Professional Documents
Culture Documents
نحو حضارة إسلامية مستقبلية
نحو حضارة إسلامية مستقبلية
المقدمة:
لقيد آخيى السيلم بيين العقيدة والشريعية مين جانيب ,والعقيل
والعلم من جانب آخر ,حتى لكأنهما شيء واحد ,وبني حضارته على
هذا المزج بتوازن فريييد ,فالعقيدة حامييية الروح ,والشريعيية حامييية
النظام ,والعقيييل مطلق البداع والتطويييير ,وهيييو محميييي بالعقيدة
والشريعية بيل هيو فيي عداد الضروريات الخميس التيي ل قوام ول
حياة للناس إل بهييا .ثييم العلم نتاج ذلك كله .وتاج المجتمييع ,وعنوان
تقدمه ورقيه.
ول ينكير أثير الديين فيي قيام الحضارات ,والسيلم فيي أسياسه
حضارة دينية محضة ,فالدين كما يقول مالك بن نبي " :ظاهرة كونية
تحكيم فكير النسيان وحضارتيه ,كميا تحكيم الجاذبيية المادة ,وتتحكيم
في تطوره ,والدين على هذا يبدو وكأنه مطبوع في النظام الكوني,
قانونيا خاصيا بالفكير ,الذي يطوف فيي مدارات مختلفية ,مين السيلم
الموحد إلى أحط الوثنيات".
المبحث الول
حضارة النسانية والتسامح :
وحينميا نقول :إن الديين منقيذ الحضارة ,وأن الديين منقيذ العلم
والعقييل بييل حاميهمييا ميين النحراف ,وأنييه نمييير الحياة والسييعادة
الحقيقية ربما يستبعد البعض ذلك ,وقد نعجز أن نبرهن له من وقائع
الحضارة سييوى السييلم ,فإن وقائع الحوال دليييل شاخييص يصييعب
إنكاره .ولكين حضارة السيلم خيير شاهيد على أن العلم بحاجية إلى
الديين ,بحاجية إلى أخلق ربانيية ل بشريية ,تسيمو بالعقيل ,وتمزج بيين
الدييين والعلم لتحقيق بهميا سييعادة النسيان فييي دنياه وأخراه .وإن
واقيع الحضارة السيلمية مميا يجيب الطلع علييه ودراسيته ,فالتارييخ
خير معين على المستقبل تستدرك فيه الخطاء ,وتعزز ف يه الفوائد
والنجازات.
ذكر ابن عساكر في سيرة ابن فاتك الذي شهد فتح دمشق أنه
تولى قسيمة الماكين بيين أهلهيا بعيد الفتيح .فكان يترك الروميي فيي
العلو ,ويترك المسيلم فيي أسيفل لئل يضير بالذميي .أهذا عميل مين
يسيييء إلى ميين يخالفييه? ولعييل الشعوبيييين يماحكون فيزعمون أن
هذا مين باب الضعيف ,وأيين كانيت قوة أهيل السيلم يوم عملوا هذا
من قوة غيرهم من أهل الديان الخرى في الشرق والغرب.
ويمر عمر بن الخطاب بباب قوم وعليه سائل يسأل .شيخ كبير
ضريير البصير ,فضرب عضده مين خلفيه ,وقال :مين أي أهيل الكتاب
أنت? فقال :يهودي .قال :فما ألجأك إلى ما أرى? قال :أسأل الجزية
والحاج ة والسين .فأخيذ عمير بيده وذهيب بيه إلى منزله فرضيخ له
بشيء مما في المنزل ,ثم أرسل إلى خازن بيت المال .فقال :أنظر
هذا وضرباءه ,فوالله مييا أنصييفناه ,أن أكلنييا شيبتييه ثييم نخذله عنييد
الهرم (إنميييييا الصيييييدقات للفقراء والمسييييياكين) .والفقراء هيييييم
المسلمون ,وهذا من المساكين من أهل الكتاب ,ووضع عنه الجزية
وعن ضربائه.
وكتييب المام الوزاعييي إلى صييالح بيين علي بيين عبييد الله بيين
العباس ,لميا قتيل مقاتلة أهيل لبنان ,وأجلى بعضهيم لميا خرجوا على
الخليفية " :لقيد كان مين إجلء أهيل الذمية مين جبيل لبنان ممين لم
يكيين ممالئا لميين خرج على خروجييه ,مميين قتلت بعضهييم ,ورددت
باقيهيم إلى قراهيم ميا قيد علميت ,فكييف تؤخيذ عامية بذنوب خاصية,
حتييى يخرجوا ميين ديارهييم وأموالهييم ,وحكييم الله تعالى أن ل تزر
وازرة وزرأخرى ,وهو أحق ما وقف عنده واقتدى به ,وأحق الوصايا
أن تحفظ وترعى وصي ة رسول الله ,فإنه قال " :من ظلم معاهدا
وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه " ,ونص القرافي وابن حزم على أن
من حق حماية أهل ذمتنا إذا تعرض الحربيون لبلدنا ,وقصدوهم في
جوارنييا أن نموت فييي الدفاع عنهييم ,وكييل تفريييط فييي ذلك يكون
إهمال لحقوق الذمييية .ويقول القرافيييي :إن مييين واجيييب المسيييلم
للذميييين الرفييق بضعفائهييم ,وسييد خلة فقرائهييم ,وإطعام جائعهييم,
وإلباس عاريهيم ,ومخاطبتهيم بليين القول ,واحتمال أذى الجار منهيم,
مع القدرة على الدفع ,رفقا بهم ل خوفا ول تعظيما ,وإخلص النصح
لهيم فيي جمييع أمورهيم ,ودفيع مين تعرض ليذائهيم ,وصيون أموالهيم,
وعيالهيم ,وأعراضهيم ,وجمييع حقوقهيم ,ومصيالحهم ,وأن يفعيل معهيم
كل ما يحسن بكريم الخلق أن يفعله.
