You are on page 1of 209

‫‪  .

‬مقدمة ومتهيد ‪1‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬


‫‪------------------------------------------------‬‬

‫دار اإلميان واحلياة‬


‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .2 ‬مقدمة ومتهيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫الفتح العرفانى‬ ‫الكتــــــــــــــــــــاب‬


‫األستاذ فوزى حممد أبوزيد‬ ‫املؤلــــــــــــــــــــف‬
‫األوىل‬ ‫الطبعـــــــــــــــــــة‬
‫غرة حمرم‪0341‬هـ املوافق للتاسع والعشرين من يناير ‪9112‬م‬ ‫الطبعــــــــة األوىل‬
‫‪ 910‬صفحة‬ ‫عدد الصفحات‬
‫‪ 01‬سم * ‪ 93‬سم‬ ‫املقـــــــــــــــــــــاس‬
‫‪ 01‬جم‬ ‫الــــــــــــــــــــــــورق‬
‫‪ 0‬لون ‪ ،‬أسود‬ ‫الطباعة الداخلية‬
‫كوشيه مليع ‪ 951 ،‬جرام‬ ‫الغــــــــــــــــــــالف‬
‫‪ 3‬لون‪ ،‬سلوفان مليع‬ ‫طباعة الغــــالف‬
‫إشـــــــــــــــــــراف دار اإلميان واحلياة –‪003‬ش ‪ - 015‬املعادى ‪ -‬القاهرة ‪ -‬مجهورية‬
‫مصر العربية‪ ،‬ت‪ ،1191- 9- 95959031 :‬فاكس ‪95920200‬‬
‫دار نوبار للطباعة‬ ‫طبــــــــــــــــــــــاعة‬
‫‪9112/4500‬‬ ‫إيداع‬ ‫رقم‬
‫‪ISBN: 977-17-6644-9‬‬ ‫احمــــــلى‬
‫لرتقيــــــــم الدوىل‬
3 ‫ مقدمة ومتهيد‬ . ‫ فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫ الفتح العرفانى‬
------------------------------------------------


   
  
   
  
 

    
       
  
        
   
   
 
   
 
 
  


  
   
 
    
  
  
      
 


  
  
  
 
      
)‫( الطالق‬    
   
 

‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .4 ‬مقدمة ومتهيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫احلمد هلل على نعماه‪ ،‬وال شكر هلل على واسع عطاياه‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا‬
‫وموالنا حممد ‪ ‬حبيب اهلل ومصطفاه‪ ،‬وآله وصحبه ومن وااله‪.‬‬
‫وبعد‪،‬‬
‫إن هلل ‪ ‬رجاالً مل تشغلهم الدنيا بزهرهتا‪ ،‬ومل حتجبهم اآلخرة بزينتها‬
‫عن مطلوهبم ومرادهم ومقصددهم اععمدم ‪ ..‬وهدو رودوان اهلل ‪،‬‬
‫وفيهم يقول اهلل ‪ ‬فى [‪ 82‬الكهف] ‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وعنهم يقول اإلمام أبو العزائم ‪: ‬‬
‫لفارقت حسنها بالزهد مهتهم‬ ‫وجنة اخللد لو ظهرت بطلعتها‬
‫هؤالء الرجال ملا كان مقصدهم اهلل‪ ،‬وكانوا يرددون فى كل توجه حلضرته‬
‫جلَّ فى عاله ‪ ...‬إهلي أنت مقصودى ‪ ....‬ورواك مطلوبى ‪ ....‬ووجهك حمبوبى‬
‫فإن اهلل ‪ ‬أعدَّ هلم من العطاءات اإلهلية‪ ،‬والفتوحات الوهبية‪ ،‬واملنح الربانية‪ ،‬ما ال‬
‫يستطيع أن يدركه إال أهل اخلصوصية‪.‬‬
‫فهؤالء القوم !!! كيف يصلون إىل مطلوهبم؟ وما اجلهاد الذى يوصدلهم إىل‬
‫رواء حمبوهبم؟ وما ألوان التكريم وأنواع العطاءات التى خيصهم هبا اهلل ‪‬؟‬
‫هذا بعض ما قمنا باحلديث عنه فى هذا الكتاب اخلاص بأهل اإلختصاص‪ ،‬وأحبنا‬
‫فيه ما تستطيع أن تدركه العقول ‪...‬؛ مؤيداً بالنقول ‪ ...‬؛ عن علوم القوم اخلاصة ‪...‬‬
‫‪  .‬مقدمة ومتهيد ‪5‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫يقول فيها اإلمام أبو العزائم ‪:‬‬
‫كيف ال وهو الضيا الغيب الصراح‬ ‫علمنددددا فددددو العقددددول مكانددددة‬
‫ذاك سدد درٌ غددددامض كيددددف يبدددداح‬ ‫خصددددددنا بالفضددددددل فيدددددده ربنددددددا‬
‫آيدددددة إن ذا بدددددر احلدددددب صددددداح‬ ‫والفتدددددى ابدددددذوب باحلدددددب لددددده‬
‫باحلقدددائا مدددا علدددى الفدددانى جنددداح‬ ‫وهدددددو حممدددددول العنايدددددة إن يدددددبح‬

‫فقد جعلناه كتاباً ‪ ....‬يبني الوسيلة لنيل املطلوب ‪ ...‬ويووح الغايات التى يتفضل‬
‫اهلل ‪ ‬هبا علي العبد احملبوب‪.‬‬
‫أسأل اهلل ‪ ‬أن ينفع به كل عبد تطهر من العيوب ‪ ...‬وأخلص فى سره وعالنيته‬
‫فى طلب عالم الغيوب ‪ ، ...‬وجعل الصد رفيقه وسالحه لنيل املطلوب ‪...‬‬
‫وصلي اهلل على سيدنا حممد باب الروا والفضل ‪ ..‬وأس كل فضل موهوب ‪...‬‬
‫وآله وصحبه وسلم والتابعني بإ حسان إىل يوم الدين ‪..‬آمني آمني يارب العاملني‪.‬‬
‫كان الفراغ منه يوم عرفة اعغر ‪ ...‬املوافا للتاسع من ذى احلجة ‪9281‬هد‪،‬‬
‫السابع من ديسمرب ‪ 8002‬م‬

‫اجلميزة ‪ ،‬حمافمة الغربية ‪ ،‬مجهورية مصر العربية‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪WWW.fawz yabuzeid.com ‬‬
‫‪fawz y@ fawzyabuzeid.com ‬‬
‫‪fawzyabuzeid@hotmail.com‬‬
‫‪fawzyabuzeid@ yahoo.com‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .6 ‬مقدمة ومتهيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪‬‬
‫املنهج الصوفى للفتح العرفانى‬
‫أهل ال فتح !! وما أدراك من أهل الفتح !!‬
‫وكيف يتوصدل اإلنسدان إىل معرفتدهم ‪ ....‬و بدأى سدلطان يصدبح‬
‫اإلنسان منهم؟ أو يدخل بينهم ؟ ‪ ..‬هؤالء القوم ذوى املذاقات الرقيقة ‪...‬‬
‫واملشاعر الروحية الدقيقة‪.‬‬
‫أيكون ذلك بسلطان العلم مالحمة واستقراءاً؟‬
‫أم بسلطان العقل حباثاً واستنتاجاً ؟؟‬
‫أم بسلطان الروح إشراقاً وإهلاماً؟‬
‫إخوانى وأخواتى القراء الكرام ‪ ...‬أعلى اهلل قدركم ‪ ..‬وأشر‬
‫بأنواره علمه على أفياء قلوبكم ‪...‬‬
‫أنه من احلقيا ‪ ،‬بل ومن املسلَّم به اليوم أن نقول أن علم النفس قد أخفا إىل‬
‫اآلن ‪ ،‬بل وأخفا معه علم اإلجتماع ‪ ..‬إخفاقا كامالً فى الوصول اىل كنه‬
‫التصوف وحقيقته‪.‬‬
‫إن الدراسات النفسية واإلجتماعيدة احلدياثدة ‪ ،‬حدددت نفسدها باملدادة ‪،‬‬
‫وتقيدت بالمواهر املادية احملسَّة ‪ ..‬امللموسة‪ ،‬أو املرئية‪ ،‬أو املسموعة‪ ،‬أو املذوقة‬
‫مذاقاً حسياً‪ ،‬أو املشمومة ‪ ..‬وهى تعرتف إعرتافا صرحيا ال لبس فيه‪ ،‬أن جماهلا‬
‫إمنا هو ابال املادى ‪ ،‬وأن كل ما خرج عن ابال املادى ‪ ...‬فإنه ال يدخل حتت‬
‫مرصدها وخمربها ومسربها ‪،‬إذاً ال يدخل فى إطار حباثها‪.‬‬
‫‪  .‬مقدمة ومتهيد ‪7‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫والتصوف روحٌ وإهلا مٌ وإشرا ‪ ،...‬فال يدخل إذاً فى جماهلا‪.‬‬
‫ومن هنا كان إكتفاء هذه الدراسات من التصوف باملمهر والشكل‪،‬‬
‫ومن أجل ذلك كان إخفاقها كامالً ‪ ...‬وفشلها يفجأ النمر‪.‬‬
‫إن ما نسميه العلم احلديث إمنا هو العلم السائد فى أوربا وفى أمريكا‬
‫فى العصر احلاور‪ ،‬قد ألزم نفسه إلزاماً تاماً ال خيرج عن دائرة املادة !!‬
‫وحدَّ د خمتاراً دائرته حتديداً دقيقا بأهنا املادة‪ ،‬وربط نفسه بذلك ربطاً‬
‫حمكماً إىل درجة أن كل ما خيرج عن املادة ال يسمونه علماً ‪ ،9‬ومن أجل ذلك‬
‫فإن كل مدا قيدل بلسدان العلدم عدن التصدوف ال ميدس منده إال املمهدر ‪!!..‬‬
‫والشكل ‪ !!..‬وبذا ف ال فائدة فيه بتاتاً من حيث الروح واجلوهر‪.‬‬
‫أنلجأ إذاً اىل العقل ببحاثه املنطقى القياسى !! وإىل استنتاجاته الناشئة عن‬
‫املقدمات واعقيسة والتجارب !!؟ حتى مع علمنا بأنه مازال يعانى الكاثري من‬
‫القصور فى سرب غور كاث ري من حقائا املادة ماثل العقل ذاته وغريها!‬
‫ولكن العقل وجماله املادة استنتاجاً واستنباطاً ‪ ،‬إذاً ‪ ..‬ال شأن له بالغيب‬
‫(الغيب اإلهلى)‪ ، !!..‬وال شأن له باملساتري (مساتري امل أ االعلى أى حمجوباهتا‬
‫واملغيب منها عنا) ‪ ،!.‬وال شأن له بكشف احملجوب (احملجوب الروحى) ‪،!.‬‬
‫وال شأن له مبعارج القدس ‪ ،..!..‬وال مبنازل اعرواح ‪.!..‬‬
‫لقد أخفا العقل فى إجياد مقياس عقلى يقي س به الصحة واخلطدأ فدى عدامل‬
‫الروح‪ .. ،‬وعجز عن إخرتاع فيصل يفصل به بني احلا والباطل فى جمال الغيب ‪..‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .8 ‬مقدمة ومتهيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وإذا عجز املنهج العلمى املادى عن دراسة التصوف فى حقيقته وجوهره ‪،‬‬
‫وعجز املنهج العقلى كذلك ‪ ...‬فأين املخرج إذاً ؟؟‬
‫إن الصوفيه مجيعاً‪ ،‬وفالسفة اإلشرا ‪..‬‬
‫يعلنون منهجا حمدداً يقرونه مجيعا ‪ ..‬وياثقون فيه ثقة تامة ‪ ،..‬ذلك هو املنهج‬
‫القلبى‪ ،‬أو املنهج الروحى‪ ،‬أو منهج البصرية‪.‬‬
‫وهو منهج معروف‪ ،‬وأقرته اعديان مجيعها‪ ،‬واصطفته مذاهب احلكمة‬
‫القديم منها واحلديث‪ ،‬ويقول سبحانه‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫(اإلسراء)‪.‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫واإلمام الغزاىل ‪ ‬معرباً عن رأى الصوفية‪ ،‬وعن رأى فالسفة اإلشرا ‪،‬‬
‫يرى أن الدليل القاطع على أن هناك معرفة ليس مرجعها إىل احلسِّ‪ ،‬وال إىل العقل‪ ،‬إمنا‬
‫هو أمران واوحان وجليَّان‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬عجائب الرؤيا الصادقة‪ ،‬فإنه ينكشف هبا الغيب‪ ،‬وإذا جاز‬
‫ذلك فى النوم فال يستحيل أيضا فى اليقمة‪.‬‬
‫الاثانى‪ :‬أخبار رسول اهلل ‪ ‬عن الغيب وأمور فى املستقبل‪.‬‬
‫وإذا جاز ذلك للنبى ‪ ‬جاز لغريه‪ ،‬إذ ال نبى عباره عن شخص كوشف‬
‫حبقائا اعمور وشغل بإصالح اخللا‪ ،‬فال يستحيل أن يكون فى الوجود شخص‬
‫مكاشف باحلقائا وال يشتغل بإصالح اخللا‪ ،‬وهذا ال يسمى نبياً بل يسمى ولياً‪.‬‬
‫فمن آمن باعنبياء وصد الرؤيا الصحيحة‪ ،‬لزمه ال حمالة أن يقرَّ بالبصرية‪ ،‬أو‬
‫بتعبري آخر يقر بباب للقلب ينفتح على عامل امللكوت‪ ،‬وهو باب اإلهلام والنفث فى‬
‫‪  .‬مقدمة ومتهيد ‪9‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫الروع والوحى‪ ،‬أما الشواهد فيما يرى ‪ ،‬فهى آيات منها قوله تعاىل‪ 93( .‬األنفال)‪:.‬‬

‫‪     ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬
‫‪‬‬

‫(‪ 93‬العنكبوت)‪.‬‬ ‫‪    ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ومن السنة املشرفة قوله ‪: ‬‬
‫{ َمنْ َع ِم َل ِب َما َعلِ َم َورَّ َث ُه َّ‬
‫َّللاُ تَ َعالَى عِ ْل َم َما لَ ْم َيعْ َل ْم } ‪2‬‬

‫وعن هذا املنهج يقول اإلمام الغزاىل‪:‬‬


‫(وانكش ددف ىل ف ددى أثن دداء هددذه اخللددوات أمددور ال ميك ددن إحص دداؤها‬
‫واستقصاؤها‪ ،‬والقدر الذى أذكره لينتفع به ‪ ،‬أنى علمت يقيناً أن الصوفية هم‬
‫السالكون لطريا اهلل خاصة‪ ،‬وأن سريهتم أحسن السري وطريقتهم أصوب‬
‫الطر وأخالقهم أزكى اعخال ‪.‬‬
‫بل لو مجع عقل العقالء‪ ،‬وحكمة احلكماء‪ ،‬وعلم الواقفني على أسرار‬
‫الشرع من العلماء‪ ،‬ليغريوا شيئا من سريهتم وأخالقهم‪ ،‬ويبدلوه مبا هو خريٌ منه‪ ،‬مل‬
‫جيدوا إليده سدبيال‪ ،‬فدان مجيدع حركداهتم وسدكناهتم فدى ظداهرهم‪،‬‬
‫وباطنهم‪ ،‬مقتبسة من نور مشكاة النبوة‪ ،‬وليس وراء نور النبدوة علدى وجده‬
‫اعرض نور يستضاء به‪.‬‬
‫وباجلملة فماذا يقول القائلون فى طريقة طهارهتا ‪ -‬وهى أول شروطها ‪:-‬‬
‫تطهري القلب بالكلية عما سوى اهلل‪ ،‬ومفتاحها اجلارى منها جمرى (تكبرية)‬
‫التحريم من الصالة‪ :‬استغرا القلب بالكلية بذكر اهلل‪ ،‬وآخرها‪ :‬الفناء‬
‫بالكلية فى اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .11 ‬مقدمة ومتهيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ومن أول الطريقه تبتدد املكاشدفات واملشداهدات‪ ،‬حتدى أهندم فدى‬
‫يقمتهم يشاهدون املالئكة وأرواح اعنبياء‪ ،‬ويسمعون منهم أصواتا‪ ،‬ويقتبسون‬
‫منهم فوائد‪ ،‬ثم يرتقى احلال من مشاهدة الصور واعماثال‪ ،‬اىل درجات يضيا‬
‫عنها نطا املنطا) [كتاب املنقذ من الضالل للغزاىل]‬
‫واملنهج للفتح إذاً إمنا هو تزكيه النفس أو جالء البصرية‪ ،‬يقول اإلمام الغزاىل‬
‫معربا عن الرأى الصحيح املبنى على التجربة نفسها‪:‬‬
‫( ابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم ماثل (قوت القلوب) عبى‬
‫طالب املكى رمحه اهلل‪ ،‬وكتب احلارث احملاسبى‪ ،‬واملتفرقات املأثورة عن‬
‫اجلنيد‪ ،‬والشبلى‪ ،‬وأبى يزيد البسطامى قددس اهلل أرواحهدم‪ ،‬وغدري ذلدك مدن‬
‫كالم مشاخيهم حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلية‪ ،‬وحصلت مدا‬
‫ميكن أن حيصل من طريقهم بالتعليم والسماع‪ ،‬فمهر ىل أن أخص خواصهم‬
‫ماال ميكن الوصول اليه بالتعليم بل بالذو واحلال وتبدل الصفات‪.‬‬
‫وكدم مدن الفدر بدني أن ت علددم حدد الصدحة وحدد الشدبع وأس ددباهبما‬
‫وشروطهما ‪ ،...‬وبني أن ت كون صحيحا وشبعاناً ‪ ،!!..‬وبني أن يعرف حد‬
‫السكر ‪ ..‬وأنه عبارة عن حالة حت صل من استيالء أرخرة تتصاعد من املعدة على‬
‫معادن الفكر‪ ،‬وبني أن يكون سكراناً !!‪ ،‬بل السكران ال يعرف حد‬
‫السكر وعلمه وهو سكران‪.‬‬
‫كذلك فر بني تعريف حقيقة حالة الزهد‪ ،‬وشروطها‪ ،‬وأسباهبا‪ ،‬وبني‬
‫أن يكون حالك الزهد‪ ،‬وعزوف النفس عن الدنيا‪.‬‬
‫فعلمت يقيناً أهنم أرباب اع حوال ال أصحاب اعقوال‪ ،‬وأن ما ميكدن‬
‫حتصيله بطر العلم فقد حصلته ‪ ، ...‬ومل يبدا إال مدا ال سدبيل إليده بالسدماع‬
‫‪  .‬مقدمة ومتهيد ‪11‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫والتعليم بل بالذو والسلوك ) [املنقذ من الضالل للغزاىل]‬
‫هل التصوف هو اعخال الطيبة؟‬
‫إن الكاثري من الكتاب احلدياثني‪ ،‬متابعني فى ذلك الكاثري من الصوفية ‪،‬‬
‫قد حدَّ دوا التصوف نفسه ‪ ..‬ال تزكية النفس وحسب بأنه اخللا الطيب‪.‬‬
‫والواقع أننا لو نمرنا إىل كاثري من اعشخاص الذين اشتهروا بالسمو فدى‬
‫اجلانب اعخالقى الكريم‪ ،‬واتصفوا بدأروع الصدفات اعخالقيدة‪ ،‬واادذوا‬
‫الفضيله مذهبا وشعاراً‪ ،‬فإننا جندهم أشخاصا ماثاليني فى احمليط اعخالقى وفى‬
‫ابتمع‪ ،‬ولكن ليس معنى ذلك أهنم ال حمالة من الصوفية‪ ،‬على أنه من الطبيعى أن‬
‫تكون اعخال الكرمية أساساً من أسس التصوف‪ ،‬وأن تكون اعخال فى‬
‫أمسى صورة من صورها مثرة للتصوف‪ ،‬ولكن ليس معنى ذلك أهنا هى التصوف‪.‬‬
‫هل الطريا إىل الفتح هو الزهد؟‬
‫إن كاثرياً من ا لناس ال يكادون يفرقون بني التصوف والزهد‪ ،‬وكاثري‬
‫منهم يرون أن الزهد هو الطريا املؤدى إىل التصوف‪ ،‬أو هو الطريا املؤدى اىل‬
‫جالء البصرية‪ ،‬وغاية الزا هد من اإلمتناع عن طيبات هذا العامل؛ أن مينحه اهلل فى‬
‫الدار اآلخرة طيبات ألذ وأمتع‪.‬‬
‫وما من شك فى أن طريدا الكشدف عدن البصدرية ينطدوى علدى الزهدد‬
‫ويتضمنه‪ ،‬ولكنه زهدٌ وهو تسا مٍ عن أن يكون لغري اهلل شأن يشغل نفسه به‪،‬‬
‫فكل ما سواه سبحانه ال يساوى جناح بعووة‪.‬‬
‫إن الطريا إىل الفتح العرفانى ينطوى على اخللا الكريم‪ ،‬وعلى الزهد‬
‫اخلاص‪ ،‬ولكنه يتجاوزمها إىل شئ آخر ‪...‬‬
‫هل هذا الشئ اآلخر هو العبادة؟‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .12 ‬مقدمة ومتهيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫إن للعبادة أث راً ال ينكره أحد فدى تصدفية الدنفس ‪ ،‬وتزكيدة الدروح‪،‬‬
‫ولكنها إذا كانت هتدف من وراء ذلك إىل دخول اجلنة ونيل اعجر والاثواب‪،‬‬
‫بقيت عبادة مشكورة مأجوراً صاحبها‪ ،‬ماثاباً عند اهلل سبحانه‪ ،‬وال يتجاوز‬
‫القائم هبا على هذا الووع وهبذه الصورة وصف العابد إىل وصف الصوفى‪.‬‬
‫ه ددل الطري ددا إىل الف ددتح بق ددراءة كتددب التصددوف وسددري الص دداحلني ‪ ،‬أو‬
‫باستمهارها أو بدراسة ما استغلا من بعض عباراهتم ‪ ..‬وحماولة فك رمزها‬
‫كما يقال ‪ ،‬واستجالب القدرة على التحدث بأقواهل م ‪ ..‬أ وحفظ بعضا من‬
‫عبارات ساداهتم ‪ .‬ومتاثل أحواهلم التى يقرأ عنها ‪!!.. .‬‬
‫بد ددالطبع ال‪ ،.‬والصد ددوفى عابد ددد‪ ..‬وهدددو زاهدددد ‪ ..‬وهد ددو علد ددى خلد ددا‬
‫كريم‪ ، ..‬ولكنه يتجاوز ذلك كله إىل شئ آخر ‪...‬‬
‫وهو هذه اإلرادة والرياوة الروحية‪.‬‬

‫الطريق إىل الفتح العرفانى‬


‫والرياوة الروحية التى تتخذ اهلل هدفها ‪ ...‬والتى تتماثل فى وووح فى‬
‫معانى اهلجرة إىل اهلل‪ ،‬والذهاب إ ليه سبحانه‪ ،‬والفرار إليه جل وعال‪ ،‬اإلرادة‬
‫والرياوة لتح قيا املعنى اجلليل لآليه القرآنية‪:‬‬
‫(النجم)‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وتتعاون اإلرادة والرياوة بتوفيا اهلل إىل هذا امل نتهى الذى ال بد من الوصول‬
‫إليه‪ ،‬إن اهلل سبحانه وتعاىل يأمر على لسان نبيه ‪ ‬بالفرار إليه‪:‬‬
‫(الذاريات)‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  .‬مقدمة ومتهيد ‪13‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫واإلنسان يفر إىل اهلل ‪...‬‬
‫من الكفر إىل اإلميان ‪ ، ..‬ومن الطاعات إىل القربدات ‪ ، ..‬ويفدر مدن‬
‫الكون إىل املكون ‪ ، ..‬ومن النعمة إىل املنعم ‪ ، ..‬ومن اخللا إىل اخلالا ‪، ..‬‬
‫ومن نفسه إىل ربه ‪...‬‬
‫والرياوة الروحية ذكر دائم أى تذكر له سبحانه فى كل حملة‬
‫ونفس‪ ،‬وهى اجتاه بكل اععمال إىل اهلل ‪ ،‬وهى هجرة ال تنقطع اليه سبحانه‪.‬‬
‫ومع ذلدك فدإن اعمدر كمدا يدرى الصدوفية مدرده اعخدري إىل فضدل اهلل‬
‫وإحسانه‪ ،‬وهذه املعانى يلخصها اإلمام الغزاىل فيقول‪:‬‬
‫( إن الطريا إىل ذلك إمنا هو تقديم اباهدة‪ ،‬وحمو الصفات املذمومة‪ ،‬وقطع‬
‫العالئا كلها‪ ،‬واإلقبال بكنه اهلمة على اهلل تعاىل‪ ،‬ومهما حصل ذلك كان اهلل‬
‫هو املتوىل لقلب عبده‪ ،‬واملتكفل له بتنويره بأنوار العلم‪ ،‬وإذا توىل اهلل أمر القلب‬
‫فاوت علية الرمحة‪ ،‬وأشر النور فى القلب‪ ،‬وانشرح الصدر‪ ،‬وانكشف له‬
‫سر امللكوت‪ ،‬وانقشع عن و جه القلب حجاب الغرة بلطف الرمحة‪ ،‬وت أعت فيه‬
‫حقائا اعمور اإلهلية)‪.‬‬
‫فاعنبياء واعولياء انكشف هلم اعمر وفاض على صدورهم النور ‪،‬‬
‫ال بالتعلم والدراسة؛ وبكتابة للكتب وتصنيف املؤلفات !! بل بالزهد فى‬
‫الدنيا ‪ ،..‬والتربى من عالئقها ‪ ، ..‬وتفريغ القلب من شواغلها ‪ ،..‬واإلقبال بكنه‬
‫اهلمة على اهلل تعاىل ‪....‬‬
‫فمن كان هلل ‪ ..‬كان اهلل له!‪.‬‬
‫وإذا صدقت إرادته‪ ،‬وصفت مهته‪ ،‬وحسنت مواظبته‪ ،‬تلمع لوامع احلا فى‬
‫قلبه‪ ،‬ويرتفع احلجاب بلطف خفى من اهلل تعاىل‪ ،‬فينكشف له الغيب‪ ،‬وحيصل له‬
‫اليقني‪ ،‬ويلخصها وجيملها ابن خلدون فيقول‪( :‬ثم إن هذه اباهدة واخللوة والذكر‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .14 ‬مقدمة ومتهيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫يتبعها غالباً كشف حجاب احلدسِّ‪ ،‬واإلطدالع علدى عدوامل مدن أمدر اهلل‪ ،‬لديس‬
‫لصاحب احلسِّ إدراك شئ منها‪ ،‬والروح من تلك العوامل‪ ،‬فالعمماء منهم ال يعتربون‬
‫ه ددذا الكش ددف وال ه ددذا التص ددرف‪ ،‬وال خيددربون عددن حقيقددة ش ددئ مل ي ددؤمروا‬
‫بالتكلم فيه‪ ،‬بل يعدون ما وقع هلم من ذلك حمنة ‪ ،‬ويتعوذون منه إذا وقع هلم)‬
‫[املقدمة البن خلدون]‬
‫إالم يؤدى هذا املنهج؟‬
‫ف غاية املنهج الصوفى إذاً هى الغاية اإلسالمية‪ ،‬وجوهر أهدافه هو جوهر‬
‫أهداف اإلسالم‪ ،‬إهنا الشهادة ‪،‬إهنا شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬إن الطريدا إمندا هدو‬
‫تزكية النفس‪ ،‬والغاية الشهادة (أشهد أن ال إله إال اهلل)‪ ،‬الشهادة على حقيقتها‬
‫وهذا هو التصوف طريقاً وغاية‪ ،‬ولذلك فالتصوف صدفاء ومشداهدة‪،‬إن املندهج‬
‫الصوفى إمنا هو حتقيا واقعى لقوله تعاىل‪:‬‬
‫(الشمس)‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪    ‬‬
‫فتزكية النفس هى صفاؤها و تصفيتها‪ ،‬إهنا الوصول هبا إىل الصفاء‪ ،‬أما‬
‫الغاية فإهنا الوصول إىل املشاهدة التى يقول اهلل تعاىل يف بيان حقوقها وحتققوا هبا‪:‬‬
‫‪          ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪92[  ‬آل عمران)‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫إن الغاية هى الوصول إىل‪:‬‬

‫أشهد أن ال إله إال اهلل‪.‬‬

‫وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثريا‪.‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪15 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪‬الفصل األول‪‬‬
‫‪ ‬الطرياُ إىل واليةِ اهلل ‪‬‬
‫أوصاف األولياء‬
‫الطريق إىل والية اهلل‬
‫املطعم احلالل‬
‫ورع الرسول ‪‬‬
‫ورع الصديق ‪‬‬
‫ورع الفاروق عمر ‪‬‬
‫ورع ابن سريين ‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .16 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ورع عبداهلل بن املبارك ‪‬‬
‫أثر املطعم احلالل‬
‫الورع فى الكالم‬
‫احلكمة فى الدعوة إىل اهلل‬
‫ورع اجلوارح‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬‫‪ ‬‬ ‫‪        ‬‬‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫[‪26-28‬يونس]‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪17 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪3‬‬
‫‪‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وىل املتق ني خيرجهم بفضله من الملمات إىل النور‪،‬‬
‫ويتوالهم بعنايته ويك أهم بعني رعايته‪.‬‬
‫إذا سألوه لباهم‪ ،‬وإذا دعوه أجاهبم‪ ،‬وإذا استنصروه نصرهم‪ ،‬وإذا‬
‫طلبوا منه أى أمر ذا شأن أعطاهم‪ ،‬عنه ‪ ‬وعدهم بأهنم‪:‬‬

‫[‪93‬الزمر]‬ ‫‪ ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬

‫أوصاف األولياء‬
‫يدور فى اعحاديث بني عامة املسلمني وخاصتهم ‪ ،‬عبارات وألفاظ ‪..‬‬
‫آونة خيتلفون بشأهنا !‪ ،‬وأحياناً يتفقون على املعنى املراد هبا‪.‬‬
‫ومن هذه الكلمات كلمة ‪ ..‬والية اهلل ‪... ‬نقول هذا الرجل و ىلٌ‬
‫هلل‪ ،‬فما معنى والية اهلل؟ ومن الذين خيصدهم اهلل بواليتده؟ ومدا الطريدا الدذى‬
‫يسلكونه ليكونوا من أهل واليته وعنايته؟‬
‫والية اهلل يا مجاعة املؤمنني‪ ،‬عامة لكل من آمن باهلل رباً ‪ ،‬وباإلسالم ديناً ‪،‬‬
‫ومبحمد ‪ ‬نبياً ورسوالً‪ ،‬وبالقرآن كتاباً‪ ،‬وبالكعبدة قبلدةً‪ ،‬وحدافظ علدى‬
‫فرائض اهلل‪ ،‬وانتهى عما عنه مواله هناه‪ ،‬كل من فعل ذلك فهو وىلٌ هلل ‪.‬‬
‫فوالية اهلل عامة لكل مؤمن ‪ ...‬كل من آمن باهلل‪ ،‬ومشى على منهج اهلل‪،‬‬
‫وتابع حبيب اهلل ومصطفاه‪ ،‬فهو وىلٌ هلل ‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .18 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ولذلك عندما نرجع إىل كتداب اهلل ‪ -‬وهدو املرجدع اععلدى واعغلدى‬
‫واععمم لنا فى دين اهلل ‪ -‬ونسأله عن معنى والية اهلل؟‬
‫جند اهلل ‪ ‬جييب بذاته على هذا السؤال فيقول ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫[يونس]‬ ‫‪(  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪‬‬
‫من هم هؤالء اعولياء؟‬
‫[‪99‬يونس]‬ ‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬
‫كل من آمن باهلل‪ ،‬وخاف مواله‪ ،‬واتقاه‪ ،‬وعمل الفرائض التى أمره هبا اهلل‪،‬‬
‫متابعاً حلبيبه ومصطفاه‪ ،‬وانتهى عن احملرمات والنواهى التى هنى عنها اهلل فهو وىلٌ هلل‪،‬‬
‫فهذا الرجل ما له عند اهلل؟‬
‫‪ -‬إذا سأل اهلل فى أى أمر لبَّاه‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا طلب منه قضاء أى مصلحة أعطاه‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا طلب منه شفاء أى مريض عجله شفاه مواله‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا طلدب م ددن اهلل س ددعة اعرزا أجابدده مدواله‪ ،‬مددا دام يري ددد بس ددعة‬
‫اعرزا أن يغنيه اهلل هو ومن يعوهلم عن سؤال من عداه وعن اللئام فى هذه احلياة‪،‬‬
‫ال يريد هبا زهواً وال فخراً وال علواً فى اعرض بالفساد فإنه يعطيه اهلل ما يتمناه‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا وقع فى شدة أو كرب واستغ اث باهلل أغاثه اهلل‪ ،‬وإذا طلب منه‬
‫النصر على أعداءه نصره مواله ووااله‪.‬‬
‫أين جند ذلك فى كتاب اهلل؟ فى قول اهلل جلَّ فى عاله‪:‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪19 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫[‪9– 2‬الطالق]‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬
‫وحسبه أى كافيه‪ ،‬أى يكفيه اهلل ‪ ‬عن مجيع خلا اهلل‪.‬‬
‫وكان أصحاب النبى اعمني أمجعون على هذه الشاكلة‪ ،‬فكانوا مجيعاً‬
‫فى أى شأن لو سألوا اهلل أعطاهم‪ ،‬ولو دعوه الستجاب هلم‪ ،‬وكان اهلل ‪ ‬ال‬
‫يؤخر هلم سؤاالً‪ ،‬وال يبطئ عنهم إجابة؛ بل جييبهم فى الوقت واحلال‪.‬‬
‫ملاذا؟ ‪ ....‬عهنم استقاموا على منهج اهلل‪ ،‬وأحسنوا متابعة حبيب اهلل‬
‫ومصطفاه ‪ ، ‬وانطبا عليهم قول اهلل فى كتاب اهلل [‪ 69‬اجلن]‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫فكان أى رجل منهم يقع فى أى ورطة ‪،‬أو فى أى شدة ‪ ،‬ي قول يارب!‬
‫فيجد اهلل ‪ ‬فى احلال يغياثه وجييبه‪ ،‬ويقضى له رمبا ما فى اخلاطر وما ليس على‬
‫اخلاطر قبل النطا به فى سؤال أو دعاء‪ ...‬وخذوا أماثلة على ذلك ‪:‬‬

‫السيدة أم أمين رضى اهلل عنها‬


‫خرجت مهاجرة من مكة إىل املدينة وحدها‪ ،‬وعندما مشت فى الطريا‬
‫مل جتد رفقة إال مجاعة من اليهود سائرين بالطريا‪ ،‬فطلبت منهم أن ترافقهم‪،‬‬
‫فوافقوها واصطحبوها معهم ‪.‬‬
‫ولكن ملا علم كبريهم أهنا مسلمة‪ ،‬أمر من معه أن مينعوا عنها الزاد‬
‫واملاء – يريد أن يقضى عليها ومتوت من اجلوع والعطش – فسألتهم الطعام فمنعوها‪،‬‬
‫وسألتهم املاء فما أعطوها‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .21 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫قالت روى اهلل ع نها‪ :‬حتى كدت ال أمسع وال أبصر من شددة اجلدوع‬
‫والعطش‪ ،‬ملن تتوجه ومن تسأل؟‬
‫‪4‬‬
‫ت فَ اسْ َتعِنْ ِب َّ ِ‬
‫اَّلل }‬ ‫ت َفاسْ أ َ ِل َّ‬
‫َّللاَ‪َ ،‬وإ ِ َذا اسْ َت َع ْن َ‬ ‫{ إِ َذا َسأَلْ َ‬

‫فتوجهت إىل اهلل ‪ ، ‬وبينما هى على هذه احلال وإذا بدلو معلا حببل ينزل من‬
‫السماء ويتدىل حتى يصل إىل مستوى صدرها‪ ،‬فلما مهت أن متسك به لتشرب‪ ،‬إذا‬
‫به يرتفع بعد أن أخذت منه شربة واحدة‪ ،‬ومل ترتوِ‪ ،‬ثم رجع مرة ثانية فشربت منه‬
‫شربة واحدة ثم رجع إىل العلو فى السماء‪ ،‬وفى املرة الاثالاثة تركها تشرب‬
‫وترتوى وما تبَّقى ووعته على وجهها وعلى رأسها وعلى جسدها ‪..‬‬
‫فرآها اليهودى فذ هب إىل قومه‪ ،‬وقال هلم‪ :‬أما قلت لكم امنعوا عن هذه‬
‫املرأة املسلمة الشراب والطعام‪ ،‬قالوا واهلل ما أعطيناها شيئاً‪ ،‬قال فلِمَ أرى على‬
‫وجهها ورأسها وثياهبا ماءاً؟ قالوا له تعالَ معنا‪ ،‬فأروه املاء الذى ادخروه‪ ،‬فوجده‬
‫على هيئته‪ ،‬فقالوا سلها‪ ،‬فذهب إليها وسأهلا‪ :‬يا أ مَة اهلل من اين جاءكِ هذا املاء؟‬
‫قالت‪ :‬هو من عند اهلل ‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫[آل عمران ]‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫بعد هذه الشربة قالت روى اهلل عنها‪:‬‬
‫ك فِي ْال َي ْوم الْ َحارِّ ‪ ،‬ثُ َّم أ َ ُ‬
‫ت أَصُومُ َب ْع َد َذل ِ َ‬
‫طوفُ فِي ال َّش مْ ِ‬
‫س َكيْ‬ ‫ِ‬ ‫{ َف َل َق ْد ُك ْن ُ‬
‫‪5‬‬ ‫ش ‪َ ،‬ف َما عَطِ ْ‬
‫ش ُ‬
‫ت َب ْع َد َها }‬ ‫أَع َ‬
‫ْط َ‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪21 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫بل كانت تذهب إىل الكعبة وقت المهرية وتطوف حوهلا فال جتد ظمأً إىل‬
‫املاء‪ ،‬ما هذا؟ سقاها اهلل تعاىل من حوض احلبيب الذي يقول فيه‪:‬‬
‫جُوم السَّ َما ِء ‪َ ،‬ماؤُ هُ‬ ‫ير َة َشهْر‪َ ٍ،‬ز َوا َي اهُ َس َو ا ٌء ‪ ،‬أ َ ْك ُ‬
‫وازهُ َع َد ُد نُ ِ‬ ‫{ َحوْ ضِ ي مَسِ َ‬
‫ب ِم ْن ُه‬ ‫الث ْل ِج ‪َ ،‬وأَحْ لَى م َِن الْ َع َس ِل ‪َ ،‬وأ َ ْطيَ ُ‬
‫ب م َِن ْال مِسْكِ ‪َ ،‬منْ َ‬
‫ش ِر َ‬ ‫أَ ْب َيضُ م َِن َّ‬

‫َشرْ َب ًة لَ ْم يَ ْظ َمأ ْ بَعْ َد َها أَ َب ًدا } ‪6‬‬

‫وليست هذه هى وحدها روى اهلل عنها‪ ...‬بل كان كل أصحاب‬


‫النبى ‪ ‬على هذه الشاكلة ‪ ،...‬فتِّش عنهم واقرأ فى صحف التاريخ عن‬
‫أحواهلم ‪ ..‬جتد أن هلم شأناً مع رهبم‪ ،‬كانوا مجيعاً إذا سألوا اهلل فى أى أمر‬
‫أعطاه هلم اهلل ‪ ...‬ملاذا ؟ ‪ ، ...‬عهنم قال فيهم اهلل فى [‪86‬اعحزاب]‪:‬‬

‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫سيدنا عبد اهلل بن عمر ‪‬‬


‫ومنوذجاً آخر من عشرات النماذج التى روهتا كتب السنة‪ ،‬فى حادثة‬
‫عن عبد اهلل بن عمر ‪ ‬إذ قطع أسد على القافلة طريا سفرها فأعجزها‪:‬‬
‫يق ‪َ ،‬ف َقا َل ا بْنُ ُع َم َر‪:‬‬ ‫اع ُة َعلَى َظهْر َّ‬ ‫{ أَ َّن ُه َخ َر َج فِي َسفَ ٍر ‪ ،‬فَإ ِ َذا الْ َج َم َ‬
‫الط ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫شى َحتَّى أ َ َخ َذ‬ ‫يق َعلَى ال َّن ِ‬
‫اس‪َ ،‬فنَ َزلَ ا بْنُ ُع َم َر فَ َم َ‬ ‫الط ِر َ‬ ‫ط َع َّ‬ ‫َما َه َذا؟ قَالُوا‪ :‬أَ َس ٌد قَ َ‬

‫َّللا ‪‬‬ ‫ت َرسُو َل َّ ِ‬ ‫ك َرسُولُ َّ ِ‬


‫َّللا ‪َ ، ‬س ِم ْع ُ‬ ‫ب َعلَ ْي َ‬‫ِبأ ُ ُذ نِهِ‪ُ ،‬ث َّم َن َفاهُ‪ُ ،‬ث َّم َقا َل‪َ :‬ما َك َذ َ‬
‫َي قُولُ ‪ " :‬لَ ْو أَنَّ اب َْن آ َد َم لَ ْم َي َخفْ َغ ْي َر َّ‬
‫َّللاِ َما َسلَّ َط َّ‬
‫َّللاُ َعلَ ْي ِه‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .22 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫َغي َْرهُ‪َ ،‬وإ ِ َّن َما وُ كِ َل ا بْنُ آ َد َم لَ مَّا َر َجا اب َْن آدَ َم‪َ ،‬ولَ ْو أَنَّ ا ب َْن آدَ َم لَ ْم يَرْ ُ‬
‫ج َغ ْي َر َّ‬
‫َّللاِ‬
‫لَ ْم يَك ِْل ُه َّ‬
‫َّللاُ إِلَى َغي ِْرهِ } ‪7‬‬

‫ف كان الرجل منهم فى أى زمان وم كان ‪ ..‬بربكته يكرم اهلل‬


‫كل من حوله ‪ ...‬ملاذا ؟ عن هذا الرجل هو وىلٌ هلل‪.‬‬

‫الطريق إىل والية اهلل‬


‫مب نالوا هذه الوالية؟؟؟ ‪ ..‬وهل لنا أن نصل إىل ذلك؟‪ .. ..‬نعم ! ‪،..‬‬
‫ومن مينعك من ذلك؟‬
‫تستطيع أنت أخى القارىء وأختى القارئة بارك اهلل فيكم أمجعني ‪...‬‬
‫ويستطيع كل رج ل أو إمرأة منا أن يصل إىل هذا املقام فى والية اهلل‪ ..‬ويستطيع‬
‫أن يكون من الذين إذا سألوا اهلل أعطاهم ‪ ..‬وإذا دعدوه أجداهبم ‪ ..‬وإذا‬
‫استنصروه نصرهم ‪ ..‬وإذا حتركت فى قلدوهبم كلمدات ‪ ..‬فدإن اهلل‬
‫يسمعها ويبلغهم مرادهم قبل أن تنطا هبا شفاههم ‪...‬‬
‫مباذا؟ وما الروشتة ا لتى توصل إىل ذلك؟‬
‫هل حنتاج إىل ركعات نصليها بالليل زيادة عن الفرائض؟ ‪ ..‬هل حنتاج إىل‬
‫تالوة القرآن فى كل يوم مرة‪ ،‬أو فى كل ثالث أو أكاثر أو أقل مرة؟‬
‫ليس هذا وال ذاك فقط‪ ...‬هو الذى يبلغ والية اهلل ‪ ..‬ماذا إذاً؟‬
‫إمنا لنا اعسوة فى هذا الرجل ‪ ..‬الذى ذهب إىل حبي ب اهلل ومصطفاه وقال‪:‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪23 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫يا رسول اهلل ادع اهلل أن جيعلنى مستجاب الدعوة‪ ،‬ما روشتة احلبيب له؟ قال‪:‬‬
‫‪8‬‬ ‫{ َيا َسعْ ُد أَطِبْ َم ْ‬
‫ك َت ُكنْ مُسْ َت َج َ‬
‫اب ال َّدعْ َو ِة }‬ ‫ط َعمَ َ‬

‫فاعساس اعول ‪ ...‬إطابة املطعم ‪ ..‬حترِّى املطعم احلالل‪.‬‬

‫املطعم احلالل‬
‫فإذا حترَّى العبد املطعم احل الل ‪ ..‬واقتصر على الفرائض‪ ،‬وهنى نفسه عن‬
‫املعاصى‪ ،‬فهو وىلٌ هلل ‪..‬ال يسأل مواله إال لبَّاه ‪ ،‬وال يطلب منه إال أعطاه ‪..‬‬
‫عن اهلل أمر بذلك املرسلني وأمر بذلك املؤمنني أمجعني‪ ،‬أنمر إىل تكليف‬
‫اهلل للمرسلني فى (‪ 19‬املؤمنون) ‪ ،‬ماذا قال تعاىل هلم‪ ،‬و عِ بعقلك … وتف قَّه بقلبك‬
‫هذا اعمر الربانى‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫إذاّ قبل اععمال الصاحلة ‪ ..‬ال بد أن يتحرى أكل الطيبات‪ ،‬ملاذا؟ بني‬
‫احلبيب ‪ ‬ذلك وأقسم ‪ .‬والذى نفس حممد بيده !‪ ،‬ماذا يارسول اهلل ‪:‬‬
‫{ إِنَّ الْ َع ْب َد لَ َي ْقذِفُ اللُّ ْق َم َة ْال َح َرا َم فِي َج ْو فِ ِه َما ُي َت َقبَّلُ ِم ْن ُه َع َم َل أَرْ بَع َ‬
‫ِين َيوْ مًا ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ت َوالرِّ َبا َفال َّنا ُر أَ ْولَى ِب ِه }‬ ‫ت لَحْ ُم ُه م َِن السُّحْ ِ‬ ‫َوأَ ُّي َما َع ْب ٍد َنبَ َ‬

‫ال تقبل منه صالة وال صيام وال حج‪ ،‬فإذا قال‪ :‬لبيك اللهم لبيك قال له اهلل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .24 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫{ ال لَ َّب ْي َك َوال َسعْ َد ْي َك ‪َ ،‬و َح ُّج َك َمرْ ُدو ٌد َعلَ ْي َك } ‪ ،10‬ويقول ‪:‬‬
‫ش َر ِة د ََرا ِه َم َوفِي َث ْو ِب ِه دِرْ َهمٌ مِنْ َح َرام ال َي ْق َبلُ َّ‬
‫َّللا ُ لَ ُه‬ ‫{ َم ِن ا ْش َت َرى َث ْوبًا ب ِ َع َ‬
‫ٍ‬
‫‪11‬‬
‫صَالةً َما دَا َم َعلَ ْي ِه ِم ْن ُه َش يْ ٌء }‬

‫ال بد للمؤمن الذى يريد أن يتحقا بوالية اهلل ؟ ‪ ..‬البد له من أن يتحرى‬


‫املطعم احلالل فى كل أحواله وفى كل أموره ‪...‬‬
‫فال يغش وال خيدع‪ ،‬وال يستأثر‪ ،‬وال يأكل حا أخوته فى املرياث‪ ،‬وال‬
‫يغش املؤمنني فيما يزرعه كأن يعطيهم زرعاً كبَّره عن طريا اهلرمونات !‬
‫أو حفمه عن طريا املبيدات! ثم بعد ذلك يريد إستجابة الدعوات !!‬
‫فما بالكم مبن يطفف فى الكيل !‪ ،‬أو امليدزان ! أو مدن يبيدع النداس‬
‫الوهم !‪ ،‬أو خيدع املؤمنني ليستوىل على أمواهلم مع قول اهلل ‪900[ ‬املائدة ]‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪       ‬‬
‫فبني فى اآلية أن اخلبيث فيه صفتان أنه كاثري وأنه يعجب النفس ‪..‬‬
‫ال يعجب التقى النقى‪ ،‬لكنه يعجب النفس اللقسة‪ ،‬وفيده كاثدرة ‪..‬‬
‫ولكنه ينقض اععمال وجيعلها داخلة فى قول اهلل جلَّ فى عاله [‪86‬الفرقان]‪:‬‬

‫‪       ‬‬


‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫حترى املؤمنون اعول ون واملعاصرون‪ ،‬والصاحلون أمجعون‪..‬املطعم احلالل‪،‬‬
‫وأسَّسوا كل شيء على املطعم احلالل ‪ ،..‬وامللبس احلالل ‪ ،..‬وكل شىء‬
‫فى حياهتم من حالل ‪ ،..‬فاستجاب هلم اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وحقا هلم والية‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪25 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫اهلل‪ ..‬وك ددانوا ف ددى رعاي ددة اهلل ف ددى كددل أحددواهلم وأوقدداهتم وأق ددواهتم‬
‫وتقلباهتم ‪ ..‬وخذوا أماثلة عامة ‪:..‬‬
‫حقا اهلل الربكة فى أقواهتم فأصبح القليل يكفى ماثل الكاثري‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وحقا هلم الربكة فى أجسدادهم‪ ،‬فعافداهم مدن اعمدراض‬ ‫‪-‬‬
‫‪‬‬‫واعسقام واعوجاع التى ظهرت فى عصرنا ومل تعرف من قبل‪.‬‬
‫ورزقهم اهلل الربكة فى أوالدهم‪ ،‬فكانوا أوالداً بررة أتقياء‬ ‫‪-‬‬
‫‪‬‬‫يرون فيهم فضل اهلل وإكرام اهلل وعطاء اهلل جل يف عاله‪.‬‬
‫قال ‪ ‬رامساً اعساس اعول للفالح والسالمة‪ ،‬أو إن شئت فقل كما قال‬
‫أهل اإلختصاص فى توثيا منشأ العلوم احلدياثة‪ :‬أن أساس العلم احلديث الذى‬
‫يسمى "علم اجلودة الشاملة" وهو العلم الذى يتوصل به إىل إصابة اهلددف مدن‬
‫العمل‪ ،‬مع دقة اع داء‪ ،‬وتوخى السالمة التامة‪ ،‬بغض النمر عن نوع العمل أو جماله ‪،..‬‬
‫هو قوله ‪ ‬فى احلديث الشريف ‪:‬‬
‫‪12‬‬
‫ان َفإِ َّن ُه أَ َس اسُ ْال َخ َرا ِ‬
‫ب}‬ ‫{ ا َّت قُوا ْال َح َرا َم فِي ْال ُب ْن َي ِ‬
‫فأميا بناء بين فى أي مبنى حقيقى أو جمازى من بيت أو ولد أو عمل أو جتارة‬
‫أو صناعة ‪ ..‬من مصدر م ن حرام ‪ ..‬فمآله إىل خراب ‪ ..‬ووياع ‪...‬‬

‫من ورع الرسول ‪‬‬


‫و كان احلبيب اععمم ‪ ‬هو املاثال اععلى لنا فى كل ذلك ‪،...‬‬
‫ولذلك قال اهلل ‪ ‬لنا فى شأنه [اعحزاب]‪:‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .26 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫فكان ‪ ‬يتحرى فى مطعمه ومشربه وملبسه احلالل الطيب‪ ،‬وأعماثلة عل‬
‫ذلك التعد وال حتصى ‪ ...‬نذكر منها على سبيل التذكرة قوله‪:‬‬
‫َّللا إِ ِّني أل َ ْن َقل ِ ُ‬
‫ب إِلَى أَهْ ل ِي فَأَجِ ُد ال َّتم َْرةَ َساق َِط ًة َعلَى ف َِراشِ ي أَوْ فِي َب ْيتِي‪،‬‬ ‫{ َو َّ ِ‬
‫‪13‬‬
‫ص َد َقةِ‪َ ،‬فأ ُ ْل قِي َها }‬ ‫شى أَنْ تَ ُك َ‬
‫ون م َِن ال َّ‬ ‫َفأَرْ فَ ُع َها آل ُكلَ َها ثُ َّم أ َ ْخ َ‬

‫فقد ورد أنه ‪ ‬أر فى ليلة وأخذ يتقلب مييناً ومشاالً فسألته زوجتده‬
‫صاحبة الليلة ما بك يا رسول اهلل إذ فزعت ملا رأته كذلك؟ فقال‪:‬‬
‫‪14‬‬
‫ت أَنْ تَكُ َ‬
‫ون مِنْ َتم ِْر الصَّدَ َق ِة }‬ ‫ْت َج ْن ِبي َفأ َ َك ْلتُ َها‪ ،‬فَ َخ شِ ي ُ‬ ‫{ ِإ ِّني َو َج ْد ُ‬
‫ت َتم َْرةً َتح َ‬

‫قالت روى اهلل عنها ‪ :‬من أى مووع يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬من مووع كذا‪،‬‬
‫قالت‪ :‬أبشر فإن هذا متر أهدته لنا فالنة اعنصارية‪ ،‬فقرت عينه واسرتاح باله ‪..‬‬
‫عنه كان يتحرَّى احلالل فى كل شيىء‪.‬‬
‫و حتى اعطفال أو الصبية الصغار‪ ،‬كان يعودهم ويربيهم على الورع‪.‬‬
‫سألوا احلسن بن على ‪ ‬ابدن ابنتده التقيدة النقيدة فاطمدة الزهدراء ‪ ،‬مداذا‬
‫تذكر من رسول اهلل وأنت طفل صغري ‪ ،‬فذكر أشياء منها أنه ‪ ‬محله ذات‬
‫مرة ومرَّ به مبكان به متر صدقة فأخذ ‪ ‬مترة وووعها فى فمه وهو طفل صغري‬
‫مل يتج اوز اعربع سنوات بعد‪ ،‬فأخرجها النبى ‪ ‬من فمه قائالً ‪:‬‬
‫{ ك ِْخ ك ِْخ أَ َما تَع ِْرفُ أَ َّنا ال َ َنأْكُلُ ال َّ‬
‫ص َد َق َة } ‪َ { 15‬فأ َ َخ َذ َها ِبل ُ َعابِي‪َ ،‬ف َقا َل َبعْضُ‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪27 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪16‬‬
‫ص َد َق ُة }‬ ‫ْال َق ْو ِم َو َما َعلَ ْي َ‬
‫ك لَوْ تَ َر ْك َت َها؟ قَا َل‪ :‬إ ِ َّنا آ َل م َُح َّم ٍد ال َتحِ ُّل لَ َنا ال َّ‬

‫حتى الطفل الصغري يربيه من صغره على أال يأكل إال الطيب‪ ...‬يربيه‬
‫على املطعم احلالل ‪.....‬‬
‫‪97‬‬ ‫ب ال َي ْق َبلُ إِال َ‬
‫ط ِّيبًا }‬ ‫{ أَ ُّي َها ال َّناسُ ‪ ،‬إِنَّ َّ َ‬
‫َّللا َ‬
‫طيِّ ٌ‬

