You are on page 1of 7

‫خلق النسان‬

‫على صورة الله و مثاله‬

‫القديس غريغوريوس النيسي‬

‫عصر نيقية وما بعد نيقية‬

‫مقدمة هامة‪:‬‬

‫يقدم القديس غريغوريوس النيسي في هذا العمل تفسيرا ا عميقا ا لموضوع “خلق النسان على صورة الله ومثاله“‪ .‬وييمثل هذا العمل تكملة‬
‫لعظات القديس باسيليوس عن “أيام الخليقة الستة“‪ .‬وقد أرسله القديس غريغوريوس إلى أخيه القديس بطرس كهدية عيد القيامة لييضيفه إلى‬
‫عظات القديس باسيليوس‪ ،‬الذي ييشير إليه بعبارة “أبينا ومعللمنا“‪ .‬وقد كتب هذا العمل سنة ‪379‬م بعد نياحة القديس باسيليوس مباشراة‪.‬‬

‫إن خلق النسان كما يرى القديس غريغوريوس هو شئ مرهوب ويصعب تفسيره ويحمل داخله الكثير من أسرار الله الخفية‪ .‬ويقول إن عبارة‬
‫“بحسب الصورة والمثال“ يتعطى مثال اواضح اا لتأنس القنوم الثاني في الثالوث القدوس‪ .‬وأن )آدم ـ حواء ـ البن الذي أنجباه( هذه الكيانات‬
‫الثلثة المتساوية في الجوهر‪ ،‬تشير ـ بصورة شكلية وليست جوهرية ـ للثالوث الواحد في الجوهر‪.‬‬

‫ثم يتطرق لطبيعة النفس العاقلة‪ ،‬قائل ا‪“ :‬إن أراد أحد أن يعرف كيف يخلق النسان“ بحسب “صورة الله ومثاله“ ليبحث في تكوين طبيعة‬
‫النفس العاقلة‪ ،‬وأن يعرف كيف أنها واحدة‪ ،‬وتعتبر ثلثة أقسام‪ ،‬وحدة في ثلثة بحسب خلقتها على “صورة الله ومثاله“‪.‬‬

‫وأنها واحدة في الجوهر‪ ،‬لكنها ليست واحدة بحسب أقسامها الثلث‪ .‬ثم يقول إن ماهية النفس والكيفية التي تأتي بها إلى الوجود يتعد أمورا ا ل‬
‫يمكن للعقل النساني أن يفهمها‪ .‬ولننا نجهل كل المور الخاصة بها‪ ،‬فإننا نتحقق ونتأكد من وجودها فقط من خلل أعمالها داخل الجسد‪،‬‬
‫مثلما نتأكد من وجود الله من خلل أعماله داخل الكون المرئي‪ .‬وييشير أيض ا ا إلى أن إدراك سر الثالوث غير المدرك‪ ،‬يمكن أن يكون من خلل‬
‫خلق النسان على “صورة الله ومثاله“‪.‬‬

‫نرجو أن يستخدم الله هذا العمل لمجد اسمه في كنيسته بشفاعة والدة الله العذراء القديسة مريم وبصلوات جميع الباء الرسل وآباء الكنيسة‪،‬‬
‫وصلوات القديس غريغوريوس النيسي‪ ،‬وصلوات قداسة البابا شنودة الثالث والباء المطارنة والساقفة‪ .‬وللمسيح إلهنا كل مجد وسجود وتسبيح‬
‫مع الب والروح القدس الن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين‪.‬‬

‫معنى الصورة والمثال]‪[1‬‬

‫ل توجد طريقة أخرى أمام الذين يرغبون في فهم جمال وجوههم المخلوقة من الله بشكل جيد‪ ،‬والتي بها يتطلعون إلى صورتهم‪ ،‬سوى مرآه نقية‬
‫جداا‪ ،‬يتلمسون فيها مع صورة وجوههم‪ ،‬ويرون فيها بوضوح شكل ا يعكس أيقونتهم التي تشبههم تمااما‪ .‬ونحن إذ ننظر بالتدقيق كما في مرآه إلى‬
‫الشعة اللهية التى للشمس العقلية‪ ،‬ندرك بكل وضوح الملمح العامة والشكل والصورة التي لطبيعتنا ” بحسب الصورة والمثال” لنه بالحقيقة‪،‬‬
‫على القل كما أتصور أنا‪ ،‬أن خلق النسان هو شئ مرهوب ويصعب تفسيره ويحمل داخله الكثير من أسرار الله الخفية‪.‬‬

‫وتمام ا ا كما أن طبيعة العين تدرك بسهولة تلك الشياء التي توجد خارجها‪ ،‬إل ل أنها ل ييمكنها أن تدرك ذاتها‪ ،‬هكذا بالنسبة لعين الذهن النسانية‪،‬‬
‫فإن مسألة خلقتنا هو أمر يصعب رؤيته ويصعب إدراكه‪.‬‬
‫الحقيقة إن الخالق بعدما أتم خلق العالم العاقل للقوات غير المرئية‪ ،‬ثم خلق العالم المادى المرئى قال عندئذذ “ونعمل النسان على صورتنا‬
‫كشبهنا“]‪ .[2‬لقد خلق الله حينئذذ كائنا ا حياا‪ ،‬كما من عالم مختلط يتشكل من أمرين‪ ،‬فهو مكلون من نفس غير جسدانية وغير مائتة وغير فاسدة‪،‬‬
‫ومن جسد مادى ومرئى من أربعة عناصر]‪.[3‬‬

‫وبعد أن تم ذلك‪ ،‬يقول الكتاب أيضا ا “فخلق الله النسان على صورته“]‪ .[4‬وعندما يقول إن الله خلق فهو يقصد الب والبن والروح والقدس‪.‬‬

‫لقد ع لبر المفسرون فيما يتعلق بهذا الموضوع ـ عن آراء كثيرة ومختلفة ـ قال البعض‪ :‬إن عبارة “بحسب الصورة والمثال“ يتشير إلى قدرة‬
‫النسان على أن يسود وأن يتسلط‪ ،‬وقد اعتبر البعض أن هذا يتعلق بالنفس العاقلة غير المرئية‪ ،‬والبعض الخر يربطه بالنسان غير الفاسد وغير‬
‫الخاطئ عندما يخلق آدم‪ ،‬والبعض اعتبر أن “بحسب الصورة والمثال“ يمثل نبوءة عن المعمودية‪.‬‬

