You are on page 1of 225

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة قسنطينة ‪2‬‬
‫كلية العلوم االنسانية والعلوم االجتماعية‬
‫قسم التاريخ‬
‫رقم التسجيل‪.................:‬‬
‫الرقم التسلسلي‪.............:‬‬

‫التوسع الزراعي في أفريقيا القديمة‬


‫خالل الفترة الرومانية‬
‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ‬
‫تخصص‪ :‬تاريخ الريف و البادية‪.‬‬
‫اشراف األستاذ‪:‬‬ ‫اعداد الطالب‪:‬‬
‫د‪ /‬عقون محمد العربي‬ ‫خنيش عبد الفتاح‬
‫تاريخ املناقشة‪1122/21/21:‬م‬ ‫اعضاء جلنة املناقشة‪:‬‬
‫اجلامعة األصلية‬ ‫الصفة‬ ‫الرتبة‬ ‫االسم و اللقب‬
‫جامعة قسنطينة‪1‬‬ ‫رئيسا‬ ‫أستاذ حماضر‬ ‫د‪/‬عبد العزيز بن حلرش‬
‫جامعة قسنطينة‪1‬‬ ‫مشرفا ومقررا‬ ‫أستاذ حماضر‬ ‫د‪/‬حممد العريب عقون‬
‫جامعة قسنطينة‪1‬‬ ‫عضوا مناقشا‬ ‫أستاذ حماضر‬ ‫د‪/‬سليمان بن السعدي‬
‫جامعة باتنة‬ ‫عضوا مناقشا‬ ‫أستاذ حماضر‬ ‫د‪/‬مسعود شباحي‬

‫‪2102-2102‬م‬
‫وصف بلني الكبري(‪ )Pline l’Ancien‬خالل القرن األول االستغالل‬
‫الزراعي بواحة قابس (تاكاب‪ )Tacape‬اليت تقع على حدود الصحراء‬
‫جنوبا يف سواحل السريت الصغري غريب لبتيس الكربى ( ‪Leptis‬‬
‫‪ )Magna‬فقال‪ ":‬هنا ‪ ،‬تحت نخلة مترامية األطراف تنبت‬
‫شجرة زيتون ‪ ،‬وتحت شجرة الزيتون شجرة تين ‪ ،‬وتحت‬
‫شجرة التين شجرة لوز ‪ ،‬وتحت شجرة اللوز كرمة ‪ ،‬وتحت‬
‫الكرمة يزرع القمح ثم نباتات قرنية وأخيرا الخضروات ‪،‬‬
‫كل هذا في نفس العام وكل واحدة تنمو تحت ظل‬
‫األخرى"‪.‬‬
‫‪Pline l’Ancien, Histoire Naturelle , XVIII, LI. 22.‬‬
‫قائمة المختصرات‬

A.A.A.: Atlas Archéologique de L'Algérie .


An.Af.:Antiquités Africaines .
C.I.L. : Corpus Inscriptionum Latinarum.
C.R.A.I. : Comptes rendus de l’Académie des Inscriptions et
Belles- Lettres.
D.A.G.R . :Dictionnaire des Antiquités Grecques et Romaines.
D.H.A. : Dialogue d'Histoire Ancienne.
E.S.C. : Economie,Société,Civilisation.
F° : Feuille.
H.A.A.N.:Histoire Ancienne de l'Afrique du Nord.
M.A.H. : Mélange d'Archéologie et d'Histoire.
M.E.F.R.A.: Mélange de l'Ecole Française de Rome, Antiquité.
N° : Numéro.
R.Af. :Revue Africaine.
R.Ar.: revue archéologique
T. : Tome.
‫مقدمة‬
‫يندرج موضوع هذا البحث ضمن التاريخ االقتصادي للشمال األفريقي القدمي خالل‬
‫الفرتة الرومانية‪ ،‬وسنتناول فيه أحد اجلوانب األساسية يف اقتصاد هذه املنطقة وهو اجلانب‬
‫الزراعي‪ ،‬وخاصة التوسع الذي عرفته الزراعة خالل هذه الفرتة‪ ،‬وهدفنا من خالل حماولتنا هذه‬
‫هو معاجلة هذا املوضوع من خالل تتبع الظروف اليت عرفها النشاط الزراعي واستغالل األرض يف‬
‫منطقة ظلت الزراعة هبا هي الركن األساس يف اقتصادها عرب التاريخ‪ ،‬وكذا دراسة العوامل اليت‬
‫صنعت ذلك االزدهار االقتصادي الذي تتحدث عنه املصادر األدبية وت ثبته املعامل والبقايا األثرية‬
‫عرب فرتة طويلة امتدت على ما يزيد عن مخسة قرون‪.‬‬

‫لقد كان الثراء االقتصادي املبين أساسا على الثروة الفالحية أهم ما ميز منطقة الشمال‬
‫األفريقي منذ قرون طويلة‪ ،‬حيث عرفت هذه املنطقة ظهور الزراعة منذ فجر التاريخ ث ظلت‬
‫تتطور تدرجييا خالل الفرتة النوميدية والقرطاجية لتصل أوج ازدهارها وتوسعها خالل الفرتة‬
‫الرومانية وذلك لتوفر عوامل هذا االزدهار‪ ،‬فإىل جانب الرتبة اخلصبة واملناخ املالئم هناك التقاليد‬
‫الزراعية الراسخة‪ ،‬وكذا إقامة منظومة فالحية بناء على تشريعات قانونية حتدد ملكية األرض‬
‫‪Latifundia, Fundus, Praedia, (:‬‬ ‫ونظام استغالهلا وخاصة نظام املستثمرات الفالحية‬
‫…‪ )Saltus‬وهذا ما جعل البالد تصل يف الفرتة الرومانية أوج ازدهارها االقتصادي الذي كانت‬
‫الزراعة عماده األول‪ ،‬وحنن يف حبثنا هذا سنحاول الوقوف على حقيقة هذا االزدهار‪ ،‬من خالل‬
‫تتبع سري التوسع الزراعي يف املنطقة‪ ،‬ومن هنا جاء حبثنا حتت عنوان‪:‬‬

‫التوسع الزراعي في أفريقيا القديمة)*(خالل الفترة الرومانية‪.‬‬

‫(* ) إن املقصود بعبارة "أفريقيا القدمية" الواردة يف العنوان هو أفريقيا خالل عصور التاريخ القدمي اليت اصطلح عليها الباحثون ب " ‪Africa‬‬
‫‪ "antiqua‬وليس املقصود هبا مقاطعة أفريقيا القدمية "‪ "Africa Vetus‬الربوقنصلية سابقا اليت أصبحت تسمي هبذه التسمية ابتداء من‬
‫سنة ‪ 64‬ق‪.‬م لتمييزها عن املقاطعة األفريقية اجلديدة "‪ "Africa Nouva‬اليت استحدثت بعد التوسع على حساب نوميديا‪.‬‬
‫ب‬ ‫مقدمة‬

‫لقد آثرنا استعمال تسمية "أفريقيا" و"أفريقيا القدمية" واحيانا "أفريقيا الشمالية" من بني‬
‫التسميات املتعددة اليت أطلقت قدميا أو حديثا على املنطقة(ليبيا‪ ،‬افريقية‪ ،‬بالد املغرب‪،‬بالد‬
‫الرببر‪..‬اخل) نظرا لداللتها اجلغرافية واستعماهلا القدمي يف املنطقة‪ ،‬فقد أطلق الرومان منذ البداية‬
‫اسم "املقاطعة األفريقية" على اجملال الذي ورثوه عن قرطاج قبل أن يعمموه ليصبح له نفس‬
‫مدلول مصطلح "ليبيا" الذي أطلقه اإلغريق قبلهم على املنطقة (*)‪،‬وحديثا أصبح املصطلح داال‬
‫على عموم القارة األفريقية واختفى من املنطقة هنائيا ما عدا اإلشارة يف اجلغرافية السياسية إىل‬
‫منطقة مشال أفريقيا للداللة على البلدان الواقعة مشال القارة‪ ،‬يف مقابل ذلك استعملنا مصطلح‬
‫األفارقة واألمازيغ للداللة على أهل املنطقة األصليني‪.‬‬

‫ويدخل اختيارنا للموضوع ضمن إطار اهتمامنا الشخصي بالتاريخ االقتصادي لشمال‬
‫أفريقيا وحضارة األرياف‪ ،‬وهي يف احلقيقة جماالت مل يعنت الباحثون بدراستها مقارنة بالتاريخ‬
‫السياسي وتاريخ املدن واحلواضر‪ ،‬باإلضافة إىل رغبتنا يف املسامهة ولو بالقليل يف تعريف الغري‬
‫حبضارتنا القدمية وتصحيح بعض الرؤى واملغالطات اليت مل يتوقف البعض إىل حد اآلن عن‬
‫دسها ضمن مؤلفاهتم العديدة‪ ،‬وكذا لرغبتنا يف إبراز دور الشعوب األمازيغية وإسهاماهتا‬
‫احلضارية اليت غيبتها املصادر الكالسيكية وطمستها الدراسات احلديثة‪ ،‬ث إن موضوع التوسع‬
‫الزراعي يف حد ذاته يعد ظاهرة جديرة بالدراسة أثارت دهشة لدى الباحثني‪ ،‬خصوصا وانه‬
‫موضوع يثري الفضول بعد العثور على هياكل خاصة بالزراعة يف مناطق "انقرضت" منها الزراعة‬
‫حاليا‪.‬‬

‫يثري املوضوع يف احلقيقة تساؤالت عديدة عن مدى ما بلغه هذا التطور االقتصادي‪،‬‬
‫وعلى اخلصوص حقيقة النمو الواسع يف استغالل األرض والوصول بالزراعة إىل ختوم الصحراء‪،‬‬
‫هذه احلقيقة اليت كشفت بعض جوانبها بعض الدراسات احلديثة على رأسها الدراسة اليت قام‬
‫هبا ضابط الطريان الفرنسي الكولونيل باراداز()‪ )Baradez (J.‬حول اخلندق‬
‫(*)‬
‫جوليان (شارل أندري) ‪ ،‬تاريخ أفريقيا الشمالية ( تونس ‪ ،‬الجزائر‪ ،‬المغرب األقصى من البدء إلى الفتح اإلسالمي‬
‫‪746‬م) ‪ ،‬تعريب حممد املزايل والبشري بن سالمة ‪ ،‬ط‪ ،5‬الدار التونسية للنشر ‪ ،‬جويلية ‪5895‬م ‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫ج‬ ‫مقدمة‬

‫األفريقي(‪ )Fossatum Africae‬وأطروحة الدكتوراه اليت قدمها الباحث جان‬


‫بريبان()‪ )Birebent (J.‬للمناقشة جبامعة اجلزائر حتت عنوان(‪ )Aqvae Romanae‬واليت درس‬
‫فيها نظام املياه الروماين بالشرق اجلزائري ‪ ،‬إال أن هناك العديد من اجلوانب اليت بقيت خفية‬
‫وهي حباجة إىل العناية بدراستها ‪ ،‬ومع أن االستغالل الزراعي خالل الفرتة الرومانية مل ينطلق من‬
‫فراغ إال أن جل الباحثني الغربيني ال يولون أمهية للشعب األمازيغي ومسامهته يف جمال الزراعة‬
‫على العموم والتوسع الزراعي احملقق على اخلصوص‪ ،‬بل ينسبون كل الفضل إىل العنصر األجنيب‬
‫(الرومان) ويتجاهلون جمهود السكان األمازيغ يف هذا اجملال‪ ،‬وقد سعينا إىل إبراز دور هؤالء‬
‫وفق ما تؤكده احلقائق التارخيية واألثرية دون إغفال العناصر اجلديدة اليت أدخلت يف نظام‬
‫استغالل األرض واليت كان هلا دور كبري يف التطور الذي حتقق‪ ،‬وهذا ما جعلنا نطرح سؤاال مركزيا‬
‫وهو‪:‬‬

‫هل كان التوسع الزراعي في أفريقيا القديمة إنجازا رومانيا‬


‫صرفاً‪ ،‬أم أنه ثمرة مساهمة األفارقة الذين ان تزعت منهم‬
‫أراضيهم فاستعاضوا عنها باستصالح األراضي البور حتى وصلوا‬
‫بالتوسع الزراعي إلى مشارف الصحراء ؟‬

‫وتتفرع عن هذا السؤال املركزي أسئلة ثانوية هي‪:‬‬

‫ما مدى صحة القول بتحقيق ازدهار كبير جعل منه بعض المفتتنين‬
‫بالحضارة الرومانية معجزة ؟‬
‫وهل ما أنجز على األرض األفريقية من ازدهار‪ ،‬مكرمةً رومانية ؟‬
‫أليس األفارقة هم الذين ظلوا يعملون ويكدحون وينتجون حتى بعد أن‬
‫انتزعت من الكثير منهم أراضيهم بموجب حق الفتح ؟‬
‫د‬ ‫مقدمة‬

‫هل كان للفترة السابقة للوجود الروماني اثر على تطور الزراعة‬
‫خالل الفترة الرومانية؟ وهل كان التطور نتيجة لتفاعالت داخلية مست‬
‫بدرجة أولى وسائل اإلنتاج أم انه نتيجة الستعارة تقنيات من شعوب‬
‫أخري ؟‬
‫لماذا اهتم بعض األباطرة الرومان بتوجيه الزراعة خالل مرحلة‬
‫معينة من تاريخ اإلمبراطورية إلنتاج أنواع معينة من المزروعات؟‬
‫ما هي خصائص اإلنتاج الزراعي بأفريقيا خالل تلك المرحلة؟ وما‬
‫جرداء؟!‬ ‫السر في انتشار آثار معاصر ومنشآت ري في مناطق هي اليوم‬
‫ثم لماذا شدد الحكام الرومان على زراعة الزيتون بالمناطق المحاذية‬
‫للصحراء؟!‬

‫وقد حاولنا يف حبثنا هذا اإلجابة على هذه اإلشكالية‪ ،‬مع احلرص على أن يكون ذلك‬
‫يف سياق ورؤية موضوعية اعتمادا على املنهج العلمي عرب مقاربات نقرأ من خالهلا تاريخ منطقتنا‬
‫قراءة متحررة من كل النزعات التقليدية اليت حتاول االلتفاف على احلقائق التارخيية‪ ،‬ومعتمدين‬
‫أيضا على تقنيات التحليل واالستنباط والنقد وقراءة مابني السطور يف معاجلة املعلومات‬
‫التارخيية اليت زودتنا هبا املصادر الكالسيكية واحلقائق اليت توصل إليها علم اآلثار حديثا‪.‬‬

‫وقد رمسنا لبحثنا هذا خطة نراها مناسبة ملعاجلة املوضوع‪ ،‬حيث افتتحنا الدراسة مبدخل‬
‫فضلنا أن نتناول فيه اخلصائص الطبيعية ألفريقيا الشمالية واملعلومات اجلغرافية اليت زودتنا هبا‬
‫بعض املصادر القدمية وهذا يف احلقيقة ما تقتضيه دراستنا‪ ،‬حيث انه من املفيد كثريا معرفة هذه‬
‫اخلصائص قبل الشروع يف معاجلة املوضوع ‪ ،‬ث يلي املدخل ثالثة فصول عاجلنا من خالهلا‬
‫اإلشكالية املطروحة‪.‬‬

‫يف الفصل األول مت التطرق إىل الزراعة األفريقية قبل وصول الرومان للمنطقة‪ ،‬واهلدف‬
‫من هذا الفصل هو إبراز وتشخيص احلالة اليت كانت عليها الزراعة خالل تلك املرحلة ملعرفة‬
‫ه‬ ‫مقدمة‬

‫اإلضافات اليت عرفها اجملال خالل املرحلة الالحقة وهذا ما يسمح لنا باستنتاج الفرق بني‬
‫الفرتتني ‪ ،‬وقد ركزنا فيه أساسا على إشكالية ظهور الزراعة باملنطقة وعاجلنا مسألة الرتويج‬
‫لفكرة "أفضال" الفينيقيني يف إدخاهلا للمنطقة اليت حياول البعض جعلها حقيقة تارخيية‪ ،‬كما‬
‫تناولنا وضعية الزراعة خالل فرتة السيطرة اإلغريقية والقرطاجية والتطور الذي عرفته خالل فرتة‬
‫امللوك النوميد خاصة على عهد امللك ماسينيسا‪ ،‬وقد خصصنا يف آخر الفصل عنصرا هاما‬
‫حاولنا من خالله إبراز منجزات فرتة ما قبل الرومان (‪ )Préromaine‬وإسهاماهتا يف التطور‬
‫الذي سيتحقق خالل الفرتة الرومانية اليت يف اعتقادنا شكلت استمرارية ملا قبلها واستفادت من‬
‫القاعدة اليت بنيت من قبل خاصة على عهد امللوك النوميد ‪.‬‬

‫أما الفصل الثاين الذي عنوناه ب "الزراعة األفريقية خالل الفرتة الرومانية" فقد خصصناه‬
‫لدراسة اجلوانب املتعلقة بالزراعة اليت شكلت القاعدة اليت ساهم هبا الرومان مبهندسيهم‬
‫وتشريعاهتم يف بنائها واليت كان هلا اثر واضح يف تطور الزراعة خالل العهد اإلمرباطوري األول‬
‫(‪ )Haut-Empire‬على اخلصوص‪ ،‬وقد استهللنا هذا الفصل بدراسة نظام مسح‬
‫األراضي(الكنرتة) الذي ساهم يف تنظيم اجملال وسهل عملية توزيع األراضي واإلحصاء ومجع‬
‫الضرائب‪ ،‬ث انتقلنا إىل التشريعات الزراعية اليت عثر عليها بأفريقيا وأثرها يف تطوير الزراعة‬
‫وتنظيم العالقات بني الفئات املستغلة للمستثمرات‪ ،‬لنتناول بعد ذلك موضوع الري الزراعي‬
‫ودوره يف توسيع الزراعة خاصة باملناطق اجلنوبية اجلافة أو شبه اجلافة‪ ،‬ث انتقلنا إىل منظومة‬
‫االستغالل الزراعي أين درسنا وسائل اإلنتاج وعلى رأسها وضعية األرض ونظام امللكية‬
‫واملوظفون القائمون على العمل الزراعي وأنظمة االستغالل السائدة‪ ،‬باإلضافة إىل دراسة مناذج‬
‫من املستثمرات الزراعية اليت أنشئت على األرض األفريقية كالسالتوس والالتيفونديا‪...‬اخل‪ ،‬ويف‬
‫آخر الفصل درسنا النظام الضرييب املتعلق بالزراعة وتأثريه على تدهور الزراعة خالل الفرتة‬
‫األخرية من السيطرة الرومانية‪.‬‬

‫يف الفصل الثالث ‪-‬الذي ميثل جوهر حبثنا‪ -‬تناولنا ظاهرة التوسع الزراعي وانعكاساهتا‪،‬‬
‫وقد عاجلناها وفق منظورين ؛ توسع نوعي يف الزراعة متمثال يف زراعة احلبوب خالل القرن‬
‫و‬ ‫مقدمة‬

‫األول ث األشجار املثمرة خالل القرن الثاين للميالد(الزيتون والكروم)‪ ،‬وتوسع إقليمي للزراعة‬
‫سواء باجتاه اجلنوب أو باجتاه املناطق اجلبلية ‪ ،‬وقد حاولنا إبراز الدور األهلي يف هذا التوسع‬
‫الذي تغاضى عنه الكثريون ‪ ،‬وىف آخر الفصل عاجلنا اثر التوسع الزراعي وانعكاساته على‬
‫اجلوانب االقتصادية واالجتماعية للمجتمع األفريقي خالل تلك املرحلة‪ .‬وقد توجنا حبثنا هذا‬
‫خبامتة خلصنا فيها النتائج اليت توصلنا إليها من خالل معاجلة عناصر البحث ‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫ختصيص بعض املالحق املتعلقة بالزراعة القدمية يف املنطقة‪.‬‬

‫اعتمدنا يف دراستنا على جمموعة من املصادر الكالسيكية خاصة التاريخ الطبيعي‬


‫(‪ )Histoire Naturelle‬لبلني الكبري(‪ ، )Pline l’Ancien‬فعلى العموم استفدنا من األخبار‬
‫املختصرة والن زر اليسري من املعلومات اليت وردت يف هذه املصادر سواء اليت عاصرت الفرتة‬
‫الرومانية أو الفرتة اليت قبلها‪ ،‬فهي كما هو معروف تناولت التاريخ السياسي والعسكري‬
‫للمنطقة ومل تتعرض للتاريخ االجتماعي واالقتصادي إال عرضا‪ ،‬وهي يف احلقيقة مل تتعرض إىل‬
‫جوهر موضوعنا بشكل كبري ولكن ذلك مل مينعنا من االستفادة من بعض اإلشارات الواردة‬
‫فيها‪ ،‬ومن بني هؤالء الذين اعتمدنا عليهم هريودوت وسالوست وبوليب وديودور الصقلي‬
‫وسرتابون وديون كاسيوس وكلوميل وغريهم‪.‬‬

‫كما استفدنا أيضا من القانون الثيودوزي )‪(Code Théodosien‬فيما يتعلق بالزراعة‬


‫والضرائب خالل الفرتة األخرية لإلمرباطورية‪ ،‬ومن جهة أخرى شكلت النقوش األفريقية‬
‫احملفوظة يف بعض املؤلفات مصدرا آخر لدراسة بعض اجلوانب املتعلقة بالزراعة‪ ،‬يأيت يف‬
‫مقدمتها مؤلفات املؤرخ اقزال اليت ختص اجلزائر وهي األطلس األثري للجزائر( ‪Atlas‬‬
‫‪ )Archéologique de l’Algérie‬واجلزء األول من مؤلفه النقوش الالتينية للجزائر‬
‫(‪ ، )Inscriptions Latines de l’Algérie‬باإلضافة إىل اعتمادنا ولو جزئيا على بعض‬
‫النقوش املنشورة يف اجلزء الثامن من مدونة النقوش الالتينية ( ‪Corpus Inscriptionum‬‬
‫‪.)Latinarum‬‬
‫ز‬ ‫مقدمة‬

