة الــراء‪ ،‬والباقــون بكســرها‪ ،‬ومعناهمــا واحــد‪ ،‬وهــي الفضــة‬
‫وكل عظــم عريــض‪ ،‬واللــوح‪ :‬الــذي يكتــب فيــه‪ ،‬واُّلُ لــوح (بالضــم)‪ :‬الهــواء بني‬
‫مضروبـ ًـًة ‪ -‬كانــت ‪ -‬أو غيــر مضروبــة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪7‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫الَّر ّّق‪:‬‬
‫‪َ -‬‬
‫َاٍب ََّم ْْس ُُط ٍوٍر (‪ )2‬يِفي ََرٍّقٍ ََّم ُ‬
‫نُش ٍوٍر (‪( ﴾)3‬الطور)‬ ‫يف قوله تعالى‪ََ ﴿ :‬و ُ‬
‫الُّط ِوِر (‪ََ )1‬و ِِكَت ٍ‬
‫ويف كتــاب "التفســير الواضــح" حملمــد محمــود حجــازي‪" :‬الطــور‪ :‬هــو اجلبــل‪،‬‬
‫وقيــل‪ :‬هــو اجلبــل الــذي فيــه نبــات‪ ،‬أو هــو الــذي ناجــى عليــه موســى ربــه‪ ،‬وهــو‬
‫ـاٍب ََم ْْسـ ُـُط ٍوٍر‪ :‬وكتــاب مكتــوب علــى وجــه االنتظــام‪ََ .‬رٍّقٍ ََمْن ُُْشـ ٍ‬
‫ـوٍر‪،‬‬ ‫بطــور ســيناء‪ََ .‬و ِِكتـ ٍ‬
‫الــرق‪ :‬جلــد رقيــق يكتــب فيــه‪ ،‬واملنشــور‪ :‬املبســوط‪.‬‬
‫‪ -‬القرطاس‪:‬‬
‫ـاٍس ََف ََل ََم ُُســو ُُه ِِبَأَ ْْي ِِد ِ‬
‫يِهـ ْـْم ََل ََقـ َ‬
‫ـاَل‬ ‫ـَك ِِكَتَا ًًبــا يِفي ِِق ْْر ََطـ ٍ‬
‫ورد يف قولــه تعالى‪ََ ﴿:‬و ََلـ ْْو َنََّزَ ْْل ََنــا ََع ََل ْْيـ َ‬
‫اَّل َِِذيــَنَ ََك ََفـ ُـُروا ِِإ ْْن َهَ ـَذَا ِِإاَّلا ِِسـ ْـْح ٌٌر ُُّمـ ِـِب ٌٌني﴾ (األنعــام ‪)7 -‬‬
‫أي‪ :‬لــو ن ــزلنا مــن الســماء ُُص ُُحًفً ــا فيهــا كتــاب فلمســوه بأيديهــم‪ ،‬لزادهــم ذلــك‬
‫تكذي ًًبــا‪.‬‬
‫‪-‬الصحف‪:‬‬
‫جمًعــا‪ ،‬وذلــك يف قولــه تعالــى‪﴿:‬أ ْْم ََلـ ْـْم ُُي ََن ََّبـ ْْأ مِبم ــا‬ ‫ً‬ ‫وهــي جمــع صحيفــة‪ ،‬ولــم تــرد إال‬
‫واِز ََرٌةٌ ِِو ْْز ََر ُُأ ْْخــرى (‪﴾)38‬‬ ‫راِهيـ ََم ا ََّلـ ِـِذي وّفّ ــى (‪ )37‬أاّلا ََتـ ِـِز ُُر ِ‬
‫يف ُُص ُُحـ ِـِف ُُموســى (‪ )36‬وإ ْْب ِ‬
‫النجــم‪.‬‬
‫راِهي ـ ََم‪ُُ :‬ص ُُحـ ٌـٌف ََسـ َـَّج ََل ِِفيهــا مــا أ ْْوحــى‬
‫وُص ُُحـ ُـُف إ ْْب ِ‬
‫وُص ُُحـ ُـُف ُُموســى‪ :‬هــي الَّتَ ـ ْْوراُةُ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫الُّص ُُحـ ِـِف ُ‬
‫اُألولــى ُُص ُُحـ ِـِف‬ ‫األْعلــى‪﴿:‬إَّنَ َهَ ــذا ََلفــي ُ‬ ‫ا ُُهَّلل� إ ََل ْْيـ ِـِه‪ ،‬وهــي ا ََملْذْ ُكُ ــو ََر ُُة يف ُُســو ََر ِِة ْ‬
‫وُموســى﴾ (األعلــى‪)18 -‬‬
‫راِهي ـ ََم ُ‬
‫إ ْْب ِ‬

‫رحلة الورق‪:‬‬
‫اخُتُ ـ ِـِرع الــورق يف الــصني قبــل مــيالد املســيح‪ ،‬بصناعــة الــورق مــن الســتائر العتيقــة‬
‫الباليــة‪ ،‬وحلاء الشــجر‪ ،‬وشــبكات صيــد الســمك‪ ،‬واحتكــر الصينيــون ســر صناعــة‬
‫الــسماء واألرض"‪.‬‬
‫ـويًال حتــى القــرن الســادس املــيالدي‪ ،‬حني ََنقـ َـَل االختــرا ََع إلــى‬
‫الــورق زم ًًنــا طـ ً‬
‫ويف قوله تعال‪:‬‬
‫ـوذّي دام ِِجنــغ ‪ ،Dam Jing‬وســرعان مــا تعلــم اليابانيــون‬
‫اليابــان الراهـ ُـُب البـ ّ‬
‫َ‬ ‫َأْل�‬
‫﴿ ََو ََك ََت ْْب ََنــا ََلــُهُ يِفي ا ْْلـ ََو ِاِح ِِمــن ُكُ ِِّل َشَ ـ ْـْيٍءٍ ََّم ْْو ِِع ََظـ ًـًة ََو ََتْفْ ِِصـياًلا ِِّلــُكُ ِِّل َشَ ـ ْـْيٍءٍ ََف ُُخْذْ َهَ ــا ِِبُقُ ـ َـَّو ٍٍة‬
‫ـتخرٍج مــن حلاء شــجر التــوت‬
‫ٍ‬ ‫تقنيــات صناعــة الــورق وبــدأوا باســتخدام لـ ٍـٍّب ُُمسـ‬
‫َاِسـ ِـِق ََني (األعــراف ‪)145 -‬‬ ‫ـَك ََي ْْأ ُُخــُذُ وا ِِبَأَ ْْح ََسـ ِـِن ََها ََسـ ُُأ ِِريُكُ ْْم ََدا ََر ا ْْلَف ِ‬
‫ََوْأ ُُْمـ ْـْر ََق ْْو ََمـ َ‬
‫ورٍق رقيــق لكتاباتهــم‪ ،‬ومــن ََثـ َـَّم ُُحمــل إلــى األقطــار اجملاورة حتــى وصــل‬
‫يف صناعــة ٍ‬
‫أي‪ :‬وكتبنــا ملوســى يف ألواحــه‪ ،‬وأدخلــت األلــف والالم يف "األلــواح" ب ـداًلا مــن‬
‫إلــى وســط آســيا‪.‬‬
‫اإلضافــة‪ ،‬كمــا قــال النابغــة‪:‬‬
‫يَم ٌٌة لم ُُي ْْع ِِطها َ‬
‫الَّد ْْه ُُر َغَ ْْي ََرُهُ ْْم‬ ‫ََل ُُه ْْم ِِش َ‬
‫الورق يف بالد املسلمني‪:‬‬
‫الُم َغَ ْْي ُُر ََع ََو ِاِز ِِب‬
‫ْ ُ‬ ‫األْح‬ ‫َ‬
‫َف‬ ‫‪،‬‬‫الناِس‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫ً‬
‫ارتباًطــا وثيًقً ــا بثقافــة األمم وعلومهــا‪ ،‬وقــد اســتفادت‬ ‫ارتبطــت صناعــة الــورق‬
‫الثقافــة العربيــة باختراعــه اســتفادة كبــرى‪ ،‬فقــد كان العــرب يكتبــون علــى‬
‫فلم يقل "فأحالمهم"‪ ،‬وإمنا قال‪" :‬األحالم" فأغنت األلف والالم عن اإلضافة‪.‬‬
‫وَع ْْظــم اإلبــل‪ ،‬وقطــع‬
‫العســيب‪ ،‬وهــو جريــد النخــل بعــد أن ُُيكشــط عنــه اخلــوص‪َ ،‬‬
‫ـاَل ِِبْئ ََْسـ َـَما َخَ ََلْفْ ُتُ ُُم ِوِنــي‬ ‫وَســى ِِإ ََلــى ََق ْْو ِِمـ ِـِه َغَ ْْض ََبــا ََن َأَ ِِســًفً ا ََقـ َ‬ ‫ويف قولــه تعالى‪ََ ﴿:‬ر ََجـ ََع ُُم َ‬
‫اخلــزف‪ ،‬والشــقف‪ ،‬واللخــاف‪ ،‬وهــو احلجــارة‪ ،‬واألدمي‪ ،‬والــرق‪ ،‬والبــردي املصــري‬
‫ِِمــن ََب ْْعـ ِـِدي َأَ ََع ِِجْلُْتُ ـ ْـْم َأَ ْْمـ ََر ََر ِِّبُكُ ـ ْـْم ََوَأَ ْْل ََقــى اَأْل� َ ْْلـ ََوا ََح ََوَأََخَ ـ ََذ ِِبـ ََرْأ ِِْس َأَ ِِخيـ ِـِه ََي ُُجـ ُـُّر ُُه ِِإ ََل ْْيـ ِـِه ََقـ َ‬
‫ـاَل‬
‫علــى هيئــة القرطــاس‪ .‬ويقــول الكاتــب إبراهيــم جمعــة يف كتابــه (قصــة الكتابــة‬
‫اْس ـَت َْْض ََعُفُ ِوِني ََوَك َُاُدوا ََيْقْ ُتُ ُُلوَن َِِنــي َفَاَلا ُت ُْْشـ ِـِم ْْت ِِبـ َـَي اَأْل� َ ْْع ـَدَا ََء ََواَلا‬
‫ا ْْبــَنَ ُُأ ََّم ِِإَّنَ ا ْْل ََق ـ ْْو ََم ْ‬
‫العربيــة)‪" :‬وكان اســتخدام العــرب للبــردي املصــري َ‬
‫أوَل عهدهــم مبعرفــة الــورق‪،‬‬
‫الَّظ ـاِمِل�ِ ََني﴾ (‪)150‬‬‫ْجَت� ََعْل ِِْنــي ََم ـ ََع ا ْْل ََق ـ ْْو ِِم َ‬ ‫ْ‬
‫ويرجــع عهــد معرفتهــم بــه إلــى الوقــت الــذي فتــح اهلل عليهــم هــذه الــبالد (مصــر)‬
‫ألقــى األلــواح غض ًًبــا علــى قومــه‪ ،‬وقولــه‪( :‬وأخــذ بــرأس أخيــه يجــره إليــه) ً‬
‫خوًفــا‬
‫نوًعــا مــن الــورق ُُعــرف‬
‫بعــد الســنة العشــرين مــن الهجــرة‪ ،‬واختــرع الشــآميون ً‬
‫قَّصــر يف نهيهــم‪.‬‬
‫أن يكــون قــد َ‬
‫بالقرطــاس الشــامي‪.‬‬
‫وقد وردت "األلواح" مبعنى "اخلشب" يف جوانب السفينة يف قوله تعالى‪:‬‬
‫ثــم عــرف املســلمون الــورق األكثــر تطــو ًًرا بعــد أن أرســل اخلليفــة أبــو جعفــر‬
‫َاِت َأَ ْْل ََو ٍاٍح ََو ُُد ُُس ٍٍر﴾ (القمر ‪)13 -‬‬
‫﴿ ََو ََح ََم ْْلَنَا ُُه ََع ََلى َذ ِ‬
‫ـلٍم ُ‬
‫اُخلراســاني ‪ -‬واليــه علــى ُُخراســان‪ِِ -‬بالتحضيــر حِلح ملــة‬ ‫املنصــور إلــى أبــي ُُمسـ ٍ‬
‫فقد ذكر النعت وترك االسم‪ ،‬وهو ما ُُي ََع ُُّد يف البالغة (كناية عن موصوف)‪.‬‬
‫الُوســطى‪ ،‬فزحــف بجيـ ٍـٍش إلــى مدينــة مــرو‪،‬‬ ‫الســتعادة هيبــة ُاُملســلمني يف آســيا ُ‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪8‬‬
‫فأمــر أال يكتــب النــاس إال يف الكاغــد‪ ،‬ألن اجللــود ونحوهــا َتَقبــل احملــو واإلعــادة‬ ‫وهنــاك وصلتــه ُُق ـَّوّ ات دعــم مــن ُُطخارســتان‪ ،‬وســار أبــو ُُمســلم بهــذا اجليــش إلــى‬
‫فتقبــل التزويــر‪ ،‬بــخالف الــورق فإنــه متــى ُُم ِِحـ َـَي منــه فســد‪ ،‬وإن ُكُ ِِشــط ظهــر‬ ‫ســمرقند‪ ،‬وانض ـَّمّ ِِبُقُ َّوّ اتــه مــع قــوات زيــاد بــن صالــح احلارثــي ‪ -‬الوالــي الَّسّ ــابق‬
‫َك َْْشـ ُـُطه‪ ،‬وانتشــرت الكتابــة يف الــورق إلــى ســائر األقطــار إلــى اآلن‪.‬‬ ‫ِِللُكُ وفــة ‪ -‬وتوَّلّ ــى زيــاد قيــادة اجليــش‪ ،‬ويف ُُمنتصــف شــهر ُّمتّ ــوز (يوليــو) ســنة‬
‫ويذكــر القلقشــندي (ت‪821‬هــ)‪ ،‬يف كتابــه الشــهير (صبــح األعشــى يف صناعــة‬ ‫اُجل ُُيــوش الصينَّيّ ــة مــع ُ‬
‫اُجل ُُيــوش اإلسالمَّيّ ــة بالقــرب مــن مدينــة‬ ‫‪751‬م‪ ،‬اشــتبكت ُ‬
‫ً‬
‫صقيًال‪ ،‬متناسب األطراف‪،‬‬ ‫اإلنشا)‪" :‬وأحسن الورق ما كان ناصع البياض ً‬
‫غرًفا‬ ‫طالس‪ ،‬وانتصــر املســلمون‪ ،‬وانتهــى ُنُُفُ ــوذ الــصني يف آســيا ُ‬
‫الُوســطى‪ ،‬وأخــذت‬
‫صبــو ًًرا علــى مــرور الزمــان‪ .‬وأعلــى أجنــاس الــورق فيمــا رأينــاه البغــدادي‪ ،‬وهــو ورق‬ ‫املنطقــة تكتســي ِِبالصبغــة اإلسالمَّيّ ــة شــيًئًا فشــئ ًًيا (وآســيا الوســطى‪ ،‬هــي بالد‬
‫ثــخني مــع ليونــة ورقــة حاشــية وتناســب أجــزاء‪ ،‬وقطعــه وافــر جــدًاً‪ ،‬وال يكتــب فيــه‬ ‫مــا وراء النهــر‪ ،‬كمــا كانــت تعــرف يف فتــرة اخلالفــة اإلسالميــة‪ ،‬وهــي تضــم ً‬
‫كًال‬
‫يف الغالــب إال املصاحــف الشــريفة"‪.‬‬ ‫مــن‪ :‬أوزبكســتان وتركمانســتان وكازاخســتان وطاجيكســتان وقرغيزســتان) وكان‬
‫وأمــام ازديــاد حاجــة العالــم اإلسالمــي إلــى املصحــف الشــريف‪ ،‬فقــد وضــع خــادم‬ ‫ـرَى اثنــان مــن صانعــي الــورق الصينــيني‪ ،‬ومبســاعدتهما مت بنــاء‬
‫مــن بني األسـ َ‬
‫احلــرمني الشــريفني امللــك فهــد بــن عبــد العزيــز حجــر األســاس جملمــع امللــك فهــد‬ ‫ورٍق يف مدينــة أوزبــك‪ ،‬ثــم طــور املســلمون صناعتــه باعتمادهــم علــى ِِخــرق‬
‫مصنــع ٍ‬
‫لطباعــة املصحــف الشــريف باملدينــة املنــورة يف الســادس عشــر مــن احملــرم ســنة‬ ‫الكتــان والقطــن‪ُُ ،‬ثـ َـَّم حمــل املســلمون هــذه التقنيــة اجلديــدة يف صناعــة الــورق‬
‫‪1403‬ه ـ (‪1982‬م) وافتتحــه يف الســادس مــن صفــر ســنة ‪1405‬هــ‪1985/‬م‪ ،‬وهــو أكبــر‬ ‫وِصقليــة واألندلــس‪ ،‬وخالل انتقــال صناعــة‬
‫إلــى العــراق والشــام ومصــر واملغــرب ِ‬
‫مطبعــة يف العالــم لطباعــة املصحــف‪ .‬وهــو أحــد املعالــم التــي تقدمهــا اململكــة‬ ‫الــورق مــن بقعــة إلــى أخــرى يف ديــار اإلسالم‪ ،‬كان هنــاك مزيــد مــن تطويــر تقنيــات‬
‫العربيــة الســعودية خلدمــة اإلسالم واملســلمني يف مختلــف أرجــاء العالــم‪ ،‬وتتــم‬ ‫التصنيــع وإضافــة املزيــد مــن التحســينات‪.‬‬
‫طباعــة املصحــف الشــريف بالروايــات املشــهورة يف العالــم اإلسالمــي‪.‬‬ ‫وســنتناول ‪ -‬مبشــيئة اهلل تعالــى ‪ -‬يف عــدد قــادم مــدى إســهام اســتخدام العــرب‬
‫كتابة السنة النبوية‪:‬‬ ‫لــلورق يف ــبروز أــهم الفــنون العربــية‪ ،‬وــهو اخلـخط العرــبي‪.‬‬
‫لــم يكــن الصحابــة رضــوان اهلل عليهــم يكتبــون الســنة ً‬
‫خوًفــا مــن اخــتالط القــرآن‬ ‫القرآن الكرمي والورق‪:‬‬
‫بهــا‪ ،‬وممــن ُُســمح لــه بالكتابــة‪ :‬عبــد اهلل بــن عمــرو بــن العــاص ‪ -‬رضــي اهلل عنــه‪،‬‬ ‫كان الصحابــة رضــي اهلل عنهــم يكتبــون القــرآن حني ينــزل‪ ،‬ويقــرأه عليهــم‬
‫فقــد روى اإلمــام البخــاري يف صحيحــه عــن أبــي هريــرة ‪-‬رضــي اهلل عنــه‪" :-‬مــا مــن‬ ‫النبــي ‪ -‬يف اللخــاف والعســب؛ ثــم أجمــع رأي الصحابــة رضــي اهلل عنهــم علــى‬
‫أصحــاب النبــي ﷺ أحــٌدٌ أكثـ ُـُر حديًثً ــا منــي إال مــا كان مــن عبــد اهلل بــن عمــرو‬ ‫كتابــة القــرآن يف الـ َـَّرق لطــول بقائــه‪ ،‬وكان هــو املتوفــر عندهــم حينئــذ‪ ،‬وقيــل‪ :‬إن‬
‫فإنــه كان يكتــب وال أكتــب"‪.‬‬ ‫ـَّص بــه عثمــان بــن عفــان رضــي اهلل عنــه نفســه ُكُ ِِتــب علــى ََرِّقِ‬
‫املصحــف الــذي خـ َ‬
‫ـتأذنُت‬
‫ُ‬ ‫وروى ابــن ســعد يف الطبقــات (‪ ..)8/4‬عــن عبــد اهلل بــن عمــرو قــال‪" :‬اسـ‬ ‫الغــزال‪ ،‬إلــى أن ِوِلــي الرشــيُدُ اخلالف ـ ََة وقــد كثــر الــورق وفشــا عملــه بني النــاس‪،‬‬

‫‪9‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫وتركــوا ديــن إبراهيــم مــا حجــر تطيفــون بــه؟ ال يســمع‪ ،‬وال يبصــر وال ينفــع وال‬ ‫النبـ َـَّي ﷺ يف كتــاب مــا ســمعُتُ ه منــه‪ ،‬قــال‪ :‬فــأذن لــي فكتبُتُ ــه‪ ،‬فــكان عبــد اهلل‬
‫يض ـُّرّ ‪ ،‬يــا قــوم التمســوا ألنفســكم الديــن"‪.‬‬ ‫يســمي صحيفتــه تلــك (الصادقــة)‪ ،‬وجمعهــا بعــض احملقــقني مــن أمهــات كتــب‬
‫ومعنى اسم "ورقة"‪ :‬الكرمي من ال ِِّر ََجال (املعجم الوسيط)‪.‬‬ ‫األحاديــث‪ ،‬فبلغــت مائــتني وعشــرين حديًثً ــا ُ‬
‫(ُينظــر كتــاب أحاديــث الصادقــة‬
‫حملمــد ســيف الديــن عليــش‪ ،‬عــن الهيئــة املصريــة العامــة للكتــاب ‪1995‬م)‪.‬‬
‫محمود الوراق (ت ‪230‬هـ)‪:‬‬ ‫وبعــد حلاق الرســول بــاملأل األعلــى‪ ،‬أ ْْولــى الَّصّ حابــة رضــوان اهلل عليهــم أهمَّيّ ـ ًـًة‬
‫شــاعر عباســي عمــل محمــود يف الوراقــة‪ ،‬ومــن هــذه املهنــة اكتســب لقبــه‪ ،‬ومــن‬ ‫حلفــظ الس ـَّنّة النبويــة بالصــدور والســطور‪ ،‬حتــى تولــى اخلليفــة الراشــد عمــر‬
‫شــعره‪:‬‬ ‫بــن عبدالعزيــز (ت ‪101‬هــ) ‪ ،‬فقــد كتــب البــن شــهاب الزهــري (ت ‪124‬هــ) اإلمــام‬
‫َ‬
‫طوَل ال ََبقاِءِ ََو ِِإَّنَُهُ‬ ‫ُُي ِِح ُُّب الَفَتى‬ ‫العلــم‪ ،‬حافــظ زمانــه أبــو بكــر القرشــي الزهــري املدنــي نزيــل الشــام‪ ،‬أن يأمــر‬
‫ََعلى ِِثَق ٍٍَة َأََّنَ ال ََبقا ََء ََف ُ‬
‫ناُء‬ ‫ـعًة شـ ً‬
‫ـاملًة لس ـَّنّة‬ ‫احملـ ّـّدثني بتقييــد الســنة بالكتابــة‪ ،‬وأن يشــمل ذلــك حركـ ًـًة واسـ ً‬
‫ياِت ِِه‬
‫َقُص ََح ِ‬
‫سِم َن ُ‬ ‫ِِزيا ََد ُُتُهُ يف ِ‬
‫اِجل ِ‬ ‫رســول اهلل ‪-‬صلــى اهلل عليــه وســلم‪ -‬ويذكــر شــمس الديــن الذهبــي يف كتابــه (ســير‬
‫ياِة مَنم ُاُء‬ ‫َ‬
‫َقِص اَحل ِ‬ ‫ََو ََل َ‬
‫يَس ََعلى َن ِ‬ ‫أعالم النــبالء)‪ :‬قــال أبــو الزنــاد (هــو عبــد اهلل بــن ذكــوان‪ ،‬ت ‪ 130‬هــ)‪ :‬كنــا نطــوف‬
‫عَضُهُ‬ ‫وًما ََطوى ال ََي ُ‬
‫وُم ََب َ‬ ‫إذا ما ََطوى ََي ً‬ ‫مــع الزهــري علــى العلمــاء ومعــه األلــواح والصحــف‪ ،‬يكتــب كلمــا ســمع‪ ،‬وقــال ابــن‬
‫ساُء‬ ‫طويِه ِِإن ََجَّنَ ا ََمل ُ‬
‫ساُء ََم ُ‬ ‫ََو ََي ِ‬ ‫شــهاب رحمــه اهلل‪" :‬أمرنــا عمــر بــن عبــد العزيــز‪ ،‬بجمــع الــسنن‪ ،‬فكتبناهــا دفتـ ًـًرا‬
‫ميُع ََع ََل ِ‬
‫يِهما‬ ‫ديداِن ال ََيبقى َ‬
‫اَجل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ََج‬ ‫دفتـ ًـًرا‪ ،‬فبعــث إلــى كل أرض لــه عليهــا ســلطان دفتـ ًـًرا" ويقــول‪ " :‬يقــول‪" :‬مكثــت‬
‫قاُء‬
‫ميِع ََب ُ‬ ‫ََوال ََل ُُهما ََبع ََد َ‬
‫اَجل ِ‬ ‫خمًســا وأربــعني ســنة أختلــف مــن احلجــاز إلــى الشــام ومــن الشــام إلــى احلجــاز‬
‫ً‬
‫الوَّراقون‪:‬‬
‫َ‬ ‫فمــا كنــت أســمع حديًثً ــا أســتطرفه" أي يكــون جديــًدً ا عليــه‪ ،‬وكان عمــر بــن عبــد‬
‫هــم محترفــو الوراقــة‪ ،‬وهــي مهنــة كانــت شــائعة يف الــبالد اإلسالميــة‪ ،‬وازدهــرت‬ ‫العزيــز شــديد الثقــة فيــه‪ ،‬فــكان يكتــب إلــى األمصــار‪" :‬عليكــم بابــن شــهاب فإنكــم‬
‫يف العصــر العباســي‪ ،‬وكانــت تقــوم آنــذاك مقــام مهنــة الطباعــة والنشــر‪ ،‬وكانــت‬ ‫ال جتــدون أحــًدً ا أعلــم بالســنة املاضيــة منــه"‬
‫دكاكني الــوراقني مبثابــة مراكــز للثقافــة وملتقيــات للعلمــاء واألدبــاء وأهــل‬ ‫واســتمرت جهــود العلمــاء يف القــرن الثانــي الهجــري‪ ،‬فقــد جمــع العلمــاء‬
‫املعرفــة‪ ،‬وصفهــا تــاج الديــن الســبكي يف كتابــه "معيــد النعــم ومبيــد النقــم" بأنهــا‬ ‫األحاديــث مــن الصحــف والكراريــس التــي دونــت يف عصــر الصحابــة والتابــعني‪،‬‬
‫مــن أجــود الصنائــع‪ ،‬ملا فيهــا مــن اإلعانــة علــى كتابــة املصاحــف‪ ،‬وكتــب العلــم‬ ‫وممــا نقــل مشــافهة مــن أقــوال الصحابــة وفتــاوى التابــعني مثــل موطــأ اإلمــام‬
‫ووثائــق النــاس وعهدهــم‪.‬‬ ‫مالــك‪ ،‬أمــا القــرن الثالــث الهجــري فقــد بــرز فيــه كثيــر مــن احلفــاظ مثــل اإلمــام‬
‫أحمــد بــن حنبــل (ت‪241‬هــ)‪ ،‬وإســحاق بــن راهويــه (ت ‪ 238‬هــ)‪ ،‬والبخــاري (ت‪256‬‬
‫أوراق شعرية‪:‬‬ ‫هــ)‪ ،‬ومســلم (ت‪ 261‬هــ)‪ ،‬وغيرهــم‪ ،‬ومــن أشــهر كتــب الســنة يف هــذا القــرن‪ :‬صحيــح‬
‫ـاٍن ثالثــة‪ :‬مبعنــى ورق الشــجر‪ ،‬ومبعنــى ورق الكتابــة‪،‬‬ ‫دارت عنــد الشــعراء يف معـ ٍ‬ ‫اإلمــام البخــاري‪ ،‬صحيــح اإلمــام مســلم‪ ،‬سنن أبــي داود (ت‪275‬هــ)‪ ،‬جامــع اإلمــام‬
‫(ُو ْْرق) ومفــرده ورقــاء‪ ،‬ومذكرهــا َأَ ْْو ََرق‪ ،‬فبمعنــى‪:‬‬
‫أمــا بضــم الــواو وتســكني الــراء ُ‬ ‫الترمــذي (ت‪279‬هــ)‪ ،‬كتــاب الــسنن للنســائي (ت‪303‬هــ)‪ ،‬الــسنن البــن ماجــه‬
‫اَمـ ُـُة اَّل َِِتــي ََل ْْو ُُن ََهــا َك َ‬
‫َالَّر ََمـ ِـاِد ِِفيـ ِـِه ََسـ ََو ٌاٌد‪ ،‬واملعانــي الثالثــة اســتعملها الشــعراء يف‬ ‫اَحْل� َ ََم َ‬ ‫(ت‪272‬ـــ)‪ ،‬مــسند اإلــمام أحــمد ــبن ــبن حنــبل‪ ،‬وغيرــها‪.‬‬
‫التعبيــر عــن الرقــة والعاطفــة والغــزل‪ ،‬ومــن ذلــك‪:‬‬ ‫وتتابعــت جهــود العلمــاء يف القــرون التاليــة‪ ،‬فظهــر "صحيــح ابــن خزميــة"‬
‫الُهَذَلي يف قصيدته التي هي من عيون الشعر العربي‪:‬‬
‫قول أبي صخر ُ‬ ‫(ت‪311‬هــ)‪ ،‬و"صحيــح ابــن حبــان" (ت‪354‬هــ) و"صحيــح ابــن الســكن" (ت‪353‬هــ)‬
‫و"مســتدرك احلاكــم" (ت‪405‬هــ) وغيرهــا‪.‬‬
‫وشــهد التأليــف يف الســنة تأليـ َ‬
‫ـَف كتـ ٍـٍب خاصــة بأبــواب الفقــه‪ ،‬واملوضوعــات‬
‫اخملتلفــة‪ ،‬كالترغيــب والترهيــب‪ ،‬والكبائــر‪ ،‬والتوبــة‪ ،‬واجلهــاد وغيرهــا‪.‬‬
‫وبتطــور صناعــة الــورق‪ ،‬والتقــدم يف الطباعــة احلديثــة ظهــرات الطبعــات األنيقــة‬
‫وامللونــة علــى األوراق الفخمــة‪ ،‬واألغلفــة القويــة اجلذابــة‪ ،‬ليحفــظ اهلل تعالــى‬
‫املطَّهــرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫قرآنــه العظيــم‪ ،‬وســنة نبيــه‬
‫أعالم‪:‬‬
‫ََو ََرقة بن َن َْْوفل‪:‬‬
‫هــو ورقــة بــن نوفــل األســدي القرشــي‪ ،‬ابــن عــم الســيدة خديجــة بنــت خويلــد‪،‬‬
‫بَّشــر بنبــوة محمــد ﷺ بعــد أن أتــاه الوحــي يف غــار‬
‫زوجــة النبــي محمــد ﷺ‪ ،‬وقــد َ‬
‫حــراء‪ ،‬وقــال‪" :‬هــذا النامــوس الــذي أنــزل اهلل علــى موســى" وكان مــن احلنيفيــة‬
‫تكاُد يدي ََت ْْنَدَى ما ْ‬
‫ملْسُتُ ها‬ ‫ُ‬ ‫املوحديــن بــاهلل‪ ،‬وممــا يؤثــر عنــه يف نصــح قومــه بتــرك عبــادة األصنــام‪ ،‬ودعوتهــم‬
‫أطراِفها ال ََو ََرُقُ ُ‬
‫اُحل ْْضر‬ ‫ِ‬ ‫و ََيْن ِِْب ُُت يف‬ ‫لعبــادة اهلل عــز وجــل‪" :‬تعلمــون‪ ،‬واهلل مــا قومكــم علــى ديــن‪ ،‬ولقــد أخطــأوا احلجــة‪،‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬
‫‪10‬‬
‫‪10‬‬
‫وممن استعملها مبعنى أوراق الكتابة‪ ،‬الشاب الظريف (ت ‪ 688‬هـ)‪:‬‬ ‫وهــو هنــا مبعنــى ورق الشــجر‪ ،‬والصــورة بديعــة تــبني أثــر مــا يعتريــه مــن حالــة‬
‫ََو ََلَق َْْد ََك ََت ْْب ُُت ِِإ ََل ْْي ََك َّمَل�َا ََج ََّد بي‬ ‫الوجــد إذا صافحتــه محبوبتــه‪ ،‬ومــن هــذه القصيــدة التــي تفيــض رقــة وجمـ ً‬
‫ـاًال‪:‬‬
‫َ‬
‫ََو ْْج ِِدي ََع ََل ْْي ََك ََوَزَا ََد ِِت اَأل ْْش ََواُقُ‬ ‫كراِك ِِهَّزَ ٌةٌ‬
‫لِذ ِ‬‫واّنّي ََلَت َْْعروني ِ‬
‫اَجل ََوى‬ ‫لِم َ‬ ‫ََوش ََك ْْو ُُت ما َأَلقا ُُه ِِم ْْن َأَ ِ‬ ‫الُعصفو ُُر ََب ّّللُهُ الَق َْْط ُُر‬ ‫َكَما ا ْْن ََتَف َ‬
‫ََض ُ‬
‫راُع ََو ََرَّقَ ِِت َ‬
‫اَأل ْْو ََراُقُ‬ ‫ََف ََبكى ال ََي ُ‬ ‫َهَ ََج ْْرُت ُِِك حّتّى قيل ال ََي ْْع ِِر ُُف الهوى‬
‫صبُر‬
‫و ُُز ْْرُتُك حتى قيل ليس له ُ‬
‫دواوين وقصائد‪:‬‬ ‫الّص ّّب ُاُملصاب الذي به‬
‫ََصَدَْقْ ِِت أنا ّ‬
‫"أوراق الغرفــة رقــم ‪ .."8‬هــو آخــر مــا كتبــه أمــل دنقــل (ت‪1983‬م) مــن دواويــن شــعره‪،‬‬ ‫القلَب أو ِِس ْْح ُُر‬
‫َ‬ ‫تباريُح ُُح ٍٍّب خام ََر‬
‫ُ‬
‫وكأنــه مرثيــة للنفــس أو هــو كذلــك‪ ،‬حيــث كانــت (‪ )8‬رقــم غرفتــه اخلاصــة التــي‬ ‫وأْض ََح ََك والذي‬
‫أما والذي أبكى ْ‬
‫شــهدت أيامــه األخيــرة يف معهــد األورام‪ ،‬وكانــت قصيــدة "ســرير" هــي التــي عبــرت‬ ‫األمُر‬
‫ُ‬ ‫أماَتَ وأحيا والذي أمر ُُه‬
‫عــن آالمــه ومعاناتــه خالل فتــرة مرضــه‪:‬‬ ‫َ‬
‫الوحَش أن أرى‬ ‫لقد َتَر ََكْتْني ْ‬
‫أْح ُُسُدُ‬
‫(ضُّد ََم ْْن)‪:‬‬
‫ُ‬ ‫يقول يف إحدى قصائده‬ ‫ِأِلي ََف ِِنْي� منها ال ََي ُ‬
‫روُعهما الّنّْفْ ر‬
‫يف ُغُ ََر ِِف العمليات‪،‬‬
‫َ‬
‫أبيَض‪،‬‬ ‫قاُب األطباِءِ‬
‫كان ِِن ُ‬ ‫وُو ْْرق َ‬
‫اَحل ََمام‪ ،‬ابن حمديس الصقلي‪:‬‬ ‫وممن استعمل معن ََي ْْي‪ :‬ورق الشجر ُ‬
‫َ‬
‫أبيَض‪،‬‬ ‫املعاطِف‬
‫ِ‬ ‫لوُنُ‬ ‫الُو ْْر ِِق يف ال ََو ََرق ُ‬
‫اُخل ْْض ِِر‬ ‫ََت ََغَّن َْْت قياُنُ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أبيَض‪ ،‬أرديُة الراهبات‪،‬‬ ‫احلكيماِت‬
‫ِ‬ ‫تاُج‬
‫ُ‬ ‫الفجِر‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ففِّج ْْر ينابيع اُملدام مع‬ ‫ِ‬
‫الشاِش والُقُ ْْطن‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أربطُة‬ ‫ُ‬
‫املالءاُت‪ ،‬لوُنُ األس ّّر ِِة‪،‬‬
‫كوُب الَّلَنب‪،‬‬ ‫قرُص املن ِِّو ِِم‪ُُ ،‬أ ُ‬
‫نبوبُة ا ََمل ْْص ِِل‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وممن استعمل املعاني الثالثة يف بيت واحد‪ ،‬الشاعر عبد الغفار األخرس‪:‬‬
‫كُّلُ هذا ُُي ُ‬
‫شيُع ِِب ََقْلْبي ال ََوَهَ ْْن‪.‬‬ ‫خطبْت‬
‫ْ‬ ‫األوراِق ما‬
‫ِ‬ ‫الُو ْْرُقُ مُتم لي من‬
‫ُ‬
‫البياِض يذِّكِرني بال ََكَف َْْن!‬
‫ِ‬ ‫كُّلُ هذا‬ ‫َ‬ ‫منابِر ُغُ ْْصن َ‬
‫الَّد ْْو ِِح من ُُخَط ِِب‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫مُّت‪ ..‬يأتي املعزو ََن ُُمَّتَ ِِش َ‬
‫حَني‪..‬‬ ‫فلماذا إذا ُ‬
‫اِحلدا ْْد؟‬
‫لوِن ِ‬
‫بشاراِت ِ‬
‫ِ‬ ‫فالــورق‪ :‬احلمــام‪ ،‬أمــا األوراق‪ ،‬فهــي (توريــة)‪ ،‬إ ْْذ لهــا معنيــان‪ :‬األول هــو ورق الــدوح‬
‫هل ألَّنَ السوا ْْد‪..‬‬ ‫(الــشجر)‪ ،‬والثاــني ــهو أوراق الكتاــبة حــيث اإلمالء واخلــطب‪.‬‬
‫املوِت‪،‬‬
‫هو لوُنُ النجاة من ِ‬ ‫وممن استعملها مبعنى أوراق الكتابة‪ ،‬أو أوراق النقود‪ ،‬أبو العالء املعري‪:‬‬
‫الزمْن‬
‫ْ‬ ‫ضّد‪..‬‬
‫التميمِة ّ‬
‫ِ‬ ‫لوُنُ‬ ‫لُت ِِمن ََو ِِر ٍٍق ََعلى ََو ََر ٍٍق‬
‫ََو ََح ُُص ُ‬
‫بُر‬ ‫بيٍض ََي ُُش ُُّق ُُمتوَنَها ِ‬
‫اِحل ُ‬ ‫ٍ‬
‫ومــن دواويــن نــزار قبانــي (األوراق الســرية لعاشــق ََق ْْرمطــي)‪ ،‬ومــن قصائــده‪:‬‬ ‫ُُف ََّضت ُن َ‬
‫ُهاَك ِِب ِِف ََّض ٍٍة ُُس ِِبَكَت‬
‫(النســاء واملــدن)‬ ‫بُر‬
‫الِت ُ‬ ‫ََو ََلَقَد ََقضى ِِبَت ِ‬
‫َباِر ََك ِ‬
‫أنِت اآلن عاصمتي‬
‫العواصِم ِ‬
‫ِ‬ ‫بني‬
‫ٌ‬
‫تاريٌخ كما املدُنُ‬ ‫وللجميالِت‬
‫ِ‬ ‫فهــو بفلســفته املتشــائمة‪ ،‬ومبقدرتــه الشــعرية يحـ ِِّول مــا يتمنــاه النــاس مــن مــال‬
‫ُ‬
‫يعرُفني‬ ‫ارتبطُت مبقهى ليس‬
‫ُ‬ ‫كِم‬
‫ِ‬ ‫وفضــة وتبــر (ذهــب) إلــى نقمــة وإيــذاء‪ ،‬فالــورق األولــى‪ :‬املال‪ ،‬والثانيــة‪ :‬الــورق ذو‬
‫وعا ََن ََقْتْني لدى إبحارها السفُنُ‬ ‫احلبــر‪..‬‬

‫‪11‬‬
‫‪11‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫روايــة "أنثــى الســراب" للكاتــب واســيني لعــرج‪.‬‬ ‫عسٍل‬
‫عينِني من ٍ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جلأُت إلى‬ ‫وكم‬
‫مســرحية "الرجــل الــذي أكلــه الــورق"‪ :‬حصــل مخرجهــا محمــد احلضــري علــى‬ ‫قبُل ال ٌ‬
‫أهٌل وال سكُنُ‬ ‫وكنت من ُ‬
‫جائــزة أفضــل إخــراج مبهرجــان شــرم الشــيخ الدولــي للمســرح الشــبابي‪ ،‬وهــي‬ ‫فكيف أزعم أني دومنا وطن؟‬
‫مأخــوذة عــن مســرحية "تاجــر البندقيــة" لوليــام شكســبير‪ ،‬وهــي مــن متثيــل‬ ‫أّح ََّبْتْني هي الوطُنُ‬
‫وكل أنثى ّ‬
‫مجموعــة مــن الشــباب‪ :‬علــي الكيالنــي‪ ،‬وعمــر فتحــي‪ ،‬وأنطــون فــؤاد‪ ،‬وعبــد‬
‫الرحمــن‪ ،‬ومحمــود مكــرم‪.‬‬ ‫أوراق روائية‪:‬‬
‫"وثالثنــا الــورق"‪ :‬وهــي اجلــزء الثالــث مــن "ثالثيــة األمانــي" للروائــي الكبيــر‬
‫سينما ودراما‪:‬‬ ‫خيــري شــلبي‪ ،‬وهــي ســيرة شــعبية‪ ،‬اجلــزء األول منهــا‪" :‬أ ََّو ُُلنــا ولــد" والثانــي‪:‬‬
‫بطــل مــن ورق‪ ،‬فيلــم مصــري مــن إنتــاج عــام ‪1988‬م‪ ،‬بطولــة آثــار احلكيــم‪ ،‬وممــدوح‬ ‫"وثانينــا كومــي" والثالــث‪" :‬وثالثنــا الـ ََو ََرق"‪ ،‬وهــو عمــل تبــرز فيــه ‪ -‬كالعــادة ‪ -‬قــدرة‬
‫عبــد العليــم‪ ،‬وأحمــد بديــر وصالح قابيــل‪ ،‬تأليــف إبراهيــم اجلروانــي وإخــراج‬ ‫خيــري شــلبي ذلــك احلــَّكَ اء البــارع‪ ،‬مــن خالل بنــاء أدبــي هندســي مر ّّكــب ودقيــق‪،‬‬
‫نــادر جالل‪ ،‬ويــدور حــول مطــاردات كوميديــة‪ ،‬حيــث يقــع ســيناريو فنــي لكاتــب‬ ‫مثــل فــِّنِ األرابيســك‪ ،‬والفسيفســاء املســتمد مــن العمــارة اإلسالميــة‪ ،‬يف إتقــان‬
‫شــاب يصــور فيــه طريقــة ارتــكاب جرميــة يف يــد رجــل مضطــرب نفسـ ًًّي� ا‪ ،‬فيعجبــه‬ ‫ومازًجــا بني مــا‬
‫ً‬ ‫وبســاطة ممتعــة وشــائقة‪ ،‬وبإيقــاع روائــي ســلس ومتدفــق وغزيــر‪،‬‬
‫الــسيناريو ويــقوم بتطبيــقه‪.‬‬ ‫هــو واقعــي ومــا هــو فانتــازي‪.‬‬
‫املسلسل السوري‪" :‬سوق الورق"‪ ،‬إنتاج ‪2011‬م‪ ،‬يتناول قضايا الشبان اجلامعيني‬ ‫"أوراق شــاب عــاش منــذ ألــف عــام"‪ :‬للكاتــب جمــال الغيطانــي‪ ،‬وهــو أول كتــاب لــه‪،‬‬
‫وهمومهــم‪ ،‬ومــا يتعرضــون لــه مــن مشــاكل يوميــة ووجوديــة ودور وســائل التواصــل‬ ‫وقــد صــدر عــام ‪ ،1969‬متضم ًًنــا خمــس قصــص قصيــرة‪.‬‬
‫االجتماعــي يف العالقــات االجتماعيــة‪ ،‬وهــو مــن إﺧﺮاج‪ :‬أحمــد إبراهيــم أحمــد‪،‬‬ ‫"دفاتــر الــوراق" روايــة للكاتــب األردنــي جالل برجــس‪ ،‬حائــزة علــى اجلائــزة‬
‫وﺗﺄﻟﻴﻒ‪ :‬آراء جرمانــي‪ ،‬ومتثيــل‪ :‬ســلوم حــداد باســل خيــاط مكســيم خليــل نضــال‬ ‫العامليــة للروايــة العربيــة (بوكــر العربيــة ‪2021‬م)‪ ،‬وهــي روايــة اجتماعيــة وإنســانية‬
‫جنــم عبدالهــادي الصبــاغ مــرح جبــر‪.‬‬ ‫عّمــان وضواحيهــا‪ ،‬وبعــض األماكــن األردنيــة األخــرى عــا ًًملا‪ ،‬بشــخوص‬
‫تتخــذ مــن ّ‬
‫أنغام الورق‪:‬‬ ‫تراجيديــة حيــة‪.‬‬
‫فيروز‪ :‬كلمات جوزيف حرب‪ ،‬وأحلان فيلمون وهبي‬
‫ورقو األصفر شهر أيلول‪ ..‬حتت الشبابيك‬ ‫أوراق أدبية‪:‬‬
‫ذ ّّكرني وورقو دهب مشغول‪ ..‬ذّكّرني فيك‬ ‫كتــاب "أوراق الــورد"‪ ،‬ملصطفــى صــادق الرافعــي‪ ،‬وقــد صــدر هــذا الكتــاب عــام‬
‫ـزُج الكاتــب بني فلســفة احلــب وصوفيــة النظــرة يف طلبــه‪ ،‬وتبــرز‬
‫‪١٩٣١‬م‪ ،‬وفيــه ميـ ُ‬
‫محمد عبده‪ :‬من أحلانه‪ ،‬وكلمات األمير بدر بن عبداحملسن‬ ‫مــن خاللــه طاقــة إبداعيــة متيــز بهــا الرافعــي‪ ،‬تصــور بالغــة فــن اإلنشــاء‪ ،‬والقــدرة‬
‫ويش أسوي بالورق‬ ‫ال تردين الرسايل‬ ‫علــى اجلمــع بني ملكــة األديــب الــذي يصــوغ أحاسيســه ومشــاعره ويودعهــا يف‬
‫ذاب فيها واحترق‬ ‫وكل معنى للمحبة‬ ‫قالـ ٍـٍب فنــي‪ ،‬ومنطــق الفيلســوف الــذي يــرى أن ذروة املنطقيــة يف احلــب كامنــة‬
‫بسمتك عند الرحيل‬ ‫لو تركتيني يف ليلة‬ ‫يف عقليتــه‪ ،‬ومنــه‪:‬‬
‫عذرها الواهي دليل‬ ‫دمعة العني الكحيلة‬ ‫وخِشـ َـَي أن أتألــم إذا‬
‫"وصــل كتابــك أســرع ممــا قــدرت‪ ،‬فعلمــت أن قلبــك أشــفق علـ َـَّي ِ‬
‫وقالت لي‪ :‬فـ امان اهلل‬ ‫وليله كانت الفرقا‬ ‫ً‬
‫فياًضــا مبعانيــه‪ ،‬إذ كان يف يــدي كأنــه لهفــة قلــب‬ ‫انتظــرت‪ ،‬وتناولتــه فأحسســته‬
‫مجَّســمة‪ ،‬حتــى مــا شــككت أن كَّلَ كلماتــه كانــت خفقــات‪ ،‬وفضضتــه فطالعتنــي‬
‫َ‬
‫جناح سالم‪( ،‬عايز جواباتك) كلمات حسني السيد‪ ،‬وأحلان رياض السنباطي‪:‬‬ ‫رّجــة صــدر عاشــق أمســكت ََّيف زفراتهــا‬
‫منــه صحيفــة تضطــرب بأشــواقها‪ ،‬كأنهــا ّ‬
‫ودمـ ـ ـ ـ ــوعي ان ـسـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ْـْت‬ ‫سـ ـ ـ ـط ــري ــن والت ــال ـ ْـْت‬ ‫وُج ِِعلــت رســالة! ونظر ُُتــه فــإذا هــو ترجمــة شــخصك يف‬
‫وُخ ِِتــم عليهــا‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫وُطويــت‪ُ ،‬‬
‫أسْف و ْْدموع نــدم‬
‫كانت ْ‬ ‫أكتر ماهي دموع ألم‬ ‫أْمطر ُُتهــا ً‬
‫لثًمــا؛ إذ ُُخ ِِّيــل‬ ‫حســنه وجمالــه وظرفــه‪ ،‬وابتدرتنــي منــه جملـ ٌـٌة باسـ ٌ‬
‫ـمٌة ْ‬
‫ـاْعــُتُ ـ ــه من س ـن ـ ـ ـ ْْه‬
‫انَتَ بـ ـ ْ‬ ‫عـ ـ ـ ــالكـ ـ ـ ـ ــالم اللـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫إلـ ّـّي إنهــا ترجمــة عــن شــفتيك"‪.‬‬
‫وصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـَّدْقْ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــه أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫اللـ ـ ـ ــي ُُق ـ ـ ـ ـ ـ ْْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـُت اْنَْتَ‬
‫ده مـ ـ ـ ـ ــش مـ ـ ـعـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوْلْ‬ ‫و ل ـ ــقيتنى بـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ــوْلْ‬ ‫أوراق فنية‪:‬‬
‫ان ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاردة بي ـ ـ ـ ــنحرْقْ‬ ‫كل دة ح ـ ــبر فى ورْقْ‬ ‫مسرح‪:‬‬
‫"ِحبــر علــى ورق‪ :‬وهــي مســرحية اقتبســها األســتاذان محمــد توفيــق‬
‫مســرحية ِ‬
‫الورق يف تعبيرات حديثة‪:‬‬ ‫ومحمــود الســباع‪ ،‬وهمــا مــن رواد ُُم ْْخ ِِرجــي اإلذاعــة املصريــة‪ ،‬كمــا أنهــا ممــثالن‬
‫يقولون فيما يشبه األمثال‪:‬‬ ‫كبيــران‪ ،‬مــن نــوع الكوميديــا االجتماعيــة‪.‬‬
‫ووّضح غرضه‪.‬‬
‫كشف أوراقه‪ :‬أعلن عن نواياه‪ّ ،‬‬ ‫مســرحية "زيــت وورق"‪ :‬للمؤلــف واخملــرج علــي جمــال‪ ،‬بطولــة‪ :‬عبــداهلل ســعيد‪،‬‬
‫أعاد ترتيب أوراقه‪ :‬أعاد النظر يف خططه‪.‬‬ ‫وقدمتهــا جمعيــة حتــا للثقافــة والفنــون والتــراث‪.‬‬
‫الورقة األخيرة‪ :‬أي آخر ما عنده‪.‬‬ ‫مســرحية "امــرأة مــن ورق" للكاتــب اجلزائــري "مــراد سنوســي" وقــد اقتبســها عــن‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬ ‫‪12‬‬
‫‪12‬‬
‫وأن دراســة تقــول‪ :‬لــو التــف أحــد األفــراد بتســع وثالثني طبقــة مــن هــذا الــورق‪،‬‬ ‫أمٌر غير قابل للتنفيذ‪ ،‬وكالم ال يعقبه عمل‪.‬‬
‫ِِح ْْب ٌٌر على ََو ََرق‪ٌ :‬‬
‫ً‬
‫مصدًقــا فج ـ ِِّر ْْب‪،‬‬ ‫وقفــز مــن الــدور الســادس‪ ،‬فلــن ُُيصــاب بــأذى‪ ..‬وإن لــم تكــن‬ ‫الورق يف االصطالحات االقتصادية‪:‬‬
‫ولكـ ْـْن‪ ..‬إيــاك أن تفعــل ذلــك‪.‬‬ ‫الُعملة من الورق‪.‬‬
‫َقدّي‪ُ :‬‬
‫" ََو ََرق بنكنوت‪ -‬أوراق مال ّّية"‪ ،‬الورق الَّن ّ‬
‫األوراق املصرف ََّيــة‪ :‬أوراق يصدرهــا بنــك اإلصــدار مشــتملة علــى التــزام بدفــع‬

‫الورق يف املنام‪:‬‬ ‫مبــلغ ــمعنَّين ــمن الُّنُ ــقود املعدنّيـ ـّة حلاملــها عــند َ‬
‫الَّطــلب‪.‬‬
‫األوراق املال ََّيــة‪ :‬مجموعــة مــن األدوات االســتثمار ّّية كاألســهم والســندات‬
‫يقــال‪ :‬قــد يظهــر الــورق يف الرؤيــا بألــوان وأحجــام مختلفــة‪ ،‬وترمــز رؤيتــه يف‬
‫والّصناديــق االســتثمار ّّية ونحوهــا‪.‬‬
‫ّ‬
‫الِعلــم واخلبــرة األكادمييــة‪ ،‬وقــال املفســرون‪ :‬إن رؤيــة التوقيــع علــى‬
‫احللــم إلــى ِ‬
‫قَّدم ََو ََرقة عمل‪ :‬للمشروع اجلديد‬
‫َ‬
‫األوراق عالمــة بــأن احلالــم إنســان قــوي شــخص ًًّي� ا وعقل ًًّي� ــا‪ ،‬ول ـ ــو مســك احلالــم‬
‫الَّدمغة‪ :‬الطوابع األمير ََّية أو البريد ّّية‪.‬‬
‫ورق َ‬
‫عِبــر عــن الســتر وال ُُبعــد عــن‬
‫قلًمــا يف يــده ويســتعد للكتابــة علــى الــورق‪ ،‬فاحللــم ُُي ِ‬
‫ً‬ ‫الورق يف االصطالحات السياسية‪:‬‬
‫البــؤس والقحــط‪ ،‬ولــو الرائــي كان يعمــل يف شــركة خاصــة أو مصلحــة حكوميــة‪،‬‬ ‫يقّدمهــا املمثــل السياسـ ّـّي إلحــدى الــدول إلــى رئيــس‬
‫أوراق اعتمــاد‪ :‬أوراق رســم ّّية ّ‬
‫وَح ََل ـ ََم بأنــه يف مكَت َِِبــه وبيــده أوراق ويقــوم بالتوقيــع عليهــا‪ ،‬وكان ّ‬
‫خّطــه جمـ ً‬
‫ـيًال‬ ‫َ‬ ‫الدولــة التــي ُُيـعنَّين فيهــا إثبا ًًتــا ملهمتــه‪.‬‬
‫واألوراق نظيفــة‪ ،‬فاحللــم فيــه بشــائر عظيمــة بــأن جميــع طموحاتــه املهنيــة‬ ‫ََو ََرقة تفاهم بني اجلانبني‪.‬‬
‫الَّسفر‪.‬‬
‫َ‬ ‫اعتماد‬ ‫أوراق‬ ‫عيني‪،‬‬ ‫َ‬
‫َّت‬ ‫ال‬ ‫أوراق‬ ‫أوراق رسمية‪ :‬وثائق‪،‬‬
‫ســيصل لهــا‪ ،‬وقــد ينتقــل إلــى وظيفــة أعلــى مــن خالل ترقيتــه‪ .‬واهلل أعلــم‪.‬‬
‫من أنواع الورق احلديثة‪:‬‬
‫ورق الصحــف واجلرائــد‪ ،‬وورق اجملالت‪ :‬وهــو أقــدم أنــواع الــورق التــي متــت‬
‫القارئ ولون الورق‪:‬‬
‫صناعتهــا‪ ،‬علــى وهــو غيــر مــتني أو قــوي وال يبقــى لفتــرة زمنيــة طويلــة‪.‬‬
‫هنــاك مــن يرتــاح للــون مــعني للــورق‪ ،‬فالبعــض يحــب اللــون األبيــض‪ ،‬والبعــض‬ ‫ورق الطباعــة والكتابــة‪ :‬وهــو الــورق الــذي يســتخدم يف صناعــة الكتــب املتنوعــة‪،‬‬
‫يحــب الــورق ذا اللــون الداكــن‪ ،‬أو األصفــر‪ ،‬و ََيحكــي أحــد باعــة الكتــب أن أحــد‬ ‫كمــا يســتخدم لكتابــة اخلطابــات واالســتمارات عليــه‪.‬‬
‫زبائنــه مــن القــراء ال يشــتري كتا ًًبــا مــا لــم يكــن ورقــه أصفــر مــن النــوع النباتــي‪،‬‬ ‫ورق الكرتون‪ :‬هو الورق الذي يستخدم يف التعبئة والتغليف‪.‬‬
‫فــإذا ُُقــِّدِ م لــه كتــاب ُُطبــع علــى ورق أبيــض فقــد يتحـ َـَّرج ويتلــكأ يف شــرائه‪ ،‬فــإذا‬ ‫أيًضــا يف‬
‫وُيســتخَدَم ً‬
‫الــورق املقـ َـَّوى‪ :‬ويتــم اســتخدامه لوضــع املنتجــات الغذائيــة‪ُ ،‬‬
‫لــم تتوفــر الكتــب املطبوعــة علــى الــورق النباتــي فإنــه يعمــد إلــى شــراء شــيء مــن‬ ‫أغلفــة الكتــب ونحوهــا‪.‬‬
‫الَّرمــل أو الزجــاج‪،‬‬
‫مجَّهــز بحبيبــات مــن َ‬
‫َ‬ ‫ورق ُُم ََر ََّمــل‪ :‬صنفــرة‪ :‬هــو ٌ‬
‫ورٌق أحــد وجهيــه‬
‫الزعفــران يصبــغ بــه صفحــات الكتــاب كافــة‪ .‬والَّنّ ــاس أذواق‪.‬‬
‫ّ‬
‫حلّك وتنعيم املصنوعات‪.‬‬ ‫ُُيســتعمل‬
‫وهنــاك‪ :‬ورق الكونكــورد‪ ،‬ورق الســوليفان‪ ،‬ورق الدوبلكــس‪ ،‬ورق الكروشــيه‪ ،‬ورق‬
‫تعتيق الورق‪:‬‬ ‫فولســكاب‪ ،‬ورق شــفاف‪ ،‬ورق كربــون‪ ،‬ورق حوائــط‪ ،‬ورق تغليــف‪ ،‬ورق مناديــل‪ ،‬ورق‬
‫وهــي طريقــة يســتعملها احملتالــون يف تزويــر املســتندات لتبــدو قدميــة لتحقيــق‬ ‫مطبــخ‪ ،‬ورق لعــب‪ ،‬وغيــر ذلــك‪.‬‬
‫أغــراض قانونيــة يف عقــود البيــع أو الشــراء‪ ،‬أو اتفاقــات معينــة أو زواج‪ ،‬ومــا‬
‫إلــى ذلــك مــن أغــراض خبيثــة‪ ،‬وذلــك باســتخدام ملونــات طبيعيــة كالقهــوة أو‬ ‫طرائف ورقية‪:‬‬
‫النســكافية أو أكيــاس الشــاي القدميــة أو أي نــوع مــن األصبــاغ املائيــة للحصــول‬ ‫مــن أنــواع الــورق‪ :‬ورق ُ"ُي ََط ْْر ِِقــع" (‪ )Bubble Wrap‬أي يحــدث صو ًًتــا مــن‬
‫خالل الــدوس علــى ُُحبيباتــه املنتفخــة‪ ،‬وكان يف األصــل خلفيــات للزخرفــة‪ ،‬ولكنــه‬
‫علــى اللــون األصفــر الــذي يعطــي للورقــة مظهــر القــدم‪ ،‬هــذا باإلضافــة حلــرق‬
‫لــم ينتشــر لهــذا الهــدف‪ ،‬فاجتهــت بــه شــركاته املنتجــة الســتخدامه يف التغليــف‪،‬‬
‫حـ ّ‬
‫ـواّف الورقــة بشــكل عشــوائي لتزيــد انطبــاع قــدم الورقــة‪ ،‬وهــو مــا يدخــل حتــت‬
‫وعــن طرائــف اســتعماله نشــر الدكتــور طــارق رضــوان علــى موقــع جريــدة "كنــوز‬
‫اجلرميــة التــي يعاقــب عليهــا القانــون‪ ،‬وباســتطاعة اخلبــراء اكتشــاف عمليــة‬
‫عربيــة" ُُط ً‬
‫رًفــا عــن اســتعماالته‪ ،‬نصــوغ منهــا‪:‬‬
‫التزوــير تــلك‪ ،‬ومعرــفة إن كاــنت قدميـمة بالفــعل أم ــهو ِقـ ـَِد ٌٌَم مصطــنع‪.‬‬ ‫أن هنــاك دراســات تقــول‪ :‬إن ســتني ثانيــة "دقيقــة واحــدة" مــن طرقعــة هــذا الــورق‬
‫ـدًءا مــن شــهادة املــيالد‪ ،‬حتــى شــهادة‬
‫إن الــورق هــو رحلــة اإلنســان مــع احليــاة‪ ،‬بـ ً‬ ‫تعــادل ً‬
‫ثالًثــا وثالثني دقيقــة "مســاج" ألنــه قــادر أن يخفــف نســبة التوتــر بتواصــل‬
‫انتقالــه للعالــم اآلخــر‪ ،‬مــرو ًًرا بقراءاتــه وتعليمــه وعبادتــه‪ ،‬ومشــاعره‪ ،‬فمــا حيــاة‬ ‫الفرقعــة حلبيباتــه‪.‬‬
‫ـاٌب قــد ســجلت أوراقــه أعمالــه وأقوالــه‪ ،‬وسـ َـَّره وعالني ََتــه‪ ،‬تألفــت‬
‫اإلنســان إال كتـ ٌ‬ ‫ـخًصا دخلوا مســابقة‬
‫رقًما قياسـ ًًيا ُُسـ ِـِّجل يف العام ‪ 2015‬لعدد ‪ 2681‬شـ ً‬
‫وأن هناك ً‬
‫ماد ُُتــه يف دنيــاه‪ ،‬وســيقرأه يف أخــراه‪ ،‬فاللهــم اجعــل صحائفنــا وأوراقنــا نــو ًًرا لنــا‬ ‫ـخًصا يف‬
‫الفرقعــة‪ ،‬وكســروا الرقــم القياســي الســابق‪ ،‬وهــو أن العــدد كان ‪ 942‬شـ ً‬
‫وقــت واحــد‪.‬‬
‫يف الدنيــا واآلخــرة‪.‬‬
‫أن شــركة متخصصــة يف إنتاجــه تنتــج "‪ "240.000‬ميــل كل ســنة‪ ،‬وهــو مــا يكفــي‬
‫للــف كوكــب األرض عشــر مــرات‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪13‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫د‪ .‬محمد بودي‬
‫رئيس مجلس إدارة نادي املنطقة الشرقية األدبي‬

‫‪almashadtv@gmail.com‬‬

‫نوافذ‬

‫أروقة الثقافة في أدبي الشرقية‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬
‫‪14‬‬
‫‪14‬‬
‫البوحيمــد‪ ،‬وشــارك يف النقــاش القاصــان والروائيــان فهــد املصبــح‪،‬‬ ‫تــرد كلمــة رواق يف اللغــة مبعنــى ســقيفة للِّدِ راســة يف مســجد أو دار علــم‪،‬‬
‫وعبــداهلل احلــواس‪ ،‬أمــا اللقــاء الثالــث فــكان بعنــوان‪" :‬ناقــش كتابــك"‬ ‫ومــن هــذا املفهــوم أطلــق نــادي املنطقــة الشــرقية األدبــي ثالثــة أروقــة‬
‫مفتوًحــا يجمــع قــراء الروايــات والقصــص‪ ،‬ومناقشــتها‬
‫ً‬ ‫ـاًء‬
‫تضمــن لقـ ً‬ ‫ثقافيــة‪ ،‬تعــد أحــد برامجــه اجلديــدة التــي تهــدف إلــى خلــق روح تشــاركية‬
‫بهــدف تعزيــز ثقافــة النقــاش‪ ،‬وطــرح األفــكار اإلبداعيــة‪ ،‬وجــاء اللقــاء‬ ‫مــع اجملتمــع‪ ،‬اســتهدف كل رواق فًنً ــا ً‬
‫أدبًيــا بطريقــة جديــدة‪ ،‬وأســلوب مميــز‬
‫الرابــع عــن "حتــوالت الروايــة‪ ،‬وصناعــة محتــوى األفالم" قدمــه الروائــي‬ ‫اســتقطب املثقــفني واملهتــمني علــى حــد ســواء‪ ،‬فجــاءت فكــرة األروقــة مــن‬
‫بــدر الســماري‪ ،‬أحــد ك ّّتــاب ســيناريو الفيلــم العاملــي (ولــد ملــكا)‪ ،‬وشــهد‬ ‫أجــل فتــح مســارات أدبيــة تعمــل علــى االرتقــاء بــاألدب‪ ،‬وتســتلهم أهميــة‬
‫اللقــاء كذلــك توقيــع روايتــه (ارتيــاب)‪ ،‬بعدهــا مت اللقــاء اخلامــس‪ ،‬والــذي‬ ‫نشــر الثقافــة يف اجملتمــع عبــر اســتعراض جتــارب ثريــة‪ ،‬واإلبحــار يف عوالــم‬
‫تضمــن "أمســية قصصيــة" مــع فواصــل نقاشــية شــارك فيهــا عــدد مــن‬ ‫متنوعــة اســتلهمت أســماء األروقــة‪( :‬رواق بحــور) مــن بحــور الشــعر‪ ،‬و(رواق‬
‫القاصــيني واملهتــمني بالفــن القصصــي‪ ،‬وهــم د‪.‬محمــد البشــير‪ ،‬والروائيــة‬ ‫حكاــيا) ــمن حكاــيات الــسرد‪ ،‬و(رواق كلــمات) ــمن ــقوة الكلــمة‪.‬‬
‫مــرمي احلســن‪ ،‬والكاتــب عمــر البــدران‪ ،‬وأدارهــا منســق الــرواق الروائــي‬ ‫أواًلا ‪( :‬رواق بحــور) الــذي يعنــى ب ــاألمسيات الشــعرية‪ ،‬والفعاليــات املتعلقــة‬
‫نوعًيــا مــن‬
‫ً‬ ‫عبــد اهلل احلــواس‪ ،‬وناقشــت األمســية التــي شــهدت حضــو ًًرا‬ ‫بــورش الشــعر مــن خالل الكتابــة‪ ،‬واإللقــاء‪ ،‬والنقــد‪ ،‬والتثقيــف‪ ،‬فــكان‬
‫املهتــمني بالقصــة‪ ،‬تطــور هــذا الفــن ومســاراته‪ ،‬وأوجــه التالقــي مــع فــن‬ ‫وتدريًبــا‪ ،‬وتولــى متابعتــه وتنســيق برنامجــه‬
‫ً‬ ‫إبداًعــا‬
‫ً‬ ‫اهتمامــه بالشــعر‬
‫الروايــة‪ ،‬كمــا عـ ّـّرج مــن خاللهــا املشــاركون علــى أبــرز عناصــر القصــة‪ ،‬مــع‬ ‫الشــاعر متعــب الغامــدي‪ ،‬وتكمــن أهميــة هــذا الــرواق يف رعايتــه املوهبــة‬
‫اســتعراض منــاذج مختلفــة كالقصــة القصيــرة‪ ،‬والقصــة القصيــرة جــًدً ا‪،‬‬ ‫ـاًء‪ ،‬وحتديــد وجهــات الشــعراء عبــر بوصلـ ٍـٍة أدبيـ ٍـٍة‬
‫نظًمــا وإلقـ ً‬
‫ً‬ ‫الشــعرية‬
‫والقصــة الومضــة‪ ،‬واملســرحية القصصيــة‪ ،‬واحتضــن اللقاء الســادس ورشــة‬ ‫ترســم ســيرة ومســيرة األديــب الواعــد‪ ،‬عبــر ربطــه باخملتــصني‪ ،‬وإقامــة‬
‫تفاعليــة بعنــوان‪" :‬فــن قــراءة النــص الروائــي وكتابتــه" قدمهــا الروائــي‬ ‫البرامــج التدريبيــة‪ ،‬واألماســي الشــعرية‪ ،‬واجللســات النقديــة‪ ،‬يف لقــاءات‬
‫"أســامة ُاُملســلم"‪ ،‬حيــث ناقشــت فــن قــراءة النــص الروائــي وكتابتــه‪ ،‬وتناولــت‬ ‫نصــف شــهرية‪ ،‬يتــم خاللهــا تقــدمي نصــوص شــعرية مــن إبداعــات شــعراء‬
‫أســس اختيــار النــص الروائــي األنســب للقــراءة‪ ،‬وعالقــة القــراءة بالكتابــة‪،‬‬ ‫واعديــن مــن املنطقــة الشــرقية‪ ،‬وقــد انطلــق اللقــاء األول عبــر "أمســية‬
‫وفلســفة القــراءة االنتقائيــة‪ ،‬وصــراع املــدارس القدميــة واحلديثــة يف فــن‬ ‫شــعرية" شــارك فيهــا مجموعــة مــن شــعراء املنطقــة الشــرقية‪ ،‬حيــث‬
‫الكتاــبة‪ ،‬وتــساؤالت ــحول الكاــتب الــسيء والــقارئ الــسيء‪.‬‬ ‫اتســمت القصائــد التــي ألقيــت باجلــودة والتجديــد والتنــوع يف أغــراض‬
‫ً‬
‫ثالًثــا‪( :‬رواق كلمــات) وهــو رواق يهتــم باملــرأة مــن خالل تنميــة مهارتهــا‬ ‫الشــعر‪ ،‬تاله اللقــاء الثانــي وكان ورشــة تفاعليــة بعنــوان‪" :‬مهــارات بنــاء‬
‫يف القــراءة والكتابــة‪ ،‬واســتضافة مبدعــات يف الشــعر والنثــر‪ ،‬وتوقيــع كتــب‬ ‫القصيــدة" ناقشــت األساســيات الالزمــة لكتابــة القصيــدة علــى األوزان‬
‫جديــدة لهــن‪ ،‬واســتعراض جتــارب املؤلفــات‪ ،‬ومت تنفيــذ ســتة لقــاءات ضمــن‬ ‫الشــعرية والقــوايف‪ ،‬ومهــارات التقطيــع العروضــي‪ ،‬ومتاريــن شــعرية‬
‫هــذا الــرواق فاللقــاء األول بعنــوان‪" :‬قهــوة مســاء وجتربــة كاتــب" مــع‬ ‫تفاعليــة مــع الشــاعر م‪ .‬ظافــر الســيف‪ ،‬والناقــد د‪ .‬عصــام أبوغربيــة‬
‫د‪ .‬نعيمــة الغامــدي‪ ،‬واللقــاء الثانــي بعنــوان‪" :‬نــدوة وتوقيــع كتــاب" حيــث‬ ‫والشــاعر أ‪ .‬متعــب الغامــدي ‪ ،‬ثــم كان اللقــاء الثالــث "أمســية شــعرية" مــع‬
‫اســتضاف الــرواق ثالث كاتبــات يف نــدوة مشــتركة أدارتهــا منســقة الــرواق‬ ‫الشــعراء‪ :‬عبــداهلل العنــزي‪ ،‬وحمــد العمــار ‪ ،‬وعبــد اللطيــف املبــارك ‪ ،‬وعلــي‬
‫الكاتبــة منيــرة الهاجــري‪ ،‬وأشــرفت عليهــا مشــرفة الــرواق ورئيســة اللجنــة‬ ‫الزهرانــي‪ ،‬وجــاء اللقــاء الرابــع عــن دورة تدريبيــة ملــدة ثالثــة أيــام بعنــوان‪:‬‬
‫النســائية بالنــادي أحالم املنصــور‪ ،‬واشــتملت النــدوة علــى حديــث لــكل‬ ‫"العــروض والقافيــة" قدمهــا الناقــد د‪ .‬عصــام عيــد أبوغربيــة‪ ،‬وتناولــت‬
‫كاتبــة عــن محتــوى مؤلفهــا‪ ،‬حيــث حتدثــت املشــاركات عــن قصــة ورســالة‬ ‫كتابــة القصيــدة‪ ،‬والتقطيــع العروضــي‪ ،‬وبحــور الشــعر‪ ،‬وتدريبــات علــى‬
‫كتبهــن‪ ،‬والصعوبــات التــي قابلتهــن أثنــاء الكتابــة‪ ،‬وتطرقــن ألثــر الكاتــب‬ ‫الــوزن والقافيــة‪ ،‬بعدهــا اللقــاء اخلامــس الــذي مت ّّثــل يف "أمســية شــعرية"‬
‫اجتماعًيــا مــن خالل كتابتــه‪ ،‬وتخللــت النــدوة استفســارات‪،‬‬
‫ً‬ ‫والروائــي‬ ‫شــارك فيهــا الشــعراء‪ :‬ماجــد اجلهنــي‪ ،‬وشــيخ صنعانــي‪ ،‬وفايــز ذيــاب‪،‬‬
‫ومــداخالت مــن احلضــور‪ ،‬تال ذلــك حفــل توقيــع مشــترك للكاتبــات لكتبهــم‬ ‫ومحمــد الزهرانــي‪ ،‬وســعود الشــمري‪ ،‬ثــم اللقــاء الســادس الــذي احتضــن‬
‫الثالثــة‪" ،‬لــن تعــود إلــى جنتــي" للكاتبــة إميــان الطالــب‪ ،‬و"مازلــت طفلــة"‬ ‫ورشــة تفاعليــة بعنــوان‪" :‬املنصــة النقديــة"‪ ،‬مت فيهــا حتكيــم قصائــد‬
‫للكاتبــة منــى آل دغمــان‪ ،‬و"رجفــة" للكاتبــة بيــان الغامــدي‪ ،‬وكان اللقــاء‬ ‫املشــاركني مــن قبــل الناقديــن د‪ .‬ســعيد العمــري ود‪ .‬عبــد اهلل العســاف‪،‬‬
‫الثالــث حلقــة نقــاش بعنــوان‪" :‬الكتابــة القصصيــة والتدويــن الصوتــي"‬ ‫حيــث قــرأ الشــعراء نصوصهــم التــي ناقــش الناقــدان جودتهــا مــن حيــث‬
‫ّ‬
‫اخلّطــاف"‪ ،‬أمــا اللقــاء الرابــع فتم ّّثــل‬ ‫قدمتهــا اإلعالميــة والروائيــة "إميــان‬ ‫اللغــة‪ ،‬والصــورة‪ ،‬والعــروض‪.‬‬
‫يف ورشــة عمــل بعنــوان‪" :‬تقنيــات فــن كتابــة القصــة" قدمتهــا القاصــة‬ ‫ثانًيــا‪( :‬رواق حكايــا)‪ ،‬وهــو رواق يهتــم بالســرد‪ ،‬وكل مــا يتعلــق بالقصــة‬ ‫ً‬
‫والروائيــة "إميــان الطالــب" يف حني كان اللقــاء اخلامــس بعنــوان‪" :‬قهــوة‬ ‫ً‬
‫وورًشــا تدريبيــة‪ ،‬وأشــرف عليــه عضــو مجلــس‬ ‫اًلا‬ ‫والروايــة كّتّا ًًبــا وأعم ـا‬
‫مســاء وجتربــة كاتــب" مــع الشــاعرة "أثيــر الســلمي"‪ ،‬وتوقيــع ديوانهــا‬ ‫اإلدارة القــاص والروائــي فهــد املصبــح‪ ،‬وتولــى تنســيق وإعــداد برنامجــه‬
‫(أحلان الكآبــة) باللغــة اإلجنليزيــة مــن إصــدارات النــادي‪ ،‬وصاحبــه‬ ‫الروائــي املهنــدس عبــد اهلل احلــواس‪ ،‬ومت تفعيلــه مــن خالل لقــاءات نصــف‬
‫معــرض تشــكيلي للفنانــة التشــكيلية "يــارا احلســيني" قدمــت فيــه لوحــات‬ ‫شــهرية‪ ،‬حيــث كان اللقــاء األول بعنــوان‪" :‬الروائــي ليــف تولســتوي قلــم‬
‫الديــوان‪ ،‬وكان اللقــاء الســادس بعنــوان‪" :‬جتاربهــم يف عالــم الكتابــة" مــع‬ ‫سالح"‪ُُ ،‬قـ ّـّدم فيــه عرض ـ ًًا مرئي ـ ًًا لســيرته‪ ،‬ونوقشــت فيــه روايــات األديــب‬
‫الكاتبــة د‪.‬أمــل الطعيمــي‪.‬‬ ‫الروســي "ليــف تولســتوي" الــذي ُُيعــد مــن عمالقــة الروائــيني الــروس الذيــن‬
‫وهكــذا شــكلت هــذه األروقــة أوعيــة أدبيــة مهمــة قدمــت حــراًكً ا مميــًزً ا أضــاء‬ ‫مت تصنيفهــم كأحــد أعمــدة األدب الروســي يف القــرن التاســع عشــر‪ ،‬وكان‬
‫املشــهد الثقــايف بفنــون األدب والكتابــة واإلبــداع مــن خالل نــادي املنطقــة‬ ‫اللقــاء الثانــي ورشــة عمــل بعنــوان‪" :‬هيــكل الروايــة وتقنياتهــا"‪ ،‬تناولــت‬
‫الشــرقية األدبــي منصــة األدب األولــى يف املنطقــة‪.‬‬ ‫األساســيات الالزمــة لكتابــة الروايــة‪ ،‬وفهمهــا مــن زاويــة البنــاء الســردي‬
‫للكاتــب باســتعراض منــاذج مختلفــة لتجــارب قدمهــا الكاتــب عبدالرحمــن‬