‫وآخر الكل كما للسقط‪ ،‬بدا لى أنا أيضا ا أنه أمر حسن أن أع لبر عن بعض الفكار التي تخص هذا الموضوع‪ ،‬وقبل كل شئرأيت أنه من الهمية‬
‫بمكان أن نفحص هذا المر بالتساؤل عن‪ :‬لماذا لم ينسب الله عبارة “بحسب الصورة والمثال“ للكائنات العاقلة غير المرئية وللسمائيين‪،‬‬
‫والملئكة الذين هم بالقرب منه؟‬

‫لن هؤلء هم بالحقيقة أكثر قدرة من النسان‪ ،‬ولديهم القوة أن يسودوا ويتسلطوا على الرض كلها وعلى النسان نفسه‪ .‬وعلى نفس السياق فإن‬
‫غير الفانى‪ ،‬وغير المرئي‪ ،‬والطاهر أو النقي‪ ،‬وكل ما يمكن أن تمتدحه في آدم‪ ،‬يوجد وبدرجة فائقة بين الصفوف السمائية غير الجسدانية‪.‬‬

‫إذا ا ييشار بعبارة “بحسب الصورة والمثال“ إلى شئ عميق‪ .‬بمعنى أن النسان ليس لديه صورة واحدة ومثال اواحد لله‪ ،‬بل لديه صورة ثانية وثالثة‪،‬‬
‫ومثال ا ثانيا ا وثالث اا‪ ،‬كما لو كانت هناك مرآه عاكسة لملمح شكلية‪ ،‬ومن المؤكد أنها ليست صورة طبيعية أو جوهرية لسر القانيم اللهية الثلثة‪.‬‬

‫وليس هذا فقط بل إنها تعطى مثال اواضح اا لتأنس القنوم الثانى في الثالوث القدوس‪ ،‬الله الكلمة‪ .‬ولكن من الفضل أن نرجع إلى بداية المر‬
‫ل‪ ،‬ترى لماذا لم يخلق الله أجدادنا الوائل أقصد آدم وحواء والبن الذي أنجباه بنفس الطريقة التي بها خلق الكائنات العاقلة‪ ،‬أى‬
‫ونبحث أو ا‬
‫الملئكة‪ ،‬ليكونوا مساويين الكائنات الروحانية؟ فالله قد أحضر آدم إلى الوجود بدون إنسان‪ ،‬بدون أب وولدة ـ بينما النسان الثانى بعده‪ ،‬أى‬
‫ابنه‪ ،‬أحضره إلى الوجود بالولدة‪.‬‬

‫أيض اا حواء قد أتت إلى الوجود‪ ،‬ل بالولدة‪ ،‬ول بسبب النسان بل أتت بأنبثاق غير موصوف‪ ،‬من آدم بدون ولدة‪ .‬ترى‪ ،‬هل حدثت هذه البدايات‬
‫الثلث للمخلوقات الولى ) آدم ـ حواء ـ البن(‪ ،‬الكيانات المتساوية في الجوهر‪ ،‬كما يتصور ميثوديوس لكى تعطى صورة شكلية )وليست‬
‫جوهرية( للثالوث القدوس الواحد في الجوهر؟ فآدم الذي أتى بدون أن تكون هناك علة لوجوده ول بولدة هو نموذج وصورة لله الب ضابط الكل‬
‫الذي ل توجد علة سابقة لوجوده‪ ،‬بل هو علة كل الموجودات‪ .‬البن أيض ا ا الذي ولد من آدم وحواء‪ ،‬يرسم صورة للبن كلمة الله المولود‪ .‬وحواء‬
‫التي أتت من النبثاق‪ ،‬ترمز إلى انبثاق أقنوم الروح القدس‪ .‬ولهذا لم ينفخ الله فيها نسمة حياة‪ ،‬لنها هى نموذج لنسمة الحياة التي للروح‬
‫القدس لنه بواسطة الروح القدس صار لها أن تستقبل الله في حياتها والذي هو النسمة الحقيقية وحياة الجميع‪.‬‬

‫هكذا نستطيع أن نرى وأن نندهش أن آدم غير المولود‪ ،‬ليس له شبيه بين البشر‪ ،‬فهو غير مولود‪ ،‬وهكذا الحال بالنسبة لحواء المنبثقة‪ ،‬حتى‬
‫أنهما يشكلن مثالين حقيقيين للب غير المولود والروح القدس المنبثق‪ .‬أما البن الذي أنجباه فهو شبيه بكل البشر‪ ،‬الذين هم أبناء وأتوا من‬
‫ولدة فهم أخوة له ومساويين له‪.‬‬

‫وهذا البن ييشلكل صورة ومثال ا ونموذجا ا للمسيح‪ ،‬البن المولود‪ ،‬الذي صار بكرا ا بين اخوة كثيرين]‪ ،[5‬بدون وساطة رجل‪ .‬فلو أن المر ليس هكذا‪،‬‬
‫وأن عبارة “بحسب الصورة” لم يتفهم وف اقا لهذا الشرح‪ ،‬فلماذا لم يصبح أجدادنا الوائل اثنين أو أكثر من ثلثة كيانات‪ ،‬ولماذا هم مختلفون في‬
‫الصفات الخاصة بكياناتهم وأقصد غير المولود‪ ،‬المولود‪ ،‬والمنبثق‪ ،‬بل هم فقط ثلث كيانات أو أقانيم؟ وبناء على ذلك فإن تعبير “بحسب‬
‫الصورة والمثال“ يتخذ شكل صورة الثالوث‪ ،‬ثلثة أقانيم في وحدة‪ .‬وبالتالى ينبغي أن تفهم الن أياضا‪ ،‬معنى الوحدة في ثالوث‪.‬‬

