You are on page 1of 39

‫الرحيم‬

‫ّ‬ ‫الرحمن‬
‫ّ‬ ‫بسم الله‬
‫جامعة القاهرة‬
‫كلية دار العلوم‬
‫قسم الفلسفة السلماية‬
‫السنة التمهيدية للماجستير‬

‫" المحــــــــــــــــبة ‪:‬‬


‫بي ا للمإام سهل بن عبد ا التست ي ‪ ،‬و ا للمإام أأب القاس النيد ‪،‬‬
‫رحهم ا "‬

‫إشراف‬
‫السأتاذ الدكتور ‪ /‬محمد السيد الجليند‬
‫أأسستاذ ورئيس قسم الفلسفة اللسلمإية بكية دار العلوم بامإعة القاهرة‬

‫إعداد الطالب‬
‫مإوس بن مد بن هجاد الزه ران‬
‫للسنة التمهيدية للماجستير بقسم‬
‫الفلسفة السألمية بكلية دار العلوم‬
‫‪2004- 2003‬م‬

‫بسم ال الرحنم الرحيم‬

‫المقدمة‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫أدنممهفنسم مدناِ ‪ ،‬ونمم منم سم ميئاِ ن‬ ‫‪ ،‬دوندمعهم مموُذه بمنمماِللنه نمم ممنم هشم مهرونر‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫نن‬ ‫ن‬
‫ت‬ ‫د م د د‬ ‫إن املدممم مدد للم مه ‪ ،‬دمندمم مهدهه ‪ ،‬دوندمسم متدعينههه ‪ ،‬دوندمسم ممتدممغفهرهه‬
‫ل إنلدمهد نإل اللمهه دومحمددهه ل‬ ‫ي لدمهه ‪ ،‬دوأدمشمدههد أدمن‬ ‫ن‬
‫دفلَ دهماِد د‬ ‫ضملنمل‬‫ضملل لدمهه ‪ ،‬دودمممنم يه م‬ ‫أدمعماِلندناِ‪ ،‬ممنم يمهمندهن اللمه دفلَ م ن‬
‫ه ه‬ ‫د د م دم‬
‫ك لدهه‪ ،‬دوأدلن همدلمددا دعمبهدهه دودرهسوُلههه ‪:‬‬ ‫دشنري د‬

‫)) يمد مماِ أد ميدهم مماِ الم منذيدنم آدمنهم موُا اتلمهق م موُا اللم مهد دح م ملق تهمدقم مماِتننه دول دتمهمموُتهلنم نإل دوأدنممتهم ممم هممس م ملنهموُدن (( ]آل عم م مران‪ .[102:‬م م‬
‫ث نممنمههدمماِ نردجماِلد دكنثيِاد‬ ‫س دوانحمددةس دودخلد دق نممنمدهماِ دزمودجدهماِ دوبدم ل‬ ‫س اتلمهقموُا دربلهكمهم النذي دخلددقهكممم نمممنم ندممفم س‬ ‫)) يداِ أد ميدهاِ اللناِ ه‬
‫دونندسم م مماِءد دواتلمهقم م م موُا اللم م م مهد ا مل م م منذي تددسم م مماِءدهلوُدن بمن م م منه دواملدمردح م م مماِدم إنلن اللم م م مهد دكم م مماِدن دعلدميهكم م م ممم درنقيبم م م ماِد (( ]النسم م مماِء‪.[1:‬م م م م‬
‫صملنمح لدهكممم أدمعدممماِلدهكمم دويدممغنفممر لدهكممم ذهنمهموُبدهكمم دودمممنم يهنطمنع‬ ‫ن‬
‫)) يداِ أد ميدهاِ الذيدنم آدمنهوُا اتلمهقوُا اللهد دوهقوُلهوُا قدمموُلد دسديداد * يه م‬
‫ن‬
‫اللهد دودرهسوُلدهه فدمدقمد فداِدز فدمموُزاد دعنظيماِد (( ]الحزاب‪.[71-70:‬‬

‫صللىَّ اللهه دعلدمينه وآله دودسملدم م دودشمير‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ن ن ن‬


‫خيمهر املهددىَ ههددىَ همدلمد م د‬‫ب الله ‪ ،‬دو د م‬‫خيمدر املدديث كدتاِ ه‬‫أدلماِ بدممعهد ‪ :‬فدنإلن د م‬
‫س‬
‫الههموُنر هممدددثاِتهمدهاِ دوهكيل بنمددعة د‬
‫‪1‬‬
‫ضلَلدة ‪.‬‬
‫و بعد ‪:‬‬
‫فإن مبة ال تعاِل منم أعظم غاِياِت العاِبدينم ‪ ,‬وأشرف مقاِصد الطماِئعي ‪ ،‬وأدعياِؤهماِ ممنم الناِس كثيِون ‪,‬‬
‫إل أن أتباِع النب صلىَّ ال عليه وسلم منم الصحاِبة والتماِبعي لمم بإحسماِن م إلم يمموُم المدينم م ‪ ,‬هممم أصمحاِباِ‬
‫منم هذه المة ‪.‬‬
‫ن‬
‫فقممد جعممل ال م تعمماِل لمماِ علم ماِد ‪ ,‬يعممرف بمماِ مممدعيهاِ مممنم مققهمماِ ‪ ,‬فقمماِل تعمماِل ‪) :‬قهممل إنمن هكمنتهممم هتبيمموُدن اللمهد‬
‫فداِتلبنعهوُنن هميبنمبهكمم اللهه دويدممغنفمر لدهكمم ذههنوُبدهكمم دواللهه دغهفوُةر درنحيةم )‪ .2 ((31‬وبي النب صلىَّ ال عليه وسلم أن منم‬
‫حققهماِ وقمدم مبتمه علممىَّ ممنم سموُاه أنممه بمذلك يممد حلَوة اليإماِن ‪ ,‬فقماِل صملىاِل عليممه وسمملم ‪ )) :‬ثلَثا مممنم‬
‫كنم فيه وجد حلَوة اليإماِن ‪ :‬أن يكموُن الم ورسموُله أحمب إليمه مماِ سموُاهاِ ‪ ,‬وأن يمب المرء ل يبمه إل الم ‪,‬‬
‫وأن يكره أن يعوُد ف الكفر كماِ يكره أن يقذف ف الناِر ((‪ . 3‬وهذه البة ل ومنم ال عز وجل تزيممد بزيمماِدة‬
‫اليإاِن ‪ ,‬قاِل تعاِل ‪) :‬دوالنذيدنم آدمنهوُا أددشيد هحبباِد لنلنه( ‪ .4‬هذه البة تنجي الؤممني منم عذابه ف الدنياِ والخممرة ‪.‬‬
‫ت‬ ‫كماِ سئل بعض العلماِء ‪ :‬أينم تد ف القرآن أن البيب ل يعمذب حمبيبه ؟ فقمماِل ‪ :‬فم قموُله تعمماِل ‪ ):‬دوقمدماِلد م‬

‫‪ - 1‬ـ هذه خطبه الحاجة رواها الترمذي وحسنه ) ‪ ،(1105‬والنسائي )‪ ،(6/89‬وابن ماجه ) ‪ ،(1892‬انظر تخريجها مبسوط ا في‬
‫كتاب ) خطبة الحاجة ( للشيخ ‪ :‬محمد ناصر الدين اللباني – رحمه ال ‪. -‬‬
‫‪ - 2‬آل عمران ‪.31 :‬‬
‫‪ -‬رواه البخاِري ‪ :‬برقم ‪ . 16‬باِب ‪ :‬حلَوة اليإاِن ‪ .‬و مسلم برقم ‪ : 67‬باِب بياِن خصاِل منم اتصف بنم وجد حلَوة اليإاِن ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ - 4‬البقرة ‪.165‬‬

‫‪2‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫ن ن‬ ‫ن‬ ‫ل ذ ن‬ ‫ن ن‬
‫صاِدرىَ دمنهنم دأبممدناِءه الله دوأدحلباِهؤهه قهمل فملمم يكـمعذبكككمم بمهذهنوُبنهكمم بدممل أدنممتهممم بددشمةر مملمنم دخلدمدق يدممغفمهر لدمممنم يددشمماِءه‬ ‫امليدمههوُهد دوالنل د‬
‫ض وممماِ بميمندمهممماِ وإنلديمنه المم ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫صميِه(‪ . 5‬هممذه البممة مممنم الم عممز وجممل‬ ‫ك اللسمدمدوُات دوالدمر ن د د دم ه د د م د‬ ‫ب دمممنم يددشمماِءه دوللمنه همملم ه‬ ‫دويمهدعميذ ه‬
‫لعبيده ومنهم له عز وجل ‪ ,‬منم أعظم العطاِياِ والباِت ‪ ,‬قماِل تعماِل ‪) :‬يدماِ أد ميدهماِ المنذيدنم آدمنهموُا دمممنم يدممرتدملد نممنهك مم‬
‫ي أدنعملزةس دعلدمىَّ المدكمماِفننريدنم هدياِنهمهدودن نفم دسمنبينل اللمنه‬ ‫نن‬ ‫ن نس‬ ‫س ن‬ ‫دعمنم ندينننه فددسموُ د‬
‫ف يدأمنت اللهه بندقموُم هيبيمههمم دوهييبوُندهه أدذلة دعدلىَّ المهممؤممن د‬
‫ض مهل اللمنه يهممؤمنتينه دم ممنم يددشمماِءه دواللمهه دوانس مةع دعلني مةم )‪ . (54‬م ‪ 6‬فمماِلبوُن ل م حقمماِ هممم‬ ‫ك فد م‬ ‫ن‬
‫دول ديدمماِهفوُدن لدموُدم مةد لئنمسم ذدل م د‬
‫الهدون ف سبيله ‪ .‬ومنم فوُائدهاِ أن الرء مع منم أحب كماِ قاِل صلىَّ ال عليممه وسمملم فم الممديث الشمريف‬
‫‪ ، 2‬بل ومنم أجمل ثاِرهماِ قموُله عمز وجمل فم المديث القدسمي عمنم وليمه المؤممنم ‪ )) :‬فمإذا أحببتمه ‪ ,‬كنمت سمعه‬
‫الممذي يسمممع بممه وبصممره الممذي يبصممر بممه ‪ ,‬ويممده الممت يبطممش بمماِ ‪ ,‬ورجلممه الممت يإشممىَّ بمماِ ((‪ ، 7‬وهممذا ممماِ فهمممه‬
‫الجنيد م ورحه ال م منم الديث ‪ ,‬فقاِل أماِم شيوُخه عنم البه ل ‪ )) :‬إن تكلم فباِل‪ ,‬وإن نطق فعنم الم ‪,‬‬
‫وإن تممرك فبممأمر ال م ‪ ,‬وإن سممكنم فمممع ال م ‪ ,‬فهمموُ بمماِل ول م ومممع ال م (( ‪ ,‬فبكممىَّ الشمميوُخ ‪ ,‬وقمماِلوُا ممماِ علممىَّ‬
‫كلَمك مزيد ‪ .‬وسئل ذو النوُن عنم البة فقاِل ‪ )) :‬أن تب ماِ أحب ال ‪ ,‬وتبغض ممماِ أبغممض الم ‪ ,‬وتفعممل‬
‫اليِ كله ‪. (( ..‬‬
‫وقاِل بنم تيمية م رحه ال م ف بياِن أصلهاِ ‪ )) :‬وأصل البة ‪ :‬معرفة ال سبحاِنه ‪ ,‬ولاِ أصلَن ‪:‬‬
‫‪ -1‬أحدهاِ ‪ :‬وهوُ يقاِل له ‪ :‬مبة العاِمة ‪ ,‬مبته لجل إحساِنه إل العباِد ‪...‬‬
‫‪ -2‬الصممل الثماِن فيممه ‪ :‬همموُ مبتممه لمماِ همموُ لممه أهممل ‪ ,‬وهممذا حممب مممنم عممرف مممنم الم ممماِ يسمتحق أن يممب‬
‫لجله ‪ ، (( ...‬وقاِل ابنم القيم م رحه ال م عنم البمة ‪ )) :‬همي النزلمة المت فيهماِ يتناِفس التناِفسموُن ‪,‬‬
‫وإليهاِ شخص العاِملوُن ‪ ,‬وإلم علمهمماِ شمر السمماِبقوُن ‪ ,‬وعليهماِ تفمماِن البمموُن ‪ ,‬وبممروح نسميمهاِ تممروح‬
‫العاِبممدون ‪ ,‬فهممي قمموُت القلمموُب وغممذاء الرواح وقممرة العيمموُن (( ‪.‬هممذه البممة مممنم ال م لوليمماِئه حقيقممة‬
‫لئقة به سبحاِنه ‪ ,‬معناِهاِ غيِ مهوُل ‪ ,‬وكيفهاِ غيِ معقوُل ‪ ,‬تعاِل ال عماِ يقوُل نفاِتمماِ م الظمماِلوُن م‬
‫علوُاد كبيِاد ‪ 8.‬وبعد ‪ :‬فهذا بث ف مسألة ) المحبة بين المام سهل بن عبدال التســتري ‪،‬‬
‫و الم ــام أب ــي القاس ــم الجني ــد رحم ــة الـ ـ عليهم ــا( ‪ ،‬مقم ممدم لسم ممتاِذناِ الفاِضم ممل ‪ ،‬السسستاذ‬
‫الدكتور ‪ /‬ماحماد السيد الجليند ‪ ،‬أسممتاِذ ورئيممس الفلسممفة السمملَمية ‪ ،‬بكليممة دار العلمموُم ‪،‬‬
‫حفظه ال ورعاِه ‪ .‬وقد قسمته إل ‪:‬‬
‫‪ ‬مقدمة ‪ :‬وتتضمن خطة البحث التالية ‪:‬‬
‫‪ - 5‬المائدة ‪. 18 :‬‬
‫‪ - 6‬المائدة ‪. 54‬‬
‫‪ - 7‬أخرجه البخاري ) ‪ ( 6168‬ومسلم )‪ ( 2640‬من حديث بن مسعود رضي ا عنه‪ .‬صحيح الجامع ‪.1782‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ .‬البة ل سبحاِنه ‪ .‬تأليف أب إسحاِق إبراهيم بنم عبد ال بنم النيد التلي ‪ .‬ص ‪- 8‬‬

‫‪3‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫‪ ‬التمهيد ‪ :‬ويتضمن ‪ :‬ثلَثة مباِحث ‪:‬‬


‫‪ ‬المبحث الول ‪ :‬ترجة الماِم سهل التستي‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثاني ‪ :‬ترجة الماِم النيد ‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثالث ‪ :‬معن البة لغة واصطلَحاِد‬
‫‪ ‬الفصل الول ‪ :‬البة عند الصوُفية ‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الثاني ‪ :‬البة بي التستي والنيد ‪ ،‬وفيه ثلَثة مباِحث ‪:‬‬
‫‪ ‬المبحث الول ‪ :‬البة عند التستي ‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثاني ‪ :‬البة عند النيد ‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثالث ‪ :‬مقاِرنة بينهماِ ‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الثالث ‪ :‬وفيه ثلَثة مباِحث ‪:‬‬
‫‪ ‬المبحث الول ‪:‬البة عند أهل السنة والماِعة ‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثاني ‪ :‬بياِن علَماِت البة ‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثالث ‪ :‬السباِب الاِلبة للمحبة ‪.‬‬
‫‪ ‬الخاتمة‪.‬‬
‫‪ ‬المصادر والمراجع ‪.‬‬
‫‪ ‬الفهارس ‪.‬‬
‫أسممأل الم أن أكمموُن قممد وفقممت فم عممرض هممذه القضممية ‪ ،‬ومناِقشممتهاِ علميماِد بمماِ يفيممد ‪ ،‬وأن يممزي عنم‬
‫أستاِذي العاِل الليل الستاذ الدكتور ‪ /‬محمد السيد الجليند ‪ ،‬خيِ الزاء ؛ إذ كاِن لناِ نعم الب ‪،‬‬
‫ونعم الوُجه ‪ ،‬ونعمم العماِل الذي سب أغموُار العلمم ‪ ،‬وغماِص فم بموُره ‪ ،‬وحماِز درره ‪ ،‬وأن يوُفقنماِ جيعماِد‬
‫للعلم الناِفع والعمل الصاِل ‪ .‬وصلىَّ ال علىَّ نبيناِ ممد وآله وصحبه أجعي ‪.‬‬

‫" تمهيد "‬


‫المبحث الول ‪:‬‬
‫‪9‬‬
‫ترجمة المام ‪ -:‬سهل التستري ‪.‬‬

‫‪ - 9‬مصادر الترجمة ‪ .‬الرسالة القشيرية في علم التصوف تحقيق دراسة ‪/‬هاني الحاج صـ ‪ ، 78‬بحار الولية المحمدية في مناقب أعلما‬
‫الصوفين أ د ‪ /‬جودة محمد المهدي صـ ‪ ، 24‬الشيخ المين سهل التستري ‪ .‬د ‪ /‬عبد الحليم محمود ‪ .‬تفسير القرآن العظيم ‪ :‬لبى محمد سهل بن‬
‫عبد ا بن يونس بن عيسى بن عبد ا بن رفيع ص ‪. 69‬‬

