Professional Documents
Culture Documents
تحسب اللسانيات الوظيفية على أنها اتجاه متفرع عن النظرية البنيوية المتولدة عن الموقف النقدي من النظرية
التاريخية ،وبرز إلى الوجود وتشكلت مالمحه انطالقا من حلقة براغ التي كونت لنفسها نظرية لغوية بما استفادت به
من آراء " دي سوسير " .وأول ما ظهر(هذا اإلتجاه) في كتاب لثروبتسكوي بعنوان مبادئ علم األصوات (فونولوجيا
) "principe de phonologieثم تواصل بناؤه وصقلت مبادئه ومفاهيمه إلى أن استقرت ركائزه مع
الفرنسي أندري مارتيني .
تعد مدرسة "براغ"'Prague school ' ،أفضل من يُمثل االتجاه الوظيفي في دراسة اللغة؛ وقد نشأت في
أحضان حلقة براغ اللسانية ' 'Prague Circleالذي أنشأه العالم التشكي'فيالم ماثيزيوس 'Vilem
'Mathesiusوبعض معاونيه سنة 1926م .وعُرفت بالمدرسة الوظيفية أو الفونيمية ،وبلغت ذروتها في
الثالثينيات[] 1وتحديدا عندما انظم اليها سنة 1928م ثالثة لسانيين روس وهم[]) : 2رومان ياكبسون ،وسيرج
كرسفسكي ،ونيكوالي تروبتسكوي ،ومنذ 1930ازداد توسع المدرسة لينظم اليها لفيف من اللسانيين الفرنسين :
أندري مارتيني ،واميل بنفست ،وتينير وغيرهم من لسانيين أوربيين .ومازال نفوذها إلى اآلن عندما قام لسانيون بعد
وفاة ماثيوس بإحيائها من جديد رسميا في نوفمبر 1992م ،ومن أبرزهم بيتر سغال ' ، ' Petr Sgallوايفا
هاجيكوفا ، 'Eva Hagicova'[3وواصلت أفكار مدرسة براغ ازدهارها في امريكا (نيويورك ،هارفاد )...
ممثلة في أعمال رومان ياكبسون[.4
سميت المدرسة الوظيفية انطالقا من تحديدها لمنهجها باعتبارها اللغة نظاما وظيفيا يرمي إلى تمكين اإلنسان من
التعبير والتواصل و"باعتقادها أن البنى الصيايتة ،والقواعدية ،والداللية محكومة بالوظائف التي تؤديها في
المجتمعات التي تعمل فيها".لذلك يجب أن تكون دراستها دراسة وظيفية محضة.
فالباحث فيها يحاول دائما أن يكشف ما إذا كانت كل القطع الصوتية التي يحتوي عليها النص تؤدي وظيفة في التبليغ
أم ال .
وقد قسمت وظائف اللغة إلى:
يمكننا في بداية تقديمنا ألسس هذه النظرية ومنهجها من تحديد اللغة كما تبدو ألحد أعالمهما لنتمكن من تحديد
ُمنطلقاتها :
فـ" اللغة أداة تواصل تحلل بواسطتها التجربة البشرية تحليال يختلف من مجموعة إلى أخرى عن طريق وحدات ذات
داللة وشكل صوتي هي اللفاظم ) ، (Monèmesوتقطع هذه اللفاظم بدورها إلى وحدات مميزة متتالية هي
الصواتم)،(Phonèmesوعددها محدود في كل لغةٍ ،كما أنها تختلف أيضا من لغة إلى أخرى من حيث طبيعتها
وعالقة بعضها ببعض] 8[".
وهو اعتبار اللغة أداة تسهل عملية التواصل اإلنساني ،واتخاذها مقياس لتحليل النظام اللغوي ووصفه] 9[.فاللغة أداة
تواصل تحلل بها التجربة البشرية (هي مجموع الخبرات المتراكمة عند جماعة إنسانية في بيئة لغوية معينة في زمان
ومكان محددين )تحليال يختلف من مجموعة إلى أخرى ،وتتمحور وظيفتها في االبالغ والتفاهم والتواصل بين أفراد
المجتمع اللغوي .
