إعـــداد أ .د /محمود مراد األسانيد التي يعتمد عليها القائلون باألصل الشرقي للفلسفة -1وجود اتصال ثقافي وثيق بين الشرق واليونان: لقد سبقت شعوب الشرق اليونان في ابتداع حضارات زاهرة ،وعرفوا بعض العلوم العملية النافعة ، وكانت هناك صالت تجارية وحربية واقتصادية وعلمية بين حضارات وبالد الشرق هذه وبين اليونان، فقد زار مشاهير الفالسفة اليونان من أمثال :طاليس وفيثاغورس وديمقريطس وأفالطون وأرسطو مصرا وبعض بالد الشرق ،وتأثروا بما كان فيها من أفكار فلسفية ،وخير شاهد على ذلك شهادة اليونان القدماء أنفسهم على هذا الفضل والسبق للشرق على الغرب .فقد شهد فيلسوفهم األكبر أفالطون بفضل الحضارة الفرعونية على العلم والفكر اليوناني ،وأكد على أن اليونان إنما هم أطفال بالقياس إلي تلك الحضارة القديمة العظيمة. لتضرب مثاال :هناك تشابه واضح بين مذهب طاليس الفلسفي الذي قرر فيه أن الماء أصل العالم وبين نصوص شرقية قديمة ،مثل قصيدة الخلق البابلية ،وقد كانت هذه القصيدة شائعة قبل طاليس في كل أرجاء الدنيا .وهي تقول "قبل أن يكون للسماء اسم وقبل أن يكون لألرض اسم كان هناك المحيط ".فإذا الحظنا هذه الصالت االجتماعية والتجارية في ذلك العصر بين بابل وأيونيا (موطن طاليس نفسه) استطعنا أن نرجح كفة تأثر طاليس بتلك األنشودة . -2حضارات الشرق ازدهرت قبل اليونان بقرون عدة :كلنا يعلم أن حضارات الشرق قد سبقت الحضارة اليونانية في الظهور بأمد طويل .ومن ثم فال ُيستبعد حدوث احتكاك حضاري بين االثنين ،وحدوث تأثر الالحق بالسابق .فكثيرًا ما كانت ترد األفكار الفلسفية في مذاهب الشرق القديم .فقد عرفت فارس الزرادشتية القائمة على مبدأ الثنائية اإللهية .وعرفت مصر التوحيد ،كما عرفت الهند مذهب الحلول الصوفي إلي جانب القول بتناسخ األرواح وذلك قبل فيثاغورس وأفالطون فالسفة اليونان العظام اللذين قاال بهذا بأمد طويل .لقد كشفت البحوث الحديثة عن وثائق وشواهد تتصل بالحياة الفكرية األسانيد التي يعتمد عليها القائلون باألصل الشرقي للفلسفة -2حضارات الشرق ازدهرت قبل اليونان بقرون عدة: كلنا يعلم أن حضارات الشرق قد سبقت الحضارة اليونانية في الظهور بأمد طويل. ومن ثم فال ُيستبعد حدوث احتكاك حضاري بين االثنين ،وحدوث تأثر الالحق بالسابق .فكثيرًا ما كانت ترد األفكار الفلسفية في مذاهب الشرق القديم .فقد عرفت فارس الزرادشتية القائمة على مبدأ الثنائية اإللهية .وعرفت مصر التوحيد ،كما عرفت الهند مذهب الحلول الصوفي إلي جانب القول بتناسخ األرواح وذلك قبل فيثاغورس وأفالطون فالسفة اليونان العظام اللذين قاال بهذا بأمد طويل .لقد كشفت البحوث الحديثة عن وثائق وشواهد تتصل بالحياة الفكرية والروحية للشرقيين القدماء ،وتدل على تفكيرهم في األلوهية ونزوعهم إلي التوحيد ،وفي الخلق ،وما يتسم به الوجود من توازن ووحدة ،وفي الحياة األخرى والخلود الذي كانوا يطمحون إليه .ومن هذه الوثائق البالغة "نصوص األهرامات" و "كتاب الموتى" في مصر ،ومن هذه الوثائق يتضح أن التراث الشرقي القديم قد خاض في أهم المسائل التي خاضت فيها الفلسفة في العصر اليوناني وغيره من العصور . إن العقل والمنطق يقوالن أن الالحق حتما هو الذي يأخذ من السابق وليس العكس ، ومن ثم فمن المؤكد أن اليونان استمدوا أفكارهم الفلسفية من حضارات الشرق القديم األسبق زمنًا عليهم .