‫افهم ذاتك لتفهم الله‬

‫ولكن كيف يمكنك أن تميز هذا بشكل صحيح‪ .‬اسمع أحد الحكماء الذي ينصحك ويقول لك “إن أردت أن تفهم الله‪ ،‬ينبغي أول ا أن تفهم ذاتك‪،‬‬
‫من خلل تكوينك‪ ،‬من خلل خلقتك‪ ،‬من خلل عالمك الداخلي‪ .‬انسحب وادخل إلى داخل نفسك‪ ،‬انظر داخل نفسك كما في مرآه‪ ،‬مليز‬
‫خلقتها‪ ،‬وسترى أنك مخلوق على صورة الله ومثاله“‪ .‬إن جوهر نفسك العاقل وغير المائت هو أمر مجهول السم وغير معروف‪ ،‬وهو مخلوق‬
‫بحسب صورة ومثال الله غير المدرك وغير المائت‪.‬‬
‫لنه ل يوجد أى إنسان من الذين ولدوا عبر العصور‪ ،‬قد أدرك الجوهر العاقل لله أو للنفس‪ .‬النفس تعطى حياة‪ ،‬تؤلف وترعى طبيعة الجسد‬
‫رباعية التركيب‪ ،‬صورة لله‪ ،‬ذاك الذي يتعهد خليقته المكونة هنا من أربعة عناصر والتي هى سمائية أيضا ا‪ .‬ولهذا فإننا ل نستطيع أن نعرف حتى‬
‫المكان الذي يسكن فيه الله‪ ،‬لكننا نؤمن فقط أنه موجود في كل مكان‪ .‬ول نعرف أيضا ا المكان الذي تسكن فيه النفس في الجسد‪ ،‬نعرف فقط‬
‫أن النفس توجد وتعمل في كل الجسد‪.‬‬

‫النفس أيضا ا تملك شيئ اا آخر باعتبارها صورة الله‪ ،‬وأعنى أن جوهرها مختلف عن طبيعة الكون كله‪ .‬والكثر غرابة من كل شئ‪ ،‬والتي تحمله‬
‫خلقتنا على صورة الله‪ ،‬أنه ل جوهر النفس‪ ،‬كما أن ماهيتها والكيفية التي بها تأتى إلى الوجود‪ ،‬تعد أمورا ا ل يمكن للذهن النسانى أن يفهمها‪.‬‬
‫ولهذا فكل ممن الدعوا خطئا ا أنهم قد فهموا‪ ،‬فهؤلء قد تعثروا جداا‪ .‬لقد قال البعض إن النفوس تأتى إلى الجساد من السماء‪ ،‬وآخرون يرون أن‬
‫النفوس تأتى إلى الوجود إذ أن الله يخلقها مع الجسد‪.‬‬

‫البعض قال أيضا ا بأن النسان الذي يخلق على صورة الخالق‪ ،‬أصبح سببا ا لولدة الجسد والنفس في ذات الوقت‪ .‬البعض يلدعون أن النفس تولد‬
‫من خلل التعاون المشترك للطرفين‪ ،‬الرجل والمرأة‪ ،‬كما يحدث عند احتكاك الحديد والحجر‪ ،‬فإن هذا الحتكاك يلولد الشعلة‪ .‬البعض أياضا ييعللم‬
‫بأنه في اللحظة ذاتها التي ييحمل فيها بالجسد تأخذ النفس وجودا ا‪.‬‬

‫البعض الخر يرجح أن اليوم الربعين من الحمل هو اليوم الذي يؤتى فيه بالنفس كما يتصورون‪ ،‬باعتبار أن ذلك يعتبر قانون لهذا التكوين‪.‬‬
‫ويتخيل البعض الخر أن النفس هى واحدة في الجوهر مع الملئكة‪ ،‬وآخرون قالوا إنها أقل من الملئكة‪ ،‬بينما يرى غيرهم أنها تهيم في الهواء‪،‬‬
‫والبعض قال إنها تتحرك في الكون كحقيقة إلهية‪ .‬ومن أجل هذا‪ ،‬على الرغم من أنها تتحد بالجسد‪ ،‬وهى مخلوقة على صورة الله‪ ،‬ويتحليي‬
‫الجسد‪ ،‬إ ل ل أنها تبقى خارج تأثير الشهوات الجسدية وأضرار الجسد المختلفة‪ ،‬ول نستطيع أن نراها‪ ،‬ول أن نفسرها ول أن نفهم طبيعتها ونوعها‬
‫وهيكلها وشكلها ونوعيتها وكمها ووجودها ومما تتألف وجمالها‪.‬‬

‫ولذلك يقول ميثوديوس في وليمته]‪ [6‬إن النفس لها جمال فائق ل يوصف‪ ،‬ولهذا السبب يبدو أن الرواح المضادة تحسدها‪ ،‬لنها أخذت شكل ا‬
‫أسمى من الكائنات العاقلة ذاتها‪ .‬أما عدم الفهم وعدم الوضوح والغموض الخاص بالنفس ل يشار إليه إل ل لنها تعتبر بالحقيقة‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫الحصر‪ ،‬صورة فقط لله غير المدرك‪ .‬ولهذا ولننا نجهل كل المور الخاصة بها‪ ،‬فإننا نتحقق ونتأكد من وجودها من خلل أعمالها فقط داخل‬
‫الجسد‪.‬‬

‫مثلما نتأكد من وجود الله من خلل أعماله داخل الكون المرئى‪ .‬لنأ تت إلى النقطة الساسية لموضوع الخلق “بحسب الصورة والمثال”‪ ،‬لكى‬
‫ينبلين‪ ،‬كما وعدنا‪ ،‬فرادة الثالوث اللهى‪.‬‬

‫وما هى النقطة الساسية؟ من الواضح أنها النفس أيضاا‪ ،‬وكلمتها العاقلة‪ ،‬التي دعاها الرسول بولس‪ ،‬روحاا‪ ،‬عندما يعطينا وصية أن نكون‬
‫مقدسين في النفس والجسد والروح]‪ .[7‬النفس أيضا ا غير مولودة ول عللة لها‪ ،‬وهى مثال لله الب غير المولود والذي ل يوجد عللة لوجوده‪ .‬إل ل أن‬
‫كلمة النفس العاقلة ليست بدون ولدة‪ ،‬بل تولد من النفس بطريقة ل ييعلبر عنها وغير منظورة ول يتفسر‪ ،‬وليست لها علقة باللم أو الشهوة‪.‬‬