ولميا تغلب المسيلمون على التتير فيي الشام خاطيب ابين تيميية
قطلوا شاه فييي إطلق السييرى ,فسييمح له بالمسييلمين وأبييى ان
يسمح له بأهل الذمة ,فقال له شيخ السلم :لبد من افتكاك جميع
مين معيك مين اليهود والنصيارى الذيين هيم أهيل ذمتنيا ول ندع أسييرا
من أهل الملة ,ول من أهل الذمة .فأطلقهم له.
وإن تاريخنيا الذي اطلع علييه غيرنيا ,وكتبوا جزءا كيبيرا منيه ,وهيم
شواهييييد على الحضارات ,وأقرب الحضارة عهدا موثقييييا ,وتاريخييييا
مشاهدا مدونا ,هو تاريخ الحضارة السلمية .وربما كانت تقارير أهل
الحضارة الوروبيية مين العلماء المحايديين علمييا ,الذيين لم تسيتول
عليهيم العصيبيات أقدر الناس على تقدييم الصيورة الصيحيحة لتارييخ
حضارة السييلم .وميين خلل تقاريرهييم وتحليلتهييم نسييتل الحقائق
ونقرر الصييول التاريخييية لحضارة السييلم فييي مبادئهييا وتطبيقاتهييا
الفريدة في التاريخ.
ففي بناء الكنائس يقول آدم متز :لم تكن الدولة الساسانية من
قبيل تسيير على خطية ثابتية فيي ذلك ,فكانيت تسيمح ببنائهيا أحيانيا,
على حييين أن القانون الرومانييي فييي العهييد الخييير كان يحرم على
اليهود أن ينشئوا كنائس جديدة لهيم ,ول يسيمح لهيم إل بإصيلح ميا
تهدم منهيا .أميا فيي السيلم فنجيد سيياسة الدولة تجميع فيي أوقات
متتابعة بين تسامح الفرس وتعصب الرومان ,فكان يسمح للنصارى
أحيانييا ببناء كنائس جديدة ,وأحيانييا كانوا يمنعون حتييى ميين إصييلح
الكنائس القديمية; ففيميا بيين عاميي 171 ,169هيي 785و 787م هدم
على بيين سييليمان والي مصيير مين قبييل الرشيييد الكنائس المحدثية
بمصيير ,وبذل له خمسييون ألف دينار ليترك الهدم ,فامتنييع; ثييم جاء
بعده وال آخير ,فأذن للنصيارى فيي بنيان الكنائس التيي هدمهيا على
بين سيليمان ,فبنييت كلهيا بمشورة اللييث بين سيعد وعبيد الله بين
لهيعية ,وقال :هيو مين عمارة البلد ,واحتجيا بأن عامية الكنائس التيي
بمصر لم تبن إل في السلم في زمن الصحابة والتابعين .وفي عام
300هيي 913 .م ثار المسيلمون فهدموا كنيسية بناهيا النصيارى فيي
تنييس ,فأعان السيلطان النصيارى حتيى بنوا الكنيسية .وفيي سينة 326
هي ي 938 .م انهدمييت قطعيية ميين كنيسيية أبييي شنودة بمصيير ,فبذل
النصييارى للخشيييد مال ليطلق عمارتهييا ,فقال :خذوا فتوى الفقهاء;
فأما ابن الحداد فأفتيى بأل تعمر ,وأفتيى بذلك أ صحاب مالك ,وأفتيى
محميد بين علي بأن لهيم أن يرمموهيا ويعمروهيا ,وفيي سينة 200هيي .
815م أراد الخليفية المأمون أن يصيدر كتابيا لهيل الذمية يضمين لهيم
حريية العتقاد وحريية تدبيير كنائسيهم ,بحييث يكون لكيل فرييق منهيم
مهميا كانيت عقيدتهيم ,ولو كانوا عشرة أنفيس ,أن يختاروا بطريقهيم,
ويعترف له بذلك ,ولكين رؤسياء الكنائس هاجوا وأحدثوا شغبيا ,فعدل
المأمون عن إصدار الكتاب.
وقييد سييمح للقباط بأن يسييتمروا على اختيار بطريركهييم ,ولم
يمنييع النصييارى ميين إنشاء الكنائس فييي المدينيية السييلمية التييي
أسسها.
ولم يكين عمرو بين العاص فيي مصير أقيل سيخاء مين عمرابين
الخطاب فيي القدس حيين عاميل النصيارى برفيق وإنصياف ,فهيو قيد
شمل الديانة النصرانية بعطفه وحمايته بل إن من مظاهر التسامح
الديني أن كانت المساجد تجاور الكنائس في ظل حضارتنا الخالدة,
وكان رجال الديييين فيييي الكنائس يعطون السيييلطة التامييية على
رعايتهيم فيي كيل شؤونهيم الدينيية والكنسيية ,ل تتدخيل الدولة فيي
ذلك ,بيل إن الدولة كانيت تتدخيل فيي حيل المشاكيل الخلفيية بيين
مذاهبهم وتنصف بعضهم من بعض ,فقد كان الملكانيون يضطهدون
أقباط مصر في عهد الروم ويسلبون كنائسهم ,حتى إذا فتحت مصر
رد المسييلمون إلى القباط كنائسييهم وأنصييفوهم ,وتطاول القباط
بعييد ذلك الملكانيييين انتقامييا ممييا فعلوه بهييم قبييل الفتييح العربييي,
فشكوا ذلك إلى هارون الرشييييد فأمييير باسيييترداد الكنائس التيييي
استولى عليها القبط بمصر وردها إلى الملكانيين بعد أن راجعه في
ذلك بطريرك الملكانيين.