‫‪4‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫أبمموُ مممد سممهل بمنم عبمد الم بمنم يمموُنس بمنم عيسمىَّ بمنم عبممد الم بمنم رفيمع التسمتي ‪ ,‬ولمد سمنة)‪ (200‬ه م‬
‫أحد أئمة القوُم وعلمماِئهم والتكلميم فم علموُم الرياِضمياِت والخلَص وعيموُب الفعماِل – صمحب خاِله‬
‫ممد بنم سوُار ‪ ,‬وشاِهد ذا النوُن الصري سنة خروجه إلم الممجح بكممة تمموُف سممنة ثلثا وثمانين ومائتين‬
‫‪ ،‬وقيل سنة ‪ 293‬هم ‪ ،‬وأظنم أن التاِريخ الول أصح ‪.‬‬
‫وأدرجمه المماِم الشممس المذهب فم الطبقمة الساِدسة عشمر الرقمم ) ‪ ( 2389‬ومماِ قماِل عنمه ‪ :‬لمه كلماِت‬
‫ناِفعة وموُاعظ حسنة ‪ ,‬وقدم راسخ ف الطريق ‪.‬‬
‫وقاِل عنه الماِم القشيِىَ ‪:‬‬
‫أحممد أئمممة القمموُم لم يكممنم لممه فم وقتممه نظيِم فم العمماِملَت والمموُرع وكمماِن صمماِحب الكراممماِت لقممي ذا النمموُن‬
‫الصري بكة سنة خروجه إل الجح ‪.‬‬
‫وقاِل سهل ‪ :‬كنت ابنم ثلَثا سني وكنت أقوُل باِلليل أنظر إل صملَة خاِل مممد بمنم سموُار وكماِن يقموُم‬
‫باِلليل فرباِ كاِن يقوُل ‪ :‬ياِ سهل اذهب فنم فقد شغلت قلب ‪.‬‬
‫يروىَ عنم سهل بنم عبد ال قاِل ‪ :‬قاِل خاِل يوُماِد ‪ :‬أل تذكر ال الذي خلقك ؟ فقلت ‪ :‬كيف أذكممر ؟‬
‫فقاِل قل بقلبك عند تقلبك ف ثياِبك ثلَثا مرات منم غيِ أن ترك به لساِنك ‪ :‬ال معمي الم نماِظر إلم‬
‫‪ ,‬ال شاِهدي ‪ ,‬فقلت ذلك ثلَثا لياِل ث أعلمته قاِل لم ‪ :‬قمل فم كممل ليلمة سمبع ممرات ‪ ,‬فقلممت ذلممك‬
‫ث أعلمته ‪ ,‬فقاِل ‪ :‬قل ف كل ليلة إحدىَ عشرة مرة فقلت ذلك فوُقع ف قلب حلَوة ‪.‬‬
‫فلماِ كاِن بعد سنة قاِل ل خاِل ‪ :‬احفظ ماِ علمتك ودم عليه إل أن تدخل القب فإنه ينفعك ف الدنياِ‬
‫والخرة ‪ ,‬فلم أذل علىَّ ذلك سني فوُجدت لاِ حلَوة فم سمرىَ تملنم علمىَّ ملَزمتهماِ وأمممره بمأن يقوُلماِ‬
‫أولد ثلَثاِ ث سبعاِ ث إحدىَ عشر علىَّ سبيل التدريجح سممهلَ لنتقماِله ممنم شميء إلم ممماِ هموُ أولم منممه وفم‬
‫ذلك تعليم وتدريجح للمريد كيف يتعلم الراقبة ‪ ,‬وأولماِ ذكمر الم تعماِل باِللسماِن ممع حضموُر القلمب ‪ ,‬فإن‬
‫تنبه ذكره بقلبه إن ل يكنم ف ذكره بلساِنه أيضماِ زيماِدة فضميلة ؛ فلهمذا لماِ رآه منتبهماِ قماِل لممه فيمماِ ذكممر ‪:‬‬
‫قل بقلبك منم غيِ أن ترك به لساِنك ‪ ,‬وف نقلمه لمه فم عمدد الفمراد سمر وهموُ أنمه تعماِل فمرد يمب الفمرد‬
‫وكوُنه ثلَثاِ وسبعاِ وإحدىَ عشرة كأنه ليكوُن الثلَثا أقل المع والسمبع عمدد السمموُات والرضمي وأيماِم‬
‫السبوُع والحدىَ عشرة ناِية صلَة الوُتر ‪.‬‬
‫ث قاِل ل خلىَّ ‪ :‬ياِ سهل ممنم كمماِن الم معمه وهمموُ نماِظر إليممه وشماِهده أيعصمميه ؟ إيماِك والعصمية ‪ .‬فكنمت‬
‫أخلوُ فبعثمموُن إلم الكتمماِب فقلمت إنم لخشمىَّ أن يتفمرق علمىَّ همي ولكممنم شماِرطوُا العلمم أنم أذهممب إليمه‬
‫ساِعة فأتعلم ثوُ أرجع فمضيت إل الكتاِب وحفظت الفرآن وأناِ ابنم ست سني أو سبع ‪ ,‬وكنت أصمموُم‬

‫‪5‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫الدهر وقوُتىَّ خبز الشعيِ إل أن بلغت اثنمت عشمرة سمنة ‪ ,‬فسمألت أهلمي أن يبعثمموُن إلم البصمرة فمذهبت‬
‫إليهاِ وسألت علماِئهاِ فلم يشف أحد منهم عن شيئاِد ‪.‬‬
‫فخرجممت إلم عبمماِدان إلم رجممل يعممرف بممأب حممبيب حممزة ابممنم عبممد الم العبمماِدان فسممألته فأجمماِبن فممأقمت‬
‫عنده مدة أنتفع بكلَمه وأتأدب بآدابه ‪ ,‬ث رجعمت إلم تسمت فجعلمت قموُت اقتصماِرا علممىَّ أن يشممتي لم‬
‫بممدرهم مممنم الشممعيِ فيطحممنم ويممبز لم فممأفطر عنممد السممحر كممل ليلممة علممىَّ أوقيممة واحممدة بتماِد بغيِم ملممح ول‬
‫إدام فكاِن يكفين هذا الدرهم سنة ‪.‬‬
‫ث عزمت علمىَّ أن أطموُىَ ثلَثا ليلمىَّ ثم أفطمر ليلمة ثم خسماِ ثم سبعاِ ثم خسماِ وعشمرينم ليلمة وكنمت علمىَّ‬
‫ذلك عشرينم سنة ‪.‬‬
‫ث خرجت أسيح ف الرض سني ث رجعت إل تست وكنت أقوُم الليل كله ‪.‬‬
‫وقد أرخه ابنم العماِد النبلي ف وفياِت سنة ‪ 283‬هم وقاِل عنه ‪:‬‬
‫فيهاِ توُف القدوة العماِرف أبموُ مممد سمهل ابنم عبمد الم التسمتي الزاهمد فم المرم عمنم نموُ ممنم ثماِني سنة‬
‫ولة موُاعظ وأحوُال وكراماِت ‪.‬‬
‫وكماِن ممنم أكممب مشماِيخ القموُم م وممنم كلَمممه وقممد رأىَ أصمحاِب المديث فقمماِل ‪ :‬اجهممدوا أن ل تلقموُا الم‬
‫تعماِل إل ومعكمم الماِبر ‪ ،‬وقيمل لممه ‪ :‬إلم مممت يكتمب الرجممل الممديث ؟ فقمماِل ‪ :‬حمت يإموُت ويصمب كممل‬
‫حبه ف قبه ‪ .‬وقاِل منم أراد الدنياِ والخرة فليكتب الديث فإن فيه منفعة الدنياِ والخرة ‪.‬‬
‫وكاِن حريصاِد غاِيممة الممرص علممىَّ أكممل اللَل وتريممه ‪ ،‬حممت إنممه قمماِل عممنم نفسممه يوُمماِد ‪ " -:‬أنا حجة الـ‬
‫‪10‬‬
‫على الخلق وأنا حجة ال على أولياء زماني "‬
‫وقممد حممدد سممهل رحممه ال م تعلممىَّ أصمموُل طريقممه الصمموُف الممذي مشممىَّ عليممه بق موُله " أص موُلناِ سممبعة ‪ :‬التمسممك‬
‫بكت مماِب الم م ‪ ،‬والقت ممداء بس ممنة الرس مموُل ص مملىَّ الم م علي ممه وس مملم ‪ ،‬وأك ممل اللَل ‪ ،‬وك ممف الذىَ ‪ ،‬واجتن مماِب‬
‫العاِصي ‪ ،‬والتوُبة ‪ ،‬وأداء القوُق " ‪.‬‬
‫وله أقوُال ناِفعة ‪ ،‬وبعمض الكرامماِت الت يرويهماِ عنمه تلَميمذه فم كمثيِ منهماِ مباِلغماِت غيِم معقوُلمة ‪ ،‬لمه كتماِب‬
‫تفسيِ القرآن العظيم ‪ ،‬مطبوُع مقق‪ . 11‬رحه ال رحة واسعة ‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫‪ -2‬قلت ‪ :‬هذا التعبير ل يليق ولم يرد عن أحد من السلف ) الصحابة ( مع أنهم كانوا قد بلغوا القمم العليا في الزهد والعبادة ‪ ،‬بل‬
‫ينبغي للمرء أن يحتقر نفسه ويهضمها في جنب ال تعالى ‪.‬‬
‫‪ - 11‬تفسيِ القرآن العظيم ‪ :‬لبأ ممد سهل بنم عبد ال بنم يوُنس بنم عيسىَّ بنم عبد ال بنم رفيع‪ .‬تقيق ‪ :‬طه سعد وسعد ممد علي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫المبحث الثاني‬
‫‪12‬‬
‫ترجمة المام الجنيد ‪:‬‬
‫هوُ أبوُ القاِسم النيد بنم ممد الزبجاِج ‪ .‬أصله منم ناِوند ‪ ،‬موُلده ومنشؤمه باِلعراق ‪ ،‬وقد تفقه علىَّ مذهب‬
‫أب ثوُر منم أصحاِب الماِم الشاِفعي رضي ال ‪ ،‬وراوي مذهبه القدي ‪ ،‬وكاِن النيد يفت بضرته وهوُ ف‬
‫العشرينم منم عمره ‪ ،‬فذاعت شهرته ف متلف الوساِط العلمية ببغداد ‪ .‬والنيد رحه ال كاِن يسمىَّ "سيد‬
‫الطاِئفة "وإماِمهم صاِحب خاِله السري السقطي ‪ ،‬والاِرثا الاِسب ‪ ،‬وممد ابنم القصاِب ‪ .‬توُف رحه ال‬
‫تعاِل سنة سبع وستي وماِئتي ‪ .‬رحه ال رحة واسعة ‪.‬‬
‫كاِن النيد رحه ال يقيد تصوُفه بقوُله " مذهبناِ هذا مقيد بأصوُل الكتاِب والسنة " وكاِن يقوُل علمناِ هذا‬
‫مشيد بديث رسوُل ال صلىَّ ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وكاِن يشتد نكيِه علىَّ منم يقوُل ‪ :‬بإسقاِط العماِل ‪ ،‬ويعتبه أمراد عظيماِد " والذي يسرق ويزن أحسنم‬
‫حاِلد منم الذي يقوُل هذا ‪ ،‬فإن العاِرفي باِل تعاِل أخذوا العماِل عنم ال تعاِل ‪ ،‬وإليه رجعوُا فيهاِ ‪ ،‬ولوُ‬
‫بقيت ألف عاِم ل أنقص منم أعماِل اليب ذرة ‪ ،‬إلل أن ياِل ب دوناِ " وكاِن يقوُل أيضاِد ‪ " -:‬لوُ أقبل‬

‫‪ -‬مصادر ترجمته الرسالة القشيرية ‪ / 86‬بحار الولية ‪ / 329‬سير أعلما النبلءا ‪ – 68 – 67 / 14‬نقلل عن البحار‬ ‫‪12‬‬

‫‪7‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫صاِدق علىَّ ال ألف ألف سنة ث أعرض عنه لظة كاِن ماِ فاِته أكثر ماِ ناِله " وصدق رحه ال ‪،‬‬
‫فمصداق ذلك قوُله صلىَّ ال عليه وسلم " ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إل‬
‫على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز و جل فيها‪ " 13‬ومنم روائع أقوُاله ‪" :‬‬
‫منم ل يفظ القرآن ول يكتب الديث ل يقتدىَ به ف هذا المر علمناِ هذا مقيد باِلكتاِب والسنة " ‪..‬‬
‫وكاِن الناِس يتوُافدون عليه ينهلوُن منم علمه وأدبه وفصاِحته وفتاِواه ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫تعريف المحبة ‪-:‬‬
‫الماحبة في اللغة ‪: 14‬‬
‫المماِء و البمماِء ‪ ،‬أصمموُل ثلَثممة ‪ ،‬أحممدهاِ اللممزوم والثبمماِت ‪ ...‬وحبممة القلممب ‪ :‬سمموُيداؤه ‪ ..‬وقيممل البممة ‪ :‬أصمملهاِ‬
‫ب ‪ :‬البيب ‪ ...‬وتأت بعن ‪:‬‬ ‫الصفاِء ‪ :‬تقوُل العرب لصفاِء بياِض السناِن ونضاِرتاِ ‪ :‬حبب السناِن ‪ .‬وال ي‬
‫البوُب ‪ ..‬والبة ‪ :‬اسم للحب ‪ ..‬وهوُ نقيض البغمض ‪ ..‬وقيمل ‪ :‬ممنم البماِب ‪ ،‬وهموُ غليماِن القلمب وهيجماِنه‬
‫للقاِء البوُب ‪ ،‬مأخوُذ منم حباِب الاِء ‪ :‬ماِ يعلوُ الاِء عند الطر الشديد ‪.‬‬
‫واصطلح ا ‪ -:‬عبرف كةل البة بسب ماِ أدركه منم علَماِتاِ ‪ ،‬ونظمر إليهمماِ ممنم زاويممة خاِصمة ‪ ،‬وبماِلنظر إلم‬
‫هذه التعريفاِت ندهاِ تصب ف بوُتقة واحدة وتلتقي حوُل معاِسن متقاِربة فنجد منم يقوُل ‪:‬‬
‫" إنهــا ميــل الطبــع إلــى الشــيء لكــونه جميلا لذيــذا ‪ ،‬فــإن تأكــد ميــل وقــوي ســمي صــبابة ؛ لنصــباب‬
‫القلب إليه بالكلية ‪ ، " ...15‬والبعض يعرفهاِ بأناِ ‪ " -:‬إيثار المحبوب على جميع المصحوب " ‪.‬‬

‫‪) -‬ضعيف( انظر حديث رقم‪ 5446 :‬ف صحيح الاِمع ‪ ،‬وماِ بي قوُسي ضعيف عند اللباِن ‪ ،‬انظر ضعيف الاِمع رقم‪. 4944 :‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪ - 14‬معجم مقاِييس للغة ل بنم فاِرس ) ماِدة ‪ :‬ح ‪ .‬ب ( ‪ 290 / 2‬بتصرف ‪ * .‬لساِن العرب ‪ * .829 / 16‬منم قضاِياِ التصوُف ف ضوُء‬
‫الكتاِب والسنة ‪ .‬أ د‪ :‬ممد السيد الليند ‪ * . 50 :‬الرساِلة القشيِية ‪ *. . 424‬ا لب بي ال وعباِده أ ‪ /‬نبيل عطوُة ‪ * . 7‬روضة البممة‬
‫‪ . 17‬وهناك كلم مابسوط لبن القيم رحماه ال في طريق الهجرتين وباب السعادتين حول الماحبة وآثارها وماعانيها مان‬
‫ص ‪ 243‬إلى ‪. 268‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ -‬الحب اللهي ‪ – 13‬الرسالة ‪. 424‬‬

‫‪8‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫فم حيم نمد ابمنم القيمم رحمه الم فم ) روضمة البي ( يسمهب فم ذكمر حمدهاِ وكلَم الناِس فيمه بماِ يممع مماِ‬
‫تقدم ويزيد عليه ‪ .‬وأجل ماِ قيل فيهاِ يمع ذلك ‪:‬‬
‫ومثوُاك ف قلب فأينم تغيمب ؟‬ ‫خياِلك ف عين وذكرك ف فمي‬
‫وأسأل عنهم منم لقيت وهم معي‬ ‫ومنم عجم س‬
‫ب أن أحينم إليهمهم‬ ‫وأجل منه ‪-:‬‬
‫‪16‬‬
‫ويشتاِقهم قلب وهم بي أضلعي‬ ‫وتطلبهم عين وهم ف سوُادهاِ‬
‫فنتاِج هذا أن البة تنتظم العاِن كلهاِ منم اليل الدائم ‪ ،‬وإيثاِر البوُب علىَّ جيع الصحوُب ‪ ،‬والوُافقة له‬
‫ف الشهد والغيب ‪ ،‬واتاِد مراديهماِ ‪ ،‬والغيِة علىَّ القلب أن يكوُن فيه سوُىَ البوُب ‪ ،‬وحركة القلب علىَّ‬
‫الدوام إل البوُب وسكوُن القلب عنده ‪ ،‬وأن يكوُن البوُب أقرب إل الب منم روحه ‪ ،‬وماِ إل ذلك منم‬
‫معاِسن كثيِة ‪ ،‬لوُ قلبتهاِ تدهاِ كلهاِ تدور حوُل علَقة عظيمة بي الب والبوُب ونسياِن حض النفس أماِم‬
‫مراد البوُب ‪.‬‬

‫الفصل الول‬
‫المحبة عند الصوفية‬
‫إن التتب ممع لقم موُال الص مموُفية فم م البممة وتعريفه ممم ل مماِ ‪ ،‬وت ممأملَتم فيه مماِ ليج ممد العج ممب ! م ممنم غراب ممة بعممض‬
‫التعريفاِت ‪ ،‬وشممطح الخممرىَ ‪ ،‬وسمموُ البعممض الخممر ؛ فكممأنه يصمموُغهاِ مممنم درسر أو همموُ ) قد ضمن الـدر‬
‫إل أنه كلم (‪ ،17‬ول ريب أن القاِريء التأمل فيهاِ لبد أن تتك ف نفسه أثراد ‪ ،‬فحموُاه صممدق كممثيِ مممنم‬
‫هممذه العمماِن ‪ ،‬وأنمماِ ل م تممرج إل مممنم قلمموُب ترقممت شمموُقاِد إل م ال م تعمماِل‪ ،‬ونعممرف ذلممك إذا ميبزنمماِ ) بيــن‬
‫اتجاهين في المحبة ‪:‬‬
‫التجــاه الول ‪ :‬وهــو مــا يلــتزم فــي تعــبيره عــن المحبــة بــالمعنى الســابق ‪ ،‬ويتمثلــه فــي ســلوكه ‪،‬‬
‫فيكون المحب واعيا بماذا يقول ‪ ،‬أو ماذا يفعل ‪ ،‬ويجيء مقـاله عـن المحبـة معـبرا عـن حـاله فيهـا‬
‫‪ ،‬ملتزما في ذلك بالوامر والنواهي الشرعية ‪.‬‬
‫أما التجاه الثاني ‪ :‬فنجد المحبـة عنـده تأخـذ معنـى خاصـا اصـطلحيا ‪ ،‬ونجـد تعـبيره عنهـا يأخـذ‬
‫شكلا رمزيا أقرب ما يكون إلى اللغاز التي قد ل يفهمها إلل نمط معين من خاصة الصوفية ‪ ،‬و‬
‫يتضح لنا من ذلك ن أقوالهم في المحبة (‪. 18‬‬

‫‪ - 16‬روضة المحبين ‪ 22‬بتصرف ‪.‬‬


‫‪ ،‬من المتنبي مطلعها ) واحر قلباه ممن قلبه شبم ( ‪.‬‬ ‫‪ - 17‬من قصيدة عتاب لسيف الدولة‬
‫‪. 58‬‬ ‫‪ - 18‬من قضايا التصوف في ضوء الكتاب والسنة ‪ .‬أ د‪ :‬محمد السيد الجليند ‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫فإذا ماِ نقلناِ كلَم أحدهم بنصه وفصه ‪ ،‬سنعلم تفصيل ماِ ذكره أستاِذي ‪ ،‬السممتاِذ الممدكتوُر ‪ :‬محمد‬
‫الســيد الجلينــد ‪ ،‬فم كلَمممه السمماِبق عممنم التمماِه الثمماِن ؛ فهممذا أبمموُ زيممد عبممدالرحنم بممنم ممممد النصمماِري‬
‫القيِوانم التمموُف سممنة ‪696‬ه م يقمموُل فم كتمماِبه ) مشمماِرق أنموُار القلمموُب ‪ ،‬ومفاِتيممح أسمرار الغيمموُب ( عممنم‬
‫البة عند الصوُفية ‪:‬‬
‫) هي أصل جميع المقامات والحوال ‪ ,‬إذ المقامات كلها مندرجة تحتها ‪ ،‬فهي إما وسيله إليهــا‬
‫أو ثمرة من ثمراتها ‪ ،‬كالرادة والشوق والخوف والرجاء والزهد والصبر والرضــا والتوكــل والتوحيــد‬
‫والمعرفة ‪ ,‬ولهذا اختص بكمـال هـذا المقـام سـيد النـبيين ‪ ,‬وإمـام المرسـلين ‪ ,‬عليـه أفضـل الصـلة‬
‫والتسليم ‪ ,‬فإنه أعطي من سر هذا المقام ما لم يعط غيره من النبياء عليهم السلم ‪ ,‬ولتحققــه بـه‬
‫قــال الـ تعــالى فيــه ‪ ) :‬مــن يطــع الرســول فقــد أطــاع الـ (‪. .19‬وقــال تعــالى ‪ ) :‬إن الــذين يبايعونــك‬
‫إنما يبايعون ال (‪. . 20‬‬
‫وقال ‪ ) :‬قل إن كنتم تحبـون الـ فاتبعوني يحببكم الـ (‪.21‬وحسبك أن جعـل طاعته عين طـاعته‬
‫ومحبته شرط ا في محبته ‪ .‬وما ذاك إل لنـه وفــر نصـيبه مـن نـوره الـذي أفاضـه علـى العـالم السـفل‬
‫بواســطته ‪ ,‬ولــذلك ســماه نــورا مبينــا ‪ ،‬وسـراجا منيــرا ‪ ،‬وجعلــه رحمـةا للعــالمين ‪ ,‬فبــذلك النــور كــان‬
‫عليــه الصــلة والســلم يــدعو الخلــق إلــى ربــه تعــالى ليوصــلهم بــالنور للنــور ‪ ,‬وهنــا ســر يفهمــه أربــابه‬
‫الذين وصلوا إلى حقيقة الذوق ل يمكننا النطق به‪. 22‬‬
‫قال بعضهم ‪:‬‬
‫وجاء لنا الساقي بصهباء قرقف‬ ‫شربنا على ظهر الربيع المفوف‬
‫إلى موضع السرار قلت لها ‪ :‬قفي‬ ‫فلما شربناها ودب دبيبها‬
‫فيطلع جلسي على سري الحفي‬ ‫مخافة أن يسطو علري شعاعها‬
‫ومن الدليل على أن المحبة مشتملة على جميع المقامات والحــوال أن النســان ل يحــب محبوبــا‬
‫إل بعــد العلــم بكمــال ذات ذلــك المحبــوب ‪ ,‬ثــم يتأكــد هــذا العلــم عنــده فيتــوالى فيكــون معرف ـةا‬
‫فتنبعــث عــن ذلــك الرادة ثــم الشــوق إلــى جمــال هــذه الــذات ‪ ,‬ثــم يلــزم علــى المحبــة الصــبر علــى‬
‫شــدة الطلــب ‪ ,‬وينبعــث لــه فــي أثنــاء ذلــك خــوف الحجــاب ورجــاء الكــرب والوصــال ‪ ,‬ثــم تشــمل‬