‫أما فيما خيص الدراسات ‪ ،‬فهي يف احلقيقة متعددة ال يتسع اجملال لذكرها كلها‪،‬‬
‫فباإلضافة إىل دراسيت بريبان وباراداز املشار إليهما سابقا ‪ ،‬اعتمدنا على دراسات اقزال‬
‫املتعددة من بينها التاريخ القدمي ألفريقيا الشمالية( ‪Histoire Ancienne de l’Afrique du‬‬
‫الرومانية( ‪La civilisation de‬‬ ‫‪ ،)Nord‬ودراسة بيكار(‪ : )Picard‬حضارة أفريقيا‬
‫‪ ،)l’Afrique Romaine‬ودراسة غابريال كامبس(يف أصول بالد الرببر‪ ،‬ماسينيسا أو بداية‬
‫التاريخ) اليت أفادتنا فيما يتعلق بأصول الزراعة األفريقية‪ ،‬ودراسة السيدة هنريات كامبس فيما‬
‫يتعلق بزراعة الزيتون خالل الفرتة الرومانية ( ‪l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique‬‬
‫‪ )Romaine‬وكذا تاريخ اإلمرباطورية الرومانية االجتماعي واالقتصادي للمؤرخ رستوقتزف‪،‬‬
‫باإلضافة إىل اعتمادنا على دراسيت كل من األستاذين شنييت حممد البشري يف كتابه "التغريات‬
‫االقتصادية واالجتماعية يف بالد املغرب أثناء االحتالل الروماين" وعقون حممد العريب يف كتابه‬
‫"االقتصاد واجملتمع يف الشمال األفريقي القدمي" اللتان كانتا بالنسبة لنا دليال وسراجا استهدينا‬
‫به يف ظلمات حبثنا هذا ‪.‬‬

‫ولعل أكثر ما أفادنا يف حبثنا هذا تلك املقاالت والدراسات القيمة املنشورة يف‬
‫الدوريات املتخصصة على اخلصوص اجمللة األفريقية (‪ )Revue Africaine‬و ( ‪Antiquités‬‬
‫‪ )Africaines‬و( ‪Comptes rendus de l’Académie des Inscriptions et Belles‬‬
‫‪ )Lettres‬واليت عاجلت موضوعات متنوعة كالتشريعات الزراعية والكنرتة والري‪...‬اخل ‪ ،‬كما‬
‫( ‪Dictionnaire des antiquités‬‬ ‫استفدنا من موسوعة األثريات القدمية اإلغريقية والرومانية‬
‫‪ )Grecques et Romaines‬اليت أعانتنا على فهم العديد من املصطلحات باإلضافة إىل‬
‫استفادتنا من عدة دراسات منشورة على شبكة االنرتنيت‪.‬‬

‫إن صعوبة التوفيق بني العمل والدراسة تعد من أهم العراقيل اليت واجهتنا ‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل أن قراءة املصادر والدراسات اليت كان جلها باللغة الفرنسية يستغرق وقتا طويال ويستدعى‬
‫املتخصصة‪.‬‬ ‫جهدا مضنيا أمام قلة الدراسات احمللية‬
‫ح‬ ‫مقدمة‬

‫ويف األخري نتقدم بشكرنا اخلالص إىل أستاذنا الدكتور حممد العريب عقون الذي كان‬
‫نعم املوجه‪ ،‬شاكرين له حرصه على تكويننا تكوينا أكادمييا صحيحا ‪ ،‬كما نشكره كثريا على‬
‫رحابة صدره وصربه على تقصرينا وعلى حلمه وحكمته يف التعامل معنا ‪ ،‬كما نشكر كل من‬
‫أعاننا على اجناز هذا البحث على رأسهم عمال أرشيف والية قسنطينة وعمال متحف‬
‫سطيف‪.‬‬

‫واهلل ولي التوفيق‪.‬‬


‫مدخل‪:‬‬
‫الخصائص الطبيعية والجغرافية‬
‫التاريخية ألفريقيا الشمالية القديمة‪.‬‬
‫مدخل‬
‫الخصائص الطبيعية والجغرافية التاريخية‬
‫ألفريقيا الشمالية القديمة‬

‫تتطلب دراسة موضوع الزراعة يف الشمال األفريقي القدمي ‪ -‬باعتباره فرعا من فروع‬
‫التاريخ االقتصادي ومرتبطا ارتباطا وثيقا باجملال اجلغرايف – من الباحث تقدمي حملة عامة عن‬
‫اخلصائص الطبيعية ومميزات السطح للمنطقة املراد دراستها‪ ،‬ولذا جاء هذا املدخل ليكون متهيدا‬
‫ملوضوع البحث وقاعدة معلومات ختص اجلغرافيا الطبيعية واجلغرافيا التارخيية للمنطقة‪ ،‬نرصد من‬
‫خالله املميزات الطبيعية على اخلصوص من مناخ وتضاريس وهيدروغرافيا وتساقط‪...‬اخل‪ ،‬وهذا‬
‫من شأ نه أن يساعد سواء الباحث أو القارئ على فهم املوضوع فهما جيدا كما يساعد على‬
‫معرفة خصائص املنطقة قدميا حيث ميكن مقارنة الدراسات املتعددة املنجزة حديثا يف جمال‬
‫اجلغرافيا الطبيعية للمنطقة باملعلومات الواردة يف املصادر القدمية واستغالهلا يف معرفة خصائص‬
‫املنطقة قدميا ‪.‬‬

‫أفريقيا)‪ (Africa‬يف التاريخ القدمي ومشال أفريقيا (‪ )North Africa‬حديثا هي البالد‬


‫الواقعة يف اجلزء الشمايل الغريب من القارة األفريقية‪ ،‬حيدها من الشمال البحر املتوسط ومن‬
‫اجلنوب الصحراء الكربى ومن الغرب احمليط األطلسي ومن الشرق مصر‪ ،‬وهي متتد بني خطي‬
‫طول ‪°55‬شرقا و‪ °51‬غربا بالنسبة خلط غرينيتش وبني دائريت عرض ‪°55‬و‪ °89‬مشال خط‬
‫االستواء (‪ ،)1‬وهذا ما أعطاها موقعا اسرتاتيجيا مميزا فهي مطلة على احلوضني الغريب والشرقي‬
‫للبحر املتوسط وتشكل اجلزء الشمايل من القارة اإلفريقية‪.‬‬

‫(‪)1‬حارش(حممد اهلادي)‪ ،‬التاريخ المغاربي القديم( السياسي والحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح اإلسالمي)‪،‬‬
‫املؤسسة اجلزائرية للطباعة‪،‬اجلزائر ‪5885‬م‪ ،‬ص‪. 14‬‬
‫مدخل‬ ‫‪3‬‬

‫قسم هريودوت قدميا املنطقة إىل ثالثة أقاليم من حيث األنشطة االقتصادية والنمط‬
‫املعيشي ‪ :‬إقليم السواحل الشمالية الذي ينقسم بدوره إىل قسمني ؛ جزء شرقي ميتد من النيل‬
‫إىل غاية حبرية الرتيتون(‪ )Lac Tritonis‬غربا وهو موطن القبائل البدوية‪ ،‬وجزء غريب ميتد من‬
‫حبرية الرتيتون إىل غاية احمليط األطلسي وهي منطقة الليبيني املزارعني‪ ،‬أما إقليم الدواخل الليبية‬
‫فقد وصفه هريودوت على انه بالد للحيوانات املتوحشة‪ ،‬وما وراء هذه املنطقة هناك اإلقليم‬
‫اجلنويب الذي هو عبارة عن كثبان رملية ميتد من طيبة (‪)Thébes‬شرقا إىل أعمدة هرقل غربا‬
‫تتخلله عدة سباخ وتسكنه عدة قبائل(انظر اخلريطة (‪)5‬أدناه ص ‪.)2( )4‬‬

‫أما سالوست فقد ذكر أن أول مدينة تصادفنا عند قدومنا من مصر باجتاه السواحل‬
‫الغربية الليبية هي قورين (‪ )Cyréne‬وهي مستعمرة إلغريق قدموا من ثريا (‪ ،)Théra‬يلي‬
‫ذلك هياكل الفيالن وبني خليجي السريتني تقع مدينة لبتيس(‪ )Leptis‬ث تأيت بعدها سلسلة‬
‫من املصارف الفينيقية‪ ،‬أما باقي البالد إىل غاية موريتانيا فقد كانت حتت سيطرة النوميد؛ حيث‬
‫يتمركز املور مشاال قرب اسبانيا ؟ واجليتول جنوب نوميديا وأبعد منهم جنوبا يتواجد اإلثيوبيون‪،‬‬
‫ث يأيت بعد ذلك إقليم الشمس احلارقة(‪.)3‬‬

‫أما الساحل اللييب فقد اعتربه سرتابون ساحال مستقيما يف اجتاهه العام من مصر إىل‬
‫أعمدة هرقل ‪ ،‬وهذا نفس اخلطأ الذي وقع فيه هريودوت قبله(‪ ،)4‬واحلقيقة أن الساحل يتجه‬
‫مشاال عند بداية إقليم القرطاجني ‪ ،‬كما ميكن أن نستنتج من تعدد املوانئ اليت أقامها‬
‫القرطاجيون على السواحل الغربية للشمال األفريقي بان هذا الساحل يكون مسننا تتنوع فيه‬
‫الرؤوس واخللجان ما يسمح بإقامة هذه املوانئ الطبيعية املتعددة‪.‬‬

‫) ‪(2‬‬
‫‪Gsell (St.),Hérodote,Textes relatifs a l’Histoire de l’Afrique du Nord, Typographie‬‬
‫‪Adolphe Jourdan, Alger1915 ,Livre IV,CLXXX-CLXXXXI.(par suite : Hérodote).‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Salluste , la guerre de Jugurtha, les fragmens de la grande histoire romaine, la‬‬
‫‪conjuration de catilina ,et les deux épîtres a César, traduit par‬‬
‫‪Ch.Du.Rozoir,T.I,imprimerie de C.L.F.Panckoucke, Paris 1835 , XIX.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪Strabo , The Geography , translated by H.C.Hamilton and W.Falconer, John Childs‬‬
‫‪and Son Printers, London 1857, book II,V.‬‬
‫‪4‬‬ ‫مدخل‬

‫الخريطة(‪ :)0‬خريطة ليبيا وأقاليمها حسب هيرودوت‪.‬‬


‫المصدر‪Gsell(St.),Hérodote,Op.Cit.,index.:‬‬

‫تطل املنطقة على البحر املتوسط حبوضيه الشرقي والغريب‪ ،‬وقد منح هلا هذا املوقع‬
‫امتيازات عديدة‪ ،‬فهو مصدر التفاعل الذي مسح لشعوهبا قدميا وحديثا باالحتكاك مع أجناس‬
‫أخرى خصوصا وان منطقة مشال أفريقيا يقابلها مشاال الضفة اجلنوبية ألوروبا‪ ،‬فال يكاد يفصل‬
‫أوروبا عن مشال أفريقيا إال مضيق جبل طارق(‪ 58‬كلم فقط) وهذا املوقع املتميز يسمح‬
‫بالتبادل التجاري زيادة على التفاعل الثقايف واحلضاري‪.‬‬

‫تنقسم منطقة مشال أفريقيا من حيث تكوينها إىل قسمني رئيسيني‪ ،‬قسم مشايل حديث‬
‫التكوين وقسم جنويب قدمي التكوين‪ ،‬وتتوزع املظاهر التضاريسية السائدة يف املنطقة بني خمتلف‬
‫األزمنة اجليولوجية األربعة ‪ ،‬وتظهر الصحراء كقاعدة قارية قدمية متيزها تكوينات يرجع بعضها‬
‫إىل الزمن األركي الذي مل تظهر احلياة احليوانية فيه بعد‪ ،‬ومل تأخذ الشكل الذي هي عليه اآلن‬
‫إال بعد استكمال تكوينها خالل العصور الالحقة(‪.)5‬‬

‫(‪ )5‬حليمي (عبد القادر علي)‪ ،‬جغرافية الجزائر(طبيعية‪-‬بشرية‪-‬اقتصادية)‪ ،‬ط‪ ،5‬مطبعة اإلنشاء‪ ،‬دمشق ‪ ،5899‬ص‬
‫ص ‪.55-8‬‬
‫مدخل‬ ‫‪5‬‬

‫يعود تكوين املنطقة الشمالية إىل الزمن اجليولوجي الرابع خاصة خالل فرتة‬
‫الباليستوسني(‪ )6‬اليت شهدت تغريات على مستوي املناخ والرتكيبة اجليولوجية(‪ ،)7‬فالشكل‬
‫احلايل لتضاريس الشمال يعود تكوينها إىل هذه الفرتة اليت تتجسد أساسا يف الرواسب الفيضية‬
‫اليت محلتها املياه إىل املنخفضات ‪ ،‬وخالل هذا العصر بدأ اجلفاف التدرجيي لألطراف الشمالية‬
‫للصحراء أما املناطق اجلنوبية فهي قدمية التكوين تتجاوز فرتة تكوهنا ‪511‬مليون سنة (‪.)8‬‬

‫أما يف ما خيص تضاريس أفريقيا الشمالية فيمكن تقسيمها إىل قسمني رئيسيني ‪،‬‬
‫أحدمها مشايل حديث التكوين و آخر جنويب (الصحراء) قدمي التكوين‪ ،‬ولكل قسم مميزات‬
‫تضاريسية متيزه يف الرتكيبة واالرتفاع والتكوين عن اآلخر‪ ،‬ويتميز القسم الشمايل بثالثة مظاهر‬
‫رئيسية هي‪:‬‬

‫‪ ‬السهول‪:‬‬
‫هناك نوعان من السهول ؛ نوع ميتد يف الشمال على طول السواحل البحرية مثل سهل‬
‫جمردة والسهول الشرقية بتونس‪ ،‬ث السهول العليا اجلزائرية – املغربية والسهول الساحلية الغربية‬
‫باملغرب األقصى اليت تظهر على شكل أحواض مغلقة(‪ ،)9‬وهي ذات تربة خصبة فيضية‬
‫ورسوبية تعود يف تكوينها إىل الزمن الرابع‪ ،‬وهناك السهول الداخلية املمتدة بني الكتل اجلبلية‬

‫(‪ )6‬الباليستوسني (‪ : )Pleistocene‬وهي فرتة زمنية امتدت من ‪ 585998111‬إىل ‪ 558111‬سنة ق‪.‬م اليت عرفت‬
‫فرتات جليدية متكررة‪ ،‬وقد اشتق اسم الباليستوسني من الكلمتني اليونانيتني (بليستو) وتعين "معظم" و(كينوس)‬
‫وتعين "جديد"‪ ،‬والباليستوسني أول فرتة من فرتات العصر الرباعي أو الفرتة السادسة من حقبة السينوزي‪ ،‬و تتوافق‬
‫هناية الباليستوسني مع هناية العصر اجلليدي األخري كما أنه يتوافق مع هناية العصر احلجري القدمي‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫البليستوسين‪http://ar.wikipedia.org/wiki/‬‬
‫(‪ )7‬الناضوري (رشيد) ‪ ،‬المغرب الكبير‪ ،‬ج‪( 5‬العصور القدمية‪ :‬أسسها التارخيية احلضارية والسياسية)‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬بريوت ‪5895‬م‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫(‪ )8‬جودة(حسنني جودة)‪ ،‬الجغرافيا الطبيعية لصحاري العالم العربي‪ ،‬ط‪ ،9‬منشأة املعارف اإلسكندرية‪5881 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.99‬‬
‫(‪ )9‬حارش(حممد اهلادي)‪ ،‬التاريخ املغاريب القدمي‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 14‬‬
‫‪6‬‬ ‫مدخل‬

‫وهي عالية االرتفاع تزيد يف عمومها عن ‪511‬م ‪ ،‬أمهها سهال فاس ومكناس باملغرب وسهال‬
‫السارسو وقسنطينة باجلزائر‪...‬اخل‪.‬‬

‫‪ ‬الجبال‪:‬‬

‫متتد يف الشمال األفريقي سلسلتان متوازيتان من اجلبال ؛ السلسلة األوىل مقابلة‬


‫للساحل مباشرة (األطلس التلي) والسلسلة الثانية داخلية موازية للسلسلة األوىل(األطلس‬
‫الصحراوي) وترجع تركيبة سلسلة األطلس التلي إىل احلركة األلبية (‪ ،)10‬وهي عبارة عن حاجز‬
‫منيع يعيق مرور املؤثرات املناخية القادمة من الشمال إىل الداخل ومن أهم جبال هذه‬
‫السلسلة‪ :‬جبال الريف باملغرب (‪5458‬م)‪ ،‬جرجرة والبيبان باجلزائر‪ ،‬جبال مخري ومقعد‬
‫بتونس‪...‬اخل‪ ،‬أما سلسلة األطلس الصحراوي فتمتد من احمليط األطلسي غربا إىل رأس الطيب‬
‫بتونس حيث تتجه من اجلنوب الغريب حنو الشمال الشرقي‪ ،‬وتقع ضمن هذه السلسلة أعلى‬
‫قمة باملنطقة وهي قمة طبقال(‪4595‬م) باملغرب االقصى‪ ،‬وعلى العموم فان متوسط ارتفاع‬
‫جبال أفريقيا الشمالية يرتاوح بني ‪ 800‬و ‪1200‬م(‪(.)11‬انظر اخلريطة (‪ )5‬ادناه ص‪)1‬‬

‫‪ ‬السهول العليا‪:‬‬
‫يرتاوح ارتفاعها بني ‪ 511‬و ‪5111‬م أمهها ‪ :‬املائدة املراكشية باملغرب‪ ،‬والسهول العليا‬
‫بإقليم سطيف باجلزائر‪...‬اخل ‪ ،‬تتخلل هذه السهول املرتفعة جمموعة من البحريات املاحلة‬
‫(السباخ) اليت تصب فيها األودية الداخلية‪.‬‬

‫(‪ )10‬احلركة األلبية‪ :‬أحدث احلركات االلتوائية اليت أصابت القشرة األرضية‪ ،‬ولذلك فجباهلا أعظم جبال العامل من حيث‬
‫االمتداد واالرتفاع ‪ ،‬بدأت يف أواخر الزمن اجليولوجي الثاين وبلغت أوجها يف منتصف الزمن اجليولوجي الثالث‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.arabgeographers.net‬‬
‫(‪)11‬‬
‫جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫مدخل‬ ‫‪7‬‬

‫أما إقليم الصحراء الذي يكون جفافه الكامل قد مت حوايل سنة ‪ 5511‬ق‪.‬م(‪ ،)12‬فقد‬
‫تشكلت به منطقة شاسعة جافة تتميز مبجموعة من املظاهر التضاريسية وهي‪ :‬العرق الذي هو‬
‫عبارة عن كثبان رملية متنقلة بفعل الرياح مثل العرق الشرقي الكبري باجلزائر ‪ ،‬وهناك الرق الذي‬
‫هو عبارة عن تكوينات حصوية مثل رق تانزروفت باجلزائر‪ ،‬أما الحمادات فهي هضاب رملية‬
‫و جريية مثل احلمادة احلمراء بليبيا وتادمايت باجلزائر‪ ،‬باإلضافة إىل بعض اجلبال القدمية‬
‫التكوين كجبال اهلقار باجلزائر(‪.)13‬‬

‫الخريطة(‪ :)2‬تضاريس الشمال األفريقي‪.‬‬


‫المصدر‪ :‬حارش(محمد الهادي)‪ ،‬التاريخ المغاربي القديم‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.01‬‬

‫)‪(12‬‬
‫‪Robert (Jean-Baptiste), A propos de l'évolution du climat en Afrique du Nord depuis‬‬
‫‪le début de la période historique, In: Revue de géographie jointe au Bulletin de la‬‬
‫‪Société de géographie de Lyon et de la région lyonnaise, Volume 25,N°1, 1950,p54.‬‬
‫(‪)13‬‬
‫حليمي(عبد القادر علي)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.55-51‬‬
‫‪8‬‬ ‫مدخل‬

‫تعترب املياه من أهم العوامل الطبيعية اليت تؤثر يف خمتلف أوجه االقتصاد ‪ ،‬خاصة جانب‬
‫الزراعة الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالري ‪ ،‬و ألفريقيا الشمالية مصادر متنوعة من هذه املادة‬
‫احليوية سواء كانت مياها سطحية أو مياها جوفية ‪ ،‬لكن استغالل املياه اجلوفية يف الري‬
‫الزراعي قد بقي حمدودا مقارنة باملياه السطحية اليت يشكل التساقط مصدرها األساسي‪.‬‬

‫ميكن تصنيف أودية الشمال األفريقي إىل عدة أصناف‪ ،‬سواء من حيث الطول أو‬
‫كمية التصريف أو فرتة اجلريان ‪...‬اخل ‪ ،‬ويبدو أن تصنيفها حسب مصبها أكثر وضوحا‪ ،‬حبيث‬
‫يظهر هذا التقسيم ثالث جمموعات ‪ :‬أودية تصب يف البحر وهي عديدة ودائمة اجلريان‬
‫واغلبها ينبع من سلسلة األطلس التلي‪ ،‬أمهها وادي الشلف‪ ،‬وادي سيبوس بعنابة‪ ،‬أما يف‬
‫تونس فتشتهر منطقة الشمال األكثر مطرا بأوديتها املنتشرة يف كل االجتاهات منها وادي جمردة‬
‫(‪ )Bagradas flumen‬أكرب وأغزر أودية تونس وينبع بالقرب من سوق اهراس ث وادي‬
‫خالد ووادي سليانة واليت تنبع من جبال اجملردة(‪ ،)14‬وباملغرب يعترب وادي أم الربيع أهم جمري‬
‫مائي باملنطقة‪ ،‬أما األودية اليت تصب يف األحواض الداخلية فتتميز بتذبذب جرياهنا وتصب‬
‫باألحواض الداخلية (الشطوط) (انظر اخلريطة(‪ )5‬اعاله ص‪ ،)1‬وهناك نوع ثالث يصب يف‬
‫رمال الصحراء وهي عبارة عن أودية فجائية عدمية االنتظام لقلة التساقط هبذه املناطق من بينها‬
‫وادي ايغرغر الذي ينبع من اهلقار ويصب يف العرق الكبري الشرقي (‪ ، )15‬وللتساقط عالقة‬
‫مباشرة باختفاء األودية هبذا اإلقليم‪ ،‬فعندما اخذ مناخ الصحراء الكربى يف اجلفاف التدرجيي‬
‫واملستمر منذ عصر الباليستوسني اختفت منذ ذاك األودية اليت اكتسحتها الرمال(‪.)16‬‬

‫أشارت املصادر القدمية عرضا إىل العديد من اجملاري املائية ‪ ،‬فقد حدثنا هريودوت‬
‫عن حبرية الرتيتون اليت افرتض اغزال أن يكون موقعها جبوار خليج السريت الصغري (خليج‬
‫قابس) (‪ ،)17‬أما بلني(‪ )18‬فقد ذكر وادي توسكا (‪ )Tusca‬ووادي أمبساغا‬
‫(‪)14‬‬
‫‪Gsell (St.), Histoire Ancienne de l’Afrique du Nord , Librairie Hachette, Paris ,‬‬
‫‪Tome I, p 91.‬‬
‫(‪)15‬‬
‫حليمي (عبد القادر علي) ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.95-58‬‬
‫(‪)16‬‬
‫جودة( حسنني جودة)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫)‪(17‬‬
‫‪Hérodote, pp79-80.‬‬
‫مدخل‬ ‫‪9‬‬

