Professional Documents
Culture Documents
لقد وجد القرآن الكريم ،والقراءات القرآنية قبل وجود النحو والنحويين» .هذا ما قاله العالمة النحوي أحمد علم «
الدين الجندي .ويتندر العالمة الدكتور محمد عبدهللا دراز ،فيقول« :فكيف التمس النحويون العصمة لسيبويه،
».والخليل ،وغيرهما من علمائهم ،ولم يلتمسوا العصمة للقراءات القرآنية ،وعلمائها الكبار العدول؟
قال ابن الجزري في «طبقات القراء» عن حمزة« :قال أبو حنيفة لحمزة :شيئان غلبتنا عليهما ،لسنا ننازعك
!»فيهما :الفرائض والقرآن»! وقال سفيان الثوري« :غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض
فمن هو اإلمام حمزة الذي طعن فيه النحويون ،وفي غيره من علماء القراءات القرآنية ،بال هوادة ،وال عقل ،وال
!إيمان؟
هو حمزة بن حبيب الزيات الكوفي ،المولود عام 80هجرية ،والمتوفى عام 156هجرية ،والذي أدرك بقية
.الصحابة ،فنهل من علمهم ،وأخالقهم
كان إماما ً حجة ثقة ثبتاً ،قيما ً بكتاب هللا ،بصيرا ً بالفرائض ،عارفا ً بالعربية ،حافظا ً الحديث الشريف ،عابداً خاشعا ً
.زاهداً ورعا ً
وقال اإلمام سفيان الثوري عنه أيضاً« :ما قرأ حمزة حرفا ً من كتاب هللا إال بأثر» .أي كانت قراءته متواترة حتى
).تصل إلى الصحابة ،عن رسول هللا (صلى هللا عليه وسلم
قال يحيى بن معين في حقه ،سمعت محمد بن فضيل يقول« :ما أحسب أن هللا يدفع البالء عن أهل الكوفة إال
».بحمزة
وكان اإلمام حمزة يعترض على من يزيد في المد ،ويفرط في الهمز ،فكان يقول لمن يخطئ مثل هذه األخطاء:
« أما علمت أن ما كان فوق البياض فهو برص ،وما كان فوق الجعودة ،فهو قطط ،وما كان فوق القراءة ،فليس
!».بقراءة؟
هذا هو اإلمام الزاهد التقي النقي الذي خاض النحويون في علمه ،وأخالقه ،فاتهموه بعدم فقه العربية ،واللحن،
وسوء الخلق! وهي اتهامات باطلة ،جائرة ،كان مبعثها الحسد ،وضعف بضاعتهم ،وقلة علمهم ،وسوء أخالقهم،
وضعف إيمانهم ،وتقديمهم كالم سيبويه ،والمبرد ،والمازني ،وابن جني ،والسجستاني ،ومن على شاكلتهم ،على
!علماء القراءات المتواترة المروية عن أفصح العرب قاطبة ،وهو النبي العربي القرشي محمد
دافع عنه العالمة محمد عبدالخالق عضيمة في كتابه المهم «دراسات ألساليب القرآن» وعن غيره من شيوخ
القراءات السبع المتواترة ضد مهاترات النحاة ،وهجومهم المقذع غير المبرر على اإلطالق ،فقال« :ويؤسفني أن
أقول :إن كتب النحو واللغة والتفسير ،وغيرها تضمنت نصوصا ً كثيرة في الطعن على األئمة القراء الذين
!»تواترت قراءاتهم في السبع ،والذين ارتضت األمة قراءاتهم ،فركنوا إليها ،وعولوا عليها
قال :سألت عن حمزة أبا زيد) ،مراتب النحويين» ألبي الطيب اللغوي ...« :أخبرنا أبو حاتم (السجستاني«في
واألصمعي ،ويعقوب الحضرمي ،وغيرهم من العلماء ،فأجمعوا على أنه لم يكن شيئاً ،ولم يكن يعرف كالم
بكسر الياء )العرب ،وال النحو ،وال كان يدعي ذلك ،وكان يلحن في القرآن ،وال يعقله ،يقول( :ما أنتم بمصرخي
المشددة ،وليس ذلك من كالم العرب ،ونحو هذا من القراءة! قال أبو حاتم :وإنما أهل الكوفة يكابرون فيه،
!»ويباهتون ،فقد صيَّره الجهال من الناس شيئا ً عظيما ً بالمكابرة ،والبهت
وقال أبو عثمان المازني في تصريفه عن اإلمام حمزة ،وغيره من القراء« :فأما قراءة من قرأ من أهل المدينة
(معائش) بالهمز ،فهي خطأ ،فال يلتفت إليها .وإنما أخذت عن نافع بن أبي نعيم ،ولم يكن يدري ما العربية ،وله
!وهو الكالم نفسه الذي كرره المبرد في كتابه (المقتضب) أيضا ً !»أحرف يقرأها لحنا ً نحواً من هذا
أما ابن قتيبة ،فقال في كتابه «تأويل مشكل القرآن» ...« :وكذلك لحن الالحنين من القراء المتأخرين ،ال يجعل
حجة على الكتاب .وقد كان الناس يقرأون بلغاتهم ،كما أعلمتك ،ثم خلف قوم بعد قوم من أهل األمصار ،وأبناء