‫بينما الفكر له ع للة أو سبب وهو ليس بدون ولدة‪ ،‬ولكنه ينبثق‪ ،‬يدرك كل شئ ويفحص كل شئ ويتلمس معه بشكل غير مرئى‪ ،‬على مثال‬
‫الروح كللى القداسة‪ ،‬والذي ينبثق أيضا ا والذي قيل عنه “الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله“]‪ .[8‬النفس حين توجد داخل الجسد فهى ل‬
‫تعتبر منبثقة‪ ،‬لنها إذا كانت منبثقة‪ ،‬لكنا قد متنا كل ساعة‪ .‬وكلمتنا ل توجد بدون ولدة‪ ،‬لنه إذا حدث عكس ذلك سنكون مثل الحيوانات غير‬
‫العاقلة‪ .‬والكثر دهشة من هذه المور التي تثير الدهشة أننا لدينا نفسا ا بسيطة‪ ،‬وعقلا واحد غير مركب‪ ،‬أما كلمتنا فهى مزدوجة في ذاتها‬
‫ومحفوظة كواحدة غير يمنقسمة‪ .‬فالكلمة تولد داخل القلب ولدة غير مدركة‪ ،‬غير متجسدة‪ ،‬وتبقى مجهولة داخلنا‪.‬‬

‫وبعد ذلك تولد ولدة جسدية من خلل الشفاه‪ ،‬وحينئ ذذ تصير معروفة للجميع‪ .‬ولكنها ل تنفصل عن النفس التي ولدتها‪ ،‬حتى أننا نستطيع أن‬
‫ندرك بكل وضوح الميلدين اللذين لكلمة الله من خلل الميلدين الذي لكلمتنا “بحسب الصورة والمثال“‪.‬‬

‫حقا ا لقد ولد من الب قبل كل الدهور‪ ،‬بصورة غير مرئية‪ ،‬ل يتشرح وغير مدركة‪ .‬وكان غير معروف‪ ،‬كما لو كان داخل الب إلى أن ولد جسديا ا‬
‫من العذراء القديسة بدون فساد‪ ،‬بدون رجل‪ ،‬وظهر في العالم‪ ،‬دون أن ينفصل عن جوهر الب الذي ولده‪ .‬وبناء على ذلك ترى أن فرادة جوهر‬
‫نفوسنا غير المائتة والعاقلة تحمل صورة لها ثلث خواص أقنومية‪ ،‬عدم ولدة النفس‪ ،‬ولدة الكلمة‪ ،‬وانبثاق الروح‪ ،‬أى الفكر‪ .‬وأتشجع وأتجرأ‬
‫بأن أقول إنه بحسب هذه النظرية الثالوثية غير المرئية للنفس‪ ،‬قال الرسول بولس إن النسان خلق بحسب صورة الله غير المرئى‪.‬‬

‫فإن لم يكن هذا حقيقياا‪ ،‬فلماذا لم يتخلق النفس إذ اا من الله ولها قسمان أو أربعة أقسام‪ ،‬بل لها ثلثة أقسام فقط‪ ،‬والتي ل تختلط فيما بينها‬
‫وفق ا ا لصورة الثالوث القدوس المحيي الواحد في الجوهر‪ ،‬حتى أنه لو كان مسموحا ا أن أقول إن داخل النسان وبالحرى النسان البار يسكن‪،‬‬
‫بصورة شكلية وليس جوهرياا‪ ،‬كل ملء اللوهة التي تحدد بصورة غير يمعلنة الله الثالوث؟ ولهذا فإن حكماء العالم قد حددوا‪ ،‬من منظور آخر‪ ،‬أن‬
‫النفس تتكون من ثلثة أقسام‪ ،‬يمعلمين كيف أنها تحمل الرغبة‪ ،‬الفكر‪ ،‬الحساس‪ ،‬حتى أنه عندما تتحد الرغبة في محبة الله بالفكر يمكن أن‬
‫تستقبل في داخلها المعرفة والحكمة التي تأتى من الله‪ ،‬وبإحساسها تقاوم الرواح الشريرة الخبيثة‪ ،‬يمبينين أيضا ا من خلل هذه المور الثلث‪،‬‬
‫معنى “بحسب صورة الله“‪.‬‬
‫لن الله الثالوث يحكم ويضبط ثلثة أقسام بثلثة طرق أى السماويات‪ ،‬والرضيات‪ ،‬وما تحت الرض‪ ،‬من خلل قدرته الخالقة‪ ،‬وعنايته‪،‬‬
‫وسلطانه العادل‪ .‬وكل ما يعمله الله‪ ،‬فإنه يعمله وفاقا لحدى هذه الطرق الثلث‪ ،‬إما أنه يخلق‪ ،‬أو أنه يعتنى‪ ،‬أو ييهذب‪ .‬وصورة الله الخالق هى‬
‫في الرغبة‪ .‬لن الرغبة تقود إلى العمل‪ ،‬أما عنايته فرمزها في القوة الفكرية للنفس‪ .‬الحساس أياضا هو مطابق للتهذيب‪ .‬وربما الخاصية المميزة‬
‫للنفس هى في الرغبة‪ .‬لن الطفال حتى قبل أن يتكلموا‪ ،‬باعتبارهم نفوس‪ ،‬نجدهم يشتهون على الفور أن يرضعوا وأن يناموا‪ .‬أيضا ا القدرة‬
‫الفكرية من الواضح انها خاصية العقل‪ ،‬بينما الحساس يرافق العقل‪ ،‬وكل من يغضب بالمخالفة للطبيعة يثير فيه اضطرابا ا‪.‬‬

‫طبيعة النفس العاقلة‬

‫إذا ا فإن أراد أحد أن يعرف كيف يخلتمق النسان بحسب “صورة الله ومثاله“‪ ،‬فليأ تت إلى هذه المور غير المطروقة‪ ،‬والمعانى المشابهة لها‪،‬‬
‫وليبحث في تكوين طبيعة نفسه العاقلة‪ .‬وليكن هدفه أن يعرف أقسامها بالتدقيق‪ ،‬وأقسام أقسامها‪ ،‬كلماتها‪ ،‬طرقها‪ ،‬وحداتها‪ ،‬تمليزاتها‪ ،‬تفلردها‪،‬‬
‫وحدتها‪ ،‬ثالوثيتها‪ ،‬كيف أنها واحدة وتعتبر ثلثة أقسام‪ ،‬وحدة في ثلثة‪ ،‬بحسب صورة الله ومثاله‪ ،‬وييعترف بها كثلثة أقسام في وحدة‪ .‬وأنها من‬
‫المؤكد واحدة في الجوهر‪ ،‬لكن ليست واحدة من جهة أقسامها الثلثة‪ ،‬وذاك الذي قال “أصلي بالروح وأصلي بالذهن أيضا ا‪ .‬أرتل بالروح وأرتل‬
‫حا جليا ا“]‪ .[9‬أيضا ا بعض الناس يكلموننا بشكل واضح جدا ا عن هذا الثالوث الذي ييستعلن فينا وييعطى مثال ا‬ ‫بالذهن أيضا ا قد جعل هذا المر واض ا‬
‫لصورة الله‪ ،‬وهؤلء تكون لهم نفس‪ .‬ولكنهم يكونون ـ بسبب ما ـ بل عقل ول كلمة‪.‬‬