‫(‪( )Ampsaga‬الوادي الكبري حاليا) كما تعدد ذكر وادي امللوية‬


‫(‪ )Mulucha,Molochath,Malva‬عند املؤرخني واجلغرافيني القدامى ومن بينهم‬
‫سرتابون الذي اعتربه حدا فاصال بني بالد املور وبالد املاسيسيل(‪ ،)19( )Masæsyles‬أما‬
‫بروكوب فقد حدثنا عن استغالل مزارعي منطقة األوراس لوادي أبيغاس (‪ )Abigas‬بنقل‬
‫مياهه عرب قنوات باطنية إىل حقوهلم (‪.)20‬‬

‫إن الدور االقتصادي ألودية الشمال األفريقي يف نظر البعض قد ظل تقليديا(‪ )21‬مع أن‬
‫بعض املدن الشمال األفريقية عرب التاريخ قد قامت على ضفافها‪ ،‬وما جيدر اإلشارة إليه هو‬
‫الدور الذي لعبته هذه األودية والري على العموم يف التاريخ القدمي للمنطقة ‪ ،‬حيث هناك عدة‬
‫دالئل تشري إىل االستغالل املكثف ملياهها خصوصا أودية الداخل واجلنوب اليت عثر على‬
‫ضفافها على الكثري من منشآت الري اليت يعود اغلبها إىل الفرتة الرومانية‪.‬‬

‫أما فيما خيص املناخ فهو من العناصر اليت تعرف تغريا باستمرار نظرا الرتباطه بعدة‬
‫عوامل تؤثر فيه‪ ،‬وهو حال املناخ بشمال أفريقيا الذي شهد تغريات عديدة منذ أقدم العصور‪،‬‬
‫وهو يف وقتنا احلايل مناخ متنوع ومستقر يف حالته العامة لكن بعض خصائصه عادة ما تعرف‬
‫تغريات مفاجئة تتسبب يف إحداث خسائر معتربة يف االقتصاد والثروة احليوانية والنباتية‪ ،‬ويعترب‬
‫املوقع اجلغرايف والفلكي اكرب مؤثر يف هذا التنوع والتغري‪ ،‬فاملنطقة تطل على واجهتني حبريتني‬
‫وتشرف جنوبا على صحراء واسعة‪ ،‬يضاف إليها ارتفاع التضاريس ونوع الرياح والضغط اجلوي‬
‫اليت تتحكم هي األخرى يف عناصر املناخ‪.‬‬

‫يسود املناطق الساحلية ألفريقيا الشمالية مناخ البحر املتوسط الذي يتميز شتاؤه باملطر‬
‫واالعتدال وصيفه باحلرارة واجلفاف ‪ ،‬وبه منطقتان‪ :‬منطقة رطبة تغطي باجلزائر املنطقة املمتدة‬

‫)‪(18‬‬
‫‪Pline l’Ancien , Histoire Naturelle ,C.L.F.Panckoucke , Paris 1831,livre V,II.3.‬‬
‫)‪(19‬‬
‫‪Strabo, XVII,III,6-9.‬‬
‫(‪)20‬‬
‫‪Procope de Césarée, Bellum Vandalorum , traduit par D.Roques ,Belles Lettres,‬‬
‫‪Paris 1990,II,19,12.‬‬
‫)‪(21‬‬
‫‪Gsell (St.),H.A.A.N., T.I, pp26-27.‬‬
‫‪10‬‬ ‫مدخل‬

‫من جرجرة إىل منطقة القل ‪ ،‬حيث يزيد معدل املطر فيها عن ‪ 1000‬ملم يف كل من منطقة‬
‫جرجرة والبابور وحوايل ‪ 2000‬ملم يف منطقة القل‪ ،‬اليت تقع هبا منطقة الزيتونة اليت تعد أكثر‬
‫املناطق اجلزائرية تساقطا بنحو ‪ 5411‬ملم سنويا‪ ،‬ومناطق شبه رطبة تغطي باقي مناطق‬
‫الساحل مبعدل تساقط يقارب ‪ 700‬ملم سنويا(‪ ، )22‬وحتت هذه املنطقة توجد منطقة النجود‬
‫اليت تتميز مبناخ شبه جاف الن الرياح القادمة من الشمال تكون قد أفرغت محولتها باجلبال‬
‫الشمالية‪.‬‬

‫تعترب أمطار البحر املتوسط اليت جتلبها الرياح من اجلهة الغربية من النوع اإلعصاري‪،‬‬
‫والدور يعود للمنخفضات اجلوية اليت تدفعها الرياح الغربية إىل املنطقة ‪ ،‬كما أن املرتفعات‬
‫اجلبلية تعرف تساقطا أكثر من املنخفضات ذلك أن الكتل اهلوائية املشبعة القادمة من الشمال‬
‫أو الغرب تصطدم هبا وهو ما يولد تكاثفا ث أمطارا‪ ،‬واملالحظ أن أمطار أفريقيا الشمالية‬
‫تتناقص تدرجييا كلما اجتهنا جنوبا مثلما تتناقص كلما اجتهنا شرقا نظرا للعوامل السالفة الذكر‪،‬‬
‫فمدينة اجلزائر معدل تساقطها حواىل‪ 151‬مم سنويا يف حني أن مدينة طرابلس اليت هلا نفس‬
‫اخلصائص ال يتجاوز تساقطها ‪ 841‬مم سنويا(‪( )23‬انظر اخلريطة (‪)8‬ادناه ص‪.) 55‬‬

‫تتميز األقاليم الصحراوية اجلنوبية بسيادة احلرارة على امتداد أيام السنة‪ ،‬خاصة يف‬
‫فصل الصيف أين تعرف درجة احلرارة ارتفاعا قياسيا ‪ ،‬فتارخييا سبق وان سجلت منطقة العزيزية‬
‫القريبة من طرابلس ارتفاعا يف درجة احلرارة وصل إىل ‪ °59‬كما سبق وان سجل بعني صاحل و‬
‫تيميمون درجة حرارة قريبة منها‪ ،‬أما يف الليل فان درجة احلرارة تشهد اخنفاضا يقل عن الصفر‬
‫يف بعض املناطق ‪ ،‬فارتفاعها هنارا واخنفاضها ليال يشكل اتساعا يف املدى احلراري(‪ ، )24‬أما‬
‫األمطار فهي شبه منعدمة تقل عن ‪511‬مم سنويا ما عدا املنطقة احمليطة باهلقار اليت تتميز‬
‫بأمطار صيفية تقارب ‪411‬مم سنويا ناجتة من الضغط القادم من املنطقة املدارية ‪.‬‬

‫(‪ )22‬لعروق (حممد اهلادي)‪ ،‬أطلس الجزائر والعالم‪ ،‬دار اهلدى‪،‬عني مليلة‪ ،‬ص‪. 14‬‬
‫(‪ )23‬طريح (عبد العزيز شرف)‪ ،‬الجغرافيا المناخية والنباتية مع التطبيق على مناخ أفريقيا ومناخ العالم العربي‪ ،‬دار‬
‫املعرفة اجلامعية ‪5111،‬م ‪،‬ص ص‪.858-859‬‬
‫(‪ )24‬محيدة (عبد الرمحان)‪ ،‬جغرافية الوطن العربي‪ ،‬ط‪ ،5‬دار الفكر‪ -‬دار الفكر املعاصر‪ ،‬دمشق‪-‬بريوت‪5881،‬م‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫مدخل‬ ‫‪11‬‬

‫وحول احلالة املناخية السائدة قدميا ذكر هريودوت خالل وصفه للمناطق الصحراوية‬
‫اجلنوبية أن "ال اثر لألمطار واملياه والرطوبة والنباتات والغابات هبذه املناطق القاحلة"(‪ ،)25‬ومن‬
‫جهته وصف ديودور املنطقة املمتدة جنوب قورينائية بأهنا " أرض جرداء تنعدم فيها املياه‬
‫اجلارية ‪ ،‬وصحراؤها تظهر على شكل حبر ويعترب التوغل فيها مغامرة‪ ،‬وال أثر فيها ال للطيور وال‬
‫للنباتات وال لشيء آخر يثري االنتباه‪ ،‬وما وراء هذه املنطقة ال توجد إال الكثبان الرملية"(‪،)26‬‬
‫وهي نفس األوصاف اليت وصف هبا سرتابون الدواخل الليبية(‪ ، )27‬أما بلني فقد اخربنا بدوره‬
‫عن تلك الرياح احلارة القادمة من اجلنوب خالل "مواسم الشمس"(‪.)28‬‬

‫وقد أكد اغزال أن مناخ املنطقة خالل الفرتة القدمية كان قريبا يف خصائصه من املناخ‬
‫احلايل‪ ،‬حيث مييزه جفاف معتاد يف الصيف و أمطار متذبذبة(‪ ،)29‬وهناك عدة قرائن تشري إىل‬
‫ذلك منها سباخ منطقة قسنطينة اليت تدل حدودها على أهنا مل تكن أوسع مما هي عليه اليوم‪،‬‬
‫كما أن اجلسور اليت أنشئت على عهد الرومان مل تشيد الجتياز أسرة أودية عريضة وال ملقاومة‬
‫تيارات مائية أقوى(‪.)30‬‬

‫)‪(25‬‬
‫‪Hérodote, CLXXXV.‬‬
‫)‪(26‬‬
‫‪Diodore de Sicile ,Histoire Universelle ,traduite en français par l’Abbé Terrasson ,‬‬
‫‪imprimerie de Quillau ,Paris 1737, livre III,LIV.‬‬
‫(‪)27‬‬
‫‪Strabo , XVII , III.‬‬
‫)‪(28‬‬
‫‪Pline l’Ancien, XVIII,CCCXXIX.‬‬
‫)‪(29‬‬
‫‪Gsell (St.),H.A.A.N.,T.I, p99.‬‬
‫)‪(30‬‬
‫‪Gsell (St.), l’Algerie dans l’Antiquité, Typographie Adolphe Jourdan, Alger 1903,‬‬
‫‪p62.‬‬
‫‪12‬‬ ‫مدخل‬

‫الخريطة(‪ :)2‬التساقط بأفريقيا الشمالية‪.‬‬


‫المصدر‪http://www.grabovrat.com:‬‬

‫إن املناطق الشمالية اليت تشهد تساقطا كبريا مقارنة باملناطق اجلنوبية هي اليت تعرف‬
‫انتشارا للغابات اليت تغلب عليها أشجار دائمة االخضرار تتحمل جفاف فصل الصيف مثل‬
‫أشجار الصنوبر ذات األوراق اإلبرية وأشجار البلوط والفلني…اخل‪ ،‬أما األشجار اليت تنفض‬
‫أوراقها يف فصل اخلريف فهي منتشرة على نطاق حمدود هبذه املنطقة ‪ ،‬إىل جانب ذلك تنمو يف‬
‫هذا النطاق األحراش (‪ )Maquis‬تتخللها أشجار قصرية متباعدة(‪.)31‬‬

‫(‪ )31‬طريح (عبد العزيز شرف)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.891‬‬


‫مدخل‬ ‫‪13‬‬

‫والن درجة احلرارة هبذه املنطقة ال تقل عن درجة الصفر إال نادرا فان ذلك يسمح‬
‫بإقامة زراعة متنوعة وشبه دائمة لألشجار اليت ال حتتاج إىل ري مثل الزيتون والكروم والتني‬
‫وأشجار الفواكه اليت حتتاج إىل الري كاخلوخ واحلمضيات ‪ ...‬اخل‪ ،‬أما زراعة احلبوب والشعري‬
‫فتتزامن مع فصل الشتاء املمطر ويسمح وجود فرتة حارة صيفا حبصد هذه احملاصيل(‪.)32‬‬

‫أما منطقة السهول العليا اليت ال تزيد كمية التساقط هبا عن ‪ 851‬مم سنويا فان‬
‫الغابات ختتفي فيها وتسود بدال منها األحراش واملراعي الواسعة‪ ،‬ومن أهم نباتات هذا اإلقليم‬
‫احللفاء والسدرة والدرين والشيح‪...‬اخل‪ ،‬أما الصحراء الواسعة فتسودها بعض النباتات القصرية‬
‫املقاومة للحرارة جبذورها الطويلة وأوراقها الشمعية وتركيبتها الشوكية وتنتشر أكثر على أسرة‬
‫األودية وبني األحجار لالستفادة من الظل(‪.)33‬‬

‫وقد أخربنا هريودوت نبات اللوتوس (‪ )Lotus‬الذي كان يستهلكه اللوتوفاجيون‬


‫(‪ )Lotophages‬بكثرة ويصنعون منه النبيذ(‪ ، )34‬كما اشتهر خالل تلك املرحلة نبات‬
‫السليفيوم الذي ينمو حسب هريودوت ابتداء من جزيرة بالتيا (‪ )Platea‬إىل غاية حدود‬
‫السريت (‪ ، )35‬أما األصناف املزروعة – اليت سنشري إليها الحقا‪ -‬فقد ورد ذكرها يف العديد‬
‫من املصادر على رأسها أشجار الكروم والزيتون‪.‬‬

‫إن هذه النظرة الوجيزة تربز بان التباين وغياب التناسق هي الصفة اليت متيز اخلصائص‬
‫الطبيعية ألفريقيا الشمالية (‪ )36‬ويظهر هذا االختالف على األقل إذا قارنا خصائص الشمال‬
‫خبصائص اجلنوب‪ ،‬ومن جهة أخري‪ ،‬فإنه رغم اإلمكانيات الطبيعية املتنوعة اليت متيز مشال‬
‫أفريقيا إال انه جيب اإلقرار بان هناك بعض العوائق الطبيعية املعرقلة لالستغالل الزراعي والنشاط‬
‫البشري كاجلفاف الذي تشهده بعض املناطق خالل مواسم معينة وتذبذب املناخ وجفاف عدد‬

‫(‪)32‬‬
‫طريح (عبد العزيز شرف)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.895-895‬‬
‫(‪)33‬‬
‫حليمي(عبد القادر علي)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.98-91‬‬
‫(‪)34‬‬
‫‪Hérodote , IV , CLXXVII.‬‬
‫(‪)35‬‬
‫‪Ibid., IV , CLXIX .‬‬
‫( ‪)36‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N. ,T. I, p 52.‬‬
‫‪14‬‬ ‫مدخل‬

‫كبري من األودية صيفا خصوصا االودية الداخلية والصحراوية‪...‬اخل غري أن ذلك مل حيل دون‬
‫التوسع الزراعي يف الشمال وحنو اجلنوب كما سنبينه يف الفصول التالية‪.‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬
‫‪ I‬البدايات األوىل للزراعة بأفريقيا‪.‬‬

‫‪ II‬االستيطان الزراعي اإلغريقي بقورينائية‪.‬‬

‫‪ III‬الزراعة القرطاجية‪.‬‬

‫‪ IV‬التطور الزراعي يف عهد امللوك النوميد‪.‬‬

‫‪ V‬دور فرتة ما قبل الرومان يف هتيئة قاعدة االزدهار الزراعي‬


‫خالل الفرتة الرومانية‪.‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬

‫الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬


‫أثار موضوع أصول الزراعة يف العامل القدمي عدة تساؤالت وشغل اهتمام الباحثني منذ‬
‫فرتة طويلة‪ ،‬حيث كانوا وال يزالون ينظرون إىل الشرق األدىن باعتباره املهد األول للزراعة‬
‫والرعي‪ ،‬ومركزا للعصر احلجري احلديث ‪ ،‬وظل نصيب منطقة مشال إفريقيا من أحباث ونظريات‬
‫هؤالء شبه منعدم إىل أن جاء فافيلوف(‪ )37‬الذي اقر مبسامهة املنطقة باعتبارها جزءا من‬
‫حوض البحر األبيض املتوسط وذات ارتباطات وثيقة باملركز الواسع واملهم يف الشرق األدىن ‪،‬‬
‫حيث رفض هذا العامل أن يسلم بأنه ال وجود ملركز آخر يف أفريقيا غري املركز احلبشي‪.‬‬

‫‪ -I‬البدايات األولى للزراعة بأفريقيا‪:‬‬

‫تتجه خمتلف اآلراء إىل أن الفالحة بأفريقيا تكون قد ظهرت خالل النيوليثي‬
‫املتأخر(‪ )38‬اعتمادا على ما وفرته املعطيات األثرية من أدوات فالحية مثل الكويرات احلجرية‬
‫املثقوبة و املناجل واملطاحن واملطارق والفؤوس‪...‬اخل ‪.‬إال أن غابريال كامبس الذي درس خمتلف‬

‫(‪ )37‬نيقوالي ايفانوفيتش فافيلوف (‪ )5848-5991(:)Nikolaï Ivanovitch Vavilov‬عامل نبات روسي حدد‬
‫مثانية مراكز ألصل النباتات املزروعة يف العامل ‪ ،‬منها مخسة مراكز رئيسية وثالثة ثانوية واعترب أن أفريقيا هبا مركزان ‪ :‬املركز‬
‫احلبشي(اإلثيويب) ومركز البحر املتوسط الذي يضم أفريقيا بصفة جزئية (مشال أفريقيا) انظر‪:‬‬
‫‪-Loskutov, Igor (G.),Vavilov and his institute,A history of the world collection of plant‬‬
‫‪genetic resources in Russia, International Plant Genetic Resources Institute‬‬
‫‪(R.I.P.G.R.I.), Rome, Italy1999,pp60-61.‬‬
‫(‪)38‬‬
‫‪Despois(J.), La culture en terrasses dans l’Afrique du Nord , in : E.S.C ,11éme‬‬
‫‪Année, N°1,1956, pp49-50.‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪17‬‬

‫هذه األدوات احلجرية املستعملة يف الزراعة املكتشفة وناقش خمتلف آراء الباحثني بشأهنا(‪ )39‬؛‬
‫تردد يف التسليم بان هذه األدوات ميكن أن تكون دليال على وجود فالحة افريقية حقيقية‬
‫معتربا أن "ذلك ال يسمح بتأكيد وجود زراعة يف الفرتة القفصية بل وحىت يف النيوليثي‪ ،‬وكل ما‬
‫يف األمر هو جمرد ختمني(‪ ")40‬أي أنه ال ميكن القول بوجود فالحة حقيقية إال بدالئل قوية‬
‫وواضحة كاكتشاف بذور مزروعات مثال‪.‬‬

‫ويبدو أن اآلراء اليت ترجع ظهور الزراعة بأفريقيا إىل الفرتة املمتدة ما بني هناية‬
‫النيوليثي وفرتة ارتياد البحارة الفينيقيني للسواحل األفريقية هو الرأي األكثر اعتداال بسبب‬
‫صعوبة إثبات وجودها – إىل حد اآلن‪ -‬يف فرتات اسبق من هذه الفرتة نظرا لغياب أدلة‬
‫واضحة تثبت ذلك‪ .‬وقد دلت بعض الرسومات الصخرية وأعمال التهيئة الزراعية على ممارسة‬
‫إنسان فجر التاريخ للزراعة‪ ،‬ففي كهف األروية بالشافية(القالة) يظهر رسم شكل شبيه‬
‫مبحراث(‪ ، )41‬ويف أوكاميدن (‪ )Oukaimeden‬باألطلس األعلى املغريب اكتشف مالوم‬
‫متثل فؤوسا وخناجر وسهاما ومشهد حرث يف‬ ‫(‪ )Malhomme‬رسومات‬
‫اعزيب'ن'إيكيس(‪ )Azib n’Ikkis‬قام كامبس مبقارنتها بالرسومات املكتشفة جببل بيقو‬
‫(‪ )Bégot‬الذي يقع على احلدود الفرنسية االيطالية وهي رسومات تعود إىل العصر الربونزي‬
‫األوريب األوسط مؤكدا وجود تطابق كبري بينهما (‪ ،)42‬والنتيجة هي انه إذا كان الذين نقشوا‬
‫رسوماهتم جببل بيقو رعاة ومزارعني فما املانع يف أن يكون الذين نقشوا رسوماهتم يف األطلس‬
‫األعلى املغريب رعاة ومزارعني أيضا؟‬

‫(‪)39‬‬
‫كامبس (غابريال) ‪ ،‬في أصول بالد البربر‪ :‬ماسينيسا أو بدايات التاريخ ‪ ،‬تعريب وحتقيق العريب عقون‪ ،‬نشر‬
‫اجمللس األعلى للغة العربية‪ ،‬اجلزائر ‪5151‬م‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫(‪ )40‬نفسه ‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫(‪ )41‬ديزانج (جيهان)‪ ،‬الرببر األصليون‪ ،‬تاريخ إفريقيا العام‪ ،‬اجمللد الثاين (حضارات إفريقيا القدمية) ‪ ،‬إشراف مجال خمتار‪،‬‬
‫نشر جني أفريك‪/‬اليونسكو ‪5895‬م‪ ،‬ص‪.448‬؛ كامبس (غابريال)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.84-88‬‬
‫(‪ )42‬نفسه ‪ ،‬ص ص‪.85-84‬‬
‫‪18‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫تظهر لنا الصور اجلوية امللتقطة اخلاصة بدوار تازبنت (جنوب غرب تبسة) آثار هتيئة‬
‫ذات طابع زراعي مل تعرف بالتحديد الفرتة الزمنية اليت تعود إليها ولكن األكيد أهنا سابقة‬
‫للفرتة الرومانية (‪ ،)43‬فهذه التهيئة تظهر قطعا أرضية صغرية املساحة ذات أشكال مربعة حماطة‬
‫بأسوار حمدودة االرتفاع للتكيف مع الواقع الطبغرايف واملناخ اجلاف الذي يسود املنطقة‪ ،‬وما مييز‬
‫هذه التهيئة عن نظريهتا الرومانية أهنا ليست بالدقة اليت عرفت هبا عملية الكنرتة‬
‫(‪ )Centuriation‬الرومانية‪.‬‬