وقيد بلغ حلم عرب إسيبانية إزاء النصيارى مبلغيا كانوا يسيمحون
بييه لسيياقفتهم أن يعقدوا مؤتمراتهييم الدينييية ,كمؤتميير أشبيلييية
النصراني الذي عقد في سنة 782م ومؤتمر قرطبة النصراني الذي
عقيد فيي سينة 852م .وتعيد بييع النصيارى الكثيرة التييي بنوهيا أيام
الحكيم العربيي مين الدلة على احترام العرب لمعتقدات الميم التيي
خضعت لسلطانهم.
ونجييد فييي القاهرة رئيسييا آخيير يلقييب سيير هسيياريم (أي أمييير
المراء) ,وكان يعييين أحبار اليهود فييي الشام ومصيير ,أي فييي حدود
مملكة الفاطميين.
ومهميا يكين مين شييء فقيد تمتيع أهيل الذمية ,وهيم النصيارى
واليهود ,بالحريييية الدينيييية .فقيييد تركهيييم العرب يدينون بميييا رضوا
لنفسيهم مين ديين على أن يدفعوا الجزيية للمسيلمين .ففيي فارس
نجد سكان المدن ,وخاصة الصناع وأصحاب الحرف يرحبون بالدين
السييلمي .وقييد عامييل العرب ميين ظييل ميين الفرس على مذهبييه
القديم معاملة حسنة ,ولم يتعرضوا لماكن عبادتهم.
وكذلك كانت الحال في بلد الشام ومصر :فقد خير العرب أهل
الذمية بيين السيلم والبقاء على دينهيم .فمين اسيلم منهيم تمتيع بميا
يتمتع به المسلمون ,ومن بقى على دينه فرضت عليه الجزية كفاء
حمايته ,وتأمينه على نفسه وعلى أولده وأمواله .كما أحسن العرب
معاملة أهييل الذميية فييي بلد الندلس ,فسييمحوا لليهود الذييين ذاقوا
كثيرا مين ألوان العسيف فيي عهيد القوط بمزاولة التجارة ,وأمنوهيم
على أنفسييهم ,وأولدهييم ,وأموالهييم ,وأحسيينوا معاملة المسيييحيين
الذين تمسكوا بدينهم .وكان لسياسة التسامح الديني التي أظهرها
العرب نحيو أهالي هذه البلد وغيرهيا أثير كيبير فيي تحول كثيير منهيم
إلى السلم.
أميا فيي مصير فإن العرب لميا فتحوا هذه البلد أصيبح فيهيا ثلثية
عناصر من السكان القبط وهم أهل البلد الصليون ,وكانوا يكونون
السيواد العظيم مين السيكان ,والروم ,وهيم بقاييا الحكيم الرومانيي
الذي قضييى عليييه العرب ,وكان الروم واليهود يكونون أقلييية ضئيلة
مين السيكان .أميا العنصير الثالث وهيو العنصير العربيي ,فكان يتألف
بعد الفتح من الجند العربي ومن القبائل العربية التي سحرتها هذه
البلد.
كميا ترك لنصيارى صيقلية كيل ميا ل يميس النظام العام ,فكان
للنصييارى قوانينهييم المدنييية ,والدينييية ,وحكام منهييم للفصييل فييي
خصييوماتهم ,وجباييية الجزييية التييي فرضهييا ,العرب عليهييم ,وهييي 48
دينارا عن كل غني و 24دينارا عن كل موسر و 12دينارا عن كل من
كان يكسب عيشه بنفسه .وكانت هذه الجزية ,التي هي دون ما كان
يأخذه الروم ,ل يؤخذ مثلها من رجل الدين والنساء والولد.
وقيد أصيدر الخليفية المقتدر فيي سينة 311هيي 923 .م كتابيا فيي
الموارييث أمير فييه بأن " ترد تركية مين مات مين أهيل الذمية ,ولم
يخلف وارثيا ,على أهيل ملتيه ,على حيين أن تركية المسيلم كانيت ترد
إلى بيت المال.
وجرت العادة أيام الرشييد بأن يخرج النصيارى فيي موكيب كيبير
وبين أيديهم الصليب وكان ذلك في يوم عيد الفصح.
فالسلم دين العقل حقا ,ول يعني ذلك أن يجعل العقل حاكما,
أو محسينا أو مقبحيا فيي أمور الشريعية والعقيدة مسيتقل الحكيم ,ل
إنميا المراد أن السيلم ل يصدم العقيل فيميا ينبغيي أن يدركيه العقيل
فييي أمور المحسييوسات وحكييم العبادة ,أن العقييل يتقبييل أحكام
الشرع ,فهييي معللة بمصييالح العباد .فالشرع حاكييم على العقييل ل
ريب .فهيو الذي يحدد له مسيائل الغييب والحسين والقبيح الشرعيين,
فالحسين ميا حسينه الشرع ,والقبييح ميا قبحيه الشرع ,والعقيل يسيلم
بذلك .فمسييائل غيييب الخرة ,وعذاب القييبر ومييا إلى ذلك ل شأن
للعقيل فيهيا; لنيه ل مدخيل له إليهيا ,إل الوهيم ,والخيال ,وهميا ليسيا
مصيدرا للعلم .وكذلك ل شأن للعقيل فيي أمور الديين فيي المتشابيه
والمحكم ,فالمتشابه يؤمن به ويكل أمره إلى الله .والمحتم محطه
التسييليم المطلق ,وذلك قوله تعالى( :هييو الذي أنزل عليييك الكتاب
م نه آيات محكمات هين أم الكتاب ,وأخير متشابهات ,فأ ما الذيين فيي
قلوبهيم زييغ فيتبعون ميا تشابيه منيه ابتغاء الفتنية وابتغاء تأويله وميا
يعلم تأويله إل الله والراسيخون فيي العلم يقولون آمنيا بيه كيل مين
عنييد ربنييا ومييا يذكيير إل أولوا اللباب) (آل عمران )7 :ومييا وراء ذلك
فالعقيل مطلق النظير ,ولذا حيث القرآن الكرييم العقيل على التدبر
والعتبار ,وأمره بقياس الشباه والنظائر .فقال تعالى :فاعتييبروا يييا
أولي البصيييار وقيييد كثرت اليات المختومييية ب أفل يعقلون وأفل
يتفكرون وأف ليتدبرون و وأفل يبصرون .