‫‪15‬‬
‫‪15‬‬
‫‪15‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫د‪ .‬ملياء البراهيم‬
‫طبيبة استشارية‪ ،‬كاتبة رأي سعودية‬
‫‪dr.lamia@gmail.com‬‬

‫صحتنا‬

‫والمكّمالت الغذائية‬
‫ّ‬ ‫الفيتامينات‬
‫نعّوضها؟‬
‫كيف ّ‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬ ‫‪16‬‬
‫‪16‬‬
‫متاًمــا فحتــى الســموم بعضهــا مصــدره طبيعــي‪ ،‬وقــد‬
‫ً‬ ‫آمــن‪ ،‬وهــذا غيــر دقيــق‬ ‫يســتخدم ‪ ٪75‬مــن األمريكــيني املكــمالت الغذائيــة‪ ،‬وتعــد الفيتامينــات‬
‫تتســبب يف جانبيــة غيــر مرغــوب فيهــا‪ ،‬وتتداخــل مــع األدويــة املوصوفــة‪،‬‬ ‫ـيوًعا حيــث ال تتطلــب‬ ‫املصنعــة واملكــمالت الغذائيــة أكثــر العالجــات شـ ً‬
‫واألدويــة التــي تبــاع مــن دون وصفــة طبيــة‪.‬‬ ‫وصفــة طبيــة‪ ،‬ويتــم التســويق لهــا بطريقــة جّذّ ابــة ومغريــة‪ ،‬ال تفـ ّـّرق بني‬
‫• إضافــة لذلــك قــد حتمــل املكــمالت الغذائيــة مخاطــر يف مكوناتهــا‬ ‫مــن يحتاجهــا أو مــن ال يحتاجهــا‪.‬‬
‫خصوًصــا املنتجــات العشــبية بتركيبتهــا غيــر املســتقرة حــاملا يجــري‬
‫ً‬
‫تصنيعهــا‪ ،‬مــا قــد يــؤدي إلــى فوائــد متباينــة أو ال حتقــق فوائــد‪.‬‬ ‫املكّمــل الغذائــي ُُيعـ ّـّرف بأنــه أي منتــج (غيــر التبــغ) يحتــوي علــى فيتــامني‪،‬‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫خالًفــا لألدويــة الطبيــة فــإن جرعــات املكـ ّـّمالت الغذائيــة ليســت‬ ‫• كذلــك‬ ‫وُيســتعمل‬
‫أو معــدن‪ ،‬أو عشــبة‪ ،‬أو منتــج نباتــي آخــر‪ ،‬أو حمــض أمينــي ‪ُ ،‬‬
‫متاًمــا‪ ،‬بــل مــن املمكــن تنــاول أكثــر مــن نــوع مــن املكـ ّـّمالت الغذائيــة‬
‫ً‬ ‫دقيقــة‬ ‫كمكّمــل للنظــام الغذائــي العــادي‪.‬‬
‫ّ‬
‫املكّونــات املتشــابهة بــخالف مــا يتناولــه الشــخص مــن غــذاء يحتــوي‬
‫ذات ّ‬ ‫كمــا وقــد أدرجــت بعــض الهرمونــات مثــل ديهيــدرو إيبــي أندروســتيرون‬
‫علــى نفــس املكـ ّـّون‪ ،‬وقــد ال يعــرف املريــض أن األعــراض اجلانبيــة مثــل‬ ‫(‪ )DHEA‬و امليالتــونني‪ ،‬والبــروتني الرياضــي مــن املكـ ّـّمالت الغذائيــة‬
‫الغثيــان واإلســهال أو التقلصــات املعويــة أو احلصــوات الكلويــة قــد يكــون‬ ‫أيًضــا‪.‬‬
‫ً‬
‫بســبب زيــادة بعــض املكــمالت الغذائيــة عــن حاجتــه الفعليــة‪.‬‬
‫• ومــن املعتقــدات الطبيــة املغلوطــة كذلــك اســتخدام املكــمالت الغذائيــة‬ ‫• هيئــة الغــذاء والــدواء الســعودية تشــترط وجــود مــا يوضــح معلومــات‬
‫ب ـداًلا مــن األدويــة التقليديــة التــي يصفهــا الطبيــب‪ ،‬وإن كانــت املكــمالت‬ ‫الغــذاء والــدواء علــى املنتــج مبــا فيــه املكــمالت الغذائيــة‪ ،‬مبيــنني فيــه االســم‬
‫الغذائيــة قــد تســهم بتقــدمي التأثيــر الوهمــي للــدواء لبعــض املرضــى أو‬ ‫والكميــة والــوزن اإلجمالــي‪ ،‬ومنظمــة الغــذاء والــدواء األمريكيــة تشــترط‬
‫املكّمــل الغذائــي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫احلاالت الطبيــة بالطبــع مــع ضمــان موثوقيــة‬ ‫خرَج منهــا كُّلُ ُُمكـ ِـِّون‪.‬‬
‫َ‬ ‫أيًضــا أن حُتح ــِّدِ د أجــزاء النبــات التــي اســُتُ‬
‫ً‬
‫• مــن جانــب آخــر فــإن الفيتامينــات واملكـ ّـّمالت الغذائيــة عندمــا تؤخــذ‬ ‫• املكـ ّـّمالت الغذائيــة هــي عالجــات مصنعــة مــن مصــادر قــد تكــون طبيعيــة‬
‫بجرعــة مناســبة ووفــق احتيــاج املــرء ستســهم يف تعزيــز صحــة اإلنســان‬ ‫نباتيــة أو حيوانيــة أو كيميائيــة‪ ،‬وهنــاك تصـ ّـّور مغلــوط بأنــه طبيعــي يعنــي‬

‫‪17‬‬
‫‪17‬‬
‫‪17‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫حيــث تتســبب بالقضــاء علــى البكتيريــا النافعــة‪ ،‬أو مــن يتناولــون الكحــول‬ ‫وتقويــة اجلهــاز املناعــي‪ ،‬ولهــذا ففهــم فوائدهــا وتأثيرهــا اإليجابــي علــى‬
‫وغيــر ذلــك ممــا يقلــل االمتصــاص أو يتســبب بســوء التغذيــة‪ ،‬ويف ســوء‬ ‫اجلــسم يــعد جوهرًيـ ـًا للحــفاظ عــلى منـمط حــياة صــحي‪.‬‬
‫التغذيــة ال بــد أن نتطــرق لالنتقائــيني يف الطعــام‪ ،‬وهــذا الســلوك املتزايــد‬ ‫• الفيتامينــات تصنــف إلــى مــا يــذوب يف الدهــون وتخــزن يف اجللــد‪،‬‬
‫الــذي يعــززه األهالــي باالســتجابة للطفــل يف انتقائيتــه وهــذا مــا فاقــم‬ ‫ويتخ ّّلــص اجلســد منهــا عــن طريــق الكبــد وهــي فيتــامني ‪A,D,E.K‬‬
‫مشــكلة احلاجــة للمكــمالت الغذائيــة كبديــل عــن الغــذاء الطبيعــي‪،‬‬ ‫‪ ،‬ولهــذا يراعــى كثيـ ًـًرا يف جرعاتهــا لتجنــب الســمية مــن اإلفــراط يف‬
‫فمعظــم الفيتامينــات واملعــادن تتوفــر يف اخلضــروات والفواكــه واللحــوم‬ ‫اســتخدامها باملقارنــة مــع الفيتامينــات التــي تــذوب يف املاء‪ ،‬وال يخّزّ نهــا‬
‫واألســماك والدواجــن واحلليــب ومنتجــات األلبــان واملكســرات والزيــوت‬ ‫اجلســم ويتخلــص منهــا عــن طريــق الكليــة (البــول) وهــي فيتــامني ‪ ،C‬و‬
‫الطبيعيــة والتعــرض ألشــعة الشــمس‪.‬‬ ‫‪ B‬باــختالف أنواعــها‪.‬‬
‫• الفيتامينــات لهــا وظائــف يف اجلســم‪ ،‬والوعــي بوظائفهــا يســهم‬ ‫• احتيــاج اإلنســان لهــذه املكــمالت الغذائيــة أو الفيتامينــات هــو بنســب‬
‫باســتخدامها بطريقــة آمنــة فمـ ً‬
‫ـثًال فيتــامني ‪ C‬يعــد مــن مضــادات‬ ‫صغيــرة جــًدً ا كمــا أنهــا تتوفــر يف الغــذاء الصحــي والتعــرض ألشــعة‬
‫األكســدة ويتم ّّيــز بقدرتــه علــى تعزيــز مناعــة اجلســم‪ ،‬وتعزيــز إنتــاج‬ ‫الشــمس‪ ،‬ويفتــرض أن مــن يحتاجهــا هــم فئــات محــددة مثــل مــن لديهــم‬
‫الكــوالجني مــا يســهم يف صحــة اجللــد وحتــسني األنســجة الضامــة مثــل‬ ‫ضعــف االمتصــاص ألي ســبب كان عضــوي أو بســبب األدويــة‪ ،‬ومنهــا مـثاًلا‬
‫اللثــة واألربطــة والغضاريــف يف اجلســم‪ ،‬ونقصــه يتســبب يف نــزف اللثــة‬ ‫ضعــف االمتصــاص لفيتــامني بــ‪ 12‬بســبب عمليــة حتويــر املســار للمعــدة أو‬
‫ومــرض االســقربوط‪ ،‬ويتوّفّ ــر الفيتــامني مــن مصــادر طبيعيــة يف الفواكــه‬ ‫قرحــات املعــدة أو تنــاول أدويــة مثــل منظــم الســكر أو أدويــة حمايــة املعــدة‪،‬‬
‫مثــل احلمضيــات بأنواعهــا والكيــوي واخلضــروات مثــل الفلفــل األخضــر‪،‬‬ ‫وكذلــك مبــن لديهــم قصــور يف التغذيــة مثــل النباتــيني حيــث يتوفــر هــذه‬
‫ولكــن أحــد عيوبــه هــو مــدة صالحيتــه القصيــرة لهــذا تفضــل أن تؤخــذ‬ ‫الفيــتامني يف املنتــجات احليوانــية أو ــما ينــتج منــها‪.‬‬
‫تلــك املنتجــات بشــكل طــازج‪ ،‬وبأنــه ال يتحمــل ارتفــاع احلــرارة أو نزولهــا‬ ‫وكذلــك قــد تــزداد احلاجــة للمكــمالت الغذائيــة بحــال احلمــل والرضاعــة‬
‫كمــا يف التثليــج‪ ،‬ولكــن اســتبداله مبكــمالت غذائيــة مصنعــة يراعــى فيــه‬ ‫وكبــار الســن يف بعــض احلاالت‪ ،‬ومــن يتناولــون املضــادات احليويــة بإفــراط‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬
‫‪18‬‬
‫‪18‬‬
‫العصبــي‪ .‬فيتــامني ‪ B‬يســهم يف عــدة عمليــات أيضيــة يف اجلســم‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ــعدم األــفراط فــيه حــتى ال يتــسبب يف تــكون حــصوات يف الكــلى‪.‬‬
‫ذلــك حتويــل الطعــام الــذي نأخــذه إلــى طاقــة قابلــة لالســتخدام‪ ،‬وتكويــن‬ ‫• ومــن الفيتامينــات التــي يــدور حولــه الكثيــر مــن اجلــدل كونــه يؤخــذ‬
‫احلمــض النــووي وبعــض البروتينــات املهمــة‪ ،‬ودعــم منــو اخلاليــا الســليمة‪،‬‬ ‫كمكّمــل فقــط وهــو فيتــامني ‪ D‬ألنــه يدعــم اجلهــاز املناعــي‬
‫ّ‬ ‫للــعالج وليــس‬
‫ومنهــا تكويــن خاليــا الــدم احلمــراء‪ ،‬ونظــام املناعــة يف حمايــة اجلســم مــن‬ ‫وصحــة العظــام‪ ،‬وهنالــك دراســات بينــت أن مــن لديهــم نســبة جيــدة منــه‬
‫األمــراض‪ .‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬فيتــامني ب ـ ‪ 12‬ضــروري إلنتــاج خاليــا الــدم‬ ‫تقــل لديهــم فــرص األمــراض املتعلقــة باملناعــة مبــا فيهــا احلساســية وحتــى‬
‫احلمــراء الســليمة‪ ،‬بينمــا فيتــامني ب ـ ‪ 6‬يســاعد يف إنتــاج األجســام املضــادة‬ ‫التصلــب اللويحــي‪ ،‬هــذا الفيتــامني دهنــي ويعمــل علــى تعزيــز امتصــاص‬
‫التــي تقــوم مبكافحــة العــدوى‪.‬‬ ‫الكالســيوم والفوســفور‪ ،‬ويحســن مــن اســتجابة اجلهــاز املناعــي لألمــراض‬
‫ومــن مصــادر فيتــامني ب ـ ‪ 12‬اللحــوم البيضــاء واحلمــراء والبيــض واألعشــاب‬ ‫وااللتهابــات‪ ,‬ورغــم أن مــن مصــادره الرئيســة الشــمس إال أن الكثيــر مــن‬
‫واملكّســرات والبــذور‬
‫ّ‬ ‫الورقيــة اخلضــراء‪ :‬مثــل الســبانخ والكرنــب والبقوليــات‪،‬‬ ‫النــاس ال يتعــرض للشــمس بصــورة كافيــة لصنــع هــذا الفيتــامني مــن اجللــد‬
‫مثــل اللــوز والبنــدق والكاجــو والرمــان والــتني‪ ،‬واحلبــوب الكاملــة مثــل األرز‬ ‫طبيعًيــا مــن خالل األغذيــة‪،‬‬
‫ً‬ ‫أيًضــا تعويضــه‬
‫بالصــورة الطبيعيــة‪ ،‬وميكــن ً‬
‫البنــي والشــوفان والشــعير حتتــوي علــى فيتامينــات بــ‪ 1‬وبــ‪ 2‬و بــ‪ 3‬وبــ‪ 5‬وبــ‪.6‬‬ ‫ومنهــا األســماك الدهنيــة مثــل الســلمون والكنعــد والهامــور‪ ،‬وزيــت كبــد‬
‫• االفــراط يف تنــاول الفيتامينــات كمكــمالت غذائيــة بــدون حاجــة قــد‬ ‫احلــوت‪ ،‬كذلــك فيتــامني ‪ A‬مــن األهميــة يف تقويــة اجلهــاز املناعــي وحتــسني‬
‫يتســبب بعــض اآلثــار اجلانبيــة وغالبهــا أثــار هضميــة مثــل الغثيــان والقيــئ‬ ‫صحــة العيــون واجللــد‪ ،‬ويوجــد يف الفواكــه واخلضــروات البرتقاليــة مثــل‬
‫واإلســهال واإلمســاك والتقلصــات الهضميــة‪ ،‬وينجــم عــن اإلفــراط يف‬ ‫اجلــزر والقــرع واملاجنــو وفيتــامني ‪ E‬يعــد مضـ ً‬
‫ـاًدا لألكســدة ويعــزز صحــة‬
‫اســتخدام الفيتامينــات الدهنيــة مخاطــر أكبــر ألنهــا تخــزن يف اجلســم‪،‬‬ ‫اجللــد ويقــوي اجلهــاز املناعــي‪ ،‬مــن املصــادر الغذائيــة األبــرز لــه هــي الفــول‬
‫وقــد تتســبب بعــض الفيتامينــات بإعاقــة امتصــاص بعــض األدويــة‪ ،‬لهــذا مــن‬ ‫الســوداني واللــوز وزيــت الزيتــون‪.‬‬
‫املهــم قــراءة النشــرة الطبيــة مــع الــدواء ملعرفــة التعارضــات الدوائيــة‪.‬‬ ‫• مجموعــة فيتامينــات ‪ B‬تلعــب دو ًًرا رئيســا يف تعزيــز مناعــة اجلســم‬
‫وتشــمل حتفيــز عمليــة توليــد الطاقــة يف اجلســم وحتــسني وظائــف اجلهــاز‬

‫‪19‬‬
‫‪19‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫ناصر اخلياري‬
‫كاتب رأي سعودي‬
‫‪nasersa1431@gmail.com‬‬

‫حكاية تربوية‬

‫أطفـالـنا بين اإلنترنت‬


‫واأللعاب اإللكترونية‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬
‫‪20‬‬
‫‪20‬‬
‫‪20‬‬
‫احلكاية‪:‬‬
‫أفضــل وســيلة إلســكات الطفــل والتخُّلُ ــص مــن حركتــه‬
‫وإزعاجــه يف املنــزل‪ ،‬أن متنحــه الهاتــف احملمــول‪،‬‬
‫أو جهــاًزًا لوحًّي�ّ ــا‪ ،‬عندهــا ينهمــك الطفــل يف عالــم‬
‫ً‬
‫غارًقــا يف شــبكته املتعاقبــة‪.‬‬ ‫اإلنترنــت‪ ،‬ويلهــو بســهولة‬
‫إن هــذه املمارســة األبويــة‪ ،‬تــؤدي إلــى مشــكالت مؤذيــة‬
‫حتًمــا‪ ،‬وبعــد أن كان ط ـفاًلا سـ ً‬
‫ـليًما‬ ‫ً‬ ‫يتعـ ّـّرض لهــا الطفــل‬
‫يلهــو ويلعــب ويتحــرك‪ ،‬ويقضــي الوقــت الواســع يف‬
‫إشــباع حاجاتــه الغريزيــة‪ ،‬ليكتمــل مــع األعــوام منــوه‬
‫العقلــي‪ ،‬واجلســدي‪ ،‬واحلركــي‪ ،‬والنفســي‪ ،‬واالجتماعــي‪.‬‬
‫لــم تكــن تعلــم أم الطفلــة نــورة ذات الثالثــة أعــوام‪ ،‬أنهــا‬
‫تدِّمــر شــخصية طفلتهــا مــن دون قصــد‪ ،‬وإمنــا أرادت‬
‫ِ‬
‫بذلــك حتقيــق الرفــاه النفســي لطفلتهــا مبنحهــا جهــاًزًا‬

‫باملعلومــات الكافيــة التــي متكنــه مــن اســتخدام اإلنترنــت بأمــان‪.‬‬ ‫لوح ًًّي� ــا تتجــول فيــه بني مواقــع اإلنترنــت مــن دون رقابــة‪.‬‬

‫• بنــاء الثقــة بني الوالديــن والطفــل لتكــون العالقــة إيجابيــة قائمــة علــى‬ ‫أم نــورة ليســت وحدهــا يف هــده احلكايــة‪ ،‬فهنــاك ضحايــا كثــر يشــتركون‬

‫التقبــل والتعــاون‪ ،‬ليكــون امللجــأ عندمــا يتعــرض للخطــر‪ ،‬فال يتــردد يف‬ ‫يف أصــل احلكايــة‪ ،‬يروونهــا بصــور متعــددة متباينــة التفاصيــل لتأثيــر‬

‫طلــب املســاعدة منهمــا‪.‬‬ ‫اإلنترنــت واألجهــزة اللوح ّّيــة علــى أطفالهــم مبختلــف األعمــار‪.‬‬

‫• التعـ ّـّرف علــى مجموعــة األصدقــاء الذيــن يتواصــل معهــم الطفــل عبــر‬ ‫اللوحّية‬
‫ّ‬ ‫تصفح اإلنترنت واستخدام األجهزة‬
‫اإلنترنــت‪ ،‬ومناقشــة مخاطــر املشــاركة يف احملادثــات مــع الغربــاء‪.‬‬ ‫اإلنترنــت لــم يعــد باإلمــكان مســحه مــن حيــاة البشــر‪ ،‬وال ميكــن الســيطرة‬

‫• التوعيــة مبخاطــر مشــاركة املعلومــات‪ ،‬والبيانــات‪ ،‬والصــور‪ ،‬واملواقــع مــع‬ ‫علــى مــا حتتويــه شــبكة اإلنترنــت بشــكل كامــل ودقيــق‪ ،‬وال ميكــن التعامــل‬

‫الغربــاء يف اإلنترنــت‪ ،‬وخطــورة تعرضهــم‪ ،‬لالحتيــال‪ ،‬واالبتــزاز‪.‬‬ ‫مــع هــذا الســيل املتدفــق مــن املعلومــات والتطبيقــات واملواقــع بسالمــة‬

‫• تفعيــل دور الطفــل اإليجابــي بتعريــف أفــراد األســرة مبــا يكتســبه‬ ‫وأمــان تــام‪.‬‬

‫مــن معلومــات‪ ،‬وخبــرات يف اســتخدامه لإلنترنــت‪ ،‬وكذلــك اخملاطــر التــي‬ ‫إن األطفــال اليــوم مــن حقهــم أن يســتخدموا هــذه الشــبكة‪ ،‬لكــن مــن‬

‫يكتشــفها‪ ،‬وكيفيــة التعامــل معهــا‪.‬‬ ‫ـوًدا يف‬


‫واجبــات األســرة أن تقــدم لهــم احلمايــة التامــة‪ ،‬وأن تبــذل جهـ ً‬
‫• انتقــاء قائمــة باملواقــع املناســبة لألطفــال‪ ،‬وجتهيزهــا للدخــول إليهــا‬ ‫التوعيــة والرقابــة املســؤولة التــي حتــول دون وقوعهــم يف مخاطــر اإلنترنــت‪،‬‬

‫مباشــرة مــن قبلهــم‪.‬‬ ‫وإــساءة االــستخدام‪.‬‬

‫• حتديد وقت محدد الستخدام اإلنترنت وكذلك األجهزة اللوح ّّية‪.‬‬ ‫دور األسرة جتاه أطفالها‬
‫• تدعيــم األجهــزة اللوح ّّيــة ببرامــج احلمايــة واألمــان الالزمــة‪ ،‬ســواء تلــك‬ ‫• يقــرر اخلبــراء التربويــون أن منــح الطفــل دون ســنتني األجهــزة اللوحيــة‬

‫الــتي متــنع ظــهور املواــقع الــسيئة‪ ،‬أو الــتي حتــمي ــمن االختراق واالحتيال‪.‬‬ ‫نهائًيــا‪ ،‬وأن لذلــك تأثيــرات صحيــة وســلوكية كبيــرة علــى‬‫ً‬ ‫ـوٍل‬
‫غيــر مقبـ ٍ‬
‫• تطويــر معلومــات األســرة يف مجــال اســتخدام اإلنترنــت‪ ،‬فشــبكة‬ ‫الطفــل‪ ،‬خصوص ـ ًًا فيمــا يتعلــق بنمــو الدمــاغ‪ ،‬فالطفــل مــا يــزال يف حالــة‬

‫اإلنترنــت تتطــور بســرعة كبيــرة‪ ،‬مــا يلــزم رفــع املســتوى املعــريف بشــكل دائــم؛‬ ‫منــو‪ ،‬ولــم يكتمــل النمــو لديــه‪.‬‬

‫ملواكبــة هــذا التســارع‪.‬‬ ‫وميكــن اســتبدال ذلــك باأللعــاب احلركيــة والذهنيــة املناســبة التــي تســهم‬

‫• تدعيــم العالقــات االجتماعيــة بني األقــارب‪ ،‬ومشــاركة الطفــل يف حضــور‬ ‫يف تنمــية اــلذكاء ومــهارات التفكــير‪ ،‬واملــهارات االجتماعــية‪.‬‬

‫املناســبات‪ ،‬وإقامــة األنشــطة البديلــة لإلنترنــت واأللعــاب اإللكترونيــة دخــل‬ ‫• تفعيــل احلــوار والتوعيــة مبخاطــر اإلنترنــت‪ ،‬والتوجيــه باســتخدام‬

‫األــسرة أو خارجــها‪.‬‬ ‫األســاليب الصحيحــة الســتخدام اإلنترنــت‪ ،‬والتعامــل مــع األجهــزة‬

‫مخاطر استخدام اإلنترنت واأللعاب اإللكترونية‬ ‫اللوح ّّيــة‪ ،‬وكيفيــة االســتفادة مــن التطبيقــات والبرامــج اآلمنــة‪.‬‬

‫مــع هــذا التطــور الهائــل يف التقنيــة‪ ،‬ظهــرت خدمــة اإلنترنــت‪ ،‬ومعهــا‬ ‫• تفعيــل الرقابــة الواعيــة التــي حتقــق األمــان‪ ،‬وعــدم تــرك األطفــال‬

‫تغيــرت قاعــدة األلعــاب اإللكترونيــة‪ ،‬فأصبحــت األســرة تعانــي مــع أطفالهــا‬ ‫يســتخدمون اإلنترنــت مــن دون رقابــة‪ ،‬ف ــشبكة اإلنترنــت غيــر آمنــة‪ ،‬وميكــن‬

‫مــا بني مخاطــر اإلنترنــت املفتــوح‪ ،‬ومــا بني األلعــاب اإللكترونيــة مــن وراء‬ ‫تعــرض الطفــل للكثيــر مــن اخملاطــر‪.‬‬

‫شاــشة األجــهزة‪.‬‬ ‫• تعزيــز الرقابــة الذاتيــة لــدى الطفــل‪ ،‬مــن خالل بنــاء الثقــة‪ ،‬ومـ ّـّده‬

‫‪21‬‬
‫‪21‬‬
‫‪21‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫بــرزت ســلبيات عديــدة مــن خالل ممارســة األطفــال لأللعــاب‬
‫اإللكترونيــة‪ ،‬ومــن خالل اســتخدامهم لشــبكة اإلنترنــت‪ ،‬لذلــك‬
‫نهضــت مراكــز الدراســات التربويــة‪ ،‬وتفاعلــت اجلامعــات يف‬
‫البحــث حــول تلــك اخملاطــر وكيفيــة مواجهتهــا‪.‬‬
‫متــى يســتخدم األطفــال اإلنترنــت والهاتــف احملمــول واألجهــزة‬
‫ٌ‬
‫الٌلوحيــة؟‬
‫قّســمنا املراحــل العمريــة لألطفــال عنــد اســتخدام اإلنترنــت‬
‫إذا مــا ّ‬
‫واألجهــزة اللوح ّّيــة‪ ،‬فقــد ذكرنــا يف البدايــة أن مــا دون الســنتني‬
‫نهائًيــا‪ ،‬أمــا‬
‫ً‬ ‫ال ينبغــي أن َمُي� َ َّكَ ــَنَ مــن اســتخدام األجهــزة اللوح ّّيــة‬
‫مرحلــة الــثالث ســنوات حتــى خمــس ســنوات فيفضــل عــدم متكينــه‬
‫مــن اســتخدام األجهــزة اللوح ّّيــة‪ ،‬وإن مت ذلــك؛ فينبغــي أن يقتــرن‬
‫برقابــة أســرية صارمــة‪ ،‬حيــث يتــم انتقــاء املواقــع والتطبيقــات‬

‫النمائية كتشتيت االنتباه‪ ،‬وطيف التوحد‪.‬‬ ‫واأللعــاب اإللكترونيــة بعنايــة تامــة‪.‬‬

‫تقنًيا مخاطر استخدام اإلنترنت‪.‬‬ ‫كيف تواجه األسرة‬ ‫كلمــا زاد عمــر الطفــل ارتفعــت قدرتــه علــى التعامــل مــع اإلنترنــت‪،‬‬
‫ً‬
‫• اإلملام بكافــة مواصفــات اجلهــاز الــذي اقتنيتــه للطفــل‪ ،‬ومعرفــة كيفيــة‬ ‫وأصبحــت الرقابــة األســرية يف حتـ ٍـٍد كبيــر؛ لذلــك يكــون جانــب التوعيــة‪،‬‬

‫التحكــم باخلدمــات‪ ،‬وإلغــاء مــا ال ترغبــه منهــا‪.‬‬ ‫وتنمــية الرقاــبة الذاتــية أساـ ًـسًيا للوــصول إــلى التعاــمل اآلــمن‪.‬‬

‫• مناسبة اجلهاز لعمر الطفل وخبرته‪.‬‬ ‫مخاطـــر اســـتــخـــدام اإلنترنت على األطفال‬
‫• "الدرايــة التامــة بالتقنينــات التــي سيســتخدمها الطفــل عبــر الهاتــف‬ ‫• اســتخدام اإلنترنــت عــن طريــق الهاتــف احملمــول‪ ،‬واألجهــزة اللوح ّّيــة‬

‫احملمــول‪ ،‬أو اجلهــاز اللوحــي ســواء كان لوحــده أم مــع أصدقائــه"‪)1( .‬‬ ‫بســهولة‪ ،‬ويف أي وقــت‪ ،‬وميكــن التنقــل باجلهــاز إلــى أي مــكان ســواء داخــل‬

‫• وضــع نظــام يضبــط عمليــة االســتخدام بتحديــد الوقــت وآليــة‬ ‫املنــزل أو خارجــه‪ ،‬مــا يشــّكّ ل صعوبــة بالغــة يف الرقابــة واملتابعــة لألســرة‪.‬‬

‫االســتخدام؛ وميكــن أن يكــون ذلــك مــن خالل تطبيقــات وبرامــج حتكــم‪.‬‬ ‫• سهولة دخول الطفل ألي محتوى سيء‪.‬‬

‫• " اســتخدام الرقــم الســري لتشــغيل اجلهــاز‪ ،‬وذلــك حلمايتــه مــن‬ ‫• إمكانيــة حفــظ امللفــات‪ ،‬والصوتيــات‪ ،‬والصــور‪ ،‬بأماكــن مخفيــة داخــل‬

‫االســتخدام غيــر املصــرح بــه والتأكــد مــن حفــظ هــذا الرقــم يف مــكان آمــن‬ ‫اجلهــاز أو التطبيــق بعيــًدً ا عــن الرقابــة األســرية وتبادلهــا مــع األصدقــاء‪.‬‬

‫وســري"‪)2( .‬‬ ‫• ســهولة التواصــل مــع اآلخريــن عبــر العديــد مــن وســائل التواصــل مــن‬

‫• جعــل الطفــل خبيـ ًـًرا يف اســتخدام اإلنترنــت بأمــان مــن خالل تزويــده‬ ‫خالل اإلنترنــت‪ ،‬مــا قــد يعرضــه لالحتيــال واالبتــزاز وغيرهــا مــن اخملاطــر‪.‬‬

‫بالتعليمــات واإلرشــادات‪.‬‬ ‫• التنمــر اإللكترونــي الــذي قــد يتعــرض لــه الطفــل‪ ،‬وقــد يؤّثّ ــر يف صحتــه‬

‫• توجيــه الطفــل إلــى املواقــع املفيــدة‪ ،‬والتطبيقــات التــي تنمــي مواهبــه‬ ‫ـلًبا‪.‬‬
‫النفســية‪ ،‬وينعكــس علــى ســلوكه سـ ً‬
‫وقدراــته‪.‬‬ ‫• انخفــاض مســتوى التحصيــل الدراســي؛ نتيجــة اإلفــراط باســتخدام‬

‫دور املدرسة يف توعية الطلبة باالستخدام اآلمن لإلنترنت‪.‬‬ ‫اإلنترنــت‪.‬‬

‫ـزًءا مــن املنظومــة التعليميــة‪ ،‬خصوصـ ًًا‬ ‫• االطالع على األفكار املنحرفة‪ ،‬واملعتقدات الضالة‪ ،‬واملمارسات الشاذة‪.‬‬
‫أصبحــت خدمــة اإلنترنــت اليــوم جـ ً‬
‫بعــد جائحــة كورونــا‪ ،‬والتوجــه إلــى التعليــم عــن بعــد عبــر املنصــات‬ ‫• االجنــرار وراء أفالم أو مســلسالت غيــر مناســبة لعمــره تــؤدي إلــى آثــار‬

‫إيجابًيــا ســواء يف اجلانــب الوقائــي‬ ‫التعليميــة‪ ،‬وعليــه فــإن للمدرســة دو ًًرا‬ ‫نفســية وتنعكــس ســلب ًًا علــى مشــاعره‪.‬‬
‫ً‬
‫أو العالجــي‪ ،‬فمــن أهــم أدوارهــا توعيــة الطلبــة وأوليــاء أمورهــم‪ ،‬بأســاليب‬ ‫• ارتــكاب الطفــل ملمارســات ســلوكية ســيئة بنشــر محتــوى قــد تعرضــه‬

‫االســتخدام اآلمــن لإلنترنــت‪ ،‬وبأخالقيــات احملتــوى الرقمــي‪ ،‬كمــا عليهــم‬ ‫للعقوبــات املقــررة يف نظــام اجلرائــم اإللكترونيــة‪.‬‬

‫القيــام باجلانــب العالجــي للحــاالت التــي تظهــر عليهــا ســلوكيات ســلبية‬ ‫• إمكانيــة تعــرض جهــازه لالختــراق وســحب البيانــات‪ ،‬مــا يعرضــه لالبتــزاز‬

‫بــسبب اــستخدام اإلنترــنت أو األلــعاب اإللكترونــية‪.‬‬ ‫الحًقً ا‪.‬‬

‫املقصود باأللعاب اإللكترونية‬ ‫• االنخــداع باملــواد الدعائيــة التســويقية التــي تهــدف إلــى ســلب األمــوال‬

‫" إن األلعــاب اإللكترونيــة هــي نــوع مــن األلعــاب احلديثــة األكثــر شــعبية‬ ‫واالســتغالل‪.‬‬

‫يف العالــم‪ ،‬والتــي تعــرض علــى شاشــة التلفــاز "ألعــاب الفيديــو" أو علــى‬ ‫• إدمان استخدام الهاتف احملمول واألجهزة اللوح ّّية‪.‬‬

‫أيًضــا علــى خــوادم‬


‫شاشــات احلاســوب "ألعــاب احلاســوب"‪ ،‬والتــي تلعــب ً‬ ‫• العزلــة االجتماعيــة‪ ،‬وضعــف التفاعــل االجتماعــي‪ ،‬وقصــور بالتواصــل‬

‫التحكــم اخلاصــة بهــا‪ ،‬أو يف قاعــات األلعــاب اإللكترونيــة اخملصصــة لهــا‪،‬‬ ‫اللغــوي‪.‬‬

‫بحيــث تــزود هــذه األلعــاب الفــرد باملتعــة مــن خالل اســتخدام اليــد مــع‬ ‫• األضرار الصحية كضعف النظر بسبب شاشات األجهزة‪ ،‬واالضطرابات‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬
‫‪22‬‬
‫‪22‬‬
‫‪22‬‬
‫• العزلــة االجتماعيــة‪ :‬نتيجــة اإلدمــان‪ ،‬وانشــغال الطفــل بهــذه األلعــاب‬
‫اإللكترونيــة‪ ،‬واالنكفــاء طــوال الوقــت علــى اللعــب‪ ،‬مــا يفقــده التفاعــل‬
‫االجتماعــي الطبيعــي‪.‬‬
‫• األنانيــة التــي تســيطر علــى الطفــل بســبب النجاحــات التــي يحققهــا‬
‫يف اللعبــة‪.‬‬
‫• اخللــط بني اخليــال والواقــع‪ :‬فال يســتطيع الطفــل التمييــز بني‬
‫اخليــال يف اللعبــة ومــا يحــدث يف واقــع احليــاة‪ ،‬فقــد يختلــط عليــه أن‬
‫الســقوط مــن مــكان شــاهق قــد ال يــؤدي إلــى املــوت‪.‬‬
‫• ضعف التحصيل الدراسي وإهمال الواجبات املدرسية‪.‬‬
‫• السهر وقلة األكل‪.‬‬
‫• ضعــف النظــر‪ ،‬وآالم بالعمــود الفقــري‪ ،‬وضعــف العــضالت نتيجــة قلــة‬
‫احلركة‪.‬‬
‫• الكسل واخلمول‪.‬‬ ‫الــعني "التــآزر البصــري واحلركــي" أو حتــد لإلمكانــات العقليــة وهــذا يكــون‬
‫• االستغالل من أشخاص آخرين عند اللعب باستخدام اإلنترنت‪.‬‬ ‫مــن خالل تطويــر البرامــج اإللكترونيــة"(‪.)3‬‬
‫• تقليد الشخصيات السلبية يف أفعالها جتاه اآلخرين‪.‬‬ ‫أنواع األلعاب اإللكترونية‬
‫دور األسرة يف حماية الطفل من مخاطراأللعاب اإللكترونية‬ ‫• ألعاب األلغاز (‪)Puzzle Games‬‬
‫• اختيار األلعاب املناسبة لعمر الطفل‪.‬‬ ‫تعتمــد علــى الــذكاء بصفــة عامــة‪ ،‬وتعمــل علــى حتقيــق هــدف مــعني مــن‬
‫• وضــع وقــت محــدد للعــب؛ والتــي ينبغــي أال تتجــاوز الســاعة يومي ـ ًًا قــدر‬ ‫خالل إثــارة الذهــن حيــث ألعــاب األلغــاز تعتمــد علــى التفكيــر يف حــل‬
‫املســتطاع‪.‬‬ ‫األلغــاز‪ ،‬أو املشــاركة يف مســابقات علميــة‪.‬‬
‫• التوعية مبخاطر األلعاب اإللكترونية‪ ،‬وخاصة يف اإلنترنت‪.‬‬ ‫• ألعاب احملاكاة ( ‪)Simulation Gmes‬‬
‫• التوعية بالقيم األخالقية عند ممارسة اللعبة وااللتزام بها‪.‬‬ ‫تعتمــد علــى محــاكاة حقيقيــة للواقــع‪ ،‬حيــث أصبــح الالعــب يجلــس علــى‬
‫• مصاحبة الطفل عند اللعب والقرب منه‪.‬‬ ‫مقعــد الســيارة‪ ،‬أو الطائــرة ممســًكً ا بعجلــة القيــادة‪ ،‬باإلضافــة إلــى املؤّثّ ــرات‬
‫• تفعيل برامج احلماية والتصفية للمواقع السيئة‪.‬‬ ‫الصوتيــة التــي جتعلهــا ممارســة حتاكــي الواقــع‪.‬‬
‫إيجابيات استخدام اإلنترنت واأللعاب اإللكترونية‪.‬‬ ‫• ألعاب املغامرات (‪.)Adventures Games‬‬
‫التعّرف على العديد من املعلومات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫•‬ ‫ألعــاب خياليــة معتمــدة علــى املغامــرة للوصــول إلــى هــدف مــعني‪ ،‬وتتضمــن‬
‫• تنميــة العالقــة اإليجابيــة بني الوالديــن عنــد املشــاركة فتصبــح أداة‬ ‫عوامــل التحــدي واملغامــرة واخلوف‪.‬‬
‫لترابــط أفــراد األســرة‪.‬‬ ‫• ألعاب الرياضة ( ‪.)Sports Games‬‬
‫• تنمية مهارات الطفل خصوص ًًا يف مجال القراءة وتعلم اللغات‪.‬‬ ‫األلعــاب التــي ميــارس مــن خاللهــا الالعــب مبــاراة رياضيــة‪ ،‬أو ســباق‬
‫• قد حتسن من مهارات حل املشكالت لدى الطفل‪.‬‬ ‫الــسيارات‪ ..‬وغيرــها‪.‬‬
‫ ‬
‫ــــــــــــــ‬ ‫• األلعاب احلربية‪.‬‬
‫االقتباسات‪:‬‬ ‫األلعاب التي تعتمد على القتال وتبادل إطالق النار‪.‬‬
‫(‪ )٢( -)١‬نشــرة حمايــة األطفــال مــن مخاطــر شــبكة اإلنترنــت صــادرة عــن هيئــة االتصــاالت وتقنيــة املعلومــات‬
‫• األلعاب التعليمية (‪)Educational Games‬‬
‫الســعودية‪.‬‬
‫لعبــة تعليميــة إلكترونيــة ســواء بواســطة جهــاز إلكترونــي‪ ،‬أو مــن خالل‬
‫(‪ - )٣‬دليل مخاطر األلعاب اإللكترونية ‪ -‬وزارة التعليم السعودية ‪.-‬‬
‫مواقــع باإلنترنــت أو تطبيقــات‪ ،‬وتهــدف لتحقيــق أهــداف تعليميــة محددة‪.‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫مخاطر األلعاب اإللكترونية‬
‫• بحــث (أثــر ممارســة األلعــاب اإللكترونيــة التفاعليــة علــى الذاكــرة العاملــة لــدى تالميــذ مرحلــة التعليم األساســي‪).‬‬
‫• الســلوك العدوانــي والعنــف املقلــد‪ :‬نتيجــة مــا تقــوم عليــه بعــض األلعــاب‬
‫الباحث نعيم محمد ناجي ‪-‬جامعة املنصورة‪ ،‬مجلة كلية التربية العدد ‪-116‬أكتوبر ‪.2021‬‬
‫مــن ممارســات عدوانيــة وأدوار عنيفــة‪ ،‬متداخلــة بحركاتهــا مــع موســيقى‬
‫‪ -٢‬دليل مخاطر األلعاب اإللكترونية الصادر عن وزارة التعليم السعودية‪.‬‬
‫صاخبــة؛ تــؤدي هــذه األلعــاب إلــى منــو الســلوك العدوانــي لــدى الطفــل‪.‬‬
‫‪ -٣‬بحــث املشــكالت االجتماعيــة املترتبــة علــى إدمــان األطفــال علــى األجهــزة اإللكترونيــة مــن وجهــة نظــر األمهــات‬
‫• القلــق والتوتــر‪ :‬إذ تؤثــر يف القــدرات العقليــة وتصاحبهــا التشــنجات‬
‫إعــداد‪ :‬نايفــة مناحــي البقمــي طالبــة دكتــوراة بجامعــة امللــك ســعود وأســتاذ متعــاون بجامعــة األميــرة نــورة مجلــة‬
‫العصبيــة نتيجــة منطيــة اللعبــة يف الســرعة الهائلــة‪ ،‬ويف شــد االنتبــاه‬
‫جامعــة الفيــوم للعلــوم اإلنســانية والتربويــة والنفســية عــدد خــاص بأبحــاث مؤمتــر‪.‬‬
‫وشــدة التركيــز‪ ،‬وكذلــك الفشــل الــذي تنتهــي بــه نتيجــة اللعبــة مــا ينعكــس‬
‫‪ -٤‬مجموعة مقاالت متخصصة‪.‬‬
‫ـلبًيا علــى نفســية الطفــل‪.‬‬
‫سـ ً‬

‫‪23‬‬
‫‪23‬‬
‫‪23‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫خليل إبراهيم الفزيع‬
‫أديب سعودي‬

‫مسيرة قلم‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬
‫‪24‬‬
‫‪24‬‬
‫‪24‬‬
‫كان ال يــزال يخطــو خطواتــه األولــى يف تلبيــة نــداء العلــم‪ ،‬وهــو يف النصــف‬ ‫بني أيدينــا كتــاب "صفحــات مــن كتــاب العمــر" وفيــه حتــدث مؤلفــه الدكتــور‪.‬‬
‫األخيــر مــن املرحلــة االبتدائيــة عندمــا انتقلــت األســرة إلــى الريــاض‪ ،‬بعــد‬ ‫عبدالرحمــن بــن أحمــد اجلعفــري‪ ،‬عــن حياتــه وعلمــه وعملــه‪ ،‬وهــو حديــث‬
‫أن رأى والــده أن الريــاض ســوف تكــون املــكان املفضــل للمعيشــة وطلــب‬ ‫يقودنا للعودة إلى ما يقرب من عام ‪1940‬م حني ولد يف هذا التاريخ أو ما‬
‫الــرزق‪( ،‬ألنهــا مركــز احلكــم‪ ،‬ومــكان الــرزق الوفيــر)‪ ،‬وال ميكــن تصــور األلــم‬ ‫هــو قريــب منــه‪ ،‬إذ لــم تكــن هنــاك شــهادات مــيالد يف تلــك الفتــرة‪ ،‬ويف حــي‬
‫الــذي اعتصــر قلبــه لفــراق أهلــه وأصدقائــه‪ ،‬ومالمــح احليــاة يف ربــوع حــي‬ ‫الكــوت مبدينــة الهفــوف حاضــرة األحســاء‪ ،‬كانــت البدايــة يف أحضــان أســرة‬
‫الكــوت‪ ،‬العامــر مببانيــه الطينيــة‪ ،‬وطرقاتــه الترابيــة املتعرجــة‪ ،‬وأهلــه‬ ‫غنيــة بالعلــم والعلمــاء ويف وضــع اقتصــادي مريــح‪ ..‬هــذه األســرة وجــدت‬
‫الطيــبني‪ ،‬مــن علمائــه وعامــة النــاس فيــه‪.‬‬ ‫يف األحســاء خيــر مســتقر لهــا منــذ زمــن بعيــد‪ ،‬عندمــا نزحــت مــن املدينــة‬
‫يف الريــاض انتظــم يف الدراســة‪ ،‬ويف نهايــة املرحلــة االبتدائيــة كان ال‬ ‫املنــورة لتســتقر يف األحســاء قبــل مــا يزيــد علــى خمســة قــرون‪ ،‬إذ كانــت هــذه‬
‫بــد مــن احلصــول علــى "التابعيــة" التــي حلــت محلهــا بطاقــة األحــوال‪،‬‬ ‫الواحــة مقصــد ًًا لــطالب العلــم‪ ،‬والباحــثني عــن رخــاء العيــش وهنائــه‪ ،‬وقــد‬
‫لدخــول امتحــان الشــهادة االبتدائيــة‪ ،‬والختبــارات هــذه املرحلــة رهبــة‪،‬‬ ‫اســُتُ ْقْ ِِطب جــد األســرة الشــيخ نصــر اهلل بــن عبــداهلل اجلعفــري الطيــار مــن‬
‫ألنهــا حتــت إشــراف وزارة املعــارف (التعليــم حالي ـ ًًا)‪ ،‬ولــم تكــن تتــم يف‬ ‫املدينــة املنــورة يف عهــد الدولــة اجلبريــة التــي كانــت حتكــم األحســاء يف ذلــك‬
‫مدرســته‪ ،‬بــل يف املدرســة األهليــة الواقعــة يف حــي البطحــاء‪ ،‬بســبب ســعة‬ ‫الوقــت‪ ،‬ليتولــى اإلمامــة واخلطابــة واالفتــاء والتدريــس‪ ،‬حني أوقــف عليــه‬
‫الســاحة التــي تتوســط املدرســة‪ ،‬وجتــرى االختبــارات يف قاعــات كبيــرة‪،‬‬ ‫ســيف بــن زامــل اجلبــري املســجد املســمى مبســجد اجلبــري‪ ،‬وجعــل إمامتــه‬
‫وبأرقــام جلــوس خاصــة‪ ،‬والدخــول إلــى قاعــة االختبــار يتطلــب حصــول‬ ‫وخطابتــه وقف ـ ًًا علــى الشــيخ نصــر اهلل وذريتــه مــن بعــده‪ ،‬وال يــزال هــذا‬
‫الطالــب علــى الوثيقــة الرســمية وهــي "التابعيــة" وعــن هــذه املرحلــة يقــول‪:‬‬ ‫قائًمــا بحــي الكــوت‪( .‬عامــر ًًا بالــصالة يف أوقاتهــا‪ ،‬وتقــام فيــه صالة‬
‫ً‬ ‫املســجد‬
‫(وقــد مــررت بتجربــة طريفــة للحصــول علــى "التابعيــة" تــدل علــى حســن‬ ‫اجلمعــة والعيديــن‪ ،‬ويــؤم املصــلني فيــه أحــد أحفــاد نصــر اهلل اجلعفــري‬
‫التصــرف اإلداري‪ ،‬يومهــا ذهبــت مــع زميــلني مــن زمالئــي يف املدرســة إلــى‬ ‫الطيــار)‪.‬‬
‫مكتــب اجلــوازات واجلنســية مــن أجــل احلصــول علــى تلــك الوثيقــة‪ ،‬وهــي‬ ‫يف أجــواء احليــاة يف األحســاء التــي اتســم أهلهــا بالتســامح والتعــاون‬
‫تتطلــب شــاهدين يشــهدان علــى أننــي فالن ابــن فالن‪ ،‬ومولــود يف األحســاء‬ ‫والكــرم وحســن املعشــر‪ ..‬نشــأ الفتــى عبدالرحمــن محب ـ ًًا لهــذا احلــي‬
‫عــام ‪1360‬ه ـ وبالطبــع هــذا التاريــخ تقديــري‪ ،‬فأنــا ال أعــرف علــى وجــه‬ ‫وأهلــه‪ ،‬ليمتــد هــذا احلــب فيمــا بعــد ويشــمل املدينــة بكاملهــا‪ ،‬ثــم الوطــن‬
‫الدقــة ســنة مــيالدي ويومــه‪ .‬زمــيالي كانــا إبراهيــم العبيــد‪ ،‬وعبدالعزيــز‬ ‫علــى رحابتــه وترامــي أطرافــه واتســاع رقعتــه‪ ،‬وقــد حمــل الوطــن يف قلبــه‬
‫العكيــل‪ ،‬األول مولــود يف شــقراء‪ ،‬والثانــي يف الريــاض‪ ،‬وقــد خرجنــا مــن‬ ‫ووجدانــه أينمــا حــل وارحتــل‪ ،‬وملا تفتحــت عينــاه علــى همــوم أمتــه‪ ،‬شــغلته‬
‫فصولنــا الدراســية مــن أجــل إنهــاء إجــراءات احلصــول علــى تلــك الوثيقــة‪،‬‬ ‫قضاياهــا املصيريــة‪ ،‬وفــرح النتصاراتهــا وآملتــه نكســاتها ونكباتهــا‪ ،‬وظلــت‬
‫ومكتــب األحــوال يف ذلــك الوقــت يقــع يف الصفــاة‪ ،‬يف موقــع قريــب مــن‬ ‫ـزًءا كبيــر ًًا مــن ذاكرتــه املكتنــزة باجلميــل مــن‬
‫ذكريــات الطفولــة حتتــل جـ ً‬
‫إمــارة الريــاض اآلن‪ ،‬وعندمــا دخلنــا علــى املســؤول عــن إكمــال اإلجــراءات‬ ‫تلــك الذكريــات‪ ،‬والرائــع مــن تفاصيلهــا عــن األقــارب‪ ،‬وبيــت األســرة الطينــي‬
‫‪ -‬ويدعــى عبدالرحمــن بــن عســكر ‪ -‬تســاءل‪ :‬كيــف أقبــل شــهادتكما عــن‬ ‫القابــع يف "ســكة ســد" تعيــده دوم ـ ًًا إليهــا‪ ،‬كلمــا خــرج منهــا ألي ســبب مــن‬
‫شــخص مولــود يف األحســاء وأحدكمــا مولــود يف الريــاض‪ ،‬واآلخــر يف‬ ‫األســباب‪ ،‬وهــي العــودة التــي عودتــه علــى عــدم نســيان املاضــي مهمــا تعــددت‬
‫شــقراء؟ هــذا ال يجــوز! وطلــب إحضــار شــاهدين مــن األحســاء‪ ،‬وعلــى‬ ‫تلــك الصفحــات مــن كتــاب العمــر‪ ،‬وتغيــرت مالمحهــا املســتوحاة مــن‬
‫الرغــم مــن محاولــة إقنــاع ذلــك املوظــف باحلاجــة املاســة للوثيقــة لدخــول‬ ‫جتــارب احليــاة بحلوهــا ومرهــا‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪25‬‬
‫‪25‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫عبدالرحمــن بــن أحمــد اجلعفــري ألن الشــهادة االبتدائيــة كانــت مفتــاح‬ ‫االختبــار‪ ،‬وأنــه ليــس باإلمــكان تنفيــذ طلبــه‪ ،‬نظـ ًـًرا لعــدم وجــود شــخصني‬
‫دخولــه مليــدان التعلــم الــذي اجتــاز جميــع مراحلــة بهمــة ال تــلني‪ ،‬وثقــة‬ ‫مــن األحســاء بالقــرب منــا‪ ،‬إال أنــه أصــر علــى طلبــه‪ ،‬ولــم يكــن هــذا ميســو ًًرا‬
‫بالنفــس ال حتــد‪ ،‬وقــد خلــص نظرتــه للعلــم بقولــه‪( :‬العلــم بحــر ال شــاطئ‬ ‫يف ذلــك الوقــت) ويســتمر الدكتــور اجلعفــري يف ســرد هــذه احلكايــة ويقــول‪:‬‬
‫لــه‪ ،‬ولطــاملا تطلبــت االســتزادة مــن العلــم الســفر والترحــال إلــى خــارج‬ ‫(وعندئـ ٍـٍذ شــجعني الزمــيالن علــى الذهــاب ملديــر املكتــب وبالفعــل ذهبــت‬
‫الوطــن يف طلبــه‪ ،‬لكــن املهــم أن يكســب اإلنســان أكثــر ممــا يخســر‪ ،‬يكســب‬ ‫إلــى مكتبــه‪ ،‬وكنــت قــد ســألت عــن اســمه وقيــل لــي إن اســمه محمــد بــن‬
‫العلــم واملنهــج العلمــي والتعــرف إلــى بالد جديــدة ونــاس جــدد وحضــارات‬ ‫ضــاوي‪ ،‬وعندمــا دخلــت إليــه كان يكتــب علــى ورقــة أمامــه‪ ،‬ولــم يرفــع عينيــه‬
‫أخــرى‪ ،‬مــن دون أن يخســر أعــز مــا لديــه‪ :‬دينــه وأخالقــه وانتمــاءه لوطنــه‬ ‫أو ينتبــه لــي وأنــا بالقــرب مــن مكتبــه‪ ،‬ووقفــت أتفحصــه وأنــا وجــل‪ ،‬وخشــيت‬
‫وأهلــه وحضــارة أمتــه‪ ،‬والبنــاء احلضــاري املتــزن لإلنســان ونضجــه قبــل‬ ‫ً‬
‫رجًال طويــل القامــة‪ ،‬يلبــس نظــارة‬ ‫أن يطلــب منــي مــا طلبــه ابــن عســكر‪ ،‬كان‬
‫التغــرب‪ ،‬ضــرورة حلفاظــه وتعلقــه بحضــارة أمتــه وانتمائــه لقومــه)‪.‬‬ ‫ملونــة بالزرقــة‪ ،‬وعليــه هيبــة ووقــار الرجــل الكبيــر يف املنصــب‪ ،‬بقيــت واقفـ ًًا‬
‫وكان قــد ســافر إلــى القاهــرة للدراســة علــى حســاب والــده بعــد أن فشــلت‬ ‫أمــام املكتــب مــن دون أن أقاطعــه وهــو منشــغل بالكتابــة‪ ،‬والزمــيالن يقفــان‬
‫مســاعيه يف احلصــول علــى البعثــة الرســمية‪ ،‬فقبــل يف جامعــة القاهــرة‬ ‫خــارج املكتــب‪ ،‬إلــى أن فــرغ مــن الكتابــة ورفــع رأســه‪ ،‬ونظــر إلــي وقــال‪ :‬نعــم؟‬
‫للدراســة يف كليــة التجــارة‪ ،‬لكنــه بعــد احملاضــرة األولــى يف هــذه الكليــة لــم‬ ‫مــاذا تريــد يــا بنــي؟‬
‫يعــد يحتمــل االســتمرار بهــا‪ ،‬وانصــرف حلضــور محاضــرات كليــة االقتصــاد‬ ‫سلمت وقلت‪ :‬يا عم محمد‪ ،‬ابن عسكر عطل معاملتي عنده‪.‬‬
‫والعلــوم السياســية‪ ،‬علــى أمــل حــدوث معجــزة تتيــح لــه القبــول يف هــذه‬ ‫قال‪ :‬ملاذا؟‬
‫الكليــة‪ ،‬وملا لــم حتــدث تلــك املعجــزة قــرر العــودة إلــى الريــاض وإعــادة دراســة‬ ‫قلت‪ :‬عندي شــاهدان وال يقبل أن يأخذ شــهادتهما‪ ،‬ألنهما ليســا مولودين‬
‫الثانويــة العامــة للحصــول علــى الدرجــات التــي تؤهلــه للبعثــة‪ ،‬ويقــول‬ ‫يف األحســاء‪ .‬فســألني‪ :‬مــن أنــت يــا ولدي؟‬
‫عــن هــذه الفتــرة‪( :‬اجتــزت االختبــارات وجنحــت بتفــوق وهلل احلمــد‪ ،‬حتــى‬ ‫قلــت‪ :‬عبدالرحمــن بــن أحمــد اجلعفــري‪ ،‬قــال‪ :‬أبــوك الــذي دكانــه يف‬
‫يف مــادة اللغــة اإلجنليزيــة‪ ،‬التــي كنــت أرهبهــا‪ ،‬وتســببت يف إعــادة الســنة‬ ‫الصفــاة؟‬
‫الدراســية‪ ،‬فصــارت جميــع شــروط البعثــة منطبقــة علــي‪ ،‬وفـ ً‬
‫ـعًال بــدأت يف‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫مراجعــة إدارة البعثــات اخلارجيــة بــوزارة املعــارف)‪.‬‬ ‫فمــا كان منــه إال أن نــادى الفــراش‪ ،‬وقــال لــه‪ :‬خــذه إلــى ابــن عســكر وقــل لــه‬
‫ويضيــف‪( :‬كانــت التخصصــات املعروضــة لالختيــار هــي الطــب والهندســة‬ ‫خــذ شــهادة زميليــه‪ ،‬وليأخــذ شــهادتي إن أراد!‬
‫بفروعهــا‪ ،‬وعلــوم األرض‪ ،‬والعلــوم بفروعهــا‪ ،‬واقتصاديــات البتــرول‪ ،‬وكان‬ ‫وفـ ً‬
‫ـعًال مت ذلــك‪ ،‬وخرجنــا مــن عنــد ابــن عســكر منتصريــن و"التابعيــة" يف‬
‫مبتغــاي دراســة االقتصــاد والعلــوم السياســية‪ ،‬وأقــرب تخصــص وجدتــه مــن‬ ‫جيبــي‪.‬‬
‫تخصصــات البعثــات يف ذلــك العــام هــو‪ :‬اقتصاديــات البتــرول‪ ،‬فوضعتــه‬ ‫بعــد ســنني مــن التجربــة اإلداريــة الطويلــة التــي عشــتها الحق ـ ًًا‪ ،‬أدركــت أن‬
‫اختيــاري األول والثانــي‪ ،‬ووضعــت االختيــار الثالــث علــوم األرض‪ ،‬وجــاءت‬ ‫اإلدارة الفعالــة ال تعنــي التطبيــق احلــريف للنظــام مــن دون تدبــر مقاصــده‪،‬‬
‫النتيجــة يف قــرار الــوزارة أن ابتعــث لدراســة علــوم األرض (اجليولوجيــا)‪،‬‬ ‫الفّعالة وجود رجال يحسنون التصرف‪ ،‬ويعرفون‬
‫ّ‬ ‫وأن أهم مقومات اإلدارة‬
‫وحاولــت تغييــر التخصــص الختيــاري األول لكــن طلبــي رفــض‪ ،‬والتعليــل‪:‬‬ ‫مقاصــد النظــام‪ ،‬ويحِّكِ مــون العقــل يف ويزنــون األمــور مبيــزان املصلحــة‬
‫أنــت دارس يف الشــعبة العلميــة‪ ،‬ودرجاتــك يف الكيميــاء ممتــازة‪ ،‬والبلــد يف‬ ‫التــي قوامهــا التيســير علــى النــاس وتســهيل أمورهــم وقضــاء حوائجهــم‪،‬‬
‫حاجــة للمتخصــصني يف اجليولوجيــا‪ .‬كانــت اخليــارات أمامــي محــدودة‪،‬‬ ‫مــن دون تفريــط يف احلقــوق وإفــراط يف الــروتني وتعطيــل املصالــح)‪.‬‬
‫إمــا مــا اختارتــه الــوزارة‪ ،‬وإمــا ال بعثــة‪ ،‬فاختــرت مــا اختارتــه الــوزارة)‪.‬‬ ‫أوردت هــذه احلكايــة ألنهــا تشــكل نقطــة حتــول يف حيــاة الدكتــور‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪26‬‬
‫لهــا بتخصصــه‪ ،‬وهــو الــذي يحمــل الدكتــوراه يف علــوم اجليولوجيــا مــن‬ ‫وقــد ســافر للواليــات املتحــدة األمريكيــة ضمــن الدفعــات األولــى مــن‬
‫جامعــة واشــنطن ســياتل‪ ،‬بعــد أن حصــل علــى املاجســتير يف علــوم يف اإلدارة‬ ‫املبتعــثني الذيــن كان عددهــم محــدود ًًا يف ذلــك الوقــت‪ ،‬وكانــت رحلتــه تلــك‬
‫التربويــة مــن جامعــة شــرق تكســاس‪ ،‬ودكتــوراه فلســفة يف إدارة األعمــال مــن‬ ‫قــد بــدأت مــن الريــاض إلــى القاهــرة ومنهــا إلــى الدامنــرك ثــم إلــى نيويــورك‬
‫جامــعة أوكالهوــما‪.‬‬ ‫ثــم إلــى أسنت ‪ -‬تكســاس‪ ،‬ويف أمريــكا تنقــل يف عــدة واليــات‪ ،‬واســتطاع‬
‫عــاد مــن الواليــات املتحــدة‪ ،‬وبعــد أن حفيــت قدمــاه يف احلصــول علــى‬ ‫التغلــب علــى مشــاكل الســكن‪ ،‬أحيان ـ ًًا مــع زمالء الدراســة‪ ،‬أو يف الســكن‬
‫الوظيفة املناسبة لتخصصه ال يف أرامكو وال يف وزارة البترول‪ ،‬اضطر ألن‬ ‫اجلامعــي‪ ،‬أو مــع إحــدى األســر األمريكيــة‪ ،‬ومنهــا عائلــة "النفيــر" التــي‬
‫يبــدأ حياتــه العمليــة بوظيفــة متواضعــة هــي مســاعد إداري لعميــد كليــة‬ ‫تعــرف عليهــا بالصدفــة عندمــا حتــول للدراســة يف كليــة كولومبيــا الســفلى‬
‫البتــرول واملعــادن عــام ‪ ،1968‬لكنــه تــدرج بعــد ذلــك يف العمــل األكادميــي‬ ‫يف "لــوجن فيــو" يف واليــة واشــنطن الواقعــة يف الشــمال الغربــي للواليــات‬
‫ليصبــح أســتاذ ًًا يف جامعــة امللــك فهــد للبتــرول واملعــادن خالل الفتــرة مــن‬ ‫املتحــدة األمريكيــة‪ .‬يقــول‪( :‬عندمــا وصلنــا ملنزلهــم يف أحــد أحيــاء "لونــح‬
‫‪ 1985 - 1979‬ثــم عميــد ًًا لكليــة اإلدارة الصناعيــة يف اجلامعــة نفســها مــن‬ ‫فيــو" اجلميلــة الهادئــة قدمنــي إيــر بقولــه‪( :‬ميــري‪ ،‬هــذا أخــوك العربــي‬
‫عــام ‪ 1985‬وحتــى عــام ‪.1989‬‬ ‫عبــدول)‪ .‬إذ يصعــب علــى األمريكــيني النطــق الكامــل ألســمائنا العربيــة‪،‬‬
‫وشــغل منصــب أمني عــام منظمــة اخلليــج لالستشــارات الصناعيــة يف‬ ‫وعــادة يفضلــون االختصــار لألســماء‪ ،‬حتــى األســماء الغربيــة‪ ،‬فعلــى ســبيل‬

‫الدوحــة مــن ‪ .1999 - 1989‬ثــم ُُعني يف مجلــس الشــورى لــثالث دورات‬ ‫املثــال‪ William :‬يختصــر إلــى ‪ Will‬و‪ Richard‬يختصــر إلــى‬
‫وُيذكــر أن أحــد اإليطالــيني عندمــا زاره أمريكــي يف قريــة‬
‫‪ ..Rich‬وهكــذا‪ُ .‬‬
‫متتاليــة خالل الفتــرة مــن ‪ 2005 - 1993‬كان خاللهــا عضــو ًًا يف جلان‬
‫إيطاليــة وســأله عــن اســم ابنتــه‪ ،‬أســمعه اســم ًًا طـ ً‬
‫ـويًال‪ ،‬فتعجــب األمريكــي‬
‫الشــؤون االقتصاديــة واملاليــة والشــؤون اخلارجيــة‪ ،‬ورئيسـ ًًا للجنــة الشــؤون‬
‫وقال‪ :‬ملاذا ال تختصر اســمها بشــكل أســهل؟ رد اإليطالي‪ :‬نحن يف إيطاليا‬
‫املاليــة ملــدة أربــع ســنوات‪ ،‬بعــد ذلــك عني محافظـ ًًا لهيئــة االتصــاالت وتقنيــة‬
‫لدينــا الوقــت‪ ،‬لــذا ال نحتــاج لتقصيــر أســمائنا مثلكــم‪ .‬أنتــم يف أمريــكا‬
‫املعلومــات يف الفتــرة مــن عــام ‪.2011-2007‬‬ ‫مســتعجلون!‬
‫ثــم أصبــح عضــو ًًا يف مجلــس إدارة شــركة التعديــن العربيــة الســعودية‬ ‫بعــد انتهــاء دراســته يف أمريــكا عــاد إلــى الوطــن محـ ً‬
‫ـمًال باآلمــال العريضــة‪،‬‬
‫"معــادن"‪ ،‬ورئيــس مجلــس إدارة "ســاب تكافــل" ونائــب رئيــس مجلــس‬ ‫يف احلصــول علــى الوظيفــة املناســبة لتخصصــه يف اجليولوجيــا‪ ،‬ولــم يكــن‬
‫إدارة مؤسســة "دار اليــوم للصحافــة" وعضــو مجلــس إدارة "بنــك اخلليــج‬ ‫الطريــق مفروشــة أمامــه بالــورود‪ ،‬وخلــص هــذه احلالــة التــي واجهتــه يف‬
‫الدولــي"‪ ،‬وصــدرت لــه حتــى اآلن ثالثــة كتــب هــي‪" :‬التنميــة الصناعيــة‬ ‫بدايــة حياتــه العمليــة بقولــه‪( :‬يبنــي الطالــب اجلامعــي آمـ ً‬
‫ـاًال عراض ـ ًًا‬
‫يف اخلليــج العربــي" و"مــع نبــض الوطــن‪ :‬قــراءات وتــأمالت يف األحــداث"‬ ‫للمســتقبل‪ ،‬ويجتهــد يف دراســته حتــدوه هــذه اآلمــال‪ ،‬وبعــد التخــرج يجــد‬
‫و"صفحــات مــن كتــاب العمــر" الــذي نتجــول يف فصولــه خالل هــذه الســطور‬ ‫أن الواقــع ليــس بالضــرورة مفروش ـ ًًا لــه بالــورود‪ ،‬وأن عليــه أن يواصــل‬
‫مــن "مســيرة قلــم" كمــا أن لــه العديــد مــن الدراســات والبحــوث املنشــورة‬ ‫مســيرة البحــث والعمــل واالجتهــاد‪ ،‬وعندئــذ تنفتــح لــه املغاليــق شــيئ ًًا‬
‫يف الدوريــات العلميــة احملكمــة‪ ،‬واملقــاالت واحملاضــرات التــي تنــاول فيهــا‬ ‫فشــيئ ًًا‪ ،‬ويتحقــق األمــل تلــو األمــل)‪ .‬وهكــذا كان احلال بالنســبة لــه‪ ،‬إذ لــم‬
‫العديــد مــن قضايــا التنميــة واالقتصــاد واإلدارة‪ .‬وال يــزال ميــارس الكتابــة‬ ‫يجــد الوظيفــة املناســبة حني عودتــه‪ ،‬وممــا زاد مــن صعوبــة األمــر عليــه أنــه‬
‫يف الصحــف‪ ،‬ويســهم يف تأصيــل قيــم اخليــر واحملبــة والــسالم يف ربــوع‬ ‫عــاد ومعــه زوجتــه‪ ،‬وكان قــد تــزوج يف الســنة األخيــرة لدراســته‪ ،‬مــن كرميــة‬
‫الوطــن والعالــم‪ .‬وهــو علــى يــقني بــأن رســالة الكاتــب مســؤولية ال تخبــو‬ ‫إحــدى األســر اللبنانيــة املهاجــرة مبكــر ًًا إلــى الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪،‬‬
‫جذوتهــا مــا دام علــى قيــد احليــاة‪.‬‬ ‫لكــن بــإرادة الصبــر وقــوة االحتمــال‪ ،‬بــدأ يف وظيفــة متواضعــة ال عالقــة‬

‫‪27‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫سامي املسلماني‬
‫كاتب تونسي‬
‫‪sm99sm@hotmail.com‬‬

‫مساحة حرة‬

‫في إيقاع قصيدة النثر‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬
‫‪28‬‬
‫‪28‬‬
‫خاّصــة إذا تع ّّلــق األمــر بالبحــث عــن‬
‫ّ‬ ‫الّســجال واخلالف‬
‫تعـ ّـّد قض ّّيــة اإليقــاع يف قصيــدة النثــر مــن املســائل التــي كثــر حولهــا ّ‬
‫ـعرّي‪.‬‬
‫مواطــن الشــعر ّّية يف هــذا ال ّّنمــط الشـ ّ‬
‫كّنــه رغــم ذلــك اســتطاع أن يجــد لنفســه بــدياًلا إيقاع ًًّي� ــا وشـكاًلا‬
‫فهــو ال يعتــرف بالــوزن والقافيــة وينهــل خطابــه مــن النثــر‪ ،‬ول ّ‬
‫ـدّي طيلــة‬
‫ـعرّي التقليـ ّ‬ ‫الّدقيقــة التــي ظ ّّلــت حتكــم النـ ّ‬
‫ـّص الشـ ّ‬ ‫الّصوت ّّيــة الفيزيائ ّّيــة ّ‬
‫موســيق ًًّي� ا جديــًدً ا بعيــًدً ا عــن تلــك احلــدود ّ‬
‫قرون‪.‬‬
‫ـّص علــى‬
‫ـيكّي قابــل للمعاينــة الســمع ّّية والبصر ّّيــة؛ أل ّّنــه ينتظــم وفــق قانــون "العــروض" الــذي ينـ ّ‬
‫إن اإليقــاع يف الشــعر الكالسـ ّ‬
‫أّمــا اإليقــاع يف قصيــدة النثــر‬
‫يتجّســمان عبــر أقيســة صوت ّّيــة وزمن ّّيــة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الــوزن والقافيــة مبــا فيهمــا مــن متاثــل وتكــرار ملمــوسني‬
‫ـدّي‪،‬‬
‫فهــو خفـ ّـّي وغيــر قابــل للمالحظــة؛ أل ّّنــه ال يحتكــم إلــى أشــكال مس ـ ّّبقة مثلمــا هــو الشــأن بالنســبة إلــى الشــعر التقليـ ّ‬
‫متنّو ًًعــا تنـ ّـّوع جتاربهــا وشــديد االنفتــاح علــى إمكانــات إيقاع ّّيــة ش ـّتّى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّممــا يجعلــه‬
‫بــل هــو يتل ّّبــس بتجربــة الــذات الشــاعرة ّ‬
‫وبذــلك يــكون اإليــقاع يف قصــيدة النــثر مختلًفـ ـًا ــمن ــشاعر إــلى آــخر‪ ،‬وــمن ـ ّ‬
‫ـنّص إــلى آــخر حّتـ ـّى يف إــطار التجرــبة الواــحدة‪.‬‬
‫ـدّي‪ ،‬ويقــوم باألســاس علــى احلر ّّيــة التــي تشـ ّـّرع‬
‫ومــن هنــا‪ ،‬نســتنتج أّنّ إيقــاع قصيــدة النثــر يقطــع مــع املــوروث اإليقاعـ ّـّي التقليـ ّ‬
‫ـرّي إلــى أحــكام‬
‫األبــواب علــى مصاريعهــا أمــام اخللــق مبفهومــه الواســع‪ ،‬وأمــام االكتشــاف يف أجلــى مظاهــره مــن دون رجــوع قسـ ّ‬
‫ـّص ومناخــه‪ ،‬فهــو إذن إيقــاع تنبــع منــه موســيقى الــّذّ ات‬
‫مسـ ّّبقة ومفاهيــم مســقطة ال تــتالءم يف أغلــب األحيــان مــع مجــرى النـ ّ‬
‫املتمّوجــة وحياتنــا اجلديــدة‪ ،‬وهــو إيقــاع‬
‫ّ‬ ‫الفرد ّّيــة وليــس موســيقى الــذات اجلماع ّّيــة‪" ،‬موســيقى االســتجابة إليقــاع جتاربنــا‬
‫يتجـ ّـّدد كّلّ حلظــة" علــى حـ ّـّد عبــارة أدونيــس‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪29‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫وال ننكــر‪ ،‬يف هــذا الســياق‪ ،‬أّنّ املد ّّونــة النظر ّّيــة العرب ّّيــة املّتّصلــة بإيقــاع قصيــدة النثــر ت ّّتســم بشــيء مــن الغمــوض‬
‫والضبابيــة؛ ألّنّ إيقاعهــا ال يعلــن عــن نفســه‪ ،‬وإمنــا يحتــاج إلــى مــن يعلــن عنــه ويخرجــه مــن اخلفــوت إلــى اجلهــر‪،‬‬
‫ومــن الكمــون إلــى التج ّّلــي وال يكــون ذلــك إاّلا عبــر مكابــدة النصــوص والتسـّلّح بذائقــة شــعر ّّية منفتحــة وحديثــة‬
‫مــن دون ســعي إلــى التقعيــد والتنظيــر وإلــى األحــكام املطلقــة ألّنّ قصيــدة النثــر‪ ،‬يف حـ ّـّد ذاتهــا‪ ،‬ضـ ّـّد التنظيــر‬
‫والّتّحنــيط‪.‬‬
‫املتوّصــل‬
‫ّ‬ ‫الّصعوبــات جتعــل النتائــج‬
‫وعلــى هــذا األســاس‪ ،‬فــإّنّ املبحــث االيقاعـ ّـّي يف قصيــدة النثــر تكتنفــه غابــة مــن ّ‬
‫إليهــا فيــه نســب ّّية‪ ،‬ومجـ ّـّرد قــراءة مــن القــراءات التــي تفتــح معابــر التأويــل وال تغلقهــا وتســمح بتحريــر الّذّ ائقــة‬
‫وال تق ّّيدــها‪.‬‬
‫اخلاّصــة‬
‫ّ‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫ت‬ ‫ايقاعا‬ ‫ـّص‬
‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ـكّلّ‬
‫ـ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ات‬ ‫ّي‬
‫ّ‬ ‫خصوص‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ب‬ ‫جتر‬ ‫ـكّلّ‬
‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ـة‪،‬‬
‫ـ‬ ‫ّي‬
‫ّ‬ ‫التعميم‬ ‫ـكام‬
‫ـ‬ ‫ح‬ ‫لأل‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫ث‬ ‫الن‬ ‫ـدة‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫قص‬ ‫يف‬ ‫إذن‪،‬‬ ‫فال مجــال‪،‬‬
‫التــي تتو ّّلــد وتنمــو مــن خاللــه وعبــره‪.‬‬
‫ـّص شــعر ّّيته وبأ ّّيــة أدوات توّفّ ــر علــى إيقاعــه وموســيقاه‪ ،‬فاملهـ ّـّم أن‬
‫ومهمــا يكــن مــن أمــر‪ ،‬فإ ّّنــه ك ّّلمــا حّقّ ــق النـ ّ‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬ ‫‪30‬‬
‫‪30‬‬
‫ـيقّي للفــراغ الناشــئ عــن إلغــاء الــوزن‬
‫ثّمــة تعويــض موسـ ّ‬
‫يكــون ّ‬
‫والقافيــة‪ .‬إاّلا أّنّ مظاهــر هــذا التعويــض تبــدو غائمــة؛ أل ّّنهــا‬
‫ت ّّتصــل بالتجريــب وال يخفــى مــا للتجريــب مــن انفتــاح علــى‬
‫آــفاق اجملــهول وــمن رغــبة يف اكتــشاف دروب بــكر‪.‬‬
‫ولكــن‪ ،‬رغــم ذلــك‪ ،‬ســعت قصيــدة النثــر إلــى اســتثمار‬
‫اإلمكانــات اإليقاع ّّيــة للنثــر وإلــى اســتنباط منــاذج إيقاع ّّيــة‬
‫ـراًء‬
‫مــن خالل توزيعهــا علــى الــورق‪ ،‬وبذلــك يغــدو إيقاعهــا إجـ ً‬
‫تطبيقًّي�ـ ـًا إلــمكان الــشعر ّّية ــخارج اــلوزن والقافــية‪.‬‬
‫وميكــن الوقــوف علــى بعــض النمــاذج اإليقاع ّّيــة مثــل إيقــاع‬
‫احلــرف‪ ،‬وإيقــاع الاّلا زمــة املتكـ ّـّررة يف املقطــع وإيقــاع الاّلا زمــة‬
‫ـّص‪ ،‬وإيقــاع اجلملــة وإيقــاع التركيــب‪...‬‬
‫املتكـ ّـّررة يف كامــل النـ ّ‬
‫وتتنــّزّ ل هــذه النمــاذج يف إطــار مــا اصطلــح علــى تســميته‬
‫الّصــورة الــذي‬
‫الّداخلــي‪ ،‬ولكــن مــع ذلــك جنــد إيقــاع ّ‬
‫باإليقــاع ّ‬
‫الّصــور وتداخلهــا أو تقابلهــا باإلضافــة‬
‫يرتكــز علــى متاهــي ّ‬
‫إلــى اإليقــاع اإلدراكــي ا ّّلــذي يقــوم علــى املتناقضــات التــي‬
‫تفّجــر أبعــاد قصيــدة النثــر القائمــة علــى التمـ ّـّرد وتفكيــك‬
‫ّ‬
‫األنظمــة الثابتــة ومحاولــة إعــادة صياغتهــا مــن خالل‬
‫متنهجــها ــمع الـ ّـضّد‪.‬‬
‫ويتجّســم‬
‫ّ‬ ‫أيًضــا مــا يسـ ّـّمى باإليقــاع البصــري‬
‫كمــا جنــد ً‬
‫ـّص علــى الــورق‪ ،‬ويف مختلــف عالمــات‬
‫مــن خالل توزيــع النـ ّ‬
‫خاّصــة يف نظــام املقاطــع‬
‫ّ‬ ‫التنقيــط والتنضيــد ويظهــر ذلــك‬
‫مّطــردة ّ‬
‫خّط ًًيــا تتشــّكّ ل يف قالــب‬ ‫ســواء أكانــت يف شــكل جمــل ّ‬
‫فقــرات أو يف شــكل أســطر متفاوتــة الطــول والقصــر‪ ،‬وقــد‬
‫وأيًضــا يف تنويــع أحجــام‬
‫ً‬ ‫يتعّمــد املــزج بني هذيــن الشــكلني‪،‬‬
‫ّ‬
‫احلــروف الطباع ّّيــة وأشــكالها‪.‬‬
‫ّممــا ســبق‪ ،‬أّنّ اإليقــاع يف قصيــدة النثــر يحتكــم إلــى‬
‫ونســتنتج ّ‬
‫جتربــة الــذات‪ ،‬وإرهاصاتهــا وخلجاتهــا ويقطــع مــع القوالــب‬
‫اجلاهــزة ومــع مقولــة النظــم فهــو‪ ،‬إذن‪ ،‬إيقــاع الــذات الــذي‬
‫ويطّوعهــا تلبيــة لنــداءات الــروح وأغوارهــا‬
‫ّ‬ ‫يشــّكّ ل ال ّّلغــة‬
‫العميقــة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪31‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫رجاء البوعلي‬
‫أديبة سعودية وكاتبة رأي‬
‫‪rajaa.moh@hotmail.com‬‬

