You are on page 1of 3

‫لماذا رفض النحويون القراءات القرآنية؟‬

‫يناير ‪2 15:36 / 2015‬منذ |صالح حسن رشيد‬

‫لقد وجد القرآن الكريم‪ ،‬والقراءات القرآنية قبل وجود النحو والنحويين»‪ .‬هذا ما قاله العالمة النحوي أحمد علم «‬
‫الدين الجندي‪ .‬ويتندر العالمة الدكتور محمد عبدهللا دراز‪ ،‬فيقول‪« :‬فكيف التمس النحويون العصمة لسيبويه‪،‬‬
‫‪».‬والخليل‪ ،‬وغيرهما من علمائهم‪ ،‬ولم يلتمسوا العصمة للقراءات القرآنية‪ ،‬وعلمائها الكبار العدول؟‬

‫قال ابن الجزري في «طبقات القراء» عن حمزة‪« :‬قال أبو حنيفة لحمزة‪ :‬شيئان غلبتنا عليهما‪ ،‬لسنا ننازعك‬
‫!»فيهما‪ :‬الفرائض والقرآن»! وقال سفيان الثوري‪« :‬غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض‬

‫فمن هو اإلمام حمزة الذي طعن فيه النحويون‪ ،‬وفي غيره من علماء القراءات القرآنية‪ ،‬بال هوادة‪ ،‬وال عقل‪ ،‬وال‬
‫!إيمان؟‬

‫هو حمزة بن حبيب الزيات الكوفي‪ ،‬المولود عام ‪ 80‬هجرية‪ ،‬والمتوفى عام ‪ 156‬هجرية‪ ،‬والذي أدرك بقية‬
‫‪.‬الصحابة‪ ،‬فنهل من علمهم‪ ،‬وأخالقهم‬

‫كان إماما ً حجة ثقة ثبتاً‪ ،‬قيما ً بكتاب هللا‪ ،‬بصيرا ً بالفرائض‪ ،‬عارفا ً بالعربية‪ ،‬حافظا ً الحديث الشريف‪ ،‬عابداً خاشعا ً‬
‫‪.‬زاهداً ورعا ً‬

‫وقال اإلمام سفيان الثوري عنه أيضاً‪« :‬ما قرأ حمزة حرفا ً من كتاب هللا إال بأثر»‪ .‬أي كانت قراءته متواترة حتى‬
‫‪).‬تصل إلى الصحابة‪ ،‬عن رسول هللا (صلى هللا عليه وسلم‬

‫قال يحيى بن معين في حقه‪ ،‬سمعت محمد بن فضيل يقول‪« :‬ما أحسب أن هللا يدفع البالء عن أهل الكوفة إال‬
‫‪».‬بحمزة‬

‫وكان اإلمام حمزة يعترض على من يزيد في المد‪ ،‬ويفرط في الهمز‪ ،‬فكان يقول لمن يخطئ مثل هذه األخطاء‪:‬‬
‫« أما علمت أن ما كان فوق البياض فهو برص‪ ،‬وما كان فوق الجعودة‪ ،‬فهو قطط‪ ،‬وما كان فوق القراءة‪ ،‬فليس‬
‫‪!».‬بقراءة؟‬

‫هذا هو اإلمام الزاهد التقي النقي الذي خاض النحويون في علمه‪ ،‬وأخالقه‪ ،‬فاتهموه بعدم فقه العربية‪ ،‬واللحن‪،‬‬
‫وسوء الخلق! وهي اتهامات باطلة‪ ،‬جائرة‪ ،‬كان مبعثها الحسد‪ ،‬وضعف بضاعتهم‪ ،‬وقلة علمهم‪ ،‬وسوء أخالقهم‪،‬‬
‫وضعف إيمانهم‪ ،‬وتقديمهم كالم سيبويه‪ ،‬والمبرد‪ ،‬والمازني‪ ،‬وابن جني‪ ،‬والسجستاني‪ ،‬ومن على شاكلتهم‪ ،‬على‬
‫!علماء القراءات المتواترة المروية عن أفصح العرب قاطبة‪ ،‬وهو النبي العربي القرشي محمد‬

‫دافع عنه العالمة محمد عبدالخالق عضيمة في كتابه المهم «دراسات ألساليب القرآن» وعن غيره من شيوخ‬
‫القراءات السبع المتواترة ضد مهاترات النحاة‪ ،‬وهجومهم المقذع غير المبرر على اإلطالق‪ ،‬فقال‪« :‬ويؤسفني أن‬
‫أقول‪ :‬إن كتب النحو واللغة والتفسير‪ ،‬وغيرها تضمنت نصوصا ً كثيرة في الطعن على األئمة القراء الذين‬
‫!»تواترت قراءاتهم في السبع‪ ،‬والذين ارتضت األمة قراءاتهم‪ ،‬فركنوا إليها‪ ،‬وعولوا عليها‬