‫أما النظرية اليت تعترب بان الزراعة يف أفريقيا الشمالية يعود الفضل فيها إىل الفينيقيني‬
‫فقد أثارت جدال واسعا وردود أفعال متباينة‪ ،‬فالنصوص ختربنا أن القبائل الليبية اليت سبقت‬
‫وصول الفينيقيني أو اليت توطنت خارج اجملال القرطاجي فيما بعد كانت تعيش حالة من‬
‫اهلمجية ومل متارس الزراعة ‪ ،‬فقد أكد هريودوت بان القبائل من مصر إىل غاية حبرية الرتيتون‬
‫(‪ )Lac Triton‬كانت قبائل بدوية تتغذى على اللحوم وتشرب األلبان (‪ ،)44‬كما أكد‬
‫أبيان بان النوميدين كانوا يستهلكون النباتات الربية وجيهلون الزراعة(‪ )45‬أما بوليب فيذكر أن‬
‫األغلبية كانوا جيهلون الثمار اليت تنتج من زراعة األرض وال يعيشون إال على حلوم احليوانات‬
‫(‪ .)46‬وقد ظل الباحثون(‪ )47‬ملدة طويلة متمسكني هبذه النظرية اليت بنوها انطالقا من هذه‬
‫النصوص رغم أهنا ال تعترب دليال كافيا إلصدار أحكام من هذا النوع‪.‬‬

‫(‪)43‬‬
‫كامبس (غابريال)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.88-81‬‬
‫(‪)44‬‬
‫‪Hérodote, IV , CLXXXVI .‬‬
‫(‪)45‬‬
‫‪Appien , Punic, 106. D’après Lacroix(F.), Afrique Ancienne (procédés agricoles),‬‬
‫‪R.Af, Année 1870, p15.‬‬
‫(‪)46‬‬
‫‪Polybe , Histoire Générale , traduit par Félix Bouchot , Adolphe Delahays libraire,‬‬
‫‪Paris 1847, livre XII , III.‬‬
‫(‪)47‬‬
‫رفض الكروا الفكرة القائلة مبمارسة السكان األوائل ألفريقيا للزراعة قبل ظهور املستعمرات الفينيقية انظر‪:‬‬
‫‪ Lacroix.(F),Op.Cit., pp12-13.‬؛ ومثله أكدت جان مازيل بان الفينيقيني هم الذين نقلوا الزراعة من الشرق‬
‫إىل الغرب انظر‪ :‬مازيل(جان) ‪ ،‬تاريخ الحضارة الفينيقية الكنعانية ‪ ،‬ترمجة ربا اخلش ‪ ،‬تقدمي ومراجعة عبد اهلل احللو‪،‬‬
‫ط‪ ،5‬دار احلوار‪ ،‬سوريا ‪5889‬م‪ ،‬ص‪ .595‬وعلق حمفوظ قداش بأنه" من املعقول جدا أن يعلم القرطاجيون الرببر‬
‫الفالحة" انظر‪ :‬قداش (حمفوظ)‪ ،‬الجزائر في العصور القديمة ‪ ،‬ترمجة صاحل عباد ‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪19‬‬

‫واملالحظ أن البحوث احلديثة قد جتاوزت هذه النظرية ؛ فهذا اقزال يقول‪":‬إن أهايل‬
‫هذه املنطقة (الليبيون) مل ينتظروا جميء البحارة السوريني ملمارسة الرعي والزراعة"(‪ ،)48‬يف حني‬
‫وصف جيهان ديزانج هذه النظرية بكوهنا "افرتاض جزايف غري مرتو"(‪ .)49‬أما رينيي‬
‫(‪ )L.Reynier‬فقد أكد أن الزراعة بشمال أفريقيا سابقة للوجود الفينيقي بالفعل ودليله على‬
‫ذلك هو بنية املؤسسات اليت يشار إليها بتسمية ليبيفينيقية (‪، )50()Lybophéniciens‬‬
‫بينما مل يرتدد البعض يف الدعوة صراحة إىل ضرورة جتاوز هذه النظرية القدمية (‪.)51‬‬

‫وردت أول إشارة إىل الزراعة الشمال أفريقية يف النصوص املصرية اليت تعود إىل األسرة‬
‫التاسعة عشر يف عهد الفرعون مرنبتاح واليت تذكر أن هذا الفرعون قد اخذ كل نبتة من حقول‬
‫الزعيم اللييب املهزوم ومل يعد هناك فوق أرض الليبو أي حقل صاحل إلعالة السكان وانه هنب‬
‫كل ما يف خمازن الزعيم اللييب من حبوب (‪ ،)52‬كما ظهر يف نص مصري آخر رسم لشجرة‬
‫زيتون أمامها تسمية حتنو(‪.)53‬‬

‫اجلزائر‪5888‬م‪ ،‬ص‪ . 58‬ومن جهتنا نعترب أن مثل هذه التأويالت تدخل يف سياق مدرسة تارخيية تعترب أن املشرق هو‬
‫أصل احلضارة‪ ،‬وهو موضوع ينبغي مراجعته‪.‬‬
‫(‪)48‬‬
‫‪Gsell (St) , H. A.A.N. ,T.I, p 239.‬‬
‫(‪ )49‬ديزانج (جيهان)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.448‬‬
‫(‪ )50‬يرى رينيي انه إذا مل يكن هناك مزارعون ليبيون فان الفينيقيني سينشئون مؤسساهتم دون االشرتاك مع األهايل الذين‬
‫كانوا بدوا وال تكون هناك أية نقطة اتصال بينهم وبالتايل سيكونون أعداء هلم‪ ،‬ومبا أن األهايل كانوا مزارعني فقد حصل‬
‫تقارب بينهم ‪.‬انظر‪Reynier(L.) , De l’Economie publique et rurale des Egyptiens et des :‬‬
‫‪Carthaginois , J.J.Paschoud imprimeur-libraire ,Genéve-Paris 1823,p481.‬‬
‫(‪)51‬‬
‫‪Boudribila (Mohamed-Mustapha), les anciens Amazighs avant les Phéniciens :‬‬
‫‪modes de vie et organisation sociale , Awal , N°29 ,2004 ,p22.‬‬
‫(‪)52‬‬
‫عبد العليم(مصطفى كمال) ‪ ،‬دراسات في تاريخ ليبيا القديم ‪ ،‬املطبعة األهلية ‪ ،‬بنغازي ‪5899‬م‪ ،‬ص‪.81‬؛‬
‫الربغوثي(عبد اللطيف حممود) ‪ ،‬التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح اإلسالمي ‪،‬ج‪ ،5‬نسخة الكرتونية‬
‫أعدها للنشر تامغناست‪ ،www.dzlib.com،‬ص‪.88‬‬
‫(‪)53‬‬
‫‪Jaleaud (L.) , l’ancienneté de la fabrication de l’huile d’Olive dans l’Afrique du‬‬
‫عبد العليم(مصطفي كمال) ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص‪Nord , R.Af ,Année 1929,p35. ;.55‬‬
‫‪20‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫أما هريودوت فقد أطلق على املاكسي(‪ )Maxyes‬الذين يسكنون وراء حبرية الرتيتون‬
‫أي غرهبا لقب "الليبيون املزارعون"(‪ )54‬كما أشار إىل تواجد زراعة الكروم والزيتون يف جزر قرقنة‬
‫)‪ )55((Cyraunis‬وأشاد كثريا خبصوبة األرض يف إقليم كينوبس (‪ )56( )Cinyps‬واعتربها‬
‫مماثلة يف خصوبتها إلقليم بابل وذكر أهنا تنتج يف املواسم اجليدة ثالمثائة ضعف ما بذر‬
‫منها(‪ ،)57‬وباجلهات اجلنوبية ذكر بان النسامونيني يرحتلون صيفا إىل أوجلة ليجنوا البلح الذي‬
‫كان مثقال بثماره(‪ ،)58‬وذكر أيضا أن القرامنت كانوا يكسون سطح األرض املاحلة(السباخ)‬
‫بطبقة من الرتبة اخلصبة ث يزرعوهنا (‪ )59‬وعلق كامبس بأنه حىت وان كان ما ورد يف هريودوت‬
‫مقتصر على عموميات إال انه حيق لنا أن نثق يف روايته الن ما ذكره قد أكدته املعطيات األثرية‬
‫واإلثنوغرافية(‪.)60‬‬

‫يذكر سالوست أن‪ " :‬سكان أفريقيا األوائل هم جيتول وليبيون وهم أناس غالظ‬
‫ومتوحشون يتغذون على حلوم احليوانات وعلى النباتات الربية كالقطعان"(‪ )61‬وأشار إىل أن‬
‫املناطق احمليطة بكابسا (‪ )Capsa‬خالل فرتة حرب يوغرطة هي مناطق جرداء وجافة (‪،)62‬‬

‫(‪)54‬‬
‫‪Hérodote , IV ,CXCI .‬‬
‫(‪)55‬‬
‫‪Ibid., IV , CXCV.‬‬
‫(‪ )56‬إقليم الكينوبس ‪ :‬مسي نسبة إىل الوادي الذي يعربه (‪ )Cinyps‬وادي كعام حاليا ‪ ،‬الذي يصب يف البحر املتوسط‬
‫بالقرب من لبتيس ماغنا غربا ‪ ،‬ويغطي منطقة معروفة خبصوبتها ومناخها الرطب وتنوع اإلنتاج هبا‪ ،‬انظر‪Ibid.,pp90- :‬‬
‫‪91.‬‬
‫(‪)57‬‬
‫‪Ibid., IV , CXCVIII .‬‬
‫(‪)58‬‬
‫‪Ibid., IV , CLXXII.‬‬
‫(‪)59‬‬
‫‪Ibid.,IV , CLXXXIII .‬‬
‫(‪)60‬‬
‫كامبس(غابريال) ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫(‪)61‬‬
‫‪Salluste , XVIII.‬‬
‫(‪)62‬‬
‫‪Ibid., LXXXIX.‬‬
‫وعلى حد قول السيدة هنريات كامبس فأن هذه املناطق اليت وصفها سالوست بأهنا جرداء وجافة هي اليت قدمت لنا اليوم‬
‫أكرب عدد من آثار معاصر الزيتون ‪ ،‬وميكن مالحظة آثار بساتني الزيتون فيها بكل سهولة وأرجعت السبب إىل التوسع‬
‫الروماين يف زراعة الزيتون باملنطقة بعد ذلك‪.‬انظر‪:‬‬
‫‪- Camps-Fabrer (Henriette),l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine , imprimerie‬‬
‫‪officiale , Alger ,1953, p9.‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪21‬‬

‫بينما وصف سرتابون الدواخل الليبية بأهنا صحراء حمجرة ورملية ‪ ،‬قاحلة وجافة(‪ ، )63‬أما‬
‫بوليب فقد خالفهم الرأي ملا أشاد خبصوبة األرض األفريقية املدهشة وفند ادعاء تيمي‬
‫(‪ )Timée‬الذي جزم بان األرض األفريقية كلها رملية وجافة وغري منتجة (‪ ،)64‬و قد أشار‬
‫ديودور من جهته إىل وجود زراعة الزيتون جبهات تبسة (‪ )Hécatompyle‬حني ذكر بان‬
‫أهلها قد توجهوا إىل القائد القرطاجي حانون الذي اسر أبناءهم حاملني أغصان الزيتون طالبني‬
‫األمان متوسلني إليه بان يطلق سراح أبنائهم(‪.)65‬‬

‫إذا كان للفينيقيني تأثري وفضل كبري يف تطوير الزراعة يف مشال إفريقيا (‪ )66‬فذلك ال‬
‫ينفي أصالة الزراعة وقدمها يف املنطقة ‪ ،‬فزراعة قدماء األمازيغ للحبوب(القمح والشعري) قدمية‬
‫(‪)67‬‬
‫وسابقة للوجود الفينيقي بكثري ؛ وقد اقرتح دوكاندول أن يكون القمح الصلب( ‪Triticum‬‬
‫‪ )Durum‬يف بالد الرببر ذا أصل حملي(‪ .)68‬أما كامبس فقد الحظ أن مكانة القمح والشعري‬
‫عند قدماء األمازيغ تتفاوت من منطقة ألخرى‪ ،‬ففي املناطق اجلبلية حيتل الشعري املكانة األوىل‬
‫نظرا لكون الرتبة هبا خفيفة ومناسبة لزراعته عكس املناطق السهلية اليت يأيت فيها القمح‬
‫الصلب يف املقام األول(‪.)69‬وقد أكد الوست أن األمازيغ ال يزرعون إال القمح الصلب وهو‬
‫مصنف عندهم يف املرتبة الثانية أو الثالثة بعد الشعري والسورغو(‪.)70‬‬

‫إن ما اتفق عليه اغلب املؤرخني سابقا من فضل كبري يوعزونه للفينيقيني يف توسيع‬
‫زراعة الزيتون خارج اجملال القرطاجي أصبح متجاوزا‪ ،‬خاصة وانه اتضح أخريا أن الفضل ال‬
‫يعود إليهم يف إدخال زراعة هذه الشجرة إىل املنطقة ألهنا أقدم يف وجودها من وصوهلم إىل‬
‫(‪)63‬‬
‫‪Strabo , XVII , III.‬‬
‫(‪)64‬‬
‫‪Polybe , XII ,III.‬‬
‫(‪)65‬‬
‫‪Diodore de Sicile , XXIV ,Extraits .‬‬
‫(‪)66‬‬
‫انظر أدناه ص ‪.89‬‬
‫(‪)67‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N.,T.I, p 236.‬‬
‫(‪)68‬‬
‫‪De Condole (Alph), Origine des plantes cultivées , 3éme édition ,Félix Algan‬‬
‫‪éditeur, Paris 1886, p289.‬‬
‫(‪)69‬‬
‫كامبس(غابريال) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.515‬‬
‫(‪)70‬‬
‫‪Laoust (E.), Mots et choses berbères, notes de linguistique et d’ethnographie‬‬
‫‪dialectes du Maroc, librairie maritime et coloniale , Paris 1920, p265.‬‬
‫‪22‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫السواحل األفريقية ‪ ،‬وإذا كان القائلون بالدور الفينيقي يف هذا اجملال يبنون آراءهم على االسم‬
‫السامي املتداول يف عموم أفريقيا للداللة على الزيتون املطعم "الزيتون" للداللة على الشجرة‬
‫و"الزيت" للداللة على املادة املستخرجة من مثار الشجرة‪ ،‬فان اللغة األمازيغية ال تنقصها‬
‫التسميات الدالة و األصيلة غري املأخوذة من لغات أخري ‪ ،‬واحلال أن زراعة هذه الشجرة‬
‫ممارسة عريقة بشمال أفريقيا؛ فدراسة املواد والبقايا املتفحمة اجمللوبة من غيل ايالي‬
‫(‪51()Reliai‬كلم جنوب غرب تليجان ‪ Tlidjéne‬مبنطقة تبسة) تكشف عن وجود الزيتون‬
‫الربي يف أفريقيا خالل الباليوليثي األعلى(‪ .)71‬وقد أكد جولو (‪ )Jaleaud‬بان استغالل‬
‫األمازيغ لثمار شجرة الزيتون احمللية لصناعة الزيت قد بدأ يف أفريقيا خالل الفرتة املمهدة للعصر‬
‫النحاسي على األقل(‪ ،)72‬كما أن هناك أمساء حملية واسعة االنتشار تطلق على هذه الشجرة‬
‫مثل آزمور(‪ )Azemmour‬الذي يطلق على الزيتون املطعم وآزبوج (‪( )73()Zebouj‬انظر‬
‫أدناه الشكل(‪ )5‬ص‪ )58‬الذي يطلق على الزيتون الربي ‪ ،‬فاستعمال هذه املصطلحات من‬
‫طرف األمازيغ قدمي مما يدل على أن استغالل أشجار الزيتون بأفريقيا القدمية من طرف‬
‫السكان عريق وأصيل (‪.)74‬‬

‫ومن املعروف أن قدماء األمازيغ كانوا ميارسون التطعيم منذ القدمي بطريقة خمتلفة عن‬
‫تلك اليت مارسها الرومان فيما بعد(‪ ،)75‬فقد اخربنا بلني يف هذا الشأن أن "تطعيم الزيتون‬
‫(‪)71‬‬
‫‪Le Du(R.) et Saccardy (L.) ,étude de quelques charbons préhistoriques de la région‬‬
‫‪de Tébessa , R.Af , Année 1948 ,pp 111-119.‬‬
‫(‪)72‬‬
‫‪Jaleaud (L.), Op. Cit.,p35.‬‬
‫(‪ )73‬أثار أصل هذا االسم جدال بني الباحثني ؛ فقد الحظ البعض قربه من االسم االسباين (‪)Acebuche‬الذي له‬
‫نفس املعىن‪ ،‬وبقي إشكال من نقله لآلخر مطروحا ‪ ،‬واجتهد آخرون يف نسبه إىل اللغة الالتينية واعتربوا أن الكلمة حمرفة‬
‫من الكلمة الالتينية (‪ )Acerbus‬والكلمة األخرى (‪ )Aquifolium‬ويبدو أن املصطلح أمازيغي حملي خاصة وان‬
‫انتشاره واسع وصيغته األمازيغية واضحة لكن كامبس اعترب أن هذا املصطلح غريب عن اللغة األمازيغية دون أن يقدم‬
‫على ذلك دليال انظر‪ :‬كامبس(غابريال)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.555‬‬
‫(‪)74‬‬
‫‪Jaleaud(L) , Op.Cit., p30.‬‬
‫(‪ )75‬الطريقة الرومانية تتمثل يف تطعيم الربعم(‪ )la greffe en écusson‬وهي قطع مجيع أغصان الشجرة الربية وتثبيت‬
‫برعم جملوب من شجرة زراعية مطعمة يف حلاء وغشاء الشجرة الربية ومحايته بطالء وشده برباط انظر‪:‬‬
‫‪Pline l’Ancien ,XVII , XXVI.16 .‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪23‬‬

‫الربي ال ميارس إال يف أفريقيا"(‪ )76‬ورجحت هنريات كامبس أن يكون القدماء قد مارسوا‬
‫التطعيم التاجي (‪ )La greffe en couronne‬الذي ال يزال ميارس إىل اليوم يف منطقة‬
‫القبائل(‪ ،)77‬خاصة وانه ورد يف رحلة سيالكس(‪ )Scylax‬أن أهايل جزيرة جربة كانوا‬
‫يستخرجون الزيت من مثار الزيتون الربي‪ ،‬ويستعملون يف ذلك الطريقة البدائية اليت تتمثل يف‬
‫سحق الثمار وتركها يف املاء حتت صخور كبرية حىت يطفو الزيت فوق املاء(‪.)78‬‬

‫الشكل (‪ :)0‬الزيتون البري المعروف باسم آزبوج‬

‫أما فيما خيص الكروم فقد أكد دوكندول أهنا تنمو طبيعيا باجلزائر واملغرب(‪ )79‬وهو‬
‫نفس االجتاه الذي سار عليه اقزال عندما أكد بأهنا تنمو على ح التها الربية يف بالد الرببر منذ‬
‫(‪)76‬‬
‫‪Pline l’Ancien , XVII , XXX.‬‬
‫(‪)77‬‬
‫‪Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine…Op.Cit.,p15.‬‬
‫(‪)78‬‬
‫كامبس(غابريال) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫(‪)79‬‬
‫‪De Condole (Alph.), Op.Cit.,pp151-152.‬‬
‫‪24‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫بدايات الزمن اجليولوجي الرابع(‪ ،)80‬أما التني فان جل الكتابات التارخيية جتمع على أصوله‬
‫الشرقية واألمر الذي مازال خمتلفا فيه هو كيفية حتوله إىل الغرب اليت بقيت حمل جدال(‪ ، )81‬و‬
‫يري اقزال(‪ )82‬أن بعض أنواع التني املختلفة قد مت إحضارها إىل أفريقيا الشمالية من طرف‬
‫الفينيقيني وعنهم يكون األمازيغ قد أخذوا طريقة التأبري (‪ ،)83‬وهو الرأي الذي متسك به‬
‫باسي ( ‪ ،)84() Basset‬أما كامبس فقد حتفظ من كون الفينيقيني هم من علم الرببر طريقة‬
‫التأبري وتساءل عن سبب التمسك هبذه اآلراء ونسب كل التقنيات الفالحية ‪ -‬حىت البسيطة‬
‫منها مثل التأبري الذي ميكن أن يتم بطريقة طبيعية‪ -‬إىل األجانب وجتريد الرببر من أي‬
‫(‪)85‬‬
‫مبادرة؟!‬

‫من النباتات اليت أكد العلماء أهنا خاصة بأفريقيا جند اللوز الرببري(‪( )86‬انظر أدناه‬
‫الشكل (‪ )5‬ص‪ )55‬وهو شجر خاص باملنطقة يستخلص منه الزيت والصمغ (‪ ، )87‬وأكد‬
‫دوكندول أن اللوز من النباتات ذات األصل احمللى بكل من أفريقيا الشمالية وصقلية لكن‬
‫زراعته تعود إىل بضعة قرون فقط عكس أسيا الغربية واليونان اليت يظهر بان زراعته فيها تعود‬

‫(‪)80‬‬
‫‪Gsell (St.) ,H.A.A.N., T.I, p166.‬‬
‫(‪)81‬‬
‫عن موضوع التني وأصوله التارخيية راجع الدراسة ‪:‬‬
‫‪- El Bouzidi (Said) ,le Figuier : Histoire ,rituel et symbolisme en Afrique du nord , in :‬‬
‫‪D.H.A , Volume 28 ,N°2,2002, pp 103-120.‬‬
‫(‪)82‬‬
‫‪Gsell (St.),H.A.A.N , T.IV, p31.‬‬
‫(‪ )83‬التأبري(‪ : )la caprification‬تتمثل العملية يف نقل مثار التني الربي إىل شجرة التني البستانية فتنتقل احلشرات‬
‫اليت تسكنها إىل مثار الشجرة املزروعة لوضع بيضها فتجلب معها لقاح األعضاء الذكرية للتني الربي اليت تقوم بإخصاهبا‪،‬‬
‫انظر‪Gsell (St.),H.A.A.N , T.IV, p31,note n°2. :‬‬
‫(‪)84‬‬
‫‪Basset (Henri) , les influences Puniques chez les Berbères ,R.Af ,Année 1921 ,p 348.‬‬
‫(‪ )85‬كامبس(غابريال) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.551-559‬‬
‫(‪)86‬‬
‫اللوز الرببري يعرف بشجر األرقان(‪ )Arganier‬امسه العلمي (‪ )Argania spinosa‬من عائلة (‪)Sapotaceae‬‬
‫وهو شجر متوطن يف منطقة السوس جنويب املغرب وكذا يف منطقة تندوف باجلزائر ‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪-El Alaoui (Narjys), L’Arganier,RAM Magazine(sept-oct),Casablanca 2001,pp24 et78-‬‬
‫‪80.‬‬
‫(‪ )87‬بورتري(روالن) و بارو(جاك) ‪ ،‬بداية التقنيات الفالحية وتطورها وانتشارها ‪ ،‬تاريخ إفريقيا العام ‪ ،‬اجمللد األول‬
‫(املنهجية وعصر ما قبل التاريخ يف إفريقيا) ‪،‬إشراف ج‪.‬كي‪ -‬زيربو ‪ ،‬جان أفريك‪/‬اليونسكو‪5898،‬م‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪25‬‬