العجم ليس لهم طبع اللغة ،فهفوا في كثير من الحروف ،وزلوا ،وقرأوا بالشاذ ،وأخلوا! منهم رجل ستر هللا عليه
عند العوام ،بالصالح ،لم أر في من تتبعت وجوه قراءاته أكثر تخليطاً ،وال أشد اضطرابا ً منه»! يقصد اإلمام
.حمزة
حتى ابن جني هاجم القراء ،وخاض في علمهم ،فقال في «الخصائص»« :ولم يؤت القوم في ذلك ،من ضعف
».أمانة ،ولكن أتوا من ضعف دراية
وقال الزمخشري في «الكشاف» عنهم« :والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الراوي ،والسبب في قلة
».الضبط قلة الدراية ،وال يضبط نحو هذا إال أهل النحو
ويرى الشيخ عضيمة -رحمه هللا -أن النحويين زعموا أنهم أدرى بضبط القراءة من القراء ،ألنهم كانوا
.يحتكمون إلى ما وضعوه من قواعد ،وسنوه من قوانين
لكن ،نسي هؤالء النحويون شيئا ً مهما ً جداً ،وهو أن كالمهم ليس معصوما ً من الزلل ،وال من الخطل ،فكيف
ارتضوا عصمة كالمهم الناقص هذا ،فقدموه على الروايات المتواترة عن أفصح الفصحاء ،وأبلغ البلغاء سيد ولد
!آدم ،محمد بن عبدهللا؟
هذه هي القضية التي وقع فيها النحويون من عل ،وسقطوا فيها السقوط المدوي ،فاعتبروا كالمهم ،وقواعدهم فوق
السنة المتبعة! فمدوا أرجلهم بغرور ،وزهو ،ولكن أمام كالم هللا عز وجل ،فأين أخالقهم؟ وأين إيمانهم؟
ولننظر إلى كالم عقالء النحويين ،الذين لم يتحزبوا للنحو على حساب الحق ،والعدل ،والعلم .فهذا هو النحوي أبو
البحر المحيط)« :القراءة سنة متبعة ،ويوجد فيها الفصيح واألفصح ،وكل ذلك من (حيان األندلسي يقول في
».تيسيره تعالى القرآن للذكر
بل قال أيضاً« :فإن لسان العرب ليس محصورا ً في ما نقله البصريون فقط ،والقراءات ال تجيء على ما علمه
.البصريون» ،بل إنه زاد ،فقال« :ونحن ال نتعبد بنحو نحاة البصرة» ،مع أنه بصري
ويقول ابن األنباري في «االنتصاف في مسائل الخالف»« :ليس القصد تصحيح القراءة بالعربية ،بل تصحيح
!»العربية بالقراءة
بل قال اإلمام الفخر الرازي في «مفاتيح الغيب» عن تناقضات النحويين ،ومنهجهم العقيم« :أنا شديد العجب من
هؤالء النحويين ،إذا وجد أحدهم بيتا ً من الشعر ،ولو كان قائله مجهوالً ،فرح به ،وجعله دليالً على صحة القراءة،
».ولو جعل ورود القراءة دليالً على صحته كان أولى
شرح المفصل» عن هذه الظاهرة الخطيرة« :واألولى الرد على النحويين ،فليس «وقال ابن الحاجب النحوي في
قولهم بحجة عند اإلجماع ،ومن القراء جماعة من النحويين ،فال يكون إجماع النحويين حجة مع مخالفة القراء
لهم ،ولو قدر أن القراء ليس فيهم نحوي ،فإنهم ناقلون لهذه اللغة ،وهم مشاركون النحويين في نقل اللغة ،فال يكون
إجماع النحويين حجة دونهم ،وإذا ثبت ذلك ،كان المصير إلى أقوال القراء أولى ،ألنهم ناقلون عمن ثبتت عصمته
،وألن القراءة متواترة ،وما نقله النحويون آحاد ،ثم لو سلم أنه ليس )عن الغلط في مثله (وهو النبي محمد
».بمتواتر ،فالقراء أعدل ،وأثبت ،فكان الرجوع إليهم أولى
بل؛ وجدنا إمام النحو ،ثعلب ،يعترف بعظيم مكانة أهل القرآن ،والقراءات ،ومدى تهافت مكانة أهل النحو؛ فيقول
في لحظة صدق« :اشتغل أهل القرآن بالقرآن ،ففازوا ،واشتغل أهل الحديث بالحديث ،ففازوا ،واشتغل أهل الفقه
».بالفقه ،ففازوا ،واشتغلت أنا بزيد وعمرو ،فيا ليت شعري :ماذا يكون حالي في اآلخرة؟
لذلك ،ورد في كتاب «مراتب النحويين» أن« :الخليل الفراهيدي نظر في فقه أبي حنيفة ،فقيل له :كيف تراه؟
».فقال :أرى جداً ،وطريق جد ،ونحن في هزل ،وطريق هزل
وسؤالي ألهل النحو ،هو :متى ينتصر النحويون للقراءات القرآنية؟ وما السبيل لدراسة النحو القرآني؟ ومتى نرى
األولوية للقرآن في االستشهاد ،والتقعيد ،وليس للشعر ،وكالم العرب؟ فقد خسرت العربية كثيرا ً -وما زالت
.تخسر -بسوء منهج النحاة ،وفساد آرائهم ،وهجومهم العنيف غير العلمي على القراءات وعلمائها