وكان أول توجيه إلى النبي eالتعلم قال تعالى :اقرأ باسم ربك
الذي خلق * خلق النسان من علق * اقرأ وربك الكرم * الذي علم
بالقلم * علم النسان ما لم يعلم (العلق1 :ي.)5
وأمر الله بطلب العلم فقال "وقيل ربي زدنيي علما"( طه,)114 :
ونفى المساواة بين العلماء وغيرهم فقال":أمن هو قانت آناء الليل
ساجدا وقائما يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين
يعلمون والذيين ل يعلمون إنميا يتذكير أولوا اللباب"(الزمير ,)9:وأعل
درجيية العلماء فقال ":نرفييع درجات ميين نشاء وفوق كييل ذي علم
عليم"(يوسف.)76:
وقال تعالى " :شهيد الله أنيه ل إله إل هيو والملئكية وأولوا العلم
قائمييا بالقسييط ل إله إل هييو العزيييز الحكيييم"(آل عمران .)18 :وقال
"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين". ..
وقال "مين سيلك طريقيا يلتميس فييه علميا سيهل الله له طريقيا
إلى الجنة".
وقال "إن العلماء ورثيية النييبياء ,إن النييبياء لم يورثوا دينارا ول
درهما ,إنما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر".
وقال أيضيا "إذا مات النسيان انقطيع عنيه عمله إل مين ثلثية ,إل
من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له ".
وفييي كلميية جامعيية يقول الشيييخ أبييو سييليمان المنطقييي " :إن
الشريعية مأخوذة مين الله ,عيز وجيل ,بوسياطة السيفير بينيه وبيين
الخلق ميين طريييق الوحييي ,وباب المناجاة ,وشهادة اليات ,وظهور
المعجزات ,وفي أثنائها ما ل سبيل إلى البحث عنه ,والغوص فيه ,ول
بيد مين التسيليم المدعيو إلييه ,والمنبيه علييه .وهناك يسيقط " :لم?"
ويبطيل " :كييف?" ويزول " :هل" وتذهيب " :لو ,ولييت" فيي الرييح .ولو
كان العقل يكتفي به ,لم يكن للوحي فائدة ول غناء .على أن منازل
الناس متفاوتة في العقل ,وانصباءهم مختلفة فيه .فلو كنا نستغنى
عن الوحي بالعقل .كيف كنا نصنع وليس العقل بأسره لواحد منا?
فإنميا هيو لجمييع الناس ولو اسيتقل إنسيان واحيد بعقله فيي جمييع
حالتيه ,فيي دينيه ودنياه ,لسيتقل أيضيا بقوتيه فيي جمييع حاجاتيه ,فيي
دينيه ودنياه ,ولكين وحده يفيي بجمييع الصيناعات والمعارف ,وكان ل
يحتاج إلى أحد من نوعه وجنسه .وهذا قول مردود ,ورأى مخذول.
المبحث الثالث
نمو العلم في إطار الدين
ل تبنيى حضارة تعمير الرض إل على ديين ,ول تقوم الحضارة إل
بالعلم وقييد جمعييت الحضارة السييلمية ,بييين العلم والدييين ,وكمييا
قدرت للعلم مكانته فقد قدرت للعلماء شأنهم ومنزلتهم.
ولسنا بصدد ذكر الشواهد والدلة على ذلك فقد امتلت الكتب
فيي الدللة علييه ,والسيتشهاد مين الكتاب والسينة ولكين ميا نحتاج
إلى تقريره هيييو الواقيييع الحضاري للعلوم السيييلمية وكييييف كان
الحوار ,والترابيط ,والتلقيي بيين العلم واليمان ,بيين العلوم العلميية
والنقلية ,كيف نما العلم في حماية الدين ,وخير شاهد على ذلك ما
تناقلته كتب التاريخ ,وبخاصة كتب المنصفين من المستشرقين عن
واقع الحضارة السلمية يوم أن كانت قيادة الحضارة إيمانية دينية.
ول يمكين إدراك أهميية شأن العرب فيي الغرب إل بتصيور حال
أوربة حينما أدخل العرب الحضارة إليها.
مضت مدة طويلة قبل شعور أوربة بهمجيتها ,ولم يبد ميلها إلى
العلم إل فيي القرن الحادي عشير والقرن الثانيي عشير مين الميلد,
فلميييا ظهييير فيهيييا أناس رأوا أن يرفعوا أكفان الجهيييل عنهيييم ولوا
وجوههم شطر العرب.
وقيد كللت أعمال ذلك المكتيب بالنجاح فبدا للغرب عالم جدييد,
ولم يتوان الغرب فييي أميير تلك الترجميية فييي القرن الثانييي عشيير,
والقرن الثالث عشير ,والقرن الرابيع عشير ,والقرن الخاميس عشير
من الميلد ,ولم يقتصر في تلك القرون على ترجمة مؤلفات علماء
العرب كالرازي ,وأبي القاسم وابن سينا ,وابن رشد إلخ وحدها إلى
اللغيية اللتينييية ,بييل نقلت إليهييا كتييب علماء اليونان ميين ترجمتهييا
العربييية ككتييب جالينوس ,وبقراط ,وأفلطون ,وأرسييطو وأقليدس,
وأخميدس ,وبطليموس .وقييد روى الدكتور لوكلييير فييي كتابييه الذي
سماه " تاريخ الطب العربي " أن عدد ما ترجم من كتب العرب إلى
اللغية اللتينيية يزييد عين ثلثمائة كتاب ,ولم تعرف القرون الوسيطى
كتيب قدماء اليونان فيي الحقيقية ,إل مين ترجماتهيا العربيية ,وبفضيل
هذه الترجمات أطلعنا على محتويات كتب اليونان التي ضاع أصلها,
ككتاب أبولونيوس فيي المخروطات ,وكتيب جالينوس فيي المراض
السارية وكتاب أرسطو في الحجارة إلخ.