تعرف اللغات الطبيعية على أنها عبارة عن سلسلة من العالمات الخطية المتتالية يتبع بعضها البعض[]... " 11 ّ
فالصواتم يتلو الواحد منه اآلخر في اللفاظم ،و اللفاظم يتبع بعضها البعض في الجمل ،وال مجال للتلفظ بصوتين أو
أكثر أو بلفظين أو أكثر في آن واحد ،فكالم المتكلم هو بمثابة الخط المكون من نقط متتابعة"[12
وهي ظاهرة كلية تشترك فيها مختلف األنظمة اللغوية ،وميزة تُسهل للمتكلم أن يستعمل نفس العالمات في ِخطاباته
المختلفة ،وهو أساسي عند مارتيني :فهو يرى أن اللسان البشري مزدوج التقطيع ومنه يقطع اللغة إلى وحدات
) ،(Monèmesثم إلى وحدات دنيا ) ، (Phonèmesوهي محدودة في كل لغة] 13[.
هذه هي أهم األفكار التي انطلق منها الوظيفيون واعتبروها داعية إلى تحديد مبادئ ووجهة اللسانيات الوظيفية ،
وتتميز الدراسة الوظيفية للغة بتفرعها على مستويين المستوى الصوتي والمستوى التركيبي
إن من أهم المبادئ البنيوية التي نادت بها مدرسة براغ نذكر ما يلي[] 14
ـ االنطالق ،في التعامل مع اللغة ،من مبدأ اعتقادها ظاهرة طبيعية وواقعا فعليا خاضعة لظروف مبدأ التواصل.
ـ االهتمام بالمبدأ التزامني في الدراسة اللغوية.
ً
س َم َر مثال إال
س َم و َ
ـ لمرتبة الصوت قيمة في الوظيفية التراتبية ،فال يمكن معرفة الوحدات الصوتية لكل من َر َ
باختالف مواقع الحروف[]). 15
ـ استثمار مفاهيم دي سوسير في الدراسة الوظيفية للصوت اللغوي مثل التقابل ،والنظام ،والعالقات التركيبية
واالستبدالية ،وثنائية اللغة والكالم ،وغيرها.
ـ االهتمام بتحليل البنية األولية البسيطة للغة وهي الفونيم من أجل العثور على سماتها الوظيفية.
ـ و يعتبر الفونيم في تصور " تروبتسكوي * " أصغر وحدة فونولوجية في اللسان المدروس ,وعرفه بقوله " الوحدة
الفونولوجية التي ال تقبل التجزئ إلى وحدات فونولوجية أخرى أصغر منها في لغة معينة"[] (16
ـ تصنيف الوحدات الصوتية في اللغة الواحدة ووضعها في نظام اندراجي يسمح بالنظر إليها من حيث هي وقائع
صوتية ذات وظائف وسمات مميّزة.
ـ الكشف عن العالقات التي تنطوي على وظيفة في النظام الفونولوجي للغة الواحدة ،
مثل :عالقات التقابل بين مجموعة الحروف الشفوية (م،ب،و،ف) ،أو بين الحروف الصفيرية (س ،ص،ز) في
اللسان العربي.
مثال []: 17س +إطباق= ص ،ص -إطباق= س ،ز -جهر= س ،س +جهر =ز
ـ التمييز بين التنوعات variationالصوتية التي هي مجرد تحقيقات نطقية لفونيم واحد والتغيرات التي تصيب
الفونيمات بحيث تقتضي تغيير الداللة للكلمة وذلك عند تبديل فونيم مكان فونيم آخر في السياق ذاته.
ففي لهجتنا الجزائرية هناك من ينطق لفظة :قال ،ﭭال ،فهل نعتبر ﭭ فونيم وظيفي؟
والجواب هو :ال ،مادام تغيره ال يضيف معنًا جديد ،ويُقر الصوتمي هنا بوجود وحدة واحدة تميزية (فونيم)
ـدراسة التغيرات التي تتم في ظل عالقات التأثر والتأثير داخل البنية المتكاملة والمتموضعة في إطارها ألتزامني.
ـ االهتمام بتحليل البنية التركيبية وتفكيك الملفوظ (المونيم) الى وحدات دنيا متتابعة مفيدة.
ـ اتخاذ المعنى مقياس في تحليل النصوص اللغوية ،ويتغير المعنى بتغير اللفظ] 18[.