‫اجتاهات ثقافية‬

‫الفلسفة األخالقية بين‬


‫اإلطـالقـيـة والـنــســبـيــة‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪32‬‬
‫حــد القتــل علــى أولئــك األفــراد‪ ،‬فهــل نحــن يف مــأزق أخالقــي؟‬ ‫" مــن عــادة اخمللــوق اإلنســاني أن يتأرجــح بني حديــن متطــرفني‪ ،‬والفلســفة‬
‫ثانًيــا‪ :‬النزعــة الفردانيــة املعاصــرة‪ ،‬تبــرز يف مالمــح الشــخصية احلديثــة‪،‬‬
‫ً‬ ‫تتقــدم يف طريــق متعـ ّـّرج‪ ،‬ولكــن بــدا لــي – يف هــذا األمــر اخلاص بالقيــم‬
‫لعلهــا تصــل يف حــاالت معينــة لدرجــة األنانيــة إن صــح التعبيــر‪ ،‬وأجدهــا‬ ‫– أن الفالســفة كانــوا ميتطــون جوادهــم اخلشــبي اخلاص بالنســبية نحــو‬
‫تتم ّّثــل يف اعتقــاد فيلســوف النفعيــة ســيدجويك الــذي ذهــب لكــون االلتــزام‬ ‫الهاوــية "‪ .‬ولــتر ــستيس‪.‬‬
‫األخالقــي البــد أن يقــوم علــى املعادلــة بني املنفعــة الشــخصية واملنفعــة‬ ‫لعلــه املأزق األخالقــي بني األخالقيــة اإلطالقيــة ونظيرتهــا النســبية‪ ،‬الــذي‬
‫الغيريــة‪ ،‬غيــر أنــه رأى أن الفائــدة قــد تكــون أقــل إذا ُُنظــر إليهــا بهــذه‬ ‫دعــا الفيلســوف البريطانــي واألســتاذ بجامعــة برينســتون ســتيس لهــذا‬
‫الطريــقة العادــلة‪.‬‬ ‫التعبيــر عــام ‪1937‬م‪ ،‬فبطبيعــة احلال‪ ،‬مادامــت البشــرية تنمــو وتتناســل‪،‬‬
‫وهــذا حتـ ٍـٍد أخالقــي معاصــر نلمســه كثيـ ًـًرا يف تعامالتنــا اإلنســانية‬ ‫البــد مــن تناســخ األفــكار‪ ،‬واســتعادة املمارســات وحتريــك املفاهيــم‪،‬‬
‫احلديثــة‪ ،‬التــي تســتأثر مبنفعتهــا الفرديــة قبــل كل شــيء وعلــى كل شــيء‪،‬‬ ‫وتطويعهــا وفًقً ــا للثقافــة املعاصــرة‪ .‬فمــا املعاصــر الــذي اســتحث فينــا هــذا‬
‫مببــررات موضوعيــة بــأن الــذات أواًلا ‪ ،‬األمــر الــذي ألغــى اجلماعاتيــة‪ ،‬وقلــل‬ ‫احلديــث؟‬
‫نظــام التكافــل االجتماعــي كحالــة ثقافيــة أخالقيــة‪ ،‬علــى األقــل هــذا‬ ‫أواًلا ‪ :‬شــّكّ ل احليــاة احلديثــة‪ ،‬فالتحـ ّـّول الثقــايف ال ينفــك عــن التحـ ّـّول‬
‫جــزء مــن مالحظاتــي علــى اإلنســان الراهــن واحليــاة يف املــدن احلديثــة‪.‬‬ ‫الفكــري‪ ،‬وهــذا يعنــي حتديــث املفاهيــم مبراعــاة الظرفيــة الزمانيــة‬
‫وهنــا يصعــب وضــع معيــار أخالقــي لقيــاس معيــار التقــدمي والتأخيــر بني‬ ‫نتلّمــس احلاجــة لتحديــد القيــم املفصليــة بالنســبة‬
‫ّ‬ ‫واملكانيــة‪ ،‬مــا يجعلنــا‬
‫املصالــح املتعاكســة غيــر العــودة لقيــاس نتيجــة الفعــل‪ ،‬وأثــره علــى الفــرد‬ ‫لنــا‪ ،‬خصوص ـ ًًا يف مرحلتنــا الراهنــة؛ فبعــد أن كانــت اجملتمعــات احملافظــة‬
‫واجملتمــع‪.‬‬ ‫تأخــذ قيمهــا األخالقيــة مــن الســماء باعتبارهــا املصــدر األوحــد عبــر‬
‫وتبقــى اخُملخ رجــات هــي النتيجــة‪ ،‬فمالحظــة النتائــج متنحنــا فرصــة‬ ‫رجــاالت الديــن‪ ،‬باعتبارهــم األعلــم‪ .‬تخففــت هــذه الرؤيــة مؤخـ ًـًرا‪ ،‬ولــم يعــد‬
‫التحقــق مــن صالحيــة ادعــاٍءٍ مــا لقضيـ ٍـٍة مــا؛ فكوننــا بشــر ًًا عاقــلني فنحــن‬ ‫ذلــك قاصـ ًـًرا علــى أولئــك الذيــن خالطــوا ثقافــات أخــرى‪ ،‬بــل وصــل لعمــوم‬
‫قــادرون علــى إدراك النتائــج وتصنيفهــا ضمــن مســتويات ال شــك أنهــا‬ ‫النــاس عبــر أجهزتهــم اإللكترونيــة التــي جتلــب لهــم اآلراء والثقافــات مــن‬
‫تتــدرج مــن أقصــى اليــمني ألقصــى اليســار‪ ،‬وعليــه ميكننــا تقديــر " النســبية‬ ‫كل فــج وتضعهــا يف أيديهــم‪ ،‬انكســر متثــال الهيبــة واالنصيــاع واالنقيــاد‪،‬‬
‫العاقلــة " التــي أشــار إليهــا ســتيس‪.‬‬ ‫وارتفــع صــوت الفردانيــة وقــدرة العقــل علــى االســتنباط وحريــة اإلنســان‪،‬‬
‫وأقــول‪" :‬العاقلــة" نســبة إلــى اإلنســان العاقــل أي ُاُملــدرك أو الفلســفة‬ ‫وهــذا أشــبه مبواجهــة بني اإلطالقــيني احملافــظني والنســبيني؛ هكــذا‬
‫العقالنيــة لكانــط‪ ،‬فــاإلدراك يقتضــي التمييــز بني اجلمــال والقبــح‪،‬‬ ‫يحــدث يف حــوار بني شــاب يعتقــد باحلريــة اجلنســية‪ ،‬وآخــر يطالــب بإقامــة‬

‫‪33‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫املصــادر املرجعيــة واملعرفيــة‪ ،‬وفلســفي الطبيعــة أي ُُمتســائل‪ ،‬ألنــه حتــرر‬ ‫والرفعــة واالبتــذال‪ ،‬واخليــر والشــر‪ ،‬متييــًزً ا حـ ًـًرا يقــوم بــه اإلنســان يف‬
‫قل ـياًلا عمــا قبــل‪ ،‬وتـ ّـّواق للتجديــد يف املنجــز اإلنســاني‪ ،‬إضافــة النبهــاره‬ ‫حالًيــا‪ ،‬ســواء مت التصريــح بذلــك‬
‫ً‬ ‫أقصــى حاالتــه الفرديــة‪ ،‬وهــذا مــا يحــدث‬
‫ـخصًيا لســت ضــد اإلعجــاب‬
‫ً‬ ‫بالنمــوذج الغربــي يف مجــاالت متعــددة‪ ،‬وشـ‬ ‫أم ال‪ ،‬إن النــاس يشــهدون علــى حتـ ّـّول القيــم‪ ،‬وتغييــر املفاهيــم جتــاه قضايــا‬
‫باآلخــر‪ ،‬غيــر أنــي لســت مــع االنبهــار املطلــق!‬ ‫اإلنســان اخلاصــة والعامــة‪ ،‬وبنــاء عليــه جتديــد مظاهــر احليــاة اخلاصــة‬
‫هــذا الفاصــل بني اإلعجــاب واالنبهــار ُُمهــم يف حتديــث املعيــار األخالقــي‬ ‫والعامــة املعاصــرة‪ ،‬ومنــط حركتهــا الثقافيــة والفكريــة التــي تتمظهــر‬
‫املالئــم لإلنســان احلديــث وفًقً ــا لســياقه الظــريف‪ ،‬والتحديــث هنــا ال يعنــي‬ ‫يف ســلوك األفــراد واجلماعــات‪ ،‬أي حتديــث القيــم األخالقيــة للمجتمــع‬
‫استنســاخ التجربــة الغربيــة يف اجملتمــع العربــي جملــة وتفص ـياًلا ‪ ،‬بــل‬ ‫احلديــث‪ ،‬كل هــذا يخضــع لعمليــة حتكيــم داخليــة يف ذهــن اإلنســان‬
‫النظــر لهــا نظــرة نقديــة انتقائيــة‪ ،‬نعــم قــد يعــد أحدهــم أن اإلنســان ليــس‬ ‫الشــاهد علــى العصــر‪ ،‬فهــو بنفســه يــرى النتائــج بصيغتهــا النهائيــة‪ .‬ولســت‬
‫انتقائًيــا قــاد ًًرا علــى االختيــار بــل إن القــوانني واألمنــاط الفكريــة‬
‫ً‬ ‫كائًنً ــا‬ ‫هنــا بصــدد طــرح أمثلــة علــى حــاالت االنــغالق الفكــري ُاُملتص ّّلــب‪ ،‬أو حــاالت‬
‫والثقافيــة جتــري عليــه بــأي حــال مــن األحــوال‪ ،‬وقــد يكــون هــذا مــن الواقــع‬ ‫االنــفالت الفكــري الالأخالقــي‪ ،‬فكالهمــا تطــرف‪ ،‬والتطــرف حالــة ســلبية‬
‫بال شــك‪ ،‬غيــر أن القــراءة النقديــة ملا ُُيعــرض علــى اإلنســان فيهــا اســتثمار‬ ‫يف كل األحــوال‪ ،‬فمــا هــو احلــل؟‬
‫لقــواه الفكريــة‪ ،‬وتؤهلــه للتمييــز‪ ،‬هــذا التمييــز هــو الرافــد املعـ ّـّول عليــه يف‬ ‫معيار األخالقية‪ ،‬هو الفيصل يف احلكم على األشياء‪ ،‬ملاذا؟‬
‫حتديــث الفكــر اإلنســاني مبــا ينســجم مــع األخالق ومــا ال ينســجم‪ .‬فكيــف‬ ‫اإلنســان يف نســخته احلديثــة واســع األفــق‪ ،‬وعوملــي الثقافــة‪ ،‬أي متعــدد‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪34‬‬
‫وهنــا أصبحــت حاجتنــا ماســة ملراقبــة النتائــج مبعيــار عقالنــي‪ ،‬لتكــون‬ ‫النــزوح مــن اإلطالقيــة إلــى النســبية؟‬
‫أخالــ ًقًا واــحدة حقيقــية متاًمـ ـًا لكاــفة البــشر واخمللوــقات كــما يذــهب كاــنط‪.‬‬ ‫يقــول ســتيس‪" :‬الفلســفة ليســت مجموعــة مــن األحجيــات العقليــة‬
‫ختاًمــا؛ ميكننــا القــول‪ :‬إن صــراع القيــم ُُمنتــج طبيعــي للحريــة‪ ،‬واحلريــة‬
‫ً‬ ‫الغامضــة التــي غرســتها العقــول األكادمييــة بطريقــة عقيمــة ال متــس‬
‫مطلــب حضــاري لتقــدم األمم‪ ،‬وباعتبارنــا مجتمعــات ناهضــة؛ نؤمــن‬ ‫احليــاة‪ ،‬وذلــك ملصلحتهــم الشــخصية" هــذا مــا نتلمســه يف بعــض اآلراء‬
‫فهًمــا‬
‫بــأن التفكيــر والتفلســف حــول قضايــا احلريــة‪ ،‬ومخرجاتهــا ُُينتــج ً‬ ‫الناشــزة واملســتحدثة حــول موضوعــات محســومة ســلًفً ا‪ ،‬لكنهــا جتــددت‬
‫أكثــر دقــة وعمليــة‪ ،‬وهــذا مــا يحّفّ زنــا علــى حتريــك مداركنــا نحــو قــراءة‬ ‫مبســميات وشــعارات الفتــة‪ ،‬لنتســاءل عــن جــدوى إعــادة طرحهــا بصياغــات‬
‫موضوعيــة لنســبية األخالق كقيمــة جوهريــة يف الســلوك اإلنســاني‪.‬‬ ‫أــخرى عصرــية‪.‬‬
‫ـرٌن جــًدً ا‬
‫ويف هــذا البعــد‪ ،‬ال شــك أن مصطلــح " النســبية " بحــد ذاتــه‪ ،‬مـ ٌ‬
‫ويتمطــط علــى جســد اإلنســانية‪ ،‬ولهــذا البــد مــن اعتبــار املعاييــر‬
‫األخالقيــة املتغيــرة يف اجملتمعــات‪ ،‬إال أن هــذا ال يعنــي قبــول كل االدعــاءات‪،‬‬
‫غّيــر الثقــايف‪ ،‬لكنهــا مــا أن‬ ‫فم ـثاًلا ‪ :‬االحتشــام‪ ،‬قيمــة ُُمت ّ‬
‫غّيــرة بحســب املت ّ‬
‫تــصل ملــستوى التــعري‪ُ ،‬تُصــبح قيــمة نقيــضة!‬
‫ومهمــا ادعــى بعــض مؤيديهــا صالحيتهــا وحرروهــا بصيغــة عصريــة‬
‫جاذــبة‪ ،‬ال يعــني أنــها فــقدت ــسمات الُعـ ـُري وأنــها ــفعاًلا احتــشام!‬

‫‪35‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫نسيم الصمادي‬
‫ترجم ومحاضر ومستشار إداري‬ ‫مؤ ِّلف أردني ومفكِّ ر ُ‬
‫وم ِ‬
‫‪editor@edara.com‬‬

‫خالصات‬

‫أرسار السعادة يف العمل‬


‫كيف ِ‬
‫تعِّظم رأس مالك النفسي لتنجح وتزدهر‬
‫تأليف‪ :‬جيسيكا برايس جونز‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪36‬‬
‫انعكاسات السعادة على العمل واحلياة‬ ‫‪----------------------------------------------------------‬‬
‫إذا كنت سعيًدً ا يف العمل‪ ،‬سيحدث ما يلي‪:‬‬ ‫‪Book Title: Happiness at Work: Maximizing Your‬‬
‫• سيزداد نشاطك بنسبة ‪.%180‬‬ ‫‪Psychological Capital for Success‬‬
‫• ستزداد سعادتك يف حياتك بشكل عام بنسبة ‪.%180‬‬ ‫‪Author: Jessica Pryce-Jones‬‬
‫• ستزداد سعادتك يف العمل بنسبة ‪.%155‬‬ ‫‪ISBN: 0470749463-978‬‬
‫• سترتفع نسبة اندماجك يف العمل إلى ‪.%108‬‬ ‫‪Publisher: Wiley‬‬
‫• سيزيد حبك لعملك بنسبة ‪.%79‬‬ ‫‪Pages: 256‬‬
‫• سيزداد حماسك بنسبة ‪.%50‬‬ ‫‪-----------------------------------------------------------‬‬
‫• سترتفع ثقتك بنسبة ‪.%40‬‬ ‫مفهوم السعادة يف العمل‬
‫• ستحقق أهداف ًًا أكثر بنسبة ‪.%30‬‬ ‫دائمـ ًًا هنــاك جــدل بني الفالســفة واملفكريــن والقــادة حــول مصــدر الســعادة‪،‬‬
‫• ستزداد إسهاماتك يف العمل بنسبة ‪.%25‬‬ ‫هــل هــي الوظيفــة‪ ،‬أم خياراتــك وأفعالــك؟‬
‫ستتحَّسن صحتك‪.‬‬
‫َ‬ ‫•‬ ‫البعــض يراهــا جــزء ًًا مــن َ‬
‫هوَّيتــك أو طباعــك‪ ،‬ويــرى آخــرون أنهــا تنشــأ عــن‬
‫هــذه امليــزة األخيــرة مهمــة للغايــة‪ ،‬فكلمــا ارتفعــت مســتويات ســعادتك‪،‬‬ ‫مكانتــك يف احليــاة‪ ،‬أو أن رحلتــك وأهدافــك واملراحــل التــي متــر بهــا هــي مــا‬
‫ازدادت قــوة جهــازك املناعــي‪ ،‬حيــث يقــل تأُّثُ ــرك بهرمونــات التوتــر‪ ،‬وتنتــج‬ ‫يحــِّدِ د ســعادتك‪ ،‬ورمبــا تكمــن الســعادة يف قدرتــك علــى اســتخدام املنطــق‬
‫املزيــد مــن األجســام املضــادة التــي تعمــل كلقاحــات حتميــك مــن األمــراض‪،‬‬ ‫للتغُّلـ ـُب عــلى العواــطف الــسلبية ومحوــها ــمن داخــلك‪.‬‬
‫كمــا تقــل فــرص إصابتــك بأمــراض القلــب أو الســكري أو مشــكالت الرئــة‪،‬‬ ‫أمــا الســعادة يف العمــل فليســت هكــذا علــى اإلطالق‪ ،‬فال يتع ََّلــق األمــر‬
‫وقــد يــؤدي التأثيــر الصحــي للســعادة إلــى إطالــة عمــرك االفتراضــي‬ ‫باالبتســام الدائــم أو التفكيــر اإليجابــي أو املــزاج املعتــدل‪ ،‬وال ميكــن‬
‫بحوالــي ‪ 10‬ــسنوات‪.‬‬ ‫ـعًال ذاتي ـ ًًا‪ ،‬وإمنــا‬
‫ربــط الســعادة يف العمــل بســلوك محـ َـَّدد‪ ،‬فهــي ليســت فـ ً‬
‫رأس املال املفقود‬ ‫حتتــاج إلــى اآلخريــن ملســاعدتك علــى حتقيقهــا‪ ،‬إنهــا رحلــة مــن االجتهــاد‬
‫ويغُّضــون‬
‫ُ‬ ‫تعتقــد معظــم الشــركات أن رأس املال النقــدي هــو كل مــا يهــم‪،‬‬ ‫والتطــور والنجــاح املشــترك علــى مســتوى الــذات واآلخريــن‪.‬‬
‫الطــرف عــن أكثــر أنــواع رأس املال نفع ـ ًًا‪ ،‬وهــو رأس املال االجتماعــي‬ ‫والســعادة يف العمــل هــي طريقــة يف التفكيــر تســمح لــك بزيــادة إجنازاتــك‬
‫والنفســي‪.‬‬ ‫إلــى احلــد األقصــى‪ ،‬وحتقيــق قدراتــك بالكامــل‪ ،‬مبالحظــة النجاحــات‬
‫• رأس املال االجتماعــي‪ :‬هــو مفهــوم ديناميكــي متعــِّدِ د املســتويات‪،‬‬ ‫واإلخفاقــات إذا عملــت مبفــردك أو مــع فريــق‪ ،‬ومــن هنــا جنــد أن مفهــوم‬
‫ويســتغرق وقًتً ــا لتكوينــه‪ ،‬ويحتــوي‪:‬‬ ‫يتضَّمــن ثالث نقــاط مهمــة‪:‬‬
‫َ‬ ‫الســعادة يف العمــل‬
‫• العالقات واالتصاالت التي تربطك باآلخرين‪.‬‬ ‫• أواًلا ‪ :‬ينبغــي أن تبقــى يقظ ـ ًًا حتــى تســتطيع تكويــن وجهــة نظــر عــن أي‬
‫• اجملتمع أو اجملموعة التي تنتمي إليها‪.‬‬ ‫موقــف‪ ،‬لكــي تتعامــل معــه بشــكل أفضــل‪.‬‬
‫• التفاعالت التي تنبثق من جميع العالقات اخملتلفة‪.‬‬ ‫ثانًيــا‪ :‬مفهــوم الســعادة ال يرِّكِ ــز علــى الفــرد فقــط‪ ،‬بــل يرِّكِ ــز ً‬
‫أيًضــا علــى‬ ‫ً‬ ‫•‬
‫• رأس املال النفســي‪ :‬مي ِِّثــل رأس املال النفســي اإلمكانــات العقليــة التــي‬ ‫دوره داخــل اجملموعــة ألن هــذه هــي البيئــة التــي يجــري فيهــا العمــل‪.‬‬
‫تبنيهــا عندمــا تســير األمــور علــى مــا يــرام‪ ،‬وتعتمــد عليهــا عندمــا تســوء‬ ‫• ثالًثً ا‪ :‬تق ََّبل أن املشقة والصعوبة هما اجلزء األول من رحلة السعادة‪.‬‬
‫األمــور‪ ،‬ويعـ ُـُّد رأس املال النفســي مه ًًّم� ــا بشــكل خــاص يف اقتصــاد اخلدمــات‬ ‫هل ضروري أن تكون سعيًدً ا يف عملك؟‬
‫الــذي يتســم بالضغــط والتوتــر حيــث يتط ََّلــب التحفيــز والتفكيــر‬ ‫يبحــث املديــرون واملوظفــون اآلن‪ ،‬وأكثــر مــن أي وقــت مضــى‪ ،‬عــن إجابــات‬
‫اإلبداعــي واملثابــرة‪ ،‬وكل هــذه املهــارات ترتفــع نســبتها لــدى املوظــفني‬ ‫ألســئلة صعبــة مثــل‪" :‬كيــف نكافــئ املوظــفني؟"‪" ،‬مــا املقصــود باالســتدامة‬
‫األكثــر ســعادة‪ ،‬وتتشــابه هــذه املهــارات مــع رأس املال النقــدي يف ضــرورة‬ ‫بشــكل عــام؟"‪" ،‬مــاذا نتوَّقَ ــع مــن موظفينــا؟"‪.‬‬
‫بــذل اجلهــد‪ ،‬والوقــت والطاقــة الكتســابها‪ ،‬ولكــن تختلــف عنــه مــن حيــث‬ ‫وســتحِّدِ د إجابــات هــذه األســئلة معالــم املؤسســات التــي ســتدوم وتزدهــر يف‬
‫اســتمرارها عنــد انهيــار الشــركات‪ ،‬وكســاد األســواق لتصبــح األصــل األهــم‬ ‫أيًضــا‪ ،‬ومــن ثــم ستشــِّكِ ل هــذه اإلجابــات‬
‫العقــد القــادم ويف املســتقبل البعيــد ً‬
‫علــى اإلطالق ألنــه األســاس الــذي ميكــن أن تنهــض بــه مــن جديــد‪.‬‬ ‫االقتصــاد العاملــي وممارســات العمــل‪.‬‬
‫عناصر هيكل السعادة‬ ‫ولنجيــب عــن هــذه األســئلة نحتــاج إلــى حتفيــز املوظــفني علــى العمــل مــن‬
‫• اإلسهام‏‬ ‫خالل قيامهــم بعمــل مقنــع يثمــر نتائــج حقيقيــة ذات قيمــة مســتدامة‪،‬‬
‫هــو أهــم العناصــر اخلمســة التــي ُتُبنــى عليهــا الســعادة يف العمــل‪ ،‬وينقســم‬ ‫وقــد تعتقــد أن ظــروف العمــل الرائعــة هــي الســبيل إلــى الســعادة يف العمــل‪،‬‬
‫يتضَّمــن العناصــر التــي تطمــح إلــى احلصــول عليهــا‬
‫َ‬ ‫إلــى قســمني‪ :‬األول‬ ‫يوِّصــل إلــى جميــع النتائــج والظــروف اإليجابيــة‪،‬‬
‫ولكــن الســعادة هــي مــا ِ‬
‫ــمن عمــلك‪ ،‬والثاــني يتضَّمـ ـَن العناــصر الــتي يقدمــها ــلك العــمل بالفــعل‪.‬‬ ‫ولــيس العــكس‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫• احترام مديرك لك‬ ‫لنبدأ بإسهامك جتاه العمل‪:‬‬
‫ِ‬
‫يؤِّثــر االحتــرام يف بنــاء معاييــر الفريــق وممارســاته‪ ،‬ألن جميــع عالقــات‬ ‫• حتقيق األهداف‬
‫العمــل اجليــدة تعتمــد علــى االحتــرام‪ ،‬فهــو مــا يربــط أعضــاء الفريــق‬ ‫كلمــا ازدادت ســعادتك يف العمــل‪ ،‬حَّقَ قــَتَ أهداف ـ ًًا أكثــر‪ ،‬فمهمــا كانــت‬
‫بعضهــم ببعــض‪ ،‬وغيــاب االحتــرام يــؤدي يف النهايــة إلــى ضعــف اإلنتاجيــة‪.‬‬ ‫وظيفتــك‪ ،‬تســاعدك األهــداف علــى التنظيــم والتركيــز واختيــار الطــرق‬
‫يبــدأ االحتــرام مــن ســلوك األشــخاص‪ ،‬ويظهــر يف التفاصيــل البســيطة‪،‬‬ ‫املناســبة للعمــل‪ ،‬مبــا يضمــن اتســاق أهدافــك مــع مــا تطمــح إليــه املؤسســة‬
‫يحترمــك اآلخــرون لســلوكك ومعلوماتــك وعالقاتــك‪ ،‬واحتــرام املديــر‬ ‫التــي تعمــل فيهــا ومــا ميكنهــا أن تقدمــه لــك‪ ،‬وإال قــد جتــد نفســك يف‬
‫لــك ينشــئ عالقــة تكامليــة وإيجابيــة‪ ،‬فكلمــا احترمــك مديــرك‪ ،‬ازدادت‬ ‫طريــق مســدود‪.‬‬
‫ســعادتك يف العمــل‪ ،‬ومــن ثــم ازداد إســهامك فيــه ووالؤك لــه‪.‬‬ ‫• إثارة املسائل املهمة لعملك‬
‫• العقلية‬ ‫عندمــا تثيــر مســألة مهمــة بالنســبة لــك‪ ،‬ســيؤدي ذلــك إلــى حتــسني الوضــع‬
‫توِّجهــك يف العمــل؛ وهــي املســؤولة عــن خياراتــك‬
‫هــي طريقــة التفكيــر التــي ِ‬ ‫الراهــن وليــس اإلضــرار بــه‪ ،‬مــا دام هدفــك هــو أداء العمــل بشــكل أفضــل‪،‬‬
‫وقراراتــك وتدفعــك إلــى التراجــع إن حــادت األمــور عــن املســار املســتهدف‪،‬‬ ‫وإعــادة توجيــه اختياراتــك لتفــادي املشــكالت املتوَّقَ عــة يف املســتقبل‪ ،‬لذلــك‬
‫وتســتند إلــى عــدة عوامــل‪:‬‬ ‫ُظِهــر أنــك تتجــاوز متط ََّلبــات عملــك‬
‫فهــي مســألة حيويــة يف أي مشــروع‪ ،‬وُت ِ‬
‫• احلماس يف العمل‬ ‫اليومــية‪ ،‬ــما يــشير إــلى أن لدــيك رأس ــمال نفــ ًسًيا قوًيـ ـًا‪.‬‬
‫هــو جوهــر طريقــة التفكيــر‪ ،‬واألشــخاص األقــل ســعادة يف العمــل أقــل‬ ‫األشــخاص األكثــر ســعادة يف العمــل يثيــرون مســائل للنقــاش أكثــر مــن‬
‫وإنتاًجــا بنســبة ‪ %50‬مــن زمالئهــم األكثــر ســعادة‪ ،‬وهــذا لــه تأثيــر‬
‫ً‬ ‫حماًســا‬
‫ً‬ ‫غيرهــم بنســبة ‪ ،%35‬مــا يــؤدي إلــى حــل املشــكالت‪ ،‬وإصالح اخللــل‪ ،‬ومنــع‬
‫باــلغ يف اإلــسهام بالعــمل‪.‬‬ ‫الكــوارث وســرعة االســتجابة للطــوارئ‪.‬‬
‫احلمــاس والســعادة ميــثالن جانــبني أصيــلني مــن التجربــة اإلنســانية‪ ،‬ولكن‬ ‫إَّمــا لدعــم فكــرة‬
‫وتتضَّمــن إثــارة املســائل املهمــة مشــاركة األخبــار واآلراء‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫نابًعــا مــن داخلنــا وأهدافنــا مرتبطــة برغباتنــا وميولنــا‪،‬‬
‫إذا كان احلمــاس ً‬ ‫يِثــر املوظفــون هــذه املســائل‬
‫وإَّمــا للتخلــي عــن شــيء قــدمي‪ ،‬وإذا لــم ِ‬
‫جديــدة َ‬
‫فحينــها نحــظى بأعــلى مــستويات احلــماس‪.‬‬ ‫مؤّشــر علــى أنهــم‬
‫يف مؤسســتك‪ ،‬فــإن إســهامهم ليــس كبيـ ًـًرا كمــا يجــب‪ ،‬وهــو ّ‬
‫• املرونة يف األوقات الصعبة‬ ‫ليســوا ســعداء يف وظائفهــم‪.‬‬
‫املرونــة هــي إصــرارك الداخلــي علــى التعامــل مــع املواقــف التــي تتط ََّلــب‬ ‫إسهام العمل جتاهك‪:‬‬
‫القيــادة والتركيــز واحللــول‪ ،‬ويعتمــد تطـ ُـُّورك املهنــي كثيـ ًـًرا علــى التحديــات‬ ‫• اإلنصــات إليــك ‪ :‬هنــاك أدلــة نفســية علــى أهميــة اإلنصــات إلــى املوظــفني‬
‫التــي تواجهــك‪ ،‬وكلمــا واجهتــك مبكـ ًـًرا يف حياتــك املهنيــة‪ ،‬نضجــت أســرع‬ ‫يف ــمكان العــمل‪ ،‬وكيفــية تطبيــقه بطريــقة مجدــية‪.‬‬
‫وتعاظمــت خبراتــك‪.‬‬ ‫يتفــق اجلميــع علــى أن اإلنصــات مهــارة ضروريــة لنجــاح املؤسســات‪ ،‬إذن فمــا‬
‫غِّيــرات‬
‫تكتســب املرونــة مــن خالل طريقــة التعامــل مــع التحديــات واملت ِ‬ ‫اــلذي يجعلــها صعبة؟‬
‫املفاجئــة‪ ،‬وتعـ ُـُّد الطريقــة األكثــر فاعليــة الكتســابها هــي "التكيــف‬ ‫ينقسم اإلنصات إلى ثالثة مستويات‪:‬‬
‫االســتباقي"‪ ،‬والذيــن يطبقــون أســلوب التكيــف االســتباقي‪ ،‬يتجــاوزون‬ ‫• أواًلا ‪ :‬الصمــت‪ ،‬التــزام الهــدوء وســماع مــا يقولــه املتحــدث يجعلــك‬
‫جميــع املواقــف الصعبــة‪ ،‬مثــل حتقيــق أهــداف كبيــرة ومعقــدة والتعامــل مــع‬ ‫منفتًحــا علــى املعلومــات القادمــة إليــك‪.‬‬
‫ً‬
‫حــاالت التســريح والظــروف اجلديــدة الصعبــة‪ ،‬وينجحــون ألنهــم يعتمــدون‬ ‫التوُّصــل إلــى فهــم مشــترك‪ ،‬وال يقتصــر علــى االســتماع‪ ،‬بــل‬
‫ُ‬ ‫ثانًيــا‪:‬‬
‫ً‬ ‫•‬
‫علــى بنــاء احتياطيــات مــن املــوارد املاديــة والفكريــة مســبًقً ا‪ ،‬فهــم مســتعدون‬ ‫يتط ََّلــب املالحظــة‪ ،‬ففهــم التواصــل البصــري وتعبيــرات الوجــه بشــكل‬
‫دائًمــا‪ ،‬ولذلــك هــم أكثــر ســعادة ألنهــم مطمئنــون ملا لديهــم مــن املــوارد التــي‬
‫ً‬ ‫صحــيح يــسهم بــصورة كبــيرة يف التوُّصـ ـُل إــلى معــنى مــشترك‪.‬‬
‫يحتاجونهــا للتعامــل مــع أي مســتجدات‪.‬‬ ‫• ثالًثً ــا‪ :‬اندمــاج الشــخص بالكامــل أثنــاء اإلنصــات‪ ،‬وهــو أعمــق مســتوى‬
‫• البيئة احمليطة‬ ‫ألنــه عالمــة علــى التقديــر واالحتــرام‪ ،‬عندمــا ينصــت إليــك شــخص مــا‬
‫توُّجهاتــه مــع‬
‫ُ‬ ‫فيمــا يتع ََّلــق بالســعادة تعنــي العمــل يف مــكان تتوافــق‬ ‫بهــذه الدرجــة‪ ،‬فلــن يزيــد ذلــك مــن إســهاماتك فحســب‪ ،‬بــل ستشــعر أيضـ ًًا‬
‫املفَّضلــة يف العمــل‪ ،‬فلــكل مــكان عمــل ثقافتــه اخلاصــة التــي‬
‫َ‬ ‫طريقتــك‬ ‫َ‬
‫تتوَّطــد بهــا‬ ‫مبزيــد مــن التواصــل واالحتــرام‪ ،‬وهــذه هــي الطريقــة التــي‬
‫العالقــات‪ ،‬وتعــِّزِ ز رأس املال االجتماعــي‪.‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪38‬‬
‫أٍّي مــن الطــرق التاليــة‪:‬‬
‫لتحديــد نقــاط القــوة‪ ،‬أو جتربــة ٍ‬ ‫توُّجهاتك الشــخصية‬
‫توِّجــه تصرفــات املوظــفني‪ ،‬ولكــن العمــل يف بيئــة تخالــف ُ‬
‫ِ‬
‫• فِّكِ ــر يف آخــر ثالث أو أربــع مــرات شــعرت فيهــا أنــك أفضــل مــن أي وقــت‬ ‫وخلفياتــك املهنيــة يشـ ِـِعرك بأنــك ال تنســجم مــع املــكان‪ ،‬لذلــك مــن املهــم أن‬

‫مــضى يف العــمل‪.‬‬ ‫نفهــم نــوع البيئــة التــي نزدهــر عندمــا نعمــل فيهــا‪.‬‬
‫• فهم تفضيالت البيئة احمليطة‬
‫مــاذا فعلــت لتشــعر بذلــك؟ مــع ََمــن كنــت؟ مــا الــذي َأَّدى إلــى ذلــك؟ اســتنبط‬
‫وإَّمــا‬
‫إَّمــا جامــدة ومق ِِّيــدة‪َ ،‬‬
‫تفضــيالت البيئــة احمليطــة تنقســم إلــى فئــتني‪َ :‬‬
‫نقــاط القــوة الكامنــة وراء هــذه التجــارب‪.‬‬
‫سلســة ومتكينيــة‪ ،‬وال ينطبــق هــذا علــى األشــخاص فقــط‪ ،‬وإمنــا علــى الفــرق‬
‫يتمَّيــزون بنفــس نقــاط القــوة التــي تتمَّتَ ــع‬
‫َ‬ ‫• ابحــث عــن األشــخاص الذيــن‬
‫واملؤسســات أيض ـ ًًا‪ .‬البيئــات اجلامــدة تتســم بالبيروقراطيــة حيــث القواعــد‬
‫بــها‪.‬‬ ‫والعمليــات واإلجــراءات الطويلــة واملعقــدة‪ ،‬يف حني أن املؤسســات الناشــئة‬
‫مــاذا يفعلــون ومــا مقــدار إجنازاتهــم؟ ضــع معاييــر تقيــس بهــا قدراتــك‪،‬‬ ‫كاملؤسســات التكنولوجيــة تتمَّتَ ــع ببيئــات سلســة وأكثــر مرونــة حيــث يت ـعنَّين‬
‫لتحظــى بنظــرة واقعيــة وبتقييــم دقيــق لهــا‪ ،‬وتتمَّكَ ــن مــن التطـ ُـُّور‪.‬‬ ‫عــلى املوــظفني التكّيـ ـّف والتغيــير بــسرعة ــمع تــطورات العــمل والــسوق‪.‬‬
‫• تواصــل مــع األشــخاص الذيــن عملــوا معــك يف املاضــي‪ ،‬واســألهم عــن نقــاط‬ ‫• االلتزام‬
‫ال ميكنــك االلتــزام بعملــك مــا لــم تكــن ســعيًدً ا فيــه‪ ،‬وااللتــزام هــو مزيــج مــن‬
‫القــوة التــي رأوهــا فيــك‪ ،‬ألن التحــدث إلــى عــدد مــن الــزمالء والناصــحني‬
‫املشــاعر واملعتقــدات التــي تبــدأ باالعتقــاد بأنــك تقــوم بشــيء ذي معنــى‪ ،‬مــا‬
‫وأفــراد األســرة الذيــن تعاونــت معهــم ســابًقً ا‪ ،‬ســيعطيك صــورة أكثــر تواز ًًنــا‪،‬‬
‫يو ِِّلــد مشــاعر االهتمــام بوظيفتــك ويربطــك برؤيــة مؤسســتك ورســالتها‪ ،‬ثــم‬
‫وبخاَّصـ ٍـٍَة إذا ــسألتهم ــعن نــقاط ضعــفك أيًضـ ـًا‪.‬‬
‫ويتمَّيــز‬
‫َ‬ ‫تأتــي دفعــات قويــة مــن املشــاعر اإليجابيــة لدعــم كل هــذه العناصــر‪،‬‬
‫• استخدام مهاراتك‬ ‫الســعداء يف العمــل‪ ،‬فيمــا يتعلــق بااللتــزام‪ ،‬مبــا يلــي‪:‬‬
‫ُكتَســب مــن‬
‫املهــارات علــى عكــس نقــاط القــوة‪ ،‬ال تســتند إلــى شــيء فطــري‪ ،‬بــل ُت َ‬ ‫• يرون وظائفهم جديرة باالهتمام أكثر من غيرهم بنسبة ‪.%30‬‬
‫خالل الفــرص والتعليــم واملمارســة والدعــم‪ ،‬وعــدم اســتخدامها ميكــن أن يو ّّلــد‬ ‫• يهتمون مبا يفعلونه أكثر من غيرهم بفارق ‪.%36‬‬
‫مشــاعر االكتئــاب‪ ،‬و"املمارســة املتعمــدة" مصطلــح صاغــه البروفيســور "أنــدرس‬ ‫• يثقون برؤية مؤسساتهم أكثر من غيرهم بنسبة ‪.%50‬‬

‫إريكســون"‪ ،‬ويشــير إلــى أن أي مجــال ترغــب يف تطويــر خبرتــك فيــه يجــب أن‬ ‫• يشعرون بدفعات من املشاعر اإليجابية أكثر من غيرهم بنسبة ‪.%50‬‬
‫• الثقة‬
‫يشــتمل علــى املعــامالت األساســية للممارســة املتعمــدة‪ ،‬وهــي‪:‬‬
‫تؤّثّ ــر ثقتــك بنفســك واآلخريــن علــى أفعالــك وتصرفاتــك يف بيئــة العمــل‪،‬‬
‫محَّددة بوضوح‪.‬‬
‫َ‬ ‫• وجود مهمة‬
‫ألنهــا تشـ ِـِعرك أنــك تتخــذ اخليــارات املناســبة واإلجــراءات الصحيحــة‪ ،‬وينجــز‬
‫• تلِّقِ ي تعليقات فورية ومتواترة غنية باملعلومات والتفاصيل‪.‬‬
‫ويتمَّتعــون بطاقــة‬
‫َ‬ ‫األشــخاص الواثقــون املهــام أســرع مــن غيرهــم بنســبة ‪،%35‬‬
‫• َ‬
‫تأَّمل األداء وتقييم الذات‪.‬‬ ‫تزيــد بنســبة ‪ %180‬عــن زمالئهــم األقــل ثقــة‪ ،‬لذلــك ينبغــي بــذل جهــد للحفاظ‬
‫والتحفُيز طوال الوقت وجتُّنُ ب الفتور‪.‬‬
‫ُ‬ ‫• املثابرة‬ ‫علــى الثقــة علــى املــدى القريــب والبعيــد‪ .‬للثقــة يف اآلخريــن والتقديــر أثــر‬
‫رأس مالك النفسي هو استثمار السعادة احلقيقية‬ ‫كبيــر ألنهــا عوامــل ال ترتبــط فقــط باملســتوى الداخلــي مــن هيــكل الســعادة‪،‬‬
‫أســهل طريقــة متِّكِ نــك مــن تعزيــز وعيــك وإدراكك للموقــف الــذي متــر بــه‬ ‫ــبل ترتــبط ــبكل عنــصر عــلى ــحدة‪.‬‬

‫الترُّيــث والتراجــع قلـياًلا إلــى الــوراء وتأمــل شــعورك‬ ‫ومحيطــك بشــكل عــام هــو‬
‫االستفادة من إمكاناتك‬
‫ُ‬
‫املوظفــون األكثــر ســعادة يف العمــل يحِّقِ قــون اســتفادة مــن إمكاناتهــم بنســبة‬
‫ومعرــفة ــسببه‪.‬‬
‫‪ %40‬أكثــر مــن غيــر الســعداء‪ ،‬فتحقيــق اإلمكانــات يتط ََّلــب بذل اجلهد واملثابرة‬
‫أيًضــا‪،‬‬
‫بهــذه الطريقــة ميكنــك بنــاء رأس مالــك النفســي واحلفــاظ عليــه ً‬
‫ً‬
‫ارتباًطــا وثيًقً ــا مبــا يلــي‪:‬‬ ‫والشــجاعة‪ ،‬ويرتبــط‬
‫فــرأس مالــك النفســي ليــس مبعــزل عــن تأثيــر اآلخريــن؛ فهــم ِ‬
‫يؤِّثــرون يف‬ ‫• استخدام نقاط قوتك‬
‫توِّصلــك ملعرفــة‬
‫أيًضــا فيهــم‪ ،‬وإدراك ذلــك هــو أول خطــوة ِ‬ ‫ِ‬
‫وتؤِّثــر أنــت ً‬ ‫شــعورك‬ ‫نقــاط القــوة ركيــزة مهمــة يف اإلدارة والقيــادة‪ ،‬كمــا أنهــا موهبــة فطريــة‬
‫أن العمــل لــن يجعلــك ســعيًدً ا‪ ،‬ولكــن بإمكانــك أن تســعد نفســك يف العمــل‬ ‫تســتمتع مبمارســتها‪ ،‬وميكنــك اكتشــاف نقــاط قوتــك مــن خالل تصُّفُ ــح‬
‫واحلــياة‪.‬‬ ‫للتعُّمــق يف دراســة نقــاط القــوة‪ ،‬أو إجــراء اختبــار "جالــوب" م ـثاًلا‬
‫ُ‬ ‫اإلنترنــت‬

‫‪39‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫نذير بن خالد الزاير‬
‫متخصص يف تعليم َوإرشاد األشخاص ذوي اإلعاقة َو ُأسرهم‬
‫ِّ‬
‫‪Zayer1439@gmail.com‬‬

‫تربية‬

‫الدمج يف الرتبية الخاصة‬


‫تعريفه‪ ،‬أساليبه‪ ،‬فوائده‬
‫تســعى التربيــة اخلاصــة إلــى حتقيــق الوصــول باألشــخاص ذوي اإلعاقــة إلــى مســتوى مــن االســتقالل واالعتمــاد علــى نفســه‪ ،‬حتــى يصبــح فــرد ًًا مســاهم ًًا يف‬
‫منــو مجتمعــه‪.‬‬
‫ََودمج األشخاص ذوي اإلعاقة منذ طفولتهم مع األشخاص العاديني يف مدارس التعليم العام يعد من املوضوعات التي حظيت باهتمام عاملي كبير‪.‬‬
‫وتعــد اململكــة العربيــة الســعودية أولــى الــدول العربيــة التــي تعمــل علــى تطبيــق الدمــج التربــوي يف مدارســها علــى أســس علميــة‪ ،‬حيــث بــدأت التجــارب األولــى‬
‫الناجحــة للدمــج يف مدينــة الهفــوف باملنطقــة الشــرقية مــن اململكــة عــام ‪1404‬هــ‪1984/‬م‪ .‬ويف(‪1410‬هــ‪1989/‬م) فتحــت ريــاض األطفــال التابعــة جلامعــة امللــك‬
‫ســعود بالريــاض أبوابهــا لألطفــال ذوي االحتياجــات التربويــة اخلاصــة‪ .‬ويف (‪1411‬هــ‪1990/‬م) بــدأت وزارة التربيــة والتعليــم يف تطبيــق الدمــج يف مدارســها‪،‬‬
‫ولكــن علــى نطــاق ضيــق جــد ًًا وبطريقــة الدمــج اجلزئــي‪ّ ،‬‬
‫أّمــا التوســع الكبيــر يف تطبيــق الدمــج التربــوي مبفهومــه الشــامل يف مــدارس اململكــة‪ ،‬فقــد جــاء يف‬
‫عــام (‪1417‬هــ‪1996/‬م) عندمــا وضعــت الــوزارة اســتراتيجية تربويــة تقــوم علــى عشــرة محــاور نــص احملــور األول منهــا علــى تفعيــل دور املــدارس العاديــة يف مجــال‬
‫تربيــة وتعليــم األطفــال غيــر العــاديني‪ ،‬ومــا يعــرف بالدمــج التربــوي‪( .‬املوســى‪1429 ،‬هــ‪ :‬ص ‪ -209‬ص‪.)210‬‬
‫ما هو الدمج التربوي؟ ََوما الفئات التي يستهدفها؟ ما فوائده؟ ََوما أساليب تطبيقه؟ هذه األسئلة األربعة هي إطار احلديث هنا‪.‬‬
‫لذا نحاول اإلجابة عليها يف احملاور التالية‪:‬‬
‫احملور األول‪ :‬ما هو الدمج التربوي؟‬
‫هنــاك تعريفــات عـ ّـّدة للدمــج مــن قبــل العلمــاء‪ ،‬لكــن مــا يهمنــا هنــا تعريفهــا اإلجرائــي‪ ،‬حيــث يقصــد بالدمــج‪" :‬تربيــة ََوتعليــم التالميــذ غيــر العــاديني يف املــدارس‬
‫العاديــة مــع تزويدهــم بخدمــات التربيــة اخلاصــة"‪( .‬القواعــد التنظيميــة ملعاهــد ََوبرامــج التربيــة اخلاصة بــوزارة التعليم‪1422 ،‬هـ‪ :‬ص‪.)8‬‬
‫احملور الثاني‪ :‬ما الفئات التي يستهدفها؟‬
‫يستهدف الدمج فئتني‪ ،‬أشار إليهما (املوسى‪1429 ،‬هـ)‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫أصًال يف املــدارس العاديــة‪ ،‬وتســتفيد فـ ً‬
‫ـعًال مــن برامجهــا التربويــة لكنهــا يف حاجــة إلــى برامــج تربيــة خاصــة‪ ،‬مثــل‪ :‬املوهــوبني و‬ ‫ً‬ ‫الفئــة األولــى‪ :‬موجــودة‬
‫املتــفوقني‪ ،‬ذوي صعوــبات التعــلم‪ ،‬ذوي اإلعاــقة اجلــسمية واحلركــية‪ ،‬ذوي ضــعف البــصر‪ ،‬ذوي االضطراــبات الــسلوكية واالنفعالــية‪ ،‬ذوي اضطراــبات التواــصل‪.‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬ ‫‪40‬‬
‫‪40‬‬
‫مســتوى األداء األكادميــي لــدى األطفــال ذوي االحتياجــات التربويــة اخلاصــة‪.‬‬ ‫الفئــة الثانيــة‪ :‬وهــي تــدرس تقليديـ ًًا يف معاهــد التربيــة اخلاصــة‪ ،‬أو برامــج‬
‫• إن الدم ــج التربــوي يعمــل علــى إيجــاد بيئــة واقعيــة‪ ،‬يتعــرض فيهــا األطفــال‬ ‫الفصــول امللحقــة باملــدارس العاديــة‪ ،‬لكنهــا يف حاجــة إلــى االندمــاج التــام مــع‬
‫ذوو االحتياج ــات التربويــة اخلاصــة إلــى خبــرات متنوعــة‪ ،‬ومؤّثّ ــرات مختلفــة‬ ‫أقرانهــا يف الصفــوف العاديــة‪ ،‬مثــل‪ :‬املكفــوفني‪ ،‬الصــم‪ ،‬ضعــاف الســمع‪ ،‬ذوي‬
‫مــن شــأنها أن متّكّ نهــم مــن تكويــن مفاهيــم صحيحــة واقعيــة عــن العالــم الــذي‬ ‫اإلعاقــة العقليــة‪ ،‬التوحــد‪ ،‬متعــددي العــوق‪.‬‬
‫يعيشــون فيــه‪.‬‬ ‫احملور الثالث‪ :‬ما فوائده؟‬
‫• إن الدمــج التربــوي‪ ،‬يعمــل علــى تعميــق فهــم املــربني للفــروق الفرديــة بني‬ ‫املمــارس يف ميــدان التربيــة اخلاصــة يف مــدارس التعليــم العــام‪ ،‬واملطلــع علــى‬
‫األطفــال‪ ،‬كمــا يظهــر للمتخصــصني وغيــر املتخصــصني علــى حــد ســواء‪ ،‬أن‬ ‫الدراســات الســابقة يف مجــال الدمــج التربــوي‪ ،‬يجــد لــه فوائــد عديــدة‪.‬‬
‫أوجــه التشــابه بني التالميــذ العاديي ــن وأقرانهــم غيــر العــاديني أكبــر مــن أوجــه‬ ‫و قــد ّ‬
‫ّخلــص املوســى (‪1429‬هــ‪ :‬ص‪ )215- 213‬أهــم تلــك الفوائــد (وهــي مــن‬
‫االــختالف‪.‬‬ ‫دراســة لــه نشــرت عــام ‪1992‬م) يف ــما يــلي‪:‬‬
‫• إن مــن شــأن الدمــج التربــوي أن يعمــل علــى متــكني التربيــة اخلاصــة مــن‬ ‫• "تعــد املــدارس العاديــة هــي البيئــة الطبيعيــة التــي ميكــن لألطفــال املعــوقني و‬
‫االســتفادة مــن البنيــة التحتيــة املوجــودة يف التعليــم العــام مشـ ً‬
‫ـكًال بذلــك‬ ‫مًعــا علــى حـ ٍـٍد ســواء‪ ،‬وعليــه فــإن القيــام بإجــراء بعــض‬
‫العــاديني أن ينمــوا فيهــا ً‬
‫منظومــة تعليميــة متكاملــة جتمــع بني إمكانــات التعليــم العــام ومعطيــات‬ ‫التعــديالت يف بيئــة طبيعيــة لتفــي باالحتياجــات اخلاصــة بــذوي اإلعاقــة‬
‫التربــية اخلاــصة "‪.‬‬ ‫أســهل وأجــدى مــن القيــام بتعديــل بيئــة اصطناعيــة لتفــي باحتياجاتهــم‬
‫احملور الرابع‪ :‬ما أساليب تطبيقه؟‬ ‫األساســية ســواء كانــت احتياجــات أكادمييــة أو اجتماعيــة‪ ،‬أو نفســية‪ ،‬أو‬
‫يتخــذ أســلوب الدمــج التربــوي طريقــتني‪ ،‬ب ّّينهمــا املوســى (‪1429‬ه‪ :‬ص‪-215‬‬ ‫تواصل ّّيــة‪ ،‬أو غيــر ذلــك ‪.‬‬
‫‪ )216‬فيــما يــلي‪:‬‬ ‫• إّنّ الدم ــج التربــوي يتيــح لألطف ــال ذوي االحتياج ــات التربويــة اخلاصــة‬
‫• "طريقــة الدمــج اجلزئــي‪ :‬تتحقــق مــن خالل اســتحداث برامــج فصــول‬ ‫فرصــة البقــاء يف منازلهــم مــع أســرهم طــوال حياتهــم الدراســية‪ ،‬األمــر الــذي‬
‫خاصــة ملحقــة باملــدارس العاديــة‪ ،‬وهــذا النمــط مــن اخلدمــة يتضمــن إحلاق‬ ‫ميكنهــم مــن أن يكونــوا أعضــاء عامــلني يف أســرهم وبيئاتهــم االجتماعيــة‪ ،‬كمــا‬
‫األطفــال ذوي االحتياجــات التربويــة اخلاصــة بفصــل خــاص بهــم باملدرســة‬ ‫ميكــن هــذه األســر والبيئــات االجتماعيــة مــن القيــام بالتزاماتهــا جتــاه أولئــك‬
‫العاديــة‪ ،‬حيــث يتلقــون الرعايــة التربويــة والتعليميــة اخلاصــة بهــم مــع‬ ‫األطفــال‪.‬‬
‫بعضهــم يف ذلــك الفصــل‪ ،‬مــع العمــل علــى إتاحــة الفرصــة لهــم لالندمــاج مــع‬ ‫• يعمــل الدم ــج التربــوي علــى احلــد مــن املركزيــة يف عمليــة تقــدمي البرام ــج‬
‫أقرانهــم العــاديني يف بعــض األنشــطة الصفيــة‪ ،‬واألنشــطة الاّلا صفيــة‪ ،‬ويف‬ ‫التعليميــة‪ ،‬وهــذا يهيــئ األرضيــة التــي متّكّ ــن اجملتمع ــات احملليــة مــن التأثيــر‬
‫مرافــق املدرســة‪.‬‬ ‫يف مجري ــات عمليــة تربي ــة أبنائهــم ذوي االحتياجــات التربويــة اخلاصــة‪ ،‬كمــا‬
‫• طريقــة الدمــج الكلــي‪ :‬تتــم عــن طريــق اســتحداث برامــج التربيــة اخلاصــة‬ ‫للمؤّسســات التعليميــة احملليــة اخملتلفــة أن تســتفيد مــن‬
‫ّ‬ ‫أيًضــا‬
‫يتيــح الفرصــة ً‬
‫املســاندة يف مــدارس التعليــم العــام‪ ،‬مثــل‪ :‬برامــج غــرف املصــادر‪ ،‬وبرامــج املعلــم‬ ‫جتربــة تربيــة هــؤالء األبنــاء‪.‬‬
‫املتجــول‪ ،‬وبرامــج املعلــم املستشــار‪ ،‬حيــث يــدرس التالميــذ ذوو االحتياجــات‬ ‫• إن الدمــج التربــوي يشــّكّ ل وســيلة تعليميــة مرنــة‪ ،‬ميكــن مــن خاللهــا زيــادة‬
‫جنًبــا إلــى جنــب مــع أقرانهــم العــاديني يف الصفــوف العاديــة‬
‫التربويــة اخلاصــة ً‬ ‫وتطويــر وتنويــع البرامــج التربويــة املقدمــة للتالميــذ ذوي االحتياجــات‬
‫معظــم اليــوم الدراســي‪ ،‬و يخرجــون مــن الصفــوف العاديــة إلــى البرامــج‬ ‫التربويــة اخلاصــة‪.‬‬
‫املســاندة فقــط يف املــواد التــي ال يســتطيع معلمــو الصفــوف العاديــة القيــام‬ ‫• إن الدمــج التربــوي يعمــل علــى احليلولــة مــن دون التأثيــرات الســلبية التــي‬
‫بتدريســها لهــم‪ ،‬ويحكــم هــذه العمليــة‪( ،‬أي عمليــة خــروج التالميــذ ذوي‬ ‫قــد حتــدث ألوليــاء األمــور جــراء إحلاق أبنائهــم وبناتهــم باملــدارس املنفصلــة‬
‫االحتياجــات التربويــة اخلاصــة مــن الصفــوف العاديــة إلــى البرامــج املســاندة)‬ ‫اخلاصــة‪.‬‬
‫متغيــرات أهمهــا‪ :‬حاجــة التلميــذ إلــى خدمــات التربيــة اخلاصــة‪ ،‬طبيعــة إعاقــة‬ ‫• إن البيئــة االندماجيــة تعمــل علــى زيــادة التقبــل االجتماعــي لألطفــال‬
‫التلميــذ‪ ،‬شــدة إعاقــة التلميــذ‪ ،‬الصــف الدراســي الــذي يــدرس فيــه التلميــذ‪،‬‬ ‫املعــوقني مــن قبــل أقرانهــم غيــر املعــوقني‪ ،‬ومــن ثــم فــإّنّ التدريــس لهــم يف‬
‫غّيــرات أخــرى ميليهــا املوقــف التربــوي علــى كل مــن معلــم الصــف العــادي‬
‫ومت ّ‬ ‫الفصــول العاديــة ميّكّ نهــم مــن محــاكاة وتقليــد ســلوك األطفــال العــاديني‪،‬‬
‫ومعلــم التربيــة اخلاصــة"‪.‬‬ ‫فيــزداد التواصــل والتفاعــل االجتماعــي معهــم‪.‬‬
‫إًذً ا مــن خالل مــا تقـ ّـّدم نكــون قــد خرجنــا مبعرفــة املقصــود بالدمــج التربــوي‪ ،‬و‬ ‫• إن احتــكاك األطفــال املعــوقني بأقرانهــم غيــر املعــوقني يف ســن مبكــرة يســهم‬
‫الفــئات الــتي يــستهدفها‪ ،‬وأــساليب تنفــيذه‪ ،‬وفواــئده ــلطالب التربــية اخلاــصة‪.‬‬ ‫كثيـ ًـًرا يف حتــسني اجتاه ــات األطف ــال غيــر املعــوقني نحــو أقرانه ــم املعــوقني‪،‬‬
‫كمــا يســهم أيض ـ ـًا يف حتــسني اجتاهــات األطفــال املعــوقني نحــو أقرانهــم غيــر‬
‫• املصادر ‪:‬‬ ‫املعــوقني‪.‬‬
‫املوســى‪ ،‬ناصــر بــن علــي‪1429( .‬هــ)‪ .‬مســيرة التربيــة اخلاصــة يف اململكــة العربيــة الســعودية مــن العــزل إلــى الدمــج‪ .‬دار القلــم‪.‬‬ ‫• إن مــن ش ــأن الدمــج التربــوي أن يعمــل علــى إيجــاد بيئــة اجتماعيــة يتمكــن‬
‫اإلــمارات العربــية املتــحدة ‪ .‬دــبي‪.‬‬ ‫فيهــا األطفــال غيــر املعــوقني مــن التعــرف ‪ -‬بشــكل مباشــر ‪ -‬علــى نقــاط القــوة‬
‫عّمان ‪.‬‬
‫القمش‪ ،‬مصطفى والسعايدة‪ ،‬ناجي‪1428( .‬هـ)‪ .‬قضايا وتوجهات حديثة يف التربية اخلاصة‪ .‬دار املسيرة‪ .‬األردن‪ّ .‬‬ ‫والضعــف عنــد أقرانهــم املعــوقني ممــا يــؤدي إلــى احل ــد‪ ،‬أو التخلــص مــن أيــة‬
‫وزارة التربيــة والتعليــم‪1422( .‬هــ)‪ .‬القواعــد التنظيميــة ملعاهــد وبرامــج التربيــة اخلاصــة‪ .‬اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬ ‫مفاهيــم خاطئــة قــد تكــون موجــودة لديهــم‪.‬‬
‫الريــاض‪.‬‬ ‫• إن الدم ــج التربــوي مــن شــأنه أن يعمــل علــى إيج ــاد بيئــة تعليميــة تشج ــع‬
‫علــى التنافــس األكادمي ــي بني جميــع التالميــذ‪ ،‬األمــر الــذي يســهم يف رفــع‬

‫‪41‬‬
‫‪41‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬
‫د‪ .‬أبو بكر خالد سعد اهلل‬
‫املدرسة العليا لألساتذة ‪ -‬اجلزائر العاصمة‬
‫‪sadallah@hotmail.com‬‬

‫محطات‬

‫ما مستقبل الطاقة الشمسية؟‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪42‬‬
‫تقدًمــا‬
‫ً‬ ‫مت اكتشــاف أول تطبيــق عملــي للخاليــا الكهروضوئيــة يف أواخــر اخلمســينيات مــن القــرن العشــرين‪ ،‬ومنــذ ذلــك احلني ســجلت هــذه التكنولوجيــا‬
‫معتـ ًـبًرا‪.‬‬
‫نوًعــا جديــًدً ا‬
‫ً‬ ‫ـون‬
‫ـ‬ ‫ث‬ ‫الباح‬ ‫ـدم‬
‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ـوم‪،‬‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫وال‬ ‫ـى‪،‬‬
‫ـ‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ـت‬
‫ـ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫أي‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫ث‬ ‫أك‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫الصنا‬ ‫ـال‬
‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ور‬ ‫ـراء‬
‫ـ‬ ‫ب‬ ‫اخل‬ ‫ـام‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫باهت‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫ظ‬ ‫يح‬ ‫ـية‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫الشم‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ق‬ ‫الطا‬ ‫أداء‬ ‫ـسني‬
‫ـ‬ ‫حت‬ ‫ـو‬
‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫ـباق‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫وظــل ال‬
‫فّعالــة ومســتقرة‪ ،‬لكــن املشــوار مــا زال‬
‫مــن اخلاليــا الشمســية‪ ،‬والنتيجــة تبــدو واعــدة حيــث مت التوصــل إلــى صناعــة خليــة شمســية كهروضوئيــة ترادفيــة ّ‬
‫طــوياًلا ‪...‬‬

‫ففــي تلــك الســنة‪ ،‬وصــف هــذا املعــدن العالــم األملانــي غوســتاف روز‬ ‫ففــي الوقــت الــذي حتتــاج فيــه املعمــورة إلــى املزيــد مــن مصــادر الطاقــة‪ ،‬مــن‬
‫‪ )1873-1798( Gustav Rose‬يف مدينــة بــرلني بنـ ً‬
‫ـاًء علــى ع ّّينــات مــن‬ ‫الطبيعــي أن يتســاءل العلمــاء أكثــر فأكثــر عــن مســتقبل الطاقــة الشمســية‪،‬‬
‫جــبال األورال الروــسية‪.‬‬ ‫وهــم يعــددون ميزاتهــا‪ :‬توفرهــا يف كل مــكان حتــى إن كانــت أكثــر حضــو ًًرا‬
‫ومــن املعلــوم أن البيروفســكايت مــادة رخيصــة الثمــن ووفيــرة يــرى اخلبــراء‬ ‫يف اجلنــوب‪ ،‬ثــم إنهــا طاقــة متجــددة وحتافــظ علــى البيئــة وعلــى املــوارد‬
‫أنهــا مســتقبل الطاقــة اخلضــراء‪.‬‬ ‫محلًيــا‪ ،‬ممــا يق ّّلــل مــن ضيــاع جــزء منهــا‬
‫ً‬ ‫الطبيعيــة‪ ،‬كمــا أنــه ميكــن إنتاجهــا‬
‫فقــد تعـ ّـّود منتجــو األجهــزة الكهروضوئيــة علــى اســتخدام مــادة الســيليكون‬ ‫عبــر وســائل توصيلهــا‪.‬‬
‫لتصنيــع اخلاليــا الشمســية‪ ،‬إذ ُُيعــرف هــذا العنصــر الكيميائــي بفعاليتــه‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬فإنتاجهــا عبــر األلــواح الشمســية ال يحــدث أي ضجيــج‬
‫ومتانــته‪ ،‬وبانخــفاض تكلفــته ووفرــته عــلى املــستوى العاملـمي‪.‬‬ ‫وهــذه األلــواح متينــة‪ ،‬ومــن النــادر أن يظهــر فيهــا خلــل‪ ،‬وف ـضاًلا عــن ذلــك‪،‬‬
‫ويف الفترة األخير ظهر عنصر البيروفســكايت يف حقل الطاقة الشمســية‪،‬‬ ‫ميكــن اســتخدام جتهيزاتهــا اإللكترونيــة مــدة طويلــة تتــراوح بني ‪ 20‬و ‪25‬‬
‫وتــبني أنــه يتمتــع بنفــس فعاليــة الســيليكون‪ ،‬واســتغل باحثــون مــن "مركــز‬ ‫ســنة‪ ،‬بــل تظــل أحيا ًًنــا صاحلــة لالســتعمال بعــد ربــع قــرن‪ ،‬لكــن هنــاك يف‬
‫هيلمهولتــز ببــرلني" (‪ )Helmholtz Zentrum Berlin‬خصائــص‬ ‫املقابــل نقــاط ضعــف‪ ،‬منهــا أن إنتاجهــا مرتبــط بالشــمس ويتوقــف ل ـياًلا ‪،‬‬
‫هذيــن العنصريــن‪ ،‬وقامــوا بدمجهمــا لتصميــم نــوع جديــد مــن اخلاليــا‬ ‫ثــم إنــه يقــّلّ يف فصــل الشــتاء خالل الفتــرة التــي يرتفــع فيهــا االســتهالك‪،‬‬
‫الشمســية‪.‬‬ ‫كمــا أن الكهربــاء التــي تنتجهــا هــذه الطاقــة ال تــزال باهظــة الثمــن‪.‬‬
‫وبذلــك وصــل اجلهــاز املصمــم إلــى رقــم قياســي جديــد بنســبة كفــاءة تزيــد‬
‫اآلن علــى ‪.%32‬‬ ‫قدًما‬
‫ً‬ ‫يف أملانيا والسعودية‪ :‬األبحاث ماضية‬
‫ذلــك أن كاًلا مــن الســيليكون والبيروفســكايت يتمتــع بنفــس القــدر يف بــاب‬ ‫ومــن ثـ ّـّم فاألبحــاث العلميــة جاريــة علــى قــدم وســاق‪ ،‬ومــن بني االجتاهــات‬
‫حتــسني اســتغالل الطاقــة الشمســية‪.‬‬ ‫احلديثــة‪ ،‬جنــد البحــث يف نــوع جديــد مــن اخلاليــا الكهروضوئيــة التــي‬
‫فمــن املعــروف أن الســيليكون يلتقــط األطــوال املوجيــة احلمــراء واألشــعة‬ ‫يصفهــا العلمــاء بـ"الترادفيــة"‪.‬‬
‫حتــت احلمــراء بشــكل أفضــل مــن غيــره‪ .‬أمــا البيروفســكايت فهــو أكثــر‬ ‫إنهــا اخلاليــا التــي جتمــع بني مادتــي الســيليكون والبيروفســكايت‬
‫كفــاءة يف اســتغالل الضــوء األزرق‪.‬‬ ‫‪ .perovskites‬ويبــدو أنهــا يف طريقهــا نحــو حتقيــق أرقــام قياســية يف‬
‫وحتــى لــو كان كل مــن هذيــن العنصريــن يقــدم كفــاءة مقبولــة عنــد‬ ‫الكفــاءة‪ ،‬ســتخفض أســعار الكهربــاء الشمســية‪ .‬ومعــدن البيروفســكايت‬
‫اســتخدامه مبفــرده‪ ،‬فإنــه يبــدو أن تــرادف البيروفسكايت‪/‬الســيليكون‬ ‫مــادة ســميت بهــذا االســم عــام ‪ 1839‬تخليــًدً ا لذكــرى عالــم املعــادن الروســي‬
‫ســيكون أكثــر فعاليــة‪.‬‬ ‫ليــف بيروفســكي ‪.)1856-1792( Lev Perovski‬‬