ومن الملحظ أنه كان يقدم للعالم ,خلل تفرغه للبحث العلمي,
حاجتيه مين ورق وأدوات كتابية ,ونسياخ ,وخدم ,وكيل ميا يوف له مين
وسائل الراحة لممارسة عمله في التصنيف والبحث.
أما الموارد المالية التي كانت تقوم بنفقات المكتبات ,فمنها ما
كان ميين الوقاف التييي تنشييأ ميين أجلهييا خاصيية ,وهذه حال أكثيير
المكتبات العامة ,ومنها ما كان من عطايا المراء ,والغنياء ,والعلماء
الذيين يؤسيسون تلك المكتبات فقيد قالوا إنيه كان عطاء محميد بين
عبيد الملك الزيات للنقلة والنسياخ فيي مكتبتيه ألفيي دينار كيل شهير,
وكان المأمون يعطي حنين بن إسحاق من الذهب زنة ما ينقله من
الكتب إلى العربية مثل بمثل.
في حين أنه بعد هذا التاريخ بأربعة قرون ,أي في القرن الثامن
الهجري (الرابيع عشير الميلدي) ,كانيت أغنيى مكتبية فيي أوبيا مكتبية
كنيسييية كانتربيري ( )Canterburyفيييي مقاطعييية كنيييت ( )kentجنوب
شرقي انجلترا ,تضم 1800مجلد.
ومنهيا مكتبية بنيي عمار فيي طرابلس .كانيت آيية مين اليات فيي
العظميية والضخاميية .كان فيهييا مائة وثمانون ناسييخا ينسييخون فيهييا
الكتب ,ويتبادلون العمل ليل ونهارا بحيث ل ينقطع النسخ .وكان بنو
عمار يحرصيون على أن يزودوهيا بكيل نادر ,وكيل جدييد مين الكتيب,
ووظفوا أخصييييائيين وتجارا ليجوبوا البلد ويحرزوا لهييييم الكتييييب
المفيدة مين البلدان النائيية ,والقطار الجنبيية .اسيتفاد منهيا المعرى
وذكرهييا فييي بعييض كتبييه ,واختلف فييي مقدار مييا كان فيهييا ,وأعدل
القوال أنها كانت تحوي مليون كتاب.
ومن عجيب المور أن ميدان البحث كان حرا ,إلى درجة كبيرة,
سييواء فييي ذلك كتييب ومصيينفات المذاهييب المختلفيية ,والتجاهات
المتباينة ,ولم يكن ذلك الخلف في بطون الكتب فحسب ,بل كانت
المجالس العلمية تجم ع ب ين المتخالفين من العلماء ,كل يطرح ما
عنده فيدور بينهم حوار علمي رفيع.
تلك الحضارة السيلمية الدينيية ,هيي التيي طورت ميا ورثتيه مين
علوم وابتكرت علومييييييا ,ومخترعات مازالت حضارة اليوم تعترف,
وتديين بكثيير مين العلوم ,والبتكارات ,والبداع لهيا .ولسينا بصيدد ذكير
تفاصيييل ذلك ,فهذا مييا يحتاج إلى كتاب متخصييص فييي هذا الشأن,
ويكفينييا هنييا الشارة إلى الشادات التاريخييية بدور المسييلمين فييي
العلوم ,ونماذج ميين جهودهييم العلمييية .وخاصيية العلوم السيياسية
الربعية التيي كان للمسيلمين تمييز ملحوظ ,وآثار علميية هامية فيهيا,
وهييييي علم الطييييب والفلك ,والرياضيات ,والكيمياء ,وإنمييييا تميييييز
المسلمون بهذه العلوم لعتمادهم على التجربة في تقرير القضايا.
حقيا ,لقيد اختيبر العرب مسيائل العلم وجربوهيا ,وقيد كانوا أول
من أدرك أهمية هذا المنهج في العلم ,وقد ظلوا عاملين به وحدهم
زمنا طويل .قال دولمير في كتاب " :تاريخ علم الفلك " " :إذا عددت
بيين الغرييق راصيدين ثلثية ,ثيم نظرت إلى العرب أمكنيك أن ترى
بينهم عددا كبيرا من الرصاد ".
وأميا فيي الكيمياء فل تجيد عالميا يونانييا اسيتند فيي مباحثيه إلى
التجربة ,مع أنك تعد مئات من علماء العرب الذين قامت مباحثهم
الكيماوية على التجربة.
الطب والصيدلة :
الرياضيات:
الفيزياء والكيمياء:
وقييد درس أكثيير علماء العرب الذييين ألفوا فييي مختلف العلوم
مسييائل الكيمياء ,وإذا اسييتثنينا مؤلفات جابر والرازي ,رأينييا كتييب
الكيمياء العربية قد ضاعت ,وإننا لنأسف على ذلك بعد أن تجلت لنا
قيمة ما هو بين أيدينا منها.
وقيد ظهرت لنيا مدى اكتشافات العرب الكيماويية مين كثرة ميا
كان مجهول قبلهيم مين المركبات التيي ذكروهيا فيي مؤلفاتهيم ,ومين
ابتداعهيم لفين الصييدلة ,كميا أننيا علمنيا مقدار معارفهيم فيي الكيمياء
من حذقهم لفن الصباغة واستخراج المعادن ,وصنع الفولذ ,ودباغة
الجلود .كما أنهم اكتشفوا (الحامض الكبريتي) وماء الفضة (الحامض
النتري) وماء الذهيب ,وميا إلى ذلك .وقيد اكتشيف العرب كذلك أهيم
أسس الكيمياء كالتقطير.