‫فوالية اهلل لكل املؤمنني باملطعم احلالل‪ ،‬ودرجات الصداحلني تتفداوت‬


‫حبسب أمر أعلى من املطعم ا حلالل ‪..‬حبسب الورع ‪ ..‬وما الورع ؟ الورع ‪..‬‬
‫اتقاء الشبهات‪ ،‬والبعد عن اعمور التى فيها اختالف ! هل هى حالل أم حرام؟‪،‬‬
‫فيبعد عنها بالكلية‪ ،‬ولذلك من أعبد الناس؟ نسأل رسول اهلل ‪ .. ‬ليعرفنا‬
‫عبادة الصاحلني ‪ ...‬فنسمعه ‪ ‬يقول‪:‬‬

‫{ ُكنْ َو ِرعًا َت ُكنْ أَعْ َب َد ال َّن ِ‬


‫‪18‬‬
‫اس }‬

‫أعبد الناس هو الرجل الورع الذى يرتك الشبهات ولي س احلرام فقط‪ ،‬لكن‬
‫كل أمر مشكوك فيه أو خمتلف عليه يرتكه ‪ ..‬هكذا الورع‪.‬‬

‫ورع الصديق ‪‬‬


‫ونكمل احلديث الشريف السابا أعاله‪ ،‬أمرهم بأكل الطيبات ‪:‬‬
‫ِين بِ َما أَ َم َر ِب ِه ْالمُرْ َسل َ‬
‫ِين }‬ ‫َّللا أَ َم َر ْال مُؤْ ِم ن َ‬
‫{ َوإِنَّ َّ َ‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .28 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فعلى هذا النهج كان صحابته املباركون أمجعني ‪ ...‬ولنرى معاً ‪..‬‬
‫كان أبوبكر الصديا ‪ ‬ال يضع شيئاً فى فمه إال إذا سأل أهله عنه‪،‬‬
‫وفى ليلة دخل ‪ ‬جائعاً إذ كان صائما‪ ،‬فوجد لبناً فشرب وقد نسى أن يسأل‬
‫اخلادم ‪ ...‬ودعونا نسمع القصة كما وردت ‪:‬‬
‫غالمٌ َيأْتِي ِه ب ِ َكسْ ِب ِه كُلَّ لَ ْيلَ ٍة َو َيسْ َئ لُ ُه مِنْ أَي َْن‬ ‫ان ألَبِي بَ ْك ٍر َرحِ َم ُه َّ‬
‫َّللاُ ُ‬ ‫{ َك َ‬
‫ظلَّ‬‫ات لَ ْيلَةٍ بِ َكسْ ِب ِه ‪َ ،‬وأ َبُو َب ْك ٍر قَ ْد ِ‬ ‫ت مِنْ َك َذا َفأ َ َتاهُ َذ َ‬ ‫ْت ؟ َف َي قُولُ ‪ :‬أ َ َ‬
‫صبْ ُ‬ ‫أَ َ‬
‫صب َ‬
‫ض َع َي دَ هُ َفأ َ َك َل ‪َ ،‬ف َقا َل الْ ُغالمُ ‪َ :‬يا أ َ َبا بَ ْك ٍر ُكنْ َ‬
‫ت‬ ‫صائِمًا ‪َ ،‬ف َنسِ َي أَنْ َيسْ َئ َل ُه ‪َ ،‬ف َو َ‬
‫َ‬
‫ك َسأ َ ْل َتنِي َع ْن ُه اللَّ ْيلَ َة؟ َقا َل‪:‬‬‫ك َفلَ ْم أ َ َر َ‬ ‫ج ْئتُ َ‬‫َت سْ َئلُنِي كُلَّ لَ ْيلَ ٍة َعنْ َكسْ ِبي إ ِ َذا ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َفأ َ ْخبِرْ نِي مِنْ أَي َْن ه َُو؟ َقا َل ‪ :‬تَ َك َّه ْن ُ‬
‫جْري‬‫ت لِ َق ْو ٍم فِي الْ َجا ِهلِ َّيةِ‪َ ،‬فلَ ْم يُعْطونِي أ ِ‬
‫ت َك ْذ َب ٌة ‪ ،‬فَأ َ ْد َخ َل أَبُو َب ْك ٍر َي دَ هُ فِي َح ْل قِهِ‪،‬‬‫ْطونِي‪َ ،‬وإِ َّن َما َكانَ ْ‬ ‫ان ْال َيوْ ُم فَأَع ُ‬
‫َحتَّى َك َ‬
‫‪19‬‬
‫َف َج َعلَ َي َت َق يَّأ ُ }‬

‫هذا ماحدث من اخلادم ‪.‬مع أنه أخربه سيده باحلقيقة وأنه كذب عليه ملا‬
‫رأى ما يفعل فى نفسه ‪ ،‬إال أنه ‪ ‬خاف أن يكون الغالم قد صدقه أوال ‪...‬‬
‫وأنه رمحه ملا رأى مايفعله لي خرج الطعام ‪ ...‬إنه الورع‪.‬‬
‫وروى أن أبا بكر ‪ ‬ملا ووع إصبعه فى فمه ليخرجه‪ ،‬مل خيرج عنه‬
‫كان صائما ومعدته خالية‪ ،‬أنه دعا مباء وأخذ يشربه وحياول أن يقىء حتى خرج‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬يارب ال تؤاخذنى مبا خالط اعمعاء ودخل الضلوع ‪ .‬ملاذا ‪.‬؟ بل فدى‬
‫رواية قال‪ :‬واهلل لو مل خيرج إال رخروج نفسى ! عخرجته !! ‪...‬ملاذا ؟‬
‫عن اخلادم أخربه أوالً أن هذا الرز كان من الكهانة (وهى العرافة‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪29 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫أى التنبأ بالغيب أو ممارسة السحر )‪ ،‬والنبى هنى عن التكسب من ذلك كله‬
‫وجعلها أرزاقاً حرام‪ .. ،‬فإنه ‪ ‬ملا شك أنه رمبا كان من الكهانه فهدو‬
‫حرام‪ ،‬أو كان حالالً إذا صد الغالم فى إخباره بأنه كذب عليه‪ .. ،‬أتقى‬
‫الشبهة ‪ ..‬ومل يأخذ نفسه باعسهل أو أن هذا خطأ أونسيان من املعفو عنه بل أخذ‬
‫نفسه بأعحوط واعورع ‪ ...‬ولذلك ملا أنبأ اخلادم النبى ‪ ‬مبا فعله فى أبى بكر‬
‫‪ ‬من مزاح ثقيل ‪ ..‬وحك ‪ ‬فرحا بورع أبى بكر‪،‬و فسر السبب‪:‬‬
‫‪80‬‬ ‫{ إِنَّ أَ َبا بَ ْك ٍر يَ ْك َرهُ أَنْ َي ْد ُخ َل بَ ْط َن ُه إِال َ‬
‫ط ِّي بًا }‬

‫ولذلك فإنه ‪ ‬أعطاه اهلل البشريات التى قال فيها للصاحلني واملتقني‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فإنه عندالوفاة ‪ ،‬وكان قد أعطى عائشة ‪ ‬عطية من اعرض‪ ،‬فقال هلا‪:‬‬
‫ي‬ ‫اس أَ َحبُّ إِلَيَّ غِ نًى َبعْ دِي ِم ْنكِ ‪َ ،‬وال أ َ َع ُّز َعلَ َّ‬ ‫{ َو َّ ِ‬
‫َّللا َيا ُب َن ي َُّة َما م َِن ال َّن ِ‬
‫ت َج َذ ْذ تِيهِ َواحْ تَ ْزتِي ِه‬ ‫ت َن َح ْلتُكِ ج َُذ َاذ عِ ْش ِر َ‬
‫ين َو سْ ًقا ‪َ ،‬فلَوْ ُك ْن ِ‬ ‫َف ْقرًا ِم ْنكِ ‪ ،‬إِ ِّني ُك ْن ُ‬
‫ارثٍ‪َ ،‬وإِ َّن َما ُه َما أ َ َخ َواكِ َوأ ُ ْخ َتاكِ َفا ْق َتسِ مُوهُ َعلَى‬
‫ان لَكِ‪َ ،‬وإِ َّن َما ه َُو ْال َي ْو َم َمالُ َو ِ‬
‫َك َ‬
‫ان َك َذا َو َك َذا لَتَ َر ْكتُهُ‪ ،‬إِ َّن َما ه َ‬
‫ِي‬ ‫ت َعا ئِ َش ُة ‪َ :‬يا أَبَ ِ‬
‫ت لَ ْو َك َ‬ ‫َّللا ‪َ ، ‬قال َ ْ‬ ‫ب َّ ِ‬‫ِك َتا ِ‬
‫ار َج َة – أى زوجته‬ ‫ت َخ ِ‬ ‫أَسْ َما ُء َف َم ِن األ ُ ْخ َرى ؟ َف َقا َل أَبُو َب ْك ٍر‪ُ :‬ذو بَ ْط ِن ِب ْن ِ‬
‫ار َي ًة – أى أناثى – } ‪21‬‬ ‫وكانت حامالً – أ َرا َها َج ِ‬
‫ُ‬

‫وانتقل إىل جوار اهلل جلَّ وعال‪ ،‬وولدت زوجته بعد موته بعدة أشهر أناثى‪،‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .31 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫عن اهلل جعل له فراسة بربكة املطعم احلالل وطاعة ذى اجلالل واإلكرام‪.‬‬

‫ورع الفاروق عمر ‪‬‬


‫وسيدنا عمر بن اخل طاب ‪ ‬ملا توفىّ‪ ،‬قال سيدنا عبد اهلل بن مسعود‪:‬‬
‫ار الْعِلْ ِم ‪َ ،‬وإِ ِّني ألَحْ سِ بُ‬ ‫َ‬ ‫{ إِ ِّني ألَحْ سِبُ ُع َم َر قَ ْد ُرف َِع َم َع ُه َيوْ َم َم َ‬
‫ات تِسْ َع ُة أعْ َش ِ‬
‫ان ‪َ ،‬و َعلْمُ َمنْ بَعْ دَ هُ ل َ َر َج َح َعلَ ْي ِه َع ْلمُ ُع َم َر‬ ‫َع ْل َم ُع َم َر لَوْ وُ ضِ َع فِي ِك َّف ِة ْالم َ‬
‫ِيز ِ‬
‫َرضِي َّ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه } ‪22‬‬

‫وورد فى اإلحياء أنه قيل لده ‪ :‬أتقول ذلك وفينا جلة الصحابة؟ فقال ‪:‬‬
‫{ لم أرد علم الفتيا واألحكام إنما أريد العلم باللـه تعالى }‬

‫امسعوا لورعه ‪ ‬إذ يقول فى حال أهل العلم باهلل تعاىل أهل الورع ‪:‬‬
‫{ َت َر ْك َنا ِتسْ َع َة أَعْ َش َ‬
‫ار الْ َحال ِل َم َخا َف َة الرِّ َبا } ‪23‬‬

‫وخذوا ماثاالً‪...‬سيدنا عمر ‪ ‬كان خليفة للمسلمني وجاءه مسك‬


‫وعنرب من البحرين ‪ ،‬فأراد أن يوزعه على املسلمني‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ك َوالْ َع ْنبَ َر َحتَّى أَ ْقسِ َم ُه َب ي َْن‬ ‫ت َمنْ َي ْقسِ ُم َه َذا ْال مِسْ َ‬ ‫{ إِ ِّني َو َج ْد ُ‬

‫ت َز ْي دٍ‪َ :‬هلُ َّم أ َ ِزنْ ل َ َ‬


‫ك َفإ ِ ِّني َجيِّدَ ةُ ْال َو ْز ِن َقا َل‪:‬‬ ‫ت ام َْرأ َ ُت ُه َعات ِ َك ُة ِب ْن ُ‬ ‫ْال مُسْ لِ ِم َ‬
‫ين َف َقالَ ِ‬
‫ص ْد ِركِ بِ َما‬ ‫َ‬ ‫ِين َه َك َذا َعلَى‬ ‫يب َي ُدكِ َف َت قُول َ‬ ‫ال ‪ ،‬إِ ِّني أ َ ْك َرهُ أَنْ تُصِ َ‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪31 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ت َيدَاكِ فَضْال َعلَى ْال مُسْ لِ ِم َ‬
‫ين } ‪24‬‬ ‫أَ َ‬
‫صابَ ْ‬

‫وفى رواية إحياء علوم الدين أنه سكت عنها ‪ ،‬ثم أعاد القول فأعادت‬
‫اجلواب‪ ،‬فقال‪ :‬ال أحببت أن تضعيه بكفة ثم تقولني فيها أثر الغبار فتمسحني هبا‬
‫عنقك فأصيب بذلك فضالً على املسلمني ‪ ،‬إنه الورع ‪ ..‬وتعليم الورع ‪..‬عهله‬
‫وللمسلمني من حوله ‪ ..‬وخذوا ماثاال آخر قريبا من هذا ولكن فيه زيادة التطبيا‬
‫ا لعملى والفعلى بعد النصح النمرى والقوىل ‪ ..‬وهل جتدون أسلوباً تعليمياً أفضل من‬
‫ذلك ‪ ..‬إهنا أساليب التعليم فى العصر احلديث ‪ ...‬وهو نفس النهج النبوى املبني‬
‫كما رأينا فى تعليم سيد املرسلني لسيدنا احلسن ‪..‬‬
‫روت إمرأة تاجرة تعمل بالعطارة فى زمن عمر ‪ ‬فقالت‪:‬‬
‫{ كان عمر ‪ ‬يدفع إلى امرأته طيبا ً من طيب المسلمين لتبـيعه‪،‬‬
‫فباعتني طيبا ً فجعلت تقوّ م وتزيد وتنقص وتكسر بأسنانها‪ ،‬فتعلق بأصبعها‬
‫شيء منه فقالت به هكذا بأصبعها‪ ،‬ثم مسحت به خمارها فدخل عمر ‪‬‬
‫فقال‪ :‬ما هذه الرائحة؟ فأخبرته فقال‪ :‬طيب المسلمين تأخذينه‪ ،‬فانتزع الخمار‬
‫من رأسها وأخذ جرّة من الماء فجعل يصب على الخمار ثم يدلكه في التراب‬
‫ثم يشمه‪ ،‬ثم يصب الماء ثم يدلكه في التراب ويشمه‪ ،‬حتى لم يبق له ريح‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ثم أتيتها مرة أخرى فلما وزنت علق منه شيء بأصبعها‪ ،‬فأدخلت‬
‫‪25‬‬
‫أصبعها في فيها ثم مسحت به التراب }‬

‫قال العلماء ومافقد من املس لمني فى امليزان معفوٌ عنه‪ ،‬وليس فعل عمر مبا يعيد‬
‫للمسلمني ما فقد منهم ‪ ،‬وال هو ببتنطع فى الدين ‪ ،‬وإمنا مقصوده ‪ ‬أن يعلم أهله‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .32 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫والتجار واملسلمني من ورائهم درسا عمليا فى الورع والتحرز فى احلقو ‪.‬‬
‫وصدقوا ‪ ..‬عن هذا ما روته العطارة عن نتيجة الدرس الذى لقنه ‪‬‬
‫لز وجته وللعطارة نفسها فى بيعها وشرائها‪ ،‬ولنا من ورائهم ‪..‬‬
‫بل و استمر درس الورع يتدوال وينتقل من املعلمني إىل املتعلمني عرب اعيام‬
‫والسنني‪ ،‬حتى طبقه فرد من ذريته‪ ،‬وعاه فنفذه وعلمه كما فعل عمدر ‪...‬‬
‫انمروا إىل سيدنا عمر بن عبد العزيز ‪، ‬ملا أخرجوا مسكا من بيت املال‪،‬‬
‫أغلا أنفه بيده حتى ال يشمه‪ ،‬فكلَّمه رجل من جلسائة متعجباً ومستكاثرا‪:‬‬
‫يح ُه ؟ قَا َل ‪َ :‬و َه ْل ُي ْن َت َف ُع مِنْ َه َذا إِال ب ِ ِري ِ‬
‫حهِ " } ‪26‬‬ ‫ك إِنْ َو َج ْد َ‬
‫ت ِر َ‬ ‫ض َّر َ‬
‫{ َما َ‬
‫وفى رواية زيادة { فأكره أن أجد ريحه دون المسلمين فما زالت يده على‬
‫أنفه حتى رفع }‪.‬‬

‫ما هذ ا!! ‪ ..‬إنه الورع ‪.‬‬


‫هذا الورع هو الذى جعل سيدنا عمر بن اخلطاب ‪ ‬وهو على املنرب باملدينة‬
‫املنورة ‪ ..‬يرى سارية أمري اجليش ويناديه ‪ ...‬وبينهما آالف الكيلو مرتات‪ ،‬بل‬
‫ومسع سارية نداءه وفقهه فى التو واحلال ‪ ..‬وعمل بنصيحته وانتصر املسلمون؟ ‪،‬‬
‫وأنقلها لكم كما وردت فامسعوا ‪:‬‬
‫ك ْال ُخ ْط َب َة‬ ‫ب َي ْو َم ْالجُ ُم َع ِة إِ ْذ َت َر َ‬
‫ط ُ‬‫طابِ َعلَ ى ْال ِم ْن َبر َي ْخ ُ‬
‫ِ‬
‫{ َب ْي َنا ُع َم ُر بْنُ ْال َخ َّ‬
‫ار َي ُة ْال َج َب َل ال‬ ‫ً‬ ‫َف َقا َل ‪َ :‬يا َسار َي ُة ْال َج َب َل َمرَّ َت ي ِ َ‬
‫ْن أ ْو َثالثا‪ ،‬وفى رواية قال ‪َ :‬يا َس ِ‬ ‫ِ‬
‫َي رْ َع ى ْال ِّذ ْئ بُ ِْال َغ َن ِم‪ُ ،‬ث َّم أَ ْق َب َل َعلَ ى ُخ ْط َبتِ ِه ( أى استمر فيها)‪.‬‬
‫َّللا ‪ :‬لَ َق ْدد جُ دنَّ إِ َّند ُه‬‫ُول َّ ِ‬
‫ب َرس ِ‬ ‫ِك ال ُّن َظ َرا ُء مِنْ أَصْ َحا ِ‬ ‫َف َقا َل أُولَ ئ َ‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪33 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫دار َي ُة ْال َج َبد َل ‪َ ،‬فددَ َخ َل َعلَ يْد ِه َع بْد ُد‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫لَ َمجْ ُنونٌ ه َُو فِي ُخط َب تِ ِه إِذ َقا َل ‪َ :‬يدا َس ِ‬
‫ك‬ ‫ْك أَ َّن َ‬
‫ألو َم ُه ْم َعلَ ي َ‬ ‫ان َي ْط َم ئِنُّ إِلَ ْي ِه َف َقا َل ‪ :‬أَ َش ُّد َما َ‬ ‫ال رَّ حْ َم ِن بْنُ َع ْو فٍ َو َك َ‬
‫ار َي ُة‬ ‫ت َتصِ يحُ‪َ :‬يا َس ِ‬ ‫ط بُ إِ ْذ أَ ْن َ‬ ‫ت َت ْخ ُ‬ ‫ك لَ ُه ْم َم َقاال َب ْي َنا أَ ْن َ‬‫َتجْ َعلُ َعلَ ى َن ْفسِ َ‬
‫ون‬ ‫ت َذل َِك َرأَ ْي ُت ُه ْم ُي َقا تِلُ َ‬ ‫ْال َج َب َل ! أَيُّ َش يْ ٍء َه َذا ؟ َقا َل ‪ :‬إِ ِّن ي َو َّ ِ‬
‫َّللا َما َملَ ْك ُ‬
‫دت ‪َ :‬يدا‬ ‫يه ْم َو مِدنْ َخ ْل ف ِِهد ْم َفلَد ْم أَمْ لِدكْ أَنْ قُ ْل ُ‬ ‫ْن أَيْد ِد ِ‬‫عِ ْن دَ َج َب ٍل ي ُْؤ َت ْو َن مِنْ َب ي ِ‬
‫ار َي ُة ْال َج َب َل لِ َي ْل َح قُوا ِب ْال َج َب ِل‪.‬‬
‫َس ِ‬
‫ح قُو َنا َي ْو َم‬‫اب ِه ( من عند سارية) أَنَّ ْال َق ْو َم لَ ِ‬ ‫َفلَ ِب ُثوا إِ َل ى أَنْ َجا َء الرَّ سُو ُل ِب ِك َت ِ‬
‫اجبُ‬‫دَار َح ِ‬ ‫ض َرتِ ْالجُ ُم َع ُة َو َ‬ ‫ِين َح َ‬ ‫صب َْح إِلَ ى ح ِ‬ ‫صلَّ ْي َنا ال ُّ‬
‫ِين َ‬ ‫ْالجُ ُم َع ِة َف َق َت ْل َنا ُه ْم مِنْ ح ِ‬
‫ح ْق َنا ِب ْال َج َب ِل َف َل ْم َن َز ْل‬ ‫ار َي ُة ْال َج َبل َ َم َّر َت ي ِ‬
‫ْن َف َل ِ‬ ‫س َف َس ِم عْ َنا ُم َنا ِد يًا ُي َنا دِي ‪َ :‬يا َس ِ‬ ‫ال َّش مْ ِ‬
‫‪27‬‬ ‫ين ل َِع ُدوِّ َنا َح َّت ى َه َز َم ُه ُم َّ‬
‫َّللاُ َو َق َتلَ ُه ْم }‬ ‫َقاه ِِر َ‬
‫اهلل أكرب ‪..‬اهلل أكرب ‪ ...‬كيف رأى عمر ذلك؟ بالورع ‪...‬‬
‫بالورع إخوانى وأخواتى ‪ ...‬فالورع هو الذى به يكون الصديقون صديقني ‪...‬‬
‫واعولياء والصاحلون مكاشفني ‪ ...‬ويبلغوا به الدرجات العليا من اليقني وحيا‬
‫هلم قول رب العاملني فى سورة يونس‪:‬‬

‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫فعندما تسمع عن رجلٍ ما يقرأ ما فى الصدور ‪ ، ..‬أو أنه يأتينا بعلم وهبى‬
‫غري منشور ‪ ...‬فصَدِّ !‬
‫لكن ليس عن هذا الرجل كان له قيام ليل أكاثر منا !! أو صيام‬
‫هنار فا فيه عنا !! لكن اعساس أنه كان فى ورعه أكاثر منا‪ ،‬عن الورع‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .34 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫يُنَوِّل هذه اعمور‪ ،‬ففى احلديث الذى سبا ‪:‬‬
‫{ ُكنْ َو ِرعًا َت ُكنْ أَعْ َب َد ال َّن ِ‬
‫‪28‬‬
‫اس }‬

‫ورع ابن سريين ‪‬‬


‫اإلمام ابن سريين وكلكم يعلم أن أكاثر شدهرته أنده معدروف‬
‫بت فسري اعحالم‪ ،‬ملاذا؟ ‪ ..‬وأين تعلمه؟ ‪ ..‬وما هو السر؟ ‪ ..‬كان يشتغل‬
‫بالتجارة‪ ،‬وكان يتحرى احلالل‪ ،‬اشرتى مرة أربعني حبٍّ (جرة) مسناً‪ ،‬فجاءه‬
‫اخلادم وأخربه أنه أخرجت فأرة من واحدة منهم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪81‬‬
‫{ من أيها؟ قال‪ :‬ال أدرى‪ ،‬فقال له‪ :‬صبَّ األربعين كلها }‬

‫وفسَّر ذلك بأنه ال حيل بيعها ‪ ..‬فلو فعل وفيها واحدة فاسدة؛ فهذا غشٌ ‪..‬‬
‫"و من غشنا فليس منا"‪ ،‬وال حيل أكلها‪،‬عنه ال يعرف التى كانت فيها الفأرة‪،‬‬
‫فرماها كلها ‪ ...‬وكان يقول للناس حاثاً هلم على الورع ومشجعا‪:.‬‬
‫‪30‬‬
‫{ ما أهون الورع‪ ،‬فقيل‪ :‬وكيف هو هين؟ قال‪ :‬إذا رابك شيء فدعه }‬

‫ولذلك ‪ ،‬ولورعه كما رأينا؛ منَّ اهلل عليه بتأويل الرؤيا ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫{ رأيت يوسف النبي على نبينا وعليه الصالة والسالم في النوم‪ ،‬فقلت له‬
‫على تعبير الرؤيا‪ ،‬قال‪ :‬افتح فاك؛ ففتحه؛ فتفل فيه؛ فأصبحت فإذا أنا أعبر‬
‫‪31‬‬
‫الرؤيا }‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪35 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فقام من نومه ‪ ‬وقد علَّمه اهلل علم تأويل اعحالم أو تعبري الرؤيا‪!!..‬‬
‫فهو فلم يقرأه فى كتب‪ ،‬وال تعلَّمه فى كلية ‪،‬وال فى دراسات عليا جامعية!‬
‫وإمنا وصل إليه بالورع ‪ ..‬بالورع ياإخوانى ‪ ..‬تفضل اهلل ‪ ‬وبعث إليه يوسف‬
‫الصديا ليعلمه تأويل اعحالم‪ ،‬ومن الذى علَّم يوسف؟ قال تعاىل [يوسف ‪:]101 :‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪       ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫الذى علمه هو اهلل ‪ ... ‬وكانوا مجيعاً ‪ -‬واحبث فى سِيَّر الصاحلني‬
‫السابقني والالحقني ‪ -‬كانوا على هذه الشاكلة‪.‬‬

‫ورع عبداهلل بن املبارك ‪‬‬


‫اإلمام عبداهلل بن املبارك ‪ ، ‬وهذا الرجل الورع الذى طبقت شهرته‬
‫اآلفا ‪ ..‬كان نفس وجوده ماثال عميم فى الورع !! كيف ذلك ؟‬
‫أبوه كان امسه املبارك‪ ،‬وكان يعمل عند رجل حارساً على بساتينه‪،‬‬
‫فجاءه صاحب البساتني يوماً قائالً ‪ :‬أريد رمانة حلوة‪ ،‬فجاءه بواحدة‪ ،‬فوجدها‬
‫حامضة‪ ،‬فقال له‪ :‬أريدها حلوة‪ ،‬فجداءه بدأخرى فوجددها حامضدة‪ ،‬وكدذا‬
‫الاثالاثة!‪ ،‬فقال له‪ :‬أنت حارس الرمان وال تعرف احللو من احلامض ‪!!68‬‬
‫فقال له‪ :‬إنك أمرتنى حبراسة الرمان‪ ،‬ومل تدأذن ىل باعكدل منده‪ ،‬فلدم‬
‫أتذوقه‪ ،‬وال أعرف حلوه من حامضه !‪ ،‬فأعجبه ورعه‪ ،‬فأراد أن تتاثبت من حسن‬
‫عقله وفهمه وكانت له بنت وحيدة مشهورة جبماهلا وعقلدها‪ ،‬فكدان يأتيهدا‬
‫اعمراء واعغنياء والوجهاء‪ ،‬فقال له يا مبارك من ترى نزوج هذه البنت؟ فقال‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .36 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫اجلاهلية كانوا يزوجون للحسب‪ ،‬واليهود للمال‪ ،‬والنصارى للجمال ‪ ، 66‬وهذه‬
‫اعمة للدين‪ ،‬فأعجبه عقله بعدما أعجبه ورعه وتقواه‪.‬‬
‫ف قال عمها ماهلا زوج غريه‪ ،‬قالت له‪ :‬مل؟ قال هلا‪ :‬من أجل كذا وكذا‪،‬‬
‫وكانت البنت تسمع احلوار من الداخل‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أماه قوىل أن ميضى ملا أراه اهلل‪،‬‬
‫وكانت بنت تقية نقية‪ ،‬فكانت تبحث عن التقى‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫فتزوج املبارك من البنت وأجنبا عبداهلل بن املبارك‪.‬‬
‫عبداهلل بن املبارك ‪ :‬كان مباركا وحلت عليه من بركات أبيده‪،‬‬
‫فكان ال يسمع شيئاً إال حفمه فى احلال‪ ،‬فربع فى العلم حتى صار من حفاظ‬
‫احلديث فحفظ أكاثر من مائة ألف حديث عن رسول اهلل ‪.‬‬
‫كان يسا فر فيسمع من العرا ‪ ،‬ويسمع من اليمن‪ ،‬وذهب إىل الشام ليسمع‬
‫من رجل فى دمشا من احلفاظ‪ ،‬وكان يكتب فبحث عن قلمه فلدم جيدده‬
‫فاستعار قلماً من رجل آخر‪ ،‬وكان القلم عبارة عن بوصدة (غابدة) يربيهدا‬
‫ويغمسها فى احلرب ويكتب هبا‪ ،‬وكانوا يعملون بقول حضرة النبى ‪:‬‬
‫‪62‬‬
‫ض ِع ْال َقلَـ َم َعلَـى أ ُ ُذن ِ َ‬
‫ك فَـإِ َّن ُه أ َ ْذكَ ُر لِلْـمُـمْ لِـي }‬ ‫{ َ‬

‫فكتب احلديث وووع القلم على أذنه وسافر‪ ،‬وبعد أن وصل مدينة مرو‬
‫فى آخر إيران تذكر أن هذا القلم ليس ملكه ‪،‬ونسى أن يعيده لصاحبه‪،‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪37 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وكان قد وصل بيته‪ ،‬فلم ينزل ومل يسرتح ! ‪ ،‬وإمنا أمر الدابة أن تتحول إىل اخللف‬
‫وعاد مرة أخرى إىل الشام لريد القلم الذى استعاره من أخيه !!! الورع !‬
‫أين حنن اآلن من ذلك؟!‬
‫ونتعجب ونقول ملاذا ندعوا اهلل وال يستجيب؟‬
‫وملاذا نطلب واهلل ال يكشف؟‬
‫ملاذا نستغيث واهلل ال يغيث؟‬
‫هل حنن مشينا على هذا النهج اآلن؟‬
‫أبداً !‪ ،‬فلماذا إذا نتوقع غري ما كسبت أيدينا !!!!‬
‫لكن هؤالء هم الرجال‪ ،‬يرجع أحدهم و يسافر شهرين على الدابة‬
‫ويتكبد كل هذه املشقة ‪ ..‬حتى يعيد القلم الذى استعاره لصاحبه‪.‬‬
‫حنن اآلن لو احتاج أحدنا إىل مال ؟ ال جيد من يقروه !!‬
‫عن الكل يقول السلف تلف!! فإنه سيماطلنى ولن يعيده إىلَّ‪ ،‬قفلنا الطريا‬
‫مع أن القرض باثمانية عشر ‪ ..‬والصدقة بعشرة ‪ ..‬أى أن القرض أعلى فى اعجر‬
‫والاثواب من الصدقة ‪..‬لكن [البقرة ‪:]821 :‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫أين هو فى هذا الزمان؟ ال يوجد !!! ‪ ،‬ملاذا؟ عن النداس أصدبحت ال‬
‫تراقب رب الناس ‪.‬‬
‫فكانت الن تيجة عنه مشى على هذا املنهج فعندما رجع‪ ،‬وكان يوم‬
‫شديد احلر ‪ ..‬وكانت أمه خارجة من البيت‪ ،‬فوجدت عبداهلل نائمداً حتدت‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .38 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫شجرة ماثمرة فى احلديقة‪ ،‬ووجدت حيَّة فى فمها أعواد من الرحيان ترفرف على‬
‫عبداهلل لرتوح عنه حرارة اجلو‪ ،‬ملاذا؟ ‪...‬‬
‫عهنم ‪ ‬راقبوا اهلل ‪ ..‬واتقوا اهلل ‪ ..‬وخشوا اهلل ‪ .. ‬فسخر اهلل ‪‬‬
‫هلم كل شىء فى هذه احلياة‪.‬‬

‫أثر املطعم احلالل‬


‫هؤالء الرجال الصاحلون هلم حال شديد فى مراقبة النفس فى الدورع‪،‬‬
‫وليس فى العبادات التى يقول فيها ‪:‬‬
‫‪35‬‬ ‫ظهُ مِنْ صِ َيا ِم ِه الْجُو ُع َوالْ َع َطشُ َورُبَّ َقائِم َح ُّ‬
‫ظهُ مِنْ قِ َيا ِم ِه السَّ َه ُر }‬ ‫صائِم َح ُّ‬
‫ٍ‬ ‫{ رُبَّ َ ٍ‬

‫عنه مل يتحرَّ اعساس‪ ،‬لكن اعساس اعول يقول فيه سيد الناس ‪:‬‬
‫طيِّبٍ‪ .‬إِال َّ أ َ َخ َذ َها ّ‬
‫َّللاُ ِب َي ِم ي نِهِ‪َ .‬في َُربِّي َها َك َما‬ ‫ص َّد ُق أ َ َح ٌد ِب َتم َْرةٍ مِنْ َك ْس ٍ‬
‫ب َ‬ ‫{ ال َ َيتَ َ‬
‫‪36‬‬ ‫ون م ِْث َل الْ َجبَ ِل‪ ،‬أَوْ أَع َ‬
‫ْظ َم }‬ ‫ي َُربِّي أ َ َح ُد ُك ْم َفلُوَّ هُ أَ ْو قلَوصة َحتَّى تَ ُك َ‬

‫سألوا اإلمام عل ىّ كرم اهلل وجهه وقالوا‪:‬‬


‫{ يا إمام كم بين السماء واألرض؟ قال‪ :‬دعوة مستجابة } ‪.67‬‬

‫والدعوة املستجابة تأتى من قلب غذته اجلوارح مبا أباحه اهلل وأحله اهلل ‪،‬‬
‫ولذلك حنن نشتكى فى هذا الزمان من أناس كاثري ‪ . .‬ال حتب مساع الوعظ!!‬
‫وتتضايا من مساع القرآن !! وحيبون مساع الكالم الفارغ !! وتتضايا من عمل‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪39 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫الرب واخلري !! ‪ ،‬وحنن نراهم هنا و هناك ‪...‬ملاذا؟‬
‫كل ذلك أسايسه كما وصف وحلل سيدنا عبداهلل بن عباس وقال‪:‬‬
‫{ اللقمة الحالل لها نو ٌر فى القلب يجعل الجوارح تتباطئ عن معاصى َّللا‬
‫ٌ‬
‫ظلمة فى القلب تجعل الجوارح‬ ‫وتسارع إلى طاعته ‪ ،‬واللقمة الحرام لها‬
‫تتباطئ فى طاعة َّللا وتسارع إلى معاصيه }‬

‫فال بد للواحد منهم أن يراقب‪ ،‬وانمر إىل شدة املراقبة من هؤالء القوم‬
‫واحملاسبة هلم من اهلل‪ ،‬فال بد للواحد أن حياسب نفسه ‪:‬‬
‫اس بُوا َفإِ َّن ُه أ َهْ َونُ لِ ِح َس ِاب ُك ْم‪َ ،‬و ِزنُوا أَ ْن ُف َس ُك ْم َق ْبلَ أَنْ‬
‫{ َحاسِ بُوا أ َ ْن ُف َس ُك ْم َق ْب َل أَنْ تُ َح َ‬
‫ْض األ َ ْكبَ ِر َي ْو َم تُ ْع َرض َ‬
‫وزنُوا‪َ ،‬وتَ َز َّينُوا لِلْ َعر ِ‬
‫‪38‬‬
‫ُون ال َ َت ْخفَىٰ مِ ْن ُك ْم َخا ِف َية }‬ ‫ُت َ‬

‫حكى د عن اإلمام ابراهيم بن ادهم رمحه ‪ 61‬اهلل انه كان مبكة‬


‫فاشرتى من رجل مترا فاذا هو بتمرتني فى االرض بني رجليه ظن اهنما من الذى‬
‫اشرتاه‪ ،‬فرفعهما‪ ،‬واكلهما‪ ،‬وخرج اىل بيت املقدس ‪ -‬أى سافر من مكة إىل‬
‫بيت املقدس ‪ -‬ودخل قبة الصخرة وسكنها يوما وليلة ونام فرأى املالئكة قالت‬
‫ههنا حس آدمى ورحيه‪ ،‬قال أحدهم هو ابراهيم بن أ دهم زاهد خراسان ‪،‬‬
‫وقال آخر الذى يصعد منه كل يوم اىل السماء عمل متقبل‪ ،‬قال نعم غري ان طاعته‬
‫موقوفة منذ كذا‪ ،‬ومل تستجب دعوته من وقتها ملكان التمرتني عليه‪.‬‬
‫وهنا وقفة ‪ ..‬وقفة قال فيها سيد الرسل واعنبياء ‪:‬‬
‫ك لَ ُه فِي ِه َو َمنْ‬
‫ُور َ‬
‫سب ِ‬ ‫هذذا االْل َما َل َخضِ َرةٌ حُ ْل َوةٌ َف َمنْ أ َ َخ َذهُ ب ِطِ ي ِ‬
‫ب َن ْف ٍ‬ ‫{ إنَّ ه َ‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .41 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪40‬‬
‫ان َكالَّذِي َيأْكُلُ َوال َ َي ْش َبعُ }‬
‫ك لَ ُه فِي ِه َو َك َ‬
‫س لَ ْم ُي َبا َر ْ‬ ‫أ َ َخ َذهُ بِإ ْش َرا ِ‬
‫ف َن ْف ٍ‬
‫لو أخذ أحدنا شىء بسيف احلياء فهو حرام‪ ،‬وعنه ال إكراه فى الدين‪،‬‬
‫فال بد عن روا النفس‪ ،‬اإلنسان الذى أتى بشبْكة لزوجته ! هل ينفع فى شرع‬
‫اهلل أن يأخذ هذه الشبْكة ويقول هى ماىل؟ هل ينفع؟ ال ولكن [‪2‬النساء]‪:‬‬

‫‪        ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫واآلن قد ظهرت فينا أحاديث رسول اهلل ‪ ‬التى قال فيها‪:‬‬
‫اب الْ َما َل مِنْ‬ ‫اس َز َمانٌ ال ُي َبال ِى ال َّر ُجلُ مِنْ أَي َْن أ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ص َ‬ ‫{ َيأتِى َعلَى ال َّن ِ‬
‫‪41‬‬
‫َحال َ ٍل أ َ ْو َح َر ٍام }‬

‫وهؤالء ليس هلم وزن عند اهلل ‪ ...‬مهما عمل من حج ! وقيام! عنه مل‬
‫يتحرى اعساس اعول الذى أمر به اهلل وهو املطعم احلالل ‪ ،...‬فالذى يريد أن‬
‫يكون من الرجال الذين أثنى عليهم اهلل ‪ . ..‬عليه أن يزيد من الورع ‪ ..‬ونعود‬
‫لقصة إبراهيم إبن أدهم ‪ ‬لنرى نتيجة الورع ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثم طلع الفجر‪ ،‬ورجع اخلادم وفتح القبة د وخرج ابراهيم وتوجده اىل‬
‫مكة – سافر راجعا من بيت املقدس إىل مكة املكرمة‪.‬‬
‫وجاء اىل باب ذلك احلانوت – مبكة ‪-‬فاذاهو بفتى يبيع التمر فسلم عليه‪،‬‬
‫وقال كان ههنا شيخ!‪ ،‬فاخربه انه كان والده وقدتوفى‪ ،‬فقص ابراهيم قصة‬
‫التمرتني؛ فقال الفتى جعلتك فى حل من نصيبى‪ ،‬وأنت أعلم فى نصيب أ ختى‬
‫وأمى‪ ،‬قال‪ :‬فأين مها؟ قال‪ :‬فى الدار‪.‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪41 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فجاء إ ىل الباب وقرعه‪ ،‬فخرجت عجوز‪ ،‬فسلم عليها واخربها القصة ‪،‬‬
‫قالت جعلتك فى حل من نصيبى وكذا إ بنتها‪.‬‬
‫فخرج ابراهيم وتوجه اىل بيت املقدس ‪ ،‬ودخل القبة ‪،‬وبات فيها فدرأى‬
‫املالئكة وقالوا هو ابراهيم‪ ،‬وكان التستجاب دعوته منذ كذا‪ ،‬غريأانه‬
‫أ سقط ما عليه من التمرتني؛ فقبل اهلل ماكان موقوفا من طاعته‪ ،‬واستحاب دعوته ‪،‬‬
‫وأعاده اىل درجته‪ ،‬فبكى ابراهيم فرحا‪ ،‬هكذا الورع ‪ ...‬وهذه مثرته !‬

‫الورع فى الكالم‬
‫والورع ليس فدى اعكدل والطعدام فقدط‪ ،‬ولكدن الدورع اعشدد فدى‬
‫الكالم‪ ،‬ولذلك جتد الذى يريد أن يكدون لده مقامداً عندد اهلل ال بدد أن يلدزم‬
‫الصمت‪ ،‬من يريد أن يؤتى احلكمة؟ ‪ ..‬من ياإخوانى ؟‬

‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫وقال حبيبى وقرة عينى ‪:‬‬
‫{ إ ِ َذا َرأ َ ْيتُمُ ال َّر ُجلَ قَ ْد أ ُ ْعطِ َي ُزهْداً فِي ال ُّد ْن َيا َوقِل َّ َة َم ْنطِ ٍق فَاقْ َت ِربُوا ِم ْن ُه فَإ َّن ُه‬
‫يُلَقَّنُ الْحِ ْك َم َة } وفى رواية { يُلَقِّنُ الْحِ ْك َم َة }‬
‫سيدنا أبوبكر كان يضع حصاة فى فمه أو حتت لسانه ‪ ،‬وعندما سألوه‬
‫عن ذلك قال‪َ {:‬ذل َِك الَّ ِذ ى أ ّ ْو َر دَ نِى ْال َم َو ِار د } ‪ ،26‬أى املهالك‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .42 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وليس كما مسعنا من بعض العلماء أن الذى املللك عل ى اليمني امسه رقيب‪،‬‬
‫والذى على اليسار امسه عتيد‪ ،‬إن احلفمة التى مع اإلنسان عندما جنمع الروايات‬
‫التى فيهم جندهم مع أى إنسان ال يقلوا عن عشرين ومن ومنهم الكتبة‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬
‫‪    ‬‬
‫لكن الرقيب هنا هو اهلل‪ ،‬ومن صفة هذا الرقيب أنه عتيد‪ ،‬لكدن لدو‬
‫كان كما يقولون "رقيب" و "عتيد" أى إثنان لكانت هناك واو العطف‬
‫بينهما كما تقضى قوانني اللغة ‪ ،..‬لكن رقيب صفته عتيد وهو اهلل ‪.‬‬
‫ولذلك أشد ورع عند الصاحلني هو ورع الكالم ‪...‬‬
‫فال يتكلم أحدهم ف يما ال يعنيه‪ ،‬وال يتكلم إال فيما ياثيبه اهلل عليه‪،‬‬
‫فهو إذاً يعمل بقول اهلل فى كتاب اهلل‪:‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫احلكمة فى الدعوة إىل اهلل‬


‫ولذلك جتد ال صاحلني دائماً صامتني‪ ،‬فال يتكلم أحدهم فيما ال يعنيه‪،‬‬
‫إذا رأى أحد أمامه يعمل شيئاً يستحضر احلديث الذى يقول‪:‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪43 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪44‬‬
‫{ مِنْ حُ سْ ِن ِإسْ ال َ ِم ْال َمرْ ِء تَرْ ُك ُه َما ال َ يَعْ نِيهِ }‬

‫إال إذا كان حيتاج إىل اعمر باملعروف أو النهى عن املنكر‪ ،‬فيقوم بذلك‬
‫بالطريقة الرشيدة السديدة التى وصفها اهلل ورسوله ‪...‬‬
‫فى أذنه بينه وبينه إذا كان يتحمل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أو على سبيل التلميح إذا كان ال يتحمل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬‬
‫ولكن ال ينصحه جهراً يسمع اآلخرين به وال على امل أ ‪.‬‬
‫وخذوا أماثلة عديدة هلذا املنحى احلكيم واعدب العاىل للنصح ‪ ..‬منها‬
‫هذه احلكمة التى أمرنا هبا ‪ ‬عند ما أمر بالوووء من أكل حلم اجلزور‬
‫(اجلمل) كما ورد فى صحيح ابن حبان !!‬
‫فللعلماء تفسريات حكمية فى ذلك‪:‬‬
‫منها أن أحدهم كان قد انتقض وووءه وهو جدالس مدع رسدول اهلل‪،‬‬
‫وحتى ال جيرح النبى ‪ ‬مشاعره أمام اآلخرين لو قام وحده ليتووأ ‪ ..‬وكانوا‬
‫أغلبهم بالطبع قد أكلوا حلم مجل‪ ،‬فلما مسعوا كلمته ‪ ‬قاموا للوووء مجيعاً‪،‬‬
‫فانمر إىل هذا اعدب النبوى العاىل فى اعمر باملعروف‪.‬‬
‫واإلمامان احلسن واحلسني روى اهلل عنهما ‪ ..‬عنددما رأيدا رجدالً ال‬
‫حيسن الوووء‪ ،‬تماهرا بأهنما خيتلفان فى الوووء أمام الرجل واحتكما إليه‪،‬‬
‫فتووئا أمامه‪ ،‬فقال هلما أنا ا لذى أخطأت ‪.‬تعلموا احلكمة العالية سادتى!‪..‬‬
‫معمم مشاكل املسلمني سببها عدم الورع فدى القدول‪ ،‬فكلمدا مسدع‬
‫كالماً نقله ‪ ،‬وقد قال الصاد املصدو عليه أفضل الصالة وأمت السالم‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .44 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪21‬‬
‫{ ْال َم َجالِسُ ِباأل َ َما َنا ِ‬
‫ت}‬

‫وينقل الكالم بالتحريف وخييل له أنه عمل خرياً !! ‪ ..‬والذى عمله حيبط‬
‫كل أعماله‪ ،‬عنه خالف هدى رسول اهلل ‪ ، ‬عنه جيب عليه أال ينقل ما مسعه من‬
‫أخيه إىل غريه‪ ،‬وال جيب عليه أن يغتاب املسلمني‪ ،‬فالورع فى الكالم هو الذى‬
‫يمهر درجة هذا الرجل عند امللك العالم ‪.‬‬
‫ال بد أن يكون صامتاً‪ ،‬وإذا صمت يشغل نفسه بدذكر اهلل‪ ،‬وبدتالوة‬
‫ك تد دداب اهلل‪ ،‬وباإلسد ددتغفار‪ ،‬وبالصدددالة علدددى رسدددول اهلل‪ ،‬مد ددا النتيجدددة؟‬
‫النتيجة ‪ ...‬أن اهلل ‪ ‬يؤتيه احلكمة ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫فيكون كالمه ماثل ما يقول اهلل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫ورع اجلوارح‬
‫فجهاد الصاحلني اععمم ‪ ‬ففى اجلوارح كلها‪:‬‬
‫فى ورع اللسان‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل ‪45 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وفى ورع العني عن النمر إىل ما ال حيل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفى ورع اعذن عن مساع كل كالم خيل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفى ورع اليد أن متتد إىل ما ال حيل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬‬
‫وفى ورع اإلنسان أن يأخذ شيئاً ليس له فيه حا بل أنه يتحرى‬ ‫‪-‬‬
‫أحلَّ احلالل‪.‬‬
‫اإلمام احملاسبى ‪: ‬‬
‫كان إذا امتدت يده إىل طعام فيه شبهة له عر فى يده ينبض ‪ ،22‬ما السبب‬
‫فى ذلك؟‬
‫ورث من أبيه ثالمثائة ألف دينار‪ ،‬وكان أبوه يقول بقول القدريني ‪ ،‬وهم من‬
‫ا خلارجني فى الفر اإلسالمية‪ ،‬فقال ‪ :‬قال ‪:‬‬

‫ث أ َ ْهلُ مِلَّ َت ي ِ‬
‫‪47‬‬ ‫{ ال َي َت َوا َر ُ‬
‫ْن }‬

‫ورفض هذا املرياث كله ووزعه على الفقدراء علدى الدرغم مدن أنده‬
‫كان فى أشد احلاجة إىل الدرهم وأقل ‪ ..‬فانمر إىل الورع ‪..‬‬
‫قالوا فعووه اهلل أن جعل الينزل بطنه إال احلالل‪ ،‬كيف ؟ ‪ ..‬جعل اهلل له‬
‫فى يده عرقاً إذا مد يده إىل شىء فيه شبهة ينتفض هذا العر ‪.‬‬
‫ولذلك مجاعة أرادوا أن ميتحنوا سيدى أبوالعباس املرسى ‪ ‬فأتوا بدجاجة‬
‫خمنوقة و أنضجوها وووعوها أمامه ليأكل‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫عروق تنفض‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫عرق ينفض فأنا كلى‬ ‫{ إذا كان الحارث المحاســبى له‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪ .46 ‬األول ‪ :‬الطريق إىل والية اهلل‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫هذه الدجاجة تقول إنى مخنوقة فال تأكلنى }‬

‫هذا الورع هو الذى وصلوا به إىل هذه الرتب الكربى‪.‬‬


‫من الذى يريد أن يكون من الراسخني فى العلم؟‬
‫نسأل احلبيب‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ون فِي الْعِلْ ِم ؟ قَا َل ‪ " :‬ه َُو َمنْ َبر ْ‬
‫َّت‬ ‫{ َقالُوا ‪ُ :‬سئِ َل َرسُولُ َّ‬
‫َّللاِ ‪َ ‬م ِن الرَّ اسِ ُخ َ‬
‫صد ََق ل َِسا ُن ُه ‪َ ،‬و َعفَّ بَ ْط َن ُه َوفَرْ َج ُه ‪ ،‬فَ َذا َ‬
‫ك الرَّ اسِ ُخ }‬ ‫َي ِم ي ُن ُه ‪َ ،‬و َ‬

‫إذاً ال بد أوالً أن يكون عندى ‪:‬‬


‫ورع أعف فيه بطنى عن البطن هى التى تغذى اععضاء‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأعف به لسانى‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأعف به أعضائى‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬‬
‫فيفتح اهلل ‪ ‬بعد ذلك نور السريرة وعني البصرية‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويكرم اهلل اإلنسان باإلكرامات التى نسمعها عن الصاحلني‬ ‫‪-‬‬
‫‪‬‬‫والصديقني وعن املتقني ‪.....‬‬
‫وسبب كل ذلك هو الورع‪ ،‬ولذلك قال ‪:‬‬
‫‪49‬‬
‫{ َخ ْي ُر دِين ُكمُ ْال َو َر ُع }‬

‫وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪47 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪‬الفصل الثانى‪‬‬
‫‪ ‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪‬‬
‫الثلة املباركة حول النبى‬
‫كان عمله دمية‬
‫مناهج الرجال‬
‫صالة الرتاويـــح‬
‫صالة القيــــــــــــــــــام‬
‫وقت السحر وقت الفتوحات‬
‫األخُوَة فى اهلل نبع الفتح العرفانى‬
‫شروط األخوة املوصَّلة و حماســـــــــنها‬
‫ فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫ الفتح العرفانى‬ ‫ التأسى بالرسول وصحبه الكرام‬: ‫ الثانى‬.48 
------------------------------------------------



    


   
   
   
  
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪49 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪50‬‬
‫‪ ‬‬
‫الثلة املباركة حول النبى ‪‬‬
‫إخواني وأحبابي بارك اهلل ‪ ‬فيكم أمجعني‪:‬‬
‫جعل اهلل ‪ ‬لسيدنا رسول اهلل ‪ ‬ثلة مباركة حييطدون بده‪ ،‬يأخدذون‬
‫هبديه‪ ،‬ويستنون بفعله‪ ،‬وجياهدون للتأسى يف كل أنفاسهم به ‪ .. ‬ل يكونوا‬
‫معه مشاركني يف اعنوار اليت تفاض عليه من الواحد القهار‪ ،‬وهلم نصيب يف‬
‫العلوم واعسرار ‪ ،‬اليت خصه هبا اهلل جلَّ فى عاله‪.‬‬
‫وهلم فضالً عن ذلك كله‪ ،‬مقام القرب من حضرته الشريفة‪ ،‬فهم معه‬
‫يف الدنيا‪ ،‬ومعه يف اآلخرة ‪ ،‬ومعه يف اجلنة إن شاء اهلل ‪ ...‬وناهيك هبذا املقام‬
‫رفعة وعلواً‪ ،‬مقام يقول فيه اهلل ‪:‬‬

‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫هذه املعية ‪ ...‬وهذا املقام العميم ‪...‬‬
‫هو الذي اشتا إليه الصاحلون !! وحنَّ إليه املقربون !!‬
‫ومامسعنا وقرأنا ورأينا عليهم من أنواع اجلهاد‪ ..‬جهاد النفس ‪ ..‬وتصفية‬
‫القلب ‪ ..‬جهاد يف الطاعات ‪ ..‬وجهاد يف تبليغ رسالة اهلل ‪ ..‬وجهاد يف قهر‬
‫النفس عن شهواهتا وحموظها ‪ ، ..‬كل ذلك ليفوزوا هبذا املقام العميم‪.‬‬
‫وقد قال اهلل ‪ ‬لنا ‪:‬‬
‫‪ .51 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫سيدخلهم اهلل ‪ ‬نتيجة اإلميان والعمل الصاحل‪ ،‬يرقيهم ويرفع شأهنم‬
‫فيوصلهم إيل أن يدخلهم يف رحاب الصاحلني ‪ ..‬وجيعلهم مع الصاحلني ‪..‬‬
‫ومن الصاحلني ‪...     ‬‬
‫هؤالء الصاحلون يا أحباب ‪ ..‬هلم نمراهتم إيل احلبيب ‪ ..‬ولكنها غري‬
‫نمرات أي عبد منيب‪ .. ،‬كيف ذلك؟ ونفصل ذلك ‪...‬‬
‫م ن الناس من ينمر إيل قوله!‪ ،‬ومن الناس من ينمر إيل فعله !‪ ،‬ورسول اهلل ‪‬‬
‫كما علمَّه ربه ‪ ‬كان يأمر باعخفِّ وباليسر‪ ،‬لكنه ‪ ‬كان يأخذ‬
‫نفسه يف طاعة اهلل ويف التقرب إيل اهلل باعشد ‪ ..‬هل هذا واوح؟‬
‫فمن أراد أن يكون قريباً من حضرته‪ ،‬ويدخل يف معيته‪ ،‬ال بد أن يسلك‬
‫هذا املسلك !! ‪ ،‬فيأمر الناس باليسدر وبدالتخفيف ‪ ،..‬لكنده يأخدذ نفسده‬
‫باعشد ‪ ،‬وأقول نفسه وليس أحداً آخر ‪ ،..‬وله أسوة يف رسول اهلل ‪: ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫ومل يقل ملن يريد اجلنة‪ ،‬فمن أراد اجلنة اقتدي بقوله ‪ ..‬وإذا عمل بالتخفيف‬
‫الذي أمر به‪ ،‬وصل إيل مراده‪.‬‬
‫لكن من يريد وجه اهلل !! ومن يريد أن يكون معه يف الدار اآلخرة‬
‫ويف اجلنة إن شاء اهلل !! ؟ فعليه أن يعمل هبذه اآليدة ‪ ..‬بنصدها ‪ ..‬وروحهدا‬
‫وحذافريها ‪ ..‬كما قال اهلل ‪ ، ‬فلم يقل اهلل ‪ :‬لقد كان لكم يف قول‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪51 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫رسول اهلل أسوة حسنة‪ ،‬ال ولكن يف رسول اهلل ذاته ‪ ،..‬يف فعاله ‪ ،..‬ويف‬
‫أخالقه ‪ ،..‬ويف هيئته‪ ،..‬ويف سره وسريته ‪ ،..‬ويف سريرته ‪:..‬‬
‫أسوة حسنة‪ .... ،‬اقتداء تام ‪ ....‬بسيد اعنام‪ ،‬ملن أراد أن يكون‬
‫معه يف الدنيا ويف يوم الزحام ‪.‬‬