‫‪43‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫ويتوقــع اخلبــراء أن تكــون األلــواح الشمســية النهائيــة املصنوعــة مــن‬ ‫ووفًقً ــا آلخــر التحديثــات جلــدول التقنيــات الكهروضوئيــة الناشــئة‪ ،‬تعــرض‬
‫اخلاليــا الكهروضوئيــة يف هــذه الشــركة متاحــة يف بحــر العــام اجلــري‪.‬‬ ‫اخلليــة الشمســية الترادفيــة املصنوعــة مــن البيروفسكايت‪/‬الســيليكون‬
‫كمــا تعتــزم الشــركة الكوريــة "هانــوا كيوســيلز" (‪،)Hanwha Qcells‬‬ ‫س ـجاًلا جديــًدً ا للكفــاءة بنســبة ‪ .%32.5‬وبلغــت نســبة كفــاءة اخلليــة‬
‫اخملتصــة يف تصنيــع خاليــا الســيليكون الضوئيــة‪ ،‬االســتثمار يف مشــروع‬ ‫الشمســية التــي حتمــل الرقــم القياســي الســابق ‪.%31.25‬‬
‫جتريبــي إلنتــاج خاليــا البيروفســكايت‪ ،‬والســيليكون بحلــول نهايــة عــام‬ ‫جتــدر اإلشــارة إلــى أن بضعــة أشــهر فقــط تفصــل بني هذيــن الرقــمني‬
‫‪.2024‬‬ ‫القياســيني‪ ،‬وأنــه قبــل عــام كان الرقــم القياســي ‪.%30‬‬
‫وليــس بعيــًدً ا عــن مصنــع شــركة "أكســفور بــي يف" بأملانيــا يقــوم أحــد‬ ‫يوجــد يف أملانيــا ‪-‬مبدينــة براندنبــورغ آن در هافــل ‪Brandenburg an‬‬
‫منافســيها باختبــار مناذجــه األوليــة مــن اخلاليــا الكهروضوئيــة الترادفيــة‪.‬‬ ‫‪ der Havel‬التــي كانــت عاصمــة الــبالد قبــل اســتبدالها ببــرلني‪ -‬مصنــع‬
‫نشــير إلــى أنــه قبــل انخفــاض الدعــم األوروبــي لســوق الطاقــة الشمســية‬ ‫يخــفي الكثــير ــمن أــسرار الطاــقة الشمــسية‪.‬‬
‫وهيمنــة الشــركات اآلســيوية عليهــا‪ ،‬كانــت هــذه املنطقــة األملانيــة املركــز‬ ‫فهــذا هــو املــكان الــذي تصنــع فيــه شــركة "أكســفورد بــي يف" ‪Oxford PV‬‬
‫الرئيســي إلنتــاج األلــواح الشمســية‪.‬‬ ‫اخلاليــا الكهروضوئيــة مــن مــادة البيروفســكايت مــن أجــل االســتخدام‬
‫أمــا يف اململكــة العربيــة الســعودية فيوجــد بجامعــة امللــك عبــد اهلل للعلــوم‬ ‫التــجاري‪.‬‬
‫والتقنــية بــجدة مرــكز للبــحث يف الطاــقة الشمــسية‪.‬‬ ‫يبدو املصنع مهًدً ا ملثل هذه التكنولوجيا الثورية يف أوروبا‪.‬‬
‫وقــد ســجل هــذا املركــز رقم ـ ًًا قياســي ًًا عاملي ـ ًًا خالل شــهر أبريــل ‪ 2023‬يف‬ ‫ففــي عــام ‪ ،2016‬قامــت شــركة "أكســفورد بــي يف" بشــراء ذلــك املصنــع مــن‬
‫كفــاءة اخلاليــا الشمســية الترادفيــة‪.‬‬ ‫الشــركة األملانيــة "بــوش" ‪ ،Bosch‬مــع جميــع املعــدات الالزمــة إلنتــاج‬
‫حــدث ذلــك عندمــا أنتــج الباحثــون يف مختبــر اخلاليــا الكهروضوئيــة خلية‬ ‫اخلالــيا الكهروضوئــية‪.‬‬
‫شمســية ترادفيــة مــن البيروفســكايت والســيليكون ذات كفــاءة تبلــغ ‪%33.2‬‬ ‫ويتــم تســليم اخلاليــا الترادفيــة إلــى مص ّّنعــي األلــواح الشمســية األوروبــيني‬
‫متجــاوزة آنــذاك نســبة ‪ ٪32.5‬التــي ســجلها "مركــز هيلمهولتــز ببــرلني"‪.‬‬ ‫الذيــن يقومــون بتجميــع اخلاليــا يف ألــواح أكبــر‪ .‬يف الوقــت الراهــن‪ ،‬ال تــزال‬
‫يشــرف علــى هــذه األبحــاث ســتيفان دي وولــف ‪،Stefaan De Wolf‬‬ ‫هــذه الشــركات املصنعــة جتــري اختباراتهــا اخلاصــة علــى هــذه الوحــدات‪،‬‬
‫األســتاذ بجامعــة امللــك عبــد اهلل‪ ،‬ويعمــل فريقــه بثبــات علــى حتــسني أداء‬ ‫ومــن املتوقــع يف نهايــة عــام ‪ ،2024‬أن يتــم تركيــب هــذه األلــواح الشمســية‬
‫اخلليــة "الترادفيــة" املصنوعــة مــن البيروفسكايت‪/‬الســيليكون‪ ،‬وذلــك منــذ‬ ‫لــدى املســتخدمني أنفســهم‪.‬‬
‫عــام ‪.2016‬‬ ‫وشــركة "أكســفورد بــي يف" تعـ ّـّد واحــدة مــن بني عشــرات الشــركات التــي‬
‫وتعــد مثــل هــذه االبتــكارات إجنــاًزًا كبيـ ًـًرا يف مجــال الطاقــة الشمســية يف‬ ‫راهنــت علــى أن تكنولوجيــا البيروفســكايت أصبحــت يف آخــر املطــاف جاهــزة‬
‫وقــت تقــدر فيــه توقعــات الســوق أن هــذه التقنيــات الترادفيــة ستشــّكّ ل أكثــر‬ ‫لتــسريع التــحول إــلى الطاــقة املتــجددة‪.‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪44‬‬
‫مــن حيــث املســاحة الســطحية‪.‬‬
‫لقــد أصبحــت اخلاليــا الكهروضوئيــة املصنوعــة‬
‫وشــيكة‬ ‫والســيليكون‬ ‫البيروفســكايت‬ ‫مــن‬
‫التســويق‪ ،‬وبــدأت اإلعالنــات تتحــدث عــن مــادة‬
‫"ثوريــة علــى وشــك تغييــر العالــم"‪.‬‬
‫يف الواقــع‪ ،‬يوضــح العلمــاء أن اخلاليــا "الترادفيــة"‬
‫تواجــه حتــديني صناعــيني رئيســيني علــى األقــل‪،‬‬
‫همــا‪:‬‬
‫التحدي األول‪ :‬يتدهور أداء خاليا البيروفسكايت‬
‫بشــكل أســرع بكثيــر مــن خاليــا الســيليكون عندمــا‬
‫يتــم تعرضهــا للرطوبــة واحلــرارة والضوء!‬
‫وقــد زعمــت شــركة "أكســفورد بــي يف" أنهــا أجــرت‬
‫ً‬
‫أبحاًثــا ســتؤدي إلــى حلــول لهــذه املشــكلة‪ .‬ولكــن‬
‫"عامــل االســتقرار هــو التحــدي الرئيــس بالنســبة‬
‫للتصنيــع التجــاري"‪.‬‬
‫التحــدي الثانــي‪ :‬يعتقــد بعــض احمللــلني أن‬
‫البيروفســكايت لــن يكــون لــه تأثيــر كبيــر علــى منــو‬ ‫مــن ‪ 10‬مليــارات دوالر مــن حصــة الســوق العامليــة للطاقــة الكهروضوئيــة‬
‫ــسوق الطاــقة الشمــسية عــلى املـمدى القصــير‪.‬‬ ‫بحلــول عــام ‪ 2032‬ويف هــذا الســياق‪ ،‬يعقــب ســتيفان دي وولــف‪ ،‬الــذي نشــر‬
‫وفّعالــة بشــكل ال‬
‫لقــد أصبحــت ألــواح الســيليكون الشمســية رخيصــة ّ‬ ‫فريقــه تقريـ ًـًرا يف فبرايــر ‪ 2023‬حــول التح ّّلــل الســريع خلليــة الســيليكون‪/‬‬
‫يصــدق طيلــة العقــد املاضــي‪ .‬فمــن املعلــوم أن الشــركات الصينيــة ماضيــة‬ ‫البيروفســكايت يف البيئــة القاســية التــي تتطلبهــا اململكــة‪" :‬ال تــزال‬
‫يف توــسيع قدراتــها اإلنتاجــية يف ــهذا الــنوع ــمن األــلواح بوتــيرة مذهــلة‪.‬‬ ‫البيانــات املتاحــة شــحيحة"‪.‬‬
‫تذكــر إحصائيــات عــام ‪ ،2022‬أن قــدرة توليــد الطاقــة الشمســية يف العالــم‬ ‫وعلــى كل حــال‪ ،‬فالــكل ينظــر إلــى اخلاليــا الشمســية "الترادفيــة" علــى أنهــا‬
‫م ّّثلــت حوالــي ‪ %5‬مــن توليــد الكهربــاء يف مجمــل بلــدان العالــم‪ .‬ويقــدر‬ ‫بديــل واعــد وعالــي األداء للخاليــا الشمســية التقليديــة‪.‬‬
‫خبــراء الطاقــة أن احلاجــة العامليــة لتحقيــق األهــداف املناخيــة تبلــغ ‪75‬‬ ‫واملؤسســات الســابقة الذكــر ليســت الوحيــدة يف هــذا امليــدان إذ جنــد منــذ‬
‫تيــراواط بحلــول عــام ‪.2050‬‬ ‫نحــو ‪ 5‬ســنوات باحــثني مــن جامعــة تورنتــو (كنــدا) وكاليفورنيــا يتوجهــون‬
‫فشتان بني الرقمني!‬ ‫إلــى اســتخدام البيروفســكايت‪ ،‬وذلــك يف الوقــت الــذي كانــت فيــه اخلاليــا‬
‫غيــر أنــه ليــس مــن املســتحيل أن تبلــغ صناعــة اخلاليــا الكهروضوئيــة‬ ‫القائمــة علــى الســيليكون تهيمــن علــى ســوق توليــد الطاقــة الشمســية‬
‫الهــدف املنشــود ألنهــا ُُتعـ ّـّد واحــدة مــن التقنيــات اخلضــراء" القليلــة‬ ‫الكهروضوئــية‪.‬‬
‫قدًمــا يف حتقيــق أهدافهــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املاضيــة‬
‫ذلــك مــا يجعــل بعــض اخلبــراء يستبشــرون ويصرحــون بــأن تكنولوجيــا‬ ‫البيروفسكايت إلى جانب السيليكون‬
‫اخلاليــا الكهروضوئيــة احلاليــة مــن الســيليكون جيــدة‪ ،‬ورمبــا تكفــي‬ ‫ـدًال‬
‫يعـ ّـّد الســيليكون املادة األساســية ل ـ ‪ %95‬مــن األلــواح الشمســية‪ .‬وبـ ً‬
‫لتغطــية ــجزء كبــير ــمن حاجــيات العاــلم ــمن الكهرــباء الشمــسية‪.‬‬ ‫مــن البحــث عــن البديــل‪ ،‬حتــاول بعــض الشــركات العامليــة حتــسني خاليــا‬
‫ولذلــك مــن املنتظــر أن تخضــع تكنولوجيــا البيروفســكايت ألكبــر اختبــار‬ ‫الســيليكون عــن طريــق إضافــة طبقــات مــن البيروفســكايت إلنشــاء مــا‬
‫لها املتمثل يف مواجهة اقتصاد ســوق الطاقة الشمســية املعروف باملنافســة‬ ‫يســمى باخلاليــا الكهروضوئيــة "الترادفيــة"‪.‬‬
‫الشديدة‪.‬‬ ‫ومبــا أن البيروفســكايت ميتــص الطاقــة مــن ضــوء الشــمس بأطــوال‬
‫موجيــة مختلفــة عــن الســيليكون‪ ،‬فــإن اخلاليــا الترادفيــة لديهــا القــدرة‬
‫جدل حول البيروفسكايت‬ ‫علــى إنتــاج طاقــة أكثــر بنســبة ‪ %20‬علــى األقــل مــن خليــة الســيليكون إذا‬
‫وباملــوازاة مــع ذلــك‪ ،‬ظهــر حمــاس جتــاه البيروفســكايت إثــر التحســينات‬ ‫مــا اســتعملت وحدهــا‪ .‬بالنســبة ملؤيــدي البيروفســكايت‪ ،‬وهــم كثــر‪ ،‬فــإن‬
‫امللحوــظة يف أدائــها مــنذ البداــية‪.‬‬ ‫هــذا املكســب يف الكفــاءة ‪ -‬بفضــل اســتخدام البيروفســكايت ‪ -‬مــن شــأنه‬
‫وإذا رجعنــا إلــى التاريــخ فســنجد أن يف عــام ‪ُُ ،2009‬صنعــت أول خليــة‬ ‫أن يعـ ّـّوض التكلفــة اإلضافيــة لتصنيــع اخلاليــا الترادفيــة‪ ،‬خصوص ـ ًًا يف‬
‫ضوئــية ــمن البيروفــسكايت البــسيط‪ ،‬وكاــنت كفاءتــها ضئيــلة ــجًدً ا‪.‬‬ ‫االســتخدامات املوجهــة للمناطــق احلضريــة الكثيفــة بالســكان واحملــدودة‬

‫‪45‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫أمــا اليــوم‪ ،‬فتغيــر الوضــع وحتســنت كفــاءة هــذه اخلليــة‪.‬‬
‫ولــذا فــإن املتحمــسني الســتخدام هــذه التكنولوجيــا‬
‫يــرون أنــه إذا مــا مت إنتــاج خاليــا البيروفســكايت بنفــس‬
‫حجــم خاليــا الســيليكون‪ ،‬فســتحقق قفــزة نوعيــة يف‬
‫إنتــاج الطاقــة الشمســية‪.‬‬
‫ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن ســجالت الكفــاءة هــذه ال تعكــس الواقــع‬
‫الصناــعي‪.‬‬
‫فأفضــل خاليــا البيروفســكايت املصنوعــة يف اخملتبــر‬
‫حجًمــا مــن الطابــع البريــدي‪ ،‬والرقــم‬
‫ً‬ ‫تكــون عــاد ًًة أقــل‬
‫القياســي احلالــي الــذي مت بلوغــه حلــد الســاعة قريــب‬
‫ــمن حّبـ ـّة األرز‪.‬‬
‫ثم إن أداء هذه اخلاليا يتدهور بعد أيام وأسابيع‪.‬‬
‫يالحــظ اخلبــراء بهــذا الصــدد أن معظــم خاليــا‬
‫البيروفســكايت التــي حتقــق كفــاءة عاليــة جــًدً ا حتتــوي‬
‫مكّونــات مــن شــأنها أن تزيــد يف عــدم اســتقرارها‪.‬‬
‫علــى ّ‬
‫وهكــذا‪ ،‬فلحــد الســاعة مــا يالحظــه املهندســون أن‬
‫اجلوانــب العمليــة لتصنيــع اخلاليــا الكهروضوئيــة‬
‫فّعاليــة‬
‫الكبيــرة ودمجهــا يف األلــواح الشمســية حتـ ّـّد مــن ّ‬
‫البيروفســكايت‪.‬‬
‫ولذلــك جــاءت خاليــا البيروفســكايت التــي مت تســويقها‬
‫ـبًيا وبعمــر افتراضــي‬
‫جتارًيــا بكفــاءة منخفضــة نسـ ً‬
‫ً‬
‫قصــر مــدة صالحيتهــا مقارنــة بخاليــا الســيليكون‪.‬‬
‫قصيــر إلــى حــد مــعني‪.‬‬
‫هذا ما يعتقده البعض‪.‬‬
‫تقــوم شــركة "ســول تكنولوجيــز" ‪ ،Saule Technologies‬يف وارســو‬
‫ويف املقابــل يــدرك اخلبــراء أن خاليــا الســيليكون الضوئيــة علــى وشــك‬
‫(بولنــدا)‪ ،‬بإنتــاج خاليــا البيروفســكايت املرنــة التــي تســتخدم م ـثاًلا يف‬
‫بلــوغ ذروة أدائهــا إذ إن كفاءتهــا ال ميكــن أن تتجــاوز ‪ %29‬حســب الدراســات‬
‫البطاقــات اإللكترونيــة لألســعار‪.‬‬
‫النظرــية‪.‬‬
‫كمــا قامــت شــركة "مايكروكوانتــا" ‪ Microquanta‬الصينيــة بتصنيــع‬
‫وباملــوازاة مــع هــذا الوضــع‪ ،‬يالحــظ املتتبعــون أن أنصــار البيروفســكايت‬
‫مــا يكفــي مــن األلــواح الشمســية املصنوعــة مــن البيروفســكايت إلنتــاج ‪5‬‬
‫يعملــون علــى أن تتفــوق اخلاليــا الترادفيــة املصنوعــة مــن البيروفســكايت‬
‫ميــجاوات ــمن الكهرــباء‪ ،‬مبـما يف ذــلك تــشغيل مزرــعة أــسماك محلــية‪.‬‬
‫والــسيليكون عــلى تــلك الــتي تــستخدم الــسيليكون دون غــيره‪.‬‬
‫لكن أداءها يتدهور بسرعة مضاعفة مقارنة بألواح السيليكون‪.‬‬
‫ولــذا مــن املتوقــع أن تفتــح إضافــة البيروفســكايت إلــى خاليــا الســيليكون‬
‫مــن املعلــوم أن معظــم اخلاليــا الكهروضوئيــة‪ ،‬وجميــع رقائــق الســيليكون‬
‫إمكانيــة رفــع احلــد األقصــى لهــذه الكفــاءة النظريــة إلــى نحــو ‪ %45‬ويف‬
‫تقريًبــا يتــم تصنيعهــا اليــوم يف الــصني‪ ،‬حيــث‬
‫ً‬ ‫التــي تتكـ ّـّون منهــا األلــواح‬
‫هــذا الســياق‪ ،‬أعلنــت شــركة الطاقــة الشمســية الصينيــة العمالقــة "لوجنــي"‬
‫أدت التحســينات التكنولوجيــة إلــى تخفيــض تكلفــة األلــواح الشمســية‬
‫‪ Longi‬خالل شــهر نوفمبــر ‪ 2023‬أنهــا صنعــت خليــة كهروضوئيــة ترادفيــة‬
‫بنحــو ‪ %90‬منــذ عــام ‪.2009‬‬
‫مســاحتها ســنتيمتر واحــد مربــع وحققــت كفــاءة قياســية بلغــت نســبة‬
‫والالفــت لالنتبــاه أن تركيــب األلــواح الشمســية املصنوعــة مــن الســيليكون‬
‫‪.%33.9‬‬
‫وربطــها بالــشبكات الكهربائــية يكــلف اآلن أكــثر ــمن تصنيعــها‪.‬‬
‫ومــع ذلــك‪ ،‬إذا قدرنــا هــذه التكلفــة فســنجد معــدل تكلفــة إنتــاج الكهربــاء‬
‫أشّدها‬
‫املنافسة على ّ‬ ‫علــى مــدى عمــر هــذا النــوع مــن األلــواح يتــراوح بني ‪ 3‬إلــى ‪ 6‬دوالرات لــكل‬
‫عندمــا يشــتغل مصنــع شــركة "أكســفورد بــي يف" يف أملانيــا بكامــل طاقتــه‪،‬‬
‫‪ 100‬كيلووات‪/‬ــساعة‪.‬‬
‫ميكنــه إنتــاج مــا يصــل إلــى ‪ 5‬ماليني خليــة مــن البيروفســكايت والســيليكون‬
‫تعّد أرخص مصدر للكهرباء يف العالم‪.‬‬
‫وهذا يعني أن هذه الطاقة ّ‬
‫ـنوًيا‪ ،‬وهــو مــا مي ّّثــل طاقــة تبلــغ حوالــي ‪ 50‬ميجــاوات‪.‬‬
‫سـ ً‬
‫ونظـ ًـًرا لهــذا النجــاح الــذي حققــه الســيليكون‪ ،‬فمــن املســتبعد أن تــؤدي‬
‫لكــن هــذا اإلنتــاج ستنافســه مصانــع األلــواح الشمســية الســيليكونية‬
‫خاليــا البيروفســكايت إلــى تأثيــر كبيــر يف ســوق الطاقــة الشمســية ‪ ،‬بســبب‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪46‬‬
‫وحتــاول الواليــات املتحــدة تقليــص مــا يربطهــا باملورديــن الصينــيني‬ ‫الضخمــة يف الــصني‪ ،‬والتــي تنتــج مــا يعــادل عــدة جيجــاوات مــن اخلاليــا‬
‫لأللــواح الشمســية‪ ،‬مــن خالل االســتثمارات واإلعفــاءات الضريبيــة (التــي‬ ‫الشمــسية كل ــعام‪.‬‬
‫أنشــأها قانــون احلــد مــن التضخــم عــام ‪.)2022‬‬ ‫وبســبب التصنيــع علــى نطــاق صغيــر يف أوروبــا‪ ،‬فــإن تكلفــة تصنيــع‬
‫وتعتقــد بعــض الشــركات أن أفضــل طريقــة لتحقيــق ذلــك هــي جتنــب‬ ‫اخلاليــا الترادفيــة يف املصنــع األملانــي للطاقــة الكهروضوئيــة تبلــغ ضعــف‬
‫متاًمــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫اســتخدام الســيليكون‬ ‫تكلفــة تصنيــع خليــة الســيليكون يف الــصني‪.‬‬
‫يقــوم العديــد مــن تلــك الشــركات بتطويــر خاليــا كهروضوئيــة ترادفيــة‬ ‫ولكــن إذا متكنــت شــركة "أكســفورد بــي يف" للطاقــة الكهروضوئيــة مــن زيــادة‬
‫مصنوعــة بالكامــل مــن البيروفســكايت!‬ ‫إنتاجهــا إلــى مســتوى جيجــاوات‪ ،‬فــإن هــذا الفــارق يف الســعر ســينخفض‬
‫وهكــذا نــرى أن مســتقبل الطاقــة الشمســية صــار وثيــق الصلــة مبــادة‬ ‫بــشكل كبــير‪.‬‬
‫البيروفســكات وتكثيــف اســتعمالها‪ ،‬وأن األبحــاث اجلاريــة ســتأتي‬ ‫ويتوقــع البعــض يف تلــك احلال أن الوضــع ســيؤدي إلــى خفــض تكلفــة‬
‫باجلديــد يف القريــب العاجــل‪.‬‬ ‫الكهربــاء التــي تنتجهــا اخلاليــا الكهروضوئيــة "الترادفيــة" إلــى مســتوى‬
‫أقــل مــن تكلفــة األلــواح الشمســية املصنوعــة مــن الســيليكون‪.‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن أن اختبــارات التقــادم املتســارع تظهــر نتائــج واعــدة‪،‬‬
‫أبرز املراجع‬ ‫فــإن أفضــل اختبــار لوحــدة اخلاليــا الكهروضوئيــة املصنوعــة مــن‬
‫البيروفســكايت والســيليكون هــو مراقبــة أدائهــا لســنوات‪ ،‬ألن صالحياتهــا‬
‫‪Gao, Yuting: Lead-free halide perovskites: a review of the‬‬
‫ال ــتدوم ــطوياًلا ‪.‬‬
‫‪structure–property relationship and applications in light emitting‬‬
‫‪devices and radiation detectors, Journal of Materials Chemistry‬‬ ‫وال يتوانــى مصنعــو اخلاليــا الترادفيــة عــن التأكيــد بــأن هــذه اخلاليــا‬
‫‪A. 2021 ,)20( 9.‬‬ ‫ســتتمتع بعمــر تشــغيلي مماثــل لعمــر لوحــة الســيليكون النموذجيــة‪.‬‬
‫‪Szuromi, Phillip & Grocholski, Brent: Natural and engineered‬‬
‫وحتــى اآلن‪ ،‬لــم يتــم نشــر ســوى النــزر القليــل مــن الدراســات اخلارجيــة‪،‬‬
‫‪perovskites, Science. 2017 ,)6364( 358.‬‬
‫‪Peplow, Mark: A new kind of solar cell is coming: is it the future of‬‬ ‫ومعظمهــا يأتــي مــن فــرق بحــث جامعيــة‪ ،‬وليــس مــن الشــركات التــي تقــوم‬
‫‪green energy? Nature, 29 November, 2023.‬‬ ‫بتســويق اخلاليــا الترادفيــة‪.‬‬
‫موقعان‬
‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬ثمــة مخــاوف بشــأن وجــود الرصــاص الســام يف‬
‫‪https://solarabic.com/featured/04/2023/kaust-perovskite-silicon-‬‬
‫‪tandem-new-record/‬‬ ‫ـدًدا متزايــًدً ا مــن الدراســات يشــير إلــى أنــه ال‬
‫البيروفســكايت‪ ،‬إال أن عـ ً‬
‫‪https://pepperoni-project.eu/‬‬ ‫يشــكل خطـ ًـًرا يســتحق الذكــر إذا مــا مت تغليــف اللوحــة تغليفــا جيــًدً ا‪.‬‬
‫بــل يشــير البعــض إلــى أن األلــواح الشمســية املصنوعــة مــن الســيليكون‬
‫ميكــن أن حتتــوي علــى رصــاص أكثــر بعشــر مــرات يف وصالتهــا مــن لوحــة‬
‫البيروفــسكايت‪.‬‬
‫وف ـضاًلا عــن ذلــك‪ ،‬فــإن معظــم الشــركات لديهــا برامــج اســترجاع إلعــادة‬
‫تدويــر األلــواح الشمســية التــي انتهــى عمرهــا االفتراضــي‪.‬‬
‫إن أنصــار البيروفســكايت مقتنعــون بأنهــم قــادرون علــى بلــوغ هدفهــم‬
‫املنشــود‪ .‬وهــم يقولــون‪ :‬إن أصحــاب املنــازل م ـثاًلا يائســون مــن احلصــول‬
‫علــى املزيــد مــن الطاقــة عبــر األلــواح املوجــودة علــى أســطح منازلهــم‪ ،‬وال‬
‫شــك أنهــم ســيقبلون بــأن يدفعــوا أكثــر مقابــل األلــواح الشمســية الترادفيــة‬
‫القــادرة علــى تشــغيل املضخــات احلراريــة واملركبــات الكهربائيــة واألجهــزة‬
‫األــخرى يف املــنازل الــتي تــستهلك املزــيد واملزــيد ــمن الكهرــباء‪.‬‬
‫غالًبــا مــا تكــون مســاحة األســطح صغيــرة جــًدً ا بحيــث ال تلبــي‬
‫ً‬ ‫ذلــك أنــه‬
‫احتياجــات األســر مــن األلــواح الشمســية‪.‬‬
‫أيًضــا إلــى االســتثمار يف‬
‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬تدفــع االعتبــارات السياســية ً‬
‫البيروفســكايت‪ .‬ففــي أوروبــا م ـثاًلا ‪ ،‬تعنــي زيــادة حصــة الطاقــات املتجــددة‬
‫يف الوــقت الراــهن تقلــيل االعتــماد عــلى الــغاز الروــسي‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫منصور مبارك املطيري‬
‫كاتب كويتي‬
‫‪cavellora@gmail.com‬‬

‫موارد‬

‫يف اصل الكراهية وفصلها‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪48‬‬
‫وعليــه‪ ،‬فمــن الطبيعــي مهاجمــة املــرء ملوضــوع كراهيتــه‪ .‬باإلضافــة إلــى‬ ‫وص ـ ََم بعــض املــؤرخني القــرن املنصــرم بأنــه قــرن الكراهيــة قياس ـ ًًا علــى‬
‫ذلــك فــإن جــرح شــخص نكرهــه يو ّّلــد شــعو ًًرا بالرضــى يف دواخلنــا‪ ،‬كمــا أن‬ ‫الفظائــع التــي ضجــت بهــا ســنونه‪ .‬وهــي يف كل األحــوال حقبــة اســتدعت‬
‫فنــاءه ودمــاره ميكــن أن يو ّّلــد كذلــك شــعو ًًرا أكبــر وأقــوى بالراحــة‪.‬‬ ‫تأــصياًلا وحـ ًـفًرا معرفًيـ ـًا جلواــنب ــهذه الــسمة البــشرية‪.‬‬
‫ذاك أن العالقــة بني مــن تتملكــه الكراهيــة وموضــوع الكراهيــة عالقــة‬
‫ـدًءا‪ ،‬الكراهيــة شــعور تطغــى عليــه العدوانيــة والبغضــاء جتــاه شــخص أو‬
‫بـ ً‬
‫تناقــض وتناحــر‪ ،‬وعليــه فــإن الكراهيــة تتقصــد جــرح املكــروه أو القضــاء‬
‫تتفّجــر‬
‫ّ‬ ‫جماعــة‪ ،‬وهــذا الشــعور ســمته األساســية هــي األلــم‪ ،‬فاملــرء حني‬
‫عليــه‪.‬‬
‫يف دواخلــه مشــاعر الكراهيــة فإنهــا تكــون دوم ـ ًًا مشــوبة بقــدر مــن األلــم‪،‬‬
‫ـخًصا أو أكثــر‪ ،‬لــو أننــا تفحصنــاه‬
‫ولكــن موضــوع الكراهيــة‪ ،‬ســواء أكان شـ ً‬
‫لوجدنــا أن املكــروه ليــس هــو مصــدر الكراهيــة‪ ،‬فالشــخص الــذي نكرهــه‬ ‫ويعــزو الــذي يشــعر بالكراهيــة أملــه إلــى مثيــر أو ســبب خارجــي‪ ،‬وعينــات‬
‫مذنًبــا أو بريًئً ــا‪ ،‬شــريًفً ا‬
‫ً‬ ‫مصيًبــا أو مخطًئً ــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ـريًرا‪،‬‬
‫ميكــن أن يكــون خيـ ًـًرا أو شـ ً‬ ‫الكراهيــة حتــدد الســبب اخلارجــي علــى أنــه شــخص بعينــه أو مجتمــع‪،‬‬
‫أو دنيًئً ــا‪ ،‬فهــو بحــد ذاتــه أو مبــا هــو عليــه ليــس بالضــرورة مصــدر الكراهيــة‪.‬‬ ‫أو عــرق أو شــعب‪.‬‬
‫فالــذي ينفــث يف املــرء الكراهيــة هــي حزمــة مــن الصفــات مثــل الشــر‬ ‫الطبيعــة اإلنســانية ال تطيــق األلــم‪ ،‬وتســعى إلــى تفاديــه‪ ،‬وهــذا أمــر نشــأ‬
‫واألذيــة وغيرهمــا‪ ،‬ومــن ثــم فقــد يكــره املــرء أحدهــم لظنــه بأنــه شــرير‬
‫عليــه اإلنســان‪ ،‬فاحليــاة مبســارها العريــض بحــث عــن اللــذة وبعــد عــن‬
‫ـؤٍذ‪.‬‬
‫أو مـ ٍ‬
‫األلــم‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫ويف حالــة كهــذه فإننــي أجاهــر بخــويف وجهلــي وحســدي جتاهــه‪ ،‬وهــذه‬ ‫وهــذا األمــر علــى قــدر كبيــر مــن األهميــة ألنــه يجعلنــا نــدرك أن مشــكلة‬
‫املشــاعر الثالثــة؛ اجلهــل واخلــوف واحلســد تتفاعــل وتتشــابك فيمــا‬ ‫الكراهيــة تكمــن فيمــن يشــعر بالكراهيــة‪ ،‬وليــس يف الشــخص املكــروه‪.‬‬
‫بينــها‪:‬‬ ‫ـخًيا حني يتعلق األمر بالكراهية‪ ،‬فمن تســتبد‬
‫درًســا سـ ً‬
‫التاريخ يقدم لنا ً‬
‫أواًلا ‪ :‬اجلهل بحقيقتهم اخليرة‪ ،‬وخيرية اآلخرين‪ ،‬واخلير بحد ذاته‪.‬‬ ‫غالًبــا مــا يكونــون ضعفــاء‪ ،‬وبالتالــي يشــعرون بالهشاشــة‪،‬‬
‫ً‬ ‫بهــم الكراهيــة‬
‫ثانًيــا‪ :‬اخلــوف مــن معتقــدات مختلفــة وقيــم وأســلوب حيــاة‪ ،‬فنحــن نتهيب‬
‫ً‬ ‫وغالًبــا يتأتــى عــن ارتبــاط الشــعور بالكراهيــة ثالثــة مشــاعر ســلبية هــي‬
‫ً‬
‫ممــا جنهلــه وال نعرفــه‪ ،‬ويف كثيــر مــن احلاالت فــإن الشــخص الــذي ال‬ ‫اخلــوف واجلهــل واحلســد‪.‬‬
‫منفتًحــا‬
‫ً‬ ‫نعرفــه هــو إلــى حــد مــا تهديــد لنــا‪ ،‬فاملــرء يشــعر بالراحــة ويكــون‬ ‫وهــذه املشــاعر الثالثــة متصلــة بشــكل مباشــر بالــكاره‪ ،‬وليــس مــن تتجــه‬
‫علــى التعــاون مــع الشــخص الــذي يعرفــه أو علــى األقــل يظــن أنــه يعرفــه‪.‬‬ ‫إلــيه الكراهــية‪.‬‬
‫ثالًثً ــا‪ :‬احلســد‪ ،‬فمــن يشــعرون بالكراهيــة حاســدون حلقيقــة أن اآلخريــن‬ ‫ـخًصا لســبب وجيــه ومشــروع ال ميكننــي أن أكرهــه‪ ،‬بــل ال‬
‫حني أبغــض شـ ً‬
‫أحــرار بــأن يعيشــوا أســلوبهم يف احليــاة وأنهــم علــى النقيــض منهــم‪،‬‬ ‫أستســيغه أو أســتلطفه فحســب‪ ،‬ولكــن حني أكــره امــر ًًأ مــا فإننــي أســقط‬
‫جامــدون بنمــط حيــاة متحجــر‪ ،‬إنهــم يحســدون احلريــة التــي يتمتــع بهــا‬ ‫مشــاعر القلــق املســتبدة بــي عليــه‪.‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪50‬‬
‫إلــى شــيء‪ ،‬ومــن ثــم ننــزع عنهــم إنســانيتهم‪.‬‬ ‫أولئــك اخملتلفــون عنهــم‪.‬‬

‫وبذلــك نأخــذ خطــوة مــن شــأنها تســهيل تدميــر ذلــك الشــخص أو تلــك‬ ‫ويخطــئ الكثيــرون باســتخدام الكراهيــة وعــدم االستســاغة أو االســتلطاف‬
‫باملعنــى نفســه‪ ،‬فــحني يقــول أحدهــم‪ :‬إنــه يكــره ذلــك الصنــف مــن الطعــام‬
‫اجلماعــة‪.‬‬
‫أو تلــك اللعبــة الرياضيــة فإنــه بعيــد عــن الكراهيــة‪.‬‬
‫تســتدعي الكراهيــة مجموعــة مــن املشــاعر غيــر العقالنيــة وعلــى رأســها‬ ‫قــد يكــون مــن الصعــب كراهيــة شــخص مفــرد بعينــه‪ ،‬ولكــن مــن الســهل‬
‫الغضــب‪ ،‬ويســتحيل أن تتعايــش الكراهيــة مــع املنطــق والعقــل؛ ولذلــك‬ ‫كراهيــة شــعار أو قالــب وكذلــك باملثــل مــن الســهولة كراهيــة جماعــة مــن‬
‫البشــر‪.‬‬
‫غالًبــا مــا تكــون الكراهيــة مصــد ًًرا للقــرارات الكارثيــة واحلســابات اخلاطئــة‪،‬‬
‫ً‬
‫إن كراهيــة جماعــة أو شــعار هــي كراهيــة لكيــان مجــرد؛ ألن اجلماعــة هكــذا‬
‫فهــي تضعــف الشــعور األخالقــي واجلمالــي لــدى اإلنســان فتتراجــع فيــه‬
‫فعلًيــا‪ ،‬فمــا هــو موجــود حًقً ــا هــو أشــخاص أحيــاء‪ ،‬فإننــا‬
‫ً‬ ‫ليســت موجــودة‬
‫الســمات احلضاريــة واملدنيــة‪.‬‬
‫ـخًصا أو جماعــة بصفــة مجــردة فإننــا نختزلهــم إلــى رقــم أو‬
‫حني نوصــم شـ ً‬

‫‪51‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫خالد العنانزة‬
‫مستشار ومدرب بيئي أردني وكاتب علمي متخصص بالبيئة‬
‫‪kananzeh1966@gmail.com‬‬

‫فضاء‬

‫اإلنتاج الرشيق‬
‫تعزيز القيمة وإزالة الهدر‬

‫‪Lean Production‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪52‬‬
‫ميكــن أن يفيــد الشــركة بأكملهــا بـ ً‬
‫ـدًال مــن مجــرد إزالــة‬ ‫‪ .2‬صديق للبيئة‪:‬‬ ‫تســعى الشــركات ومنظمــات األعمــال إلــى زيــادة‬
‫ــهدر ــمعني‪.‬‬ ‫إن تقليــل هــدر الوقــت واملــوارد وإزالــة العمليــات غيــر‬ ‫اإلنتاجيــة‪ ،‬وحتقيــق النمــو التنافســي مــن خالل‬
‫ومــع ذلــك‪ ،‬علــى الرغــم مــن اخــتالف النهجني‪ ،‬تشــترك‬ ‫الضروريــة ميكــن أن يوّفّ ــر تكاليــف اســتخدام الطاقــة‬ ‫اســتخدام احلــد األدنــى مــن القــوى العاملــة‪ ،‬واملــواد‬
‫كلتــا الطريقــتني يف عــدد مــن املبــادئ مثــل األمتتــة‪،‬‬ ‫والوــقود‪.‬‬ ‫اخلام‪ ،‬والطاقــة‪ ،‬واآلالت‪ ،‬واملــدخالت األخــرى‪ ،‬وتقليــل‬
‫التحــسني املســتمر‪ ،‬املرونــة‪ ،‬جــودة اإلنتــاج أو اخلدمــة‪،‬‬ ‫وهــذا لــه فائــدة بيئيــة واضحــة‪ ،‬كمــا هــو احلال مــع‬ ‫الهــدر والنفايــات واالنبعاثــات‪ ،‬ومــن أجــل ذلــك‬
‫العالقــة مــع املورديــن‪ ،‬إزالــة الهــدر‪.‬‬ ‫اســتخدام معــدات أكثــر كفــاءة يف اســتخدام الطاقــة‪،‬‬ ‫عمــل اخملططــون والباحثــون علــى حتديــد وحتليــل‬
‫تدفق اإلنتاج والتحكم البصري‪.‬‬ ‫والتــي ميكــن أن توّفّ ــر ً‬
‫أيًضــا وفــورات يف التكاليــف‪.‬‬ ‫املمارســات‪ ،‬واألدوات التــي مــن شــأنها أن تســاعد يف‬
‫وعنــد تنفيــذ اإلنتــاج الرشــيق نحتــاج جملموعــة‬ ‫حتقيــق ذلــك‪ ،‬وإحــدى هــذه األدوات أو املمارســات التــي‬
‫متنوعــة مــن األدوات وتشــمل هــذه‪ :‬مخططــات التحكــم‬ ‫‪ .3‬حتسني رضا العمالء‬ ‫ظــهرت يف الــسنوات األخــيرة ــهي اإلنــتاج الرــشيق‪.‬‬
‫(للتحقــق مــن ســير العمل)منهجيــة ‪ 5S‬لتنظيــم‬ ‫يــؤدي حتــسني تقــدمي املنتــج أو اخلدمــة بالتكلفــة‬ ‫أيًضــا التصنيــع الرشــيق أو اإلدارة‬ ‫ً‬ ‫وُيطلــق عليــه‬
‫ُ‬
‫مــكان العمــل‪ ،‬التعامــل مــع العمليــات املتعــددة‪ ،‬تدقيــق‬ ‫املناســبة إلــى العميــل إلــى حتــسني رضــا العــمالء‪.‬‬ ‫الرشــيقة أو إدارة املشــاريع الرشــيقة فهــو اســتراتيجية‬
‫األخطــاء‪ ،‬حتليــل تدفــق اإلنتــاج‪ ،‬الصيانــة اإلنتاجيــة‬ ‫ضرورًيــا لنجــاح األعمــال‪ ،‬حيــث مــن‬
‫ً‬ ‫يعــد هــذا أمـ ًـًرا‬ ‫أو منهجيــة عمــل تســتخدم نظــام عمليــات لتحــسني‬
‫الشــاملة‪ ،‬إعــادة تصميــم خليــة العمــل‪ ،‬رســم خرائــط‬ ‫املرجــح أن يقــوم العــمالء الســعداء بإعــادة اســتخدام‬ ‫العمليــات اليوميــة باســتخدام نهــج بســيط‪.‬‬
‫للتدفقــات ذات القيمــة‪ .‬قــد يأخــذ مديــر اإلنتــاج يف‬ ‫منتجــك أو خدمتــك أو التوصيــة بهــا لآلخريــن‪.‬‬ ‫وهــو يرّكّ ــز علــى زيــادة كفــاءة ســير العمــل‪ ،‬وتعظيــم‬
‫االعتبــار مجموعــة متنوعــة مــن العناصــر عنــد تنفيــذ‬ ‫الربــح مــن دون بــذل املزيــد مــن اجلهــد أو احلاجــة إلــى‬
‫إدارة اإلنتــاج الرشــيق مبــا يف ذلــك‪.‬‬ ‫مبادئ اإلنتاج الرشيق‬ ‫ــموارد إضافــية‪.‬‬
‫‪ .1‬كميات اإلنتاج‪:‬‬ ‫هنــاك خمســة مبــادئ أساســية لإلنتــاج الرشــيق ميكــن‬ ‫ميكــن ألســلوب إدارة اإلنتــاج هــذا أن يســاعد القــادة‬
‫قــد يــؤدي اإلفــراط يف اإلنتــاج إلــى إهــدار الوقــت واملــواد‪،‬‬ ‫اســتخدامها كسلســلة مــن اخلطــوات ملســاعدتك يف‬ ‫علــى حتقيــق هــذه األهــداف مــن خالل تشــجيع فريــق‬
‫لــذا فــإن أحــد العناصــر احلاســمة يف اســتراتيجية‬ ‫تنفيــذ االســتراتيجية الرشــيقة‪ ،‬واحلفــاظ عليهــا‬ ‫العمــل علــى تقليــل الهــدر مــع ضمــان جــودة اإلنتــاج‪.‬‬
‫اإلدارة الرشــيقة هــو مراعــاة مقــدار اإلنتــاج الــذي‬ ‫بفعالــية وــهي‪:‬‬ ‫ويتطلــب اإلنتــاج الرشــيق ممارســة مســتمرة‪ ،‬وجتريــب‬
‫فعلًيــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يتطلبــه الســوق‪ ،‬ومقــدار إنتــاج الشــركة‬ ‫‪ .1‬حتديــد القيمــة‪ :‬تتضمــن اخلطــوة األولــى‬ ‫مســتمر لتحقيــق القيمــة املثاليــة‪.‬‬
‫‪ .2‬احلركة‪:‬‬ ‫حتديــد القيمــة التــي يريدهــا املســتهلكون‪ ،‬والتــي‬
‫يأخــذ هــذا النهــج يف االعتبــار مــا يحــدث عندمــا تكــون‬ ‫تتضمــن مــا يرغبــون يف دفعــه مقابــل منتــج أو خدمــة‬ ‫يف اخلمســينيات مــن القــرن املاضــي‪ ،‬ابتكــر تايتشــي‬
‫حركــة املــواد أو األشــخاص أكثــر تكــرا ًًرا أو تســتغرق وقًتً ــا‬ ‫تلبــي احتياجاتهــم‪.‬‬ ‫أونــو‪ ،‬مــن شــركة تويوتــا موتــور‪ ،‬اســتراتيجية اإلدارة‬
‫ــ ً‬
‫طويًال أكــثر ــمن الالزم‪.‬‬ ‫‪ .2‬حتديــد تدفــق القيمــة‪ :‬يتيــح رســم خريطــة‬ ‫الرشــيقة‪ ،‬وكان ينظــر لهــا أنهــا مفهــوم جتــاري يرّكّ ــز‬
‫تعــد احلركــة املســتمرة أحــد العناصــر األساســية‬ ‫لتدفــق القيمــة حتديــد أنشــطة اإلنتــاج التــي تســهم‬ ‫علــى التحديــد املنهجــي‪ ،‬ومنــع الهــدر مــن العمليــات‬
‫الســتراتيجية اإلنتــاج الرشــيق‪ ،‬ألنهــا تؤّكّ ــد علــى‬ ‫يف حتقيــق القيمــة للمســتهلك‪ ،‬وإزالــة األنشــطة غيــر‬ ‫اإلنتاجيــة ف ـضاًلا عــن تعديــل وتعزيــز العمليــات‪ ،‬ويف‬
‫اإلنتــاج املســتمر‪.‬‬ ‫الضروريــة‪.‬‬ ‫ذات الوقــت تقــدمي منتجــات عاليــة اجلــودة‪ ،‬وقيمــة‬
‫‪ .3‬عيوب املنتج‪:‬‬ ‫‪ .3‬إنشــاء التدفــق‪ :‬مبجــرد إزالــة الهــدر مــن تدفــق‬ ‫أكبــر للعــمالء بنفــس التكلفــة أو حتــى أقــل‪.‬‬
‫قــد يســاعد التعــرف علــى عيــوب املنتــج يف القضــاء‬ ‫القيمــة‪ ،‬ميكــن إنشــاء عمليــة للســماح للخطــوات‬ ‫حســب منهجيــة اإلنتــاج الرشــيق ميكــن النظــر إلــى‬
‫علــى أو تقليــل تصنيــع املنتجــات التــي ال تصــل إلــى‬ ‫املتبقيــة بالتدفــق بسالســة بطريقــة تقلــل مــن التأخيــر‬ ‫الهــدر أنــه أي شــيء ال يضيــف قيمــة‪ ،‬وال يرغــب‬
‫معاييــر اجلــودة اخلاصــة بالشــركة‪.‬‬ ‫أو تزيلــه‪.‬‬ ‫العــمالء يف دفــع ثمنــه‪.‬‬
‫‪.4‬اإلفراط يف املعاجلة‪:‬‬ ‫‪ .4‬تقــدمي الســحب‪ :‬يتيــح لــك تطبيــق نظــام قائــم‬ ‫ميكــن تصنيــف أنــواع الهــدر التــي ال تضيــف قيمــة‬
‫ميكــن أن حتــدث املعاجلــة الزائــدة عندمــا ال تضيــف‬ ‫علــى الســحب إنتــاج املنتجــات حســب احلاجــة لتجنــب‬ ‫للعــمالء إلــى ســبعة أنــواع‪ ،‬وهــي‪ :‬النقــل غيــر الضــروري‪،‬‬
‫ربًحــا‬
‫ميــزات أو عناصــر املنتــج قيمــة إلــى العميــل أو ً‬ ‫إهــدار اخملــزون‪ ،‬أو اإلفــراط يف اإلنتــاج‪.‬‬ ‫اخملــزون الزائــد‪ ،‬احلركــة غيــر الضروريــة لألشــخاص‬
‫للشــركة‪.‬‬ ‫‪ .5‬التطويــر املســتمر‪ :‬بعــد إنشــاء املبــادئ األربعــة‬ ‫أو املعــدات أو اآلالت‪ ،‬االنتظــار (إمــا األشــخاص أو‬
‫‪.5‬إمكانات املوظف‪:‬‬ ‫األولــى‪ ،‬ميكــن تشــجيع فريــق العمــل علــى اعتمــاد‬ ‫املعــدات اخلاملــة)‪ ،‬اإلفــراط يف إنتــاج املنتــج‪ ،‬اإلفــراط‬
‫أيًضــا إمكانــات الفريــق‬
‫تأخــذ إدارة املشــاريع الرشــيقة ً‬ ‫اإلنتــاج الرشــيق كفلســفة تنظيميــة‪ ،‬والعمــل علــى‬ ‫يف املعاجلــة أو إضافــة ميــزات غيــر ضروريــة إلــى املنتــج‪،‬‬
‫يف االعتبــار‪ ،‬ممــا يعنــي أنــه ميكــن لقــادة الفريــق‬ ‫حتــسني العمليــات‪ ،‬ومنــع الهــدر باســتمرار‪.‬‬ ‫تصحيًحــا مكلًفً ــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫العيــوب التــي تتطلــب‬
‫حتديــد واســتخدام املهــارات‪ ،‬والكفــاءات الفرديــة‬ ‫نوًعــا ثامًنً ــا للهــدر يتم ّّثــل‬
‫كمــا يضيــف بعــض الباحــثني ً‬
‫ألعضــاء الفريــق للتأكــد مــن أنهــم مناســبون لدورهــم‪.‬‬ ‫تنفيذ اإلنتاج الرشيق‬ ‫يف املواهــب أو الكفــاءات غيــر املســتخدمة‪.‬‬
‫املعنــى العــام للرشــيق هــو حتديــد الهــدر ومنعــه‪ ،‬والــذي‬ ‫فوائد اإلنتاج الرشيق‬
‫املراجع‪:‬‬ ‫ميكــن مــن خاللــه حتــسني اجلــودة وزيــادة اإلنتــاج‪،‬‬ ‫‪ .1‬يوّفّ ر الوقت واملال‪:‬‬
‫‪1. https://www.techopedia.com/definition/14441/‬‬ ‫وخــفض التكالــيف‪.‬‬ ‫يعــد خفــض التكلفــة وتقليــل الوقــت امليــزتني األكثــر‬
‫ز‪lean-production‬‬ ‫تعــد هــذه إحــدى طــرق التعامــل مــع اإلنتــاج الرشــيق‪،‬‬ ‫وضوًحــا لإلنتــاج الرشــيق‪ .‬ميكــن لســير العمــل األكثــر‬
‫ً‬
‫‪2. https://www.aicpa-cima.com/resources/article/‬‬ ‫أيًضــا التعامــل معهــا باســتخدام "طريقــة‬ ‫ولكــن ميكــن ً‬ ‫كفــاءة‪ ،‬وتطويــر املــوارد واإلنتــاج والتخزيــن أن يفيــد‬
‫‪a-cost-transformation-model-lean-production.‬‬ ‫تويوتــا"‪ ،‬والتــي تتم ّّثــل يف التركيــز علــى حتــسني ســير‬ ‫الشــركات بغــض النظــر عــن احلجــم أو اإلنتــاج‪ .‬يتيــح‬
‫‪3. https://www.studysmarter.co.uk/explanations/‬‬ ‫العــمل ــبداًلا ــمن الــهدر‪.‬‬
‫توفيــر الوقــت تقليــل املهــل الزمنيــة‪ ،‬وتقــدمي خدمــة‬
‫‪business-studies/business-operations/lean-‬‬ ‫كلتــا الطريقــتني لهــا نفــس األهــداف‪ ،‬ولكــن مع طريقة‬
‫أفضــل يف توفيــر املنتجــات بســرعة للعــمالء‪ ،‬وميكــن‬
‫‪production/‬‬ ‫تويوتــا يتــم التخلــص مــن الهــدر بشــكل طبيعــي بـ ً‬
‫ـدًال‬
‫أيًضــا يف توفيــر املال مــن خالل توفيــر قــوى‬
‫أن يســاعد ً‬
‫‪4.https://www.lean.org/explore-lean/a-brief-‬‬ ‫ــمن التركــيز علــيه‪.‬‬
‫يقــول أتبــاع طريقــة التنفيــذ هــذه إنهــا منظــور ممنهــج‬ ‫عاملــة أكثــر انســيابية‪.‬‬
‫‪history-of-lean/‬‬

‫‪53‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫سمير العاسمي‬
‫محرر صحفي سوري‪،‬‬
‫‪ .‬ومعلم لغة عربية يف وزارة التربية بالكويت‬
‫‪sameeras121967@hotmail.com‬‬

‫مدينة وتاريخ‬

‫فـالـيـتــا‬
‫مديـنـة نـابـضـة بالحياة‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪54‬‬
‫جمهوريــة مالطــا األوروبيــة منــذ العــام ‪1571‬م‪ ،‬وأكبــر مدنهــا مــن حيــث‬ ‫فاليتــا مدينــة نابضــة باحليــاة‪ ،‬وعاصمــة جزيــرة مالطــا وأكبــر مدنهــا‪،‬‬
‫املســاحة‪ ،‬وعــدد الســكان‪ ،‬وتبلــغ مســاحتها قرابــة ‪ 80‬هكتــا ًًرا؛ وهــي مينــاء‬ ‫التــي تزخــر بالعديــد مــن األبنيــة ذات الطــراز القــدمي؛ فهــي عاصمــة‬
‫بحــري اســتراتيجي مهــم‪.‬‬ ‫الثقافــة األوروبيــة ‪ ،2018‬التــي تتميــز بوجــود مبانيهــا التاريخيــة املميــزة‬
‫وتطــّلّ املدينــة علــى البحــر األبيــض املتوســط‪ُ ،‬‬
‫وُيطلــق عليهــا أحيا ًًنــا اســم‬ ‫بالطابــع الباروكــي‪ ،‬والطابــع األوروبــي األصيــل‪.‬‬
‫الفاليتــا‪ ،‬وفيهــا العديــد مــن الــقالع‪ ،‬واملتاحــف‪ ،‬والقصــور‪ ،‬والكنائــس‬ ‫معمارًيــا فريــًدً ا‪ ،‬ففــي الوقــت الــذي تتســم فيــه‬
‫ً‬ ‫منوذًجــا‬
‫ً‬ ‫وتعــد فاليتــا‬
‫الكاثوليكيــة‪ ،‬وتطــل علــى «املينــاء الكبيــر» املدهــش‪ ،‬الــذي تقــع قبالتــه‬ ‫مبانيهــا بالــروح الشــرقية؛ حيــث الشــرفات املســتطيلة‪ ،‬واملنافــذ اخلشــبية‬
‫مجموعــة مــدن «كوتونيــرا»‪ ،‬التــي تتألــف مــن املــدن الــثالث املتجــاورة‪:‬‬ ‫امللونــة‪ ،‬فــإن متاجرهــا وشــوارعها ومقاهيهــا تبــدو كأنهــا يف إحــدى مــدن‬
‫ســينجليا‪ ،‬كوســبيكوا‪ ،‬وفيتوريوســا‪.‬‬ ‫أوروبــا الغربيــة‪ ،‬فيمــا ترســم املنعرجــات والــتالل داخلهــا لوحــات تشــكيلية‬
‫وجعلهــا موقعهــا اإلســتراتيجي علــى مفتــرق طــرق البحــر األبيــض‬ ‫رائعــة للشــوارع الضيقــة التــي تقطعهــا يف مســارات مســتقيمة ومتناغمــة؛‬
‫املتوســط مركــًزً ا ً‬
‫مهًمــا علــى مــر التاريــخ‪ .‬ومنحهــا الســيطرة علــى الطــرق‬ ‫فهــي مدينــة صاخبــة جتمــع بني اجلمــال الطبيعــي الســاحر‪ ،‬والتــراث‬
‫البحرــية املهــمة وأصــبح مبنزــلة دــفاع ــقوي ــضد املهاــجمني احملتــملني‪.‬‬ ‫الثقــايف الغنــي؛ مــا يجعلهــا واحــدة مــن أروع املــدن يف البحــر األبيــض‬
‫تاريخ فاليتا‬ ‫املتوســط‪ ،‬وقــد أدرجــت يف اليونيســكو ضمــن قائمــة الــدول ذات التــراث‬
‫يزيــد تاريــخ مدينــة فاليتــا علــى أكثــر مــن ‪ 400‬عــام؛ وهــي انعــكاس لعصــر‬ ‫العاملــي منــذ العــام ‪.1980‬‬
‫النهضــة املزدهــر‪ ،‬ويعــود تاريخهــا إلــى النظــام القــدمي للقديــس يوحنــا‬ ‫وعلــى الرغــم مــن أن فاليتــا تفتخــر بأنهــا أصغــر عاصمــة يف أوروبــا‪ ،‬إال أنهــا‬
‫األورشــليمي اخليــري‪ ،‬وعبــر التاريــخ‪ ،‬ســيطر علــى هــذه املدينــة كّلّ مــن‬ ‫تتمتــع مبجموعــة اســتثنائية مــن األصــول التاريخيــة‪ ،‬والدينيــة والفنيــة‬
‫الفينيق ـ ّّيني‪ ،‬ومــن بعدهــم اليونان ّّيــون‪ ،‬وبعدهــم القرطاج ّّيــون‪ ،‬ومــن ثـ ّـّم‬ ‫والعسكرية‪.‬‬
‫الرومــان‪ ،‬وتالهــم البيزنط ّّيــون‪ ،‬ومــن ثـ ّـّم العــرب‪ ،‬وأخيـ ًـًرا اســتولت عليهــا‬ ‫ويتجلــى جمالهــا يف مبانيهــا الباروكيــة‪ ،‬وأعمالهــا الفنيــة املذهلــة‪،‬‬
‫فرــقة فرــسان مالــطا‪.‬‬ ‫وممراتهــا املتعرجــة ذات امليــول املميــزة‪ ،‬وفيهــا عجائــب معماريــة متقنــة‪،‬‬
‫وقــد قــام فرانشيســكو الباريلــي؛ وهــو مهنــدس معمــاري عســكري‪،‬‬ ‫وشــرفات مالطيــة ذات زخــارف جميلــة‪ ،‬ومنافــذ حتتــوي علــى متاثيــل‬
‫بتخطيــط املدينــة بأكملهــا بشــكل منهجــي يف القــرن الســادس عشــر؛ حيــث‬ ‫مشــهورة‪ ،‬والفتــات متاجــر حتــف مميــزة‪.‬‬
‫مــزج البنــاء الباروكــي والتحصينــات ونظــام الشــبكة العملــي واجلــذاب‬
‫بصرًيــا‪ ،‬وبناهــا جــان دي ال فاليــت؛ أحــد كبــار فرســان مالطــا‪ ،‬الــذي تــويف‬
‫ً‬ ‫موقعها‬
‫أثنــاء البنــاء ولــم يــر مدينتــه مكتملــة‪ ،‬وســميت علــى اســمه‪ ،‬فــكان بناؤهــا‬ ‫تقــع مدينــة فاليتــا وســط شــرق جمهوريــة مالطــا الواقعــة يف وســط البحــر‬
‫رائًعــا للهندســة املعماريــة‪.‬‬
‫ـتراتيجًيا‪ ،‬إضافــة إلــى كونــه إجنــاًزًا ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫غرًضــا إسـ‬ ‫األبيــض املتوســط إلــى اجلنــوب مــن جزيــرة صقليــة اإليطاليــة‪ ،‬والقــارة‬
‫وقــد أشــرف علــى بنائهــا فرســان القديــس يوحنــا‪ ،‬الذيــن ســعوا إلــى بنــاء‬ ‫األوروبيــة‪ ،‬وعلــى بعــد ‪230‬كــم شــمال القــارة األفريق ّّيــة؛ وهــي عاصمــة‬

‫‪55‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫ويعــود أصــل أنفــاق فاليتــا إلــى النصــف الثانــي مــن القــرن الســادس عشــر‪،‬‬ ‫مدينــة حصينــة حتمــي اجلزيــرة وتكــون شــاهًدً ا علــى قوتهــم وتفانيهــم‪،‬‬
‫عندمــا نحــت فرســان مالطــا خــزان ميــاه كبيـ ًـًرا يف احلجــر اجليــري حتــت‬ ‫وظلــت املدينــة شــاهدة علــى تاريــخ ممتــد مــن األحــداث املتباينــة التــي‬
‫عاًمــا‪ ،‬ال تــزال «متاهــة األنفــاق واخلزانــات‬
‫املدينــة‪ .‬وبعــد أكثــر مــن ‪ً 450‬‬ ‫تكيفــت معهــا‪.‬‬
‫اجلوفيــة» تبهــر علمــاء اآلثــار واملهنــدسني املعمــاريني والســياح مــن جميــع‬ ‫فقــد كان احلصــار الكبيــر عــام ‪ 1565‬حر ًًبــا مذهلــة وعنيفــة ارتبطــت إلــى‬
‫أنحــاء العالــم‪.‬‬ ‫هجوًمــا ال هــوادة فيــه علــى‬
‫ً‬ ‫األبــد بحصــن ســانت إملــو‪ ،‬وقــد شــن العثمانيــون‬
‫ولــم يقــم الفرســان ببنــاء نظــام صــرف صحــي متطــور فحســب‪ ،‬بــل قامــوا‬ ‫أســوار القلعــة يف محاولــة لالســتيالء علــى فاليتــا‪ ،‬وأســفرت هــذه املعركــة‬
‫أيًضــا بتقطيــع مخابــئ الطعــام وامليــاه حتــت املدينــة‪ ،‬مــا يضمــن الوصــول‬
‫ً‬ ‫الشرســة عــن خســائر فادحــة يف األرواح مــن اجلانــبني؛ مــا جعلهــا ف ـصاًلا‬
‫إلــى املــوارد احليويــة يف حالــة وقــوع فاليتــا حتــت احلصــار‪.‬‬ ‫مهًمــا يف تاريــخ احلصــار‪.‬‬
‫ً‬
‫ويف القــرن التاســع عشــر‪ ،‬قــام مســؤولو مدينــة فاليتــا مبشــروع طمــوح‬ ‫ســقطت قلعــة ســانت إملــو يف نهايــة املطــاف‪ ،‬لكــن ليــس قبــل أن يفــرض‬
‫لتوســيع األنفــاق عــن طريــق إضافــة خــط ســكة حديــد حتــت األرض يربــط‬ ‫ً‬
‫باهًظــا ويشــكل نقطــة حتــول حاســمة يف احلــرب‬ ‫دفاعهــا العنيــد ثمًنً ــا‬
‫العاصمــة مبدينــة مدينــا؛ العاصمــة الســابقة‪.‬‬ ‫امللحميــة للســيطرة علــى املدينــة‪ ،‬ويســلط تاريــخ فاليتــا‪ ،‬الــذي يرتبــط‬
‫وكان أول خــط ســكة حديــد حتــت األرض يف العالــم افتتــح يف لنــدن‬ ‫مبثــل هــذه األحــداث‪ ،‬الضــوء علــى أهميتهــا املســتمرة كرمــز للمرونــة‬
‫متروبوليتــان‪ ،‬يف عــام ‪ ،1863‬وتبعــه خــط الســكك احلديديــة يف مالطــا‬ ‫واألهميــة اإلســتراتيجية يف منطقــة البحــر األبيــض املتوســط‪.‬‬
‫عظيًمــا‪ ،‬مت بواســطة الفــأس‬
‫ً‬ ‫عاًمــا مــن ذلــك‪ ،‬وكان إجنــاًزًا هندسـ ًـًيا‬
‫بعــد ‪ً 20‬‬ ‫متاهة األنفاق‬
‫والســلة والعربــات التــي جترهــا اخليــول‪.‬‬ ‫لقــد اكتشــف علمــاء حفريــات أســفل فاليتــا مجموعــة مــن األنفــاق الســرية‬
‫أبرز املعالم‬ ‫وغــرف حــرب القائــد الســكاريس‪ ،‬التــي ضمــت القيــادة العســكرية للجزيــرة‬
‫تزخــر فاليتــا بالعديــد مــن الكنــوز التاريخيــة يف مســاحة صغيــرة‪ ،‬وتعــد‬ ‫وعمليــات الدفــاع خالل احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬وأطلــق عليهــا «العالــم‬
‫مبنزلــة متحــف مفتــوح؛ فجمالهــا ال ميكــن فصلــه عــن تاريخهــا‪ ،‬بــل‬ ‫الســفلي الســري» وهــو جــزء مخفــي للمدينــة حتــت شــوارع العاصمــة‪.‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪56‬‬
‫ومحاطـ ًًا بتحصينــات ضخمــة وأبــراج دفاعيــة‪ ،‬ومســرح ًًا للحصــار العظيــم‬ ‫هــو ثمــرة تاريخهــا‪ ،‬الــذي ميتــد إلــى آالف الســنني؛ حيــث تعاقــب عليهــا‬
‫وتتضّمــن‬
‫ّ‬ ‫عــام ‪ .1565‬وتتخــذ منطقــة "غرانــد هاربــور" هيئــة نصــف دائــرة‪،‬‬ ‫الفينيقيــون واإلغريــق والرومــان والعثمانيــون والبريطانيــون‪ ..‬كلهــم مـ ّـّروا‬
‫مجموعــة مــن املــدن الصغيــرة املكتظــة بالســّكّ ان‪ ،‬ومنهــا "املــدن الــثالث"؛‬ ‫مــن هنــا وتركــوا بصمــات ال تــزال إلــى يومنــا هــذا تشــهد علــى تنـ ّـّوع هو ّّيــة‬
‫املســتوطنة األصليــة لفرســان مالطــا‪.‬‬ ‫هــذه اجلزيــرة وتعــدد مشــاربها الثقافيــة والعمرانيــة‬
‫• مســرح مونيــل‪ :‬يعــد مســرح مونيــل مــن أقــدم املســارح املوجــودة يف أوروبــا‪،‬‬ ‫تاريخًيــا‬
‫ً‬ ‫تذكارًيــا؛ وهــي إحــدى أغنــى املناطــق‬
‫ً‬ ‫نصًبــا‬
‫ً‬ ‫ويوجــد يف املدينــة ‪320‬‬
‫ويتميــز بتصميمــه الرائــع‪ ،‬ويتكــون املســرح مــن قاعــة بيضويــة الشــكل مــع‬ ‫يف العالــم‪ ،‬وقــد وصفــت بأنهــا جوهــرة معماريــة‪ ،‬وســميت باســم مدينــة‬
‫ثالثــة مســتويات مــن صناديــق خشــبية مزينــة بــأوراق ذهبيــة‪ ،‬وســقف أزرق‬ ‫الفنــون األوروبيــة ومدينــة التــراث العاملــي؛ حيــث تتمتــع مبجموعــة مــن‬
‫فــاحت شــاحب يشــبه القبــة املســتديرة‪ ،‬ويعــد هــذا املســرح مــن أهــم األماكــن‬ ‫املبانــي اجلميلــة التــي تتضمــن الكثيــر مــن القصــص التاريخيــة‪ ،‬مبــا يف‬
‫التــي تقــدم مســرحيات يف فاليتــا‪.‬‬ ‫ذلــك املبانــي الباروكيــة والقصــور الفخمــة واحلدائــق الطبيعيــة املزخرفــة‬
‫• املتاحــف‪ :‬تضــم املدينــة عـ ً‬
‫ـدًدا مــن املتاحــف‪ ،‬ومــن املتاحــف الشــهيرة فيهــا‪:‬‬ ‫واملســارح املهيبــة يف كل منعطــف‪.‬‬
‫متحــف اآلثــار‪ ،‬واملتحــف الوطنــي للفنــون اجلميلــة الــذي يضــم العديــد‬ ‫أبرز معالم املدينة‬
‫مــن األعمــال الفنيــة ألشــهر الفنــانني‪ ،‬والــذي كان يف املاضــي مقـ ًـًرا لفرســان‬ ‫• كاتدرائيــة القديــس جــون‪ :‬شــيدت هــذه الكاتدرائيــة بني العــامني ‪1573‬م‬
‫مالطــا‪.‬‬ ‫و‪ 1578‬م‪ ،‬وهــي مــن أروع أمثلــة العمــارة الباروكيــة اجلميلــة‪ ،‬وصمــم‬
‫• احلدائــق واحملميــات‪ :‬مثــل حديقــة أرجوتــي النباتيــة‪ ،‬ومحميــة جاديــرا‬ ‫زخرفتهــا الداخليــة الفنــان اإليطالــي ماتيــا بريتــي‪ ،‬وتعــد الكاتدرائيــة مــن‬
‫للطيــور‪ ،‬التــي تضــم العديــد مــن األنــواع النــادرة واملهــددة باالنقــراض‪.‬‬ ‫أكثــر الكاتدرائيــات تعقيــًدً ا يف مالطــا‪ ،‬وتتكــون مــن ‪ 8‬مصليــات إضافــة إلــى‬
‫• خطــوط فيكتوريــا‪ُُ :‬بنيــت خطــوط فيكتوريــا يف القــرن التاســع عشــر‬ ‫وجــود مقابــر ‪ 400‬فــارس مــن فرســان اجلزيــرة‪.‬‬
‫املــيالدي مــن قبــل البريطانــيني‪ ،‬مــن أجــل حمايــة منشــآت املدينــة واملرفــأ‬ ‫• حدائــق بــاراكا العليــا والســفلى‪ :‬تعــد حدائــق بــاراكا العليــا أكثــر شــعبية‬
‫مــن هجمــات الشــمال‪ ،‬وهــي جــدار مــن التحصينــات مــع أبــراج دفاعيــة متتــد‬ ‫بني الســياح مــن احلدائــق الســفلى؛ حيــث توفــر إطاللــة ســاحرة علــى مرفــأ‬
‫علــى مســافة ‪ 12‬كيلومتـ ًـًرا علــى طــول عــرض اجلزيــرة‪ ،‬وقــد انهــارت أجــزاء‬ ‫غرانــد هاربــور‪ ،‬كمــا يوجــد فيهــا العديــد مــن أماكــن اجللــوس واملــظالت‪،‬‬
‫كبيــرة مــن هــذه التحصينــات‪ ،‬وتســتخدم خطــوط فيكتوريــا اآلن للتنــزه‬ ‫وترجــع هــذه احلدائــق للقــرن الســادس عشــر املــيالدي؛ حيــث بنيــت‬
‫واملشــي علــى طــول اجلزيــرة وســط املناظــر الطبيعيــة اخلالبــة‪.‬‬ ‫لتســتخدم مكا ًًنــا الســتراحة واســترخاء الفرســان يف املدينــة‪.‬‬
‫• مينــاء فاليتــا‪ :‬كان هــذا املينــاء الهائــل أو "غرانــد هاربــور" مرســى للبــوارج‪،‬‬

‫‪57‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫آسية السخيري‬
‫أديبة ومترجمة تونسية صدر لها العديد من املؤلفات‬
‫‪essia6@msn.com‬‬

‫ترجمات‬

‫مــارتــن إيــدن‬
‫لـ جاك لندن‪Jack London /‬‬
‫ُة تحِّلِق عال ًًيا"‬
‫"كانت الحيا ُ‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪58‬‬
‫جــاك لنــدن‪ ،‬ولــد جــون جريفيــث تشــاني يف ‪ 12‬ينايــر ‪ 1876‬يف ســان فرانسيســكو وتــويف يف ‪ 22‬نوفمبــر ‪ 1916‬يف جــلني إلني‪ ،‬بكاليفورنيــا‪ ،‬هــو كاتــب أمريكــي‬
‫وغيِرهــا مــن الروايــات الشــهيرة (النــاب األبيــض‪ ،‬والعقــب احلديــدي‪)...‬‬
‫تيماتــه املفضلــة هــي املغامــرة والطبيعــة البريــة‪ ،‬وهــو صاحــب روايـ ِـِة "نــداء البريــة" ِ‬
‫بعُضهــا (مارتــن إيــدن‪ ،‬وجــون باليكــورن‪ /‬ملهــى الفرصــة األخيــرة) ُُيعتبــر ســيرة ذاتيـ ًـًة ‪ -‬هــذا باإلضافــة إلــى أكثــر مــن مائتــي قصــة قصيــرة‪ ،‬مائــة وخمســة‬
‫‪ُ -‬‬
‫وســبعون منهــا فقــط‪ُُ ،‬نشــرت يف حياتــه)‪.‬‬

‫ـاٌت وجودي ـ ٌٌة يف نطــاق فلسـ ٍ‬


‫ـفٍّي م ـعٍنَّي�ٍ ‪ .‬هــو س ـيَّدَ عي‪ ،‬عالو ًًة علــى‬ ‫موضوعـ ٌ‬ ‫ُنُشــرت روايــ ُُة جــاك لنــدن‬
‫احتجاًجــا علــى فلســفة نيتشــه حتــى وإن كان‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫َة‬ ‫ـ‬ ‫الرواي‬ ‫ـذه‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـب‬
‫ـ‬ ‫كت‬ ‫ذلــك‪ ،‬أنــه‬ ‫مارتــن إيــدن عــام ‪ ،1909‬أي‬
‫الِّســير‪ -‬ذاتــي‪ ،‬يف حني يــرى‬
‫الق ـَّرَ اء ســيحتفظون‪ ،‬علــى األغلــب‪ ،‬بالبعــد ِ‬ ‫ٍ‬
‫ســنواٍت مــن وفاتــه‬ ‫قبــل ‪7‬‬
‫شجٌب ــله‪.‬‬
‫بِّي وــ ٌ‬‫املؤ ِِّلــفون الناــشئون أنــها فــض ٌٌح للعاــلم األدــ ِ‬ ‫متســم ًًما ‪.‬‬
‫ـُّي مارتــن پــاج يف مكتبتــه املثاليــِةِ إلــى أنهــا "رحل ـ ُُة‬
‫ـُب الفرنسـ ُ‬
‫يشــير الكاتـ ُ‬ ‫األمريكِّي‬
‫ِ‬ ‫ـاِب‬ ‫ُيُعــد مؤ ل�ـ ُ‬
‫َُف الكتـ ِ‬
‫أيًضــا‪ ،‬لوحــ ٌٌة‬
‫ً‬ ‫رجــٍل‪ ،‬ومعركُتُــه ضــَّدَ احلتمَّيَ ــة االجتماعيــِةِ ولكنهــا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنتــاِج‪ ،‬وأحــِدِ ُُرَّوَ اِدِ‬
‫ِ‬ ‫غزيــِرِ‬
‫تصويريــ ٌٌة لفنــان"‪.‬‬ ‫"كتابــة الطبيعــة"‪ ،‬ســيـــــــــر ًًة‬
‫"كانــت احليــاُةُ حت�لـِق عال ًًيــا‪ ،‬وكانــت احلَّمَ ــى التــي متَّلَكتــه تأبــى‪ ،‬علــى‬ ‫ذاتــــــي ًًة ََّمت إعــــطـــا ُُؤهـــــــــا‬
‫ٌ‬
‫ملــٌك‬ ‫اخللــِق‪ ،‬التــي ُيُفتــرض أنهــا‬
‫ِ‬ ‫اإلطالق‪ ،‬أن تنخفــض‪ ،‬وكانــت فرحــ ُُة‬ ‫وخصائَصهــا‬
‫َ‬ ‫شكــــــ ََل الروايــِةِ‬
‫ٍ‬
‫شــيٍء‬ ‫لآللهــة فقــط‪ ،‬متلــؤه‪ ،‬وكانــت احليــاُةُ احلقيقيــ ُُة تشــرق فيــه؛ ك ُُّل‬ ‫كمــا ُأُضيــف لهــا الطابــ ُُع‬
‫ـرواِت املتع ِِّفنــِةِ ‪ ،‬أخ�تـُه الشــعثاُءُ‪ ،‬وضحـ ُ‬
‫ـكاُت‬ ‫آخ ـ ََر‪ ،‬روائ ـ ُُح الغســيِلِ واخلضـ ِ‬ ‫الرومانســي (قــد نقــول اليــو ََم‬
‫ـُّي يف‬ ‫هيِّجينبوثــام‪ ،‬ك ُُّل ذلــك كان مج ـ َ‬
‫َّرََد حلـ ٍـٍم‪ ،‬كان العالــم احلقيقـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الســيد‬ ‫إنهــا قصــ ٌٌة ذاتيــ ٌٌة!)‪ .‬روايــ ُُة‬
‫صُص الــتي كتبــها تعبــ ًيًرا عــنه‪.‬‬ ‫ذهــنه‪ ،‬ــمل ََء روِحـ ـِه‪ ،‬وكاــنت القــ ُ‬ ‫مارتــن إيــدن أصبحــت كتا�بـًا‬
‫ـِب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫الصل‬ ‫ـِدِ‬
‫ـ‬ ‫اجلس‬ ‫ذي‬ ‫ـاِّب‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـ‬
‫ـاِرِ‬ ‫البح‬ ‫مارتــن إيــدن هــي قص ـ ُُة‪ ...‬مارتــن‪،‬‬ ‫مذهب�يـًا بالنســبة لألدبــاء الطمــوحني‪ ،‬وقــد ََّمت حتويُلُهــا إلــى قصــة مصـَّوَ رٍةٍ‬
‫والبنيــِةِ القويــِةِ ‪ ،‬الــذي يعيــش يف أوكالنــد (بكاليفورنيــا)‪ ،‬يف بيــت ِ‬
‫زوِج‬ ‫ــُف كان‪ ،‬إذن‪ ،‬كات ًًبــا معرو ًًفــا‪ ،‬ال ســَّيَما‪ ،‬بواســطة‬ ‫يف عــام ‪ .2016‬املؤ ِِّل ُ‬
‫َ‬
‫الشــظَف والتقتيــ ََر مــا‬ ‫ِ‬
‫الفــِّظ‪ ،‬الــذي كان يعيــش‬ ‫أخِتِــه‪ ،‬التاجــِرِ البخيــل‬ ‫قصِصــه عــن املغامــرة والطبيعــِةِ البِّرِ�يـَِةِ (علــى رأســها روايتــا "نــداء البريــة"‬
‫ِ‬
‫والُّس ـ ْْك ََر‬
‫ُ‬ ‫ـحٍن وأخــرى يف البحــار البعيــدِةِ‪ ،‬ويحــب الشــجا ََر‪،‬‬
‫بني رحلــة شـ ٍ‬ ‫الشــباِب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫و"النــاب األبيــض")‪ ،‬التــي حُتح َظــى بشــعبية خاصــًة لــدى‬
‫واأللعــاَب التافهــ ََة كلمــا ُأُتيــح لــه ذلــك‪ ...‬ف�تـًى شــجا ٌٌع ومغامــ ٌٌر‪ ،‬عاشــ ٌٌق‬
‫َ‬ ‫علــى شــاكلة ِ‬
‫كِّل أعمــاِلِ ذاك املتع�لـ ِِِم العصامـ ِ‬
‫ـِّي الــذي عانــى‪ ،‬لفتــرة طويلـ ٍـٍة‪،‬‬
‫للجــزر‪ ،‬ال يســتطيع الدراســ ََة وال يعــرف (تقري ًًبــا) شــي ًًئا عــن الكتــب‪.‬‬ ‫ـِف الغريبــِةِ الصعبــِةِ ‪ ،‬نهجــت روايــة‬
‫مــن البــؤس والفقــِرِ والتش ـ ُُّرد والوظائـ ِ‬
‫يف تلــك الفتــرِةِ‪ ،‬ســتجعله الفرصـ ُُة َيَلتقــي بعالــم مختلـ ٍـٍف متا ًًمــا عــن عا�ل ـِه‪،‬‬ ‫مارتــن إيــدن‪ ،‬هــي األخــرى‪ ،‬النقــ ََد االجتماعــَّيَ الــذي طغــا علــى كل‬
‫األدِب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫جُتجِّسّ ــده شــخصي ُُة الشــابِةِ روث مــورس‪ ،‬ابنـ ُُة أحــِدِ األعيــاِنِ وطالبـ ُُة‬ ‫مؤلــ ِ‬
‫فاِت ــجاك لــندن‪.‬‬
‫وعلــى النقيــض مــن البيئــة التــي يعيــش فيهــا‪ ،‬هــو كان مفتو�نـًا بأناقتهــا‬ ‫ـدٍئ‪ ،‬يســير ك ُُّل شـ ٍ‬
‫ـيٍء ضـَّدَ ه‪ ،‬متــِزِ ج هــذه‬ ‫مــن خالل ســرِدِ رحلــِةِ كاتـ ٍـٍب مبتـ ٍ‬
‫ُب واملعرفــ ُُة‬
‫الرقــُّي والتهــ ُُّذ ُ‬
‫ُ‬ ‫ولطافتهــا بقــدر مــا كان يأســره مــا مت ِِّثلــه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املوضوعــاِت حــول الفــِّنِ والثقافــة‬ ‫الروايــ ُُة التدريبيــ ُُة بني العديــِدِ مــن‬
‫والثقاــف ُُة‪.‬‬ ‫ً‬
‫أيًضــا‪،‬‬ ‫واحلــِّب الــذي تعيقــه الطبقيــ ُُة‪ ،‬واملظاهــ ُُر‪ ،‬ولكنهــا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والتعليــم‬