قال بعيض المؤلفيين :إن ل فوازيية هيو واضيع علم الكيمياء ,وقيد
نسييوا أننييا ل عهييد لنييا بعلم ميين العلوم ,ومنهييا علم الكيمياء ,صييار
ابتداعه دفعة واحدة ,وأنه كان عند العرب من المختبرات ما وصلوا
بيه إلى كثيير مين الكتشافات التيي لولهيا ميا اسيتطاع ل فوازييه أن
ينتهي إلى اكتشافاته.
الميكانيكا
يقول غوسييتاف لوبون :إن معارف العرب الميكانيكييية واسييعة
جدا ,ويسيتدل عليهيا مين بقاييا آلتهيم التيي انتهيت إلينيا ومين وصيفهم
لها في مؤلفاتهم.
المعارف الصناعية
المبحث الخامس
ثوابت وضرورات حضارة المستقبل
ولقد تنازع المسلمون فيما بينهم ,حتى أكل بعضهم لحم بعض
وعرضيه ,وأصيبحوا شيعيا متنافسية متنابذة ,فحيل بهيم وعييد الله عيز
وجل " :قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من
تحت أرجلكم ,أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف
نصيرف اليات لعلهيم يفقهون " .قال المام أحميد عين سيعد بين أبيي
وقاص قال :أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا
على مسجد بني معاوية ,فدخل فصلى ركعتين فصلينا معه ,فناجى
ربيه عيز وجيل طويل ثيم قال " :سيألت ربيي ثلثيا ,وسيألته :أن ل يهلك
أمتي بالغرق فأعطانيها ,وسألته :أن ل يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها,
وسألته :أن ل يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها".
قال ابين كثيير :فيي قوله تعالى أو يلبسيكم شيعيا يعنيي يجعلكيم
ملتبسيين شيعيا فرقيا متخالفيين :قال ابين عباس :يعنيي الهواء ,وكذا
قال مجاه د وقيد ورد فيي الحدييث عنيه صيلى الله علييه وسيلم أنيه
قال" :وسيتفترق هذه المية على ثلث وسيبعين فرقية كلهيا فيي النار
إل واحدة" .وقوله تعالى" :ويذيييق بعضكييم بأس بعييض" :قال ابيين
عباس وغير واحد :يعني يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل,
وقوله تعالى":انظير كييف نصيرف اليات أي نبينهيا ونوضحهيا مرة,
ونفسييرها لعلهييم يفقهون"أي يفهييم ون ويتدبرون عيين الله آياتييه
وحججه وبراهينه.
وقال ابين عطيية فيي اليية ":إنهيا إخبار يتضمين الوعييد ,والظهير
مين نسيق اليات أن هذا الخطاب للكفار ,الذيين تقدم ذكرهيم ,وهيو
مذهيب الطيبري ,وقال أبيي بين كعيب ,وأبيو العاليية ,وجماعية معهميا:
هيي للمؤمنيين ,وهيم المراد ,وظاهير اليية العموم ,وظاهير الحدييث
تأكيد شمولها المؤمنين المسلمين.
ول شييك أن التعاون أصييل ميين أصييول الدييين ,وقييد ورد لفييظ
التعاون فيي القرآن الكرييم فيي آيية واحدة هيي قوله تبارك وتعالى
"ول يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا
وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثيييييم والعدوان واتقوا
الله إن الله شديد العقاب " .
لقيد جاءت آيية التعاون عامية للناس أجمعيين ,وهيي فيي أصيلها
وفيي خاصية سيببها وخطابهيا للمؤمنيين .جاءت اليية لتقير أصيل مين
أصول هذا الدين ,وهو التعاون حتى مع الخصوم والعداء ,ما دامت
الغاية نبيلة وشريفة ,غاية البر بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى,
والتعاون بهذا المعنيييى جزء مييين العدالة :ومفرد مييين مفرداتهيييا,
فالخصيومة...والعداوة ولو كانيت ميع المخالفيين فيي الديين فإنهيا ل
تعدم العدل ول تطيييش بميزانييه .وتقريرا لهذا الصييل ,وتأكيدا عليييه
جاء قوله عز وجل" :ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين
ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب
المقسطين ".
وتعتيبر آيية التعاون الكريمية أعظيم آيية وأنصيع دلييل على سيمو
مبدأ العدالة فيي السيلم ,وهيو يحميل المسيلمين مسيئولية إيمانيية,
وأخلقيية ,عظيمية تغايير ميا كان علييه العرب فيي جاهليتهيم ,واليية
الكريميية وهييي تقرر بوضوح أن مبدأ التعاون على البر مييع العداء
منطقيه العدالة والقسيط ,فإن فيي هذا إشارة قويية إلى أن التعاون
بيين المؤمنيين مفترض ,ومفروغ منيه لنيه مين الواجبات ,ومين حيق
المسييلمين بعضهييم على بعييض ,ومجتمييع مسييلم ل يقوم على مبدأ
التعاون بيين أهله يفقيد عنصير حياتيه وأسياسا مين أسيس دينيه ,ولن
يكون إل الفشل والفرقة حليفه.
إن السيلم هيو ديين الوحدة كميا هيو ديين التوحييد ,وديين التعاون
كميا هيو ديين التكافيل ,وديين يتعاميل ميع المية باعتبارهيا جسيدا واحدا
إذا اشتكى جزؤه ,اشتكى كله ,ويتعاون الكل لشفاء الجزء.