‫كان عمله دمية‬


‫من منا يريد أن يكون من أهل هذه املعية؟‬
‫كلنا ‪ ، ..‬إذاً كما قالوا ‪:‬‬
‫‪19‬‬
‫هتون علينا يف املعايل نفوسنا ‪ ..‬ومن خطب احلسناء مل يغلده املهر‬
‫مادمت تطلب العال‪ ،‬واطب احلسناء فعليك أن يدفع املهر ‪ ...‬واملهر هنا‬
‫هو أنت كلك ‪ ...‬أن جتعل كلك لربك ‪. ‬‬
‫ف ال جتعل للنفس وال للشيطان عليك سلطاناً‪ ،‬وال للهوي دوراً يف تصريف‬
‫أمورك ‪ ،..‬بل اجعل هواك كله ملوالك !‪ ،‬واجعل كلك مطيعاًَ ! وخادماً هلل !‬
‫علي هيئة حبيب اهلل ومصطفاه ‪. ‬‬
‫ولذلك تأسى هؤالء القوم به ‪ ، ‬فإذا كان هناك قوم يصلون القيام يف‬
‫رمضان ويتوقفون عن صالة القيام بعد رمضان حيت يأتي رمضان من العام القادم ‪،‬‬
‫فإن هؤالء ال يدميون علي صالة القيام‪ ،‬عن السيدة عائشة روي اهلل عنها ‪،‬عندما‬
‫سئلت عن حاله ‪ ‬وعمله؛ قالت مقررة‪:‬‬
‫‪18‬‬
‫ان َع َملُ ُه ِد ي َم ًة }‬
‫{ َك َ‬
‫‪ .52 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫أي يديم عليه‪ ،‬وعندما سئل ‪ ‬من أصحاب هذا املقام عما حيبه اهلل ‪ ‬من‬
‫العمل الصاحل من اعنام؟ ! مل يذكر صالة !‪ ،‬وال صيام!‪ ،‬وال تالوة قرآن!‪،‬‬
‫وال ذكر‪ ،!..‬وال فكر !‪ ،‬بل خلَّص اعمر فقال‪:‬‬
‫‪16‬‬
‫{ أَ َحبُّ األَعْ َما ِل إِلَى َّللا تَ َعالَى أ َ ْد َو ُم َها َوإِنْ قَ َّل }‬

‫العمل الذي يديم عليه املرء إن كان صالةً‪ ،‬أو كان صياماً‪ ،‬أو كان‬
‫ذكراً‪ ،‬أو كان تالوةَ أو كان فكر‪ ..‬املهم املداومة علي العمل‪ ،‬عن‬
‫املداومة تربهن علي أن هذا العبد يراقب اهلل وخيشاه يف كل اعوقات‪ ،‬ويف‬
‫كل اعحوال ‪ ،‬ويف كل اجلهات‪.‬‬
‫املدوامة تدل على أنه ال يراقب اهلل ‪ ‬يف شهر ويرتكه بقية الدهر ‪،‬‬
‫ال !! وإمنا يراقب اهلل يف كل أحواله ‪ ،‬ويتوجه إليه بالطاعات ويداوم عليها يف‬
‫كل أوقاته‪ ،‬عن اهلل حيب املداومة علي العمل‪.‬‬
‫فكان ‪ ‬يداوم علي صالة القيام‪ ،‬وعندما سئلت السيدة عائشة ‪ ‬عن‬
‫صالته ‪ ‬فى رمضان ‪ -‬وهذه اعسئلة وجهت لسيدات بيت النبوة ‪ ،‬عن هذه‬
‫اععمال كان يعملها ‪ ‬يف خلوته إذا اختلي يف بيوت نساءه‪ ،‬ومل يكن يفعلها‬
‫يف املسجد العام‪ ،‬فكان الذي يطلع عليها زوجاته‪ ،‬وآونة كان يستأذن بعضٌ‬
‫أصحابه ليشهدوا ليلة معه !‪ ،‬فكان يأذن هلم بذلك ‪ ..‬لكن مل يكن يأذن‬
‫هلم أن يدميوا معه ولكن ليلة فقط! ‪ -‬فقالت روي اهلل عنها‪:‬‬
‫ان‪َ ،‬وال فِى َغي ِْرهِ‪،‬‬
‫ض َ‬ ‫صلَّى َّ‬
‫َّللا ُ َعلَ ْيهِ َو َسلَّ َم يَ ِزي ُد ف ِى َرمَ َ‬ ‫{ َما َك َ‬
‫ان َرسُولُ َّللاِ َ‬
‫‪54‬‬
‫َعلَى احْ دَى َع ْش َر َة َر ْك َع ًة }‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪53 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫سلفنا الصاحل فقهوا هذا احلديث وووعوه يف مووعه الصحيح‪.‬‬
‫فاعئمة اعربعة‪ :‬اإلمام مالك‪ ،‬واإلمام أبو حنيفة‪ ،‬واإلمدام الشدافعي‪،‬‬
‫واإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬وغريهم من السلف الصاحل‪ .. ،‬قالوا إن هذا احلديث‬
‫خيص صالة الليل اليت يقول فيها اهلل ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وهي ما نسميها صالة التهجد‪ ،‬وال يكون التهجد إال بعد نوم‪ ،‬أويف وقت‬
‫النوم‪ ،‬أي بعد منتصف الليل‪ ،‬وهي شديدة ولذلك قال اهلل يف شأهنا‪:‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫هي أثقل شيء علي النفس عن النفس تريد الندوم يف تلدك اآلوندة وهدذه‬
‫الساعات‪ ،‬فكان ‪ ‬يديم إما من منتصف الليل وإما يف الاثلث اعخري من الليل‬
‫علي هذه الصالة‪ ،‬وعددها إحدي عشرة ركعة‪ ،‬ومن مجلتهم ركعتا الشفع‬
‫وركعة الوتر‪.‬‬
‫فكان يؤخر الوتر‪ ،‬وإذا صلي الدوتر فبدل أن يندام‪ ،‬كدان يبددأ القيدام‬
‫بركعة واحدة تكون مع ركعة الوتر السابقة شفعاً‪ ،‬ثم يصلي ما شاء‪،‬‬
‫وخيتم بركعة وتر لقوله ‪: ‬‬
‫‪56‬‬ ‫‪55‬‬
‫آخر صالةِ اللّي ِل الوت ُر }‬
‫ان ف ِى لَ ْيلَ ٍة } ‪ ،‬و { َ‬
‫{ ال َ ِو ْت َر ِ‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ .54 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وال بد من اجلمع بني احلسنيني أي بني احلدياثني‪ ،‬فال بد أن يكون آخر صالة‬
‫الليل الوتر ‪ ،‬وال جيوز للمرء أن يصلي وترين يف ليلة‪ ،‬ما املخرج؟‬
‫كما شرحنا ‪ :‬إذا كان أوتر قبل أن ينام‪ ،‬فعليه أن يصلي ركعة عند‬
‫بداية القيام تكون مع زميلتها املفردة السابقة شفعاً‪ ،‬وشفعاً ‪ ..‬أي ركعتني‬
‫اثن تني‪ ،‬ثم يصلي ما شاء وخيتم بركعة واحدة وتراً‪.‬‬

‫مناهج الرجال‬
‫ومن عجائب تفصيل أحوال النبوة‪ ،‬أن الرجال الذين حدول الدنا املختدار‬
‫اختار كل رجل منهم منهجاً ليكون للمؤمنني فسحة يف توزيع هذه اعدوار‬
‫ويف تلقي هذه اعنوار‪ ،‬فكان سيدنا أبوبكر الصديا ‪ ‬يوتر قبل أن ينام‪،‬‬
‫وكان سيدنا عمر ‪ ‬يؤخر الوتر إيل قبل صالة الفجر ‪...‬‬
‫وبذلك ال يقولوا رجلٌ اختار واحداً من هذه فهذه أفضل ‪..‬‬
‫ال‪ ،‬فإنه ال يعلم اعفضلية إال رب الربية ‪‬‬
‫املهم أن تقوم بالعمل علي هنج الشريعة احملمدية وتتأسى فيه باحلضرة‬
‫احملمدية‪ ،‬وبالرجال الذين كانوا حوله ‪       ‬‬
‫(‪81‬الفتح) فمن أوتر قبل أن ينام أخذ باحلزم‪ ،‬ومن أوتر بعد املنام قبل الفجر أخذ‬
‫بالعزم‪ ،‬وهذا صحيح‪ ،‬وهذا صحيح‪ ،‬وهذا عزمية عند هذا‪ ،‬وهذه عزمية عند‬
‫هذا‪ ،‬وال شأن لك بالتخيري وال بالتفضيل !!‬
‫عن هذا وذاك ‪..‬وارد عن البشري النذير ‪. ‬‬
‫كيف كان ‪ ‬يصلي اعحدي عشرة ركعة؟‬
‫يبدأ ‪ ‬بركعتني خفيفينت لقوله ‪:‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪55 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫صلِّ َر ْك َع َت ْيــــــــ ِن َخ فِي َف َت ْيــــــ ِن‪ُ ،‬ث َّم‬
‫{ إِ َذا قَا َم أ َ َح ُد ُك ْم م َِن اللَّ ْي ِل َف ْليُ َ‬
‫‪17‬‬
‫ْلي َُطو ْل َب ْع ُد َما َشـــــــــــــتا َء }‬

‫واستحسن اعئمة الكرام أن يقرأ فيهما بعد الفاحتة فى الركعة اعويل‬


‫آية الكرسي‪ ،‬ويف الركعة الاثانية خواتيم سورة البقدرة‪ ،‬وتقدول السديدة‬
‫عائشة ‪ ‬فى وصف صالته عليه الصالة والسالم بعد ذلك بالل يل ‪:12‬‬
‫طول ِِهنَّ ‪ُ .‬ث َّم ي ُ َ‬
‫صلِّى أرْ بَعا فَال‬ ‫{ يُ َ‬
‫صلِّى أرْ بَعا فَال َتسْ ا ْل َعنْ َحُ سْ ن ِِهنَّ َو ُ‬

‫َتسْ ا ْل َعنْ حُ سْ ن ِِهنَّ َو ُطول ِِهنَّ ‪ -‬حسنهن أي يطيل فيهن الركوع والسجود ‪،‬‬
‫وطوهلن لتطويل القراءة فيهن ‪ُ .-‬ث َّم يُ َ‬
‫صلِّى ثَالثا }‬

‫فماذا كان يقرأ؟‪ ،‬استمعوا حلديث سيدنا حذيفة ‪ ‬ملا صلى معه ليلة ‪:‬‬
‫{ صليت مع رسول َّللا صلى َّللا عليه وسلم ليلة فاستفتح بالبقرة‪،‬‬
‫قلت‪ :‬يقرأ بالمائة‪ ،‬ثم يركع‪ ،‬فلما جاوزها قلت‪ :‬يقرؤها في ركعتين‪ ،‬فلما فرغ‬
‫منها افتتح سورة آل عمران ‪ ،‬فلما بلغ النساء قلت‪ :‬يقرؤها في ركعة‪ ،‬فجعل‬
‫ال يمر بتس بيح وال تكبير وال تهليل ‪ ،‬وال ذكر جنة وال نار إال وقف فسأل أو‬
‫تعوذ ثم ركع }‬

‫و حضر إحدي هذه الليايل سيدنا عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬بعد أن استأذنه ‪‬‬
‫أن يضيفه لي شهد معه صالة القيام فأخذ يف القيام ووقف عن ميينه ‪..‬قال‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪ .56 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ت بِأَم ِْر َس ْو ٍء‪َ .‬قا َل‪ :‬قِي َل‪َ :‬و َما َه َمم َ‬
‫ْت ِبهِ؟ قَا َل‪َ :‬ه َم ْم ُ‬
‫ت‬ ‫{ َفأ َ َ‬
‫طا َل ‪َ ‬حتَّى َه َم ْم ُ‬
‫ِس َوأَدَ َع ُه }‬
‫أَنْ أَجْ ل َ‬

‫يعنى لشدة تعبه من طول القيام‪.‬‬


‫ومن عجب أنه ‪ ‬كان يطيل هذا القيام علي قدم واحدة ! زيادة يف‬
‫التبتل واإلبتهال ‪ ...‬والتضرع إيل اهلل ‪ ، .. ‬ولذلك كانت قدمه تتورم ‪ 29‬من‬
‫طول القيام حتى قال له ربه‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪        ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ويف قراءة ‪‬طَأْهَا‪ ‬أي أنزهلا فاستجاب هلل وصلي علي قدميه طاعة عمر‬
‫مواله ‪ .. ،‬وكان ‪ ‬يصلي مثاني ركعات‪ ،‬ثم يصلي الشفع والوتر‪.‬‬
‫وتعلمون أنه كان يقرأ يف اعويل من الشفع سورة اععلي‪ ،‬ويف الاثانية‬
‫سورة الكافرون‪ ،‬ويقرأ يف الوتر سور اإلخالص واملعوذتني‪.‬‬
‫وبعد ذلك كان يضطجع علي جنبه اعمين يستغفر اهلل ‪ ،‬حتى يؤذن بآذان‬
‫الفجر عمالً بقول اهلل تعاىل فى حمكم التنزيل ( ‪ 92- 97‬الذاريات)‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫وقت السحر لإلستغفار ‪...‬‬
‫من الذي قسم هذا التقسيم؟‬
‫إنه العزيز العليم ‪. ‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪57 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫صالة الرتاويح‬
‫أما صالة الرتاويح وهذا اللبس الذي حدث يف عصرنا‪ ،‬نتيجة ويا اعفا‬
‫وقلة الفهم‪ ،‬وسقم اعراء يف دين اهلل ‪ ‬فإن السدلف الصداحل كمدا قلدت‬
‫أمجعون قالوا إن رسول اهلل ‪ ‬كما ورد عنه مل يصلِّ الرتاويح إال ثالثة ليال‪ ،‬فيما‬
‫روته السيدة عائشة ‪:‬‬
‫صلَّى ِر َجالٌ‬ ‫صلَّى فِي ْال َمسْ ِ‬
‫جدِ‪ .‬فَ َ‬ ‫ف اللَّ ْي ِل ف َ َ‬ ‫{ أَنَّ َرسُو َل ّ‬
‫َّللاِ َخ َر َج مِنْ َجوْ ِ‬
‫ك‪ .‬فَاجْ َت َم َع أ َ ْكثَ ُر ِم ْن ُه ْم فَ َخ َر َج َرسُولُ ّ‬
‫َّللاِ‬ ‫صال َتِهِ‪ .‬فَأَصْ َب َح ال َّناسُ َي َت َح َّد ُث َ‬
‫ون بِ َذل ِ َ‬ ‫بِ َ‬
‫ُون َذل ِك‪ .‬فَ َكثُ ُر أ َ ْهلُ‬
‫صال َتِهِ‪ .‬فَأَصْ َب َح ال َّناسُ َي ْذكُر َ‬ ‫صلَّوْ ا ب ِ َ‬ ‫فِي اللَّ ْيلَ ِة َّ‬
‫الثا نِ َيةِ‪ .‬ف َ َ‬
‫ت اللَّ ْيلَ ُة الرَّ ابِ َع ُة‬ ‫صلَّ ْوا ب ِ َ‬
‫صال َتِهِ‪َ .‬فلَ مَّا َكانَ ِ‬ ‫ج ِد م َِن اللَّ ْيلَ َة َّ‬
‫الثال َِثةِ‪ .‬فَ َخ َر َج فَ َ‬ ‫ْال َمسْ ِ‬
‫َّللا ‪ .‬فَ َط ف َِق ِر َجالٌ ِم ْن ُه ْم‬ ‫ج ُد َعنْ أَهْ لِهِ‪َ .‬فلَ ْم َي ْخرُجْ إِلَ ْي ِه ْم َرسُولُ ّ ِ‬ ‫َع َج َز ْال َمسْ ِ‬
‫صالَةِ ْال َفجْ ِر‪َ .‬ف َلمَّا‬ ‫صالَةَ َف َل ْم َي ْخرُجْ إِ َل ْي ِه ْم َرسُولُ ّ ِ‬
‫َّللا َح َّتى َخ َر َج ل ِ َ‬ ‫ون‪ :‬ال َّ‬ ‫َي ُقولُ َ‬
‫ف َعلَيَّ‬‫اس‪ُ .‬ث َّم َت َش هَّدَ ‪َ ،‬ف َقا َل‪ :‬أَمَّا بَعْ ُد‪َ .‬فإِ َّن ُه لَ ْم َي ْخ َ‬
‫ضى ْال َفجْ َر أَ ْقبَ َل َعلَى ال َّن ِ‬ ‫قَ َ‬
‫‪62‬‬
‫صالَةُ اللَّ ْي ِل‪َ .‬فتَعْج ِ ُزوا َع ْن َها }‬
‫ض َعلَ ْي ُك ْم َ‬ ‫َشأْنُ ُك ُم اللَّ ْيلَ َة‪َ .‬ول ِك ِّني َخشِ ُ‬
‫يت أَنْ ُتفْ َر َ‬

‫إذاً هي نافلة‪ ،‬فكان الرجل يصلي مبفرده يف مسجد رسول اهلل أو غريه‬
‫من املساجد‪ ،‬وكان بعضهم يصلي مجاعة‪ ،‬حتى قيل كان يوجد يف املسجد‬
‫أكاثر من مجاعة‪ ،‬حتى جاء عمر ‪ ‬ورآهم وقدال عصدحاب رسدول اهلل‬
‫مشاوراً وكانوا ‪ ‬ال يصنعون أمراً إال عن مشورة إن كان يف أمور الدنيا ‪،‬‬
‫وإن كان يف أمور الدين‪ ،‬وأمرهم شوري بينهم كما مدحهم اهلل ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪ .58 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فقال ‪ ‬عصح اب رسول اهلل‪:‬‬
‫كان أمْثَ َل‪ .‬ث َّم َعز َم‬
‫ى ء واح ٍد لَ َ‬
‫ت هؤال ِء على قار ٍ‬ ‫{ إِني أ َرى لو َجمع ُ‬
‫ون بصال ِة‬ ‫صلُّ َ‬‫ليلة أُخرى والناسُ يُ َ‬ ‫ً‬ ‫ب‪ ،‬ث َّم َخ َرج‬ ‫بن كع ٍ‬ ‫ُ‬
‫فج َم َع هم على أبيِّ ِ‬
‫من التي‬ ‫ضلُ َ‬ ‫نامون عنها أف َ‬
‫َ‬ ‫عة هذهِ‪ ،‬والتي َي‬ ‫قار ئهم‪ ،‬قال عمرُ‪ :‬ن ِعْ َم البِ ْد ُ‬
‫ِ‬
‫‪63‬‬ ‫قومون ـ يُري ُد آخ َر اللي ِل ـ وكان الناسُ َي قُ‬
‫ومون أوَّ ل َه }‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َي‬

‫واختار عمر أبى بن كعب عنه مسع حضرة النا يقول ‪:‬‬
‫‪64‬‬
‫{ َأَ ْق َرأ ُ أ ُ َّمتِي أ ُ َب ّ‬
‫ي بْنُ َك ْع ٍ‬
‫ب}‬

‫وكانوا يسلمون للتخصدص الددقيا مدع أن عمدر كدان حيفدظ القدرآن‪،‬‬


‫ويستطيع أن يصلي هبم‪ ،‬وغريه من اعصحاب‪ ،‬لكنده زكَّد ي مدا زكَّداه‬
‫رسول اهلل‪ ،‬حتى يف الفت يا كان من أصحاهبا وكان من احملدثني وامللدهمني‪،‬‬
‫لكنه كان يقول عند أي فتيا أين علي ؟ ملاذا؟ لقول النبى فى احلديث أعاله‪:‬‬
‫ب}‬ ‫ض ٰى أ ُ َّمتِي َعل ِيٌّ بْنُ أَبِي َ‬
‫طال ِ ٍ‬ ‫{ َوأَقْ َ‬

‫انمروا إيل طاعتهم هلل ورسوله جتدون العجب العجاب !!!‬


‫فجمعهم علي أُبي بن كعب فصلي هبم عشرين ركعة‪ ،‬فلم يعرتض‬
‫علي ذلك أحد من اعصحاب‪ ،‬ومل نسمع قوالً منافياً لذلك أو معارواً لذلك‪ ،‬وما‬
‫كانوا ليصنعوا ذلك بدون أثر رأوه من رسول اهلل‪ ،‬حاشا عصحاب رسول اهلل‬
‫أن يصنعوا شيئاً من عندهم‪.‬‬
‫ولذلك قال اعئمة اعربعة إن فعل أُبي بن ك عب الدذي أقدرَّ ه عليده عمدر‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪59 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وأصحاب رسول اهلل هو العمل املرتضي‪.‬‬
‫ولذلك كنا إيل عصر قريب نصلي الرتاويح يف مجيع مساجدنا عشري ن‬
‫ركعة‪ ،‬ومل يكن يصلي الاثماني إال مساجد اجلمعيات الشرعية‪ ،‬فكانت‬
‫كل مساجد املسلمني يف القري واملدن تصلي عشرين ركعة‪ ،‬عهنا السنة‬
‫الواردة عن أصح اب رسول اهلل وقد قال ‪: ‬‬
‫ِّين‪َ ،‬عضُّوا َع َل ْي َها بال َّن َو ِ‬ ‫{ َع َل ْي ُك ْم ِب ُس َّنتِي و ُس َّن ِة‬
‫‪65‬‬
‫اج ِذ }‬ ‫الراشدين ال َم ْه ِدي َ‬
‫ِ‬ ‫الخلفاء‬
‫ِ‬

‫وافقهوا احلديث " علديكم بسدنتي " هدذه واحددة " وسدنة الخلفداء الراشددين‬
‫المهديين من بعدي" هذه واحدة أخري‪ ،‬وطبقاً لقواعد اللغة كان ينبغي أن يقول‬
‫"عضوا عليهما" عهنما ماثين‪ ،‬لكنه قال "عضدوا عليهدا" ‪ ..‬عن سدنته وسدنة‬
‫أصحابه سنَّة واحدة‪ ،‬عن أصحابه ‪ ‬ال خيتلفون عن حضرته ‪ ،‬وال يصنعون أمراً‬
‫إال إذا رأوا فيه سريته وسريرته صلوات ربي وتسليماته عليه‪.‬‬
‫طبعاً صالة الاثماني ليس فيها شيء‪ ،‬فالرتاويح أقلها ركع تان‪ ،‬فمن صلي‬
‫ركعتني ليس عليه شيء‪ ،‬ومن صلي أربعاً فلديس عليده شديء‪ ،‬عهندا صدالة‬
‫رغيبة ‪ ..‬كلما أكاثرت زدت من اعجر والاثواب‪ ،‬لكن الذي أقوله ال يقول‬
‫البعض أن الوارد عن رسول اهلل الاثماني ويستدلون حبديث السيدة عائشة يف غري‬
‫مووعه‪ ،‬فإن حدياث ها يف صالة التهجد اليت هي الاث لث اعخري من الليل ‪..‬‬
‫ولذلك رأينا حيت الوهابية يف البالد احلجازية حيافمون علي هذه السنن‬
‫فيصلون الرتاويح عشرين ركعة‪ ،‬ويصلون التهجد يف العشر اعواخر إحدي‬
‫عشرة ركعة‪ ،‬وهي الاثماني والشفع والوتر عن ذلك هو الوارد عن رسول اهلل ‪‬‬
‫وعن صحبه الكرام‪.‬‬
‫‪ .61 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫صالة القيام‬
‫إذاً يا أحباب ‪ ..‬من أراد أن يدخل يف رحاب املعية ‪ ..‬ال بد أن حيافظ‬
‫علي صالة القيام بني يدي اهلل ولذلك قال ‪: ‬‬
‫ِين َق ْبل َ ُك ْم‪َ ،‬و َم ْق َر َب ٌة لَ ُك ْم إلَى َربِّ ُك ْم‪،‬‬ ‫ام اللَّ ْي ِل‪َ ،‬فإ َّن ُه دَأ ْ ُ‬
‫ب الصَّالِح َ‬ ‫{ َعلَ ْي ُك ْم ِب قِ َي ِ‬
‫‪66‬‬ ‫اإلثم‪َ ،‬و َم ْ‬
‫ط َر دَ ةٌ ل َِّلدا ِء َع ِن الْ َج َس ِد }‬ ‫َو َم ْكفَ َرةٌ لِلسَّ ِّي َئاتِ‪َ ،‬و َم ْن َه اةٌ َع ِن ْ‬
‫ِ‬
‫ما مسعنا عن رجل من الصاحلني مل يكن له قيا م‪ ،‬بل قال الصاحلون‪:‬‬
‫ج ْل َسة "‬
‫"من لم تكن له في بدايته قومة؛ لم يكن له في نهايته ِ‬
‫أي جلسة أنس ومناجاة مع اهلل‪ ،‬عن اهلل يقول يف اخلطاب الذي يوجهه لسيدنا‬
‫دواود عليه وعلي نبينا أفضل الصالة وأمت السالم‪:‬‬
‫{ إن لي عبادا ً يح ُّبوني وأح ُّب هم‪ ،‬ويشتاقون إليَّ وأشتاق إليهم‪،‬‬
‫ويذكروني وأذكرهم وينظرون إليَّ وأنظر إليهم‪ ،‬فإن حذوت طريقهم أحببتك‬
‫وإن عدلت عن ذلك مقتُّك‪ .‬قال‪ :‬يا ربُّ وما عالمتهم؟ قال‪ :‬يراعون الظالل‬
‫بالنهار كما يراعي الراعي غنمه ( المالل إشارة إىل اعجسام) ‪،‬‬
‫ويحنون إلى غروب الشمس كما تحنُّ الطير إلى أوكارها‪ ،‬فإذا ج َن هم الليل‬
‫واختلط الظالم وخال كلُ حبـيب بحبـيبه نصبوا لي أقدامهم وافترشوا لي‬
‫وجوههم وناجوني بكالمي وتملقوا إليَّ بأنعامي‪ ،‬فبـين صارخ وباك‪ ،‬وبـين‬
‫وبسمعي‬ ‫أجلي‪،‬‬ ‫من‬ ‫يتحملون‬ ‫ما‬ ‫بعيني‬ ‫وشاك‪،‬‬ ‫متأوه‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪61 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ما يشكون من حبـي‪ ،‬أول ما أعطيهم أن أقذف من نوري في قلوبهم‬
‫فيخبرون عني كما أخبر عنهم‪ .‬والثاني‪ :‬لو كانت السموات السبع واألرضون‬
‫وما فيهما في موازينهم الستقللتها لـهم‪ .‬والثالث‪ :‬أقبل بوجهي عليهم أفترى‬
‫من أقبلت بوجهي عليه أيعلم أح ٌد ما أريد أن أعطيه ؟ }‬

‫ولذلك ورد أن املدينة يف عصر رسول اهلل ‪ ‬وعصور السلف الصداحل‬


‫روى اهلل عنهم أمجعني ‪ ،‬قالوا من طر شوارعها ليال كان يسمع هلم دويا يف‬
‫مساجدها ويف بيوهتا دوي كدوي النحل ‪ ،22‬الكل يقمان بني يدي من ال يغفل‬
‫وال ينام ‪ ..‬يناجون اهلل يف اعس حار‪ ،‬وقت السحر هو الذي يقول فيه احلبيب‪:‬‬
‫ث اللَّ ْي ِل اآلخِرُ‪،‬‬ ‫ِين َي ْبقَى ُثل ُ ُ‬
‫الد ْن َيا ح َ‬
‫{ َي ْن ِزلُ َر ُّب َنا كُلَّ لَ ْيلَ ٍة إلَى َس َما ِء ُّ‬
‫يب لَ ُه َمنْ َيسْ أَلُنِي َفأُعْطِ َي ُه َمنْ َيسْ َت ْغف ِ ُرنِي‪ ،‬فَأ َ ْغف َِر‬
‫ج َ‬‫َف َي قُولُ‪َ :‬منْ َي ْدعُونِي فَأَسْ َت ِ‬
‫لَهُ؟ }‪َ .69‬وفِي ِر َوا َيات‪َ { :‬حتَّى َي ْن َفجِ َر ال ُّ‬
‫ص ْب ُح }‪ { ،‬حتى يطلع الفجر أو ينصرف‬
‫القارئ من صالة الصبح }‬

‫وقت السحر وقت الفتوحات‬


‫وقت الفتوحات ووقت التنزالت للصاحلني والصاحلات هو وقت السحر‪،‬‬
‫حتى قيل أن سيدنا يعقوب عليه وعلي نبينا أفضل الصالة وأمت السالم عندما قال له‬
‫أبن دداءه ي ددا أبان ددا اس ددتغفر لن ددا ‪         ‬‬
‫‪(  ‬يوسفف قيدل أجدل اإلسددتغفار إيل وقدت السدحر ‪ ،70‬أى س ددوف‬
‫‪ .62 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫أستغفر لكم يف وقت السحر‪ ،‬عنه الوقت الذي جعله اهلل لعباده الصاحلني يفتح‬
‫هلم فيه خزائن اجلود اإلهلي وخزن الكرم الرباني‪ ،‬وبالطبع هذا ال يكون‬
‫للنائمني وال للغافلني وال للساهني‪ ،‬وإمنا هو للقدائمني والدذاكرين وللدراكعني‬
‫وللساجدين وللحاورين وللتالني ‪ ... ،‬وللمتوجهني بالكلية لرب العاملني ‪ ‬يف‬
‫هذا الوقت واحلني‪ ،‬وقال ‪ ‬ملن أراد أن يكون له مكانة عممي يوم القيامة‪:‬‬
‫وظاهِرُها مِنْ بَاطِ نِها‪ ،‬أ َ َع َّدها‬ ‫ظاه ِِر َها‪َ ،‬‬ ‫غ َرفا ً ي َُرى بَاطِ ُن ها مِنْ َ‬
‫{ إِنَّ في الج ّن ِة ُ‬
‫‪71‬‬
‫َّللا لِ َمنْ ‪ – ..‬وذكر منهم ‪ -‬وقا َم باللَّ ْي ِل وال َّناسُ نِ َيا ٌم}‬

‫وقيل فى اعثر ‪:‬‬


‫{ من صل َّي بالليل والناس نيام رفعت له يوم القيامة األعالم }‬

‫يكون هذا يف أول الصفوف يف طابور العرض اإلهلي يوم ‪  ‬‬
‫‪22 (    ‬الكهف) أول شيء يف طابور العرض‪ ،‬محلة اععالم النبوية‪،‬‬
‫واععالم احملمدية‪ ،‬واععالم اإلهلية‪ ،‬فمن أراد أن يدخل يف معية رسول اهلل فال‬
‫بد أن يكون له قيام هلل ‪ ،‬واهلل ‪ ‬فرض علينا ب س صلوات يف اليوم والليلة‪،‬‬
‫وفرض علي حبيبه فريضة سادسة يف قوله عزَّ شأنه‪:‬‬

‫(‪ 8-9‬املزمل)‬ ‫‪‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪        ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ملاذا؟ ‪ ..‬ووح اإلجابة سبحانه يف آية أخري وقال‪:‬‬

‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫(اإلسراء‪)71‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪63 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فهي عجل املقام احملمود‪ ،‬وعلم اهلل أشدوا أقدوام إيل أن يكوندوا مدع‬
‫حضرته يف معيته فأدخلهم معه يف هذا العمل و اعمل يف آخر املزمل فقال‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬
‫الطائفة اليت معك والذين يريدون أن يكونوا من أهل اخلصوصية ال بد أن‬
‫يكون هلم هذه اخلصوصية يف قيام الليل هلل ‪: ‬‬
‫‪ -‬منهم من كان يقوم الليل كله بركعتني كسيدنا عاثمان بن عفان‬
‫‪ ‬كان يقوم الليل بركعتني يقرأ فيهما القرآن كله‪.‬‬
‫‪ -‬ومنهم من كان يطيل فيه السجود كسيدي علي زيدن العابددين بدن‬
‫اإلمام احلسني ‪ ‬كان يطيل السجود يف الليل حيت مسي السجَّاد إلطالته‬
‫السجود بني يدي مواله ‪ ،‬وقد عرف هبذا اللقب الكاثريون أماثاله ‪ ‬ماثل‬
‫على بن عبداهلل بن عباس الذى كان يصلى ألف ركعة فى الليلدة ‪،78‬‬
‫و منهم من كان يصلي كل ليلة ثالمثائة ركعة كاجلنيد ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنهم – وهذا للعجب – حتى من النساء من كانت تصلي كل ليلة‬
‫ألف ركعة وهي السيدة رابعة العدوية ‪ ،‬وعندما سئلت عن ذلك؟ قالت‬
‫حتى يفتخر بي رسول اهلل ‪ ‬يوم القيامة‪ ،‬ويقول هذه امرأة من أميت صنعت‬
‫ما مل يصنعه رجالكم‪ ،‬فقهت احلديث‪:‬‬
‫‪73‬‬
‫{ َفإني أ ُ َباهِي ب ِ ُكمُ األ ُ َم َم َيوْ َم ْال قُ َيا َم ِة }‬

‫فأرادت أن يباهي هبا رسول اهلل‪.‬‬


‫‪ .64 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فانمر يا أخي مبَ يباهي بك رسول اهلل يوم القيامة؟ ما املزية اليت تقدمها لرب‬
‫الربية ويباهي هبا رسول اهلل يف هذه احلال بني أمم اهلل ؟ ال بد أن يكون لك مزية‬
‫يباهي هبا رسول اهلل اعمم‪ ،‬فكل واحد خيتار له مزية يبز فيها ويتفو فيها!‬
‫وال خيطر ببالك كيف كانت تصدلي ألدف ركعدة! والليدل عددد‬
‫ساعاته كذا؟ أو كيف كان يقرأ عاثمان القرآن كله يف ركعتني!‬
‫وساعات الليل كذا؟ فإن هلل أقواماً يطوي هلم الزمان !كما يطوي لغريهم‬
‫املكان ‪ ..‬اكراماً من الرمحن ‪ ‬هلم‪.‬‬
‫فكما أنَّ هلل رجاالً يقطعون اعرض كلها يف خطوة ‪ ،‬فله ‪ ‬رجال‬
‫يقطعون الليل كله يف حلمة! ويبارك اهلل هلم فيه فيقدمون هلل من اععمال ما ال‬
‫يقدمه غريهم يف ألف ليلة! ‪ ،‬هذه عنايات خاصة من اهلل لعباده املخصوصني‪ ،‬وما‬
‫عليك إال أ ن تَسْلُك‪ ،‬وربك ‪ ‬يصنع لك ما كان يصنع معهم‪ ،‬وما ذلك علي اهلل‬
‫بعزيز‪ ،‬عن اهلل ‪ ‬فتح أبواب فضله جلميع املؤمنني إيل يوم الدين ( اجلمعة)‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫فال بد لإلنسان من قومة! وإذا كان ا إلنسان متعباً يف وقت من اعوقات‬
‫فقد سهل إمامنا أبوالعزائم ‪ ‬العمل للمتعبني واملاثقلني يف هذه اعيام فقال ‪:‬‬
‫" تستطيع أن تصلي قيام الليل جمزءاً فتصلي أربعاً بعد العشاء‪ ،‬وتصلي أربعاً‬
‫قبل النوم‪ ،‬وتنام علي وووء كسنة احلبيب ‪ ،‬وتقوم قبل الفجر بقليل تصلي‬
‫أربعاً‪ ،‬ثم تصلي الشفع والوتر‪ .. ".‬هل هذا العمل عسري يا أحباب؟‬
‫أظن أن هذا عمل سهل ويسري ملن أراد أن يسلك هذا املسلك‪ ،‬ويدخل يف‬
‫معية احلبيب ‪ ، ‬فإن هذه املعية ال نستطيع وصفها‪ ،‬وال اإلحاطة بالدرجات اليت‬
‫جعلها اهلل ‪ ‬عهلها‪ ،‬وال بالعطاءات اليت خص اهلل ‪ ‬اعحباب املندرجني فيها‪،‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪65 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فإنه عطاء بغري حساب! ولكن املهم املداومة يا أحباب !! املداومة !!‪ ،‬ويَسَّر‬
‫احلبيب ‪ ‬للمدميني فقال ‪:‬‬
‫الفجر وصالةِ‬
‫ِ‬ ‫{ َمنْ َنا َم َعن حِزبهِ أو َعن شي ٍء من ُه فقرأَهُ ما بين َ‬
‫صالةِ‬
‫ِب له كأ َ َّنما قرأَه َ‬
‫‪74‬‬
‫من اللي ِل }‬ ‫الظهر ُكت َ‬
‫ِ‬
‫حتى يداوم‪ ،‬هذا إن كان قراءة ‪ ،‬ولكن لو فاتته ليلة ؟ أى قيامهدا!‬
‫فليؤدها من وقت حل النافلة إيل صالة المهر‪ ،‬يؤدي فيها الصالة هلل ‪ ‬اليت يداوم‬
‫عليها‪ ،‬حتى يكون من املدميني للعمل هلل الذين حيبهم اهلل جلَّ يف عاله‪.‬‬
‫فال بد لإلنسان أن يكون له قيدام مدن الليدل وال بدد أن يكدون لده تدالوة‬
‫لكتاب اهلل "فاقرؤا ما تيسر منه" فال يغلا املصحف ليلة العيد ويرتكه حيت يأتي‬
‫رمضان القادم فليس هذا من صنع العبيد الذين يأملون يف الرقي والعلو عند احلميد‬
‫ابيد ‪ ‬فال بد أن يكون له كل يوم تالوة للقرآن والرسول ‪ ‬وودح هدذا‬
‫املوقف فقال‪:‬‬
‫ِب م َِن‬ ‫ت لَ ْم يُ ْكتَبْ مِنْ الْ َغا فِل َ‬
‫ِين‪َ ،‬و َمنْ قا َم ِب َما َئ ِة آي ٍة ُكت َ‬ ‫{ َمنْ َقا َم ب ِ َع ْش ِر آ َيا ٍ‬
‫‪75‬‬
‫ِب مِن ال ُم َق ْنط ِِر َ‬
‫ين }‬ ‫ِتين‪َ ،‬و َمنْ قا َم بِأَلْ ِ‬
‫ف آي ٍة ُكت َ‬ ‫ْال َقا ن َ‬

‫أي الذين ارج حسناهتم بالقنطار إيل اهلل ‪ ، ‬ومعناه أن الواحد ال تقل‬
‫قراءته يف اليوم والليلة عن مائة آية‪ .. ،‬ومائة آية كم تستغر يف القراءة؟ ال‬
‫تزيد عن عشر دقائا! لكن املهم أن تكتحل العني بكتاب اهلل‪ ...‬وأن‬
‫تفتح اآلذان بسماع كالم اهلل ‪ ..‬وأن حترك اللسان بالنطا بكالم اهلل‪ ..‬فهذا‬
‫حتصني هلذه اععضاء من كل داء يف هذه احلياة ‪!!!!...‬‬
‫‪ .66 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وكان أصحاب رسول اهلل ‪ ‬أي يوم يصبحون وال يطالعون يف كتاب‪،‬‬
‫أو ال ينمر أحدهم يف كتاب اهلل ‪ ..‬يمل مكتئباً طوال هذا اليوم!! ملاذا؟‬
‫عنه مل يستفتح بكتاب ربه ‪.... ‬‬
‫فال بد أن يكون لك وردٌ قرآنيٌ دائم‪.‬‬
‫وأيضا البد أن يكون لك ورد من اإلستغفار لقول احلبيب ‪: ‬‬
‫َّللاِ َوأَسْ َت ْغف ِرُ هُ‪ُ ،‬ك َّل‬ ‫َّللاِ َواسْ َت ْغفِرُوهُ‪َ ،‬فإِ ِّني أ َ ُتو ُ‬
‫ب إِلَى َّ‬ ‫{ َيا أ َ ُّي َها ال َّناسُ ‪ُ ،‬تو بُوا إِلَى َّ‬

‫ك‪ْ ،‬اث َن َت ِ‬
‫ان‬ ‫ك‪ ،‬اللَّ ُه َّم إِ ِّني أَ ُتو ُ‬
‫ب إِلَ ْي َ‬ ‫َي ْو ٍم‪ِ ،‬م َئ َة َم رَّ ةٍ"‪َ .‬ف ُقلْت لَهُ‪ :‬اللَّ ُه َّم إِ ِّني أَسْ َت ْغف ِ ُر َ‬
‫‪76‬‬
‫ك‪ ،‬أَوْ َنحْ َو َه َذا }‬ ‫أَ ْم َواحِدَ ٌة؟ َف َقا َل‪ :‬ه َُو َذا َ‬

‫فعلي اإل نسان أال يقل عن مائة يف اليوم والليلة‪.‬‬


‫وال بد لإلنسان أن يدفع ما عليه من تكاليف الشفاعة وأقلها كما قال قرة‬
‫عينى عليه أفضل السالم وأمت التسليمات فى قوله ‪: ‬‬
‫ِين يُمْ سِ ي َع ْشراً‪ ،‬أ َ ْد َر َك ْت ُه َش َف َ‬
‫اعتِي‬ ‫صلَّى َعلَيَّ ح َ‬
‫ِين يُصْ بِـ ُح َع ْشرا ً َوح َ‬ ‫{ َمنْ َ‬
‫‪77‬‬
‫َي ْو َم ال قِ َيا َم ِة }‬

‫وبعد ذلك نقول كما قال ‪ ‬للرجل الذى قال له أن شرائع اإلسالم قد‬
‫كاثرت عليه وطلب منه أن خيربه ‪ ‬بشىء يتشبث به‪ ،‬أي فيه مجاع اخلري‪:‬‬
‫‪78‬‬
‫ك َر ْطبا ً مِنْ ِذ ْك ِر َّللا }‬ ‫{ فأخبِرْ ن ِي ِب َش يْ ٍء أَ َت َشب ُ‬
‫َّث ِبهِ‪ ،‬قا َل‪ :‬ال يَ َزالُ ل َِسانُ َ‬

‫وصلي اهلل علي سيدنا حممد وعلي آله وصحبه وسلم‬


‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪67 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪73‬‬
‫األخُوَّة فى اهلل نبعٌ للفتح العرفانى‬
‫أخوان القراء الكرام ‪..‬حنن كلنا أخوة ‪ ،‬وأبونا مجيعاً سيدنا رسول‬
‫اهلل اععمم ‪ ، ‬فكلنا مشمولني برعايته‪ ،‬منمورين بعني عنايته‪ ،‬وإذا كان‬
‫سيدنا رسول اهلل ‪ ‬قد خَصَّ رجالً ماثلي بالبيان‪ ،‬فقد قيل "البيدان خصوصدية‬
‫واخلصوصية ال تقتضي اعفضلية"‪ ،‬فالعطاء احملمَّدي مقسمٌ علي اجلميع‪ ،‬وكل‬
‫واحد منا له قسط من مرياث رسول اهلل ‪ ، ‬بعضنا أخذ قسطاً من علمه‪ ،‬وبعضنا‬
‫أخذ قسطاً من نوره‪ ،‬وبعضنا أخذ قسدطاً مدن خلقده‪ ،‬وبعضدنا أخدذ قسدطاً مدن‬
‫تفضالته‪ ،‬وبعضنا أخذ قسطاً من منحه وعطاءاته‪.‬‬
‫ورمبا يكون معنا العطاء‪ ،‬ويتلعلع يف قلبك النور والبدهاء‪ ..‬وأندت ال‬
‫تدري! عن هذا خري لك‪ ،‬عنك لو دريت رمبا أصابك الغرور ‪،‬أو اإلعجاب‬
‫بالنفس‪ ،‬فاملستور سرته اهلل ‪ ‬حتى حيفظ لك هذا السر املستور‪.‬‬
‫لكنَّا كلُّ نا واحلمد هلل لنا نصيب يف مرياث رسول اهلل ‪ ،‬ومن أعمم‬
‫ما ورثنا من احلبيب ‪ ،‬والذى هو باب قريب للفتح من املعطى ابيب ‪ ،‬هو ماأمرنا به‬
‫‪ ‬أن نعني بعضنا علي طاعة اهلل‪ ،‬وأن ننصح بعض عند خمالفة اهلل أو عصيان رسوله‪،‬‬
‫فليس منَّ ا من رأي أخاه علي معصية ومل ينبهه‪ ،‬عن هذا خمالف لشر و ط اعخوة ‪،‬‬
‫فمن شروط اعخوة أن ننبَّه الغافل‪ ،‬وأن نوقظ الساهي‪ ،‬وأن نأخذ بيد املستقيم ‪،‬‬
‫عننا إذا رأينا أخاً لنا علي معصية وتركناه‪ ،‬خدعناه‪ ،‬وسيأتي يوم القيامة ويأخذ‬
‫بتالبيبنا أمام اهلل‪ ،‬ويقول كما قال ‪ ‬فى احلديث الشريف الذى جيب أن نتنبه إىل‬
‫معناه ‪ ،‬ونعى كلماته وفحواه ‪ ...‬امسعوا يرمحكم اهلل ‪:‬‬
‫{ يجيء الرجل يوم القيامة متعلقا بجاره‪ ،‬فيقول‪ :‬يا ربُّ هذا خانني‪،‬‬
‫‪ .68 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فيقول‪ :‬يا ربُّ وعزتك ما خنته في أهل وال مال‪ ،‬فيقول صدق يا ربُّ ‪ ،‬ولكنه‬
‫‪80‬‬
‫رآني على معصية فلم ينهني عنها }‬

‫أخ أو جار ‪ ..‬ولذلك كان السلف الصاحل ‪ ‬أمجعون يقولون‪:‬‬


‫{ أخذ علينا العهد العام من رسول َّللا صلى َّللا عليه وسلّم أن ننصح كل‬
‫‪81‬‬
‫مسلم ولو لم يطلب هو منا ذلك‪ ،‬فكيف إذا استنصحنا }‬

‫لك ددن النص دديحة بالطريق ددة الصددحيحة‪ ،‬فالنصدديحة علددي امل دد أ فض دديحة‪،‬‬
‫والنصيحة بالطريقة الصحيحة أن أوجهه بلطف وبلني‪ ،‬وبطريقة ال جترح مشاعره‬
‫بني احلاورين أو اآلخرين‪ ،‬حتى ال حيس بأنه خمط ئ حتت بصرهم فرمبا دفعه‬
‫هذا للتنصل‪ ،‬فعلىَّ أال أشعره أنه غنب بني إخوانه و لكن أنصحه فيما بيين وبينه‪.‬‬

‫شروطها األخوة املوصلة‪:‬‬


‫ومن شروط اعخوة أن يقوم اإلنسان حبا إخوانه وقد ورد عنه ‪ ‬أنه‪:‬‬
‫{ دخل غيضة مع بعض أصحابه فاجتنى منها سِ َوا َكين أحدهما معوج واآلخر‬
‫مستقيم فدفع المستقيم إلى صاحبه‪ ،‬فقال له يا رسول َّللا كنت أحق‬
‫ً‬
‫ساعة من نهار إال سئل‬ ‫بالمستقيم‪ ،‬فقال ما من صاحب يصحب صاحبا ً ولو‬
‫‪82‬‬
‫عن صحبته هل أقام منها َّ‬
‫حق َّللا أم أضاعه }‬

‫و الساعة يف حديث املصطفي يعين حلمة فلو صحبت أخداك حلمدة فإندك‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪69 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ستسأل عن هذه الصحبة يوم القيامة‪ ،‬هل قمت حبقو أخيك؟ بأن تسلم عليه إذا‬
‫لقيته‪ ،‬وأن تلقه بوجه طلا‪ ،‬وتسأل عنه إذا غاب‪ ،‬وتعوده إذا مرض‪ ،‬وتعينه إذا احتاج‪،‬‬
‫وهتنئه إذا فرح‪ ،‬وتعزيه إذا أصيب‪ ،‬وأن تعينه علي عمل الرب ‪ ،‬وال تنس نصحه‪.. ،‬‬
‫ف هذه عجالة من حقو اعخوة س يسألنا اهلل ‪ ‬عنها وأنتم تدذكرون أن اهلل‬
‫يوقف أحدنا بني يديه ويقول له كما أخرب‪ ‬عن مواقف يوم القيامة‪:‬‬
‫ت َربُّ‬ ‫ك؟ َوأَ ْن َ‬
‫ْف أَعُو ُد َ‬ ‫ت فَلَ ْم تَع ُْدنِي‪َ .‬قا َل‪َ :‬يا َربِّ َكي َ‬ ‫ض ُ‬
‫{ َيا اب َْن آ َد َم َم ِر ْ‬
‫ت أ َ َّن َ‬
‫ك لَوْ‬ ‫ض َفلَ ْم تَع ُْدهُ‪ .‬أ َ َما َعلِ ْم َ‬
‫ْت أَنَّ َع ْبدِي فُالَنا ً َم ِر َ‬ ‫ِين ‪ .‬قَا َل‪ :‬أَ َما َعلِم َ‬
‫الْ َعالَ م َ‬
‫‪83‬‬
‫ع ُْد َت ُه لَ َو َج ْد َتنِي ِع ْن دَ هُ؟}‬

‫إذاً من الذي يطالب هبذه احلقو ؟ اهلل ‪ ‬وليس أصحاهبا‪ ،‬فشروط اعخوة‬
‫هي اليت أوجبت علينا هذه اإلجتماعات و اللقاءات‪ ،‬لندذكِّر بعضداً يف اهلل‪،‬‬
‫ونأخذ بأيدي إخواننا للنجاة‪ ،‬والناجي منا يأخذ بيد أخيه‪ ،‬وأكرمندا اهلل ‪‬‬
‫بكرمه ووسعنا بفضله وأعلم يف كتابه الكريم أننا سندخل اجلنة معاً‪:‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫كلنا مع بعض ‪ ،‬الناجي يأخذ بيد أخيه‪ ،‬حتى املقصر لن نرتكه !! فقد‬
‫وصف النا ‪ ‬مشهداً هلذه اعخوة فقال‪:‬‬
‫َّللا ‪ ‬إذا مات قبل صاحبه‪.‬وقيل له‪ :‬ادخل‬ ‫{ إنّ أحد األخوين في ّ‬
‫الجنة سأل عن منزل أخيه‪ ،‬فإن كان دونه لم يدخل الجنة حتى يعطي أخوه‬
‫مثل منازله‪ ،‬قال‪ :‬وال يزال يسأل له من كذا وكذا‪ ،‬فيقال إنه لم يكن يعمل مثل‬
‫عملك فيقول‪ :‬إني كنت أعمل لي وله‪ ،‬قال‪ :‬فيعطي جميع ما سأل له ويرفع‬
‫أخوه إلى درجته معه }‬
‫‪ .71 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫حماسن األخوة‬
‫ومن حماسن هذه اعخوة العممي املوصلة إىل فتح اهلل أهنا تبلغندا درجدات‬
‫ومقامات ال نناهلا بعمل وال عبادات ولو أطال اهلل أعمارنا آالف السنني‪ ،‬ملاذا؟‬
‫‪21‬‬
‫{ ْال َمرْ ُء َم َع َمنْ أ َ َحبَّ َيوْ َم ْال قِ َيا َم ِة }‬
‫معه يف نفس الدرجة ونفس املنزلة وإ ن كان دونه يف العمل إكراماً‬
‫من اهلل لعباده املؤمنني‪ ،‬قال احلبيب اععمم ‪: ‬‬
‫{ ما تحاب اثنان في َّللا إال رفع َّللا أقلهما مقاما ً إلى مقام صاحبه وإن كان‬
‫} ‪86‬‬ ‫دونه في العمل إكراما ً له‬
‫وهذا هو السر ‪ ..‬اعخ مع أخيه يف درجة واحدة ويف منزلة واحدة‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫كلهم يف درجة واحدة ‪  ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ،‬هذا ما جعل بالالً عند احتضاره يقول ل زوجته فرحا‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫{ َغ ًدا َن ْلقَى األَحِ َّب َة م َُحم ًَّدا َوح ِْز َبهُ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬ت قُولُ ام َْرأ َ ُت ُه ‪َ :‬و َاويْال ْه ! َف َقا َل‪:‬‬
‫َوافَ َر َحا ْه !} ‪ ، 87‬وقاهلا عمار فى صفني عند إلتقاء اعسنة وقبل استشهاده‬
‫‪88‬‬
‫اآلن ْألقَى األَحِ َّب َة م َُح َّم ًدا َوح ِْز َبه ُُ }‬
‫َ‬ ‫وكان آخر مامسعوه منه ‪{ :‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪71 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫معية واحدة وهي معية الصاحلني‪ ،‬سأل ‪ ‬عن الرجل ‪:‬‬
‫‪89‬‬
‫{ ُيحِبُّ ْال َق ْو َم‪َ ،‬ولَمَّا َيلْ َح ْق ِب ِه ْم؟ قال‪ْ : ‬ال َم رْ ُء َم َع َمنْ أ َ َح ّ‬
‫بَ}‬
‫وحيت لو جاء يف وسطهم من دنسته املعاصي أو لطخته الذنو ب أو امت أ من‬
‫رأسه إيل أبص قدميه بالعيوب فقد قال يف احلبيب احملبوب عالم الغيوب‬
‫طاءٌ‪ .‬إِ َّن َما َمرَّ فَ َجلَ َ‬
‫س‬ ‫ون ( أى املالئكة)‪َ :‬ربِّ ف ِ‬
‫ِيه ْم فُالَنٌ‪َ .‬ع ْب ٌد َخ َّ‬ ‫{ َقا َل‪َ :‬ف َي قُولُ َ‬
‫‪90‬‬
‫ت‪ُ .‬همُ ْال َق ْو ُم ال َ َي ْشقَى ِب ِه ْم َجلِيسُ ُه ْم }‬
‫َم َعهُ ْم‪ .‬قَا َل‪َ :‬ف َي قُولُ‪َ :‬ولَ ُه َغفَ ْر ُ‬