فاالبن هو الذي يرث صفات وسمات أبيه ،وليس األب هو الذي يرث صفات ابنه. األسانيد التي يعتمد عليها القائلون باألصل الشرقي للفلسفة -3ليست حضارات الشرق وحدها الدينية العملية ال ينكر انصار هذا الفريق أن إبداعات الشرق ومعارفه كانت إبداعات عملية تهدف إلي تحقيق نفع عملي ،كما كانت تحت دوافع دينية غيبية ،كما كان يشتغل بها الكهنة ورجال الدين في المعابد .ولكن هذا ال يمثل في نظرهم دليًال على عدم معرفة الشرق للفلسفة .وذلك ألن التفكير الفلسفي كان مختلطًا بالتفكير الديني حتى عند اليونان أنفسهم .يقول ماسون مارسيل " ال ُيطعن في حضارات الشرق أن يقال إن الحياة العقلية عند الشرقيين كانت أوثق اتصاًال بحياتهم الدينية منها بالتفكير الفلسفي النظري الخالص .فقد امتزج التفكير الفلسفي بالدين في شتى عصور اإلنسانية حتى ليمكن القول بأن كل محاولة للفصل بينهما تنتهي ال محالة إلي العجز عن فهم كليهما". إن الذين يدافعون عن المعجزة اليونانية يضيقون من معنى الفلسفة بشكل مغرض من أجل استبعاد الحكمة الشرقية من نطاق الفلسفة ،وهو تضييق متعسف وغير مقبول ،ألنهم ضيقوا المعنى اعتمادًا على أمرين كالهما مرفوض ،األول :عدم امتزاج الفلسفة بالدين ،والثاني :قصر الفلسفة على النظر العقلي الخالص .مع أن التاريخ والوقائع تشهدان بأنه من الصعب الموافقة على هذين القيدين ،ألن األخذ بهما سوف يجعلنا نستبعد جزءًا كبيرًا من تراث اليونان نفسه ،والتراث الغربي عامة من ميدان الفلسفة المتزاج الفكر فيه بالدين والغايات العملية. األسانيد التي يعتمد عليها القائلون باألصل الشرقي للفلسفة -4ظهور الفلسفة اليونانية في مناطق قريبة من الشرق هناك حقيقة تاريخية ال يمكن إنكارها تشهد بأن الفلسفة اليونانية قد ظهرت ونمت نتيجة االحتكاك بالشرق القديم .والدليل التاريخي على هذا أن الفلسفة نشأت أول ما نشأت في بالد اليونان في "أيونيا" على حدود أسيا الصغر حيث كان اليونان على اتصال مستمر مع الشعوب الشرقية ،وبالذات مصر وبابل منذ أواخر القرن السابع ق.م. وكان من أسباب انتشار الفلسفة في بالد اليونان ونبوغ اليونان فيها اتصالهم ببالد الشرق ،وتأثرهم بما كان فيها من حضارة ورقي .فليس صحيحًا إذن االدعاء بأن الحضارة اليونانية هي الحضارة األولي التي أمدت العالم بالتفلسف .وال أدل على ذلك من أن فالسفة اليونان األوائل لم يكونوا أصال من اليونان .وأول المدن التي نبغت في عالم الفلسفة هي المدن اليونانية الواقعة بالقرب من حضارات الشرق والقائمة في أسيا الصغرى كمدينة مالطية Miletusالواقعة في شبه جزيرة أيونيا في البحر األسود ،وهي أقرب أرض ناطقة باليونانية إلي بالد الشرق ذوات الحضارات العريقة. األسانيد التي يعتمد عليها القائلون باألصل الشرقي للفلسفة -5شهادة علماء األنثروبولوجيا وهناك شهادة علماء األنثروبولوجيا وعلماء الوراثة في هذا المجال .فلقد توصل هؤالء العلماء من تحليلهم للفكر الفلسفي اليوناني إلي وجود خصائص ومميزات عقلية ال يوجد لها نظير إال عند العقليات البدائية مما يؤكد على المصدر الشرقي لهذه األفكار .كمفهوم المصير والعدل والنفس واهلل ...الخ فمثل هذه المفاهيم ليست مفاهيم خلقها اليونان خلقًا واستخدموها ألول مرة ،بل كانت تعبر عن أفكار شعبية شائعة ، وعن تصورات جماعية كانت موجودة بالفعل ومتداولة في الحياة الثقافية التي عاش فيها هؤالء الفالسفة. وتقدم الدراسات األنثروبولوجيا في عصرنا يجعل القول بسمو الجنس اآلري على الجنس السامي وتفرده بسمات الذكاء والعبقرية النظرية قوال متهافتًا .