وحيين يدعوا السيلم إلى التعاون ,إنميا يدعيو للقضاء على كيل
سيبب يفضيي بالمؤمنيين إلى التنازع ,والخلف ,والتباعيد ,والتقاطيع,
والتدابر .وقد بين الله عز وجل أن التفرق في الدين ,واتباع الهواء,
نقيضان للتعاون والوحدة ,موجبان لغضيييب الله ,وكييييف يفلح تعاون
المغضوب عليهيييييم .يقول الله تبارك وتعالى " :ول تكونوا كالذيييييين
تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم
" ويقول عيز وجيل":إن الذيين فرقوا دينهيم وكانوا شيعيا لسيت منهيم
في شيء .ويبين الله عز وجل منهج وأسلوب التعاون لنبذ الخلف,
والفرقية باليمان الحيق ,والدعوة والسيتقامة على ديين الله ,إقامية
العدل ومواجيه الحجية بالحجية ,ثيم ييبين حكميه العادل على مين نبيذ
هذا المنهيج القوييم ,فيقول الله عيز وجيل ضاربيا المثيل بفرقية أهيل
الكتاب" :وميا تفرقوا إل مين بعيد ميا جاءهيم العلم بغييا بينهيم ولول
كلمية سيبقت مين ربيك إلى أجيل مسيمى لقضيي بينهيم وإن الذيين
أورثوا الكتاب ميين بعدهييم لفييي شييك منييه مريييب ,فلذ لك فادع
واسيتقم كميا أمرت ,ول تتبيع أهواءهيم وقيل آمنيت بميا أنزل الله مين
كتاب وأمرت لعدل بينكييم ,والله ربنييا وربكييم ,لنييا أعمالنييا ولكييم
أعمالكيم ,ل حجية بيننيا وبينكيم ,الله يجميع بيننيا وإلييه المصيير ,والذيين
يحاجون فيي الله مين بعيد ميا اسيتجيب له حجتهيم داحضية عنيد ربهيم
وعليهم غضب ولهم عذاب شديد (الشورى 14ي.)16.
إن مين أوجيب الواجبات أن يكون أهيل العلم هيم مين يجمعون,
ويعينون ,ويوحدون الفراد والميية ,فإذا كان العلماء سييبب الفرقيية
فهذه من الكبائر العظام.
ومن السف أننا نشهد بعض أهل العلم يفرق ,ول يجمع ويفتت
ول يوحد .ويعتقد أن تجميع المخالفين لغيره معه دعوة ودين.
وإذا كان من علماء المة قديما من كان سببا في الفرقة فإنما
كان محيز خلفهيم الكبائر مين القضاييا ,وقيد يكون لهيم فييه مندوحية,
لكين كثيرا مين المنتسيبين للعلم اليوم يفرقون طلبية لعلم ,والعامية,
ويشتتون صوت المة ,وريحها ,ومحز خلفهم الصغائر ,صغائر المور
وتفاهات المواضيع ,التي يسع فيها الخلف ,أو ربما كان الخلف فيها
مين طبائع الناس ,لن مرجعهيا إلى الفكير والعادات ل إلى النصيوص
المحكمات.
إن هذا الخلف إذا ترك يستشري بين العلماء ,وطلبة العلم لهم
فييه تبيع ,فإن مسيتقبل أمية هذه سييرة علمائهيا سيتلد رؤوسيا فيي
الفتن والفرقة ,ول حول ول قوة إل بالله.
ومين عجيب أن كيل رأس مين هؤلء العلماء ,أو المنتسيبين لهيم
يدعيى أنيه الفرقية الناجيية ,وأن مين تبعيه دخيل الجنية ,ومين عصياه
وخالفيه ميع الفرقية الهالكية فيي النار ول تعجيب ميع هذه الدعوة أن
ترى مدعى زعامة الفرقة الناجية ,واتباعه من طلبة العلم ,وغيرهم,
يصلون مع إخوانهم الفرق الهالكة في مسجد واحد ,وقبلتهم واحدة,
وقد يأتم بعضهم ببعض.
كميا أن هذه اليية تنهيي عين اللميز والتنابيز باللقاب ,وتعتيبر مين
يلمز أخاه لمزا لنفسه ,وهذا معنى يجب أن نتنبه إلى ما يوحي به,
فإن المسيلمين حيين لمزت كيل طائفية منهيم أختهيا أصيبحوا كلهيم
جرحيى أمام خصيومهم ,وأعداء ملتهيم ,فهيم يحكمون على طوائفهيم
بما يحكم به بعضهم على بعض ,فيحتقرونهم جميعا ,وبهذا كان الذي
يلمز أخاه إنما يلمز نفسه.
ثيم هيي تجعيل ذلك كله خروجيا على اليمان ,وتسيميه فسيوقا,
وتطلب التوبية منيه والقلع عنيه ,وتحصير الظلم الكاميل فيمين لم
يتب منه بئس السم الفسوق بعد اليمان ومن لم يتب فأولئك هم
الظالمون .
إن القول بأن نعميل فيميا نتفيق علييه ,ويعذر بعضنيا بعضيا فيميا
اختلفنيييا فييييه ,قول سيييديد ,يصيييلح أن يكون قاعدة يجتميييع عليهيييا
المختلفون مين المسيلمين حكاميا ,وعلماء ,وطلبية علم ,فإن الخلف
فيي أغلبيه خلف فيي اجتهادات ,وإداريات ,وأسياليب ,ومصيالح ,وقلميا
يكون الخلف ,بيييل ل يكون فيييي أصيييول الديييين ,أو ميييا علم منيييه
بالضرورة ,وإذا كان ذلك كذلك فيسييعنا مييا وسييع الصييحابة رضوان
الله عليهم والتابعين.
وإنميا يصيلح التعاون ميع الخلف إذا صيلحت النيات ,وابتغيى وجيه
الله الكريم فإن العلج حليفهم بل ر يب إن يريدا إصلحا يوفق الله
بينهما إن الله كان عليما خبيرا .