‫رسم من القصة املصورة املقت ََبسة من رواية مارتن إيدن (ال پيير‪)2016 ،‬‬

‫‪59‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫ـاِت التــي ميكــن إحلا ُُقهــا بجســد اآلخــِرِ "‪ ،‬ينذهــل‬ ‫بعــدد اجلــروح والت ََو ُُّرمـ ِ‬
‫القــارُئُ مــن إخالصــه للكتــب التــي يريــد أن يكـ ِِّرس لهــا كَّلَ وق�ت ـِه‪ ،‬يف حالــة‬
‫جــنون ــسعارٍّيٍ ‪.‬‬
‫ـاٌب يســتدعي كتا�بـًا آخ ـ ََر يف مطــاردة ال نهاي ـ ََة لهــا‪" ،‬كان األصعـ ُ‬
‫ـُب هــو‬ ‫كتـ ٌ‬
‫إغال ُُق كتِبِ ــه التعليميــِةِ (…) لُيُغلــق جفنيــه الثقيــلني وُيُجبــر َ‬
‫نفَســه علــى‬
‫ـِف عــن القــراءة‪ ،‬ولــو لفتــرة قصيــرٍةٍ ‪ُ ،‬تُرعبــه وكان‬ ‫النــوم‪ ،‬كانــت فكــرُةُ الت ََو ُُّقـ ِ‬
‫َ‬ ‫عــزا ُُؤه الوحيـ ُُد هــو دقـ ُ‬
‫ـاُت املن�بـِِهِ ‪ ،‬التــي كانــت الضمانـَة األخيــرَةَ بــأن موت�تـَه‬
‫رنَني املنبــِهِ ســيوقظه‬ ‫ٍ‬
‫ســاعاٍت وأن َ‬ ‫خمــِس‬
‫ِ‬ ‫الصغيــرَةَ لــن تســتمر ســوى‬
‫الالوعــِي‪ ،‬وهكــذا فهــو ســوف مُيم نــح يو ًًمــا‬
‫ِ‬ ‫قري ًًبــا ويخرجــه مــن حالــة‬
‫تــسِع عــشرَةَ ــساع ًًة"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫جدــيًدً ا مجــيًدً ا عــلى امــتداد‬
‫مــن املثيــر لالهتمــام متابعــ ُُة تطــ ُُّوِرِ الشــخصيِةِ أثنــاء تعُّلُِمِ هــا‪ ،‬ورؤيِتِهــا‬
‫للعالــم واحليــا ِِة املتغ ِِّيــرِةِ‪.‬‬
‫أيًضــا‪ ،‬عالــ ََم املعرفــِةِ ‪،‬‬
‫الداخلــِّي‪ ،‬يربــط مارتــن إيــدن‪ً ،‬‬
‫ِ‬ ‫بعيــًدً ا عــن ثرائــه‬
‫ذاك‪ ،‬بعالــم النخبــِةِ االجتماعيــِةِ ‪ ،‬ومــن خالل شــخصيِةِ روث‪ ،‬ح�بـِه األوِلِ ‪،‬‬
‫يصــل إلــى الكتــب‪ ،‬يعــود جــزٌءٌ كبيــ ٌٌر مــن االنبهــار الــذي متارســه علــى‬
‫ـذٍب‪ -‬تنا ُُفـ ٍـٍر مثلمــا ســنرى يف‬
‫البطــل إلــى طبقتــه االجتماعيــِةِ (يف عالقــة جـ ٍ‬
‫وتأرجَحهــا‬
‫َ‬ ‫ـارَب عواطِفِ ــه جتــاه أهــِلِ بيئ�ت ـِه‬
‫بقيــة الروايــِةِ ؛ كمــا نالحــظ تضـ َ‬
‫بني الرفــض واحلنــاِنِ )‪" ،‬طبقـ ٌٌة" يبــدو‪ ،‬بالنســبة لــه‪ ،‬أنــه "ال ميكنــه الوصــو ُُل‬
‫إليهــا"‪.‬‬
‫االجتماعِّي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والبرجوازيُة‪ :‬حلم مارتن إيدن باالرتقاء‬ ‫ُ‬
‫الشغيلُة‬ ‫الطبقة‬
‫ـاَب الشــخصيِةِ وغبطَتَهــا يف البدايــة‬ ‫تثيــر تلــك البرجوازي ـ ُُة املثَّقَف ـ ُُة إعجـ َ‬
‫ـَف طبيعَتَهــا احلقيقيـ ََة‪.‬‬ ‫قبــل أن يتقَّشَ ــر طال ُُؤهــا السـ‬
‫ـطحُّي الَّلَمــا ُُع ويكتشـ َ‬
‫ُ‬
‫"هــذا يجعلنــي (‪ )...‬أرغــب يف ذلــك‪ ،‬أريــد أن أتنَّفَــس ذاك الهــوا ََء‪ ،‬أنــا‬ ‫رواية جاك لندن "مارتن إيدن" يف طبعتها األمريكية األولى (عام ‪)1909‬‬

‫أنــاٍس‬
‫ٍ‬ ‫واللوحــاِت واألشــياِءِ اجلميلــِةِ ‪ ،‬مــع‬
‫ِ‬ ‫الكتــِب‬
‫ِ‬ ‫أيًضــا؛ أن أعيــش بني‬‫ً‬
‫نفَســه مبســاعدتها‪...‬‬
‫َ‬ ‫يكتشــف احلــَّبَ ألول مــرٍةٍ ‪ ،‬ثــم يقــ ِِّرر أن يث ِِّقــف‬
‫منخفضــٍة‪ ،‬نظيــفني‪ ،‬ولديهــم أفكا ُُرهــم اخلاصــ ُُة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يتحدثــون بأصــوات‬
‫ككاتــٍب‪ ،‬بْيْــد أن تدريَبَــه العاطفــَّيَ واألدبــَّيَ ســيقلب‬‫ٍ‬ ‫ويكتشــف موهبَتَــه‬
‫الهــواُءُ الــذي أتنفســه دائ ًًمــا تفــوح منــه رائح ـ ُُة القــذارة والعفونــِةِ والفقــر‬
‫َ‬
‫حياَتَــه بشــكل ال أمــَل علــى اإلطالق يف إصالحــه‪...‬‬
‫والرــعاِع‪.‬‬
‫ِ‬ ‫والكــحوِلِ واألوــغاِدِ‬
‫الفكريِة‬
‫ِ‬ ‫املعرفِة والنخبة‬
‫ِ‬ ‫مارتن إيدن يضفي الصبغة املثالي ََة على عالم‬
‫نالحــظ‪ ،‬مــع ذلــك‪ ،‬معارض�تـَه العنيفــ ََة لذينــك العــاملني‪ ،‬املانو�يـ ََّة* متا ًًمــا‬
‫ـيٍء‪ ،‬قصـ ُُة رجـ ٍـٍل يفتــح فجــأ ًًة أبـ َ‬
‫ـواَب املعرفــِةِ‬ ‫مارتــن إيــدن هــي‪ ،‬قبـ ََل ِ‬
‫كِّل شـ ٍ‬
‫حــتى وإن ــظل نزيًهـ ـًا ودقيًقـ ـًا‪ :‬ــعا ََملا الطبــقِةِ العامــلِةِ والبرجوازــيِةِ ‪.‬‬
‫ويندهــش مــن الكنــوز التــي يكتشــفها ورا ََءهــا‪ ،‬هــو‪ ،‬حرف ًيًّيـًا‪ ،‬مفتــو ٌٌن بــذاك‬
‫بتعبير أدَّقَ ‪ ،‬العما ُُل اليدوُّيُون من جهة واملثَّقَفون من جهة أخرى‪.‬‬
‫العالـ ِـِم الروحــي والفكــرِّيِ الــذي كان يلتهمــه والــذي يجعلــه يأمــل يف حيــاة‬
‫لقــد أمكنــه التأثيـ ُُر بأفــكاره وتأمال�ت ـِه حــول العمــِلِ الــذي ُيُرهــق القريــبني‬
‫بؤِس ووحــشيِةِ بيئ ـتـِه‪.‬‬ ‫جدــيدٍةٍ بعــيدٍةٍ ــعن الفــقر والــ ِ‬
‫اخلاُّص باليدــين راــ ٌئٌع يف ــهذا الــصدد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مــنه‪ :‬املقــط ُُع‬
‫يذ ِِّكــر مارتــن‪ ،‬وهــو شــخصية مثاليــ ٌٌة ومؤمنــ ٌٌة باإليديولوجيــا التح ُُّكميــة‬
‫انتباَهــه يـ ُُد روث الناعمـ ُُة "مثــل بتلــة وردٍةٍ " علــى عكــس األيدي‬
‫َ‬ ‫لقــد جلبــت‬
‫املطلقــِةِ التــي تذكــر مبفكــري عصــِرِ التنويــِرِ الذيــن كانــوا يــر ْْون يف املعرفــة‬
‫املتي ِِّبســِةِ واملتصِّلِبــة املعروقــِةِ للعــامالت اليدِوِ يـ ِ‬
‫ـاِت الالتــي يعرفهــن‪ " ،‬رأى‬
‫خالًصــا لإلنســانية‪ ،‬اخلارجــِةِ مــن ظالميــة كانــت ســائد ًًة حتــى ذلــك‬ ‫ً‬
‫ـدْي والــِدِ ه‪ ،‬الــذي‬ ‫مــرة أخــرى كَّفَ ـ ْ‬
‫ـْي أ ِِّمــه اخلشــنتني امللقــاتني يف نعشــها‪ ،‬ويـ ْ‬
‫احلِني ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫جلديــٍة يف يــوم‬ ‫مقابــَض‬
‫َ‬ ‫كان يتفانــى يف القيــام بشــغله‪ ،‬الذابلــتني مثــل‬
‫نفَســه‪ ،‬إلــى رجــل متط ـ ِِّو ٍٍر‪" :‬لقــد‬ ‫االنتقــا ُُل مــن "رجــل بدائـ ٍ‬
‫ـٍّي" كمــا يصــف َ‬
‫وفا ـتـِه"‪.‬‬
‫ـَت تعتقــد‪ ،‬مثـ ََل اآلخريــن‪ ،‬أن الرجولـ ََة ُتُقــاس‬ ‫ً‬
‫وحًشــا مظل ًًمــا و(‪ )...‬كنـ َ‬ ‫ـَت‬
‫كنـ َ‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪60‬‬
‫املفكــرُةُ منَّكَ سـ ًًة‪ ،‬منكســر ًًة وكانــت تخ ُُّيال�تـُه القدميـ ُُة تضمحـ ُُّل وتتهــاوى يف‬ ‫ِ‬
‫اخلطاباِت‬ ‫تلــك التفصيلـ ُُة البســيط ُُة‪ ،‬تقــول يف نهايــة املطـ ِ‬
‫ـاِف‪ ،‬أكثـ ََر مــن كل‬
‫ذاِت مصارــ َيَع موــصدٍةٍ ‪.‬‬
‫مرــيٍض ِ‬
‫ٍ‬ ‫غرــفِةِ‬ ‫عــن اخلنــدق‪ /‬النفــق الــذي يفصــل بينهمــا‪ ،‬كمــا ســيفهم‪" :‬تلــك هــي الفجوُةُ‬
‫إن ذلــك التنديـ ََد باالســتغالل يعكــس التــزا ََم لنــدن االشــتراكَّيَ (الــذي جنــده‬ ‫الــتي كاــنت تفــصل بني العاملني‪.‬‬
‫يف العدــيد ــمن رواياــته‪ ،‬عــلى ــغرار "ــشعب الهاوــية")‪.‬‬ ‫هــي هاوي ـ ُُة أولئــك النـ ِ‬
‫ـاِس الذيــن لــم يكونــوا يحتاجــون للعمــل ليعيشــوا‪.‬‬
‫ـتراكٌّي فظي ـ ٌٌع" رغــم أنــه ينفــي‬
‫ٌ‬ ‫غيــر أن مارتــن إيــدن ُيَُّتَهــم‪ ،‬هنــا‪ ،‬بأنــه "اشـ‬ ‫بــدت لــه الطبق ـ ُُة األرســتقراطية اخلامل ـ ُُة والعاطل ـ ُُة‪ ،‬فجــأًةً‪ ،‬مث ـ ََل متثـ ٍ‬
‫ـاٍل‬
‫نفَســه علــى أنــه فردانـ ٌـٌّي ألن املســاواَةَ‪ ،‬بالنســبة لــه‪ ،‬ال‬
‫ذلــك‪ :‬فهــو يع ـّرّ ف َ‬ ‫مــن البرونــز‪ ،‬ينتصــب متعجر ًًفــا وقو ًيًّيـًا بالكامــل‪ ،‬علــى احلائــط أما ََمــه‪.‬‬
‫ميكــن أبــًدً ا أن تتحقــق؛ هــي مج ـَّرَ د وهـ ٍـٍم‪" :‬أعتقــد أن األســر ََع هــو الــذي‬
‫كان يكــدح دائ ًًمــا؛ ك ُُّل ذكرياِتِــه منــذ الطفولــِةِ كانــت مرتبطــ ًًة بالعمــل‬
‫يفــوز بالســباق‪ ،‬املعرك ـ ُُة ُيُديرهــا األقــوى"‪ ،‬متاش ـ ًًيا مــع أفــكار الفيلسـ ِ‬
‫ـوِف‬
‫يبِّجلــه (متا ًًمــا مثــل لنــدن)‪ ،‬وهــو شــك ٌٌل مــن أشــكال‬
‫سپنســر الــذي ِ‬ ‫كُّد وتكابــِد يف تــلك املهــمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الــشاِّق‪ ،‬وكاــنت عائلتــُه بأكملــها تــ ُ‬
‫"الداروينيــِةِ االجتماعيــِةِ " ("البقــاُءُ لألصلــح" املصطلـ ُُح الناشــُئُ عــن نظريــة‬ ‫ال يــزال ذاك النــو ُُع مــن التحليــل مانوًّيّيـّا ألن احملكــومني باحليــاة املكتب�ي ـَِةِ‬

‫التط ـ ُُّوِرِ الداروينيــِةِ كوســيلة لوصــف آليــِةِ االنتقــاِءِ الطبيعـ ِ‬


‫ـِّي)‪.‬‬ ‫نفُســها بالطبــع‪.‬‬‫أيًضــا‪ ،‬حتــى لــو لــم تكــن مشــق ُُة العمــِلِ هــي ُ‬
‫موجــودون‪ً ،‬‬
‫ـاٍت مختلفـ ًًة يف الروايــة‪ ،‬هيقــد‬‫ـُّي نقاشـ ٍ‬ ‫ِ‬
‫عالو ًًة علــى ذلــك‪ ،‬فــإن مارتــن إيــدن يف وضــع ميِّكنــه مــن املعرفــة اجل�يـِد ِِة‬
‫ـفُّي السياسـ ُ‬
‫يثيــر هــذا البعـ ُُد الفلسـ ُ‬
‫بــأن اجلهـ ََد الفكــرَّيَ ميكــن أن يكــون مره ًًقــا للغايــة‪ ،‬هــو الــذي يتفانــى إلــى‬
‫ــحِّدِ قــتِلِ نفِسـ ـِه يف الدراــسة‪.‬‬
‫وبالتالــي فــإن الكـَّدَ اليــدوَّيَ الــذي يطغــى علــى الرجــال هــو موضــو ُُع وصف‬
‫َْســَلَِةِ ََماَلاِب َ‬
‫ِــَس‬ ‫خــاٍّص مــن خالل جترب�تـِه يف ‪ِ -‬مِ ْغ َ‬
‫ٍ‬ ‫وجــذاٍب بشــكل‬
‫ٍ‬ ‫مذهــٍل‬
‫ٍ‬
‫عاَّمَ ـ ٍـٍة (حتــى أن القــارَئَ يحســب َ‬
‫نفَســه يف حضــرة جيرفيــز مــاكار إحــدى‬
‫شــخصيات روايــة اخلمــارة الصغيــرة‪ ،L'Assommoir /‬األكثــِرِ شــهر ًًة‬
‫ومبي ًًعــا ضمــن سلســلِةِ روايــات "آل روغــون مــاكار‪Les Rougon- /‬‬
‫‪ "Macquart‬العشــرين للروائــي الفرنســي إمييــل زوال!)‪.‬‬
‫امللتزُم يف رواية مارتن إيدن‬
‫ُ‬ ‫جاك لندن النقد االشتراكي واألدب‬
‫حتــت قيــاد ِِة رجـ ٍـٍل ُيُدعــى جــو‪ ،‬يتفانــى يف إجنــاز عم�ل ـِه ويعاقــر اخلمــرَةَ‬
‫كــي ينســى‪ ،‬يعيــش مارتــن إيــدن جحي ًًمــا حقيقًّيّيـّا يف ذلــك الشــغل الشـ ِ‬
‫ـاِّق‬
‫سانٍّي‪ ،‬تقري ـبـًا‪.‬‬
‫والقاــسي بــشكل الإنــ ٍ‬
‫طويًال يف وصف التح ُُّوِلِ الذي حدث داخَلَه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُيُسهب لندن‬
‫والفــراِغ‪ ،‬وفقــد كَّلَ قدرِتِــه علــى‬
‫ِ‬ ‫لقــد أصيــب عق�لـُه‪ ،‬حرفًّي�ّــا‪ ،‬بالذهــول‬
‫التفكيــر‪ " :‬اســتهلك عم�لـُه كياَنَــه بالكامــل‪ .‬ومتحــ ِِّواًلا إلــى إنســان ٍ‬
‫آلــٍّي‪،‬‬
‫كان يركــز كَّلَ ذكا�ئ ـِه علــى حركاتــه ولــم يعــد هنــاك مــكا ٌٌن يف عقلــه ملشــاكل‬
‫الكــوِنِ الكبــرى‪.‬‬
‫روِحــه‬ ‫ـراُت عق�ل ـِه الشاســع ُُة مغلقـ ًًة بإحـ ٍ‬
‫ـكاٍم‪ ،‬وكانــت غرفـ ُُة صــدى ِ‬ ‫كانــت ممـ ُ‬
‫صغيــٍر‪ ،‬ينقــل األوامــ ََر إلــى ذراعــه‪ ،‬إلــى كتفيــه‪ ،‬إلــى‬
‫ٍ‬ ‫بــرِج قيــادٍةٍ‬
‫مبثابــة ِ‬
‫أيًضــا‪{" :‬أفــكا ُُره}‪ ،‬التــي كانــت حتتكرهــا‪ ،‬بالتمــام‪،‬‬ ‫أصابعــه العشــرِةِ‪ "...‬أو‪ً ،‬‬
‫شيٍة أعصابــَه‪ ،‬ــلم تــعد ُُمــ ًلًكا ــله‪.‬‬
‫هاٌّم كاــنت تنــهش ــبكل وحــ ٍ‬
‫مــ ٌ‬
‫طموُحــه‪ ،‬وذوت معــه‬
‫ُ‬ ‫ـيٍء"؛ " لقــد جــَّفَ‬
‫لــم يكــن مارتــن إيــدن يفكــر يف أِّيِ شـ ٍ‬
‫حيويتــُه اجلميــل ُُة‪ ،‬لــقد كان مي ـتـًا‪ ،‬وكاــنت روُحـ ـُه ميــ ًتًة‪.‬‬

‫الناِس‬
‫ِ‬ ‫طموٍح من عامة‬ ‫لكاتٍب‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الشاِّق‬ ‫مارتن إيدن‪ :‬رحل ُُة العمل‬
‫ـِش املكابــد ِِة ‪ ،‬كانــت مرايــا خيا�ل ـِه الرؤيوي ـ ُُة‬
‫ـٍش‪ ،‬وحـ ِ‬
‫لــم يكــن أكث ـ ََر مــن وحـ ٍ‬
‫ٍ‬

‫‪61‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫ٍ‬
‫شــديٍد "‪.‬‬ ‫عميــٍق‪ ،‬واليــو ََم طرقــت احليــاُةُ باَبَهــا بعنــف‬
‫ٍ‬ ‫اســتغرقت يف نــوم‬
‫مــن جانبــه‪ ،‬انبهــر مارتــن إيــدن‪ ،‬حًّق�ّ ــا‪ ،‬بتلــك "الزهــرة الذهبيــِةِ الشــاحبة"‬
‫التــي شـَّبَهها بر�بـ ٍٍَة أو إلهـ ٍـٍة‪ ،‬يف الواقــع‪ ،‬تظهــر لــه روث كرمـ ٍـٍز لتلــك الثقافــِةِ‬
‫وذاك الــتأ ُُّد ِِب اللذــين كان يطــمح إليهــما بــشدة (اإلــسقاط)‬
‫"ومــع ذلــك‪ ،‬فقــد كانــت الــرو ُُح التــي رآهــا يف عينــي تلــك الفتــاِةِ‪ ،‬بالفعــل‪،‬‬
‫‪ -‬روًحـ ـًا خاــلد ًًة إــلى األــبد‪".‬‬
‫النــاِس‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫وهــذا مــا يجعلهــا غاليــ ًًة جــدًا يف عينيــه‪ ،‬مقارنــ ًًة بفتيــات عامــِةِ‬
‫األكــثِرِ "فظاــ ًظًة" إــلى أن يراــجع رأَيــَه (انــظر‪ :‬ــشخصي ََة لــيزي)‪.‬‬
‫روًحــا نقيـ ًًة ويرفــض "اخللـ َ‬
‫ـَط بينهــا وبني كائـ ٍـٍن عــادٍّيٍ مــن حلــم‬ ‫هــو يراهــا ً‬
‫ودٍم" حــتى مــشهِدِ الــكرز الــشهيِرِ ذاك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫َّوََر مشــاعِرِ هما وتعبي ََرهمــا اجلســدَّيَ "‪ ،‬مــع‬
‫يصــف جــاك لنــدن ببراعــة تطـ َ‬
‫ـاِت الفكاهيــِةِ املرتبطــِةِ بحــرج البطــِلِ وحماق�ت ـِه يف بعــض‬
‫بعــض املالحظـ ِ‬
‫األحيــاِنِ أو مخاوِفِ ــه‪.‬‬
‫مــن هــي املــرأُةُ التــي ال حتلــم بــأن تكــون محبوب ـ ًًة بحماســِةِ وتفانــي رجـ ٍـٍل‬
‫مــثِلِ مارــتن إــيدن؟!‬
‫ً‬
‫متمِّس ـًكا باحلــب‬
‫ِ‬ ‫يف مواجهــة انهيــاِرِ أوهاِمِ ــه حــول النخبــِةِ املثقفــِةِ ‪ ،‬يظــل‬
‫ككاتــٍب وميوالِتِــه وثقافِتِــه‪" :‬إذن‪ ،‬كان عليــه أن‬
‫ٍ‬ ‫الــذي هــو أصــ ُُل شــغِفِ ه‬
‫يكــسب ذــلك‪ :‬روث واحلـحَّبَ ‪.‬‬
‫ـُّب همــا اللــذان‬ ‫اًلا‬ ‫ك ُُّل مــا بقـ َ‬
‫ـَي مــن أشـ ٍ‬
‫ـياٍء أخــرى كان فــش ‪ .‬فقــط روث واحلـ ُ‬
‫ـِب‪.‬‬
‫اجتــازا بلــوى الكتـ ِ‬
‫لقــد كان يعدهــا مبثابــة عقوبـ ٍـٍة بيولوجيـ ٍـٍة‪ ،‬كان احلـ ُ‬
‫ـُّب هــو التعبيـ ُُر األســمى‬
‫كِّل الرجــاِلِ اآلخريــن‪ ،‬هــو ُخُ لــق مــن أجــل احلـ ِ‬
‫ـِّب‬ ‫عــن احليــاِةِ‪ ،‬علــى غــرار ِ‬
‫– اــلذي ُيُــعد تدبــ َيَر الطبيــعِةِ النهاــئَّيَ (‪.)...‬‬
‫األمـ ََل‪ /‬الوهـ ََم النهائـَّيَ الــذي كان يتمَّسَ ــك بــه قبــل أن ينكســر هــو اآلخـ ُُر‪،‬‬ ‫خيبة أمِلِ مارتن إيدن‪ :‬اجلما ُُل مقابل املاِلِ‬
‫ـ‬
‫أيًضـًا‪...‬‬
‫ـَن أخــرى غيــِرِ التــي تســير فيهــا أحــداُثُ‬
‫ـَض القــراِءِ يف أماكـ َ‬
‫تكــون أربكــت بعـ َ‬
‫الناِس‬ ‫طموٍح من عامة‬ ‫لكاتٍب‬ ‫ِ‬
‫الشاِّق‬ ‫ُ‬
‫رحلُة العمل‬ ‫مارتن إيدن‪:‬‬ ‫الروايِةِ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫يجِّســد مارتــن إيــدن شــخصيَة كاتـ ٍـٍب‬ ‫قبــل عقديــن مــن أرتــورو باندينــي‪،‬‬ ‫ـِّي ولكنــه يفعــل ذلــك مبهــارة ال‬
‫وهكــذا يتعَّمَ ــق لنــدن يف األدب األيديولوجـ ِ‬
‫ِ‬
‫ـيٍء مــن أجــل نشــِرِ أعما�ل ـِه يف‬ ‫ـاٍّب لديــه االســتعدا ُُد الكام ـ ُُل لفعــل ِ‬
‫كِّل شـ ٍ‬ ‫شـ ٍ‬ ‫تعيــق ‪ -‬ولــو لـمرة واحــدٍةٍ ! – الســر ََد‪ ،‬بــل هــي‪ ،‬علــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬تثريــه‬
‫اجملالت ــثم عــند الناــشرين‪.‬‬ ‫مبــهارة مبدــ ٍعٍة‪.‬‬
‫ـرٌّي ُأُســيء فه ُُمــه يف البدايــة‪ ،‬هــو عــرف جحي ـ ََم إرســاِلِ اخملطوطـ ِ‬
‫ـاِت‬ ‫حٍّب يف عالم من العنيفني املتوحشني‬ ‫ُ‬
‫قصُة ٍ‬ ‫مارتن إيدن‪:‬‬
‫عبقـ ٌ‬
‫حــٍّب‪...‬‬
‫ٍ‬ ‫شــيٍء‪ ،‬قصــ ُُة‬
‫ٍ‬ ‫أيًضــا‪ ،‬ورمبــا قبــل ِ‬
‫كِّل‬ ‫روايــ ُُة مارتــن إيــدن هــي‪ً ،‬‬
‫أيًضــا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أنواِعهــا‪ ،‬ويف األثنــاء هــو عــرف‪ً ،‬‬ ‫ـِض بجميــع‬ ‫ِ‬
‫ورجوِعهــا ورســائِلِ الرفـ ِ‬
‫خــاٍّص‪ً ،‬‬
‫أيًضــا‪ ،‬مــع‬ ‫بشــكل‬ ‫ُ‬
‫ُة‬ ‫الرائعــ‬ ‫(عالق�تـُه‬ ‫ــا‬‫جوًع‬
‫ً‬ ‫ِرِ‬‫ُّو‬ ‫بالتضــ‬ ‫اإلحســاَس‬ ‫ٍ‬
‫جميــلٍة‪.‬‬ ‫مأــساوي ٌٌة بالتأكــيد‪ ،‬ولكنــها حتــتوي‪ ،‬ـ‬
‫أيًضـًا‪ ،‬عــلى حلــظات‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صاحبــِةِ املنــزِلِ فقيــر ِِة احلال التــي اكتــرى منهــا منزَلَهــا)‪ ،‬لكــن طاقَتَــه‬ ‫ـوِص هــو األم ـ ُُر املؤ�ثـ ُ‬
‫ُِر‬ ‫ـارَب التدريج ـَّيَ مــع روث علــى وجــه اخلصـ ِ‬
‫إن التقـ َ‬
‫اجلَّيَ اشـ ََة وحماسـَتَه األدبيـ ََة لــم تضعفــا أبــًدً ا‪ :‬يجعلنــا جــاك لنــدن نشــاركه‬ ‫ـاٍّص‪.‬‬
‫بشــكل خـ ٍ‬
‫نه ََمــه املســعو ََر للتع�لـُم وإميا�نـَه الــذي ال يصــدأ بنجاحــه يف املســتقبل وال‬ ‫البعــِض‪،‬‬
‫ِ‬ ‫شــيٍء لبعضهمــا‬‫ٍ‬ ‫اجنــذاُب كائــنني متناقــضني متا ًًمــا يف كل‬
‫ُ‬
‫يتزــعزع‪.‬‬ ‫وســتبذل عائلتاهمــا كَّلَ مــا يف وســعهما لتفريقهمــا‪ ،‬نغمـ ٌٌة مألوفــة ولكــن ََّمت‬
‫األدبــِّي الــذي ال‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ينتِهِ ــز لنــدن الفرصــَة لتصفيــة حســاباِتِه مــع النقــد‬ ‫عزُفُهــا هنــا بحساســية كبيــرٍةٍ ‪.‬‬
‫النجــاِح األدبــي هــم الفاشــلون يف‬
‫ِ‬ ‫كالَب حراســِةِ‬
‫َ‬ ‫يســتطيع حتملــه‪" :‬إن‬ ‫ـاِس‪ ،‬ذي البنيــة القويــِةِ (مثلمــا‬
‫ـذاُب روث لــذاك الرجــِلِ مــن عامــِةِ النـ ِ‬
‫اجنـ ُ‬
‫َ‬
‫األدِب "‪ ،‬ضمنًّي�ًــا وبطريقــة ميكننــا تخميُنُهــا‪ :‬هــو يطــرح الســؤاَل "ملاذا‬ ‫ِ‬ ‫�ن‬
‫تشــير إلــى ذلــك بصفــة مســتمرة رقب�تـُه) بعيــًدً ا عــن املتأ ـِقني الرقيــقني مــن‬
‫نرــيد الكتاــ َبَة؟‬ ‫احملــيطني بــها‪ ،‬الذــين خبرتــهم ــمن دون فــ ٍهٍم وــضَّدَ إرادِتِــها‪ ،‬تقري ـبـًا‪ُ ،‬يُذ ـكـِر‬
‫ـداِع كمــا هــو احلا ُُل‬
‫أيًضــا‪ ،‬صعوبــات اإلبـ ِ‬‫بني املهنــِةِ وجمــاِلِ الفــِّنِ ‪ ،...‬ولكــن‪ً ،‬‬ ‫كذلــك بالليــدي تشــاترلي‪ ،‬بطلــِةِ روايــِةِ ديفيــد هيربيــرت لورانــس عشــيق‬
‫مــع تلــك السلســلِةِ الهائلــِةِ مــن الشــتائم‪" :‬أبلــه! يصــرخ يف صــورة وج�ه ـِه يف‬ ‫حارَس الغاــبِةِ الــ ِ‬
‫فِّظ‪.‬‬ ‫اللــيدي تــشاترلي وــهي تواــجه ــ َ‬
‫املرآة‪.‬‬ ‫انتباَههــا إلــى الرغبــة والشــهوانيِةِ ‪" :‬لقــد‬
‫َ‬ ‫نالحــظ‪ ،‬علــى ســبيل املثــاِلِ ‪،‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪62‬‬
‫الواسِع إلى نقطة الالعودِةِ‪".‬‬
‫ِ‬ ‫عالِم الفكِرِ‬
‫ِ‬ ‫اتخذ املنفى مال ًًذا‪ .‬سافر عب ََر‬ ‫تريــد أن تكتــب‪ ،‬وحتــاول أن تكتــب ولكــن ليــس لديــك مــا تقولــه‪ ،‬مــاذا‬
‫ك ُُّل ما تبقى له هو الشعو ُُر بالوحدة الذي من املستحيل كس ُُره‪.‬‬ ‫حتمــل بداخلــك؟‬
‫هنــا‪ ،‬تراودنــا فكــرُةُ هــذا القــوِلِ املأثــوِرِ "طوبــى للبســطاء"‪ :‬هــل هــذا مــا‬ ‫الهضــِم‪ ،‬كتلــ ًًة‬
‫ِ‬ ‫يَء‬ ‫اًلا‬
‫بعــَض املشــاعِرِ الدافئــِةِ ‪ ،‬جمــا ســ َ‬
‫َ‬ ‫فكــرتني أو ثال ًًثــا‪،‬‬
‫أراد لنــدن إثبا�تـَه؟‬ ‫وطموًحــا يتناســب مــع هــذا‬
‫ً‬ ‫هائلـ ًًة مــن اجلهــل الفــاد ًًح‪ ،‬قل�بـًا يفيــض باحلــب‬
‫مــن �ثـََّمَ ‪ ،‬قـَّرَ ر مارتــن إيــدن الســي ََر علــى خطــى فرانكشــتاين‪ ،‬الــذي ارتبــط‬ ‫احلـحب‪ ،‬ولكــنه بحــجم جهلـ ـِك الــقذِرِ ‪ ،‬ترــيد أن تكــتب!‬
‫املقــدِس (اإلجنيــل)‬
‫ِ‬ ‫نفُســه باخلطيئــة األصليــِةِ املتداو�لـَِةِ يف الكتــاب‬
‫هــو ُ‬ ‫ـقٍة ُتُدخــل بعــض املاد ِِة يف رأســك‪ ،‬تريــد‬
‫بطبيعــة احلاِلِ ‪ ،‬ولكنــك تــكاد مبشـ ٍ‬
‫ـقوِط جنــِةِ عــدن (التــي يبــدو أن لقـ َ‬
‫ـَب البطــِلِ يعكســه‪ )...‬واألســاطير‬ ‫وسـ ِ‬ ‫أن تخــلق اجلــما ََل رــغم أــنك ال تــعرف ــشي ًًئا ــعن طبيــعة اجلــماِلِ ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫اليونانيــِةِ األخــرى مــن بروميثيــوس إلــى إيــكاروس‪ ...‬ســؤاٌل جنــده‪ً ،‬‬
‫أيًضــا‪،‬‬ ‫تريــد أن تكتــب عــن احليــاة وأنــت ال تعــرف شــي ًًئا عــن اخلصائــص‬
‫ضمن ًيًّيـًا يف "فهرنهايــت ‪ "*451‬حتــى وإن قــرر برادبــري الدفــا ََع عــن الكتــب‬ ‫األساســي�ة للحيــاة‪.‬‬
‫والثقافــِةِ ض ـَّدَ دعــوى ا ََملَلَْنُْخُ و ِِل�يـَا* املوَّجَ هــِةِ ضَّدَ همــا تاريخ ًيًّيـًا‪.‬‬ ‫تريــد أن تتحــدث عــن املبــادئ العظيمــِةِ التــي حتكــم العالـ ََم يف حني ال مي�ثـِل‬
‫إن كل املعرفــِةِ التــي ركمهــا مارتــن لــن تقــوده يف النهايــة إلــى الســعادة‪ ،‬بــل‬ ‫نٍّي ال تفــهم عــنه ــشي ًًئا‪.‬‬
‫لُم بالنــسبة ــلك ــسوى لــ ٍغٍز صيــ ٍ‬
‫العاــ ُ‬
‫علــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬هــي ســتؤِّدِي بــه إلــى الـمرارة وخيبــِةِ األمــِلِ اللــتني‬ ‫ـجاًعا يــا ولــدي! (‪ )...‬يو ًًمــا مــا‪ ،‬مــع احلــظ‪ ،‬ســتكون قري�بـًا‬
‫لكــن لتكــن شـ ً‬
‫ٍ‬
‫قاتلــٍة‪( ،‬بطريقــة أكثــر معاصــرة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حتميــٍة‬ ‫تؤديــان بدورهمــا إلــى نتيجــة‬ ‫ج ـًّد�ّ ا مــن معرفــة ِ‬
‫كِّل مــا يجــب معرف�تـُه‪ .‬وحينهــا ســوف تكتــب"‪.‬‬
‫ـُّي ومؤلـ ُ‬
‫ـُف الروايــة‬ ‫أيًضــا‪ ،‬األطروح ـ ُُة التــي تناولهــا الكاتـ ُ‬
‫ـُب الفرنسـ ُ‬ ‫هــذه‪ً ،‬‬
‫الفلســفيِةِ الســاخر ِِة مارتــن پــاج يف روايتــه األولــى‪" :‬كيــف أصبحــت غب ًيًّيـًا")‪.‬‬ ‫املاِل‬
‫اجلماُل مقابل ِ‬‫ُ‬ ‫أمِل مارتن إيدن‪:‬‬ ‫خيبة ِ‬
‫تتأرــجح تــلك الــشخصي ُُة املطلــقة واملكَّثَــف ُُة ــمن ــطرف إــلى آــ َخَر‪.‬‬ ‫لكــن ذاك الزخــ ََم الهائــ ََل والشــهي ََة للحيــاة ســينتهي بهمــا األمــ ُُر إلــى‬
‫يخبرنــا جــاك لنــدن أن هنــاك مــا هــو أســوُأ ُ مــن عــدم رؤيــِةِ أحالِمِ نــا‬ ‫كِّل التوقعـ ِ‬
‫ـاِت‪ ،‬يف‬ ‫االنكســار‪ ...‬القــوُةُ الكبــرى للروايــة تك ُُمــن‪ ،‬علــى عكــس ِ‬
‫ِ‬
‫ــفواِت األواِنِ ‪.‬‬ ‫تتحــقق وــهو حت ُُّقُقُــها بــعد‬ ‫الكاــتِب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫جنـجاِح‬
‫ِ‬ ‫الــطارِئ لذــلك االــشمئزاِزِ حلــ َظَة‬
‫ِ‬ ‫التدــخل‬
‫َُضــُّخُ الـمرارُةُ وخيبـ ُُة األِمِ ــل ســمو ََمهما عمي ًًقــا يف األوردة إلــى حــِّدِ‬
‫عندمــا َت ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫�ن‬
‫مــا دَّمَ ــره وق ـَّوَ ض إميا ـَه بنفســه هــو فقــدا ُُن ُُمُث�ل ـِه وأوهاِمِ ــه‪ :‬جمــاُل الفــِّنِ‬
‫ِ‬
‫ـِف وكســِرِ كِّل دافـ ٍـٍع للحيــاة‪.‬‬ ‫جتفيـ ِ‬ ‫كِســب‬ ‫ـِّب‪ .‬يف عالــم يحكمــه املا ُُل‪ ،‬مــا هــو ذو قيمـ ٍـٍة هــو‪ ،‬فقــط‪ ،‬مــا ُيُ ِ‬ ‫واحلـ ِ‬
‫املا ََل‪ .‬إن حشــ ََد حبيبِتِــه ضمــن امله�لـِلني لتلــك الرؤيــِةِ ســوف يد ِِّمــره‬
‫الهوامش‪:‬‬ ‫األدِب عمالق ـ ََة هــذا العالـ ِـِم‪ ،‬وكانــوا‬
‫ِ‬ ‫بشــكل فاجـ ٍـٍع يف النهايــة‪" :‬كان رجــا ُُل‬
‫• املانويــة‪ :‬نســبة إلــى مانــي وهــو أحــد االنبيــاء الذيــن ظهــروا يف بالد مــابني النهريــن‪ ،‬ولــد يف عــام‬ ‫األرِض مبــا لديهــم‬
‫ِ‬ ‫ـدِم علــى وجــه‬ ‫متف ـ ِِّوقني‪ ،‬بال حـ ٍ‬
‫ـدوٍد‪ ،‬علــى جميــع اخلـ ِ‬
‫‪216‬م يف بابــل التــي كانــت تخضــع لإلمبراطوريــة الفارســية‪ ،‬وهــو مؤســس الديانــة املانويــة التوحيديــة‬ ‫ِ‬
‫الــدوالراِت الــثالثني التــي يكســبونها ســنوًّي�ّا وبتطلعاتهــم إلــى‬ ‫مــن آالف‬
‫التــي انتشــرت يف كثيــر مــن البلــدان واســتمرت لـمدة تقــارب األلــف عــام‪ ،‬تعــرض خاللهــا أتباعهــا إلــى‬ ‫ـِّي لــدى‬
‫املناصــب العليــا"‪ .‬هــو ُيُديــن‪ ،‬هنــا‪ ،‬االفتقــا ََر إلــى االنفتــاح الذهنـ ِ‬
‫االضطهــاد علــى يــد املؤسســة الدينيــة الفارســية (الزرادشــتية) إلــى أن مت ســجن مانــي الــذي كان‬ ‫منوذَجهــم وح ـ ََده هــو الصال ـ ُُح‪" :‬لقــد كانــت‬
‫َ‬ ‫ـاِس‪ ،‬املقتنــعني بــأن‬
‫معظـ ِـِم النـ ِ‬
‫يقــول عــن نفســه «رســول شــكور بعثــت مــن أرض بابــل» وقــد مت إعدامــه يف عــام ‪277‬م‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املشــترِك للعقليــة الــذي ُيُفــرض علــى الكائنــات‬ ‫ــِب‬
‫التعُّص ِ‬
‫ُ‬ ‫ســجين ََة ذلــك‬
‫املانويــة هــي عقيــدة مريــدي النبــي مانــي التــي تتمثــل يف املفهــوم الــذي يقســم كل شــيء إلــى قســمني‪،‬‬ ‫ــسماواٍت أــخرى‪ ،‬محروــ ًمًة بــسبب قدِرِ ــها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫البــشريِةِ ‪ ،‬الــتي تعــيش حتـحت‬
‫ً‬
‫مرفوًضــا دون أي اخــتالف‪ .‬واملانــوي هــو مــن يقــِّدِ ر األشــياء‬ ‫أحدهمــا يعــد مقبــواًلا بكليتــه واآلخــر‬
‫كذلــك‪ ،‬كانــت روث تطمــح إلــى إعــادة تشــكيِلِ ذلــك الرجــِلِ بنفســها‬
‫رــجاٍل ــمن نــفس قالِبِ ــها"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لصياغــته يف قاــلب آــ َخَر عــلى ــصورة‬
‫وفــق املبــادئ املطلقــة للخيــر والشــر‪ ،‬دون فــروق دقيقــة ودون حالــة وســطية‪.‬‬
‫بعــُض‬
‫ُ‬ ‫أمــٍل عميقــ ًًة جتــاَهَ اإلنســانيِةِ ‪ ،‬حتــى وإن كانــت‬
‫ٍ‬ ‫كانــت خيبــ ََة‬
‫• باندينــي (العنــوان األصلــي‪ :‬انتظــر حتــى الربيــع‪ ،‬يــا باندينــي) هــي روايــة شــبه ســيرة ذاتيــة‬
‫ـخصياِت النســائيِةِ ‪ ،‬علــى غــرار أخ�ت ـِه أو صاحبــِةِ املنــزل الــذي يســكن‬
‫ِ‬ ‫الشـ‬
‫أمريكيــة‪ ،‬ألفهــا الروائــي والسيناريســت جــون فانتــي‪ُ ،‬نُشــرت عــام ‪ .1938‬باندينــي هــي اجلــزء األول‬
‫أيًضــا‪ ،‬العاملــِةِ الشــابِةِ ليــزي‪ ،‬تدعمــه دائ ًًمــا وُتُلهمــه االعتـ َ‬
‫ـراَف‬ ‫فيــه أو‪ً ،‬‬
‫ممـما يــسمى "ملحــمة أرــتورو بانديــني" أو "رباعــية بانديــني‬
‫باجلميــل واالحتــرا ََم‪.‬‬
‫• فهرنهايــت ‪ : 451‬روايــة عامليــة مــن تأليــف الروائــي األمريكــي الشــهير راي برادبــري وحتكــي عــن‬

‫قصــة نظــام شــمولي يقــوم بغــزو العالــم يف املســتقبل‪ ،‬يجعــل التلفزيــون وســيلة دعايــة سياســية لــه‬
‫َ‬
‫سعادَتنا؟‬ ‫هل تصنع املعرفة‬
‫ويقــوم بحــرق الكتــب علــى درجــة ‪ 451‬فهرنهايــت‪.‬‬
‫ويف النهايــة‪ ،‬نــدرك أن روايــ ََة مارتــن إيــدن تذهــب إلــى أبعــد مــن ذلــك‬
‫• ا ََملَلَْنُْخُ و ِِل�يـَا‪ /‬الســوداوية ‪ :‬هــو اســم مــرض وصفــه القدمــاء‪ ،‬وتغيــر تشــخيصه عبــر الزمــن‪ .‬كان‬ ‫واآلداِب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وعاــلِم األــفكاِرِ‬ ‫كثــ ًيًرا يف تأ ُُّملــها بخــصوص الثقاــفِةِ‬
‫ِ‬
‫الطبيــب اليونانــي أبپقــراط أول مــن وصــف هــذه احلالــة وأطلــق عليهــا اســم "ا ََملَلَْنْخوليــا"‪ .‬يف رأي‬ ‫وأفراَحــه‬
‫َ‬ ‫يف هــذه املغامــرة الفكريــِةِ ‪ ،‬فقــد مارتــن هــدو ََءه وعــد ََم اكترا�ث ـِه‬
‫واُحلــزن والق�لـَق‬
‫ُ‬ ‫احملــدثني‪ ،‬ا ََملَلَْنُْخُ و ِِل�يـَا مــرض عقل ـٌّيّ مــن مظاهــره اضطــراب الوجــدان وتغ�لـّب الغ ـّمّ‬ ‫ـٌب بسـ ٌ‬
‫ـيٌط مبــا‬ ‫البســيط ََة التــي كانــت ترضيــه يف الســابق‪" :‬لــم يعــد لديــه قلـ ٌ‬
‫ِ‬
‫وِضــيق الــصدر‪ ،‬والكآــبة‬ ‫يكفــي ليعيــش مث ـ ََل ذلــك الوجــوِدِ البدائـ ِ‬
‫ـِّي بــكل امتال�ئ ـِه"‪.‬‬
‫كمــا أن العــودَةَ إلــى الــوراء صــارت‪ ،‬بالنســبة لــه‪ ،‬مســتحي ً‬
‫لًة‪" ...‬كانــت متتــد‬
‫كــتٌب كثــيرٌةٌ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سافاٌت طويــ ٌلٌة‪ .‬وتفــصل بينهــما‬
‫بينهــما مــ ٌ‬

‫‪63‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫محمد احلمزة‬
‫أخصائي ومعالج اجتماعي‬
‫‪Mhamza22@hotmail.com‬‬

‫آفاق‬

‫الحياة مع القلق والخوف‬


‫‪Life with anxiety and fear‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪64‬‬
‫اخلوف ‪:fear‬‬ ‫مقدمة‪..‬‬
‫اخلــوف هــو شــيء طبيعــي وصحــي‪ ،‬فهــو يذكرنــا بأننــا بشــر وأن لدينــا حــدو ًًدا‪،‬‬ ‫القلــق واخلــوف همــا حــاالت شــعورية وعاطفيــة مرتبطــة بالتوتــر والتوجــس‪،‬‬
‫ولكــن ال يجــب أن يســيطر اخلــوف علــى حياتنــا وقراراتنــا‪ ،‬والشــجاعة ليســت‬ ‫ولكــن لديهمــا بعــض االختالفــات؛ فالقلــق هــو حالــة مــن التوتــر‪ ،‬والقلــق الشــديد‬
‫عــدم وجــود اخلــوف‪ ،‬بــل هــي التغلــب عليــه‪ ،‬وهــو ليــس عــد ًًوا؛ بــل هــو صديــق‬ ‫مًرا وحالــة مــن عــدم االرتيــاح‪ ،‬ويعــد القلــق رد فعــل‬ ‫ميكــن أن يســبب تفكيـ ًًرا مســت ً‬
‫يعلمنــا كيــف نتحــدى أنفســنا وننمــو‪ ،‬وهــو مجــرد تصــورات مســتقبلية ســلبية‪،‬‬ ‫مشــروع علــى التحديــات احملتملــة أو اخملاطــر املســتقبلية‪ ،‬وميكــن أن يكــون لــه‬
‫والشــجاعة هــي التصــدي لهــذه التصــورات واالســتمرار قد ًًمــا‪ ،‬وهــو ليــس ســب ًًبا‬ ‫أســباب محــددة أو غيــر محــددة‪ ،‬وقــد يتــم التعامــل مــع القلــق عــن طريــق التفكيــر‬
‫للتراجــع‪ ،‬بــل هــو منحنــى تعلــم يقودنــا إلــى اكتشــاف قوتنــا احلقيقيــة‪ ،‬يقــول‬ ‫الزائــد يف األمــور الســلبية أو التوقعــات الســيئة‪ ،‬وعــاد ًًة مــا يكــون القلــق موجــو ًًدا‬
‫(ســتيفن بريــس)‪ :‬عندمــا تشــعر باخلــوف‪ ،‬فاعلــم أنــك علــى وشــك أن حتقــق شــي ًًئا‬ ‫يف العقــل والتفكيــر‪.‬‬
‫مه ًًمــا واعــرف أنــك علــى وشــك النمــو والتغييــر‪ ،‬اعتبــر اخلــوف بوابــة للتحــول‬ ‫أمــا اخلــوف‪ ،‬فهــو رد فعــل فــوري علــى تهديــد فعلــي أو محتمــل‪ ،‬ميكــن أن يكــون‬
‫اإليجابــي‪ ،‬فاحتــرم خوفــك‪ ،‬ولكــن ال تســمح لــه بــأن يســيطر علــى حياتــك‪.‬‬ ‫اخلــوف رد فعــل جســدي وعقلــي يحــدث بشــكل ســريع عندمــا يشــعر الشــخص‬
‫ميكــن تعريــف اخلــوف علــى أنــه حالــة عاطفيــة شــديدة تتميــز بالتوتــر والقلــق‬ ‫بأنــه يف خطــر‪ ،‬ميكــن أن يكــون اخلــوف مســتنًدً ا إلــى جتــارب ســابقة أو عوامــل‬
‫واخلــوف مــن وقــوع شــيء ســيء‪ ،‬وميكــن أن يترافــق اخلــوف مــع أعــراض جســدية‬ ‫بيئيــة حاليــة‪ ،‬وعندمــا يكــون اخلــوف مبــر ًًرا ومالئ ًًمــا للتهديــد‪ ،‬فإنــه يلعــب دو ًًرا‬
‫مثــل االرجتــاف والتعــرق والتوتــر العضلــي وضيــق التنفــس‪ ،‬ويعــد اخلــوف‬ ‫مه ًًمــا يف احلفــاظ علــى سالمــة الفــرد والبقــاء علــى قيــد احليــاة‪.‬‬
‫طبيعي ـًاً يف بعــض احلاالت؛ مثــل التحضيــر ملواجهــة موقــف صعــب أو التعــرض‬ ‫علــى الرغــم مــن أن القلــق واخلــوف ميكــن أن يكونــا مرتبــطني ببعضهمــا البعــض‪،‬‬
‫ملوقــف خطــر‪ ،‬وميكــن أن يســاعد يف التحفيــز واحلفــاظ علــى السالمــة‪ ،‬ولكــن‬ ‫إال أنهمــا يختلفــان يف الطبيعــة والتوقيــت والســبب األساســي‪ ،‬وقــد يكــون القلــق‬
‫عندمــا يصبــح اخلــوف مســتمرًاً ومفرطــًاً ويؤّثّــر علــى احليــاة اليوميــة‪ ،‬فإنــه‬ ‫موجــو ًًدا قبــل حــدوث التهديــد احملتمــل‪ ،‬يف حني يحــدث اخلــوف عندمــا يكــون‬
‫يصبــح اضطراب ـًاً نفســيًاً يحتــاج إلــى عالج‪ ،‬وتشــمل األســباب احملتملــة للخــوف‬ ‫اخلطــر موجــو ًًدا فعل�يـًا أو محتـماًلا ‪ ،‬ومــع ذلــك ميكــن للقلــق أن يتحــول إلــى خــوف‬
‫عوامــل بيولوجيــة ونفســية واجتماعيــة‪ ،‬مثــل التعــرض للضغــوط النفســية والتوتــر‬ ‫شــديد يف بعــض احلاالت‪ ،‬حيــث يتصاعــد التوتــر إلــى درجــة جتعــل الشــخص‬
‫والتعــرض لألحــداث املؤملــة والتاريــخ العائلــي والوراثــة والتعــرض للمخاطــر‬ ‫يشــعر باخلــوف الشــديد والهلــع‪ ،‬ويتطلــب التعامــل مــع القلــق واخلــوف تقنيــات‬
‫واحلــوادث‪ .‬وتختلــف أنــواع اخلــوف‪ ،‬فمنهــا اخلــوف العــام واضطــراب الهلــع‬ ‫واســتراتيجيات مختلفــة مثــل التماريــن التنفســية‪ ،‬والــعالج النفســي‪ ،‬والدعــم‬
‫واضطــراب القلــق االجتماعــي واضطــراب مــا بعــد الصدمــة واالضطــراب‬ ‫االجتماعــي‪ ،‬ويف بعــض احلاالت‪ ،‬الــعالج الدوائــي‪.‬‬
‫الوسواســي القهــري‪.‬‬ ‫عالو ًًة علــى االختالفــات يف الطبيعــة والتوقيــت والســبب األساســي‪ ،‬هنــاك ً‬
‫أيًضــا‬
‫لًقــا بشــكل مســتمر قــد‬ ‫ارتبــاط بني القلــق واخلــوف؛ فعندمــا يكــون الشــخص ق ً‬
‫يزيــد ذلــك مــن احتماليــة الشــعور باخلــوف يف مواجهــة األحــداث أو املواقــف‬
‫التوتر ‪:Stress‬‬ ‫احملتملــة التــي يقلــق منهــا‪ ،‬فبعــض األشــخاص يعانــون مــن اضطرابــات القلــق‬
‫التوتــر هــو الشــعور بالضغوطــات احلادة أو العاليــة أو الكثيــرة التــي قــد تكــون‬ ‫املرضيــة مثــل اضطــراب القلــق العــام (‪ ،)GAD‬حيــث يعيشــون يف حالــة‬
‫ذهنيــة أو عاطفيــة‪ ،‬وعــاد ًًة مــا تتحــول تلــك الضغوطــات الروتينيــة اليوميــة إلــى‬ ‫مســتمرة مــن القلــق والتوتــر مــن دون ســبب واضــح‪ ،‬يف هــذه احلاالت‪ ،‬ميكــن‬
‫توتــر يف حــال عــدم مقــدرة األفــراد يف حتملهــا والتعامــل معهــا‪ ،‬ويختلــف النــاس‬ ‫أن يتطــور القلــق إلــى خــوف مســتمر ومزمــن‪ ،‬وميكــن أن يكــون اخلــوف جــز ًًءا‬
‫يف تفاعلهــم مــع التوتــر بحيــث قــد يكــون أمــرًاً مــا يشـّكّ ل ضغطـًاً وتوتــرًاً لشــخص‪،‬‬ ‫مــن االضطرابــات النفســية اخملتلفــة مثــل اضطــراب الهلــع واضطــراب الرهــاب‬
‫نفــس ذلــك األمــر قــد يكــون أمــرًاً محفــزًاً وإيجابي ـًاً لشــخص آخــر‪ ،‬والتوتــر يعــد‬ ‫االجتماعــي واضطرابــات مــا بعــد الصدمــة‪ ،‬ويف هــذه احلاالت يكــون اخلــوف رد‬
‫عــاماًلا رئيســ ًًيا يف زيــادة القلــق واخلــوف‪ ،‬علــى الرغــم مــن أن التوتــر والقلــق‬ ‫فعـ ٍـٍل مبال ًًغــا فيــه وغيــر متناســب مــع التهديــد الفعلــي‪.‬‬
‫واخلــوف كلهــا أشــياء طبيعيــة ميكــن أن تكــون لهــا أســباب مختلفــة وتأثيــرات‬ ‫القلــق واخلــوف همــا ردود فعــل طبيعيــة لدينــا كبشــر‪ ،‬وميكــن أن يكونــا مفيديــن‬
‫مختلفــة علــى الفــرد‪ ،‬إال أنهــا غال�بـًا مــا تترابــط وتتأثــر ببعضهــا البعــض‪.‬‬ ‫يف بعــض احلاالت‪ ،‬فيمكــن أن يحفزانــا علــى اتخــاذ إجــراءات واحتياطــات‬
‫عندمــا يكــون الشــخص متوتــ ًًرا؛ فــإن جهــازه العصبــي يتأثــر ويبــدأ يف إفــراز‬ ‫للحفــاظ علــى سالمتنــا وصحتنــا‪ ،‬ومــع ذلــك عندمــا يصبــح القلــق واخلــوف‬
‫هرمونــات التوتــر مثــل الكورتيــزول‪ ،‬وهــذه الهرمونــات تــؤدي إلــى زيــادة معــدل‬ ‫لًبا علــى حياتنــا‪ ،‬فإنــه مــن املهــم البحــث عــن املســاعدة‬ ‫مفــرطني ويؤّثّــران ســ ً‬
‫ضربــات القلــب وارتفــاع ضغــط الــدم‪ ،‬وتعــزز اســتجابة اجلســم للتهديــدات‬ ‫املناســبة‪ ،‬فالــعالج النفســي والــعالج الدوائــي فعــالني يف التعامــل مــع حــاالت‬
‫احملتملــة‪ ،‬وهــذا ميكــن أن يــؤدي إلــى زيــادة القلــق واخلــوف‪ ،‬حيــث يشــعر‬ ‫القلــق واخلــوف‪ ،‬وقــد يســتفيد األشــخاص مــن تعلــم تقنيــات التحكــم يف القلــق‬
‫الشــخص بعــدم الراحــة واحلــذر الزائــد‪ ،‬والتوتــر املســتمر ميكــن أن يؤ�ثـّر علــى‬ ‫والتوتــر‪ ،‬وتغييــر منــط التفكيــر الســلبي‪ ،‬وحتــسني اســتراتيجيات التعامــل مــع‬
‫احلالــة املزاجيــة للفــرد ويجعلــه أكثــر عرضــة للقلــق واخلــوف‪ ،‬فعندمــا يكــون‬ ‫املواقــف اخمليفــة‪.‬‬
‫الشــخص حتــت ضغــوط نفســية مســتمرة‪ ،‬فإنــه يصبــح أكثــر عرضــة للتفكيــر‬
‫الســلبي وتكبيــر األمــور الصغيــرة والتوقعــات الســلبية‪ ،‬وهــذا يــؤدي إلــى تكــرار‬ ‫القلق ‪:Anxiety‬‬
‫دورة القلــق واخلــوف‪ ،‬حيــث يزيــد التوتــر مــن القلــق‪ ،‬والقلــق يزيــد مــن التوتــر‪،‬‬ ‫القلــق ليــس ســوى اســتثمار للمشــاكل التــي قــد ال حتــدث أبــًدً ا‪ ،‬فهــو شــكل مــن‬
‫وهكــذا‪.‬‬ ‫أشــكال اخليــال الســلبي‪ ،‬وهــو االســتعارة املدركــة للمتاعــب غيــر املوجــودة‪ ،‬القلــق‬
‫أيًضــا بوجــود عوامــل أخــرى مشــتركة‬ ‫عالقــة التوتــر بالقلــق واخلــوف تعــزز ً‬ ‫يدّمّ ــر اللحظــة احلاليــة مــن أجــل مشــاكل لــم حتــدث بعــد‪ ،‬فال يضيــف ســاعة‬
‫بينهمــا‪ ،‬فيصبــح التوتــر مصــد ًًرا للقلــق واخلــوف‪ ،‬والقلــق واخلــوف يزيــدان مــن‬ ‫واحــدة إلــى عمرنــا‪ ،‬بــل يســرق منــا ســاعات عديــدة مــن الســعادة‪ ،‬وهــو طريقــة‬
‫التوتــر‪ ،‬وهــذا ميكــن أن يــؤدي إلــى دائــرة ســلبية تؤ�ثـّر علــى احليــاة اليوميــة للفــرد‬ ‫تفكيــر ســلبية ال يجلــب الــسالم‪ ،‬بــل يجلــب االضطــراب والتو�تـّر‪ ،‬والقلــق ليــس‬
‫وتزيــد مــن صعوبــة التعامــل مــع القلــق‪ ،‬حيــث تشــّكّ ل االحتياجــات األساســية‬ ‫حًال‪ ،‬بــل هــو مشــكلة تضيفهــا ملشــكلة‪.‬‬‫ً‬
‫واملتطلبــات احلياتيــة توتــرات يف بعــض األحيــان؛ مثــل الوضــع يف العمل‪ ،‬العالقات‬ ‫ميكــن تعريــف القلــق علــى أنــه شــعور عاطفــي يتميــز بالتوتــر والقلــق واخلــوف مــن‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬املادة‪ ،‬اخلالفــات املنزليــة‪ ،‬إلــخ‪ ،‬وقــد تتحـّوّ ل تلــك األمــور الروتينيــة‬ ‫وقــوع شــيء ســيء يف املســتقبل‪ ،‬وميكــن أن يترافــق القلــق مــع أعــراض جســدية‬
‫إلــى توتــر‪ ،‬وهــذا ســيؤّثّر علــى مجريــات احليــاة اليوميــة وعلــى املــزاج وردود‬ ‫مثــل االرجتــاف والتعــرق والتوتــر العضلــي وضيــق التنفــس‪ ،‬ويعــد القلــق طبيعي ـًًا‬
‫األفعــال‪ ،‬وبالتالــي يؤ�ثـّر علــى املشــاعر والتفكيــر وقــد تظهــر بعــض األعــراض التي‬ ‫يف بعــض احلاالت؛ مثــل التحضيــر المتحــان أو مواجهــة موقــف صعــب‪ ،‬ولكــن‬
‫وجــب االنتبــاه لهــا مثــل مشــكالت اضطرابــات النــوم والتعــرق الزائــد‪ ،‬وفقــدان‬ ‫عندمــا يصبــح القلــق مســتمرًاً ومفرطـًاً ويؤ�ثـّر علــى احليــاة اليوميــة‪ ،‬فإنــه يصبــح‬
‫الشــهية وصعوبــة التركيــز والشــعور بالضيــق واحلــزن واالكتئــاب‪ ،‬وتزيــد األفــكار‬ ‫اضطراب ـًاً نفســيًاً يحتــاج إلــى عالج‪ ،‬ويعــد اضطراب ـًاً نفســيًاً شــائعًاً‪ ،‬وميكــن أن‬
‫الســلبية يف الذهــن ويبــدأ القلــق وحــاالت الغضــب والعصبيــة ألتفــه األســباب‪،‬‬ ‫يترافــق مــع اضطرابــات أخــرى مثــل االكتئــاب واضطــراب الهلــع واضطــراب‬
‫ويف مرحلــة الحقــة قــد تتطــور األعــراض لتكــون جســدية‪ ،‬وقــد تشــمل الصــداع‬ ‫القلــق العــام واضطــراب مــا بعــد الصدمــة واالضطــراب الوسواســي القهــري‪.‬‬
‫والــدّوّ ار وآالم الرقبــة والكتــفني ومشــكالت اجلهــاز الــدوري والقلــب واجلهــاز‬ ‫وتشــمل األســباب احملتملــة للقلــق عوامــل بيولوجيــة ونفســية واجتماعيــة‪ ،‬مثــل‬
‫الهضمــي واملناعــي والســيكولوجي‪ ،‬حيــث قــد تتح ـّوّ ل إلــى الذهــان أو االكتئــاب‪.‬‬ ‫التعــرض للضغــوط النفســية والتوتــر والتعــرض لألحــداث املؤلـمة والتاريــخ العائلــي‬
‫قــد ال يســتطيع اإلنســان منــع حــدوث تلــك الضغوطــات ســواء كانــت خارجيــة أو‬ ‫والوراثــة والتعــرض للمخاطــر واحلــوادث‪ ،‬وميكــن عالج القلــق باســتخدام الــعالج‬
‫داخليــة‪ ،‬ولكــن مــن املمكــن وضــع تفكيــر وتطبيــق جــاد لكيفيــة التعامــل مــع تلــك‬ ‫الدوائــي والــعالج النفســي‪ ،‬مثــل الــعالج املعــريف الســلوكي والــعالج الوســائطي‬
‫أوًال‪ :‬إرادة حقيقيــة‪،‬‬‫الضغوطــات لزيــادة التحمــل ومنــع التوتــر‪ ،‬وهــذا يتطلــب ً‬ ‫والــعالج النفســي الدينــي والــعالج االستشــاري والتدريــب علــى تقنيات االســترخاء‬
‫وهنــاك عوامــل تســاعد اإلنســان علــى حتمــل التوتــرات اليوميــة‪ ،‬وهــو ال يعــد‬ ‫وغيرهــا مــن األســاليب األخــرى‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫والعالقــات االجتماعيــة واألداء الوظيفــي‪ ،‬وميكــن أن يؤّثّــر علــى أي شــخص‬ ‫مرضـًاً يف حــد ذاتــه‪ ،‬وقــد يــزول بــزوال الســبب‪ ،‬ولكنــه قــد يــؤدي إلــى اضطرابــات‬
‫بغــض النظــر عــن العمــر أو اجلنــس أو اخللفيــة الثقافيــة‪ ،‬وتشــير الدراســات‬ ‫يف الســلوك والتفكيــر أو بعــض األمــراض العضويــة التــي قــد تكــون خطيــرة جـدًًا‬
‫ً‬
‫مرتبًطــا بعــدة عوامــل‪ ،‬مثــل‬ ‫العلميــة إلــى أن اخلــوف مــن املســتقبل ميكــن أن يكــون‬ ‫علــى احليــاة يف حــال عــدم الوعــي بهــا‪ ،‬والتفكيــر اجلاد يف محاولــة وضــع حــد لــه‪،‬‬
‫اخلبــرات الســابقة واملعرفــة والثقافــة‪ .‬وعندمــا يشــعر الفــرد بعــدم القــدرة علــى‬ ‫ولهــذا يلعــب الوعــي والتعــرف علــى أعراضــه والقبــول بوجــود الضغوطــات التــي‬
‫التحكــم يف مســتقبله‪ ،‬فإنــه ميكــن أن يشــعر باخلــوف والقلــق‪.‬‬ ‫حتّوّ لــت إلــى توتــر يومــي والوعــي بالوقايــة منــه هــو نصــف احلــل‪ ،‬وحتمـًاً الوقايــة‬
‫توجــد العديــد مــن النظريــات العلميــة التــي تفّسّ ــر اخلــوف مــن املســتقبل‪ ،‬ومــن‬ ‫خيــر مــن الــعالج‪.‬‬
‫أبــرز هــذه النظريــات‪:‬‬
‫• نظريــة االنفصــال الوجــودي‪ :‬تشــير هــذه النظريــة إلــى أن اخلــوف من املســتقبل‬ ‫الفوبيا ‪:phobia‬‬
‫يرتبــط باالنفصــال الوجــودي‪ ،‬أي الشــعور بالعزلــة واالنفصــال عــن اآلخريــن وعــن‬ ‫الفوبيــا هــي حالــة شــديدة مــن اخلــوف أو القلــق املفــرط وغيــر املبــرر جتــاه موقــف‬
‫العالــم بشــكل عــام‪ ،‬ويبــدأ يف التفكيــر بشــكل ســلبي بشــأن املســتقبل ويشــعر‬ ‫أو شــيء مــعني‪ ،‬وتعــد الفوبيــا اضطرا ًًبــا نفســ ًًيا ميكــن أن يؤّثّــر علــى احليــاة‬
‫بالقلــق واخلــوف‪.‬‬ ‫اليوميــة والعالقــات الشــخصية واملهنيــة للفــرد‪ ،‬وميكــن أن تتطــور نتيجــة لتجــارب‬
‫ســلبية يف املاضــي أو بســبب الوراثــة أو االنتقــال االجتماعــي أو العوامــل البيئيــة‪،‬‬
‫• نظريــة الســيطرة‪ :‬تشــير هــذه النظريــة إلــى أن اخلــوف مــن املســتقبل يرتبــط‬ ‫وتتفــاوت درجــة شــدتها بني األفــراد‪ ،‬وتختلــف األنــواع اخملتلفــة مــن الفوبيــا فيمــا‬
‫بشــعور الفــرد بعــدم القــدرة علــى الســيطرة علــى األحــداث املســتقبلية‪ ،‬وعندمــا‬ ‫بينــها‪ ،‬وتــشمل بــعض األمثــلة الــشائعة عــلى الفوبــيا‬
‫يشــعر الشــخص بعــدم القــدرة علــى التحكــم يف املســتقبل‪ ،‬فإنــه يبــدأ يف القلــق‬
‫واخلــوف‪.‬‬ ‫• األكروفوبيا‪ :‬اخلوف من االرتفاعات‪.‬‬
‫• نظريــة األحــداث احلاســمة‪ :‬تشــير هــذه النظريــة إلــى أن اخلــوف مــن املســتقبل‬ ‫• األنتقالوفوبيا‪ :‬اخلوف من التغيير والتحوالت يف احلياة‪.‬‬
‫يرتبــط باألحــداث احلاســمة التــي حتــدث يف حيــاة الفــرد‪ ،‬مثــل فقــدان الوظيفــة‬ ‫• األوفيدوفوبيا‪ :‬اخلوف املفرط من الطيور‪.‬‬
‫أو الــطالق أو الـمرض‪ ،‬وعندمــا يشــعر الفــرد بعــدم االســتقرار والتغييــرات الكبيــرة‬ ‫• اإلنسانوفوبيا‪ :‬اخلوف من الناس‪.‬‬
‫يف حياتــه‪ ،‬فإنــه يشــعر بالقلــق واخلــوف بشــأن املســتقبل‪.‬‬
‫• اإلمييتوفوبيا‪ :‬اخلوف من التقيؤ‪.‬‬
‫• نظريــة اخلبــرات الســابقة‪ :‬تشــير هــذه النظريــة إلــى أن اخلــوف مــن املســتقبل‬
‫يرتبــط باخلبــرات الســابقة التــي عاشــها الفــرد‪ ،‬وخاصــة إذا كانــت تلــك اخلبــرات‬ ‫• احلشراتوفوبيا‪ :‬اخلوف من احلشرات مثل الصراصير والعناكب‪.‬‬
‫سلبية ‪.‬‬ ‫• الطيرانوفوبيا‪ :‬اخلوف من السفر بالطائرة‪.‬‬
‫• نظريــة األمــان االقتصــادي‪ :‬تشــير هــذه النظريــة إلــى أن اخلــوف مــن املســتقبل‬ ‫• الرهــاب االجتماعــي‪ :‬اخلــوف املرضــي واملفــرط مــن املواقــف االجتماعيــة‬
‫يرتبــط باألمــان االقتصــادي‪ ،‬أي شــعور الفــرد بالقلــق بشــأن املال واالســتقرار‬ ‫والتفاعــل مــع اآلخريــن‪.‬‬
‫املالــي يف املســتقبل‪.‬‬ ‫تتأثــر احليــاة اليوميــة لألفــراد الذيــن يعانــون مــن الفوبيــا بطــرق مختلفــة‪ ،‬وميكــن‬
‫بشــكل عــام‪ ،‬تشــير هــذه النظريــات إلــى أن اخلــوف مــن املســتقبل يرتبــط بعــدة‬ ‫أن تؤ�ثـّر الفوبيــا علــى القــدرة علــى العمــل واحلصــول علــى التعليــم والعالقــات‬
‫عوامــل‪ ،‬وميكــن حتــسني الصحــة النفســية والتخلــص مــن القلــق بشــأن املســتقبل‬ ‫الشــخصية واالجتماعيــة‪ ،‬ومــن اآلثــار الســلبية التــي قــد تنجــم عــن الفوبيــا تشــمل‬
‫مــن خالل اتبــاع عــادات صحيــة وتغييــر منــط احليــاة‪ ،‬وإذا كان القلــق يؤ�ثـّر بشــكل‬ ‫القيــود املفروضــة علــى األنشــطة التــي تعيــق مــن القيــام بأنشــطة معينــة‪ ،‬مثــل‬
‫كبيــر علــى حيــاة الفــرد‪ ،‬فإنــه يجــب احلصــول علــى الدعــم واملســاعدة املناســبة‬ ‫الســفر أو القيــادة أو العمــل يف مــكان مرتفــع‪ .‬والشــعور بالعزلــة التــي تشــعر‬
‫للتغلــب عليــه‪ ،‬ســواء مــن خالل الــعالج النفســي أو املشــورة النفســية‪.‬‬ ‫األشــخاص الذيــن يعانــون مــن الفوبيــا بالعزلــة واالنطــواء عــن اآلخريــن‪ ،‬وميكــن‬
‫أن تؤ�ثـّر هــذه احلالــة علــى الصحــة النفســية بشــكل عــام وتؤ�ثـّر علــى العالقــات‬
‫إدمان القلق ‪:Anxiety addiction‬‬ ‫االجتماعيــة‪ .‬وميكــن للفوبيــا أن تؤ�ثـّر علــى احليــاة املهنيــة‪ ،‬وتعيــق القــدرة علــى‬
‫إدمــان القلــق هــو مصطلــح يســتخدم لوصــف حالــة القلــق املســتمر واملتواصــل‪،‬‬ ‫العمــل بشــكل فعــال‪.‬‬
‫لًبا علــى احليــاة اليوميــة والصحــة العقليــة واجلســدية لألفــراد‬ ‫والــذي يؤ�ثـّر س ـ ً‬
‫املصــابني فيــه‪ ،‬ويعــد القلــق طبيع ًًيــا يف بعــض احلاالت؛ ولكــن عندمــا يتحــول‬ ‫الرهاب االجتماعي ‪: social phobia‬‬
‫إلــى شــكل مــن أشــكال اإلدمــان يصبــح مشــكلة خطيــرة تســتوجب االهتمــام‬ ‫الرهــاب االجتماعــي هــو اضطــراب نفســي يتميــز باخلــوف والقلــق املفــرطني‬
‫والدراســة‪ ،‬حيــث تعيــش اجملتمعــات املعاصــرة يف ضغــوط متزايــدة‪ ،‬مثــل توقعــات‬ ‫مــن املواقــف االجتماعيــة والتفــاعالت االجتماعيــة‪ ،‬وميكــن أن يؤّثّــر علــى‬
‫اجملتمــع والعمــل والعالقــات الشــخصية ميكــن أن تــؤدي هــذه الضغــوط إلــى زيــادة‬ ‫احليــاة اليوميــة والعالقــات الشــخصية والعمليــة‪ ،‬ويشــمل مجموعــة مــن‬
‫مســتويات القلــق وتطورهــا إلــى إدمــان‪.‬‬ ‫األعــراض النفســية واجلســدية‪ ،‬مثــل اخلجــل والتعــرق والتوتــر العضلــي والتعــب‬
‫ـامًحا جتــاه القلــق ومتيــل إلــى التعامــل معــه بشــكل‬
‫تعــد بعــض الثقافــات أكثــر تسـ ً‬ ‫واالضطــراب الهضمــي‪.‬‬
‫أكثــر ســطحية ومرونــة‪ ،‬ومــع ذلــك هنــاك ثقافــات تعــزز التفكيــر القلــق‪ .‬ويتعــرض‬ ‫والطيــف الــذي يتــم التخلــص منــه هــو طيــف الرهــاب االجتماعــي الــذي يؤ�ثـّر على‬
‫األفــراد يف العصــر احلديــث لتأثيــرات كبيــرة مــن وســائل اإلعالم والتكنولوجيــا‪،‬‬ ‫احليــاة اليوميــة والعالقــات الشــخصية والعمليــة بشــكل كبيــر‪ ،‬وميكــن التخلــص‬
‫مثــل وســائل التواصــل االجتماعــي واألخبــار الســلبية املســتمرة ميكــن أن يزيــد‬ ‫مــن هــذا الطيــف عــن طريــق الــعالج النفســي‪ ،‬مثــل الــعالج املعــريف الســلوكي‬
‫هــذا التعــرض مــن مســتويات القلــق‪ .‬وقــد تؤ�ثـّر البيئــة الثقافيــة والتربويــة علــى‬ ‫والــعالج الوســائطي والــعالج النفســي الدينــي والــعالج االستشــاري‪ ،‬ويســتخدم‬
‫تشــكيل منــط القلــق املرتبــط باإلدمــان؛ فعلــى ســبيل املثــال تعلــم األطفــال أن‬ ‫الــعالج النفســي لتغييــر األفــكار الســلبية التــي تســبب الرهــاب االجتماعــي‬
‫يكونــوا قلــقني مــن الفشــل أو الضغــط العــام‪ ،‬ويتبنــون هــذا النمــط القلــق مــن‬ ‫وتعويضهــا بأفــكار إيجابيــة‪ ،‬وتعليــم املهــارات االجتماعيــة والتفاعليــة وتدريــب‬
‫البيئــة احمليطــة بهــم‪.‬‬ ‫احلالــة علــى املواقــف اخمليفــة بطريقــة متكــررة ومنظمــة‪ .‬وميكــن أيضـًاً اســتخدام‬
‫يتســبب إدمــان القلــق يف تدهــور الصحــة العقليــة واجلســدية؛ حيــث ميكــن أن‬ ‫الــعالج الدوائــي لــعالج األعــراض املرتبطــة بالرهــاب االجتماعــي‪ ،‬مثــل األدويــة‬
‫يزيــد مــن مخاطــر االكتئــاب والقلــق املزمــن واملشــاكل الصحيــة املرجعيــة‪ ،‬وميكــن‬ ‫املهدئــة واألدويــة املضــادة لالكتئــاب واألدويــة املضــادة لالضطرابــات الوسواســية‬
‫أن يتســبب يف انخفــاض الطاقــة والتركيــز‪ ،‬وتقليــل القــدرة علــى التعامــل بفعاليــة‬ ‫القهريــة‪ ،‬ويجــب العلــم أنــه مــن املمكــن التحكــم يف األعــراض والتعامــل مــع‬
‫مــع التحديــات احلياتيــة‪ .‬ويؤ�ثـّر إدمــان القلــق علــى العالقــات االجتماعيــة؛ حيــث‬ ‫الرهــاب االجتماعــي بشــكل فّعّ ــال‪ ،‬ولكــن الشــفاء الكامــل قــد يحتــاج إلــى وقــت‬
‫يصعــب علــى األفــراد أن يتفاعلــوا بشــكل طبيعــي مــع اآلخريــن وأن يســتمتعوا‬ ‫وجهــد وعالج نفســي متخصــص‪.‬‬
‫بالنشــاطات االجتماعيــة‪ ،‬وقــد يشــعروا باالنعــزال والوحــدة‪ ،‬ممــا يزيــد مــن‬
‫مســتويات القلــق بشــكل دائــري‪.‬‬ ‫اخلوف من املستقبل ‪:Fear of the future‬‬
‫ويؤّثّــر إدمــان القلــق علــى أداء األفــراد يف العمــل والدراســة؛ حيــث يؤّثّــر علــى‬ ‫يعانــي العديــد مــن األشــخاص مــن اخلــوف مــن املســتقبل‪ ،‬وهــو شــعور طبيعــي‬
‫التركيــز واإلنتاجيــة‪ ،‬وميكــن أن يتســبب يف صعوبــات يف اتخــاذ القــرارات‬ ‫مًرا ويؤ�ثـّر علــى‬
‫يشــعر بــه اجلميــع يف بعــض األحيــان‪ ،‬ولكــن عندمــا يصبــح مســت ً‬
‫والتعامــل مــع ضغــوط العمــل‪ .‬ويتســبب يف تكبــد اجملتمــع واالقتصــاد خســائر‬ ‫حيــاة الفــرد فيصبــح مشــكلة نفســية‪ ،‬ويتســبب يف العديــد مــن اآلثــار النفســية‬
‫كبيــرة‪ ،‬فاألفــراد الذيــن يعانــون منــه قــد يحتاجــون إلــى عالج ورعايــة طويلــة‬ ‫الضــارة‪ ،‬مثــل القلــق والتوتــر واالكتئــاب‪ ،‬وميكــن أن يؤ�ثـّر علــى الصحــة العامــة‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪66‬‬
‫• التدريــب علــى التخيــل اإليجابــي‪ :‬ميكــن اســتخدام التخيــل اإليجابــي للتحكــم‬ ‫األمــد‪ ،‬ممــا يؤ�ثـّر علــى النفقــات الصحيــة واالقتصاديــة للمجتمــع بشــكل عــام‪.‬‬
‫يف اخلــوف‪ ،‬وذلــك عــن طريــق تخيــل موقــف إيجابــي ومريــح والتفكيــر فيــه بشــكل‬ ‫هنــاك العديــد مــن الدراســات واألبحــاث التــي تتنــاول تأثيــر إدمــان القلــق علــى‬
‫مفّصّ ــل‪.‬‬ ‫الفــرد واجملتمــع؛ ففــي دراســة بعنــوان‪" :‬التأثيــر االقتصــادي للقلــق واالكتئــاب علــى‬
‫• التدريــب علــى االســترخاء العضلــي التدريجــي‪ :‬ميكــن تعلــم تقنيــات االســترخاء‬ ‫اجملتمــع" وجــدت أن األفــراد الذيــن يعانــون مــن اضطرابــات القلــق واالكتئــاب‬
‫العضلــي التدريجــي للتحكــم يف اخلــوف‪ ،‬وذلــك عــن طريــق االســترخاء تدريجي ـًًا‬ ‫يتكبــدون تكاليــف صحيــة واقتصاديــة عاليــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك زيــادة يف التكاليــف‬
‫للعــضالت بشــكل متسلســل‪.‬‬ ‫الطبيــة وفقــدان اإلنتاجيــة يف مــكان العمــل‪ .‬ويف دراســة أخــرى بعنــوان‪" :‬تأثيــر‬
‫إدمــان القلــق علــى احليــاة االجتماعيــة" أجريــت علــى عينــة مــن األفــراد املصــابني‬
‫• التدريــب علــى التفكيــر املنطقــي‪ :‬ميكــن أن يســاعد التدريــب علــى التفكيــر‬ ‫بإدمــان القلــق وجــدت الدراســة أن األفــراد الذيــن يعانــون مــن إدمــان القلــق‬
‫املنطقــي يف حتديــد وتغييــر األفــكار الســلبية التــي تســبب اخلــوف‪ ،‬وتعويضهــا‬ ‫يواجهــون صعوبــات يف التفاعــل االجتماعــي وبنــاء العالقــات القويــة‪ ،‬كمــا أظهــرت‬
‫بأفــكار إيجابيــة‪.‬‬ ‫أنــه ميكــن أن يــؤدي إلــى االنعــزال االجتماعــي وانخفــاض الرضــا العــام باحليــاة‪.‬‬
‫• الــعالج بالتحفيــز املغناطيســي احلثــي‪ :‬ميكــن اســتخدام هــذا الــعالج لــعالج‬ ‫إدمــان القلــق هــو كفــاح بال هــدف؛ فلنتوقــف عــن اســتثمار طاقتنــا يف تخيــل‬
‫بعــض أنــواع اخلــوف‪ ،‬وذلــك عــن طريــق تطبيــق تيــار كهربائــي غيــر ضــار علــى‬ ‫ســيناريوهات ســلبية ونعيــش اللحظــة احلاضــرة بــكل هــدوء‪ ،‬فالقلــق ال يضيــف‬
‫الدمــاغ‪.‬‬ ‫ســاعة واحــدة إلــى عمرنــا؛ بــل يســرق منــا ســاعات عديــدة مــن الســعادة‪ ،‬وهــو‬
‫• الــعالج باألدويــة‪ :‬ميكــن اســتخدام بعــض األدويــة لــعالج القلــق واخلــوف‪ ،‬مثــل‬ ‫ليــس ســوى اســتثمار للمشــاكل التــي قــد ال حتــدث أبــًدً ا‪ ،‬وهــو االســتعارة املدركــة‬
‫األدويــة املضــادة لالكتئــاب واألدويــة املضــادة لالضطرابــات الوسواســية القهريــة‬ ‫للمتاعــب غيــر املوجــودة‪ ،‬وهــو طريقــة تفكيــر ســلبية البــد مــن اســتبدلها بالثقــة‬
‫واألدويــة املهدئــة‪.‬‬ ‫بــدًال مــن تدميرهــا بالقلــق‪ ..‬يقــول روي بينيســتر‪:‬‬ ‫ً‬ ‫والتفــاؤل واســتمتع باحليــاة‬
‫القلــق ال يجلــب الــسالم‪ ،‬بــل يجلــب االضطــراب والتوتــر‪.‬‬
‫اخلامتة‪..‬‬
‫احليــاة مــع القلــق واخلــوف قــد تكــون حتد�يـًا‪ ،‬ولكنهــا ليســت مســتحيلة‪ ،‬ويجــب أن‬ ‫استراتيجيات التحكم يف القلق واخلوف‪:‬‬
‫نتذكــر أن القلــق واخلــوف جــزء مــن احليــاة البشــرية‪ ،‬وال ميكننــا جتنبهــم متا ًًمــا‪،‬‬ ‫تعــد تقنيــات الــعالج املعــريف الســلوكي (‪ )CBT‬مــن أحــد االســتراتيجيات التــي‬
‫ومــع ذلــك هنــاك خطــوات ميكننــا اتخاذهــا للتكيــف والتعامل معهم بشــكل صحيح‪،‬‬ ‫ميكــن مــن خاللهــا التحكــم والســيطرة علــى القلــق واخلــوف‪ ،‬حيــث تركــز علــى‬
‫فــأواًلا وقبــل كل شــيء‪ ،‬يجــب أن نقبــل وجــود القلــق واخلــوف وأنهمــا ردود فعــل‬ ‫حتديــد وتغييــر األفــكار الســلبية التــي تســبب القلــق وتعــوق الســلوك اليومــي‪،‬‬
‫طبيعيــة ملواجهــة التحديــات والتهديــدات‪ ،‬وهمــا دلــيالن علــى أننــا نهتــم ونرغــب‬ ‫وتــشمل التقنــيات املــستخدمة يف اــلعالج املــعريف الــسلوكي للتحــكم يف القــلق‬
‫يف احلفــاظ علــى سالمتنــا وســعادتنا‪ ،‬ولكــن ال نســمح لهمــا بالســيطرة علــى‬ ‫• التحليــل الوظيفــي‪ :‬يتــم يف هــذه التقنيــة حتليــل األفــكار واملعتقــدات الســلبية‬
‫حياتنــا وتقييــد حريتنــا‪ .‬وينبغــي أن نتعلــم كيفيــة تطبيــق اســتراتيجيات التحكــم يف‬ ‫التــي تســبب القلــق واخلــوف‪ ،‬وحتديــد العوامــل الداخليــة واخلارجيــة التــي تؤ�ثـّر‬
‫القلــق والتخفيــف مــن اخلــوف‪ ،‬مــن بني هــذه االســتراتيجيات التــي تثبــت فعاليتهــا‬ ‫عليــه‪ ،‬وتعليــم احلالــة كيفيــة تغييــر هــذه األفــكار والتعــرف علــى األفــكار اإليجابية‪،‬‬
‫ممارســة التنفــس العميــق وتقنيــات االســترخاء‪ ،‬وممارســة الرياضــة والنشــاط‬ ‫ويتــم يف هــذه التقنيــة حتليــل األفــكار واملعتقــدات الســلبية املرتبطــة باملواقــف‬
‫البدنــي بانتظــام‪ ،‬والعنايــة بالصحــة العقليــة مــن خالل النــوم اجليــد والتغذيــة‬ ‫االجتماعيــة‪.‬‬
‫الســليمة‪ .‬والبــد مــن البحــث عــن الدعــم االجتماعــي ونشــارك جتاربنــا ومخاوفنــا‬ ‫• التدريــب علــى تقنيــات االســترخاء‪ :‬يتــم يف هــذه التقنيــة تعليــم احلالــة تقنيــات‬
‫مــع األصدقــاء والعائلــة املقربــة‪ ،‬فقــد يشــعر اآلخــرون بنفــس القلــق واخلــوف‪،‬‬ ‫االســترخاء اخملتلفــة مثــل التأمــل والتنفــس العميــق والتدريــب علــى االســترخاء‬
‫وبالتالــي‪ ،‬ميكــن أن يقدمــوا الدعــم والتشــجيع‪ ،‬وإذا لــزم األمــر‪ ،‬ميكننــا ً‬
‫أيًضــا‬ ‫العضلــي‪ ،‬والتــي تســاعد علــى تخفيــف التوتــر والقلــق واخلــوف‪.‬‬
‫طلــب املســاعدة االحترافيــة مــن خالل االستشــارة النفســية أو الــعالج‪.‬‬
‫علينــا أن نتذكــر أن احليــاة مليئــة بالفــرص واملغامــرات‪ ،‬وأن القلــق واخلــوف ال‬ ‫• التدريــب علــى التفكيــر اإليجابــي‪ :‬يتــم يف هــذه التقنيــة تعليــم احلالــة كيفيــة‬
‫يجــب أن يحوالننــا إلــى أشــخاص مكبــلني باخلــوف والتــردد‪ ،‬وعلينــا أن منضــي‬ ‫التفكيــر اإليجابــي‪ ،‬وحتويــل األفــكار الســلبية إلــى أفــكار إيجابيــة‪ ،‬وتعزيــز الثقــة‬
‫قد ًًمــا بثقــة وتفــاؤل‪ ،‬وأن نتحــدى أنفســنا للتغلــب علــى اخملاوف وحتقيــق األهــداف‬ ‫بالنفــس والتفــاؤل‪.‬‬
‫التــي نســعى إليهــا‪ ،‬واحليــاة مــع القلــق واخلــوف قــد تكــون حتد�يـًا‪ ،‬ولكنهــا ً‬
‫أيًضــا‬ ‫• التدريــب علــى التحكــم يف العواطــف‪ :‬يتــم يف هــذه التقنيــة تعليــم احلالــة كيفيــة‬
‫فرصــة للنمــو والتطــور الشــخصي‪ ،‬فعندمــا نتعلــم كيــف نتعامــل معهمــا بشــكل‬ ‫التحكــم يف العواطــف الســلبية مثــل اخلــوف والقلــق‪ ،‬وحتويلهــا إلــى عواطــف‬
‫صحيــح ونســتخدم األدوات املناســبة‪ ،‬ميكننــا أن نعيــش حيــاة ســعيدة ومســتقرة‪.‬‬ ‫إيجابيــة‪.‬‬
‫• التدريــب علــى مهــارات حــل املشــكالت‪ :‬يتــم يف هــذه التقنيــة تعليــم احلالــة‬
‫املراجع‪:‬‬ ‫كيفيــة حــل املشــكالت والتعامــل مــع الصعوبــات التــي تســبب القلــق واخلــوف‪ ،‬وحــل‬
‫‪" -‬معاجلــة القلــق‪ :‬مقاربــة علميــة متكاملــة"‪ ،‬تأليــف‪ :‬د‪ .‬نبيلــة حمــود اجلميلــي‪ .‬دار النشــر العصــر اجلديــد‪،‬‬ ‫املشــكالت االجتماعيــة بطريقــة فعالــة ومنطقيــة‪ ،‬وحتديــد احللــول واخلطــوات‬
‫‪.2011‬‬ ‫العمليــة لتحقيــق األهــداف‪.‬‬
‫‪" -‬القلــق واالضطرابــات النفســية‪ :‬التشــخيص والــعالج"‪ ،‬تأليــف‪ :‬د‪ .‬إبراهيــم بــن عبــد الرحمــن العمــري‪.‬‬
‫• التدريــب علــى مهــارات التواصــل‪ :‬يتــم يف هــذه التقنيــة حتــسني مهــارات‬
‫مكتبــة العبيــكان‪.2016 ،‬‬
‫التواصــل والتفاعــل االجتماعــي‪ ،‬وتعليــم احلالــة كيفيــة التعامــل مــع اآلخريــن‬
‫‪" -‬القلق واخلوف‪ :‬األسباب والعالج"‪ ،‬تأليف‪ :‬د‪ .‬غسان كريدي‪ .‬دار الكتاب العربي‪.2017 ،‬‬
‫بشــكل فّعّ ــال والتعبيــر عــن الرغبــات واالحتياجــات بشــكل واضــح‪.‬‬
‫‪" -‬علــم نفــس القلــق واخلــوف‪ :‬األســباب والــعالج"‪ ،‬تأليــف‪ :‬د‪ .‬أحمــد بــن إبراهيــم الصاحلــي‪ .‬دار الكتــاب‬
‫العربــي‪.2015 ،‬‬ ‫• التدريــب علــى مهــارات التفكيــر االجتماعــي‪ :‬يتــم يف هــذه التقنيــة تعليــم احلالــة‬
‫‪" -‬القلــق واخلــوف واضطرابــات القلــق عنــد األطفــال واملراهــقني"‪ ،‬تأليــف‪ :‬د‪ .‬ســعاد مطــر‪ .‬دار الكتــاب‬ ‫كيفيــة التفكيــر اإليجابــي وحتــسني الثقــة بالنفــس والتفــاؤل‪ ،‬وتعزيــز التفكيــر‬
‫العربــي‪.2018 ،‬‬ ‫اإلبداعــي واحللــول اإليجابيــة للمواقــف االجتماعيــة‪.‬‬
‫‪" -‬القلــق واالكتئــاب‪ :‬األســباب‪ ،‬التشــخيص‪ ،‬والــعالج"‪ ،‬تأليــف‪ :‬عبــد اهلل بــن عبــد العزيــز احلمــود‪ ،‬عبــد اهلل‬ ‫• التدريــب علــى حتــسني العالقــات االجتماعيــة‪ :‬يتــم يف هــذه التقنيــة حتــسني‬
‫بــن عبــد الرحمــن احلمــود‪ .‬الــدار العربيــة للعلــوم‪.2012 ،‬‬ ‫العالقــات االجتماعيــة‪ ،‬وحتــسني االتصــاالت بني األفــراد وتعليــم احلالــة كيفيــة‬
‫‪" -‬القلــق واخلــوف‪ :‬مقاربــة عالجيــة معاصــرة"‪ ،‬تأليــف‪ :‬عبــد اهلل عبــد الرحمــن احلمــود‪ .‬مؤسســة الرســالة‬ ‫التعامــل مــع الصراعــات واملشــاكل االجتماعيــة‪.‬‬
‫للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪.2015 ،‬‬ ‫أساليب أخرى لعالج القلق واخلوف‪:‬‬
‫‪" -‬القلــق واخلــوف‪ :‬األســباب‪ ،‬األعــراض‪ ،‬والــعالج"‪ ،‬تأليــف‪ :‬محمــد الصالــح احلمــادي‪ ،‬ســعاد مطــر‪ .‬الــدار‬
‫• التماريــن الرياضيــة‪ :‬ميكــن أن تســاعد التماريــن الرياضيــة يف تخفيــف القلــق‬
‫العربيــة للعلــوم‪.2019 ،‬‬
‫واخلــوف والتوتــر‪ ،‬وحتــسني املــزاج والشــعور بالراحــة واالســترخاء‪.‬‬
‫‪" -‬القلــق واخلــوف‪ :‬التشــخيص والــعالج"‪ ،‬تأليــف‪ :‬عبــد اهلل بــن محمــد العمــري‪ ،‬محمــد بــن عبــد اهلل العمــري‪.‬‬
‫مركــز امللــك فهــد للبحــوث والدراســات اإلسالميــة‪.2016 ،‬‬ ‫• التدريــب علــى التنفــس العميــق‪ :‬ميكــن تعلــم تقنيــات التنفــس العميــق للتحكــم‬
‫‪" -‬حتليــل القلــق واخلــوف‪ :‬مــن النظريــة إلــى التطبيــق"‪ ،‬تأليــف‪ :‬فــاروق يونــس املصــري‪ .‬دار النشــر اجلامعيــة‪،‬‬ ‫يف األعــراض اجلســدية املرتبطــة باخلــوف‪ ،‬مثــل التعــرق والتوتــر العضلــي وضيــق‬
‫‪.2007‬‬ ‫التنفــس‪.‬‬