ـ تحديد األجزاء ،التي تمثل في الحالتين اختيار توخاه المتكلم ،إما للحصول على دال بعينه ( ،)1وإما لتبليغ رسالة
بعينها ().2
)(1وذلك يكون باستعمالنا طريقة التحليل بالتعويض .الذي يقتضي في هذه النقطة مقابلة مونيم بغيره[ 19إلبراز
الوحدات الدنيا التي تساهم في تمييز الوحدة "أطفال" مثال عن غيرها باستبدالنا لفونيم الـ 'ط' بفونيمات أخرى مثل /ن
بمعان أخرى :كـ أنفال ،و أقفال .....،
ٍ /،ق ،ينتج لنا من ذلك مونيمات أخرى
)(2ويكون ذلك في اعتماد المستغيث إرسال رسالته عبر قول أو متوالية وحدات معنوية ؛
مثل قوله ُ " :كسرت شوكة اليهودي " عوض " ُكسرت شوكة الفلسطيني"
وهذا كله يتم على حسب مبتغى المتكلم في اختياره إلحدى هذه المونيمات أثناء خطابه(أو نقل تجربته) والتي يصل بها
إلى المعنى الذي يريده من وراء هذا االختيار.
ـ تصنيف وظيفي للوحدات اللغوية (اللفاظم،المونيمات)إليجاد مقاييس موضوعية لضبط الوظائف ،ونتج عن ذلك
ثالثة أصناف:
ـ اللفاظم المستقلة (المونيم المكتفي) ،مثل الظروف في اللغة العربية (أمس،غدا ،حيث،بعد ....).،
ـ اللفاظم الوظيفية (المونيم الوظيفي ) ،مثل حروف الجر وحروف العطف
ـ اللفاظم التابعة (المونيم التابع) ،كارتباط اللفظم بآخر وظيفي ومرتبته ،أو اإلعراب في اللغة العربية.
ـ تصنيف وظيفي للوحدات اللغوية (المركبات النحوية) .ونتج عن ذلك أربعة أصناف[] 20
ـ التركيب المكتفي :يتركب من وحدات ذات عالقة وثيقة ،وال ترتبط وظيفته بموقع في الكالم مثل " :انهزمت
إسرائيل قبل الهدنة " أو " قبل الهدنة انهزمت إسرائيل"
ـ التركيب اإلسنادي :يمكنه أن يشكل خطابا بمفرده :مثل التركيب اإلسنادي"انتصر المجاهدون" في قولنا " انتصر
المجاهدون في فلسطين أمس ".
ـ اإللحاق :ويشبه مفهوم الفضلة في النحو العربي وهو على نوعين:
ـ اإللحاق بالعطف ،مثل :الملحق 'هداية' في قولنا 'العلم نور وهداية'
ـ اإللحاق بالتعلق ،ويشمل وظائف نحوية مختلفة ،النعت والمضاف إليه ،والمفعول به وغيرها :مثال ذلك
"اشتر كتابًا نافعًا"
ِ الملحقان'نافعا'و'كتاب'في قولنا :
ـ المزج :يحدث عندما تكون هناك قطعة صوتية ممزوجة،وذلك عند وجود مدلولين متداخلين في دال واحد مما يعيق
عملية التحليل إلى قطع متوالية :ومثال ذلك في العربية بالنسبة للتراكيب النحوية البناء للمجهول وجمع التكسير،
مثال في صيغة من" أطفال" التي ال يمكن تحليل عالمة الجمع فيها إلى قطعة صوتية محددة وتكون بذلك استثناء من
القاعدة الوظيفية التي تقول بان "اللغة مزدوجة التقطيع ...وتخصص لكل دال مدلول يمكن عزله عن غيره وضبط
حدوده".
وتشكل المونيمات قسما مفتوحا ذات وحدات متغيرة ومتجددة ،بينما تشكل الموفيمات (الفونيمات) قسما مغلقا وحداته
قارة ومحدودة.
مالحظة:
الحرف :هو أصغر وحدة مجردة من كل معنى وتسمى بالوحدات غير الدالة والتي يطلق عليها اسم الفونيم
)(Phonèmesوما ترجمته بالعربية الصوتيم ،أي الوحدة الصوتية والوظائفية وتسمى أيضا بالوحدات الدنيا.
الكلمة :هي القطعة التي تندرج في المستوى األول من التقطيع المزدوج حيث أنها اصغر قطعة يصل إليها التحليل
م ّما يدل على معنى(.)-وقد نعثر على تسميات عديدة لهذه الوحدة اللغوية :العنصر الدال ،الوحدة المعنوية [،
لفظم][ ،) 22وتسمى عند مارتيني :مونيم(.
وننبه هنا أنه خالل اطالعنا على ما تحتويه الدراسة الوظيفية لم نعثر فيما وقع بين أيدينا من مراجع على أي استعمال
وظيفي لمصطلحي الكلمة و الحرف ،وذلك لما قد يحدثه من اضطراب في المفاهيم[] 24