You are on page 1of 50

‫نحو حضارة إسلمية مستقبلية‬

‫أساسها الدين والعلم‬


‫الدكتور عجيل جاسم النشمي‬

‫الحمييييد لله رب العالمييييين‪ ,‬والصييييلة والسييييلم على أشرف‬


‫المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫لقيد آخيى السيلم بيين العقيدة والشريعية مين جانيب‪ ,‬والعقيل‬
‫والعلم من جانب آخر‪ ,‬حتى لكأنهما شيء واحد‪ ,‬وبني حضارته على‬
‫هذا المزج بتوازن فريييد‪ ,‬فالعقيدة حامييية الروح‪ ,‬والشريعيية حامييية‬
‫النظام‪ ,‬والعقيييل مطلق البداع والتطويييير‪ ,‬وهيييو محميييي بالعقيدة‬
‫والشريعية بيل هيو فيي عداد الضروريات الخميس التيي ل قوام ول‬
‫حياة للناس إل بهييا‪ .‬ثييم العلم نتاج ذلك كله‪ .‬وتاج المجتمييع‪ ,‬وعنوان‬
‫تقدمه ورقيه‪.‬‬

‫لقيد تميزت حضارة السيلم بأنهيا حضارة دينيية أسياسها توحييد‬


‫الله‪ ,‬وإفراده بالربوبييية واللوهييية‪ .‬ولم تشارك السييلم حضارة فييي‬
‫صييفاء العقيدة‪ ,‬فمييا ميين حضارة سييلفت إل وللوثنييية والخرافات‪,‬‬
‫والفلسيييفات المنحرفييية نصييييب منهيييا‪ ,‬ولو كان أسييياسها دينييييا‬
‫كالنصرانية‪.‬‬

‫ول ينكير أثير الديين فيي قيام الحضارات‪ ,‬والسيلم فيي أسياسه‬
‫حضارة دينية محضة‪ ,‬فالدين كما يقول مالك بن نبي‪ " :‬ظاهرة كونية‬
‫تحكيم فكير النسيان وحضارتيه‪ ,‬كميا تحكيم الجاذبيية المادة‪ ,‬وتتحكيم‬
‫في تطوره‪ ,‬والدين على هذا يبدو وكأنه مطبوع في النظام الكوني‪,‬‬
‫قانونيا خاصيا بالفكير‪ ,‬الذي يطوف فيي مدارات مختلفية‪ ,‬مين السيلم‬
‫الموحد إلى أحط الوثنيات"‪.‬‬

‫والديين أسياس الحضارات القديمية‪ ,‬مين معابده نشأت الحضارة‬


‫وفييي هذا يقول مالك بيين نييبي‪ " :‬كلمييا أوغييل المرء فييي الماضييي‬
‫التاريخي للنسان‪ ,‬وفي الحقاب الزاهرة الحضارية‪ ,‬أو في المراحل‬
‫البدائيية لتطوره الجتماعيي‪ ,‬فإنيه يجيد سيطورا مين الفكرة الدينيية‪,‬‬
‫ولقيد أظهير علم الثار دائميا ‪ .‬مين بيين الطلل التيي كشيف عنهيا ‪.‬‬
‫بقاييا آثار خصيصها النسيان القدييم لشعائره الدينيية‪ ,‬أييا كانيت تلك‬
‫الشعائر ولقيد سيارت هندسية البناء مين كهوف العبادة فيي العصير‬
‫الحجري‪ ,‬إلى عهييد المعابييد الفخميية‪ ,‬جنبييا إلى جنييب مييع الفكرة‬
‫الدينية‪ ,‬التي طبعت قوانين النس ان‪ ,‬بل علومه‪ ,‬فولدت الحضارات‬
‫فيي ظيل المعابيد كمعبيد سيليمان‪ ,‬أو الكعبية مين هنالك كانيت تشرق‬
‫هذه الحضارات لكي تنير العلم‪ ,‬وتزدهر في جامعاته ومعامله‪.‬‬

‫فالتارييخ يشهيد أن الديين ثابيت مين ثوابيت الشخصيية النسيانية‪,‬‬


‫ليييس هذا فحسييب‪ .‬بييل إن الدييين كان ميين وراء كييل المنجزات‬
‫البشرييية‪ ,‬ولهذا فابيين نييبي ينتقييد نظرييية (توينييبي) فييي التحدي‬
‫والسييتجابة‪ ,‬لنييه وإن كانييت تفسيير قيام بعييض الحضارات فإنهييا ل‬
‫تفسير لنيا قيام بعضهيا الخير‪ .‬كميا ينتقيد ميا ذهيب إلييه (ماركيس)‬
‫ومدرسيية المادييية التاريخييية‪ .‬إذ أن ميين الحضارات مييا ل يمكيين أن‬
‫تفسيير قيامهييا بالعامييل المادي‪ ,‬مثييل الحضارة السييلمية‪ ,‬وحتييى‬
‫الحضارة الغربييية نفسييها‪ ,‬كمييا ينتقييد مييا ذهييب إليييه دعاة التفوق‬
‫العرقييي‪ ,‬وقيام الحضارات على أسيياس العرق‪ ,‬ويقدم الدييين بديل‬
‫تفسيريا لقيام الحضارات ومنجزتها عبر التاريخ‪.‬‬

‫كلمة حق في الحضارة السلمية "إن المم التي فاقت العرب‬


‫‪ .‬أي المسيلمين تمدنيا قليلة إلى الغايية‪ ,‬وإن ميا حققيه العرب فيي‬
‫وقييت قصييير ميين المبتكرات العظيميية لم تحققييه أميية‪ ,‬وإن العرب‬
‫أقاموا دينييا ميين أقوى الديان التييي سييادت العالم ول يزال الناس‬
‫يخضعون لهيا‪ ,‬وإنهيم أنشأوا دولة تعيد مين أعظيم الدول التيي عرفهيا‬
‫التارييخ‪ ,‬وإنهيم ميد نوا أوربية ثقافية وأخلقيا‪ ,‬وإن الميم التيي سيمت‬
‫سمو العرب وهبطت هبوطهم نادرة ‪ ,‬وإنه لم يظهر كالعرب شعب‬
‫يصلح ليكون مثال بارزا لتأثير العوامل التي تهيمن على قيام الدول‬
‫وعظمتها وانحطاطها‪ " .‬الدكتور غوستاف لوبون‪.‬‬

‫المبحث الول‬
‫حضارة النسانية والتسامح ‪:‬‬

‫هناك تلزم تاريخي بين النسانية والتسامح وبين احترام العقل‬


‫والعلم فحضارة النييا أو الحضارة العرقييية والعصييبية التييي تهييين‬
‫النسيان فإنهيا تهيين وتحتقير عقله فيي الوقيت ذاتيه‪ ,‬ومتيى أهانيت‬
‫العقييل فقييد أهانييت فييي العلم‪ ,‬وحضارة السييلم حضارة إنسييانية‬
‫النزعيية‪ ,‬الناس فيهييا سييواسية مهمييا اختلفييت أجناسييهم‪ ,‬وأنسيابهم‪,‬‬
‫ومواطنهيم‪ ,‬بيل وعقائدهيم ييا أيهيا الناس إنيا خلقناكيم مين ذكير وأنثيى‬
‫وجعلناكيييم شعوبييا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكيييم عنيييد الله أتقاكيييم‬
‫(الحجرات‪.)13 :‬‬

‫ولقييد ذاق الناس فييي ظييل إنسييانية الحضارة السييلمية طعييم‬


‫المسيياواة‪ ,‬والحرييية‪ ,‬والعدل‪ ,‬على اختلف عقائدهييم‪ ,‬كمييا لم تذق‬
‫البشرية هذا الطعم في حضارة سابقة أو لحقة‪.‬‬

‫إن نجاح الحضارة بمقدار ما تحققه من سعادة للبشر‪ ,‬وهذا ما‬


‫لم يتحقيق فيي حضارات الرض المصينوعة مبادؤهيا وأخلقياتهيا مين‬
‫أربابييه أو مقاييييس البشيير‪ ,‬ل تعدوا المادة‪ ,‬وقييد تغلبهييا الهواء بييل‬
‫تغلبهييا لريييب ول أدل على ذلك ميين حضارة الناس اليوم‪ ,‬فقييد بلغ‬
‫شأن النسان فيها مبلغا عظيما‪ ,‬وتيسرت له وسائل العيش والترف‬
‫والرفاه بما لم يتسير لغيره أو تبلغه حضارة من قبل‪ ,‬ومع هذا فإن‬
‫السيعادة بعيدة المنال‪ ,‬بيل تكاد العلقية عكسيية‪ ,‬إذ كلميا زاد الرخاء‪,‬‬
‫والترف‪ ,‬وبلغ النسان من إنجاز المخترعات ما يحير العقول‪ ,‬ووصل‬
‫إلى أعل درجات الدقية‪ ,‬والتقان زاد معيه اضطراب النفيس‪ ,‬والقلق‬
‫حتييييى غدت هذه أمراضييييا مسييييتعصية تقام لهيييا المسييييتشفيات‬
‫المتخصيصة‪ ,‬وتدرس مين أجلهيا علوم خاصية بهيا‪ .‬بيل أصيبحت اللم‬
‫النفسية‪ ,‬والمراض السارية من أكبر ما يواجه الدول‪ ,‬وحسب كثير‬
‫مييين الدول أن تتابيييع إحصيييائيات حوادث النتحار‪ ,‬وانتشار الجرائم‬
‫المنظمة‪ ,‬وما إلى ذلك‪.‬‬

‫وحينميا نقول‪ :‬إن الديين منقيذ الحضارة‪ ,‬وأن الديين منقيذ العلم‬
‫والعقييل بييل حاميهمييا ميين النحراف‪ ,‬وأنييه نمييير الحياة والسييعادة‬
‫الحقيقية ربما يستبعد البعض ذلك‪ ,‬وقد نعجز أن نبرهن له من وقائع‬
‫الحضارة سييوى السييلم‪ ,‬فإن وقائع الحوال دليييل شاخييص يصييعب‬
‫إنكاره‪ .‬ولكين حضارة السيلم خيير شاهيد على أن العلم بحاجية إلى‬
‫الديين‪ ,‬بحاجية إلى أخلق ربانيية ل بشريية‪ ,‬تسيمو بالعقيل‪ ,‬وتمزج بيين‬
‫الدييين والعلم لتحقيق بهميا سييعادة النسيان فييي دنياه وأخراه‪ .‬وإن‬
‫واقيع الحضارة السيلمية مميا يجيب الطلع علييه ودراسيته‪ ,‬فالتارييخ‬
‫خير معين على المستقبل تستدرك فيه الخطاء‪ ,‬وتعزز ف يه الفوائد‬
‫والنجازات‪.‬‬

‫وحضارة السيييلم ميييذ وجدت تعنيييي بالنسيييان‪ ,‬والحفاظ على‬


‫جنسيه‪ ,‬وحمايية عقله وتطويير علميه غيير ناظرة لجنيس أو لون بيل‬
‫إنسانية شاملة‪.‬‬

‫ذكر ابن عساكر في سيرة ابن فاتك الذي شهد فتح دمشق أنه‬
‫تولى قسيمة الماكين بيين أهلهيا بعيد الفتيح‪ .‬فكان يترك الروميي فيي‬
‫العلو‪ ,‬ويترك المسيلم فيي أسيفل لئل يضير بالذميي‪ .‬أهذا عميل مين‬
‫يسيييء إلى ميين يخالفييه? ولعييل الشعوبيييين يماحكون فيزعمون أن‬
‫هذا مين باب الضعيف‪ ,‬وأيين كانيت قوة أهيل السيلم يوم عملوا هذا‬
‫من قوة غيرهم من أهل الديان الخرى في الشرق والغرب‪.‬‬

‫ولميا جميع هرقيل صياحب الروم جموعيه للمسيلمين ردوا على‬


‫أهيل حميص مين الروم ميا كانوا أخذوا منهيم مين الخراج وقالوا‪ :‬قيد‬
‫شغلنيا عين نصيرتكم‪ ,‬والدفيع عنكيم فأنتيم على أمركيم‪ .‬فقال أهيل‬
‫حمص‪ :‬لوليتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغش‪,‬‬
‫ولندفعين جنيد هرقيل عين المدينية ميع عاملكيم‪ .‬ونهيض اليهود فقالوا‪:‬‬
‫والتوارة ل يدخل عامل هرقل مدينة حمص إل إن غلب وجهد‪.‬‬

‫ويمر عمر بن الخطاب بباب قوم وعليه سائل يسأل‪ .‬شيخ كبير‬
‫ضريير البصير‪ ,‬فضرب عضده مين خلفيه‪ ,‬وقال‪ :‬مين أي أهيل الكتاب‬
‫أنت? فقال‪ :‬يهودي‪ .‬قال‪ :‬فما ألجأك إلى ما أرى? قال‪ :‬أسأل الجزية‬
‫والحاج ة والسين‪ .‬فأخيذ عمير بيده وذهيب بيه إلى منزله فرضيخ له‬
‫بشيء مما في المنزل‪ ,‬ثم أرسل إلى خازن بيت المال‪ .‬فقال‪ :‬أنظر‬
‫هذا وضرباءه‪ ,‬فوالله مييا أنصييفناه‪ ,‬أن أكلنييا شيبتييه ثييم نخذله عنييد‬
‫الهرم (إنميييييا الصيييييدقات للفقراء والمسييييياكين)‪ .‬والفقراء هيييييم‬
‫المسلمون‪ ,‬وهذا من المساكين من أهل الكتاب‪ ,‬ووضع عنه الجزية‬
‫وعن ضربائه‪.‬‬

‫وكتييب المام الوزاعييي إلى صييالح بيين علي بيين عبييد الله بيين‬
‫العباس‪ ,‬لميا قتيل مقاتلة أهيل لبنان‪ ,‬وأجلى بعضهيم لميا خرجوا على‬
‫الخليفية‪ " :‬لقيد كان مين إجلء أهيل الذمية مين جبيل لبنان ممين لم‬
‫يكيين ممالئا لميين خرج على خروجييه‪ ,‬مميين قتلت بعضهييم‪ ,‬ورددت‬
‫باقيهيم إلى قراهيم ميا قيد علميت‪ ,‬فكييف تؤخيذ عامية بذنوب خاصية‪,‬‬
‫حتييى يخرجوا ميين ديارهييم وأموالهييم‪ ,‬وحكييم الله تعالى أن ل تزر‬
‫وازرة وزرأخرى‪ ,‬وهو أحق ما وقف عنده واقتدى به‪ ,‬وأحق الوصايا‬
‫أن تحفظ وترعى وصي ة رسول الله ‪ ,‬فإنه قال‪ " :‬من ظلم معاهدا‬
‫وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه "‪ ,‬ونص القرافي وابن حزم على أن‬
‫من حق حماية أهل ذمتنا إذا تعرض الحربيون لبلدنا‪ ,‬وقصدوهم في‬
‫جوارنييا أن نموت فييي الدفاع عنهييم‪ ,‬وكييل تفريييط فييي ذلك يكون‬
‫إهمال لحقوق الذمييية‪ .‬ويقول القرافيييي‪ :‬إن مييين واجيييب المسيييلم‬
‫للذميييين الرفييق بضعفائهييم‪ ,‬وسييد خلة فقرائهييم‪ ,‬وإطعام جائعهييم‪,‬‬
‫وإلباس عاريهيم‪ ,‬ومخاطبتهيم بليين القول‪ ,‬واحتمال أذى الجار منهيم‪,‬‬
‫مع القدرة على الدفع‪ ,‬رفقا بهم ل خوفا ول تعظيما‪ ,‬وإخلص النصح‬
‫لهيم فيي جمييع أمورهيم‪ ,‬ودفيع مين تعرض ليذائهيم‪ ,‬وصيون أموالهيم‪,‬‬
‫وعيالهيم‪ ,‬وأعراضهيم‪ ,‬وجمييع حقوقهيم‪ ,‬ومصيالحهم‪ ,‬وأن يفعيل معهيم‬
‫كل ما يحسن بكريم الخلق أن يفعله‪.‬‬

‫ولميا تغلب المسيلمون على التتير فيي الشام خاطيب ابين تيميية‬
‫قطلوا شاه فييي إطلق السييرى‪ ,‬فسييمح له بالمسييلمين وأبييى ان‬
‫يسمح له بأهل الذمة‪ ,‬فقال له شيخ السلم‪ :‬لبد من افتكاك جميع‬
‫مين معيك مين اليهود والنصيارى الذيين هيم أهيل ذمتنيا ول ندع أسييرا‬
‫من أهل الملة‪ ,‬ول من أهل الذمة‪ .‬فأطلقهم له‪.‬‬

‫ول شييك أن حسيين الطباع‪ ,‬وروح التسييامح‪ ,‬ونبييل الخلق التييي‬


‫تحلى بهييا المسييلمون فييي ريادتهييم للحضارة الدينييية كانييت العون‬
‫الكييبر على سييمو الحضارة السييلمية فييي كييل البلد التييي فتحهييا‬
‫المسلمون وعاش الناس حياتهم‪ ,‬سعادة وهناء‪ .‬ففي الندلس يقول‬
‫المسييتشرق اسييتانلي لييين بول‪ :‬لم تنعييم الندلس طوال تاريخهييا‬
‫بحكم رحيم‪ ,‬عادل‪ ,‬كما نعمت به في أيام الفاتحين العرب"‪.‬‬

‫ويقول غوسيييتاف لوبون‪" :‬كان العرب يفوقون النصيييارى كثيرا‬


‫فيييي الخلق والعلوم والصيييناعات‪ ,‬وكان مييين طبائع العرب الكرم‪,‬‬
‫والخلص‪ ,‬والرحميية‪ ,‬ممييا ل نراه فييي غيرهييم‪ ,‬وكان ميين طبائعهييم‬
‫النبيييل‪ ,‬والوقار والعزة مميييا كان يؤدي الفراط فييييه إلى المبارزة‬
‫والشحناء‪.‬‬

‫ولم تكيين أخلق المسييلمين الحضارييية فترة عارضيية‪ ,‬ول حالة‬


‫فردية بل كانت سيرة أصيلة عامة في عهد الخلفة السلمية‪ ,‬وما‬
‫شذ عنها فحالت نادرة ل يقاس‪ ,‬ول يحكم بناء عليها‪ ,‬وفي هذا يقول‬
‫ول ديورانيد‪ .‬إن قيام الحضارة السيلمية واضمحللهيا لمين الظواهير‬
‫الكبرى في التاريخ‪ .‬لقد ظل السلم خمسة قرون من عام ‪ 700‬إلى‬
‫عام ‪ 1200‬يتزعيم العالم فيي القوة‪ ,‬والنظام‪ ,‬وبسيطة الملك‪ ,‬وجمييل‬
‫الطباع والخلق‪ ,‬وفييييي ارتفاع مسييييتوى الحياة‪ ,‬وفييييي التشريييييع‬
‫النسيياني الرحيييم‪ ,‬والتسييامح الدينييي‪ ,‬والداب والبحييث العلمييي‪,‬‬
‫والعلوم‪ ,‬والطب‪ ,‬والفلسفة‪ ,‬وفي العمارة وأسلم مكانته الولى في‬
‫القرن الثاني عشر إلى الكنائس الكبرى الوروبية‪.‬‬

‫وإن تاريخنيا الذي اطلع علييه غيرنيا‪ ,‬وكتبوا جزءا كيبيرا منيه‪ ,‬وهيم‬
‫شواهييييد على الحضارات‪ ,‬وأقرب الحضارة عهدا موثقييييا‪ ,‬وتاريخييييا‬
‫مشاهدا مدونا‪ ,‬هو تاريخ الحضارة السلمية‪ .‬وربما كانت تقارير أهل‬
‫الحضارة الوروبيية مين العلماء المحايديين علمييا‪ ,‬الذيين لم تسيتول‬
‫عليهيم العصيبيات أقدر الناس على تقدييم الصيورة الصيحيحة لتارييخ‬
‫حضارة السييلم‪ .‬وميين خلل تقاريرهييم وتحليلتهييم نسييتل الحقائق‬
‫ونقرر الصييول التاريخييية لحضارة السييلم فييي مبادئهييا وتطبيقاتهييا‬
‫الفريدة في التاريخ‪.‬‬

‫وإن مين أبرز سيمات حضارتنيا إنسيانيتها وعدلهيا ومسياواتها بيين‬


‫الناس‪ ,‬وحماية حرياتهم‪ ,‬وهذه سمات لم تملكها حضارة سلفت بل‬
‫لم تتحقيق فيي حضارة اليوم على إطلقهيا‪ ,‬وشابهيا مين الكدر ميا ل‬
‫يخفى على متابع ومعايش لحداث الدول وعلقاتها‪.‬‬

‫وسينعرض فيميا يلي مواضيع مختصيرة غرضهيا التدلييل والشارة‬


‫ل التفصيل والشرح مع العتماد في ذلك على أقوال غير المسلمين‬
‫مين علماء الغرب المصينفين منهيم لحضارة السيلم حضارة العقيل‬
‫والعلم والنسانية‪.‬‬

‫التسامح مع الطوائف وخاصة المسيحيين واليهود‬

‫يقول ول ديورانيييت‪ :‬ولقيييد كان أهيييل الذمييية المسييييحيون‪,‬‬


‫والزردشتيون‪ ,‬واليهود‪ ,‬والصييابئون‪ ,‬يسييتمتعون فييي عهييد الخلفيية‬
‫المويية بدرجية مين التسيامح ل نجيد لهيا نظيرا فيي البلد المسييحية‬
‫فييي هذه اليام‪ .‬فلقييد كانوا أحرارا فييي ممارسيية شعائر دينهييم‪,‬‬
‫واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم‪.‬‬

‫ويقول السيتاذ برنارد لوييس‪ :‬ولقيد نجيح السيلم‪ ,‬حييث فشلت‬


‫المسيييحية فييي مزج اليمان العميييق بالتسييامح الدينييي‪ ,‬الذي لم‬
‫يشمييل فقييط غييير المسييلمين ميين الديان الخرى بييل شمييل هذا‬
‫التسامح حتى الهراطقة والكفار‪.‬‬

‫التسامح في حرية العبادة‪:‬‬


‫لقيد كان أبرز صيفات المسيلمين فاتحيين وشعوبيا ترك الطوائف‬
‫وميا يدينون‪ .‬بيل حمايتهيم أفرادا ومعابيد‪ ,‬وهذا ميا ل تطيقيه طائفية‬
‫تجاه أخرى سييوى السييلم‪ ,‬وقييد كان ذلك ميين أوثييق وأقوى لبنات‬
‫الحضارة السييلمية‪ .‬وحضارة تحترم العبادة‪ ,‬تحترم عقييل النسييان‬
‫وفكره وعقيدته‪.‬‬