‫‪67‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫مصطفى منر‬
‫تربوي أردني ‪ ،‬معلم مبدارس أجيال اخلفجي األهلية‬
‫‪m_nemer_m@yahoo.com‬‬

‫مخترعون‬

‫جابر بن ح ّّيان‬
‫لًّيا يف التاريخ‬
‫أول من استخدم الكيمياء عم ً‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪68‬‬
‫بقولــه‪ :‬األســتاذ جابــر بــن حيــان‪ )9(.‬وذكــر ابــن النــدمي يف الفهرســت مؤلفاتــه ونبــذة‬
‫عنــه‪ )10( ،‬وقــال عنــه الفيلســوف اإلنكليــزي فرانســيس بيكــون‪" :‬إن جابــر بــن ح�يـّان هــو‬
‫أول مــن ع�لـّم علــم الكيميــاء للعالــم‪ ،‬فهــو أبــو الكيميــاء"‪ ،‬وقــال عنــه العالــم الكيميائــي‬
‫الفرنســي مارســيالن بيرتيلــو يف كتابــه (كيميــاء القــرون الوســطى)‪" :‬إن جلابــر بــن‬
‫حيــان يف الكيميــاء مــا ألرســطو يف املنطــق"‪)11( .‬‬
‫حياته‪:‬‬
‫ذكــرت بعــض املصــادر‪ ،‬أن جابــر هــو ابــن حيــان بــن عبــد اهلل األزدي الــذي هاجــرت‬
‫أســرته مــن اليمــن إلــى الكوفــة‪ ،‬وكانــت والدتــه فيهــا (‪ )12‬وعمــل يف الكوفــة صيدالن�يـًا‬
‫(‪ )13‬كان والــده مــن املناصريــن للعباســيني يف ثورتهــم ضــد األمــويني‪ ،‬الذيــن أرســلوه‬
‫إلــى خراســان ليدعــو النــاس لتأييدهــم‪ ،‬حيــث ُُقبــض عليــه وقتلــه األمويــون‪ ،‬فهربــت‬
‫أســرته إلــى اليمــن‪ )14( ،‬حيــث نشــأ جابــر ودرس القــرآن والعلــوم األخــرى ومــارس‬
‫مهنــة والــده (‪ ،)15‬ثــم عــادت أســرته إلــى الكوفــة‪ ،‬بعــد أن أزاح العباســيون األمــويني‪،‬‬
‫لــذا ينســب أحيا�نـًا بــاألزدي أو الكــويف أو الطوســي أو الصــويف‪)16( .‬‬
‫ثــم مــارس جابــر الطــب يف بدايــة حياتــه حتــت رعايــة الوزيــر جعفــر البرمكــي وبتوجيــه‬
‫مــن اخلليفــة العباســي هــارون الرشــيد‪)17( .‬‬
‫أطلقــت عليــه العديــد مــن األلقــاب‪ ،‬منهــا "األســتاذ الكبيــر" و"شــيخ الكيميائــيني‬
‫املســلمني" و"أبــو الكيميــاء" و"القديــس الســامي التصــوف" و"ملــك الهنــد"‪ ،‬وكذلــك ُلُِّقّ ــب‬
‫علــم الكيميــاء نســبة إليــه صنعــة جابــر‪.‬‬

‫هــو ََجابــر بــن ح�يـّان بــن عبــد اهلل الكــويف َ‬


‫اَألْزِْدِ ُّيّ (‪ )1‬عالــم مســلم عربــي‪ )2(،‬بــرع يف‬
‫إسهاماته‪:‬‬
‫ينســب لــه اختراعــه لعــدد مــن احلوامــض وحتضيرهــا ومنهــا حمــض الكبريتيــك‪،‬‬ ‫علــوم الكيميــاء والفلــك والهندســة وعلــم املعــادن والفلســفة والطــب والصيدلــة‪ ،‬وُيُعــد‬
‫وســماه زيــت الــزاج‪ )18( ،‬ولقــد بلــغ مجمــوع مــا نســب إلــى ابــن حيــان مــن مســاهمات‬ ‫جابــر بــن ح�يـّان أول مــن اســتخدم الكيميــاء عمل�يـًا يف التاريــخ‪)3( .‬‬
‫إلــى مــا يقــرب مــن ‪ 3,000‬مخطوطــة‪)19( .‬‬ ‫ولــد علــى أشــهر الروايــات يف ســنة ‪101‬هـــ‪721 /‬م‪ )4( ،‬ويــرى زكــي جنيــب محمــود أنــه‬
‫ولقــد ضمــت تلــك املســاهمات مؤلفــات يف علــم الكونيــات واملوســيقى والطــب والســحر‬ ‫ولــد بالكوفــة‪ ،‬وهــو مــا رجحتــه عــدد آخــر مــن الدراســات األكادمييــة‪)5( .‬‬
‫واألحيــاء والتقنيــات الكيميائيــة والهندســة والنحــو ومــا وراء الطبيعــة واملنطــق والفلــك‬ ‫كان طويــل القامــة‪ ،‬كثيــف اللحيــة‪ .‬اشــتهر بإميانــه وورعــه‪ ،‬وكذلــك بتصوفــه‪ )6( .‬كان‬
‫(‪ )20‬وقــد ترجمــت بعــض أعمالــه يف الكيميــاء إلــى اللغــة الالتينيــة يف العصــور‬ ‫يعيــش جابــر بــن حيــان يف مدينــة دمشــق القدميــة‪ ،‬حيــث كان يقضــي معظــم يومــه يف‬
‫الوســطى‪ ،‬وانتشــرت علــى نطــاق واســع بني الكيميائــيني األوروبــيني يف العصــور‬ ‫غرــفة منعزــلة يعــكف عــلى دراــسة الكيمــياء‪.‬‬
‫الوســطى‪.‬‬ ‫وكانــت كتبــه يف القــرن الرابــع عشــر مــن أهــم مصــادر الدراســات الكيميائيــة وأكثرهــا‬
‫وتأثــر جابــر بــن حيــان بكتابــات الكيميائــيني املصــريني القدمــاء واإلغريــق أمثــال‬ ‫أثـ ًًرا يف قيــادة الفكــر العلمــي يف الشــرق والغــرب‪ ،‬وقــد انتقلــت عــدة مصطلحــات علميــة‬
‫زوزميــوس األخميمــي ودميوقريطــس وهرمــس الهرامســة وأغاثودميــون‪ )21( ،‬بــل‬ ‫مــن أبحــاث جابــر العربيــة إلــى اللغــات األوروبيــة عــن طريــق اللغــة الالتينيــة التــي‬
‫وكتابــات أفالطــون وأرســطو وجالينــوس وفيثاغــورث وســقراط‪ ،‬وتعليقــات ألكســندر‬ ‫ترجمــت أبحاثــه إليهــا‪ ،‬وعــرف باســم " ‪ "Geber‬أو "‪)7( ."Yeber‬‬
‫مــن أفروديســياس وسمبليســوس وفرفريــوس وغيرهــم‪)22( .‬‬
‫ومــن أهــم اإلســهامات العلميــة جلابــر يف الكيميــاء‪ ،‬إدخــال املنهــج التجريبــي إلــى‬ ‫ثناء علماء عصره عليه‪:‬‬
‫الكيميــاء‪ ،‬وهــو مختــرع القلويــات املعروفــة يف مصطلحــات الكيميــاء احلديثــة باســمها‬ ‫وصفــه ابــن خلــدون يف مقدمتــه وهــو بصــدد احلديــث عــن علــم الكيميــاء فقــال‪" :‬إمــام‬
‫العربــي (‪ ،)Alkali‬ومــاء الفضــة‪ ،‬وهــو كذلــك صاحــب الفضــل فيمــا عرفــه األوربيــون‬ ‫املــدونني جابــر بــن ح�يـّان حتــى إنهــم يخصونهــا بــه فيســمونها علــم جابــر‪ ،‬ولــه فيهــا‬
‫عــن ملــح النشــادر ومــاء الذهــب والبوتــاس (‪ )23‬ومــن أهــم إســهاماته العلميــة كذلــك‪،‬‬ ‫ســبعون رســالة كلهــا شــبيهة باأللغــاز"‪ )8( .‬قــال عنــه أبــو بكــر الرازي يف "ســر األســرار"‪:‬‬
‫"جابــر مــن أعالم العــرب العباقــرة وأول رائــد للكيميــاء"‪ ،‬وكان يشــير إليــه باســتمرار‬

‫‪69‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫بعــض العمليــات الكيميائيــة البســيطة مثــل‪ :‬التقطيــر (فصــل اجلســم املــراد حتضيــره‬ ‫أنــه أدخــل عنص ـ ََر ْْي التجربــة واملعمــل يف الكيميــاء‪ ،‬وأوصــى بدقــة البحــث واالعتمــاد‬
‫بتصعيــده إلــى بخــار ثــم تكثيفــه إلــى ســائل)‪ ،‬والتســامي (فصــل اجلســم الطيــار‬ ‫علــى التجربــة والصبــر علــى القيــام بهــا‪ ،‬فجابــر ُيُ ََع ـُّدّ مــن رواد العلــوم التطبيقيــة‪.‬‬
‫بتســخينه حيــث يتكاثــف بخــاره إلــى مــادة صلبــة دون املــرور علــى احلالــة الســائلة)‬ ‫وكان يوصــي تالميــذه بقولــه‪" :‬وأول واجــب أن تعمــل وجتــري التجــارب‪ ،‬ألن مــن ال يعمــل‬
‫والترشــيح (ترشــيح كثيــر مــن الـمواد بواســطة منخــل أو قطعــة قمــاش) والتبلــور (فصــل‬ ‫ويجــري التجــارب ال يصــل إلــى أدنــى مراتــب اإلتقــان‪ ،‬فعليــك يــا بنــي بالتجربــة لتصــل‬
‫البلــورات مــن مــاء البحــر املالــح واحلاالت املشــابهة) وامللغمــة (اســتخالص الذهــب‬ ‫إلــى املعرفــة"‪)24( .‬‬
‫بواــسطة التصعــيد) والتكــسيد‪.‬‬
‫وبهــذه العمليــات البســيطة اســتطاع جهابــذة العلــم يف مجــال علــم الكيميــاء اختــراع‬ ‫الكيمياء يف عصره‪:‬‬
‫آالت متنوعــة للتجــارب العلميــة التــي قــادت علمــاء العصــر احلديــث إلــى غــزو الفضــاء‪.‬‬ ‫بــدأت الكيميــاء تســتند علــى األســاطير الباليــة‪ ،‬حيــث ســيطرت فكــرة حتويــل املعــادن‬
‫الرخيصــة إلــى معــادن نفيســة‪ ،‬وذلــك ألن العلمــاء يف احلضــارات مــا قبــل احلضــارة‬
‫بعض إجنازاته‪:‬‬ ‫اإلسالميــة كانــوا يعتقــدون املعــادن املنطرقــة مثــل الذهــب والفضــة والنحــاس واحلديــد‬
‫هذه قائمة بسيطة وموجزة حول بعض منجزات جابر بن حيان يف علوم الكيمياء‪:‬‬ ‫والرصــاص والقصديــر مــن نــوع واحــد‪ ،‬وأن تباينهــا نابــع مــن احلــرارة والبــرودة‬
‫• اكتشف «الصودا الكاوية» أو القطرون (‪.)NaOH‬‬ ‫واجلفــاف والرطوبــة الكامنــة فيهــا‪ ،‬وهــي أعــراض متغيــرة (نســبة إلــى نظريــة العناصــر‬
‫• أول من استحضر ماء الذهب‪.‬‬ ‫األربعــة‪ ،‬النــار والهــواء واملاء والتــراب)‪ ،‬لــذا ميكــن حتويــل هــذه املعــادن مــن بعضهــا‬
‫• أول مــن أدخــل طريقــة فصــل الذهــب عــن الفضــة باحلـّلّ بواســطة األحمــاض‪ .‬وهــي‬ ‫البعــض بواســطة مــادة ثالثــة وهــي اإلكســير‪.‬‬
‫الطريقــة الســائدة إلــى يومنــا هــذا‪.‬‬ ‫ومــن هــذا املنطلــق تخيــل بعــض علمــاء احلضــارات الســابقة للحضــارة اإلسالميــة أنــه‬
‫• أول من اكتشف حمض النتريك‪.‬‬ ‫باإلمــكان ابتــكار إكســير احليــاة أو حجــر احلكمــة الــذي يزيــل علــل احليــاة ويطيــل‬
‫• أول من اكتشف حمض الهيدروكلوريك‪.‬‬ ‫العمــر‪.‬‬
‫• اعتقد بالتولد الذاتي‪.‬‬ ‫وقــد تأ�ثـّر بعــض العلمــاء العــرب واملســلمني األوائــل كجابــر بــن حيــان وأبــو بكــر الــرازي‬
‫• أضــاف جوهريــن إلــى عناصــر اليونــان األربعــة وهمــا (الكبريــت والزئبــق) وأضــاف‬ ‫بنظريــة العناصــر األربعــة التــي ورثهــا علمــاء العــرب واملســلمني مــن اليونــان‪)25( .‬‬
‫العــرب جوه ـ ًًرا ثال�ثـًا وهــو (امللــح)‪.‬‬ ‫لكنهمــا قامــا بدراســة علميــة دقيقــة لهــا؛ أدت هــذه الدراســة إلــى وضــع وتطبيــق املنهــج‬
‫• أول من اكتشف حمض الكبريتيك وقام بتسميته بزيت الزاج‪.‬‬ ‫العلمــي التجريبــي يف حقــل العلــوم التجريبيــة‪.‬‬
‫• أدخل حتسينات على طرق التبخير والتصفية‪ ،‬واالنصهار‪ ،‬والتبلور‪ ،‬والتقطير‪.‬‬ ‫فمحاولــة معرفــة مــدى صحــة نظريــة العناصــر األربعــة ســاعدت علمــاء العــرب‬
‫• اســتطاع إعــداد الكثيــر مــن املــواد الكيميائيــة كســلفيد الزئبــق وأكســيد االرسني‬ ‫واملســلمني يف الوقــوف علــى عــدد كبيــر ج ـدًاً مــن املــواد الكيماويــة‪ ،‬وكذلــك معرفــة‬
‫(‪.)arsenious oxide‬‬ ‫بعــض التفــاعالت الكيماويــة‪ ،‬لــذا كان لعلمــاء املســلمني الفضــل يف تطويــر اكتشــاف‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪70‬‬
‫املراجع‪:‬‬
‫‪ -1‬احلاجي خليفة‪ .‬كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون اجلزء الثالث‪ .‬ص‪365 .‬‬

‫‪( Djābir B. Ḥayyān". Encylopaedia of Islam" .)1962( .Kraus، P-2‬ط‪Brill .)2nd .‬‬

‫‪ Academic Publishers‬ج‪ .2 .‬ص‪359–357 .‬‬

‫‪2003 ,Franklyn, Dictionary of the Occult, Kessinger Publishing -3‬‬

‫‪-4‬روائع احلضارة اإلسالمية‪ ،‬الدكتور علي عبد اهلل الدفاع‬

‫‪-5‬تراث اإلسالم يوسف شاخت‪ ،‬اجمللد الثاني ص ‪ 87‬طبعة الكويت ‪1988‬‬

‫‪-6‬أنور الرفاعي‪ ،‬تاريخ العلوم يف اإلسالم‪.‬‬

‫‪The Encyclopedia of Magic and Alchemy -7‬‬


‫• جنــح يف وضــع أول طريقــة للتقطيــر يف العالــم‪ .‬فقــد اختــرع جهــاز تقطيــر ويســتخدم‬
‫‪ -8‬مقدمة ابن خلدون اجلزء‪ 1‬ص ‪530 ،525 ،504‬‬
‫فيــه جهــاًزًا زجاج ًًيــا لــه قمــع طويــل ال يــزال يعــرف حتــى اليــوم يف الغــرب باســم‬
‫‪ -9‬أعالم احلضارة العربية اإلسالمية يف العلوم األساسية والتطبيقية‪ ،‬اجمللد ‪1‬‬
‫"‪ "Alembic‬مــن "اإلنبيــق" باللغــة العربيــة‪.‬‬
‫‪ -10‬ابن الندمي‪ ،‬الفهرست صفحة ‪406, 405 ,404 ,403‬‬
‫وقــد متّكّ ــن جابــر بــن حيــان مــن حتــسني نوعيــة زجــاج هــذه األداة مبزجــه بثانــي أكســيد‬
‫‪ -11‬الزركلي‪ .‬خير الدين – األعالم ‪ -‬ج‪ ،2‬ص‪.91 - 90‬‬
‫املنجنيز‪.‬‬
‫‪ -12‬جمال الدين فالح الكيالني جابر بن حيان صوفيا‪ ،‬مجلة الديار اللندنية ‪2009‬‬ ‫• صنع ورق غير قابل لالحتراق‪.‬‬
‫‪Makers of chemistry. The Clarendon .)1931( Holmyard، Eric John-13‬‬ ‫شرح بالتفصيل كيفية حتضير الزرنيخ واالنتيمون‪)26( .‬‬
‫‪.1678 The Arabic Works of Jabir ibn Hayyan, translated by Richard Russell in-14‬‬

‫‪Also Paris, P. ;)1928( New York, E. P. Dutton .1678 New r E. J. Holmyard (ed.) in‬‬ ‫مؤلفاته‪:‬‬
‫‪Geuther‬‬ ‫تعــود شــهرة جابــر بــن حيــان إلــى مؤلفاتــه العديــدة‪ ،‬ومنهــا "كتــاب الرســائل الســبعني"‪،‬‬
‫‪Makers of chemistry. The Clarendon .)1931( Holmyard ، Eric John-15‬‬ ‫ترجمــه إلــى الالتينيــة جيــرار الكرميونــي ســنة ‪1187‬م‪ ،‬وتضــاف إلــى هــذه الكتــب‬
‫‪S.N. Nasr, "Life Sciences, Alchemy and Medicine", The Cambridge History of-16‬‬ ‫شــروًحا لكتــب أرســطو‬‫ً‬ ‫تصانيــف أخــرى عديــدة تتنــاول إلــى جانــب الكيميــاء‪،‬‬
‫‪412 .p ,1975 ,4 Iran, Cambridge, Volume‬‬
‫وأفالطــون؛ ورســائل يف الفلســفة‪ ،‬والتنجيــم‪ ،‬والرياضيــات‪ ،‬الطــب‪ ،‬واملوســيقى‪.‬‬
‫وجــاء يف "األعالم" للزركلــي أن جابـ ًًرا لــه تصانيــف كثيــرة تتــراوح مــا بني مائــتني واثــنني‬
‫‪-17‬هارون الرشيد‪ ،‬عبد اجلبار اجلومرد ‪ ،‬دار البشير ‪ ،‬بيروت ‪ 1999 ،‬ص ‪54‬‬
‫وثالثني (‪ )232‬وخمســمائة (‪ )500‬كتــاب‪ ،‬لكــن ضــاع أكثرهــا‪ .‬وقــد ترجمــت بعــض‬
‫‪ -18‬حامض الكبريتيك نسخة محفوظة ‪ 17‬يونيو ‪ 2015‬على موقع واي باك مشني‪.‬‬
‫كتــب جابــر إلــى اللغــة الالتينيــة يف أوائــل القــرن الثانــي عشــر‪ ،‬كمــا ترجــم بعضهــا مــن‬
‫‪ .Medieval Islamic Civilization .)2006( Josef W. Meri، Jere L. Bacharach-19‬تايلــور‬
‫الالتينيــة إلــى اإلجنليزيــة عــام ‪.1678‬‬
‫وفرانســيس‬
‫وظــل األوروبيــون يعتمــدون علــى كتبــه لعــدة قــرون‪ ،‬وقــد كان لهــا أثــر كبيــر يف تطويــر‬
‫‪ 28( Haq، Syed Nomanul-20‬فبرايــر ‪Names, Natures and Things: The .)1995‬‬
‫الكيميــاء احلديثــة‪ .‬ويف هــذا يقــول ماكــس مايرهــوف‪ :‬ميكــن إرجــاع تطــور الكيميــاء يف‬
‫‪.Alchemist Jabir Ibn Hayyan and His Kitab Al-Ahjar (Book of Stones). Springer‬‬
‫أوروبــا إلــى جابــر ابــن حيــان بصــورة مباشــرة‪ .‬وأكبــر دليــل علــى ذلــك أن كثي ـ ًًرا مــن‬
‫‪( Agathodaemon". Wikipedia" -21‬باإلجنليزية)‪2023 Mar 3 .‬‬ ‫املصطلحــات التــي ابتكرهــا مــا زالــت مســتعملة يف مختلــف اللغــات األوروبيــة‪)27( .‬‬
‫‪,2003 ,Julian, Franklyn, Dictionary of the Occult, Kessinger Publishing-22‬‬ ‫ومن كتبه‪:‬‬
‫‪Aqua fortis". Cyclopædia, or an Universal" .)1728( .Chambers, Ephraim, ed -23‬‬ ‫أســرار الكيميــاء‪ ،‬نهايــة االتقــان‪ ،‬أصــول الكيميــاء‪ ،‬علــم الهيئــة‪ ،‬الرحمــة‪ ،‬املكتســب‪،‬‬
‫‪.124 .James and John Knapton, et al. p .).first ed( 1 Dictionary of Arts and Sciences‬‬ ‫اخلمائــر الصغيــرة‪" ،‬صنــدوق احلكمــة"‪" ،‬كتــاب امللــك"‪ ،‬كتــاب اخلــواص الكبيــر‪ ،‬كتــاب‬
‫‪-24‬روائع احلضارة اإلسالمية‪ ،‬الدكتور علي عبد اهلل الدفاع‬ ‫اجملــردات‪ ،‬كتــاب اخلالــص‪ ،‬كتــاب الســبعني‪" ،‬اخلــواص"‪" ،‬الســموم ودفــع مضارهــا"‪،‬‬
‫‪ -25‬جابر بن حيان للدكتور زكي جنيب محمود‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬القاهرة ‪ 1977-‬ص ‪65‬‬ ‫ومجمــوع رســائل وكتــب أخــرى متــت ترجمــة العديــد منهــا لالتينيــة‪ ،‬الكيميــاء اجلابريــة‪،‬‬
‫‪ -26‬مختار رسائل جابر بن حيان ص ‪78‬‬ ‫حــل الرمــوز ومفاتيــح الكنــوز‪.‬‬
‫‪ -27‬ابن الندمي‪ ،‬الفهرست ص ‪503‬‬
‫وفاته‪:‬‬
‫تــويف جابــر وقــد جــاوز التســعني مــن عمــره يف الكوفــة بعدمــا فــر إليهــا مــن العباســيني‬
‫‪ -28‬تأريخ علوم الطبيعة‪ ،‬الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب‬
‫بعــد نكبــة البرامكــة‪ ،‬ســجن يف الكوفــة وظــل يف الســجن حتــى وفاتــه ســنة ‪197‬هـــ (‪815‬‬
‫م) (‪.)28‬‬

‫‪71‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫السماح عبداهلل‬
‫ّ‬
‫مدير بيت الشعر املصري‬
‫‪Alsammah63@yahoo.com‬‬

‫إصدارات‬

‫كلب عبد الحميد الديب‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪72‬‬
‫والكلــب مــن قاعــة االمتحانــات‪ ،‬ومــن الكليــة كلهــا‪ ،‬وكان منظــره مضحـ ًًكا جـًدًا وهــو‬ ‫يف حجرتــه البائســة لــم يكــن الشــاعر "عبــد احلميــد الديــب" ميلــك شــي ًًئا‪ ،‬فقــط‬
‫خــارج يطرقــع علــى بالط املمشــى‪ ،‬وساللــم املدرجــات بقبقابــه اخلشــبي‪ ،‬والكلــب‬ ‫جرائــد كثيــرة يفــرش بعضهــا‪ ،‬ويتغطــى ببعضهــا‪ ،‬ويــأكل علــى بعضهــا‪ ،‬وكانــت‬
‫يتبعــه ويــرد علــى طرقعتــه بهوهــوة مماثلــة‪ ،‬وكانــت طرقعــة القبقــاب وهوهــوة‬ ‫احلشــرات تشــاركه ســكنى هــذه احلجــرة‪ ،‬وأحيا�نـًا تطــل عليــه مــن شــقوق ســقفها‬
‫الكلــب‪ ،‬موقعــة توقي ًًعــا عروض�يـًا‪.‬‬ ‫رؤوس الثــعابني‪ ،‬وكان يــقول‬
‫خــرج "عبــد احلميــد الديــب" مــن كليــة دار العلــوم بقبقابــه وكلبــه‪ ،‬ولــم يعــد إليهــا‬ ‫أفى حجرتى يا رب أم أنا فى حلدى‬
‫بعــد ذلــك أب ـًدًا‪.‬‬ ‫أال شد ما ألقى من الزمن الوغد‬
‫رقة الكاتب اجلبار‬ ‫تساكننى فيها األفاعى جريئة‬
‫يف عــام ‪ 1902‬اضطــر الطفــل "عبــاس محمــود العقــاد" أن يغلــق عليــه بــاب بيتــه‪،‬‬ ‫وفى جوها األمراض تفتك أو تعدي‬
‫أو باألحــرى احلكومــة أغلقــت عليــه هــو وأســرته‪ ،‬البــاب‪ ،‬فقــد زار الهــواء األصفــر‬ ‫أرى النمل يخشى الناس إال بأرضها‬
‫أســوان‪ ،‬والهــواء األصفــر هــو الوبــاء‪ ،‬أي الكوليــرا‪ ،‬الــذي يعــرف بني النــاس باســم‬ ‫فأرجله أمضى من الصارم الهندي‬
‫(الهيضــة)‪ ،‬املدينــة تقري�بـًا خلــت مــن النــاس الذيــن فــروا إلــى مــدن آمنــة أو ماتــوا‪،‬‬ ‫حتملت فيها صبر أيوب فى الضنا‬
‫وكان "العقــاد" ينظــر مــن خلــل الشــباك‪ ،‬فال يــرى غيــر النعــوش العابــرة يف صمــت‬ ‫وذقت هزال اجلوع أكثر من غاندي‬
‫والتــي ال يحملهــا غيــر رجــلني أو ثالثــة رجــال علــى األكثــر‪ ،‬ال عويــل وال حــزن‪ ،‬وال‬ ‫ولــم يكــن لــه مــن املالبــس غيــر بنطلــون وقميــص يخــرج بهمــا‪ ،‬وجلبــاب ينــام فيــه‪،‬‬
‫كالم‪ ،‬كانــت احلكومــة قــد وضعــت علــى رأس الشــارع عالمــة حمــراء‪ ،‬داللــة علــى‬ ‫وجزمــة ينتعلهــا‪ ،‬أمــا خــارج عالــم هــذه احلجــرة‪ ،‬فثمــة كلــب‪ ،‬يتبعــه يف مشــاويره‬
‫أن هــذا الشــارع أصبــح موبــو ًًءا‪ ،‬ولــم تكــن النعــوش تنقطــع عــن املســير‪ ،‬فالبيــوت‬ ‫الصغيــرة يف احلارة‪ ،‬حتــى إذا مــا ركــب أتوبيســا‪ ،‬تركــه الكلــب وعــاد إلــى بــاب‬
‫كلهــا فيهــا أنــاس أصابهــم الوبــاء وينتظــرون أن يحملــوا علــى النعــوش‪ ،‬بيــت "العقــاد"‬ ‫احلجــرة‪ ،‬ليجلــس أمامهــا‪ ،‬باســطا ذراعيــه‪ ،‬يف انتظــار عــودة صاحبــه‪.‬‬
‫نفســه فيــه إصابتــان‪ ،‬وكانــت الســفن العابــرة علــى البلــدة ال جتــرؤ علــى االقتــراب‬ ‫جزمــة "عبــد احلميــد الديــب" تآكلــت‪ ،‬فاكتفــى باســتعمال قبقــاب أخــذه مــن أمــام‬
‫مــن شــط البلــدة‪ ،‬وإمنــا كان يقــف رجــل علــى ســور الســفينة ويصيــح ملراكبــى مــن‬ ‫أحــد اجلوامــع‪ ،‬ولــم ينتبــه إلــى حلــول موعــد االمتحــان إال عندمــا مــر عليــه زميلــه‬
‫البــلدة جاــلس عــلى الــشط ــقائاًلا‬ ‫ليأخــذ منــه كتــاب العــروض‪ ،‬لــم تكــن ثمــة مشــكلة غيــر مشــكلة اجلزمــة‪ ،‬كيــف‬
‫كم احملصول اليوم؟‬ ‫ســيذهب إلــى دار العلــوم ليمتحــن؟‬
‫فيرد عليه‪:‬‬ ‫يف الصبــاح‪ ،‬لــم يجــد "عبــد احلميــد الديــب" بـًدًا مــن انتعــال القبقــاب‪ ،‬لــم يكــن يف‬
‫جنيه أو نصف جنيه أو ريال‪.‬‬ ‫جيــب بنطلونــه فلــوس ليركــب أتوبيســا‪ ،‬فقــرر الذهــاب مــن حــارة عمر شــاه بالســيدة‬
‫اجلنيــه‪ ،‬معنــاه مائــة ميــت‪ ،‬ونصــف اجلنيــه خمســون‪ ،‬أمــا الريــال‪ ،‬والــذي يعنــي‬ ‫زينــب‪ ،‬وحتــى كليــة دار العلــوم باملنيــرة مطقط ًًقــا بقبقابــه علــى أســفلت الشــوارع‪،‬‬
‫عشــرين‪ ،‬فلــم يكــن يقولــه املراكبــي إال يف األيــام األخيــرة مــن الوبــاء‪.‬‬ ‫الكلــب ويف بطبيعتــه‪ ،‬وهــو معتــاد علــى تتبــع صاحبــه حتــى ركــوب األتوبيــس‪ ،‬فلمــا‬
‫وقــد طالــت بــه مــدة احلبــس هــذه‪ ،‬وملا انفرجــت األزمــة‪ ،‬وأعلنــت احلكومــة أن‬ ‫لــم يركــب أتوبيســا اســتمر الكلــب معــه‪ ،‬دخــل ملبنــى دار العلــوم فدخــل الكلــب معــه‪،‬‬
‫الــبالد أصبحــت نظيفــة مــن الوبــاء‪ ،‬وميكــن للنــاس الذيــن أغلقــوا عليهــم أبوابهــم أن‬ ‫اجتــه إلــى قاعــة االمتحانــات فاجتــه الكلــب معــه‪ ،‬وجلــس علــى كرســيه فجلــس‬
‫يفتحوهــا‪ ،‬فتحــت النــاس بيوتهــم‪ ،‬وظــل بيــت "العقــاد" مغ ً‬
‫لًقــا‪ ،‬كان قــد اعتــاد علــى‬ ‫الكلــب بني رجليــه‪.‬‬
‫االنفــراد بنفســه‪ ،‬وأحــب العزلــة‪ ،‬وصــار منطو�يـًا علــى نفســه‪ ،‬وقــد الزمتــه حالــة‬ ‫مراقــب االمتحــان لــم يلحــظ الكلــب الــذي كان مختب�ئـًا حتــت املنضــدة‪ ،‬كمــا لــم‬
‫العزلــة واالنطــواء طــوال حياتــه‪ ،‬حتــى عــرف بني النــاس كلهــم باخللــوة واالنفــراد‪،‬‬ ‫يلحــظ القبقــاب الــذي يف رجلــي "عبــد احلميــد الديــب" بجــوار الكلــب‪ ،‬ويبــدو أن‬
‫ومــا يصاحبهمــا مــن حــدة يف الطبــع‪.‬‬ ‫أســئلة االمتحــان كانــت مــن النــوع املزعــج الــذي يطلــب مــن الطالــب أن يقّطّ ــع‬
‫املشــهور عــن "العقــاد" أنــه كاتــب جبــار‪ ،‬كمــا وصفــه "ســعد باشــا زغلــول"‪ ،‬واجلبروت‬ ‫تفعــيالت الشــعر تقطي ًًعــا عروض ًًيــا يــبني فيــه الزحافــات واألوتــاد والعلــل تبيا�نـًا‬
‫الــذي وصفــه بــه زعيــم األمــة‪ ،‬هــو جبــروت الكتابــة‪ ،‬لكــن النــاس جتــاوزت أمــر‬ ‫غيــر مخــل‪ ،‬الشــعراء بطبيعتهــم ال يحبــون مثــل هــذه األشــياء املزعجــة‪ ،‬ويبــدو‬
‫الكتابــة‪ ،‬وســحبت اللقــب علــى الرجــل يف تصرفاتــه كلهــا‪ ،‬أمــا احلقيقــة‪ ،‬فهــي غيــر‬ ‫أن "عبــد احلميــد الديــب" مــن هــذا النــوع مــن الشــعراء الذيــن يكتبــون الشــعر‬
‫ذلــك متا ًًمــا‪.‬‬ ‫بالســليقة مــن دون احلاجــة لدراســة العــروض املزعجــة‪ ،‬األمــر الــذي ضايقــه جـًدًا‪،‬‬
‫العقــاد رقيــق ج ـًدًا‪ ،‬ولني إلــى أقصــى حــاالت الــلني‪ ،‬حتــى أنــه عندمــا مت اعتقالــه‬ ‫وجعلــه يخبــط علــى املنضــدة خبطــة جعلــت الكلــب يزمجــر‪ ،‬فأطلــق عــواءه تضام�نـًا‬
‫تقــدم بطلــب ملأمــور الســجن لكــي يختــار لــه وفًتًــا للتريــض غيــر الوقــت الــذي‬ ‫مــع انزعــاج صاحبــه‪ ،‬لــم يكتــف الكلــب بهــذا‪ ،‬بــل خــرج مــن حتــت املنضــدة‪ ،‬وظــل‬
‫يجلــدون فيــه املســاجني‪ ،‬كانــوا ينصبــون آالت اجللــد ويجلــدون املذنــبني مــن‬ ‫يهوهــو هوهــوة موقعــة توقي�ع ـًا عروض�يـًا‪ ،‬يســتطيع مدرســو العــروض احتســابها علــى‬
‫املســاجني يف الوقــت الــذي يســمحون لــه فيــه بالتريــض‪ ،‬وكان منظــر جلــد املذنــبني‬ ‫أنهــا "فعــل فعــل فعــل فعــل"‪ ،‬األمــر الــذي نتــج عنــه هــرج ومــرج كبيــران بني الــطالب‬
‫يــؤذي مشــاعره الرقيقــة‪ ،‬ومأمــور الســجن ملا قــرأ التمــاس "العقــاد" اندهــش جـًدًا‪،‬‬ ‫كلهــم‪ ،‬وجــاء مراقــب االمتحانــات‪ ،‬وجــاء أســاتذة النحــو والعــروض‪ ،‬وجــاء عميــد‬
‫كيــف يكــون الكاتــب اجلبــار علــى هــذه الرقــة؟‪.‬‬ ‫الكليــة‪ ،‬وجــاء الفراشــون والقهوجيــة والســعاة‪ ،‬وأخرجــوا "عبــد احلميــد الديــب"‬

‫‪73‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫محفوظاتــه‪ ،‬وعلينــا نحــن أن نقــول بي�تـًا يبتــدئ حرفــه األول بقافيــة البيــت الــذي‬ ‫وهــو بســبب أنــه مصــاب مبــرض مزمــن منــذ صبــاه‪ ،‬فرقبتــه ال تســتطيع احتمــال‬
‫قالــه‪ ،‬ولــم يكــن يســمح لنــا باالختيــار‪ ،‬يقــول البيــت‪ ،‬ويشــير علــى أحدنــا طال�بـًا منــه‬ ‫البــرد‪ ،‬يصــاب مــن فــوره بأزمــة حــادة بالنزلــة احلنجريــة‪ ،‬لــذا كانــت كوفيتــه جــز ًًءا‬
‫االســتكمال‪ ،‬كانــت محفوظاتــه كثيــرة ج ـًدًا‪ ،‬وكان يغلبنــا‪.‬‬ ‫مك ـماًلا لشــخصيته‪ ،‬حتــى أن رســامي الكاريكاتيــر كانــوا يتفننــون يف إظهــاره بهــذه‬
‫مرة طرح علينا سؤااًلا فلسف ًًيا عمي ًًقا‪ :‬ماذا كنتم تريدون أن تعملوا؟‬ ‫الكوفيــة‪ ،‬صي ًًفــا وشــتاء‪ ،‬وملا كانــت الزنزانــة التــي هــو محبــوس بهــا‪ ،‬ال تدخلهــا‬
‫"فتحــي ســعيد" قــال كمســاري‪" ،‬محمــد أبــو دومــة" قــال عمــدة‪" ،‬إبراهيــم عيســى"‬ ‫الشــمس أبــًدًا‪ ،‬وشــديدة الرطوبــة وحــادة البــرودة‪ ،‬فقــد عاودتــه هــذه النزلــة‬
‫قــال طبيــب نســاء‪ ،‬أنــا قلــت قائــد ســفينة عابــرة للقــارات‪ ،‬أمــا هــو فقــد ســرح‬ ‫احلنجريــة اللعينــة‪ ،‬األمــر الــذي جعــل محاميــه يتقــدم بطلــب لتحويلــه إلــى‬
‫عينيــه بعيـًدًا وقــال‪ :‬املهنــة الوحيــدة التــي متنيــت مــن أعمــاق قلبــي أن أمتهنهــا‪ ،‬هــي‬ ‫املستشــفى‪ ،‬وقــد نظــرت النيابــة يف هــذا األمــر‪ ،‬ووجدتــه موضوع�يـًا‪ ،‬فوافقــت علــى‬
‫مكوجــي رجــل‪ ،‬فقــد كنــت وأنــا طفــل أشــاهد مكوجــي قريتنــا وهــو ميأل فمــه بــاملاء‪،‬‬ ‫نقلــه لهــذا املستشــفى‪ ،‬الــذي أقــام يف أحــدى غرفــه العاليــة التــي تطــل علــى ميــدان‬
‫ويرشــه علــى اجلالبيــة‪ ،‬ثــم يرفــع املكــواة الكبيــرة مــن علــى الفحــم‪ ،‬ويضعهــا علــى‬ ‫مزهــر باألشــجار والــورود‪ ،‬ومزدحــم بحركــة املاشني والراكــبني‪ ،‬كان يظــن أنــه‬
‫اجلالبيــة‪ ،‬ويضــع عليهــا رجلــه‪ ،‬ويــروح ويجــيء عليهــا باحترافيــة فائقــة‪ ،‬كان يف‬ ‫أصبــح يف اجلنــة‪ ،‬وظــل طــوال النهــار يســتمتع بالفرجــة علــى هــذه املناظــر اخلالبــة‬
‫نظــري أهــم رجــل يف البلــدة كلهــا‪.‬‬ ‫مــن شــرفته‪ ،‬لكنــه مبجــرد أن ل�يـّل الليــل‪ ،‬وانطفــأت مصابيــح امليــدان الوســيع‪ ،‬حتــى‬
‫"طاهــر أبــو فاشــا" دمياطــي‪ ،‬والدمايطــة مشــهورون بالبخــل‪ ،‬وهــو كان فيــه شــيء‬ ‫ســمع األنــات واآلهــات تخــرج مــن صــدور املرضــى يف الغــرف اللصيقــة بغرفــه‪ ،‬لــذا‪،‬‬
‫حرًصــا‪ ،‬وأحيا�نـًا كثيــرة‬
‫ً‬ ‫مــن البخــل‪ ،‬لكنــه لــم يكــن يــراه بــخاًلا ‪ ،‬بقــدر مــا كان يــراه‬ ‫ومبجــرد أن طلــع عليــه الفجــر مــن زوايــا هــذا امليــدان املبهــج‪ ،‬حتــى ضغــط علــى زر‬
‫كان يــراه وع ًًيــا ومهــارة وشــطارة‪ ،‬فال يوجــد أحــد يف الدنيــا كلهــا‪ ،‬يســتطيع أن‬ ‫اجلــرس‪ ،‬طال�بـًا حارســه لكــي يســارع بإيقــاظ طبيــب املستشــفى‪ ،‬كــي يأمــر بعودتــه‬
‫يضحــك عليــه‪ ،‬ومــا حــدث لــه مــع املذيــع التليفزيونــي يؤّكّ ــد ذلــك‪.‬‬ ‫لزنزانتــه التــي تشــع حيطانهــا رطوبــة‪ ،‬مقــر ًًرا بأنــه يســتطيع أن يحتمــل املــرض‬
‫اتفــق املذيــع التليفزيونــي معــه علــى تســجيل حلقــة لبرنامجــه‪ ،‬يتحــدث فيهــا عــن‬ ‫الــذي قــد يــزداد عليــه يف غرفتــه اللعينــة‪ ،‬لكنــه ال يســتطيع احتمــال أنــات املرضــى‬
‫مشــواره الشــعري واإلذاعــي‪ ،‬وقصائــده التــي كتبهــا ألم كلثــوم‪ ،‬ومنهــا قصيدتــه‬ ‫وشــكاية املوجــوعني‪.‬‬
‫اجلميلــة‪ ،‬عرفــت الهــوى مــذ عرفــت هــواك‪ ،‬والتــي تتمــاس مــع أبيــات رابعــة العدويــة‬ ‫ً‬
‫وهــو إذا ألــف الـمكان‪ ،‬يظــل لصيًقــا بــه‪ ،‬وإذا اعتــاد علــى شــخص يســتمر يف التــردد‬
‫الــشهيرة‬ ‫عليــه‪ ،‬فقــد ســكن يف شــقته الشــهيرة يف مصــر اجلديــدة‪ ،‬وتغيــر عليــه أربعــة مالك‬
‫أحبك حبني حب الهوى ‪ ...‬وحبا ألنك أهل لذاك‬ ‫لهــا‪ ،‬وهــو مقيــم فيهــا علــى تغيــر املالك واجليــران‪ ،‬وهــو اعتــاد علــى حالق بعينــه يف‬
‫والتي يقول فيها‪:‬‬ ‫شــارع محمــد علــي بوســط البلــد‪ ،‬ألنــه منــذ عقديــن مــن الزمــان كان يســكن بالقــرب‬
‫وقمت أناجيك يا من ترى ‪ ...‬خفايا القلوب ولسنا نراك‬ ‫مــنه‪ ،‬وــمع ذــلك يذــهب إلــيه ــمرة كل ــشهر عــلى بــعد املــسافة‪.‬‬
‫لكــن "طاهــر أبــو فاشــا"‪ ،‬وبحكــم عملــه الطويــل يف اإلذاعــة والتليفزيــون‪ ،‬أصـّرّ علــى‬ ‫مرًضــا مــا يف الكلــى‪ ،‬فأشــار عليــه طبيبــه باتبــاع نظــام غذائــي‬‫ً‬ ‫عندمــا كان يعانــي‬
‫االتفــاق علــى األجــر‪ ،‬بــل وأص ـّرّ علــى احلصــول علــى هــذا األجــر قبــل التســجيل‪،‬‬ ‫مــا‪ ،‬واالبتعــاد عــن تنــاول بعــض األطعمــة‪ ،‬حددهــا لــه يف جــدول‪ ،‬وخالل عــام واحــد‪،‬‬
‫فهــو يعــرف أالعيــب اإلذاعــيني‪ ،‬ويــدرك جيــًدًا أن وعودهــم يف غالبيتهــا ليســت‬ ‫كان قــد شــفي متا ًًمــا مــن مرضــه الكلــوي‪ ،‬ومــع هــذا ظــل طــوال حياتــه ملتز ًًمــا‬
‫متحققــة‪ ،‬كان األجــر املتفــق عليــه مائــتني وخمــسني جنيهــا‪ ،‬وكان مــن املفتــرض‬ ‫بالنظــام الغذائــي املتعلــق باحلالــة املرضيــة التــي شــفي منهــا‪.‬‬
‫توجيــه خمســة أســئلة‪ ،‬حســبها "أبــو فاشــا" واكتشــف أن أجــر الســؤال الواحــد‬ ‫لكــن مــا ال يتوقعــه أحــد علــى اإلطالق‪ ،‬أن يبكــي "العقــاد" إذا شــاهد مشــهًدًا‬
‫خمســون جنيهــا‪.‬‬ ‫ســينمائ ًًيا‪ ،‬فقــد حــدث أن شــاهد فيل ًًمــا ســينمائ ًًيا للفنــان األمريكــي "آل جولســون"‬
‫يف املوعــد احملــدد ذهــب إلــى االســتديو‪ ،‬وقابلــه املذيــع الــذي ســلمه خمــسني جنيهــا‬ ‫ومعــه طفــل حرمتــه الظــروف مــن أبويــه‪ ،‬فأهمــل حتــى مــات‪ ،‬وظــل الكاتــب اجلبــار‬
‫فقــط‪ ،‬متعــلال بــأن ثمــة ضائقــة ماليــة ميــر بهــا البرنامــج اســتدعت تقليــل األجــر‪،‬‬ ‫يبكــي طــوال الليــل‪ ،‬لدرجــة أنــه لــم يســتطع النــوم إال بعــد قــام بغســل رأســه بــاملاء‬
‫وضــع "أبــو فاشــا" الفلــوس يف جيبــه‪ ،‬وجلــس أمــام الكاميــرا‪.‬‬ ‫الســاخن‪.‬‬
‫ســأله املذيــع عــن دراســته يف األزهــر‪ ،‬فقــال لــه إن احليــاة يف ذلــك الوقــت كانــت‬ ‫كــم كان الكاتــب اجلبــار شــديد الرقــة‪ ،‬وكــم ظلمتــه هــذه الصــورة املوروثــة التــي‬
‫صعبــة ج ـًدًا‪ ،‬وإنــه كان يعيــش علــى اخلبــز املقــدد واملــش‪ ،‬وكان يضطــر ألن يســير‬ ‫أحاطتــه بإطــار مــن القســوة‪.‬‬
‫املســافة كلهــا ذها�بـًا وإيا�بـًا كل يــوم مشـ ًًيا علــى األقــدام‪ ،‬وقــد كانــت معيشــته بالفعــل‬
‫متقشــفة ج ـًدًا‪ ،‬وعندمــا انتقــل املذيــع إلــى الســؤال الثانــي والــذي كان يــدور حــول‬ ‫الكالم على قدر الفلوس‬
‫املناهــج الدراســية التــي درســها يف األزهــر‪ ،‬أجابــه "طاهــر أبــو فاشــا" بــأن احليــاة‬ ‫باإلضافــة إلــى شــاعريته الفريــدة‪ ،‬كان الشــاعر "طاهــر أبــو فاشــا" مــن أجمــل‬
‫يف ذلــك الوقــت كانــت صعبــة ج ـًدًا‪ ،‬وأنــه كان يعيــش علــى اخلبــز املقــدد واملــش‪،‬‬ ‫ظرفــاء عصــره‪ ،‬وأقدرهــم علــى إشــاعة البهجــة يف جلســاته العامــرة‪ ،‬مــا إن يجلــس‬
‫وكان يضطــر ألن يســير املســافة كلهــا ذهابــا وإيابــا كل يــوم مش ـ ًًيا علــى األقــدام‪،‬‬ ‫حتــى تتحــول األنظــار كلهــا إليــه‪ ،‬أمــا نظراتــه وحركاتــه مــع اجلنــس اللطيــف فقــد‬
‫وقــد كانــت معيشــته بالفعــل متقشــفة جــدا‪ ،‬ظــن املذيــع أن ضيفــه الكــرمي لــم يســمع‬ ‫كانــت مثــار ضحكنــا طــوال الوقــت‪ ،‬هــو ألنــه كبيــر الســن‪ ،‬فقــد كانــت الفتيــات يأمـّنّ‬
‫الســؤال‪ ،‬فانتقــل إلــى الســؤال الثالــث‪ ،‬الــذي مــن املفتــرض أن يتحــدث فيــه عــن‬ ‫مًعــا مــن النســوة حولــه‪ ،‬يفــرد‬
‫لــه‪ ،‬ومينحنــه القــبالت عالنيــة‪ ،‬وهــو إذا مــا رأى ج ً‬
‫عملــه باإلذاعــة املصريــة وكتابتــه للمسلســل األكثــر شــهرة "ألــف ليلــة وليلــة"‪ ،‬وعــن‬ ‫يديــه ويقــول لهــن‪ :‬تعــالني أقبلكــن قبلــة أبويــة‪.‬‬
‫أبــرز املفارقــات التــي حدثــت لــه مــع املمثــلني واملمــثالت‪ ،‬فأجابــه "طاهــر أبــو فاشــا"‬ ‫وكثي ـ ًًرا مــا كان يطــرح علينــا فكــرة املســامرة بالشــعر‪ ،‬فيبــدأ هــو بقــول بيــت مــن‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪74‬‬
‫(فتثبتــوا) ب ـداًلا مــن (فتبينــوا)‪ ،‬والبعــض اآلخــر يقــرأ (حيــات) ب ـداًلا مــن (جنــات)‪،‬‬ ‫بــأن احليــاة يف ذلــك الوقــت كانــت صعبــة جـًدًا‪ ،‬وأنــه كان يعيــش علــى اخلبــز املقــدد‬
‫وهنــا انتبــه علمــاء اللغــة املســلمون‪ ،‬وابتــدأوا يف البحــث عــن احللــول‪.‬‬ ‫واملــش‪ ،‬وكان يضطــر ألن يســير املســافة كلهــا ذها ًًبــا وإيا ًًبــا كل يــوم مشــ ًًيا علــى‬
‫يذكــر املؤرخــون أن أول مــن اهتــم بهــذا األمــر‪ ،‬هــو "احلجــاج بــن يوســف الثقفــي"‪ ،‬إذ‬ ‫األقــدام‪ ،‬وقــد كانــت معيشــته بالفعــل متقشــفة جــًدًا‪ ،‬كان ثمــة ســؤاالن آخــران‬
‫كلــف اللغــوي األشــهر "أبــو األســود الدؤلــي"‪ ،‬بالنهــوض بهــذا األمــر اجللــل‪ ،‬فشــمر‬ ‫عــن كتابتــه للقصائــد التــي غنتهــا "أم كلثــوم"‪ ،‬وملاذا لــم يكــرر التجربــة كثي ـ ًًرا مــع‬
‫الرجــل عــن ســاعديه‪ ،‬واســتخدم مواهبــه كلهــا‪ ،‬ومعرفتــه بفقــه اللغــة الســريانية‪،‬‬ ‫غيرهــا مــن املطــربني واملطربــات‪ ،‬وعــن رؤيتــه حلال الشــعر اجلديــد الــذي ليــس لــه‬
‫مانًحــا‬
‫ً‬ ‫وأخــذ منهــا عالمــات تــدل علــى الرفــع والنصــب واجلــر‪ ،‬ثــم اختــرع التنقيــط‪،‬‬ ‫قــواف منضبطــة ووزن شــعري موحــد‪ ،‬لكــن املذيــع أدرك أن املســألة أكبــر مــن عــدم‬
‫الثــاء ثالث نقــاط‪ ،‬والتــاء اثنــتني‪ ،‬فيمــا اكتفــى مبنــح البــاء‪ ،‬علــى أهميتهــا‪ ،‬نقطــة‬ ‫انتبــاه ضيفــه لألســئلة‪ ،‬فأشــار للمصــور بالتوقــف عــن التصويــر‪ ،‬وأبــدى اندهاشــه‬
‫واحــدة‪ ،‬وهكــذا مــع بقيــة احلــروف‪ ،‬األمــر الــذي مّثّــل وقتهــا‪ ،‬مــا يشــبه الثــورة‬ ‫للشــاعر "طاهــر أبــو فاشــا" مــن تكــرار اإلجابــة بالرغــم مــن تغيــر الســؤال‪ ،‬فأوضــح‬
‫احلروفيــة‪ ،‬وجعــل النــاس ال حديــث لهــم إال عــن هــذا الرجــل العبقــري الــذي أزال‬ ‫لــه "طاهــر أبوفاشــا" بــأن الــكالم علــى قــدر الفلــوس‪ ،‬والفلــوس ال تكفــي غيــر إجابــة‬
‫اللبــس‪ ،‬ووضــح املعنــى‪ ،‬ولــم يخــل األمــر بطبيعــة احلال‪ ،‬مــن اتهامــات اجلامديــن‬ ‫واحــدة حســب االتفــاق‪ ،‬فاضطــر املذيــع إلــى تنفيــذ االتفــاق املالــي بالكامــل‪ ،‬وأنقــده‬
‫الذيــن ميّثّلــون حجــر عثــرة يف كل زمــان ومــكان‪ ،‬إذ أعلنــوا علــى املنابــر ويف‬ ‫املائتي جنيه املتبقية‪ ،‬وأكمل احللقة‪.‬‬
‫اجللســات كلهــا‪ ،‬رفضهــم احلاد والقاطــع لهــذه البدعــة التــي ابتدعهــا املروانيــون‪،‬‬
‫والتــي هــي ضاللــة‪ ،‬مؤكديــن يف الوقــت نفســه علــى أن كل ضاللــة يف النــار‪ ،‬لكــن‬ ‫تطور الكتابة‬
‫حســم وحــزم اخلليفــة الفاهــم "عبــد امللــك بــن مــروان"‪ ،‬أنهــى هــذا األمــر برمتــه‪،‬‬ ‫قدًميــا متصلــة بال فواصــل بني الكلمــات‪ ،‬فال يعــرف‬ ‫ً‬ ‫كانــت الكتابــة الهجائيــة‬
‫حتــى جــاء عبقــري آخــر‪ ،‬وهــو "اخلليــل بــن أحمــد الفراهيــدي"‪ ،‬حيــث أضــاف‬ ‫القــارئ منــا أيــن تنتهــي الكلمــة وأيــن تبتــدئ الكلمــة التــي تليهــا‪ ،‬وكانــت بال نقــاط‬
‫حــركات إعرابيــة للحــروف‪ ،‬مبــدات وجــرات علويــة وســفلية للداللــة علــى الفتــح‬ ‫علــى اإلطالق‪ ،‬فيختلــط علينــا حــرف التــاء بحــرف الثــاء‪ ،‬وال نعــرف الفــارق بني‬
‫والكســر‪ ،‬مكتف ًًيــا بــرأس حــرف الــواو للداللــة علــى الضــم‪ ،‬مشــي ًًرا إلــى الســكون‬ ‫حــريف اليــاء والبــاء‪ ،‬وكانــت بال حــركات تضبــط معنــى الــكالم‪ ،‬فــإن كتبــت جملــة‬
‫بدائــرة صغيــرة فــوق احلــرف‪ ،‬وأخــذ مــن الــعني رأســها‪ ،‬واســتخدمها كهمــزة‪ ،‬حتــى‬ ‫مثــل (قتــل عبــد الباســط عبــد الصمــد) فلــن تعــرف إطال ًًقــا أي الرجــلني مطالــب‬
‫انتهــى مــن حــل جميــع إشــكاليات النطــق‪ ،‬صحيــح أن اجلامديــن‪ ،‬ســالفي الذكــر‪ ،‬لــم‬ ‫أهلــه بــرد دمــه‪ ،‬ولــم يكونــوا يعيــرون الهمــزة أي اهتمــام‪ ،‬ال فــوق وال حتــت‪ ،‬وال‬
‫يســكتوا‪ ،‬وهاجــوا وماجــوا‪ ،‬ظ�نـًا منهــم أن اخلليفــة العباســي قــد يكــون غيــر اخلليفــة‬ ‫وراء األلــف وال قبلــه‪ ،‬وســأضرب لــك مثـااًلا – عزيــزي القــارئ – لهــذه الكتابــة كــي‬
‫األمــوي‪ ،‬لكنهــم فوجئــوا باملوقــف احلازم واحلاســم نفســه يتكــرر‪ ،‬رغــم زوال دولــة‬ ‫تــعرف كــيف كان أجدادــنا الــعرب القدــماء يكتــبون‪ ،‬وكــيف كاــنوا يــقرأون‬
‫واســتيالء دولــة أخــرى‪ ،‬وتعجبــوا‪ ،‬كيــف يتفــق األميــون والعباســيون‪ ،‬بالرغــم مــن‬ ‫(قلبيمشرخوملقىفيامتدادهذهالطريقالوقتواقفعلىراســيمنقارهيضربفيعينيوجناح‬
‫اقتتالهــم‪ ،‬علــى مخالفــة شــرع اهلل‪ ،‬وكيــف يتفقــون علــى االحتفــاء بالبــدع التــي مــا‬ ‫اهيخفقانحولكتفيوانااحركاجلمربعوداحلطبالناشفانشرالشرا ََرفيالزاويةالتيهناكوال‬
‫أنــزل اهلل بهــا مــن ســلطان؟‪.‬‬ ‫زاويةالتيهناواعايناحلريــق)‪.‬‬
‫والسؤال امللح الذي ال بد وأنه يدور يف رؤوسكم اآلن كما دار يف رأسي‪:‬‬ ‫(أرجــو أن تنتبــه – عزيــزي القــارئ – أننــي وضعــت النقــاط يف هــذا الــكالم‪ ،‬وذلــك‬
‫هل كان العرب القدماء يفهمون ما يقرأون؟‬ ‫ألن لوحــة املفاتيــح جتبرنــي علــى ذلــك)‪ ،‬أمــا هــذا الــكالم الــذي يبــدو كاأللغــاز‪ ،‬فهــو‬
‫اإلجابــة بســيطة جـًدًا‪ ،‬نعــم كانــوا يفهمــون‪ ،‬فقــد كانــوا يتمتعــون بفصاحــة غريزيــة‪،‬‬ ‫يف احلقيــقة قصــيدة قصــيرة‪ ،‬ــهذا نصــها‬
‫وكانــت لديهــم فطنــة فطريــة‪ ،‬جتعلهــم أئمــة يف الفقــه والبالغــة‪ ،‬حتى أن شـ ً‬
‫ـيًخا أراد‬ ‫قلبي مشرخ وملقى يف امتداد هذه الطريق‬
‫أن ُيُ ََحّفــّظ طــفلني الــقرآن‪ ،‬فــقال لهــما‬ ‫الوقت واقف على راسي‬
‫قوال ورائي "تبت يدا"‪.‬‬ ‫كتفّي‬
‫ّ‬ ‫حول‬ ‫يخفقان‬ ‫وجناحاه‬ ‫عينّي‬
‫ّ‬ ‫منقاره يضرب يف‬
‫فقال الطفالن‪:‬‬ ‫وأنا أحرك اجلمر بعود احلطب الناشف‬
‫"تبت يدان"‬ ‫انشر الشرا ََر يف الزاوية التي هناك والزاوية التي هنا‬
‫فقال الشيخ‪:‬‬ ‫وأعاين احلريق‪.‬‬
‫"تبت يدا"‬ ‫حتــى أنهــم "وضعــوا كتا�بـًا واح ـًدًا وجعلــوه ســط ًًرا واح ـًدًا موصــول احلــروف كلهــا‬
‫فقال الطفالن‪:‬‬ ‫غيــر متفــرق‪ ،‬وغيــر منقــوط‪ ،‬وبال حــركات"‪.‬‬
‫"تبت يدان"‬ ‫ومــع مــرور الزمــن‪ ،‬ودخــول اإلسالم عــد ًًدا مــن احلضــارات اخملتلفــة‪ ،‬واخــتالط‬
‫ويف املرة الثالثة قال‪:‬‬ ‫األعاجــم باألعــراب‪ ،‬ظهــرت األخطــاء يف نطــق املــراسالت بني عمــال الــبالد‪،‬‬
‫"تبت يدا أبي لهب وتب"‬ ‫األمــر الــذي أدى إلــى اخــتالف املطالــب عــن املآالت‪ ،‬فــإذا طلــب أحــد يف رســالته‬
‫فقال الطفالن‪:‬‬ ‫"متــرا" قــد يقرأهــا املرســل إليــه "منــرا"‪ ،‬ورمبــا أرســل الصياديــن للغابــات الصطيــاد‬
‫"تبت يدا أبي لهب وتب"‬ ‫النمــور‪ ،‬بـداًلا مــن إرســال الــفالحني إلــى الـمزارع لتســلق النخيــل‪ ،‬فغيــاب النقــاط يف‬
‫فاستفسر منهما عن ذلك‪ ،‬فقاال له يف صوت واحد‪:‬‬ ‫الــكالم يــؤدي إلــى مثــل هــذا اللبــس‪ ،‬كل هــذا‪ ،‬علــى خطورتــه‪ ،‬كان مقبـواًلا ‪ ،‬أمــا غيــر‬
‫"صل حتى نصل"‪.‬‬ ‫املقبــول‪ ،‬فهــو نطــق اآليــات القرآنيــة خطــأ‪ ،‬إذ شــاع اللحــن واخلطــأ بني أهــل فــارس‬
‫وأهــل مصــر وكثيــر مــن غيــر العــرب‪ ،‬وهــم يقــرأون القــرآن‪ ،‬وكان بعــض القــراء يقــرأ‬