‫فكل من جيالسهم ال يشقي أبداً‪ ،‬ال هنا وال هناك! بسر هذه اعخوة‬
‫اليت أمرنا اهلل ‪ ‬أن حنرص وحنافظ عليها ونعتز هبا‪ ،‬عهنا سر النجاة‪ ،‬و نيل املنازل‬
‫العممي فى هذه احلياة ‪ ،‬و مع حبيب اهلل ومصطفاه يوم لقاء اهلل جلَّ عاليف عاله‪،‬‬
‫فاحلمد هلل الذي أكرمنا وحنن يف آخر الزمان وجعل احلبيب ‪ ‬يصفنا‬
‫ويشتا إلينا وحي دث أصحابه عنا ويشوقهم للقائنا‪:‬‬
‫{ لَ ْي َتنِي أ َ َرىٰ إ ِ ْخ َوانِي ‪ -‬ومل يقل أحبابي أو أتباعي ولكن رفعنا إيل درجة‬
‫اعنبياء عن إخوانه هم اعنبياء ‪َ -‬و َر ُدوا َعلَيَّ الْ َحوْ َ‬
‫ض فَ أَسْ َت ْق ِب لُ ُه ْم بِاآل نِ َيةِ فِي َها‬
‫َّللا أَ َلسْ َن ا‬
‫ِيه ْم مِنْ َحوْ ضِ ي َق ْب َل أَنْ َي ْد ُخلُوا الْ َج َّن َة‪ ،‬قِي َل‪َ :‬يا َرسُو َل َّ ِ‬
‫ش َرابُ‪َ ،‬فأ َسْ ق ِ‬
‫ال َّ‬

‫إِ ْخ َوانَ َك ؟ َقا َل‪ :‬أَ ْن ُت ْم أَص َْحابِي‪َ ،‬وإ ِ ْخ َوانِي َمنْ آ َم َن بِي َولَ َم يَ َرنِي} ‪ 91‬وفى رواية‬
‫أنس‪َ { :‬م َتىٰ أَ ْلقَىٰ إ ِ ْخ َوانِي ؟ ‪ ،..‬أَ َنا إِلَ ْي ِه ْم بِاأل ْش َو ِ‬
‫اق } ‪ 92‬وقال‪ { :‬إِنَّ مِنْ‬ ‫َ‬

‫َو َرائ ِ ُك ْم فِ َتنا ً َكق َِط ِع اللَّ ْي ِل الم ُْظل ِِم ل ِْل ُم َت َمسِّكِ فِيها ِب م ِْث ِل الَّذِي أَ ْنتُ ْم َعلَ ْي ِه أَجْ ُر‬
‫ين ِم ْن ُك ْم‪ ،‬قيل‪ :‬بل منهم يا رسول َّللا‪ ،‬قال‪ :‬ال َ بَ ْل‬ ‫َخ مْ سِ َ‬

‫‪‬‬
‫‪ .72 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ون َعلَ ْي ِه أَعْ َوانا ً}‪.‬‬
‫الخي ِْر أَعْ َوانا ً َوال َ َيجِ ُد َ‬ ‫ِم ْن ُك ْم ألَنَّ ُك ْم َتجِ ُد َ‬
‫‪93‬‬
‫ون َعلَى َ‬

‫زمان كله ظلمات‪ ،‬القابض فيه علي دينه كالقابض علي اجلمر‪ ،‬ولذلك‬
‫قال يف احلديث اآلخر صلوات ربي وتسليماته عليه‪:‬‬
‫‪94‬‬
‫ك ِب ُس َّنتِي عِ ْن َد َف َسا ِد أ ُ َّمتِي َفلَ ُه أَجْ ُر ِما َئ ِة َش ِه ي ٍد }‬
‫{ َمنْ َت َم َّس َ‬

‫عنك يف زمن شديد !! فيا بشراكم‪ ،‬وقد قال اإلمام أبو العزائم‬
‫‪ ‬ليعلن أننا املعنيني هبذه البشارة وهبذا الشو ‪:‬‬
‫ومتين يرآنا بقدول صددراح‬ ‫بشري لنا اشتا احلبيب لذاتنا‬
‫سيدنا رسول اهلل يتمين يرانا‪ ،‬ما هذه املنزلة العميمة اليت حنن فيها وال نلقى‬
‫إليها باالً؟! حنن يف منزلة عميمة! ولكن شغلتنا الدنيا ! وأنستنا هذه املنزلة ‪،‬‬
‫فنحن ماثل طفل صغري ابن للملك وهو ويل لعهده‪ ،‬وهو ال يدرى!! عنه صغري السن ‪،‬‬
‫وال يعقل هذه املنزلة‪ ،‬ف من حوله يعممونه ويكرمونه وهو ليس هنا !!‪.‬‬
‫وكذلك حنن ‪ ..‬فالسموات واعراوني ومن فد يهن ‪ ..‬ومدا علديهن ‪..‬‬
‫واملالئك ددة الك ددرام والك ددروبيني وأهددل عددالني وأهددل علدديني ‪ ..‬وك ددل‬
‫ملكوت اهلل الروحانيني ‪ ..‬يعممونك ملا يف قلبك من نور هذا النا اعمني !!‬
‫وأنت ال تدرى !!‪ ،‬أغلب املسلمني ال يلقى باالً هلذه القضية إال عندما يقال له‪:‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أأنا كنت يف هذه املنزلة وال أدري !! ما هذه املنزلة العميمة؟‪ ،‬واهلل‬
‫حتى الصبيان فى املدينة كانو يعلمون هذه املكانة‪ ،‬أنمر إىل غالم من املواىل‬
‫لعب مع أترابه من قريش أصحاب احلسب وكل يقول من أبوه؟ فجاء دوره فقال‪:‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪73 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪11‬‬
‫{ أنا ابن من سجدت لـه المالئكة !‪ ،‬فقالواالصبية‪ :‬من هو؟ فقال‪ :‬آدم }‬

‫هذه املكانة ! ‪ ..‬سألوا فيها سيدنا سلمان الفارسي ‪ ‬يقولون له‪:‬‬


‫‪96‬‬
‫{ ابنُ َمن َ‬
‫أنت؟ يقول‪ :‬أنا سلمانُ ابن اإلسالم من بني آد َم }‬

‫جلس مرة مع قوم يتحدثون عن نسبهم احلسي الطيين ونسوا وتناسوا‪ ،‬أي‬
‫نسب طيين مهما عال هنايته آدم أن كلكم آلدم وآدم من تراب‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫‪97‬‬
‫بقيس أو َت ِم يم‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫افتخ رُ وا‬ ‫إذا‬ ‫أب لِي سِ َواهُ‬
‫أبـي اإلسال ُم ال َ‬
‫أنا فخري كله باإلسالم‪ ،‬عنه هو الذي جعل يل منزلدة ال تبداري وال‬
‫تداني‪ ،‬أال تدري أن املالئكة مسخرة لك‪:‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬ثم حنن جندكم وطوع أمركم ‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فجندك املالئكة‪ ،‬ما خلا اهلل ‪ ‬اعرض وما عليها وما يف بطنها وال‬
‫السموات وما فيها إال لك‪ ،‬يقول اهلل تعايل فيما أوحى إىل نبيه داوود‪..:‬ياداود‬
‫{ ياداود‪ ،‬أنظر ! ال أفوتك أنا فيفوتك كل شيء‪ ،‬فإني خلقت محمدا ً ‪‬‬
‫ألجلي‪ ،‬وخلقت آدم ‪ ‬ألجله‪ ،‬وخلقت عبادي المؤمنين لعبادتي‪ ،‬وخلقت‬
‫األشياء ألجل ابن آدم‪ ،‬فإذا اشتغل بما خلقته من أجله‪ ،‬حجبته عما خلقته من‬
‫‪98‬‬
‫أجلي}‬
‫‪ .74 ‬الثانى ‪ :‬التأسى بالرسول وصحبه الكرام ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫من الذي حيتاج الشمس والقمر والنجوم والبحار واعهنار واملزروعات‬
‫واحليوانات والطيور واعمساك‪ ،‬من الذي حيتاج ذلك؟ أنت‪:‬‬

‫‪       ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫كله مسخر لك حتى اجلنة لِمَ خلقها اهلل؟‪ ..‬لينعمك فيها وليكرمك‬
‫فيها دار نعيم لك ودار تكريم لك‪ ،‬هل حتتاجها املالئكة؟‬
‫إهنم فيها خدام!! ‪ ،‬هل حيتاجها من خلقها؟ حاشا هلل! فخلقها اهلل لك‬
‫لتتنعم فيها وتكرم فيها‪ ،‬وجتاوراحلبيب املختار والنبيني والصديقني واعخيار‬
‫والصاحلني فيها ‪ ، !..‬خلا اهلل لك كل شيء ‪ ..‬وسخر لك كل شيء‬
‫ليعلمك أنك لك شدأن عندد اهلل رمبدا جتهلده بغفلتدك‪ ،‬رمبدا تنسداه بسدهوك‬
‫وواللتك فأرسل اهلل النا املختار ليبصرك هبذه احلقيقة والعارفون ليوقفوك علي‬
‫هذه الطريقة لتعلم أنك أنت وحدك املعين هبذه اعكوان يف نمر الرمحن ‪! ‬‬
‫من املدلل يف اعكوان كلها؟ ‪..‬اإلنسان ‪!!..‬‬
‫واإلنسان املؤمن جعل اهلل ‪ ‬اعكوان كلها حتت قدميه عنه يقف يف‬
‫مقعد صد عند مليك مقتدر وحتت قدميه اعكوان كلها عاليها ودانيها‪،‬‬
‫فاحلمد هلل يا أحباب أكر منا اهلل هبذه النسبة وأعدال شدأننا هبدذا اإلنتسداب إيل‬
‫رسول اهلل‪ ،‬النسبة النورانية اليت من أجلها مجعنا اهلل لنحاول أن نقوي هذه الروابط‬
‫الروحانية ونعلو مبا فينا من مواهب نورانية علي الشهوات اجلسمانية وعلي اعهواء‬
‫النفسانية حيت ننال املنازل العلية‪.‬‬
‫نسأل اهلل ‪ ‬أ ن يعيننا علي أنفسنا وأن يقوينا علي جهادها وأن يتفضل علينا‬
‫فيعلي شأننا عنده ويرفع قدرنا لدنه وجيعلنا دائماً وأبدداً منمدورين بعدني عنايتده‬
‫ملحوظني بعني رعايته‪ ،‬وصلي اهلل علي سيدنا حممد وعلي آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪75 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬

‫‪‬الفصل الثالث‪‬‬
‫‪ ‬أطوارُ اإلنسان الظاهرةُ والباطنة ‪‬‬
‫‪11‬‬

‫الرِّجَالُ فِى الْقٌرْآن‬

‫الطَّور األول‬

‫الرُّجُوعُ إىل اهلل‬

‫جهادُ النفسِ عَلى هنْج السَّابقني‬

‫الشيخُ أعْدَى أعْداءِ النفس‬

‫قِسْ نَفْسَكَ‬

‫وَرثَةُ النَّبِيني‬
‫‪  76 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫مقام الصِّبَا فى القرآن‬

‫طوبى ملن شغله عيبه‬

‫الفتوَّةُ فى القرآن‬

‫خطاب احلقائق‬

‫رجالٌ على األعراف‬

‫رجال الدعوة‬

‫رجال الطهارة‬

‫رجال الصدق‬

‫رجالٌ أفردهم اهلل لذاته‬

‫الرجل‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪77 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫‪‬‬

‫الرجال فى القرآن‬
‫عندما يتحدث القرآن عن أوصاف الرجدال الدذين ذكدرهم اهلل يف‬
‫صريح الفرقان‪ ،‬فإن القرآن وبيدان الدنا العددنان ‪ -‬دائمداً وأبدداً ‪ -‬وهدذا مفتداح‬
‫لكم‪ ،‬يتحدثون عن معانى علية وحقائا ربانية‪ ،‬وليس ع ن أجسام صورية وال‬
‫عن حقائا دنية‪ ،‬عن كالم اهلل ‪ ‬خياطب القلوب واعرواح ‪..‬مبعانٍ‪ ،‬أبرز‬
‫مالحمها الكريم الفتاح ‪ ‬ويا هناءة من فقه اخلطاب !!‬
‫فعندما يتكلم اهلل ‪ ‬عن الرجال‪ ،‬يتكلم عن مقامات وترقيات‬
‫ودرجات وعنايات‪ ،‬وصل إليها السدالكون بصدد وإخدالص‪ ،‬فخلدع اهلل ‪‬‬
‫عليه م هذه املقامات‪ ،‬هذا غري الكالم بالنسبة للماهر واملماهر‪ ،‬وإن كان‬
‫هناك عالقة رمزية‪ ،‬ولكنها خفية‪ ،‬ال تمهر إال عهل النفوس التقية الزكية‪.‬‬
‫كيف ذلك ‪ ..‬نبني فنقول أن املتعارف عليه عندنا أن الرجل هو الذي‬
‫جتاوز سن البلوغ‪ ،‬وأصبح له هيئة خمصوصة فى شكل اجلسم وطوله ومالمح‬
‫وجهه‪ ،‬وبعض ما خيصه به اهلل وتمهر يف جسمه‪ ،‬فالرجل طويل القامة عدريض‬
‫املنكبني‪ ،‬يف وجهه شعريات يف وجنتيه‪ ،‬ويتميز صوته بشديء مدن عالمدات‬
‫الفحولة والرجولة‪ ،‬هذا هو الرجل باختصار شديد ‪ ...‬يف معناه الماهر‪.‬‬

‫الطور األول‬
‫ولكن ‪ ..‬عندما يتحدث اهلل ‪ ‬عن الرجال يف القرآ ن‪ ،‬ال يقصد هذا‬
‫املعين إطالقاً‪ ،‬وإمنا يقصد معاني عالية ومقامات راقية وإشارات سامية !!‬
‫‪  78 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فإن اإلنسان كما قال فيه اهلل ‪ ‬يف القرآن‪:‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫جعل لإلنسان أطواراً مير هبا منذ تكوينه قبل القبل إيل يوم الدين‪ ،‬ويف الدنيا‬
‫جعل اهلل عز أطوار اً جلسمه‪ ،‬مل يكن شيئاً مذكوراً‪ ،‬ثم خلقه إنساناً وجعله‬
‫مير باملراحل اليت بينها يف القرآن‪ ،‬طفل صغري‪ ،‬ثم صا‪ ،‬ثم يافع‪ ،‬ثم فيت‪ ،‬ثم‬
‫شاب‪ ،‬ثم رجل‪ ،‬ثم شيخ‪ ،‬ثم كهل ‪ ..‬فهذه مراحل مير هبا اإلنسان يف‬
‫أطوار بنيانه ولكل طور عالماته ‪ ..‬وبالطبع ليس هذا موووعنا‪.‬‬
‫وكذلك جعل اهلل ‪ ‬لكل إنسان يف سريه وسلوكه إيل ربه ومواله‬
‫أطواراً‪ .. ،‬هذه اعطوار اتلف مع اختالف املعانى ‪ ..‬ومع اختالف اعدوار‬
‫حبسب ما بيَّن اهلل‪ ،‬وووح النا املختار ‪.‬‬
‫فاإلنسان حتى يبدأ سريه مع اهلل ال بد أن يرجع إيل مقام البداية‪:‬‬

‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ال بد أن يرجع إيل الطور اعول‪ ،‬وأنه مل يكن شيئاً مع حضرة اعول ‪.‬‬
‫كيف يتم له ذلك؟ ‪ ...‬ينسب ما هلل هلل ‪،‬وخيرج بعد ذلك فيجد نفسه‬
‫يف حضرة اهلل‪ ..‬ليس له طول وال حول وال قوة وال أمر ‪،‬وإمنا هو ك ريشة ملقاة‬
‫يف فالة ‪،‬والذي حيركها هو حضرة اهلل جل يف عاله‪.‬‬
‫فبدون أن يرجع إيل هذه البداية؛ إذاً ما زالت النفس باقية ومتيقمة‪ ،‬ولذلك‬
‫يري لنفسه فعالً !ويري لنفسه كياناً ! ويري لنفسه يف الكون جاهاً ! ويري‬
‫لنفسه حقوقاً! ويري للناس عليهم واجبات ! جيب أن يقوموا هبا‪...‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪79 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫بل رمبا يتغايل فيمن أن هلل ‪ ‬عليه حقوقاً جيب أن يتمَ أمره بفعلها‪ ،‬عنه‬
‫يري لنفسه شيئاً‪ ،‬واإلنسان إذا الت عنه قدرة الرمحن ماذا فيه؟ وماذا بقي له؟!‬
‫اذا أخذ اهلل ‪ ‬منك بضاعته ماذا بقي لك؟! لو أخذ اهلل من اإلنسان ما خيدص‬
‫حضرة الرمحن ماذا بقي لإلنسان؟! ترا ب!‪ ،‬طني!‪ ،‬ماء مهني !‪ ،‬وإن كدان‬
‫كل ذلك نِعم من رب العاملني هو الذي خلقها و أبدعها وأحكمها‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬

‫الرجوع إىل اهلل‬


‫ولذلك فإن ‪ ،‬بداية سريهم بداية السري اليقيين عهل اليقني هلل ‪ .. ‬هى ف ى‬
‫قول إمامنا ومرشدنا اإلمام أبوالعزائم ‪:‬‬
‫أو طفيال ً في أول األدوار‬ ‫كن كما كنت طينا ً أو منيا ً‬

‫فارجع إيل هذه احلقيقة‪ ،‬وإذا مل تستطع أن ترجع إيل هذه احلقيقة؟؟ إذاً ما‬
‫زال أمامك جهاد كبري ! حيت تبدأ الرجوع إيل العلي الكبري ‪.‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ال بد من الرجوع إيل اهلل ‪. ‬‬
‫عن اهلل تندزه فال حيب لذاته وال مع ذاته شريكاً‪ ،‬هو عليم ال حيب أن‬
‫يمهر عبده بأنه عامل ‪،‬وإمنا حيب أن يري عبده دائماً وأبداً أمام حضرته جهوالً يطلب‬
‫من اهلل ‪ ‬التعليم ‪ ..‬يعلمه العليم ‪. ‬‬
‫وهو ‪ ‬عل يّ ال حيب من عبد أن يتعايل علي أي شيء‪ ،‬ولو صغري يف هذا‬
‫الكون الدنيّ‪ ،‬بل ينمر إيل حقيقته هو ذاته! ويري أن كل ما فيه‪ ..‬فإمنا هو‬
‫‪  81 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فضل اهلل‪ ،‬وكرم اهلل‪ ،‬ومنن اهلل وعطاءات اهلل ‪..‬تفضَّل هبا عليه اهلل‪ ،‬وإال لدو‬
‫كان عنده شيء!! لكان غنياً!! واهلل ‪ ‬يطلب الذين يريدون رحابه أن‬
‫يرتدون جلباب الفقر ( ‪ 91‬فاطر) ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪        ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فمن يري معه حاالً ال جيمله اهلل حبال‪ ،‬ومن يري معه علماً ال يتفضل اهلل عليه‬
‫بعلم من لدنه‪ ،‬ومن يري معه قوة ال يتفضل اهلل ‪ ‬عليه بقواه الماهرة أو اخلفية‪ ،‬فال‬
‫بد من العجز‪ ،‬ولذلك أهل الوالية هم أهل العجز فال يرون عنفسهم حقيقة وال‬
‫حوالً وال طوالً وال أمراً‪:‬‬
‫أســـرار توحيده بالحال والقال‬ ‫قد أكرم َّللا أهل العجز علَّ مهم‬

‫وأنا أتكلم هنا عن طالب اليقني‪ ،‬الذين يريددون أن يسدافروا إيل رب‬
‫ال عاملني‪ ،‬ليصلوا إيل مقام علم اليقني‪ !..‬أو عني اليقني‪ !..‬أو حا اليقني ‪ ،!..‬أما‬
‫طالب دار السالم فهذا أمر ال نتحدث عنه اآلن‪.‬‬
‫مَن نتحدث عنهم مرادهم السالم ال دار السالم‪ ،‬مرادهم الكريم‬
‫وليس بيت التكريم‪ ،‬مرادهم املتفضل وليس الفضل الذي يغدقه علي عباده‬
‫املقبلني وال عابدين والزاهدين‪ ... ،‬مرادهم اهلل ‪!!...‬وهؤالء يقول فيهم‬
‫اإلمام أبوالعزائم ‪:‬‬
‫"من كان َّللا مراده كان مقعد صدق وراء ظهره"‬

‫هؤالء الرجال ‪ ..‬جعل اهلل ‪ ‬هلم مقامات يف عامل احلقيقة يرتقون فيها‪،‬‬
‫فبدايته ابتداءً من حقيقة توبته !‪ ،‬إذا حتقا أن اهلل ‪ ‬تاب عليده‪ ،‬فدذلك تداريخ‬
‫ميالده‪ ،‬وبدء سريه وسلوكه إيل ربه ‪!! ‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪81 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫لذلك قيل لرجل منهم كم عمرك؟ قال‪ :‬أما يف عامل اخللا فخمسون‬
‫عاماً‪ ،‬وأما عند اهلل ‪ ‬فعامني!‪ ،‬قيل‪ :‬كيف ذلك؟ قال عندي بددأت سدريي‬
‫وسلوكي مع اهلل منذ عامني فقط فليس يل إال عامني مع اهلل جل يف عاله‪.‬‬
‫فإذا تَخَلَّي تَحَلَّي‪ ،‬حاله اهلل ‪ ‬جبماله‪ ،‬وكمله بكماله‪ ،‬وخلقه بأخال‬
‫اهل وصاله‪ ،‬ومجله بنعوت املقبلني عليه يف قرآنه ويف صحيح كالمه‪ ،‬فيبدأ مع‬
‫اهلل ‪ ‬طفالً !! والطفل ال ميلك لنفسه وراً وال نفعاً وال فعالً وال تركاً وال‬
‫موتاً وال حياةً وال نشوراً‪.‬‬
‫وتلك هى ياإخوانى حقيقة الويل ال صاحل مع ربه‪ ،‬يري أن اهلل ‪ ‬هو الدذي‬
‫حيتضنه بعنايته‪ ،‬ويغذيه بنعمائه‪ ،‬ويربيه آنة بنعمائه‪ ،‬وطوراً ببالءه!! عن البالء مع‬
‫الصاحلني رباية عميمة ‪ ،..‬طوراً هبذا ‪ ..‬وطوراً بذاك‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪        ‬‬
‫‪                    ‬‬

‫هنج السابقني‬ ‫جهاد النفس على‬


‫فيكل اعمور كلها علي اهلل‪ ،‬ويعتمد علي مواله‪ ،‬ويستمد من اهلل كل‬
‫حوله وطوله‪ ،‬عن اإلنسان يف احلقيقة ال يستطيع أن جياهد أي حقيقة يف داخله إال‬
‫إذا منَّ عليه مواله بعونه وبتوفيقه واله‪.‬‬
‫مَن الذي يستطيع منا لو تُرك لنفسه والَّي عنه ربه أن جياهد نفسه؟‬

‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومن الذي يستطيع أن جياهد نفسه بنفسه؟ من الذي يستطيع أن يتحصن من‬
‫الشيطان إذا الت عنه عناية الرمحن؟ ال أحد !! مهما كان قربه عند الواحد‬
‫‪  82 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫اعحد !!‪ ،‬ولذلك رأينا من بلغ أعلي املقامات ‪ ..‬ويف حلمة الت عنه عناية اهلل‬
‫فنزل إىل أحط الدركات ‪.....‬‬

‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪            ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪       ‬‬
‫أصبح الشيطان هو التابع له !!! وليس هو التابع للشيطان‪.‬‬
‫إذاً ال يستطيع اإلنسان أن جياهد أي حقيقة من احلقائا‪ ،‬إال إذا قدوَّاه اهلل‪،‬‬
‫وأعانه اهلل وبلغه بفضله وطَوْله و حَوْله وقوته مناه ‪...‬‬
‫مَن الذي يستطيع أن ميحو من القلب صور اعكوان ‪،‬وجيعله مرآة صافية‬
‫صاحلة لتجَّلي حضرة الرمحن؟ وأى عبادات يسدتطيع أن يفعدل هبدا ذلدك؟ وأى‬
‫اععمال حتى من كتاب اهلل ومن سنة رسول اهلل يتم له هبا ذلك؟ ولذلك اإلمام‬
‫أبوالعزائم ‪ ‬وأرواه فسر لنا هذه احلقيقة فقال عن نفسه‪:‬‬
‫جهادي لها فوق قدر البطل‬ ‫طبائع نفســـى عناديــــــة‬

‫أغثنى واشف جميع العلل‬ ‫وأمارتى ســــارعت للجفا‬

‫إذا سار عت للجفا من الذى يستطيع أن جياهد‪ ،‬مع علم اليقني أن اهلل ‪ ‬لو‬
‫نمر إليك نمر سخط أو غضب وأنت علي أى حال دخلت يف قول اهلل ‪: ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫ولو كنت علي أعمم اعخطاء‪ ،‬ونمر إليك اهلل نمر الروا‪ ،‬ونمر إليك‬
‫بعني رمحته ووداده‪ ،‬طهَّرك من اخلطايا ‪ ،‬وجعلك من عباده الصاحلني ابتبني‪ ،‬فبعد أن‬
‫وصف هذه النفس‪ ..‬وقام باجلهاد ‪ ..‬استغاث ‪ ‬برب العباد وقال‪:‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪83 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫هب لى اعتصاما ً بالشرع منك األمين‬ ‫موال إني عاجز عن كبحها‬

‫هذا الكالم … بعدما جاهد‪.‬‬


‫أخي ‪ ..‬وحبيا ‪ ..‬وصفيِّ … وخِلِّي ‪ ..‬ووفىِّ ‪ ..‬اعلم علم اليقني‬
‫أنك لن تذو قطرة من رحيا الصاحلني ! إال بعد اجلهاد حا اجلهاد علي مندهج‬
‫السابقني ! كما أنبأ رب العاملني ‪ ،.. ‬ومن منَّي نفسه بأن ينال شيئاً من رائحة‬
‫الوصول بدون اجلهاد‪ ،‬فهذا من رعونة نفسه!!‪ ،‬وهذه دعوة حتتاج إيل بينة !!‪،‬‬
‫كيف ينال فضل اهلل بدون جهاد؟ مع قول اهلل‪:‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ويف اجلهاد تضحك النفس علي كاثري من اعفراد‪ ،‬وتبني له ميادين للجهاد‬
‫يمن أنه وصل إيل كمال اجلهاد‪ ،‬وهو بعيد بالكلية عن املنهج الذي حدده اهلل ‪‬‬
‫لتصفية القلب والسر وإنارة الفؤاد‪ ..،‬بعيد عن املنهج املطلوب !!!‬
‫وهذا املنهج ال يُتلقي إال من وارث رباني‪ ،‬وال يستطيع أي صفيِّ أن يصل إيل‬
‫ذلك مبفرده‪ ،‬ولو استقام علي طاعة املالئكة املقربني بدون مرشدد يرشدده‪،‬‬
‫ويوجهه‪ ،‬ويأخذ بيده حتى يدخله علي سيد اعولني واآلخرين ‪.‬‬
‫أكاثر املريدين وقع يف رعونة النفس‪ ،‬وأكاثرهم استمر ما توسوس‬
‫به نفسه إليه!‪ ،‬وظن أنه بذلك بلغ الغاية‪ ،‬أو سيبلغ درجات القرب والنهاية‪ ،‬ولكن‬
‫هذا سيأتي عليه يوم ويندم !! عندما يقال له‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فريى نفسه بعيداً‪ ..‬عنه أبعد نفسه عن طريا املقر بني‪ ،‬ومل جيعل نفسه حتت‬
‫والية الصاحلني‪ ،‬بل أصر علي أن جيعل نفسه هو املهيمن علي نفسه‪ ،‬وهو الوىل عليها‬
‫‪  84 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وهو الذي يعطيها اعوامر‪ ،‬وهو الذي يلهمها ‪ ،‬ويتوىل رعايتها !! وهذا ال يكون‬
‫عن هذا منهج ليس يف السابقني‪ ،‬وال الالحقني‪ ،‬وإمنا هو منهج الرعونة والدعاوي من‬
‫البع يدين يف كل وقت وحني ‪ ...‬ال تتم والية اهلل ‪ ‬لعبد‪ ..‬إال إذا ملَّك‬
‫نفسه لعارف رباني ‪ ..‬وعمل بقول الله ‪ 65( ‬النساء)‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الشيخ أعدى أعداء النفس‬


‫وهذا ما ال ترواه النفس إال إذا حلقتها العناية‪ ،‬ولذلك قال بعضهم ‪:‬‬
‫"لو قيل للنفس ما أعدي عدو لك؟ ولو ملكك َّللا السلطة! قتلتيه؟‬
‫لقالت الشيخ المرشد"‬

‫عهنا ال تريد أحداً يأمرها‪ ..‬وال أحداً يعدل سلوكياهتا‪ ..‬وال يعدل‬
‫أحواهلا فهي تريد أن متشي علي هواها‪ ،‬ولذلك فالنفس دائماً يف حلف مع اهلوي‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫فاهلوي والنفس ال يريدون مرشداً وال شيخاً عارفاً!‪ ،‬بل يريد اإلثنان‬
‫دوماً أن يكونا معاً يكيفوا الكيفية! ويُسريوا اإلنسان كما يريدون يف‬
‫حياته الدنيوية! ويومهونه أنه شيخ كبري! وأنه صاحب مقام خطري!!‬
‫ولو كشف اهلل ‪ ‬عن باصرته لرأي نفسه أنه يف بعد كبري !! حتى‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪85 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫عن أصغر صغري يف طريا اهلل ‪ .. ‬ملاذا؟ ‪ ..‬عن أصغر صغري ملَّك نفسه‬
‫للمرشدأو أسلمها له‪ ،‬واملرشد ملَّك نفسه لرسول اهلل‪ ،‬ورسول اهلل ملَّدك نفسده‬
‫هلل‪ ،..‬فجميع أهل هذه الدائرة يف حيطة اهلل جلَّ يف عاله‪ ،‬وفيه ورد فى اعثر ‪:‬‬
‫{ المؤمن فى يمين الرحمن‪ ،‬كلما وقع أقامه }‬

‫عنه مع اهلل ‪ ‬دائماً‪ ،‬فيسلم نفسه لرجل من الصاحلني وبدون ذلك ال تتم‬
‫التزكية وال حتدث التصفية وال يكون له نصيب من اليقني إن كان من علوم‬
‫اليقني أو من عني اليقني أو من حا اليقني‪.‬‬

‫قِسْ نفسك‬
‫والسالك لو قاس نفسه بأحوال السابقني الصاحلني؟ اسرتاح وأراح! ‪..‬‬
‫كيف؟ يقول لنفسه ماذا معك من اإلهلام؟ وماذا حصَّلت من املراتب‬
‫الشهودية؟ وماذا معك من التجليات الربانية؟ وماذا معك من اعنوار اخلفية؟ وماذا‬
‫معك من اعسرار القدسية؟ وماذا معك من اعحوال الربانية؟ كيف تتم‬
‫الصلة بينك وبني احلضرة احملمدية؟ ما هو اخلط الذي بينك وبني رسول اهلل؟ خط‬
‫قلا! أم خط فؤادي! أم خط روحي! أم خط سري؟ أتراه مناماً ؟أم تراه‬
‫يقمة؟ أم تراه يقمة ومناماً؟ هل يسقيك أم يغذيك أم يواليك؟ ماذا معك من هذه‬
‫اعحوال؟ ماذا بينك وبني العوامل العلوية؟‬
‫كم من قياس لو أراد القياس!!‬
‫إذا كنت من أهل ابانسة؟ فال بد أن حيدث بينك وبينهم مؤانسة!‪ ،‬هل‬
‫يتنزلون لك؟ ويزورونك؟ ويكلم ونك؟ ويشافهونك؟؟‬
‫أم تصدعد روحدك وأندت معندا إلديهم؟ وتدراهم يف أماكندهم؟‬
‫‪  86 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وحتادثهم وجتالسهم وتكتسب احلكمة والعلوم الوهبية اإلهلامية منهم؟‬
‫فإذا مل يكن معك شيء من ذلك فدأين أندت ممدن ومسدت نفسدك أندك مدن‬
‫مجلتهم؟ بل جعلت نفسك من أئمتهم؟ وتريد أن تربى سالكني؟ وأن يكون‬
‫لك مر يدين؟ وأن تأمرهم! وأن تزهو عليهم! وأن يلتفوا حولك!!‬
‫تلكم هي النفس !وهي سبب كل هذا اللبس!‪ ،‬وال يستطيع شيخ‬
‫مهما كدان قددره عندد اهلل‪ ..‬أن خيلِّدص املريدد مدن هدذه الورطدة !! إال إذا‬
‫كانت عند املريد النية الصادقة‪ ..‬وألقي بنفسه بني يديه ‪..‬وتوجه بالكلية‬
‫إليه! وكل ما طل به منه سارع يف فعله‪ ،‬وال يكون خصماً له مع نفسه عليه‪.‬‬

‫اجلهاد األعظم‬
‫فقد قال الصاحلون روي اهلل عنهم‪:‬‬
‫{ أول عالمة من عالمات تزكية النفس أن يغير المرء صفاتها إلي‬
‫األفضل واألكمل }‬

‫وهذا هو اجلهاد اععمم‪.‬‬


‫فإذا رأي نفسه قد تغريت أخالقها‪ ،‬بأن كان عجوالً فصار من أهل احللم‬
‫واعناة‪ ،‬وكان جهوالً فصار من أهل العلم‪ ،‬وكان صاحب هلع وجزع وفزع‬
‫عند املصيبة! فأصبح صاحب سكينة وطمأنينة عند أي مدهلمة‪ ،‬فليعلم علم‬
‫اليقني أنه بدأ السلوك الصاد املوصل إيل طريا رب العاملني‪.‬‬
‫طريا الرجال هكذا‪ ،‬جعل اهلل ‪ ‬مُاثُالً يف اإلنسان ملا يفعله يف سريه‬
‫وسلوكه إيل حضرة الرمحن‪ ،‬فجعل يف اإلنسان أشياء ظاهرة وطلب منه أن‬
‫يهذهبا ففيه شَعرٌ وطلب اهلل منه أن يهذب هذا الشعر‪ ،‬وله أظافرٌ وطلب اهلل منه أن‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪87 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫يقلم هذه اعظافر‪ ،‬فمن هذه اعشياءالت ماثلها اهلل لٌنسان فى نفسه منها ما تراه‬
‫العني‪ ،‬ومنها ما يسترت بالاثياب عنها كالشَعر املخفي الذي هو يف جسد اإلنسان‪.‬‬
‫كذلك جعل اهلل ‪ ‬يف اإلنسان صفات أوجدها فيه‪ ،‬وطلب منده أن‬
‫جياهدها ليلحا مبراتب الصاحلني اليت أشار اهلل إليها يف قرآنه يف قوله‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫فخُلا اإلنسان كما قال عزَّ شأنه‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫فيه صفة العجلة طبيعة وفطرة يف اإلنسان وقال له‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫إذاً جهادك اععمم كيف تت خلص من العجلة وتتخلا باعناه ؟‬
‫وعندما جاء وفد قيس إيل رسول اهلل ‪ ‬ووصلوا إيل املدينة فأسرعوا إيل‬
‫الدخول إال رجل منهم وامسه اعشج قال لن أسرع معكم إندى معدى ثدوبني‬
‫جديدين جهزهتما هلذا اليوم علقي هبما رسول اهلل‪ ،‬وال أدخل علي رسول اهلل ‪‬‬
‫إال بعد أن أغتسل عزيل أثر السفر وأوع العطر وألبس الاثوبني اجلديدين‪ ،‬فذهبوا‬
‫هم للقاء النبى‪ ، ‬وأما اعشج فقد بدأفعقل راحلته واطمأن على رواحل ومتاع‬
‫إخوانه‪،‬مع أنه كان سيداً فيهم‪ ،‬ثم عمد فاغتسل وتعطر ولبس الاثوبني اجلديدين‬
‫ثم دخل على رسول اهلل ‪ ‬فقال له املصطفى من مسمع من كل من حضر ‪:‬‬
‫‪  88 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪100‬‬
‫ح ُّب ُه َما َّللاُ ‪َ ‬و َرسُولُهُ‪ْ :‬الح ِْلمُ َواأل َ َناةُ }‬ ‫{ َيا أَ َشجُّ ‪ ،‬إِنَّ فِي َ‬
‫ك َخصْ لَ َت ي ِ‬
‫ْن يُ ِ‬
‫وورد{ ثُ َّم أَ ْقبَ َل إِلَى ال َّنبِيُّ ‪َ ‬وقَ ْد َب َس َ‬
‫ط ال َّنبِيُّ ‪ِ ‬رجْ لَ ُه َواتَّ َكأ َ َفلَمَّا دَ َنا ِم ْن ُه‬
‫األَ َشجُّ أَ ْو َس َع ْال َق ْو ُم لَ ُه َو َقالُوا َها ُه َنا َيا أَ َشجُّ ‪َ .‬ف َقا َل ال َّنبِيُّ ‪َ ‬واسْ َت َو ى َقا ِع ًدا‬
‫َّب‬ ‫ض ِرجْ لَ ُه َها ُه َنا َيا أَ َشجُّ ‪َ .‬فقَ َع َد َعنْ َي ِم ِ‬
‫ين ال َّنبِيِّ ‪َ ‬واسْ َت َو ى َقا ِع دا ً فَ َرح َ‬ ‫َو َق َب َ‬
‫‪102‬‬
‫ف فَضْ لَ ُه َعلَ ْي ِهم }‬ ‫‪101‬‬ ‫ِب ِه َوأَلْ َ‬
‫ط َف ُه } { َو َع َّر َ‬

‫هذا نتيجة جهاد اجلهاد للتخلا بعلى اعخال ‪...‬‬


‫فالقوم قدموا فى غاية الشدو للقداء احلبيدب مدن سدفر بعيدد‪ .‬فأسدرعوا‬
‫وتركوا رواحلهم ومتاعهم ‪ ،‬ولكن اعشج تروَّى واعتندى بالرواحدل‬
‫فعقلها‪ ،‬ومبتاع إخوانه فجمعه‪ ،‬واغتسل من أثر السفر والشو اجلارف يعصف به‬
‫للقاء احلبيب !! ولكنه جاهد نفسه !وأعطى إخوانه املاث ل على كبح مجاح‬
‫النفس وترويضها على احللم والصرب واعناة‪ ،‬فاسدتحا تقدديم رسدول اهلل لده‬
‫وتعريف املسلمني بشرف خلقه وعاىل مزاياه التى حيبه اهلل ورسوله‪.‬‬
‫فهكذا التخلص من الفِطَر املهملة من العجلة والتسرع ‪..‬اليت أوجدها اهلل‬
‫فينا‪ ،‬التى خلا اهلل اإلنسان عليها و كماقال يف اإلنسان فى قرآنه‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وخذوا معنى آخر ‪..‬فطرة النفس الملم‪ ،‬وطبيعتها اجلهل حبقائا اعمور‪،‬‬
‫وطلب من اإلنسان أن جياهد يف ذلك‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪         ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪89 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫أن جياهد نفسه ليكون عادالً وقال يف ذلك فى ا حلديث القدسى‪:‬‬
‫ت ُّ‬
‫الظلْ َم َعلَى َن ْفسِ ي‪َ .‬و َج َعلْ ُت ُه َب ْي َن ُك ْم ُم َحرَّماً‪ .‬فَال َ‬ ‫{ َيا ِع َبا دِي إِنِّي َح َّر ْم ُ‬
‫‪103‬‬ ‫تَ َ‬
‫ظالَمُوا }‬
‫فيجاهد اإلنسان حتى تكون نفسه كالقسطاس املستقيم‪ ،‬يقول احلا‬
‫ولو كان مراً ‪،‬ويقول احلا ولو علي نفسه‪ ،‬ال جيامل أحداً لقرابته أو لصداقته‪ ،‬أو‬
‫خلدمة قدمها إليه! أو جلميل صنعه معه ‪...‬وإمنا ( ‪ 2‬اعنفال)‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فيتحقا باسم اهلل احلا‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪       ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فيتجمل بوالية اهلل‪ ،‬ال يتجمل بوالية اهلل إال من يتخلا رخلا احلا ولو كان‬
‫مراً‪ ،‬انمر إيل عمر ‪ ‬عندما رأي قاتل عكاشة بن حمصن‪:‬‬
‫ع َّكاشة ال يحبك قلبي أبدا ً قال‪ :‬يا أمير المؤمنين فمعاشرة‬
‫{ قتلت ُ‬
‫جميلة فإن الناس يتعاشرون على البغضاء } ‪ ،104‬وقال ابن أبي احلواري عبي‬
‫سليمان ‪ { :‬إن فالنا ً ال يقع من قلبي‪ .،‬فقال‪ :‬وال من قلبي‪ ،‬ولكنا لعلنا أ ُتِ ي َنا‬
‫‪105‬‬
‫من قِبَ ِل أ َّن ُه ليس فينا خي ٌر َفلَسْ َن ا نحب الصالحين}‬

‫هم رجال وصلوا إيل مقام يقيمون العدل ولو علي أنفسهم أو ذويهم‪ ،‬ال‬
‫يهضمون أحداً حقاً عنه أساء إليهم ‪ ..‬بفعل أو بكلمة‪ ،‬وإمنا يرون النقص فى‬
‫‪  91 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫أنفسهم قبل إخواهنم ‪ ،‬ويتغ اوون عما حدث هلم منهم‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫وكيف يكون هذا اجلهاد؟‬

‫‪   ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫فيقومون بالعمل الالزم وباجلهاد الواجب ويبذلون غاية اجلهد فى التخلا‪ ،‬ومع‬
‫ذلك ال يدعون أهنم أجادوا بشطارة وال مبهارة وإمنا يرون اعمدر فضدالً مدن‬
‫املتفضل ‪ ، ‬عهنم خيافون وجه اهلل ‪ ..‬وال يطلبون غري رواه‪.‬‬
‫أنا أحتدث عن جهاد أهل اليقني‪ ،‬وأكدرر‪ :‬طدالب أهدل النعديم ودار‬
‫السالم والفردوس وعدن جهادهم يف قيام الليل وصيام النهار وتالوة القرآن‬
‫واإلكاثا ر من اعذكار‪ ،‬وهذا شيء يسري‪.‬‬
‫أمرنا اهلل أن نعني بعضنا علي نفوسنا‪ ،‬عن النفوس صعبة ولقسة‪ ،‬وحتتاج إيل‬
‫جهاد شديد وعتيد‪ ،‬إذا رأيت نفسك تدافع عنك وجتدادل !وحتداول أن تلدتمس‬
‫لنفسك اععذار عند شيخك! فاعلم أن ذلك من لقسدها وعددم صددقها يف‬
‫اجلهاد إيل رهبا ‪ ، ‬عهنا لو صد قت يف اجلهاد كانت مع شيخك عليك‪...‬‬
‫عن الشيخ ال يريد إال نفعك ورفعتك وإعالء شأنك عند اهلل ‪ ، ‬ولذلك قالوا‪:‬‬
‫{ كن مع شيخك علي نفسك وال تكن مع نفسك علي شيخك }‬

‫ماذا يريد هو منك؟‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ولنفرض أن الشيخ أو املر شد وجَّه يل اخلطاب أمام اجلميع ‪ ..‬إلذاً أسأل‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪91 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫نفسى ملاذا فعل ذلك؟ ‪..‬هل يئس من نصحي فيما بيين وبينه !! فأراد أن يقيم‬
‫علي نفسي احلجة أمام اجلميع!! لعلها ترعوي وترجع إىل اهلل مسرعة!! هو ال‬
‫يقصد خزيِّ ‪ ..‬وال يقصد جترحيى ‪ ..‬عنه ال يريد إال وجه اهلل ‪ ، ‬فاملشايخ ال‬
‫يريدون من املريدين إال إصالحهم ليكونوا من أهل املواجهة بني يدي رب العاملني‬
‫‪ ، ‬وهذه نواياهم ‪ ..‬وهذه طواياهم ‪..‬إذاً ال بد أن اخلصها من الملومية‪.‬‬
‫حتى كان احلبيب ‪ ‬من شدة إقامته للعدل يعدل بني فكيه‪ ،‬فإذا أكل‬
‫علي هذا الفك لقمة أكل علي اآلخر لقمة أخرى من شدة عدالته ‪ ،‬هذه هى‬
‫العدالة اإلهلية املطلقة‪ ،‬رمبا ال أستلطف أخاً ىل وال أجد يف نفسي وقعاً حلدياثه‬
‫لكنه جياهد يف اهلل يف أي ميدان عليَّ أن أشجعه‪ ،‬وأن أعينه‪ ،‬وأن أقويده يف‬
‫ميدانه ما دام جياهد هلل ويف اهلل ‪. ‬‬
‫آفة معمم املريدين أن كل مريد يريد أن يطبع أخوانه عل ي منهجه وعلي‬
‫مسلكه! وهذا ال يكون‪ ،‬وكل من ال جياهد علي مسلكه وعلي منهجه‬
‫يراه بعيداً! ويري نفسه قريباً‪ ،‬وتلك مصيبة املصائب !! ‪.‬وقد يراه علي غري النهج‬
‫السوى‪ ،‬ولكن وسعة املرشد تقتضى التفاوت ‪ ،..‬فكيف نطبع منك عشرة‬
‫آالف طبعة؟!! كيف تريد أن نصنع منك عشرة آالف رجل !! واملطلوب‬
‫منك عند اهلل ‪ ‬ومن مسلكك رجل واحد !!‪ ،‬عن اهلل ‪ ‬جعل ورثة النبيني‬
‫وورثة املرسلني بعدد النبيني واملرسلني‪.‬‬

‫ورثة النبيني‬
‫قال أبوذر أمامة ‪ ، ‬وماثله فى سؤال أبى ذر‪:‬‬
‫رُون أَ ْل فا ً‪،‬‬ ‫َّللاِ َك ْم ِع َّدةُ األ َ ْن ِب َيا ِء ؟ قال‪ :‬مِا َئ ُة أَلْ ٍ‬
‫ف َوأَرْ بَ َع ٌة َوعِ ْش َ‬ ‫ت‪َ :‬يا َرسُو َل َّ‬
‫{ قُلْ ُ‬
‫‪  92 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪106‬‬
‫ك ثَالثُمِا َئ ٍة َو ْخ َم َس َة َع َ‬
‫ش َر َج ّما ً َغ فِيرا ً }‬ ‫الرُّ ُسلُ مِنْ ذٰل ِ َ‬

‫كل وىل علي قدم نا ‪ ،..‬ولذلك يف حياته ‪ ‬ويف زمانه مل يرتفع إيل‬
‫الرفيا اععلي إال بعد أن استكمل هذا العدد‪ ،..‬فكان أصحابه الراقني مائة‬
‫ألف وأربعة وعشرين أل فاً‪ ،‬كل رجل علي قدم رسول أو نا ‪ ،...‬فمنهم‬
‫احملبني وهم الذين علي قدم النبيني ‪ ...‬ومنهم احملبوبني الذين هم علي قددم‬
‫املرسلني ‪ ..‬ولكل منهم طريقه يف الفتح‪.‬‬
‫فاملريدين يبدأون بتصفية النفس ‪ ، ..‬فإذا انتهوا من تصفية النفس؟ دخلوا‬
‫علي القلب ‪ ، ..‬فإذا أصلحوا القلب؟ ر قاهم اهلل إيل عامل الروح ‪ ، ..‬فإذا ارتقوا‬
‫إيل عامل الروح؟ رقاهم اهلل إيل عامل السر‪ ، ..‬ثم يكاشفهم مبا ال نستطيع‬
‫ذكره يف هذا املكان‪.‬‬
‫أما ورثة النبيني فهم املُخلصني‪ ،‬وهؤالء أفردهم اهلل لذاته‪ ،‬وأصلحهم‬
‫اهلل حلضرته بال كيفية نستطيع أن نقوهلا باللسان! وال علم نس تطيع إذاعته يف‬
‫اعكوان! عن حاهلم عليٌ ال يستطيع إدراكه إال الذين قال فيهم القرآن‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وظل اعمر علي هذا احلال إيل يومنا هذا ‪ ..‬وإيل يوم الدين ‪ ،..‬ما من وىل‬
‫إال علي قدم رسول أو نا‪.‬‬
‫فكيف إذاً تريد أن تطب ع كل من حولك بسلوكك ! ولو كنت من‬
‫الكمَّل!‪ ،‬هذا ال يكون‪ ..‬عن اهلل ‪ ‬له عالمة يف كل واحد‪ ،‬فكما أن‬
‫لكل رجل وجه فريد وصوت فريد وبصمات فريدة !فإن له عند اهلل ‪ ‬طريا‬
‫فريد ‪ ..‬ومسلك محيد ‪..‬يوصله إيل احلميد ابيد ‪. ‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪93 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫مقام الصبا فى القرآن‬
‫فإذا بدأ السالك وملَّك نف سه لشيخ مالك‪ ،‬أدخله يف مقام الرتبية‪ ..‬إيل مقام‬
‫التعليم فكان صبياً‪ ،‬مقامه يف كتاب اهلل الكريم‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪             ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫ما عالمة الصبى يف القرآن؟‬
‫عالمتان ذكرهم القرآن‪ ،‬العالمة اعوىل أنه يأخذ نفسه بالعزائم وال‬
‫‪      ‬أي بالعزائم‪ ،‬ال مييل إيل الرخص‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫يأخذ نفسه بالرُخَص ‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وال مييل إيل املباحات‪ ،‬ولذلك قالوا‪:‬‬
‫{ إذا رأيت المريد يأخذ بالمباحات وبالرخص ‪ ..‬فاعلم أنه ال فائدة فيه في‬
‫طريق َّللا ‪} ‬‬

‫فعليه أن يبذل كل ما عنده‪ ،‬إيل أن خيففوا عنه ماثل احلبيب ‪ ‬كان يقوم‬
‫الليل كله علي قدم واحدة‪ ،‬وعندما وجد أقدامه تتعب من طول الوقوف كان‬
‫يقف علي أطراف أصابعه حتى قال له ربه‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪        ‬‬
‫‪   ‬‬
‫خفف اهلل عنه‪ ،‬فال بد أن يأخذ بالعزائم‪ ،‬ولذلك عالمات ملن له نصيب يف‬
‫هذه اإلشراقات حددها العارفون يف حكم كاثرية على ووء هذه اآلية‪:‬‬
‫{ من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة }‪،‬و { من لم يكن له في بدايته‬
‫قومة لم يكن له في نهايته جلسة }‬
‫‪  94 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فمن ليس له قومة يف اعسحار وال يريد أن يدخل يف قول العزيز الغفار‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫كيف يطمع يف جلسة مدع احلدا بداعنوار واعسدرار وحمديط العلدوم‬
‫والعنايات التى ال حد هلا من العزيز الغفار ‪. ‬‬
‫{ من لم يجعل خده للناس َم داس لم يكن له يد ُت باس }‬

‫ال بد أن يت واوع ويتخلى عن الكرب عن اهلل ال حيب املتكربين‪:‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫كل من عنده ماثقال ذرة من كرب ليس له نقطة من علم اهلل وإهلامات اهلل‬
‫التى خص هبا أولياء اهلل‪ ،‬والكرب ‪ ..‬حتى ل و جلس يف جلسة فيقول أنا أفضلهم‬
‫وأنا أعلمهم وجيب عليهم أن يوقرونى ويعممونى ‪ ..‬فهذا كرب!‪ ،‬لكن ال‬
‫يزال الوىل يف طريقه يف الصفاء والنقاء ‪ ..‬حتى يمن أنه أقل الناس شأناً‪ ،‬وأن‬
‫كل من يف الكون أعمم منه عند اهلل‪ ،‬وأكاثر منه قرباً إيل حضرة اهلل جلَّ‬
‫يف عاله‪ ،‬و من مل ي رى غري ذلك خنشى عليه من املعاطب واملهالك‪ ،‬سيدى عبدد‬
‫القادر اجليالنى ‪ ‬يقول يف ذلك‪:‬‬
‫{ أخذ َّللا ‪ ‬عليَّ العهد أربعين مرة أنه لن يمكر بى‪ ،‬ومع ذلك فأنا ال آمن‬
‫مكر َّللا ‪ ‬ألني ال أحيط بعلمه الذي ليس له نهاية وال حد}‬

‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪95 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫من الذى حييط بعلم خفى املكر !وعلم اإلستدراج ! وعلم الصد‬
‫واهلجران والبعاد؟ أين العلوم التى معنا من علوم القوم؟‪..‬علوم قراءة‪ ،‬وهل علوم‬
‫القراءة توصل؟! ويقول اإلمام أبواحلسن الشاذىل ‪:‬‬
‫{قيل لى يا على لقد آمنتك من مكرى‪ ،‬ومع ذلك فأنا ال آمن مكر َّللا ألني ال‬
‫أحيط بعلم مكر َّللا جل في عاله‪ ،‬فكلهم كان يقول‪ :‬كل الناس أفضل منك يا‬
‫فالن (علي نفسه) }‬

‫ولذلك يقول اإلمام ابوالعزائم ‪:‬‬


‫من الكبر واألحقاد ما هو ذائق‬ ‫أال من يكن في قلبه بعض ذرة‬

‫فال بد أن يتطهر من الكرب هنائياً‪ ،‬وقال يف ذلك الشي خ أبوالعباس املرسى‪:‬‬


‫{ هل رأيتم المطر يقف على رؤوس الجبال أم في األودية؟ قالوا‪ :‬في األودية‪ ،‬قال‪:‬‬

‫كذلك العلوم اإللهية ال تقف إال علي القلوب المتواضعة َّلل ‪} ‬‬

‫ليس معك علم يقني عن فيك شيء من الكرب ‪،‬وال تعلم به وال تُسَّلم‬
‫للطبيب اخلبري الرباني ليطهرك منه ‪،‬بل ترى نفسك على الصواب ‪ ..‬وآفة هؤالء‬
‫وآفة كاثري من املريدين أنه يريد أن ينافس أو يقيس نفسده بدأحوال الرجدال يف‬
‫هنايتهم وال يقيس نفسه هبم فى بدايتهم!!‬
‫كاثري من املريدين يهلك يف ذلك‪ ،‬فرييد أن يكون لده مريددين كمدا‬
‫للشيخ‪ ،‬ويعمل كتباً ماثل الشيخ! ويكون خطيباً ماثل الشيخ! وجيمع عليه اخللا!‬
‫وينزل املساجد! وتلتف الناس حوله!‬
‫فلو التف حولك أهل اعرض ماذا تفعل هبم؟! وماذا يصنعون معك؟!‬
‫املشايخ ال يقومون بذلك وال يفعلون ذلك إال وقد ماتت النفوس‪ ،‬عنه قيل‪:‬‬
‫‪  96 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫{ مكتوب علي حضرة القدوس ال يدخلها أرباب النفوس }‬

‫فما دامت النفس حيَّةً فإذاً هي حيَّةٌ {ثعبان} تلدغك‪ ،‬لكن الصادقني‬
‫كما قال اإلمام الشافعي ‪:‬‬
‫ي حرفا ً واحدا ً منها }‬
‫{ وددت أن الناس نقلوا عنى هذه العلوم ولم ينسبوا إل َّ‬