‫إىل ما قبل التاريخ (‪ .)88‬أما فيما يتعلق بالبقول واخلضروات كالفول والعدس واحلمص‪...‬اخل‬
‫فان الباحثني قد أكدوا قدم معرفة األمازيغ هلا استنادا إىل األمساء األمازيغية لبعضها وما‬
‫جادت به األحباث األثرية اليت كشفت عن الفول املصري(‪ )Féveroles‬مثال يف عدة مناطق‬
‫من مشال أفريقيا(‪ .)89‬كما اخربنا هريودوت أن اللوتوفاجيني(‪ )Lotophages‬كانوا يتغذون‬
‫من اللوتس (‪ )Lotus‬وأهنم كانوا يستخلصون منه نوعا من النبيذ(‪.)90‬‬

‫الشكل (‪ :)2‬شجرة األرقان )‪ (Arganier‬المعروفة أيضا باسم اللوز البربري‪.‬‬

‫(‪)88‬‬
‫‪De Condole (Alph.),Op. Cit. ,p175.‬‬
‫(‪ )89‬كامبس(غابريال) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.511-515‬‬
‫(‪ )90‬حسب هريودوت فان هذا النبات ينمو جبهة قورين وغرهبا على امتداد املنطقة الساحلية بني السريت وحبرية الرتيتون‪،‬‬
‫وهو نبات شوكي ‪،‬مثره يشبه التمر يف رطوبته‪ ،‬ولعل االفراط يف استهالكه من طرف اللوتوفاجيني هو الذي جعل هريودوت‬
‫يدعوهم بذلك‪ ،‬انظر‪Hérodote , IV , CLXXVII. :‬‬
‫‪26‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫كشفت احلفريات األثرية عن استعمال القدامى لعدة أدوات يف النشاط الفالحي‬


‫كاجملرفة (‪ )Houe‬واملعول (‪ )Pioche‬واملعزقة (‪...)Binette‬اخل بينما ظهر احملراث كشكل‬
‫متطور يسهل عملية قلب الرتبة (انظر الشكل(‪)4‬أدناه ص‪ ،)51‬وقد أمجعت الدراسات على‬
‫وجود حمراث حملي ال يد فيه ال للفينيقيني وال للرومان بدأ قدماء األمازيغ يف استعماله منذ‬
‫وقت مبكر كما دلت على ذلك الرسومات والنقوش ‪ ،‬ومت تصنيفه إىل نوعني ‪ :‬حمراث خشيب‬
‫بسيط مسنن وحمراث خشيب بسيط ذا مقبض زاحف وهو أكثر بدائية من األول (‪ .)91‬ولعملية‬
‫درس احملصول فاألرجح أن الطريقة البدائية هي اليت كانت تستعمل أين تقوم احليوانات بدوس‬
‫السنابل من اجل فصل احلبوب عن سوق النباتات(‪.)92‬‬

‫الشكل (‪ :)2‬مشهد حرث باستعمال محراث تقليدي( منطقة شمال غرب سطيف)‪.‬‬

‫(‪)91‬‬
‫ديزانج (جيهان)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.448‬؛ كامبس(غابريال)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.555-511‬‬
‫(‪)92‬‬
‫حارش(حممد اهلادي)‪ ،‬التاريخ املغاريب القدمي ‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.558‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪27‬‬

‫الشكل(‪ :)4‬محراث من منطقة الريف‪.‬‬


‫املصدر‪ :‬كامبس (غابريال)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.518‬‬

‫وإثراء ملا أخربتنا به النصوص وما كشفت عنه احلفريات األثرية والرسوم الصخرية ‪،‬‬
‫فان الباحثني اعتمدوا على الدراسات اللغوية لدعم فكرة أصالة الفالحة األفريقية وذلك من‬
‫خالل أمساء النباتات والثمار يف اللغة األمازيغية باإلضافة إىل حتديد جماهلا اجلغرايف وفق ما يبينه‬
‫اجلدول التايل‪:‬‬

‫مجاله الجغرافي‬ ‫االسم األمازيغي‬ ‫المقابل العربي‬

‫اسم عام عند األمازيغ يستعمل من واحة سيوة إىل جزر‬ ‫إرذن (‪)Irden‬‬ ‫القمح الصلب‬
‫الكناري مع اختالف طفيف يف نطقه من جهة ألخرى‬ ‫ومفرده إرذ (‪)Ired‬‬
‫‪.irdèn,iardèn,ihden,irisèn,irdayen, tirdent‬‬
‫يطلق من واحة سيوة إىل جزر الكناري‪.‬‬ ‫ثيمزين (‪)Timzin‬‬ ‫الشعري‬

‫السورغو األسود ت فسوت (‪ )Tafsut‬حبوب ثانوية عند أمازيغ الشمال ولكنها مفضلة عند طوارق‬
‫(‪ )Illan‬الصحراء وقوا نش (‪ )Gunanches‬جزر الكناري على القمح‬ ‫إلن‬
‫‪Sorgho‬‬ ‫(‬
‫‪)noir‬‬
‫إن لي (‪ )Inelli‬والشعري وهي بعيدة عن املصطلح الالتيين(‪.)milium‬‬

‫يستعمل عند مجيع األمازيغ للداللة على بذور احلبوب‪.‬‬ ‫إمندي (‪)Imendi‬‬ ‫بذور احلبوب‬
‫‪28‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫يطلق من طرف األمازيغ للداللة على الزيتون املطعم ماعدا يف‬ ‫آزمور(‪)Azemmur‬‬ ‫الزيتون‬
‫األطلس األعلى أين يطلق على الزيتون الربي‪.‬‬

‫(‪ )Zitoun‬أمساء سامية تطلق على شجرة الزيتون واملادة املستخرجة من‬ ‫زيتون‬
‫مثارها ماعدا يف طرابلس وعند الطوارق ( ‪Jaleaud (L.),‬‬ ‫(‪)Zit‬‬ ‫وزيت‬
‫‪.)Op.Cit. ,p30.‬‬

‫كلمة دالة على الزيتون الربي يف الريف ومنطقة القبائل واألوراس‬ ‫آزبوج (‪)Zebouj‬‬
‫والفزان‪.‬‬

‫اسم يطلقه الطوارق على الزيتون الربي و هو قريب من املصطلح‬ ‫(‪)Aleo‬‬ ‫أليو‬
‫)‪ ( (olea‬كامبس (غابريال)‪ ،‬مرجع‬ ‫اإلغريقي )‪( elaia‬والالتيين‬
‫سابق ‪ ،‬ص ص‪.).559-558‬‬

‫تطلق هذه التسمية عند أمازيغ التل أما الطوارق والقوانش‬ ‫(‪)Azar‬‬ ‫أزار‬ ‫التني‬
‫فيسمونه ب‪ :‬أهار(‪ )Ahar‬ومؤنثها تاهارت‪ .‬ويطلق عليها‬
‫سكان املغرب االقصى عدة تسميات هي تازارث‬
‫‪karmous ,takhrifa ,l’araoula Bacor,،Tazarth‬‬
‫( ‪El Boozidi (Said),‬‬ ‫ويظهر جليا بان بعضها عريب‬
‫‪.)Op.Cit.,p111.‬‬

‫األمازيغ ( ‪De Condole‬‬ ‫اللوز حيمل امسا عربيا عند مجيع‬ ‫تالوزت(‪)Talouzet‬‬ ‫اللوز‬
‫‪.)(Alph.), Op.Cit., p175.‬‬

‫كل األمازيغ‬ ‫تيزدايني(‪)Tizdain‬‬ ‫النخيل‬

‫كل األمازيغ‬ ‫تيزورين (‪)Tizurin‬‬ ‫العنب‬

‫(‪ )Ikiker‬يطلق من طرف سكان جنوب املغرب ومشتق من املصطلح‬ ‫إكيكر‬ ‫احلمص‬
‫الالتيين(‪.)Cicer‬‬

‫يطلق من واحة سيوة إىل املغرب ونفي الباحثون أن يكون له‬ ‫إباون (‪)Ibaun‬‬ ‫الفول‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪29‬‬

‫عالقة باالسم الذي يطلق يف الالتينية على الفول(‪)Faba‬‬


‫(كامبس (غابريال)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.).519‬‬

‫تيسكرث (‪ )Tiskert‬عند كل األمازيغ وقد أكد دوكندول أن هذه التسمية خمتلفة‬ ‫الثوم‬
‫متاما عن اللغات األخرى ( ‪De Condole (Alph.), Op.Cit.,‬‬ ‫تيسرث (‪)Tissert‬‬
‫‪.)pp50-52.‬‬

‫الجدول (‪:)0‬أسماء مواد زراعية في اللغة األمازيغية‬


‫المصدر‪Laoust (E.), Mots et choses berbères…Op.Cit.,pp263-448.:‬‬

‫إن األمر املالحظ من خالل اجلدول هو أن هذه األمساء أمازيغية وال عالقة هلا بلغات‬
‫أخري ‪ ،‬واملالحظ أيضا هو االنتشار الواسع يف استعمال هذه التسميات عند األمازيغ فاغلبها‬
‫ال ختتص مبنطقة معينة بل هناك تسميات تستعمل حىت خارج املنطقة يف غرب مصر ويف‬
‫الصحراء الواسعة وجزر الكناري ‪ ،‬فاألصول احمللية األمازيغية هلذه التسميات وكذا انتشارها‬
‫الواسع بني الشعوب األمازيغية هو الذي جعل الباحثني يقرون اليوم بقدم الزراعة لدى سكان‬
‫مشال أفريقيا‪.‬‬

‫إن هذه الدالئل ال تدع اجملال ألي شك يف شأن قدم وعراقة النشاط الزراعي يف‬
‫أفريقيا القدمية؛ فاملشاهد اليت نقشت على الصخور واستعمال اجملرفة واحملراث والتحكم يف‬
‫التقنيات الفالحية املختلفة باإلضافة إىل الوجود القدمي للمنشآت املائية وأعمال التهيئة‬
‫األخرى على بساطتها وكذا وجود تسميات أمازيغية هلذه املواد الفالحية‪ ...‬كل هذه اإلثباتات‬
‫شواهد قوية على قدم الزراعة باملنطقة وتأريخ حلضارة زراعية ريفية بربرية باكرة‪.‬‬

‫‪ -II‬االستيطان الزراعي اإلغريقي بقورينائية‪:‬‬

‫بدأ االستيطان اإلغريقي يف سواحل برقة منذ القرن الثامن قبل امليالد ‪ ،‬فقد نزح أهايل‬
‫جزيرة ثريا (‪ )Thera‬يف البداية إىل جزيرة بالتيا (‪( )Palatéa‬انظر اخلريطة (‪ )4‬أدناه‬
‫ص‪ )85‬أين أقاموا فيها مدة منتظرين انتقاهلم إىل الرب األفريقي ‪ ،‬فإذا كانت اهلجرات األوىل‬
‫‪30‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫تتسم بالفردية وقلة عدد املهاجرين فإهنا اكتست طابعا تنظيميا فيما بعد خاصة بعد النداء‬
‫الذي وجهه باتوس الثاين والذي أقدم على توطني جاليات إغريقية جديدة قادمة من املدن‬
‫اليونانية على أراضي الليبيني‪ ،‬ومع مرور الوقت وزيادة عدد األفراد املهاجرين سيطر اإلغريق‬
‫على أخصب األراضي باملنطقة و اليت كانت قبل ذلك ملكا للقبائل الليبية احمللية‪.‬‬

‫اخربنا هريودوت عن أسطورة تأسيس قورين وشخصية باتوس املتلعثم الذي تسبب يف‬
‫غضب اآلهلة بعد أن رفض االستجابة لطلبها املتمثل يف إنشاء مستعمرة جديدة بليبيا ‪،‬‬
‫فتسبب هذا الرفض يف حدوث جفاف مس جزيرة ثريا مدة طويلة أهنك أهلها ما جعلهم‬
‫يفكرون يف تنفيذ هذا األمر(‪.)93‬‬

‫حىت لو سلمنا بدور هذا الدافع الديين االعتقادي رغم أحداثه األسطورية يف تأسيس‬
‫مستعمرة قورين ‪ ،‬فان الدافع االقتصادي يظهر بوضوح ؛ فالقحط الذي أصاب هذه اجلزيرة‬
‫جعل من سكاهنا يفكرون يف اهلجرة ‪ ،‬وقد اتفق معظم الباحثني على أن االستيطان اإلغريقي‬
‫بقورينائية هو "استيطان زراعي" مت بدافع البحث عن األراضي الصاحلة للزراعة واليت تفتقد‬
‫إليها جزيرة ثريا (‪ ،)94‬وما لبث هؤالء املعمرون الوافدون أن استقروا يف املناطق الصاحلة للزراعة‬
‫ومل يبقوا لليبيني سوى على مناطق السهوب اجلرداء اليت أرغم هؤالء إىل النزوح إليها(‪.)95‬‬

‫(‪ )93‬نقال عن‪ :‬عقون (حممد العريب) ‪ ،‬االقتصاد والمجتمع في الشمال األفريقي القديم ‪ ،‬نشر دار اهلدى ‪ ،‬عني مليلة‪،‬‬
‫اجلزائر ‪5119‬م ‪ ،‬ص ص ‪.91-95‬‬
‫(‪)94‬‬
‫شامو(فرنسوا)‪ ،‬في تاريخ ليبيا القديم ‪ :‬اإلغريق في برقة األسطورة والتاريخ‪ ،‬ترمجة وتقدمي حممد عبد الكرمي‬
‫الوايف‪ ،‬ط‪ ،5‬منشورات جامعة قار يونس ‪ ،‬بنغازي ‪ ،5881‬ص‪.515‬‬
‫(‪ )95‬نفسه ‪ ،‬ص ‪.599‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪31‬‬

‫لقد جمد هريودوت ثراء منطقة قورين(‪ )96‬وأشاد خبصوبة األرض السوداء اليت يتميز‬
‫هبا إقليم الكينوبس (‪ )Cinyps‬فاألرض كما يقول ال خشية عليها من اجلفاف وال من‬
‫الفيضانات ‪ ،‬وأشاد كذلك مبردودية ارض إقليم يوسبرييدس ( ‪le teretoire de les‬‬
‫‪ )Evespérites‬اليت تغل كل عام مائة ضعف ما بذر فيها إال أهنا اقل من اإلقليم األول‬
‫الذي ينتج ثالثة أضعاف من ذلك(‪.)97‬‬

‫وعن إقليم قورين دائما حيدثنا هريودوت عن نظام دورة زراعية عجيبة (‪ )98‬تدوم فيها‬
‫فرتة جين احملاصيل مثانية أشهر يف السنة ‪ ،‬حبيث تسبب التفاوت يف االرتفاع يف تباعد مواسم‬
‫جين احملاصيل بني املنطقة احملاذية للساحل واملنطقة الوسطي املوازية له( منطقة التالل) واملناطق‬
‫العليا اجلبلية ؛ فال تكاد تنتهي حماصيل منطقة ما حىت تنضج يف األخرى ‪ ،‬ووصف شامو هذه‬
‫الرواية بأهنا رواية صادقة وان ما جاء به هريودوت مطابق للحقيقة متاما ‪ ،‬ويضيف الباحث انه‬
‫قد شاهد بنفسه هذه الظاهرة أواخر يناير ‪5849‬م(‪.)99‬‬

‫وعن خصائص اإلنتاج الزراعي باإلقليم حتدث القدامى عن نوعني من املظاهر خالل‬
‫القرن الرابع ق‪.‬م ؛ جهة مفتوحة على السهول العليا تنتج احلبوب وميارس فيها الرعي وجهة‬
‫أخرى خاصة بزراعة األشجار املثمرة على رأسها الزيتون ‪ ،‬ورغم أن السهول العليا أكثر عرضة‬
‫للجفاف والرياح اجلنوبية إال أن انتشار زراعة احلبوب فيها كان واسعا (‪( )100‬انظر املنطقة ‪B‬‬
‫على اخلريطة (‪)5‬أدناه ص‪.)85‬‬

‫(‪ )96‬حسب البعض فان تسمية قورين أطلقت على املنطقة من طرف املستوطنني اإلغريق وتعىن " املكان الذي ينمو فيه‬
‫نبات القورا بكثرة" والقورا هو نبات الزنبق الربي واملقطع األخري "ايين" الزمة خاصة بأمساء النباتات أو احليوانات أو‬
‫الرتبة‪ ،‬انظر‪ :‬شامو(فرنسوا) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.551‬‬
‫(‪)97‬‬
‫‪Hérodote, IV , CXCVIII.‬‬
‫(‪)98‬‬
‫‪Ibid., IV , CXCIX .‬‬
‫(‪)99‬‬
‫شامو (فرنسوا) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.591-599‬‬
‫(‪)100‬‬
‫‪Laronde(A.) , la vie agricole en Libye jusqu'à l’arrivée des Arabes , libyan studies‬‬
‫‪20, edeted by D.J.Mattingly and J.A.Lloyd , 1989 , p131.‬‬
‫‪32‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫أدي احتكار األراضي من طرف املعمرين اإلغريق إىل ظهور إقطاعيات زراعية يف‬
‫خمتلف املناطق‪ ،‬حبيث يشيد داخل كل إقطاعية حصن حيتمي داخله اإلقطاعي اإلغريقي عند‬
‫الضرورة و يتحول يف موسم األمن والثراء إىل خمزن للمحاصيل ‪ ،‬كما أن لكل إقطاعية زراعية‬
‫جهازها اإلداري وقضاهتا ومجعيتها وكهنتها ‪ ،‬يتعاونون على تسيري شؤون اإلقطاعية واالستثمار‬
‫األمثل ألرضها اخلصبة (‪ ،)101‬فحىت وان مل تصلنا أخبار عن وضعية السكان الليبيني احملليني‬
‫وعن النظم االقتصادية السائدة خالل تلك الفرتة إال انه دون شك كان لليبيني دورهم‬
‫كمزارعني وأجراء يف األراضي االحتكارية اخلاصة بامللك والطبقة اإلقطاعية ‪ ،‬وميكن حىت أن‬
‫نتصور وجود طبقة من الفالحني الليبيني املالك إىل جانب العاملني لدي اإلغريق(‪.)102‬‬

‫كان من نتائج سياسة االحتكار و االستيالء على األراضي اخلصبة من طرف اإلغريق‬
‫أن دفع املالك األصليون الليبيون جنوبا حنو منطقة السهوب اجلافة والصحراء أين مارسوا نشاط‬
‫الرعي واضطروا الستصالح األراضي البور وابتكروا طرقا جديدة الستغالهلا ؛ فهريودوت اخربنا‬
‫أن القرامنتيني (‪ )Gramantes‬كانوا يغطون الرتبة املاحلة للسبخات بطبقة من الرتبة اخلصبة‬
‫ليتمكنوا من استزراعها(‪ ،)103‬كما استغلوا مياه العيون واآلبار لري مزروعاهتم ‪ ،‬واستخدم‬
‫القرامنت كذلك وسائل بدائية حلرث أراضيهم (‪ .)104‬ونشري إىل أن األهايل الليبيون مل يكتفوا‬
‫بالنزوح جنوبا دون أن يقاوموا هذه السياسة ؛ فقد قامت القبائل الليبية بعدة ثورات ضد‬
‫اإلغريق بل واستعانوا حىت جبرياهنم املصريني ملواجهتهم(‪.)105‬‬

‫(‪)101‬‬
‫شامو(فرنسوا) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.514‬‬
‫(‪)102‬‬
‫عبد العليم (مصطفى كمال)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪)103‬‬
‫‪Hérodote ,IV , CLXXXIII .‬‬
‫(‪)104‬‬
‫دراز (امحد عبد احلليم) ‪ ،‬مصر وليبيا فيما بين القرن السابع والقرن الرابع ق‪.‬م ‪ ،‬نشر موقع تاوالت الثقايف‪،‬‬
‫‪ ، http://www.tawalt.com/‬ص ص ‪.558-559‬‬
‫(‪ )105‬عن الثورات اليت قامت هبا القبائل الليبية ضد اإلغريق يراجع‪:‬‬
‫‪- Masson (Olivier) ,Grecs et Libyens en Cyrénaïque,d’après les témoignages de‬‬
‫‪l’épigraphie, in : Ant.Af, T.10,1976, pp 49-52.‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪33‬‬

‫تنوعت الزراعة اليت أقامها اإلغريق بقورينائية وانتشرت على السهول الساحلية ومنطقة‬
‫التالل وخاصة يف مناطق الوديان أين شهدت على ذلك السدود الصغرية اليت اكتشفت يف‬
‫جماري الوديان واليت بنيت للسيطرة على املياه وتثبيت الرتبة (‪ ،)106‬وكانت األرض الليبية تنتج‬
‫إنتاجا وفريا ومتنوعا فقد أكد هريودوت على أمهية إنتاج القمح وانتشار زراعته باملنطقة (‪،)107‬‬
‫كما دل لوح اإلمدادات باحلبوب الذي عثر عليه بقورينائية على وفرة إنتاجه ‪ ،‬فالنقيشة‬
‫أشارت إىل أن قورين أمدت مدنا إغريقية عانت من اجملاعة بكميات كبرية من احلبوب بلغت‬
‫مثامنائة ومخسة آالف مكيال إغريقي(‪ ، )108‬والشك أن هذا مل يكن إال جزءا بسيطا من‬
‫اإلنتاج دون احتساب االستهالك احمللي والكميات املخزنة واملوجهة حنو األسواق‪.‬‬

‫كما أكد القدامى على تواجد أشجار الزيتون بقورينائية منذ أكثر من ثالثة قرون‬
‫قبل امليالد وأشادوا بوفرة الزيت باملنطقة (‪ )109‬وقد حتدثت قوائم املنتجات الزراعية اليت حدد‬
‫املدبرون الزراعيون أسعارها عن اللوز والتني باإلضافة إىل الزيت ‪ ،‬وورد ذكر لثالثة أنواع من‬
‫العنب يف سجالت املدبرين املاليني الذين كانوا يشرفون على أوقاف معابد قورين الزراعية ‪:‬‬
‫عنب املائدة الطازج والعنب األسود الذي تصنع منه اخلمور والعنب الذي يصنع منه‬
‫الزبيب(‪.)110‬‬