‫‪75‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫جنم الدين محمود اإلبياري‬
‫تربوٌّي وكاتب مصري مهتم بالقضايا التربوية واألدبية والثقافية‬
‫ٌ‬
‫‪alebyary2000_63@hotmail.com‬‬

‫عيادة‬

‫املالحظة‬
‫اِملِنح ُُة ال ََّرَّبَان ََّية‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪76‬‬
‫خلــق اهلل اإلنســان ومنحــه نعمــة العقــل الــذي هــو منــاط التكليــف‪،‬‬
‫ودعــاه للتأمــل يف الكــون وإدراك تفاصيلــه واســتقراء شــواهده‬
‫واســتنباط قوانينــه‪ ،‬واالســتفادة مــن معطيــات اِملِ نــح وال ِِّنعــم الربانيــة‬
‫ـاٍت ومظاه ـ ََر كونيــة خلقهــا‬
‫التــي يذخــر بهــا هــذا الكــون مــن مخلوقـ ٍ‬
‫اهلل تعالــى وسـ َـَّخرها خلدمــة هــذا اخمللــوق العزيــز عنــد خالقــه‬
‫وبارئــه‪ ،‬قــال تعالــى‪" :‬إن يف خلــق الســموات واألرض واخــتالف الليــل‬
‫والنهــار آليــات ألولــي األلبــاب" { آل عمــران ‪.}190 -‬‬
‫واملالحظــة مــن أهـ ِـِّم مهــارات التفكيــر التــي أنعــم اهلل بهــا علــى عبــاده؛‬
‫فهــي مدخـ ٌـٌل لإلدراك والتفكيــر والتحليــل والنقــد واحلكــم علــى‬
‫قيمــة األشــياء‪ ،‬واتخــاذ األفعــال املناســبة جتاههــا‪.‬‬
‫ـاٍت متفاوتــة مــن القــوة والضعــف؛‬
‫والنــاس إزاء هــذه املهــارة علــى درجـ ٍ‬
‫فمنهــم مــن أوتــي مــن قوتهــا نصي ًًبــا يجعلــه ً‬
‫يقًظــا لــكل مــا يــرى‪،‬‬
‫ـدرٍة‬
‫وقــاد ًًرا علــى التحليــل والنقــد الهــادف‪ ،‬ثـ َـَّم هــو ذو قلـ ٍـٍب حـ ٍـٍّي‪ ،‬وقـ ٍ‬
‫وُيسـ ِـِهم يف‬
‫ـرأٍة علــى التغييــر والتعديــل والفعــل؛ فيســمو بنفســه‪ُ ،‬‬
‫وجـ ٍ‬
‫رـ ِـقِّي مجتمــعه‪.‬‬
‫املالحظة يف ميزان التربية‬
‫ُُت ََعـ ُـُّد املالحظـ ُـُة إحــدى األهــداف العليــا التــي يجــب أن يســعى املتعلــم‬
‫لتحقيقهــا مــن خالل النظــر يف املعطيــات وحتليلهــا والربــط بينهــا‬
‫للوصــول إلــى النتائــج يف إطــار البحــث الــذي هــو قــوام التع ُُّلــم املثمــر‬
‫ويرّســخها يف املتعلــم‬
‫ّ‬ ‫الــذي يتم ََّيــُزُ بالثبــات‪ ،‬وعلــى املعلــم أن ِ‬
‫ينِّميهــا‬
‫الِفكر اإلسالمي‬
‫املالحظة يف ِ‬ ‫ـاٍت مدروســة بعنايــة‪ ،‬كمــا أنهــا إحــدى أدوات‬
‫ـاٍت وآل ََّيـ ٍ‬
‫مــن خالل تدريبـ ٍ‬
‫ـانٌّي مبثــل مــا جــاء بــه القــرآن الكــرمي‬
‫ـماوٌّي أو ِِفكـ ٌـٌر إنسـ ٌ‬
‫ـدٌي سـ ٌ‬ ‫ـأِت شـ ٌ‬
‫ـريعٌة أو هـ ٌ‬ ‫لــم تـ ِ‬ ‫التقــومي التــي يســتعني بهــا املعلــم علــى قيــاس نــواجت التعلــم لــدى طالبــه‪ ،‬ثـ َـَّم‬
‫يف احلـ ِـِّث علــى املالحظــة والتفُّكُ ـ ِـِر‪ ،‬وهــا هــي آياتــه تهتــف يف ســمع الدنيــا بالنظــر‬ ‫يأتــي الفعـ ُـُل ُ‬
‫لُيصــِّدِ َقَ ذلــك أو ُُيكِّذِ ََبــه‪.‬‬
‫إلــى ملكــوت اهلل الســتنباط العلــم واالعتبــار مبــا خلــق ُ‬
‫اُهلل وذرأ وبــرأ وقـ َـَّدر فهــدى‪،‬‬ ‫ويــرى التربويــون أن "الفعــل" هــو الثمــرة املرجــوة مــن العمليــة التعليميــة؛‬
‫ـَف ََبـ ََدَأَ اَخْل� َ ْْلــَقَ " {العنكبوت – ‪،}20‬‬ ‫ـيُروا يِفي اَأْل� َ ْْر ِِض ََفاْن ُُْظـ ُـُروا ََك ْْيـ َ‬ ‫قــال تعالــى‪ُ :‬‬
‫"ُقــْلْ ِِسـ ُ‬ ‫ظِهــر فيــه املتعلــم ً‬
‫عرًضــا عمل ًًّي� ــا لعناصــر التعلــم األساســية‪ ،‬وهــي املعرفــة‬ ‫حيـ ُـُث ُُي ِ‬
‫ـَف ُُخ ِِل ََقــت﴿‪ََ ﴾١٧‬و ِِإ ََلــى َ‬
‫الَّسـ َـَمٓاء ََكيـ َ‬
‫ـَف‬ ‫نُظـ ُـُرو ََن ِِإ ََلــى ِ‬
‫اإلِبـ ِـِل ََكيـ َ‬ ‫وقــال ســبحانه‪َ" :‬أََفَاَلا ََي ُ‬ ‫واملهــارات واملفاهيــم واملواقــف (امليــول)‪.‬‬
‫رِض ََكيـ َ‬
‫ـَف ُُسـ ِـِط ََحت﴿‪﴾٢٠‬‬ ‫ـَف ُن ُِِص ََبــت﴿‪ََ ﴾١٩‬و ِِإ ََلــى َ‬
‫اَأل ِ‬ ‫ـاِل ََكيـ َ‬ ‫ُُر ِِف ََعــت ﴿‪ََ ﴾١٨‬و ِِإ ََلــى ِ‬
‫اِجل ََبـ ِ‬ ‫ٌ‬
‫حاكمٌة على جودة التعُّلُم‬ ‫دقة املالحظة‬
‫{ الغاشــية – ‪.}20 – 17‬‬ ‫و"التأُّمــل"؛ فالتغذيـ ُـُة الراجعـ ُـُة‬
‫ُ‬ ‫ترتبـ ُـُط املالحظــة مبفهومــي "التغذيــة الراجعــة"‬
‫وعندمــا تكثــر وتتابـ ُـُع اآليــات اآلمــرة بالتفكــر والتد ُُّبــر وقــراءة الكــون بإشــاراته‬ ‫ـاٍل‬
‫متـ ُـُّد صاحبهــا مبواضــع القــوة وجوانــب القصــور فيمــا أتــي بــه أو تــرك مــن أعمـ ٍ‬
‫ودالالتــه وإعمــال العقــل وإيقاظــه مــن غفوتــه‪ََ ،‬و ََجـ َـَب أن نلتفــت إلــى األمــر وأن‬ ‫ـوراٍت‪ ،‬ويأتــي التأمــل للنظــر فيمــا ميكــن فعلــه جتــاه جوانــب القــوة‬
‫ـكاٍر وتصـ ٍ‬
‫أو أفـ ٍ‬
‫وِســعنا ُ‬
‫اُجلهــد‪.‬‬ ‫نوليــه اهتمامنــا؛ بــل ونبــذل فيــه جهدنــا مــا ِ‬ ‫نِّميهــا ويبنــي عليهــا‪ ،‬كمــا ينظــر إلــى جوانــب اإلخفــاق فيتجَّنَبهــا‬
‫وُي ِ‬
‫فُيعِّزِزهــا ُ‬
‫ُ‬
‫يــرى املفكــر والفيلســوف علــي الهويرينــي أن أدوات القــراءة واملالحظــة والتأمــل‬ ‫ويــحاول إيــجاد البداــئل حــتى تــستقيم تصوراــته وتنضــبط أفعاــله‪.‬‬
‫هــي‪ :‬الســمع والبصــر والفــؤاد‪ ،‬ويقــول‪" :‬إن جميــع العلــوم التــي انتفعــت بهــا‬ ‫واعيٍة على املالحظة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قدرٍة‬
‫وكل ذلك ما كان ليحدث دون ٍ‬
‫البشــرية أصحا ُُبهــا ُُأ ِِّم ُُّيــون‪ ،‬مبعنــى أنهــم لــم ينالــوا ح ًًّظ� ــا وافـ ًـًرا مــن التعليــم"‪،‬‬ ‫مالُك ذلــك ك ِِّلــه؛ فبدونهــا ال‬
‫ُ‬ ‫ـاًء علــى هــذا‪ ،‬ميكــن القــول بــأن املالحظــة هــي‬
‫وبنـ ً‬
‫ويــردف قــائاًلا ‪" :‬ال الكتــاب وال املدرســة وال اجلامعــة وال املعلــم يعلمــك؛ فــإن لــم‬ ‫ميكننــا تقييــم تصوراتنــا وأفعالنــا‪ ،‬فنســير هائــمني علــى غيــر ُهُ ــدى‪ ،‬معتقديــن‬
‫ُُيع ِِّل ْْمــك كيــف تتعلــم فهــو ليــس مبعلــم"‪.‬‬ ‫أن جميــع مــا نأتــي بــه ونــذر هــو احلقيقــة املطلقــة التــي ال تقبــل التغييــر أو‬
‫ويدعــو إلــى قــراءة الكــون الــذي أبدعــه اخلالــق جــَّلَ يف ُُعاله‪ ،‬مــن خالل املالحظــة‬ ‫العديــل واإلصالح‪ .‬ويف هــذا الفهــم قــال ابــن الق ِِّيــم‪" :‬املتفكــر ينتقــل مــن‬
‫والنظــر والتأمــل واجلــدل‪ ،‬ومــن بعــض مــا قــال يف قصيدتــه " القلــم األســمى"‪:‬‬ ‫وحتّصــل‬
‫ّ‬ ‫املقدمــات واملبــادئ التــي عنــده إلــى املطلــوب الــذي يريــده‪ ،‬فــإذا ظفــر بــه‬
‫اٌت ِِب ََهــا ُُرَك َُُم‬ ‫أقالٌم ََلـُهُ ََك ََتـ ـ ََب ْْت َأََّنَ َ‬
‫اَجملـ َـَّر ََة ََذ ََّر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ََفاْقْ ََرأ ِِب ََر ِِّب ََك‬ ‫لــه تذكــر بــه وأبصــر مواقــع الفعــل والتــرك‪ ،‬ومــا ينبغــي إيثــاره ومــا ينبغــي اجتنابــه‬
‫أقالٌم ََلُهُ ََك ََت ََب ْْت َأََّنَ الَف َِِسي ََل ََة ُُع ْْجَزٌَةٌ ُُح ََط ُُم‬
‫ٌ‬ ‫ََواْقْ ََرأ ِِب ََر ِِّب ََك‬ ‫"{مفتــاح دار الســعادة‪.}214/1 :‬‬

‫‪77‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫أو توعـ ٌـيٌة ُحَت�ـ ـ ُ‬
‫ُوُل ــمن دون ــضرره وانتــشاره‪.‬‬ ‫أقالٌم ََلُهُ ََك ََت ََب ْْت َأََّنَ ُ‬
‫الُع ََل ْْي ََق ََة ِِفي ََها ََض ْْعَف ٌٌَة َهَ ِِر ُُم‬ ‫ٌ‬ ‫ََواْقْ ََرأ ِِب ََر ِِّب ََك‬
‫قيمة مهارة املالحظة‬ ‫ََما ََبَنْي� َ َخَ ْْل ََق ِِنْي� ََف ْْل ََتْقْ ََرأ فإَّنَ ََلُهُ يِفي ُكُ ِِّل َخَ ْل ٍٍْق شؤوٌنٌ ْ‬
‫أْم ُُرَهَ ا ََق ََل ُُم‬
‫ُُتعـ ُـُّد هــذه املهــارة ُأُّم املهــارات العقليــة؛ فهــي الدا ََّلـ ُـُة علــى ســبر الظواهــر املاديــة‬ ‫وٍث ََلُهُ ََط ََع ُُم‬
‫اِجلْذْ ُُر ِِم ْْن ُُر ٍ‬
‫أَجا ََبُهُ ِ‬ ‫ََم ْْن ََسا ََء ََل الو ْْر ََد ََة اَحْل� َ ْْم ََرا ََء ًًع ْْن ََع ََب ٍٍق َ‬
‫وغيــر املاديــة‪ ،‬والغــوص فيهــا‪ ،‬وبيــان نفعهــا أو ضررهــا‪ ،‬صحيحهــا وخاطئهــا‪،‬‬ ‫اَحل ِِك ُُم‬ ‫اُش األ ْْر ِِض ََتْقْ ََر ُُأ ُُه َهَ اَّلا ََق ََرْأَْتَ ََوَأَْنَْتَ َ‬
‫الَّر ِاِشُدُ َ‬ ‫وال ََي ْْو ََم ِِف ِيِه ُُخَشَ ُ‬
‫حتــى إذا اقترنــت بالفعــل الرشــيد إزاءهــا كانــت هــي احملــرك الفعلــي حلركــة‬ ‫وِحي َذ َِِل ََك ا ْْل ََق ََل ُُم‬ ‫أْم ِِر ََر ِِّب ََك ُُي ِ‬
‫وِحي َلَُكُ م َخَ ََبر ًًا ِِم ْْن ْ‬ ‫يِفي ُكُ ِِّل ََث ِاِن ََي ٍٍة ُُي ِ‬
‫احليــاة اإليجابيــة النشــطة‪.‬‬ ‫اُجل ُُه ُُم‬ ‫ؤًى ِِم ْْن ُكُ ّلّ ََف ٍٍّج ََع ِِم ٍ‬
‫يٍق قَّل َِِت ُ‬ ‫اُط ُُر ً‬ ‫اْع ِِذ ََرا ََح ََجر ًًا ُُي ََح ُ‬
‫ََيا ََو ْْج ََنَت َََّي ْ‬
‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬ ‫أُمم‬ ‫ُُن ِِّبْئ ُُْت ُ‬
‫باُألْذ ِِْن ُُدو ََن ا ْْل ََع ِِنْي� َأََّنَ ََع ََص ًًى قد ََف ََّج ََرْتْ أعيًنًا ُُس ِِق ََي ْْت ِِب ََها ُ‬
‫• الحــظ العلمــاء بــواد ََر لذوبــان الطبقــة اجلليديــة يف القطــب اجلنوبــي والــذي‬ ‫واُألْذُْنُ ََق ْْد ََس ِِم ََع ْْت وَهَ ْلْ ََع ََلى ُ‬
‫اُألْذ ِِْن َخَ ْت ٌٌْم َكَُّفُ ُهُ ُُر ََق ُُم‬ ‫وُل إَذ َْْن ُ‬
‫ََماَذَا ُأُق ُ‬
‫مي ِِّثــل نحــو مــا يعــادل مســاحة الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وهــذه املالحظــة‬ ‫يٍع َن َْْس ُُجُهُ ِِق ََي ُُم‬
‫َاِب ََب ِِد ٍ‬ ‫َاَح ٌٌة َك َْْم آ ََي ٍٍة َن َََسَخَ ْْت ِِم ْْن ِ‬
‫الِكَت ِ‬ ‫وا ْْل ََع ُُنْي� َّمَل� َ‬
‫جعلتهــم يفكــرون يف الســبب؛ إنهــا انبعاثــات الكربــون الناشــئة عــن ســلوك‬ ‫وا ْْل ََقْل ُُْب ََيْقْ ََر ُُأ والَّن َْْج ََد ْْي ِِن ُُم ْْش ََر ََع ٌٌة ََو ْْي ٌٌل ِِل ََقْل ٍٍْب إَذَا ََزَّل َْْت ِبِه ا ْْل ََقَد َُُم‬
‫اإلنســان علــى ســطح كوكبنــا الــذي نتشــاركه؛ فأوصــوا بأنــه إذا لــم نتمكــن مــن‬ ‫وهكــذا تكــون قــراءة الكــون؛ فصاحــب التفاحــة "نيوتــن" إن كان نظــر إليهــا ولــم‬
‫ـاٍق واســع‪ ،‬وســيأتي علــى‬
‫خفــض تلــك االنبعاثــات فــإن الذوبــان ســيكون علــى نطـ ٍ‬ ‫عِمــل فيهــا عقلــه لــكان ســقوطها كســقوط بقيــة التفاحــات منــذ أن خلــق اهلل‬
‫ُُي ِ‬
‫األخضــر واليابــس بحلــول عــام ‪.2060‬‬ ‫التأُّمــل والتفُّكُ ــر‪ ،‬فكانــت‬
‫ُ‬ ‫اخللــق‪ ،‬ولكــن ســقوطها حـ َـَّرك شــيًئًا بداخلــه دعــاه إلــى‬
‫• الحــظ أهــل اخلبــرة أن تنــاول ِ‬
‫الِفجــل مــع الســمك يقــي مــن مخاطــر دخــول‬ ‫نظريــة اجلاذبيــة التــي نقلــت الدنيــا مــن عهـ ٍـٍد إلــى عهــد آخــر غــزت فيــه الفضــاء‪،‬‬
‫الِفجــل مبــا فيــه مــن مــوا ّّد علــى إذابــة الشــوك‬
‫شــوك الســمك إلــى احللــق‪ ،‬فيعمــل ِ‬ ‫و ُُب ِِنيــت علــى ضوئهــا آالف النظريــات‪.‬‬
‫العالــق‪.‬‬ ‫أنواع املالحظة‬
‫ُ‬
‫املالحظُة هي العامل األساسي فيه‪.‬‬ ‫• وأكثر طب األعشاب – مثاًلا ‪ -‬كانت‬ ‫ال تقتصــر املالحظــة علــى النظــر يف املاديــات‪ ،‬ولكــن احليــاة بــكل تفاصيلهــا مــا ََّدٌةٌ‬
‫دور املالحظة يف االكتشافات العلمية‬ ‫وَمـ ْـْن فيــه مــا ََّدٌةٌ للمالحظــة‪ ،‬واألحــداث مــن حولنــا‬
‫للمالحظــة؛ فالكــون مبــا فيــه َ‬
‫مهــارة املالحظــة مــن أهــم مــا أنعــم اهلل بــه علــى مــن أوتــي ََم ََل ََكــة التفُّكُ ــر والذهــن‬ ‫والتدُّخـ ِـِل بالتغييــر أو التعديــل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مــا ََّدٌةٌ للمالحظــة والتأمــل والتحليــل‪،‬‬
‫وُيبـ ِـِدع ويبتكــر أشــياء ال تخطــر‬
‫فُيــدرك ويربــط ويســتنتج ُ‬
‫ـِّس احلـ ّـّي؛ ُ‬
‫واِحلـ ِ‬ ‫ِ‬
‫املتوِّقــد ِ‬ ‫• إَّنَ ســلوك االبــن م ـثاًلا إن الحظنــا فيــه مــا ُُيريــب ُ‬
‫وُيثيــر الشــكوك‪ ،‬اقتضــى‬
‫عــلى عــقل غــيره‪.‬‬ ‫نتدَّخــل لتعديلــه‪.‬‬
‫َ‬ ‫الواجــب أن‬
‫ـرٍة ََّمــا يوجــب علــى املســؤول عنهــا أن يبحــث يف‬ ‫• ومالحظــة ُ‬
‫تكاُسـ ِـِل موظفــي دائـ ٍ‬
‫ويوِج ـ ََد احللــول املناســبة‪.‬‬
‫أســباب ذلــك‪ِ ،‬‬
‫• ومالحظــة الظواهــر واألحــداث يســتتبع النظــر يف األفــكار والتصــورات وراء مــا‬
‫ـرٍة معينــة‪ ،‬كفكــرة "املثليــة اجلنســية" مـثاًلا ‪،‬‬
‫نشــهد منهــا‪ ،‬فــإذا الحظنــا ظهــور فكـ ٍ‬
‫ََو ََجـ َـَب علينــا أن نبحــث فيمــا وراءهــا‪ ،‬وأن نعــرف الهــدف الكامــن منهــا‪ ،‬وإاَّلا كانــت‬
‫مالحظتنــا بال جــدوى‪.‬‬
‫وهــذا يعنــي أن املالحظــة الواعيــة كمــا تكــون يف األشــياء الظاهــرة احملسوســة‬
‫ـداٍث‪ ،‬وفيمــا يتشــَّكَ ل‬
‫بإحــدى احلــواس‪ ،‬فكذلــك تكــون فيمــا يــدور حولنــا مــن أحـ ٍ‬
‫ـاراٍت بعضهــا صحيــح وبعضهــا ســقيم‪.‬‬
‫ـوراٍت وتيـ ٍ‬
‫ـكاٍر وتصـ ٍ‬
‫مــن أفـ ٍ‬
‫املالحظة وحدها ال تكفي‬
‫قادٍر على الفعل‪.‬‬
‫حٍّي جريٍءٍ ٍ‬
‫وقلٍب ٍ‬
‫واٍع ٍ‬
‫بِح ٍٍس ٍ‬
‫ال ُُب ََّد أن تقترن املالحظة ِ‬
‫• كل البشــر يــرون مخلوقــات اهلل وآياتــه الواضحــة الصارخــة أن آمنــوا مبــن خلــق‬
‫وذرأ وبــرأ‪ ،‬إاَّلا أن الكثيــر منهــم ال ُُي ِ‬
‫عِملــون قلوبهــم وعقولهــم للوصــول بهــا إلــى‬
‫النتيجــة الطبيعيــة الســوية‪ ،‬وهــي اإلميــان اجلازم باخلالــق‪ ،‬وبذلــك يصــدق‬
‫ـوُل احلــِّقِ ســبحانه وتعالــى‪َ ":‬خَ ََتـ ََم ا ُُهَّلل� ََع ََلــى ُُق ُُل ِوِب ِِهـ ْـْم ََو ََع ََلــى ََسـ ْـْم ِِع ِِه ْْم ََو ََع ََلــى‬
‫فيهــم قـ ُ‬
‫َأَ ْْب ََص ِاِر ِِهـ ْـْم ِِغَشَ ــا ََوٌةٌ ََو ََل ُُهـ ْـْم ََع ـَذ ٌ‬
‫َاٌب ََع ِِظيـ ٌـٌم "{البقــرة – ‪.}7‬‬
‫• قــد يــرى الكثيــر م ََّنــا حجـ ًـًرا يف الطريــق ُُيعيــق الســير‪ ،‬بــل قــد يــو ِِّدي إلــى حــوادث‬
‫وكــوارث‪ ،‬ويبقــى األمــر مجــرد رؤيــة ال فائــدة منهــا إن لــن تقتــرن بالفعــل الــذي‬
‫يدفــع اخلطــر احملتمــل‪.‬‬
‫يقــول "كيفــن دنبــار" و"جوناثــان فوجيلســانغ"‪ ":‬إن نحــو ‪ %50-30‬مــن جميــع‬ ‫• وقــد نــرى بعــض الســلوكيات أو نســمع عــن أفـ ٍ‬
‫ـكاٍر خاطئــة أو غريبــة علــى‬
‫االكتشــافات العلميــة غيــر متوقعــة‪ ،‬وهــذا يســاعد يف تفســير تســمية العلمــاء‬ ‫ثقافتنــا‪ ،‬فيبقــى األمــر مجــرد ســماع ال قيمــة لــه إن لــم يتبعــه حتذيـ ٌـٌر أو توجيــٌهٌ‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪78‬‬
‫التمرينــات‪:‬‬ ‫اكتشــافاتهم بأنهــا (محظوظــة)‪ ،‬ويعتقــد هــذان العـامِلم ان أن االكتشــافات العلميــة‬
‫• ميكــن ممارســة متاريــن التأمــل عــن طريــق اجللــوس كَّلَ صبــاح يف وضـ ٍـٍع ُُمريــح‪،‬‬ ‫هــي نتــاج جتــارب معــدة بعنايــة باإلضافــة إلــى "العقــول املهيــأة"‪.‬‬
‫مــع غلــق العيــنني‪ ،‬والتركيــز علــى عمليــة التنفــس‪ ،‬والبقــاء علــى هــذه احلالــة ملــدة‬ ‫ويرى "دنبار" أن العقل املهيأ هو العقل املدرب على دقة املالحظة‪.‬‬
‫خمــس دقائــق‪ ،‬وخالل هــذا الوقــت ســوف نالحــظ كميــة كبيــرة مــن األفــكار التــي‬ ‫اكتشافات باملالحظة طورت حياة البشر‬
‫تتدافــع داخــل الــرأس‪ ،‬ومــا علينــا إاَّلا أن نتركهــا مــن دون التركيــز فيهــا‪ ،‬ومــع تكــرار‬ ‫• البنســلني‪ُُ :‬يعــد اختــراع البنســلني أحــد ثمــار املالحظــة الواعيــة اليقظــة؛‬
‫التراُجــع‪ ،‬ومــع‬
‫ُ‬ ‫ـدًدا كبيـ ًـًرا مــن األفــكار بــدأ يف‬
‫هــذا اإلجــراء ســوف نالحــظ أن عـ ً‬ ‫حيــث الحــظ "ألكســندر فليمنــج"‪ ،‬عالــم البكتيريــا يف لنــدن أن أحــد أطبــاق‬
‫مــرور الوقــت ســوف نصــل إلــى مرحلــة مــن الفــراغ الذهنــي اخلالــي مــن األفــكار‬ ‫بيتــرى فــى مختبــره كان يتكــون عليــه العفــن‪ ،‬نتيجــة للتلــوث غيــر املقصــود ‪.‬‬
‫املزعجــة‪َّ ،‬مِم� َ ــا يــؤ ِِّدي إلــى زيــادة ســرعة العمليــات الذهنيــة التــي تــدور داخــل‬ ‫وبالفحص الدقيق‪ ،‬رأى أن املنطقة احمليطة بالعفن كانت خالية من البكتيريا‪،‬‬
‫العقــل‪ ،‬وبذلــك تتطــور قــدرات مهــارة املالحظــة والتركيــز يف التفاصيــل الدقيقــة‪.‬‬ ‫فأطلــق فليمنــج علــى عصيــر العفــن القاتــل للبكتيريــا اســم "البنســلني" نســبة‬
‫• اجللــوس يف أماكــن عامــة وتدويــن بعــض املالحظــات‪ ،‬مثــل اجللــوس يف مكتبــة‬ ‫إلــى نــوع مــن الفطريــات‪ ،‬وبعــد عقــد مــن الزمــن‪ ،‬قــرأ الكيميائيــون يف جامعــة‬
‫أو حديقــة عامــة أو مركــز جتــاري‪ ،‬مــع مالحظــة األشــخاص مــن حولنــا (كاالنتباه‬ ‫ـروًعا لتحويــل البنســلني إلــى دواء قابــل‬
‫أكســفورد بحــث "فليمنــج" وتبنــوا مشـ ً‬
‫ملالبســهم‪ ،‬وطريقــة ســيرهم‪ ،‬وتفاعلهــم مــع احمليــط)‪ ،‬و ُُنــد ِِّوُنُ كل مــا نشــاهده مــن‬ ‫للتطبيــق‪َ ،‬‬
‫وَّمت اختبــاره ألول مــرة علــى مريــض يف عــام ‪ ،1940‬وبــدأ اســتخدامه‬
‫أعمــال البنــاء وحركــة املــرور واحملالت التجاريــة‪ ،‬كمــا نقــوم بتســجيل مشــاعرنا‬ ‫علــى نطــاق واســع يف عــام ‪ ،1942‬واليــوم‪ ،‬ويعــد البنســلني املضــاد احليــوي األكثــر‬
‫جتــاه هــذه األشــياء‪ .‬وســتتطور القــدرة علــى املالحظــة مــع مــرور الوقــت‪.‬‬ ‫ستخداًما يف العاــلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫اــ‬
‫ـرٍة ميكــن أن تكــون مــا ََّد ًًة صاحلـ ًـًة للتــدرب مــن خاللهــا‬
‫ـدٍث أو فكـ ٍ‬
‫وكل شــيء أو حـ ٍ‬ ‫(النُب)‪ُُ :‬يعـ ُـُّد هــذا املشــروب ثانــي أكثــر املشــروبات يف العالــم‪ ،‬وترجــع‬
‫ن‬ ‫• القهــوة‬
‫علــى دقــة املالحظــة إذا ركزنــا فيهــا بعــض الوقــت إلدراك تفاصيلهــا وتعــداد‬ ‫قصــة اكتشــافها لراعــي غنـ ٍـٍم عربــي يدعــى "خالــدي"‪ ،‬كان يرعــى املاعــز يف منطقــة‬
‫خواصهــا ومنافعهــا ومضارهــا‪.‬‬ ‫ـاُول‬
‫"كافــا" بجنــوب إثيوبيــا‪ ،‬والحــظ أن املاعــز ينتابهــا احليويــة والنشــاط بعــد تنـ ُ‬
‫• وعلــى املعلــمني أن يهتمــوا بتنميــة هــذه املهــارة املهمــة يف البحــث ويف اتخــاذ‬ ‫ـاٍت مــعني‪ ،‬فدفعــه الفضــول ألخــذ حبــات هــذه الثمــرة وغليهــا‬
‫ـاِت ثمـ ٍـاٍر مــن نبـ ٍ‬
‫حبـ ِ‬
‫القــرار‪ ،‬وتعديــل األوضــاع إلــى األفضــل‪ ،‬بحيـ ُـُث ال تكــون دقــة املالحظــة ً‬
‫هدًفــا‬ ‫يف املاء وشــربها‪ ،‬وبهــذا يكــون "خالــدي" هــو أول مــن صنــع فنجا ًًنــا مــن القهــوة‪.‬‬
‫ـيلًة هاديـ ًـًة إلــى التصــرف املناســب؛ فتكــون ســب ًًبا ينهــض بــه‬
‫يف ذاتهــا؛ وإمنــا وسـ ً‬ ‫واألمثلة على ذلك كثيرة‪.‬‬
‫األفــراد واجملتمعــات‪.‬‬ ‫تطوير مهارة املالحظة‬
‫الِهبــة والنعمــة العظيمــة هــو الغفلــة التــي ال تقيــم‬
‫وأن يعلمــوا أن نقيــض هــذه ِ‬ ‫دقــة املالحظــة هبــة ربانيــة يؤتيهــا اهلل ََمــن يشــاء‪ ،‬شــأنها شــأن جميــع املنــح‬
‫َأَ ََو ََد صاحبــها‪ ،‬وال تــسمو مبجتـ ٌـمٌع َكَُثـ ـ ََُر فــيه الغافــلون‪.‬‬ ‫والهبــات وال ِِّنعــم‪ ،‬ولكــن ميكــن تقويــة وتطويــر هــذه املهــارة مــن خالل بعــض‬

‫‪79‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫د‪.‬سعيد بو عيطه‬
‫ناقد ومترجم مغربي‪ ،‬عضو احتاد كتاب املغرب‬
‫‪bouaita10@gmail.com‬‬

‫ثقافات‬

‫امللحون املغريب‬
‫فن مغريب أصيل وتراث عاملي ال مادي‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪80‬‬
‫امللحــون ديــوان املغاربــة وســجل حضارتهــم‪ .‬ممــا منحــه قيمــة مزدوجــة‪ ،‬فنيــة‬
‫وجماليــة‪ ،‬ثــم ثقافيــة وحضاريــة‪ ،‬لهــذا‪ ،‬انتشــر هــذا الفــن (التــراث) بقــوة وعــرف‬
‫ساًعا يف الزــمان واــمكان‪.‬‬
‫اتــ ً‬
‫جتلــت هــذه األهميــة فيمــا ورد يف كتــاب "القصيــدة'' للباحــث عبــاس اجلــراري‬
‫الــذي كشــف عــن شســاعة املعانــي‪ ،‬وعمــق األفــكار وقيمــة الفوائــد املبثوثــة يف‬
‫فــن امللحــون (شــع ًًرا وإنشــا ًًدا)‪ ،‬وتنــوع بنياتــه وبحــوره‪ .‬ممــا أســهم يف توالــي‬
‫عملــية البــحث والتألــيف يف ــهذا الــفن‪.‬‬
‫نذكــر مــن بينهــا علــى ســبيل املثــال ال احلصــر‪ ،‬أعمــال الباحــث عبــد الرحمــن‬
‫يعد امللحون أحد فنون الشعر الشعبي املغربي الذي يتميز بتعدد موضوعاته‪:‬‬ ‫امللحونــي‪ ،‬والباحــث أحمــد ســهوم يف كتابــه "امللحــون املغربــي"‪ ،‬فقــد بينــت هــذه‬
‫‪ .1‬وصــف الطبيعــة‪ :‬ســميت القصائــد التــي تتنــاول هــذا املوضــوع بأســماء‬ ‫الدراســات وغيرهــا متيــز فــن امللحــون مبجموعــة مــن أنــواع ومظاهــر القيمــة‬
‫مختلفــة‪ ،‬كالعرصــة‪ ،‬والريــاض‪ ،‬والصبوحــي‪ ،‬والديجــور‪ ،‬والفجــر الذهبيــة‪،‬‬ ‫الفنيــة (شــع ًًرا وإنشــا ًًدا)‪ ،‬جعلــه يتقاطــع مــع العديــد مــن فنــون القــول وأســاليبه‬
‫ويقصــدون بهــا غــروب الشــمس‪ ،‬ســاعة األصيــل‪ ،‬مجالــس األنــس واملــرح ‪-‬‬ ‫والتفاعــل مــع عــدد مــن ألــوان اإلبــداع‪ ،‬كمــا تعــددت مواضيعــه والروافــد التــي‬
‫غال ًًبــا مــا يذكــرون فيهــا محاســن املــرأة ‪ -‬حيــث حتمــل القصائــد يف العــادة‬ ‫نهــل منهــا‪ ،‬ممــا جعــل احليــاة الفنيــة يف املغــرب‪ ،‬تزخــر بضــروب شــتى مــن‬
‫أســماء الـمرأة (شــعبانة وريحانــة وزينــب ومنــى‪ ،‬والغزال‪...‬إلــخ)‪ ،‬كمــا أن حــفالت‬ ‫الفنــون واملأثــورات علــى نحــو يســترعي النظــر‪ ،‬ويســتنهض الفكــر‪ ،‬ألن اتصــال‬
‫احلجامــة والفصــد لــم تعــدم القصائــد‪ ،‬وعــادة مــا يســمونها بالفصــادة واحلجام‪.‬‬ ‫هــذا الفــن شــمااًلا باألندلــس ً‬
‫قدًميــا‪ ،‬والثقافــات األوروبيــة مــن بعــد‪ ،‬وبالصحــراء‬
‫‪ .2‬قصائــد الغــزل والنســيب‪ :‬حتمــل يف العــادة أســماء مثــل املرســول‪ ،‬واجلايف‬ ‫اإلفريقيــة جنو�بـًا‪ ،‬وباحلضــارة العربيــة باملشــرق‪ ،‬يش ـّكّ ل مسـ ً‬
‫ـوًغا يرشــح ذلــك‬
‫والهاجــر واملعشــوق والشــمعة‪ ،‬ونحــو ذلــك اخلمريــات‪ ،‬حيــث تعــرف قصائدهــا‬ ‫االزدــهار‪ ،‬ويجــعل مــنه نتيــجة حتمــية لآلــثار الــتي جنــمت ــعن ذــلك التواــصل‪.‬‬
‫باســم الداليــة "احلبلــة" والســاقي‪ ،‬والــكاس‪ ،‬ونحــو ذلــك ممــا لــه عالقــة بالســمر‪.‬‬ ‫امللحون يف اللغة‬
‫‪ .3‬الهجــاء‪ :‬ومــن أســمائه الشــحط‪ ،‬والــدق يف كالم أهــل مراكــش‪ ،‬واملهــراز‬ ‫امللحــون يف اللغــة مفعــول مــن األصــل اللغــوي (ل‪ ،‬ح‪ ،‬ن) الــذي ينصــرف‬
‫(املدفــع) واملطمــوس‪ ،‬ومنهــا مــا يحمــل اســم القافيــة‪ ،‬كالضاديــة والواويــة‪،‬‬ ‫لداللــتني‪ ،‬تقــع إحداهمــا علــى اإلصابــة يف احلديــث‪ ،‬واألخــرى علــى اخلطــأ‬
‫والقرصــان‪ ،‬وإذا طالــت قصيــدة الهجــاء فهــي الــزرب (أغصــان الشــوك)‪.‬‬ ‫فيــه‪ .‬ممــا جعــل اللغــويني يعدونــه يف "األضــداد" وقــد اختلــف األنبــاري وابــن‬
‫‪ .4‬الشــعر املســرحي‪ ،‬ويعــرف باســم احلـّرّ از‪ ،‬والضيــف‪ ،‬والقاضــي‪ ،‬واخلصــام‪،‬‬ ‫قتيبــة مــن قبــل يف أمــره اختال ًًفــا كبي ـ ًًرا‪ ،‬غيــر أن أعلــى داللــتني للحــن‪ ،‬همــا‬
‫والترجمــة‪ ،‬وغال�بـًا مــا كان يــردد يف األلعــاب واملناســبات كعيــد األضحــى‪ ،‬تســمى‬ ‫التنغيــم يف الــكالم والعــدول بــه عــن الصــواب‪ ،‬وقــد أ�لـّف بعــض اللغــويني كت�بـًا‬
‫كذلــك بألعــاب الفراجــة أو الشــيخ‪ ،‬كانــت تعــرض علــى شــكل روايــات هزليــة‪.‬‬ ‫يف "املالــحن" واألــضداد‪.‬‬
‫يقــوم بتمثيلهــا أشــخاص معروفــون بإتقــان أدور خاصــة‪ ،‬غال�بـًا مــا تــدور حــول‬ ‫يذهــب بعــض الباحــثني إلــى أن امللحــون املغرب ـّيّ ‪ ،‬إمنــا ســمي بــه ألن الشــعراء‬
‫رجــل ومحبوبتــه التــي ال يســتطيع أن يصــل إليهــا‪ ،‬فيحتــال لذلــك بالتنكــر يف‬ ‫يعّرّ ضــون فيــه مبــا يريــدون‪ ،‬دون أن يذكــروا ذلــك صراحــة‪ ،‬علــى نحــو مــا جنــده‬
‫ـاٍض‪ ،‬كمــا أن مــن املســرحي قصائــد تقــوم علــى املفاخــرة بني‬
‫صــورة ضيــف أو قـ ٍ‬ ‫يف قــول الق�تـّال الكالبــي‪ ،‬والعــرب تســتملح اللحــن‪ ،‬مبعنــى العــدول عــن اإلعراب‪،‬‬
‫نقيــضني‪ ،‬كالبدويــة واحلضريــة‪ ،‬واحلــرة واألمــة‪ ،‬والشــاي والقهــوة‪ ،‬ونحــو ذلــك‪.‬‬ ‫والتلغيــز‪ ،‬واخلطــأ الطفيــف القليــل‪ ،‬مثلمــا تستحســن اللثغــة يف الصغيــر‪ ،‬ونحــو‬
‫ويكمــن أن يشـّكّ ل ذلــك امتــدا ًًدا ملا جنــده يف رســائل اجلاحــظ‪ ،‬مــن مفاخــرة بني‬ ‫ذلــك‪ ،‬لهــذا‪ ،‬ميكــن القــول‪ :‬إن امللحــون هــو املعــدول بــه عــن وجــه الفصيــح‪ ،‬الــذي‬
‫الســودان والبضــان علــى ســبيل املثــال‪.‬‬ ‫ال إعــراب فيــه‪ ،‬انســجا ًًما مــع قــول محمــد الفاســي يف أهــل فــاس وغيرهــم مــن‬
‫الروافد األساسية لفن امللحون‬ ‫العــرب‪ ،‬أنهــم "تركــوا اإلعــراب الــذي ليــس مــن شــأنهم"(‪.)1‬‬
‫ربــط الباحثــون تعــدد موضوعــات فــن امللحــون وأســاليبه الفنيــة‪ ،‬بتعــدد روافــده‪.‬‬ ‫فجـّلّ كالمهــم إذا فيــه حلــن‪ ،‬وهــو ملحــون بــه مــن هــذا البــاب‪ .‬ومــن أشــعارهم‬
‫مزيًجــا مــن ألــوان شــتى (محليــة وأندلســية وســودانية‬
‫ً‬ ‫ألن هــذا الفــن ميّثّــل‬ ‫مــا يلغــزون بــه‪ ،‬ويك�نـّون‪ ،‬فهــو ملحــون ً‬
‫أيًضــا‪ ،‬وهــو إلــى جانــب ذلــك‪ ،‬يــردد منغ ًًمــا‬
‫ومشــرقية‪ ،‬حيــث اجتمعــت حضــارات املشــرق واألندلــس يف املغــرب‪ ،‬وامتزجــت‬ ‫ملح ـنـًا‪ ،‬فــهو ملــحون كذــلك‪.‬‬
‫علــى ترابــه مــن خالل تفــاعالت علــى مــر العصــور‪ ،‬باإلضافــة إلــى أن يف أشــعار‬ ‫موضوعــات امللحــون علــى الرغــم مــن تتعــدد فنــون األدب الشــعبي العربــي يف‬
‫املغاربــة‪ ،‬إشــارات واضحــة آلثــار قادمــة مــن بعيــد‪ ،‬تظهــر يف أســماء بعضهــم‪،‬‬ ‫البيئــات اخملتلفــة بشــكل كبيــر‪ ،‬فإنهــا يف املغــرب األقصــى تفــوق يف ذلــك مــا‬
‫كالــشاعر الــسي املدــني التركماــني‪ ،‬والقصاــئد العثمانــية‪ ،‬وأصبــهان واإلجنلــيز‬ ‫جنـجده منــها يف األقالــيم األــخرى‪.‬‬

‫‪81‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪ .3‬الرافــد الســوداني ‪ :‬ميتــد املغــرب األقصــى جنو�بـًا إلــى الصحــراء‪ ،‬وقــد اتصــل‬ ‫والســودان واإلســبان وكــذا األناضــول‪ ،‬ونحــو ذلــك ممــا يشــهد بــه التاريــخ‪،‬‬
‫املغاربــة بأهلهــا وســكان األقاليــم التــي تقــع إلــى اجلنــوب منهــا يف وقــت مبكــر‪،‬‬ ‫بعالقــة كانــت بني املغاربــة وتلــك املســميات‪.‬‬
‫قبــل امللــك الفنيقــي حنــون‪ ،‬الــذي وصــل خليــج غانــا‪ ،‬وبعــد الفتــح اإلسالمــي‪،‬‬ ‫‪ .1‬الرافــد األندلســي‪ :‬يظهــر هــذا األثــر بشــكل جلــي يف االصطالحــات التــي‬
‫ازداد نفــوذ املغربــة جنــوب الصحــراء‪ ،‬لهــذا‪ ،‬تضمنــت أشــعارهم الشــعبية‪ ،‬ذكـ ًًرا‬ ‫تطلــق علــى بعــض أنــواع امللحــون‪ ،‬كاملشــتب‪ ،‬وهــو مــن عــروض امللحــون ً‬
‫أيًضــا‪،‬‬
‫واس ـ ًًعا للصحــراء (الكبــرى) وســكانها‪ ،‬ولبلــدان جنــوب الصحــراء كغانــا وغينيــا‬ ‫واشــتقاقه مــن الكلمــة اإلســبانية ‪ Estipula‬تصغيــر ‪ Estipa‬مــن الالتينــي‬
‫وغيرهــا‪ ،‬كمــا جــاء يف قصيــدة الطرشــون البــن علــي الشــريف‪.‬‬ ‫‪ Stipa‬مبعنــى الــتنب ومنهــا الشــتب الــذي حتشــى بــه الفــرش‪ ،‬وقــد اشــتقوا‬
‫لغة فن امللحون‬ ‫منهــا مشــت ًًبا لهــذا النــوع مــن عــروض امللحــون‪ ،‬ومــن ذلــك "قيــاس بريولــة" تصغيــر‬
‫ال تختلــف لغــة امللحــون عــن لغــة غيــره مــن أنــواع الشــعر الشــعبي العربــي‪ ،‬لكونهــا‬ ‫برولــة‪ ،‬وهــي عبــارة عــن قطعــة شــعرية مــن امللحــون‪ ،‬ضمنهــا املغاربــة بعــض‬
‫ال تلتــزم اإلعــراب‪ ،‬وال تراعــي الضبــط الداخلــي للبنيــة الصرفيــة للمفــردات‪.‬‬ ‫املوازيــن يف اآللــة‪ .‬مبعنــى املوســيقى الكالســيكية املغربيــة‪ ،‬وتقابــل األزجــال التــي‬
‫تقتــرب أحيا�نـًا مــن الفصيــح‪ ،‬وتنــأى عنــه أحيا�نـًا أخــرى‪ ،‬وتكــون مــن املأنــوس‬ ‫كان أهــل األندلــس يدخلونهــا يف موســيقاهم‪ ،‬ومــا زالــت بقايــا منهــا يف اآللــة‬
‫املأــلوف حي ـنـًا‪ ،‬واحلوــشية أحيانــًا‪.‬‬ ‫املغربيــة‪ ،‬يضــاف إلــى ذلــك عــدد كبيــر مــن املفــردات الالتينيــة التــي جندهــا‬
‫تظهــر يف امللحــون جميــع املفارقــات الصوتيــة التــي متتــاز بهــا اللهجــة املغربيــة‪.‬‬ ‫يف أشــعارهم مــن قبيــل‪ :‬النبلــي مــن أنــواع البــزاة (جمــع بــازّيّ )‪ ،‬وهــو منســوب‬
‫حيــث جنــد مــن بني هــذه املفارقــات مــا ارتبــط باحلــروف التاليــة‪ :‬القــاف والــذال‬ ‫إلــى "نبلــي" مدينــة باألندلــس‪ ،‬وقــد ذكــره يف قصيــدة ''الطرشــون'' البــن علــي‬
‫والــثاء والــظاء‪.‬‬ ‫الشــريف‪.‬‬
‫حيــث تختلــف اللهجــات الدارجــة يف طريقــة لفــظ مفــردات اللغــة اختال ًًفــا كبيـ ًًرا‪.‬‬ ‫‪ .2‬الرافــد املشــرقي ‪ :‬جتلــى يف األصــل العربــي العميــق يف أبعــاده وأصدائــه‪،‬‬
‫ــبل تــبدو بــعض األلــفاظ أعجمــية ــلدى ــسماعها‪.‬‬ ‫ومنــه مــا متّثّــل يف اســتدعاء التــراث العربــي (جاهلّيّــة وإسالمّيّــة‪ ،‬فصيحــة‬
‫لكــن مــا أن حتلــل ويصحــح لفظهــا‪ ،‬حتــى تبــدو عربيــة فصيحــة‪ ،‬ولعلنــا جميعــا‬ ‫وشــعبية)‪ ،‬فمــن ذلــك ذكرهــم عمــرو بــن كلثــوم‪ ،‬جذميــة بــن األبــرش‪ ،‬كقــول‬
‫ســمعنا باحلــّيّ الــذي يقــع إلــى الغــرب مــن جامعــة القاهــرة "أبــو أتاتــه"‪ ،‬مــن‬ ‫املنشــد التهامــي املدغــري‪( :‬مــا َيَ ْْقـ ََوى ع�نـ ْْْه يف ُُســو ْْق ا�ل ـ َََدا ْْم ابــن ُُكل�ثـُوم أو ْْج ََذ ََميــة‬
‫ذا يــدرك ألول وهلــة أن اســمه هــو "أبــو قتــادة" "الصحابــي"‪ ،‬ثــم قلبــت القــاف‬ ‫وال دار)‪ ،‬ليشـّكّ ل األدب الشــعبي املغربــي برمتــه‪ ،‬امتــدادا طبيع�يـّا لألدب الشــعبي‬
‫همــزة جريــا علــى لهجــة أهــل القاهــرة‪ ،‬وقلبــت الــدال تــاء انســجاما مــع امللحــون‬ ‫العرب ـّيّ ‪ ،‬كمــا تضمــن ترســبات التاريــخ العرب ـّيّ اإلسالم ـّيّ بشــكل كبيــر‪ ،‬بســبب‬
‫املغرــبي‪.‬‬ ‫العالقــة العضويــة بينهمــا‪ ،‬ومــن ذلــك يف مجــال اللحــن‪ ،‬ظاهــرة توشــك أن‬
‫ألفــاظ كثيــرة جــاءت علــى غيــر املنهــج الفصيــح‪ ،‬ومخالفــة ملا جــرت بــه عــادة‬ ‫تختفــي مــن األدب الشــعبي املغرب ـّيّ ‪ ،‬وهــي تؤّكّ ــد العالقــة بينــه وبني نظيــره يف‬
‫ــجّلّ الــعرب‪.‬‬ ‫جنــوب اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬املتجليــة يف أحلان الــدان‪ ،‬فقــد أرجــع بعــض الباحــثني‬
‫نــورد أمثلــة توضــح ذلــك‪ ،‬فمنــه أنهــم ال يســقطون ألــف الثالثــي الناقــص‪ ،‬إذا‬ ‫نــشأة املوــشحات إــلى جــنوب اجلزــيرة العربــية‪.‬‬
‫أســند لضميــر الفاعــل مثــل‪ :‬ســرى (ســروا)‪ ،‬فهــم يقولــون ســراوا‪ ،‬بتســكني‬ ‫حيــث يرجحــون يكــون ذلــك ''لعالقــة بجنــوب اجلزيــرة‪ ،‬وقــد نــرى يف أحلان‬
‫الــسني‪ .‬كمــا جــاء يف قــول املنشــد الطيــب الدبــاغ يف قصيدتــه منانــة‪ ،‬تتبايــن‬ ‫الــدان‪ ،‬التــي ال تــزال حيــة هنــاك‪ ،‬ولكنهــا انقرضــت مــن املغــرب أو تــكاد ـــ مــا‬
‫ألفــاظ امللحــون يف مســتوياتها الدالليــة‪ ،‬وهــي تتــراوح بني مســتوى الــدالالت‬ ‫يرشــح مــا أســلفنا‪ ،‬ويدعمــه‪ ،‬يقــول الفاســي يف تعريفــه بســيدي عبــد العزيــز‬
‫األصليــة القدميــة‪ ،‬والــدالالت احلديثــة املتولــدة عنهــا‪ ،‬لكنهــا ال تختلــف كثيــرا‬ ‫املغــراوي‪ ،‬مــن شــعراء امللحــون يف املغــرب األقصــى(‪.)2‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪82‬‬
‫بواعــثه وجتلياــته الفنــية‪ ،‬نــحدد أبرزــها يف التاــلي‬ ‫عــن ســائر ألفــاظ العربيــة فصيحهــا ودارجهــا‪ ،‬غيــر أن مــا ميكــن رصــده مــن‬
‫‪ .1‬تتفاعــل يف نســج قصيــدة امللحــون مقومــات وآليــات االشــتغال الفنيــة‬ ‫األلفــاظ التــي مــا تــزال تســتخدم لدالالتهــا األصليــة كثيــر‪ ،‬ويتصــف بالغرابــة‪،‬‬
‫املتداولــة يف اللغــة الشــعرية مــع بــروز بعضهــا‪ ،‬مثــل احلكــي ‪ ،‬واحلــوار‪ ،‬والوصــف‬ ‫بــل منــه نــادر قــل أن جنــده يف غيــر لهجــات البــوادي‪.‬‬
‫والتشــخيص مــن خالل االنفتــاح علــى أفــق اخليــال املبــدع للصــور املتجــاوزة‬ ‫بــذل الباحــث محمــد الفاســي جهــدا كبيــرا يف ســبيل التعريــف بــاألدب الشــعبي‬
‫أحيانــا كثيــرة مســتوى الصــور التشــبيهية التقريبيــة واجلزئيــة أو الصغــرى‪ ،‬إلــى‬ ‫املغرــبي‪ ،‬وأصوــله ونــشأته‪.‬‬
‫الرمــز واإلشــارة والصــور الكليــة الرؤيويــة التلميحيــة املنتجــة للمعنــى اإليحائــي‬ ‫وقــد متّكّ ــن مــن رصــد عروضــه وحتديــد أوزانــه وقواعــده‪ ،‬ووضــع أسســه‪ ،‬حيــث‬
‫والــصادرة ــعن مــستوى اإلدراك‪ /‬احلــلم‪.‬‬ ‫قســم كل قصيــدة إلــى عــدة أقســام‪ ،‬ولــكل قصيــدة حربة(الزمــة)‪ ،‬حيــث بني أن‬
‫كمــا جتلــى يف بعــض قصائــد امللحــون الصــويف عنــد عبــد القــادر العلمــي‬ ‫القصاــئد تــعرف بحرباتــها‪ ،‬وــشرطها أن تــعاد بــعد كل مقــطع‪.‬‬
‫(منــوذج "الســاقي"‪ " ،‬ا لبســتا ن " ) ‪ ،‬و محمــد ا حلــر ا ق ‪ ،‬وأحمــد‬ ‫كمــا هــي احلال يف املوشــحات‪ ،‬وهــم ينظمــون الشــعر امللحــون دون‬
‫ــبن عــبد الــقادر التــستاوتي‪ ،‬والفــلوس‪ ،‬وغيرــهم‪.‬‬ ‫أن يعلمــوا قيــاس القصيــدة (أي بحرهــا)‪ ،‬وإمنــا يصــدرون‬
‫وكــذا يف العديــد مــن قصائــد الغــزل‪ ،‬عنــد مجموعــة‬ ‫ــعن قرائحــهم بــسجية مرــسلة‪ ،‬ودون تكــلف‪.‬‬
‫متيــرد‬ ‫مــن املنشــدين‪ ،‬مــن قبــل‪ :‬اجلياللــي‬ ‫وقــد أحصــى الفاســي للملحــون خمســة عــروض هي‬
‫والتهامــي املدغــري‪ ،‬وغيرهمــا‪ ،‬ويف بعــض‬ ‫املبيــت ومكســور اجلنــاح واملششــب والسوســي‬
‫"اجلفريــات" وقصائــد "احلجــام"و "الشــمعة"‪.‬‬ ‫واملزلــوق والذكــر‪ ،‬ثمــة نــوع أخــر مــن امللحــون‪،‬‬
‫حيــث يكــون النــص فضــاء ســفر يف الزمــن‬ ‫لــيس بقصاــئد‪ ،‬وإمنـما باــسم الــسرابة‪.‬‬
‫النفســي‪ ،‬ويكــون كل واحــد مــن مكونــات‬ ‫وقــد ســميت بــه ألن املنشــد يســرع يف‬
‫العالــم اخلارجــي احلاضــرة فيــه جــزءا مــن‬ ‫إنشــادها‪ ،‬وهــي أقــرب إلــى األغانــي‬
‫صــورة العالــم النفســي الداخلــي‪ ،‬وحلــم‬ ‫الــشعبية منــها إــلى امللــحون‪.‬‬
‫اليقــظة اــلذي تصــبو إلــيه اــلذات‪.‬‬ ‫متتــاز عــن قصائــد امللحــون بعفويتهــا‪،‬‬
‫وفــق هــذا التصــور الرمــزي اإليحائــي‪ ،‬يتــم‬ ‫وصدورهــا عــن مفاجــآت وعواطــف‬
‫تلقــي الكثيــر مــن قصائــد امللحــون (مــن‬ ‫جّيّاشــة‪ ،‬وتتصــف باحلــزن العميــق‪،‬‬
‫خالل اإلنشــاد)‪ ،‬مثــل قصيــدة "البســتان"‬ ‫والقصــر‪ ،‬وال الزمــة فيهــا‪ ،‬وال يذكــر فيهــا‬
‫و" الســاقي" لعبــد القــادر العلمــي‪ ،‬وقصيــدة‬ ‫الشــاعر اســمه‪ ،‬علــى العكــس مــن القصائــد‪،‬‬
‫"الشــمعة" البــن علــي وغيرهــا‪ ،‬فهــي مــن صنــف‬ ‫وميكــن حصــر نظامهــا العروضــي يف أربعــة أنــواع‬
‫الصــورة الرؤيــا و مســتوى مقــام الكشــف يف اإلبــداع‬ ‫رئيســة‪.‬‬
‫الفنــي‪" ،‬فالســاقي"‪ ،‬تشــكل مــأوى لتجربــة روحيــة‬ ‫فن امللحون بني الشعر واإلنشاد‬
‫ذوقيــة‪ ،‬ولطمــوح صــويف يســمو علــى املظهــر املادي املدنــس‬ ‫امللحــون فــن شــعري وإنشــادي غنائــي متميــز‪ ،‬وقــد يكفــي‬
‫إلــى الباطــن الروحــي املقــدس‪ ،‬الــذي يتجلــى يف وصــال احلــق‪ ،‬والنعيــم‬ ‫الســام ََع ســما ُُعه وتذو ُُقــه االنطباعــي َتَ ََع َ‬
‫ــَب البحــث عــن بواعــث‬
‫بصفــاء احليــاة الصوفيــة‪ ،‬ورؤيــة نــوره ســبحانه بــعني البصيــرة‪ ،‬رؤيــة ذوقيــة‬ ‫ومظاهــر قيمتــه الفنيــة وكوامنــه اجلماليــة‪ .‬وإذا كان هــذا شــعور جــل أو كل‬
‫قلبيــة‪ ،‬تفاعلــت يف بنائهــا عناصــر الطبيعــة بأشــجارها وأزهارهــا وأطيارهــا‪،‬‬ ‫املتلــقني‪ ،‬فإنــه مــن الدواعــي األكيــدة عنــد الباحــث يف فــن امللحــون لرصــد تلــك‬
‫وليلهــا وفجرهــا ونهارهــا‪ ،‬والســكر بخمــره وأوانيهــا املتميــزة‪ ،‬ومجالســه‬ ‫البواعــث والتجليــات‪ ،‬وتفحصهــا بعنايــة تامــة حتــى تتكشــف أســرار قــوة تأثيــره‬
‫وطقوــسه الــتي تتفاــعل فيــها املـمرأة اجلميــلة واملوــسيقى املثــيرة والــطرب‪.‬‬ ‫الفنــية يف الــسامع املــتذوق ويف غــيره ــمن الفــنون احلديــثة‪.‬‬
‫‪ .2‬لــم يكتــف منشــد امللحــون مبصــدر واحــد يف بنــاء صــوره‪ .‬فــإذا كانــت بعــض‬ ‫وملا كانــت املظاهــر الغنائيــة للقيمــة الفنيــة لفــن امللحــون كامنــة يف التوليــف‬
‫النمــاذج الفنيــة يف الصــور الصغــرى التقريبيــة مســتقاة مــن الفضــاء الطبيعــي‪،‬‬ ‫القائــم بني اآلالت املوســيقية األصيلــة‪ ،‬واملقامــات والطبــوع‪ ،‬وصــوت املنشــد‪،‬‬
‫فــإن الطبيعــة لــم تشــكل الرافــد األوحــد للصــورة الشــعرية يف فــن امللحــون‪ ،‬وإن‬ ‫ومــا يثيــره فعــل الغنــاء مــن شــعور يف نفــس املتلقــي يف املغــرب وخارجــه‪ ،‬ويورثــه‬
‫حــضرت بــقوة‪.‬‬ ‫مــن إجنازات‪(-‬جوائــز و أوســمة) يف منتديــات ومحافــل دوليــة يف مختلــف‬
‫إذ هنــاك (فــضال عنهــا وعــن خيــال الشــاعر) احلضــارة املغربيــة مبختلــف‬ ‫أصــقاع العاــلم‪.‬‬
‫جتلياتهــا‪ ،‬كل حســب منطقتــه ومجــال عيشــه وكــذا فســحة حركتــه وتنقلــه‪.‬‬ ‫لهــذا ركــز الباحــث اخملتــص يف فــن املوســيقى والغنــاء‪ ،‬اهتمامــه علــى فــن‬
‫كمــا أن هنــاك أيضــا الواقــع املغربــي الدينــي األخالقــي‪ ،‬واالجتماعــي احلياتــي‬ ‫امللحــون ‪ -‬ســواء باعتبــاره شــعرا أو إنشــادا ‪ -‬مــن أجــل اســتجالء مجموعــة مــن‬

‫‪83‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫جانــب احلكايــات الشــعبية‪ ،‬واخلرافــات‪ ،‬ونصــوص املناقــب‪ ،‬وحكايــات الكرامــات‬ ‫اليومــي‪ ،‬وثقافــة الشــاعر‪/‬‬
‫الصوفــية‪ ،‬وغيرــها‪.‬‬ ‫املنشــد التــي تتجلــى فيمــا‬
‫‪ .5‬بنــاء علــى القيمــة الفنيــة لشــعر امللحــون‪ ،‬وباســتحضاره يف احلســبان‪ ،‬ميكــن‬ ‫يســتدعيه مــن شــخصيات‬
‫أن تراجــع بعــض أحــكام القيمــة الصــادرة يف حــق األدب املغربــي يف بعض فتراته‪،‬‬
‫تـــراثــيـــــة أو أســطــوريــــة‪،‬‬
‫مثــل احلكــم عليــه بالضعــف والســقوط إبــان القــرن التاســع عشــر الـميالدي الــذي‬
‫وأحــداث ووقائــع ومعــارف‬
‫لــم ينتبــه عــدد مــن مردديــه إلــى شــعر امللحــون واألدب الصــويف أحــق االنتبــاه‪،‬‬
‫يف شــتى مجــاالت املعرفــة‬
‫وإال كاــنت النــظرة أوــسع وأــشمل‪ ،‬وتغــير ذــلك احلــكم بعــضه أو كــله‪.‬‬
‫‪ .6‬يتميــز شــعر امللحــون بتفاعــل ناجــح بني اللهجــة املغربيــة ولغــة املعــرب‬ ‫الفكريــة والعلميــة (الدينيــة‬