‫‪ - 19‬النساِء ‪. 80‬‬
‫‪ - 20‬الفتح ‪.10‬‬
‫‪ - 21‬آل عمران ‪. 31‬‬
‫‪ - 22‬ول شك أن هذا الكلَم غلط ‪ ،‬فلَ أسرار ف الشريعة ‪ ،‬ولكنهاِ طريقة الصوُفية ف إخفاِء بعض أموُرهم ‪ .‬ينظر مموُع الفتاِوىَ ‪.4/77‬‬

‫‪10‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫المحبة الرضى بجميـع مـراد المحبـوب والزهــد فيمـا سـواه واعتقـاد وحــدانيته اعنــي انفـراده بصــفات‬
‫الكمال ‪ ،‬فإن ما سواه عدم محض‪ , 23‬وإسناد المور كلها إليه بالتفويض له والتوكل عليه ‪.‬‬
‫وأمــا الحــوال التابعــة للمحبــة فهــي مثــل النــس والبســط والقبــض والمراقبــة والهيبــة والفنــاء والبقــاء‬
‫والمشاهدة وسائر الحوال‪ , 24‬فقد دخل في مجموع هـذا المقـام سـائر المقامـات والحـوال فإنهـا‬
‫كلها مرادة له سواء كانت سابقة أو لحقة ‪ ,‬إل أن هـذا المقـام لدقـة معنـاه عـن الفهـام واعتياصـه‬
‫عن الذهان يحتاج إلي شرح أبسط من هذا ‪ ,‬فنقول ‪:‬‬
‫اعلم أنه قد اختلف الولون والخرون في حــد هــذا المقــام وتبــاينوا فــي العبــارة عــن حقيقتــه إذ كــل‬
‫منه ــم إنم ــا يع ــبر عل ــى حس ــب ذوق ــه من ــه وينط ــق بمق ــدار ح ــاله وك ــل قاص ــر لعج ــزه ع ــن الحاط ــة‬
‫بحقيقته‪ , 25‬ومن وصل إلي شيء منه من أهل التحقيق لم يخاطب الجمهور به إل رمـزا وتلويحــا ‪,‬‬
‫فإنه أعظم من أن تشرح حقيقتـه بـالنطق وحسـب المعـبر عنـه اليمـاء ‪ ,‬فأمـا شـرح الحقيقـة بـاللفظ‬
‫الص ـريح فمتعــذر جــدا ‪ ,26‬ونحــن نــورد مــن عبــارات النــاس عــن هــذا المقــام مــا هــو إل كالشــارة‬
‫واللماع ‪.‬‬
‫قــال الحســين بــن المنصــور الحلج ‪ :‬المحبــة قيامــك مــع محبوبــك بخلــع أوصــافك ؛ لن كليــة‬
‫المحب تطابق كلية المحبوب ؛ فغيبته غيبة محبوبه ووجوده وجوده‪. 27‬‬
‫وقيل ‪ :‬المحبة سرور القلب بمطالعة جمال المحبوب ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المحبة محو المحب بصفاته وإثبات المحبوب بذاته ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬حقيقة المحبة أن تمحوا من القلب ما سوى المحبوب ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المحبة نار في القلب تحرق ما سوى المحبوب ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المحبة أن تهب كليتك لمحبوبك فل يبقى لك منك شيء ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬حقيقة المحبة مال يصلح إل بالخروج عن رؤية المحبة إلى رؤية المحبوب ‪.‬‬

‫بصحيح ‪.‬‬ ‫‪ - 23‬ليس‬


‫‪ 24‬منم مصطلحاِتم ‪ .‬ولعرفة الكلَم حوُلاِ ينظر تكرماِد ‪ :‬إحياِء علوُم الدينم ‪ ، 4‬والنقذ منم الضلَل ‪ :‬لب حاِمد الغزال ‪ .‬والستقاِمة لبنم‬
‫تيميممة ت ‪ :‬د ‪ :‬ممممد رشمماِد سمماِل ‪ ،‬و التصمموُف مممنم مممموُع الفتمماِواىَ ‪ :‬اللممد ‪ .11‬و مممنم قضمماِياِ التصمموُف فم ضمموُء الكتمماِب والسممنة أ د‪ :‬ممممد‬
‫اللينممد‪ ،‬والتصمموُف عممرض ونقممد ‪ .‬أ د ‪ :‬عبممدالفتاِح الفمماِوي ‪ .‬م موُازينم الصمموُفية ف م ضمموُء الكتمماِب والسممنة ‪ :‬لب م عبممدالرحنم علممي الوُصمميفي‪.‬دار‬
‫اليإاِن باِلسكندرية ‪.172 .‬‬
‫‪ - 25‬ينظر كرما ل طريق الجرتي وباِب السعاِدتي حوُل البة وآثاِرهاِ ومعاِنيهاِ منم ص ‪ 243‬إل ‪. 268‬‬
‫‪ - 26‬ونلحظ التعقيد الشديد لمور الشريعة هنا ‪ ،‬وسيأتي الوضوح لمعني المحبة وآثارها عند أهل السنة بعد قليل ‪ ،‬فنرى الفرق ‪.‬‬
‫‪ - 27‬وفي هذا الكلما ما فيه من الغموض والحتمال ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫وقيــل ‪ :‬المحبــة معنــي مــن المحبــوب قــاهر اللقــب تعجــز العقــول عــن إدراكــه وتمتنــع اللســنة عــن‬
‫العبارة عنه ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المحبة أغصان تغرس في القلب فتثمر على قدر العقول ‪.‬‬
‫فهذه أقاويل مفترقة ترجع إلى معان متقاربـة كلهـا خارجـة عـن الحقيقـة إذ هـي إمـا ثمـرة مـن ثمراتهـا‬
‫أو لزم من لوازمها ‪ ,‬وسبب من أسبابها ‪ ,‬أو شرط فيهـا ‪ ,‬والحقيقــة كمـا قلنــاه ل يمكــن أن تؤخــذ‬
‫من اللفاظ ‪ ,‬فـإن اللفـاظ المتعارفـة ل يوجـد فيهـا لفـظ يـوفى بحقيقـة المقصـود ‪ ,‬وأيضـا فالمحبـة‬
‫ألطف الشياء فإذا كسيت اللفاظ والحروف ـ وهما من عالم الحس الكثيف ـ فقد ككثفت لــذلك‬
‫وخرجت عن موضعها من اللطافة الذاتية لها ( ‪.28.‬‬
‫ونرىَ الدكتوُر‪ /‬عبدالفتاِح الفاِوي أثناِء عرضه لحوُالم يذكر لناِ ماِ تعنيه البة عندهم بأسلوُب‬
‫آخر متضمنم لفوُائد أخر ‪ ،‬فيقوُل ‪) :‬ومنم تلك الحوُال )البة( ويستدلوُن عليهاِ بقوُله تعاِل ‪ ) :‬يحبهم‬
‫ويحبونه( وقوُله صلىَّ ال عليه وسلم ‪ ) :‬ثلثا من كن فيه وجد حلوة اليمان‪ ،‬أن يكون ال ورسوله أحب‬
‫إليه مما سواهما ‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه إل ل ‪ ،‬وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يلقى فى النار‬
‫(‪ 29‬كما يروون عن العرباض بن سارية ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعو ‪) :‬اللهم اجعل حبك‬
‫أحب إلى من نفسى وسمعى وبصرى وأهلى ومالى ومن الماء البارد (‪ .30‬فكأن الرسوُل صلىَّ ال عليه وسلم‬
‫طلب خاِلص الب – الذىَ هوُ أحد الحوُال عندهم – لنه هبة ل كسب‪.‬‬
‫ويعرف الشبلىَّ البة بقوُله ‪ ) :‬أن تحوُ منم القلب ماِ سوُىَ البوُب ‪ ،‬ويقول الجنيد ‪ :‬أن يكون السالك‬
‫بال ول ومع ال ‪ ......‬والب هوُ أصل كل الحوُال وموُجبهاِ عند الصوُفية ومنزلته ‪ ،‬ف الحوُال‬
‫بنزلة التوُبة ف القاِماِت ‪ ،‬فمنم صحت توُبته علىَّ الكماِل تقق بساِئر القاِماِت منم الزهد والرضاِ‬
‫والتوُكل ‪ ،‬وكذلك منم صحت مبته تقق بساِئر الحموُال ‪ .‬قاِل الروزباِرىَ‪ :‬ماِ ل ترج منم كليتك ل‬
‫تدخل ف البة ‪ ،‬وقاِل أبوُ يزيد ‪ :‬منم قتلته مبته فديته رؤيته ‪ ،‬ومنم قتله عشقه فديته مناِدمته‪ .‬وقاِل‬
‫صلىَّ ال عليه وسلم ‪ :‬الرء مع منم أحب‪ ..... 31‬فمحبة ال للعبد تأتىَّ بعد إخلَصه وتقربه إليه وإذا‬
‫أحب ال العبد شله برحته وعناِيته ‪ ،‬أماِ العبد فإنه إذا أحب ال تعاِل أطاِعه واشتاِق للقاِئه فتصبح‬
‫الدنياِ هينة عنده ‪.‬‬

‫‪ - 28‬كتاب مشارق أنوار القلوب ومفاتح أسرار الغيوب تأليف ‪ :‬عبد الرحمن بن محمد النصاري المعروف بابن الدباغ ص ‪21‬‬
‫‪ - 29‬مضى تخريجه ‪.‬‬
‫‪ - 30‬ضعيف ‪ ،‬ضعيف الجامع برقم ‪.4153 :‬‬
‫‪ - 31‬صحيح ‪ ،‬صحيح الجامع برقم ‪.6689 :‬‬

‫‪12‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫فليس الب إدعاِء حلوُليمة أو اتماِد أو فنماِء وانمذاب بمل يقموُم علمىَّ الفكمر والمذكر والعتمدال فم تنماِول‬
‫النصمميب ممنم الممدنياِ ‪.‬والمب همموُ الخلمص لم تعماِل الاِهمد فيمه حمق جهماِده ‪ ،‬ل النقطمع للرياِضماِت الروحيمة‬
‫‪32‬‬
‫كبدعة الرهباِنية (‬

‫وخلصاة ما تقدم ‪ ،‬وبناِء علىَّ تقسيم أستاِذناِ الفاِضل الليند اتاِهاِت الصوُفية إل اتاِهي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬اللتزم ف تعبيِه عنم البة باِللفاِظ الشرعية أو الوامر والنوُاهي الت جاِءت باِ الشرعية ‪.‬‬
‫والثاِن ‪ :‬العب عنهاِ باِللفاِظ الرمزية واللغاِز الت ل يفهمهاِ إلب نط معي منم خاِصية الصوُفية ‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫أقوُل بناِء علىَّ ذلك نستطيع القوُل باِلتاِل ‪:‬‬
‫‪ – 1‬عدم إطلَق الذم لعموُم الصوُفية القاِئلي ف البة ؛ فمنهم منم لزم اللفماِظ والقاِصمد الشمرعية ولم يمزح‬
‫عنهاِ ‪ ،‬نرىَ منهم منم يرفض " لفظ العشق أو الشوق فهي قد تصح للتعامل بها بين البشر ‪ ،‬أما مع ال ـ‬
‫فل يجوز استعمالها ول صفه بها ‪ ،‬ل عاشقا ول معشوقا "‪ . 34‬وهؤملء يإثلهم قلة ‪ ،‬منهم ‪:‬‬
‫النيد ‪ ،‬والتستي صاِحباِ موُضوُع بثناِ هذا ‪.‬‬
‫‪ _2‬ومنهم منم بهعد عنم الغموُض وتكلف الباِم فجاِءت عباِراته سهلَد مفهوُمة بداهمة ل تتماِج إلم إعمماِل‬
‫فكر لفهمهاِ ‪.‬‬
‫‪ – 3‬أن الكممثرة الغاِلبممة مممنم الصمموُفية – بكممل أسممف – " قد عبروا عــن حـالهم مــع المحبــة بألفــاظ رمزيـة ‪،‬‬
‫وغلوا في ذلك حتى خرج بعضهم عن المحبة المشروعة إلى ألوان من الفناء الذي انتهى ببعضهم إلى‬
‫الحلول أو التحاد ‪ ،‬فكان حالهم بدعيا ل شرعيا " ‪. 35‬‬
‫وقد صدرت منم بعضهم عباِرات قد ل نلممك أحياِنماِد عنمد سماِعهاِ إلل أن نضمع أصمماِبعناِ فم آذاننماِ ! ممنم همموُل‬
‫تعبيِهاِ الذي تنفر منه نفوُس أول الفطر السليمة واليإاِن الفطري البيء ‪..‬‬

‫‪ - 32‬التصوف عرض ونقد ‪ .‬أ د‪ :‬عبد الفتاح الفاوي ‪.58 .‬‬


‫‪ - 33‬من قضايا التصوف ‪. 58‬‬
‫‪ - 34‬السابق والصفحة ‪.‬‬
‫‪ - 35‬السابق والصفحة ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫" بــل إن كــثيرا مــن الصــوفية المعتــدلين فــي مــذهبهم قــد أعلنــوا براءتهــم مــن الحلــوليين والتحــاديين ‪،‬‬
‫فالهجويري في كتابه ) كشف المحجوب ( يذكرهم بالضلل واللعنة ‪ ،‬فيقول ‪ -:‬وأمــا الحلوليــة لعنهــم‬
‫‪36‬‬
‫ال بقوله تعالى " فماذا بعد الحق إل الضلل " ‪.‬‬
‫ويإثل هذا التياِر ‪ ..‬أبوُ يزيد البسطاِمي ‪ ،‬واللَج ‪ ،‬وابنم الفاِرض‪. 37‬‬
‫وهنمماِك أيض ماِد مممنم يسممموُنه " باِلشمميخ الكممب " ‪ :‬ميممي الممدينم ابممنم عرب م وعبمماِراته الشممهوُرة الممت نضممرب عنهمماِ‬
‫صفحاِد هناِ ‪.38‬‬
‫فإذا ماِ أخمذناِ بقموُل شميخ السملَم ونقمده اللَذع لمم نمد أنمه يعنم الصموُفية الذينم يإثلموُن التماِه الثماِن المذي‬
‫ذكره الدكتوُر ‪ /‬الليند ‪:‬‬
‫سم مميتبي حينئم ممذ خطم ممأ الصم مموُفية فم م ادعم مماِء مبم ممة الم م " ويعظم ــون أم ــر محبت ــه ويس ــتحبون الس ــماع بالغن ــاء‬
‫والدفوف والشبابات ‪ ،‬ويرونه قربة لن ذلك بزعمهم يحـرك محبــة الـ فـي قلـوبهم "‪ .‬أي أنممم يتممذرعوُن‬
‫بأسباِب ل تت بصلة إلم البة الصمحيحة المت ينبغمي أن يكنهماِ الوُحمدون لمرب العماِلي ‪ ،‬فاِلبمة لمه وحمده ‪،‬‬
‫هي الت ترك القلوُب نوُ طمماِعته ‪ ،‬فيجممدون فيهماِ سمعاِدتم التاِمممة ‪ ،‬مستخصمي فم سمبيلهاِ بمذل أرواحهمم ‪.‬‬
‫أممماِ السممتعاِنة باِلغنمماِء والممدفوُف وغيِهمماِ فمماِنه " نوع مــن محبــة المشــركين ل محبـة الموحـدين – فــان محبــة‬
‫الموحدين بمتابعة الرسول والمجاهدة في سبيل ال "‪.39‬‬
‫وقممد أغفلممت ذكممر الفنمماِء ‪ ،‬والتمماِد ‪ ،‬واللمموُل ‪ ،‬والسممكر ‪ ،‬والوُجممد ‪ ،‬والعشممق ‪ ،‬وهممي مممنم آثمماِر ول موُازم البممة‬
‫عندهم ؛ وذلك لمرينم ‪-:‬‬
‫الول ‪ /‬كمماِن الممدف همموُ تممبيي معن م البممة عنممد الصمموُفية ‪ ،‬وأصممناِفهم فيهمماِ إذ هممي الصممل الممذي تنطلممق منممه‬
‫جيع الحوُال ‪ ،‬دون الدخوُل ف ذكر اللوُازم ‪.‬‬
‫الثاِن ‪ /‬عدم الطاِلة بذكر اللوُازم والثاِر؛ لظن بأناِ ستستغرق أكمثر صمفحاِت همذا البحمث لكمثرة الكلَم‬
‫حوُلاِ ‪ ،‬ولختلَف الصوُفية أنفسهم ف تعريفاِتم لاِ وذكر معاِنيهاِ اختلَفاِد كثيِاد ‪.‬‬

‫‪ - 36‬من قضايا التصوف ‪. 80‬‬


‫‪ - 37‬أعرضت عن تراجمهم لعدما جدواها في هذا البحث ‪.‬‬
‫‪ - 38‬للوقوف على حقيقة مذهبه وكلماته واعتقاده يراجع كتابه المسمى ) فصوص الحكم ( ‪ .‬وكلما شيخ السلما رحمة ا عليه في نقده في‬
‫الفرقان ومجموع الفتاوى مج ‪ .11‬وللشيخ عبدالرحمن عبدالخالق كلما في نقد ابن عربي ‪.‬‬
‫‪ - 39‬التصوف وابن تيمية د ‪ :‬مصطفى حلمي ‪. 390‬‬