‫وما اشتهر به أهل قورين أكثر هو جتارة نبات السلفيوم(‪)111( )Silphium‬حيث‬


‫احتكرت عائلة باتوس جتارته نظرا ألمهيته املتعددة ‪ :‬حيث يستعمل كعلف مسمن للمواشي‬
‫(‪)106‬‬
‫انديشة (امحد حممد)‪ ،‬التاريخ السياسي واالقتصادي للمدن الثالث ‪ ،‬ط‪ ، 5‬الدار اجلماهرية للنشر والتوزيع‬
‫واإلعالن ‪ ،‬ليبيا ‪5888‬م ‪ ،‬ص‪.555‬‬
‫(‪)107‬‬
‫‪Hérodote , IV , CXCVIII .et CXCIX.‬‬
‫(‪)108‬‬
‫دراز (امحد عبد احلليم) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫(‪)109‬‬
‫‪Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux) ,R.Af , 13 éme Année, 1869 , p96.‬‬
‫(‪ )110‬شامو(فرنسوا) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.581-598‬‬
‫(‪ )111‬ظل هذا النبات وال يزال جمهوال ‪ ،‬حيث مل يتوصل الباحثون إىل العثور عليه وحتديده ‪ ،‬وتشري النصوص القدمية إىل‬
‫انقراضه تدرجييا من قورينائية يف املرحلة األخرية اليت سبقت ميالد املسيح ومل يعد موجودا هنائيا مطلع القرن اخلامس يف‬
‫مشال أفريقيا‪ ،‬انظر‪ :‬نفسه ‪ ،‬ص‪.818‬‬
‫‪34‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫ويستخرج منه عصري لذيذ ويستعمل يف الطبخ كنوع من اخلضروات والتوابل باإلضافة إىل انه‬
‫تستخرج منه مادة صمغية قوية الرائحة تستعمل للتداوي قدميا(‪ ،)112‬وقد أشار هريودوت إىل‬
‫أن هذا النبات ينمو ابتداء من جزيرة بالتيا (‪ )Platea‬إىل غاية حدود السريت (‪ ،)113‬وقد‬
‫اخربنا سرتابون أن القرطاجيني يبدلون اخلمر بالسلفيوم الذي يهربه أناس من قورينائية مبنطقة‬
‫شاراكس (‪ )Charax‬بالسريت الكبري (‪ ،)114‬وقد حافظ هذا الرتياق على قيمته خالل‬
‫العصر الروماين وكانت جتارته ختضع للوائح صارمة ‪ ،‬ولكن هذا النبات انقرض هنائيا أواخر‬
‫العهد الروماين وترجع أسباب ذلك حسب شامو إىل ممارسة الرعي املكثف مبناطق منوه‬
‫واستنزافه من طرف صيادي السلفيوم الذين يتنافسون على عصارته باإلضافة إىل التوسع‬
‫الزراعي الذي شهدته املنطقة خاصة خالل العصر الروماين(‪.)115‬‬

‫مما سبق يظهر بان االستيطان اإلغريقي بقورينائية قد جنح إىل حد كبري يف حتقيق‬
‫أهدافه االقتصادية املتمثلة يف استغالل املوارد خاصة منها اإلمكانيات الزراعية الكبرية اليت يتميز‬
‫هبا اإلقليم ؛ حيث احتكرت الطبقة احلاكمة كل مصادر الثروة بدءا باحتكار األراضي الزراعية‬
‫إيل احتكار جتارة نبات السلفيوم ‪ ،‬وعملت على تغطية عجز املدن اإلغريقية بتموينها خبريات‬
‫أفريقيا خاصة يف املراحل اليت عانت اليونان فيها من أزمات وجماعات‪.‬‬

‫(‪)112‬‬
‫صفر(امحد) ‪ ،‬مدنية المغرب العربي في التاريخ ‪ ،‬ج‪ ، 5‬دار النشر بوسالمة ‪ ،‬تونس‪5898‬م‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫(‪)113‬‬
‫‪Hérodote, IV , CLXIX .‬‬
‫(‪)114‬‬
‫‪Strabo , XVII ,III ,20.‬‬
‫(‪ )115‬شامو(فرنسوا) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪ .851-859‬وقد اهتم شامو بالدراسة والبحث عن هذا النبات "اللغز"‬
‫حيث خصص الفصل األخري من دراسته(احلادي عشر) لدراسة هذا النبات (انظر‪ :‬ص ص‪ .)885-811‬كما قام‬
‫مرتجم دراسته األستاذ حممد عبد الكرمي الوايف برتمجة دراسة أخرى لنفس الباحث حول نفس املوضوع منشورة سنة‬
‫‪ 5895‬م بلندن يف مصنف مجاعي حتت عنوان(‪ ( )Cyrenaica Antiquity‬انظر امللحق‪ 5‬من الكتاب ص ص‬
‫‪.)858-888‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪35‬‬

‫الخريطة(‪ :)4‬موقع قورينائية واليونان‬


‫المصدر‪http://venitism.blogspot.com:‬‬

‫الخريطة(‪ :)5‬الزراعة القديمة في قورينائية‪.‬‬


‫املصدر‪http://www.sciencefile.org/:‬‬
‫‪36‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫‪ -III‬الزراعة القرطاجية‪:‬‬

‫حىت ولو كان اجملتمع القرطاجي مياال بطبعه إىل البحر والتجارة وتأسيس املستعمرات‬
‫إال أن ذلك مل يصرفه عن ممارسة النشاطات االقتصادية األخرى ‪ ،‬فقد أمجع املؤرخون على‬
‫اهتمام القرطاجيني وبراعتهم يف ممارسة التجارة ‪ ،‬ولكن ذلك ال ينبغي أن يفهم منه إمهال‬
‫الزراعة ؛ فقد كان القرطاجيون مشدودين إىل األرض اليت زرعوها وطوروا أساليب استغالهلا‬
‫وأحسنوا استثمارها‪ ،‬فباإلضافة إىل التجارة كانت األرض هي األخرى مصدرا لثراء القرطاجيني‬
‫خصوصا يف املراحل األخرية من تارخيهم بل و بالغ البعض كثريا عندما أكدوا بان الزراعة‬
‫كانت عند القرطاجيني أكثر اهتماما وشرفا من التجارة(‪.)116‬‬

‫ساد االعتقاد عند املؤرخني والباحثني لفرتة طويلة بان الفينيقيني هم الذين نقلوا‬
‫الزراعة وأساليبها من الشرق إىل الغرب ‪ ،‬لكن البحوث احلديثة قد جتاوزت هذه النظرية‬
‫القدمية(‪ ، )117‬وال جيب من جهة أخرى أن هنمل الدور الذي لعبه القرطاجيون يف تطوير‬
‫الزراعة بشمال أفريقيا ‪ ،‬ولعل اإلضافة القرطاجية يف هذا اجملال تكمن أساسا يف تطوير تقنيات‬
‫اإلنتاج و تنويع الزراعة وتكثيف االستغالل (‪ .)118‬فإذا كان معظم الباحثني ينكرون فضل‬
‫الفينيقيني يف إدخال زراعة بعض األنواع إىل املنطقة كزراعة الزيتون والكروم ؛ فإهنم قد ابدوا‬
‫من جهة أخرى تقبلهم هلذا الفضل فيما يتعلق بزراعة الرمان الذي ذكر بلني بان زراعته منتشرة‬
‫بكثرة حول قرطاج وأشاد جبودة األنواع اليت تغرس بقرطاج (‪ ،)119‬وهو معروف بتسمية التفاح‬
‫البوين(‪ ) Malum Punicum‬وقد حافظ على هذه التسمية خالل العهد الروماين‪ ،‬ورجح‬
‫دوكندول أن يكون ذا أصل شرقي حبيث يرى انه من احملتمل جدا أن يكون الفينيقيون هم‬

‫(‪)116‬‬
‫‪Lacroix (F.) , Afrique Ancienne (procédés agricoles) , R.Af , Année 1870 , p13.‬‬
‫(‪)117‬‬
‫انظر أعاله ص‪.58‬‬
‫(‪)118‬‬
‫رستوقتزف (م‪ ، ).‬تاريخ اإلمبراطورية الرومانية االجتماعي واالقتصادي ‪ ،‬ج‪( 5‬املنت) ‪ ،‬ترمجة ومراجعة زكي على‬
‫وحممد سليم سامل ‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية ‪ ،‬القاهرة ‪5851‬م‪ ،‬ص‪ .58‬؛ بورونية (الشاذيل)و الطاهر (حممد)‪ ،‬قرطاج‬
‫البونية ‪ :‬تاريخ حضارة ‪ ،‬مركز النشر اجلامعي ‪ ،‬تونس ‪5888‬م‪ ،‬ص‪.558‬‬
‫(‪)119‬‬
‫‪Pline l’Ancien ,XIII , XXXIV .‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪37‬‬

‫الذين نقلوه إىل قرطاج ومن املمكن أن يكون مزروعا مثل مصر(‪ ، )120‬أما التني فان اقزال يري‬
‫أن الفينيقيني يكونون هم الذين نقلوا بعض أنواعه إىل أفريقيا الشمالية(‪.)121‬‬

‫اخلريطة (‪ :)9‬اإلقليم القرطاجي خالل القرن الثالث ق‪.‬م‬


‫املصدر‪http://www.memo.fr :‬‬

‫لقد عرف الكتاب القدامى أفريقيا من خالل إقليم قرطاج ‪ ،‬ونرى أهنم وهم يصفون‬
‫ازدهار ذلك اإلقليم إمنا يصفون ازدهارا ال يد ألشفاط قرطاج فيه ‪ ،‬بل إن ساكنة اإلقليم‬
‫األصلني الذين يعرب عنهم باسم الليبيفينيقيني أي رعايا قرطاج من الليبيني (قدماء األمازيغ) هم‬
‫من كانوا يقومون بكل األنشطة الفالحية وهم الذين ظلوا يزودون قرطاج مبا حتتاج إليه من مؤن‬
‫على امتداد قرون ‪ ،‬وإذا كان هؤالء قد أشادوا بالثراء الزراعي الذي عرفته قرطاج واألقاليم‬
‫(‪)120‬‬
‫‪De Condole (Alph.), Op.Cit., p191.‬‬
‫(‪)121‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N., T. IV, p31.‬‬
‫‪38‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫اجملاورة هلا من خصوبة يف الرتبة وتنوع يف احملاصيل واستعمال ألساليب علمية يف الزراعة ‪ ،‬فإهنم‬
‫يف واقع األمر إمنا يشيدون بنشاط أولئك الليبيفينيقيني‪ ،‬وهذا ما ينبغي أن نعرفه وأن نستنتجه‬
‫من القراءة بني السطور‪ ،‬فهذا ديودور الصقلي يتحدث عن إعجاب‬
‫اغاثوكليس(‪ )Agathocles‬وجنوده باالزدهار الزراعي الذي الحظوه يف طريقهم إىل قرطاجة‬
‫بعد نزوهلم يف شبه جزيرة رأس الطيب أواخر القرن الرابع قبل امليالد ؛ فقد كانت األرض‬
‫حسب ديودور رائعة اخلصوبة وكثرية اإلنتاج واملياه تنساب بني احلقول واملزروعات بوفرة‬
‫واحملاصيل متنوعة ومنتشرة يف مجيع األرجاء خاصة منها الكروم والزيتون ‪،‬فقد كانت األرض‬
‫تفيض باخلريات وتتدفق منها احملاصيل على تباين أنواعها (‪ ، )122‬وهو نفس الثراء واالزدهار‬
‫الذي عرفته أفريقيا بعد ذلك حبوايل نصف قرن أثناء محلة ريقولوس(‪.)123()Régulus‬‬

‫وكانت قرطاج حماطة بالبساتني واحلدائق اليت تنتج البقول واخلضروات ‪ ،‬بينما متيزت‬
‫املناطق الساحلية اليت سيطر عليها القرطاجيون ومشال شبه جزيرة رأس بونة(‪ )124‬بالتوسع يف‬
‫إنتاج خمتلف احملاصيل خاصة منها الزيتون والكروم ‪ ،‬وقد وسعت قرطاج ملكياهتا على حساب‬
‫جرياهنا وشهدت الطبقة االرستقراطية تنافسا حول امتالك أراض زراعية جديدة ‪ ،‬وتوسع‬
‫القرطاجيون حىت وصلوا إىل مدينة تبسة وأخضعوها للجزية خالل احلرب البونية األوىل(‪، )125‬‬
‫ولكن التوسع احلقيقي يف األراضي األفريقية مت بعد معاهدة سنة ‪ 515‬ق م بني قرطاج وروما ؛‬
‫فعندما استحال على القرطاجيني أن يبقوا جتارهتم اخلارجية واسعة ومزدهرة كما كانت من قبل‬
‫انصرفوا إىل تنمية املصادر الطبيعية الداخلية اليت يتميز هبا إقليمهم ‪ ،‬فحسب الرواية اليت نقلها‬
‫لنا املؤرخ أوريليوس فيكتور (‪ ) Aurellus Victor‬فان القائد القرطاجي هانيبال قد وجه‬

‫(‪)122‬‬
‫‪Diodore de Sicile , XX ,I , 752.‬‬
‫(‪)123‬‬
‫‪Polybe , I , XXX et XXXVI.‬‬
‫(‪)124‬‬
‫ميادان (مادلني هورس) ‪ ،‬تاريخ قرطاج ‪ ،‬ترمجة إبراهيم بالش ‪ ،‬ط‪ ،5‬منشورات عويدات ‪ ،‬بريوت‪-‬باريس‬
‫‪5895‬م‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫(‪)125‬‬
‫شنييت (حممد البشري) ‪ ،‬أضواء على تاريخ الجزائر القديم(بحوث ودراسات) ‪ ،‬دار احلكمة ‪ ،‬اجلزائر ‪5118‬م‪،‬‬
‫ص‪.44‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪39‬‬

‫جنوده الستصالح األراضي وغراسة أشجار الزيتون بعد هذه املعاهدة خشية منه من اخلطر‬
‫الذي قد تشكله بطالتهم على الدولة القرطاجية(‪.)126‬‬

‫أشاد بلني باخلصوبة النادرة للرتبة جبهة املزاق (‪ )Byzacium‬فقد كانت مردودية‬
‫احلبوب فيها تعادل مائة للواحدة (‪ )127‬ويقول يف موضع آخر‪" :‬إن ارض بيزاكيوم بأفريقيا‬
‫خصبة إىل درجة أهنا تنتج مائة ومخسني للواحدة ‪ ،‬وال يستطيع احملراث اخرتاقها يف مواسم‬
‫اجلفاف لكن عند هطول األمطار فان محارا هزيال جير السكة مع عجوز ضعيفة جيعل الرتبة‬
‫تتفتت بسهولة"(‪ .)128‬وما شكل دليال آخر على الثراء والتنوع الزراعي القرطاجي حىت ولو كان‬
‫بطريقة غري مباشرة هو ما وصل إلينا من فقرات من موسوعة ماغون الفالحية(‪ )129‬اليت دلت‬
‫على تنوع زراعي وفالحي واستعمال أساليب علمية يف الزراعة وحىت نصائح يف كيفية تسيري‬
‫املرافق الزراعية ‪ ،‬فما ورد يف هذه املوسوعة دون شك مستنبط من الطبيعة األفريقية ووصف‬

‫(‪)126‬‬
‫ديكرييه (فرنسوا) ‪ ،‬قرطاجة أو إمبراطورية البحر ‪ ،‬ترمجة عزالدين امحد عزو ‪ ،‬مراجعة وحتقيق عبد اهلل احللو ‪،‬‬
‫ط‪ ،5‬األهايل للنشر والتوزيع ‪ ،‬دمشق ‪5889‬م‪ ،‬ص ص ‪.81-89‬‬
‫(‪)127‬‬
‫‪Pline l’Ancien , V, III.4.‬‬
‫(‪)128‬‬
‫‪Ibid., XVII , III.5.‬‬
‫(‪ )129‬ماغون القرطاجي(‪( :)Magon le Carthaginois‬القرنان‪ III‬و‪ II‬ق‪.‬م) نشر كتابا عرف باسم الفالحة‬
‫األفريقية يف مثان وعشرين جزءا دون فيه كل اخلربات الفالحية اليت استخلصها من جتواله يف األرياف األفريقية واحتكاكه‬
‫بالفالحني يف تلك األرياف ‪ ،‬مل يصلنا شيء من كتابه هذا الذي ترجم إىل اللغة الالتينية واإلغريقية سوى بعض اإلشارات‬
‫يف أعمال بلني وفارون وكلومال‪ ،‬انظر‪ ،) http://fr.wikipedia.org/wiki/Magon_le_Carthaginois(:‬ولقد‬
‫تركت هذه املوسوعة الفالحية أثرا بالغا على الفالحة خالل العصور القدمية ‪ ،‬حيث كان هلا دور كبري يف تطوير الفالحة‬
‫خاصة يف العهد الروماين ‪ ،‬حيث تفطن جملس الشيوخ الروماين بعد غزو قرطاج إىل أمهيتها فأمر باالحتفاظ هبا والعناية‬
‫برتمجتها ‪ ،‬لكن ولسوء احلظ مل يصلنا من هذه املوسوعة إال بعض الفقرات اليت اقتبسها الكتاب القدامى منها واليت تدور‬
‫مواضيعها حول تربية املواشي وكيفية زرع بعض األنواع باإلضافة إىل نصائح عامة حول االستغالل الزراعي ‪ ،‬ولقد أثارت‬
‫شخصية ماغون جدال بني الباحثني واملؤرخني فبلني قد اعتربه جنراال(‪ ،)Pline l’Ancien, XVIII ,V.‬وتبدو مسألة‬
‫التحقق من هذا االسم صعبة للغاية نظرا لوجود عدة جنراالت بنفس االسم تعاقبوا على قيادة اجليش القرطاجي‪ ،‬غري أن‬
‫ما ال جدال فيه هي الشهرة الكبرية اليت اكتسبها ماغون وكتابه‪ ،‬فقد أكد فارون أن شهرته قد فاقت شهرة كل الكتاب‬
‫اإلغريق الذين كتبوا يف نفس اجملال‪ ،‬أما كلوميل فقد دعا إىل اعتباره"أبا للعلوم الريفية"‪ ،‬انظر‪Gsell (St.) , :‬‬
‫‪H.A.A.N., T.IV , pp4-5.‬‬
‫‪40‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫لألوضاع الزراعية السائدة ونقل للخربات األفريقية يف هذا اجملال واليت ميكن أن نعتربها مقياسا‬
‫لطبيعة النشاط الزراعي الذي كان لدي القرطاجيني‪ ،‬وهذا االزدهار والتطور الذي بلغته قرطاج‬
‫يف هذا اجملال هو الذي جعل من أعدائها الرومان يرمقوهنا بعني الغرية واحلسد ‪ ،‬حيث تزعم‬
‫كاتون(‪ )130‬العضو مبجلس الشيوخ الروماين الفئة اليت تدعو إىل تدمريها والقضاء على منافستها‬
‫لروما‪.‬‬

‫إن عملية ضبط األمالك يف املناطق األفريقية اخلاضعة لقرطاج صعبة للغاية ولكن ما‬
‫ال شك فيه أن الطبقة االرستقراطية القرطاجية كانت حتتكر نسبة كبرية منها (‪ ،)131‬حيث‬
‫تشيد وسط هذه امللكيات بيوت ريفية متقنة الصنع تعكس ثراء مالكها حسبما اخربنا به‬
‫ديودور الصقلي (‪ ،)132‬وكانت هذه الطبقة الغنية من أعيان قرطاج حتتكر الوظائف االقتصادية‬
‫بقرطاج باإلضافة إىل اهتمامها بالزراعة يف األرياف وهو ما اضر بالزراعة حسب ماغون الذي‬
‫نصح " كل من يبتغي شراء ارض بالريف عليه أن يبيع مسكنه باملدينة حىت ال يفضل طيب‬
‫املقام يف املدينة على الريف(‪ .")133‬وعن طبيعة هذه امللكيات ومقدار مساحتها يرى اقزال بأنه‬
‫حىت ولو ورد يف النصوص ذكر لوجود ملكيات يف أيدي الطبقة االرستقراطية يف الشمال‬
‫الشرقي من تونس إال أن وضعيتها تبقي جمهولة واستبعد بان تكون هذه املستثمرات أكثر‬
‫اتساعا من مستثمرات العهد الروماين(‪.)134‬‬

‫افرتض الباحثون أن يكون قدماء األمازيغ الذين انتزعت منهم األراضي هم الذين‬
‫كانوا يعملون باألرض سواء كعمال مسخرين أو كأجراء يوميني أو رقيقا والذين كانت‬

‫(‪ )130‬كاتون الكبري(‪548-584( :)Caton l’Ancien ou le Censeur‬ق‪.‬م) كاتب روماين معاصر ملاغون‬
‫القرطاجي نشر عددا من األعمال أمهها كتاب الفالحة (‪ )De Agri Cultura‬يراجع يف هذا اجملال‪:‬‬
‫‪-Martin (René) ,Recherches sur les agronomes latins ,Les Belles Lettres ,Paris 1971 ,‬‬
‫‪chap.IV.‬‬
‫(‪)131‬‬
‫جوليان (شارل أندري) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.555‬‬
‫(‪)132‬‬
‫‪Diodore de Sicile , XX ,I , 752.‬‬
‫)‪(133‬‬
‫‪Columelle, De l’économie rurale, traduit par Luis Du Bois, C.L.F.Panckoucke,‬‬
‫‪Paris 1844,I,I.‬‬
‫(‪)134‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N., T.IV , p46.‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪41‬‬

‫وضعيتهم دون شك مزرية (‪ ،)135‬وال يستبعد اقزال أن يكون بعض الليبيني من العمال‬
‫البسطاء مالكا لقطع أرضية صغرية جبوار قرطاج واملدن الساحلية الفينيقية األخرى(‪.)136‬‬

‫اشتهر القرطاجيون بزراعة األشجار املثمرة وعلى رأسها أشجار الزيتون و الكروم نظرا‬
‫ملالءمة مناخ املنطقة مع هذه الزراعة ‪ ،‬ويظهر التأثري البوين واضحا يف االنتشار الواسع‬
‫للمصطلح السامي"زيتون" الذي أطلقه الفينيقيون على هذه الشجرة‪ ،‬وكانت زراعة هذه‬
‫الشجرة واسعة يف جنوب قرطاج وجزيرة قرقنة حسب ما اخربنا به هريودوت(‪ ،)137‬كما الحظ‬
‫ديودور انتشار زراعتها بشبه جزيرة رأس بونة (‪ ،)138‬وقد سبق وان حتدثنا عن دور جيش حنبعل‬
‫يف توسيع هذه الزراعة ‪ ،‬ورغم هذه احلقائق الواضحة إال أن هناك من يرى أهنا مل تتجاوز إقليم‬
‫التل التونسي ولذلك كانت قرطاج تستورد الزيت من صقيلية ملدة طويلة(‪ . )139‬أما بالنسبة‬
‫للتطعيم فرغم أن بعض الباحثني يعتربونه ابتكارا فينيقيا (‪)140‬إال انه هناك عدة تأكيدات تربز‬
‫أن الرببر قد مارسوه قبل وصول الفينيقيني بكثري(‪.)141‬‬