‫ففي بناء الكنائس يقول آدم متز‪ :‬لم تكن الدولة الساسانية من‬
‫قبيل تسيير على خطية ثابتية فيي ذلك‪ ,‬فكانيت تسيمح ببنائهيا أحيانيا‪,‬‬
‫على حييين أن القانون الرومانييي فييي العهييد الخييير كان يحرم على‬
‫اليهود أن ينشئوا كنائس جديدة لهيم‪ ,‬ول يسيمح لهيم إل بإصيلح ميا‬
‫تهدم منهيا‪ .‬أميا فيي السيلم فنجيد سيياسة الدولة تجميع فيي أوقات‬
‫متتابعة بين تسامح الفرس وتعصب الرومان‪ ,‬فكان يسمح للنصارى‬
‫أحيانييا ببناء كنائس جديدة‪ ,‬وأحيانييا كانوا يمنعون حتييى ميين إصييلح‬
‫الكنائس القديمية; ففيميا بيين عاميي ‪ 171 ,169‬هيي ‪ 785‬و ‪ 787‬م هدم‬
‫على بيين سييليمان والي مصيير مين قبييل الرشيييد الكنائس المحدثية‬
‫بمصيير‪ ,‬وبذل له خمسييون ألف دينار ليترك الهدم‪ ,‬فامتنييع; ثييم جاء‬
‫بعده وال آخير‪ ,‬فأذن للنصيارى فيي بنيان الكنائس التيي هدمهيا على‬
‫بين سيليمان‪ ,‬فبنييت كلهيا بمشورة اللييث بين سيعد وعبيد الله بين‬
‫لهيعية‪ ,‬وقال‪ :‬هيو مين عمارة البلد‪ ,‬واحتجيا بأن عامية الكنائس التيي‬
‫بمصر لم تبن إل في السلم في زمن الصحابة والتابعين‪ .‬وفي عام‬
‫‪ 300‬هيي ‪ 913 .‬م ثار المسيلمون فهدموا كنيسية بناهيا النصيارى فيي‬
‫تنييس‪ ,‬فأعان السيلطان النصيارى حتيى بنوا الكنيسية‪ .‬وفيي سينة ‪326‬‬
‫هي ي ‪938 .‬م انهدمييت قطعيية ميين كنيسيية أبييي شنودة بمصيير‪ ,‬فبذل‬
‫النصييارى للخشيييد مال ليطلق عمارتهييا‪ ,‬فقال‪ :‬خذوا فتوى الفقهاء;‬
‫فأما ابن الحداد فأفتيى بأل تعمر‪ ,‬وأفتيى بذلك أ صحاب مالك‪ ,‬وأفتيى‬
‫محميد بين علي بأن لهيم أن يرمموهيا ويعمروهيا‪ ,‬وفيي سينة ‪ 200‬هيي ‪.‬‬
‫‪ 815‬م أراد الخليفية المأمون أن يصيدر كتابيا لهيل الذمية يضمين لهيم‬
‫حريية العتقاد وحريية تدبيير كنائسيهم‪ ,‬بحييث يكون لكيل فرييق منهيم‬
‫مهميا كانيت عقيدتهيم‪ ,‬ولو كانوا عشرة أنفيس‪ ,‬أن يختاروا بطريقهيم‪,‬‬
‫ويعترف له بذلك‪ ,‬ولكين رؤسياء الكنائس هاجوا وأحدثوا شغبيا‪ ,‬فعدل‬
‫المأمون عن إصدار الكتاب‪.‬‬
‫وقييد سييمح للقباط بأن يسييتمروا على اختيار بطريركهييم‪ ,‬ولم‬
‫يمنييع النصييارى ميين إنشاء الكنائس فييي المدينيية السييلمية التييي‬
‫أسسها‪.‬‬

‫ولم تكين الحكومية السيلمية تتدخيل فيي الشعائر الدينيية لهيل‬


‫الذمية‪ ,‬بيل كان يبلغ مين بعيض الخلفاء أن يحضير مواكبهيم وأعيادهيم‬
‫ويأميير بضيافتهييم‪ ,‬وفييي حالة انقطاع المطيير كانييت الحكوميية تأميير‬
‫بعمل مواكب " يسير فيها النصارى‪ ,‬وعلى رأسهم السقف‪ ,‬واليهود‬
‫ومعهم النافخون في البواق "; وكذلك ازدهرت الديرة في هدوء‪.‬‬

‫ولم يكين عمرو بين العاص فيي مصير أقيل سيخاء مين عمرابين‬
‫الخطاب فيي القدس حيين عاميل النصيارى برفيق وإنصياف‪ ,‬فهيو قيد‬
‫شمل الديانة النصرانية بعطفه وحمايته بل إن من مظاهر التسامح‬
‫الديني أن كانت المساجد تجاور الكنائس في ظل حضارتنا الخالدة‪,‬‬
‫وكان رجال الديييين فيييي الكنائس يعطون السيييلطة التامييية على‬
‫رعايتهيم فيي كيل شؤونهيم الدينيية والكنسيية‪ ,‬ل تتدخيل الدولة فيي‬
‫ذلك‪ ,‬بيل إن الدولة كانيت تتدخيل فيي حيل المشاكيل الخلفيية بيين‬
‫مذاهبهم وتنصف بعضهم من بعض‪ ,‬فقد كان الملكانيون يضطهدون‬
‫أقباط مصر في عهد الروم ويسلبون كنائسهم‪ ,‬حتى إذا فتحت مصر‬
‫رد المسييلمون إلى القباط كنائسييهم وأنصييفوهم‪ ,‬وتطاول القباط‬
‫بعييد ذلك الملكانيييين انتقامييا ممييا فعلوه بهييم قبييل الفتييح العربييي‪,‬‬
‫فشكوا ذلك إلى هارون الرشييييد فأمييير باسيييترداد الكنائس التيييي‬
‫استولى عليها القبط بمصر وردها إلى الملكانيين بعد أن راجعه في‬
‫ذلك بطريرك الملكانيين‪.‬‬

‫وقيد بلغ حلم عرب إسيبانية إزاء النصيارى مبلغيا كانوا يسيمحون‬
‫بييه لسيياقفتهم أن يعقدوا مؤتمراتهييم الدينييية‪ ,‬كمؤتميير أشبيلييية‬
‫النصراني الذي عقد في سنة ‪ 782‬م ومؤتمر قرطبة النصراني الذي‬
‫عقيد فيي سينة ‪ 852‬م‪ .‬وتعيد بييع النصيارى الكثيرة التييي بنوهيا أيام‬
‫الحكيم العربيي مين الدلة على احترام العرب لمعتقدات الميم التيي‬
‫خضعت لسلطانهم‪.‬‬

‫الخليفة يعتمد اختيار رؤساء النصارى واليهود ‪:‬‬


‫ولقد بلغ شأو التسامح وهو في الوقت ذاته دليل قوة‪ ,‬وسيطرة‬
‫وعدل أن رؤسياء الديانات مين أهيل الكتاب يعينهيم الخليفية أو أميير‬
‫المؤمنين‪ ,‬ولم يكن هذا العتماد‪ ,‬تعيينا دون رأيهم أو جبرا عنهم‪ .‬بل‬
‫كان يتيم بعيد اختيارهيم لمين يرغبونيه رئيسيا ومرجعيا دينييا لهيم‪ .‬إنهيا‬
‫قميية التسييامح‪ .‬يقول‪ :‬آدم متييز فكان الجاثليييق النسييطوري‪ ,‬رئيييس‬
‫المسيييحيين الشرقيييين‪ ,‬بعيد أن انتقيل مركيز الدولة السييلمية إلى‬
‫الشرق‪ ,‬وهييو الرئيييس الكييبر للنصييرانية‪ ,‬وكانييت تنتخبييه الكنيسيية‬
‫ويصييادق الخليفيية على انتخابييه‪ ,‬ويكتييب له عهدا كمييا يكتييب لكبار‬
‫العمال والمتصرفين‪ ,‬وقد ورد في نسخة عهد الجاثليق عام ‪ 533‬هي ‪.‬‬
‫‪ 1139‬م " ولمييا أنهيييت حالك إلى أمييير المؤمنييين‪ ,‬وأنييك أمثييل أهييل‬
‫ملتييك طريقيية‪ ,‬وأقربهييم إلى الصييلح مذهبييا‪..‬وحضيير جماعيية ميين‬
‫النصييارى الذييين يرجييع إليهييم فييي اسييتعلم سيييرة أمثالك‪...‬فاتفقوا‬
‫باجتماع مييين آرائهيييم وأهوائهيييم على اختيارك لرياسيييتهم ومراعاة‬
‫شؤونهم‪ ,‬وتدبير وقوفهم‪ ,‬والتسوية في عدل الوساطة بينهم‪ ,‬قويهم‬
‫وضعيفهييم‪ ,‬وسييألوا أيضييا نصييبك عليهييم بالذن المامييي الشرف ل‬
‫زالت أوامره معضودة بالتوفيق بترتيبك جاثلقيا لنسطوري النصارى‬
‫بمدينة السلم‪ ,‬ومن تضمنته ديار السلم‪ ,‬وزعيما لهم‪ ,‬ومن عداهم‬
‫من الروم‪ ,‬واليعاقبة‪ ,‬والملكية في جميع البلد‪ ,‬وكل حاضر في هذه‬
‫الطوائف وباد وانفرادك عين كافية أهيل ملتيك بتقميص أهبية الجثلقية‬
‫المتعارفية فيي أماكين صيلواتكم‪ ,‬ومجاميع عباداتكيم غيير مشارك فيي‬
‫هذا لنسان‪ ,‬ول مفسح في التحلي به لمطران أو أسقف أو شماس‬
‫حطا لهم عن رتبتك ووقوفا بهم دون محلك; وإن ولج أحد في باب‬
‫المجادلة‪...‬وأبيى النزول على حكميك‪..‬كانيت العقوبية بيه حائقية حتيى‬
‫تعتدل قناتيه‪...‬وأمير بحملك على مقتضيى المثلة الماميية فيي حيق‬
‫مين تقدميك مين الجثالقية‪...‬والحياطية لك ولهيل ملتيك فيي النفيس‪,‬‬
‫والموال‪ ,‬والحراسية للكافية بصيلح الحوال واتباع العادة المسيتمرة‬
‫فييي مواراة أمواتكييم وحماييية بيعكييم ودياراتكييم‪...‬وأن يقتصيير فييي‬
‫استيفاء الجزية على تناولها من العقلء والواجدين من رجالكم‪ ,‬دون‬
‫النسيياء وميين لم يبلغ الحلم ميين أطفالكييم‪ ,‬ويكون اسييتيفاؤها نوبيية‬
‫واحدة فيي كيل سينة مين غيرعدول فيي قبضهيا عين قبضية الشرع‬
‫المستحسنة‪ ,‬وفسح في أن تتوسط طوائف النصارى في محاكماتها‬
‫فتأخذ النصف من القوي للمستضعف "‪.‬‬

‫وكذلك كان يكتييب لبطريييق اليعاقبيية عهييد‪ ,‬فكان ل بييد له أن‬


‫يذهب إلى قصر الخلفة عند تنصيب كل خليفة جديد‪ .‬ولكن الخليفة‬
‫منعييه حوالي عام ‪ 300‬هيي ‪ 913‬م ميين أن يتخييذ بغداد مقرا له‪ .‬وكان‬
‫للنصييارى النوبيون دون سييائر النصييارى مركييز خاص ممتاز فييي‬
‫المملكييييية السيييييلمية‪ ,‬فكانوا يدفعون الضرائب لملكهيييييم‪ ,‬وكان‬
‫للضرائب عامل من قبله في بلد السلم‪ ,‬وقد حدث أن واحدا منهم‬
‫اعتنييق السييلم‪ ,‬وكان ابيين ملك النوبيية ببغداد زائرا‪ ,‬فأميير باعتقاله‬
‫وغله بالقيود‪.‬‬

‫ونجييد فييي القاهرة رئيسييا آخيير يلقييب سيير هسيياريم (أي أمييير‬
‫المراء)‪ ,‬وكان يعييين أحبار اليهود فييي الشام ومصيير‪ ,‬أي فييي حدود‬
‫مملكة الفاطميين‪.‬‬

‫وفييي أثناء القرن الرابييع الهجري اعترف للمجوس بأنهييم أهييل‬


‫ذميية‪ ,‬إلى جانييب اليهود والنصييارى; وكان لهييم‪ ,‬كاليهود والنصييارى‪.‬‬
‫رئيس يمثلهم في قصر الخلفة وعند الحكومة‪.‬‬

‫ومهميا يكين مين شييء فقيد تمتيع أهيل الذمية‪ ,‬وهيم النصيارى‬
‫واليهود‪ ,‬بالحريييية الدينيييية‪ .‬فقيييد تركهيييم العرب يدينون بميييا رضوا‬
‫لنفسيهم مين ديين على أن يدفعوا الجزيية للمسيلمين‪ .‬ففيي فارس‬
‫نجد سكان المدن‪ ,‬وخاصة الصناع وأصحاب الحرف يرحبون بالدين‬
‫السييلمي‪ .‬وقييد عامييل العرب ميين ظييل ميين الفرس على مذهبييه‬
‫القديم معاملة حسنة‪ ,‬ولم يتعرضوا لماكن عبادتهم‪.‬‬

‫وكذلك كانت الحال في بلد الشام ومصر‪ :‬فقد خير العرب أهل‬
‫الذمية بيين السيلم والبقاء على دينهيم‪ .‬فمين اسيلم منهيم تمتيع بميا‬
‫يتمتع به المسلمون‪ ,‬ومن بقى على دينه فرضت عليه الجزية كفاء‬
‫حمايته‪ ,‬وتأمينه على نفسه وعلى أولده وأمواله‪ .‬كما أحسن العرب‬
‫معاملة أهييل الذميية فييي بلد الندلس‪ ,‬فسييمحوا لليهود الذييين ذاقوا‬
‫كثيرا مين ألوان العسيف فيي عهيد القوط بمزاولة التجارة‪ ,‬وأمنوهيم‬
‫على أنفسييهم‪ ,‬وأولدهييم‪ ,‬وأموالهييم‪ ,‬وأحسيينوا معاملة المسيييحيين‬
‫الذين تمسكوا بدينهم‪ .‬وكان لسياسة التسامح الديني التي أظهرها‬
‫العرب نحيو أهالي هذه البلد وغيرهيا أثير كيبير فيي تحول كثيير منهيم‬
‫إلى السلم‪.‬‬

‫أميا فيي مصير فإن العرب لميا فتحوا هذه البلد أصيبح فيهيا ثلثية‬
‫عناصر من السكان القبط وهم أهل البلد الصليون‪ ,‬وكانوا يكونون‬
‫السيواد العظيم مين السيكان‪ ,‬والروم‪ ,‬وهيم بقاييا الحكيم الرومانيي‬
‫الذي قضييى عليييه العرب‪ ,‬وكان الروم واليهود يكونون أقلييية ضئيلة‬
‫مين السيكان‪ .‬أميا العنصير الثالث وهيو العنصير العربيي‪ ,‬فكان يتألف‬
‫بعد الفتح من الجند العربي ومن القبائل العربية التي سحرتها هذه‬
‫البلد‪.‬‬

‫التحاكم بما يدينون ‪:‬‬


‫إن ميين أخييص عناصيير السيييادة أن يتحاكييم الناس فييي الدولة‬
‫الواحدة إلى قانون واحيد‪ .‬ويتغاضيى المسيلمون عين ذلك لخصيوصية‬
‫الديان فييي حرييية التحاكييم‪ ,‬فإن رفعوا أمرهييم إلينييا حكمنييا بينهييم‬
‫بأحكام شريعة السلم‪ ,‬وإل فإنهم يتركون وما يدينون‪.‬‬

‫يقول آدم متييز كان الشرع السييلمي خاصييا بالمسييلمين‪ ,‬فقييد‬


‫خلت الدولة السييلمية بييين أهييل الملل الخرى‪ ,‬وبييين محاكمهييم‬
‫الخاصيية‪ ,‬والذي نعلمييه ميين أميير هذه المحاكييم‪ :‬أنهييا كانييت محاكييم‬
‫كنسييية‪ ,‬وكان رؤسيياء المحاكييم الروحيون يقومون فيهييا مقام كبار‬
‫القضاة أيضا; وقد كتبوا كثيرا من كتب القانون‪ .‬ولم تقتصر أحكامهم‬
‫على مسييائل الزواج‪ ,‬بييل كانييت تشمييل إلى جانييب ذلك مسييائل‬
‫الميراث‪ ,‬وأكثير المنازعات التيي تخيص المسييحيين وحدهيم مميا ل‬
‫شأن للدولة بيييه‪ .‬على أنيييه كان يجوز للذميييي أن يلجيييأ للمحاكيييم‬
‫السييلمية; ولم تكيين الكنائس بطبيعيية الحال تنظيير إلى ذلك بعييين‬
‫الرضيا‪ ,‬ولذلك ألف الجاثلييق تيموتيوس (‪ )Timotheus‬حوالي عام ‪200‬‬
‫هيي ‪ 800 .‬م كتابيا فيي الحكام القضائيية المسييحية "لكيي يقطيع كيل‬
‫عذر يتعلل بيه النصيارى الذيين يلجأون إلى المحاكيم غيير النصيرانية‬
‫بدعوى نقصييان القوانييين المسيييحية" وفييي الفصييلين الثانييي عشيير‬
‫والثالث عشيير ميين هذا الكتاب فرض تيموتيوس علي ميين يذهييب‬
‫طائعا إلى المحاكم أن يتوب ويتصدق‪ ,‬ويقوم على المسح والرماد‪.‬‬

‫كميا ترك لنصيارى صيقلية كيل ميا ل يميس النظام العام‪ ,‬فكان‬
‫للنصييارى قوانينهييم المدنييية‪ ,‬والدينييية‪ ,‬وحكام منهييم للفصييل فييي‬
‫خصييوماتهم‪ ,‬وجباييية الجزييية التييي فرضهييا‪ ,‬العرب عليهييم‪ ,‬وهييي ‪48‬‬
‫دينارا عن كل غني و‪ 24‬دينارا عن كل موسر و‪ 12‬دينارا عن كل من‬
‫كان يكسب عيشه بنفسه‪ .‬وكانت هذه الجزية‪ ,‬التي هي دون ما كان‬
‫يأخذه الروم‪ ,‬ل يؤخذ مثلها من رجل الدين والنساء والولد‪.‬‬

‫وقييد جعييل العرب كييل مييا له علقيية بالحقوق المدنييية كالتملك‬


‫والرث وميا إليهيا ملئميا لعادات صيقلية‪ .‬فلم يرغيب النورمان عنيه‬
‫حين استولوا عليها‪.‬‬

‫وقد سمح العرب‪ ,‬في أيام سلطانهم‪ ,‬للنصارى بالمحافظة على‬


‫قوانينهم وعاداتهم وحريتهم الدينية‪.‬‬

‫وكان لهيم على الحكومية أن تحميهيم‪ ,‬ولم تكين تقبيل شهادتهيم‬


‫في المحاكم السلمية‪ ,‬ولكنهم كانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون‬
‫فييه لزعمائهيم‪ ,‬وقضاتهيم وقوانينهيم‪ ,‬وقيد أنشيأ للمسيلمين محاكيم‬
‫دائمة على درجتين تاركا للمحاكم القبطية أمر الفصل بين القباط‪,‬‬
‫وقد احترم نظم المصريين وعاداتهم ومعتقداتهم‪.‬‬

‫وقيد أصيدر الخليفية المقتدر فيي سينة ‪ 311‬هيي ‪ 923 .‬م كتابيا فيي‬
‫الموارييث أمير فييه بأن " ترد تركية مين مات مين أهيل الذمية‪ ,‬ولم‬
‫يخلف وارثيا‪ ,‬على أهيل ملتيه‪ ,‬على حيين أن تركية المسيلم كانيت ترد‬
‫إلى بيت المال‪.‬‬

‫وفي النصف الثاني من القرن الرابع الهجري صدر منشور كتب‬


‫للصييابئين عيين أمييير المؤمنييين‪ ,‬أميير فيييه‪ ,‬إلى جانييب صيييانتهم‬
‫وحراسييتهم والذب عيين حريمهييم ورفييع الظلم عنهييم ونحييو ذلك‪,‬‬
‫بالتخلية بينهم وبين مواريثهم‪ ,‬وترك مداخلتهم ومشاركتهم فيها‪ ,‬لن‬
‫أميير المؤمنيين يرى فيي موارييث الصيابئين وغيرهيم مين المخالفيين‬
‫رأى رسيول الله صيلى الله علييه وسيلم‪ ,‬إذ يقول فيي الثير الثابيت‬
‫عنه‪ " :‬ل يتوارث أهل ملتين "‪.‬‬

‫وقيد صيدر حوالي منتصيف القرن الرابيع الهجري منشور "كتيب‬


‫للصيابئين المقيميين بحير ان والرقية وديار مضير أمير فييه الخليفية‬
‫بصيانتهم وحراستهم‪.‬‬

‫المشاركة في العياد والصلوات ‪:‬‬


‫وقد يبلغ التسامح حد المشاركة أو التعاطف في العياد الدينية‬
‫ودخول المصيلى فهذا وإن كان يحتميل الخلف الفقهيي‪ ,‬لكين بغيض‬
‫النظر عن هذا فإنه قد حدث فعل‪ ,‬وسجل تاريخيا‪.‬‬

‫فمين مظاهير التسيامح الدينيي فيي حضارتنيا الشتراك بالعياد‬


‫الدينييية بمباهجهييا وزينتهييا‪ .‬فمنييذ العهييد الموي كانييت للنصييارى‬
‫احتفالتهييم العاميية فييي الشوارع تتقدمهييا الصييلبان ورجال الدييين‬
‫بألبستهم الكهنوتية‪ .‬وقد دخل البطريرك ميخائيل مدينة السكندرية‬
‫فيي احتفال رائع وبيين يدييه الشموع والصيلبان والناجييل‪ ,‬والكهنية‬
‫يصييحون‪ :‬قيد أرسيل الرب إلينيا الراعيي المأمون الذي هيو مرقيص‬
‫الجديد‪ .‬وكان ذلك في عهد هشام بن عبد الملك‪.‬‬