‫عنه يرى أن هذا هو فضل اهلل ومواهب اهلل وعطاءات اهلل جل يف عاله‪.‬‬
‫فإذا كنت أمجع من الكتب فماذا زدت يف أبواب العلم؟! أنا أريد‬
‫أن أُخرج دواءاً ينال روا اخللا فال بد أن يكدون دواءاً جديدداً يعدار مروداً‬
‫جديداً‪ ،‬والدواء اجلديد ال يأتى إال فضالً من احلميد ابيد ‪: ‬‬

‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫إذا كان هذا العلم نازل ليعدار حاجدة يف صددور املدؤمنني ‪ ،‬أو يف‬
‫صدور املوقنني‪ ،‬أو يف صدور املوحدين بإذن من اهلل ورسوله ‪ ..‬فال شدىء‪،‬‬
‫لكن إذا كان القصد أن يقال أن فالن له كتاب! فماذا أعمل به؟!‬
‫ويبل ى الدهر ما كتبت يداه‬ ‫ومامن كاتب إال سددددددديبلى‬
‫يسددددددرك فى القيامة أن تراه‬ ‫فال تكتب بكفك غري شىء‬
‫القوم ال يصنعون !وال يقولون !وال يكتبون! وال يفعلون شيئاً ‪ !..‬إال إذا‬
‫وجدوا فيه نيَّ ة خالصة لوجه اهلل ‪. ‬‬
‫والنيَّ ة اخلالصة ال تكون إال بعد فناء النفس عن نوازعها ‪ ..‬ونزغاهتا ‪..‬‬
‫وأهوائها ‪ ..‬وحموظها ‪ ..‬وشهواهتا املرديَّة‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪97 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫فالعالمة اعوىل من عالمات الغالم أن يأخذ نفسه بالعزائم ويرتك الرخص‬
‫واملباحات‪ ،‬ولذلك فاز الصاحلون بذلك‪:‬‬
‫منهم من كان يديم القيام حتى كان يصلى يف الليل‬
‫ألف ركعة‪ ... ،‬ومنهم من كان يديم الصـيام حتـى ال يفطـر إال كـل‬
‫أربعني يوماً مرة ‪ ،...‬ومنهم من كان يديم تالوة القرآن حتى‬
‫كان يقرأه يف كل ليلـة مـرة يف ركعـة مـن ركعـات الصـالة ‪،....‬‬
‫ومنهم من كان يديم ذكر اهلل حتى تنطق معه األكوان تذكر معه مواله‬
‫‪ ،....‬هذه هي أحوال الصاحلني ‪....‬‬
‫لكن إذا كنت كسوالً عن السنن والنوافل‪ ،‬ومتهاوناً فى أداء الفرائض‬
‫ومع ذلك أرى نفسى من الصاحلني!‪ ،‬وأريد أمن أكون مرشدداً وىل مريددون‬
‫وأتباع‪ ،‬ونفسى حتاسبنى وحتاسب الشيخ؟؟ ملاذا مل يفتح اهلل علىَّ باملكاشفات؟‬
‫ملاذا مل يرزقنى اهلل بالعلوم واإلهلامات؟‬
‫من أين وأنت يف الراحات؟! وأنت يف الكسل واخلمالن‪ ،‬أهذا طريا‬
‫الصاحلني ؟! أهذا منهج النبيني واملرسلني؟!‬
‫وإذا رزقنى اهلل بشيء من ذلك !! أتطلع إىل ما عند اخللا ‪:‬‬
‫إن كان شيئا من أيديهم ‪ ..‬أوشيئاً من الاثناء على ألسنتهم ‪ ..‬أو شيئاً‬
‫من التوقري يف حركاهتم ‪ ،..‬أهذا فعل النبيني أم حال الصاحلني؟ ال هذا وال‬
‫ذاك !! عن القوم كما قال فيه م اإلمام أبوالعزائم‪:‬‬
‫وإذا دعاهم أن يدلوا غريهم قاموا حبول منه ال بفخددددددددددددددار‬
‫يدعون والرهبوت ملء قلوهبم باهلدى هدى املصطفى املختار‬
‫وإذا رأيت اخللا مقبددددددلة فال تركن ركون مقرب من نار‬
‫‪  98 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫العالمة الاثانية‪:‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪ ‬‬ ‫‪          ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أىُ حكم للصبى؟ أىُ مملكة أوإمارة؟‬
‫مملكة نفسه!‪ ،‬أصبح حاكماً هلذه اململكة ! يتحكم فيها يف‬
‫نوازغها !وفى شهواهتا وفى حموظها وفى أهوائها ! فال يعطيها إال ما شرع اهلل‪،‬‬
‫وحيتاط بالورع فى كل ما تطلبه النفس من نعم اهلل‪ ،‬فال يعطيها نعمة إال إذا دقا‬
‫يف آفات الورع ‪ ..‬لقول احلبيب ‪:‬‬

‫{ ُكنْ َو ِرعاً‪ ،‬تَ ُكنْ أَعْ َب َد ال َّن ِ‬


‫‪107‬‬
‫اس }‬

‫وتلك كانت عبادة الصحابة الكرام‪ ،‬عبادة الصديا وعبادة الفارو‬


‫وعبادة اعجالء والكرماء أمجعني‪ ،‬والورع اتقاء الشبهات‪ ،‬ال يعطيها ما فيه شبهة‬
‫بل يتأكد أن ما فيه أحل احلالل‪ ،‬وأحل احلالل ال يعطيها منه إال ما بد هلا عنه‪ ،‬فال‬
‫يسرف فى الطعام احلالل مع أنه حالل عنه يعلم أن الشبع مرض وآفة جتعل النفس‬
‫تتحرك وتُحرك جنود الشهوة فيه‪ ،‬فيقول هلا‪:‬‬
‫ِمْن صُلْبَ َ‬ ‫ك َيا ا ب َْن آدَ َم لُ َق ْي َما ٍ‬
‫‪108‬‬
‫ك}‬ ‫ت ُي ق َ‬ ‫{ َحسْ بُ َ‬

‫ال جيعلها تأخذ حمها من املنام‪ ،‬بل يطالبها بال قيام للملك العالم‪ ،‬ويقول هلا‬
‫سيأتى عليك يوم تنامني فيه‪ ..‬ويطول املنام بعد املوت‪ ،‬أالتريدين أن تلحقى بقوم‬
‫يقول فيهم اهلل مادحا ومشوقا إيانا عحواهلم‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪99 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫وأنت تتقلبني طول الليل من مضجع إيل مضجع وال تفعلني فعلهم وتدخلني يف‬
‫زمرهتم وتسجلني يف صحفهم‪ ،‬أهذا يكون؟ ال يكون أبداً‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫ال يعطيها إال الضرورات!! وميسك لسانه! ويكفه عن مجيع الكلمات‬
‫حتى احلالل واملباحات ‪ ،..‬إذا أمسك لسانه ‪..‬فاعلم أن اهلل سيشر بأنواره‬
‫وعط اءاته على جنانه ‪ ،..‬لكن طاملا اإلنسان ترك للسان للعنان ‪..‬فال ميكن‬
‫هلل ‪ ‬أن يفتح له عطاءات الرمحن ‪..‬عنه سيبيحها ملن ليس من أهلها ‪..‬وسيمهر‬
‫ما ال يطا عهل الزيغ والنفا وحيدث فنت يف اعكوان ‪..‬‬
‫فإذا كان الصبى عند الصاحلني هو الذى يأخذ بالعزائم ! وميلك نفسه‬
‫ف كيف بالفتى !؟ فكيف بالرجل !؟‬
‫وصلي اهلل علي سيدنا حممد وعلي آله وصحبه وسلم‬

‫طوبى ملن شغله عيبه‬


‫لإلنسان السالك علي طريا أهل اليقني والراجي يف خصوصيات الصاحلني‬
‫أطوار مير هبا يف سريه وسلوكه إيل رب العاملني ‪ ،‬وال بد له من مرشد أمني يعينه‬
‫علي جهاد نفسه‪ ،‬علي أن يس لم له تسليماً كليَّاً وال ينازعه كما سبا وأسلفنا‬
‫البيان‪ ،‬وأن يكون هو مشغوالً جبهاد نفسه ‪..‬‬
‫فإذا رأيت املريد مشغوالً بعيوب من حوله‪ ،‬أو عيوب إخوانه‪ ،‬فاعلم أن هذا‬
‫املريد ملكته نفسه ‪ ..‬وتتحكم فيه نفسه ولن يزول لبسه أبداً !! إال إذا‬
‫ترك ذلك ‪ ..‬أهذا واوح ؟؟‪ ،‬فا ملريد الذي دائماً خيوض يف إخوانه !! فهذا ليس‬
‫له شأن بالسلوك !! ‪ ،‬ملاذا ؟ عن السالك يقول احلبيب ‪ ‬يف شأنه ‪:‬‬
‫‪  111 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫{ ُ‬
‫ب ال َّن ِ‬
‫اس } ‪109‬‬ ‫ش َغلَ ُه َع ْي ُب ُه َعنْ ُع يُو ِ‬
‫طو َبى لِ َمنْ َ‬

‫السالك مشغول بعيوبه‪ ،‬فكامريات نفسه يوجهها عرجاء مملكته ‪،‬وال‬


‫يرتكها تنمر إيل اآلفا اخلا رجية !!‪ ،‬فهو يف كل احلاالت ليس له شأن ال‬
‫باملخلوقني وال بعيوهبم‪ ،‬وال بأحواهلم‪ ...‬عنه يريد اهلل ‪. ‬‬
‫أما من كان مشغوالً بعيوب اإلخوان واعحباب‪ ،‬فهو مدا زال موسدوماً‬
‫بوسم املنافقني ‪ ،‬عهنم هم الذين كانوا يلمزون رسدول اهلل ويعيبدون علدي‬
‫أصحابه معه‪ ،‬ومشغولني هبذه ا عمور !! وغري مشغولني بأنفسهم !! عهنم ليس‬
‫عندهم نورٌ أصالً‪ ،‬فالسالك علي الطريا احلقيقي هو الذي أمام عينه‪:‬‬
‫{ ُ‬
‫ب ال َّن ِ‬
‫اس }‬ ‫ش َغلَ ُه َع ْي ُب ُه َعنْ ُع يُو ِ‬
‫طو َبى لِ َمنْ َ‬

‫بعض السالكني الصادقني كان جيعل له نوتة يسجل فيها عيوب نفسه حيت‬
‫يصلحها عيباً وراء عيب‪ ،‬وبعض هم كان يستطلع آراء من حوله من الصادقني‬
‫بإخالص ويقني ويقول هلم وجهوني‪ ،‬وما هي عيوبي؟ ومنهم اإلمام عمدر بدن‬
‫اخلطاب ‪ ‬حيث كان يقول‪:‬‬
‫‪110‬‬
‫َّللاُ ام َْرأ ً أ َ ْهدَى إلَيَّ ُع يُوبِي }‬
‫{ َرحِ َم َّ‬

‫مل يقل بيَّن إيلَّ عيوبى‪ ،‬ولكن أهدي إىلَّ أي قدم إيلَّ هدية ‪ ،..‬ولذا أقول إذ ا‬
‫رأيت الرجل إذا وجهته وأردت له بيان عيب إلصالحه؟ تنفدر نفسده مندك!‬
‫فاعلم أنه بعيدٌ من والية اهلل بُعد املشرقني‪ ،‬فقد قال سيدي أمحد الرفاعي ‪: ‬‬
‫‪111‬‬
‫{ إن والية َّللا ‪ ‬ال يحصل عليها إال رجال َك ْ‬
‫نست أرواحُ ُه ُم المزابل }‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪111 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫انمر إيل تواوعهم‪ !!..‬حتى يعرفوا عيوهبم‪ ،‬ويصلح وها‪ ،‬ويصلوا إيل‬
‫املقام الذي فيه أصلحوا نفوسهم للملك العالم ‪. ‬‬

‫الفتوة فى القرآن‬
‫فالسالك يف طريا اهلل ‪ ‬الذي يريد أنوار اليقني‪ ،‬يوجه نفسه وكامرياته‬
‫الماهرة واخلفية يف أرجاء أحواله وأفعاله وأقواله‪ ،‬فيزن أقواله وأفعاله يف كل‬
‫حلمة مبيزان الشرع الشريف‪ ،‬ويزن أفع الده قبدل الفعدل‪ ،‬وأثنداءه‪ ،‬وبعدده مبيدزان‬
‫اإلخالص والصد واليقني ‪ ..‬هل هذا العمل هلل أم للرياء أم للشهرة أم للسمعة؟‬
‫ويمل علي هذا املنهاج حتى يكتمل يف طريا الرتبيدة‪ ،‬ويكدون أويل‬
‫بالرعاية اإلهلية وأحا بالنمرات احملمدية من خري الربية ‪ ، ‬إذا كان يف هذا‬
‫املقام يالحظ ع يوب نفسه‪ ،‬ويتحري العدل يف كدل أحوالده بدني أوالده أو بدني‬
‫زوجات أوالده‪ ،‬أو بني أحفاده‪ ،‬أو زمالءه يف العمل أو جريانه أو إخوانه‪ ،‬وحتقا‬
‫باسم اهلل ‪ ... ‬وعنها فهذا قد أصبح صاحب مقام‪:‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪ ‬‬ ‫‪          ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فيكرمه اهلل ‪ ‬ويرقيه إيل مقام ا لفتوة‪ ،‬ومقام الفتوة يقول فيه اهلل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪            ‬‬
‫ويقول فيه سيدى أبو العباس املرسي ‪: ‬‬
‫{ إنما الفتي من كسَّر األصنام في نفسه‪ ،‬ألن إبراهيم قيل فتي عندما كسَّر األصنام‬

‫‪60(   ‬األنبياء)}‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫الحسية ‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫وأنت فيك أصنام معنوية‪ ،‬صنم احلظ‪ ،‬وصنم اهلوي‪ ،‬وصنم الشدح‪،‬‬
‫‪  112 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وصنم البخل‪ ،‬وصنم الطمع‪ ،‬وصنم احلرص‪ ،‬وصنم الرغبدة يف الفدانى‪،‬‬
‫وصنم العلو فى اعرض بغري احلا‪ ،‬أصنام حسية ال بد أن متسك بفأس اباهدة‬
‫والعزمية ا لشديدة املُضية وحتطم هذه اعصنام ‪ ..‬ليلوح لك مقام الفتوة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فالفيت من حطم اعصنام‪ ،‬فإذا حطم أصنامه املعنوية ظهرت له عالمات‬
‫القرب وأنوار التحقيا ‪ ...‬اليت يبديها اهلل ‪ ‬للصادق ني السالكني يف هدذا‬
‫الطريا على التحقيا‪ ،‬فتلوح له احلقائا ‪..‬وخياطبها!‪..‬كيف ذلك؟‬

‫خطاب احلقائق‬
‫تلوح له يف نفسه أنوار‪ ،‬ويشهد يف نفسه أسرار‪ ،‬ويلوح له يف قلبه وياء‬
‫النا املختا‪،‬ر ويؤذن لفؤاده باخلطاب فيخاطب احلقائا‪ ،‬مدرة خياطدب احلقدائا‬
‫الكونية‪ ،‬وآونة خياطب احلقائا الروحانية‪ ،‬وأحياناً خياطب احلقائا النورانية‪،‬‬
‫ويؤذن لروحه أن تسبح يف ملكوت اهلل‪ ،‬فرتي ما ال يراه الناظرون وتشهد ما‬
‫خصَّ به اهلل ‪ ‬الصادقون‪.‬‬
‫فإذا اكتمل يف مقام املكاشفة باحلقائا يف نفسده ويف اآلفدا‬
‫صار رجالً‪ ..... :‬فالرجل هو الذي كوشف باحلقائا يف ذاته ‪ ،‬وباحلقائا‬
‫يف كون اهلل عاليه ودانيه ‪ ،‬وصار يشهد ما خصه به اهلل ‪ ‬من فضله وعميم‬
‫نعمه لنفسه إن كان رجالً ولياً‪ ،‬أو لنفسه وذويه إن كان رجالً ولياً مرشداً‪.‬‬
‫هذا الرجل جيعل اهلل له وظيفة قرآنية‪:‬‬
‫بيَّن اهلل هذه الوظائف يف آيات الرجال اليت ذكرها يف اآليات القرآنية‪،‬‬
‫إما أن جيعله اهلل ‪ ‬إماماً يف عامل املكاشفات ‪ ..‬فيكاشفه اهلل مبا مضي وما‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪113 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫هو حاور وما هو آت حتى قيل فيهم‪ ( :‬إن هلل ‪ ‬رجال ال حيدث يف كونه‬
‫شيئاً إال بعد أن يطلعهم عليه ويشاورهم فيه )‪.‬‬

‫رجال على األعراف‬


‫وهؤالء يقول اهلل يف شأهنم‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ليس بأمسائهم وال ببطاقاهتم وال بشهادة ميالدهم وإمنا بسيماهم التى‬
‫عرَّفها هلم املعَرِّف ‪ ، ‬كاشفهم اهلل بكل هذه احلقائا‪ ،‬واعماثلة يف هذا‬
‫ابال يضيا الوقت عن حصرها‪ ،‬وال نستطيع أن نلقي الضوء حتى علي اليسري منها‬
‫ولكننا سنشري إليها إشارت سريعة‪ ،‬ومن أراد الزيادة فعليه بطلبها من مماهنا‬
‫يف سِيَّر الصاحلني الصادقني روى اهلل ‪ ‬عنهم أمجعني‪.‬‬

‫رجال الدعوة‬
‫فمنهم رجال جعلهم اهلل ‪ ‬يتحملون أعباء الدعوة إيل اهلل‪ ،‬فيدعون اخللا‬
‫إيل اهلل‪ ،‬وهناك دعوة إيل السبيل ! ودعوة إيل اهلل!‪ ،‬فالدعوة إيل السبيل‪:‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫هذا يؤتَى احلكمة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  114 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ال بد أن يكون صاحبها صاحب بصرية ‪ 998‬ومعه إذن من الذات املنرية‪:‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪       ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫يكون سراجاً منرياً عهل قربه ووده‪ ،‬يكاشفهم باحلقائا ويفصح هلم‬
‫عن الدقائا إما بياناً وإما مناماً وإما عياناً علي حسب مقامات قرهبم وعلي حسب‬
‫درجاهتم وسلوكهم إيل اهلل ‪ ‬وهذا يقول فيه اهلل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪       ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫بكاف‬ ‫مل يقل وأذن يف الناس باحلج يأتون إيل البيت! ولكن قال‬
‫اخلطاب‪،‬عن احلج اععمم هو قصد اهلل ‪ ، ‬فاحلج أى القصد فمن قصد البيت‬
‫فهو حاج‪ ،‬لكن من قصد اهلل فهو احلج اععمم عنه قصد اهلل ‪.‬‬

‫رجال الطهارة‬
‫ومن الرجال رجال اصصوا‪ ،‬وخصهم اهلل بتطهري النفوس من لقسها ومن‬
‫رجسها ومن غيها وتزكيتها ليدخلوها علي حضرة احلبيب اععمم ‪، ‬‬
‫وهؤالء يقول فيهم اهلل‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فهؤالء هم الذين يشرفون علي فصول الطهارة الب اطنية‪ ،‬والطهارة القلبية‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪115 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫وطهارة اعسرار من اعغيار‪ ،‬وطهارة اعرواح من أى إشدراك فدى الطلدب‬
‫للكريم الفتاح ‪ ، ‬فهؤالء صنف من الرجال‪.‬‬

‫رجال الصدق‬
‫وهناك رجال يتحملون اعمحال عن اخللا‪ ،‬وجيعلون أنفسهم أهل الفداء‬
‫فيفدون اخللا بأرواحهم‪ ،‬ويطلبون من اهلل ‪ ‬أن يفدي اخللا من النكبات ومن‬
‫البالءات‪ ،‬وينزهلا عليهم وال يرون يف خلا اهلل ‪ ‬وراً وال خسارة وال بأس اً‬
‫وال ما شابه ذلك‪ ،‬وهم أغواث ويقول فيهم بعض الصاحلني بلساهنم الددارج‬
‫(شيالني احلمول) يشيلون اعمحال عن اخللا‪ ،‬وهؤالء يقول فيهم اهلل‪:‬‬

‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫عن هؤالء القوم جعل اهلل ‪ ‬فيهم رأفة حممدية وشفقة نبوية جتعلدهم‬
‫يشفقون علي اخللا مجيعاً من أي نكد أو من أي بلية حتى قال بعضهم عندما سأله‬
‫اهلل ‪ ‬ماذا تتمين؟ قال‪:‬‬
‫{ أتمني أن تُكبَّر خِلقتي وتُ َّ‬
‫عظم حقيقتي حتى َّ‬
‫تسد بى أبواب النار حتى ال‬
‫يدخلها أحد من خلقك }‬

‫ما هؤالء الرجال الذين كلهم شفقة !!وعطف !!وحنان !!‬


‫واهلل كأهنم الوارثني لقول حضرة الرمحن للنبى العدنان‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  116 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫رجال أفردهم اهلل لذاته‬
‫وهناك رجال يسمون اعفراد‪ ،‬أفردهم اهلل لذاته‪ ،‬ومل يشغلهم بشيء من‬
‫خلقه وال من خملوقاته‪ ،‬فلم ينشغلوا عدن اهلل طرفدة عدني‪ ،‬جتداوزوا الددرجات‬
‫وتركوا خلفهم كل املقامات وقالوا ال نريد إال رفيع الدرجات‪ ،‬وهؤالء‬
‫القوم يقول اهلل فيهم‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وذكر اهلل يف اآلية له معانٍ‪ ،‬أي ال يغفلون عن ذكر اهلل عمدالً بقدول‬
‫حبيب اهلل ومصطفاه‪:‬‬
‫{ سيروا سبق ال ُم ْف ِر ُدون }و يف روايات أخرى‪ { :‬الُ َ‬
‫مفردون } و { ال ُمفَرِّ دون}‬
‫{ قالوا‪ :‬وما المفردون يا رسول َّللا؟ قال‪ :‬الذاكــــــــــــرين َّللا كثيرا ً‬

‫والذاكرات‪ ،‬وضع الذكر عنهم إصرهم حتى يلقون َّللا ‪ ‬خفافا ً }‬

‫وملَّا ننمر إيل ذكر اهلل يف القرآن جند اهلل يقول يف آية‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪         ‬‬ ‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬
‫‪         ‬‬ ‫‪‬‬
‫فهؤالء الرجال ظاهراً ال يغفلون عن ذكر اهلل‪ ،‬وباطناً ال حيجبون عن‬
‫رسول اهلل طرفة عني وال أقل! لكمال روحانيتهم‪ ،‬وشد ة تعلقهم باهلل ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪117 ‬‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫هؤالء الرجال هم الذين وصلوا إيل هدذه املقامدات العاليدة والددرجات‬
‫الراقية ‪ ..‬وهم من يُعنوا بكلمة رجال !! فالرجل من كان ظاهره مع اخللا‬
‫يقوم هلم مبا أوجبه عليه شرع امللك احلا‪ ،‬ومن كان باطنه مع احلا ال يلتفت إيل‬
‫اخللا طرفة عني وال أقل‪ ،‬الرجل مع اخللا بماهره ومع احلا بباطنه‪ ،‬ال يشغله اخللا‬
‫عن إقباله علي اهلل‪ ،‬وال يهيم مبواله هياماً جيعله يتناسي ما عليه من حقو خللا اهلل‪،‬‬
‫ينمر بالعينني ويشاهد باملشهدين ويعار الماهر والباطن كما وصف احلبيب ‪‬‬
‫عصحاب هذا املقام‪ ،‬رجلٌ جسده علي الاثري وقلبه باحملل اععلى‪:‬‬
‫‪114‬‬ ‫َان أَرْ َواحُ َها م َُعلَّ َق ٌة ِبالنَّ َ‬
‫ظ ِر األعْ ل َى }‬ ‫الد ْن َيا بِأ َ ْبد ِ‬
‫صحِ بُوا ُّ‬
‫{ َ‬

‫وروحه يف عامل اجلربوت‪ ،‬وسره بني يدي احلى الذي ال ميوت‪ ،‬يشهد املشاهد‬
‫العالية ويعاين الدرجات الراقية‪ ،‬ويكاشفه اهلل ‪ ‬بالغيوب‪ ،‬ويرفع عنه كل حجاب‪،‬‬
‫وهو بني اخللق من يراه يراه ضعيفاً يف قوته‪ ،‬ذليالً يف هيئته‪ ،‬متواضعاً يف حالته‪ ،‬ألنه ال‬
‫يظهر عليه من البضاعة اليت مجَّله هبا اهلل ‪ ‬قليل وال كثري‪ ،‬ألن اهلل جعله أميناً علي‬
‫هذه األمانات‪ ،‬يقول فيه أبوالعزائم ‪ ‬وأرضاه‪:‬‬
‫فدددات املقامدددات حتقيقد داً ومتكيندددا‬ ‫والعددددارف الفددددرد حمبددددوب خلالقدددده‬
‫مددن حضددرة احلددا تروحيدداً وتيقيندددا‬ ‫يف كدددل نفَددد سٍ لددده ندددور يواجهددده‬
‫هدددام املالئدددك شدددوقاً فيددده وحنيندددا‬ ‫ميشي علي اعرض يف ذلٍ ومسكنة‬
‫والفرد معنى ولديس الفدرد تكويندا‬ ‫معنددددداه غيدددددب ومبنددددداه مشددددداهدة‬
‫صددفا فصددوفى فأحيددا النددهج والدددين‬ ‫ال يعدددددرف الفدددددرد إال ذو مواجهدددددة‬

‫هؤالء قد يكون عددهم اثين عشدر بعددد املشدارب‪ ،‬ولكدل قدوم‬


‫مشرهبم‪ ،‬وقد يكون أكاثر أو أقل حبسب الزمان‪.‬‬
‫‪  118 ‬الثالث‪ :‬أطوار اإلنسان الظاهرة والباطنة ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫الرجل‬
‫ومنهم رجل متًّكن يف هذه اعحوال‪ ،‬ومتَّكن يف هذه املندازالت‬
‫ومتَّكن يف هذه املكاشفات‪ ،‬ومتَّكن يف هذه اعحدوال الراقيدات حتدى‬
‫أصبح شيخاً كبري‪ ،‬فالشيخ الكبري هو الوارث اععمم‪ ،‬والغوث املطلسم‪،‬‬
‫وهو الذي متكَّن يف هذه اعحوال العالية واحلقائا الراقية وفيه يقول اهلل ‪: ‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬
‫شيخ يف احلقائا ‪ ...‬وليس يف اجلسم‪.‬‬
‫هؤالء الرجال صغريهم وشباهبم وكبريهم أخذوا أوصاف أهل اجلنة بقلوهبم‬
‫وهم يف الدنيا‪ ،‬ال يهرمون وال يسقمون وإمنا كما قال احلبيب ‪ ‬يف وصف أهل اجلنة‪:‬‬
‫ون َّ َ‬
‫َّللا بُ ْك َرةً َو َع شِ ًّيا‪ ،‬الَ َي سْ َق م َ‬ ‫{ أَ ْهلُ الْ َج َّن ِة ‪ ..‬الَ َي ْف َنى َش َبا ُب هُ ْم } { ي َُس ِّب ُح َ‬
‫‪116‬‬ ‫‪115‬‬
‫ُون }‬

‫وإمنا شباب دائم عن قلوهبم يف شباب دائم‪ ،‬القلوب ال هترم وال تشيخ‬
‫وإن شاخت اعجسام‪ ،‬القلوب ال متر ض وإن مروت اعجسام‪ ،‬الروح ال حتجب‬
‫وإن تعطلت حقائا اعجسام عن احلركة ‪ ..‬فإن اعرواح ال تتعطل وإمنا تسري‬
‫يف املساء والصباح يسريها امللك الفتاح ‪. ‬‬
‫نسأل اهلل ‪ ‬أن يكرمنا‪ ،‬وأن جيعلنا من هؤالء الرجال‪ ،‬وأن جيعلنا من الذين‬
‫يسريون علي درهبم ويتخلقون بأخالقهم ويرزق ون مبناهلهم ومواردهم‪.‬‬

‫وصلي اهلل علي سيدنا حممد وعلي آله وصحبه وسلم‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪119 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪‬الفصل الرابع‪‬‬
‫‪997‬‬
‫‪ ‬املختصر املفيدد النافع للمريد ‪‬‬
‫البداية‪ :‬الرجوع للوطن األول‬
‫روشـــــــــــــــــــــــــــــــــتة العارفني‬
‫أوالً ‪ :‬خالص اإلميان‬
‫ثانياً ‪ :‬التوبة النصوح‬
‫ثالثاً‪ :‬الزهد‬
‫رابعاً ‪ :‬التحقق بكمال العبودية‬
‫اإلقالل من الكالم‬
‫اإلقالل من الطعام‬
‫اإلقالل من املنام‬
‫اإلقالل من خمالطة األنام‬
‫حرص املؤمن على الوقت‬
‫‪  111 ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫إخواني وأخواتى القراء الكرام بارك اهلل ‪ ‬فيكم أمجعني ‪..‬‬
‫املختصر املفيد النافع للمريد من كالم اهلل ومن سنة حبيبه ومصطفاه ومن‬
‫تركيب الصاحلني فى كل عصر إىل يومنا هذا سنكشفه هنا بكلمات‬
‫قليلة املبنى‪ ،‬عميمة املعنى‪ ،‬واسعة العطاء والفضل والغنى من حضرة الغنى ‪. ‬‬

‫البداية‪ :‬الرجوع للوطن األول‬


‫أن أهل أالصطفاء هم الذين تفضل عليهم املتفضل فى اعزل القديدم‬
‫بقلب سليم وروح من نور احلبيب اععمم الذى هو من نور اهلل‪ ،‬وأكرمهم‬
‫اهلل ‪ ‬قبدل التكوين وقبدل إجياد اجلسدم فدى عدامل الددنيا بروحانيدات عاليدة‬
‫ومقامات راقية وأسرار غالية‪:‬‬
‫فكانوا باحلا! للحدا مشاهددون!‪ ،....‬وبسمع من امسه ‪ ‬السميع!‬
‫حلضرته سبحانه مستمعون! ‪ ،....‬وبسددر املدتكلم! الددذى اندبلج عددلى‬
‫ألسنتهم حلضرته ‪ ‬خماطبون !‪.....‬وقد شاهددوا فى هدذا املوقف العميم‬
‫كل النبيني واملرسلني‪ ،‬واملالئكة املقربني‪ ،‬وأهدل عدالني وعلديني‪ ،‬واعرواح‬
‫النورانية التى ستمهر فى احلياة الدنيا إىل يدوم الددين ‪0‬‬
‫فكل اعولياءو الصداحلني‪ ،‬وكدل الصدادقني‪ ،‬رأوهدم رأى العدني!‬
‫و اجتمع ددوا عل دديهم وحض ددروهم وجالسددوهم وشددافهوهم وش دداهدوهم‬
‫وحادثوهم فى هذا املوقف العميم‪ ،‬ورأوا من اعنوار وكوشفوا من احلا ‪‬‬
‫من اعسرار مبا ال يستطيع أى إنسان أن يبيحه فى هذه الدنيا‪ ..‬إال لقلوب صفت‬
‫ووفت وارتقت ومست إىل أفا يقول فيها الفتاح ‪. ‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪111 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وجاء التحقيا بعد خلا اعجسام!!‪ ..‬وبعد خلا اجلسدم وظهدور‬
‫احلقائا العالية فيه‪ ،‬حيدث له لبس مما يراه اإلنسان بعني احلس! ويسمعه بأذن الرأس!‬
‫ويلمسه حباسة اللمس اجلسمانية!!! ‪ ...‬وف ى ذلك يقول اهلل ‪: ‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فإذا انشغل اإلنسان هبذه اعمور اجلسمانية؛ أنتاب القلب اليقظ غفوة أو غفلة‬
‫أو رقدة أو نومة أو جهالة‪ ...‬فيغيب عن هذه املشاهد واعحوال‪ ،‬وإن كان‬
‫يشعر فى داخله حبنني إليها! ورغبة فى الوصول إليها! وشو شديد فى الرجوع‬
‫إليها! ‪ ...‬وهذه هى حالة املريد الذى اصطفاه احلا ‪ ، ‬وبشر بده فى قرآنه‬
‫الكريدم وقدال فيدده وفيدنا أمجعدني ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫إذاً فاملقصد والغا ية هو الرجوع إىل احلال اعول الذى كان عليه العبد فى‬
‫مواجهة حضرة اعول!! ‪ ..‬وما عليه فى سبيل ذلك إال أن يزيل الغشاوة !! وميحو‬
‫اجلهالة التى وقع فيها فى حياته الدنيا !! لريجع إىل حاله اعول ‪ ...‬فيكشف اهلل‬
‫عنه احلجاب وغطاء احلس الذى حجبه عن اعحباب‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وكل ما يفعله العارفون‪ ،‬واحلكماء‪ ،‬والربانيون‪ ،‬واعفراد الروحانيون‪،‬‬
‫‪  112 ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫هو أهنم يطيبون القلوب ‪ ..‬حتى يزيلوا هذه الغشاوة من عني القلوب‪ ..‬فتنمر بنمر‬
‫اهلل !وتسمع بسمع اهلل! وترجع للحالة الروحانية اليت كانت عليها فى البداية بني‬
‫يدي اهلل ‪...‬فيتحقا فيهم قول اهلل ‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫يقول اعمام أبو العزائم ‪‬‬
‫فاملبددددانى أواسددددط التحجيددددب‬ ‫أنت فى غربة فكن كالغريب‬
‫بددل وبدددئى بدددءاً مجددال حبيبددى‬ ‫بدء وطنى الفردوس ملكوت ربى‬

‫هذه هي بدايتك تريد أ ن ترجع لوطنك اعول ‪ ..‬الذى كانت فيه الروح‬
‫فى هذا اجلمال‪ ،‬وفى هذا الكمال‪ ،‬واحلنني هنا هلذا املقام!‪ ،‬والشو هنا هلذا‬
‫اجلمال‪ ..‬الذى رأته الروح‪ ،‬والذي رآه القلب بعني البصرية املضية‪:‬‬
‫أبداً حتن قلوبنا وحنينها ‪ ....‬دومددددددداً عول منزل‬
‫واحلنني هنا للمنزل اعو ل الذى كانت حتيا فيه‪ ،‬وتنال فيه ما تشتهيه من‬
‫احلياة الروحانية‪ ،‬واحلياة القلبية اهلنية مع اهلل ومع رسل اهلل وأنبياء اهلل ومع أصفياء‬
‫اهلل‪ ،‬واملقربني من حضرة اهلل ‪،‬الذين سيمهرون إىل يوم الدين عهنم مجيعاً كانوا‬
‫فى هذا املشهد حاورين (‪ 978‬اععراف)‪:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬‫‪  ‬‬‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫يقددول اإلمددام أبو العزائم ‪‬‬
‫من ألست مل ننسَ ما قد شهدنا مدددن مجدددال اجلميدددل إذ خاطبند ددا‬
‫كيف أنساك يا مجيل و أنت عرش نور اعمساء نور املعندى‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪113 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫و هذا هو حنني العارفني‪ ،‬وشو الصاحلني‪ ..‬وهو للجمال الذى الح عهل‬
‫الكمال والوصال الذى ذاقوه !! ومل ينسوه!! وللعطاء الذى أخذوه !! وجعله اهلل‬
‫‪ ‬مدخراً هلم فى أرواحهم !وفى قلوهبم! ومل حيجبهم عنده إال هبدوط‬
‫احلواس الكو نية إىل املمارسات الدنيوية ‪ ..‬وإىل العناصدر الطينيدة ‪ ..‬وإىل‬
‫الشهوات الدنية ‪ ..‬التى حجبتهم عن هذه املشاهدد العلية ‪.‬‬

‫روشتة العارفني‬
‫مـا الروشتة العاجلـة والسـهلة السريعــة التـى وضـعها كونسولتــو العارفــني‬
‫واعتمدهـا سيد األولني واآلخرين لكي توصل املريد إىل هذا ا لفضل فى نفس أو اقـل ؟‬
‫إن الشفاء !هو الشفاء ‪!!..‬ومن اجلائز أن يشفي املريض فى حلمة! ومن‬
‫اجلائز أن يشفى فى ساعة !ومن اجلائز أن يشفى فى أسبوع !ومن اجلائز أن يشفي‬
‫فى شهر! ومن اجلائز أن ميكث الدهر! وال يتم الشفاء؟ وإمنا يزيد الداء ‪..‬‬
‫ملاذا؟ عنه ال يريد أن يرتك الشهوات اليت ينهاه عنها احلكماء واعطباء!‬
‫وقد قالوا عن هذه الروشته باختصار شديد ‪:‬‬
‫من أراد أن يلج إىل امللكوت‪ ،‬وأن يشداهد اعقددار املسدطرة فدى لدوح‬
‫اعقدار‪ ،‬وأن يعاين أنوار اهلل املنباثة فى الكائنات‪ ،‬وأن جيمدل جبميدع اعحدوال‬
‫واملقامات‪ ،‬وانمر إىل كل هذه الفتوحات! و أكررها مرة أخرى ! فمن يريد‬
‫أن يدخل على امللكوت هل يدخل جبسمه أم بروحه ؟ من يريد أن يلج امللكوت‬
‫ويرى ما فيه من عجائب احلي الذى ال ميوت! ويطلع على لوح اعقدار! ويرى ما فيه‬
‫من أسرار! خطها الواحد القهار ويعاين أنوار العزة املباثوثة فى الكائنات‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  114 ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ويتدرج فى كل املقامات واألحوال حيت يصل إىل مقام الكمال ماذا يفعل ؟ قالوا‪:‬‬
‫{ عليه بأربع ويستعين عليها بأربع‪ ،‬عليه بخالص اإليمان‪ ،‬وعليه بالتوبة‬
‫النصوح‪ ،‬وعليه بزهد األنبياء‪ ،‬وعليه بالتمكن فى مقام العبدية }‬

‫أوالَ ‪ :‬خالص اإلميان‬


‫وهم أربع ‪ :‬أوهلم هو خالص اإلميان ‪ ..‬أى الذى مل يلتبس بملم ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪       ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫هذا اإلميان هو الذى تطهَّر صاحبه من الشدرك ا عكدرب‪ ،‬ومدن الشدرك‬
‫اعصغر‪ ،‬فأصبح إميانه صادقاً نقياً تقياً‪ ،‬وقد قال فيه اهلل عن كل أولياء اهلل ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬إننا مجيعاً مؤمنون‪ ..،‬لكننا نريد اإلميان اخلاص للخواص‬
‫أهل االختصاص‪ ،‬بعد ذلك عليه أن يتحقا ! ال أن يتلفظ بالتوبة! كأن يقول ماث الُ‬
‫تبنا إىل اهلل ورجعنا إىل اهلل وندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا‪ ،‬وغريها من اعلفاظ‬
‫والعبارات اليت قد يقوهلا امل ؤمن مئات املرات فى اليوم والليلة !! لكن املهم‬
‫واعهم أن يتحقا املؤمن بالتوبة ولو مرة ‪ ،‬قال تعاىل فى (‪ 2‬التحريم)‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪            ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪        ‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪115 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ثانياَ ‪ :‬التوبة النصوح‬
‫والتوبة النصوح ‪..‬بشروطها ومالبساهتا‪:‬‬
‫هى أن ي قلع عن الذنب‪ ،‬ويشعر بالندم واخلجل من الذنب والعيب‪ ،‬ويعزم‬
‫على أال يعود إليه أبداً!‪ ،‬إن كان فى حا ربه‪.‬‬
‫ويضيف إليها أن يرد املمامل عهلها إن كان فى حا عبد من عباد اهلل‪ ،‬فمن‬
‫ظلم عبداً ! أى عبد! ثم تاب إىل اهلل ‪،‬وسلك كل أبواب التوبة ‪..‬لكن مل يرد‬
‫املمامل هلذا ال عبد‪ ،‬هل بذلك قد تاب وأناب ؟ كال !إذاً ال بدد أن يتدوب‪ ،‬ويصدبح‬
‫بددعد ذلك عبددداً منيب‪:‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪         ‬‬
‫‪   ‬‬
‫متى تتحقا هذه اإلندابدة ؟ ‪..‬بعد كمال التدوبدة !‬
‫وهذا الكمال له عالمات‪ ،‬ومن عالماته ‪ :‬أن يشعر العبد بزهد فى قلبه حنو‬
‫كل الشهوات اليت ذكرها اهلل فى حمكم اآليات‬

‫‪       ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫وما دام فى القلب شعبةٌ حنو واحدة من هؤالء‪:‬‬
‫فإن التوبة النصوح مل يتقبلها التواب ‪ ‬بعد! وحتتاج إىل ملحا يلحقه العبد !!‬
‫ويقوم فيه خالصاً خملصاً فى توبته هلل‪ ،‬حتى يتقبل اهلل منه املتاب‪،‬ربدنا وتقبدل متاب‪.‬‬
‫‪  116 ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ثالثا‪ :‬الزهد‬
‫أما عدن املقددام والدواء الاثالث‪ ،‬وهو الزهد‪:‬‬
‫فإذا مل يزهدد املرء فى الشهوات فكيف يطمع فى الوصول هلذه احلاالت؟‬
‫والشهوات إما شهوات نفسانية! وإما شهوات قلبية ! وإما شهوات روحانية!‪.‬‬
‫أما الشهوات النفسانية فهي ما أشرنا إليها من النساء والبنني والقناطري املقنطرة‬
‫من الذهب والفضة ‪،‬واخليل املسومة واعن عام واحلدرث‪ ،‬ومسداكن ترودوهنا‬
‫وجتارة اشون كسادها‪ ،‬وال بد لإلنسان من أن جياهدد نفسه حتى تكون فى‬
‫يده !! وليست فى قلبه ‪!!...‬‬
‫وإذا كانت هذه اعشياء فى يد اإلنسان ومل ينشغل هبا فى باطنه وقلبه ‪..‬‬
‫كان عبدداً صادقداً للرمحن‪ ،‬وكانت دليدالً على قبول توبتده وإنابتده إىل اهلل ‪، ‬‬
‫وعالمدة خروج هذه اعشياء من القلب هى قوله تعاىل (‪ 32‬الحديد)‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫على ماثدل هذه اعشدياء الفانيددة !والدانيددة! ‪..‬أمددا إذا فرحدت فبفعدل‬
‫اخلريات‪ ،‬وعمدل الصاحلات‪ ،‬وذلك إذا ك نت من أهل اإلميان‪ !..‬وأفدرح باهلل‬
‫وبعطايداه إذا كدنت من أهدل اإلحسان واإليقدان !! لكن أفدرح بدنيا دنية ‪،‬فلو‬
‫كانت تسدداوى عندد اهلل جنداح بعوودة ؟مدا سدقى الكافددر مندها جرعددة‬
‫مداء‪ !!!...‬ملن يعطى اهلل الدنيا يا رسدول اهلل ؟ قدال‪:‬‬
‫ين إِال َّ‬
‫‪ ‬وإِنَّ َّللا َع َّز وج َّل يُعْطِي ا ُّلد ْنيا َمنْ يُحِبُّ و َمنْ ال يُحِبُّ ‪ ،‬وال يُعْطِي ال ِّد َ‬
‫َمنْ أ َ َحبَّ } ‪ .. 118‬وهذا هو املقياس!‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪117 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ولو كان اهلل ‪ ‬حيب الدنيا قدر ذرة؟ ما أعطى واحداً من الكافرين‬
‫شيئاً منها باملرة ! ولذلك فهي موجودة مع الكافرين‪.‬‬
‫أما شهوات القلب فهي حب الرياسة‪ ،‬وحب المهور‪ ،‬واعحقاد واعحساد‪،‬‬
‫والطمع واحلرص‪ ،‬واعثدرة واعنانيدة‪ ،‬وغريها ‪..‬من اعوصاف القلبية اليت جيب أن‬
‫يتطهر املريد منها بالكلية‪.‬‬
‫أما حموظ الروح وهى عهل الفتوح ‪ ..‬وجيب أن يتطهر منها من الحت له‬
‫الفتوح! كأن يريد أن تمهر له كرامات! أو أن ميتع نفسه باملكاشفات! أو‬
‫أن يشاهدد أنوار اهلل البينات ليتحددث هبا بني اعحبداب! ويزهدو بذلك ويفخر!‬
‫فإذا تطهر املريدد من هدذه الشهوات النفسية ‪ ..‬والقلبية ‪ ..‬والروحانية‬
‫أقبل على نفسه بالكليَّة ‪...‬‬
‫رابعا ‪ :‬التحقق بكمال العبودية‬
‫واشتغل بإصالح عيوب نفسه ‪ ..‬وإصالح ما طرأ فى اعكوان على قلبه‪،‬‬
‫وإطال روحه من سجوهنا وعقاهلا‪ ،‬وال يتم ذلك إال بتحققه بكمال العبودية‪،‬‬
‫فإذا الا بأخال العبودية! استطاع أن يوفى هلل ‪ ‬حبقو الربوبية‪.‬‬
‫وال يستطيع أحد من اعولني أو من اآلخرين ‪ ..‬أن يوفى هلل حبقو الربوبية!‬
‫إال إذا حتقا أوالً مبقام العبودية ‪ ..‬وهذ ا املقام باختصار شديد هو أن يرى كل‬
‫فضل له أو عنده أو معه من اهلل‪ ،‬وكل سوء وكل شر له أو به من خبيئة نفسه ‪..‬‬
‫ومن جهله ‪ ..‬ومن ظلمه لنفسه ‪ ..‬ونسيانه جلهاده فى ذات ربه ‪‬‬
‫فيتخلا بالذل بني يددى العدزيز ! وباجلهدل على أبواب العليم ! وبدالفقر‬
‫لكنوز حضرة الغنى ! ‪..‬أ ى يتخلا بأوداد الصفات اإلهلية ‪ ..‬حتى خيلع اهلل‬
‫‪ ‬عليه خلعه الذاتية!‬
‫‪  118 ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فمن دخل على اهلل فقرياً‪ ..‬فتح اهلل له كل كنوز حضرة الغين!‪ ،‬ومن‬
‫دخل على اهلل جاهالً ‪ ..‬علمه اهلل علم ما مل يكن يعلم!‪ ،‬ومن دخل على اهلل‬
‫ذليالً ‪ ..‬كساه اهلل ‪ ‬ثوب عزه !‪ ،‬ومن دخل على اهلل ‪ ‬وا الً ‪ ..‬هداه اهلل‬
‫به إليه !‪ ،‬ومن دخل على اهلل ‪ ‬شاعراً بذنبه ‪ ..‬جرب اهلل ‪ ‬كسر قلبه وأنابه‬
‫به إليه! ‪ ..‬وجعله فى مقام الزلفى بني يديه ! ‪..‬وقد قال فى ذلك لعبدده داود‪:‬‬
‫‪119‬‬
‫‪ ‬يـا داود أنيـن المـذنبـين أحـب إلى مـن صـراخ الصديقين ‪‬‬

‫ويقول اإلمام أبو العزائم ‪ ‬وأروداه‬


‫أنني املذنبني إذا أندددابوا ‪ ...‬وقد مالوا إىل التقوى وتابوا‬
‫دليل االستجابة من إهلى ‪ ...‬إذا وفقهموا ربى أنابوا‬
‫إذاً وكما قلنا وتلخيصاً ملاسبا ‪ ،‬فإن عليه بأربع وهى‪:‬‬
‫اإلميان اخلالص الذى ال يشوبه ظلم أو رائحة ظلم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والتوبة النصوح التى عالمتها الزهد فى كل الشهوات الدانية‪ ،‬والرغبة فى‬ ‫‪-‬‬
‫اعحوال الراقية واملقامات العالية‪.‬‬
‫والزهد حتى يصل فيه إىل مقام أن يزهد فى غري مواله‪ ،‬وال يشتهى من اهلل‬ ‫‪-‬‬
‫إال حضرة اهلل‪ ،‬حتى أن اهلل كلما تفضل عليه رخالص عطاياه‪ ،‬إن كانت‬
‫عطايا باطنة‪ ،‬أو عطايا ظاهرة بداهرة‪ ،‬أو عط ايدا ملكوتيدة‪ ،‬أو عطايدا‬
‫جنانية‪ ،‬يزهد فيها رغبة فى ذات اهلل ‪ ‬القدسية ‪ ..‬وهذا هو الزهد‬
‫الذى حيبه اهلل ‪ ‬ويرواه‪.‬‬
‫ث ددم يتحق ددا مبق ددام العبودي ددة ‪ ..‬فينمددر إىل أوصدداف اهلل ‪ ، ‬ويتخل ددا‬ ‫‪-‬‬
‫بأودادها فى نفسه‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪119 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ويستعني على ذلك بأربع سنشـرحها اآلن ‪ ...‬وهـى اإلقـالل مـن الكـالم‪،‬‬
‫واإلقال ل من الطعام‪ ،‬واإلقالل من املنام‪ ،‬واإلقالل من خمالطة ا ألنام‪ ،‬وهى أربعة أساسية‬
‫ملن أراد أن يكون من الراسخني فى العلم ‪ ..‬والواصلني لفضل اهلل وكرمه‪.‬‬

‫اإلقالل من الكالم‬
‫أوهلا اإلقالل من الكالم‪ ،‬فال يتكلم إال إذا كان سيغنم‪ ،‬كأن‬
‫يكون الكالم به منفعة له حمققة فى دن ياه أو أخراه‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫‪980‬‬
‫َّللاُ ام َْرأ ً تَ َكلَّ َم فَ َغنِ َم أَوْ َس َك َ‬
‫ت َف َسلِ َم ‪‬‬ ‫‪َ ‬رحِ َم َّ‬

‫ولذلك جند أن أول ما يتفضل اهلل به على الصاحلني أن يؤتيهم اهلل صمتاً‪ ،‬فـال‬
‫يتكلمون إال فى الضروريات‪ ،‬واحلبيب ‪ ‬أعلن بغضه للمكثرين من الكالم وقال فيهم‪:‬‬
‫‪989‬‬
‫ون ْال ُم َت َف ْي ِه قُ َ‬
‫ون‪‬‬ ‫‪ ‬شِ َرا ُر أ ُ َّمتِي الثَّرْ َثار َ‬
‫ُون ْال ُم َت َش د قُ َ‬

‫فكل هذه الصفات الذميمة املهلكة تأتى من إطال اللسان بالكالم‬


‫فياثرثر ويزيد فيتشد ! ويتفيقه ! ‪ ..‬وكله من إطال اللسان ‪...‬‬
‫فعلى اإلنسان أن يفكر قبل الكالم‪ ،‬عن الكلمة إذا خرجت منك‬
‫ملكتك وإذا منعتها اخل روج ملكتها ‪ ،‬فقد ارج منك كلمة تتسبب لك فى‬
‫أن تذل رقبتك وحتنى قامتك ملن ال يساوى شيئاً!‪ ،‬عهنا كلمة فى حا رجل‪،‬‬
‫وقد تتعرض للصغار من أجلها قال القائل سائالً رسول اهلل د‪:‬‬
‫َّللاِ ! َما ال َّن َجاةُ؟ َقا َل‪ :‬أَمْسِكْ َعلَ ْي َ‬
‫ت‪َ :‬يا َرسُو َل َّ‬
‫{ قُلْ ُ‬
‫‪122‬‬
‫ك ل َِسا َن َ‬
‫ك}‬
‫‪  121 ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫اإلقالل من الطعام‬
‫اعمر الاثانى هو اإلقالل من الطعام وذلك بأن يكون لإلنسان نصيب فى‬
‫عبادة الصيام أمسعه ‪ ‬مباذا أجاب أصحابه ‪:‬‬
‫َّللا مُرْ نِي بِأ َ ْمــ ٍر َي ْنفَ ُعنِي َّ‬
‫َّللا ُ ِبهِ َقا َل‪ :‬علَ ْي َ‬
‫ك‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُســـو َل َّ ِ‬
‫{ قُلْ ُ‬
‫ام َفإ َّن ُه ال َ م ِْث َل لَ ُه } ‪123‬‬
‫ص َي ِ‬
‫ِبال ِّ‬

‫فمن يريد أن يبلغ مقاما عند اهلل ال يكتفى بصيام شهر رمضان وحسب‬
‫بدل ينبغدى مداثالً أن يصدوم سد ت ة أيدام مدن شدوال أو بصدوم يدومي االثدنني واخلم دديس‬
‫كاحلبيب ‪ ‬أو على اعقل يصوم ثالثة أيام من كل شهر وهو احلد اعدنى قال‬
‫‪:‬‬
‫‪982‬‬
‫الده ِْر }‬
‫شهر صو ُم َّ‬
‫ٍ‬ ‫َّام من كُلِّ‬
‫صب ِْر وصو ُم ثالثةِ أ ي ٍ‬
‫شهر ال َّ‬
‫ِ‬ ‫{ صو ُم‬

‫وإذا أكل ال يأكل إال عن جوع ‪:‬‬


‫‪125‬‬
‫{ َنحْ نُ قومٌ ال نأكلُ حتَّى َن ُجو ُع وإذا أكل َنا ال نشبع }‬

‫عن اإلنسان إذا شبع فقد حالوة الطاعة قالت السيدة عائشة ‪:‬‬
‫{ أول بدعة حدثت بعد رسول َّللا ‪ ‬الشبع‪ ،‬أن القوم لما شبعت بطونهم‬
‫‪126‬‬
‫جمحت بهم نفوسهم إلى الدنيا }‬

‫فعندما متتلئ املعدة بالطعام يفكر اإلنسان جبوارحه فى الذنوب واآلثام‬


‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪121 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫لكن إن كانت املعدة خالية من الطعام‪ ،‬فأنه ال يقوى على املعاصى‪ ،‬بل‬
‫تقوى روحانيته‪ ،‬وتقوى طاعته هلل كما حيدث معنا مجيعا فى هنار رمضان حتى‬
‫أن بعض الصاحلدني قدالدوا فى ذلك‪:‬‬
‫‪127‬‬
‫{ألن أنق ص من عشائى لقمة واحدة أحب إلى من قيام ليلة }‬

‫وهذا هو اجلهاد اععمم وال يزال اإلنسان جياهد حتى يصل فدى هدذا‬
‫اعمر إىل العجب العجاب وكان لبعض الصاحلني فى ذلك أمور حتري العقول!!‬
‫فقد كان اإلمام اجلنيد ‪ ‬وهو سيد الطائفة‪ ،‬يصوم وال يفطر إال كل أربعني‬
‫يوم داً م ددرة !‪ ،‬وعل ددى مت ددرة واح دددة! وال تقددل كيدددف ؟ عندده وص ددل إىل ذل ددك‬
‫ب اجلهاد‪ ...‬أو قد يكون اكتسب وراثة ‪:‬‬
‫‪982‬‬
‫ت عِ ْن َد َربِّي ي ُْط ِع ُمنِي َو َي سْ قِي نِي }‬
‫{ إِ ِّني أ َ ِبي ُ‬