‫‪14‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫الفصل الثاني‬
‫*‬
‫المحبة بين التستري و الجنيد‬
‫المبحث الول ‪:‬‬
‫المحبة عن المام التستري ‪-:‬‬
‫إن منم المتع حقاِد تتبع نثر كلَم الماِم التستي ف البة ف طياِت الصاِدر والراجمع الت كتبمت عنمه ؛‬
‫لنعلم مسلكه ف هذا المر الذي هوُ منم أعماِل القلوُب كماِ نعلم ‪ ،‬ونلي هممذه القضممية حممت نممدرك ممماِ‬
‫كاِن عليه مشاِيخ الطاِئفة ممنم شمغف باِلعبماِدة الت كماِن مركهماِ السماِس مبة الم تعماِل فم قلموُبم ‪ ،‬تنبمأ‬
‫عنم ذلك كلماِتم ‪ ،‬وتسفر عنه النقوُلت عنهم ف بلوُغهم ف العباِدة شأواد عظيماِد ‪.‬‬
‫استدراك ‪:‬‬
‫بدايممة أود أن أوضممح اسممتدراكاِ علممىَّ الممماِم القشمميِي فم الرسمماِلة ‪ 40‬عنممد ذكممره للمحبممة وكلَمممه عممنم حممب‬
‫ال تعاِل للعبد فقاِل ‪ " :‬فمحبة ال سـبحانه للعبـد إرادتـه لنعـام مخصـوص عليـه ‪ ، " ...‬وهممذا كممماِ‬
‫نعلم موُافق لعتقاِد الكلَبية‪ ، 41‬والنتسبي للماِم أي السنم الشعري ت ) ‪ 330‬هم ( رحه الم فم‬
‫‪42‬‬
‫تأويل الصفاِت ‪ ،‬ف طوُره الثاِن قبل أن يعوُد إل مذهب أهل السنة والماِعة ف إيإاِنم باِلصفاِت‪.‬‬
‫والق الذي عليه أهل السنة – والماِعة أنناِ نثبت ل تعاِل ماِ أثبته لنفسه وماِ أثبتممه لممه نممبيه ممممد صمملىَّ‬
‫ال عليه وسلم منم غيِ تكييف ول تثيل ومنم غيِ تشبيه ول تعطيل ‪ 43‬والبة ثاِبتممة لم بنصمموُص الكتمماِب‬
‫والسنة ‪.‬‬
‫أماا الماحبة عند التستري ‪-:‬‬
‫فإنه كماِ ذكرناِ ساِبقاِد ممنم أن للصموُفية اتمماِهي ‪ ،‬الول منهمماِ ‪ :‬هموُ العتممدل اللمتزم فم التعممبيِ والسملوُك‪،‬‬
‫وافق ماِد عنممد حممدود الشممرع ف م الوامممر والن موُاهي ‪ ..‬ولقممد تكلممم عممنم الفنمماِء مممنم منطلممق البممة ‪ ،‬وليممس مممنم‬

‫* ‪ -‬قدمت ذكر التستري على الجنيد مراعاة للتسلسل التاريخي ‪.‬‬


‫‪ - 40‬صـ ‪ 423‬تحقيق هاني الحاج ‪.‬‬
‫‪ - 41‬أراءا الكلبية العقدية وأثرها في الشعرية في ضوءا عقيدة أهل السنة والجماعة ‪ : .‬هدى بنت ناصر الشللي ‪.‬ط مكتبة الرشد بالرياض ‪.‬‬
‫‪ - 42‬والراجح ‪ :‬بقاءا أبي الحسن الشعري على عقيدة ابن كلب في تأويل بعض الصفات ‪ :‬انظر موقف ابن تيمية من الشاعرة ‪ :‬د ‪/‬‬
‫عبدالرحمن المحمود ‪.‬‬
‫* الواسطية لبن تيمية شرح د ‪ :‬صالح الفوزان ‪.‬‬ ‫‪ - 43‬الطحاوية لبن أبي العز الحنفي ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫منطلق التوُحيد ‪ ... ،‬ويأخذ الب ف مذهب سهل التستي شكلَد مغاِيراد لاِ نده عند كثيِ منم الممبي‬
‫قبله ‪ ،‬فهوُ ليس انفعاِلد نفسياِد تغذيه حرارة العاِطفة ‪ ،‬وإناِ هوُ الممتزام بمأوامر الممب ونموُاهيه ‪ ،‬قمموُلد وعملَد‬
‫‪ ،‬فيكوُن سلوُكه ترجة لرغاِئب مبوُبه وتنفيذاد لوامر ‪.‬‬
‫تعريفه للمحبة ‪:‬‬
‫ولممذلك فقممد عمبرف سممهل البممة بأنمماِ ‪ " :‬موُافقممة القلممب لم ‪ ،‬والثبمماِت علممىَّ ذلممك ‪ ،‬وأتبمماِع نممبيه ‪ ،‬ودوام‬
‫الذكر ‪ ،‬وحلَوة الناِجاِة مع ال " فخضوُع القلب وانقياِد الوُارح لوامر الشرع ونوُاهيه هي أسممىَّ مراتممب‬
‫البة عند سهل ‪. 44‬‬
‫تعريف آخر لها ‪:‬‬
‫ولذا تده أيضاِد يقوُل عنم البة " إناِ معاِنقة الطاِعة ‪ ،‬ومباِينة الخاِلفة " ‪ .‬وهذا الكلَم مستقدىَّ مممنم‬
‫‪45‬‬

‫معيم الشمريعة ‪ ،‬وفيممه أيضماِد روح المموُف والرجمماِء ‪ ،‬ماِلفماِد بمذلك بعممض التصمموُفة المذينم نمبدت ألفمماِظهم ‪،‬‬
‫فنقمرأ عممنم بعضممهم قموُله " ممماِ عبممدت الم طمعماِد فم جنتممه ‪ ،‬ول خوُفماِد مممنم نمماِره ‪ ،‬ول شممك أن هممذا ماِلفماِد‬
‫لقوُله تعاِل عنم أصفياِئه " يدعوُن ربم خوُفاِد وطمعاِد "‪. 46‬‬
‫علمة الحب عنده ‪:‬‬
‫ونده يؤمكمد همذا العنم فم موُضمع آخمر فيقموُل رحمة الم ‪ " :‬علَممة المب إيثماِره علمىَّ نفسمك وليمس كمل‬
‫مممنم عمممل بطاِعممة الم صمماِر حبيبماِد ‪ ،‬وإنمماِ الممبيب مممنم اجتنممب النمماِهي " ‪ .‬وهمموُ كمماِ قمماِل ؛ لن مبتممه لم‬
‫تعاِل سبب مبة ال له كماِ قاِل تعاِل ‪ " -:‬يبهممم ويبمموُنه ‪ " 47‬وإذا أحبممه الم تعمماِل تمموُله ونصممره علممىَّ‬
‫أعدائه ‪ ،‬وإناِ عدوه نفسه وشمهوُاته ‪ ،‬ولمذلك قماِل الم تعماِل"والم أعلمم بأعمدائكم وكفمىَّ باِل وليماِد وكفمىَّ‬
‫باِل نصيِاد ‪"49.48‬‬
‫من علمات حب الله عنده ‪:‬‬
‫ثم يرتقممي بممماِل التعممبيِ ورصمماِنة العبمماِرة فيقمموُل ‪ " :‬علَمممة حممب الم حممب القممرآن ‪ ،‬وعلَمممة حممب القممرآن‬
‫وحممب الم حممب النممب صمملىَّ الم عليممه وسمملم ‪ ،‬وعلَمممة حممب النممب صمملىَّ الم عليممه وسمملم حممب السممنة ‪،‬‬
‫وعلَمممة حممب السممنة حممب الخممرة ‪ ،‬وعلَمممة حممب الخممرة بغممض الممدنياِ ‪ ،‬وعلَمممة بغممض الممدنياِ أل يأخممذ‬
‫منهاِ إل زاداد وبلغة إل الخرة " ‪.‬‬
‫‪ - 44‬من قضايا التصوف ‪ ) . 77‬بتصرف (‬
‫‪ - 45‬من قضايا التصوف ‪ ، 58‬الرسالة القشيرية ‪. 424‬‬
‫رحمها ال ‪ ،‬وكثير من علمائنــا يشــكك فــي نسـبته إليهــا ‪ ،‬ول يهمنــا القائــل‬ ‫‪ - 46‬قوت القلوب ‪ .122 /2‬ينسب هذا القول لرابعة العدوية‬
‫بقدر ما يهمنا القول و) الخطأ الذي يقع فيه هؤلء هــو انهــم عبــدوا الـ بل إرادة " وتوهمــوا أن البشــر يعمــل بل إرادة ول مطلــوب ول‬
‫ابن تيمية والتصوف ‪ :‬د ‪ :‬مصطفى حلمي ‪.499‬‬ ‫محبوب ‪ ،‬وهو سوء معرفة بحقيقة اليمان والدين والخرة (‬
‫‪ - 47‬المائدة ‪. 54‬‬
‫‪ - 48‬النساءا ‪. 45‬‬
‫‪ - 49‬إحباءا علوما الدين ‪. 254 / 4‬‬

‫‪16‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫وهذا مأخوُذ منم قوُل ابنم مسعوُد رضي ال عنمه ‪ " -:‬ل علممىَّ أحممدكم أن يسمأل عمنم نفسمه إلل القمرآن ؛‬
‫فإن كاِن يب القرآن فهوُ يب ال ‪ ،‬وإن ل يكنم يب القرآن فليس يب ال ‪. 50‬‬
‫مفهوم المحبة عنده ‪:‬‬
‫فمفهوُم سمهل رحمة الم للمحبة إذن مفهموُم دقيمق إذ يقموُل " البة أن تمب مماِ يبمه حبيبمك ‪ ،‬وتكمره مماِ‬
‫يكره " وكاِن يقوُل ‪-:‬‬
‫" النيِان أربعة ‪ -:‬ناِر الشهوُة ‪ ،‬وناِر الشقاِوة ‪ ،‬وناِر القطيعة ‪ ،‬وناِر البة ‪.‬‬
‫فنمماِر الشممهوُة تممرق الطاِقمماِت ‪ ،‬ونمماِر الشممقاِوة تممرق التوُحيممد ‪ ،‬ونمماِر القطعيممة تممرق القلمموُب ‪ ،‬ونمماِر البممة‬
‫ترق النيِان كلهاِ ‪.51‬‬
‫ومنم أجل أقوُاله " عندماِ سئل ‪ :‬أي شيء يفعل ال بعبده إذا أحبه ؛ قاِل ‪-:‬‬
‫يلهمه الستغفاِر عند التقصيِ ‪ ،‬والشكر له عند النعمة ‪" 52‬‬
‫وصدق رحه ال فإن توُفيق ال لعبده إذا هوُ أحبه يقتضممي إلمماِمه السمتغفاِر والشمكر ‪ ،‬فاِلسمتغفاِر دليممل‬
‫علىَّ اتاِم النفس ف جنب ال ودليل علىَّ مبة العبد لربه ‪ ،‬أماِ الشكر ففوُق أنه يقتضي زيماِدة النعمم ممنم‬
‫الم لعبممده ‪ ،‬فهمموُ دللممة علممىَّ يقظممة القلممب ‪ ،‬وأدبممه الممم مممع خمماِلقه ‪ ،‬واعمتافه بفقممره إلم النعممم ‪ ،‬فمموُجب‬
‫الشكر له ‪.‬‬
‫الحب عنده عطاء إلهي ‪:‬‬
‫والتوُفيممق مممنم الم عممز وجممل للعبممد همموُ الممذي يإنحممه الممب " فــالحب عنــد ســهل عطــاء ووهــب ‪ ،‬وليــس‬
‫عملا ول كسب ا ‪ ،‬هو يفيض من ال دون انتظار أو سؤال من العبد ‪.‬‬
‫وهذه المعية التي يستشعرها التستري أعطاها أهمية قصوى في ضرورة ذكــر المحبــوب علــى لســان‬
‫المحب وقلبه ‪ ،‬وباستغراق المحب في ذكــر محبوبــة ينصــرف الــذاكر عــن كــل لفـظ يــردده اللســان‬
‫إلى حضور قلبي ينسى الــذاكر فيــه نفســه ‪ ،‬ويـأتنس بحضـوره مــع ربــه ؛ فيفنــى عــن نفسـه ببقــائه مــع‬
‫ربه ‪ ،‬ويرى التستري أن الذين يذكرون ال بحضورهم وبقائهم مع الـ أعظـم شــأنا وأعلـى منزلـة مـن‬
‫أولئك الذين يقتصرون في ذكرهم علــى المواســم الشـكلية ‪ ،‬والعبــارات اللفظيــة وذلــك راجــع عنــده‬
‫إلى أن حياة الروح بالذكر ‪ ،‬وحياة الذكر بالذاكر ‪ ،‬وحياة الذاكر بالمذكور ‪. 53‬‬
‫فلسفة الفناء عند التستري ‪-:‬‬

‫قوت القلوب ‪ / 105 / 2‬الحياءا ‪255 / 4‬‬ ‫‪- 50‬‬


‫الشيخ المين ‪ :‬سهل التستري ‪ .‬د ‪ /‬عبد الحليم محمود ‪. 120‬‬ ‫‪- 51‬‬
‫السابق ‪. 121‬‬ ‫‪- 52‬‬
‫من قضايا التصوف ‪. 79‬‬ ‫‪- 53‬‬

‫‪17‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫ماِ تقدم يتضح أن الفناِء عند التستي نتيجة لستغراق الذاكر ف ذكر مبمموُبه ‪ ،‬والممذاكر عنممده يصممل إلم‬
‫حاِلممة يسممتوُي عنممده فيهمماِ الضممداد فلَ خيِم م ول شممر ‪ ،‬ول قممرب ول بعممد ‪ " 54‬ولكممنم سممهلَد ليممس مممنم‬
‫يقوُلوُن باِلفناِء الطلق ‪ ،‬وإناِ هوُ نوُع منم التصاِل الدائم باِل ‪ ،‬نتيجة الشعوُر الدائم بعيتممه ‪ ،‬دون خلممط‬
‫بي الرب والعبد ‪ ،‬هي غيبة للشعوُر عنم الذكر نتيجمة امتلَء القلمب باِلمذكوُر ‪ ،‬وهمذا الغيبة مؤمقتمة ول بد‬
‫أن يعقبهاِ حضوُر أو بقاِء ‪ ،‬فاِلفناِء عنده مؤمقت ل يدوم ‪ ،‬ول بد أن يعقبه صحوُ وحضوُر ‪. " 55‬‬
‫قلت ‪ :‬ومع ذلك فإنني أتساءل دائما وأقول ‪ :‬لمــاذا ل تحصــل هـذه الحــال إل ر لهــؤلء القـوم ؟ !‬
‫وقد كان الصحابة رضي ال عنهم أشد حب ا ل وذكرا له فلم نقرأ عنهم كعشر هذا ‪ .‬وامتلء كتــب‬
‫التصــوف بمثــل هــذه القضــايا هــو مــا دعــاني للتســاؤل الــذي أرجــو أن أســمع جــوابه الشــافي مــن‬
‫أستاذي العـالم الجليـل أد ‪ /‬محمـد الجلينـد ‪ ،‬فسـؤالي هــذا سـؤال جاهــل يبتغــي العلــم ‪ ،‬ل متعنـ ت‬
‫ت‬
‫يبتغي المماراة والجدل ‪.‬‬
‫لفظ المحبة ل معنى ثانيا ا لها عنده ‪:‬‬
‫وماِ يممدر ذكمره أن سممهلَد رحممه الم قماِل فم رسماِلة لممه ‪ -:‬وأممماِ مبمة العبمد لم ‪ ،‬فحاِلمة ‪ ..‬يممدهاِ مممنم قلبمه‬
‫تلطف عنم العباِرة ‪ ،‬أي ل يإكنم التعبيِ عنهاِ بلفظ غيِ لفظ البة ‪ ،‬وقد تمله تلك الاِلة علىَّ التعظيممم‬
‫له ‪ ،‬وإيثاِر رضاِه وقلة الصب عنه ‪ ،‬والهتياِج إليمه ‪ ،‬وعمدم القمرار ممنم دونمه ‪ ،‬ووجموُد التنماِس بدوام ذكمره‬
‫له بقلبه ‪. 56‬‬
‫نواقض الحب عنده ‪:‬‬
‫ونراه أيضاِد ف موُضع أخر يفرق بي المب الذي ينماِقض حمب الم تعماِل ‪ ،‬وبيم الذي هموُ حمب فم الم‬
‫تعاِل فيقوُل ‪ " -:‬منم أحب الدراهم ل يب الخرة ‪ ،‬ومنم أحب البز – ولست أعلممم ممماِذا يقصممد بمماِ‬
‫– ل يب ال ‪ ،‬ول يرج الوُالد والوُلد البي منم البة ؛ لن ذلممك جعممل الم فم القلمموُب نصميباِد لممم ول‬
‫يرجه أيضاِد حب الزوجة بعنم الرفمق بماِ والرحمة لماِ ‪ ،‬ول يرجمه أيضماِد حمب مصماِل الدنياِ ممنم حاِجماِت‬
‫القسمماِم والقلمموُب ممماِ ل بممد منممه ‪ ،‬وليممس ذلممك كلممه يكمموُن ف م مكمماِن مبممة ال م ؛ لن مبممة ال م ف م أن موُار‬
‫اليإمماِن ‪ ،‬ومبممة هممذه الشممياِء ف م مكمماِن العقممل‪ ،‬هكممذا عنممدي ف م الفممرق بي م مبممة ال م ومبممة الخلمموُق ‪،‬‬
‫ويرجه جيع ذلك عند بعض البي منم السلف ‪ ،57‬فأماِ الشتغاِل بذه الشياِء باِليثاِر لاِ علىَّ التفممرغ‬

‫‪ - 54‬السابق والصفحة‬
‫‪ - 55‬السابق والصفحة ‪.‬‬
‫‪ - 56‬الحب اللهى ‪. 67‬‬
‫‪ - 57‬ل أعلم منم يعن بذلك منم السلف إن كاِن علىَّ اصطلَحناِ ‪ ،‬فلَ أعلم أحداد يقوُل بثل هذا ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫لرضمماِة الم والنطمماِط فم أهوُائهمماِ دون مبممة ال م فممإن ذلممك يرجممه عنممد الكممل وعنممدي ‪ ،‬يممرج العبممد مممنم‬
‫حقيقة البة السكوُن إل غيِ ال ‪ ،‬والفرح بسوُاه والزن علىَّ فوُات غيِه إياِه ‪. 58‬‬
‫وهكذا نرىَ أن القشيِي " ل يرىَ ضرورة إل القوُل باِنقطاِع الرء عنم عاِله ‪ ،‬وانشغاِله باِلبة عنم كسممب‬
‫عيشه ‪ ،‬والخذ بأسباِب الياِة ‪ ،‬بل يرىَ أن الرء ماِدام مباِد لربه منفمذاد لواممر الم ‪،‬فمإنه يمب أن يتمثمل‬
‫مكاِرم الخلَق الت هي موُضع حب ال وحب رسوُله ‪ ،‬فينظر إل الناِس بعيم الرحممة والبممة ‪ ،‬بممل كمماِن‬
‫يتمن لوُ يفتدىَ الملدق جيعاِد منم عذاب ال ‪ ،‬رحةد بم وإحساِناِد إليهم ‪. 59‬‬
‫شرط المحبة عند التستري ‪-:‬‬
‫ويتل ممط فم م أقم موُال سممل الب ممة بمماِلعروف ‪ ،‬لن ممه ي ممرىَ ض ممرورة التلَزم بينهممماِ ؛ لن البممة تاِبع ممة للمعرف ممة ‪،‬‬
‫والعرفة شرط ف البة ‪ ،‬والرء ل يب إلل بعد أن يعرف ‪. 60‬‬
‫علمات المحب عند التستري ‪-:‬‬
‫ومممنم علَممماِت الممب عنممده " أن ل يغفممل لسمماِنه عممنم ذكممر حممبيبه ‪ ،‬شمماِكراد لنعمممه ‪ ،‬شممغوُفاِد بممه ‪ ،‬شمماِعراد‬
‫بعيتممه ‪ ،‬مشممتغلَد بتحصمميل أوامممره ‪ . 61‬ويممرىَ أنممه مممنم أعظممم علَممماِت الممب أن ل يشممكوُ حممبيبه ‪ ،‬فقممد‬
‫كاِن يعاِل الناِس منم علة كاِن هوُ يعاِن ألهاِ ‪ ،‬فقيل له ل ل تعاِل نفسك ؟! فقاِل ‪ :‬ضرب الممبيب ل‬
‫يوُجع ‪. 62‬‬
‫مذهب التستري في المحبة ‪-:‬‬
‫ك نم ممنم بدنن م آدددم نم ممنم ظهههمموُنرنهمم‬ ‫ومممذهبه ف م البممة ذو صمملة قوُيممة بمموُقفه مممنم آيممة اليثمماِق " ) دوإنمذ أددخ مدذ دربيم د‬
‫‪63‬‬