‫وجرت العادة أيام الرشييد بأن يخرج النصيارى فيي موكيب كيبير‬
‫وبين أيديهم الصليب وكان ذلك في يوم عيد الفصح‪.‬‬

‫ويذكيير لنييا المقدسييي فييي أحسيين التقاسيييم أن السييواق فييي‬


‫شيراز كانت تزين في أعياد النصارى‪ ,‬وأن المصريين كانوا يحتفلون‬
‫ببدء زيادة النيل في وقت عيد الصليب‪.‬‬

‫وميين مظاهيير التسييامح الدينييي فييي حضارتنييا أن كثيرا ميين‬


‫الكنائس كان يصيلي فيهيا المسيلمون والمسييحيون فيي وقيت واحيد‬
‫إبان الفتييح السييلمي ! فقييد سييمح النييبي صييلى الله عليييه وسييلم‬
‫لنصييارى نجران أن يصييلوا فييي مسييجده بجانييب المسييلمين وهييم‬
‫يصلون صلتهم‪ .‬وفي كنيسة يوحنا الكبرى في دمشق التي أصبحت‬
‫الجاميع الموي فيميا بعيد‪ .‬رضيي المسييحيون حيين الفتيح أن يأخيذ‬
‫المسلمون نصفها‪ ,‬ورضي المسلمون أن يصلوا فيها صلتهم‪ ,‬فكنت‬
‫ترى في وقت واحد أبناء الديانتين يصلون متجاورين‪ .‬هؤلء يتجهون‬
‫إلى القبلة‪ ,‬وأولئك يتجهون إلى الشرق‪ .‬وإنييه لمظهيير عجيييب فريييد‬
‫فيي التارييخ له مغزى عمييق فيي الدللة على التسيامح الدينيي الذي‬
‫بلغته حضارتنا‪.‬‬

‫حرية العمل مكفولة للكفاء ‪:‬‬


‫ومييين مظاهييير التسيييامح الدينيييي أن كانيييت الوظائف تعطيييى‬
‫للمسيتحق الكفيء‪ ,‬بقطيع النظير عين عقيدتيه ومذهبيه‪ .‬وبذلك كان‬
‫الطباء المسييحيون فيي العهديين الموي والعباسيي محيل الرعايية‬
‫لدى الخلفاء‪ .‬وكان لهيييم الشراف على مدارس الطيييب فيييي بغداد‬
‫ودمشق زمنا طويل‪ .‬كان ابن أثال الطبيب النصراني طبيب معاوية‬
‫الخاص‪ .‬وكان "سيرجون" كاتبيه‪ .‬وقيد عيين مروان "اثناسييوس" ميع‬
‫آخير اسيمه إسيحاق فيي بعيض مناصيب الحكومية فيي مصير‪ ,‬ثيم بلغ‬
‫مرتبية الرئاسية فيي دواويين الدولة‪ ,‬وكان عظييم الثراء واسيع الجاه‪,‬‬
‫حتييى ملك أربعيية آلف عبييد وكثيرا ميين الدور والقرى والبسيياتين‬
‫والذهيب والفضية‪ ,‬وقيد شييد كنيسية فيي الرهيا مين إيجار أربعمائة‬
‫حانوت كان يملكهيا فيهيا‪ ,‬وبلغ مين شهرتيه أن وكيل إلييه عبيد الملك‬
‫ابين مروان تعلييم أخييه الصيغير عبيد العزييز الذي أصيبح والييا على‬
‫مصر فيما بعد وهو والد عمر بن عبد العزيز‪.‬‬

‫وميين أشهيير الطباء الذييين كانييت لهييم الحظوة عنييد الخلفاء‬


‫جرجييس ابين بختيشوع‪ ,‬وكان مقربيا مين الخليفية المنصيور واسيع‬
‫الحظوة عنده‪ ,‬يحرص على راحتييه وسييروره‪ ,‬حتييى كان لجرجيييس‬
‫زوجيية عجوز‪ ,‬فأرسييل إليييه المنصييور ثلث جوار حسييان فرفييض‬
‫قبولهن قائل‪ :‬إن ديني ل يسمح لي بأن أتزوج غير زوجتي ما دامت‬
‫في الحياة‪ ,‬فسر منه المنصور وازداد له إكراما ‪ ,‬وخرج إليه ما شيا‬
‫يسيأل عين حاله‪ ,‬فاسيتأذنه الطيبيب فيي رجوعيه إلى بلده ليدفين ميع‬
‫آبائه‪ .‬فعرض عليييه المنصييور أن يسييلم ليدخييل الجنيية فأبييى وقال‪:‬‬
‫رضييت أن أكون ميع آبائي فيي جنية أو نار‪ ,‬فضحيك المنصيور وأمير‬
‫بتجهيزه ووصله بعشرة آلف دينار‪.‬‬

‫وكان سيلمويه بين بنان النصيراني طيبيب المعتصيم‪ .‬ولميا مات‬


‫جزع علييه المعتصيم جزعيا شديدا وأمير بأن يدفين بالبخور والشموع‬
‫على طريقة ديانته‪.‬‬

‫وكان بخنيشوع بين جبرائييل طيبيب المتوكيل وصياحب الحظوة‬


‫لديييه‪ ,‬حتييى أنييه كان يضاهييي الخليفيية فييي اللباس‪ ,‬وحسيين الحال‪,‬‬
‫وكثرة المال‪ ,‬وكمال المروءة‪.‬‬

‫ولم يكن في التشيع السلمي ما يغلق دون أهل الذمة أي باب‬


‫ميين أبواب العمال; وكان قدمهييم راسييخا فييي الصيينائع التييي تدر‬
‫الرباح الوافرة‪ ,‬فكانوا صيارفة وتجارا وأصحاب ضيع وأطباء; بل إن‬
‫أهيل الذمية تظلموا أنفسيهم بحييث كان معظيم الصييارفة والجهابذة‬
‫فيي الشام مثل يهودا‪ ,‬على حيين كان أكثير الطباء والكتبية نصيارى‪,‬‬
‫وكان رئيس النصارى ببغداد هو طبيب الخليفة‪ ,‬وكان رؤساء اليهود‬
‫وجهابذتهيم عنده‪ .‬وكان أصيغر دافعيي الضرائب هيم اليهود الخياطون‬
‫والصباغون والساكفة والخرازون ومن إليهم‪.‬‬

‫وكانوا يتقلدون مناصيب الدولة كالمسيلمين‪ ,‬وقيد كانيت إسيبانية‬


‫العربيية البلد الوربيي الوحييد الذي كان اليهود يتمتعون فييه بحمايية‬
‫الدولة ورعايتها‪ ,‬وقد زاد عدد اليهود في إسبانية العربية كثيرا‪.‬‬

‫وكانيت طوائف الموظفيين الرسيميين فيي البلد السيلمية تضيم‬


‫مئات من المسييحيين‪ ,‬وقيد بلغ عدد الذيين رقوا منهيم إلى المناصيب‬
‫العليييا فييي الدولة ميين الكثرة درجيية أثارت شكوى المسييلمين فييي‬
‫بعض العهود‪.‬‬

‫الثر الصلحي للحضارة السلمية‪:‬‬


‫لول هذا الخلق السييامي الذي رسييخته الحضارة السييلمية فييي‬
‫تعاملها مع الشعوب غير السلمية‪ ,‬لما ساد السلم قرونا متطاولة‬
‫ولميا دخلت تلك الشعوب فيي السيلم أفواجيا مؤمنية‪ ,‬ولميا انقلبيت‬
‫خصييومتها وعداؤهييا إلى حييب وتمسييك بالسييلم‪ ,‬وفدائه بأموالهييم‪,‬‬
‫وأنفسيه م هكذا كان الحال ميع المغول والبربر وغيرهيم‪ ,‬ورغيم ميا‬
‫حدث ميين معارك ضارييية فييي فتوح بلد الشام ودخول المسييلمين‬
‫منتصيرين إل أنيه "بقييت الكثرة الغالبية مين أهيل بلد الشام مسييحية‬
‫حتيييى القرن الثالث الهجري‪ ,‬ويذكييير المؤرخون أنيييه كان فيييي بلد‬
‫الشام في عصر المأمون أحد عشر ألف كنيسة‪ ,‬كما كان فيها عدد‬
‫كبير من هياكل اليهود‪ ,‬ومعابد النار" فلم يستعجل المسلمون إسلم‬
‫شعوب البلد المفتوحيية‪ ,‬حتييى دخلوا فييي السييلم طواعييية‪ ,‬فحملوا‬
‫الدين في قلوبهم قبل أن يحملوا السيف دفاعا عنه‪ ,‬بل اتخذوا لغة‬
‫القرآن العربية لغتهم‪.‬‬

‫ولقييد أدرك هذه الثمار بعييض المؤرخييين الغربيييين‪ ,‬ونترك ول‬


‫ديورانييت يصييف لنييا هذه الحقيقيية التاريخييية الناصييعة فيقول‪ :‬إن‬
‫التسامح الديني الذي كان ينتهجه المسلمون الولون‪ ,‬أو بسبب هذه‬
‫الخطة‪ ,‬اعتنق الدين الجديد معظم المسيحيين‪ ,‬وجميع الزردشتيين‪,‬‬
‫والوثنيييين إل عددا قليل جدا منهييم‪ ,‬وكثيرون ميين اليهود فييي آسيييا‪,‬‬
‫ومصير وشمالي أفريقيية‪ .‬فقيد كان مين مصيلحتهم الماليية أن يكونوا‬
‫على ديين الطبقية الحاكمية‪ ,‬وكان فيي وسيع أسيرى الحرب أن ينجوا‬
‫ميييين الرق إذا نطقوا بالشهادتييييين ورضوا بالختان‪ .‬واتخييييذ غييييير‬
‫المسيلمين على مير الزمين اللغية العربيية لسيانا لهيم‪ ,‬ولبسيوا الثياب‬
‫العربيية‪ ,‬وبعيد ذلك يقول‪ :‬ثيم انتهيى المير باتباعهيم شريعية القرآن‬
‫واعتناق السيلم‪ .‬وحييث عجزت الهلينيية عين أن تثبيت قواعدهيا بعيد‬
‫سيييادة دامييت ألف عام‪ ,‬وحيييث تركييت الجيوش الرومانييية اللهيية‬
‫الوطنية ولم تغلبها على أمرها‪ ,‬وفي البلد التي نشأت فيها مذاهب‬
‫مسييحية خارجية على مذهيب الدولة البيزنطيية الرسيمي‪ ,‬فيي هذه‬
‫القالييم كلهيا انتشرت العقائد والعبادات السيلمية‪ ,‬وآمين السيكان‬
‫بالدين الجديد وأخلصوا له‪ ,‬واستمسكوا بأصوله إخلصا واستمساكا‬
‫أنساهم بعد وقت قصير آلهتهم القدامى‪ ,‬ولم يكن هذا خاصة بدول‬
‫وشعوب محددة فيقول‪ :‬لقييد اسييتحوذ الدييين السييلمي على قلوب‬
‫مئات الشعوب ف ي البلد الممتدة مين الصيين‪ ,‬وأندونيسييا‪ ,‬والهنيد‪,‬‬
‫إلى فارس‪ ,‬والشام‪ ,‬وجزيرة العرب‪ ,‬ومصييييييير وإلى مراكيييييييش‪,‬‬
‫والندلس; وتملك خيالهييم‪ ,‬وسيييطر على أخلقهييم‪ ,‬وصيياغ حياتهييم‪,‬‬
‫وبعيث فيهيم آمال تخفيف عنهيم بؤس الحياة ومتاعبهيا‪ ,‬وأوحيى إليهيم‬
‫العزة والنفة‪ ,‬ووحد هذا الدين بينهم‪ ,‬وألف قلوبهم مهما يكن بينهم‬
‫من الختلفات والفروق السياسية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫حضارة العلم والعقل‬

‫حضارة السيلم حضارة العلم والعقيل‪ ,‬بيل حضارتيه قاميت على‬


‫المزج بينهميا‪ ,‬فلم يشهيد تاريخيه الطوييل عداء ميع العقيل أو العلم‪,‬‬
‫وقيد ورث المسيلمون حضارتيي فارس والروم‪ ,‬فميا أحرقوا كراسيا‬
‫واحدا رغيييم ضخامييية الغيييث فيييي تلك الموروثات‪ ,‬لكنهيييم احتفوا‬
‫بعلومهم‪ ,‬واحترموا عقولهم‪ ,‬فترجموا الصالح من كتبهم‪ ,‬واستوعبوا‬
‫ميا فيهيا‪ ,‬وأثروهيا بالبحيث والدرس والتطويير‪ ,‬فكان انتقال الحضارة‬
‫الفارسييية والرومييية إلى السييلم انتقال احتفاء‪ ,‬واحتضان‪ ,‬وتقدييير‬
‫للعقل والعلم‪ ,‬مع تصفية ونقد علمي رفيع‪.‬‬

‫ول يشارك السلم في هذا السمو حضارة سلفت أو لحقت‪ ,‬بل‬


‫التارييييخ يفضيييح تلك الحضارات التيييي قاميييت على القوة‪ ,‬والظلم‪,‬‬
‫والهمجية‪ ,‬وإهانة العقل‪ .‬و ما حضارة الغرب اليوم من هذه الهمجية‬
‫ببعييد‪ ,‬فرغيم أنهيم بنوا حضارتهيم على ميا نقلوه‪ ,‬وترجموه مين كتيب‬
‫المسلمين في آخر معاقلهم في الندلس‪ ,‬وإبان الحركة الصليبية إل‬
‫أنهيم لم يتنزهوا عين الهمجيية‪ ,‬فأحرقوا على سيبيل المثال فيي يوم‬
‫واحييد فييي غرناطيية مييا يقدر بمليون كتاب‪ ,‬وأحرقوا فييي بلد الشام‬
‫فيي طرابلس والمعرة‪ ,‬والقدس‪ ,‬وغزة‪ ,‬وعسيقلن ميا يزييد عين ثلثة‬
‫مليين مجلد‪.‬‬

‫فالسلم دين العقل حقا ‪ ,‬ول يعني ذلك أن يجعل العقل حاكما‪,‬‬
‫أو محسينا أو مقبحيا فيي أمور الشريعية والعقيدة مسيتقل الحكيم‪ ,‬ل‬
‫إنميا المراد أن السيلم ل يصدم العقيل فيميا ينبغيي أن يدركيه العقيل‬
‫فييي أمور المحسييوسات وحكييم العبادة‪ ,‬أن العقييل يتقبييل أحكام‬
‫الشرع‪ ,‬فهييي معللة بمصييالح العباد‪ .‬فالشرع حاكييم على العقييل ل‬
‫ريب‪ .‬فهيو الذي يحدد له مسيائل الغييب والحسين والقبيح الشرعيين‪,‬‬
‫فالحسين ميا حسينه الشرع‪ ,‬والقبييح ميا قبحيه الشرع‪ ,‬والعقيل يسيلم‬
‫بذلك‪ .‬فمسييائل غيييب الخرة‪ ,‬وعذاب القييبر ومييا إلى ذلك ل شأن‬
‫للعقيل فيهيا; لنيه ل مدخيل له إليهيا‪ ,‬إل الوهيم‪ ,‬والخيال‪ ,‬وهميا ليسيا‬
‫مصيدرا للعلم‪ .‬وكذلك ل شأن للعقيل فيي أمور الديين فيي المتشابيه‬
‫والمحكم‪ ,‬فالمتشابه يؤمن به ويكل أمره إلى الله‪ .‬والمحتم محطه‬
‫التسييليم المطلق‪ ,‬وذلك قوله تعالى‪( :‬هييو الذي أنزل عليييك الكتاب‬
‫م نه آيات محكمات هين أم الكتاب‪ ,‬وأخير متشابهات‪ ,‬فأ ما الذيين فيي‬
‫قلوبهيم زييغ فيتبعون ميا تشابيه منيه ابتغاء الفتنية وابتغاء تأويله وميا‬
‫يعلم تأويله إل الله والراسيخون فيي العلم يقولون آمنيا بيه كيل مين‬
‫عنييد ربنييا ومييا يذكيير إل أولوا اللباب) (آل عمران‪ )7 :‬ومييا وراء ذلك‬
‫فالعقيل مطلق النظير‪ ,‬ولذا حيث القرآن الكرييم العقيل على التدبر‬
‫والعتبار‪ ,‬وأمره بقياس الشباه والنظائر‪ .‬فقال تعالى‪ :‬فاعتييبروا يييا‬
‫أولي البصيييار وقيييد كثرت اليات المختومييية ب أفل يعقلون وأفل‬
‫يتفكرون وأف ليتدبرون و وأفل يبصرون ‪.‬‬

‫وكان أول توجيه إلى النبي ‪ e‬التعلم قال تعالى‪ :‬اقرأ باسم ربك‬
‫الذي خلق * خلق النسان من علق * اقرأ وربك الكرم * الذي علم‬
‫بالقلم * علم النسان ما لم يعلم (العلق‪1 :‬ي‪.)5‬‬

‫وأمر الله بطلب العلم فقال "وقيل ربي زدنيي علما"( طه‪,)114 :‬‬
‫ونفى المساواة بين العلماء وغيرهم فقال‪":‬أمن هو قانت آناء الليل‬
‫ساجدا وقائما يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين‬
‫يعلمون والذيين ل يعلمون إنميا يتذكير أولوا اللباب"(الزمير‪ ,)9:‬وأعل‬
‫درجيية العلماء فقال‪ ":‬نرفييع درجات ميين نشاء وفوق كييل ذي علم‬
‫عليم"(يوسف‪.)76:‬‬

‫وقال تعالى‪ " :‬شهيد الله أنيه ل إله إل هيو والملئكية وأولوا العلم‬
‫قائمييا بالقسييط ل إله إل هييو العزيييز الحكيييم"(آل عمران‪ .)18 :‬وقال‬
‫"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين‪". ..‬‬

‫وقال "مين سيلك طريقيا يلتميس فييه علميا سيهل الله له طريقيا‬
‫إلى الجنة"‪.‬‬

‫وقال "إن العلماء ورثيية النييبياء‪ ,‬إن النييبياء لم يورثوا دينارا ول‬
‫درهما ‪ ,‬إنما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر"‪.‬‬

‫وقال أيضيا "إذا مات النسيان انقطيع عنيه عمله إل مين ثلثية‪ ,‬إل‬
‫من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له "‪.‬‬

‫والشواهيد مين اليات والحادييث فيي الحيث على العلم واحترام‬


‫العلماء كثيرة جدا‪.‬‬

‫وفييي كلميية جامعيية يقول الشيييخ أبييو سييليمان المنطقييي‪ " :‬إن‬
‫الشريعية مأخوذة مين الله‪ ,‬عيز وجيل‪ ,‬بوسياطة السيفير بينيه وبيين‬
‫الخلق ميين طريييق الوحييي‪ ,‬وباب المناجاة‪ ,‬وشهادة اليات‪ ,‬وظهور‬
‫المعجزات‪ ,‬وفي أثنائها ما ل سبيل إلى البحث عنه‪ ,‬والغوص فيه‪ ,‬ول‬
‫بيد مين التسيليم المدعيو إلييه‪ ,‬والمنبيه علييه‪ .‬وهناك يسيقط‪ " :‬لم?"‬
‫ويبطيل‪ " :‬كييف?" ويزول‪ " :‬هل" وتذهيب‪ " :‬لو‪ ,‬ولييت" فيي الرييح‪ .‬ولو‬
‫كان العقل يكتفي به‪ ,‬لم يكن للوحي فائدة ول غناء‪ .‬على أن منازل‬
‫الناس متفاوتة في العقل‪ ,‬وانصباءهم مختلفة فيه‪ .‬فلو كنا نستغنى‬
‫عن الوحي بالعقل‪ .‬كيف كنا نصنع وليس العقل بأسره لواحد منا?‬
‫فإنميا هيو لجمييع الناس ولو اسيتقل إنسيان واحيد بعقله فيي جمييع‬
‫حالتيه‪ ,‬فيي دينيه ودنياه‪ ,‬لسيتقل أيضيا بقوتيه فيي جمييع حاجاتيه‪ ,‬فيي‬
‫دينيه ودنياه‪ ,‬ولكين وحده يفيي بجمييع الصيناعات والمعارف‪ ,‬وكان ل‬
‫يحتاج إلى أحد من نوعه وجنسه‪ .‬وهذا قول مردود‪ ,‬ورأى مخذول‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫نمو العلم في إطار الدين‬

‫ل تبنيى حضارة تعمير الرض إل على ديين‪ ,‬ول تقوم الحضارة إل‬
‫بالعلم وقييد جمعييت الحضارة السييلمية‪ ,‬بييين العلم والدييين‪ ,‬وكمييا‬
‫قدرت للعلم مكانته فقد قدرت للعلماء شأنهم ومنزلتهم‪.‬‬

‫ولسنا بصدد ذكر الشواهد والدلة على ذلك فقد امتلت الكتب‬
‫فيي الدللة علييه‪ ,‬والسيتشهاد مين الكتاب والسينة ولكين ميا نحتاج‬
‫إلى تقريره هيييو الواقيييع الحضاري للعلوم السيييلمية وكييييف كان‬
‫الحوار‪ ,‬والترابيط‪ ,‬والتلقيي بيين العلم واليمان‪ ,‬بيين العلوم العلميية‬
‫والنقلية‪ ,‬كيف نما العلم في حماية الدين‪ ,‬وخير شاهد على ذلك ما‬
‫تناقلته كتب التاريخ‪ ,‬وبخاصة كتب المنصفين من المستشرقين عن‬
‫واقع الحضارة السلمية يوم أن كانت قيادة الحضارة إيمانية دينية‪.‬‬

‫ونذكيير ذلك لن التفكييير بمسييتقبل للحضارة ينبغييي أن يكون‬


‫بمنظار الماضي القريب‪ ,‬منظار واقع الحضارة السلمية‪ ,‬واقع جربه‬
‫الناس‪ ,‬وعاشوا فييي ظلله‪ ,‬وهييم اليوم يعيشون فييي ظلل حضارة‬
‫العلم المجرد أو المعادي للدييييين‪ .‬كيييييف كانييييت حياة تآلف العلم‬
‫والديين‪ ,‬وميا أثمرتيه مين سيعادة وهناء‪ ,‬وكييف أثمرت حضارة العلم‪,‬‬
‫شقاء وتعاسة وقلقا‪.‬‬