‫وفق ما اخربنا به ديودور فان زراعة الكروم قد ازدهرت حول قرطاج وغرهبا (‪ ،)142‬أما‬
‫بلني فيخربنا بان بقايا أشجار النخيل والكروم كانت من خملفات الفينيقيني بالعرائش‬
‫(‪ )Lixos‬عند قدم جبال األطلس املغريب(‪ ،)143‬ولقد اشتهر القرطاجيون بإنتاج اخلمور اجليدة‬
‫وعرفوا باستهالكهم الكبري هلا مما اضطر احلكام إىل سن قانون مينع استهالكها على اجلنود‬
‫والعبيد وربات البيوت هنائيا باإلضافة إىل املسريين والقضاة أثناء أداء مهامهم(‪.)144‬‬

‫(‪)135‬‬
‫جوليان (شارل أندري) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.555‬‬
‫(‪)136‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N., T.IV , p46.‬‬
‫(‪)137‬‬
‫‪Hérodote ,IV , CXCV .‬‬
‫(‪)138‬‬
‫‪Diodore de Sicile , XX ,I , 752.‬‬
‫(‪)139‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N., T.IV , pp29-30.‬‬
‫(‪)140‬‬
‫مازيل (جان) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.595‬‬
‫(‪)141‬‬
‫انظر أعاله ص‪.55‬‬
‫(‪)142‬‬
‫‪Diodore de Sicile , XX ,I , 752.‬‬
‫(‪)143‬‬
‫‪Pline l’Ancien ,V,I .‬‬
‫(‪)144‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N.,T.IV , pp25-26.‬‬
‫‪42‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫كما اشتهر اإلقليم القرطاجي بزراعة أشجار التني وإنتاج أنواع جيدة منه وهذا ما‬
‫جعل كاتون يستعمل مثرة تني أفريقية ليربز ثراء ومنو قرطاج املتزايد وحيرض جملس الشيوخ على‬
‫تدمري قرطاج (‪ )145‬يف عبارته الشهرية(‪ ، )146‬وقد يكون الفنيقيون هم الذين حولوه إىل الغرب‬
‫وعلموا الرببر عملية التأبري رغم أن بعض الباحثني يستبعد ذلك (‪ ،)147‬ومن األشجار األخرى‬
‫اليت اهتم القرطاجيون بزراعتها النخيل الذي اخربنا بلني بان آثار زراعته موجودة باألطلس‬
‫املغريب وهو من بقايا الفينيقيني باملنطقة (‪ ،)148‬أما اقزال فريي أن ظهور هذه الشجرة على‬
‫النقود القرطاجية " ‪ " EX-VOTO‬دليل على أهنا كانت ذات أمهية عندهم(‪ ،)149‬ومل يكتف‬
‫القرطاجيون بزراعة هذه األنواع فقط بل اشتهروا أيضا بزراعة البقول واخلضروات خاصة‬
‫بضواحي قرطاج منها‪ :‬اخلرشف ‪ ،‬الثوم البونيقي ‪ ،‬اجللبان البونيقي والعدس البونيقي(‪.)150‬‬

‫باملقارنة مع األشجار املثمرة وتربية احليوانات فان القرطاجيني مل يهتموا كثريا بإنتاج‬
‫احلبوب ؛ فقد كانت األرياف البعيدة عن قرطاج هي اليت تتوىل عملية إنتاج القمح والشعري‬
‫بينما شكلت قرطاج واملدن الفنيقية األخرى مراكز استهالك له (‪ ،)151‬واعترب بوليب أن اجملال‬
‫الزراعي لقرطاج يغطي احتياجاهتا اليومية لكن الدولة القرطاجية تضطر يف حالة احلروب إىل‬
‫اعتماد موارد مناطق اللوبيني والنوميدين من اجل ضمان االحتياطي الضروري هلا ويف هذه‬
‫احلالة يفرضون على القبائل ضعف ما كانت تدفعه قبل ذلك (‪ ،)152‬أما اقزال فقد اعترب " أن‬

‫(‪)145‬‬
‫‪Pline l’Ancien , XV ,XX.‬‬
‫(‪)146‬‬
‫كان كاتون الكبري قد زار قرطاج يف مهمة دبلوماسية العام ‪ 558‬ق‪.‬م فأعجب بازدهارها ومنذئذ اختذ منها موقفا‬
‫عدائيا ‪ ،‬وكان خيتم كل خطاب يلقيه يف جملس الشيوخ الروماين بعبارة { ‪Et ceterum censeo Karthaginem‬‬
‫ومن جهة أخرى فاين أرى أن قرطاج ينبغي أن تدمر} اليت اختصرت إىل‪Delenda est {:‬‬ ‫‪esse deledam‬‬
‫‪ Karthago‬الدمار لقرطاج}‪.‬‬
‫(‪)147‬‬
‫كامبس (غابريال)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.551-559‬‬
‫(‪)148‬‬
‫‪Pline l’Ancien ,V,I .‬‬
‫(‪)149‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N.,T.IV , p34.‬‬
‫(‪)150‬‬
‫صفر (امحد)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.591‬‬
‫(‪)151‬‬
‫‪Reynier (L.) , Op. Cit., p 486.‬‬
‫(‪)152‬‬
‫‪Polybe , I , LXXI ,LXXII.‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪43‬‬

‫زراعة القمح والشعري هي قضية الليبيني أكثر مما هي مسألة القرطاجيني(‪ ")153‬ويري أن مناطق‬
‫تركز زراعته هي باجة (‪ )Béja‬وماطر (‪ )Mateur‬والسهول الكربى جملردة و مشال تونس و‬
‫السهول العليا الوسطي‪ ،‬ومن بني املظاهر اليت تربز إنتاج هذا النوع من احملاصيل هو العثور على‬
‫خمازن للقمح والشعري بأسوار قرطاج باإلضافة إىل إظهار النقود القرطاجية لرسومات سنابل‬
‫قمح عليها(‪ ،)154‬وكان القرطاجيون يستعملون لقلب األرض حمراثا سكته مثلثة الشكل وهو ما‬
‫تظهره النصب والنقود البونية (‪ ،)155‬ولعملية الدرس يستعملون عربة تعرف بالعربة البونيقية‬
‫(‪ )Plostellum Poenicum‬تتكون من قطعتني من خشب وعجلتني مسننتني صغريتني‬
‫من احلديد(‪.)156‬‬

‫ما يالحظ على الزراعة القرطاجية أهنا كانت تعتمد على أساليب متطورة وأهنا قائمة‬
‫على علم حقيقي هلا علماؤها وخرباؤها املتخصصون ‪ ،‬وما ذكرناه عن ثراء إقليم قرطاج وتنوع‬
‫إنتاجه يدل على اخلربة يف االستغالل واستعمال أساليب جديدة يف هذا اجملال قد يكون‬
‫بعضها منقوال من الشرق ‪ ،‬فهذا ما جعل هذه الزراعة تنال شهرة كبرية وإعجابا من املؤرخني‬
‫والباحثني من بينهم رينيي(‪ )L.Reynier‬الذي قال‪ ":‬لو خصصت يل إمكانيات لتطوير‬
‫زراعة القرطاجيني التبعت هنجهم"(‪.)157‬‬

‫(‪)153‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N., T.IV , p11.‬‬
‫(‪)154‬‬
‫صفر(امحد) ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.559‬‬
‫(‪)155‬‬
‫جوليان (شارل أندري) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.558‬‬
‫(‪)156‬‬
‫فرحايت (فتيحة) ‪ ،‬نوميديا من حكم الملك جايا إلى بداية االحتالل الروماني ‪202‬ق‪.‬م‪47-‬ق‪.‬م ( الحياة‬
‫السياسية والحضارية) ‪ ،‬منشورات أبيك ‪ ،‬مطبعة متيجة ‪ ،‬اجلزائر ‪5111‬م ‪ ،‬ص ‪.585‬‬
‫(‪)157‬‬
‫‪Reynier (L.) , Op. Cit., p 493.‬‬
‫‪44‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫‪ -IV‬التطور الزراعي في عهد الملوك النوميد‪:‬‬

‫يبدو أن اهتمام اجملموعات السكانية األمازيغية املتمركزة غريب قرطاج وجنوهبا برتبية‬
‫املواشي كان أكثر من اهتمامها بالزراعة ؛ فبوليب الذي زار بنفسه عدة مناطق بأفريقيا اندهش‬
‫من العدد الكبري لقطعان األغنام واملاعز واخليول واألبقار اليت الحظها هبذه املنطقة وجزم‬
‫بالقول أنه ال وجود ملثل هذا العدد الكبري من املواشي يف أي مكان من العامل وهذا راجع‬
‫حسبه إىل كون الشعوب األمازيغية يف املنطقة جتهل مقدار الفوائد اليت ستجنيها من الزراعة لو‬
‫هي اهتمت أكثر هبا وجعلت منها نشاطها األول(‪ ،)158‬أما سالوست فاخربنا بان النوميد‬
‫(‪ )159‬كانوا يفضلون أكثر ترك أراضيهم لتكون مراع لقطعاهنم من أن يزرعوها(‪ ، )160‬وهو ما‬
‫تفطن إليه األقليذ ماسينيسا الذي شهدت الزراعة النوميدية يف عهده تطورا وازدهارا ملحوظا‪،‬‬
‫أما قبل ذلك فقد كان نشاط الرعي والرتحال يطغى على منط احلياة لدى قبائل املنطقة ‪ ،‬ولعل‬
‫ذلك كله راجع إىل كون تربية املواشي اقل عناء وتكلفة من خدمة األرض اليت تستوجب عناية‬
‫وإمكانيات كبرية باإلضافة إىل ختوف الفالحيني من عمليات النهب اليت تعرض حماصيلهم‬
‫للتخريب والضياع عكس املواشي اليت يسهل نقلها ومحايتها من أخطار النهب يف حال وقوع‬
‫خطر ما(‪.)161‬‬

‫إذا كان هذا هو حال املناطق الداخلية واجلنوبية ‪ ،‬فان هذا ال ينفي أبدا وجود مناطق‬
‫للحياة املستقرة اليت مورست فيها الزراعة بصفة دائمة خاصة يف املناطق الشمالية قرب السواحل‬
‫حيث الشروط الضرورية متوفرة إلقامة زراعة مرحبة ‪ ،‬ومع ذلك فان البعض يريد أن يرجع ما‬

‫(‪)158‬‬
‫‪Polybe ,XII ,III.‬‬
‫(‪ )159‬حسب بلني فان مصطلح النوميد (‪ )Numides‬مشتق من البداوة (‪ )Numadas‬اليت تعين البداوة ‪ ،‬الن أفراد‬
‫هذا الشعب يغريون املراعي باستمرار ويلفون خيامهم داخل عربات النقل (‪ ، )Chariots‬انظر‪Pline l’Ancien, V :‬‬
‫‪ ، ,II.3.‬وقد ناقش كامبس هذا املصطلح وافرتاضات املؤرخني حوله ‪ ،‬انظر‪ :‬كامبس (غابريال)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‬
‫ص‪.591-595‬‬
‫(‪)160‬‬
‫‪Salluste , XC.‬‬
‫(‪)161‬‬
‫صفر(امحد) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪45‬‬

‫شهدته تلك املناطق من تطور زراعي إىل التأثري البوين(‪ )162‬؛ رغم أن العنصر األهلي هو الذي‬
‫ظل يزود قرطاج مبا حتتاجه من مؤن خاصة يف قروهنا األوىل وفرتات احلروب‪.‬‬

‫أشاد القدماء كثريا بثراء األراضي اليت تقع غرب اإلقليم القرطاجي ‪ ،‬فقد وصف‬
‫بوليب خصوبة أرضها باملدهشة (‪ ،)163‬أما اسرتابون فقد حتدث عن أمور عجيبة مبقاطعة‬
‫ماسيسيليا؛ فاألرض حسبه تغل مرتني يف السنة ؛ مرة يف الربيع وأخرى يف الصيف وعلو سوق‬
‫السنابل فيها حواىل مخسة أذرع (‪ )164‬وحجم حبة القمح مياثل حجم اخلنصر أما مردوديتها‬
‫فهي ‪ 551‬للواحدة‪ ،‬كما اخربنا نفس املؤرخ أيضا أن املاسيل ال يزرعون يف الربيع بل كانوا‬
‫يكتفون بتحريك الرتبة بواسطة حزمة من األغصان الشوكية ‪ ،‬والبذور اليت تكون قد سقطت‬
‫خالل مرحلة احلصاد تنتج حمصوال وافرا يف الصيف(‪.)165‬‬

‫أشار سالوست بدوره إىل أن إقليم ماسيسيليا أكثر ثراء مبنتوجات األرض وأكثر سكانا‬
‫من بالد ماسيليا ‪ ،166‬غري أن ما اخربنا به كل من سرتابون و سالوست قد لقي تعليقا ونقدا‬
‫من طرف الباحثني الذين استبعدوا أن تكون املنطقة الغربية أكثر ثراء من نظريهتا الشرقية ‪،‬‬
‫فبالد املاسيل مشهورة خبصوبة تربتها ووفرة حماصيلها ‪ ،‬وقد افرتض اقزال أن يكون املؤرخان قد‬
‫نقال املعلومة من نفس الكاتب وهو بوسيدونيوس(‪.)167( )Posidonius‬‬

‫(‪)162‬‬
‫كامبس (غابريال) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫(‪)163‬‬
‫‪Polybe , XII ,III.‬‬
‫(‪)164‬‬
‫مخسة أذرع (‪ )2 Coudées‬تعادل مرتين و‪ 51‬سنتيمرت‪.‬‬
‫(‪ )165‬يبدو أن هذه املعلومات اليت زودنا هبا سرتابون مبالغ فيها(‪ ،) Strabo , XVII , III , 11.‬وهو األمر الذي ملسه‬
‫بعض الباحثني من بينهم جوليان الذي عرب عن خشيته من أن تكون معلومات هذا اجلغرايف يف عمومها غري صحيحة‪،‬‬
‫انظر‪ :‬جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ .585‬ويف أمر أخر افرتض كامبس أن يكون احملراث الرببري البدائي‬
‫البسيط هو ما قصده سرتابون يف عبارته" حزمة من األغصان الشوكية" ‪ ،‬انظر‪ :‬كامبس(غابريال) ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬‬
‫ص‪.551‬‬
‫(‪)166‬‬
‫‪Salluste , XVI.‬‬
‫(‪)167‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N., T.V , p193.‬‬
‫‪46‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫كان ماسينيسا أكثر ملوك الرببر اهتماما مبجال الزراعة ‪ ،‬فقد اخذ نصيبا وافرا من‬
‫املدح عند املؤرخني القدامى الذين جمدوا سياسته الفالحية واجملهودات اليت بذهلا لتغيري األوضاع‬
‫السائدة بنوميديا ؛ فأعظم عمل قام به هذا امللك خالل فرتة حكمه حسب بوليب هو‬
‫استصالح األراضي الزراعية وجعلها تنتج خمتلف اخلريات فقد كان أول من اظهر بان ارض‬
‫نوميديا باستطاعتها إنتاج خمتلف احملاصيل وهي اليت كان ينظر إليها قبل ذلك بأهنا أرض غري‬
‫جمدية (‪ ،)168‬وال خيلو هذا الوصف من املبالغة ولعل الفكرة اليت أراد بوليب إبالغها هي أن‬
‫هذا امللك قد غرس يف رعاياه حب العمل وخدمة األرض وبني أن األرض األفريقية ال تصلح‬
‫فقط للرعي والرتحال‪.‬‬

‫ذكر سرتابون أن ماسينيسا قد حول النوميدين إىل فالحيني واجتماعيني(‪)169‬؛ فقد‬


‫غري هذا امللك عادات رعاياه تغيريا جذريا حيث نقلهم من البداوة إىل االستقرار ومن ممارسة‬
‫نشاط الرعي إىل ممارسة الزراعة وخدمة األرض ومن حالة العزلة والتوحش والفقر إىل احلياة‬
‫االجتماعية واحلضارة والغين(‪ ،)170‬ولعل ماسينيسا كان يرمي من وراء هذه السياسة إىل حتسني‬
‫دخل اململكة من الضرائب باعتبار أن املستقرين واحلضر عموما هم خري من يدفع الضرائب‬
‫عكس القبائل املتنقلة باستمرار اليت يصعب تعقبها وإحصاء ثرواهتا‪.‬‬

‫حىت وان كانت أحكام القدامى هذه مبالغ فيها بعض الشيء إال أن ذلك ال ينقص‬
‫من اجملهودات اليت قام هبا هذا امللك وفضله يف تطوير الزراعة بنوميديا ؛ فقد دفع رعاياه إىل‬
‫استصالح األراضي البور اليت مل تستغل قبل ذلك و زاد من املساحة املزروعة خاصة بعد توسعه‬
‫شرقا يف اإلقليم القرطاجي وضمه إلقليمي االمبوريا سنة ‪ 595‬قبل امليالد والسهول الكربى‬

‫(‪)168‬‬
‫‪Polybe , XXXVII ,III.‬‬
‫(‪)169‬‬
‫‪Strabo , XVII ,III ,15.‬‬
‫(‪)170‬‬
‫اميار (أندري) و ابوييه(جانني) ‪ ،‬تاريخ الحضارات العام ( روما وإمبراطوريتها ) ‪،‬ج‪ ، 5‬إشراف موريس كروزيه‬
‫ترمجة فريد م‪.‬داغر وفؤاد ج‪.‬أبو رحيان ‪ ،‬ط‪ ، 5‬منشورات عويدات‪ ،‬بريوت ‪-‬باريس ‪5899‬م ‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪47‬‬

‫(‪)171‬‬
‫وزاد من اإلنتاج الزراعي يف نوميديا زيادة كبرية حققت‬ ‫حوايل سنة ‪ 555‬قبل امليالد‬
‫الفائض الذي مسح بالتصدير‪.‬‬

‫ويذكر ديودور أن هذا امللك قد برع يف األشغال الفالحية وترك لكل واحد من أبنائه‬
‫عند وفاته عشرة آالف بالتري (‪ )172()Plèthre‬جمهزة بكل ما هو ضروري لالستغالل‬
‫الفالحي (‪ ،)173‬يظهر أن اإلمكانيات الزراعية اليت أورثها ماسينيسا ألبنائه كبرية خاصة إذا‬
‫علمنا أن ملاسينيسا حوايل أربعة وأربعني ولدا مل يبق منهم إال عشرة عند وفاته ‪،‬كما عمل‬
‫ماسينيسا الذي كان متأثرا باحلضارة اليونانية على تشجيع عبادة اآلهلة الفالحية اإلغريقية‬
‫دمييرت(‪ )Déméter‬وكرييس(‪ )Cereres‬أمال منه يف اإلنتاج الوفري وحرصا منه على تثبيت‬
‫اهتمام النوميد بالفالحة ‪ ،‬وما الكشف عن العديد من النقائش املتعلقة بآهليت الفالحة هذه يف‬
‫الديار النوميدية إال دليل على انتشار عبادهتا(‪.)174‬‬

‫لقد فهم ماسينيسا قبل وصول الرومان بكثري أن أسس ختليص النوميد من حياهتم‬
‫البدائية البائسة هو تغيري عاداهتم وربطهم باألرض ودفعهم للعيش يف جمموعات مستقرة‬
‫ومتعايشة مع بعضها البعض ما جعلها متيل إىل االستقرار وخدمة األرض األمر الذي تسبب يف‬

‫(‪)171‬‬
‫كامبس (غابريال)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.554‬‬
‫(‪ )172‬البالتري) ‪ (le pèlthre‬من الكلمة اإلغريقية (‪ )plethron‬وهي وحدة لقياس املساحة عند اإلغريق تعادل‬
‫‪ 51111‬قدم مربعة (‪8‬آر)‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪- Saglio (E.) et Daremberg(Ch.), Dictionnaire des Antiquités Grecques et Romaines‬‬
‫‪(D.A.G.R), (5tome et 9 volumes)T.IV ,1ere partie ,éditions hachette ,paris1873-1919 ,‬‬
‫‪p510.‬‬
‫وباملرت املربع يعادل البالتري ‪ 914‬مرتا مربعا ‪ ،‬ومنه فان مساحة كل دومان هو‪ 914‬هكتارا‪.‬‬
‫(‪)173‬‬
‫‪Diodore de Sicile , XXXII, III.‬‬
‫(‪)174‬‬
‫كامبس (غابريال)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.515-599‬؛ فنطر(حممد) ‪ ،‬يوغرطة (من ملوك شمال أفريقيا‬
‫وأبطالها )‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪5811 ،‬م‪ ،‬ص ص ‪.511-88‬‬
‫‪48‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫(‪)175‬‬
‫باملنطقة سرعان ما حتولت اململكة بسببه إىل مزار للتجار‬ ‫إحداث " انقالب اقتصادي"‬
‫ومموال رئيسيا لروما بالقمح والشعري‪.‬‬

‫يري كامبس أن زراعة الشعري مباسيليا كانت أوسع من زراعة القمح قبل سيطرة‬
‫ماسينسا على االمبوريا والسهول الكربى أواخر فرتة حكمه ‪ ،‬وذلك نظرا لكون الرتبة هبا خفيفة‬
‫تصلح أكثر لزراعة الشعري (‪ ،)176‬وقد كان تصدير القمح والشعري يف عهد ماسينيسا مصدر‬
‫الدخل الرئيسي للمملكة حيث قدر كامبس اعتمادا على تيت‪-‬ليف (‪) Tite-Live‬‬
‫الكميات اليت زود هبا ماسينيسا الرومان كما يلي(‪:)177‬‬

‫الوج ه ة‬ ‫كمية الشعير‬ ‫كمية القمح‬ ‫السنة‬

‫اجليش الروماين املعسكر مبقدونيا‪.‬‬ ‫‪ 51511‬قنطار‬ ‫‪ 54111‬قنطار‬ ‫‪ 511‬ق‪.‬م‬