‫أيضا ا البعض ممن يحملون نفسا ا وكلمة‪ ،‬قد تجدهم فقراء في العقل تماما ا‪ .‬أيضا ا البعض لديهم عقل ا ونفساا‪ ،‬ولكنهم محرومين من الكلمة‪ .‬ولهذا فإن‬
‫الرضيع‪ ،‬الذي يولد من داخل جو مظلم‪ ،‬ويأتى إلى النور‪ ،‬ييظهر على الفور أنه يحمل نفسا ا هى مثال لله الب والتي لها قوة عاقلة‪ ،‬تحمل أيضا ا‬
‫داخلها الكلمة والعقل‪ .‬الن يتقدم هذا الرضيع ‪ ،‬حيث ينمو الجسد ويكتمل‪ ،‬فيظهر الكلم بعد ذلك‪ ،‬والكلم ل يظهر بشكل كامل ومفاجئ‪ ،‬بل‬
‫ل‪ ،‬يمعلن ا ا عن حضور ذهنى‪ ،‬عندما ينمو الرضيع ويظهر كرجل كامل‪ ،‬وهذا يشير إلى الكلمة حين تجسد‪.‬‬ ‫أنه يتلعثم أو ا‬

‫لكن فيما تساهم هذه المور بالنسبة للبحث الذي ينباشره عن خلق النسان؟ بالطبع يمكن أن تساهم جداا‪ ،‬آه أيها النسان‪ ،‬إننا بهذه المور‬
‫نعرف طريقة استعلن الله وظهوره في العالم‪ ،‬عندما أخذ جسد اا‪ ،‬هكذا أدركت طبيعتنا سر الثالوث حينما استعلن في الحين المناسب‪ .‬حقا ا‬
‫لقد يحمل بالنسان من بذرة الشرير‪ ،‬كما لو كان في بطن الخداع‪ ،‬جالسا ا في الظلمات وفي ظلل الموت‪.‬‬

‫ثم تقدم بعد ذلك في نور المعرفة اللهية‪ ،‬في البداية كطفل‪ ،‬تعهده الناموس‪ ،‬إذ أنه يحمل نفساا‪ ،‬مدركا ا أن الله الب يحتوى الكلمة كأقنوم‪،‬‬
‫والروح القدس أيض اا‪ ،‬كما هو الوضع بالنسبة للنفس‪ .‬ولن النسان بسبب ضعفه الشديد وطفولته المعرفية‪ ،‬لم يكن قادرا ا على إظهار الكلمة والفكر‪،‬‬
‫ولكى ل ينزلق إلى عبادة اللهة المتعددة‪ ،‬فإن طبيعتنا المادية أو العالمية قد اكتسبت بمرور الزمن حكمة‪ ،‬مثلما يحدث مع الطفل الذي يكبر‪،‬‬
‫كما لو كان قد تع للم من نفس ما أن تكون له معرفة عن الله الب ولكنها معرفة غير يمعلنة‪ ،‬مثلما يحدث في البداية من تلعثم غير واضح في‬
‫الكلم‪ ،‬ثم يكتسب خبرة من خلل التعاليم النبوية‪ ،‬ثم إدراك ومعرفة كلمة الب كأقنوم‪.‬‬

‫وبعد هذه المور المتلعثمة‪ ،‬وأقصد التعبيرات الموسوية والنبوية التي تحمل ألغازاا‪ ،‬وبعدما خرج كلمة الله بصوت مسموع وناطق من الحشاء‬
‫البتولية‪ ،‬كما تخرج الكلمة من الشفاه‪ ،‬ستعرف طبيعتنا النسانية ككل كمالها الثالوثى بعد أن تكون قد اجتازت هذا التلعثم‪ ،‬من خلل‬
‫الكلمة‪ ،‬طالما أنها قد قبلت الروح القدس واستنارت ذهني اا‪ ،‬والذي لم يجعل انتقاله وسكناه في هؤلء من الخارج‪ ،‬لكنه استعلن فيها‪ ،‬من خلل‬
‫تلك المور التي هى في داخلها‪ ،‬أى النفس والكلمة‪ ،‬مقابل الب والبن‪ ،‬فتلد النفس كلمتها القنومية‪ ،‬ليس كمخلوقة‪ ،‬ول كشئ يمغاير‪ ،‬ول‬
‫كجنس مختلف‪ ،‬بل بشكل أساسى هو وجود شخصي فطرى يحمل طبيعة مشتركة‪.‬‬

‫مظهر ا ا الطبائع المشتركة في ارتباطها بروح الذهن‪ ،‬كما لو كانت تشكل جسدا ا واحدا ا‪ .‬وبالضافة إلى هذه العناصر فإن النفس غير الجسدانية‬
‫يتغرس فيها أعضائها غير الجسدانية]‪ ،[10‬كما لو كانت هذه العضاء نماذج توصف ويتصاغ وتتجمع معاا‪ ،‬تلك التي هى فوق كل شكل وهيئة‪،‬‬
‫وهى تحمل روح الذهن كنسمة لجسدها‪ ،‬وكحياة لها‪ ،‬وتملك الكلمة كرفيق لها‪ .‬فإذا يحرمت النفس من كل هذه المور‪ ،‬فلن يكون من الممكن‬
‫أن توجد ول أن ييعترف بها كنفس ناطقة وعاقلة‪ ،‬تلك التي يخلقت بحسب صورة الله ومثاله‪.‬‬