‫يقول المسيتشرق غوسيتاف لوبون مبينيا كييف انتقلت الحضارة‬


‫السيلمية إلى أحضان الغرب‪ ,‬مفصيولة عين الديين‪ .‬ونعلم مين مقاله‬
‫فييي الوقييت ذاتييه مسييتقبل الحضارة السييلمية بييين الدييين والعلم‬
‫يقول‪ :‬إن تأثيير العرب فيي الغرب عظييم كتأثيرهيم فيي الشرق‪ ,‬وإن‬
‫أوربية مدينية للعرب بحضارتهيا‪ .‬حقيا‪ ,‬إن تأثيير العرب فيي الغرب لم‬
‫يكين أقيل منيه فيي الشرق‪ ,‬ولكين بمعنيى آخير‪ ,‬فقيد كان تأثيير العرب‬
‫في الشرق باديا في أمر الدين واللغة والفنون على الخصوص‪ ,‬ولم‬
‫يكين لهيم أي تأثيير دينيي فيي الغرب‪ ,‬وكان تأثيرهيم اللغوي والفنيي‬
‫فييي الغرب ضعيفييا‪ ,‬وكان تأثيرهييم العلمييي والدبييي والخلقييي فيييه‬
‫عظيما‪.‬‬

‫ول يمكين إدراك أهميية شأن العرب فيي الغرب إل بتصيور حال‬
‫أوربة حينما أدخل العرب الحضارة إليها‪.‬‬

‫مضت مدة طويلة قبل شعور أوربة بهمجيتها‪ ,‬ولم يبد ميلها إلى‬
‫العلم إل فيي القرن الحادي عشير والقرن الثانيي عشير مين الميلد‪,‬‬
‫فلميييا ظهييير فيهيييا أناس رأوا أن يرفعوا أكفان الجهيييل عنهيييم ولوا‬
‫وجوههم شطر العرب‪.‬‬

‫وأسيلوب انتقال الحضارات يكاد يكون واحدا فيي بعيض القضاييا‪,‬‬


‫وخاصة نقل العلوم‪ ,‬والمعارف‪ ,‬فمثلما نقل العرب حضارات اليونان‬
‫عييبر الترجمات حييين دعييا خالد بيين يزيييد بيين معاوييية جماعيية ميين‬
‫اليونانييين المقيميين فيي مصير‪ ,‬وطلب إليهيم أن ينقلوا له كثيرا مين‬
‫الكتيب اليونانيية والقبطيية التيي تناولت البحيث فيي صيناعة الكيمياء‪,‬‬
‫والطب وغيرها‪ ,‬ثم عر بت الدواوين المكتوبة بالفارسية في العراق‬
‫واليونانيية فيي مصير والشام إلى العربيية فيي عهيد الولييد بين عبيد‬
‫الملك‪ .‬كذلك إنميييييا كان النتقال الفعلي للحضارة السيييييلمية إلى‬
‫أوروبيا بواسيطة الترجمات ففيي سينة ‪ 1130‬م أنشييء فيي طليطلة‬
‫مكتييب للترجميية تحييت رعاييية رئيييس السيياقفة ريمون‪ ,‬فصييار هذا‬
‫المكتب ينقل إلى اللغة اللتينية أهم كتب العرب‪.‬‬

‫وقيد كللت أعمال ذلك المكتيب بالنجاح فبدا للغرب عالم جدييد‪,‬‬
‫ولم يتوان الغرب فييي أميير تلك الترجميية فييي القرن الثانييي عشيير‪,‬‬
‫والقرن الثالث عشير‪ ,‬والقرن الرابيع عشير‪ ,‬والقرن الخاميس عشير‬
‫من الميلد‪ ,‬ولم يقتصر في تلك القرون على ترجمة مؤلفات علماء‬
‫العرب كالرازي‪ ,‬وأبي القاسم وابن سينا‪ ,‬وابن رشد إلخ وحدها إلى‬
‫اللغيية اللتينييية‪ ,‬بييل نقلت إليهييا كتييب علماء اليونان ميين ترجمتهييا‬
‫العربييية ككتييب جالينوس‪ ,‬وبقراط‪ ,‬وأفلطون‪ ,‬وأرسييطو وأقليدس‪,‬‬
‫وأخميدس‪ ,‬وبطليموس‪ .‬وقييد روى الدكتور لوكلييير فييي كتابييه الذي‬
‫سماه " تاريخ الطب العربي " أن عدد ما ترجم من كتب العرب إلى‬
‫اللغية اللتينيية يزييد عين ثلثمائة كتاب‪ ,‬ولم تعرف القرون الوسيطى‬
‫كتيب قدماء اليونان فيي الحقيقية‪ ,‬إل مين ترجماتهيا العربيية‪ ,‬وبفضيل‬
‫هذه الترجمات أطلعنا على محتويات كتب اليونان التي ضاع أصلها‪,‬‬
‫ككتاب أبولونيوس فيي المخروطات‪ ,‬وكتيب جالينوس فيي المراض‬
‫السارية وكتاب أرسطو في الحجارة إلخ‪.‬‬

‫وقييد كانييت ترجمات كتييب العرب العلمييية المصييدر الوحيييد‬


‫للتدريس في جامعات أوربة نحو ستة قرون‪.‬‬

‫البحث العلمي ‪:‬‬


‫البحيث العلميي أسياس مين أسيس النهضية‪ ,‬ول حضارة ترتجيى‬
‫للميية السييلمية إن هييي خلت ميين الهتمام بالبحييث العلمييي‪ ,‬وهييو‬
‫بضاعيية المسييلمين التييي احتضنتهييا أوربييا إبان نهضتهييا الحضارييية‪,‬‬
‫والمسلمون هم أرباب البحث العلمي‪ ,‬وهم من وضع أسسه‪ ,‬وبناءه‪,‬‬
‫وهيم مين مهيد له أدواتيه‪ ,‬وهيم أول مين عنيي بالتفرغ العلميي‪ ,‬ومين‬
‫ذلك أن الخليفييية العباسيييي المأمون أمييير القراء (يحييييى بييين زياد‬
‫الديلميي ت ‪ 207‬هيي ‪ 822 /‬م)‪ ,‬وهيو إمام الكوفييين وأعلمهيم بالنحيو‬
‫واللغية والداب‪ " ,‬أن يؤلف ميا يجميع بيه أصيول النحيو وميا سيمع مين‬
‫العرب‪ ,‬وأمير أن يفرد فيي حجرة مين حجير الدار‪ ,‬ووكيل بيه جواري‬
‫وخدميا يقمين بميا يحتاج إلييه حتيى ل يتعلق قلبيه‪ ,‬ول تنشرف نفسيه‬
‫إلى شييييء حتيييى أنهيييم كانوا يؤذنونيييه بأوقات الصيييلة‪ ,‬وصيييير له‬
‫الوراقييين وألزمييه المناء والمثقفييين‪ ,‬فكان يملي والوراقون يكتبون‬
‫حتى صنف الحدود في سنتين‪.‬‬

‫ولقيد عنيي المأمون البطائحيي‪ ,‬الوزيير الفاطميي‪ ,‬عنايية خاصية‬


‫بعلوم الطيب‪ ,‬فعندميا وصيل الطيبيب أبيو جعفير يوسيف بين حسيداي‬
‫الندلسييي نزل ضيفييا على الدولة‪ ,‬وجعييل له يومييين فييي الجمعيية‬
‫يشتغل فيهما ويتوافر في بقية السبوع على التصنيف‪.‬‬

‫ومن الملحظ أنه كان يقدم للعالم‪ ,‬خلل تفرغه للبحث العلمي‪,‬‬
‫حاجتيه مين ورق وأدوات كتابية‪ ,‬ونسياخ‪ ,‬وخدم‪ ,‬وكيل ميا يوف له مين‬
‫وسائل الراحة لممارسة عمله في التصنيف والبحث‪.‬‬

‫وقضيييى ياقوت الجغرافيييي ثلث سيينوات فيييي مكتبتييي مرور‬


‫وخوارزم يجمع معلومات لقاموسه الجغرافي‪.‬‬

‫وقيد كانيت المكتبات الشرعيية والعلميية تزود العلماء بخيبرة من‬


‫سبقهم‪ ,‬ولم تكن المكتبات تعرف الفصل بين كتب الشريعة‪ ,‬وكتب‬
‫سييائر العلوم‪ ,‬وكانييت المكتبات متعددة الغراض البحثييية‪ ,‬ل تقتصيير‬
‫على خزائن الكتييب فحسييب‪ ,‬بييل تخدم العلماء‪ ,‬وطلبيية العلم وهذا‬
‫بخاصة في المكتبات العامة‪ ,‬فقد كانت على نوعين‪ :‬عامة وخاصة‪.:‬‬

‫أما العامة‪ :‬فقد كن ينشئها الخلفاء‪ ,‬والمراء‪ ,‬والعلماء‪ ,‬والغنياء‪,‬‬


‫كانييت تشيييد لهييا أبنييية خاصيية‪ ,‬وأحيانييا كانييت تلحييق بالمسيياجد‬
‫والمدارس الكبرى‪.‬‬

‫أمييا البنييية الخاصيية‪ ,‬فقييد كانييت تشتمييل على حجرات متعددة‬


‫تربيط بينهيا أروقية فسييحة‪ ,‬وكانيت الكتيب تشتميل على رفوف مثبتية‬
‫بالجدران تخصيص كيل غرفية لفرع مين فروع العلم‪ ,‬فلكتيب الفقيه‬
‫غرفة‪ ,‬ولكتب الطب غرفة‪ ,‬كالذي قيل في مكتبة على بن يحيى بن‬
‫المنجيم‪ ,‬فقيد كان له قصير عظييم فيي قريية قريبية مين بغداد‪ ,‬وفييه‬
‫مكتبية عظيمية كان يسيميها خزانية الحكمية‪ ,‬يقصيدها الناس مين كيل‬
‫بلد فيقيمون فيهيا ويتعلمون منهيا صينوف العلم‪ .‬والكتيب مبذولة فيي‬
‫ذلك لهم‪ ,‬والرزاق مغدقة عليهم‪ ,‬وكل ذلك من مال علي بن يحيى‬
‫نفسيه‪ .‬بيل هنالك ميا هيو أطرف مين ذلك مميا ل نعلم له مثيل اليوم‬
‫فييي أرقييى عواصييم الحضارة الغربييية‪ .‬فقييد كان فييي الموصييل دار‬
‫أنشأهيا أبيو القاسيم جعفير بين محميد بين حمدان الموصيلي‪ ,‬وسيماها‬
‫دار العلم‪ .‬وجعيل فيهيا خزانية كتيب من جمييع العلوم‪ ,‬وقفيا على كيل‬
‫طالب علم‪ ,‬ل يمنع أحد من دخولها‪ ,‬وإذا جاءها غريب يطلب الدب‪,‬‬
‫وكان معسيرا أعطاه ورقيا‪ ,‬وورقيا‪( ,‬أي كتبيا ونقودا )‪ ,‬كانيت تفتيح فيي‬
‫كيل يوم‪ ...‬فهيل سيمعتم حتيى الن بمكتبية فيي لندن أو واشنطين أو‬
‫عاصمة من عواصم العالم الكبرى اليوم تمنح الدب والموال لطلبة‬
‫العلم‪?.‬‬

‫وكان للمكتبات العاميية موظفون يرأسييهم خازن المكتبيية‪ .‬وهييو‬


‫دائما من أشهر علماء عصره‪ ,‬ومناولون يناولون الكتب للمطالعين‪,‬‬
‫ومترجمون ينقلون الكتييب ميين غييير العربييية إلى العربييية‪ ,‬ونسيياخ‬
‫يكتبون الكتييب بخطوطهييم الجميلة‪ ,‬ويجلدون الكتييب لتحفييظ ميين‬
‫التمزق والضياع‪ ,‬هذا عدا عين الخدم وغيرهيم ممين تقتضيهيم حاجية‬
‫المكتبات‪.‬‬

‫وكان لكيل مكتبية صيغيرة أو كيبيرة فهارس يرجيع إليهيا لسيهولة‬


‫استعمال الكتب‪ ,‬وهي مبوبة بحسب أبواب العلم‪ ,‬وبجانب هذا كانت‬
‫توضييع قائميية على كييل دولب تحتوي أسييماء الكتييب الموجود فييي‬
‫الدولب‪ .‬وكان مييين المعروف فيييي نظام المكتبات أن السيييتعارة‬
‫الخارجيية مسيموحة فيي أغلبهيا لقاء ضمان عين الكتاب مين عامية‬
‫الناس‪ ,‬أما العلماء وذوو الفضل فل يؤخذ منهم ضمان‪.‬‬

‫أما الموارد المالية التي كانت تقوم بنفقات المكتبات‪ ,‬فمنها ما‬
‫كان ميين الوقاف التييي تنشييأ ميين أجلهييا خاصيية‪ ,‬وهذه حال أكثيير‬
‫المكتبات العامة‪ ,‬ومنها ما كان من عطايا المراء‪ ,‬والغنياء‪ ,‬والعلماء‬
‫الذيين يؤسيسون تلك المكتبات فقيد قالوا إنيه كان عطاء محميد بين‬
‫عبيد الملك الزيات للنقلة والنسياخ فيي مكتبتيه ألفيي دينار كيل شهير‪,‬‬
‫وكان المأمون يعطي حنين بن إسحاق من الذهب زنة ما ينقله من‬
‫الكتب إلى العربية مثل بمثل‪.‬‬

‫ويقول ول ديورانيت‪ :‬إن الكتيب التيي كانيت تحتوي عليهيا مكتبية‬


‫الري العاميية مسييجلة فييي عشرة أجزاء ميين الفهارس‪ ,‬ولمييا دميير‬
‫المغول بغداد كان فيهييا سييت وثلثون مكتبيية عاميية‪ ,‬وقييد ذكيير ول‬
‫ديورانيت‪ :‬إنيه كان فيي مطلع القرن العاشير فيي بغداد وحدهيا أكثير‬
‫من مائة بائع للكتب‪.‬‬

‫ويذكيير المسييتشرق الهولندي (‪ )R.Dozy‬دوزي بأنييه فييي الوقييت‬


‫الذي لم يكن يوجد أمي في الندلس‪ ,‬كان ل يعرف القراءة والكتابة‬
‫في أوربا معرفة أولية إل الطبقة العليا من القسس‪.‬‬

‫وفي عاصمة الجناح الغربي للعالم السلمي‪ ,‬وهي قرطبة‪ ,‬التي‬


‫سمتها الشاعرة اللمانية هيروسويثا (‪ )Hroswitha‬ب"جوهرة العالم "‬
‫كانييت مكتبتهييا الرئيسييية التييي رعاهييا أهييل الندلس‪ ,‬علماء وأمراء‪,‬‬
‫وأولهيا الخليفية العالم الحكيم الثانيي المسيتنصر بالله (‪ 350‬يي ‪ 336‬هيي‬
‫= ‪ 961‬يي ‪ 976‬م)‪ ,‬تضييم أروقتهييا زهاء نصييف مليون كتاب‪ .‬فييي وقييت‬
‫كانيت تقوم فييه الييد مكان الطباعية‪ .‬حتيى ليذكير أبيو محميد علي بين‬
‫حزم الندلسيي (‪456‬هيي = ‪1063‬م)‪ ,‬فيي كتابيه جمهرة أنسياب العرب‪,‬‬
‫فهارس تلك المكتبية‪ ,‬حيين الحدييث عين الخليفية الحكيم‪ ,‬المسيتنصر‬
‫بالله (‪ 366‬هيي = ‪ 976‬م)‪ .‬الذي وصييفه بالرفييق بالرعييية وحبييه للعلم‪,‬‬
‫بقوله‪" :‬إن عدد الفهارس التييي كانييت فيهييا تسييمية الكتييب أربييع‬
‫وأربعون فهرسية‪ ,‬فيي كيل فهرسية خم سون ورقة‪ ,‬ليس فييه إل ذكير‬
‫أسماء الدواوين فقط "‪.‬‬

‫في حين أنه بعد هذا التاريخ بأربعة قرون‪ ,‬أي في القرن الثامن‬
‫الهجري (الرابيع عشير الميلدي)‪ ,‬كانيت أغنيى مكتبية فيي أوبيا مكتبية‬
‫كنيسييية كانتربيري (‪ )Canterbury‬فيييي مقاطعييية كنيييت (‪ )kent‬جنوب‬
‫شرقي انجلترا‪ ,‬تضم ‪ 1800‬مجلد‪.‬‬

‫كمييا كانييت البلد الوربييية المجاورة لبلد الندلس السييلمية ل‬


‫تكاد تعرف شيئا مين هذا التحرك النسياني والتيار العلميي النظييف‪,‬‬
‫الذي مل الحياة فيي مجتمعيه بكافية ميادينيه بالعلم النافيع والمعرفية‬
‫الفاضلة‪.‬‬

‫وأمييييا المكتبات الخاصيييية‪ :‬فكانييييت كثيرة‪ .‬فمكتبيييية الخلفاء‬


‫الفاطمييين فيي القاهرة‪ .‬كانيت مكتبية عجيبية بميا حوت مين نفائس‬
‫المصياحف والكتيب‪ ,‬بلغ مجموع كتبهيا كميا يروي كثيير مين المؤرخيين‬
‫مليونييي كتاب‪ ,‬وإن كان المقريزي يميييل إلى أنهييا مليون وسييتمائة‬
‫ألف كتاب‪.‬‬

‫ومنهييا مكتبيية دار الحكميية بالقاهرة‪ ,‬أنشأهييا الحاكييم بأميير الله‪,‬‬


‫وافتتحيييت فيييي ‪ 10‬ميين جمادي الخرة ‪ 395‬هيييي ‪ ,‬بعييد أن فرشيييت‬
‫وزخرفيت‪ ,‬وعلقيت على جمييع أبوابهيا وممراتيه السيتور‪ .‬وأقييم بهيا‬
‫القوامون والمناولون والفراشون‪ ,‬وقيد جميع فيهيا مين الكتيب ميا لم‬
‫يجتمع لحد قط من الملوك‪ .‬حتى كانت تضم أربعين خزانة‪ ,‬احتوت‬
‫إحدى خزائنهيا على ‪ 18000‬كتاب مين العلوم القديمية‪ .‬وكان الدخول‬
‫إليهيا مباحيا لجمييع الناس‪ ,‬فمنهيم مين يحضير لقراءة الكتيب‪ ,‬ومنهيم‬
‫من يحضر للنسخ‪ ,‬ومنهم من يحض للتعلم‪ ,‬وكان فيها كل ما يحتاج‬
‫إليه الناس من الحبر والقلم والورق والمحابر‪.‬‬

‫ومنهيا بييت الحكمية فيي بغداد‪ ,‬أنشأهيا هارون الرشييد‪ ,‬وبلغيت‬


‫ذروة مجدهيا فيي عصير المأمون‪ .‬كان ت أشبيه بجامعية فيهيا رجال‬
‫يتفاوضون‪ ,‬ويطالعون‪ ,‬وينسيييخون‪ ,‬وكان فيهيييا نسييياخ ومترجمون‬
‫يترجمون مييا كان يحصييل عليييه الرشيييد والمأمون فييي فتوحاتهييم‬
‫بأنقرة وعمورية وقبرص وكما يقول ول ديورانت عن بيت هو مجمع‬
‫علميي‪ ,‬ومرصيد فلكيي‪ ,‬ومكتبية عامية وقيد أنفيق‪ ,‬فيي إنشائه مائتيي‬
‫ألف دينار ويقول ابن خلدون‪ :‬إن السلم مدين لهذا المعهد العلمي‬
‫باليقظيية السييلمية الكييبرى التييي اهتزت بهييا أرجاؤه ويحدثنييا ابيين‬
‫النديم أن المأمون كانت بينه وبين ملك الروم مراسلت‪ ,‬وقد انتصر‬
‫عليييه المأمون فييي بعييض المعارك‪ ,‬فجعييل ميين شروط الصييلح أن‬
‫يسمح ملك الروم بترجمة ما في خزائنه من كتب بواسطة العلماء‬
‫الذين يرسلهم المأمون‪ ,‬ففعل‪ ,‬وهذا أعظم ما يروى في التاريخ عن‬
‫حاكم منتصر ل يرى ثمنا للنصر أغلى من كتب العلم ينقلها إلى أبناء‬
‫أمته وبلده‪.‬‬

‫ومنها مكتبة الحكم بالندلس‪ .‬كانت غاية في العظمة والتساع‪,‬‬


‫حتى قيل إنها بلغت أربعمائة ألف مجلد‪ ,‬وكانت لها فهارس غاية في‬
‫الدقة والنظام‪ ,‬حتى إن الفهرست الخاص بدواوين الشعر الموجودة‬
‫فيي تلك المكتبية بلغيت أربعية وأربعيين جزءا‪ ,‬وكان فيهيا الحذاق فيي‬
‫صيناعة النسيخ‪ ,‬والمهرة فيي الضبيط والجادة فيي التجلييد‪ ,‬واجتمعيت‬
‫بالندلس في عهده خزائن من الكتب لم تكن لحد فيه ول بعده‪.‬‬

‫ومنهيا مكتبية بنيي عمار فيي طرابلس‪ .‬كانيت آيية مين اليات فيي‬
‫العظميية والضخاميية‪ .‬كان فيهييا مائة وثمانون ناسييخا ينسييخون فيهييا‬
‫الكتب‪ ,‬ويتبادلون العمل ليل ونهارا بحيث ل ينقطع النسخ‪ .‬وكان بنو‬
‫عمار يحرصيون على أن يزودوهيا بكيل نادر‪ ,‬وكيل جدييد مين الكتيب‪,‬‬
‫ووظفوا أخصييييائيين وتجارا ليجوبوا البلد ويحرزوا لهييييم الكتييييب‬
‫المفيدة مين البلدان النائيية‪ ,‬والقطار الجنبيية‪ .‬اسيتفاد منهيا المعرى‬
‫وذكرهييا فييي بعييض كتبييه‪ ,‬واختلف فييي مقدار مييا كان فيهييا‪ ,‬وأعدل‬
‫القوال أنها كانت تحوي مليون كتاب‪.‬‬