‫ولذلك ذهب رجل إليه يوماً وقال أريد أن أجد اخلشوع فى الصالة !! فماذا‬
‫أفعل ؟ قال ‪ {:‬يا أخى أتمأل بطنك بالطعام! وتجعل بينك وبين ربك مخالة!!‬
‫ثم تريد أن تجد الخشوع فى الصالة }‬

‫إذاً كيف يستطيع اإلنسان اإلقالل من الطعام ؟‬


‫قال الصاحلون أن الطعام عالج ملرض اجلوع‪ ،‬فال أوع فى املعدة إال ما يكفى‬
‫اإلنسان لتسي ري حياته‪ ،‬لكن من يزيد على ذلك‪ ،‬فإن املعدة تكرب ‪ ..‬وتكرب‬
‫البطن ‪ ..‬ويصاب اإلنسان بالسمنة ‪ ...‬وهى سبب كل أمراض العصر‬
‫ولذلك ليس هناك رجل صاحل مسني‬
‫فشيخ اإلمدام اجلنيد ‪ ‬كان خاله وهو السر السقطى ‪ ‬كان يقدول‪:‬‬
‫‪  122 ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫شكوت هلا احلب قالت كذبتنى‪ ...‬فماىل أرى منك العمام كواسيا‬
‫وال حب حتى يلصا العمم باحلشا ‪ ...‬وتسكت حتى ال جتيب مناديدددددددداً‬
‫فاإلنسان الذى حيب امرأةً ومشغولٌ هبا! هل تكون لديه رغبة للطعام ؟‬
‫أبددداً !! إذاً بضاعة العارفني وأوهلا اخلشوع ‪ ...‬يلزمها اجلوعُ‪.‬‬

‫اإلقالل من املنام‬
‫اعمر الاثالث هو اإلقالل من املنام‪ ... :‬حتى جيب أن يكون لإلنسان‬
‫قيامٌ هلل‪ ،‬فمن مل يكن له فى بدا يته قومة مل يكن له فى هنايته جلسة‪ ،‬فهل مسعتم‬
‫عن أحد من الصاحلني مل يكن له نصيب فى قول رب العاملني‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫ال! ‪ ..‬ومن ينم طوال الليل‪ ..‬فليس له فى هذا املقام نصيب !! بدل إن‬
‫الرجل الصاحل منهم إذا أرا د أن ينام جيد كأن الفراش به شوك يشوكه ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫وذلك عنه يريد مناجاة اهلل فى وقت السحر‪:‬‬

‫‪       ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫هدل وحدة ؟ ال عنه قال فى آخر املزمل التى فرض عليه ف يه قيام الليل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪123 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫إذاً من يريد أن يكون معه ‪ ‬ال بد وأن يكون له نصيب من قيام الليل‬
‫فقيام الليل هو طابور التجليات والفيووات وطابور العطاءات واهلبات وطابور‬
‫التنزالت لكل الصاحلني والصاحلات قال ‪: ‬‬
‫ِحين َق ْبلَ ُك ْم َوإِنَّ قِ َيا َم اللّ ْي ِل قُرْ َب ٌة إلى َّللا‬
‫ب الصَّال َ‬ ‫ام اللّ ْي ِل فإِ َّن ُه دَأ ْ ُ‬
‫{ َعلَ ْي ُك ْم ِب قِ َي ِ‬
‫‪129‬‬
‫الج َس ِد}‬
‫للدا ِء َعن َ‬ ‫ط َر دَ ٌة َّ‬ ‫ت و َم ْ‬ ‫َو َم ْن َه ا ٌة َعن اإل ِ ْث ِم و َت ْك فِي ٌر للسَّ ِّي َئا ِ‬

‫البدد من القيام‪:‬‬
‫{ ‪ }      ‬هدنا أصبح القيام عليه فرض وليس‬
‫نافلة ففى اآلية السابقة قال له { نَافِلَةً لَّكَ } ثدم عداد وقدال { ‪}   ‬‬
‫أى فريضدة على رسدول اهلل وكذلك يفروه على الرجل الصاحل علدى‬
‫نفسه لكى يكون مع رسول اهلل ‪ ‬واإلنسان الذى يريد أن ميشى على هذا‬
‫املنهاج من تقليل الكالم وتقليل للطعام وتقليل للمنام واملداومة على ذكر امللك‬
‫العدالم هدل لديده وقدت حملدادثدة وجمالسة اعنددام ؟‬

‫اإلقالل من خمالطة األنام‬


‫وهو اعمر الرابدع أن يقلل من جمالس ة اعنام فما الذى مع اخللا غري قيل وقال‬
‫ولدذلك قال ‪ ‬فى احلديث اجلامع املانع فى هذا الشأن ‪:‬‬
‫ِيس السُّ و ِء ‪َ ،‬والْ َجلِيسُ الصَّالِ ُح َخ ْي ٌر م َِن ْال َوحْ دَ ةِ‪َ ،‬وإ ِ ْمالَ ُء‬
‫{ ْال َوحْ دَ ةُ َخ ْي ٌر مِنْ َجل ِ‬
‫‪130‬‬
‫ْال َخي ِْر َخ ْي ٌر م َِن ال ُّس ُكوتِ‪َ ،‬وال ُّس ُكو ِ‬
‫ت َخ ْي ٌر مِنْ إِ ْمال َ ِء ال َّ‬
‫شر }‬

‫إذاً عدلى أن أكدون مدع الصدادقني أما الغافلدني فقدد حدذرنا اهلل منهم وقدال‪:‬‬
‫‪  124 ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫حتى ولو كانوا من أقرب اعقربني ‪ !!..‬وإذا وصلت الرحم معهم‬
‫تكون حلمات لكى ال أ قع فى احملذورات‪ ،‬عهنا خيط رفيع جيب أن يلحمه‬
‫اإلنسان فى هذه اعزمنة‪ ،‬وذلك عن صلة اعرحدام عبدادة لكدن أن يدزور‬
‫اإلنسان فالن قريبه أو فالنة قريبته؛ فيتكلمون عن فالن وفالنة وتصبح اجللسة‬
‫كلها غيبة ومنيمة؛ فال ينبغى ذلك‪ ،‬لذلك جيب أن تكون الزيارة حلمات ‪0‬‬
‫أما صلة اعرحام اعوىل فهى صلة اعرحام النورانية التى تصلنا باحلضرة‬
‫احملمدية‪ ،‬وذلك عن لنا رمحان‪ ،‬اعول رحم جسمانى ‪ ،‬والاثانى رحم نورانى‪،‬‬
‫وهو الذى بده التزكية وبده التعلية وبده التصفية وبه الرتقية‪ ،‬أمدا الرحدم اجلسمانى‬
‫فكما مسعتم !!‪،‬وال يمدن واحدد منكم أننى أندادى بعددم صلة اعرحام‬
‫ال ولكن أوصلهم على قددر الضرورة ‪.‬‬
‫إذاً يدا إخدوانى خمالطة اعندام تستلدزم احلرص التام وهو التحرز من الذنوب‬
‫واآلثام وعند شدعورى أن اجللسة ستتجه إىل الذندوب واآلثدام أستأذن فدوراً متعلال‬
‫بأن ىل مصلحة أريد قضائها‪ ،‬حتى ولو كنت سأذكر اهلل فهى أكرب مصلحة‪،‬‬
‫وعندمدا يصدد اإلنسان مدع اهلل جتد أن اهلل يوجد له خمارج عميمة بال تفكري‪.‬‬

‫حرص املؤمن على الوقت‬


‫فاملؤمن أحرص الناس على وقته‪ ،‬عن الوقت إما فى قربة إىل اهلل‪ ،‬وإما فى‬
‫عمل صاحل ينال اإلنسان به رواه‪ ،‬وإما فى غفلة! وذلك والعياذ باهلل! مقت‪ ،‬وإما‬
‫فى ذ نوب وآثام‪ ،‬وهذا شر دائم! والعياذ باهلل ‪ ‬فى الدنيا ويوم الزحام‪ ،‬وقدد‬
‫قدال سديدى اإلمدام الشافعى عن الوقدت‪:‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪125 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫{ صحبت الصوفية سنتين فتعلمت منهم كلمتين الوقـت‪ ،‬كالسيف أن لم‬
‫‪131‬‬
‫تقطعـه قـطعك ‪ ،‬ونفسك إن لم تشغلها بالحق وإال شغلتك بالباطل }‬

‫فنحن فى كل يوم جديد عندما يطلع النهار ومير اليوم‪ ،‬أكون قد قطعت‬
‫يوما وليله من عمرى‪ ،‬وقربت من اهلل مقدار هذا اليوم فماذا قدمت ؟‬
‫إذاً شعار الصاحلني هو احلرص على الوقت ‪ ،‬ولذلك جتد أن بعض الصاحلني‬
‫كانوا يفرون من اخللا من أجل هذه اعشياء‪،‬فمنهم وعفاء ‪ ..‬فكان هناك‬
‫من يفر إىل جبل! ومنهم م ن يفر إىل الصحراء!‪ ،‬أما اعقوياء منهم يفرون من‬
‫اخللا وهم بينهم!‪ ..‬ويفرون من أحوال اخللا وهم وسطهم! ‪ ..‬فالواحد‬
‫منهم فى وسطهم! لكن ليس معهم عنه مشغول باهلل‪.‬‬
‫ولإلمدام أبى العزائم رأى وجيه فى قول اهلل تعاىل (‪ 32-32‬االسراء)‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫قدال أن أشدد التبدذير هنا هدو التبذير فى اعنفاس ‪ ..‬عن املال يروح وجيئ!‬
‫لكدن النفس الذى خيرج لن يرجع مرة أخرى‪ ،‬فإذا بذرت نفسا واحداً فى غفلة‬
‫أو فى بعد عن اهلل؟ فكيدف يرجع هدذا النفس مرة أخدرى !! وكيددف‬
‫أتداركه ؟ !! إذاً فهو أشد التبذير !عن أنفاسك نفائسك !!‬
‫وعندما حنسب متوسط عمر اإلنسان على ستني عاماً‪ ،‬وعلى اعتبار أن‬
‫اإلنسان ينام فى اليوم مثانى ساعات؛ جند أن اإلنسان ينام من الستني عاماً عشرين‬
‫عاماً‪ ،‬وإذا اعتربنا أيضاً أنه يقضى مثانى ساعات فى اللهو واللعب؛ لوجدنا أنه يقضى‬
‫عشرين عاماً أخدرى فى اللعب واللهو‪ ،‬فمداذا يبقى ؟ إندك لدو حسبت الفرائض التى‬
‫‪  126 ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫تدؤديها هلل فى كل يدوم جتد أهنا أقل من ساعدة !! وال تأتى املشاغل إال فى هدذه‬
‫الساعة !! فماذا خلص منها هلل؟ إذاً يا أحباب ال بد أن حيرص السالك على وقته‪.‬‬
‫ومن األمثلة فى احلرص على الوقت أن سيدى كمال الدين األمخيمى ‪ ‬كان‬
‫يزور سيدى عبد الرحيم القنائى ‪ ‬فى مرقده‪ ،‬وكانوا من أهل املكاشفات فعندما‬
‫يزور الواحد منهم رجالً صاحلاً يراه فى برزخه ويكلمه‪ ،‬وبعد أن تكلم سيدى كمال‬
‫الدين األمخيمى مع سيدى عبد الرحيم القنائى قال يا سيدى أوصنى‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫{ يا بنى ال تض ِّيع نفسا ً بغير ذكر َّللا ‪ ‬فأنا كما ترى فى روضات عالـين‬
‫ومـع ذلك أقـول يا حسرتا على ما فر ُّ‬
‫ط ُ‬
‫ت فى جنب َّللا }‪.‬‬

‫وقـد قـال ‪ ‬فى احلديث الشريف‪:‬‬


‫َّت ِب ِه ْم لَ ْم َي ْذكُرُوا َّ‬
‫َّللاَ‬ ‫س َي َت َح َّس ُر أَ ْهلُ الْ َج َّنةِ َعلَىٰ َش يْ ٍء إِال َّ َعلَى َس َ‬
‫اع ٍة َمر ْ‬ ‫{ لَ يْ َ‬
‫‪132‬‬
‫َع َّز َو َج َّل فِي َها }‬

‫ولذلك فإن أحرص ما حيرص عليه اإلنسان فى هذه احلياة هو الوقت فإذا‬
‫اجتمعنا فعلى ما جنتمع ؟ الطاعة جتمعنا نتعاون على طاعة اهلل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪      ‬‬
‫كما كان أصحاب رسول اهلل‪ ،‬وكدذلك أصدحاب العدارفني فدى‬
‫كل زمان ومكان‪ ،‬لكن إذا جلسنا لنتكلم فى السياسة واالقتصاد أو‬
‫فى الكرة أو فى املسلسالت؟ كما حيدث فى هذا الزمان! وماذا بعد ذلك‬
‫وفى النهاية ماذا ستفعل بذلك ؟ فلو أن رأيى فى هذه اعشياء يفيد أعروه !! أما‬
‫إذا مل يكن من ورائه فائدة؟ فلتكن مع اهلل أفضل !!!‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪127 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫كأن أكون فى سياسة النفوس التى تقربنى إىل امليلك القدوس‪ ،‬وبد الً‬
‫من أن أشغل نفسى باحلديث عن طابور اخلبز اشغل نفسى باحلياة التى يقول فيها اهلل ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬
‫ومن يبحث منكم عن أنفاسه يصبح كما يقول اإلمام أبو العزائم ‪‬‬
‫ولكددن خددص لبعددض أفد دددراد‬ ‫ولد دديس الكد ددل مطلوبد ددا هلد ددذا‬
‫قليدددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددلة‬
‫الضرورة‬ ‫وواصلهم على قددر‬ ‫فدارى أهدل عصرك واجتنبهم‬
‫فقربدددده وال تددددأمن شدددددروره‬ ‫فمنكرهم يسئ ومن يسلم‬
‫فأنا يا أخوان ى كما تعلمون أعيش فى بلد ريفى‪ ،‬ويتمنى اجلميع مصادقتى‬
‫وجمالستى‪ ،‬لكن ليس لدى وقت‪ ،‬عن من يريد جمالستى يريد أن يتكلم عما‬
‫هو فيه‪ ..‬إن كان فى الكرة أو املسلسالت وال وقت لدى ملاثل ذلك !!‬
‫وكما تعلمون فإن منزىل أمام املسجد‪ ،‬ومع ذلك ال أخرج إىل الصالة إال‬
‫بعد إقامة الصالة‪ ،‬لكى ال اويع وقتى مع هذا أو ذاك ! وعندما تنتهى الفريضة‬
‫أخرج مسرعا‪ ،‬متعلالً بأنى منتمر تليفون‪.‬أما لو أراد أحدهم أن يسأل سؤا الً‬
‫شرعياً أو فتوى أو نصيحة فأهالً وسهالً ! أما غري ذلك فال وقت لدى عنى أخش من‬
‫القيل والقال فهى املصيبة التى حدذر منها النبى و مما جتر إليه وقدال‪:‬‬
‫ُون َم ِن ال ُم ْف لِسُ »؟ قَالُوا‪ :‬ال ُم ْف لِسُ فِي َنا َمنْ ال َ دِرْ َه َم لَهُ‪َ ،‬وال َ‬ ‫{ أَ َت ْدر َ‬
‫ام َو َز َكاةٍ‪،‬‬ ‫اع‪َ ،‬ف َقا َل‪ « :‬ال ُم ْف لِسُ مِنْ أ ُ َّمتِي َمنْ َيأْتِي َي ْو َم ا ْل قِ َيا َم ِة ب ِ َ‬
‫صالةٍ َوصِ َي ٍ‬ ‫َم َت َ‬
‫ب َ‬
‫هذا‪،‬‬ ‫ض َر َ‬
‫ك َد َم هذا‪َ ،‬و َ‬ ‫هذا‪َ ،‬و َسفَ َ‬ ‫ف ه َذا‪َ ،‬وأ َ َكلَ َما َل َ‬ ‫هذا‪َ ،‬وقَ َذ َ‬‫َو َيأْتِي قَ ْد َش َت َم َ‬

‫ت َح َس َنا ُت ُه‬
‫َف نِيَ ْ‬ ‫َ‬
‫وهذا مِنْ َح َس َنا تِهِ‪َ ،‬فإنْ‬ ‫َ‬
‫هذا مِنْ َح َس َنا تِهِ‪،‬‬ ‫َفيُع َ‬
‫ْطى‬
‫‪  128 ‬الرابع‪ :‬املختصر املفيد النافع للمريد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ُ ُ‬ ‫َق ْب َل أَنْ َيقْضِ َي َما َعلَ ْي ِه أُخ َِذ مِنْ َخ َ‬
‫طا َيا ُه ْم فَطُ ِر َح ْ‬
‫ت َعلَ ْيهِ‪ ،‬ث َّم ط ِر َح فِي ال َّن ِ‬
‫ار }‬
‫‪133‬‬

‫ف يقول أحكم ‪ :‬جنلس وال نتكلم!‪ ،‬يعنى مستمع ‪ ،‬قال إبن عمر ‪: ‬‬
‫‪962‬‬
‫{ نهانا رسول َّللا ‪ ‬عن ال ِغ ْي َبة وعن االستماع إلى الغيبة }‬

‫ومما اشتهر من احلكمة‪ {:‬ال م ُْغ َتابُ َوال مُسْ َت مِعُ َش ِر ي َك ِ‬


‫ان فِي اإلِ ْث ِم }‬

‫وفى ماثل هذه احلال على أن استأذن‪ ،‬وأتدرك ابلس!! عن بنى إسرائيدل‬
‫عندما وصدفهم اهلل فى القرآن بالصدفات السيئة قدال‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫والكذب فى هذا الزمان هو آفدة العصر‪ ،‬فأين الصادقون اآلن ؟‬
‫فعددلى اإلنسان فى هدذا الزمدان أن يكون على أهبة االستعداد للسفر‬
‫منتمراً للندداء فى أى وقت وإذا كان كذلك ف سيمشى على الطريا املستقيم‬
‫إذاً يا أحباب علينا اإلقالل من خمالطة اعنام إذا كانت املخالطة جترنى إىل‬
‫الذنوب واآلثام أو على اعقل هبا غفلة عن اهلل ‪. ‬‬
‫جبهاد ملَحت فيه روددددداه‬ ‫واغنم الوقت فى نوال نفيس‬
‫تلك هي اعشياء التى نستعني هبا للوصول إىل اهلل ا إلقدالل مدن الكدالم‪،‬‬
‫اإلقالل من الطعام‪ ،‬اإلقالل من املنام‪ ،‬اإلقالل من خمالطة اعندام‪... ،‬فماذا نفعل‬
‫إذاً‪ :‬علينا بذكددر اهلل ‪ ‬على الددوام‪ ،‬وهذا هو موووع الباب القادم‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪129 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪‬الفصل اخلامس‪‬‬
‫‪ ‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪‬‬
‫مالزمة األوراد‬
‫الدرجات حسب اجملاهدات‬
‫متى تصبح النافلةُ نافلةً حبق؟‬
‫من هو الْمُريد؟‬
‫الفتح الباطنى‬
‫من ال ورد له ال ورود له‬
‫البدن ل أكوان والقلب للرمحن‬
‫آداب سورة احلجرات‬
‫ذكر القلب‬
‫‪  131 ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬بسم اهلل الرمحن الرحيم ‪‬‬
‫‪961‬‬
‫مالزمة األوراد‬
‫كان من آخر ما أ نزل على سيدنا رسول اهلل ‪ ‬آيات سورة النصدر ‪،‬‬
‫وذلك بعد أن جاهد فى اهلل حاَّ اجلهاد‪:‬‬
‫فقد جاهد فى تصفية نفسه قبل تكليفه بالرسالة باخللوة اعيام املتتالية فى‬
‫غدار حدراء‪ ،‬ثم اختاره اهلل ‪ ‬لوحيه فجاهد فى نشر دين اهلل وحتمل فى سبيل‬
‫ذلك ما مل يتحمله أحد من أنبياء اهلل ورسل اهلل‪ ،‬ثم هاجر إىل املدينة‪ ،‬وفتح اهلل عليه‬
‫الفتوح‪ ،‬وانتقل اجلهاد بذلك إىل طور آخر وهو جهاد اععداء بالسالح ‪ ،‬وجهاد‬
‫النفس للوصول إىل املقام احملمود ‪ ..‬بقيام الليل حتى تتورم منه اعقدام‪ ،‬واملداومة‬
‫على الصيام‪ ،‬صيام الوصال‪ ،‬وذكر اهلل على كل حدال‪ ،‬وبعد ذلك كله يقدول‬
‫له ربدده فى سورة النصر‪:‬‬

‫‪     ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪      ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬

‫الدرجات حسب اجملاهدات‬


‫وإني أرى إخواني احملبني بارك اهلل فيهم‪ ..‬وحنن مجيعاً حمبني‪ ،‬ونطم ع فى‬
‫فضل اهلل بدون جهاد وال مشقة‪ ،‬ونريد من اهلل أن يلبسنا مالبس اعولياء‪ ،‬وينزلنا فى‬
‫مقامات اعنبياء‪ ،‬ونكون فى العطاء اإلهلي من اعغنياء‪ ،‬فى الدنيا من اعثرياء‬
‫ويف الدار اآلخرة من الوجهاء!! بدون تعب وال عناء فهل يصح ذلك ؟‬
‫إن حال بعض إخواننا احملبني كما أراه اآلن!! يدل علدى أهند م يمندون‬
‫بصحة ذلك!‪ ..‬مع أن ما عرفناه أن أهل اهلل يقول فيهم اهلل‪:‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪131 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وهذه الدرجات تكون على حسب اباهددات‪ ،‬فالسدالك فدى بدايتده‬
‫لتحقيا أمنيته نضع له روشتة بسيطة‪ ،‬وال ينتقل منها إىل ما بعدها إال إذا فتح اهلل قفل‬
‫قلبه‪ ،‬وكان ذاكراً هلل بقلبه بعد أن كف اللسان‪ ،‬أما إ ذا كان القلدب مل‬
‫يتحرك بالذكر بعد؛ فيجب عليه أال يتخلى عند الورد طرفة عني على اعقل‪،‬‬
‫و هذا الورد باختصار شديد ‪ ..‬أوله وقبل كل شىء‪:‬‬
‫هو احملافمة على الفرائض فى وقتها فى مجاعة فى بيت اهلل‪ ،‬كما سدأل‬
‫سيدنا عبد اهلل ابن مسعود يا رسول اهلل ‪:‬‬
‫َّللا أَيُّ الْ َع َم ِل أَفْ َ‬ ‫{ َس أَلْ ُ‬
‫ت َرسُو َل ّ ِ‬
‫‪136‬‬
‫صالَةُ ل َِو ْق تِ َها }‬
‫ضلُ؟ قَا َل ‪ :‬ال َّ‬

‫وذلك فى مجاعة ‪ ،‬وخاصة صالة الفجر! فأين الذى يصلى منا فى مجاعة فى‬
‫بيت اهلل وخاصة الفجر ؟‬
‫إن حالنا مجيعاً يقول لسنا حمتاجني هلذه اعشدياء !! فأينمدا أدركتدك‬
‫الصالة فصلِّ وحسب !!‪ ،‬وي قول الواحد منهم فى نفسه إن اعذان قد أذن وأنت فى‬
‫املنزل ! واملاء موجود فى املنزل ! وسجادة الصالة أيضاً ‪ ..‬فصلِّ فى البيت ! وال‬
‫داعى للذهداب إىل املسجد! فاجلدو حدار ورطدب !!هذا ! ويعتقدد فى نفسده أنده‬
‫من احملبني‪ ،‬وأن احملبني سيكوندون مع الصاحلني ‪ ،‬مدع أن الشرع يقدول‪:‬‬
‫ب لَ ُه ِم ْن ها ُس ُد سُ ها َوال ُع ْشرُها َوإِ َّن ما يُ ْك َت ُ‬
‫ب‬ ‫صلِّي الصَّالةَ فَال يُ ْكتَ ُ‬‫{ إِنَّ ال َع ْب َد لَيُ َ‬
‫‪137‬‬
‫صال تِهِ ِب َق ْد ِر ما َعقَ َل ِم ْن ها )‬ ‫ل َِلع ْب ِد مِنْ َ‬
‫فماذا تفعل إن تكون قدد أخذت نصف الصالة أو أقل! ماذا أفعل؟ رقِّعها !‬
‫‪  132 ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫كيف؟ باالستغف ار بعد الصالة ‪ ، ..‬ورختام الصدالة ‪ ،..‬وبالنوافدل القبليدة‬
‫والبعدية ‪ ، ..‬وأرى أن بعض إخواننا يقولون ماذا نفعل رختام الصالة ؟‬
‫يدعون أن ه ليس ورورة وتكفى الفريضة و آخرون يقولون ملاذا النوافل ؟‬
‫علينا بالفرض وحسب ويتمسكون بشدة حبديث حضرة النبى الذى فيه‪:‬‬
‫أزي ُد َعلَى هذا‬ ‫بر ال َّر ُجلُ َوه َُو يقولُ‪َ :‬و ّ ِ‬
‫َّللا ال ِ‬ ‫{ قال‪ :‬ال‪ ،‬إ ِال ّ أن تَ َ‬
‫طوَّ َع‪ .‬قال ْ‬
‫فأد َ‬
‫وال أنقُصُ‪ .‬قال رسولُ ّ ِ‬
‫‪138‬‬
‫َّللا ‪ :‬أ ْفلَ َح إِنْ َ‬
‫صد ََق }‬

‫حتى أنى أري بعض إخوان ىل يصلى معى فى املسجد أحياناً ومبجدرد أن‬
‫يسلم اإلمام خيرج مسرعداً!‪ ،‬ويقف أمام املسجد ليتجاذب أطراف احلديث مع‬
‫فالن وفالن لنصف ساعة! وحيرم نفسه ركعتني سنة هلل ! أو ختام الصالة !‬
‫ومع ذلك يطمع أن يكون من أولياء اهلل فكيف ذلك ؟‬
‫إن ما تعلمناه فى رووات الصاحلني ‪ ..‬من البدايات !! أن أصلى الفدرض فدى‬
‫مجاعة‪ ،‬ثم أختم الصالة‪ ،‬وأنا فى املسجد عنه‪ ،‬رمبا إن خرجت قبل ذلك فإن‬
‫شياطني اإلنس لن ميكنونى من ختام الصالة‬

‫متى تصبح النافلة ‪ ..‬نافلة حبق!؟‬


‫وثانى هذا الورد كذلك أن أصلى النوافل هلل ‪...‬‬
‫بل إن النوافل التى قبل الصالة وبعدها ال تكفى السالك فى طريا اهلل‪ ،‬فلم‬
‫نسمع من قبل أن هناك من سجَّ ل فى ديوان الصاحلني !! ومل تكن له قومة فى الليل !‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪133 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فى وقت السحر بني يدى رب العاملني ومل يدخل فى قول اهلل‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫أما اآلن فان إخواننا أيضاً يقومون الليل ‪ ..‬كيف؟ ! قليالً من الليل مدا‬
‫يهجعون لكن أمام التليفزيون وأمام النت! ويا حبذ ا املباريات اعوربيدة ! التى‬
‫حيرصون عليها أكاثر من حرصهم على الصالة الفجرية! وذلك عنه حظ‬
‫النفس والنفس ما زال فيها بقية !!!‬
‫لكن ما مسعناه وعرفناه من الصاحلني أن قيام الليدل علديهم فدرض قدد‬
‫فرووه على أنفسهم ومل يعتربوا قيام الليل نافلة عنه سبحانه قال ‪     ‬‬
‫أى هو ‪ ‬فقط أما هؤالء فلم يتموا حا الفرائض لكي تكون هلم نافلة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫اخلطاب ‪ ..‬لك وحدك عنك أمتمت الفرائض أما حنن فمن منا يستطيع إمتام‬
‫الفرائض ؟ ‪ ..‬فمن منا عندما يكرب تكبرية اإلحرام إىل هناية الصالة وال يلتفت‬
‫قلبه عن امللك العالم ؟ ومن يفعل ذلك يكون فى امللكوت اععلى على الدوام‬
‫عن صاحب هذا احلال عندما يكرب تكبرية اإلحرام فان يد من يديه للدنيا‬
‫واليد الاثانية لآلخرة أى أن الدنيا واآلخرة وراء ظهرى وها أنا مع ربى ! ويصبح فى‬
‫مناجاة وحمادثة م ع اهلل حتى ينتهى من الصالة !!‬
‫هل هناك أحد من الصاحلني السابقني أو املعاصرين تفوته صالة الضحى ؟مل‬
‫أمسع عن ذلك و قد كانوا يدعون بعدهدا ويقولدون‪ {0‬إن الضحى وحائك والبهاء‬
‫هباؤك واجلمال مجالك } فصالة الضحى هى التى تكمل اإلنسان‪ ،‬وجتمل قلبه‬
‫باجلمال والنور والبهاء‪ ،‬وهى التى حيمى هبا اإلنسان بد‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  134 ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫إذاً الصاحلون دائم ًا يدؤدون الفدرائض فدى وقتدها فدى مجاعدة فدى بيدت اهلل‪،‬‬
‫ويشعرون دائماً باالفتقار إىل اهلل‪ ،‬كذلك يؤدون النوافل والرواتب مع الصالة ‪،‬‬
‫وختام الصالة‪ ،‬وصالة القيام‪ ،‬وصالة الضحى ‪ ،‬وهى فرائض عليهم قد فرووها‬
‫على أنفسهم لكي يكملوا الصالة هلل جل فى عاله‬
‫وثالاثاً ‪ ..‬اعوارد بعد ذلك ‪.‬ملاذا؟‪ .‬يقولون من اجلائز أن تكون هدذه‬
‫النوافل! مل تكمل الفرض؟ فعلينا أن نستغفر اهلل مائة مرة بالنهار ‪ ،‬ومائة مرة‬
‫بالليل‪ ،‬عن حضرة النا الذى قدال لده ربده‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫كان يقول حاثا ل أمة كلها من أوهلا إلىل آخرها‪:‬‬
‫يوم َمائ َة مرَّ ة }‬
‫ب إلي َّللا واسْ َت ْغف ِ َرهُ فى كُلِّ ٍ‬
‫{ إ ِّني أتو ُ‬

‫أما إخواننا فيقولون ال حنتاج إىل االستغفار باملرة !!‪ ،‬وإ ن استغفر الواحد‬
‫منهم يوماً! يرتك االستغفار بعدها أسبوعاً أو شهرا‪ ً،‬وكأنه مستغنى ويشعر‬
‫فقط أنه حمتاج مللء اجليب وليس لسرت العيب‪ ،‬أو أنه غري حمتاج إىل ملء القلب من عامل‬
‫الغيب! ولكنه يريد أن مي أ اجليب بزهرة الدنيا وشهواهتا وحموظها الفانية !!‬
‫وهى الداهية واملصيبة القاتلة اليت سيطرت على إخواننا !! وجعلتهم مع أهل الدنيا‬
‫وطالهبا !! الذين ابتعدوا عن طريا رب العاملني ‪‬‬
‫أما حنن فنحتاج إىل سرت العيوب باالستغفار‪ ،‬والدوام عليه حلضرة عالم‬
‫الغيوب‪ ،‬عنك عندما تقرأ فى دواوين الصاحلني جتد أهنم يتفننون فى االستغفار‬
‫لرب العاملني‪ ... ،‬وجتد أن لكل واحد منهم صيغة خاصة به‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫املاثال منهم من يقول وهذا كالم نردده بني يدي اهلل أثناء السجود‪:‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪135 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫{ يا عالم السر منا ال تكشف الستر عنا وعافنا وأعفو عنا واغفر لنا حيث كنا }‬

‫أما إخواننا فيعتقدون أهنم مستورين ألهنم حمبون للصاحلني ! وصحيح أنكم‬
‫مستور و ن وستكونون معهم فى اآلخرة إنشاء اهلل‪ ،‬لكن فى الدرجات ال! ملاذا؟‬
‫عن الدرجدات باباهددات ‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫إن اهلل ال يغري ما بقوم حتى يغريوا ما بأنفسهم! فهو ال يريد أن يغري ما بنفسه‬
‫ومع ذلك يريد أن يكتسب أ نسه ويصبح من أصحاب التجليات وال فتوحات !!‬

‫من هو املريد؟‬
‫واملصديبة الكدربى أن تس ددعة وتسدعني فدى املائددة مدن املريددين تس ددكن‬
‫بداخلهم املشيخة!‪ ،‬ويري كل واحد منهم فى نفسه أنه شيخٌ كبري‪ ،‬وإن‬
‫كان يتماهر بالتواوع‪ ،‬وعالمة املشيخة‪ ..‬أن ال يريد أن يكون هواه مطابق اً‬
‫هلوى سيدنا رسول اهلل‪ ،‬وميشى على حسب حمه وهواه‪ ،‬وكل من على هذه‬
‫الشاكلة تكون نفسه هى شيخه !! من املريد إذاً ؟ ‪ ....‬هو الذي سلم‬
‫نفسه وهواه للحميد ابيد ‪:‬‬
‫{ ال ي ُْؤمِنُ أ َ َح ُد ُك ْم َح َّتى يَ ُك َ‬
‫‪140‬‬
‫ج ْئت ِبهِ }‬
‫ون َه َواهُ َت َبعًا لِ َما ِ‬
‫لكن ما نراه اآلن أن كل مريد بداخله شيخ عتيد! ولذلك يعيش فى‬
‫اعوهام! وحياول أن ياثبت لنفسه ولغريه هذه املشيخة على الدوام‪.‬‬
‫بل ومن اجلائز أن يسخر به الشيطان‪ ،‬ويصور له منامات‪ ،‬ويعتقد بذلك انه مع‬
‫‪  136 ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫الصاحلني‪ ،‬وهم منه براء!!‪ ،‬ومن اجلائز أيضاً أن يضحك عليه الشيطان‪ ،‬ويأتى له‬
‫بوساوس وهالوس فيعتقد أنه من أهل اإلهلام !! ولو أنه فعالً من أهل اإلهلام لكان‬
‫أول إهلام يأتيه أن يتخلص مدن نفسدده عددلى الدددوام !! ويسدلم نفسده وكلده‬
‫للمصطفى عليه أفضل الصالة وأمت السالم‪ ،‬قال تعاىل (‪ ‬سورة النساء )‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ومثدن الرياسدة مصيبة كدربى !!! وذلك عن سيدى أبي احلسن الشاذىل‬
‫‪ ‬وأرواه قال فيه ‪:‬‬
‫ص ِّد يقـين حـ ُبُّ الرِّ َياسً ــــــــــــة }‬ ‫ج منْ قُلو ِ‬
‫ب ال ِّ‬ ‫{ آخـ ُر دا ٍء يخـر ُ‬

‫وبعض املريددين إن مل جيد من يرتأس عليه؟ فانه يرتأس عدلى زوجته وعياله ‪،‬‬
‫ويعطيهم أوامر وتعليمات! ويصر على تنفيذ هذه اعوامر والتعليمات! مع أنه‬
‫جيب أن يشاورهم فى اعمر ‪ -‬كما قال اهلل ‪ -‬وال مانع من أن يكون هناك‬
‫قضية الرأي فيها لزوجتى‪ ،‬وقد فعل احلبيب ذلك فى صلح احلديبية عندما أخذ‬
‫برأى السيدة أم سلمة‪ ،‬وفى املعارك كان يأخذ برأي أصحابه‪!!،‬‬
‫فمن منا يروى أن يتنازل عن رأيه من أجل رأي إخوانه ؟ ال يوجدد ومع‬
‫ذلك يريدد أن يبلغ املنى كيف ؟‬
‫هدل كسرت اعصنام التى فى فدؤادك لكدى تندل مدرادك ؟ أبددداً !‬
‫فاعصدنام موجودة ! وانمر إىل الشهوات واحلموظ ! وانمر عندما يناديك أحد‬
‫الناس ياسيدى الشديخ! ماذا حيدث لك من الزهدو! والفخدر! كذلك عندما يقدول‬
‫لك أحدهدم ادعوا ىل ماذا حيددث بداخدلك ؟‪ ،‬وانمر عندما يقبل واحد يدك ماذا‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪137 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫حيدث لك ؟ تشعر بنشوة عميمة !! وهذه مصيبة املصائب التى هى سبب فى‬
‫كل املعاطب!!! عن أى إنسان يشيخ نفسه ‪ ..‬يكون كالعنب الدذى مل‬
‫يطب! وكل من يأكل منه ميرض ‪.‬‬

‫الفتح الباطنى‬
‫لذلك جيب أن نلتزم باعوراد التى يعطيها الصاحلون للمريد فى البداية وهى‪:‬‬
‫‪ -‬أن يستغفر اهلل مائة مرة بالنهار ومائة مرة بالليل‪.‬‬
‫‪ -‬ويقول ال إله إال اهلل وحده ال شريك له له امللك وله احلمد حيي ومييت بيده‬
‫اخلري وهو على كل شئ قدير مائة مرة بالنهار ومائة مرة بالليل‪.‬‬
‫‪ -‬ويصلى على حضرة النا مائة مرة بالنهار ومائة مرة بالليل‪.‬‬
‫‪ -‬ثم يقول سبحان اهلل العميم استغفر اهلل العميم مائة مرة بالنهار‬
‫ومائة مرة بالليل‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يكون له ورد يومي من ا لقرآن على اعقل جزء‬
‫وهكذا يا إخوانى عهنم قالدوا‪:‬‬
‫{ من ال ورد له فال ورود له }‬

‫وإىل متى أحافظ على هذه اعوراد؟‬


‫إىل أن يفتح اهلل على فتحاً باطنيا‪ ً،‬وليس فتحاً ظاهرياً‪ ،‬عن اجلميع يريد الفتح‬
‫الماهري! ماثالً فالن فتح اهلل عليه أي أعطاه املال أو أعطاه درجة ب ني النفوس فى‬
‫الدنيا! أو جنح العيال! وهكذا نعتقد أهنا الفتوحات !! وهى ليست كذلك‬
‫بالنسبة لنا‪ ... :‬فهل فتح اهلل لك فى قلبك باب تطالع منه وجه النا ‪ ‬بال حجاب ؟‬
‫‪  138 ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فهذا هو الفتح! وإن مل تكن قد وصلت لذلك! فعلى من تكون شيخاً ؟‬
‫فى هدذه احلالة جيب أن تضدع نفسك حتت ا لطوب والطني لكي تبلغ املدراد‪.‬‬
‫‪ ‬إدفـن نفسك فى أرض الخمول؛ حتى تشرق عليك أنـوار الوصـول ‪ ‬و ‪‬‬
‫وكل من رأى نفسه فـوق التراب ضـل ‪. ‬‬

‫هل فتح اهلل ‪ ‬على قلبك فأصبحت ترى أن‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫وتسمع تسبيح الكائنات بأصناف اللغات؟ وفقهك اهلل ‪ ‬تلك اللغات ؟‬
‫فإذا مل تصل إىل ذلك فأى فتح عندك ؟‬
‫هل فتح اهلل ‪ ‬على قلبك وكشف لك عن خزائن العلم الوهبى بعد أن طالعت‬
‫وتعمقت فى العلم الكسبى لكى يعلمك ما مل تكن تعلم ويغمرك به!‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫هـل كاشفك اهلل ‪ ‬حبقائق مملكتك؟ فصرت ترى ما فيك من أغيار وما فيك‬
‫من أنوار !وما فيك من أسرار وما فيك من حقائق أودعها فيك عامل األسرار ‪ ‬؟‬
‫فإذا مل تعرف بيتك !وهو نفسك فماذا تعرف بعد ذلك ؟ عندما أسأل واحد كم غرفه‬
‫فى بيتك فيقول ال أعرف ما العمل ؟ إنك ال تعرف بيتك وهو قلبك فأنت حتى ال تعرف‬
‫حدود مملكتك الظاهرة فكيف تطلع على أنوارها الباهرة ؟ وبالتايل كيف تكشف‬
‫لغريك ومل تكشف عن نفسك بعد احلجاب ؟‬
‫يا من مل يكشدف عنده احلجداب ومل يدرز مبواهدب اعحبداب كيدف‬
‫تكشف عن غريك احلجاب وأنت حمجوب باعسباب بعيد عن حضرة الوهاب‬
‫‪ ‬وتمن أنك من اعحب داب وهدو ظدن يقدول فيده الوهداب‪:‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪139 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫فنحن واحلمد هلل كما قلت " حمبون " وسنحمى بقوله ‪ ‬وبشراه‪:‬‬
‫{ ال َمرْ ُء َم َع َمنْ أ َ َحبَّ َولَ ُه َما ا ْك َت َس َ‬
‫‪141‬‬
‫ب}‬

‫فباحملبة نكون مع بعضنا يوم القيامدة‪ ،‬ولكدن اتلدف املقامدات بقددر‬


‫ابا هدات ‪..‬لكلِّ ما اكتسب‪.‬‬
‫وأغلبنا تكون قيامة الواحد منهم عندما خيرج من الدنيا‪ ،‬ولكن هناك‬
‫آخرو ن يقولون أننا مشتاقون !! ولنجعل قيامتنا وحنن هنا فى الدنيا‪:‬‬
‫‪142‬‬
‫ات أ َ َح ُد ُك ْم َف َق ْد َقا َم ْ‬
‫ت قِ َيا َم ُت ُه }‬ ‫{ إِ َذا َم َ‬

‫وذلك لكى حيموا هبذه اعنوار وحيموا بصحبة اعخيار ‪ ،‬و مبعية النبى‬
‫املختار وهم فى هذه الدار‪ ،‬وهؤالء هم وراث اعنوار !!‬
‫والباب مفتوح يا أحباب ! وما قلت لكم هذا القول على سبيل العتاب !‬
‫ولكن عخربكم أن الباب مفتوح ل أحباب! وكل املطلوب أن يعلي اإلنسان‬
‫من مهته وعزميته! وينمر بعني قلبه وحياول أن جياهد نفسه فى ذات اهلل ‪. ‬‬

‫من ال ورد له ال ورود له‬


‫إذاً عليكم باعوراد!‬
‫و إوافةٌ إىل ماتقدم مدن الصدلوات واعذكدار ‪ ..‬فالبدد وأن يكدون‬
‫لإلنسان ورد من الصيام‪ ،‬وأقله للعجزة واملروى ثالثة أيام من كل شهر ‪ ،‬أما‬

‫‪‬‬
‫‪  141 ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫للشباب فاالثنني واخلميس تشبهاً باملصطفى عليه الصالة و السالم‪ ،‬وال يصوم الشاب‬
‫االثنني واخلميس ثم يأتى عند اإلفطار ويعوض ما مل يأكله بالنهار !‪ ،‬عنه بذلك‬
‫قد ويع نفسه! ولن حيمي مبعية النا املختار‪ ،‬فطعام السالك وقوتده ذكدر اهلل‬
‫على الدوام‪ ،‬فال يري إال ذاكدراً‪ ،‬وال يرى قلبده إال وهدو مدع اهلل حاوراً‪ ،‬لسانه‬
‫ذاكدر‪ ،‬وقلبه بني يدى اهلل حاور ‪ ،‬وبدنه لنعم اهلل شاكدر‪.‬‬
‫فهل هناك مريد لديه وقت للقيل والقال ! والتحسس ! والتجسدس علدى‬
‫الناس! وعلى اعخبار وعلى اعسرار ؟ وكلما رأي أحداً قال ما أخبارك ؟‬
‫ومدا أخبدار زوجتك وعيالك ؟ يريد أن يتحسس !! ويتجسس!! ويدتلمس‬
‫أخبار املسلمني واملسلمات !!!‬
‫وطالب أسرار اخل لا ال حيمي أبداً بأسرار احلا ‪!!‬‬
‫احبث عن أسرار أخبار وأنوار سيد اعولني واآلخرين !! ماذا كان‬
‫يفعل فى املقام احملمدي؟ وماذا كان يفعل فى املقام اعمحدى؟ وكذلك املقام‬
‫املصطفوي ؟ وراث الكتاب ما عطائهم من اهلل ؟ ما نصيب اعولياء من اهلل ؟‬
‫ومن يريد أسرار احلا ؟ ‪ ..‬عليه أن يبحث عن أسدرار الرجدال أهدل‬
‫الكمال! أو أسرار اعولياء والصاحلني! أو أسرار املقربني مع سيد اعولني‬
‫واآلخرين ! أو أسرار الوجهاء فى قاب قوسني أو أدنى مع رب العاملني !!‪.‬‬
‫من منكم حياول أن يذهب إىل قاب قوسني لكي يطلع فيها على أسرر‬
‫الرجال ؟ إن كل ما ي ريده أن يطلع على أسرار اخللا فماذا تفعل هبا؟ لو فعلت‬
‫ذلك فقد شغلت نفسك مبا يشغلك عن ربك ‪ ‬؟ ويهبط بك إىل أودية القطيعة؟‬
‫فاإلمام مالك ‪ ‬يقول فى مذهبه أن من شغل نفسه مبن عن ميينه ومن عدن‬
‫مشاله فى الصالة عامداً متعمداً بطلت صالته‪ ،‬عنه هنا مشغول باخللا عن احلا‪،‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪141 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫واإلمام سعيد بن املسيب ‪ ‬مكث أربعني عاماً ال تفوته تكبرية اإلحرام‬
‫فى مسجد املصطفى عليه أفضل الصالة والسالم وفى ذلك يقدول‪ { :‬مكاثدت‬
‫أربعني عاماً مل تفوتين تكبرية إحرام واحدة فى مسجد رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم وما علمت مرة منها من عن مييين أو من عن مشايل}‬
‫وذلك عنه مشغول باهلل {َّللا فى قبلة أحدكم } ‪ 143‬كما قال احلبيب ‪، ‬‬
‫وماثل هذا عندما يلتفت يأتيه اخلطاب ‪:‬عبدي إىل من تلتفت عنى ؟؟ هل هناك من‬
‫هو أعمم عندك منى!! فتلتفت إليه عنى؟! ‪ ..‬وهدذا هدو خطاب اعحباب فى‬
‫مقام القرب من الوهاب ‪ ‬من منكم الدذى مسع هذا اخلطاب ؟‬
‫وم ن منكم الذى مسع رد السالم فى التحيات واإلنعام من املصطفى ؟‬
‫أال تسلم على حاور وهو يرد عليك السالم عن السالم سنة ورده فرض ‪.‬‬

‫البدن لألكوان والقلب للرمحن‬


‫أما حنن فمشغولون بأمور الدنيا ونريد أيضاً معها أن نكون كرباء فى الدين وأولياء‬
‫وصاحلني وهذا ال يكون أبداً إذ ال بد لإلنسان أن يفـرغ القلب حلضرة الرمحن‬
‫{ اجعـل البـدن لألكوان ولبنى اإلنسان وال تجعل فى القلب ذرة‬
‫لغير الرحمن ‪} ‬‬

‫وهذا هو جهاد العارفني والصاحلني ‪.‬‬


‫إذاً ال بد وأن يكون له صيام وأن يكدون ذاكدراً هلل علدى الددوام‪،‬‬
‫واعهم من ذلك أن يكف نفسه عن الذنوب واآلثام !! ‪ ..‬فنحن مل نسمع عن‬
‫أحد من أتباع الطر أو من رواد الصاحلني وينطا لسانه بغيبة أو منيمة أو سب أو‬
‫‪  142 ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫شتم أو لعن وما شاهبها من الذنوب والعيوب!! وذلك عن أتباع الصاحلني املفروض‬
‫أهنم أشبه الناس بالسلف الصاحل الطاهرين الطيبني‪.‬‬
‫فهؤالء ي كون الواحد منهم جممالً بالصمت‪ ،‬ال يتكلم إال إذا رأى‬
‫للكالم مووعاً! وال ارج الكلمة من فيه إال إذا حتقا بإخالص النية أوالً فى‬
‫هذا الكالم خلالقه وباريه ‪ ،‬وحتقا ثانياً أن هذا الكالم سريفعه عند اهلل ولن‬
‫يكتب عليه به ذنب يضره أو يؤذيه!‪ ،‬أما أن يلقى الكالم على عواهنه فال شأن‬
‫له بالصاحلني!! عن قطط الصاحلني وكالهبم مهذبة ‪ ،‬فعندما دخلوا الكهف‬
‫وقف الكلب على باب الكهف ورفع يديه ليسد الباب حتى ال يفسد أحد‬
‫عليهم هذه اخللوة مع الوهاب ‪‬‬
‫قد فاز كلب حبب آل كهف ‪..‬فكيف ال أفوز حبب آل النبى‬
‫ولذلك ذكر الكلب معهم فى القرآن ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫باسط ذراعيه ليسد الباب‪ ،‬لكي ال يدخل أحدد مدن اعغيدار يفسدد‬
‫عليهم خلوة اعنوار!‪ ،‬لكدن عنددما يدأتي اعخ وهدو الدذى يددخل اعغيدار‬
‫للصاحلني واعطهار !! عندما يقول هلم فالن فعل كذا وكذا ! وفالن صفته‬
‫كذا وكذا ! فما هلذا وحضرات الصاحلني ؟‬
‫ال شأن له هبذا بل إن عليه أن جيلس فى مقهى أو فى كافيرتيا أو ما شابه‬
‫ذلك ! عن حضرات الصاحلني يعلن عليها سيد اعولني واآلخرين ويقول‪:‬‬
‫{ ال ُي ْبل ِ ُغنِي أ َ َح ٌد مِنْ أَص َْحابي َعنْ أ َ َح ٍد َش ْي ئا ً فإِ ِّني أُحِبُّ أنْ ْ‬
‫أخ ُر َج إِلَ ْي ُكم َوأَ َنا‬
‫‪144‬‬
‫صدّ ِر }‬
‫َس لِي ُم ال َّ‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪143 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫أمد ددا مهد ددوم الد دددنيا فد ددال شد ددأن للصددداحلني هبدددا!! وعلددديكم أن تباثد دددوا‬
‫شكواكم فيها ملدن يقدول للشئ كن فيكون أقصدته يومداً وردك ؟أدعوته‬
‫مدرة ومل يعطك ؟ حتى عندمدا قدال البعدض ‪‬إن من داوم قرع الباب يفتح له ‪ ‬قالوا‬
‫إن هذا الكالم مغلوط عنه متى أغلا الباب حتى حيتاج إىل من يقرعه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫والدعاء هنا مفتوح‪ ،‬إن كان بأدعية القرآن‪ ،‬أو بأدعية النيب العدنان‪ ،‬أو بلسان‬
‫‪ }  ‬ومل يقل أنظر‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫حالك فهو ال حيتاج إىل ترمجان !! وقد قال { ‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫فلماذا ال تذهب إليه فى أي مكان ؟‬
‫فإلنه سبحانه مل يقل ادعوني فى املسجد! أو على عرفات! أو أمام الكعبة !‬
‫ولكن فى أي زمان ومكان وبأي منوذج ! أين أنت يا رب؟‬

‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فال خيلو منه زمان وال مكان إذاً ال تشكو إال ملوالك فاإلجابة حمققه‬
‫وفورية حتى ولو كنت خطاء ومذنب وكلك ذنوب وعيوب‪:‬‬

‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فماذا هنا لك بعد ذلك ؟‬
‫فإذا قلت‪ :‬تبت‪ ..‬يقول‪ :‬وأنا قبلت!‬
‫وإن قلت‪ :‬إىل حضرتك رجعت ‪..‬‬
‫يقول‪ :‬وأنا بكل الفضل والعطاء واخلري إليك عدت ‪.‬‬
‫‪  144 ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫آداب سورة احلجرات‬
‫وبدالً من أن يكون اإلنسان مع الصاحلني !!‬
‫عليده أن يكدون مدن الصداحلني ‪ ،‬باحملافمدة علدى اجلهداد ! وحيدافظ علدى‬
‫اعوراد! وجياهد النفس أوالً فى البعد عن الفنت واملعاصي ما ظهر منها وما بطن !‬
‫وخاصة فنت اللسان من الغيبة والنميمة والتحسس والتجسس ‪.‬‬
‫وأطلب من إخواني العلماء أن يذكروا إخدواهنم فدى ابدالس بسدورة‬
‫احلجرات‪ ،‬ويتنداولوا فدى كدل مدرة خلقداً مدن اعخدال املباركدات فيهدا‪،‬‬
‫وكذلك يعيدوها فى املساجد للناس‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪‬‬

‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬

‫وهكذا ألني أرى األحباب خلواً من هذه اآلداب‪ ..‬وال يعرفوهنا! وذلك ألن‬
‫السابقون منهم يقعوا فى هذه األوحال فماذا يفعل الالحقون ؟ إن أفضل عبادة هى ما‬
‫تكسبك الورع هى حفظ النفس واجلوارح من املخالفات وفيها قال ‪: ‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪145 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫{ ال َ َو َر َع َكالْ َكفِّ } ‪ 921‬فأول عبادة هى أن يكف اإلنسان لسانه‬
‫ويكف يده ويكف كل أعضاءه عن اعذى وهى العبادة احلقة‪:‬‬
‫اس } ‪ 922‬والدورع هدو مدن اتقى املدددحارم ‪:..‬‬
‫{ ُكنْ َو ِرعاً‪ ،‬تَ ُكنْ أَعْ َب َد ال َّن ِ‬
‫‪927‬‬
‫ار َم َت ُكنْ أَعْ َب َد ال َّن ِ‬
‫اس }‬ ‫{ ا َّت ِق ال َم َح ِ‬
‫ذلك عنك لو داومت على اعوراد ليل هنار! ومع ذلك ال يكف لسانك‬
‫عن الكالم! فانك كمن يكسب فى اليوم ألف جنية! ونفقداته فى اليدوم‬
‫بسة آالف جنية !! بذلك يمل مديدون ‪ ..‬لكن اإلنسان الذى كف اللسان‬
‫واجلوارح لو أنه مل يعمل فى اليوم إال حسنة واحدة فهو الفائز !!‬
‫و بقى أمران أن بكون له نصيب من مدارسة العلم لقدول احلبيب‪:‬‬
‫ك ل ِي‬
‫ُور َ‬ ‫{إِ َذا أَتَىٰ َعلَيَّ َي ْومٌ ال َ أ َ ْزدَا ُد فِيهِ عِ ْل َما ً ُيقَربُنِي إِلَىٰ َّ ِ‬
‫َّللا تَ َعالىٰ فَال َ ب ِ‬
‫‪148‬‬
‫ك ْال َيوْ َم }‬ ‫وع َش مْ ِ‬
‫س ذٰل ِ َ‬ ‫ُُ‬
‫فِي طل ِ‬
‫والاثان أن ي فك يده بالعطاء‪ ،‬ويتصد على الفقراء‪ ،‬لقول احلا‪:‬‬
‫‪149‬‬ ‫{ أَ ْن ف ِْق ُي ْن ف ِِق َّ‬
‫َّللاُ َعلَ ْي َ‬
‫ك}‬