‫ت بندربيهكممم دقاِلهوُا بدمدلىَّ دشمنهمدنداِ أدمن تدمهقوُلهموُا يدمموُدم المنقدياِدممنة إننلماِ هكنلماِ دعممنم دهمدذا‬ ‫ن‬
‫ذهيريلمتدمههمم دوأدمشدهددههمم دعلدمىَّ دأنهفسمنهمم أدلدمسم ه‬
‫ي( ‪ 64‬وكذلك حديثه عنم العرفة ‪ ،‬ومذهبه ف التوُحيد يعتمد علممىَّ فهمممه المماِص ليممة اليثمماِق ‪. 65‬‬ ‫نن‬
‫دغاِفل د‬

‫‪ - 58‬قوت القلوب ‪. 134 / 2‬‬


‫‪ - 59‬من قضايا التصوف ‪. 78‬‬
‫‪ - 60‬من قضايا التصوف ‪. 78‬‬
‫‪ - 61‬من السابق والصفحة ‪.‬‬
‫‪ - 62‬الحياءا ‪274 / 4‬‬
‫)إن الـ أخــذ ذريــة‬ ‫للتستري صـ ‪ 151‬تحقيق طه سعد وسعد علي ‪ ،‬في تفسير آية الميثاق مقارنة بحديث‬ ‫‪ - 63‬انظر تفسير القرآن العظيم‬
‫آدم من ظهره ثم } أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى { ثم أفاض بهم في كفيه فقال ‪ :‬هـؤلء فـي الجنـة و هـؤلء فـي النار فأهـل الجنة ميسـرون لعمـل‬
‫أهل الجنة و أهل النار ميسرون لعمل أهل النار( رواه البزار والطبراني والبيهقي ‪).‬صحيح( صــححه اللبــاني فــي صــحيح الجــامع برقــم ‪.1702‬‬
‫و باِلناِسبة قرأت للتستي ف صم ‪ 154‬قوُله " واعلموُا أن للنفس سراد ‪ ،‬ماِ ظهر ذلك السر علىَّ أحد منم خلقه إلدل علىَّ فرعوُن فقاِل ‪:‬‬
‫" أنمماِ ربكممم العلممىَّ "‪،‬فاِقشمعر جلممدي ‪ ،‬وأرجمموُ أن يكمموُن هممذا الكلَم ليممس ممنم كلَمممه خصوُصمماِ وأن شمميخ السمملَم كمماِن يإتممدحه كممثيِاد ‪.‬كمثممل‬
‫قوُله ف الستقاِمة ‪/ 1‬م ‪): 158‬وكلَم سهل بنم عبد ال ف السنة وأصوُل العتقاِدات أسبد وأصوُب منم كلَم غيِه( ‪ ،‬ت د ‪ /‬مممد رشماِد سماِل‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬العراف ‪.172‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪ - 65‬من قضايا التصوف ‪. 78‬‬

‫‪19‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫وماِ دام النساِن قد استمد منم ربممه كمل شميء فلَ يمق للعبممد أن يقطمع صملة البمة بينمه وبيم النعممم عليمه‬
‫‪. 66‬‬
‫وأغرب تعريف للمحبة عنده ‪:‬‬
‫‪67‬‬
‫قوُله ‪ " :‬هي الوُف منم ال تعاِل ! لن الكفاِر أحبوُا ال فلم يؤممنهم ‪ ،‬والؤممنوُن خاِفوُا ال فممأمنهم "‬
‫وهممذا مممنم ل موُازم البممة لشممك ؛ إذ المموُف والرجمماِء كممماِ همموُ معلمموُم جناِحمماِن للمممؤممنم ‪ ،‬والبممة تنبممع مممنم‬
‫الرجاِء السنم ‪ .‬ولعمل الشيخ رحمه الم ذهمب فم قموُله "الكفماِر أحبموُا الم " أي أنمم ظنموُا أنمم يبموُنه ‪،‬‬
‫لكنهم ل يتبعوُا الطريق الوُصلة إليه ‪ ،‬وهي اتباِع الرسل ‪ ،‬فلم يدركوُا ماِ كاِنوُا إليه يصبوُن‬
‫اف ففاتابباعوبني يامحببمباكــمم ا‬
‫ااــ‬ ‫لن التبم مماِع شم ممرط ف م م البم ممة كمم مماِ قم مماِل تعم مماِل ‪) :‬قامل إبمن اكمنتامم تابحبِبوفن ا‬
‫اا فغافومر فربحيمم(‪. 68‬‬ ‫فويفمغفبمر لفاكمم اذانوبفاكمم فو ا‬

‫المبحث الثاني ‪:‬‬


‫المحبة عند المام الجنيد‬
‫تمهيد واعتذار‪-:‬‬
‫لقمد حماِولت جاِهمداد الصمموُل علمىَّ " رسماِئل النيممد " فم مكتبمة الكليمة فلمم أجممدهاِ ‪ ،‬فطفمت وسمعيت بيم‬
‫مكتبمماِت الصمموُفية ف م حممي السممي ‪ ،‬والزهممر وغيِهمماِ ابتغمماِء الصمموُل عليهمماِ فلممم أنممح ‪ ،‬بممل كممدت أتعممرض‬
‫للضممرب مممنم بعممض أربمماِب الكتبمماِت هنمماِك !‪ ،‬إضمماِفة إلم م حسممنم اسممتقباِلم لم م ‪ ،‬الممذي كمماِنت صممفحاِت‬
‫وجهوُهم تعب عنه تاِهي منم تقطيب البي ‪ ،‬وحدة العيني‪ ،‬وارتفمماِع المماِجبي الممدالي علممىَّ شممدة المتعمماِض‬
‫ت ونمماِفقت ه‪ ،‬فلممم‬
‫منم ! ‪ ،‬وكممأنن ارتكبممت حرام ماِد فم الشممهر الممرم ‪ ،‬رغممم أن م تلطفممت فم العبمماِرات ‪ ،‬وتلق م ه‬
‫أفلح ‪ ،‬فوُليت مدبراد ! ‪.‬‬
‫‪ . - 66‬السابق والصفحة ‪.‬‬
‫د ‪ :‬مصطفى حلمي ‪.‬‬ ‫‪ - 67‬مع المسلمين الوائل‬
‫‪ - 68‬آل عمران ‪.31‬‬

‫‪20‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫وكممدت أحممزن ‪ ،‬لمموُل أن عزائممي ف م أن كلمــات المــام الجنيــد ف م البممة مبثوُثممة ف م كتممب التصمموُف القديإممة‬
‫والديثة ‪ ،‬سوُاء كاِنت لنم ينتسبوُن إليه كاِلماِم الغزال ‪ ،‬وأب طاِلب الكمي والقشمميِي ‪ ،‬أم كماِنت للناِقمدينم‬
‫أمثاِل شيخ السلَم وتلميذة ابنم القيم ‪ ،‬أو منم العلماِء العاِصرينم ‪:‬‬
‫أمثاِل أ د ‪ /‬ممد الليند ‪ ،‬و أ د ‪ /‬عبد الفتمماِح الفمماِوي ‪ ،‬و أ د ‪ /‬مصممطفي حلمممي ‪ ،‬وغيِهممم مممنم كتبموُا عممنم‬
‫التصوُف باِعتدال ل إفراط فيه ول تفريط ‪.‬‬
‫أما الجنيد رحمه الله ‪:‬‬
‫ف م ) مممذهبه مؤمسممس علممىَّ الصممحوُ ‪ ....‬وطريقممه أشممهر طريممق وقممد سمملك الشمماِيخ عليممه‪ ،‬ول م يلتفممت لكممثرة‬
‫القوُال الختلفة ف أصوُل الصوُفية ‪ ...‬جاِء ف " الكاِياِت أن السي بنم منصوُر اللَج – ف حاِل غلبته‬
‫– تممرك صممحبة عمممرو بممنم عثممماِن الكممي ‪ ،‬وأتممىَّ إلم م النيممد طاِلبم ماِد الصممحبة فقمماِل لممه النيممد ‪ :‬أنمماِ ل أجتمممع‬
‫باِلاِني ‪ ،‬والصحبة تتطلب كماِل العقل ‪ ،‬فإذا ل يتوُفر ذلك تصرفت معي كماِ تصرفت مع سممهل بممنم عبممد‬
‫ال التستي وعمراد فقاِل له السي ‪ -:‬ياِ شيخ ‪ ،‬الصحوُ والسكر صفتاِن للعبممد ‪ ،‬ومممدام العبمد مجوُبماِ عمنم‬
‫ربه نفىَّ صفاِته ‪ ،‬فقاِل لمه النيمد ‪ -:‬ياِ ابنم منصموُر أخطمأت فم الصمحوُ والسمكر ‪ ،‬لن الصمحوُ بلَ خلَف‬
‫عباِرة عنم صحة حاِل العبد مع الق ‪ ،‬وذلك ل يدخل تت صمفة العبممد واكتسماِب اللمق ‪ ،‬وأنماِ أرىَ يماِ ابمنم‬
‫‪69‬‬
‫منصوُر ف كلَمك فضوُلد كثيِاد وعباِرات ل طاِئل تتهاِ ‪.‬‬

‫الفناء عند الجنيد‪-:‬‬


‫نعلممم بدايممة أن النيممد مممنم القمماِئلي باِلفنمماِء ‪ ،‬ولكممنم فنمماِءه يتلممف عممنم النمممط الممذي نممده لممدىَ البسممطاِمي‬
‫واللَج ؛ ذلممك أن النيممد ل يممذهب إلم اللمموُل أو التمماِد فم قموُله باِلفنمماِء ‪ ،‬وإنمماِ يتفممظ باِلصممحوُ ويرفممض‬
‫الشطح ويؤمثر البقماِء علمىَّ الفنماِء ‪ ،‬وقموُله باِلفنماِء يعموُد إلم ممذهبه الماِص فم التوُحيمد ‪ ،‬توُحيمد إرادة العبمد ممع‬
‫إرادة ال ‪ ...‬ويرىَ ابنم تيميمة أن النيمد ممنم التصموُفة العتمدلي فم قموُلم باِلفنماِء ؛ ولمذلك كماِن يتجح كمثيِاد‬
‫‪70‬‬
‫بأقوُاله ف الفناِء علىَّ أولئك الذينم ذهبوُا إل نوُع منم اللوُل أو التاِد ف فناِئهم ‪.‬‬
‫ممنم هنماِ نستطيع تتبمع أقموُال النيمد فم البمة علمىَّ همذا السماِس والتقعيمد لعقيمدته ؛ لنمدرك الفمرق بيم أقموُاله‬
‫وأقوُال بقية أهل التصوُف ممنم ذكرنماِ ‪ ،‬لسيماِ وأننماِ قد عرضمناِ فيمماِ مضمىَّ شيئاِد ممنم أقموُال النيمد ‪ ،‬ومممدح‬
‫الئمة لعقيدته واعتداله ‪.‬‬
‫فلسفة المحبة عند الجنيد ‪:‬‬
‫ذكر القشيِي ف الرسالة ‪ 71‬أن أباِ بكر الكتاِن قاِل ‪:‬‬
‫‪ - 69‬كشف المحجوب للهجويري ‪ .‬طبعة الزهر ‪ .‬ترجمة محمود أحمد ماضي أبو العزايم ‪.‬‬
‫‪ - 70‬من قضايا التصوف ‪.75‬‬
‫‪ - 71‬صـ ‪ 429‬بتحقيق هاني الحاج ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫جرت مسألة ف البة بكة أياِم الوُسم فتكلم الشيوُخ فيهاِ وكاِن النيد أصغرهم سناِد فقاِلوُا ‪ :‬هاِت ممماِ عنممدك‬
‫ياِ عراقي ‪ ،‬فاِطرق رأسه ودمعت عيناِه ث قاِل ‪ :‬عبهد ذاهل عنم نفسممه ‪ ،‬متصمل بممذكر ربمه ‪ ،‬قماِئم فم حقموُقه ‪،‬‬
‫ناِظر إليه بقلبه ‪ ،‬أحرق قلبه أنوُار هوُيته ‪ ،‬وصفاِ شربه منم كأس وده ‪ ،‬وانكشممف لمه البماِر مممنم أسمتاِر عينيممه‬
‫‪ ،‬فإن تكلم فباِل ‪ ،‬وإن نطق فعنم ال ‪ ،‬وإن ترك فبأمر ال ‪ ،‬وأن سكت فمع ال ‪ ،‬فهمموُ بمماِل ولم ومممع الم‬
‫‪ ،‬فبكىَّ الشيوُخ وقاِلوُا ‪ :‬ماِ علىَّ هذا منم مزيد ‪. 72‬‬
‫وهذا الذي قاِله رحه ال هوُ ماِ فهمه منم حديث النب صلىَّ الم عليمه وسملم عمنم ربمه تعماِل فم حمديث الموُل‬
‫‪) :‬فإذا أحببته ‪ ,‬كنت سعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ‪ ,‬ويده الت يبطش بمماِ ‪ ,‬ورجلممه الممت يإشممىَّ‬
‫بمماِ ( ‪ ،‬فهممذا يؤمكممد ممماِ ذكرنمماِه عممنم النيممد وأنممه مممنم قيممد تصمموُفه باِلكتمماِب والسممنة ‪ ،‬فكمماِن ثنمماِء شمميخ السمملَم‬
‫عليه بقوُله ‪) :‬فإن النيد ‪ -‬قدس ال روحه ‪ -‬كاِن منم أئمة الدىَ(‪. 73‬‬
‫وهذا منه رحه ال مطاِبق لقوُل ال تعاِل‪ ):‬قهمل إنمن هكمنتهمم هنتيبوُدن اللهد دفاِتلبنعهوُنن هميبنمبهكممم اللمهه دويدممغنفممر لدهكممم ذهنمهموُبدهكمم‬
‫دواللهه دغهفوُةر درنحيةم )‪ ، 74((31‬يقوُل ابنم كثيِ ‪-‬رحممه الم – "هممذه اليمة الكريإممة حاِكممة علممىَّ كممل مممنم ادعممىَّ‬
‫مبة ال وليس هوُ علىَّ الطريقة المدية فإنه كاِذب ف دعوُاه ف نفس المر حت يتبممع الشممرع المممدي وقمماِل‬
‫‪75‬‬
‫الس م م ممنم البص م م ممري وغيِ م ممه م م م ممنم الس م م مملف ‪:‬زع م م ممم أقم م م موُام أن م م ممم يب م م مموُن الم م م م ف م م مماِبتلَهم الم م م م ب م م ممذه الي م م ممة"‬
‫ويقوُل الشيخ ممد المي الشنقيطي ‪ -‬رحممه الم ‪": -‬يؤمخممذ مممنم همذه اليمة الكريإمة أن علَمممة البمة الصمماِدقة‬
‫ل ورسوُله –صلىَّ ال عليه وسلم‪ -‬هي اتباِعه –صمملىَّ الم عليممه وسمملم‪ -‬فاِلمذي يماِلفه ويمدعي أنممه يبمه فهموُ‬
‫كاِذب مفت؛إذ لوُكاِن مباِد له لطاِعه ‪ ،‬ومنم العلوُم عند العاِمة أن البة تستجلب الطاِعة ومنه قمموُل الشمماِعر‪:‬‬
‫إن الب لنم يب مطيع"‪.76‬‬ ‫لوُ كاِن حبك صاِدقاِد لطعته‬
‫فاِلبممة عنممد النيممد رحممه ال م معقممد النسممبة بي م الممرب وبي م العبممد ‪ ،‬فممإنه ل نسممبة بي م ال م وبي م العبممد إل‬
‫مممض العبوُديممة مممنم العبممد ‪ ،‬ومممض الربوُبيممة مممنم الممرب ‪ ،‬والبممة هممي معقممد هممذه النسممبة ‪ ،‬وهممي روح اليإمماِن‬
‫والعماِل ‪ ،‬وقد ذهب أهلهاِ بشرف الدنياِ والخرة ‪ ،‬إذ لم منم معية مبمموُبم أوفممر نصمميب ‪ ،‬فماِلرء مممع مممنم‬
‫أحب ‪ ،‬والبة هي اليل الدائم باِلقلب الاِئم ‪ ،‬وإيثاِر البموُب علمىَّ جيمع الصمحوُب ‪ ،‬وموُافقمة البموُب فم‬
‫الشهد والغيب ‪ ،‬وهوُ استكثاِر القليل منم التقصيِ واستقلَل الكثيِ منم الطاِعة ‪ ،‬وهمي أن تمب كلممك لمنم‬

‫‪ - 72‬ينظر من قضايا التصوف ‪. 59‬‬


‫‪ - 73‬الفرقان بين أولياءا الرحمن وأولياءا الشيطان ‪. 36‬‬
‫‪ -‬آل عمران‪.31/‬‬ ‫‪74‬‬