‫ومين المكتبات الخاصية ميا يتحدث التارييخ عنهيا بإعجاب‪ ,‬وقيد‬


‫كانيت فيي كيل بلد فيي شرق العالم السيلمي وغربيه‪ ,‬وقيل أن تجيد‬
‫عالما وله مكتبة كانت تحوي آلفا من الكتب‪ .‬وقد رفض أحد الطباء‬
‫دعوة سيلطان بخارى للقامية ببلطيه; لنيه يحتاج إلى أربعمائه بعيير‬
‫لنقل كتبه‪ ,‬وكان عند الصاحب بن عباد في القرن العاشر كمية من‬
‫الكتب بقدر ما في دور الكتب الوربية مجتمعة‪ ,‬ولما مات الواقدي‬
‫ترك ستمائة صندوق مملوءة بالكتب يحتاج كل صندوق منها رجلين‬
‫لينقله‪.‬‬

‫ومن عجيب المور أن ميدان البحث كان حرا‪ ,‬إلى درجة كبيرة‪,‬‬
‫سييواء فييي ذلك كتييب ومصيينفات المذاهييب المختلفيية‪ ,‬والتجاهات‬
‫المتباينة‪ ,‬ولم يكن ذلك الخلف في بطون الكتب فحسب‪ ,‬بل كانت‬
‫المجالس العلمية تجم ع ب ين المتخالفين من العلماء‪ ,‬كل يطرح ما‬
‫عنده فيدور بينهم حوار علمي رفيع‪.‬‬

‫فكانيت الحركية العلميية فيي العصير العباسيي ‪ .‬كميا يقول أحميد‬


‫أميييين ‪ .‬نتاج تعاون بيييين العقول العربيييية‪ ,‬والتركيييية‪ ,‬والفارسيييية‪,‬‬
‫والرومييية‪ ,‬والهندييية التييي "ألف بينهييا العلم بعدمييا مزقييت بينهييا‬
‫العصبيات الجنسية‪ ,‬والمذهبية‪ ,‬فيأخذ اليهودي والنصراني من العالم‬
‫المسييلم‪ ,‬ويأخييذ المسييلم ميين العالم اليهودي والنصييراني‪ ,‬ويجلس‬
‫الفارسيي‪ ,‬والتركيي‪ ,‬والهندي فيي حلقية العربيي‪ ,‬ويتعاون الجمييع فيي‬
‫بناء الدولة العلمية غير آبهين بما كان من عمل الساسة في تهديم‬
‫الدولة من ناحيتها السياسية‪.‬‬

‫ويقول الخطيب البغدادي‪ :‬فهذا المام أحمد بن حنبل يقول عنه‬


‫يحييى بين معيين‪ " :‬ميا رأيييت خيرا منيه قييط‪ ,‬ميا افتخيير علينيا قييط‬
‫بالعربية ول ذكرها‪.‬‬

‫ويصيييور لنيييا أبيييو حيان التوحيدي مجالس العلماء وموضوعات‬


‫أبحاثهيم وذلك مين خلل كتبيه حييث يقول‪ " :‬كان ههنيا مين يتفلسيف‬
‫وهيو نصيراني كابين زرعية (مولده ‪ 331‬هيي ‪ 942 /‬م) وابين الحمار (ت‬
‫‪ 331‬هيي ‪ 942 /‬م) وأمثالهميا‪ ,‬وههنيا مين يتفلسيف وهيو يهودي كابين‬
‫الخيير بين يعييش‪ ,‬وههنيا مين يتفلسيف وهيو مسيلم كأبيي سيليمان‬
‫(محمييد بيين طاهيير بيين بهرام المنطقييي السييجستاني توفييى فييي‬
‫السينوات العشير الخيرة مين القرن الرابيع الهجري)‪ .‬والنوشجانيي‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫ول شييك أن العلوم التييي يخوضون فيهييا ويأخذون عيين بعضهييم‬


‫هي علوم الوائل‪.‬‬

‫وكانيت الحلقات العلميية فيي حضرة الخلفاء تجميع بيين مختلف‬


‫العلماء على اختلف أديانهم ومذاهبهم‪ .‬وكانت للمأمون حلقة علمية‬
‫يجتميع فيهيا علماء الديانات والمذاهيب كلهيا‪ ,‬وكان يقول لهيم‪ :‬ابحثوا‬
‫ما شئتم من العلم من غير أن يستدل كل واحد منكم بكتابه الديني‪,‬‬
‫كيل تثور بذلك مشاكل طائفية‪.‬‬

‫ومثييل ذلك كانييت الحلقات العلمييية الشعبييية‪ .‬قال خلف بيين‬


‫المثنييى‪ :‬لقييد شهدنييا عشرة فييي البصييرة يجتمعون فييي مجلس ل‬
‫يعرف مثلهيم فيي الدنييا علميا ونباهية‪ ,‬وهيم الخلييل بين أحميد صياحب‬
‫النحو (وهو سني)‪ ,‬والحميري الشاعر (وهو شيعي)‪ ,‬وصالح بن عبد‬
‫القدوس (وهييو زنديييق وثنييي)‪ ,‬وسييفيان بيين مجاشييع (وهييو خارجييي‬
‫صييفري)‪ ,‬وبشار بيين برد (وهييو شعوبييي خليييع ماجيين)‪ ,‬وحماد عجرد‬
‫(وهيو زندييق شعوبيي)‪ ,‬وابين رأس الجالوت الشاعير (وهيو يهودي)‪,‬‬
‫وابن نظير المتكلم (وهو نصراني)‪ .‬وعمر بن المؤيد (وهو مجوسي)‪,‬‬
‫وابييين سييينان الحرانيييي الشاعييير (وهيييو صيييابئي)‪ ,‬كانوا يجتمعون‬
‫فيتناشدون الشعار ويناقلون الحبار‪ ,‬ويتحدثون فييي جييو ميين الود ل‬
‫تكاد تعرف منهيييم أن بينهيييم هذا الختلف الشدييييد فيييي دياناتهيييم‬
‫ومذاهبهم‪.‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫العلوم في الحضارة السلمية‬

‫تلك الحضارة السيلمية الدينيية‪ ,‬هيي التيي طورت ميا ورثتيه مين‬
‫علوم وابتكرت علومييييييا‪ ,‬ومخترعات مازالت حضارة اليوم تعترف‪,‬‬
‫وتديين بكثيير مين العلوم‪ ,‬والبتكارات‪ ,‬والبداع لهيا‪ .‬ولسينا بصيدد ذكير‬
‫تفاصيييل ذلك‪ ,‬فهذا مييا يحتاج إلى كتاب متخصييص فييي هذا الشأن‪,‬‬
‫ويكفينييا هنييا الشارة إلى الشادات التاريخييية بدور المسييلمين فييي‬
‫العلوم‪ ,‬ونماذج ميين جهودهييم العلمييية‪ .‬وخاصيية العلوم السيياسية‬
‫الربعية التيي كان للمسيلمين تمييز ملحوظ‪ ,‬وآثار علميية هامية فيهيا‪,‬‬
‫وهييييي علم الطييييب والفلك‪ ,‬والرياضيات‪ ,‬والكيمياء‪ ,‬وإنمييييا تميييييز‬
‫المسلمون بهذه العلوم لعتمادهم على التجربة في تقرير القضايا‪.‬‬

‫وهذا ما ينبغي أن تعترف مدنية أوربا به للمسلمين اليوم‪ ,‬وهذه‬


‫العلوم السييلمية المقررة بالوسييائل التجريبييية هييي التييي أخرجييت‬
‫أوربا من جهالتها وظلمتها‪ ,‬إلى ميادين العلم‪ ,‬والبحث‪ ,‬والنور‪ ,‬يقول‬
‫غوستاف لوبون‪ :‬يتراءى لبعض الفضلء أن من العار أن تكون أوربة‬
‫مدينة في خروجها من التوحش للعرب الكافرين‪ ,‬ولكن من الصعب‬
‫أن يحجييب مثييل هذا العار الوهمييي وجييه الحقائق ثييم يضيييف قائل‪:‬‬
‫يقول الوروبيون إن بيكيين أول ميين قال بالتجربيية والترصييد اللذييين‬
‫همييا ركيين المباحييث العلمييية الحديثيية‪ ,‬ولكيين النصيياف يقضييي بأن‬
‫نعترف بأن الفضييل فييي ذلك للعرب وحدهييم‪ ,‬وقييد أبدى هذا الرأي‪,‬‬
‫مع ذلك‪ ,‬جميع العلماء الذين درسوا مؤلفات العرب‪ ,‬ول سيما العالم‬
‫الشهيير همبولد‪ ,‬فبعيد أن ذكير أن ميا قام على التجربية والترصيد هيو‬
‫أفضيل ميا فيي العلوم قال‪ " :‬إن العرب ارتقوا فيي علومهيم إلى هذه‬
‫الدرجة التي كان يجهلها القدماء "‪.‬‬

‫فمنهاج العرب قائم على التجربيية والترصييد‪ ,‬وأمييا درس الكتييب‬


‫والقتصييار على تكرار رأي المعلم فممييا سييارت عليييه أوربيية فييي‬
‫القرون الوسطى‪ ,‬والفرق بين النهجين واضح‪ ,‬ول يمكن تقدير قيمة‬
‫العرب العلمية إل بإظهار هذا الفرق‪.‬‬

‫حقيا‪ ,‬لقيد اختيبر العرب مسيائل العلم وجربوهيا‪ ,‬وقيد كانوا أول‬
‫من أدرك أهمية هذا المنهج في العلم‪ ,‬وقد ظلوا عاملين به وحدهم‬
‫زمنا طويل‪ .‬قال دولمير في كتاب‪ " :‬تاريخ علم الفلك "‪ " :‬إذا عددت‬
‫بيين الغرييق راصيدين ثلثية‪ ,‬ثيم نظرت إلى العرب أمكنيك أن ترى‬
‫بينهم عددا كبيرا من الرصاد "‪.‬‬

‫وأميا فيي الكيمياء فل تجيد عالميا يونانييا اسيتند فيي مباحثيه إلى‬
‫التجربة‪ ,‬مع أنك تعد مئات من علماء العرب الذين قامت مباحثهم‬
‫الكيماوية على التجربة‪.‬‬
‫الطب والصيدلة ‪:‬‬

‫كان المسلمون أول من أنشأ مخازن الدوية والصيدليات‪ ,‬وهم‬


‫الذيين أنشأوا أول مدرسية للصييدلة‪ ,‬وكتيب والرسيائل العظيمية فيي‬
‫علم القرباذييين‪ .‬وكان الطباء المسييلمون عظيمييي التحمييس فييي‬
‫دعوتهيييم إلى السيييتحمام‪ ,‬وخاصييية عنيييد الصيييابة بالحميات‪ ,‬وإلى‬
‫اسيتخدام حمام البخار; ول يكاد الطيب الحدييث يزييد شيئا على ميا‬
‫وصييفوه ميين العلج للجدري والحصييبة; وقييد اسييتخدموا التخدييير‬
‫بالسييتنشاق فييي بعييض العمليات الجراحييية‪ ,‬واسييتعانوا بالحشيييش‬
‫وغيره من المخدرات على النوم العميق‪ ,‬ولدينا أسماء أربعة وثلثين‬
‫بيمارسييتانا كانييت قائميية فييي البلد السييلمية فييي ذلك الوقييت;‬
‫وأنشيييء أول بيمارسييتان معروف لنييا فييي بييغ داد فييي أيام هارون‬
‫الرشييد‪ ,‬ثيم أنشئت فيهيا خمسية أخرى فيي القرن العاشير الميلدي‪,‬‬
‫وكان أعظيم بيمارسيتانات بلد السيلم على بكرة أبيهيا البيمارسيتان‬
‫الذي أنشيييء فييي دمشييق عام ‪ 706‬وفييي عييم ‪ 978‬كان بييه أربعيية‬
‫وعشرون طبيبا‪ .‬وكانت البيمارستانات أهم الماكن التي يدرس فيها‬
‫الطب ولم يكن القانون يجيزلنسان أن يمارس هذه الصناعة إل إذا‬
‫تقدم إلى امتحان يعقييد لهذا الغرض‪ ,‬ونال إجازة ميين الدولة‪ .‬كذلك‬
‫كان الصييييادلة‪ ,‬والحلقون والمجيييبرون يخضعون لنظمييية تضعهيييا‬
‫الدولة وللتفتييش على أعمالهيم‪ .‬وقيد نظيم علي بين عيسيى الوزيير ‪.‬‬
‫الطييبيب ‪ .‬هيئة ميين الطباء الموظفييين يطوفون فييي مختلف البلد‬
‫ليعالجوا المرضييييى (‪ ,)931‬وكان أطباء يذهبون فييييي كييييل يوم إلى‬
‫السييجون ليعالجوا نزلءهييا‪ ,‬وكان المصييابون بأمراض عقلييية يلقون‬
‫عناية خاصة ويعالجون علجا يمتاز بالرحمة والنسانية‪.‬‬

‫وتنوعيت المسيتشفيات‪ ,‬فهناك مسيتشفيات للجييش يقوم عليهيا‬


‫أطباء مخصييييييصون‪ ,‬عدا أطباء الخليفيييييية والقواد والمراء‪ ,‬وهناك‬
‫مسيييتشفيات للمسييياجين‪ ,‬يطوف عليهيييم الطباء فيييي كيييل يوم‬
‫فيعالجون مرضاهيم بالدويية اللزمية‪ ,‬ومميا كتيب بيه الوزيير علي بين‬
‫عيسيى بن الجراح إلى سينان ا بن ثا بت رئييس أطباء بغداد‪ " :‬فكرت‬
‫فييي أميير ميين فييي الحبوس‪ ,‬وأنييه ل يخلو مييع كثرة عددهييم وجفاء‬
‫أماكنهييم أن تنالهييم المراض‪ ,‬فينبغييي أن تفرد لهييم أطباء يدخلون‬
‫إليهيم فيي كيل يوم‪ ,‬وتحميل إليهيم الدويية والشربية‪ ,‬ويطوفون فيي‬
‫سائر الحبوس‪ ,‬ويعالجون المرضى "‪.‬‬
‫وهناك محطات للسييعاف كانييت تقام بالقرب ميين الجوامييع‪,‬‬
‫والماكين العامية التيي يزدحيم فيهيا الجمهور‪ .‬ويحدثنيا المقريزي أن‬
‫ابين طولون حيين بنيى جامعيه الشهيير فيي مصير عميل فيي مؤخره‬
‫ميضأة‪ ,‬وخزانيية شراب (أي صيييدلية أدوييية) وفيهييا جميييع الشرابات‬
‫والدوية‪ ,‬وعليها خدم‪ ,‬وفيها طبيب جالس يوم الجمعة‪ ,‬لمعالجة من‬
‫يصابون بالمراض من المصلين‪.‬‬

‫وهناك المسيتشفيات العامية‪ ,‬التيي كانيت تفتيح أبوابهيا لمعالجية‬


‫الجمهور‪ ,‬وكانيت تقسيم إلى قسيمين منفصيلين بعضهيا مين بعيض‪:‬‬
‫قسييم للذكور‪ ,‬وقسييم للناث‪ ,‬وكييل قسييم فيييه قاعات متعددة‪ ,‬كييل‬
‫واحدة منهييا لنوع ميين المراض‪ :‬فمنهييا للمراض الداخلييية‪ ,‬ومنهييا‬
‫للعيون‪ ,‬ومنهييا للجراحيية‪ ,‬ومنهييا للكسييور والتجييبير‪ ,‬ومنهييا للمراض‬
‫العقلييية‪ ,‬وقسييم المراض الداخلييية كان مقسييما إلى غرف أيضييا‪,‬‬
‫فغرف منها للحميات‪ ,‬وغرف للسهال‪ ,‬وغير ذلك‪ ,‬ولكل قسم أطباء‬
‫عليهيييم رئييييس‪ ,‬فرئييييس للمراض الباطنيييية‪ ,‬ورئييييس للجراحيييين‬
‫والمجييبرين‪ ,‬ورئيييس للكحالييين (أي أطباء العيون)‪ ,‬ولكييل القسييام‬
‫رئييييس عام يسيييمى (سييياعور) وهيييو لقيييب لرئييييس الطباء فيييي‬
‫المستشفى‪ ,‬وكان الطباء يشتغلون بالنوبة‪ ,‬ولكل طبيب وقت معين‬
‫يلزم فيه قاعاته التي يعالج فيها المرضى‪ .‬وفي كل مستشفى عدد‬
‫من الفراشين من الرجال‪ ,‬والنساء‪ ,‬والممرضين والمساعدين‪ ,‬ولهم‬
‫رواتيب معلومية وافرة‪ .‬وفيي كيل مسيتشفى صييدلية كانيت تسيمى "‬
‫خزانية الشراب " فيهيا أنوع الشربية والمعاجيين النفسيية‪ ,‬والمربيات‬
‫الفاخرة‪ ,‬وأصناف الدوية‪ ,‬والعطورات الفائقة التي ل توجد إل فيها‪,‬‬
‫وفيها من اللت الجراحية والواني الزجاجية والزبادي وغير ذلك‪ ,‬ما‬
‫ل يوجد إل في خزائن الملوك‪.‬‬

‫الرياضيات‪:‬‬

‫ويضييييف غوسيييتاف لبون فيقول‪ :‬لقيييد اتسيييع البحيييث فيييي‬


‫الرياضيات‪ ,‬ول سييييما علم الجيييبر‪ ,‬عنيييد العرب‪ .‬وقيييد عزي إليهيييم‬
‫اكتشاف علم الجبر‪ ,‬وإن كانت أصوله معروفة منذ زمن طويل‪.‬‬

‫والحييق أن العرب حولوا علم الجييبر تحويل تامييا‪ ,‬وإليهييم يرجييع‬


‫الفضل في تطبيقه على علم الهندسة‪.‬‬
‫وقيد بلغ علم الجيبر مين النتشار ب ين العرب ميا ألف معيه محميد‬
‫بين موسيى كتابيا موطئا له بأمير المأمون‪ ,‬ومين هذا الكتاب اقتبيس‬
‫الوروبيون‪ ,‬بعد زمن طويل‪ ,‬معارفهم الولى لعلم الجبر‪.‬‬

‫الفيزياء والكيمياء‪:‬‬

‫الفيزياء ‪ .‬لقد ضاعت كتب العرب المهمة في الفيزياء‪ ,‬ولم يبق‬


‫منهييا غييير أسييمائها‪ ,‬ومنهييا كتييب الحسيين بيين الهيثييم فييي الرؤييية‬
‫المسيتقيمة‪ ,‬والمنعكسية‪ ,‬والمنعطفية وفيي المراييا المرحقية‪ ,‬ويمكننيا‬
‫أن نسيتدل‪ ,‬مع ذلك‪ ,‬على أهمية كتيب العرب فيي الفيزياء من العدد‬
‫القلييل الذي وصيل إلينيا منهيا‪ ,‬ول سييما كتيب الخازن فيي البصيريات‬
‫الذي نقييل إلى اللغيية اللتينييية‪ ,‬واللغيية اليطالييية والذي اسييتعان بييه‬
‫كيبلر كثيرا فييي كتابييه عيين البصييريات‪ .‬ويرى القاريييء فييي كتاب‬
‫الخازن فصول ممتعة عن حرارة المرايا‪.‬‬

‫وقييد درس أكثيير علماء العرب الذييين ألفوا فييي مختلف العلوم‬
‫مسييائل الكيمياء‪ ,‬وإذا اسييتثنينا مؤلفات جابر والرازي‪ ,‬رأينييا كتييب‬
‫الكيمياء العربية قد ضاعت‪ ,‬وإننا لنأسف على ذلك بعد أن تجلت لنا‬
‫قيمة ما هو بين أيدينا منها‪.‬‬

‫وقيد ظهرت لنيا مدى اكتشافات العرب الكيماويية مين كثرة ميا‬
‫كان مجهول قبلهيم مين المركبات التيي ذكروهيا فيي مؤلفاتهيم‪ ,‬ومين‬
‫ابتداعهيم لفين الصييدلة‪ ,‬كميا أننيا علمنيا مقدار معارفهيم فيي الكيمياء‬
‫من حذقهم لفن الصباغة واستخراج المعادن‪ ,‬وصنع الفولذ‪ ,‬ودباغة‬
‫الجلود‪ .‬كما أنهم اكتشفوا (الحامض الكبريتي) وماء الفضة (الحامض‬
‫النتري) وماء الذهيب‪ ,‬وميا إلى ذلك‪ .‬وقيد اكتشيف العرب كذلك أهيم‬
‫أسس الكيمياء كالتقطير‪.‬‬

‫قال بعيض المؤلفيين‪ :‬إن ل فوازيية هيو واضيع علم الكيمياء‪ ,‬وقيد‬
‫نسييوا أننييا ل عهييد لنييا بعلم ميين العلوم‪ ,‬ومنهييا علم الكيمياء‪ ,‬صييار‬
‫ابتداعه دفعة واحدة‪ ,‬وأنه كان عند العرب من المختبرات ما وصلوا‬
‫بيه إلى كثيير مين الكتشافات التيي لولهيا ميا اسيتطاع ل فوازييه أن‬
‫ينتهي إلى اكتشافاته‪.‬‬

‫الميكانيكا‬
‫يقول غوسييتاف لوبون‪ :‬إن معارف العرب الميكانيكييية واسييعة‬
‫جدا‪ ,‬ويسيتدل عليهيا مين بقاييا آلتهيم التيي انتهيت إلينيا ومين وصيفهم‬
‫لها في مؤلفاتهم‪.‬‬

‫وقد رأى الدكتور برنارد الكسفوردي أن العرب اخترعوا رقاص‬


‫السياعة‪ ,‬ول يكفيي ميا أبداه مين السيباب لسيناد هذا الختراع المهيم‬
‫إلى العرب‪ ,‬والذي نظنه هو أن الساعة الدقاقة التي أرسلها هارون‬
‫الرش يد إلى شارلمان هي ساعة مائية تدق في كل ساعة بسقوط‬
‫كراتها النحاسية على قرصها المعدني‪.‬‬

‫ولكيين الذي ل ريييب فيييه هييو أن العرب عرفوا السيياعات ذات‬


‫الثقال التي تختلف كثيرا عن الساعات المائية‪ ,‬ودليلنا على ذلك ما‬
‫وصييفت بييه سيياعة الجامييع الموي الشهيرة فييي كتييب كثييير ميين‬
‫المؤلفيين‪ ,‬ول سييما بنياميين الت طيي لي الذي زار فلسيطين فيي‬
‫القرن الثاني عشر من الميلد‪.‬‬