‫املدرســية إلــى حــد التماهــي بينهمــا الــذي ولــد لغــة امللحــون وكان أحــد أهــم‬ ‫والـــصوفية‬ ‫والفـــلــســـــفية‬
‫خصائصهــا الفنيــة‪ ،‬هــذه اللغــة التــي تتميــز باخلــرق والتجــاوز يف املعجــم‬ ‫واألدبيــة)‪.‬‬
‫والتركيــب والداللــة‪ ،‬مــادام هنــاك مــن الكلمــات الفصيحــة مــا يتحــول يف نطقــه‬ ‫تتقاطــع الصــورة الشــعرية يف‬
‫إلــى الــدارج العامــي‪ ،‬ومــن الفصيــح واللهجــي العامــي مــا يتبــدل معنــاه جــزءا‬ ‫شــعر شــاعر فــاس محمــد بــن‬
‫أو كال‪ ،‬هــذا فــضال عــن والدة وحــدات معجميــة ال عهــد للفصيــح واللهجــي‬ ‫ســليمان علــى ســبيل املثــال‪،‬‬
‫العاــمي بــها‪.‬‬ ‫يف بنائهــا عناصــر الطبيعــة‪،‬‬
‫إن مــن شــأن هــذه اخلاصيــة اللغويــة أن تكــون باعثــا فنيــا وجماليــة تكســر أفــق‬ ‫واحلضــارة الفاســية خاصــة‬
‫انتظــار املتلقــي الــذي يتلقــى نــص امللحــون ويســتأنس بالفصيــح والعامــي فيــه‬ ‫بأثوابهــا ومالبســها‪ ،‬وعمرانهــا ومعمارهــا‪ ،‬وعاداتهــا وتقاليدهــا‪ ،‬وموســيقاها‬
‫ظانــا أن معنــى الكلمــة واحــد‪ ،‬اكتفــى شــاعر امللحــون بنقلــه‪ .‬إال أن الصــواب‬ ‫ومجالســها‪ ،‬حيــث شــكلت قصيدتــه "احلجــام" منوذجــا ألثــر هــذا املــدار‬
‫غيــر ذلــك‪ ،‬فــحني يقــول (مــثال) حمــود بــن ادريــس يف قصيــدة "احلجــام" ‪" :‬صــول‬ ‫احلضــاري يف صــورة‪ ،‬يضــاف إلــى ذلــك واقــع احلــروب والصــراع بني القبائــل‬
‫احجــام العانــس الدامــي"‪ ،‬فــإن تفســير "العانــس" بالفتــاة التــي جتــاوزت ســن أو‬ ‫والثــورات علــى مدينــة فــاس (جــروان‪ ،‬بنــي مطيــر‪ ،‬آيــت أومالو…الــخ)‪.‬‬
‫مرحلــة الــزواج دون أن تتــزوج‪ ،‬الثابــت يف املعجــم العربــي الفصيــح‪ ،‬يعــد تفســيرا‬ ‫‪ .3‬تنــوع البنــاء الهيكلــي لقصيــدة امللحــون وألقســامها متاشــيا مــع تنــوع البنــاء‬
‫خاطئــا‪ ،‬إذ عكســه هــو الصــواب كمــا توحــي داللــة ذلــك الشــطر‪" ،‬فالعانــس" فيــه‬ ‫اإليقاعــي‪ ،‬وتنــوع البحــور (املبيــت‪ ،‬املشــتب‪ ،‬السوســي‪ ،‬مكســور اجلنــاح)‪،‬‬
‫فتــاة حســناء مطلوبــة‪ ،‬يعشــقها الشــاعر فيدعــو "احلجــام" الرســام إلــى تشــكيل‬ ‫واخلصوصيــة البنائيــة أو الصوريــة التــي يفرضهــا كل بحــر‪ ،‬مبعنــى أن التحــول‬
‫الــصورة أو الوــشم بإيــحاء ــمن حــبه لــها وجمالــها األــخاذ‪.‬‬ ‫اإليقاعــي والصــوري املنظــم‪ ،‬يعــد مــن خصائــص أقســام قصيــدة امللحــون‪،‬‬
‫كمــا ميكــن الرجــوع إلــى مــا تداولــه الباحــث عبــاس اجلــراري مــن مصطلحــات‬ ‫ومالمحهــا املبعــدة عــن الرتابــة الفنيــة‪ ،‬واملفيــدة للحركــة واملســاهمة يف اإلبــداع‬
‫ووحــدات معجميــة يف كتابــه "القصيــدة"‪ ،‬وأيضــا القســم األول مــن اجلــزء الثانــي‬ ‫وبــعث الــشعور باجلــمال عــند املتلــقي‪.‬‬
‫مــن "معلمــة امللحــون" حملمــد الفاســي اخلاص باملعجــم‪ ،‬و"امللحــون املغربــي"‬ ‫للتوليــف اإليقاعــي واإلنشــادي القائــم بني األطــراف املشــكلة‬ ‫نظــرا‬
‫ألحمــد ســهوم باعتبارهــا مصــادر مهمــة‪ .‬تؤشــر علــى قيمــة وخصوصيــة لغــة‬ ‫العروبيات‪...‬اــلخ)‪.‬‬ ‫النواــعر‪،‬‬ ‫الــسرابة‪،‬‬ ‫للقصيدة(األقــسام‪،‬‬
‫امللــحون املعجمــية والتركيبــية وــكذا الداللــية اخلصــبة‪.‬‬ ‫حيــث يدخــل التشــكيل الصــوري املعمــاري يف عالقــة تخاطبيــة مــع التشــكيل‬
‫‪ .7‬إذا أمكــن اعتبــار تعــدد أغــراض الشــعر ونشــاط النظــم مــن مظاهــر القيمــة‬ ‫اإليقاــعي وــمع اإلنــشاد وطبوــعه‪.‬‬
‫الفنيــة‪ ،‬فــإن شــعر امللحــون يف املغــرب عــرف بأغراضــه املتنوعــة واملتفرعــة‬ ‫فتأتــي "الســرابة"(مثال) ســردا إنشــاديا ســريعا باملقارنــة مــع أقســام القصيــدة‪،‬‬
‫واملكتنــزة‪ ،‬فاملديــح النبــوي (مــثال)‪ ،‬يشــمل وحــده ألوانــا مــن املوضوعــات‬ ‫وتتــردد احلربــة يف كل قســم بصــوت إنشــادي جماعــي‪ ،‬إلــى غيــر ذلــك مــن‬
‫أو األغــراض الصغــرى التــي تعــرف بهــا قصائــده‪ ،‬منهــا ‪ :‬اخللــوق‪ ،‬والوفــاة‪،‬‬ ‫مظاهــر التواصــل والتفاعــل بني فضــاء النــص الشــعري واإلنشــاد علــى الســواء‪.‬‬
‫واملعــراج‪ ،‬واملرســول‪ ،‬واملرحــول‪ ،‬واحلمــام‪ ،‬والورشــان‪ ،‬والغــزوات‪ ،‬والتصلية…الــخ‪،‬‬ ‫‪ .4‬إن االرتبــاط مبقــوم احلكــي يف شــعر امللحــون‪ ،‬وكــذا مراعــاة لقــوة حضــوره‬
‫وشــعر الهجــاء تنــدرج ضمنــه قصائــد "الدعــى"‪ ،‬واملطمــوس‪ ،‬واملهــراز‪ ،‬والبغــاز‪،‬‬ ‫يف العديــد مــن األغــراض وأصنــاف القصائــد (شــعر الغــزل‪ ،‬احلجــام‪ ،‬املرســول‪،‬‬
‫والقرصــان‪ ،‬وأيضــا اخلصــام‪ ،‬وغيرهــا‪ ،‬متيــز بتعــدد األغــراض ونشــاط النظــم‬ ‫اخللــوق‪ ،‬الوفــاة‪ ،‬املعــراج‪ ،‬وصــف الطبيعــة‪ ،‬النزاهــة‪ ،‬الغزوات…الــخ)‪ ،‬وأيضــا‬
‫وذــيوع نصوــصه‪.‬‬ ‫قــدم الشــعر امللحــون وارتباطــه الوثيــق بالهويــة الفنيــة والثقافيــة املغربيــة‪ ،‬ميكــن‬
‫لهــذا‪ ،‬فــإن شــعر امللحــون لــم يتراجــع عــن إرضــاء الــذوق العــام‪ ،‬وتربيــة ملكــة‬ ‫اعتبــار قســم مهــم مــن هــذا الشــعر واحــدا مــن األصــول احلكائيــة يف املغــرب إلــى‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪84‬‬
‫امللــحون وقيــمة ــشعرائه ومكانتــهم‪.‬‬ ‫اخليــال عنــد العامــة واخلاصــة‪ ،‬ومســاوقة املســار الفنــي والفكــري يف املغــرب‪،‬‬
‫اتســمت هــذه اآلراء باحلكمــة والتأمــل العميــق‪ ،‬وإن ظهــر للوهلــة األولــى أنهــا‬ ‫بقــدر مــا شــكل أحــد ركائــزه املميــزة‪ .‬لذلــك‪ ،‬حني نعتبــر األدب الدينــي ركنــا‬
‫ذات طبيعــة انطباعيــة‪ ،‬لكــن مــا كان لهــذه األحــكام واآلراء الصــادرة عــن تــذوق‬ ‫مهمــا وجوهريــا يف بنــاء صــورة األدب املغربــي‪ ،‬وأنــه األدب الرســمي احلقيقــي‪،‬‬
‫فنــي وتأمــل يف الشــعر امللحــون أن توجــد لــوال مــا يتحلــى بــه هــذا الشــعر مــن‬ ‫إذا راعينــا خصوصيــة االنتشــار والذيــوع‪ ،‬إنتاجــا وتلقيــا‪ ،‬وضمنــه األدب‬
‫مقومــات فنيــة وخصائــص دالليــة مثيــرة‪.‬‬ ‫الصــويف‪ ،‬خاصــة خالل القــرون الســابع عشــر والثامــن عشــر والتاســع عشــر‬
‫فن امللحون‪ ،‬تراث عاملي ال مادي‬ ‫وبدايــة العشــرين‪ ،‬فــإن شــعر امللحــون يؤكــد حضــوره الفعــال يف إثبــات هــذه‬
‫اعتمــدت اللجنــة احلكوميــة الدوليــة لصــون التــراث الثقــايف غيــر املادي ملنظمــة‬ ‫احلقيقــة‪.‬‬
‫األمم املتحــدة للتربيــة والعلــم والثقافــة (اليونيســكو) يف إطــار دورتهــا الـــ‪18‬‬ ‫‪ .8‬يخلــص الباحــث يف فــن امللحــون‪ ،‬شــعرا وإنشــادا وســياقا‪ ،‬يف تواصــل‬
‫املنعقــدة خالل شــهر دجنبــر ‪ 2023‬بجمهوريــة بوتســوانا‪ ،‬طلبـًاً تقــدم بــه املغــرب‪،‬‬ ‫مــع احلركــة الفنيــة املعاصــرة مبختلــف أنواعهــا‪ ،‬إلــى وجــود توافــق وتقاطــع‬
‫يتعلــق بــإدراج فــن امللحــون يف القائمــة التمثيليــة للتــراث الثقــايف غيــر املادي‬ ‫متأصــلني بينــه وبني بعــض الفنــون‪ ،‬مثــل املســرح والتشــكيل‪ ،‬وبعــض فــن الغنــاء‬
‫للبشــرية‪ ،‬حيــث أكــد هــذا االعتمــاد اعترافـًاً دوليــا بفــن مغربــي أصيــل شـّكّ ل يف‬ ‫احلديــث واملعاصــر‪ ،‬ممــا يجعــل فــن امللحــون مــؤهال لتجــاوز زمانــه واالســتمرار‬
‫كل األزمنــة‪ ،‬وإلــى اليــوم‪ ،‬رافــدا مهمــا مــن روافــد احلضــارة املغربيــة‪ ،‬ومكّوّنــا‬ ‫يف ذاتــه مــن خالل تفاعلــه وتواصلــه مــع الفنــون احلديثــة‪ ،‬ألن أهليتــه نابعــة‬
‫مرجعــيا ــمن مكوــنات هويتــها الثقافــية العريــقة‪.‬‬ ‫مــن قيمتــه الفنيــة املتجليــة يف كفــاءة الوصــف والتشــخيص وتوظيــف طاقــة‬
‫وقــد جــاء يف وثيقــة ترشــيح امللــف الــذي ســهرت أكادمييــة اململكــة املغربيــة‪،‬‬ ‫اخليــال ومكتســبات الذاكــرة‪ ،‬والوعــي الفنــي لــدى أصحابــه (شــعراء ومنشــدين)‪،‬‬
‫عبــر جلنتهــا اخلاصــة بامللحــون‪ ،‬علــى إعــداده وتوثيــق معطياتــه الضافيــة‪ ،‬أّنّ فن‬ ‫وخصوصيــات إنشــاده‪ ،‬وقــوة تأثيــره يف املتلقــي التــي أبرزهــا أحمــد التســتاوتي‬
‫امللحــون هــو شــكل شــائع مــن أشــكال التعبيــر الشــعري الشــعبي يف املغــرب‪ ،‬تغنــى‬ ‫(أحــد شــعراء املعــرب والزجــل) يف البــاب اخلامــس اخلاص بامللحــون مــن‬
‫أبياتــه باللهجــة العربيــة وأحيانــا بالعبريــة‪ ،‬تســتمد موضوعاتهــا مباشــرة مــن‬ ‫مجموعــه األدبــي "نزهــة الناظــر وبهجــة الغصــن الناضــر"‪ ،‬مشــبها شــعر امللحــون‬
‫احليــاة اليوميــة‪ ،‬وتتطــور وفقــا لنــوع مــعني مــن الــوزن الشــعري‪ ،‬نشــأ هــذا الفــن‬ ‫بنــغم الوــتر اــلذي يــطرب ويــحرك ويثــير‪ ،‬وتدــعن ــله األــسماع والقــلوب‪.‬‬
‫يف منطقــة تافياللــت (اجلنــوب الشــرقي املغربــي)‪ ،‬ثــم انتشــر ليشــمل ســكان‬ ‫‪ .9‬أثبتــت بعــض األعمــال الفنيــة احلديثــة كفــاءة فــن امللحــون وأهليــة اســتمراره‬
‫املــدن التاريخيــة موطــن احلــرف التقليديــة‪ ،‬كمــا هــو احلال يف مــدن فــاس‬ ‫يف الزمــان مثــل مســرحية "احلــراز" ومســرحية "الــدار"‪ ،‬وتلــك القصائــد التــي‬
‫ومكنــاس وسال والربــاط والــدار البيضــاء وأزمــور وآســفي ومراكــش وتارودانــت‪.‬‬ ‫غنتهــا بعــض اجملموعــات الفنيــة املعاصــرة‪ ،‬مثــل "جيــل جاللــة" و "نــاس الغيــوان"‬
‫تشــير الوثيقــة املعتمــدة يف الترشــيح‪ ،‬إلــى أن فــن امللحــون موجــود كذلــك يف‬ ‫أبرزهــا قصيــدة "الشــمعة" البــن علــي‪ ،‬و"مزيــن أو صلــوك" لعبــد القــادر العلمــي‪،‬‬
‫اجلزاــئر‪.‬‬ ‫و"الشــهدة" حملمــد بــن ســليمان وحربتهــا‪.‬‬
‫لهذا‪ ،‬تشترك منطقة املغرب العربي يف العديد من عروضه الفنية التقليدية‪.‬‬ ‫املكانة الفنية لفن امللحون‬
‫خالصة‬ ‫يجــد الباحــث نفســه عنــد تناولــه ملســار هــذا الفــن‪ ،‬أمــام ضــرورة رصــد بعــض‬
‫امللحــون املغربــي فــن وتــراث يســتحق االهتمــام الالئــق واألوفر خادمــا ومخدوما‪،‬‬ ‫مالمــح املكانــة الفنيــة للملحــون‪ ،‬مــن خاللهــا مجموعــة مــن أحــكام القيمــة‪.‬‬
‫ســبيال وهدفــا يف الوقــت نفســه‪ ،‬رافــدا ومجــاال لالشــتغال‪ ،‬كمــا أن غنــى فــن‬ ‫صــدرت عــن مولــعني بهــذا الفــن وباحــثني فيــه‪ ،‬يف حــق العديــد مــن شــيوخ نظمــه‬
‫امللحــون واكتنــاز حقولــه‪ ،‬وقيمتــه اجلليــة‪ ،‬وأهليتــه البينــة يف محــاورة العديــد‬ ‫وــشعرهم‪ ،‬باعتبارــها ــمرآة ــمن مراــيا فنيــته والوــعي الفــني عــند أصحاــبه‪.‬‬
‫مــن الفنــون واألجنــاس األدبيــة األخــرى‪ ،‬جعــل الباحــث عبــاس اجلــراري يؤكــد‬ ‫كمــا أن حتــرك الباحــثني لبــذل مزيــد مــن اجلهــد يف استكشــاف خبايــاه‬
‫يف مســتهل كتابــه "القصيــدة" علــى أنــه (الباحــث اجلــراري) ال يزعــم أنــه قــال‬ ‫وكشــفها‪ .‬لعــل هــذا مــا يؤكــده قــول أحمــد ســهوم يف حــق التهامــي املدغــري‬
‫جميــع مــا ميكــن قولــه يف املوضــوع وال أنــه أتــى بالقــول الفصــل فيــه‪ ،‬ممــا يجعــل‬ ‫‪":‬ولعــل شــهرة املدغــري يف الزجــل… لــم يدركهــا غيــره حيــث كان يعتبــر شــاعر‬
‫فــن امللحــون حــقال مشــرعا أمــام البحــث والدراســة‪.‬‬ ‫املــرأة واخلمــر األول… يف كل فتــرات الزجــل‪ ،‬ويعتبــر بالتالــي أكثــر الشــعراء‬
‫اإلحـــــــــــاالت‬ ‫قبــوال لــدى اجلماهيــر"(‪.)3‬‬
‫(‪)1‬الفاســي(محمد) معلمــة امللحــون لتراجــم شــعراء امللحــون‪ ،‬ط‪ ،1‬منشــورات أكادمييــة اململكــة‪ ،‬الربــاط‪،‬‬ ‫وقــول عبــاس اجلــراري يف حــق احلاج ادريــس بــن علــي الســناني حلنــش‪:‬‬
‫‪ ،1992‬ص‪)2( 53 :‬اجلراري(عبــاس) القصيــدة‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبــة الطالــب‪ ،‬الربــاط‪ ،1970 ،‬ص‪121 :‬‬ ‫"أكبــر شــعراء الزجــل بعــد التهامــي املدغــري‪ ،‬كان ينظــم يف كل املوضوعــات‬
‫(‪)3‬سهوم(أحمد) امللحون املغربي‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات شؤون جماعية‪ ،‬الرابط‪ ،1993 ،‬ص‪73 :‬‬ ‫فيجيــد"(‪.)4‬‬
‫(‪ )4‬اجلراري(عباس) القصيدة(مرجع سابق)‪ ،‬ص‪163 :‬‬ ‫لهــذا‪ ،‬تعــددت يف هــذا الســياق مجموعــة مــن اآلراء واألحــكام يف حــق الشــعر‬

‫‪85‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫عبد الوهاب صالح العريض‬
‫كاتب واعالمي‪ ،‬صدر له مجموعتان شعريتان‬
‫‪aloraid@gmail.com‬‬

‫إطاللة‬

‫باسم فرات‬
‫شاعر يجوب العامل بكامريا فوتوغرافية‬
‫• كنت مستمت ًًعا وأنا أدّوّ ن رحالتي ومغامراتي يف أعماق األمازون وجبال اإلنديز‪.‬‬
‫• الفوز كان داف ًًعا ألن أجنز بقية رحالتي يف اإلكوادور والبيرو وكولومبيا‪.‬‬
‫• شغفي باألطراف والهوامش منحني فرصة أن أرى مناطق مختلفة‪.‬‬
‫• الغربة جعلتني أرتقي بوعيي‪.‬‬
‫• كل خطاب ال بّدّ من وجود خطاب يعاكسه‪.‬‬
‫• اللغة العربية أوسع اللغات وأدّقّ ها وأعالمها أكثر عد ًًدا وأقدم‪.‬‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪86‬‬
‫الفكــرة وقناعتــي‪ ،‬لســببني األول خــويف‬
‫أن تأخذنــي الكتابــة مــن الشــعر‪ ،‬واآلخــر‬
‫ألن نظــام احلكــم يف جمهوريــة الوس‬
‫الدميقراطيــة هــو نظــام احلــزب الواحــد‬
‫حيــث يحكــم الشــيوعيون منــذ ســنة‬
‫‪ 1975‬ميالديــة‪ ،‬ولكــن بعــد االنتقــال‬
‫إلــى أمريــكا اجلنوبيــة واإلقامــة يف‬
‫اإلكــوادور‪ ،‬بــدأت أدّوّ ن رحالتــي‪ ،‬وكان‬
‫الصــدى طي ًًبــا‪ ،‬وألنــي أجهــل التعامــل‬
‫جيــًدًا مــع احلاســوب وعواملــه‪ ،‬فكنــت‬
‫أذهــب إلــى مقاهــي "اإلنترنــت" واســتخدم‬
‫الطريقــة الســهلة‪ ،‬وهــي الكتابــة مباشــرة‬
‫علــى صفحــة حســابي يف موقــع التواجــه‬
‫"الفيســبوك"‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن التفاعــل‬
‫كنــُت أضــع يف‬
‫ُ‬ ‫والصــدى الطيــب فقــد‬
‫باســم فــرات‪ ،‬مواليــد العــراق ‪1967‬م‪ ،‬بــدأ رحلــة الترحــال خــارج‬
‫احلســبان أنــه موقــع اجتماعــي فيــه احملبــة التــي تقــود إلــى اجملامالت‬
‫العــراق عــام ‪92‬م واســتقر بــه املقــام عــام ‪1993‬م‪ ،‬لكنــه لــم يلبــث‬
‫وحتتــل املشــهد‪.‬‬ ‫اإلقامــة بهــا طـ ً‬
‫ـويًال فبــدأ هجرتــه لــدول العالــم فــزار مــا يقــارب ‪35‬‬
‫لكننــي كنــت مســتمت ًًعا وأنــا أدّوّ ن رحالتــي ومغامراتــي يف أعمــاق‬
‫دولــة‪ ،‬قــدم مــن خاللهــا مــا يقــارب ‪ 7‬كتــب يف أدب الــرحالت‪ ،‬إضافــة‬
‫األمــازون وجبــال اإلنديــز‪ ،‬حتــى جاءنــي يف أحــد األيــام الشــاعر‬
‫للعــدد الكبيــر مــن دواوينــه الشــعرية‪ ،‬التــي صــدرت بعــدة لغــات منهــا‬
‫نــوري اجلــراح علــى "اخلاص" وطلــب منــي أن أشــترك يف مســابقة‬
‫العربيــة والفرنســية واإلســبانية‪ ،‬كمــا حصــل علــى عــدد مــن اجلوائــز‬
‫"ابــن بطوطــة" ألدب الــرحالت‪ ،‬فأخبرتــه أننــي لــم أجمــع مــا نشــرت‪،‬‬
‫يف أدب الــرحالت أهمهــا جائــزة الســلطان قابــوس للثقافــة والفنــون‬
‫فأعطانــي مهلــة أســبوعني‪ ،‬وفــعاًلا جمعــت مــا نشــرته علــى مــدى شــهور‬
‫واآلداب يف عــام ‪.2019‬‬
‫طويلــة وحــررت املادة وأضفــت‪ ،‬حتــى أصبــح كتا�بـًا يزيــد علــى ثالثني‬
‫يرتكــز مشــروع باســم فــرات الشــعري علــى ثالثــة أســس (املوهبــة‪ ،‬ســعة‬
‫ألــف كلمــة قلــياًلا ‪ ،‬وأرســلته وبعــد مضــي شــهرين تقري ًًبــا أخبرنــي‬
‫االطالع املعــريف والتجربــة)‪ ،‬لــذا جنــد بــأن جتربــة فــرات الشــعرية‬
‫الصديــق الناقــد والقــاص "عدنــان حــسني أحمــد" بأنــه قــرأ خبــر‬
‫مليئــة باللغــة واملســتند املعــريف‪ ،‬كمــا أن رؤيــة الصــورة الشــعرية لديــه‬
‫فــوزي بجائــزة ابــن بطوطــة يف وســائل اإلعالم‪ ،‬وكنــت حينهــا أجتــول يف‬
‫قريبــة أشــبه باللقطــة الفوتوغرافيــة‪ ،‬حيــث إنــه مصـّوّ ر محتــرف كذلــك‪.‬‬
‫"إســكوتلندة" يف رحلــة استكشــافية إذا صــح التعبيــر‪.‬‬
‫باســم فــرات‪ ،‬شــاعر متعــدد املواهــب‪ ،‬ومنحتــه الغربــة فرصــة للتأمــل‬
‫وهــذا الفــوز كان داف ًًعــا ألن أجنــز بقيــة رحالتــي يف اإلكــوادور والبيــرو‬
‫والكتابــة وزيــادة املعرفــة وحولتــه إلــى باحــث يف غيــر متخصــص‪ ،‬وقــد‬
‫وكولومبيــا التــي لــم يتضمنهــا الكتــاب األول أي الفائــز بجائــزة ابــن‬
‫كان لنــا معــه هــذا احلــوار الــذي بدأنــا مــن خالل أدب الــرحالت‪،‬‬
‫بطوطــة ألدب الــرحالت وهــو "مســافر مقيــم‪ ..‬عامــان يف أعمــاق‬
‫وتبحرنــا معــه يف الشــعر ولغــة اخلطــاب األدبــي العربــي خالل القــرن‬
‫اإلكــوادور" فــكان كتابــي الثانــي بعنــوان‪" :‬احللــم البوليفــاري‪ ..‬رحلــة‬
‫الواحــد والعشــرين‪.‬‬
‫كولومبيــا الكبــرى"‪ ،‬وقدمتــه ملســابقة ناجــي جــواد الســاعاتي ألدب‬
‫الــرحالت‪ ،‬يف بغــداد وفــزت باجلائــزة األولــى (دورة ‪2015‬م)‪ ،‬وهــذا‬
‫كيف بدأت فكرة كتابة أدب الرحالت؟ وما اجملموعة التي قدمتها؟‬
‫الفــوز كان داف�ع ـًا آخــر يف املضــي يف مشــروع تدويــن يوميــات رحالتــي‪،‬‬
‫يف البــدء‪ ،‬كان هنــاك ََمــن يلــّحّ علــّيّ علــى تدويــن جتربتــي ال ســيما‬
‫فأصــدرت كتابــي الثالــث وهــو عــن جتربــة تقدميــي ِِلّلّجــوء يف ََعّمّ ــان‬
‫يف "هيروشــيما" ومــن ثــم حني انتقلــت إلــى جنــوب شــرق آســيا يف‬
‫للمفوضــية الــسامية لــشؤون الالــجئني‪ ،‬ووصوــلي إــلى زي اجلدــيدة‬
‫جمهوريــة الوس الدميقراطيــة‪ ،‬ولكننــي لــم أفعــل حتــى بعــد نضــوج‬

‫‪87‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫املذهــل‪ ،‬ولكــن اللغــة اإلســبانية محــت عشــرات اللغــات‪ ،‬ويف الوقــت نفســه هــي‬
‫اللغــة املعياريــة يف أغلــب البلــدان‪ ،‬أمــا إفريقيــة فلهــا خصوصيــة تســتحق التوغــل‬
‫يف تنوعهــا التضاريس ـّيّ والثقــاّيفّ ‪ ،‬وتتميــز بــأن أغلــب ســكانها مييلــون للــسالم‬
‫وحــب الرقــص واملوســيقى‪ ،‬وهــم يلتقــون مــع ســكان أمريــكا اجلنوبيــة‪ ،‬لكــن يف‬
‫أمريــكا اجلنوبيــة األمــان ليــس متوف ـ ًًرا مثلمــا عليــه احلال يف إفريقيــة‪.‬‬
‫شــغفي باألطــراف والهوامــش‪ ،‬منحنــي فرصــة أن أرى مناطــق بعضهــا نــاد ًًرا‬
‫مــا يتوغــل فيــه الســائحون‪ ،‬ال ســيما العــرب والشــرقيني‪ ،‬مــن صعــود جبــال‬
‫وعــرة والتوغــل يف أعمــاق الغابــات‪ ،‬وزيــارة مناطــق هامشــية‪ ،‬حتــى تعرضــت‬
‫للتســمم عــدة مــرات‪ ،‬وكذلــك للســطو‪ ،‬فــضاًلا عــن تعــرض جســدي لتغيــرات‬
‫نتيجــة االنتقــال بني مناطــق مختلفــة االرتفــاع والطقــس‪ ،‬وميكــن الرجــوع إلــى‬
‫تفاصيــل فصــل "متاهــة األمــازون" و "رحلــة الشــعور بالـموت‪ ..‬املبيــت يف غواغــوا‬
‫بيتشينتشــا"‪ ،‬فــضاًلا عــن أحــداث كثيــرة حتفــل بهــا كتبــي الســبعة يف أدب‬
‫الــرحالت‪.‬‬
‫أهمية اجلوائز للكاتب‬
‫حصلتم على ثالث جوائز عن كتب أدب الرحالت؟ ماذا تعني اجلوائز للكاتب؟‬
‫أهــم مــا مييــز اجلوائــز أنهــا تقلــل مــن اخلســارات املاليــة التــي يتعــّرّ ض لهــا‬
‫"نيوزيلنــدا" ورحالتــي يف أغلــب مدنهــا وبلداتهــا وأريافهــا‪ ،‬بينمــا كان كتابــي‬
‫الشــاعر والكاتــب‪ ،‬وأنهــا تلقــي الضــوء علــى جتربتــه‪ ،‬ليلتفــت إليــه النقــاد‬
‫الرابــع عــن جتربتــي يف جنــوب شــرق آســيا وعنونتــه بـــ "طــواف بــوذا" ثــم كان‬
‫والقــراء‪ ،‬ال ســيما حني تكــون اجلوائــز لهــا ســمعة كبيــرة أو أن القائــمني عليهــا‬
‫كتابــي اخلامــس عــن روانــدا وأوغنــدا بعنــوان‪" :‬لؤلــؤة واحــدة وألــف تــل"‪ ،‬وهــذه‬
‫ميلكــون مهــارات إعالميــة لتســليط الضــوء علــى الفائزيــن بهــا‪ ،‬وللجوائــز منفعــة‬
‫الكتــب اخلمســة مجتمعــة فــزت بهــا بجائــزة الســلطان قابــوس للثقافــة والفنــون‬
‫ثالثــة وهــي اجتماعيــة‪ ،‬فأنــت ال تســتطيع أن تقــف بوجــه شــاعر أو كاتــب أو فنــان‬
‫واآلداب يف عــام ‪ 2019‬ميالديــة‪ ،‬ألن مــن شــروط اجلائــزة أن يكــون عــدد الكتــب‬
‫لتقــول لــه كال ًًمــا إلغائ ًيًّيـًا أو أن تســتخف بــه كثيـ ًًرا أعنــي حـّدّ املبالغــة‪ ،‬فاجلوائــز‬
‫ال يقـّلّ عــن خمســة كتــب‪ ،‬مــع تقــدمي رؤيــة ألدب الــرحالت ال يزيــد علــى ‪1300‬‬
‫جتعــل اآلخريــن إن لــم ينظــروا بــعني اإلعجــاب والتقديــر حلاملهــا فهــم علــى‬
‫كلــمة‪.‬‬
‫األقــل يخففــوا مــن وطــأة الطعــن واإللغــاء واإلقصــاء عنــد املنافــسني الغيوريــن‬
‫والســبب معــروف وهــو أن ََمــن نشــر خمســة كتــب يف مجــال مــا ولديــه رؤيــة‬
‫واحلاســدين‪ ،‬وهــي مــن أمــراض الوســط الثقــايف التــي ال ميكــن نكرانهــا‪ ،‬لكنــي‬
‫يســطرها علــى الــورق‪ ،‬فهــو صاحــب مشــروع وليــس طار�ئـًا علــى اجملال الــذي‬
‫مــن أش ـّدّ املؤمــنني بــأن أهــم قيمــة للجائــزة حني ُتُس ـّلّط الضــوء النقــدي علــى‬
‫سيشــترك فيــه يف املســابقة‪.‬‬
‫نتــاج الفائــز‪ ،‬فيتنــاول جتربتــه اإلبداعيــة عديــد النّقّ ــاد املهــمني وعشــرات ال ُُكتــاب‬
‫والباحــثني‪ ،‬بــل إنــي أرى أن الفائــز بعــدة جوائــز عليــه أال يشـّطّ بتباهيــه وتبختــره‬
‫خصوصية أدب الرحالت‬
‫هل لك أن تطلعنا على تفاصيل بعض الرحالت املثيرة يف تلك املرحلة؟‬
‫‪ -‬وهــي مــن عيــوب غالبيــة احلاصديــن للجوائــز مــع األســف ‪ -‬إ ًًذا ال تقابــل هــذه‬
‫لــكل بلــد خصوصيتــه‪ ،‬فاليابــان هــو أحــد النمــاذج التــي تريــك أن املركزيــة‬
‫اجلواــئز عــشرات املــقاالت والدراــسات‪.‬‬
‫الثقافيــة ضروريــة مــن أجــل خلــق ُُهويــة ثقافيــة وســردية تاريخيــة واحــدة يؤمــن‬
‫إذ تــزداد أهميــة اجلائــزة كلمــا ازدادت املقــاالت والدراســات عــن منجــز حاملهــا‪،‬‬
‫بهــا الشــعب ليتماســك‪ ،‬وتكــون لــه داف ًًعــا لإلجنــاز والنجــاح والتطــور‪ ،‬وهــذه‬
‫هــل أقــول والعكــس صحيــح؟‬
‫النقطــة لــم ينتبــه لهــا ََمــن كتبــوا عــن اليابــان‪ ،‬فاليابــان فيــه لهجــات �تـَكاد جتــد‬
‫باسم املصور‬
‫صعوبــة بالغــة جــًّد�ًا بفهمهــا فهــي تقتــرب مــن اللغــات املنفصلــة‪ ،‬ويف التلفــاز‬
‫نــادر ًًا مــا جنــد شــاعر ًًا ومصــور ًًا فوتوغرافي ـ ًًا‪ ،‬كيــف بــدأت معــك فكــرة التصويــر‬
‫اليابانــي يضعــون ترجمــة حني اللقــاء بأشــخاص مــن بعــض املناطــق‪ ،‬لكــن عمــوم‬
‫الفوتوغــرايف‪ ،‬وهــل اســتفدت منهــا يف جتربــة الكتابــة؟‬
‫اليابانــيني يتعلمــون اللغــة اليابانيــة املعياريــة يف جميــع مراحــل الدراســة‪.‬‬
‫أتيــت للشــعر مبك ـ ًًرا ج ـًّد�ًا‪ ،‬لكــن التصويــر دخلتــه للعمــل يف محــل تصويــر لــزوج‬
‫يف جنــوب شــرق آســيا‪ ،‬التنــوع املذهــل يف اللغــات والعقائــد‪ ،‬وهــذه اجملموعــات‬
‫خالتــي‪ ،‬وأنــا يف عمــر السادســة عشــرة‪ ،‬وأحببتــه حني أنقذنــي مــن عنــف وقســوة‬
‫اللغويــة غالبيتهــا تتــوزع علــى خمســة وســتة أوطــان‪ ،‬وال أحــد يذكــر مصطلــح "حق‬
‫العســكرية العراقيــة وويالت احلــروب‪ ،‬وكان عملــي الــذي أعيــل بــه نفســي يف‬
‫تقريــر املصيــر"‪ ،‬واألمــر نفســه نــراه يف أمريــكا اجلنوبيــة حيــث التنــوع اللغــوي‬
‫املنــايف‪ ،‬إن كان يف األردن أو يف (نيوزيلنــدا)‪ ،‬ثــم وجــدت هــذا العمــل يتحــول‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪88‬‬
‫الغربة واملكاسب األدبية‬ ‫إلــى هوايــة تنمــو معــي‪ ،‬وأمــا مــا يخــص االســتفادة فهــذا مــا ذكــره النّقّ ــاد مثــل‬
‫منــذ عــام ‪ 93‬وأنــت يف حالــة اغتــراب وابتعــاد عــن الوطــن؟ مــاذا أضافــت لــك‬ ‫الشــاعرة والناقــدة النيوزيلنديــة روبــن فــراي‪ ،‬والناقــد العراقــي عدنــان حــسني‬
‫ومــاذا أخــذت منــك تلــك الغربــة؟‬ ‫أحمــد‪.‬‬
‫أضافــت لــي االطالع علــى ثقافــات عديــدة‪ ،‬واحتــكاك عميــق بعشــرات‬ ‫أخلصت للشعر‬
‫اجملتمعــات واجملموعــات اللغويــة والدينيــة‪ ،‬بــل إن هــذا التوغــل يف مناطــق‬ ‫أين يجد باسم نفسه (باسم املصور احملترف‪ /‬كاتب أدب الرحالت‪ /‬الشاعر)‪.‬‬
‫ثقافيــة وجغرافيــة مختلفــة‪ ،‬منحنــي معرفــة أكبــر بحقيقــة التنــوع اللغــوي‬ ‫الشــاعر يســبق اجلميــع‪ ،‬قر ًًبــا روحًّي�ًــا‪ ،‬وزمنًّي�ًــا‪ ،‬يكفــي أن أقــول إننــي ذهبــت‬
‫والدينــي يف العــراق واملنطقــة‪ ،‬واســتطعت القبــض علــى جماليــة هــذا التنــوع‪،‬‬ ‫إلــى ابــن عمتــي وكنــت يف العاشــرة مــن عمــري تقري�بـًا‪ ،‬يف الرابــع االبتدائــي‪،‬‬
‫وفــرز القبيــح عنــه مثــل تضخــم الســرديات واجتــراح تاريــخ عريــق متوهــم‪،‬‬ ‫وقلــت لــه بــكل ثقــة وكأننــي أعلــم علــم اليــقني مــاذا أريــد‪ ،‬قلــت لــه‪" :‬أريــد‬
‫وطريقــة كتابــة التاريــخ ليــس كمــا هــو بــل كمــا يتوهمــون ويتمنــون‪ ،‬وباختصــار‬ ‫أن أصبــح شــاع ًًرا"‪ ،‬وأخلصــت للشــعر‪ ،‬بــل جعلــت التصويــر وقراءتــي وشــغفي‬
‫أال وجــود جملموعــة لغويــة لهــا تاريــخ عمــره ميتــد لثالثــة آالف ســنة ســبقت‬ ‫بالتاريــخ والثقافــات األخــرى واكتشــاف األمكنــة‪ ،‬واإلنصــات للتنــوع الثقــايف‬
‫احلــرب العامليــة األولــى‪ ،‬وأن يف بلــدان الكتابــة والتدويــن الضخــم مثــل العــراق‬ ‫والبيئــي ُأ ُ ً‬
‫سًســا لتمــتني جتربتــي الشــعرية وخروجهــا عــن املألــوف‪ ،‬أي تكريــس‬
‫(مكتبــة مــن مكتبــات وادي دجلــة يف العــراق ســرقها املغــول وحتــوي ‪ 400‬ألــف‬ ‫اخلصوصيــة والتفــرد يف مشــروعي الشــعرّيّ ‪ ،‬وهــو مــا جعــل أكثــر مــن‬
‫كتــاب بالعربيــة) وبالد الشــام‪ََ ،‬مــن ال ميلــك وجــو ًًدا ثقاف ًيًّيـًا تدوين ًيًّيـًا لــه فهــو ال‬ ‫ِمِ َئَ�تـَي ناقــد وشــاعر وأديــب وباحــث تناولــوا أو أثنــوا علــى جتربتــي الشــعرية‬
‫ميــلك وــجو ًًدا ــسكانًّي�ًا واضًحـ ـًا يف مدــنه قــبل الَقــَرن العــشرين‪.‬‬ ‫املتواضعــة‪ ،‬ويف الوقــت نفســه نفــور الغالبيــة مــن القانــعني بالشــفاهية وأعنــي‬
‫أمــا مــاذا أخــذت منــي الغربــة‪ ،‬فحت ًًمــا حني ترتقــي بوعيــك وتنكشــف لــك‬ ‫بهــا مــا ألفتــه مســامعهم لكثــرة تــرداده‪ ،‬عــن ت ـذّوّ ق نصوصــي‪.‬‬
‫عوالــم البوذيــة واملاوريني ‪ -‬ســكان زي اجلديــدة األقــدم ‪ -‬واحليــاة اليابانيــة‬
‫حقائــق كثيــر مــن النــاس الذيــن كنــت حتســبهم يف قمــة الوطنيــة والنزاهــة وإذا‬
‫بعمقهــا وعوالــم جنــوب شــرق آســيا وأمريــكا اجلنوبيــة‪ ،‬األمــازون وسلســلة‬
‫بهــم خونــة‪ ،‬وأن ليــس كل ََمــن ثــار علــى األنظمــة املتعاقبــة علــى حكــم العــراق‬
‫جبــال األنديــز‪ ،‬برؤيتــي ال برؤيــة ســواي‪ ،‬ممــا رســمته لنــا كلمــات املستشــرقني‬
‫كانــت بدافــع الوطنيــة والّرّ قــي بالبلــد‪ ،‬إمنــا لدوافــع خيانيــة خبيثــة مدمــرة‬
‫وال ُُكّتّــاب والروائــيني‪ ،‬وهــذه العوالــم واملعــاجلات الفنيــة الشــعرية لهــا‪ ،‬أّدّ ت‬
‫تدميــر الــبالد والعبــاد‪ ،‬هنــا تصبــح تعيــش وض ًًعــا نفس ـًّي�ًا صع�بـًا‪ ،‬ف ـضاًلا عــن‬
‫لفريــقني مــن التلّقّ ــي‪ ،‬فريــق أثنــى عليهــا كثيـ ًًرا وتعامــل معهــا بوصفهــا متفــردة‪،‬‬
‫تالشــي كثيــر مــن اجلزئ�يـّات مــن خزيــن الذاكــرة‪ ،‬بــل احلرمــان مــن دفء الوطــن‬ ‫وهــؤالء مــن ُُحســن حّظّ ــي مــن أهــّمّ نّقّــاد وشــعراء العــراق والثقافــة العربيــة‬
‫واألهــل وخصوصيــة ثقافتــك‪ ،‬ومــن الـمكان األول واألصدقــاء‪ ،‬هنــاك شــرخ كبيــر‬ ‫صَكــر وفاضــل ثامــر وغيرهمــا‪ ،‬وفريــق وجــد فيهــا‬ ‫يتقدمهــم الناقــد حــامت ال َ‬
‫مــا بني بدايــة شــبابي ونضوجــي‪ ،‬حوالــي عشــرين ســنة ابتعــدت عــن العــراق‬ ‫مجــرد قصائــد ســياحية‪ ،‬وأننــي ابتعــدت عــن همــوم وطنــي ومآســيه‪ ،‬ومتاهيــت‬
‫وحني عــدت أول مــرة هالنــي التغييــر‪ ،‬أصبحــت أســي ًًرا يف مدينتــي بســبب هــذا‬ ‫مــع ثقافــات ال متــت بصلــة لــي‪ ،‬وكال الفريــقني أقـّدّ ر رأيهمــا‪ ،‬وســأمضي شــاع ًًرا‬
‫أبحــث عــن جوهــر الشــعر وجمــره الــذي ال يشــبه ســواي‪.‬‬
‫التغيــير اــلذي كان قاــ ًسًيا مــعي‪.‬‬

‫‪89‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫خلف أحمد أبو زيد‬
‫‪KHalafahmed18@gmail.com‬‬

‫جماليات فنية‬

‫اإلبــــــــرو‬
‫إبداع فني عىل صفحة املاء‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪90‬‬
‫األلــوان علــى الســطح باجتاهــات معينــة‪ ،‬قبــل أن يؤتــى بورقــة توضــع علــى ســطح املاء‬ ‫اإلبــرو واحــد مــن أغــرب أنــواع الفنــون وأكثرهــا متيــزًاً‪ ،‬فهــو فــن يعــرض علينــا جماليــات‬
‫ـواٍن‪ ،‬ثــم ترفــع لتجــد أن األلــوان قــد التصقــت بســطح الورقــة‪ ،‬ثــم تــرش‬
‫بعنايــة لبضــع ثـ ٍ‬ ‫مثيــرة لعالــم دقيــق لــدى الشــغوفني والباحــثني عــن اجلمــال‪ ،‬بخلــق عالــم مرئــي جديــد‬
‫الورقــة بــاملاء البــارد وتتــرك جانبـ ًًا لتجــف‪ ،‬وبذلــك تتشــّكّ ل منــاذج جديــدة وفريــدة بألــوان‬ ‫ملــيء بالقيــم اجلماليــة والتشــكيلية‪ ،‬التــي حتمــل يف طياتهــا عبــق التــراث التركــي‬
‫كثــيرة ومعــبرة‪.‬‬ ‫اإلسالمــي‪ ،‬فهــو علــى حــد تعبيــر أحــد الباحــثني يف هــذا الفــن "ابتــكار ينـ ّـّم عــن أصالــة‪،‬‬
‫ملسات جمالية وإبداعية‪:‬ـ‬ ‫وأصالــة تنــم عــن عبقريــة‪ ،‬وعبقريــة تكشــف عــن عظمــة الفنــان وجدتــه" (‪ ،)1‬بعــدم تكــرار‬
‫يقــوم فنانــي اإلبــرو‪ ،‬بنقــش لوحــات فنيــة غايــة يف اجلمــال والروعــة‪ ،‬مســتغلني‬ ‫وتقلــيد مناذــجه‪.‬‬
‫االنســيابية والتمــازج واملرونــة التــي يحققهــا املاء ألي فنــان‪ ،‬وهــي تقنيــة فريــدة تختلــف‬ ‫فن له تاريخ‪ :‬ـ‬
‫عــن جميــع تقنيــات الرســم التقليديــة‪ ،‬ويــرى الكثيــر مــن مبدعــي هــذا الفــن بأنــه‪" ،‬نتــاج‬ ‫وفــن اإلبــرو ليــس حديــث العهــد بــل جــذوره ضاربــة يف التاريــخ‪ ،‬فهنــاك مــن يرجــع موطنــه‬
‫عقلــي جديــد ومفيــد وأصيــل‪ ،‬ومقبــول اجتماعيـ ًًا ويحــل مشــكلة مــا منطقيـ ًًا‪ ،‬وهــو حالــة‬ ‫األصلــي إلــى مدينتــي بخــاري وســمرقند‪ ،‬وانتقــل مــن آســيا الوســطى إليــران‪ ،‬ثــم جــاء‬
‫عقليــة بشــرية تنمــو إليجــاد أفــكار وطــرق ووســائل غايــة يف اجلــدة والتفــرد‪ ،‬بحيــث تشــّكّ ل‬ ‫لألناضــول عبــر حركــة التجــارة النشــطة علــى طريــق احلريــر‪ ،‬وبــرز يف عصــر السالجقــة‬
‫إضافــة حقيقيــة جملمــوع النتــاج اإلنســاني‪ ،‬كمــا تكــون ذات فائــدة حقيقيــة علــى أرض‬ ‫ويف العصــر العثمانــي‪ ،‬حيــث اســتخدم األتــراك فــن اإلبــرو يف البدايــة "يف تــزيني اإلطــار‬
‫الواقــع‪ ،‬إذا كان املوضــوع يرتبــط مبوضــوع تطبيقــي‪ ،‬أو أن يشــّكّ ل تعبيــر ًًا جديــد ًًا وأســلوب ًًا‬ ‫اخلارجــي للمخطوطــات‪ ،‬ويف تــزيني أوراق الكتابــة‪ ،‬ويف جتميــل األغلفــة الداخليــة‬
‫جديــد ًًا عــن حالــة فنيــة أو اجتماعيــة أو أدبيــة" (‪ ،)4‬ومــن هنــا فــإن فنــان اإلبــرو‪ ،‬يحتــاج‬ ‫لتجليــد الكتــب‪ ،‬وبعدهــا اســتخدم يف تــزيني لوحــات اخلطــوط العربيــة‪ ،‬ثــم اســتخدم‬
‫إلــى مهــارات نفســية وثقافيــة وحضاريــة قبــل املهــارات الفنيــة‪ ،‬كمــا يتطلــب أن يتحلــى‬ ‫يف شــكله املعاصــر يف تأريــخ جماليــات الفنــون التركيــة إلبــراز معالــم املعمــار التاريخــي‬
‫بالصبــر والتأنــي ودرايــة متواصلــة‪ ،‬وتشــهد اآلن رســومات اإلبــرو مرحلــة تطوريــة لــم‬ ‫التركــي" (‪ ،)2‬وبــرز فيــه يف العصــر العثمانــي العديــد مــن الفنــانني‪ ،‬الذيــن وصلــوا‬
‫يســبق لهــا مثيــل‪ ،‬مــن حيــث إضفــاء ملســة جماليــة علــى الشــكل واملعنــى‪ ،‬عــن طريــق إجنــاز‬ ‫بهــذا الفــن إلــى أعلــى درجــات اإلبــداع نذكــر منهــم‪ ،‬محمــد أفنــدي خطيــب مســجد آيــا‬
‫أعمــال فنيــة تعتمــد علــى عناصــر التجريــد والتنميــق والتنويــع‪ ،‬األمــر الــذي ينتــج لنــا‬ ‫صوفيــا‪ ،‬والشــيخ صــادق أفنــدي‪ ،‬وإبراهيــم أدهــم أفنــدي‪ ،‬وســامي جنــم الديــن أوقــاي‪،‬‬
‫يف النهاــية رؤــية فنــية تأملــية تــساعدنا عــلى إدراك جــمال الوــجود واــلذات اإلنــسانية‪.‬‬ ‫واخلطــاط‪ ،‬عزيــز أفنــدي وغيرهــم‪ ،‬ثــم انتشــر هــذا الفــن يف باقــي بلــدان العالــم خصوصـ ًًا‬
‫اإلبرو والعلوم اخملتلفة‪ :‬ـ‬ ‫يف أوروبــا الغربيــة‪" ،‬حيــث أخــذت رســوم اإلبــرو يف القــرن الســادس عشــر مكانــة مرموقــة‬
‫ونظــر ًًا ألهميــة فــن اإلبــرو يف احليــاة املعاصــرة‪ ،‬فقــد اهتمــت بلمســاته اجلماليــة العديــد‬ ‫بني األمتعــة الثمينــة يف الغــرب‪ ،‬بعــد قيــام الســياح األجانــب بــرحالت إلــى األراضــي‬
‫مــن العلــوم املعاصــرة‪ ،‬مســتفيدة مــن تكويناتــه واالنســيابية التــي يتم ّّيــز بهــا يف تفســير‬ ‫العثمانيــة‪ ،‬والتــي بلغــت آنــذاك أوج ازدهارهــا يف الفــن والثقافــة‪ ،‬وســرعان مــا حتــول هــذا‬
‫العديــد مــن الظواهــر العلميــة والكونيــة اخملتلفــة‪ ،‬ومــن هــذه العلــوم‪ ،‬علــوم الفضــاء‬ ‫الفــن عنــد األوروبــيني يف القــرن الثامــن عشــر إلــى موضــة ال يســتغني عنهــا‪ ،‬وطبعــت‬
‫حيــث قامــت مجموعــة مــن العلمــاء باســتخدام الرســم علــى املاء‪ ،‬عــن طريــق الرســم علــى‬ ‫رســومات اإلبــرو علــى معظــم مجلــدات الكتــب األوروبيــة" (‪ ،)3‬ثــم أفــل جنــم هــذا الفــن‬
‫كــرات املاء "فــن اإلبــرو"‪ ،‬واســتخدم هــؤالء اخلبــراء بعــض أنــواع "احلبــر اليابانــي" مــن‬ ‫لبعــض الوقــت‪ ،‬ليعــاود انتشــاره مــن جديــد يف نهايــات القــرن العشــرين‪ ،‬ويأخــذ هويــة‬
‫أجــل هــذا الغــرض‪ ،‬وتوصلــت الدراســة إلــى خلــق العديــد مــن األشــكال املتداخلــة‪ ،‬التــي‬ ‫ذاتــية ويــشّكّ ل ــمرآة ثقافــية نابــعة ــمن جوــهر الفــنون اإلسالمــية‪.‬‬
‫تهــدف إلــى خلــق عالــم مرئــي جديــد‪ ،‬عــن طريــق طغيــان بعــض الصبغــات أو األحبــار‬ ‫معنى اإلبرو‪:‬ـ‬
‫أيًضــا يف علــوم الفيزيــاء‬
‫علــى ســطح املاء واإلفــادة مــن ذلــك يف علــوم الفضــاء‪ ،‬ويســتخدم ً‬ ‫لكلمــة اإلبــرو معانــي عديــدة‪ ،‬اختلفــت باخــتالف البلــدان التــي أزدهــر بهــا هــذا الفــن‪،‬‬
‫الفلكيــة للربــط بني العلــم والفــن‪ ،‬بنقــل فــن اإلبــرو مــن حيــز الفــن اجملــرد إلــى حيــز‬ ‫فالبعــض يرجــع أصــل كلمــة (إبــرو) مــن إبــر وهــي فارســية‪ ،‬وتعنــي الغيــوم والســحاب‪،‬‬
‫الفيزيــاء‪ ،‬وذلــك عــن طريــق دمــج علــم الفيزيــاء الفلكيــة مــع فــن اإلبــرو‪ ،‬كركيــزة للتفكيــر‬ ‫بينمــا تعنــي كلمــة إبــرو أو إبــري‪ ،‬يف اللغــة التركيــة حاجــب الــعني‪ ،‬حيــث أن الــورق‬
‫يف كيفيــة تكويــن اجملــرات والثقــوب الســوداء وانفجــار النجــوم يف الفضــاء‪ ،‬هــذا إلــى أن‬ ‫امللــون واجملــزع‪ ،‬أو الــورق والقمــاش امللــون بألــوان مختلفــة‪ ،‬بشــكل ممــوج يشــبه حاجــب‬
‫العلــوم النفســية‪ ،‬جعلــت مــن فــن اإلبــرو دواء لألمــراض النفســية‪ ،‬وســيلة إلزالــة القلــق‬ ‫الــعني‪ ،‬كمــا يعــرف يف اللغــة العربيــة بالرســم علــى املاء‪ ،‬أمــا يف أوروبــا فيطلــق عليــه‬
‫واالضطــراب‪ ،‬عــن طريــق صياغــة أشــكال مختلفــة باســتخدام الصبغــات اللونيــة علــى‬ ‫(‪ ،)Marbling Art‬وتعنــي فــن الترخيــم‪ ،‬وهــذا ألن هــذا الفــن ينتــج لوحــات تشــبه‬
‫أســطح مائيــة محضــرة خصصي ـ ًًا لهــذا الغــرض‪ ،‬واســتخداماته يف بعــض أنــواع الــعالج‪،‬‬ ‫أشــكال الرخــام‪ ،‬وتوضــع هــذه اللوحــات كأغلفــة للكتــب أو كخلفيــات للكتابــة باخلطــوط‬
‫ملا ــله ــمن خصاــئص مفــيدة للوــصول إــلى حاــلة االــسترخاء النفــسي‪.‬‬ ‫العربــية‪ ،‬وأحياــ ًنًا تــسمى باــلورق الترــكي أو اــلورق الرخاــمي‪.‬‬
‫الرسم على املاء‪:‬ـ‬
‫الهوامش‪:‬ـ‬ ‫واإلبــرو فــن متميــز‪ ،‬يعنــى بخلــق عالــم مرئــي جديــد‪ ،‬مــن خالل ســدل بعــض الصبغــات‬
‫(‪ )1‬حوار الطبيعة يف الفن التشكيلي‪ ،‬د‪ /‬محمد دسوقي‪ ،‬الناشر مطبعة نصر اإلسالم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.132‬‬ ‫اللونيــة علــى صفحــات املاء‪ ،‬لصياغــة أمنــاط فنيــة غايــة يف اجلمــال والروعــة‪ ،‬ويحتــاج‬
‫(‪ )2‬األبعــاد اجلماليــة لفــن اإلبــرو‪ ،‬د‪ /‬امــل محــروس عبدالغنــي‪ ،‬اجمللــة العلميــة لكليــة التربيــة النوعيــة‪ ،‬العــدد العاشــر‪،‬‬ ‫صانــع اإلبــرو إلــى اختيــار ورق مناســب‪ ،‬وكان اخلطاطــون يف املاضــي يســتخدمون نوع ـ ًًا‬
‫إبريــل ‪.2017‬‬ ‫مــن الــورق يســمى "أجــار"‪ ،‬ويحتــوي علــى خلطــة خاصــة مــن النشــادر وبيــاض البيــض‪،‬‬
‫(‪ )3‬جماليــات الفنــون اإلسالميــة " اإلبــرو فــن الرســم علــى املاء" بيــرول بيجــر‪ ،‬ترجمــة نورالديــن صــواش‪ ،‬ص ‪،118‬‬ ‫حيــث ميتــص هــذا الــورق هــذه املادة ويسـ ّـّهل الكتابــة‪ ،‬ثــم يأتــون بحــوض مــن الزنــك‬
‫الناــشر دار ــبروج بالقاــهرة‪.‬‬ ‫أو اخلشــب مملــوء بــاملادة تضــاف إليــه مــادة عشــبية وجيالتينيــة‪ ،‬ثــم يتــم اســتخدام‬
‫(‪ )4‬أساســيات التثقيــف اجملتمعــي بالفــن التشــكيلي‪ ،‬د‪ /‬ســمية حــسني محمــد خليــل‪ ،‬مكتبــة األجنلــو املصريــة‪ ،‬القاهــرة‬ ‫الصمــغ الــذي يســاعد علــى زيــادة تكثيــف املاء إلــى جانــب املادة اجليالتينيــة‪ ،‬وبعــد هــذه‬
‫ص ‪15‬‬ ‫العمليــة جتهــز الصبغــات يف فنــاجني صغيــرة لإلبــرو‪ ،‬وتطحــن علــى شــكل بــودرة‪ ،‬ثــم‬
‫تفــرغ علــى وجــه احلــوض اململــوء بالســائل‪ ،‬ثــم تســتخدم أداة تشــبه املشــط‪ ،‬لتحريــك‬

‫‪91‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫محمد جبر احلربي‬
‫شاع ـ ـ ــر وكـ ـ ـ ـ ـ ــاتب س ـ ـ ـ ــعودي‬
‫‪mjharbi@hotmail.com‬‬

‫شعر‬

‫ُه ََنا يف ال ِِّرَيَاض‬


‫ُ‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪92‬‬
‫اَحل ـ ـ ََما ْْم‬ ‫وِسـ ـ ـ ْـْر ُُب َ‬ ‫أ ََنــا َ‬
‫والَّص ـ ََب ُاُح ِ‬ ‫اُخل ـ ــزا�م ‬ ‫اِض و ََنـ ْْب ُُت ُ‬ ‫ُُهـَنَا يِفي ال ِِّر ََي ِ‬
‫وَع ـ ـ ـ ــا ََد ْْت ِِإ ََلـ َـَّي‪ِِ ..‬ص ـ ََغ ـ ــا ُُر ا ْْل ََي ََمــا ْْم‬
‫َ‬ ‫تنا ََء ْْت ََمـ ـ ََع الَّن َْْخـ ِـِل ِِفـي ُُم ْْقـل ََت ــ�ي ‬
‫وِسـ َـَّر ال ََق ـ ََو ِاِد ِِم‪ِِ ..‬سـ ْـْح ـ ََر ال ِِّنـ َـَظـا ْْم‬ ‫ِ‬ ‫ََك ِـِسي ََر ًًا ُُأ ََر ِاِقـ ـ ـ ُـُب ِِسـ ـ ـ َـَّر َ‬
‫اَخل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ََوا��ف ‬
‫والَّســال ْْم‬‫وِم ْْن ََها ال ـ ِِّر ََضى َ‬ ‫ـي َع ََل ْْي ََها ِ‬
‫َ‬ ‫ـاُت ََقـ ـ ـ ـ ـْل ِِْب‬‫ـيُر و ََت ْْه ـ ِـِب ُُط ََد ََّق ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ََت ِِط ـ ُ‬
‫و ََت ْْخ ـ ُـُف ُُت ِِحـ ــي ََن ًًا ََف ـ ـ ََي ْْع ُُلو ا ََملـ ـ ََقـ ــا ْْم‬ ‫ََك ْْم ْْع ــُزُ و ََف ِِة ا ُُحْل� ـ ـ ـ ِـِّب إ ْْذ ََت ََتـ ـ ـ ـ ـ ـ ََعا ََلى‬
‫ـاُت ََق ـ ْْب ََل ال ِِّزحَـ َـ ــا ْْم‬ ‫�ن َف ُُه ََّن ال ّّن ـ ِـِجي ََب ـ ُ‬ ‫َ‬ ‫و ََي ْْع ـ ُُلو ََم ََق ـ ـ ـ ِـاِمـ ـ ـ ـ ــي أ ََنـ ــا ََب ْْي ََن ـ ُـُهـ ـ‬
‫ـيُر اْل ِِْت ـ ـ ََف ِاِتي و ََق ـ ْـْطـ ـ ََر ا ْْل ََغ ـ ََما ْْم‬ ‫�ي ُي ِِث ـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وٌء ِِسـ ـ ـ ـ ـ ََوى َخَ ـ ــْفْ ِـِق ِِه َـَّن ا ْْل ََب ِِه‬
‫ُُهـ ُـُد ٌ‬
‫ـيٌض ُُي ََغـ ـ ـ ِـِّطي ُُع ُُي ِوِني َأَ ََذ ِاِكـ ـ ـ ـ ـ ـ ََر ًًة‪ََ ..‬ج ـ ــْفْ ـ ـ ُُنـ ـ ـ ََها ال ََيـ ـ ـ ََنـ ـ ــا ْْم‬ ‫وَغـ ـ ْْي ٌٌم َخَ ِِف ٌ‬ ‫َ‬
‫الَّسـ ــال ْْم‬ ‫ـاَلاِت َ‬
‫�ح َف ِِطـ ـ ْْي ِِري أ ََيا ََحـ ِـاِمـ ِ‬ ‫َ‬ ‫وَشَ ـ ـ ْْي ََئ ًًا ََف ََشـ ـ ْْي ََئ ًًا ََس ََي ْْعـ ـ ـ ُُلو الُّنُ ـ ـ ََوا‬
‫ َو ََك ـ ْـْم أ ْْد ََر ََك ـ ـ ـ ْْتهـ ــا ِِسـ ـ ـ ِـِن ٌٌني ِِع ََظ ـ ـ ــا ْْم‬
‫َ‬ ‫ِِبَأَ ْْر ِِض ال ََي ََم ــا ََم ِـِة وا ْْل ََعـ ـنُين ََت ْْع ََشى‬
‫اَلاْم‬
‫الَّظ ـ ْ‬ ‫أُن ُْْخ ـ ـ ِـِف ـ ــي ََم ََعـ ـ ـ ِـاِر ََفـ ـ ـ ـَنَا ِِب َ‬ ‫َأَ ََز ْْر ََق ــا ََء ِِبْنْـَتَ ال ََيـمـ ــا ََم ِـِة ُُقـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـوِلـ ــ�ي ‬
‫ـاَلاٌل ََو ََذ َ‬
‫اَك ََحـ ـ ـ ـ ـ ـ ََرا ْْم‬ ‫َ‬
‫�ي َف ـ ـ ـ ََه ـ ـَذَا ََح ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫َأَ ِِم ال ـُّنُ و ُُر أبْـَْقَى ََل ـ ـ ـ ََدى ال ََعـ ِـاِر ِِف‬
‫يُد ََو ََع ـ ـ ــا ْْم‬ ‫الَّسـ ـ ََن ْْا َأَ ْْلـ ـ َ‬
‫ـَف ََع ـ ٍـاٍم ََي ـ ِـِز ُ‬ ‫َ‬ ‫ـوِك ِِل ََي ـ ـ ْْبَقَى‬‫ـاُء ََه ــْلْ ََع ـ ـ ـ ـ ــَّذَ بـ ِ‬ ‫َأَ ََز ْْر ََقـ ـ ُ‬
‫�ا َو ََقــا ُُلوا ََل ـ ـَنَا‪ :‬شَــَ ـ َـَج ٌـٌر ََو ْ‬
‫اْس ـ ـ ََتـ ََق ــا ْْم‬ ‫َ‬ ‫ََو ُُكـ ـ ْْن ِِت ََتـ ـ ََر ْْي َـَن الُغُ ـ ـ ـ ـ ـَزَا ََة ِِت ََبـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـاَعـ ـ ـ‬

‫‪93‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫هدى العمر‬
‫سعودية من رائدات الفنون التشكيلية‬
‫‪hodaomar4@hotmail.com‬‬

‫فنون‬

‫فلسفة صندوق باندورا‬


‫كمصدر إلهام للمبدعني‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪94‬‬
‫تفّسر اإلبداع الفني بأن أغلبه مييل إلى النزعة الرومانتيكية‪.‬‬
‫بأنها ّ‬ ‫قدًميــا وبالتحديــد منــذ القــرن اخلامــس عشــر التأثيــر القــوي لنظريــات‬
‫كان ً‬
‫ـخصًيا إال أنــه يقــوم علــى تراكــم خبــرات متوارثــة‪ ،‬وثقافــة‬
‫ً‬ ‫وإن كان ابتــكا ًًرا شـ‬ ‫علمــاء الفالســفة علــى الفنــون‪ ،‬وعلــى رأس دعاتهــا الفيلســوف (أفالطــون)‬
‫عاليــة‪ ،‬واإلملام مبقومــات بنــاء العمليــة اإلبداعيــة‪.‬‬ ‫الــذي يعــد الفــن مصــدر اإللهــام أو الوحــي لعالــم مثالــي‪ ،‬فالفنــان ملهــم يســتمد‬
‫مًعــا موضوعـ ًًا فلســفي ًًا كان لــه دور كبيــر إلثــارة‬
‫ولنقــرب هــذا املفهــوم سنســتعرض ً‬ ‫فنــه اخلالــد مــن ربــات الفنــون‪ ،‬وبهــذا املفهــوم يعــد الفــن مظهــر ًًا مــن مظاهــر‬
‫قدًميــا إلــى يومنــا هــذا إلبــداع أعمــال فنيــة تــروي لنــا بخيــال‬
‫أغلــب الفنــانني ً‬ ‫العبقرــية‪.‬‬
‫الفنــانني قصــة صنــدوق بانــدورا‪ ،‬أو جــرة بانــدورا (‪)Box of pandora‬‬ ‫وال يحمــل رســالة هــذا اإللهــام إال أفــراد قالئــل ذوو حــس مرهــف مشــوب‬
‫فــما ــهي قــصة ــهذا الصــندوق؟‬ ‫بالعاطفــة‪ .‬لــذا فالفنــان ميتــاز عــن عامــة النــاس باإلنصــات إلــى حســه املرهــف‪،‬‬
‫قــد تشــير عبــارة "احــذر مــن اليونانــيني الذيــن يحملــون الهدايــا" إلــى حصــان‬ ‫وإلــى هواجســه الباطنيــة املســتمدة مــن ثقافتــه‪ ،‬واطالعــه ليــس فقــط علــى‬
‫طروادة‪-‬الهيــكل اخلشــبي الــذي ســاعد اليونانــيني علــى التســلل إلــى طــروادة‪،‬‬ ‫محيــطه االجتماــعي‪ ،‬ــبل تأــثره مبـما ــيدور عــلى كوكــبه ــمن تغــيرات‪.‬‬
‫لكــن األســاطير احمليطــة بالهدايــا اخلطيــرة تذهــب إلــى أبعــد مــن ذلــك فنجــد‬ ‫كمــا جنــد الفيلســوف األملانــي (نيتشــه) يقــول‪( :‬إن الفنــان أســير يف يــد قــوة عليــا‬
‫قصائــد (هوميــروس) الشــاعر اليونانــي األســطوري امللحمــي عــن "جــرة بانــدورا"‬ ‫تــسيطر علــيه وتوجــهه إــلى غايتــها)‪.‬‬
‫أو "صنــدوق بانــدورا" التــي ترمــز إلــى أن شــرور العالــم بــدأت مــع فتحــه‪.‬‬ ‫وهنا جند مجمل موقف مدرسة اإللهام من حيث وجهة نظر علماء الفالسفة‪،‬‬

‫‪95‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫ألهــداف غيــر آمنــه علــى البشــر‪ ،‬ومــع ذلــك مبجــرد أن غــاب زوجهــا‪ ،‬خلعــت بانــدورا‬ ‫فصنــدوق بانــدورا هــو قطعــة أثريــة يف األســاطير اليونانيــة مرتبطــة بأســطورة‬
‫غــطاء الصــندوق اــلذي خرــجت مــنه كل مــشاكل العاــلم‪.‬‬ ‫بانــدورا يف عهــد "هســيود ج‪ 700 .‬ق‪.‬م"‪.‬‬
‫وانتهــى األمــر بفتــح الصنــدوق الــذي يحتــوي علــى كل الشــرور‪ .‬ولــم يبــق ســوى‬ ‫وروى هســيود أن الفضــول قــاد بانــدورا إلــى فتــح وعــاء تركــه يف رعايــة زوجهــا‪،‬‬
‫األمــل يف الصنــدوق عالقــا حتــت غطائــه‪.‬‬ ‫فأطلــقت اللعــنات عــلى البــشرية‪.‬‬
‫للوهلــة األولــى‪ ،‬حتــذر األســطورة مــن مخاطــر الســذاجة والفضــول‪ ،‬ولعلهــا تعنــي‬ ‫تنوعــت الصــور الالحقــة للقصــة‪ ،‬مــع تركيــز بعــض املعــاجلات األدبيــة والفنيــة‬
‫بذــلك فــضول املـمرأة الــتي كاــنت تــعد أــقل مرتــبة ــمن الرــجل حيــنذاك‪.‬‬ ‫علــى احملتويــات أكثــر مــن التركيــز علــى بانــدورا نفســها‪ ،‬كمــا هــو معــروف علــى‬
‫ولكــن تذهــب بنــا األســطورة ألبعــد مــن ذلــك فنجــد يف عاملنــا احلالــي كثيــر مــن‬ ‫نطــاق واســع أن بانــدورا‪ ،‬امــرأة "خطيــرة" فهــي يف األســاطير اليونانيــة القدميــة‬
‫األمثلــة التــي تع ّّبــر عــن هــذه األســطورة كالتــي ذكرهــا الدكتــور "النــس أليــوت"‬ ‫نعــمة ونقــمة يف نــفس الوــقت‪.‬‬
‫بقولــه‪" :‬هنــاك احتمــال ممــن يخشــى أن باســتخدام واحلــرص علــى تطــور الــذكاء‬ ‫جتّســدت بانــدورا كرمــز يخــدم البشــر‪ ،‬ونحــن علــى علــم بــأن األســاطير اليونانيــة‬
‫ّ‬
‫االصطناــعي ــقد يفــتح صــندوق باــندورا عــلى البــشر"‪.‬‬ ‫تســتمد فلســفتها مــن صنــع آلهــة خياليــة‪ ،‬فقــد حتكــي األســطورة أن بروميثيــوس‬
‫كمــا اتخــذ صنــدوق بانــدورا كمثــال يف العديــد مــن القصــص‪ ،‬واحلكــم التــي تعــظ‬ ‫ســرق النــار مــن الســماء ليعطيهــا للجنــس البشــري وملعاقبتــه صنعــت كائنــات‬
‫مــن انتشــار الشــرور يف العالــم‪.‬‬ ‫أخــرى خياليــة امــرأة جميلــة تدعــي "بانــدورا"‪ ،‬وأهدتهــا للحاكــم زيــوس كزوجــة‪.‬‬
‫أن موضــوع الدراســات اجلماليــة كمــا أطلــق عليهــا الفيلســوف األملانــي فونــت "‬ ‫أراد زيــوس أن يجمــع جميــع شــرور العالــم ويضعهــا يف صنــدوق يحكــم إغالقــه‬
‫‪ "Wilhelm Wundt‬باللغــة األملانيــة تهتــم يف املرتبــة األولــى بدراســة القيــم‬ ‫وأعطــى زيــوس زوجتــه الصنــدوق‪ ،‬وقيــل لهــا أال تفتحــه أبــًدً ا فقــد كان يخشــى‬
‫أي احلـحق واخلــير واجلــمال‪.‬‬ ‫زيــوس موتــه يف احلــروب‪ ،‬ويســتطيع غيــره احلصــول علــى الصنــدوق‪ ،‬واســتخدامه‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫‪96‬‬
‫بهــم ولعــل أعظمهــم علــى ســبيل املثــال‪" :‬ابــن حــزم‏‪ ،‬وابــن رشــد‪ ،‬وابــن ســينا وابــن عربــي‪،‬‬ ‫ومــن هــذا املنطــق اتخــذ العديــد مــن فنانــي العالــم صنــدوق بانــدورا كمصــدر ثــري‬
‫واجلاــحظ‪ ،‬والفاراــبي‪ ،‬والكــندي "‪.‬‬ ‫لتفســير مظاهــر الســلوك اإلنســاني‪ ،‬وقدراتــه يف أعمالهــم الفنيــة‪.‬‬
‫ال يفوتنــا أن نذكــر أن بدايــة الفلســفة العربيــة قــد بــدأت بالفلســفة اإلسالم ّّيــة املبّكّ ــرة‬ ‫يف عمــل للفنانــة "صافيــا ويلمــان" جنــد الصنــدوق غيــر مغلــق‪ ،‬وأحاطــت األبخــرة‬
‫مــع "يعقــوب بــن اســحاق الكنــدي" يف القــرن الثانــي مــن التقــومي اإلسالمــي (أوائــل‬ ‫ليجّســد للمتلقــي تصــورات تأمليــة‬
‫ّ‬ ‫املنبعثــة مــن داخلــة الغمــوض واإلبهــام‬
‫القــرن التاســع املــيالدي)‪ ،‬وانتهــت مــع ابــن رشــد يف القــرن الســادس الهجــري (أواخــر‬ ‫مــستمدة ــمن أــسطورة باــندورا‪.‬‬
‫القــرن الثانــي عشــر املــيالدي)‪ ،‬وتزامــن ذلــك ‪-‬علــى نطــاق واســع‪ -‬مــع الفتــرة املعروفــة‬ ‫ولوحــة "لورنــس أملا تدميــا" املائيــة لبانــدورا املتناقضــة "عــام ‪ "1881‬ولعلهــا‬
‫باســم العصــر الذهبـ ّـّي لإلسالم‪ ،‬حيــث واصلــت العديــد مــن مــدارس الفلســفة ازدهارهــا‬ ‫متناقضــة لرســم اجلــرة ب ـداًلا مــن الصنــدوق‪ ،‬وذلــك يعــزو إلــى تفســير وتصحيــح‬
‫ـبًة إلــى ابــن ســينا)‪ ،‬والرشــدية (نسـ ً‬
‫ـبًة إلــى ابــن رشــد)‪،‬‬ ‫مثــل ظاهــرة الســينوية (نسـ ً‬ ‫اللغــة اإلغريقيــة القدميــة إلــى اليونانيــة احلديثــة فب ـداًلا مــن االعتقــاد األول‬
‫والفلســفة اإلشــراق ّّية‪ ،‬والفلســفة الصوف ّّيــة‪ ،‬وفلســفة احلكمــة املتعاليــة‪ ،‬وفلســفة‬ ‫بأنــها ــجرة ــجاءت اللــغة احلديــثة بوصفــها صندوًقـ ـًا ولــيس ــجرة‪.‬‬
‫مقّدمــته مــساهمات مهّمـ ـّة يف فلــسفة التارــيخ‪.‬‬
‫أصفــهان‪ .‬كــما ـ ّـقّدم اــبن خــلدون‪ ،‬يف ّ‬ ‫ولوحــة أخــرى للفنــان "جــورج رميــرا " حيــث تظهــر لنــا الصنــدوق املغلــق‪ ،‬ويــد‬
‫ازداد االهتمــام بالفلســفة اإلسالم ّّيــة خالل حركــة النهضــة العربيــة «اليقظــة»‬ ‫امــرأة حتيــط بــه كأن الفضــول والتــردد يدفعهــا لفتحــة وغيرهــم‪ .‬ولــم تقتصــر‬
‫يف أواخــر القــرن التاســع عشــر وأوائــل القــرن العشــرين‪ ،‬واســتم ّّر حتــى يومنــا هــذا‪،‬‬ ‫األســطورة الفلســفية اليونانيــة علــى إلهــام مئــات الفنــانني برســمها أو صنــع‬
‫والتــي قــد تثمــر نظرياتهــم الفلســفية بعــدد ليــس بقليــل مــن تنميــة وتغذيــة الفكــر‬ ‫مجســمات متثلهــا‪ ،‬ولكــن هــذه امللحمــة األســطورية كانــت مصــد ًًرا ثر ًًيــا للعديــد‬
‫اإلبداعــي‪ ،‬فــإذا كانــت نظريــات وأفــكار أفالطــون‪ ،‬وأرســطو اليونانــيني وغيرهمــا مــن‬ ‫مــن صنــاع األفالم الســينمائية‪ ،‬بــل ومصمــمني أنتجــوا ماركــة عامليــة جملوهــرات‬
‫علمــاء الغــرب لهــا انعــكاس وتأثيــر قــوي ترجمــه الفنانــون إلــى أعمــال فنيــة فقــد تكــون‬ ‫حتــمل اــسم باــندورا‪.‬‬
‫أــفكار الفالــسفة واملفكرــين الــعرب نبــ ًعًا ال ينــضب ــيروي خــيال الفــنان‪.‬‬ ‫ونســتخلص مــن هــذا العــرض اخملتصــر ملا ســبق ذكــره أن معظــم التفســيرات أو‬
‫الشــروح مســتلهمة مــن آراء الفالســفة القدمــاء واملعاصريــن وعاملنــا العربــي يزخــر‬

‫‪97‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫عبد اهلل بن مهدي الشمري‬
‫‪.‬كاتب سعودي‪ ،‬عضو اجلمعية السعودية لكتاب الرأي‬
‫‪ams.aljadlan@gmail.com‬‬

‫األخيرة‬

‫يوم العلم السعودي‬


‫التوحيــد والعــدل والقــوة والنمــاء والرخــاء"‪.‬‬ ‫أعــز علــم‪ ،‬يحمــل أشــرف شــهادة‪ ،‬إنــه رايــة التوحيــد‪ ،‬ورايــة العــدل والقــوة‪ ،‬رايــة‬
‫ـاٍل‪ ،‬ومرتفـ ٌـٌع‪ ،‬علـ ٌـٌم فريــٌدٌ مبــا يحملــه مــن‬
‫علـ ُـُم اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬علـ ٌـٌم عـ ٍ‬ ‫ثابتــة املبــادئ علــى مــدى ثالثــة قــرون‪ ،‬وهــو علــم الوطــن‪ ،‬علــم العــز والشــموخ‪ ،‬إنــه‬
‫متثيــل صــادق لهــا‪ ،‬علـ ٌـٌم متميــٌزٌ بعباراتــه وألوانــه التــي صيغــت مــن عقيدتهــا‬ ‫العلــم الــذي ال ينكــس‪.‬‬
‫الراســخة ونهجهــا الثابــت‪ ،‬ولقــد حفظــت الدولــة مكانــة العلــم الســعودي‪ ،‬وحّذّ رت‬ ‫إن اعتــزاز اململكــة العربيــة الســعودية – قيــادة وشــع ًًبا – بعلمهــا ال مياثلــه اعتــزاز‪،‬‬
‫مــن الوقــوع يف محظــورات اســتخدامه‪ ،‬وب ّّينــت مواصفــات وطريقــة رفعــه‪ ،‬وكذلــك‬ ‫ً‬
‫وانطالًقــا مــن هــذه القيمــة العظيمــة للعلــم – رايــة التوحيــد – ورمــز الــبالد‪،‬‬
‫حــّذّ رت مــن محظــورات التعامــل مــع العلــم الوطنــي أو العلــم امللكــي أو أي شــعار‬ ‫أصــدر خــادم احلــرمني الشــريفني امللــك ســلمان بــن عبــد العزيــز آل ســعود – رعــاه‬
‫آخــر للمملكــة العربيــة الســعودية ســواء بإســقاطه أو إعدامــه أو إهانتــه بــأي‬ ‫اهلل – أمـ ًـًرا مل ً‬
‫كًيــا يف ‪ 8‬شــعبان ‪ 1444‬ه ـ املوافــق‪ 1 :‬مــارس ‪ 2023‬يقضــي بــأن يكــون‬
‫طريقــة كانــت‪ ،‬ووضعــت لهــا عقوبــات واضحــة‪.‬‬ ‫خاًصــا بالعلــم‪ ،‬باســم "يــوم العلــم"‪ ،‬وتضمــن‬
‫ً‬ ‫يوًمــا‬
‫يــوم ‪ 11‬مــارس مــن كل عــام ً‬
‫ال شــك أن العلــم رمــُزُ الوطــن ورايتــه‪ ،‬ويف ذكــراه جتديــد بيعــة ووالء وطاعــة‬ ‫ً‬
‫"وانطالًقــا مــن قيمــة العلــم الوطنــي املمتــدة عبــر‬ ‫األمــر امللكــي متهيــًدً ا جــاء فيــه‪:‬‬
‫لقيادتنــا الرشــيدة‪ ،‬وتعزيــز للمســؤولية الوطنيــة واالنتمــاء‪ ،‬واستشــعار لهمــا‪،‬‬ ‫تاريــخ الدولــة الســعودية منــذ تأسيســها يف عــام ‪1139‬ه ـ املوافــق ‪1727‬م‪ ،‬والــذي‬
‫وتأكيــد علــى احملافظــة علــى القيــم العليــا للوطــن‪ ،‬والعمــل الصــادق علــى تأديــة‬ ‫يرمــز بشــهادة التوحيــد التــي تتوســطه إلــى رســالة الــسالم واإلسالم التــي قامــت‬
‫حقوقــه‪ ،‬واســتذكار مللحمــة التوحيــد التــي قادهــا امللــك عبــد العزيــز بــن عبــد‬ ‫عليهــا هــذه الدولــة املباركــة‪ ،‬ويرمــز بالســيف إلــى القــوة واألنفــة وعلــو احلكمــة‬
‫الرحمــن آل ســعود ‪ -‬يرحمــه اهلل ‪ -‬ومــا حملتــه تلــك امللحمــة الكبــرى مــن إرث‬ ‫واملكانــة‪ ،‬وعلــى مــدى نحــو ثالثــة قــرون كان هــذا العلــم شــاهًدً ا علــى حــمالت‬
‫تاريخــي‪ ،‬وســجل حافــل بســير األبطــال الذيــن كانــوا حتــت رايتــه‪.‬‬ ‫توحيــد الــبالد التــي خاضتهــا الدولــة الســعودية‪ ،‬واتخــذ منــه مواطنــو ومواطنــات‬
‫إن اعتــزاز قــادة الــبالد بالعلــم عظيمــة‪ ،‬وإن فخــر املواطــنني ‪ -‬صغــا ًًرا وكبــا ًًرا ‪ -‬بــه‬ ‫هــذا الوطــن رايــة للعــز شــامخة ال ُتُنّكّ ــس‪ ،‬وإميا ًًنــا مبــا يشــكله العلــم مــن أهميــة‬
‫كبيــرة‪ ،‬علــم يزهــو بــه كل مــن يــراه ويحملــه‪ ،‬علــم نــرى االعتــزاز بــه يف كل مناســبة‪،‬‬ ‫بالغــة بوصفــه مظهـ ًـًرا مــن مظاهــر الدولــة وقوتهــا وســيادتها‪ ،‬ورمــًزً ا للتالحــم‬
‫يلثمــه خــادم احلــرمني الشــريفني يف مياديــن العرضــة الســعودية‪ ،‬علــم يفخــر‬ ‫واالئــتالف والو حــدة الوطنيــة‪ ،‬وحيــث إن يــوم ‪ 27‬ذي احلجــة ‪1355‬ه ـ‬
‫بــه طالب املــدارس يف جميــع مراحــل التعليــم‪ ،‬علــم يفخــر بــه جنــود الوطــن يف‬ ‫املوا فــق ‪ 11‬مــارس ‪1937‬م‪ ،‬هــو اليــوم الــذي أقــر فيــه امللــك عبــد العزيــز ـ طيــب اهلل‬
‫مياديــن الشــرف‪ ،‬علــم يفخــر بــه أبنــاء الوطــن وبناتــه يف كل مــكان‪.‬‬ ‫ثــراه ـ العلــم بشــكله الــذي نــراه اليــوم يرفــرف بدالالتــه العظيمــة التــي تشــير إلــى‬

‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬ ‫‪98‬‬
‫‪98‬‬
‫‪98‬‬
‫بشرى علي اليامي‬
‫‪‎‬فنانة تشكيلية سعودية ‪ -‬عضو يف جمعية الثقافة والفنون‬

‫‪Besh-yam Besh_4655@hotmail.com‬‬

‫‪99‬‬ ‫مجلة المثقف العربي‬


‫مجلة المثقف العربي‬
‫‪100‬‬

You might also like