‫‪ - 75‬ابنم كثيِ ‪.366/1‬‬


‫‪ - 76‬أضوُاء البياِن ‪.217/1‬‬

‫‪22‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫أحببممت فلَ يبقممىَّ لممك منممه شمميء ‪ ،‬وهممي أن تممب إرادتممك ‪ ،‬وعزمممك ‪ ،‬وأفعاِلممك ‪ ،‬ونفسممك ‪ ،‬وماِلممك ‪،‬‬
‫ووقتك لنم تب ‪ ،‬وتعلهاِ حبساِد ف مرضاِه وماِببه‪.‬‬
‫مفهوم المحبة عنده ‪:‬‬
‫قاِل أبوُ عمرو الزجاِجي ‪ :‬سألت النيد عنم البة‪ ,‬فقاِل ‪ :‬تريد الشاِرة ؟ قلت ‪ :‬ل ‪ ,‬قاِل ‪ :‬تريممد الممدعوُىَ ؟‬
‫قلت ‪ :‬ل قاِل ‪ :‬فأي شئ تريد ؟ قلت ‪ :‬عي البة ‪ 0‬فقاِل ‪ :‬أن تب ماِ يب الم تعمماِل فم عبمماِده ‪ ,‬وتكممره‬
‫ممماِ يكممره الم تعمماِل فم عبمماِده ‪،‬ول يإكممنم فهمم نظريممة النيممد فم البمة الليممة بعممزل عممنم نظريمماِت أخممرىَ لممه مثممل‬
‫نظريتممه فم التوُحيممد ‪ 0‬فيِىَ النيممد أن أرواح البشممر آمنممت منممذ الزل بمماِل تعمماِل وأقممرت بتوُحيممده وهممي لم تممزل‬
‫بعممد فم عمماِل الممذر وقبممل أن يلممق الم العمماِل والجسمماِم الاِديممة الممت هبطممت تلممك الرواح إليهمماِ ‪ ,‬وأن هممذا همموُ‬
‫التوُحيد الكاِمل الاِلص لنه صدر عمنم أرواح مطهمرة ممردة عمنم أعمراض البمدن وآفماِته ‪ 0‬موُجموُدة ل بوُجوُدهماِ‬
‫التعي الاِص ‪ ,‬بل وجوُد الق ذاته ‪ .‬ولقد أنزل ال سبحاِنه هذه الرواح منم علياِئهاِ إل عاِلناِ هممذا وألبسمهاِ‬
‫ابدأناِ قصدا للبلَء والختباِر ‪ ,‬فشغل بعضهاِ بأغراض الدنياِ ونسىَّ أصله وموُطنه ‪ ,‬وحممنم بعضممهاِ إلم العمموُدة‬
‫إل ذلك الصل وجعل غماِيته الوُفمماِء بمذلك اليثماِق المذي أخممذه الم عليممه‪ ,‬والرجموُع إلم تلممك المماِل المت كمماِن‬
‫عليهمماِ قبممل أن يوُجممد ف م هممذا العمماِل ‪ 0‬فممإذا ت م لممذه الرواح ممماِ أرادت ‪ ,‬وحممدت ال م تعمماِل التوُحيممد الكاِمممل‬
‫المماِلص ‪ -‬أو ممماِ يقمماِربه‪ -‬وفنيممت عممنم وجوُدهمماِ الزمنم وبقيممت بمماِل وحممده ‪ 0‬وفم هممذا الفنمماِء فم الممق يتحقممق‬
‫معن الب له ‪ 0‬إذ الفناِء عنم الذات التعينة هوُ عي البة لنم تبقىَّ الذات حية فيه ول تشهد سوُاه ‪.‬‬
‫إن جوُهر التصوُف عند النيد هوُ الفناِء عنم الذات والبقاِء باِل تعاِل‪ ,‬أو هموُ الوُصمموُل إلم حماِل يكموُن فيهماِ‬
‫الق سع العبد وبصره علىَّ حد تعبيِ الديث القدسي ‪ 0‬وف هذه الاِل يصبح الوُجوُد الذات التعيم وجمموُدا‬
‫أت م وأكمممل عممنم طريممق البقمماِء بمماِل وف م ال م ‪ 0‬ولكنهمماِ حمماِل ل تممدوم ‪ ,‬فمماِن العبممد يعمموُد بعممدهاِ إل م حمماِل مممنم‬
‫الصممحوُ الصمموُف يشممعر فيهمماِ بإثنينيممة الممب والبمموُب‪ ,‬فيسممتأنف النيم م إلم م مبمموُبه مممنم جديممد ويشممتاِق إلم م‬
‫التصاِل به ‪.‬‬
‫علمات المحب عنده ‪:‬‬
‫يقول الجنيد ف وصف الب صاِحب هذا الاِل ‪ " :‬عبد ذاهب عنم نفسه ‪ ,‬متصل بذكر ربمه ‪ ,‬قاِئم بأداء‬
‫حقمموُقه ‪ ,‬نمماِظر إليممه بقلبممه ‪ 0‬أحممرق قلبممه أن موُار همموُيته وصممفاِء ش مربه مممنم كممأس وده ‪ ,‬وانكشممف لممه البمماِر مممنم‬
‫أستاِر غيبه ‪ 0‬فإذا تكلم فباِل‪ ,‬وان نطق فمنم ال ‪ ,‬وان ترك فبأمر ال‪ ,‬وان سكت فمع ال ول وممع الم "‬
‫‪77‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ - 77‬الحب اللهي الفكرة جذورها وامتدادها د ‪ 0‬ممد احد عبد القاِدر‪. 5 .‬‬

‫‪23‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫ومنم أغرب الكاِياِت الت تروىَ عنممه ول أعلممم سممندهاِ ممماِ ذكممره الغزالم فم الحيمماِء ‪ 78‬أنممه قمماِل ) هحكممي عممنم‬
‫النيد أنمه قاِل ممرض اسمتأذناِ السمري رحمه الم فلمم نعمرف لعلتمه دواء ول عرفنماِ لماِ سبباِد ‪ ،‬فوُصمف لنماِ طبيب‬
‫حمماِذق ‪ ،‬فأخممذ قمماِرورة ممماِئه منظممر إليهمماِ الطممبيب وجعممل ينظممر إليممه مليماِد ثم قمماِل لم ‪ -:‬أراه بمموُل عاِشممق ! قمماِل‬
‫النيممد ‪ :‬فصممعقت وغشممي علممي ووقعممت القمماِرورة مممنم يمدي ‪ ،‬ثم رجعممت إلم السممري فممأخبته ‪ ،‬فتبسممم وقمماِل ‪:‬‬
‫قاِتله ال ماِ أبصره قلت ‪ :‬ياِ أستاِذ وتبي البة ف البوُل قاِل ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫وقلممت إضمماِفة إلم أن هممذه القصممة ل يعممرف سمندهاِ ‪ ،‬فإنمماِ تمماِلف الصمموُل المت نعرفهمماِ عممنم النيممد مممنم رفضممه‬
‫لستعماِل " لفظ العشق أو الشوُق ف موُضع البة ‪ " 79‬ومهماِ يكنم مممنم أمممر فهممي دالممة علممىَّ شممفاِفيته رحممه‬
‫ال وشدة تأثره ‪ ،‬ومبته ل تعاِل ‪ ،‬وعجبه منم يصل به الب إل هذه الاِل الت رؤي أثر البة فيهاِ ف أمر‬
‫ل يطر علىَّ باِل أحد ‪ .‬وأعيد قوُل _ إن صحت هذه الكاِية ‪. -‬‬
‫علمة المحبة عنده ‪:‬‬
‫والنيممد رحممه ال م مممنم منطلممق صممفاِء معتقممده يعممب عممنم علمــة المحبــة عنممده فيقمموُل " دوام النشمماِط الممدؤوب‬
‫بشهوُة يفت بدنه ول يفت قلبه ‪" 80‬‬
‫وقد صدر عنم النيد عباِرات موُهة باِجة إلم تأممل وإمعماِن نظمر فيهماِ ممنم حيمث نسبتهاِ إليمه ‪ ،‬وصمحتهاِ فم‬
‫نفسممهاِ ومممدىَ مطاِبقتهمماِ للمعتقممد الصممحيح ؛ وذلممك مثممل قموُله ‪ :‬فقممدت يوُمماِد قلممب ‪ ،‬فقلممت يمماِ إلممي رلد علممي‬
‫‪81‬‬
‫قلب ‪ ،‬فسمعت مناِدياِد يقوُل ‪ :‬ياِ جنيد ننم سلبناِك القلب لكي تكوُن معناِ ‪ ..‬أتريد أن تبقىَّ مع غيِناِ‬
‫فهذه العباِرة توُهم بأن النيد رحه ال رباِ يقوُل باِلتاِد كماِ ذكر ذلك أستاِذناِ د ‪ /‬الليند ‪.‬‬
‫ومثلهاِ قوُله ‪-:‬‬
‫‪ ‬التصوُف هوُ أن يإيتك الق عنك ويإيتك به " ‪.‬‬
‫‪ " ‬منم يقوُل " ال " دون أن يراه فهذا كذب ‪.‬‬
‫‪ " ‬منم زعم معرفة الوُجوُد جهل عند حصوُل العلم ‪ ،‬قاِلوُا أضف أنت ‪.‬‬
‫فقاِل ‪ :‬إنه هوُ العاِرف والعروف ‪.‬‬
‫‪ " ‬ممماِ دمممت تقمموُل " الم " وتقمموُل " عبممد " فهممذا شممرك لن العمماِرف والعممروف واحممد ‪ ،‬كممماِ قمماِلوُا ‪:‬‬
‫ليس ف القيقة إلل هوُ ‪ .‬هاِ هناِ ال فأينم العبد أي أن الكل هوُ ال ‪. 82‬‬
‫أو إقراره للسري عندماِ قاِل الخيِ ‪ -:‬ل تصلح البة بي اثني حت يقوُل الوُاحد للخر ياِ أناِ ‪. 83‬‬
‫‪262 / 4‬‬ ‫‪- 78‬‬
‫من قضايا التصوف ‪. 58‬‬ ‫‪- 79‬‬
‫قوت القلوب ‪. 108 / 2‬‬ ‫‪- 80‬‬
‫من قضايا التصوف ‪. 61‬‬ ‫‪- 81‬‬
‫من قضايا التصوف ‪. 62‬‬ ‫‪- 82‬‬
‫الرسالة القشيرية ‪. 427‬‬ ‫‪- 83‬‬

‫‪24‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫فهذه عباِرات إن كاِنت صمدرت منمه وثبمت عنمه فهمي ميفمة فعلَد تنماِف كمل مماِ تقمدم ممنم سلَمة العتقمد‬
‫وصفاِئه ‪ ،‬والظنم به غيِ ذلك رحه ال ‪ ،‬والعذر له وارد ‪ ،‬ويغمر ذلك ف بممر حسممناِته ‪ ،‬وإن اعتممذرناِ لممه‬
‫فلنمماِ سمملف ف م اعتممذار ابممنم تيميممة رحممه ال م للشممبلي ‪ ،‬و اعتممذار ابممنم القيممم للهممروي رحممه ال م ف م الممدارج‬
‫وغيِهم كثيِ ‪ ،‬وبعض عباِراتم أشد وأنكىَّ ‪.‬‬
‫ومثلهمماِ أيضماِد إقمراره لمماِله اللسممري علممىَّ إحممدىَ شممطحاِته عنممدماِ دفممع إليممه السممري رقعممة وقمماِل لممه ‪ -:‬هممذه‬
‫خيِ منم سبعماِئة قصة أو حديث يعلوُ ‪ ،‬فإذا فيهاِ ‪-:‬‬
‫فماِل أرىَ العضاِء منك كوُاسياِد‬ ‫ولاِ ادعيت المب قاِلمت كذبتن‬
‫وتذبمل حت ل تيمب الناِدياِ‬ ‫فماِ الب حت يلصق القلب باِلشاِ ‪،‬‬
‫‪84‬‬
‫سوُىَ مقلمة تبكي أباِ وتناِجياِ‬ ‫وتنحل حت ل يبقمي لك الموُىَ‬
‫فاِلعتاض هناِ علىَّ قوُله " أو حديث " فمت كاِنت هذه البياِت أفضل منم كلَم سيد الرسلي صمملىَّ‬
‫ال عليه وسلم إلل ف عرف السري وأمثاِله ‪.‬‬
‫ناقض المحبة عنده ‪:‬‬
‫ونرىَ النيد رحه ال ف موُضع آخممر يريممد أن يؤمصمل معنم البمة فيقمموُل ‪ -:‬كمل مبمة كماِنت لغمرض ‪ ،‬إذا‬
‫زال الغرض زالت تلك البة ‪" 85‬‬
‫وهذا صحيح نلمسه اليوُم ف حاِل بعض التاِئبي تت أسباِب شيء ‪ ،‬إذا زال الدافع له إل التوُبممة زالممت‬
‫ض ألل بمه فلمماِ زال المرض رجمع إلم الذنب ممرة أخمرىَ والعيماِذ باِل ‪،‬‬ ‫التوُبة كمنم يتوُب منم الزناِ مثلَد لر س‬
‫وقديإاِد قاِلوُا ‪:‬‬
‫لاِ انتهىَّ المر ل صلبىَّ ول صاِماِ‬ ‫صلىَّ الصلي لمسر كاِن يطلبه‬
‫وف السياِق ذاته نلحظ إقرار النيد رحه ال للشيخ الاِرثا الاِسب علىَّ قوُله ‪:‬‬
‫البممة ميلممك الشمميء بكليتممك ثم إيثمماِرك لممه علممىَّ نفسممك وروحممك وماِلممك ثم موُافقتممك لممه سمراد وجهمراد ثم‬
‫علمك بتقصيِك ف حبه ‪. 86‬‬
‫تعريف مبهم للمحبة عنده ‪:‬‬
‫وحوُل هذا العن يدور كلَم النيد نفسه عندماِ يقوُل ‪ " -:‬المحبة إفراط الميــل بل نيــل ‪ . " 87‬قمماِل‬
‫ابنم القيمم رحمه الم ‪:‬وهمذا المد ل يعطي تصموُر حقيقمة البمة ‪ ،‬فمإن البة أعمرف عنمد القلمب ممنم اليل ‪،‬‬

‫الرسالة القشيرية ‪. 426‬‬ ‫‪- 84‬‬


‫السابق والصفحة ‪.‬‬ ‫‪- 85‬‬
‫الرسالة ‪. 427‬‬ ‫‪- 86‬‬
‫السابق ‪. 426‬‬ ‫‪- 87‬‬

‫‪25‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫وأيضاِد فإن اليل ل يدل علممىَّ حقيقممة البمة ‪ ،‬فإنمماِ أخمص مممنم ممرد ميمل القلممب ‪ ،‬إذ قمد يإيمل قلممب العبمد‬
‫‪88‬‬
‫إل الشيء ول يكوُن مباِد له لعرفته بضرته له ؛ هسي هذا اليل مبة فهوُ اختلَف عباِرة ‪.‬‬
‫أماِ قوُله بلَ نيل فلَ أدري ماِذا أراد به ‪ ،‬ولعلي أسع نفسيِهاِ منم أستاِذي الليند وفقه ال ‪.‬‬
‫استغراق القلب في محبة المحبوب‪:‬‬
‫وسممئل أيض ماِد عنهمماِ فقمماِل ‪" -:‬المحبــة دخــول صــفات المحبــوب علــى البــدل مــن صــفات المحــب "‬
‫أشاِر بذا إل استيلَء ذكر البوُب حت ل يكوُن الغاِلب علىَّ قلمب المب إلل صمفاِت البموُب والتغاِفمل‬
‫باِلكلية عنم صفاِت نفسه والحساِس باِ ‪ . 89‬وقد ذكرناِ ساِبقاِد مصداق ذلك ف حديث ) الوُل ( ‪.‬‬

‫تأثير المحبة عنده في سعادة القلب ‪:‬‬


‫وف هذه الاِلة يصل القلب إل منتهىَّ سعاِدته وفرحه بربه عز وجل واستناِرته به كماِ قاِل النيد أيضاِد ‪:‬‬
‫" المحبة نفسها قرب القلب من ال بالستنارة والفرح ‪" 90‬‬
‫علمة كمال الحب عنده ‪:‬‬
‫وقاِل " علمة كمال الحب دوام ذكره في القلب بالفرح والسرور والشوق إليه والنس به ‪. " 91‬‬
‫ومنم أجل ماِ نقل النيد رحه ال عنم خاِله السري أنه دخل عليه ف مرضه قاِل النيد فقلت ‪:‬‬
‫كيف تدك ؟ فقاِل ‪-:‬‬
‫كيف أشكوُ إل الطبيب لاِ ب‬
‫والذي قد أصاِبن منم طبيب‬
‫ليس ل راحة ول ل شفماِءه‬
‫‪92‬‬
‫منم سقاِمي ألل بوُصل حبيب‬

‫وماِ يرويه عنم سنوُن الب قوُله ‪-:‬‬


‫كاِن سنوُن الب منم أقيم ف مقاِم البة وكاِن إذا تكلم ف البة كاِد الصخر أن يتصممدع لكلَممه ويقمماِل‬
‫أن قناِديممل السممجد كمماِنت تتلَطممم وتنكسممر عنممدماِ يتكلممم ف م البممة ويهيممم وتت موُله عقمموُلم ويصمميِون ف م‬
‫دهش وحيِة حت الطيوُر تيم عند ساِع كلَمه ‪ ،‬ونزل عليمه يوُمماِد طماِئر وهموُ يتكلمم فم البمة ومشمىَّ بيم‬

‫طريق الهجرتين وباب السعادتين ‪ .254 .‬ط دار الكتاب العربي ‪.‬‬ ‫‪- 88‬‬
‫الرسالة القشيرية ‪. 425‬‬ ‫‪- 89‬‬
‫قوت القلوب ‪. 117‬‬ ‫‪- 90‬‬
‫السابق ‪. 124‬‬ ‫‪- 91‬‬
‫الحب اللهي ‪. 47‬‬ ‫‪- 92‬‬

‫‪26‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫يديه حت قعد ف حجره ث نمزل عمنم حجمره إلم الرض وضممرب بنقمماِره علمىَّ الرض حمت خمرج المدم مممنم‬
‫منقاِره وماِت ‪.93‬‬
‫فهذه مباِلغة شديدة إذ ل ندثا أن الطيِ رددت مع أحد أو هاِمت به إلل مع داود عليمه السملَم ‪ ) :‬دياِ‬
‫ن‬
‫طيمدر (‪ 94‬ول أعظمم ممنم كلَم النمب صملىَّ الم عليمه وسملم‪ ،‬وممع همذا لم نسمع بوُقموُع‬ ‫جدباِهل أديونب دمدعهه دوال لم‬
‫مثله أو أقل عند تديثه صلىَّ ال عليه وسلم وكلَمه عممنم ربمه ‪ ،‬وليمس همذا إنكماِراد للكراممماِت ولكنمه دفمع‬
‫للمباِلغاِت ‪. 95‬‬
‫أقسام الناس في المحبة عند الجنيد ‪-:‬‬
‫قاِل النيد " الناس في محبة الـ خـاص وعــام فــالعوام نـالوا ذلـك بمعرفتهــم فــي دوام إحسـانه وكـثرة‬
‫نعمــه فلــم يتمــالكوا أن أرضــوه إلل أنهــم تقــل محبتهــم وتكــثر علــى قــدر النعــم والحســان ؛ فأمــا‬
‫الخاصة فنالوا المحبـة بعظـم القـدر والقـدرة والعلـم والحكمـة والتفـرد بالملـك ‪ ،‬ولمـا عرفـوا صـفاته‬
‫الكاملة وأسماءه الحسنى لم يمتنعوا أن أحبوه إذ استحق عندهم المحبة بــذلك لنــه أهــل لهــا ولــو‬
‫زال عنهم جميع النعم " ‪. 96‬‬
‫وهذا الكلَم طيب موُافق لنصوُص الكتماِب والسنة وأقسماِم الناِس فم تعماِملهم ممع الم تعماِل مبمة وعبماِدة‬
‫إل غيِ ذلك ‪.‬‬
‫ويشمهد لمه مماِ قمرره أسمتاِذناِ المدكتوُر ‪ /‬اللينمد بعمد أن ذكمر مستوُيي فم البمة ‪ ،‬السماِبقي ‪ ،‬والقتصمدينم‪،‬‬
‫قاِل إن ‪ " :‬الناِس هناِ درجاِت حسب صفاِء قلوُبم وامتلَئهاِ بب ال‪:‬‬
‫‪ -1‬فهناِك قموُم يإلكموُن القمدرة و الرادة والبمة ‪ ،‬لكنهمم يتوُجهموُن بماِ إلم مماِ حمرم الم ونمىَّ عنمه ‪،‬‬
‫فيحبوُن ماِ أبغض ال ‪ ،‬ويبغضوُن ماِ أحب ال ‪ ،‬وهذا حاِل كثيِ منم اللق ‪.‬‬
‫‪ -2‬وهنمماِك مممنم يإلممك القممدرة والرادة والبممة ‪ ،‬ويتوُجهمموُن بماِ إلم تقيمق معنم الممب لم ‪ ،‬وفم المم‪،‬‬
‫فهؤملء ساِدة البي ‪ ،‬وهذه البة الصاِدقة هممي المت تمدفع المؤممنم إلم فعممل الطاِعمة حبماِد لمماِ وتمرك‬
‫العصية كرهاِد لاِ ‪.‬‬