‫ومن خلل هذه العناصر الموجودة داخل النفس ستعلم وتعترف أن الب‪ ،‬والبن‪ ،‬لم يكونا كائنين قبل الروح القدس‪ .‬فكما في حالة النفس‬
‫العاقلة‪ ،‬توجد الكلمة داخلها في نفس الوقت‪ ،‬ويوجد داخلها الروح الذي ييحييها وييجمعها وييكملها‪ ،‬هكذا فإن الله الكلمة هو كائن مع الب‪،‬‬
‫وفي نفس الوقت الروح القدس كائن مع البن ومع الب‪ .‬أما إن فصلت وعزلت الكلمة عن النفس‪ ،‬فإن نفسك ستبقى بدون كلمة‪ .‬هكذا‬
‫ستعرف من خلل حقيقة الخلق على صورة الله‪ ،‬أنك لو رفضت الله الكلمة‪ ،‬قائل ا إنه غير كائن مع الله الب‪ ،‬فإنك تكرز حينئذذ بأن الله هو‬
‫غير عاقل وشبيه بالحيوانات غير العاقلة‪.‬‬
‫ولو أنك فصلت الروح عن الله‪ ،‬فإنك تتحدث عن من هو ميت وليس عن إله حلي‪ .‬لذلك لو أنك أردت أن تجد فلسفة لعبارة “بحسب الصورة‬
‫والمثال“ فينبغي أن تفلسفها هكذا‪ ،‬وليس من قبل المور التي هى خارجك‪ ،‬بل من تلك التي هى داخلك‪ .‬أن تعرف الله غير المعروف‪ ،‬من‬
‫خلل الثالوث الذي في داخلك‪ ،‬اقتتن معرفة للثالوث من خلل الشياء الموجودة حاقا‪ .‬هذه الشهادة هى شهادة مؤكدة وجديرة بثقة أكثر من أى‬
‫شهادة أخرى للناموس وللكتاب‪.‬‬

‫خلق النسان وإدراك سر الثالوث‬

‫حقيقاة أنه لهذا السبب فقط خلق الله مثل هذا الكائن الحلي )أى النسان(‪ ،‬لنه كان يرغب أن ييعلن للعالم سر الثالوث القدوس غير اليمدرك‪،‬‬
‫لكى تحمل داخلك أنت يا من يخلقت بحسب صورة الله ومثاله‪ ،‬الصورة والمثال والنماذج والمثلة التى تولضح سر الثالوث القدوس‪ ،‬ولكى ل‬
‫تتذبذب بعد من جهة سر الثالوث‪ ،‬حين تتطلع في صورة نفسك المخلوقة ‪.‬ل يتعلبر بالتساؤل الساخر‪ ،‬إن كان الله ثالوث‪ ،‬فكيف يكون واحدا؟ا‬
‫وإن كان الكلمة هو ابن‪ ،‬فكيف يمكن أن يكون المولود موجوادا منذ البدء مع والده؟‬

‫ل؟ البن أم الروح القدس؟ فإن كان الثنان‬ ‫وإن كان الروح يأتى من الب‪ ،‬فلماذا لم يولد‪ ،‬لكنه ينبثق؟ أو ممن هو الذي أحضره الب إلى النور أو ا‬
‫م اعا في نفس الوقت‪ ،‬فهل يوجد يا ترى داخل الثالوث إلهان أخوة‪ ،‬وولدة توأم؟ وكيف سيتمليز الفرق بين الولدة والنبثاق في الكائنات غير‬
‫الجسدانية‪ ،‬والغير متحركة والثابتة؟ وكيف يكون ممكانا أن يكون للوالد والمولود نفس المجد؟ وهل الب يا يترى ولد بإرادته أم ل؟ وممن يشهد‬
‫على أن الب والبن والروح القدس هم جوهر واحد؟‬

‫وإن كان الله الب هو أقنوم كامل‪ .‬وإن كان الله الكلمة هو أقنوم كامل‪ ،‬والروح القدس إله كامل‪ ،‬فمن ل يقول إن عقل الله هو أقنوم إلهى آخر‬
‫لله‪ ،‬وإله آخر هو ذراع الله‪ ،‬وأقنوم آخر هو اصبع الله‪ ،‬وكذلك يمين الله‪ ،‬وكل المور الخرى التي ييقال عنها إنها أعضاء الله في الكتاب المقدس؟‬

‫إذا ا فلكى ل تتكلم ول تفكر في هذه المور‪ ،‬التي تعلثر فيها الهراطقة‪ ،‬وسقطوا بتفكيرهم‪ ،‬فإن الله خلقك بحسب صورة ومثال وجوده الثالوثى‪،‬‬
‫لتكون نموذجا ا يحمل الشكل الثالوثي‪ ،‬والذي ييعرف أنه واحد في الجوهر‪ .‬وإن كانت لك رؤية مستقيمة‪ ،‬فستجد في هذا الثالوث‪ ،‬وبحق‪ ،‬كل ما‬
‫يختص بالتعاليم التقوية عن الله‪ ،‬كما في مرآه‪ ،‬وكنموذج أو شكل )للثالوث القدوس(‪.‬‬

‫وأقصد أن القانيم ثلثة‪ ،‬والجوهر واحد غير منقسم‪ ،‬وغير يمدرك‪ ،‬وهو الذي ل هيئة له‪ ،‬الذي ل ييشار إليه‪ ،‬غير المولود‪ ،‬المولود‪ ،‬المنبثق‪ ،‬الخالق‪،‬‬
‫الراعى‪ ،‬الديان‪ ،‬غير المحسوس‪ ،‬غير الجسدى‪ ،‬البدي‪ ،‬غير المتجزئ‪ ،‬غير المائت‪ ،‬الذي ل ييعلبر عنه‪ ،‬الفائق الجمال‪ ،‬وبعبارة واحدة ستجد‬
‫كل ما يقال بتقوى عن النماذج والصور اللهية كظلل مرسومة داخل نفسك‪ .‬ولهذا قال الله “لنخلق النسان على صورتنا كشبهنا“‪.‬‬