‫قال‪ :‬سألت عن حمزة أبا زيد‪) ،‬مراتب النحويين» ألبي الطيب اللغوي‪ ...« :‬أخبرنا أبو حاتم (السجستاني«في‬
‫واألصمعي‪ ،‬ويعقوب الحضرمي‪ ،‬وغيرهم من العلماء‪ ،‬فأجمعوا على أنه لم يكن شيئاً‪ ،‬ولم يكن يعرف كالم‬
‫بكسر الياء )العرب‪ ،‬وال النحو‪ ،‬وال كان يدعي ذلك‪ ،‬وكان يلحن في القرآن‪ ،‬وال يعقله‪ ،‬يقول‪( :‬ما أنتم بمصرخي‬
‫المشددة‪ ،‬وليس ذلك من كالم العرب‪ ،‬ونحو هذا من القراءة! قال أبو حاتم‪ :‬وإنما أهل الكوفة يكابرون فيه‪،‬‬
‫!»ويباهتون‪ ،‬فقد صيَّره الجهال من الناس شيئا ً عظيما ً بالمكابرة‪ ،‬والبهت‬

‫وقال أبو عثمان المازني في تصريفه عن اإلمام حمزة‪ ،‬وغيره من القراء‪« :‬فأما قراءة من قرأ من أهل المدينة‬
‫(معائش) بالهمز‪ ،‬فهي خطأ‪ ،‬فال يلتفت إليها‪ .‬وإنما أخذت عن نافع بن أبي نعيم‪ ،‬ولم يكن يدري ما العربية‪ ،‬وله‬
‫!وهو الكالم نفسه الذي كرره المبرد في كتابه (المقتضب) أيضا ً !»أحرف يقرأها لحنا ً نحواً من هذا‬
‫أما ابن قتيبة‪ ،‬فقال في كتابه «تأويل مشكل القرآن»‪ ...« :‬وكذلك لحن الالحنين من القراء المتأخرين‪ ،‬ال يجعل‬
‫حجة على الكتاب‪ .‬وقد كان الناس يقرأون بلغاتهم‪ ،‬كما أعلمتك‪ ،‬ثم خلف قوم بعد قوم من أهل األمصار‪ ،‬وأبناء‬
‫العجم ليس لهم طبع اللغة‪ ،‬فهفوا في كثير من الحروف‪ ،‬وزلوا‪ ،‬وقرأوا بالشاذ‪ ،‬وأخلوا! منهم رجل ستر هللا عليه‬
‫عند العوام‪ ،‬بالصالح‪ ،‬لم أر في من تتبعت وجوه قراءاته أكثر تخليطاً‪ ،‬وال أشد اضطرابا ً منه»! يقصد اإلمام‬
‫‪.‬حمزة‬

‫حتى ابن جني هاجم القراء‪ ،‬وخاض في علمهم‪ ،‬فقال في «الخصائص»‪« :‬ولم يؤت القوم في ذلك‪ ،‬من ضعف‬
‫‪».‬أمانة‪ ،‬ولكن أتوا من ضعف دراية‬

‫وقال الزمخشري في «الكشاف» عنهم‪« :‬والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الراوي‪ ،‬والسبب في قلة‬
‫‪».‬الضبط قلة الدراية‪ ،‬وال يضبط نحو هذا إال أهل النحو‬

‫ويرى الشيخ عضيمة ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬أن النحويين زعموا أنهم أدرى بضبط القراءة من القراء‪ ،‬ألنهم كانوا‬
‫‪.‬يحتكمون إلى ما وضعوه من قواعد‪ ،‬وسنوه من قوانين‬

‫لكن‪ ،‬نسي هؤالء النحويون شيئا ً مهما ً جداً‪ ،‬وهو أن كالمهم ليس معصوما ً من الزلل‪ ،‬وال من الخطل‪ ،‬فكيف‬
‫ارتضوا عصمة كالمهم الناقص هذا‪ ،‬فقدموه على الروايات المتواترة عن أفصح الفصحاء‪ ،‬وأبلغ البلغاء سيد ولد‬
‫!آدم‪ ،‬محمد بن عبدهللا؟‬

‫هذه هي القضية التي وقع فيها النحويون من عل‪ ،‬وسقطوا فيها السقوط المدوي‪ ،‬فاعتبروا كالمهم‪ ،‬وقواعدهم فوق‬
‫السنة المتبعة! فمدوا أرجلهم بغرور‪ ،‬وزهو‪ ،‬ولكن أمام كالم هللا عز وجل‪ ،‬فأين أخالقهم؟ وأين إيمانهم؟‬