‫المعارف الصناعية‬

‫لم يهميل العرب تطيبيق المباحيث النظريية على الصيناعات‪ ,‬وقيد‬


‫كان لصيناعات العرب تفوق عظييم بفضيل معارفهيم العلميية‪ ,‬وإننيا‬
‫نعلم مييا أدت إليييه صييناعاتهم ميين النتائج المهميية مييع جهلنييا لكثيير‬
‫طرقهيييا‪ .‬فترانيييا نعرف‪ ,‬مثل أنهيييم كانوا يعلمون اسيييتغلل مناجيييم‬
‫الكيبريت‪ ,‬والنحاس‪ ,‬والزئبيق‪ ,‬والحدييد‪ ,‬والذهيب‪ ,‬وأنيه مكانوا ماهريين‬
‫فيي الدباغية‪ ,‬وأنهيم أتقنوا فين تسيقية الفولذ‪ ,‬كميا تشهيد بذلك نصيال‬
‫طليطلة‪ ,‬وأنيه كان لنسيائجهم‪ ,‬وأسيلحتهم‪ ,‬وجلودهيم‪ ,‬وورقهيم شهرة‬
‫عالمية‪ ,‬وأنه لم يسبقهم أحد في كثير من فروع الصناعة حتى الن‪.‬‬

‫ونرى بين اختراعات العرب ما هو من الهمية العظيمة بحيث ل‬


‫يجوز الكتفاء بذكر اسمه‪ ,‬كاختراعهم للبارود مثل (‪.)30‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫ثوابت وضرورات حضارة المستقبل‬

‫‪ 1‬ي التعاون والوحدة‬

‫ل ريب أن نهضة المسلمين باتحادهم‪ ,‬فالتحاد قوة‪ ,‬وهو قوة إذا‬


‫اجتمع المسلمون على ما اجتمع عليه صحابة النبي صلى الله عليه‬
‫وسييلم‪ ,‬كتاب الله وسيينة نييبيه صييلى الله عليييه وسييلم‪ ,‬وميين نافلة‬
‫القول أن انهيار حضارة السيلم‪ ,‬إنميا كانيت الفرقية‪ ,‬وذهاب الرييح‪,‬‬
‫أحيييد أهيييم السيييباب‪ ,‬مصيييداقا لقوله تعالى‪ ":‬ول تنازعوا فتفشلوا‬
‫وتذهب ريحكم "‪.‬‬

‫ولقد تنازع المسلمون فيما بينهم‪ ,‬حتى أكل بعضهم لحم بعض‬
‫وعرضيه‪ ,‬وأصيبحوا شيعيا متنافسية متنابذة‪ ,‬فحيل بهيم وعييد الله عيز‬
‫وجل‪ " :‬قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من‬
‫تحت أرجلكم‪ ,‬أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف‬
‫نصيرف اليات لعلهيم يفقهون "‪ .‬قال المام أحميد عين سيعد بين أبيي‬
‫وقاص قال‪ :‬أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا‬
‫على مسجد بني معاوية‪ ,‬فدخل فصلى ركعتين فصلينا معه‪ ,‬فناجى‬
‫ربيه عيز وجيل طويل ثيم قال‪ " :‬سيألت ربيي ثلثيا‪ ,‬وسيألته‪ :‬أن ل يهلك‬
‫أمتي بالغرق فأعطانيها‪ ,‬وسألته‪ :‬أن ل يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها‪,‬‬
‫وسألته‪ :‬أن ل يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها"‪.‬‬

‫قال ابين كثيير‪ :‬فيي قوله تعالى أو يلبسيكم شيعيا يعنيي يجعلكيم‬
‫ملتبسيين شيعيا فرقيا متخالفيين‪ :‬قال ابين عباس‪ :‬يعنيي الهواء‪ ,‬وكذا‬
‫قال مجاه د وقيد ورد فيي الحدييث عنيه صيلى الله علييه وسيلم أنيه‬
‫قال‪" :‬وسيتفترق هذه المية على ثلث وسيبعين فرقية كلهيا فيي النار‬
‫إل واحدة"‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬ويذيييق بعضكييم بأس بعييض" ‪ :‬قال ابيين‬
‫عباس وغير واحد‪ :‬يعني يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل‪,‬‬
‫وقوله تعالى‪":‬انظير كييف نصيرف اليات أي نبينهيا ونوضحهيا مرة‪,‬‬
‫ونفسييرها لعلهييم يفقهون"أي يفهييم ون ويتدبرون عيين الله آياتييه‬
‫وحججه وبراهينه‪.‬‬

‫وقال ابين عطيية فيي اليية‪ ":‬إنهيا إخبار يتضمين الوعييد‪ ,‬والظهير‬
‫مين نسيق اليات أن هذا الخطاب للكفار‪ ,‬الذيين تقدم ذكرهيم‪ ,‬وهيو‬
‫مذهيب الطيبري‪ ,‬وقال أبيي بين كعيب‪ ,‬وأبيو العاليية‪ ,‬وجماعية معهميا‪:‬‬
‫هيي للمؤمنيين‪ ,‬وهيم المراد‪ ,‬وظاهير اليية العموم‪ ,‬وظاهير الحدييث‬
‫تأكيد شمولها المؤمنين المسلمين‪.‬‬

‫ول شييك أن التعاون أصييل ميين أصييول الدييين‪ ,‬وقييد ورد لفييظ‬
‫التعاون فيي القرآن الكرييم فيي آيية واحدة هيي قوله تبارك وتعالى‬
‫"ول يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا‬
‫وتعاونوا على البر والتقوى ول تعاونوا على الثيييييم والعدوان واتقوا‬
‫الله إن الله شديد العقاب " ‪.‬‬

‫والتعاون على البر والتقوى أمييير لجمييييع الخلق بالتعاون على‬


‫البر والتقوى‪ ,‬أي ليعيين بعضكييم بعضييا‪ ,‬وتحاثوا على أميير الله تعالى‬
‫واعملوا به‪ ,‬وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه‪ ,‬وهذا موافق لما‬
‫روي عين النيبي صيلى الله علييه وسيلم أنيه قال‪ " :‬الدال على الخيير‬
‫كفاعله" وقييد قيييل‪ :‬الدال على الشيير كصييانعه‪ ,‬قال ابيين عطييية‪:‬‬
‫والعرف في دللة هذين اللفظين ‪ .‬البر والتقوى رعاية الواجب فإن‬
‫جعيل أحدهميا بدل الخير ‪ .‬كميا يرى البعيض ‪ .‬فيجوز‪ ,‬وقال الماوردي‪:‬‬
‫ندب الله سيبحانه إلى التعاون بالبر‪ ,‬وقرنيه بالتقوى; لن فيي التقوى‬
‫رضييا الله تعالى‪ ,‬وفييي البر رضييا الناس‪ ,‬وميين جمييع بييين رضييا الله‬
‫تعالى‪ ,‬ورضييا الناس‪ ,‬فقييد تميت سييعادته‪ ,‬وعمييت نعمتييه‪ ,‬وقال ابيين‬
‫خوييز منداد‪ :‬والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه‪ :‬فواجيب على‬
‫العالم أن يعيييين الناس بعلميييه فيعلميييه م‪ ,‬ويعينهيييم‪ ,‬الغنيييي بماله‪,‬‬
‫والشجاع بشجاعته في سبيل الله‪ ,‬وأن يكون المسلمون متظاهرين‬
‫بالييد الواحدة‪ " :‬المؤمنون تتكافيؤ دماؤهيم ويسيعى بذمتهيم أدناهيم‪,‬‬
‫وهييم يييد على ميين سييواهم " ويجييب العراض عيين المعتدي‪ ,‬وترك‬
‫النصرة له ورده عما هو عليه‪ ,‬ثم نهى الله تعالى فقال‪ ":‬ول تعاونوا‬
‫على الثيييم والعدوان والثيييم هيييو الحكيييم اللحيييق عييين الجرائم‪,‬‬
‫والعدوان هيو ظلم الناس‪ ,‬ثيم أمير الله بالتقوى وتوعيد توعدا مجمل‬
‫فقال‪ " :‬واتقوا الله إن الله شديد العقاب "‪.‬‬

‫لقيد جاءت آيية التعاون عامية للناس أجمعيين‪ ,‬وهيي فيي أصيلها‬
‫وفيي خاصية سيببها وخطابهيا للمؤمنيين‪ .‬جاءت اليية لتقير أصيل مين‬
‫أصول هذا الدين‪ ,‬وهو التعاون حتى مع الخصوم والعداء‪ ,‬ما دامت‬
‫الغاية نبيلة وشريفة‪ ,‬غاية البر بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى‪,‬‬
‫والتعاون بهذا المعنيييى جزء مييين العدالة‪ :‬ومفرد مييين مفرداتهيييا‪,‬‬
‫فالخصيومة‪...‬والعداوة ولو كانيت ميع المخالفيين فيي الديين فإنهيا ل‬
‫تعدم العدل ول تطيييش بميزانييه‪ .‬وتقريرا لهذا الصييل‪ ,‬وتأكيدا عليييه‬
‫جاء قوله عز وجل‪" :‬ل ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين‬
‫ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب‬
‫المقسطين "‪.‬‬
‫وتعتيبر آيية التعاون الكريمية أعظيم آيية وأنصيع دلييل على سيمو‬
‫مبدأ العدالة فيي السيلم‪ ,‬وهيو يحميل المسيلمين مسيئولية إيمانيية‪,‬‬
‫وأخلقيية‪ ,‬عظيمية تغايير ميا كان علييه العرب فيي جاهليتهيم‪ ,‬واليية‬
‫الكريميية وهييي تقرر بوضوح أن مبدأ التعاون على البر مييع العداء‬
‫منطقيه العدالة والقسيط‪ ,‬فإن فيي هذا إشارة قويية إلى أن التعاون‬
‫بيين المؤمنيين مفترض‪ ,‬ومفروغ منيه لنيه مين الواجبات‪ ,‬ومين حيق‬
‫المسييلمين بعضهييم على بعييض‪ ,‬ومجتمييع مسييلم ل يقوم على مبدأ‬
‫التعاون بيين أهله يفقيد عنصير حياتيه وأسياسا مين أسيس دينيه‪ ,‬ولن‬
‫يكون إل الفشل والفرقة حليفه‪.‬‬

‫وهذا المعنى من الية يصحح مفهوما خاطئا استشرى حتى بين‬


‫فئة مييين العلماء‪ ,‬وطلبييية العلم‪ ,‬هيييو أن مفهوم التعاون أن يظيييل‬
‫المسيييلمون فرقيييا‪ ,‬ومذاهيييب‪ ,‬وجماعات‪ ,‬وأحزابيييا‪ ,‬يتعاونون فيميييا‬
‫يتفقون علييه مميا يعود عليهيم بالمصيالح المتبادلة‪ .‬وهذا المعنيى وإن‬
‫كان مقصييودا ومرغوبييا‪ ,‬لكنييه خلف الصييل المقصييود فييي الييية‬
‫الكريمية‪ ,‬وهيو التعاون فيي ظيل وحدة إسيلمية فإن لم تكين وحدة‪,‬‬
‫فالتعاون ليجاد هذه الوحدة‪ ,‬ل التعاون فيما دونها مع بقاء التشرذم‪,‬‬
‫والتحزب‪ ,‬والجماعات‪ ,‬وينتصيير كييل فريييق لفئتييه‪ ,‬ويكرس ويؤكييد‬
‫فرقته‪ .‬ويقبل التعاون فيما يسمى بفقه المصالح‪ ,‬ويترك الصل وهو‬
‫الوحدة‪ ,‬ويترك التعاون مع أجلها ولو كان مرحليا‪.‬‬

‫تعاون الدول مقصيد لتحادهيا فقوتهيا فحضارتهيا الصيل أن المية‬


‫السيلمية أمة واحدة‪ ,‬يجمع ها كتاب واحد‪ ,‬و سنة مطهرة واحدة وإن‬
‫هذه أمتكيم أمية واحدة وأنيا ربكيم فاتقون ‪ :‬فل يجوز شرعيا أن تقير‬
‫دولة إسيلمية تفرق المسيلمين دول‪ ,‬فهذا خلف الصيل‪ ,‬فإن الهدى‬
‫الذي بينه الله واحد‪ ,‬وسبيل المؤمنين سبيل واحد‪ ,‬وسلطانهم ينبغي‬
‫أن يكون كذلك‪ ,‬واحدا‪ ,‬ودولتهيييم واحدة ومييين يؤمييين بغيييير ذلك أو‬
‫يسعى إلى غيره فهو مناقض ومصادم لهدي الله عز وجل‪ ,‬ومشاقق‬
‫لرسيول الله صيلى الله علييه وسيلم وميا جاء بيه‪ ,‬وطريقيه على كيل‬
‫حال غيير طرييق المؤمنيين‪ ,‬قال الله تعالى‪ :‬ومين يشاقيق الرسيول‬
‫مين بعيد ميا تيبين له الهدى ويتبيع غيير سيبيل المؤمنيين نوله ميا تولى‬
‫ونصله جهنم وساءت مصيرا ‪.‬‬

‫إن السيلم هيو ديين الوحدة كميا هيو ديين التوحييد‪ ,‬وديين التعاون‬
‫كميا هيو ديين التكافيل‪ ,‬وديين يتعاميل ميع المية باعتبارهيا جسيدا واحدا‬
‫إذا اشتكى جزؤه‪ ,‬اشتكى كله‪ ,‬ويتعاون الكل لشفاء الجزء‪.‬‬

‫وحيين يدعوا السيلم إلى التعاون‪ ,‬إنميا يدعيو للقضاء على كيل‬
‫سيبب يفضيي بالمؤمنيين إلى التنازع‪ ,‬والخلف‪ ,‬والتباعيد‪ ,‬والتقاطيع‪,‬‬
‫والتدابر‪ .‬وقد بين الله عز وجل أن التفرق في الدين‪ ,‬واتباع الهواء‪,‬‬
‫نقيضان للتعاون والوحدة‪ ,‬موجبان لغضيييب الله‪ ,‬وكييييف يفلح تعاون‬
‫المغضوب عليهيييييم‪ .‬يقول الله تبارك وتعالى‪ " :‬ول تكونوا كالذيييييين‬
‫تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم‬
‫" ويقول عيز وجيل‪":‬إن الذيين فرقوا دينهيم وكانوا شيعيا لسيت منهيم‬
‫في شيء ‪ .‬ويبين الله عز وجل منهج وأسلوب التعاون لنبذ الخلف‪,‬‬
‫والفرقية باليمان الحيق‪ ,‬والدعوة والسيتقامة على ديين الله‪ ,‬إقامية‬
‫العدل ومواجيه الحجية بالحجية‪ ,‬ثيم ييبين حكميه العادل على مين نبيذ‬
‫هذا المنهيج القوييم‪ ,‬فيقول الله عيز وجيل ضاربيا المثيل بفرقية أهيل‬
‫الكتاب‪" :‬وميا تفرقوا إل مين بعيد ميا جاءهيم العلم بغييا بينهيم ولول‬
‫كلمية سيبقت مين ربيك إلى أجيل مسيمى لقضيي بينهيم وإن الذيين‬
‫أورثوا الكتاب ميين بعدهييم لفييي شييك منييه مريييب‪ ,‬فلذ لك فادع‬
‫واسيتقم كميا أمرت‪ ,‬ول تتبيع أهواءهيم وقيل آمنيت بميا أنزل الله مين‬
‫كتاب وأمرت لعدل بينكييم‪ ,‬والله ربنييا وربكييم‪ ,‬لنييا أعمالنييا ولكييم‬
‫أعمالكيم‪ ,‬ل حجية بيننيا وبينكيم‪ ,‬الله يجميع بيننيا وإلييه المصيير‪ ,‬والذيين‬
‫يحاجون فيي الله مين بعيد ميا اسيتجيب له حجتهيم داحضية عنيد ربهيم‬
‫وعليهم غضب ولهم عذاب شديد (الشورى ‪14‬ي‪.)16.‬‬

‫ويدعوا الله تبارك وتعالى المؤمنييين حكامييا ومحكومييين‪ ,‬ويييبين‬


‫لهييم أن العتصييام بحبييل لله نعميية وقوة‪ .‬فيقول عييز ميين قائل‪:‬‬
‫"واعتصموا بحبل الله جميعا ول تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ‬
‫كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا "‪.‬‬

‫تعاون العلماء لجمع المة وتوحيدها‪:‬‬

‫إن مين أوجيب الواجبات أن يكون أهيل العلم هيم مين يجمعون‪,‬‬
‫ويعينون‪ ,‬ويوحدون الفراد والميية‪ ,‬فإذا كان العلماء سييبب الفرقيية‬
‫فهذه من الكبائر العظام‪.‬‬

‫ومن السف أننا نشهد بعض أهل العلم يفرق‪ ,‬ول يجمع ويفتت‬
‫ول يوحد‪ .‬ويعتقد أن تجميع المخالفين لغيره معه دعوة ودين‪.‬‬
‫وإذا كان من علماء المة قديما من كان سببا في الفرقة فإنما‬
‫كان محيز خلفهيم الكبائر مين القضاييا‪ ,‬وقيد يكون لهيم فييه مندوحية‪,‬‬
‫لكين كثيرا مين المنتسيبين للعلم اليوم يفرقون طلبية لعلم‪ ,‬والعامية‪,‬‬
‫ويشتتون صوت المة‪ ,‬وريحها‪ ,‬ومحز خلفهم الصغائر‪ ,‬صغائر المور‬
‫وتفاهات المواضيع‪ ,‬التي يسع فيها الخلف‪ ,‬أو ربما كان الخلف فيها‬
‫مين طبائع الناس‪ ,‬لن مرجعهيا إلى الفكير والعادات ل إلى النصيوص‬
‫المحكمات‪.‬‬

‫إن هذا الخلف إذا ترك يستشري بين العلماء‪ ,‬وطلبة العلم لهم‬
‫فييه تبيع‪ ,‬فإن مسيتقبل أمية هذه سييرة علمائهيا سيتلد رؤوسيا فيي‬
‫الفتن والفرقة‪ ,‬ول حول ول قوة إل بالله‪.‬‬

‫ومين عجيب أن كيل رأس مين هؤلء العلماء‪ ,‬أو المنتسيبين لهيم‬
‫يدعيى أنيه الفرقية الناجيية‪ ,‬وأن مين تبعيه دخيل الجنية‪ ,‬ومين عصياه‬
‫وخالفيه ميع الفرقية الهالكية فيي النار ول تعجيب ميع هذه الدعوة أن‬
‫ترى مدعى زعامة الفرقة الناجية‪ ,‬واتباعه من طلبة العلم‪ ,‬وغيرهم‪,‬‬
‫يصلون مع إخوانهم الفرق الهالكة في مسجد واحد‪ ,‬وقبلتهم واحدة‪,‬‬
‫وقد يأتم بعضهم ببعض‪.‬‬

‫ويبلغ بييك العجييب منتهاه أن مدعييي الفرقيية الناجييية‪ ,‬ينابزون‬


‫الفرقية الهالكية ويحرصيون على إبعادهيم‪ ,‬والطعين فيهيم‪ ,‬ويغفلون‬
‫عيين دعوتهييم والنصييح لهييم‪ ,‬ومحاولة اسييتيعابهم بالكلميية الطيبيية‬
‫والدعوة إلى سيبيل الحيق برويية وحكمية‪ ,‬والتعاون فيميا بينهيم لصيد‬
‫دعاوى وكيد خصوم السلم‪.‬‬

‫وإن مييين المهلكات اللتيييي يتحميييل وزرهيييا بعيييض العلماء‪ ,‬أو‬


‫المنتسييبين للعلم ويحملهييا عنهييم طلبيية العلم‪ :‬السييخرية والتنابييز‬
‫باللقاب‪ ,‬وهي صفة قد تخرج صاحبها من دائرة المؤمنين إلى دائرة‬
‫الفاسيقين‪ ,‬وهذا تحذيير القرآن العظييم لطائفية المؤمنيين " ييا أيهيا‬
‫الذيين آمنوا ل يسيخر قوم مين قوم عسيى أن يكونوا خيرا منهيم‪ ,‬ول‬
‫نسياء مين نسياء عسيى أن يكين خيرا منهين‪ ,‬ول تلمزوا أنفسيكم‪ ,‬ول‬
‫تنابزوا باللقاب بئس السييم الفسييوق بعييد اليمان وميين لم يتييب‬
‫فأولئك هيم الظالمون * ييا أيهيا الذيين آمنوا اجتنبوا كثيرا مين الظين‬
‫إن بعييض الظيين إثييم ول تجسييسوا ول يغتييب بعضكييم بعضييا أيحييب‬
‫أحدكيم أن يأكيل لحيم أخييه ميتيا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب‬
‫رحيم "‪ ,‬يقول الشيخ حسنين مخلوف‪ " :‬هذه الية إرشاد إلى أسمى‬
‫التعاليييم‪ ,‬وأشرف الداب العاميية بييين أفراد الميية وطوائفهييا‪ ,‬وهييي‬
‫تشير إلى معنى في البشر ل يكاد يخلو منه إنسان‪ ,‬وذلك هو اعتداد‬
‫المرء بنفسيه‪ ,‬وغفلتيه عين عيوبيه‪ ,‬وميله إلى تحقيير غيره‪ ,‬والسيخرية‬
‫منيه‪ ,‬فهيي تنهيي عين هذه السيخرية‪ ,‬وتعالج مبعثهيا فيي نفيس فاعلهيا‬
‫بإثارة الشييك فييي مقاييسييه وأحكامييه‪ ,‬وبيان أنييه قييد يكون مخطئا‬
‫فيحسب أنه خير من فلن‪ ,‬بينما الواقع أن فلنا خير منه‪ ,‬وهذا من‬
‫شأنييه أن يهذب النفوس‪ ,‬ويكفكييف ميين غلوائهييا‪ ,‬ويقطييع كثيرا ميين‬
‫أسييباب الحقييد والضغائن‪ ,‬ولو طبقييه أهييل العلم‪ ,‬والرأي‪ ,‬وأصييحاب‬
‫المذاهيب فيميا بينهيم‪ ,‬لميا اسيتطاع التعصيب أن يطيل برأسيه‪ ,‬ولميا‬
‫تراشق المختلفون بسهام التجهيل‪ ,‬والتكفير‪ ,‬والتضليل‪ ,‬وأمثال ذلك‬
‫مما هو منبعث عن العتداد بالنفس‪ ,‬والسخرية من الخرين‪.‬‬