‫‪ - 93‬الحب اللهي ‪. 48‬‬


‫‪ - 94‬سورة ‪ :‬سبأ ‪. 10 .‬‬
‫‪ - 95‬وقفت بعد كتابتها على النص بحروفه في الستقامة ‪ 89 / 2‬لشيخ السلم ولم يعلق عليه أو يتعقبه فال تعالى أعلم ‪ ،‬وذلك‬
‫فضل ال يؤتيه من يشاء ‪.‬‬
‫‪ - 96‬الحياءا ‪ ، 263 / 4‬الحب اللهي ‪. 38‬‬

‫‪27‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫وهنمماِك مممنم يإلممك الرادة الصمماِدقة والبممة التاِمممة ‪ ،‬ولكممنم تنقصممه القممدرة والسممتطاِعة التاِمممة ‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫فهؤملء يأتوُن ماِ يبه ال ورسوُله قدر استطاِعتهم ‪ ،‬وف حق هؤملء قاِل صلىَّ ال عليممه وسمملم‪):‬‬
‫إن أقوُاماِ باِلدينة خلفناِ‪ ،‬ماِ سلكناِ شعباِ ول وادياِ إل وهم معناِ فيه‪ ،‬حبسهم العذر ((‪. 97‬‬
‫وهناِك قسم رابع فيه قمدرة ناِقصمة ‪ ،‬وإرادة للحممق قاِصممرة ‪ ،‬وفيمه ممنم إرادة الباِطمل الممر الكمثيِ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫‪98‬‬
‫وهذا شأن ضعفاِء الؤممني " ‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪:‬‬


‫مقارنة بين الجنيد والتستري في المحبة‬

‫تلك القوُال الت وقفت عليهاِ آنفاِد للماِمي هي كل ماِ استطعت الوُصموُل إليمه فم طيماِت الكتمب لعمدم‬
‫وجوُد كتب مؤملفة ف هذه القضية منم قبلهمماِ ؛ ونظممرة سمريعة علممىَّ أقوُالممماِ فم البمة نسمتطيع ممنم خلَل‬
‫القوُل بأن ‪-:‬‬
‫‪ – 1‬سهلَد التستي رحه ال كاِنت ألفاِظه وتعاِبيِه أقرب إل روح الشمريعة فم الوُضمموُح وعممدم الغممموُض‬
‫منم النيد مع أن النيد كاِن كثيِاد ماِ ينتقد الصوُفية الستخدمي لغوُامض اللفاِظ ‪ ،‬والمثلة علىَّ ذلممك‬
‫مرت معناِ ف طياِت البحث ‪.‬‬
‫‪ – 2‬ل ألظ مأخذاد كبيِاد علىَّ سهل التستي ف أقوُاله سوُىَ ماِ ذكرت عنم الفنماِء ‪ ،‬وممر التعليمق علمىَّ‬
‫ذلك هناِك ؛ أماِ النيمد فقمد ممر بنماِ الكلَم أستاِذناِ أد ‪ /‬اللينمد حموُل ورود بعض أقموُاله فم البة الوُهة‬
‫بممأنه يقمموُل باِلتمماِد ‪ .‬أو ق موُله الممذي أرجمموُ أل يثبممت عنممه وهمموُ قموُله فم التفسمميِ أن السممر ل م يكتشممفه إلل‬
‫فرعوُن بقوُله " أناِ ربكم العلىَّ " وقد ذكرت أن شيخ السلَم كمماِن يسممميه "من أئمــة الهـدى " فممأرجوُ‬
‫أل يكوُن ذلك ف كلَمه ‪.‬‬
‫‪ -3‬توُافق التستي والنيد ف فهمهاِ لية اليثاِق الت بن عليهاِ توُحديهماِ ‪.‬‬
‫وباِلملة فإن الرجلي ل يوُجد بينهماِ كبيِ فمرق فم التماِه والنظمرة للمحبمة والتعمبيِ بلساِن الماِل والقماِل‬
‫عنهمماِ بممل نممد أن كليهممماِ يرفضمماِن القمموُل الممذي ل يصمماِحبه فعممل ‪ ،‬وكلممماِتم الممت مممرت معنمماِ تؤميممد هممذا‬
‫فرحهماِ ال وغفر لماِ وجعناِ بماِ ف جناِت النعيم ‪..‬‬

‫‪ - 97‬البخاري ‪ 4/26 :‬كتاب الجهاد ‪ :‬باب من حبسه العذر ‪ .‬صحيح الجامع ‪ :‬حديث رقم )‪.(2036‬‬
‫‪ - 98‬من قضايا التصوف ‪. 57‬‬

‫‪28‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫الفصل الثالث‬
‫المبحث الول ‪:‬المحبة عند أهل السنة و الجماعة ‪-:‬‬
‫ب‪..‬‬‫عبرف ابنم تيمية وابنم القيم العباِدة باِ يبمه الم ويرضمماِه باِعتبماِر أن العبمماِدة هممي أعلممىَّ مراتمب الم ب‬
‫ولذا يقمموُل ابممنم تيميممة‪) :‬فأصل المحبة المحمودة الـتي أمــر الـ بهـا‪ ،‬ومخلـمق لجلهــا‪ ،‬هــي مــا فـي‬
‫عبادته وحده ل شريك له؛ إذ العبادة متضمنة لغاية الحب بغاية الذل(‪99‬ول شك أن البة عمل‬
‫قلممب " يظهــر أثــره علــى الجــوارح فــي إتبــاع أوامــر المحبــوب وإتيانهــا ‪ ،‬واجتنــاب ن ـواهيه ورفضــها ‪،‬‬
‫"‬ ‫‪100‬‬
‫فتكون المحبة معبرة عن أوامر المحبوب ونواهيه بحيث تتحد رغبة المحب مع المحبوب‬
‫وقمد وقمف علممماِء الممديث والسمنة ممنم الواممر والنموُاهي موُقفماِد حاِزمماِد معاِرضممي الممروج عنهماِ أو زعزعتهمماِ‬
‫تمت سمتاِر البة وإسمقاِط التكماِليف الت يرددهماِ بعمض الصموُفية ‪ .‬فليسمت البة عنمدهم أي عنمد شيوُخ‬
‫السم مملف ‪ ،‬مم ممنم نم مموُع العاِطفم ممة التأججم ممة الم ممت تعم ممل مم ممنم صم ممحاِباِ هاِئمم ماِد علم ممىَّ وجهم ممه ‪ ،‬تاِركم ماِد الفم ممروض‬
‫والتكمماِليف ‪ ،‬مقبلَد علممىَّ الن موُاهي ‪ ،‬مممردداد للذكمماِر ‪ ،‬مهللَد باِلتسمماِبيح ‪ ،‬يتوُاجممد أينممماِ حممل ‪ ،‬إنمماِ البممة‬
‫القيقية هي فيصل التفرقة بي الؤممنم الاِد ف إيإاِنه ‪ ،‬الذي يب ماِ يب ال ويتجنب ماِ يكره ‪.‬‬
‫والكتاِب ملئ ف غيِ موُضع باِلياِت الدالة علىَّ اشتاط التاِبعة ل ولرسوُله صلىَّ ال عليه وسلم‬
‫منهاِ " فل وربك ل يؤمنون حتى يحكمــوك فيمـا شـجر بينهـم ثــم ل يجــدوا فــي أنفسـهم حرجـا ممــا‬
‫قضيت ويسلموا تسليم ا ‪" 101‬‬
‫ومنم الحاِديث " ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده والناس أجمعين‪." 102‬‬
‫فاِلبة تستلزم أداء الوُاجباِت أولد مع ترك الختياِر لفعل الزياِدة ‪ ،‬كماِ تقضي البة ترك الاِرم أيضاِد ‪.‬‬

‫‪ - 99‬د ‪ /‬عبدالعزيز آل عبداللطيف ‪ .‬البياِن عدد ‪ . 126‬صفر ‪1419‬هم ‪.‬‬


‫‪ - 100‬من قضايا التصوف ‪. 50‬‬
‫‪ - 101‬النساءا ‪. 65‬‬
‫‪ - 102‬البخاري ‪ .‬وهو في صحيح الجامع برقم ‪.7084‬‬

‫‪29‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫ويسم ممتخلص ابم ممنم رجم ممب مم ممنم هم ممذا أن ‪ ) :‬المحب ــة الص ــحيحة تقتض ــي المتابع ــة والموافق ــة ف ــي ح ــب‬
‫المحبوبات وبغض المكروهات ( ‪.‬‬
‫هنمماِ تتضممح الياِبيممة ف م موُاقممف علممماِء السممنة ‪ .‬فقممد رأينمماِ هممذا العن م يممتدد عنممد أغلبهممم منممذ الوائممل ‪،‬‬
‫ويتنمماِقلوُن النصمموُص عنممد بعضممهم البعممض ‪ ،‬فيناِقشمموُن معناِهمماِ وممماِ يسممتتبعهاِ ‪ ،‬والفممرق بينهمماِ ) أي البممة (‬
‫وبي الوُف ‪ ،‬وماِ هي شروطهاِ وغاِيتهاِ ‪.‬‬
‫وقممد استشممهد ابممنم رجممب ف م صممحة رأيممه الممذي أسمملفناِه ‪ ،‬مممنم أن عن موُان البممة الصممحيحة هممي التاِبعممة ‪،‬‬
‫بعبمماِرة وردت لل م يعقمموُب النهرجمموُري ‪ ) ،‬صمماِحب النيممد وغيِه وجمماِور باِل ممرم سممني وبممه ممماِت ‪ 330‬هم م( إذ‬
‫يقوُل ‪ ) :‬كل من أدعى محبة ال تعــالى ولــم يوافــق الـ فـي أمـره فــدعواه باطلـة ‪ ،‬وكــل محـب ليــس‬
‫يخاف ال فهو مغرور (‪.‬‬
‫نسممتخلص مممنم هممذا أن التفسمميِ الممذوقي للنصمموُص عنممد علممماِء السممنة أدىَ إلم الحتفمماِظ باِلكاِنممة الاِمممة‬
‫لعاِل السلَم ف أوامره ونوُاهيه ف موُاجهة التأويل الصوُف الذي كاِن ينسخ باِلعاِن ويذهب فم التفسميِ‬
‫إل م الممروج عممنم الوامممر والنموُاهي وكأنمماِ مممنم ل موُازم البممة وقممد حمماِفظ ابممنم رجممب وهمموُ مممنم شمميوُخ السمملف‬
‫التممأخرينم كممماِ نعلممم علممىَّ هممذا النهممجح السممليم واتممذ مممنم فكممرة البممة لم الغاِيممة القصمموُىَ الممت يتطلممع إليهمماِ‬
‫الؤممنم " فمن أحب ل وابغض ل وأعطى ل ومنع ل فقد استكمل اليمان ومن كان حبه وعطــاؤه‬
‫ومنعه لهوى نفسه كان ذلك نقصا في إيمانه الواجب ‪" 103‬‬
‫ويتكلم ممم ابم ممنم القيم ممم رحم ممه ال م م ف م م الم ممدارج‪ ، 104‬فيقم مموُل ‪ " :‬المحب ــة ه ــي المنزل ــة ال ــتي فيه ــا تن ــافس‬
‫المتنافسون وإليهــا شــخص العـاملون ‪ ،‬وإلــى معلملمهـا ‪ ، 105‬وعليهــا تفــاني المحبــون ‪ ،‬وبـروح نســيمها‬
‫تـروح العابـدون ‪ ،‬فهـي قـوت القلـوب وغـذاء الرواح ‪ ،‬وقــرة العيـون ‪ ،‬وهـي الحيـاة التي مـن حرمهـا‬
‫فهــو مــن جملــة المــوات ‪ ،‬والنــور الــذي مــن فقــده فهــو فــي بحــار الظلمــات ‪ ،‬والشــفاء الــذي مــن‬
‫عـدمه ح لـت بقلبـه جميـع السـقام ‪ ،‬واللـذة الـتي مـن لـم يظفـر بهـا فعيشـه كلـه همـوم والم ‪ ،‬وهـي‬
‫روح اليمان والعمال والمقامات والحوال التي حتى خلت منها فهي كالجسد الذي ل روح فيــه‬
‫‪ ،‬تحمــل أثقــال الســائرين إلــى بلد لــم يكونــوا إلر بشــق النفــس بالغيهــا ‪ ،‬وتوصــلهم إلــى منــازل لــم‬
‫يكونوا بدونها أبدا واصليها‪ ،‬وتبؤهم من مقاعد الصدق مقامات لـم يكونـوا لولهـا داخليهـا ‪ ،‬وهـي‬
‫مطايــا القــوم الــتي س ـراهم علــى ظهــورهم دائم ـا إلــى الحــبيب ‪ ،‬وطريقهــم القــوم الــذي يبلغهــم إلــى‬

‫‪ - 103‬أعمال القلوب ‪ . 158 – 157‬د ‪ /‬مصطفى حلمي‪.‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪ - 104‬مدارج الساِلكي ‪6 / 3‬‬
‫كأنه علم في رأسه نار " ‪.‬‬ ‫‪ - 105‬علم ‪ :‬جبل ومنه قول الخنساءا في رثاءا صخر ‪ " :‬وإن صخرال لتأتم السراة به‬

‫‪30‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫منــازلهم الولــى مــن قريــب ‪ ،‬تــال لقــد ذهــب أهلهــا بشــرف الــدنيا والخــرة ‪ ،‬إذ لهــم مــن محبــة‬
‫محبوبهم أوفر نصيب ‪ ،‬وقد قض ال يـوم قرـدر مقـادير الخلئـق بمشـيئتة وحكمتـه البالغـة أن المـرء‬
‫مع من أحب ‪ ،‬فيالها من نعمة على المحبين سابقة " ‪.‬‬
‫والبة ل توُصف ول تعرف إناِ يعرفهاِ منم وجدهاِ وذاقهاِ ‪ ،‬وإنمماِ البحممث فم أسمباِباِ وموُجباِتمماِ وعلَماِتماِ‬
‫وشوُاهدهاِ ‪. 106‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬بيان علمات المحبة ‪:‬‬
‫ق مماِل اب ممنم القي ممم فم م ال ممدارج‪) : 107‬ت مماِل م مماِ هزل ممت فيس ممتاِمهاِ الفلس مموُن‪ ،‬ول كس ممدت فيبيعه مماِ باِلنس مميئة‬
‫العسمرون لقممد أقيممت للعممرض فم سموُق ممنم يزيممد فلمم يممرض لماِ بثمممنم دون بمذل النفموُس فتمأخر البطماِلوُن‬
‫وقماِم البموُن ينظمرون أيهمم يصلح أن يكموُن ثنماِ فدارت السملعة بينهمم ووقعمت فم يمد )أذلمة علمىَّ المؤممني‬
‫أعزة علىَّ الكاِفرينم( لاِ كثر الدعوُن للمحبمة طوُلبموُا بإقاِممة البينمة علممىَّ صمحة المدعوُىَ‪ ،‬فلموُ يعطمىَّ النماِس‬
‫بدعوُاهم لدعممىَّ اللمي حرقممة الشمجي ‪ ،‬فتنمموُع المدعوُن فم الشممهوُد فقيممل ل تقبممل همذه المدعوُىَ إل ببينمة‬
‫)قل إن كنتم تبوُن ال فاِتبعوُن يببكمم الم ( فتمأخر اللمق كلهمم وثبمت أتبماِع المبيب فم أفعماِله وأقموُاله‬
‫وأخلَقه فطوُلبوُا بعدالة البينة بتزكية ) ياِهدون ف سبيل ال ول ياِفوُن لوُممة لئممم(فتمأخر أكمثر المبي ‪،‬‬
‫وقمماِم الاِهممدون فقيممل لممم ‪ :‬إن نفمموُس الممبي وأم موُالم ليسممت لممم فهلم موُا إل م بيعممة )إن ال م اشممتىَ مممنم‬
‫الممؤممني أنفسممهم وأمموُالم بممأن لممم النممة ( ‪ ،‬فلممماِ عرفموُا عظمممة الشممتي وفضممل الثمممنم وجلَلممة مممنم جممرىَ‬
‫علىَّ يمديه عقمد التبماِيع ‪ ،‬عرفموُا قدر السملعة وأن لماِ شمأناِ ‪ ،‬فمرأوا ممنم أعظمم الغبم أن يبيعوُهماِ لغيِه بثممنم‬
‫بس فعقدوا معه بيعة الرضوُان باِلتاضي منم غيِ ثبوُت خياِر ‪ ،‬وقاِلوُا وال ل نقيلك ول نستقيلك‪ ،‬فلمماِ‬
‫تم م العقممد وسمملموُا الممبيع قيممل لممه ‪ :‬مممذ صمماِرت نفوُسممكم وأمم موُالكم لنمماِ رددناِهمماِ عليكممم أوفممر ممماِ كمماِنت‬
‫وأضعاِفهاِ معاِ‪)،‬ول تسب الذينم قتلوُا ف سبيل ال أموُاتاِ بل أحياِء عند ربم يرزقوُن فرحي باِ آتاِهم الم‬
‫مممنم فضممله( ‪ ،‬إذا غرسممت شممجرة البممة ف م القلممب وسممقيت بمماِء الخلَص ومتاِبعممة الممبيب أثممرت أن موُاع‬
‫الثماِر وآتت أكلهاِ كل حي بإذن رباِ أصلهاِ ثاِبت ف قرار القلب وفرعهاِ متصل بسدرة النتهىَّ(‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬السباب الجالبة للمحبة ‪:‬‬
‫وقاِل أيضاِ ف الدارج ‪:‬‬
‫فصل في السباب الجالبة للمحبة والموجبة لها وهي عشرة ‪:‬‬
‫أحــدها ‪:‬قمراءة القممرآن باِلتممدبر والتفهممم لعمماِنيه وممماِ أريممد بممه كتممدبر الكتمماِب الممذي يفظممه العبممد ويشممرحه‬
‫ليتفهم مراد صاِحبه منه‪.‬‬
‫‪ - 106‬فضل الغني الحميد ‪. 16‬‬
‫‪ - 107‬مدارج السالكين ‪. 3/8‬‬