‫ولننظر إلى كالم عقالء النحويين‪ ،‬الذين لم يتحزبوا للنحو على حساب الحق‪ ،‬والعدل‪ ،‬والعلم‪ .‬فهذا هو النحوي أبو‬
‫البحر المحيط)‪« :‬القراءة سنة متبعة‪ ،‬ويوجد فيها الفصيح واألفصح‪ ،‬وكل ذلك من (حيان األندلسي يقول في‬
‫‪».‬تيسيره تعالى القرآن للذكر‬

‫بل قال أيضاً‪« :‬فإن لسان العرب ليس محصورا ً في ما نقله البصريون فقط‪ ،‬والقراءات ال تجيء على ما علمه‬
‫‪.‬البصريون»‪ ،‬بل إنه زاد‪ ،‬فقال‪« :‬ونحن ال نتعبد بنحو نحاة البصرة»‪ ،‬مع أنه بصري‬

‫ويقول ابن األنباري في «االنتصاف في مسائل الخالف»‪« :‬ليس القصد تصحيح القراءة بالعربية‪ ،‬بل تصحيح‬
‫!»العربية بالقراءة‬

‫بل قال اإلمام الفخر الرازي في «مفاتيح الغيب» عن تناقضات النحويين‪ ،‬ومنهجهم العقيم‪« :‬أنا شديد العجب من‬
‫هؤالء النحويين‪ ،‬إذا وجد أحدهم بيتا ً من الشعر‪ ،‬ولو كان قائله مجهوالً‪ ،‬فرح به‪ ،‬وجعله دليالً على صحة القراءة‪،‬‬
‫‪».‬ولو جعل ورود القراءة دليالً على صحته كان أولى‬

‫شرح المفصل» عن هذه الظاهرة الخطيرة‪« :‬واألولى الرد على النحويين‪ ،‬فليس «وقال ابن الحاجب النحوي في‬
‫قولهم بحجة عند اإلجماع‪ ،‬ومن القراء جماعة من النحويين‪ ،‬فال يكون إجماع النحويين حجة مع مخالفة القراء‬
‫لهم‪ ،‬ولو قدر أن القراء ليس فيهم نحوي‪ ،‬فإنهم ناقلون لهذه اللغة‪ ،‬وهم مشاركون النحويين في نقل اللغة‪ ،‬فال يكون‬
‫إجماع النحويين حجة دونهم‪ ،‬وإذا ثبت ذلك‪ ،‬كان المصير إلى أقوال القراء أولى‪ ،‬ألنهم ناقلون عمن ثبتت عصمته‬
‫‪ ،‬وألن القراءة متواترة‪ ،‬وما نقله النحويون آحاد‪ ،‬ثم لو سلم أنه ليس )عن الغلط في مثله (وهو النبي محمد‬
‫‪».‬بمتواتر‪ ،‬فالقراء أعدل‪ ،‬وأثبت‪ ،‬فكان الرجوع إليهم أولى‬

‫بل؛ وجدنا إمام النحو‪ ،‬ثعلب‪ ،‬يعترف بعظيم مكانة أهل القرآن‪ ،‬والقراءات‪ ،‬ومدى تهافت مكانة أهل النحو؛ فيقول‬
‫في لحظة صدق‪« :‬اشتغل أهل القرآن بالقرآن‪ ،‬ففازوا‪ ،‬واشتغل أهل الحديث بالحديث‪ ،‬ففازوا‪ ،‬واشتغل أهل الفقه‬
‫‪».‬بالفقه‪ ،‬ففازوا‪ ،‬واشتغلت أنا بزيد وعمرو‪ ،‬فيا ليت شعري‪ :‬ماذا يكون حالي في اآلخرة؟‬

‫لذلك‪ ،‬ورد في كتاب «مراتب النحويين» أن‪« :‬الخليل الفراهيدي نظر في فقه أبي حنيفة‪ ،‬فقيل له‪ :‬كيف تراه؟‬
‫‪».‬فقال‪ :‬أرى جداً‪ ،‬وطريق جد‪ ،‬ونحن في هزل‪ ،‬وطريق هزل‬
‫وسؤالي ألهل النحو‪ ،‬هو‪ :‬متى ينتصر النحويون للقراءات القرآنية؟ وما السبيل لدراسة النحو القرآني؟ ومتى نرى‬
‫األولوية للقرآن في االستشهاد‪ ،‬والتقعيد‪ ،‬وليس للشعر‪ ،‬وكالم العرب؟ فقد خسرت العربية كثيرا ً ‪ -‬وما زالت‬
‫‪.‬تخسر ‪ -‬بسوء منهج النحاة‪ ،‬وفساد آرائهم‪ ،‬وهجومهم العنيف غير العلمي على القراءات وعلمائها‬

You might also like