فلم تعد مسألة التمييز بين األجناس البشرية على أساس تفاوتها في الذكاء والقدرات العقلية أمرًا مستساغًا وال حتى مقبوًال في األوساط العلمية المعاصرة .وعلم الوراثة Heredity الحديث يجعل قيام المعجزة اليونانية على النزعة العنصرية وأسطورة التفوق محض هراء ،ويسد الطريق أمام صحتها المطلقة . األسانيد التي يعتمد عليها القائلون باألصل الشرقي للفلسفة -6لفظة "فلسفة" نفسها شرقية األصل سند أخير وهو أن أصل كلمة فيلو " Philoيحب" وصوفيا Sophiaبمعنى "الحكمة". ليست كلمة يونانية األصل ،بل مشتقة من كلمة مصرية قديمة هي SB3وتعني يعلم – تعليم .وإ ذا عرفنا أن الحرف المصري القديم Bكان ُيقلب أحيانا في اليونانية ليصبح (في) Phأدركنا أن األصل اللغوي للكلمة اليونانية يتطابق مع التراث القديم الذي يرى أن Sophiaكلمة وافدة من مصر .وهذا ما ذكره أفالطون نفسه في محاورة "إقراطيللوس" حيث قال إن كلمة Sophiaليست كلمة يونانية " إنها كلمة غامضة جدًا ،ويبدو أنها ليست من أصل محلي ".فحتى كلمة فلسفة نفسه ترجع إلي اصل شرقي ،وهذا أكبر دليل على ما كان للشرق من فضل في نشأة هذا الفكر. لكن ورغم قوة هذه األسانيد ورسوخها ،فإن أنصار المعجزة اليونانية لم يقفوا مكتفي األيدي أمامها بل تناولوها بالتفنيد والدحض وأصروا على مقولتهم التي تعود بالفضل إلي الغرب وخاصة اليونان في نشأة التفكير الفلسفي .وال يزال الجدال مستمرا بين الفريقين حتى يومنا هذا .وهكذا كلما طرح الفريق المناصر للشرق حججًا فندها الفريق المناصر للمعجزة لليونانية بدوره في جدال فكري ال نهاية له. فما الرأي الذي نميل إلي األخذ به نحن ؟؟؟ تعليق ( الرأي الشخصي ) أننا نؤمن بأن كال الرأيين قد وقعا في دائرة الغلو والتطرف .إذ لسنا نؤمن بأن اليونان هم وحدهم أصحاب الفضل األول في نشأة الفلسفة كما يذهب أصحاب الفريق األول .وفي الوقت نفسه ال نؤيد القول بأن حضارات الشرق القديم هي وحدها فقط صاحبة الحق األول واألصيل في هذا الفضل على اإلنسانية كما قال أنصار الفريق الثاني .وإ نما نؤمن في قرارة أنفسنا بأن االثنين معا ـ الشرقيون واليونان ـ قد تآزرا معا وتعاونا تعاونًا وثيقًا ـ حتى وإ ن لم يكن مقصودًا وال متعمدًا منهما ـ في تشييد الصرح الفلسفي العظيم وأهدوه إلي العالم أجمع. لقد نشأت بذور الفلسفة ألول مرة في أحضان الحضارات الشرقية ،ثم جاء اليونان بحضارتهم فورثوا ما قدمه لهم الشرقيون وأضافوا إليه من عندهم الكثير حتى أصبح بالصورة التي وصلنا بها اليوم .إننا ال نبعد عن الصواب إذا قلنا إن حكمة الشرق القديم إذا لم ُتعتبر فلسفة حقيقة فإنها قد تضمنت العناصر األساسية التي استفاد منها اليونانيون في إنشاء أو تأسيس الفلسفة المكتملة ، ومن الضالل أن نقطع كل صلة تربط اليونان بأساتذتهم في الشرق القديم . إن العلم والفلسفة ـ في حقيقة أمرهما ـ في مسيرتهما الطويلة ال يعرفان القطيعة المعرفية أبدًا .ألنها فكر بشري متواصل يتسلمه الالحق من الجيل السابق عليه ويضيف بصمته وصورته عليه .هكذا نشأت الفلسفة ألول مرة .وهذا من تنبه إليه ابن خلدون المفكر المسلم فقال " إن العلوم العقلية التي هي طبيعية لإلنسان من حيث أنه ذو فكر ،فهي غير مختصة بملة ،بل يوجد النظر فيها ألهل الملل كلهم ،ويسوون في مداركها ومباحثها ،وهي موجودة في النوع اإلنساني منذ عمر الخليقة ، وتسمى هذه العلوم الفلسفة الحكمة. كل المحاضرات موجودة إلكترونيا على الموقع اإللكتروني الشخصي _https://staffsites.sohag-univ.edu.eg/mahmoud mourad?p=home