‫وكل ممسك بيده؟ ميسك اهلل ‪ ‬عنه الفضل‪ ،‬فكيف يأتيه فضل اهلل ؟‬
‫ورسول اهلل ‪ ‬يقول ويكشف السر عن ذلك لكل املسلمني ‪:‬‬
‫ان َي ْن ِزال َ ِن‪ .‬فَ َي قُولُ أ َ َح ُد ُه َما‪ :‬اللَّ ُه َّم أَعْطِ‬
‫{ َما مِنْ َيوْ ٍم يُصْ بِ ُح الْ ِع َبا ُد فِيهِ‪ ،‬إِال َّ َمل َ َك ِ‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪  146 ‬اخلامس‪ :‬مالزمة األوراد باب الفتح واإلمداد ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪150‬‬
‫ُم ْن فِقا ً َخلَ فاً‪َ .‬و َي قُولُ اآل َخ رُ‪ :‬اللَّ ُه َّم أَعْطِ مُمْ سِ كا ً َتلَ فا ً }‬

‫فكيف يعطى اهلل ممسكا ؟‪ ،‬إذ ال بدد‬

‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬

‫ذكر القلب‬
‫وعلى اإلنسان أن يواصل ذلك إىل أن حيتيى القلب ‪...‬‬
‫ف إذا إحتيا القلب ‪ ..‬فياهناه ‪...‬عندها يذكر اهلل نائماً ‪ ..‬وقائماً ‪..‬‬
‫وماشياً ‪ ...‬وقاعدداً ‪ ...‬و صدامتاً ‪ ...‬ومتكلمداً ‪ ...‬ويسدمع قلبده وهدو‬
‫يذكر اهلل ‪ .....‬وبذلك ينتقل إىل ذكر القلب ‪.‬‬
‫وعلى الشيخ هنا أن يعطيه اللطائف القلبية‪ ،‬التى يذكر هبا‪ ،‬لكى ترفع‬
‫عنه احلجب‪ ،‬ويصبح من أهل املشاهدات ‪ ...‬واملواجهات ‪0‬‬
‫أين حنن يا أحباب من ذلك كله ؟‬
‫أردت أن أذكِّر نفسى وإخوانى بذلك؛ حتى ال يشكونى أ حد إىل اهلل‬
‫يوم القيامة بسبب ذلك فليس على إال البالغ‬
‫أسال اهلل ‪ ‬أن يرزقنا مجيعاً االنتفاع ‪..‬‬
‫وأن يعلمنا ما ينفعنا‪ ..‬وأن ينفعنا مبا علمنا‪ ..‬وأن يرزقنا علماً نافعاً ‪..‬‬
‫وعمالً رافعاً ‪ ..‬وقلباً خاشعاً ‪ ..‬ونوراً ساطعاً‬

‫وصلى اهلل وسلم على سييدنا حمميد وعليى آليه وصيحبه وسيلم‬
‫‪ ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح ‪147 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪‬الفصل السادس‪‬‬
‫‪ ‬كُنُوزُ الفَتَّاح ‪‬‬
‫أوالً‪ :‬الكنوز احلسية‬
‫كنوز الفتاح‬
‫ثانيا ‪ :‬كنوز املعانى‬
‫كنوز اهلداية والرعاية‬
‫كنز الكنوز‬
‫العبد الربانى‬
‫من كنوز املعانى‬
‫ختلية القلب للوصول إىل اهلل‬
‫روحانية الرجل الصاحل‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  148 ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح ‪149 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪919‬‬
‫كُنُوزُ الفَتَّاح‬
‫أوالً‪ :‬الكنوز احلسِّيَّة‬
‫الكنوز يا أحباب ‪ ...‬كنوز اهلل ‪.. ‬‬
‫منها كنوز حسية‪ ،‬ومنها كنوز معنوية‪.‬‬
‫وإن شئت قلت منها كنوز املباني ‪ ..‬ومنها كنوز املعاني‪.‬‬
‫وإن شئت قلت منها كنوز ظاهرة تراها عيون الرؤوس‪ ،‬ومنها كنوز‬
‫باطنة ال يطلع عليها أهل النفوس ‪ ..‬وإمنا يكشفها اهلل ملن اصطفاهم‪ ،‬ونقاهم‪،‬‬
‫ورقاهم‪ ،‬ونمروا بعني القلب إىل معاني مجاالت الرب ‪. ‬‬
‫الكنوز احلسية أو اعروية أو الْمُلْكِيَّة هي كنوز اخلري املوجودة‬
‫يف ع ددامل ال دددنيا‪ ،‬ماث ددل كن ددوز ال ددذهب‪ ،‬وكنددوز الفضددة‪ ،‬وكن ددوز امل دداس‬
‫والزمرد‪ ،‬وكنوز البرتول ‪،‬وكنوز املعادن املعروفة أو الندادرة والنفيسدة‬
‫كل ها بأنواعها وأصنافها‪ ،‬وهي كنوزٌال يصنعها اإلنسان ‪..‬وإمنا الذي يصنع‬
‫الكل ويهيأه وجيهزه هو الرمحن ‪. ‬‬
‫هل هناك من يستطيع اآلن أن يصنع الذهب؟! التكنولوجيا العلمية هل‬
‫تستطيع اآلن أن تصل إىل سر صناعة الذهب؟ من يستطيع أن يصنع الذهب يف أي‬
‫أمة من أمم اعرض؟‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  151 ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫هل هنا ك من يستطيع أن يصنع البرتول؟!هذه املواد ال يصنعها إال الصانع ‪:‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫ويكش ددف اهلل ‪ ‬ه ددذه الكنددوز ملددن حيددب ومددن ال حي ددب‪ ،‬عوليائ دده‬
‫وععدائه‪ ،‬عهل اإلسالم وعهل الكفر‪ ،‬هل حيرِمْ اهلل ‪ ‬منها أحد؟‬
‫أبداً !!‬
‫وطريقة الوصول إليها العلم‪ ،‬واسدتخدام العقدل والفكدر‪ ،‬واعدوات‬
‫احلسية الماهرية‪ ،‬وهي اجلسم واملعدات ‪ ..‬وكلما استطاع اإلنسان أن يُعمل‬
‫فكره أكاثر‪ ،‬كان وصوله إىل هذه الكنوز أعمم وأكرب‪.‬‬
‫ولذلك كانت اعمم الكفرية‪ ،‬مع كفرها!!‪ ..‬إال أهنا هلا أوفر‬
‫حماً ونصيباً فيها !! عهنا اس تخدمت اعسباب التى توصلها إليها كما اقتضت‬
‫السنن الكونية التى أبدعها اهلل وجعلها نواميساً للكون الماهر‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬كنوز املعانى‬


‫لكن اهلل ‪ ‬خصّ املؤمنني واملتقني بكنوز املعانى ‪..‬‬
‫وكنوز املعانى ياإخوانى القراء الكرام ‪ ...‬ال يسدتطيع أحدد مدن‬
‫اعولني واآلخرين عدَّها وال حدَّها ‪ !.‬فكنوز اعرض عددها اآلن معروف‬
‫وحمدود‪ ،‬وتنفذ!‪ ،‬فالكنز الذي يكتشفونه ‪ ..‬يمل حتى يستنفذوه!‪ .‬لكن‬
‫كنوز املعاني ليس هلا عدٌّ وال حدٌّ وال مقدار وال نفاد!!!‬
‫كنوز املعانى ‪..‬منها ما يشعر به اإلنسان‪ ،‬وال حيسه !‪،‬وال ميسه !‪،‬‬
‫وال يلمسه !‪،‬وال يستطيع ال نمر إليه!‪ ،‬لكن يلمس آثاره ويتمتع بوصوله إليه ‪...‬‬
‫‪ ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح ‪151 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫كنوز اهلداية والرعاية‬
‫وأعمم كنوز املعانى ‪ ..‬كنز اهلداية؟ ‪ ..‬ما وصفها؟‬
‫ليس هلا وصف‪ ،!..‬حنس هبا ‪ ..‬لكن هل نستطيع أن نلمسها؟ حنسها‬
‫فقط !د لكن ال منسَّها ‪ ..‬وال نلمسها ‪ ،..‬نشهد فينا آثارها ‪ ..‬ويتفجَّر يف‬
‫باطننا؛ وليس لعيون ظواهرنا أنوارها‪ ،‬فأنوارها تراها عيون السويداء والقلب !‬
‫هذه الكنوز كنوز اهلداية‪ ،‬كنوز العنايدة‪ ،‬كندوز الرعايدة أى‬
‫رعاية اهلل للعبد‪ ،‬فيها كنوز ال يستطيع أحد من اعولني وال من اآلخرين أمجعني‬
‫ذكر أنواعها ! أو تعديد صنوفها‪ ،‬ماثالً قال تعاىل [‪ 982‬ا لنحل]‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫هذا كنز رعاية !! وهو املعية – كيف؟‬
‫هل فينا من يستطيع أن يعيش بدون رعاية اهلل ‪ ‬طرفة عني أو أقل؟‬
‫لو الت عناية اهلل ‪ ‬عنا طرفة عني لكنا يف أمل وبني أشد من كل أنواع‬
‫عذاب السعري وكل ما جهزه اهلل يف جهنم للكدافرين واملشدركني!!‬
‫لكن بفضل اهلل علينا يوالينا بكنوز رعايته‪.‬‬
‫وكنوز العناية هي التى حتيط بنا من البداية للنهاية‪ ،‬فبسر العنايدة جعدل‬
‫أرواحنا نورانية‪ ،‬ومجعنا قبل القبل على حضرة خري الربية ‪ ،‬وجعلنا بسر من عنده‬
‫نشاهد أنوار ذاته البهية‪ ،‬وووع فينا قبل القبل االستعداد والتأهل عن نكون‬
‫مؤمنني صادقني حبضرته إذا جئنا إىل هذه الدار الدنية‪ ،‬أليس هذا كنزٌ عناية؟‬
‫ما دورنا فيه؟ هل للعقل يف هذا الكنز دور؟ هدل للحدس فدى هدذا‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  152 ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫الكنز نصيب؟ هل للعلم الماهر إطالع على هذه الكنوز وهذه املعانى؟‬
‫ال يوجد‪ ،‬وكنز العناية يالحقنا يف النهاية حتى خنرج من الدنيا مسلمني‬
‫مؤمنني ويلحقنا بالصاحلني‪.‬‬
‫أين شركات التأمني ؟؟ ‪ ....‬التى ارج لك وثيقدة ‪ ..‬تضدمن لدك‬
‫اخلروج من الدنيا على هذا الدين؟!‬
‫إهنا كنز عناية من اهلل ‪ ‬جعله للمؤمنني يف البداية ويف النهاية ‪...‬‬
‫‪ -‬كنوز العلم اإلهلى‪.‬‬
‫‪ -‬كنوز اإل هلام التى يلهم هبا الصاحلني واملقربني ‪..‬‬
‫ز معنويدة ال تدرى‪،‬‬
‫‪ -‬وهذه كلدها وأماثاهلدا وأشدباهها تسدمى كندو ٌ‬
‫ولكن يُرى آثارها ويستدل عليها‪ ،‬لكن يستحيل على إنسان مهما‬
‫كان أن ميسَّها أو يلمسها أو يطَّلع عليها[‪62‬القصص]‪:‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬

‫كنز الكنوز‬
‫هل أحد معه مفتاح هذا الكنز؟‬
‫اهلادى ‪‬‬
‫هل أحدٌ ميلكه من اعولني واآلخرين حتى لنفسه؟‬
‫ال يستطيع فما بالك لغريه؟!‬
‫ومن كنوز املعانى كنوزٌ تراها عني الفؤاد‪ ،‬وعدني القلدب إذا خدرج‬
‫‪ ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح ‪153 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫اإلنسان من سفل املبانى ‪،‬واتصل بعامل القرب والتهانى ‪..‬‬
‫منها كنوزٌ نورانية ‪ ..‬يشاهد الذوات النورانية كذوات املالئكة‬
‫وهم نور‪ ،‬كحضرات اجلنة وهي ن ور‪ ،‬كعوامل القدس اععلى وهي نور‪.‬‬
‫وأعمدم هدذه الكن ددوز وسدر كددل هدذه الرمدوز هددو ندور احلبي ددب‬
‫اععمم ‪ ، ‬لذلك يسمى الكنز املطلسم‪ ،‬من الذي يفك طلسمه؟‬
‫عبدٌ رباني ال شرقي وال غربي‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫من الذي عرف هذا الكنز؟‬

‫العبد الربانى‬
‫العبد الربَّانى ‪ ،..‬هذه امسها كنوز نورانية وهناك كنوز روحانية‬
‫أيض ًا من كنوز عدامل املعداني تراهدا اعرواح بعدد صدفاة املشدكاة مدن عدامل‬
‫اعشباح‪ ،‬فرتى السر السارى يف كل الكائنات‪ ،‬حياة الكائنات مباذا؟‬
‫بسر فيها من مبدع الكائنات‪ ،‬الذي يشهد هذا السِّر فقدد شدهد السِّدر‬
‫الروحانى الذي قامت به كل العوامل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫وبسرِّ حياته حييت‪ ،‬وبسرِّ قوته قويت‪ ،‬وبسرِّ نوره أبصرت ومشديت‪،‬‬
‫أستمد منه ‪ ‬حياتى ‪ ..‬و لوال حياته ما كانت حياتى ‪ ،‬فبحياته تمهر حياتى‪،‬‬
‫وإذا قطع عنى سرَّ حياته كان ذلك يقيناً مماتى‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  154 ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫من الذي يستطيع أن يعيش وحييا من نفسه بدون ‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫حتى اهلوامش التى يف الدنيا!!!‬
‫ال تستطيع أن حتيا! إال إذا نفخ فيها احلي ‪ ،‬وكل نفخة علدى قددرها‪،‬‬
‫وأعالها نفخة الروح يف اإلنسان‪ ،‬عنه صاحب التكريم يف هذه اعكوان‪:‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪       ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫لكن كل شيء يف الوجود ‪...‬‬
‫ليس له وجود!‪ ..‬إال إذا أفاض عليه الرب املعبود سراً من أسراره ‪، ‬‬
‫به يستمد منه الوجود ‪...‬‬
‫وبه يكون قائماً يف هذا الوجود‪.‬‬
‫من الذي سريى هذا؟‬
‫يرى هذا من تفضل عليهم الفتاح فأواء هلم حقيقة املصباح ‪:‬‬
‫وجعلهم أرواحاً حترك هذه اعشباح!‬
‫وليس أشباحاً تستمد حياهتا من هذه اعرواح‪.‬‬
‫كنوزُ يقول فيها اإلمام أبوالعزائم ‪ ‬للسيد اععمم ‪:‬‬
‫فتحت كنوز اهلدى واعيادى فقربت فضالً بعيداً جهوال‬
‫ومن قبل كنا ظالمدددددددداً وجهالً فصرنا بطه رجاالً فحوال‬
‫وحتت هذه الكنوز رموز‪.‬‬
‫‪ ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح ‪155 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫من كنوز املعانى‬
‫‪ -‬فهناك كنوز النا العدنان‪ ،‬وال يستطيع فك شفراهتا أحدٌ حتى عهل‬
‫العرفان‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك كنوز القرآن وقل ما شئت فيها‪ ،‬منها كنوز للبيان‪ ،‬ومنه ا‬
‫كنوز للعيان‪ ،‬ومنها كنوز للوصل ‪ ،‬ومنها كنوز لالتصال‪ ،‬ومنها‬
‫كنوز للحكمة العالية ‪ ،‬ومنها كنوز للعرفان‪.‬‬
‫وهذه الكنوز هي مقصد الصداحلني‪ ،‬ومطلدب املدتقني‪ ،‬وطلبدة اعفدراد‬
‫الروحانيني يف كل وقت وحني‪ ،‬عهنا كنوز ال يستطيع أن يشاركنا فيها‬
‫أحد من اعولني واآلخرين ‪..‬‬
‫من ا لذي سيشاركنا يف هذه الكنوز؟!‬
‫من الذي يستطيع أن ينقل علومك الوهبية التى خصك هبا رب الربية‪ ،‬وجعلها‬
‫لك أنت عطية ويعطى منها غريك من أهل اخلصوصية؟‬
‫ال أحد من اعولني واآلخرين‪ ،‬لكن أي علم يف أي كتاب يستطيع أن‬
‫ينقله ويضع عليه امسه مع شيء من التصرف فيه‪ ،‬لكن العلم الوها‪::‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪       ‬‬
‫حتى النا والرسول الذي من أوىل العزم‪ ،‬مل يستطع أن يطلع على هذا العلم‬
‫إال بإذن من صاحبه ‪ ، 918‬فهذه خصوصيات عاليات يقيم فيها اهلل ‪ ‬الرجدال‬
‫الصاحلني يف أعلى الدرجات‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  156 ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫من الذي يستطيع أن مينع ما يلوح للقلب والفؤاد من مشاهد ‪ ..‬يف حالة القرب‬
‫والوداد ‪ ...‬إن كان من احلبيب اععمم! أو من العوامل القدسية! أو من العوامل‬
‫العلوية؟ ‪ ..‬من الذي يستطيع من اجلن أو اإلنس أن مينع عنك هذه املشاهد؟‬
‫ال يوجد أحد!‬
‫عهنا مشاهد فردانية جعلها اهلل ‪ ‬مزية عهل اخلصوصية‪ ،‬ميزهم هبا‬
‫يف حضرته البهية‪ ،‬ال يشاركهم فيها غريهم‪:‬‬

‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫إن الكنوز اعروية التى نريد أن نعيش فيهدا هدى تَبَدعٌ‪ ،‬فدإذا وجهدت‬
‫كلك هلل ‪ ..‬وخصدك اهلل بدبعض عطايداه ‪ ..‬فدإن كندوز اعرض احلسدية‬
‫كلها ‪..‬تنادى عليك لتعطيك ما لك عندها ! وما كتبه لك اهلل !‬
‫ولذلك فإن كنوز سيدنا سليمان ليس كما يقول اجلاهلون والغافلون أهنا‬
‫كنوز حسِّيَّة فقط‪ ،‬لكن كنوز سيدنا سليمان اععمم كنز‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫كنز الفهم عن اهلل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫كنز حكم النفس ‪ ، ،،‬عن اإلنسان إذا حكم نفسه تصرف يف‬
‫كل شيء بربه ‪. ‬‬
‫وكنز العلم الوها الذي خصه به مواله جل يف عاله‪ ،‬فكنوز سليمان‬
‫اععمم معنوية‪ ،‬أما تسخري اجلن والشياطني وكنوز اعرض فهى تأتى تبعاً‪.‬‬
‫‪ ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح ‪157 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫لكن أندت جهَّدزك اهلل‪ ،‬وجعدل يف باطندك كدل اعجهدزة النورانيدة‬
‫والروحان ية واإلهلية والقدسية‪ ،‬التى تليا هبذه اجلماالت والكنوز الربانية‪،‬‬
‫والعطاءات اإلهلية‪ ،‬حتى أن اهلل قال يف الكافرين‪:‬‬

‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فهي موجودة معهم!‪ ..‬لكن عطَّلها املهندس الكبري ‪ ، ‬لكن أنت‬
‫معك املعدات وشفرات التشغيل‪ ،‬ومعك املهندس اععمم الذي كلفه اجلليل أن‬
‫يعلمك! ‪ ..‬ويعطيك اخلربة لتقوم هبذا التشغيل‪:‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫به ‪..‬وليس عنه ‪ ،..‬هل هناك أحد تائهٌ ع نه حتى يسأل عنه؟!‬
‫حتى الكافرين ‪ ،‬قال تعاىل فى [ ‪ 81‬لقمان]‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫فهل هناك أ حٌد ال يعرفه؟!‬
‫لكن اسأل به لتصل إىل مجاله ‪ ..‬وكماله ‪ ..‬الذي خصه فيدك ولدك‬
‫اخل ددبري‪ ،‬فأن ددت مع ددك اعجه ددزة واملع دددات ! !‪ ،‬فتسددتخدم صددنفرة ال ددذكر‬
‫لتكشف الصدأ الذي ران عليها ‪..‬من الغفالت ‪..‬واجلهاالت ‪ ..‬واملعاصى‬
‫والذنوب ‪ ..‬واهلفوات ‪ ..‬فهى التى تصدأ املعدات الباطنية اإلهلية النورانية!‬
‫ثم تزيتها وتشحمها بالصالة والتسليم على سيد السادات‪ ،‬فهذا هو زيت‬
‫القلوب‪ ،‬وهو الزيت الذي تعمل به أوعية الغيوب ‪ ،..‬وعندد ذلدك يتجلدى اخلدبري‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  158 ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فيكشف لك عن سر التشغيل اخلطري‪ ،‬فتجد نفسك يف طرفة عني‪ ...‬أو أقل‬
‫إنساناً كبري‪ ..‬وكل ما يف الكون يف أصبع يديك‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ماثل زمالئه املوقنني ‪ ..‬وليس وحده !!‬
‫فكشف له سرَّ التشغيل‪ ..‬وأذن له بالتشغيل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬
‫كل ذلك وقبل ذلك وبعد ذلك ملن؟‬
‫ملن يويل وجهه حنو اهلل !‬
‫وجي عل الدنيا وهواه حتت قدمه!‬
‫وال ينشغل عن اهلل وال حبيبه طرفة عني وال أقل!‬
‫ويكون مهه كله هلل ! ويف رواء اهلل‪...‬‬
‫ال لدنيا ‪ ..‬وال لعلو ‪ ..‬وال ملشيخة ‪ ..‬وال ملنصب ‪ ..‬وال لرؤية منامية‬
‫وال لمهور بعلوم وهبية أو لدنية ‪ ..‬وإمنا يريد أن يكون كتاباً مسطوراً سطَّره‬
‫اهلل ‪ ‬بالنور‪ ،‬ال يطلع عليه وال يراه إال ملن أذن هلم اللطيف اخلبري ‪. ‬‬
‫وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪ ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح ‪159 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪659‬‬
‫ختلية القلب للوصول إىل حضرة اهلل‬
‫العامة يريدون اجلنة ‪ ،‬وطريا ذلك البعدد عدن املعاصدى‪ ،‬واحملافمدة علدى‬
‫الفرائض املفرتوة‪ ،‬والقيام باآلداب واحلقو والواجبات‪ ،‬فستصبح يف أعلدى‬
‫اجلنات ‪ ،..‬أما اخلاصة ؛ فنقول هلم‪:‬‬
‫أقبل على القلب‪ ،‬ثم صفِّيه ‪ ، ..‬ونقِّيه ‪، ..‬ومت أه بذكر اهلل‪ ..‬فيحلِّيه‬
‫لك اهلل ‪ ،..‬فنحن علينا التخليَة واهلل هو الذى حيلِّيه‪.‬‬
‫كاثري من املريدين يقولون هو يعمل كل شيء؟؟أين دورك ‪ ..‬إذاً؟‬

‫‪  ‬‬


‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫فعليك التخلية‪ ،‬أن الى البيت من الشواغل الكونية‪ ،‬فإذا أخليت البيت من‬
‫الشواغل الكونية واحلموظ النفسية واعهواء الدنية‪ ،‬وجعلته جاهزاً لرب الربية‪،‬‬
‫فوراً ينزل اهلل أنواره ‪ ..‬ليجهزه‪ ..‬ثم ينزل أسراره لينمِّيه‪ ،‬ويقويه‪..‬‬
‫ثم يأتى قائد العناية اععمم ‪ ، ‬ينزل فيه!‪ ،‬ثم تأتى بعد ذلك التجليات‪،‬‬
‫والفيووات‪ ،‬والتنزالت‪ ،‬ونسمات القدس‪ ،‬وحضرات اعنس‪ ،‬وبواده اللطف‪..‬‬
‫بعد ذلك أصبح هذا القلب جاهزاً ملنشأه ومبدعه وباريه‪ ،‬حيلُّ ‪ ‬جبماالته‬
‫وصفاته العالية فيه‪ ،‬وهذا الذي يقول فيه‪:‬‬
‫ِن‬ ‫ض ُع ْف َن َعنْ أَنْ َي َس عْ َنني‪َ ،‬و َوسِ َعنِي َقلْ ُ‬
‫ب َع ْبدِي ال م ُْؤم ِ‬ ‫ت واألَر َ‬
‫ْض َ‬ ‫{ إِنَّ ال سَّ موا ِ‬

‫الواد ِِع اللَّ ي ِ‬


‫‪154‬‬
‫ِّن }‬ ‫َ‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  161 ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫الذي جهزه املوىل ‪ ‬ومجله وحاله ورقاه وحباه وأدناه‪.‬‬
‫إذاً الذي عليك تعمله !‪،‬ثم بعد ذلك تطلب اهلل‪ ،‬وتستغيث باهلل ‪ ،‬وتلح على‬
‫حضرة اهلل وتقول له‪:‬‬
‫عم لت جبهدى ما علي! ومل أعمله إال مبعونتك! وتوفيقك !وليس مبهارتي أو‬
‫شطارتي‪ ،‬إذاً ال بد لإلنسان من دور وهو التخلية ‪ ،‬والتخلية هي حجر الزاوية‪.‬‬
‫هناك من العارفني من خال قلبه يف سبع سنني !!‪ ،‬ومل خيلُ إال عندما أخذ‬
‫نفسه ‪ ..‬وذهب إىل جبل ‪..‬وأخذ جيلى قلبه ‪...‬وخيليه‪...‬‬
‫أوالًً‪ :‬يكسر اعصنام التى فيه‪ ،‬سيدي أبي العباس املرسي قال‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫{ إنما الفتى من كسَّر األصنام‪ ،‬ألنهم قالوا‪  :‬‬
‫‪ ‬‬
‫}‬ ‫[األنبياء]‬ ‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬

‫وكما كسَّر إبراهيم اعصنام احلسية‪ ،‬فلكي تبلغ مقام الفتوة ال‬
‫بد أن تك سر يف قلبك اعصنام املعنوية‪ :‬احلظ صنم ‪ ،..‬واهلوى صنم ‪،.‬‬
‫والشهوة صنم ‪ ،..‬بالفأس ‪ ..‬وهي قوة العزمية التى نأخذها ونسدتمدها مدن‬
‫الشريعة احملمدية ‪ ..‬واحلضرة اعمحدية‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬جيهز القلب بصفاء‪ ،‬ونقاء‪ ..‬حلضرة الرمحن جلَّ وعال ‪ ..‬باملداومة‬
‫على الذكر‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫{ َما َع ِم َل ابْنُ آ َد َم َع َمال ً أَ ْن َجى لَ ُه مِنْ َع َذا ِ‬
‫ب َّللاِ مِنْ ِذ ْك ِر َّللا } ‪155‬‬

‫مداومة الذكر واالستغفار‪ ،‬والصالة على حضرة النا املختار‪ ،‬مع‬


‫االستحضار ‪ ...‬وهذا هو اجلوهر الذي يعرتض عليه اعشرار !!!‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح ‪161 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وهي كلمة السر التى يعتمد عليها اعخيار !!‬
‫ملاذا؟‬
‫ألننى من املمكن أن أذكر آناء الليل وأطراف النهار؛ وسأكتب من الذاكرين‬
‫وسيوضع يل يف سجالت الذاكرين األجر والثواب عند ربِّ العاملني !!‬
‫لكن ما الذي سيوصلنى إىل رتبة الصاحلني؟‬

‫روحانية الرجل الصاحل‬


‫ال بد أثناء الدذكر‪ ،‬والفكدر‪ ،‬والعمدل‪ ..،‬البدد مدن أن أستحضدر‬
‫روحانية رجل من الصاحلني‪...‬‬
‫روحانية هذا الرجل متنع عنى إبليس‪ ..‬والتلبيس ‪ ..‬واخلواطر املردية‪،‬‬
‫حتى تتنزل يف قلا جنود اللطف اإلهلية‪.‬‬
‫هذا الكالم ال يقال للغافلني عهنم يقولوا كيف تستحضر واحد؟‬
‫الذي أمر بذلك الواحد ‪: ‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪      ‬‬
‫ما ه و برهان ربه؟‬
‫قيل رأى صورة أبيه وهو سيدنا يعقوب‪ ،‬وهذا هو الذي منعه‪ ،‬لذلك سيدي‬
‫أبي احلسن الشاذيل ‪ ‬يف درس من دروسه يقول‪:‬‬
‫{ ال يكون الرجل رجال ً حتى يم َّد مريديه من وراء حجاب }‬

‫أحد اجلالسني كان امسه الشيخ ماوي أبوالعزائم (جد اإلمام حممدد‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  162 ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ماوى أبوالعزائم اععلى) مل يهضم هذه الكلمة ‪..‬فانمر ماذا حدث!!‬
‫حيكي عن نفسه فيقول‪:‬‬
‫{ ذهبت أتريض على شاطئ البحر ‪ ،‬وقعدت عندد القلعدة‪ ،‬ووودعت‬
‫رأسي يف حجري‪ ،‬وإذا بفتاة تأتى فهممت بطردها‪ ،‬فقالت يل‪ :‬ال بد يل منك‪،‬‬
‫قال‪ :‬وأخذت تلعب بي كما يلعب اإلنسان بالعصفور‪ ،‬حتى مهمت بإتياهندا‪،‬‬
‫وجلست بني فخذيها‪ ،‬وإذا بيد متتد وتنتشلين‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأخذني همٌّ عميم‪ ،‬عنى علمت أن هذه يد الشيخ‪ ،‬وأني أصبت من‬
‫اعرتاوي يف باطنى على الشيخ‪.‬‬
‫فذهبت إىل املنزل‪ ،‬ومل أستطع اخلروج‪.‬‬
‫وإذا بالشيخ يسأل أين ماوى؟ فقالوا‪ :‬إنه مريض‪ ،‬فقال‪ :‬ال بد أن تأتوا به‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬ال يستطيع احلركة‪ ،‬ق ال‪ :‬امحلوه وأتوا به إيل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فحملوني وأخدذوني إىل الشديخ فدأخلى املكدان‪ ،‬وإذا بده يقدول يل‪:‬‬
‫ياماوي! ما اليد التى امتدت إليك لتنقذك؟ قال‪ :‬فسكت‪ ،‬قال‪ :‬يا ماوى ! ال‬
‫تعرتض على قويل "ال يكون الشيخ شيخاً حتى ميد مريديه من وراء حجاب"‪.‬‬
‫فال بد لإلنسان إذا أراد الدرجات‪ ،‬وأراد أن يكون من أهل املقامات ‪..‬‬
‫ال بد له أن يستحضر صورة الشيخ فى باطنه ‪ ..‬حتى يستمد!‬
‫فإذا أكرمه الرمحن حيس بأنه يتفسخ !‪..‬ويتحلل! ‪ ..‬والذي يمهر فيه‬
‫الشيخ‪ ،‬فتكون يد الشيخ هي التى متتد‪ ،‬ولسان الشيخ هو الذي ينطا‪ ،‬فيكون‬
‫دخل يف دائرة الفناء! وبسرِّ هذا الفنا ء‪ ..‬ينال النور والبهاء بسرِّ قوله ‪: ‬‬
‫‪ ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح ‪163 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪         ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وهذا هو سر اعسرار ‪ ...‬سر اعسرار الذي ينال به اعخيار مقام‬
‫القرب عند العزيز الغفار‪.‬‬
‫وهؤالء‪:‬‬
‫ال خيافون من نار! وال يطلبون جنة!‬
‫وإمنا ال يطلبون من اهلل إال اهلل ! وال يرجون من اهلل إال رواه !‬
‫وال يتعشمون يف وجده اهلل ‪ ..‬إال ليكوندوا قدريبني مدن حضدرته!!!‬
‫ويتملون بنوره‪ ..‬ومج ال وجهه !! وهباه!‬
‫ال يطلبون كرامات وال يطلبون مريدين ! وال مريدات !‬
‫وال يطلبون ظهوراً بني اخللا! وال يطلبون شهرة بني الناس!‬
‫إمنا كل ما يريدونه هو وجه اهلل‪:‬‬
‫"رضاك محبوبى ووجهك مقصودى وكلك مطلوبي"‬

‫هذا هو السر‪ ،‬من الذي يبوح هبذا السر أمام أحد اجلهالء؟‬
‫حت ى أن السرَّ ال يباح لإلخوان‪ ،‬لو كان فيهم واحدداً غريدب ‪ ..‬عن‬
‫اإلمام أبو العزائم ‪ ‬علمنا هكذا فقال‪:‬‬
‫{ لو كان في المجلس ألف رجل من مقام اإلحسان ورجل واحد من أهل مقام‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  164 ‬السادس‪ :‬كنوز الفتَّاح‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫اإلسالم فال على الداعي أن يضيع ليلة بأكملها يتحدث في مقام اإلسالم حتى‬
‫ال ينكشف السر لغير أهله }‬

‫عن هذه خصوصية ملن أرادوا أن يكونوا من أهل اخلصوصية فقال فيها‪:‬‬
‫{ صورة المرشد تمنع واردات الحسِّ عن القلب‪ ،‬فيكون الحسُّ تحت سلطان‬
‫القلب‪ ،‬والقلب يتلقى من َّللا ‪} ‬‬

‫فصورة املرشد متنع كل الواردات احلسية التى تدؤجج فيدك الشدهوات‬


‫واحلموظ واعهواء عهنا مفتوحة ‪ ...‬لكن هذه الستارة التى تسرت احلواس!‬
‫جتعل القلب متجهاً كلُّه إىل وجه رب الناس ‪. ‬‬
‫فهذه أحوال العارفني ‪...‬‬
‫وال تذكر إال للصادقني الطالبني الذين يريدون اعحوال العالية‪.‬‬
‫لذلك هم يريدون اإلختصار‪ ،‬عن النفس الواحد عنددهم أغلدى مدن‬
‫النفيس‪ ،‬ليس عندهم وقت فاملطلوب عميم ‪ ،‬وأنفاسك نفائسك ‪...‬‬
‫عن النفس الواحد من املمكن أن يبكدي عليده عشدرات السدنني عنده‬
‫سيحجبه عن ربِّ العاملني ‪. ‬‬

‫وصلى اهلل على سييدنا حمميد وعليى آليه وصيحبه وسيلم‪.‬‬


‫‪ ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى ‪165 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬

‫‪‬الفصل السابع‪‬‬
‫‪ ‬الصيامُ بابٌ للفتح العرفانى ‪‬‬
‫إعجاز خطاب اهلل‬
‫صيام اخلواص للفتح‬
‫الصيام عن اللهو‬
‫الصيام عن اللغو‬
‫ال وصول ألهل الفضول‬
‫الصيام عن السهو‬
‫ســـــــــــــــــرُّ صوموا لرؤيته‬
‫من يسأل عن اهلل؟‬
‫مبطالت صيــــــــــــــام اخلواص‬
‫أوالً ‪ :‬صيام املؤمنني‪ ،‬ثانياً ‪ :‬صيام احملسنني‬
‫ثالثاُ ‪ :‬صيام خاصة اخلاصة‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  166 ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪   ‬‬

‫إن كنت أظهر غيب ًا هل عندكم تسليم‬


‫غيبــــاً وغيباً علي ًا مل يبــده تعليـــــــــــم‬
‫س ددنتحدث ف ددى ه ددذا الفص ددل عددن بعددض اإلشددارات يف خط دداب اهلل ‪‬‬
‫للمسلمني‪ ،‬واملؤمنني‪ ،‬واحملسنني‪ ،‬واملوقنني ‪ ..‬يف آيات الصيام‬
‫وسيكون حدياثا منصبا على كون الصيام باباً عميماً من أبواب الفتح‬
‫العرفان ى ‪ ،‬الذى هو موووع كتابنا هذا ‪ ...‬كيف يكون ذلك؟‬

‫إعجاز خطاب اهلل‬


‫إعجاز خطاب اهلل ‪ -‬فى كتاب اهلل ‪ -‬أن نفدس اخلطداب خياطدب مجيدع‬
‫الطالب‪ ،‬يف مجيع الدرجات اإلهلية‪ ،‬بنفس اعلفاظ والعبارات القرآنية‪..‬‬
‫لكدن ك ددل واح ددد من ددهم‪ ،‬يلدتقط مددن املعدداني الغيبيددة‪ ،‬واإلش ددارات‬
‫الرمحانية‪ ،‬واعس رار القرآنية ‪،‬ما يليا مبرتبته عند رب الربية ‪: ‬‬

‫‪     ‬‬


‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فهم منها قومٌ أن اخلطاب لكل املسلمني‪ ،‬وهذا حا يف علم التشريع‪.‬‬
‫وخص هبا قومٌ احلقائا اليت هبا اإلميان عند املتقني‪ ،‬وكأن اهلل ‪ ‬خياطب‬
‫فينا القلب ‪ ..‬والفؤاد ‪ ..‬والروح ‪ ..‬وال سر ‪ ..‬واخلفا ‪ ..‬واعخفي ‪ ..‬ونفخة‬
‫القدس ‪ ..‬عن هذه هي احلقائا اليت آمنت إمياناًَ كلياً يقينياً ‪ ،‬بكل احلقدائا‬
‫‪ ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى ‪167 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫القرآنية وبكل البيانات اإلهلية‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫كما كتب علي اجلسم‪ ،‬واجلو ارح‪ ،‬والنفس‪ ،‬وهذا صيام العوام‪.‬‬

‫صيام اخلواص للفتح‬


‫أما صيام اخلواص فهو للفتح‪.‬‬
‫فهناك صوم ل أجر والاثواب‪ ،‬وهناك صوم للفتح عند الكريم الوهاب‪.‬‬
‫أما الصوم الذي ل أجر والاثواب فصيام اجلسم واجلوارح إذا أناب العبد هلل‬
‫‪ ‬ليعمم أجره‪ ،‬فإذا صام جبسمه أطاع‪ ،‬وإذا صام جبسدمه و جوارحده ندال‬
‫أعمم اعجور عند اهلل ‪ ‬ملن أطاع‪.‬‬
‫وأما صيام الفتح وأهل الفتح ذكره اهلل يف كتاب اهلل فمنهم من قال‪:‬‬

‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫هذا صيام‪ ،..‬والصمت ممنوع يف دين اهلل‪ ،‬إذاً مع من يتكلم؟‬
‫يتكلم مع الروحانيني! والنورانيني! واملالئكة الكروبيني! وأهل‬
‫عالني! وعليني‪ ..‬أو يتكلم مع من علت روحانيتهم علدي بشدريتهم!!‬
‫فأص ددبحوا وه ددم يف اعجس دداد اآلدميددة أرواح إهليددة !! تسددكن يف ه ددذه‬
‫اعجساد اآلدمية ‪..‬وتتحرك بني الناس ‪..‬وإن كانت تسوح بالقلب !والروح !‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  168 ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫يف ملكوت ربِّ الناس ‪. ‬‬
‫ومنهم من قالوا له إذا كنت تريد الفتح فلك آية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫تصوم عن الكالم مع اعنام لتتكلم مع اهلل ‪ .. ‬يأتيك اهلل يف ظلل‬
‫من الغمام‪ ،‬ونعود فنكمل آية الصيام ‪..‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬

‫الصيام عن اللهو‬
‫أي الصيام؟ صيام العوام عن الشراب ‪ ..‬واجلنس ‪..‬والطعام ‪..‬‬
‫ولكن يرتكون عنفسهم احلبل علي غاربه! تلهو وتلعب وتسرح ومترح‬
‫وتشاهد املسلسالت! وتقضي الوقت يف اللهو يف الدومينو ويف الكوتشينة‬
‫ويف الطاولة ! حبجة أن هذا تسايل للصيام وت قطع الوقت يف القيل والقال! ولو يف‬
‫غيبة أو منيمة !وال حياسب نفسه علي ذلك !!‬
‫إنه بذلك دخل يف قول املصطفي عليه أفضل الصالة وأمت السالم‪:‬‬
‫‪156‬‬ ‫{ ورُبَّ صا ئِم َح ُّ‬
‫ظ ُه من صيا ِم ِه الجو ُع وال َع َطشُ }‬ ‫ٍ‬
‫هذا صيام العوام !!‪ ،‬ومن هنا فبداية الصيام ملن أراد رواء امللك العال م‪،‬‬
‫أوالً الصوم عن اللهو بكل أنواعه وكافة أشكاله‪ ،‬يصوم عن مجيع املالهي اليت‬
‫تلهي اإلنسان عن طاعة اهلل ‪ ..‬حتى قال اهلل‪:‬‬
‫‪ ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى ‪169 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫(‬ ‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫حتى ولو كان املال والولد‪ ،‬كل شيء كما قال اإلمام الداران ي‪: ‬‬
‫‪157‬‬
‫"كل ما شغلك عن َّللا حتي ولو مال أو ولد فهو عليك مشئوم"‬

‫فالصيام عهل البدايات هو الصيام عن اللهو‪ ،‬ليس عند املؤمن وقت لللهو عن‬
‫احلياة الدنيا لعب وهلو‪ ،‬واملؤمن يعيش يف الدنيا يف اآلخرة وهو بني اعنام مزاحه‬
‫حا وهلوه حا وكل أعماله ياثيبه عليها احلا عنه تأسي فيها باملصطفي عليه أفضل‬
‫الصالة وأمت السالم وال عربة له مبا يفعله بقية اعنام عنه يعمل بقول اهلل‪  :‬‬
‫‪           ‬‬
‫‪ )89({  ‬سورة اعحزاب}‪ ،‬إذاً ميت يضع اإلنسان قدمه قدم الصد‬
‫يف طريا الصائمني الصادقني؟ إذا صام عن اللهو‪.‬‬
‫إذاً من جيلس يضيع الساعات يف هنار رمضان يف مشاهدة املسلسالت‬
‫ليس له من صيامه إال اجلوع والعطش‪ ،‬أو تَسجية الوقت مبشاهدة اعفالم ويعتقد أهنا‬
‫مباحات ليس له من صيامه إال اجلوع والعطش‪ ،‬أما من يقضي وقته بشي ء من اللعب‬
‫فهذا يدخل يف قول احلبيب‪:‬‬
‫ير‪َ ،‬وال َّناظِ ُر إِلَ ْي ها َكواضِ ِع َي ده في‬
‫خ ْن ِز ِ‬ ‫{ الال َّ ِع ُ‬
‫ب بالنِّرْ ِد َك َواضِ ِع َي ِد ِه في لحْ ِم ال ِ‬
‫‪158‬‬
‫خ ْنزير }‬
‫دَم ال ِ‬

‫والنرد لغة فارسية تشمل الطاولة والدومينو والكوتشينة و الشطرنج‪ ،‬فاللعب‬


‫بكل هذه األلعاب للتسلية فسيكون كغامس يلحم اخلنزيـر‪ ،‬وحتـى تضـييع الوقـت‬
‫مبشاهدهتا ففيه مافيه ! أما إذا كان يلعب فيها ويتسابق علي شيء حمدد فهذا قمار‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  171 ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وحرمة القمار معروفة‪ ،‬واملؤمن ليس عنده وقت يضيعه‪ ،‬فما بالنا لو صائم !!‬

‫الصيام عن اللغو‬
‫إذا أراد أن يكون له عند اهلل مقام ال بد أن يرتقي درجة عن هذا املقام‪،‬‬
‫فبعد أن يصوم عن اللهو ال بد أن يصوم عن اللغو‪ ،‬عن لغو الكالم‪ ،‬وهذا هو الصوم‬
‫الذي يوصل العبد إيل مراقي الصاحلني‪ ،‬ميت يقف العبد علي أول طريا الصاحلني؟‬
‫إذا استطاع أن يصوم عن اللغو يف كل وقت وحني‪ ،‬ليس يف رمضان وإمنا‬
‫يف كل اعحوال‪:‬‬
‫‪159‬‬ ‫كان يو ُم صوم أحدِكم فال يَرف ُ ْ‬
‫ث وال يَص َخب }‬ ‫{ إِذا َ‬
‫ِ‬
‫والتوجيه اآلخر موجه للصاحلني وطالب مصاحبة ومرافقة الصاحلني‪:‬‬
‫ب‪َ ،‬و ا ْل َمآث ِِم‪َ ،‬و أَ َذى الْ َخاد ِِم‬
‫صرُك‪َ ،‬و ل َِسانُك َعنْ الْ َك ِذ ِ‬ ‫ص ْم َس ْمعُك‪َ ،‬وبَ َ‬ ‫صمْت فَ ْليَ ُ‬‫{ َإذا ُ‬

‫َو ْل َي ُكنْ َع َليْك َو َقا ٌر َو َس ِكي َن ٌة َوال َت ْج َعلْ َي ْو َم ف ِْط ِرك َو َيوْ َم َ‬
‫‪160‬‬
‫ص ْومِك َس َو اء }‬

‫وهذا هو بداية الفتح‪ ،‬ففى سورة مريم ‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫بكالم يغضب اهلل‪ ،‬لكن إذا وصيته أو نصحته أو وجهته فليس هدذا‬
‫بالكالم الذي يفسد أويبطل الصيام‪ ،‬لك ن املقصد يف اآلية الكالم الذي‬
‫يبطل الصيام وهو اللغو الذي هنى عنه اهلل‪: ..‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى ‪171 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫لكن إذا كان الكالم يف الغيبة والنميمة والسدب والشدتم فهدذا‬
‫كالم يبطل الصيام‪ ،‬وهذا ليس له من صيامه إال اجلوع والعطش‪.‬‬
‫لكن ال لغو هو التسلية أي نتكلم كالم ال يسئ إيل أحدد‪ ،‬لكدن‬
‫ينسي املرء ذكر الواحد اعحد‪ ،‬ماثل الكالم يف الكرة والكالم يف‬
‫السياسة والكالم يف أي موووع حيت يضيع الوقت !!‪ ،‬هل املؤمن عنده وقت‬
‫يضيعه؟! أحرص ما حيرص عليه العبد يف حياته أنفاسه اليت يتنفسها يف هذه‬
‫احلياة !! فإن النفس الواحد أغلي من الدنيا كلها من أوهلا !! إيل آخرها !! مبا‬
‫فيها !! عند اهلل جلَّ يف عاله !!‪.‬‬
‫فالصيام عن اللغو هو بداية صيام أهل الفتح‪.‬‬
‫ولذلك إذا وجدت نفسك ال تستطيع إمساك لسانك عن لغو الكالم!!‬
‫فاعلم أن طريا الفتح عليك مسدود‪ ،‬وإذا أردت أن تسود وتفتح لك الكنوز‬
‫ويواجهك اهلل ‪ ‬مبا واجه به الصاحلني؟ فعليك بقول سيد اعولني واآلخرين‪:‬‬
‫ك‪َ ،‬و ْل َي َس ْع َ‬ ‫{ أَ مْ سِكْ َعلَ ْي َ‬
‫‪161‬‬
‫ك}‬ ‫ك َب ْيتُ َ‬
‫ك ‪َ ،‬وابْكِ َعلىٰ َخطِ ي َئت ِ َ‬ ‫ك ل َِسا َن َ‬

‫وبيتك هنا أي قلبك‪ ،‬ويسعك بيتك أي تعكف علي قلبك تصلحه وتنمفه‬
‫وتطهره وتعمره مبا حيبه اهلل ‪..‬عنه املووع الذي يتجلي فيه اهلل عحباب اهلل بالفتح‬
‫الذي أعده للصاحلني من عباد اهلل‪.‬‬

‫ال وصول ألهل الفضول‬


‫وهنا عالمة صغرية من علوم سيميا العارفني‪ ،‬حنن نقول‪:‬‬
‫{ إذا رأيت المرء ال يكف عن الفضول فاعلم أنه ال أمل له في الوصول!}‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  172 ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ما هو الفضول؟‬
‫يريد أن يعرف كل شيء!!‪ ،‬م اثالً أحد جريانه خرج‪ ،‬يريد أن يعرف ملاذا خرج‬
‫وسبب خروجه؟ ولو طلب أحد جريانه رؤية أحد!‪ ،‬يريد أن يعرف ملاذا طلبه؟‬
‫ويف أي شيء سيكلمه؟‬
‫إذا مل يستطع اإلنسان أن يقطع هذا الفضول ! فال أمل له يف الوصول‪.‬‬
‫سيدي ذي النون املصري ‪ ‬جاءه رجل من جدة ( احلجاز)‪،‬و قال له‪:‬‬
‫يا سيدي مسعت أنك تعرف إسم اهلل اععمم فجئت إليك طامعاً أن تعلمنيه‪.‬‬
‫فقال له امكث عندنا‪ ،‬فمكث إحدي عشر عاماً والشيخ يراقبه! لعله‬
‫يقطع فضوله‪ ،‬ووجد أن الفضول ال يقطع من عنده‪ ،‬وال يستطيع أن يبيح له بشيء من‬
‫سره ما دام الفضول كامن يف نفسه !‪ ،‬والصاحلون ال يبيحوا للم ريدين شيئاً من‬
‫علوم رب العاملني إال إذا كان أعمي ال ينمر إيل أحد! وال تقع عينه إال علي نور‬
‫الواحد اعحد!‪ ،‬أصماً ال يسمع إيل الناس! وال تنتبه أذنه إال إيل مساع كالم رب‬
‫الناس أو سيد الناس‪ ،‬أخرص فال كالم إال إذا كان ذكر للملك العالم‪.‬‬
‫فجاء الرجل بعد اإلحدي عشر عاماً‪ ،‬وقال ياسيدي قدد طالدت مددتي‬
‫وأريد أن أرجع إيل أهلي فعلمين إسم اهلل اععمم‪ ،‬فقال تريد أن تعلم إسم‬
‫اهلل اععمم‪ ،‬قال نعم‪ ،‬قال غداً إن شاء اهلل‪ ،‬ويف الغد جهز له صندوقاً وقال له‬
‫خذ هذا الصندو وأوصله إيل أخي فالن بالرووة – وكانوا يف اجليزة ‪.‬‬
‫محل الرجل الصن دو ومشي علي كوبري اجليزة ‪،‬وإذا به يسمع خرخشة‬
‫يف الصندو ومعه الفضول‪ ،‬فقالت له نفسه أحتمل الصندو وال تدري ما الذي فيه‬
‫هذا ال يصح!‪ ،‬واملريد دائماً يستمع إيل خواطر النفس ويسارع يف تنفيذها ومع‬
‫ذلك يطمع أن يفوز مبراد اهلل ‪ ‬وهذا عجدب العجداب!! {وخدالف الدنفس‬
‫‪ ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى ‪173 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫والش يطان واعصهما} فأين خمالفة النفس؟! !!‬
‫فكشف غطاء الصندو ‪ -‬وكان الشيخ قد ووع فيه فأرة ‪ -‬فقفزت‬
‫الفأرة يف النيل ومل يستطع إرجاعها‪ ،‬فرجع الرجل إيل الشيخ حزينً كاسف‬
‫البال‪ ،‬فعرفه لشيخ عندما رآه‪ ،‬قال أوصلت اعمانة؟ فسكت‪ ،‬قال‪ :‬يا أخي‬
‫تريد أن تعرف إسم اهلل اععمم وأنت مل تؤمتن علي فأرة!!‬
‫إذا كنددت مل تددؤمتن علددي فددأرة فكيددف تددؤمتن علددي إسددم اهلل ‪‬‬
‫اععمم؟!‪ ،.‬ال بد ملن يريد الفتح‪:‬‬
‫غير هذا عندنا علم الفضول‬ ‫هذب النفس إن رمت الوصول‬

‫وحنن نقول ثانية وبطريقة أخرى علنا نسمع فنعقل !!‪:‬‬


‫{ من معه الفضول ال يسمح له بالوصول }‬

‫كان املريد من املريدين الصادقني يصحب الشيخ سنني ورمبا ميتحنه بعض‬
‫إخوانه الصادقون فيقولون له‪ :‬تعرف فالن املالزم للشيخ – ما الذي كان يلبسه‬
‫اليوم؟ فيقول ال أدري‪ ،‬صف لنا شكله؟ فيقول ال أدري !!‪ ،‬أى ‪..‬أنا ال‬
‫شأن يل إال بالشيخ! وال أشغل نفسي مبا حول الشيخ! وال ما عند الشيخ!‪.‬‬
‫عندما أراد اهلل ‪ ‬أن يواجه إبراهيم وإبنه إمساعيل جبمال اهلل وكمال‬
‫اهلل وفضل اهلل‪ ،‬أرسلهما إيل مكان ليس فيه شيء من مشاغل هذه احلياة ‪..‬‬
‫ليتفرغا بالكلية !! إيل فضل اهلل وعطاء اهلل‪:‬‬

‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫كيف يقيم القلب الصلة بداهلل !! وهدو مشدغول بالشدهوات واحلمدوظ‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  174 ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫واعهواء يف هذه احلياة؟ هذا ال يكون !!‪ ،‬وَحِد حتى تنل املقصد !!‬
‫فال بد من الصيام عن الفضول‪ ،‬والفضول يلخصه لنا احلبيب ‪ ‬فيقول‪:‬‬
‫‪162‬‬
‫{ مِنْ حُ سْ ِن ِإسْ ال َ ِم ال َمرْ ِء تَرْ ُك ُه ما ال يعْ نِيهِ }‬

‫ما دام شيء ال يعنيين ملاذا أشغل نفسي به؟! أشغل نفسي مبا ينفعين أو مبا‬
‫يرفعين‪ ،‬مبا ينفعين يف الدنيا أو مبا يرفعين عند اهلل ‪ ، ‬أما الذي يدفعين عن اهلل ‪‬‬
‫وعن طريا اهلل وهو شغلي رخلا اهلل – فالن عمل إيه وفالن سوى إيه وفالن كسب‬
‫إيه وفالن ركب إيه – مايل وهلذا اعمر !!! إذا كنت مُعيناً يف اجلهداز‬
‫املركزي للمحاسبات فمارس وظيفتك‪ ،‬لكن ملاذا أنت تعني نفسك؟! عني‬
‫نفسك يف اجلهاز املركزي للمحاسبات علي نفسك‪ ،‬حاسبها علي هفواهتا‪،‬‬
‫وعلي صغائرها‪ ،‬وعلي خطراهتا‪ ،‬وعلي وارداهتا‪ ،‬وعلي أفعاهلا‪ ،‬حيت تنال رواء‬
‫اهلل ‪ ، ‬وهذا ما قال فيه احلبيب‪:‬‬
‫اس ‪َ ،‬وأَ ْن َف َق ْالفَ ْ‬
‫ضلَ مِنْ َمالِهِ‪،‬‬ ‫ب ال َّن ِ‬
‫ش َغلَ ُه َع ْي ُب ُه َعنْ ُع يُو ِ‬ ‫{ ُ‬
‫طو َبىٰ ل ِ َمنْ َ‬

‫َوأَ مْ َس َ‬
‫ك ْالفَ ْ‬
‫‪163‬‬
‫ضلَ مِنْ َق ْولِ ِه }‬

‫إذاً ملن يريد الفتح ال بد من الصيام عن اللغو ومعه الصيام عن الفضول ملن أراد‬
‫الوصول ‪ ..‬فلكل شيىء أصول ‪....‬‬