‫كميا أن هذه اليية تنهيي عين اللميز والتنابيز باللقاب‪ ,‬وتعتيبر مين‬
‫يلمز أخاه لمزا لنفسه‪ ,‬وهذا معنى يجب أن نتنبه إلى ما يوحي به‪,‬‬
‫فإن المسيلمين حيين لمزت كيل طائفية منهيم أختهيا أصيبحوا كلهيم‬
‫جرحيى أمام خصيومهم‪ ,‬وأعداء ملتهيم‪ ,‬فهيم يحكمون على طوائفهيم‬
‫بما يحكم به بعضهم على بعض‪ ,‬فيحتقرونهم جميعا‪ ,‬وبهذا كان الذي‬
‫يلمز أخاه إنما يلمز نفسه‪.‬‬

‫ثيم هيي تجعيل ذلك كله خروجيا على اليمان‪ ,‬وتسيميه فسيوقا‪,‬‬
‫وتطلب التوبية منيه والقلع عنيه‪ ,‬وتحصير الظلم الكاميل فيمين لم‬
‫يتب منه بئس السم الفسوق بعد اليمان ومن لم يتب فأولئك هم‬
‫الظالمون ‪.‬‬

‫وإذا كان شأن هؤلء العلماء والمنتسييبين للعلم‪ ,‬وطلبيية العلوم‬


‫الشرعييية هييو التنابييز والغيبيية والبغضاء يزرعونهييا فييي نفوسييهم‪,‬‬
‫ويفيضون بهيا على مين حولهيم‪ ,‬فكييف تقوم لهيم قائمية الدعوة إلى‬
‫ديين الله القوييم‪ ,‬وكييف يكون لهيم فيي رسيول الله صيلى الله علييه‬
‫وسيلم أسيوة‪ ,‬وأنيا لهيم سيبيل السيلف الصيالح رضوان الله عليهيم‬
‫الذيين سيمعوا وطبقوا قول رسيولهم الكرييم صيلوات الله وسيلمه‬
‫عليه‪" :‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يكذبه ول يخذله ول يحقره‬
‫بحسيب امرييء مين الشير أن يحقير أخاه المسيلم‪ ,‬كيل المسيلم على‬
‫المسييلم حرام دمييه‪ ,‬وماله وعرضييه" وقوله صييلوات الله وسييلمه‬
‫عليييه‪" :‬مثييل المؤمنييين فييي توادهييم وتراحمهييم كمثييل الجسييد إذا‬
‫اشتكى منه عضو تداعى له سائر العضاء بالسهر والحمى"‪.‬‬

‫التعاون في ظل كل خلف حاشا الخلف في أصول الدين‪:‬‬

‫إن القول بأن نعميل فيميا نتفيق علييه‪ ,‬ويعذر بعضنيا بعضيا فيميا‬
‫اختلفنيييا فييييه‪ ,‬قول سيييديد‪ ,‬يصيييلح أن يكون قاعدة يجتميييع عليهيييا‬
‫المختلفون مين المسيلمين حكاميا‪ ,‬وعلماء‪ ,‬وطلبية علم‪ ,‬فإن الخلف‬
‫فيي أغلبيه خلف فيي اجتهادات‪ ,‬وإداريات‪ ,‬وأسياليب‪ ,‬ومصيالح‪ ,‬وقلميا‬
‫يكون الخلف‪ ,‬بيييل ل يكون فيييي أصيييول الديييين‪ ,‬أو ميييا علم منيييه‬
‫بالضرورة‪ ,‬وإذا كان ذلك كذلك فيسييعنا مييا وسييع الصييحابة رضوان‬
‫الله عليهم والتابعين‪.‬‬

‫وإن ممييييا ل شييييك معييييه أن الخلفات الموجودة فييييي بلدان‬


‫المسييلمين بعاميية هييي ميين قبيييل الخلفات المحتملة‪ ,‬التييي يمكيين‬
‫الحوار فيها ول تمنع التعاون في كل ما من شأنه تقريب المسلمين‬
‫وتوحيييد صييفهم‪ ,‬سييواء فييي ذلك الخلفات السييياسية أو الفقهييية أو‬
‫المذهبية‪.‬‬

‫وإنميا يصيلح التعاون ميع الخلف إذا صيلحت النيات‪ ,‬وابتغيى وجيه‬
‫الله الكريم فإن العلج حليفهم بل ر يب إن يريدا إصلحا يوفق الله‬
‫بينهما إن الله كان عليما خبيرا ‪.‬‬

‫تعاون السياسة والدين‪:‬‬

‫إن مشكلة المسيييلمين العظميييى التيييي تحول دون تعاونهيييم‬


‫والسيتفادة المتبادلة بيين خيبراتهم وعقولهيم‪ ,‬هيو الخلف السيياسي‬
‫بينهييم لن مرجعييه إلى مطامييع وأهواء ومصييالح دنيوييية جعلت منييه‬
‫المقياس فيي التفاوض والتعاون‪ ,‬وميا دخلت السيياسة مجال مجردا‬
‫عين سيياج الديين إل خربتيه‪ ,‬وباعدت بيين قلوب أهله‪ ,‬بيل إنهيا تفرق‬
‫السرة الواحدة وتقطع الرحم بين الناس‪.‬‬

‫وأميا الخلف الفقهيي فميا دام خارج الصيول والركان والمعلوم‬


‫مين الديين بالضرورة فإنيه ل يمكين أن يكون سيببا للتفرق‪ ,‬فإن ديننيا‬
‫الحنيف قد أعطى للمجتهد مساحة كبيرة في الجتهاد وإبداء الرأي‬
‫فيما كان في دائرة النصوص ظنية الدللة فيسوغ فيه الخلف‪ ,‬وإن‬
‫التراث الفقهي ومدارسه إنما هي من هذا القبيل‪.‬‬
‫إن الخلف السياسي هو المسئول عن فرقتنا بالدرجة القصوى‬
‫وإننا المسئولون بتمكينه‪ ,‬وإحلله في الفصل والتعاون محل الدين‪,‬‬
‫ول نقلل ميين شأن الخلف فييي غييي السييياسة‪ ,‬فالخلف كله فرقيية‬
‫وشير‪ ,‬ولكين الخلف السيياسي مادام خارج دائرة الديين‪ ,‬فإنيه طامية‬
‫عظميى‪ ,‬وسيبب أسياسي فيي حال المية اليوم مين الضنيك‪ ,‬والضييق‪,‬‬
‫والتشرذم‪ ,‬والتخاذل‪ ,‬وكميا يقول الشييخ محميد أبيو زهرة‪ " :‬لقيد كنيا‬
‫معشير المسيلمين فيي غمرة‪ ,‬حتيى صيرنا وقود الحروب نؤكيل فيهيا‬
‫ول نأكيل‪ ,‬ونسيتغل كيل قوانيا ول ننتفيع بشييء مين أمورنيا وتسيتنزف‬
‫كييل خبراتنييا‪ ,‬ول ننال منهييا إل النزر اليسييير الذي يجود بييه علينييا‬
‫المتحكمون فينيا‪ ,‬فأرادونيا زراعيا وهيم الحاصيدون‪ ,‬وأرادونيا صيناعا‬
‫وهييم المثرون‪ ,‬حملونييا على ترك مباديييء ديننييا مبدءا مبدءا‪ ,‬ونزعوا‬
‫ميين قلوبنييا حييب الجهاد‪ ,‬وألقوا فيهييا الوهيين‪ ,‬وحييب الدنيييا الضئيلة‬
‫التابعية‪ ,‬وذلك ب ما كانوا يبثونيه بيننيا‪ ,‬و ما يغمرون بيه كبرنا‪ ,‬حتيى صار‬
‫أمر هذه المة سددا‪ ,‬وصارت القيادة فيها إلى الجهلء بأمر دينهم‪.‬‬

‫وإن مميييا ينبغيييي أن يعلم بوضوح أن السييياسة والسيييياسة ل‬


‫يصيلحهما إل الديين‪ ,‬ومين يقول‪ :‬ل ديين فيي السيياسة‪ ,‬إنميا يعطيى‬
‫للساسة رقاب المة ومصيرها‪ ,‬فالساسة ما فتئوا ‪ .‬إل من رحم الله‬
‫‪ .‬يقدمون مصالحهم وأمرهم على مصلحة دينهم‪ ,‬ويفعلون ما يحفظ‬
‫مناصيبهم‪ ,‬وإن كان على حسياب الديين ومصيالح العباد‪ ,‬ولذا لزم أن‬
‫يكون الدييين سييياج السييياسة وحافظهييا ميين النحراف عيين أهداف‬
‫سيياسة الناس بميا يحقيق مصيالحهم الدنيويية والخرويية‪ ,‬ولذا كانيت‬
‫مهميية العلماء عظيميية‪ ,‬فهييم القائمون على واجييب النصيييحة " لله‬
‫ولكتابيه ولرسيوله ولئمية المسيلمين وعامتهيم " وهيم حملة المانية‬
‫التيييي اعتذرت عييين حملهيييا السيييماوات والرض والجبال‪ ,‬وحملهيييا‬
‫النسييان إنييه كان ظلومييا جهول‪ .‬وهييم المعنيون بمواجهيية الظلم‬
‫والظالمييين ولذا قال رسييول الله صييل وات الله وسييلمه عليييه‪" :‬‬
‫أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"‪.‬‬

‫ولك أن تتصور عظم الجرم إذا كان حماة الدين هم حماة لظلم‬
‫السيياسة وانحراف السييياسة‪ ,‬يزينون لهييم آراءهييم‪ ,‬ويفصييلون لهييم‬
‫الفتاوى وينمقون لهيم القوال ويحسينونها‪ ,‬وإن شابهيا ميا شابهيا‪ ,‬بيل‬
‫وإن هدمييت ميين مباديييء الشريعيية حدودهييا‪ ,‬وإن أهدرت المصييالح‬
‫المعتيبرة للسيلم عامية أو خاصية‪ .‬إن هؤلء هيم الظلمية أنفسيهم ل‬
‫أعوان الظلمة‪ ,‬بل قد يكون السلطان والساسة عونا لهم‪ ,‬لن أصل‬
‫المر والنهي يأتي من سبيلهم في الحلل والحرام‪.‬‬

‫فإذا علم السياسة أن سيياستهم للرعيية ينبغيي أن تكون بسيياج‬


‫الدييين اسييتحقوا أجرهييم ووفوا ذمتهييم‪ ,‬وكانييت عاقبتهييم عنييد الله‬
‫الرضيى والقبول‪ ,‬ومين يعلم السياسة ذلك إل علماء النصيح والصيدق‪.‬‬
‫أل إنهيا مسيئولية عظيمية على السياسة والعلماء‪ ,‬إميا جمعتهيم فيي‬
‫جنة أو هوت بهم في نار‪ .‬ول حول ول قوة إل بالله‪.‬‬

‫مجتمع التعاون الدولي‬

‫إن الحضارة المعاصييرة اليوم تنطلق ميين محورييين وغاييية‪ .‬أمييا‬


‫المحوران فهما‪ :‬العلم والقتصاد‪ ,‬وأما الغاية فهي تحقيق المصالح‪.‬‬

‫فمن حاز العلم والقتصاد فقد حاز القوة‪ ,‬ومن حاز القوة حقق‬
‫مصيلحته‪ ,‬وهيي السييادة والمتعية‪ ,‬وفيي سيبيل هذه الغايية يسيتخدم‬
‫القوة وإن أهدر مصييالح الغييير‪ ,‬بييل وإن كان فييي تحقيييق مصييلحته‬
‫إهدار النفيس والموال والعراض فغايتيه تيبرر وسييلته‪ ,‬تماميا كميا‬
‫كان شأن العراب في جاهليتهم يقولون‪:‬‬

‫ومن لم يذد عن حوضه بسلحه يهدمومن ليظلم الناس يظلم‬

‫وفيي سيبيل هذه الغايية يشهيد المجتميع الحضاري التعاون بيين‬


‫الدول الكيبيرة لحيازة المحوريين وتحقييق الغايية‪ .‬ومين هذا المنطلق‬
‫المصيلحي يتعاون أعداء الميس فيي صيور مين تحالف أو تعاون فيي‬
‫سيائر المجالت‪ :‬العلميية‪ ,‬والثقافيية والعسيكرية‪ ,‬وغيرهيا والتعاون أو‬
‫التحالف قوة‪ ,‬والعالم السيلمي اليوم يحتاج إلى التعاون أو التحالف‬
‫أكثر من أي وقت مضى‪ ,‬فينبغي أن يأخذ بأسبابه‪ ,‬وأسبابه تبدأ من‬
‫تآلف وتكاتيف شعوبيه جماعات‪ ,‬وأحزابيا فإن لم يتوحيد المسيلمون‬
‫من داخل بلدهم فإن اتحادهم أو تعاونهم يصبح أمرا مستحيل‪.‬‬

‫ول يمكييين أن يلحيييق المسيييلمون بدول الحضارة‪ ,‬بله أن يبنوا‬


‫حضارة إسيلمية دون أن تتوحيد كلمتهيم‪ ,‬ثيم تتوحيد وجهتهيم‪ ,‬فلعلهيا‬
‫تتحيد حينئذ دولتهيم وتعود بعدئذ خلفتهيم‪ .‬وميا ذلك على الله بعزييز‪,‬‬
‫وما هو في دورة تاريخ الحضارة بمستبعد‪.‬‬
‫‪ 2‬ي الجامعة السلمية‪:‬‬

‫إذا كانييت وحدة الميية طريقهييا لحضارة إسييلمية‪ ,‬فإن الجامعيية‬


‫السلمية ربما تكون أنجح سبيل إلى ذلك‪.‬‬

‫والجامعيية السييلمية فكرة أخذت شكييل حركيية دينييية‪ ,‬وربمييا‬


‫سيياسية حييث كانيت ردة فعيل مبكرة لمظاهير سيقوط الخلفية‪ ,‬أو‬
‫لسييقوط الخلفيية السييلمية فعل بعييد ذلك وسييبيل وأسييلوبا لعادة‬
‫الخلفية‪ ,‬وقيد ظهير مصيطلح الجامعية السيلمية فيي النصيف الثانيي‬
‫مين القرن التاسيع عشير وهيو مصيطلح " يتسيع ليشميل مفاهيي م‬
‫عدة‪ ,‬فبعييض المصييلحين يرى فيهييا دعوة رجوع بالدييين إلى مييا كان‬
‫عليييه السييلف الصييالح‪ ,‬وآخرون فسييروها على أنهييا دعوة لتحديييث‬
‫المفاهيم السلمية‪ ,‬وتطويرها‪ ,‬وتفسيرها بشكل يساير تطور الحياة‬
‫الحديثية‪ ,‬ويتمشيى ميع المفاهييم الواردة مين مدنيية الغرب وثقافتيه‪.‬‬
‫وقسييم ثالث رأى فييي حركيية الجامعيية السييلمية دعوة إلى إحياء‬
‫الخلفية العربيية القرشيية مين جدييد‪ ,‬لكين مين غيير أن يكون لهذا‬
‫الخليفة سلطة دنيوية‪ ,‬بل يكون مجرد رمز ديني لوحدة المسلمين"‬
‫ولعل أقوى هذه المفاهيم‪ ,‬أو التيارات‪ ,‬التي أخذت أسلوب الحركة‪,‬‬
‫حتيى سيميت حركية الجامعية السيلمية‪ ,‬هيو مفهوم الدعوة لمؤازرة‬
‫الدولة العثمانيية لتقوى على مقاومية مظاهير السيقوط فيي أواخير‬
‫أيامهييا‪ .‬وهذا ل يمنييع ميين أن الفكرة صييحيحة وضرورييية اليوم‪ ,‬فإن‬
‫مظاهيير الضعييف والتفكييك‪ ,‬وتوزع دول السييلم كييل ذلك مظاهيير‬
‫ومييبررات تجعييل فكرة الجامعيية السييلمية صييالحة الحياء اليوم‬
‫فمقصيود الجامعية السيلمية هيو إحياء تلك الروح السيلمية للوحدة‬
‫السييلمية‪ ,‬وقييد عييبر عيين هذا المعنييى بوضوح أحييد دعاة الجامعيية‬
‫السيلمية ‪ .‬بعيد الشييخ جمال الديين الفغانيي ‪ .‬أميير البيان شكييب‬
‫أرسيلن حيين قال‪ :‬الجامعية السيلمية بمعناهيا الشاميل ومفهومهيا‬
‫العام إنميا هيي الشعور بالوحدة العامية‪ ,‬والعروة الوثقيى ل انفصيام‬
‫لها بين جميع المؤمنين في المعمور السلمي‪ .‬وهي قديمة بأصلها‬
‫ومنشئهيا منيذ عهيد صياحب الرسيالة صيلى الله علييه وسيلم‪ ,‬أي منيذ‬
‫شرع الرسيييول يجاهيييد فالتيييف مييين حوله المهاجرون والنصيييار‬
‫معتصيبين معيه بعاصيبة السيلم لقتال المشركيين‪ .‬وقيد أدرك محميد‬
‫صلى الله عليه وسلم خطورة الجامعة وعلو منزلتها في المسلمين‬
‫حيق الدراك وعلم كيل العلم ميا له مين عظيم الشأن وجلل المقام‬
‫فيي قلوب المؤمنيين‪ ,‬فغرس غريسيتها بيدييه فيي نفوسيهم فنميت‬
‫وتغلغلت‪ ,‬وامتدت جذورها‪ ,‬وبسقت أغصانها وفروعها وينعت ثمارها‪.‬‬
‫فقد كرعليها أكثر من ثلثة عشر قرنا فما أوهن كرور هذه القرون‬
‫من الجامعة السلمية جانبا ول ضعضع لها كيانا‪.‬‬

‫وقال‪ " :‬ومن أحب أن يقف حق الوقوف على ما أراده السلم‬


‫مين غرض الجامعية وغاياتيه فلينظير إلى حال المسيلمين اليوم وإلى‬
‫تيار هذا التعاطف والتشاكي يعلم سر الجامعة ومكانت ها في نفوس‬
‫المسلمين‪ .‬وفي الواقع ليس من دين في الدنيا جامع لبنائه بعضهم‬
‫مييع بعييض موحييد لشعورهييم دافييع بهييم نحييو الجامعيية العاميية‬
‫والستمساك بعروتها كدين السلم "‪.‬‬

‫وينبغيي أن تكون هذه الحركية دينيية سيياسية‪ ,‬ل يمكين الفصيل‬


‫بينهما ومحاولة ذلك مميتة للفكرة حتما‪ ,‬ولهذا فإن بدايتها ينبغي أن‬
‫تكون على أيدي العلماء‪ ,‬يقودون الشعوب لحياء الروح اليمانيييييية‪,‬‬
‫حتيى تقوم فيي إحدى ديار المسيلمين دولة تتبنيى الفكرة فتدعمهيا‪,‬‬
‫وتتوسيع بعيد ذلك‪ .‬وهذا ميا لم يخيف على دعاة الجامعية السيلمية‬
‫فهيم لم يبتعدوا عين هذا المعنيى‪ ,‬وإن كان ميا ذكرناه توسيع للفكرة‪.‬‬
‫يقول شكييب أرسيلن‪ " :‬ول يغربين عين البال أن الجامعية السيلمية‬
‫على مختلف حالتهيا وتطوراتهيا يجيب أل تعتيبر أنهيا حركية سيياسية‬
‫دفاعيية محمولة على الغرب ردا لعتدائه ودفعيا لجوره فحسيب‪ ,‬بيل‬
‫إن منشأهيا الصيلي هيو المشاعير النفسيانية الوجدانيية العميقية‪ ,‬فيي‬
‫المسيييلمين لصيييانة الوحدة‪ ,‬وتوثييييق ع رى الجامعيية العاميية‪ ,‬تلك‬
‫الجامعية " ثيم يسيتشهد على ارتباط الديين بالسيياسة‪ ,‬وأنيه حضارة‬
‫قبل أي شيء آخر بال سير موريسون‪ ,‬فينقل قوله‪ " :‬إن الحق الذي‬
‫ل يمارى فيييه أن السييلم أكثيير ميين معتقييد ودييين‪ .‬إنمييا هييو نظام‬
‫اجتماعي تام الجهاز‪ ,‬هو حضارة كاملة النسيج لها فلسفتها وتهذيبها‬
‫وفنونها‪ .‬وقد انقضى ما انقضى من العهد الذي ما برح فيه السلم‬
‫والنصييرانية على نضال ونزاع‪ ,‬فمييا عرى وهيين جانبييا ميين جوانييب‬
‫السلم قط‪ ,‬بل ما انفك على الدوام يشتد بعضه مع بعض متماسكا‬
‫متعاضدا‪ ,‬حتى صار وحدة جامعة‪ ,‬نامية نمو الجسم العضوي‪ ,‬سائرا‬
‫سيره بفعل نظامه الذاتي المستقر فيه"‪.‬‬

‫ثيم يعقيب على هذا القول بأن المسيلمين تربيط بعضهيم ببعيض‬
‫روابيط هذه الحضارة ربطيا وثيقيا ل انفصيام له‪ .‬وباعتبار هذا المعنيى‪,‬‬
‫فإن الجامعة السلمية إنما هي عامة‪ ,‬قائمة البناء في جميع العالم‬
‫السييلمي زد على جميييع هذا أن سيياد اليوم فييي العالم السييلمي‬
‫سييييادة عامييية‪ ,‬العتقاد الذي يؤيده الحرار‪ ,‬والغلة‪ ,‬والمحافظون‪,‬‬
‫وسييائر الحزاب معييا‪ ,‬أن المسييلمين اليوم هييم فييي دور النهضيية‬
‫والنتقال‪ ,‬والتجدد‪ ,‬يسيتردون مجدهيم السيلمي الفائت‪ ,‬ويسيتعيدون‬
‫عزهم التليد‪.‬‬

‫ثم ينقل ثانية قول للسير موريسون‪ ,‬وكأنه يعنى ما تعيشه المة‬
‫السييلمية اليوم ميين محاولة النهوض‪ ,‬واسييتئناف الحياة السييلمية‬
‫الحضارية‪ .‬لكنها ما زالت روح الشعوب‪ ,‬ولم تتبناها الدول بعد يقول‬
‫السيير موريسيون‪ " :‬لييس مين مسيلم يعتقيد أن الحضارة السيلمية‬
‫فانية‪ ,‬وغير متجددة مترقية‪ ,‬إنما يعتقد أن قد عرتها قهقري قصيرة‬
‫فحسيب فقصير المسيلمون أمرهيم على التطوح فيي الشادة بمجيد‬
‫الجدود‪ ,‬وتعصيبوا فيي ذلك وغالوا شديدا‪ ,‬ولكين أمرهيم هذا ميا كان‬
‫ليختلف فيي صيفته عين الحال التيي كانيت سيائدة فيي أوربية خلل‬
‫القرون الوسيييطى‪ ,‬يوم كان ديجور الجهيييل مطبقيييا جمييييع البلد‬
‫النصرانية‪ ,‬يعتقد المسلم اليوم أن العالم السلمي سائر في طريق‬
‫استئناف الرتقاء‪ ,‬يأخذ عن الغرب ما يزيد في استحثاثه ويبعث فيه‬
‫عزما‪ ,‬وإقداما‪ ,‬ونشاطا‪ ,‬فتطورت الحياة تطورا تبدت دلئله في كل‬
‫قطر إسلمي"‪.‬‬