‫النتقال من الصل إلى الصورة‬

‫ومع هذا فإن هذه المور لم يفهمها الهراطقة غير المؤمنين في عصرنا ول فكروا فيها‪ ،‬لنهم لو فهموا بشكل صحيح عبارة “بحسب الصورة‬
‫والمثال“ كملمح للنسان‪ ،‬ما كانوا ليتذبذبوا في سر الثالوث‪ ،‬ما كانوا ل ييخضعوا الفائق للطبيعة لفكارهم‪ .‬ما كانوا لينشروا إدعائهم المظلم‪ ،‬بأنه ل‬
‫يمكن أن يكون الله ثلثة أقانيم‪ .‬فلو أن آريوس قد فهم الخلق بحسب “الصورة“‪ ،‬ما كان له أن ييعللم بأن البن هو من جوهر مختلف عن الب‪.‬‬

‫لو أن مقدونيوس تعرض بتقوى لموضوع الخلق “بحسب الصورة“ ما كان له أن يصف الروح القدس بأنه مخلوق‪ .‬لكنهم أصيبوا بالعمى وعانوا ما‬
‫عاناه أولئك الذين بينما كانوا يمتلكون الجوهرة في أعماقهم‪ ،‬لم يعرفوها‪ ،‬وبحثوا عنها في الهاوية وهذا بسبب أنهم مخدوعون‪ .‬لحظ إاذا أن‬
‫النفس هى “بحسب صورة الله“ من حيث الشكل وليست بمساواة طبيعية‪ .‬كيف صار هذا؟ سأشرح على الفور ما أقوله بوضوح‪ .‬نحن نؤمن أن‬
‫الله الب غير محدود‪ ،‬وينطبق نفس الشئ على البن وعلى الروح القدس‪ ،‬ولهذا فهم كأقانيم غير محدودين‪ ،‬يحملون أسمااء‪ ،‬ييعلن فيها الواحد‬
‫عن الخر‪ ،‬كما يوجد بينهم ترابط مشترك بمعنى أنه عندما ييذكر اسم الب فمن الواضح أنه ييعلن عن وجود ابن له‪ .‬كيف يكون ممكانا أن ييدعى‬
‫أب اا‪ ،‬إن لم يكن له ابن؟ نفس الشئ عندما يقول روح‪ ،‬فهو يعلن عن الله‪ ،‬لن الله روح كما يقول الكتاب]‪.[11‬‬
‫فلنأ تت بعد ذلك من هذا الثالوث القدوس إلى صورته‪ ،‬أى إلى الثالوث الذي يوجد داخلنا‪ ،‬وسترى السماء الثلثة‪ ،‬حيث يحوى الواحد الخر‬
‫وهم متحدين‪ .‬بمعنى أنك عندما يتشير إلى النفس الناطقة العاقلة‪ ،‬فمن الواضح أنك يتعلن عن الكلمة والعقل‪ .‬نفس الشئ إذا ذكرت كلمة‬
‫عقل‪ ،‬فإنك تعلن بكل الطرق عن النفس والكلمة‪.‬‬

‫لنه بأى شئ يتعلق الذهن‪ ،‬إن لم يكن بالنفس والكلمة؟ وهكذا فإن اسم أحد القانيم يستدعى حتما ا الشارة إلى القنوم الخر‪ ،‬فهناك ترابط‬
‫قوي يجمع أسماء القانيم مع اا‪ .‬يتضح من ذلك أن القانيم تحمل نفس الطاقة والجوهر المشترك غير المنقسم‪ ،‬بمعنى أن طاقة الله الب والبن‬
‫والروح القدس هى واحدة ومتساوية‪ ،‬والقوة واحدة‪ ،‬والرادة واحدة‪ ،‬والرأى واحد‪ .‬فإن البن غير منفصل عن الب في كل ما يعمل وهو عامل معه‪،‬‬
‫وأيض اا في كل ما يفعل البن أو الروح القدس فإن الب يعمل معهما في كل الحوال بشكل غير منفصل‪ .‬فل البن يفعل شيئا ا بالنفصال عن‬
‫الب‪ ،‬ول الب بالنفصال عن البن والروح القدس‪ ،‬بل ول الروح القدس أيضا ا يفعل شيئا ا بدون البن والب‪.‬‬

‫وعندما ننتقل من الصل إلى الصورة‪ ،‬إلى صورة نفوسنا التي هى مخلوقة “بحسب صورة الله ومثاله“ سترى فينا أن الفعل هو واحد ومتساوى‪.‬‬
‫لن النفس ل تفعل شيئا ا بدون الكلمة‪ ،‬ول الكلمة بدون النفس‪ ،‬ول أيضا ا العقل يفعل شيئا ا وحده بدون النفس وبدون الكلمة‪ ،‬بسبب قوتهم‬
‫وطاقتهم المشتركة المتساوية البعاد والفطرية والمترابطة فيما بينها‪ ،‬بحسب خلقتها على صورة الله ومثاله‪.‬‬

‫ولكن إذا قلت لى إن النفس ل تفعل أى شئ وحدها بدون الجسد‪ ،‬وهذا بالضبط ما سبق وأعلناه‪ ،‬إذ أنها قد يخلقت في هذا الجسد بحسب صورة‬
‫الله ومثاله‪ .‬فإنها من خلل المادة المرئية تعلن عن قوتها غير المرئية‪ .‬إل ل أنها عندما تنفصل عن الجسد أيضا ا فإن الجوهر والنفس النقية‬
‫بحسب طبيعتها‪ ،‬إذ توجد في استنارة وبساطة وهدوء وبهاء‪ ،‬يمكن أن يتدعى وتكون بحق مخلوقة بحسب “صورة الله ومثاله“‪.‬‬

‫ولكن إذا تهكم المقاوم‪ ،‬كما هو متوقع‪ ،‬على كل ما قلته‪ ،‬لننا لم يندلل على أنه توجد ثلثة أقانيم في النفس بالمساواة مع أقانيم الثالوث‬
‫القدوس‪ ،‬فليعلم الحمق أن النفس خلقت على شكل الصورة وليست بمساواة حقيقية للثالوث القدوس‪ .‬بل وفي اللوهة أيضاا‪ ،‬إن لم يكن هذا‬
‫أمرا ا مخيف ا ا أن يقوله المرء‪ ،‬فإن هناك تمايز للب عن البن‪ ،‬وتمايز للروح القدس عن البن‪.‬‬