‫الصيام عن السهو‬
‫إذا صام اإلنسان عن لغو الكالم‪ ،‬واختاره اهلل ‪ ‬واجتباه ليكون من‬
‫أهل الفتح العرفاني‪ ،‬وجهه حنو قلبه‪ ،‬ووجه قلبه إليه‪ ،‬وأعانه علي الصيام املوصل ‪..‬‬
‫‪ ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى ‪175 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫وهو الصيام عن السهو !!! ال يسهو حلمة عن مواله ‪..‬إن كان يف نوم أو يف‬
‫يقمة أو يف أكل أو يف شرب أو يف نكاح أو يف عمل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫هذا ال يسهو ! وإن سها الساهون ‪ ،‬وال يغفل ! وإن غفل الغافلون‪ ،‬وإمنا هو‬
‫املقصود بقول ربِّ العاملني‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ومعناها الماهر حنن نعرفه‪ ،‬لكن معناها احلقيقي عهل احلقيقة قيامداً‬
‫حبقو العبودية هلل‪ ،‬وقعوداً عن رؤية النفس وفعلها‪ ،‬وعلي جنوهبم ماتت نفوسهم‬
‫وفنيت يف اهلل فاحتيوا باهلل وأصبح الذاكر علي لساهنم هو اهلل جل يف عاله‪.‬‬
‫إذاً هناك ا لصيام عن اللهو ثم الصيام عن اللغو ثم الصيام عن السهو‪ ،‬وهذه‬
‫هي الروشتة ملن أراد الفتح العرفاني وهي اليت يقول فيها الشيخ ابن الفارض ‪: ‬‬
‫وإذا خطرت لي في سـواك إرادة ‪ ...‬علي خاطري َن َفسا ً قضيت بر َّدتي‬

‫سر صوموا لرؤيته‬


‫هذا الصيام وهو صيام أهل الفتح حدده اهلل‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ولعل يف القرآن مبعين الالم‪ ،‬أي لتتقون ‪ ،‬أي لتصلوا إيل مقام مدن مقامدات‬
‫التقوي‪ ،‬تصل إيل مقام اإلحسان ‪ ،‬أو مقام اإليقان ‪ ،‬أو مقام املعية ‪ ،‬أو مقام العندية ‪،‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  176 ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫أو مقام اللدنية ‪ ،‬أو مقعد صد عند مليك مقتدر‪...‬‬
‫أو تصوم الصيام الذي يقول فيه احلبيب‪:‬‬
‫‪164‬‬
‫ثالثين }‬
‫َ‬ ‫ان‬ ‫صو ُموا ل ِ ُرؤ َي تِهِ وأ ْف ِط ُروا ل ِ ُرؤ َي تِه‪ ،‬فإِنْ ُغمَّ علي ُكم فأ ْك مِل ُوا ِع َّد َة َ‬
‫شعْ َب َ‬ ‫{ ُ‬

‫صوموا من أجل رؤيته ‪ ! ‬والفطر هنا ال يكون إال بعد رؤيته ‪ ، ‬فإن‬
‫غُمَّ عليكم‪ :‬أي مل تصلوا إيل هذه احلقيقة‪ ،‬فأكملوا عدة شعبان‪ :‬أي شعِّبوا‬
‫اجلهاد وأكملوا العدة ثالثني يوماً‪ ،‬شعِّب أنواع اجلهاد وكاثِّر أنواع اجلهاد حتى تنال‬
‫املراد‪ ،‬وهذا الذي يقول فيه يف نص احلديث‪ - :‬وما اجلزاء‪:‬‬
‫‪165‬‬ ‫َ َ‬ ‫ْن آدَ َم لَ ُه إِال َّ ال َ‬
‫صوْ مُ ه َُو ل ِي َوأ َنا أ ِ‬
‫جْزي ِبهِ‪}.‬‬ ‫{ كُ ُّل َع َم ِل ا ب ِ‬
‫يعين أنا ! ‪ ..‬رؤية مجايل وكمايل ‪ ..‬هي جزاء الصائمني‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫وهذا الصائم له فرحتان‪ :‬فرحة عند فطره‪ ،‬وفرحة عند لقاء ربه‪ ،‬عن‬
‫فطره ال يكون إال بعد لقاء ربه ‪ ، ‬وهو ما تشري إليه اآلية! ويفقهها أهل العناية‪،‬‬
‫فلم يقل اهلل ‪" ‬فمن حضر منكم الشهر فليصمه" وإمنا قال‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى ‪177 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫‪ ..     ‬أي يصددومونه ولكددن الددنفس تغالب ددهم‬‫‪  ‬‬‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ...    ‬من وجد أنه غري قادر علي‬ ‫‪     ‬‬ ‫وتنازعهم فدددد ‪   ...‬‬
‫‪   ‬‬
‫جهاد نفسه فليفتح لنفسه أبواب الصدقات والعطاءات للفقراء واملساكني‪ ،‬إطعام‬
‫مسكني فإن زاد فهو خريٌ له‪ ،‬عنه أسرع ما يوصل اإل نسان إيل روا الدرمحن‬
‫اإلنفا !‪ ،‬وكان ‪ ‬أجود باخلري يف رمضان من الريح املرسلة حتى قيل فيه‪:‬‬
‫تعوَّ د بسط الكفِّ حتَّى لو أنه ‪ ..‬طواها لقبض لم تطعه أنامله‬

‫كان يعطي عطاء من ال خيشي الفقر!! وهذا أمر الصاحلني‪:‬‬


‫من أعطي البعض أخذ البعض ومن أعطي الكل أخذ الكل ومقامك عند‬
‫اهلل علي قدر عطائك للفقراء من خلا اهلل‪ ،‬حتى فرض اهلل ‪ ‬علي أهل الفتح‬
‫ليفوزوا باملناجاة أن يقدموا بني يدي جنواهم صدقة‪:‬‬
‫‪  ‬واملناجاة هنا أي املصافاة يف وقت اخللوة والسر‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪      ‬‬‫‪     ‬‬
‫‪ ،     ‬وكان الذي حيافظ علي هذا اعمر‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬ ‫‪     ‬‬ ‫‪   ..‬‬
‫‪ ‬‬
‫أهل الفتح‪ ،‬فكان اإلمام علي ‪ ‬وكرم اهلل وجهه ال يذهب ملناجاة حضرة‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪     ‬‬ ‫النا ‪ ‬إال إذا قدم الصدقة ويقول يقول اهلل تعايل‪   :‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪(    ‬ابادلة )‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬

‫لكن الذي معه ال بد أن يقدم‪:‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫من التقصري‬ ‫‪‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪ ‬ثم بعد ذلك ال تري نفسك أنك أنفقت كاثرياً ‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪(     ‬املزمل )‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫يف اإلنفا ومن عدم بلوغ املراد يف اإلنفا‬
‫فإياك أن تقل أنا عملت وأنفقت! فإنك لن تبلغ بعض ما بلغ اعولون وال املوفقون‬
‫من اآلخرين! عن اهلل توالهم بواليته ومشلهم بعنايته يف كل وقت وحني‪.‬‬
‫ فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫ الفتح العرفانى‬ ‫ الصيام بابٌ للفتح العرفانى‬:‫ السابع‬ 178 
------------------------------------------------

   
     
   
 
   
   
     
، ‫ واحضر بروحك بني يدي الرمحن‬،‫ عن الزمان واملكان‬ ‫ونزِّه اهلل‬
‫ فدإن القدرآن مل ينددزل كلده يف‬،  ‫لتفقه سدرَّ الكدالم مدن املدتكلم بده‬
:  ‫ ولكن كما قال اإلمام أبو العزائم‬،‫رمضان‬
‫ كلَّ أنواع المالئك والعبــاد‬... ‫هيكـلُ المختـار ليـلٌ جامع‬


 
        
                          
 
    
 
   
    
  
 
       

 
   
 
     
 
      
  
 
  
     
 
  
  
   
   
    
 
 
  

‫من يسأل عن اهلل؟‬


:‫ولذلك قال له اهلل وقال لنا يف شأنه صلوات ربي وتسليماته عليه‬

  
 
    
  
 
   
       
   
      
   
 
 
 
   
 
               
  
     
 
 
،‫ وإذا سأل‬.. ‫ أو‬.. ‫ مل يقل وإذا سألين‬.."‫ "سألك‬،‫ للقلَّة‬.. "‫"وإذا‬
،‫ "وإذا سألك" مَن؟‬، ‫ فالبدإذاً أن يكون السؤال له‬،"‫ولكن قال "وإذا سألك‬
‫ كاثري ! والذين‬..‫ فالذين يسألون عن اجلنة‬.. ،"‫ عن مَن؟ "عين‬،.. "‫"عبادي‬
    
  
     
 
   
  
    .. ‫يسألون عن التشريعات كاثري‬
    
‫‪ ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى ‪179 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫‪ 888(   ‬البقرة) ‪..‬و ‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫(‪891‬البقرة)‪ ،‬و ‪    ..‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪891(  ‬البقرة) ‪..‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫كل هذه تشريعات‪ ،‬لكن الذي يسأل عن اهلل قلة قليلة هم املصطفون‬
‫‪ ..   ‬قريب !! أين؟‬ ‫‪       ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫من خلا اهلل ‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ...‬عنده ‪ ... ‬ما الدليل ؟ ‪..‬عنَّ اهلل تعاىل قال حلبيبه ‪: ‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫مبعاني التواب ومعاني الرمحة متجلياً فيها علي حضرة الرسول ‪. ‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪..        ‬قَرَّب اهلل لنا املسافة ! ويسر لنا اعمر !‬
‫وأعلمنا أن الدعوة املستجابة فوراً من اهلل ‪ ..‬ما هى؟ ‪..‬هي دعوة حبيب اهلل‬
‫ومصطفاه! فمن أراد طلباً حمققاً ودعاءاً جماباً ورجاءاً واقعاً ال حمالة ‪ ..‬فعليه أن‬
‫يتوجه إيل رسول اهلل ‪ ..‬ويسأله ليسأل له مواله ‪...‬فإنه إذا سأل ‪ ‬فاجلواب من‬
‫‪(    ‬الضحى) ‪ ،‬فإن اهلل وعده أن‬ ‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫اهلل ‪    .‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫يعطيه يف كل سؤال حيت يروي‪ ،‬فآخراآلية فى البقرة ‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪           ‬‬

‫مبطالت صيام اخلواص‬


‫أوالً ‪ :‬صيام املؤمنني‬
‫م بطالت الصيام للخواص كاثرية‪ ،‬قال ‪ ‬يف أوهلا‪:‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  181 ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫طرْن الصَّائِ َم‪ :‬الْ َكذِبُ‪َ ،‬والْغِي َب ُة‪َ ،‬وال َّن ِم ي َم ُة‪َ ،‬والنَّ َ‬
‫ظ ُر ِب َش ْه َوةٍ‪،‬‬ ‫صا ٍل ُيفَ َ‬
‫{ ََخ مْ سُ خِ َ‬
‫‪166‬‬
‫َو ْال َي ِم ينُ الْ َكا ِذ َب ُة }‬

‫هل هؤالء اخلمس مذكورون يف التشريع؟‬


‫فهذه أول املبطالت‪ ،‬إذاً الصائم من اعحباب ‪ . .‬ال بد أن يصوم عن هؤالء‬
‫اخلمس‪ ،‬ويؤيد ذلك ويعضده قوله ‪: ‬‬
‫فليس َّللِ حاجـــــ ٌة في أن َيد َ‬
‫َع‬ ‫َ‬ ‫ور والعم َل بهِ‪،‬‬ ‫{ َمن لم َيدَعْ قو َل ُّ‬
‫الز ِ‬
‫‪167‬‬
‫طعا َم ُه و َ‬
‫شرا َبه }‬

‫أي أن صيامه باطل‪ ،‬فلو طبقنا هذا احلديث علي املسدلمني الصدائمني اآلن‬
‫كم جند نسبة الصائمني من املسلمني؟ ! ‪ ..‬هذا يف مقام اإلميان‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬صيام احملسنني‬


‫أما يف مقام اإلحسان من شهد شيئاً من غري يد احملسن فقد أفطر‪ ،‬فال بد أن‬
‫يشهد كل عطاء من العاطي ‪ ‬ولو كان علي يد فالن أو علي يد اآلخر أو‬
‫علي يد الاثاني لكن العاطي يف احلقيقة هو اهلل‪:‬‬
‫اشهد يد المعطي تفز باإلجتبـا ‪ ...‬تعطي شراب الحب في أعلي مقام‬

‫ولذلك قال الصاحلون يف ذلك ‪:‬‬


‫يشهد المنعم فكأ َّنما ْ‬
‫قد َس رق }‬ ‫ْ‬ ‫{ منْ أكلَ ول ْم‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى ‪181 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪-------------‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬
‫ال بد أن يشهد أن هذا الطعام من املنعم‪ ،‬عهنا كلها عطايا املنعم‪ ،‬وإن‬
‫كانت علي يد سبب من اعسباب لكن أين مسبِّبُ اعسباب؟‬
‫من يشهد الغير فعَّاال ً ف منقط ٌع ‪ ...‬ألنه مشر ٌ‬
‫ك قد مال للسـفل‬

‫فيشهد أن اخلري كله الواصل له وإليه أو ملن حوله هو من اهلل ‪ ، ‬ومع ذلك‬
‫حفماً للمرتبة ال بد أن يشكر اعسباب عن اهلل يسأل عبده إذ ٱصْطَنَعَ إلَيْهِ عَبْ دٌ‬
‫مِنْ عِبَادِهِ تعاىل مَعْرُوفاً ‪ ،‬فيخاطبه يوم القيامة ‪ ..‬ياعبدى!‪:‬‬
‫ك‪ ،‬فَ َي قُو ُل‪ :‬لَ ْم‬
‫ك َف َش َكرْ تُ َ‬ ‫ت أَنَّ َذل ِ َ‬
‫ك ِم ْن َ‬ ‫{ َف َه ْل َش َكرْ َتهُ؟ َف َي قُولُ‪ :‬أَيْ َربِّ ! َعل ِ ْم ُ‬
‫‪168‬‬
‫ك َعلىٰ َي َد ْي ِه }‬ ‫ت َذل ِ َ‬‫َت ْشكُرْ ن ِي َإذا لَ ْم َت ْشكُرْ َمنْ أَجْ َريْ ُ‬

‫حفماً للمرتبة! ال بد أن أشكر السبب‪ ،‬ولكن أعلم علم اليقني أنه‬


‫سببٌ وأن اعمر من املسبب ‪ ، ‬إذاً أشكر املسبِّبَ أوالً‪ ،‬و السَّبَبَ ثانياً‪ ،‬وال‬
‫أش ددكر السددبب فقددط وأنسددي املسددبب‪ ،‬كمددا يفعددل معمددم اخللددا!!‪،‬‬
‫يشكرون السبب وينسون شكران املسبب ‪. ‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬صيام خاصة اخلاصة‬


‫أما أهل مقام خاصة اخلاصة‪ ،‬فالصيام عندهم إمسه الصيام عن السوي‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪       ‬‬
‫ال يشهدون يف الكونني سواه‪ ،‬وال يسمعون إال كالمه‪ ،‬وال يرون إال‬
‫فعاله‪ ،‬وال يشهدون إال أنواره‪ ،‬يرون صدفات اهلل ‪ ‬هدي السدارية يف كدل‬
‫الكائنات‪ ،‬وهي اليت تفعل!‪ ،‬فيشهدون احليَّ إذا نمروا إيل حي‪ ،‬ويشهدون السميع‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  182 ‬السابع‪ :‬الصيام بابٌ للفتح العرفانى‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫إذا استمع إلي هم مسيع‪ ،‬ويشهدون املتكلم إذا نطا إليهم لسان‪ ،‬ويشهدون‬
‫أوصاف اهلل هي اليت حترك اعكوان وحترك من باعكوان !!!‬
‫وهذا مقام شهود وليس مقام فكر! وال كسب! وال كالم! وإمنا‬
‫هي حالة حيياها اإلنسان‪ ،‬حياة روحانية نورانية يقول فيها اهلل آمراً املؤمنني‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬ ‫‪        ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ومل يقل إذا دعاكما عن الذي يدعوا واحد‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪  ‬‬
‫وهي احلياة الشهودية اإلحسانية اإليقانية اليت يقول فيها أبو العزائم ‪:‬‬
‫كائن ‪ ...‬تغيب المباني والمعاني سواطع‬
‫ٍ‬ ‫وإن نظرت عيني إلي أي‬

‫ويقول فيها يف قصيدة أخري‪:‬‬


‫الكل مني والكل عـني ‪ ...‬فاشهد جمالي بكل عيني‬

‫فيشهدون مجال اهلل يف اعشياء !!‬


‫وتغيب عنهم املباني !! عهنم يشهدون فيها مجال املعاني‪.‬‬
‫املفطرات كاثرية للصائمني ‪...‬‬
‫علي حسب املراتب!‪ ،‬لكن بداية جهادنا حن ن اخلمس التى فى احلديث‬
‫الشريف الذى سبا ‪ ،‬فنجاهد يف تلك اخلمس ‪...‬‬
‫ونالحددددددددظ كتدددددددداب أفعالنددددددددا !! وسددددددددجل أعمالنددددددد ددا!!‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪183 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪‬الفصل الثامن‪‬‬
‫‪921‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬خِدْمَةُ الصَّاحلني وسِر الفتحِ العِرْفانى‬

‫خدمة ساحات الصاحلني‬

‫النفس احليَّةُ ‪ ..‬حَيَّةٌ ‪ ..‬‬


‫البدوى واجلوهرى‬
‫ذللتـــــــــها فأعززنــــــــــــاك‬

‫مناذج من الصحابة‬

‫جهاد النفس ال ينْتَــهِى‬


‫‪  184 ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪‬‬

‫أوصاف اعنبياء هي اعمانة والصد والبالغة والفطانة‪ ،‬ولذلك جند دوماً‬


‫أهل الطريا اهلل ملاحني أذكياء‪.‬‬
‫فاإلخوان الذين خيدمون إخواهنم فى خمتلف بالد املسلمني‪ ،‬فإن عملهم هذا‬
‫هو عمل املالئكة!! عن اجل نة العالية اليت خيدم فيها هم املالئكة‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪  ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫فالذي يريد أن يصل إيل درجة امللكوتية‪ ،‬ويكون من املالئكة يسارع‬
‫للخدمة يف رووات الصاحلني ‪ ....‬عهنا رووة من رياض اجلنة ‪ ...‬اليت‬
‫خيدم فيها املالئكة الكرام‪.‬‬
‫لكن إذا كنت تري يف نفسك كرباً ‪ ..‬وال تريد أن ادم فجاهد‬
‫نفسك حيت يعينك اهلل علي حمو هذا الكرب وتصبح ماثل هؤالء املالئكة‪..‬‬
‫وقد وصل كمل الصاحلني هلل ‪ ‬رخدمة الصاحلني السابقني‪ ،‬عهنم قالوا‪:‬‬
‫{ َمنْ ََخدَم ي ُْخ َد م}‬

‫وخدمة الصاحلني هي اليت تدل علي أ ن النفس قد ماتت!!! وكون النفس‬


‫ترتدد يف ذلك ! وتقول له كيف تقوم باخلدمة؟ دليل علي أن النفس ما زالت حيةٌ‬
‫وحتتاج إيل جهاد شديد !!‬
‫ولذلك كنا نري دائماً يف رووات العارفني التنافس يف اخلدمة‪ ،‬عنه‬
‫أساس التنافس يف الوصول إيل الدرجات العالية ‪ ..‬فاملالئكة ليس هلم نفس‪،‬‬
‫كذلك الذي خيدم هذه اععمال ليس له نفس‪.‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪185 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫هذه بعض اععمال اليت يمن البعض أهنا ليست من طريا اهلل ال من قريب وال‬
‫من بعيد‪ ،‬كيف؟! فقد قال ‪ ‬يف عمل واحد وامسعوا وعوا‪:‬‬

‫خدمة ساحات الصاحلني‬


‫{ َمنْ َسقَ ىٰ ْال َما َء فِي مِوْ ضِ ٍع َي ْق ِد ُر َعلَى ْال َما ِء َفلَ ُه بِكُل شُرْ َب ٍة َي ْش َر ُب َها‬
‫ت تُرْ فَ ُع َلهُ‪َ ،‬و َع ْش ُر‬ ‫ب َل ُه َو َع ْش ُر َد َر َجا ٍ‬ ‫ت تُ ْكتَ ُ‬ ‫ان أَوْ فَاجِرا ً َع ْش ُر َح َس َنا ٍ‬ ‫َب ّرا ً َك َ‬
‫ش ِر َب ُه الْ َع ْط َشانُ‬
‫شانُ فَ ِع ْت ُق َن َس َمةٍ‪َ ،‬وإِنْ َ‬ ‫ش ِر َب ُه الْ َع ْط َ‬
‫ط َع ْنهُ‪َ ،‬وإِنْ َ‬ ‫ت تُ َح ُّ‬‫َس ي َئا ٍ‬
‫تين َن َس َم ًة ‪َ ،‬و َمنْ َسقَ ىٰ ْال َما َء فِي َموْ ضِ ٍع ال َ‬ ‫ت فَ ِع ْت ُق سِ َ‬ ‫الَّذِي قَ ْد َه َج َم َعلَى ْال َموْ ِ‬
‫اس َج مِيعا ً } ‪ 170‬وزاد المحاملى ‪ { :‬قلت له‪:‬‬ ‫َي ْق ِد ُر َعلَى الْ َما ِء فَ َكأ َ َّن َما أَحْ َيا ال َّن َ‬
‫وما أحيا الناس جميعا‪ .‬قال‪ " :‬أليس إذا أحييت نفسا ً فثوابك الجنة وكذا من‬
‫أحيا الناس جميعا ً فثوا به الجنة }‪ ،‬وروى أيضاً عنه ‪: ‬‬
‫{ إذا كثرت ذنوبك فاسق الماء على الماء تتناثر كما يتناثر الورق‬
‫‪171‬‬
‫من الشجر في الريح العاصف }‬

‫ولذلك جند أن الكل يسارع يف سقيا املاء‪ ،‬حيت كنا جند لوقت قريب‬
‫رجالً كهوالً حيملون القِرب علي ظهورهم‪ ،‬ويسقون يف املساجد الكربي‬
‫يف أيام اجلمع والزحام‪ ،‬عهنم يعملون هبذا احلديث‪ ،‬الذي يريد احلور العني ماذا‬
‫يعمل؟ قال ‪: ‬‬
‫‪172‬‬
‫ِين }‬
‫الحُور الع ِ‬
‫ِ‬ ‫ج ال قُ َما َم ِة م َِن ال َمسْ ِ‬
‫ج ِد ُم هُو ُر‬ ‫{ ْ‬
‫إخ َرا ُ‬

‫حتى ولو قام بالنمافة مبكنسة املسجد ‪ ،‬فهذا العمل هو مهور احلور العني‬
‫‪  186 ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وهذا الذي جعل النا س السابقني وكدان عنددهم فقده يف الددين‬
‫يتنافسون يف هذه اععمال‪.‬‬
‫وكان الرجال الصاحلون أهل الرتبية يُخرجون املريدين من دائرة النفس‬
‫وهيمنتها وسيطراهتا باخلدمة‪ ،‬ولذلك وهذا سرٌ من أسرار الطريا نبيح به‪:..‬‬
‫{ إذا والك الشيخ خدمة فاعلم أنه يريد أن يرفعك‪ ،‬وإذا صرفك عن خدمة‬
‫فاعلم أن نفسك ما زالت تخدعك }‬

‫عهنا ما زالت متحركة ومتحرجة فاملرض الذي حيرم اإلنسان من‬


‫الذو السليم ومن املشاهدات والفيووات هو مرض الكرب ويقول فيه ‪: ‬‬
‫‪173‬‬
‫ان فِي َق ْل ِب ِه ِم ْث َقالُ َذرَّ ةٍ مِنْ ِكب ٍْر }‬
‫{ ال َ َي ْد ُخلُ الْ َج َّن َة َمنْ َك َ‬
‫وقال يف ذلك اإل مام أبو العزائم ‪: ‬‬
‫من الكبر واألحقاد ما هو ذائق‬ ‫أال من يكن في قلبه بعض ذرة‬

‫الكون فيه منازل للصاحلني‪ ،‬من أعممهم أربعة يسمون اعربعة اعوتاد‪،‬‬
‫أوتاد اعرض ‪ ..‬من أين يتخرجون؟‬
‫كان يف السابا وال زال يف بعدض دواويدن الصداحلني فدى مجيدع بقداع‬
‫اعرض ‪ ..‬رجال جيلسون عند الباب‪ ،‬يعملون عالمات‪ ،‬ويأخذون اعحذية من‬
‫اعحباب‪ ،‬ويرصوهنا ويضعون فيها عالمات ويعطدون لده عالمدة‪ ،‬وعندد اخلدروج‬
‫يعطوهنم أحذيتهم‪ ،‬أكاثر اعوتاد خيرجون من هذا العمل عنه ال يري نفسه‪،‬‬
‫وقد قال سيدي أمحد بن عطاء اهلل السكندري ‪: ‬‬
‫{ ادفن نفسك في أرض الخمول تشرق عليك أنوار الوصول }‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪187 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫من يعمل هذه اععمال تَصنُعاً‪ ..‬ليُري الناس فهذا غافل! أو مغفل‪ ،‬عنه ال‬
‫يري حدود رؤية الصاحلني ! وال ينمر إال بدالعني احلسدية ‪ ،..‬لكدن هدؤالء‬
‫الصاحلون ‪ ..‬أقلهم ينمر بنور اهلل ! فهو ينمر إيل ما بداخلك وليس إيل ظاهرك‪،‬‬
‫ينمر إيل نواياك وطواياك لري ي مهتك يف هذا العمل! أتقصد به اهلل؟ أم تقصد به‬
‫خلا اهلل؟ فمن كان يقصد به خلا اهلل فقد واع‪:‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فمعمم اعوتاد يتخرجون من هذا العمل‪ ،‬كيف؟ إن الوتد شرطه ‪..‬‬
‫أال يري نفسه فو الرتاب‪ ،‬ال يري لنفسه حوالً ! وال طدوالً! وال قدوالً! وال‬
‫عمالً!! وإمنا يري نفسه آالتٍ ‪ ..‬حيركها رب اعرباب ‪ ، ‬يقول قائلهم‪:‬‬
‫أنا قلم واإلقتدار أصابع‬ ‫أراني كاآلالت وهو محركي‬

‫أنا قلم ! والقادر هو الذي ميسك هبذا القلم ! وحيركه بقوته وإرادته‬
‫وعممته وأوصاف حضرته ‪. ‬‬
‫ولذلك سيدي أبويزيد البسطامي ‪ ‬وأرواه‪ ،‬صحبه رجل من الفقهاء فرتة‬
‫طويلة‪ ،‬ومل جيد مثرة الفتح اليت يسمعها من أهل الفتح‪ ،‬فذهب إليه مرة يشتكي!‬
‫ويقول يا سيدي أريد الفتح الذي يتحدث عنه إخواني والشيخ يعرف من أين أتي؟‬

‫النفس احليَّةُ ‪ ..‬حيَّةٌ‬


‫ما زالت نفسه حية ‪،‬والفتح ال يأتي ملن نفسه حية‪ ،‬عهنم قالوا‪:‬‬
‫{ من كانت نفسه حية فهي حية }‬

‫وحية أي مسها ناعم! ولكنها تلدغ !!‬


‫‪  188 ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫{ ومن نفسه ماتت! فكل األعمال عليه هانت }‬

‫خالد بن الوليد ‪ ‬كان قائداً للجيش‪ ،‬وعندما جردوه من كل رتبه‬


‫وأصبح جندياً هل حدث عنده شيء؟ ال! ‪ ..‬عن نفسه ماتت‪ ،.‬ولكن قائد‬
‫اجليش يف بلدة من أصغر بالد املسلمني ‪ ،‬والدذي جيشده كلده لديس إال عددة‬
‫كتائب !! ‪ ،‬عندما عزله رئيس الدولة ‪ ..‬قام بإوراب وثورة!!‬
‫انمر إيل الفار بني هذا وذاك !!‬
‫فالشيخ أبويزيد البسطامي يعلم مبا أهلمه اهلل ما يف نفسه! فقال له‪:‬‬
‫تريد أن يفتح اهلل عليك؟ قال نعم!‪ ،‬قال‪ :‬ام أ جيبك جوزاً و لوزاً واجلس‬
‫علي قارعة الطريا‪ ،‬وادع االطفال ‪ ..‬وقل هلم من صفعين صفعة ! ‪..‬أعطيه‬
‫جوزاً ولوزاً‪ ،‬قال أنا أصنع هذا؟( مستنكراً ومستعمماً نفسه!!) ‪ !،‬قال له‬
‫الشيخ ‪ :‬إذاً ال يفتح عليك‪.‬‬
‫عنه يري نفسه!‪ ،‬فمن أين يأتي الفتح؟! ال يأتي الفتح إال‪:‬‬

‫‪     ‬‬ ‫‪     ‬‬


‫‪      ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪      ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪         ‬‬
‫اإلمام أبو حامد الغزايل ‪ ‬كان كان حيضر جملس علمه يف بغداد‬
‫عشرة آالف نفس‪ ،‬منهم مائة من أكابر العلماء حيضرون ابلس ليستفيدوا‪،‬‬
‫ومنهم سبعو ين من اعمراء‪ ،‬وملا أراد اهلل له طريا العناية واختار له منهج اهلداية‬
‫دله علي ويل من أولياء اهلل ‪...‬‬
‫فذهب له وقال‪ :‬يا سيدي أريد الفتح! ‪ ..‬قال‪ :‬إن أردت الفتح فاخرج مما‬
‫أنت فيه! وانمر إيل اعسوا اليت حولنا‪ ،‬واجعل لنفسك نماماً للمرور هبا ‪..‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪189 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وتتزي بزي سقاء‪ ،‬وا رج إيل كل سو يوماً تسقي فيه طلباً لوجه اهلل وال‬
‫تأخذ شيئاً من أحد‪ ،‬وال تأكل إال مما أطعمك !‪ ..‬فكان يذهب إيل السو ‪،‬‬
‫ويس ددقي الندداس‪ ،‬ويددذهب إيل شدديخه يف املسدداء ليطعمدده بضددع لقيمددات يقمددن‬
‫صلبه‪..‬والبلد الذي يُعرفه الناس فيه ! يهجره! وال يذهب إليه مرة أخري !!‬
‫حيت ف تح اهلل عليه !!‬
‫فقال ‪ ‬يف كتابه الذي سا فيه قصته يف ذلدك ومسداه (املنقدذ مدن‬
‫الضالل) أي أن الذي كان فيه مع العلم الواسع ‪ ..‬وهذه اجلماهري مساه والل‪،‬‬
‫وقال فيه بعد شرح حاله‪ :‬مل أترك علماً إال وحصلته‪ ،‬ومل أترك فقيهاً إال وحصلت ما‬
‫عنده‪ ،‬ومل أترك فيلسوفاً إال وحصل ت ما لديه‪ ،‬ومل أترك كتاباً إال وقرأته ‪.‬هذا‬
‫حاله اعول‪..‬ثم بعد ذلك يشرح حاله مع الصوفية فيقول ‪:‬‬
‫فوجدت حاهلم أعلي اعحوال ومنهجهم أكمل املناهج‪ ،‬ما بالك يف‬
‫قوم أول ما يشاهدون يشاهدون أرواح املالئكة عياناً ويشاهدون أرواح الرسل‬
‫والنبيني ويقتبسون منها فوائد‪ ،‬أ ما ما وراء ذلك‪:‬‬
‫فظن خيرا ً وال تسأل عن الخبر‬ ‫فكان ما كان مما لست أذكره‬

‫ملاذا؟ عنه جاهد نفسه حتى ماتت‪.‬‬

‫البدوى واجلوهرى ذللتها فأعززناك‬


‫كان علي هذا اجلهاد من العارفني‪ ،‬سيدي أمحد البدوي ‪ ‬وأروداه‬
‫كان يف تربيته ملريديه ينهج هذا السبيل‪.‬‬
‫منهم من كلفه برعي أغنامه‪ ،‬ويسمي إيل وقتنا هذا الشديخ الراعدي‪،‬‬
‫وطريقته طريا الراعي فالراعي هو الذي كان يرعدي أغندام سديدي أمحدد‬
‫‪  191 ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫البدوي ‪ ‬وأرواه‪ ،‬ومنهم من كان يطهي الطعام جلالسه وحمبيه‪ ،‬ومنهم من‬
‫كان يقوم رخدمة الزاوية اليت بناها لطالبه‪.‬‬
‫وأسددو لكددم قصددة تلخددص اعمددر وتبيندده ‪ ..‬وأعريونددى خددالص‬
‫إنتباهكم ‪ ..‬بارك اهلل فيكم أمجعني ‪ ..‬من قراء ومستمعني ‪:‬‬
‫مرَّ سيدى أمحد البدوى ‪ ‬ذات يوم يف سو الذهب‪ ،‬فتبعه رجل يعمل‬
‫بتجارة اجلواهر يسمى اجلوهري نسبة إيل اجلواهر ‪ ،‬والدذى عدرف فيمدا بعدد‬
‫بسيدى اجلوهري ‪ ، ‬وهو صاحب مقام مشهور يف بلدة تسمي حملة مرحوم‬
‫جبوار طنطا‪ ،‬فقال‪ :‬يا سيدي أريد أن يفتح اهلل ‪ ‬يل علي يديك !!‬
‫قال‪ :‬يا عبد الوهاب ال تستطيع!! فلما أحل عليده قدال‪ :‬احضدر جدواهرك‬
‫وذهبك وتعالَ‪ ،‬فلما جاء قال له‪ :‬ألا ما جئت به من اجلواهر يف بئر الساقية‪ ،‬وهي‬
‫اليت تُخرج املاء لرواد الزاوية‪ ،‬وكان هلا ثور يديرها ليخرج املاء‪ ،‬فألقي اجلواهر‬
‫والذهب يف البئر فعلم صدقه ‪ ،‬وهذا إمتحان للمريدين يقول فيده اإلمدام أبدو‬
‫العزائم ‪ ‬وأرواه‪:‬‬
‫{ أول ما نمتحن به المريد بالمال!‪ ،‬فإن نجا منه فما بعده أيســــر منه‪ ،‬وإن‬
‫لم ينجو منه فما بعده ُّ‬
‫أشد منه }‬

‫فإذا كان املال ساكناً يف القلب فال يساكنه اهلل !! وال حبيب اهلل‬
‫ومصطفاه !! عن اهلل يقول يف حدياثه القدسي‪:‬‬
‫شركِ ‪ ،‬من عم َل عمال ً؛ أ ْشر َ‬
‫ك في ِه َغي ِْري‪،‬‬ ‫أغنَى األغ نِ َيا ِء عن ال ِّ‬
‫{ أ َنا ْ‬
‫‪174‬‬
‫تر ْك ُت ُه َو شِرْ َك ُه }‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪191 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ال يسكن اهلل يف قلب بصفاته وكماالته ومجاالته وأنوار حضرة ذاته‪،‬‬
‫إال إذا فرغته من الشهوات واحلموظ واعهواء وامللذات حلضرته ‪ ، ‬لكن طاملا‬
‫يف القلب شهوة لغري اهلل ‪ ...‬فال يدخله اهلل جل يف عاله‪ ،‬فال بد أن تطهر القلب‬
‫بالكلية حلضرة اهلل‪:‬‬
‫يا مريدا ً جمالنا وبهانا‬ ‫فرغ القلب من سوانا ترانا‬

‫فأراد الشيخ أن يرقيه فقال‪ :‬يا عبد الوهاب تنمر إيل هذا الاثور؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال إن أردت الفتح فعليك أن ترحيه فيعمل مرة وتعمل أنت مكانه مرة!!فمل‬
‫علي هذه احلالة فرتة !!‬
‫ويف مرة حدثته نفسه والمته كيف كنت يف الرتف والعلو‪ ،‬وتعمل‬
‫يف هذا العمل؟! وإذا بالشيخ أمامه‪ ،‬وقال له‪ :‬يا عبد الوهاب‪ ،‬قال نعم‪ ،‬قال ام أ‬
‫هذا الدلو من البئر‪ ،‬فم أه ‪ ،‬قال‪ :‬أفرغه‪ ،‬فأفرغه فإذا ذهبه وجواهره كلها علي‬
‫اعرض‪ ،‬قال‪ :‬خذ ذهبك وجواهرك وال حاجة لنا بك‪ ،‬قال‪ :‬لِمَ يا سيدي؟ قال‪:‬‬
‫إن اهلل ‪ ‬ال حيب يف القلب معه شريك "أنا أغين اعغنياء عن الشرك"‪ ،‬قال‪ :‬تبت‬
‫يا سيدي‪ ،‬فلما تبني صدقه قال‪ :‬ألقه مرة أخري!ز‬
‫وملا استمر علي ذلك و وجد منه لذة وراحة يف ذلك‪ ،‬جاءه يف يوم وقال‪:‬‬
‫ياعب ددد الوه دداب‪ ،‬أردن ددا أن نرقي ددك ف دددع إدارة السدداقية‪ ،‬وعليددك أ ن تك ددنس‬
‫املراحيض وتغسلها وجتهزها للمريدين وللواردين – ودورات املياه يف السابا مل‬
‫تكن ماثل اليت يف عصرنا ‪ -‬ولكن هذا لرتقية املريدين‪.‬‬
‫وهنا قصة عاروة ‪ ..‬الشيخ ال شعراوي رمحة اهلل عليه وكان من أئمة‬
‫الصادقني ملا حاور يف جامعة القاهرة يف مؤمتر عام ‪ ،‬وأطلا اهلل لسانه باحلقائا‬
‫ملدة أربع ساعات ‪ ،‬أفحم فيها امللحدين ‪ ،‬وكانت أصواهتم عالية يف هذا‬
‫‪  192 ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫الوقت واحلني ‪ ،‬وكبَّر الصدادقون مدراراً وتكدراراً !!‪ ،‬وهدو راجدع يف‬
‫الطريا طلب من ال سائا وابنه كان معه‪ ،‬أن يقف أمام أحد املساجد حلاجته‬
‫لقضاء احلاجة‪ ،‬ودخل املسجد وأطال! فلما أطال‪ ،‬ذهب ابنه ليبحث عنه ‪ ،‬فوجده‬
‫قد خلع عمامته وجبته وأخذ ميسح املراحيض ويغسلها‪ ،‬قال‪:‬لِمَ هذا يا أبت؟‬
‫قال ‪ : ‬إن نفسي حدثتين أنين أصبحت اليوم شيئاً !! فأردت أن أعرِّفها‬
‫مكانتها‪ ...‬ملاذا؟ ذلك عنه يالحظ نفسه دائماً‪.‬‬
‫ونع ددود للقص ددة م ددرة أخ ددرى ‪ ..‬فددأمره سدديدي أمحددد البدددوي أن ينمِّ دف‬
‫املراحيض‪ ،‬ويف يوم حدثته نفسه أيضاً ولكنه كان قد انتبه إليها فطأطأ رقبته‬
‫ليمسح املرحاض بلحيته !! وإذا به جيد يداً متتد حتت حليته فتمنعه ‪ ،..‬وبعد برهة‬
‫إذا بالشيخ يطلبه ويقول له ‪:‬‬
‫{ َذلَ ْل َتـــــ َها‪َ ..‬فأ َ ْع َز ْز َنــــــــــــاك‪}.‬‬

‫مناذج من الصحابة‬
‫وهكذا العارفون والصادقون ماثل أصحاب رسول اهلل فكانوا علي هذه‬
‫الوترية‪ ،‬سيدنا عمر يف يوم دعا الناس وقال‪ :‬الصالة جامعة !وصعد املنرب‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫" كنت أمسي عمرياً وأرعي الغنم عهلى بقراريط ‪-‬أي مبالليم ‪ -‬يف‬
‫مكة!‪ ،‬واليوم صرتُ أدعي عمر أمري املؤمنني"‪ ،‬ونزل !!!‪.‬‬
‫قالوا ما هذا يا أمري املؤمنني؟ قال ‪:‬‬
‫{ إن نفسي حدثتني بأني ليس فوقي شيء فأردت أن أعرفها مكانتها‪} .‬‬

‫فعل ذلك ‪ ..‬وهو خليفة املسلمني ‪ ..‬عنه ينتبه لنفسه !!!‪.‬‬


‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪193 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫وسيدنا عاثمان وه و خليفة أيضاً وكان من الوجهاء واعثرياء‪:‬‬
‫رُؤي يوماً حيمل علي ظهره محالً كبرياً من احلشيش آتيداً بده مدن الباديدة‬
‫فذهب إليه اخلدم وقالوا‪ :‬يا أمري املؤمنني حنن نكفيك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫{ أعلم ذلك ولكن نفسي حدثتني أني شيء فأردت أن أعرفها مكانتها‪}.‬‬

‫فال بد لكل رجل أن ينتبه لنفسه‪...‬‬


‫وخاصة إذا اجتمع حوله قوم أو مجاعة‪ ،‬ورأي أنه شيخٌ علي فالن وفدالن‬
‫ولكن أين أنت؟! إيل أي حمطة من حمطات الوصول إيل اهلل وصلت؟! إيل أي نور‬
‫من اعنوار اإلهلية اتصلت؟!‬
‫يف أي مشهد تشهد فيه احلبيب اععمم ‪ ‬حيث نزلت؟! فإذا كنت‬
‫مازلت طوباً وطيناً وحولك بعض مريدي ن فأنت مسكني خدعك إقبال اخللدا‬
‫عليك وأنت مل تقبل بنفسك علي احلا ‪ ، ‬وإال لو أقبلت بصد علي اهلل ال يغرك‬
‫اخللا مجيعاً ولو أقبلوا عليك!!‪ ،‬وال يضرك لو التفتوا مجيعاً وانصرفوا عنك !!‪،‬‬
‫عنك هتتم بالقبول من اهلل وليس باإلقبال من خلا اهلل جل يف عاله –‬
‫والنفس يا أ حباب هذه وسيلتها‪ ،‬يقول احلبيب ‪ ‬يف شأهنا عصحابه ‪:‬‬
‫{ ما تقولون في صاحب إن أنتم أكرمتموه وأسقيتموه وكسوتموه أفضي بكم‬
‫إلي شر غاية‪ ،‬وإن أنتم أهنتموه وأجعتموه وأظمأتموه أفضي بكم إلي خير‬
‫غاية‪ ،‬قالوا يا رسول َّللا هذا شر صاحب في األرض‪ ،‬قال فوالذي نفسي بيده‬
‫‪175‬‬
‫إنها أل نفسكم التي بين جنوبكم }‬

‫وكان أصحابه يتبارون يف هذا اجلهاد يف زمانه‪ ،‬وامسعوا احلديث ‪:‬‬


‫‪  194 ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫{ ورد عن ليث بن طلحة أن رجال ً من أصحابه في يوم شديد‬
‫الحرارة انطلق فنزع ثيابه وأخذ يتمرغ في الرمضاء ويقول لنفسه‪:‬‬
‫ذوقي نار جهنم‪ ،‬أجيفة بالليل وبطالة بالنهار! قال‪ :‬بينما هو كذلك إذ‬
‫أبصر النبي في ظل شجرة‪ ،‬فأتاه فقال‪ :‬غلبتني نفسي‪ ،‬فقال له النبي ‪‬‬
‫‪":‬أما بعد‪ ،‬لقد فتحت لك أبواب السماء‪ ،‬ولقد باهي َّللا بك المالئكة ثم‬
‫قال ألصحابه‪ :‬تزودوا من أخيكم‪ ،‬فجعل الرجل يقول‪ :‬يا فالن ادع لي‪،‬‬
‫فقال النبي ‪ٌ ‬عمَّهم‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬اللهم اجعل التقوى زادهم‪ ،‬واجمع‬
‫علي الهدي أمرهم‪ ،‬فجعل النبي ‪ ‬يقول‪ :‬اللهم س ِّد ده فقال‪ :‬واجعل‬
‫‪176‬‬
‫الجنة مأواهم ومآبهم }‬
‫فأعلمنا أن فتح باب اإلجابة ال يكون إال عهل النفوس اليت استجابت إيل‬
‫اهلل‪ ،‬وجاهدت حتى تطهرت ودخلت على حضرة اهلل ‪ ، ‬كمدا قدال أحدد‬
‫الصاحلني‪:‬‬
‫"مكتوب علي حضرة القدو س ال يدخلها أرباب النفوس"‬

‫وقال لسيدي أبي يزيد عندما قال له يارب كيف آتي إليك؟ قال‪:‬‬
‫{ يا أبا يزيد دع نفسك وتعا َل }‬

‫ال يدخل إنسان ونفسه معه حضرة من حضرات الفتح ‪ ...‬فعليكم‬


‫باجلهاد اععمم‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪195 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫ي نزعاهتدا‪ ،‬والوقدوف عندد‬
‫وهو جهاد الدنفس ‪ ...‬جهداد الدنفس يف طد ِّ‬
‫نزغاهتا‪ ،‬واإلنتصاح لوساوسها اخلفية ودسائسها اجللية‪ ،‬حتى يكون اإلنسان‬
‫علي هنج خري الربية ‪.‬‬

‫جهاد النفس ال ينتهى‬


‫هذه يا إخواني وظيفة الصاحلني ومهمة السالكني ‪...‬‬
‫وفيها يقول إمامنا أبو العزائم ‪: ‬‬
‫"ال ينتهي جهاد النفس حتى مع كمل العارفين حتى خروج النفس األخير"‬

‫وأسو لكم شاهداً واحداً ‪:...‬‬


‫كاثري منا يمن أنه وصل إيل مرحلة عميمدة عندد اهلل عنده صدار لده يف‬
‫الطريا بسة عشرة عاماً أو عشرون عاماً‪ ،‬ومل يعد يف حاجة إيل اعوراد العادية‬
‫وال اإلكاثار من الطاعدات ‪ ،‬فدال حيدافظ علدي ورد‪ ،‬وال حيدافظ حتدى علدي‬
‫الفرائض يف وقتها وكأن اهلل ‪ ‬أراحه من أول الوقت !!‪ ،‬وال تؤنبه نفسه اليت‬
‫بني جنبيه وهذه هي مصيبة املصائب !!‪ ،‬يسمح لنفسه بالكالم مع كل اعنام‬
‫إن كان كالماً ينفع أو يرفع أو كالماً يضر وخيدع ‪ ...‬املهم أنه يتكلم‬
‫ويمن أنه يف مأمن !!‬
‫وسادتنا الصاحلون مل يكونوا علي هذا الدرب‪ ،‬اإلمام اجلنيد ‪ ‬ويقولون‬
‫عنه أنه سيد الطائفة كان يف الوقت اعخري الذي سيالقي فيه ربه‪ ،‬يسرتسل يف‬
‫قراءته لورده من القرآن الكريم فقال له أحد الفضوليني جبواره ما تصنع؟‬
‫قال‪ :‬هذا وردي من القرآن أقرأه عني مل أقرأه اليوم‪ ،‬قال أيف هذه الساعة؟‬
‫قال‪ :‬ومن أويل بذلك مين وها أنذا تطوي صحيفيت فيكون آخر ما فيها وردي من‬
‫‪  196 ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫القرآن الذي تعودت أن أقدمه لربي كل يوم !! ال يرتك ورده من القرآن حتى يف‬
‫النفس اعخري!!‬
‫ولذلك وهذا حمك العارفني إذا حكمت رجالً من الصاحلني يف نفسك‬
‫وال تصنع شي ئاً إال عن إشارته فأبشر بنوال فتحك والوصول إيل كمال أنسك‪،‬‬
‫وإذا كنت ال تسلم أي أمر لرجل من الصاحلني فاحلاكم فيك هواك‪ ،‬عنه هو‬
‫الذي يأمرك وينهاك‪ ،‬ولذلك تسعة وتسعون وتسعة من عشرة يف املائة من املريدين‬
‫احلاكم هلم هواهم‪.‬‬
‫من الذي خرج من سيطرة اهلوي؟ ‪ ..‬الذي ألقي نفسه بني يدي شيخ من‬
‫العارفني وحكَّمه يف نفسه‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫وهذا شأن اجلميع الصغار والكبدار‪ ،‬ان مدر إيل توجيده رسدول اهلل ‪‬‬
‫للصاحبني حيث يقول هلما يف تالوهتما للقرآن‪:‬‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫وأنت تخف ُ‬ ‫وأنت تقرأ ُ‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫بكر ‪ : ‬مرر ُ‬
‫تب َ‬ ‫{ أن النبيَّ ‪ ‬قال ألبي ٍ‬
‫لعمر ‪‬‬
‫َ‬ ‫ت‪ ،‬قال‪ :‬ارفعْ قليالً‪ .‬وقال‬
‫ت من ناجي ُ‬
‫ك فقال‪ :‬إني أسْ َم ْع ُ‬
‫من صوْ ت ِ َ‬
‫ك وأنت تقرأ ُ وأنت ترفع صوتَك‪ ،‬فقال‪ :‬إني أُوقظ الوس َن َ‬
‫ان وأطر ُد‬ ‫تب َ‬ ‫مرر ُ‬
‫‪177‬‬
‫الشيطان‪ ،‬قال‪ :‬اخفضْ قليال ً }‬
‫َ‬

‫هناك مجاعة يقولون حنن منا هلل مباشرة !!!‬


‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد ‪ ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪197 ‬‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫إذاً ‪ ..‬إن كنت صادقا فى دعواك !! أين الفتح الذي عندك؟! كل‬
‫شيء له عالمة ‪ ، ..‬أين اليقني الذي قال فيه اهلل لك‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫واحملك اععمم هو اجلهاد !!‬
‫فال يدتم لإلنسدان اجلهداد إال إذا حكَّدم يف نفسده شديخ ًا مدن شديوخ‬
‫اإلرشاد فال يصنع شيئاً إال بإشارته وال يقوم بعمل إال بإذن من حضرته‪ ،‬لكن‬
‫إذا كان ميشي علي هواه‪ ،‬ويعرض اعمر علي الشيخ ليوافا هواه‪ ،‬وإذا قال له بغري‬
‫ما يريد !‪ ،‬يضرب بكالمه عرض احلائط وينفذ هو ما يريد‪ ،‬فشيخه هندا هدو‬
‫اهلوي! ‪ ،‬ولذلك أعمم جهاد للمريد!‪ .‬هو كيف جياهد حتى خيرج من اهلوي‪:‬‬

‫‪   ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪       ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪       ‬‬
‫وميت ينتهي جهاد اهلوي؟‬
‫ون َهـوُ اهُ َت َب َعا ً ل َما جئ ُ‬
‫ت به }‬ ‫أحدُكُ ْم َحتَّ َى يَكُ َ‬
‫{ ال يُ ْؤ ِم ُن َ‬

‫إذا كنت أمشي علي هواي وأحاول أن أجدد لنفسدي خمدارج وحججداً‬
‫وبراهني فهذا من دسائس النفس اخلفية اليت جتعلين يف هذا املقام اهلدابط حتدى‬
‫أخرج من الدنيا وليس يل نصيب من الفتح عند الفتاح العليم ‪: ‬‬

‫‪    ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فأول اجلهاد هو جهاد اهلوي ‪..‬فال يتحكم فيك!‪ ،‬واهلوي هدو الدذي‬
‫‪  198 ‬الثامن‪ :‬خدمة الصاحلني وسرُ الفتح العرفانى ‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫يُصرِّف معمم الناس يف اعكوان فيأمرهم هبذا وينهاهم عن هذا‪ ،‬ملآرب‬
‫خفية ودسائس نفسية وأهواء مردية شيطانية‪ ،‬ومييل اإلنسان ملا يريد كما يريد!‬
‫لكن الشيخ ال مآرب له يف أمر‪ ،‬وال غرض له فيك ‪ ،‬وال ينصحك إال‬
‫رغبة أن يقوم بأمر احلبيب بالوصية والنصيحة عتباعه كما أُمر حتى ت طيب‪:‬‬

‫‪  ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬ ‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬

‫ولذلك أهل ال فتح هم الذين سلِموا من هواهم وسلَّموا أنفسهم عهل الفتح واتبعوا‬
‫هداهم حتى يفتح عليهم خالقهم وموالهم‪..‬‬
‫وصلي اهلل علي سيدنا حممد وعلي آله وصحبه وسلم مَّ حبمد اهلل تعاىل فله‬
‫الشكر واملنَّة‪ ،‬فما كان فيه من صواب فمن اهلل ‪ ،‬وما فيه من نقص أو سهو‬
‫فمنِّى ؛ أسأل اهلل العفو واملفغرة لكاتبه وقارئه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫مفتاح رموز كتب احلديث كما ورد باجلامع الصغري ( نقالً عن كنز العمال)‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬اخلامتــــــــــــــــــــــــــــــة ‪199 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫نبذة عن املؤلف األستاذ‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪WWW.Fawzyabuzeid.com‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  211 ‬اخلامتــــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫قائمة مؤلفات األستاذ فوزى حممد أبوزيد‬ ‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬اخلامتــــــــــــــــــــــــــــــة ‪211 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪‬‬

‫الشيخ الكامل السيد أبو الحسن الشاذلى‬ ‫‪ -‬من أعالم الصـــــــــــــــوفية ‪:‬‬
‫حقائق التصوف النقيّــة‬ ‫‪ -2‬دراسات صــــوفية معاصرة ‪:‬‬
‫ســـــــــــــــياحة العارفين‬
‫‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الصلوات اإللهاميَّـــــــــــــــــة‬
‫‪:‬‬ ‫‪ -4‬الحقيقة المحمديـــــــــــة‬
‫كيف تكون داعيا ً إلى َّللا على بصيرة‬ ‫‪ -5‬الطريـــــــــــــــــق إلى َّللا ‪:‬‬
‫الحكم اإللهاميَّ ــــــــــــــــــــة‬
‫‪:‬‬ ‫‪-6‬‬
‫‪ :‬طريق الصديقين إلى رضوان رب العالمين (ط‪)2‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪ -8‬الخطب اإللهاميـــــــــــــة ‪ :‬المجلداألول‪ :‬المناسبات (ط‪،2‬إقتصادية)==‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  212 ‬اخلامتــــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫فهرست حمتويات الكتاب‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬اخلامتــــــــــــــــــــــــــــــة ‪213 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  214 ‬اخلامتــــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ‬اخلامتــــــــــــــــــــــــــــــة ‪215 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  216 ‬اخلامتــــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫‪www.askzad.com‬‬

‫============ ت َّم بحمد َّللا وتوفيقه ===========‬


‫‪ ‬اخلامتــــــــــــــــــــــــــــــة ‪217 ‬‬ ‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬
‫‪------------------------------------------------‬‬
‫‪ ‬الفتح العرفانى ‪ ‬فوزى حممَّدأبوزيد‬ ‫‪  218 ‬اخلامتــــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫‪------------------------------------------------‬‬

‫صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلم‬

You might also like