ولك أن تتصور عظم الجرم إذا كان حماة الدين هم حماة لظلم
السيياسة وانحراف السييياسة ,يزينون لهييم آراءهييم ,ويفصييلون لهييم
الفتاوى وينمقون لهيم القوال ويحسينونها ,وإن شابهيا ميا شابهيا ,بيل
وإن هدمييت ميين مباديييء الشريعيية حدودهييا ,وإن أهدرت المصييالح
المعتيبرة للسيلم عامية أو خاصية .إن هؤلء هيم الظلمية أنفسيهم ل
أعوان الظلمة ,بل قد يكون السلطان والساسة عونا لهم ,لن أصل
المر والنهي يأتي من سبيلهم في الحلل والحرام.
فمن حاز العلم والقتصاد فقد حاز القوة ,ومن حاز القوة حقق
مصيلحته ,وهيي السييادة والمتعية ,وفيي سيبيل هذه الغايية يسيتخدم
القوة وإن أهدر مصييالح الغييير ,بييل وإن كان فييي تحقيييق مصييلحته
إهدار النفيس والموال والعراض فغايتيه تيبرر وسييلته ,تماميا كميا
كان شأن العراب في جاهليتهم يقولون:
ثيم يعقيب على هذا القول بأن المسيلمين تربيط بعضهيم ببعيض
روابيط هذه الحضارة ربطيا وثيقيا ل انفصيام له .وباعتبار هذا المعنيى,
فإن الجامعة السلمية إنما هي عامة ,قائمة البناء في جميع العالم
السييلمي زد على جميييع هذا أن سيياد اليوم فييي العالم السييلمي
سييييادة عامييية ,العتقاد الذي يؤيده الحرار ,والغلة ,والمحافظون,
وسييائر الحزاب معييا ,أن المسييلمين اليوم هييم فييي دور النهضيية
والنتقال ,والتجدد ,يسيتردون مجدهيم السيلمي الفائت ,ويسيتعيدون
عزهم التليد.
ثم ينقل ثانية قول للسير موريسون ,وكأنه يعنى ما تعيشه المة
السييلمية اليوم ميين محاولة النهوض ,واسييتئناف الحياة السييلمية
الحضارية .لكنها ما زالت روح الشعوب ,ولم تتبناها الدول بعد يقول
السيير موريسيون " :لييس مين مسيلم يعتقيد أن الحضارة السيلمية
فانية ,وغير متجددة مترقية ,إنما يعتقد أن قد عرتها قهقري قصيرة
فحسيب فقصير المسيلمون أمرهيم على التطوح فيي الشادة بمجيد
الجدود ,وتعصيبوا فيي ذلك وغالوا شديدا ,ولكين أمرهيم هذا ميا كان
ليختلف فيي صيفته عين الحال التيي كانيت سيائدة فيي أوربية خلل
القرون الوسيييطى ,يوم كان ديجور الجهيييل مطبقيييا جمييييع البلد
النصرانية ,يعتقد المسلم اليوم أن العالم السلمي سائر في طريق
استئناف الرتقاء ,يأخذ عن الغرب ما يزيد في استحثاثه ويبعث فيه
عزما ,وإقداما ,ونشاطا ,فتطورت الحياة تطورا تبدت دلئله في كل
قطر إسلمي".
3ي التميز
فل تبنيى حضارة على التقلييد المحيض ,وإنميا تبنيى على التمييز,
التمييز فيي المعتقيد ,والفكير ,والتصيور ,والنظيم الخلقيية ,ومجموع
ذلك يكون الهوية ,هوية المة ,وبغير ذلك تصبح المة جزءا من عجلة
الحضارة الغربييية ,تدور برحاهييم حيثمييا داروا ,وإن دخلوا جحورهييم
المصيادمة للفطرة والنسيانية ,ميع ميا فيهيا مين قذارة وآفات .وإذا
كان بالمكان أن يتفوق ويتقدم التلمييييييذ على أسيييييتاذه ,فمييييين
المستحيل أن يتقدم التابع على متبوعه ,فإن غاية الريادة والقيادة ل
تجتمع بحال مع التقليد المحض.
وأمية هذه روحهيا ,والله إنهيا لغالبية ,وخليقية بالخلفية ,وهذا وعيد
الله ,ولن يخلف الله وعده.
أول ميا ينبغيي أن يعميل فيي منهيج التلقيي أن يفصيل بيين النظيم
الغربييية فييي التربييية والخلق ,والسييلوك والفكيير ,والتصييور للكون
والحياة ,وبيين العلوم التقنيية ,والدراسيات الجتماعيية الجادة .فلييس
كالسيلم نظام تربيية ,وأخلق ,وتصيور ,وفكير ,ومنهيج حياة ,فميا مين
حاجة إلى نظمهم لختلل السس التي بنيت عليها.
إن السيلم المسيتهدف الهيم فيي العولمية ,أو هكذا ينبغيي أن
تكون نفسييية التعامييل مييع العولميية .وقادة الحلف الطلسييي بقيادة
أمريكييا كفونييا مؤنيية التنقيييب عيين النوايييا بتصييريحاتهم المتكررة,
والمصيرة على أن السيلم هيو العدو السيتراتيجي الجدييد بعيد انهيار
الشيوعية ,ويقول نيك سون الرئيس المريكي السيبق " :إنه ل يوجد
فرق بييين إسييلم معتدل وآخيير متطرف....والحضارة الغربييية فييي
تعاملها مع السلم كمن يتعامل مع مجموعة من الفاعي السامة ".
وإن التراث الضخيم كميا ,ونوعيا مميا خلفيه أولئك الفذاذ ليبعيث
على العتزاز ,فقد سبقوا عصرهم ,وما زالت المجامع الفقهية اليوم
تستمد من اجتهاداتهم في العديد من القضايا المعاصرة مع ما فيها
من تعقيد وتشابك للمسائل.
المراجع