‫وأخيرا فإننيا ل نرييد مين طرح فكرة الجامعية السيلمية‪ ,‬كامتداد‬


‫للجامعييية السيييلمية تاريخييييا طريقيييا واحدا قاطعيييا لسيييتئناف‬
‫واسيتشراف حضارة السيلم‪ ,‬وإنميا نرييد لفيت النظير لقضيية أغفلت‬
‫من سجل‪ ,‬وكتابات الباحثين‪ ,‬وهي جديرة بالدرس والبحث الموسع‪,‬‬
‫لعلهيا تكون مين مخارج الغيي والضنيك‪ ,‬إلى رضيا الله تبارك وتعالى‪,‬‬
‫وثم هناك سعادتنا وحضارتنا‪.‬‬

‫هذا وإن ميين ثوابييت وضرورات حضارة المسييتقبل على سييبيل‬


‫الجمال المور التالية‪:‬‬

‫‪ 3‬ي التميز‬

‫فل تبنيى حضارة على التقلييد المحيض‪ ,‬وإنميا تبنيى على التمييز‪,‬‬
‫التمييز فيي المعتقيد‪ ,‬والفكير‪ ,‬والتصيور‪ ,‬والنظيم الخلقيية‪ ,‬ومجموع‬
‫ذلك يكون الهوية‪ ,‬هوية المة‪ ,‬وبغير ذلك تصبح المة جزءا من عجلة‬
‫الحضارة الغربييية‪ ,‬تدور برحاهييم حيثمييا داروا‪ ,‬وإن دخلوا جحورهييم‬
‫المصيادمة للفطرة والنسيانية‪ ,‬ميع ميا فيهيا مين قذارة وآفات‪ .‬وإذا‬
‫كان بالمكان أن يتفوق ويتقدم التلمييييييذ على أسيييييتاذه‪ ,‬فمييييين‬
‫المستحيل أن يتقدم التابع على متبوعه‪ ,‬فإن غاية الريادة والقيادة ل‬
‫تجتمع بحال مع التقليد المحض‪.‬‬

‫وما من حضارة إل ولها هوية‪ ,‬ولو كانت عصبية لتاريخ أو جنس‬


‫أو قومية وما إلى ذلك‪ ,‬حاشا حضارة السلم‪ ,‬فقد كانت هويتها في‬
‫أسمى معاني المعتقد والخلق‪ ,‬والفكر‪ ,‬والتصور‪ ,‬إنها هوية تكونت‪,‬‬
‫وانبثقييت ميين نصييوص كتاب الله العالم بمييا خلق‪ " :‬وهييو اللطيييف‬
‫الخيبير " الملك‪ ,14 :‬ولول هذا التمييز ميا قاميت للسيلم حضارة‪ ,‬وكذا‬
‫اليوم لن تقوم لنيا قائمية إل بميا كنيا بيه خيير أمية حضارة كتاب الله‪,‬‬
‫وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ومع التميز‪ ,‬أو به لبد من إذكاء روح الحماسة اليمانية‪ ,‬وبخاصة‬


‫فيييي طبقييية الشباب‪ ,‬وعلماء المييية‪ ,‬إذ عليهيييم المعول فيييي البناء‬
‫الحضاري‪ ,‬وهذه الحماسيية هييي الروح المحركيية للفقيييه‪ ,‬والطييبيب‪,‬‬
‫والمهندس‪ ,‬والكيميائي‪ ,‬والعامييل‪ ,‬وميين إليهييم‪ ,‬ليعبييد الله كييل فييي‬
‫موقعييه ويتنافييس فييي حيازة الجور بالتقوى‪ ,‬وحسيين الداء وإتقان‬
‫العمل‪.‬‬

‫وأمية هذه روحهيا‪ ,‬والله إنهيا لغالبية‪ ,‬وخليقية بالخلفية‪ ,‬وهذا وعيد‬
‫الله‪ ,‬ولن يخلف الله وعده‪.‬‬

‫‪ 4‬ي الفصل بين النظم والعلم‬

‫أول ميا ينبغيي أن يعميل فيي منهيج التلقيي أن يفصيل بيين النظيم‬
‫الغربييية فييي التربييية والخلق‪ ,‬والسييلوك والفكيير‪ ,‬والتصييور للكون‬
‫والحياة‪ ,‬وبيين العلوم التقنيية‪ ,‬والدراسيات الجتماعيية الجادة‪ .‬فلييس‬
‫كالسيلم نظام تربيية‪ ,‬وأخلق‪ ,‬وتصيور‪ ,‬وفكير‪ ,‬ومنهيج حياة‪ ,‬فميا مين‬
‫حاجة إلى نظمهم لختلل السس التي بنيت عليها‪.‬‬

‫أما العلوم‪ ,‬ونظم المعلومات‪ ,‬وآلة الصناعة فهي مصدر قوتهم‪,‬‬


‫وأساس الحضارة الحقيقية‪ ,‬وهي التي نحن إليها فقراء‪ ,‬وهي سلعة‬
‫وبضاعية الحضارة ول رييب أن النظيم الغربيية فيي التربيية والخلق‪,‬‬
‫والسيلوك هيي اليوم نقطية ضعيف فيي بنائهيم الحضاري‪ ,‬وهيو ميا نبيه‬
‫علييه بعيض النابهيين مين علمائهيم‪ ,‬فإن التردي الخلقييي المحميي‬
‫بالقانون‪ ,‬قيييد بلغ شأنيييا عظيميييا‪ ,‬وانحدارا خطيرا‪ ,‬بلغ فييييه الشذوذ‬
‫مبلغيه‪ ,‬وهذا نذيير خيير فيي انحسيار حضارتهيم الماديية‪ ,‬فإن النحلل‬
‫الخلقيي‪ ,‬والنحراف يكاد يكون عامل مشتركيا لسيقوط الحضارات‪,‬‬
‫وهذا النحدار اليوم قيييد يبدوا بطيئا لميييا يسيييتمده مييين قوة دفيييع‬
‫حضاري‪ ,‬لكنه سريع في عمر الحضارات‪ .‬وكلما أوغل المجتمع في‬
‫النحلل الخلقي والجسدي‪ .‬كلما اقترب من حافة النهيار‪ ,‬وانتظار‬
‫الوريث حينئذ‪ ,‬ولن يكون غير السلم وريثا لنه يملكك ما يفتقدون‪.‬‬

‫‪ 5‬ي ترجمة العلوم‪:‬‬

‫إن ترجمة العلوم والمعارف ونظم المعلومات وما إليها ضرورة‬


‫لبدء النهضية‪ ,‬وتحتاج منيا إلى حركية نشطية‪ ,‬بيل ثورة علميية دائبية‬
‫تشميير لترجميية المعلومات والعلوم‪ ,‬والتاريييخ يشهييد أن اللغيية هييي‬
‫عنوان حضارة المييم‪ ,‬ولم تنهييض أميية بلغيية غيرهييا‪ ,‬ولو كانييت لغيية‬
‫الغالب القوي المتحضير‪ ,‬والعربيية هيي اللسيان اييا كان المتكلم بهيا‬
‫عربيا أو أعجميا‪.‬‬

‫فحركييية الترجمات العلميييية مييين طلئع السييياليب والسيييباب‬


‫الحضاريييية‪ ,‬هكذا فعيييل المسيييلمون أول نهضتهيييم‪ ,‬وكذلك فعيييل‬
‫الوربيون فيييي بدء حضارتهيييم وهكذا تفعيييل الدول الراميييية اليوم‬
‫منافسة الحضارة الغربية‪ .‬ولقد سبق تفصيل ذلك بما فيه الكفاية‪.‬‬

‫‪ 6‬ي التقليد الصناعي والقتباس‬

‫تقليييد الصييناعات‪ ,‬والقتباس التجريييبي مرحلة بداييية هاميية ل‬


‫يمكييين القفيييز عليهيييا‪ ,‬أو تخطيهيييا وصيييول إلى التطويييير‪ ,‬والتطور‪,‬‬
‫فالمنافسة الحضارية‪ .‬ويسبق ذلك لريب إعداد الدراسات والبحوث‪,‬‬
‫وتوجيه البحاث العلمية‪ ,‬وخاصة في مراحل الدراسات العليا‪ ,‬وجهة‬
‫التقليد الصناعي‪ ,‬والقتباس بغية التطوير والرقي الذاتي‪ ,‬وهذه سنة‬
‫اليابان في نهضتها‪ ,‬بل سنة أمم الحضارات الجادة‪.‬‬

‫‪ 7‬ي التعامل مع العولمة‬

‫ل يسييتطيع بييل ل يملك المسييلمون خيارا سييوى التعامييل مييع‬


‫العولمة‪ ,‬وليس من العقل في شيء أن يبني المسلمون مستقبلهم‬
‫الحضاري بعيدا عن هذا التعامل‪ ,‬باعتباره واقعا يفرضه رواد حضارة‬
‫اليوم‪ .‬إنيه واقيع ومسيتقبل رهييب لو اسيتكمل خطواتيه‪ ,‬إنيه اسيتعمار‬
‫من نوع جديد‪ .‬ل يكتفي باستعمار الرض‪ ,‬ومن عليها عبيد‪ ,‬كما كان‬
‫الستعمار الرأسمالي بالمس القريب‪ ,‬بل هو اليوم استعمار يتغلغل‬
‫إلى أعماق الهوية والتاريخ‪ ,‬وخصوصيات المم‪ .‬إنه ل يكت في بهيمنة‬
‫اللة‪ ,‬واحتكار أسرارها‪ ,‬وريادة التطور المادي‪ ,‬وفرض نمط سياسي‬
‫موحييد‪ ,‬بييل إنييه يعنييي ويرمييي إلى هدف اختراق الخلق‪ ,‬والعقائد‬
‫والثقافية‪ ,‬والسيلوك‪ ,‬وإزالة الفوارق لينصيهر الكيل فيي بوتقية هيمنية‬
‫الحضارة المريكيية الغربيية بفكرهيا وأسيلوب معيشتهيا وأخلقهيا‪ ,‬بيل‬
‫ملبسها‪ ,‬ومأكلها‪ ,‬ومشربها‪.‬‬

‫إن السيلم المسيتهدف الهيم فيي العولمية‪ ,‬أو هكذا ينبغيي أن‬
‫تكون نفسييية التعامييل مييع العولميية‪ .‬وقادة الحلف الطلسييي بقيادة‬
‫أمريكييا كفونييا مؤنيية التنقيييب عيين النوايييا بتصييريحاتهم المتكررة‪,‬‬
‫والمصيرة على أن السيلم هيو العدو السيتراتيجي الجدييد بعيد انهيار‬
‫الشيوعية‪ ,‬ويقول نيك سون الرئيس المريكي السيبق‪ " :‬إنه ل يوجد‬
‫فرق بييين إسييلم معتدل وآخيير متطرف‪....‬والحضارة الغربييية فييي‬
‫تعاملها مع السلم كمن يتعامل مع مجموعة من الفاعي السامة "‪.‬‬

‫إنهم يقرأون التاريخ ويدركون حتما أن السلم الدين الحضاري‬


‫الوحيييد الذي يملك أدوات المعارضيية‪ ,‬والمواجهيية لعولميية الحضارة‪,‬‬
‫يملك البدائل النسييب لفطرة النسييان‪ ,‬اعتقادا‪ ,‬وأخلقيييا‪ ,‬ونفسيييا‪,‬‬
‫وسلوكيا‪ ,‬واجتماعيا‪.‬‬

‫ينبغيي أن نسيتوعب أسيلوب التعاميل‪ ,‬والتعاييش ميع العولمية‪,‬‬


‫فأسيلوب العداء والمبارزة لن يكون لنيا فييه أدنيى انتصيار‪ ,‬فل ضيير‪,‬‬
‫بيل ل مندوحية مين أسيلوب التعاميل والتعاييش لكين فيي اليجابيات‪,‬‬
‫وصيد تيارات وسيائل التصيال‪ ,‬والعلم بأخلقياتيه‪ ,‬وسيلوكياته‪ ,‬ببدائل‬
‫السيلم المتطورة الراقيية‪ ,‬وهذا ل يكفييه النشاء البيانيي‪ ,‬والتنظيير‪,‬‬
‫إنيه يحتاج إلى رعايية دول إسيلمية مجتمعية تؤمين بأنهيا مسيتهدفة‪,‬‬
‫فتخطط لبناء استراتيجية التعامل والستيعاب‪ ,‬والمواجهة لما يحتاج‬
‫لذلك بفكر منفتح‪ ,‬وهوية عقائدية متميزة‪.‬‬

‫‪ 8‬ي القيادة المدنية للمجتمع‪:‬‬


‫ترتبيييييط الحضارات المعمرة بصيييييدارة أهيييييل العلم والرأي‬
‫والمشورة والكفاءة فيييي تقدمهيييا‪ ,‬فهيييم سيييدنة التقدم والحريييية‪,‬‬
‫والبداع‪ ,‬والنفتاح العلمييي‪ ,‬وحرييية الرأي والبحييث‪ ,‬ونماء القتصيياد‬
‫وازدهار الحياة‪ .‬فالحياة واحترام النسيييييان عنوان الفكييييير الخلق‪,‬‬
‫والبداع‪ ,‬والتميييز‪ ,‬وأميية تقودهييا الواميير‪ ,‬تنغلق عليهييا منافييذ النور‬
‫والحرية ول يرتجى منها أن تنهض أو تبدع‪.‬‬

‫‪ 9‬ي فتح باب الجتهاد‪:‬‬

‫لبيد مين تمكيين الفقهاء مين توسييع أبواب الجتهاد الجماعيي‪,‬‬


‫ليواكيب التطور فيي القضاييا المسيتجدة‪ ,‬فلقيد كانيت مهمية مجتهدي‬
‫المة‪ ,‬وما قاموا به إبان النهضة‪ ,‬والتحضر من أهم موارد قوة الدفع‬
‫للحضارة السيلمية إرشادا وتوجيهيا‪ ,‬وإضفاء الحكام الشرعيية على‬
‫المستجدات‪ ,‬ولم يكونوا يوما‪ .‬حجرا ‪ ,‬أو سدودا أو قيودا‪.‬‬

‫وإن التراث الضخيم كميا‪ ,‬ونوعيا مميا خلفيه أولئك الفذاذ ليبعيث‬
‫على العتزاز‪ ,‬فقد سبقوا عصرهم‪ ,‬وما زالت المجامع الفقهية اليوم‬
‫تستمد من اجتهاداتهم في العديد من القضايا المعاصرة مع ما فيها‬
‫من تعقيد وتشابك للمسائل‪.‬‬

‫والله ولي التوفيق‪,,,‬‬

‫المراجع‬

‫‪300‬‬ ‫‪1‬ي الظاهرة القرآنية للستاذ مالك بن نبي‬


‫‪2‬ي الظاهرة القرآنية ‪75‬‬
‫‪3‬ي ي الظاهرة الغربييية فييي الوعييي الحضاري للسييتاذ بدران بيين‬
‫مسعود بن الحسن‪95‬‬
‫‪4‬يي أخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطيي عين السيلم والعقيل‬
‫للشيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييخ الدكتور‬
‫عبد الحليم محمود ‪ 21‬دار الكتب الحديثة بمصر‬

‫‪5‬يييي فتوح البلدان للبلذري والخراج لبيييي يوسيييف عييين كتاب‬


‫السييلم والحضارة العربييية للسييتاذ محمييد كرد علي ‪ 39 / 1‬مطبعيية‬
‫لجنة التليف والنشر ‪ .‬الطبعة الثالثة ‪18‬‬
‫‪6‬ي قصة الحضارة ‪13/292‬‬
‫‪7‬ييي حضارة العرب ‪ 299‬ترجميية محمييد عادل زعيتيير ‪ .‬طبييع درا‬
‫إحياء الكتب العربية بمصر ‪ 1364‬ي ‪1945‬‬
‫‪8‬يي قصيية الحضارة ‪ 13/130‬ترجميية محمييد بدران ‪ .‬مطبعيية لجنيية‬
‫التأليف والترجمة والنشر ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ 1964‬بمصر‬
‫‪ 9‬ي شريعة ال سلم للدكتور يوسف القرضاوي ‪ 56‬الطبعة الولى‬
‫‪ .‬المكتب السلمي ‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪10‬ييي الحضارة السييلمية لدم ميتييز ‪ 235 ,90,92,88,234‬وقصيية‬
‫الحضارة ‪13/132‬‬
‫‪11‬يي الحضارة السيلمية ‪ 81‬وانظير تارييخ السيلم ‪ 1/234‬للدكتور‬
‫حسن إبراهيم حس مطبعة ‪ .‬النهضة المصرية الطبعة السابعة ‪1964‬‬
‫بمصر‬
‫‪12‬ي الحضارة السلمية ‪234 ,77,86‬‬
‫‪13‬ي من روائع حضارتنا ‪81‬‬
‫‪14‬ي من روائع حضارتنا‪81‬‬
‫‪15‬يي الخراج لبيي يوسيف عين الحضارة السيلمية لدم متيز ‪ 87‬و‬
‫‪296‬‬
‫‪13/131‬‬ ‫‪16‬ي قصة الحضارة‬
‫‪17‬ي قصة الحضارة ‪13/131‬‬
‫‪18‬ي قصة الحضارة ‪13/132‬‬
‫‪19‬ي حضارة العرب ‪589‬‬
‫‪20‬ي ي متفييق عليييه‪ .‬اللؤلؤ والمرجان فيمييا اتفييق عليييه الشيخان‬
‫‪1/218‬‬
‫جامع الصول‬
‫‪8/3‬‬ ‫‪21‬ي‬
‫‪22‬ي جامع الصول ‪8/7‬‬
‫‪23‬ي مختصر صحيح مسلم ‪ 259‬رقم ‪1001‬‬
‫‪24‬ي ي تاريييخ بغداد للخطيييب البغدادي ‪ 149 / 14‬عيين كتاب العلماء‬
‫عند المسلمين للدكتور محمد منير سعد الدين‪ ,‬وقصة الحضارة ‪/ 13‬‬
‫‪.170‬‬
‫‪ 25‬ي من روائع حضارتنا للسباعي ‪ 164‬وقصة الحضارة ‪ 170 / 13‬و‬
‫‪177‬‬

‫‪26‬يي جمهرة أنسياب العرب لبين حزم ‪ 100‬والحلة السييراء لبين‬


‫البار ‪ 203 / 2‬والفكير السيامي شرييف ‪ 111‬عين أضواء على الحضارة‬
‫والتراث للدكتور عبد الرحمن على الحجي ‪.104‬‬
‫‪ 27‬ي ظهر السلم ‪ 1/254‬وتاريخ بغداد ‪ 4/414‬والمتناع والمؤانسة‬
‫‪ 2/14‬عيين العلماء عنييد المسييلمين د‪ .‬محمييد منييير سييعد الدييين ‪.53‬‬
‫وحضارة السلم للسباعي ‪ 83‬وقصة الحضارة ‪.170 / 113‬‬

‫‪28‬ي ي انظيير للتفصيييل‪ :‬قصيية الحضارة ‪ 13/170/‬وحضارة السييلم‬


‫لغوستاف لوبون ‪ 462‬ومن روائع حضارتنا للسباعي ‪.145‬‬

‫‪29‬ييي حييض ارة الع رب لغوسييتاف لوبون ‪ 503‬وقصيية الحضارة‬


‫لول ديورانييت ‪ 13/171‬وتاريييخ السييلم السييياسي لحسيين إبراهيييم‬
‫حسن ‪499/‬‬
‫‪30‬ي النفال‪.46 :‬‬
‫‪31‬ي النعام‪.65 :‬‬
‫‪32‬ي ي أخرجييه مسييلم فييي كتاب الفتيين‪ ,‬ومعنييى السيينة‪ :‬القحييط‬
‫والجدب‪.‬‬
‫‪33‬يي مختصير تفسيير ابين كثيير للشييخ محميد علي الصيابوني ‪/ 1‬‬
‫‪.586‬‬
‫‪34‬يي المحرر الوجييز فيي تفسيير الكتاب العزييز لبيي محميد عبيد‬
‫الحق بن عطية الندلسي ‪ 229 / 5‬الطبعة الولى ‪ .‬الدوحة ‪.1983‬‬
‫‪35‬يي فيي مسيلم‪ " :‬مين دل على خيير فله مثله " مختصير صيحيح‬
‫مسلم ‪1101‬‬
‫‪36‬ي المائدة‪.2 :‬‬
‫‪37‬ي ي الجامييع لحكام القرآن للمام محمييد بيين أحمييد النصيياري‬
‫القرطيبي ‪ 1365‬هيي ‪ 1946 .‬م ‪ 4616‬بتصيرف يسيير‪ .‬مطبعية دار الكتيب‬
‫المصرية‪.‬‬
‫‪38‬ي الممتحنة‪.8 :‬‬
‫‪39‬ي المؤمنون‪.52 :‬‬
‫‪40‬ي النساء‪.115 :‬‬
‫‪41‬ي النعام‪.159 :‬‬
‫‪42‬ي آل عمران‪.105 :‬‬
‫‪43‬ي النعام‪.159 :‬‬
‫‪44‬ي آل عمران‪.103 :‬‬
‫‪45‬ي الحجرات‪.11,12 :‬‬
‫‪46‬ي المرجع السابق رقم ‪.1774‬‬
‫‪47‬ييي حركيية الجامعيية السييلمية للسييتاذ أحمييد فهييد بركات‬
‫الشوابكة الطبعة الولى ‪ .‬مكتبة المنار الردني‬
‫‪319‬‬ ‫‪48‬ي حاضر العالم السلمي شكيب أرسلن ‪/ 1‬‬
‫‪49‬ي حاضر العالم السلمي لشكيب أرسلن ‪.287 / 1‬‬

You might also like