‫‪31‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫الثاني ‪ :‬التقرب إل ال باِلنوُافل بعد الفرائض فإناِ توُصله إل درجة البوُبية بعد البة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬دوام ذكره علىَّ كل حاِل باِللساِن والقلب والعمل والاِل فنصيبه منم البة علىَّ قدر نصمميبه مممنم‬
‫هذا الذكر ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬إيثاِر ماِبه علىَّ ماِبك عند غلباِت الوُىَ والتسنم إل ماِبه وإن صعب الرتقىَّ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬مطاِلعممة القلممب لسمماِئه وصممفاِته ومشمماِهدتاِ ومعرفتهمماِ وتقلبممه فم ريمماِض هممذه العرفممة ومياِدينهمماِ‬
‫فمممنم عممرف ال م بأسمماِئه وصممفاِته وأفعمماِله أحبممه ل ماِلممة ولممذا كمماِنت العطلممة والفرعوُنيممة والهميممة قطمماِع‬
‫الطريق علىَّ القلوُب بينهاِ وبي الوُصوُل إل البوُب‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬مشاِهدة بره وإحساِنه وآلئه ونعمه الباِطنة والظاِهرة فإناِ داعية إل مبته‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬وهوُ منم أعجبهاِ انكسماِر القلمب بكليتمه بيم يمدي الم تعماِل وليمس فم التعمبيِ عمنم همذا العنم‬
‫غيِ الساِء والعباِرات‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬اللموُة بمه وقمت النمزول اللمي لناِجاِته وتلَوة كلَممه والوُقموُف باِلقلب والتمأدب بمأدب العبوُديمة‬
‫بي يديه ث ختم ذلك باِلستغفاِر والتوُبة‪.‬‬
‫التاسع ‪ :‬ماِلسممة الممبي الصمماِدقي والتقمماِط أطمماِيب ثمرات كلَمهممم كممماِ ينتقممىَّ أطمماِيب الثمممر ول تتكلممم‬
‫إل إذا ترجحت مصلحة الكلَم وعلمت أن فيه مزيدا لاِلك ومنفعة لغيِك‪.‬‬
‫العاشــر‪ :‬مباِعممدة كممل سممبب يمموُل بي م القلممب وبي م الم عممز وجممل فمممنم هممذه السممباِب العشممرة وصممل‬
‫البوُن إل مناِزل البة ودخلوُا علىَّ البيب وملَك ذلك كله أمران‪:‬‬
‫‪ - 1‬استعداد الروح لذا الشأن ‪ -2‬وانفتاِح عي البصيِة وباِل التوُفيق ‪.108‬‬

‫خاتمة البحث‬
‫مقاِم الب ل تعاِل يتمثمل فم إيثماِر الم تعماِل ورسموُله علمىَّ الماِل والهمل والنفمس والوُلمد ‪ ،‬ول شمك أن‬
‫موُضممع هممذا الممب فم جمذور القلممب وأروقممة النمماِن ‪ .‬ول يصملح إل بشممقيه المموُف والرجمماِء ‪ ،‬وهممذا النمموُع‬

‫‪ - 108‬مدارج السالكين ‪.3/17‬‬

‫‪32‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫منم الب قبل أن يكوُن أمراد شرعياِد جاِءت به الرسل فهوُ فطرة سوُية ف نفوُس الممؤممني الوُحممدينم ‪ ،‬بمماِل‬
‫در ابنم القيم – رحه ال تعاِل ‪:-‬‬
‫ول أخبمرت عنم جاِل البيمب‬ ‫هب الرسل ل تأت منم عنده‬
‫مبته ف اللقاِء والغيب ‪ ) .‬انتهىَّ (‬ ‫أليس منم الوُاجب الستمحق‬
‫وقممد فممرض ال م تعمماِل علممىَّ عبمماِده أن يبمموُه أن يب موُا رس موُله صمملىَّ ال م عليممه وسمملم حب ماِد يإل نيمماِط قلمموُبم‬
‫وجنبمماِت نفوُسممهم ‪ ،‬بيممث ل يسمماِوون ول يقممدموُن علممىَّ ال م تعمماِل ورس موُله صمملىَّ ال م عليممه وسمملم حممب‬
‫أحد منم ماِل أو نفس أو ولد ‪ ،‬قاِل تعاِل " وادلنذيدنم آدمنهوُا أددشيد هحباِل لبنلنه " ] البقرة ‪. [ 165 :‬‬
‫وهم إن ل يفعلوُا ذلك فليسموُ بكماِملي اليإماِن والدينم ‪ ،‬ولمنم يمدوا حلَوة اليإماِن فم قلموُبم ‪ ،‬قاِل النمب‬
‫صم مملىَّ ال م م عليم ممه وسم مملم " ثلَثا مم ممنم كم ممنم فيم ممه وجم ممد حلَوة اليإم مماِن ‪ :‬أن يكم مموُن ال م م ورس م موُله أحم ممب‬
‫إليه ماِ سوُاهاِ ‪ ،‬وأن يب الرء ل يبه ال ‪ ،‬وأن يكره أن يعوُد فم الكفمر كمماِ يكممره أن يقممذف فم النماِر‬
‫" ‪ ،109‬ومنم أثر ذلك الب الرضاِ بقضاِء ال تعاِل ‪ ،‬وصدق الشوُق إل لقاِئه ‪.‬‬
‫يقوُل ابنم القيم ‪:‬‬
‫والشوُق أثر منم أثاِر البة ‪،‬وحكم منم أحكاِمهاِ ‪ ،‬فمإنه سمفر القلمب إلم البموُب فم كمل حماِل ‪ ،‬وقيمل ‪:‬‬
‫هوُ اهتياِج القلوُب إل لقاِء البوُب ‪ ) .‬انتهىَّ ( ‪.‬‬
‫وقد كاِفأ ال تعاِل عبماِده المذينم همم علمىَّ همذه الصمفة ببمه لمم ‪ ،‬ورضماِه عنهمم حت إنمه سمبحاِنه يرضمىَّ‬
‫صماِنلاِ ن‬ ‫ن‬ ‫ن ن‬
‫ت دس يدمجدعهل‬ ‫الناِس عنهم ‪ ،‬ويضع لم القبموُل فم الرض ‪ ،‬قماِل تعماِل ‪ ) :‬إلن الذيدنم آدمنهموُا دودعملهموُا ال ل د‬
‫دلههم اللرمحدهنم هولدا (] مري ‪. [ 96 :‬‬
‫قماِل ابمنم كمثيِ فم التفسميِ‪110‬عممنم ابمنم عبماِس فم قموُله ‪ ) :‬دسميدمجدعهل دلمههم اللرمحدمهنم هولدا ( قماِل ‪ :‬حبماِد ‪ ،‬وقمماِل‬
‫ماِهمد عنمه ‪ ) :‬دس يدمجدعهل دلمههم اللرمحدمهنم هولدا ( قماِل مبمة فم الناِس فم المدنياِ ‪ ،‬وقماِل سمعيد بنم جمبيِ ‪ :‬يبهمم‬
‫ويببهم يعن إل خلقه الؤممني ‪ ،‬كماِ قاِل ماِهد أيضاِد والضحاِك وغيِهم ‪ ) .‬انتهىَّ ( ‪.‬‬
‫وروىَ مسلم عنم سهيل عنم أبيه عنم أبأ هريرة رضي ال عنه قاِل ‪ :‬قاِل رسوُل الم صمملىَّ الم عليممه وسمملم‬
‫‪ " :‬إن ال إذا أحب عبداد دعاِ جبيل فقاِل ‪ :‬إن أحب فلَناِد فأحبه ‪ ،‬قاِل ‪ :‬فيحبه جبيل ثم يناِدىَ فم‬
‫السماِء فيقوُل ‪ :‬إن ال يب فلَناِد فأحبوُه ‪ ،‬فيحبه أهل السماِء ‪ ،‬قماِل ثم يوُضمع لمه القبمموُل فم الرض "‬
‫‪. 111‬‬

‫‪ - 109‬متفق عليه ‪ :‬البخاري في اليمان )‪ (16‬والدب )‪. (5694‬‬


‫‪ - 110‬ابنم كثيِ ‪.41 / 3‬‬
‫‪ - 111‬متفق عليه ‪ :‬انظر مسلم في البر والصلة )‪. (2637‬‬

‫‪33‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫وعلَمم ممة ذلم ممك الم ممب عنم ممد أهم ممل السم مهنة النقيم مماِد التم مماِم لوامم ممر الم م تعم مماِل ‪ ،‬والفنم مماِء فم م مم مراده والذعم مماِن‬
‫والستسمملَم لرس موُله ممممد صمملىَّ ال م عليممه وسمملم بلَ حممرج ف م النفممس ‪ ،‬ول خيِة ف م المممر ‪ ،‬وهممذا همموُ‬
‫الممب القصمموُد شممرعاِد ‪ ،‬قمماِل الم م تعمماِل ‪ ) :‬قمهممل نأن هكنتمه ممم هنتبيمموُن المد م فدمماِتلبنعهنوُن هميبنمبهكم مهم المهم دويدممغنفممر لنهكم ممم‬
‫ذههنوُبدهكمم واله دغهفوُةر لرنحيمةم ( ] آل عممران ‪ [ 31 :‬فهمذه اليمة امتحماِن لكمل ممدع للمحبة كمماِ قاِل أهمل‬
‫العلم ‪ .‬قاِل الزهري ‪ :‬مبة العبد ل ورسوُله طاِعته لماِ وإتباِعه أمرهاِ ‪ ،‬قماِل الم تعماِل ‪ ) :‬قهمل نإن هكنتهممم‬
‫هنتيبوُدن الد فداِتلبنعهوُنن (‪. 112‬‬

‫أهم المراجع والمصادر‬


‫القرءان الكري ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫صحيح البخاِري ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫صحيح مسلم ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫سننم النساِئي‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫سننم التمذي ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫‪ . - 112‬تفسيِ القرطب ‪1411 / 2 :‬‬

‫‪34‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫‪ .6‬سننم ابنم ماِجه ‪.‬‬


‫‪ .7‬صحيح الاِمع الصغيِ ‪ .‬للشيخ ممد ناِصر الدينم اللباِن ت)‪1420‬هم (‪.‬‬
‫‪ .8‬خطبة الاِجة للشيخ ممد ناِصر الدينم اللباِن ت)‪1420‬هم (‪.‬‬
‫‪ .9‬البة ل سبحاِنه ‪ .‬تأليف أب إسحاِق إبراهيم بنم عبدال بنم النيد التلي ‪.‬‬
‫‪ .10‬الرساِلة القشيِية ‪ .‬الماِم أبوُ القاِسم القشيِي ‪ .‬ت‪ :‬هاِن الاِج ‪.‬‬
‫‪ .11‬باِر الوُلية المدية ف مناِقب أعلَم الصوُفية ‪ .‬أ د‪ :‬جوُدة ممد الهدي ‪.‬‬
‫‪ .12‬الشيخ المي سهل التستي ‪ .‬د ‪ :‬عبد الليم مموُد ‪.‬‬
‫‪ .13‬تفسيِ القرءان العظيم ‪ :‬الماِم سهل بنم عبدال التستي ‪ .‬ت‪ :‬طه سعد ‪ ,‬وسعد ممد علي ‪.‬‬
‫‪ .14‬سيِ أعلَم النبلَء ‪ :‬الماِم شس الدينم الذهب ‪.‬‬
‫‪ .15‬صحيح الاِمع الصغيِ وزياِدته ‪ :‬اللباِن ‪.‬‬
‫‪ .16‬ضعيف الاِمع الصغيِ ‪ .‬اللباِن ‪.‬‬
‫‪ .17‬معجم مقاِييس اللغة ‪ :‬ابنم فاِرس ‪.‬‬
‫‪ .18‬لساِن العرب ‪ :‬لبنم منظوُر ‪.‬‬
‫‪ .19‬منم قضاِياِ التصوُف ف ضوُء الكتاِب والسنة ‪ :‬أد‪ :‬ممد السيد الليند ‪.‬‬
‫‪ .20‬الب بي ال وعباِده ‪ :‬نبيل عطوُة ‪.‬‬
‫‪ .21‬روضة البي لبنم القيم ‪.‬‬
‫‪ .22‬الب اللي ‪ ،‬الفكرة ‪ ،‬جذورهاِ وامتدادهاِ ‪ .‬د ‪:‬ممد أحد عبد القاِدر ‪.‬‬
‫‪ .23‬إحياِء علوُم الدينم ‪ :‬الغزال ‪.‬‬
‫‪ .24‬النقذ منم الضلَل والفصح باِلحوُال ‪ :‬الغزال ‪.‬‬
‫‪ .25‬الستقاِمة ابنم تيمية ‪ .‬ت ‪ :‬أ د ‪ :‬ممد رشاِد ساِل ‪.‬‬
‫‪ .26‬مموُع الفتاِوىَ ‪ .‬شيخ السلَم ابنم تيمية ‪.‬‬
‫‪ .27‬التصوُف عرض ونقد ‪ :‬أ د ‪ :‬عبد الفتاِح الفاِوي ‪.‬‬
‫‪ .28‬موُازينم الصوُفية ف ضوُء الكتاِب والسنة ‪ :‬لب عبد الرحنم علي الوُصيفي ‪.‬‬
‫‪ .29‬مشاِرق أنوُار القلوُب ومفاِتح أسرار الغيوُب ‪ :‬عبد الرحنم النصاِري العروف باِبنم الدباِغ ‪.‬‬
‫‪ .30‬فصوُص الكم ‪ :‬ابنم عرب ‪.‬‬
‫‪ .31‬الفرقاِن بي أولياِء الرحنم وأولياِء الشيطاِن ‪ .‬ابنم تيمية ‪.‬‬
‫‪ .32‬التصوُف وابنم تيمية ‪ .‬أ د ‪ :‬مصطفىَّ حلمي ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫‪ .33‬موُقف ابنم تيمية منم الشاِعرة ‪ : .‬د ‪ :‬عبدالرحنم بنم صاِل الموُد ‪.‬‬
‫‪ .34‬العقيدة الطحاِوية ‪ : .‬لبنم أب العز النفي ‪.‬‬
‫‪ .35‬العقيدة الوُاسطية ‪ :‬لبنم تيمية ‪ :‬شرح د ‪ :‬صاِل بنم فوُزان الفوُزان ‪.‬‬
‫‪ .36‬قوُت القلوُب ‪ .‬لب طاِلب الكي ‪.‬‬
‫‪ .37‬كشف الجوُب ‪ .‬للهجوُيري ‪ .‬ط الزهري ترجة ‪ :‬مموُد أبوُ العزاي ‪.‬‬
‫‪ .38‬تفسيِ القرءان العظيم ‪ .‬ابنم كثيِ ‪.‬‬
‫‪ .39‬تفسيِ أضوُاء البياِن ف تفسيِ القرءان باِلقرءان ‪ .‬الشيخ ‪ :‬ممد المي الشنقيطي ‪.‬‬
‫‪ .40‬ملة البياِن السلَمية ‪ .‬العدد ‪. 126‬‬
‫‪ .41‬أعماِل القلوُب د‪ :‬مصطفىَّ حلمي ‪.‬‬
‫‪ .42‬مدارج الساِلكي ‪ .‬ابنم قيم الوُزية ‪.‬‬
‫‪ .43‬فضل الغن الميد شرح كتاِب التوُحيد ‪ .‬د ‪ :‬ياِسر برهاِمي ‪.‬‬
‫‪ .44‬الاِمع لحكاِم القرءان ‪ .‬للماِم القرطب ‪.‬‬
‫‪ .45‬أراء الكلَبية العقدية وأثرهاِ ف الشعرية ف ضمموُء عقيمدة أهممل السمنة والماِعمة ‪ : .‬هممدىَ بنمت ناِصمر‬
‫الشلَل ‪.‬ط مكتبة الرشد باِلرياِض ‪.‬‬

‫الفهارس‬
‫الموضوع‬
‫الصفحة‬
‫القدم م م م م م م ممة ‪2...................................................................................‬‬

‫تهيم م م م م م م م ممد ‪5....................................................................................‬‬

‫المبحــث الول‪:‬ترج ممة الم مماِم س ممهل‪5 ..........................................................‬‬

‫المبحــث الثــاني‪:‬ترجممة الممماِم النيممد‪8 ..........................................................‬‬

‫‪36‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫المبحــث الثــالث‪:‬تعريممف البممة لغممة واصممطلَحاِد ‪9 ...............................................‬‬

‫الفصــل الول‪:‬البممة عنممد الصمموُفية‪10 ..........................................................‬‬

‫الفصــل الثــاني‪:‬البممة بي م التسممتي والنيممد‪16 ...................................................‬‬

‫المبحــث الول‪:‬الب ممة عن ممد التس ممتي‪16 .......................................................‬‬

‫إسم م م م م م م م م م م ممتدراك‪16 .............................................................................‬‬

‫تعريفم م م م م ممه للمحبم م م م م ممة‪17 ........................................................................‬‬

‫ف آخم م ممر لم م مماِ عنم م ممده ‪17 ................................................................‬‬


‫تعريم م م م ة‬

‫علَم م م ممة ال م م ممب عن م م ممده‪17 .....................................................................‬‬

‫مم ممنم علَمم مماِت حم ممب الم م م عنم ممده‪17 ............................................................‬‬

‫مفهم م م مموُم البم م م ممة عنم م م ممده ‪18 ....................................................................‬‬

‫البم م ممة عنم م ممده عطم م مماِء إلم م ممي ‪18 ................................................................‬‬

‫فلسم م م م ممفة الفنم م م م مماِء عنم م م م ممده ‪19 ...................................................................‬‬

‫لف م ممظ الب م ممة ل معنم م م ثاِنيم م ماِد ل م مماِ عن م ممده ‪19 .......................................................‬‬

‫نم م م م م موُاقض البم م م م ممة عنم م م م ممده ‪19 ...................................................................‬‬

‫شم م م م م ممرط البم م م م م ممة عنم م م م م ممده‪20 ....................................................................‬‬

‫علَمم م م م م مماِت البم م م م م ممة عنم م م م م ممده‪20 .................................................................‬‬

‫مم م م م م ممذهبه ف م م م م م م البم م م م م ممة‪20 ......................................................................‬‬

‫أغم م م ممرب تعريم م م ممف للمحبم م م ممة عنم م م ممده‪21 ...........................................................‬‬

‫‪37‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫المبحــث الثــاني‪:‬البممة عن ممد الم مماِم الني ممد‪22 ...................................................‬‬

‫تهيم م م م م م ممد واعتم م م م م م ممذار‪22 .......................................................................‬‬

‫الفنم م م مماِء عنم م م ممد النيم م م ممد‪23 .....................................................................‬‬

‫فلسم م م ممفة البم م م ممة عنم م م ممده‪23 ....................................................................‬‬

‫مفهم م م م مموُم البم م م م ممة عنم م م م ممده‪25 ...................................................................‬‬

‫علَمم م م م مماِت البم م م م ممة عنم م م م ممده‪25 .................................................................‬‬

‫علَمم م م م مماِت البم م م م ممة عنم م م م ممده‪26 .................................................................‬‬

‫نم م م م مماِقض البم م م م ممة عنم م م م ممده‪27 ...................................................................‬‬

‫تعري م م م ممف مبهم م م م مةم للمحب م م م ممة عن م م م ممده‪27 .........................................................‬‬

‫اسم م ممتغراق القلم م ممب ف م م م مبم م ممة البم م مموُب‪27 .....................................................‬‬

‫تم ممأثيِ البم ممة عنم ممده ف م م سم ممعاِدة القلم ممب ‪28 ....................................................‬‬

‫علَمم م م ممة كمم م م مماِل البم م م ممة عنم م م ممده ‪28 ............................................................‬‬

‫أقس م مماِم الن م مماِس فم م م الب م ممة عن م ممده ‪29............................................................‬‬

‫المبح ــث الث ــالث ‪ :‬مقاِرنم ممة بي م م التسم ممتي والنيم ممد ف م م البم ممة ‪30....................................‬‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬المبحث الول ‪:‬البة عند أهل السنة والماِعممة ‪31................................‬‬

‫المبحـ ــث الثـ ــاني ‪ :‬بيم م مماِن علَمم م مماِت البم م ممة ‪33....................................................‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬السباِب الاِلبة للمحبة ‪33....................................................‬‬

‫خاِتم م م م م م م ممة البحم م م م م م م ممث ‪35.........................................................................‬‬

‫‪38‬‬
‫المحبة بين المام التستري والمام الجنيد‬

‫أه م م م م ممم الص م م م م مماِدر والراج م م م م ممع ‪37..................................................................‬‬

‫الفهم م م م م م م م م م م مماِرس ‪39...............................................................................‬‬

‫‪39‬‬

You might also like