‫وفي تشابهك مع صورة الله‪ ،‬أنت ل تتجاوز هذا أيضاا‪ ،‬أى أنه بولدة الكلمة جسدي ا ا من الشفاه تصير الفضيلة والحكمة والستنارة والقوة والعمق‬
‫والمعرفة التي لنفسك وذهنك معروفة ويمعلنة للجميع‪ .‬وهذا المثال ييعلن لك أنك خلقت وتوجد بحسب “صورة الله ومثاله“‪ .‬لنه بولدة كلمة‬
‫الله جسدي ا ا استعلنت للعالم القوة‪ ،‬المعرفة‪ ،‬الحكمة‪ ،‬وجميع أنواع الصلح الخرى التي للب والروح القدس‪.‬‬

‫لحظ إذ اا كم وتنوع أعمال الكلمة في العالم‪ ،‬من جهة التشبه بكلمة الله‪ ،‬وكيف أنه بواسطة الكلمة‪ ،‬ييخلق كل شئ ويصير له وجود‪ .‬لقد أخذت‬
‫الملئكة كيانها بواسطة الكلمة‪ ،‬وبالكلمة ييمجدون الخالق‪ ،‬وبالكلمة خلق كل ما نراه‪ ،‬بالكلمة يأنير سر الكون‪ ،‬بالكلمة صارت الكيانات معروفة‪.‬‬
‫بواسطة الكلمة فقط ظهرت هذه الكيانات‪ ،‬بالكلمة تحققت النجازات‪ ،‬بواسطة الكلمة تجلى الكون‪ .‬لقد بيلشر بمعرفة الله بواسطة الكلمة‪،‬‬
‫وبواسطة الكلمة أخذنا هذه المعرفة‪ .‬بواسطة الكلمة تلوحدت وانجمعت كل الشياء معا ا‪ .‬وكما أن الطفل الذي ل يتكلم يعتبر قليل العقل‬
‫بحسب تقديرات الناس‪ ،‬إلى أن تولد الكلمة من شفتيه‪ ،‬هكذا كلمة الله المولود بحسب الجسد‪ ،‬عبر كل مراحل عدم الكلم الخاصة بطبيعتنا‪،‬‬
‫حين استعلن بكل وضوح في عملية الخلق مع الب والروح القدس‪.‬‬

‫ولن نفوسنا هى مخلوقة من الله‪ ،‬فهى غير يمرسلة لخدمة ما‪ ،‬بعد انفصالها عن الجسد‪ ،‬كما يحدث بالعكس مع الملئكة‪ ،‬لن الملئكة هى‬
‫أرواح يمرسلة للخدمة‪ ،‬بينما أنفس القديسين هى بشكل أساسى مخلوقة بهيبة بحسب صورة الله ومثاله‪ ،‬لنه إن كان النسان بعد عصيانه‪ ،‬قد‬
‫طاله نقص بسيط عن الملئكة]‪ ،[12‬إ ل ل أنه بإتحاده بالله الكلمة صار أعظم من الملئكة‪ ،‬لن ذاك الذي يخلق بحسب “صورة الله ومثاله“‪ ،‬اتحد‬
‫الن بالله وذاك الذي أخذ أول ا صورة الله‪ ،‬يعكس الن صورة الله‪ ،‬هذا الذي يليق به المجد إلى أبد البدين آمين‪.‬‬

‫________________________________________‬

‫‪.‬عناوين الفقرات من وضع المترجم ]‪[1‬‬

‫‪.‬تك ‪[2] 26:1‬‬

‫نار وماء وأرض وهواء‪ .‬هذه العناصر كانت تمثل المعطيات العلمية لذلك العصر )القرن الرابع( وقد أشار ق‪ .‬أمبروسيوس إلى هذه العناصر ]‪[3‬‬
‫‪.‬المكونة للنسان في كتابه شرح اليمان المسيحي‬

‫‪.‬تك ‪[4] 27:1‬‬

‫‪.‬رو ‪[5] 29:8‬‬


‫ميثوديوس هو أسقف مدينتي أوليمبوس وبترا‪ .‬وقد انتقل بحسب شهادة القديس جيروم إلى إيبارشية صور في فينيقية )لبنان(‪ .‬استشهد ]‪[6‬‬
‫لمة أوريجينوس‪ ،‬برغم تأثره بفكر ومنهج أوريجانوس‪ ،‬كما أشار هو نفسه إلى ذلك‪ .‬وهو ما‬
‫عام ‪213‬م في خالكيس‪ .‬وقد يعرف عنه معارضته للع ل‬
‫‪. “ Methodius – the Banget of the ten virgins “ Ante – Nicene‬يظهر في استخدامه للتفسير الرمزي للكتاب المقدس‬
‫‪Fathers – vol.6.P. 309-310.‬‬

‫‪.‬لتكون مقدسة جسدا ا وروحا ا“ )‪1‬كو ‪[7] “(34:7‬‬

‫‪.‬كو ‪[8] 1 10:2‬‬

‫‪.‬كو ‪[9] 1 15:14‬‬

‫تعبير “أعضاء النفس” استخدمه القديس يوحنا ذهبي الفم في تفسيره لرسالة رومية‪ ،‬الصحاح الرابع قائل ا‪ ” :‬علينا أن نشدد أعضاء النفس ]‪[10‬‬
‫ونحفظها بالملمح الروحى”‪ .‬أياضا استخدمه القديس مقاريوس في العظة ‪ 7‬رادا على تساءل‪ ،‬هل العقل شئ والنفس شئ آخر؟ أجاب كما أن‬
‫أعضاء الجسد وهى كثيرة يتدعى إنسانا ا واحد اا‪ ،‬هكذا النفس لها أعضاء كثيرة وهى )العقل ـ الضمير ـ الرادة( وكل هذه مرتبطة ماعا في نفس‬
‫‪.‬واحدة‬

‫‪.‬يو ‪[11] 24:4‬‬

‫‪.‬عب ‪[12] 7:2‬‬

‫–——————‬

‫تمت الترجمة عن النص اليوناني المنشور في مجموعة آباء الكنيسة اليونانية )‪ (EPE‬الصادرة في تسالونيكي سنة ‪ 1973‬المجلد رقم ‪ 10‬ص‬
‫‪109‬ـ ‪.139‬‬

‫‪.‬قام بالترجمة عن اللغة اليونانية د‪ .‬سعيد حكيم‪ ،‬وراجعها د‪ .‬نصحي عبد الشهيد‬

You might also like