‫اجليش الروماين املعسكر باليونان‪.‬‬ ‫‪ 54111‬قنطار‬ ‫‪ 589‬ق‪.‬م‬

‫إىل روما واليونان‬ ‫‪ 59811‬قنطار‬ ‫‪ 59111‬قنطار‬ ‫‪ 585‬ق‪.‬م‬

‫جيش مقدونيا‬ ‫‪ 11111‬قنطار‬ ‫‪ 511‬ق‪.‬م‬

‫مل تكن فرتة حكم امللك ماسينيسا الفرتة الوحيدة اليت ازدهرت فيها أفريقيا بل تواصل‬
‫ذلك خالل فرتة حكم خلفائه ‪ ،‬فقد أشار سالوست إىل ازدهار الزراعة يف جزء كبري من‬
‫نوميديا (‪ ،)178‬ونفس املؤرخ اخربنا بان القائد الروماين متلوس (‪ ) Metellus‬عندما زحف‬

‫(‪)175‬‬
‫جوليان (شارل أندري) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.585‬‬
‫(‪)176‬‬
‫كامبس (غابريال) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.548‬‬
‫(‪)177‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص ص ‪.548-545‬‬
‫(‪)178‬‬
‫‪Salluste , XVI , XVII , XXIX, XLVI, XLVIII.‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪49‬‬

‫انطالقا من مقاطعة أفريقيا الرومانية وتوغل يف أراضي اململكة النوميدية التقى مبزارعني يف طريقه‬
‫استقبلوه ومنحوه هدايا من القمح(‪.)179‬‬

‫واستمرت أفريقيا على هذا احلال من االزدهار زمن يوبا األول ‪ ،‬فرغم أن نص احلرب‬
‫األفريقية قد اهتم بالوقائع العسكرية إال انه وردت خالله عدة إشارات إىل القمح األفريقي‬
‫(‪ ،)180‬كما اخربنا كاتبه أن قيصرا قد أخرب بعادات األفارقة يف ختزين حبوهبم داخل مطامري يف‬
‫احلقول واألرياف لوضعها يف مأمن من غارات العدو فأرسل فرسانه على بعد مسافة ‪ 51‬أميال‬
‫من معسكره للبحث عن القمح فعادوا بعد مدة حمملني به(‪ ،)181‬ومن جهة اخرى فقد دل‬
‫إحلاح الثائرين خالل الفرتة الرومانية على اسرتجاع أراضيهم على اهتمام الرببر بالزراعة‬
‫ومتسكهم باألرض ونذكر منها احتجاجات قبائل املوسوالم بقيادة تاكفاريناس (‪ )54-51‬م‬
‫اليت كان هدفها اسرتجاع أراضيهم اليت توسع الرومان على حساهبا (‪.)182‬‬

‫إىل جانب ما أخربتنا به النصوص فقد دلت الصور املنقوشة على نقود امللوك على‬
‫الثراء الزراعي وأمهية الزراعة لديهم ‪ ،‬فقد حرص معظمهم على نقش رسم السنبلة على نقودهم‬
‫مثل عملة ماسينيسا اليت تظهر فيها سنبلة قمح أسفلها وعنقود عنب أعالها(‪ )183‬وعملة‬
‫بوكوس ويوبا الثاين وبطليموس (‪ )Ptolémée‬ونقود سريتا واملدن الساحلية املوريتانية‪ ...‬اليت‬
‫تظهر كلها سنابل القمح(‪.)184‬‬

‫(‪)179‬‬
‫‪Salluste , XLVI.‬‬
‫(‪ )180‬قيصر(يوليوس) ‪ ،‬حرب افريقية (‪ 47-46‬ق‪.‬م)‪ ،‬ترمجة حممد اهلادي حارش ‪ ،‬دار هومة ‪،‬اجلزائر‪،‬‬
‫الفقرات‪.LXXV ،LXVIII ،LXV ،XLIII ،XXXVI ،XXXIV:‬‬
‫(‪ )181‬نفسه‪. LXV ،‬‬
‫(‪)182‬‬
‫‪Lassére (J-M.), un conflit routier : observations sur les causes de la guerre de‬‬
‫‪Tacfarinas, in : An.Af., N°18,1982,p12.‬‬
‫(‪)183‬‬
‫الصورة والوصف ‪ ،‬انظر ‪ :‬قداش (حمفوظ) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.518‬‬
‫( ‪)184‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N., T.V , p190.‬‬
‫‪50‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫أما فيما خيص الزيتون الذي أكدت خمتلف الشواهد على قدم زراعته يف بالد الرببر‬
‫وعلى معرفة قدماء األمازيغ للتطعيم قبل جميء الفينيقيني بزمن بعيد ؛ فقد ورد يف نص احلرب‬
‫األفريقية ذكر لغابة مغطاة بالزيتون(‪ ،)185‬كما أشار بلني إىل زراعة الزيتون يف ناحية قابس‬
‫(‪ )Tacape‬اليت تقع على حدود الصحراء جنوبا يف جهة السريت و لبتيس الكربى ( ‪la‬‬
‫‪.)186( )grande Leptis‬‬

‫وقد أظهرت نقود ماسينيسا ونقود مدن ليكسوس (‪ ) Lixus‬وسال (‪)Salé‬‬


‫رسومات لعناقيد عنب (‪ ،)187‬واخربنا سرتابون من جهته عن الكروم العمالقة مبوريتانيا اليت‬
‫بالكاد ال يقوي على محلها شخصان(‪ ،)188‬كما اعتىن قدماء األمازيغ بغرس أشجار التني‬
‫وأحبوا مثرهتا وقد أكد بلني أن التني اإلفريقي كان ذا نوعية جيدة وهو مفضل لدي‬
‫اجلميع(‪ ،)189‬وذكر أيضا أن التمور األفريقية رطبة لكنها تفقد خصائصها حسبه بسرعة(‪،)190‬‬
‫وقد اهتم قدماء األمازيغ ايضا بزراعة خمتلف أنواع البقول واخلضراوات ‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق مبلكية األرض وطرق االستغالل السائدة يف تلك الفرتة ‪ ،‬فان‬
‫النصوص مل ختربنا عن تفاصيلها وكل ما قيل حول هذا املوضوع مل يتعد جمال االفرتاضات ‪،‬‬
‫حيث ال نزال جنهل نظام امللكية السائد بالضبط خاصة باملناطق الشمالية اليت تبدو فيها ملكية‬
‫األرض أكثر تعقيدا عكس املناطق اجلنوبية أين ميكن قبول واعتماد فكرة مشاعية األراضي‬
‫الرعوية بني أفراد القبيلة‪.‬‬

‫أما يف املناطق املستقرة اليت متارس فيها الزراعة فقد تصور اقزال(‪ )191‬أن هبا أنظمة‬
‫متعددة للملكية واالستغالل ‪ :‬فاألفراد املشكلون لتجمع قروي ملكيتهم لألرض مجاعية‬
‫(‪)185‬‬
‫قيصر(يوليوس) ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬الفقرة ‪.L‬‬
‫(‪)186‬‬
‫‪Pline l’Ancien , XVIII , LI.22.‬‬
‫(‪)187‬‬
‫فرحايت (فتيحة) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.545‬‬
‫(‪)188‬‬
‫‪Strabo ,XVII , III, 4.‬‬
‫(‪)189‬‬
‫‪Pline l’Ancien , XV ,XIX.18.‬‬
‫(‪)190‬‬
‫‪Ibid. , XIII , VI.4.‬‬
‫(‪)191‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N., T.V , pp206-207.‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪51‬‬

‫واستغالهلا مشرتك بينهم تقتسم فيها العائالت احملاصيل حسب عدد األفراد الذين يستلزم‬
‫إعالتهم ‪ ،‬أما النمط اآلخر فيتمثل يف االشرتاك يف ملكية األرض بني أفراد القبيلة لكن األرض‬
‫توزع بني العائالت الستغالهلا بصفة مؤقتة وملدة زمنية حمددة ‪ ،‬أما االفرتاض األخري فهو ملكية‬
‫األفراد أو العائالت لقطع أرضية ملكية خاصة بعد أن يقوموا باستصالحها وهلم احلق يف‬
‫توريثها للخلفاء‪.‬‬

‫أما األمالك امللكية اليت تكونت خالل عهد امللوك النوميد فان ظروف تشكلها ال‬
‫تزال جمهولة وان كان البعض يريد أن جيعل مما يسمونه توسعات امللك ماسينيسا على حساب‬
‫ماسيسيليا غربا واإلقليم القرطاجي شرقا عامال يف اتساعها ‪ ،‬وقد اخربنا ديودور أن األقليذ قد‬
‫ترك لكل واحد من أبنائه عشرة آالف بالتري من األراضي الصاحلة للزراعة (‪ ،)192‬وافرتض‬
‫الباحثون أن تكون أمساء املدن و املناطق اليت حتمل عبارة رجييا (‪ ) Regiae‬اليت تعين (ملكية)‬
‫كصفة لصيقة بامسها مثل‪ :‬زاما رجييا‪ ،‬بولة رجييا‪ ،‬هيبو رجييوس‪ ...‬جزءا من الدومان امللكي أو‬
‫جزءا من أمالك امللك اخلاصة اليت تكون قد ضمت حديثا إىل اململكة النوميدية(‪.)193‬‬

‫إن وفرة إنتاج القمح خالل العهد النوميدي قد جعل من فالحيها يشيدون خمازن‬
‫آمنة حلفظه‪ ،‬فقد اخربنا سالوست عن تشييد الفالحني األمازيغ ملخازن حيفظون هبا إنتاجهم‬
‫من غارات حمتملة(‪ ،)194‬حيرص هؤالء على حفرها على شكل دهاليز يف أماكن بعيدة يصعب‬
‫اكتشافها‪ ،‬أما خبصوص طحن احلبوب فقد استعمل قدماء األمازيغ يف البداية مهراسا من‬
‫حجر أو خشب‪ ،‬لكن مبرور الوقت عرفت تقنيات الطحن تطورا حيث مت اعتماد الطاحونة‬
‫احلجرية(‪ ،)195‬وهي عبارة عن اسطوانتني حجريتني توضع إحدامها على األخرى‪ ،‬حبيث تكون‬
‫االسطوانة السفلية مزودة مبشحذ ثابت واالسطوانة العلوية هبا جتويف تصب فيها احلبوب لتصل‬
‫(‪)192‬‬
‫‪Diodore de Sicile , XXXII, III.‬‬
‫(‪)193‬‬
‫كامبس (غابريال) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.551‬‬
‫(‪)194‬‬
‫‪Salluste , XC.‬‬
‫(‪)195‬‬
‫حارش(حممد اهلادي)‪ ،‬التطور السياسي واالقتصادي في نوميديا منذ اعتالء ماسينيسا العرش إلى وفاة يوبا‬
‫األول(‪47-212‬ق‪.‬م)‪ ،‬دار هومة‪ ،‬اجلزائر‪،5889‬ص ص‪.515-514‬‬
‫‪52‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫إىل مابني االسطوانتني‪ ،‬ويتسبب احتكاكهما أثناء حتريك االسطوانة العلوية يف تفتت احلبوب‬
‫لتنتج طحينا‪ ،‬وال تزال هذه الطاحونة مستعملة عند الكثريين إىل غاية اليوم‪(.‬انظر أدناه‬
‫الشكل(‪ )5‬ص‪)58‬‬

‫وقد اهتم امللوك النوميد أيضا بتحصيل الضرائب اليت تصرف عائداهتا يف تسيري شؤون‬
‫اململكة ‪ ،‬فقد اخربنا سرتابون أن ملوك البالد كانوا يصدرون كل عام أمرا يقضي بإحصاء‬
‫اخليل(‪ ،)196‬أما طريقة الدفع فقد كانت هذه الضرائب تدفع عينا يف األرياف الزراعية(حبوب‬
‫ومواشي) وهو ما يفسر لنا الكميات الكبرية اليت يصدرها امللوك النوميد اليت كان مصدرها دون‬
‫شك الضرائب ‪ ،‬أما يف املدن فقد كانت تدفع نقدا مثلما كانت تفعل مدن السريت يف عهد‬
‫ماسينيسا(‪.)197‬‬

‫وعن األسباب اليت سامهت يف تنوع واستمرارية االزدهار الزراعي الذي شهدته نوميديا‬
‫على امتداد هذه املرحلة يرى البعض أن طول فرتة حكم معظم امللوك (ماسينيسا حواىل‪55‬‬
‫سنة‪ ،‬مكوسان حواىل‪ 81‬سنة ‪ ،‬ميبسال الثاين حواىل‪ 81‬سنة‪ )...‬قد خلف استقرارا سياسيا‬
‫ما انعكس على اجلانب االقتصادي (‪ ،)198‬باإلضافة إىل فتح األبواب أمام التجارة اخلارجية‬
‫بعد زوال االحتكار القرطاجي األمر الذي شجع امللوك احملليني والفالحني على إنتاج كميات‬
‫كبرية تليب احلاجيات احمللية وتسمح بالتصدير‪.‬‬

‫(‪)196‬‬
‫‪Strabo , XVII , III, 19.‬‬
‫(‪)197‬‬
‫حارش (حممد اهلادي) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.555‬‬
‫(‪)198‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ص‪.555‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪53‬‬

‫الشكل(‪ :)5‬رحى حجرية لطحن الحبوب‪.‬‬

‫الشكل ( ‪ ( 5‬مكرر‪ :‬مطحنة من الفترة الرومانية عثر عليها في رمضان جمال (سكيكدة)‬

‫المصدر ‪ :‬عقون(م‪.‬ع) ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39‬‬


‫‪54‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫‪ -V‬دور فترة ما قبل الرومان في تهيئة قاعدة االزدهار الزراعي خالل الفترة الرومانية‪:‬‬

‫درج املؤرخون القدامى والباحثون األجانب يف تاريخ أفريقيا القدمي على نسب كل‬
‫األعمال اجلليلة اليت عرفتها أفريقيا خالل تلك الفرتة إىل الوافدين األجانب ‪ ،‬فإذا مل تكن هذه‬
‫األعمال حسبهم رومانية فهي فينيقية ‪ ،‬وعملوا منذ فرتات طويلة على نفي مسامهة الشعوب‬
‫احمللية يف احلضارة اليت عرفتها هذه املنطقة ‪ ،‬وظل هؤالء يرددون صفيت "البدائية" و"الوحشية"‬
‫كصفتني لصيقتني هبذه الشعوب اليت كان منط حياهتا حسبهم ال يتعدى الرعي والرتحال‬
‫واستهالك النباتات الربية "كالقطعان"(‪.)199‬‬

‫مثلت الفرتة الرومانية الفرتة اليت شهدت فيها إفريقيا منوا وازدهارا منقطع النظري يف‬
‫خمتلف اجلوانب ‪ ،‬ويظهر ذلك أكثر يف اجلانب الزراعي حيث أطلق على أفريقيا يف تلك‬
‫املرحلة لقب "أهراء روما" نظرا لتوسع الزراعة ومنو املستثمرات فيها واليت وصلت إىل حدود‬
‫الصحراء جنوبا‪ ،‬وال شك أن هذا االزدهار قد سامهت فيه عدة عوامل ينسبها اغلب املؤرخني‬
‫إىل ما بعد االحتالل على رأسها "السلم الروماين" الذي فرضته روما بني القبائل ويهملون دور‬
‫الفرتة اليت سبقت االحتالل ومسامهتها يف ذلك ‪ ،‬ومن حقنا هنا أن نتساءل عما إذا كان كل‬
‫ذلك فضال رومانيا ومعجزة من صنعهم أم أن أفريقيا قبل االحتالل هي اليت هيئت األوضاع‬
‫هلذا االزدهار والنمو؟‬

‫إن إمكانيات أفريقيا الطبيعية هي اليت أسالت لعاب كاتون الذي جعل من مثرة تني‬
‫أفريقية رمزا لتحريض جملس الشيوخ الروماين على تدمري قرطاج(‪ )200‬فباإلضافة إىل التفوق‬
‫البحري واملنافسة القرطاجية اليت أقلقت الرومان حز يف نفسه أن تنتج قرطاج هذه اخلريات‬
‫النباتية كلها وتستفيد من ثراء األرض األفريقية بينما تعجز روما عن ذلك ‪ ،‬لقد اخربنا القدامى‬
‫عن الرتبة اخلصبة اليت يتميز هبا بعض األقاليم فقد أعجب هريودوت(‪ )201‬كثريا بالرتبة السوداء‬

‫(‪)199‬‬
‫‪Salluste, XVIII.‬‬
‫(‪)200‬‬
‫‪Pline l’Ancien , XV ,XX .‬‬
‫(‪)201‬‬
‫‪Hérodote , IV , CXCVIII .‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪55‬‬

‫اليت يتميز هبا إقليم الكينوبس(‪ )Cinyps‬وأشاد مبردودية البذور فيها ونفس الشيء أشار إليه‬
‫بلني فيما خيص إقليم املزاق )‪ (Byzacium‬الذي قال بشان تربته أهنا ذات خصوبة نادرة‬
‫(‪ ،)202‬فطبيعة األرض األفريقية خصبة وجتود مبختلف احملاصيل وهي اليت جعلت من الزراعة‬
‫القرطاجية تكتسب شهرة كبرية رغم أن اهتمام القرطاجني األول هو التجارة واإلحبار‪،‬‬
‫فاألرض اليت كانت ذات مرة عامال أساسيا يف ازدهار قرطاج خبصوبتها وإنتاجها ملختلف‬
‫اخلريات هي اليت ستكون سببا يف تطور الزراعة الرومانية بعد ذلك‪.‬‬

‫يتمتع الشمال األفريقي بنفس اخلصائص الطبيعية واملناخية اليت متيز باقي بلدان‬
‫حوض البحر املتوسط مما ساهم يف تنوع احملاصيل اليت كان ينتجها ؛ فقد أبرز اسطيفان اقزال‬
‫باالعتماد على عدة شواهد وأدلة أن مناخ مشال أفريقيا القدمي هو مناخ مماثل ومشابه للمناخ‬
‫السائد يف أيامنا هذه (‪ ،)203‬فإذا اعتمدنا على استنتاج اسطيفان اقزال فان أفريقيا كانت تنتج‬
‫حماصيل املنطقة املعتدلة قرب السواحل وحماصيل البيئة الصحراوية احلارة جنوبا(التمور) وهو ما‬
‫توافق عليه النصوص اليت أخربتنا بتنوع اإلنتاج مشاال من حبوب وأشجار مثمرة وبقول‬
‫وخضروات وإنتاج للتمور يف الصحراء اجلنوبية كما اخربنا به هريودوت(‪.)204‬‬

‫بدأت البحوث احلديثة تزيل الغطاء عن العديد من القضايا اليت كانت إىل عهد‬
‫قريب من ثوابت تاريخ املنطقة ؛ فقد أزال علم اآلثار الغطاء عن العديد من املنشآت اليت‬
‫تعود إىل زمن ابعد بكثري من الفرتة الرومانية مثلما اشرنا سابقا إىل التهيئة الزراعية القدمية لدوار‬
‫تازبنت (جنوب غرب تبسة) اليت أظهرت نوعا من أنواع تنظيم اجملال رغم بساطته‪.‬‬

‫ومن جهة أخري أبدى عدة باحثني حتفظهم من نسب كل األعمال املتعلقة بالتهيئة‬
‫والتنظيم الزراعي إىل الفرتة الرومانية‪ ،‬فقد أكد شوفاليي(‪ )Chevallier‬بان "املنشآت‬

‫(‪)202‬‬
‫‪Pline l’Ancien, V, III.4 et XVII , III.5.‬‬
‫(‪)203‬‬
‫‪Gsell (St.) ,H.A.A.N.,T.I ,pp40-99.;Ibid.,le climat de l’Afrique du Nord dans‬‬
‫‪l’antiquité , R.Af , Année1911, pp343-410.‬‬
‫(‪)204‬‬
‫‪Hérodote , IV , CLXXII et CLXXXII .‬‬
‫‪56‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫اهليدروغرافية اليت نظمتها روما هي ذات أصل حملي"(‪ .)205‬وأكد جان ديبوا (‪)J.Depois‬‬
‫من جهته أن زراعة املدرجات بأفريقيا هي زراعة مرتبطة حبضارة ريفية بربرية ‪ ،‬ويف هذا السياق‬
‫يقول متأثرا بالعبارة الشهرية لسطيفان اقزال ‪" :‬إن الرببر بالتأكيد مل ينتظروا الرومان لكي يقوموا‬
‫بزراعة املدرجات واالستعمال األمثل للمياه الضرورية للزراعة(‪. ")206‬‬

‫أما لوفو (‪ )Leveau‬فقد رفض مسألة إرجاع كل الفضل للرومان يف تطوير الزراعة‬
‫بشمال أفريقيا فقد أكد بان الزراعة الرومانية قد قامت على أعمال هتيئة افريقية سابقة‬
‫الحتالهلم بكثري حيث يقول‪" :‬يظهر بان الزراعة الرومانية قد طورت على أراض كانت مهيأة‬
‫يف الفرتة ما بني النيوليثي والفرتة الرومانية بينما ظهرت الفرتة الرومانية كفرتة استقرار‬
‫وتوسع(‪ ،")207‬أما اقزال فقد اعترب أن عملية إزالة األعشاب الضارة واألشجار الربية غري املنتجة‬
‫من احلقول لتهيئتها للزراعة وهي العملية اليت قام هبا عدة أجيال من األفارقة قد هيأت بشكل‬
‫غامض ازدهار أفريقيا الرومانية(‪ ،)208‬ونفس املؤرخ أكد أن الرومان قد وجدوا أفريقيا يف حالة‬
‫جيدة أحسن مما وجدها عليه نظراؤهم الفرنسيون بعد ذلك بقرون ‪ ،‬لكنه يف املقابل ال يهمل‬
‫توفر عوامل االزدهار خالل عهد اإلمرباطورية اليت سامهت يف حتقيق التطور(‪.)209‬‬

‫تكشف املقارنة بني السياسة اليت انتهجها ماسينيسا يف اجملال الزراعي والسياسة اليت‬
‫انتهجها الرومان بعده يف هذا اجملال عن وجود تطابق يف طريقة تعامل الطرفني مع القبائل‬
‫البدوية املرحتلة ‪ ،‬حيث اعترب اجلانبان استمرارها يف منط حياهتا هذا عامال معيقا لعملية التوسع‬
‫والتطور الزراعي ‪ ،‬وهلذا فقد فكر كالمها يف توطني هذه القبائل وتغيري عاداهتا وتشجيعها على‬

‫(‪)205‬‬
‫‪Chevalier (R.) ,La Centuriation Romaine et la mise en valeur des sols dans la‬‬
‫‪province d’Afrique , l’inform.Géogr, 22éme Année ,Septembre- Octobre 1958,pp149-154.‬‬
‫(‪)206‬‬
‫‪Despois (J.), Op. Cit., p 49.‬‬
‫(‪)207‬‬
‫‪Leveau (Philippe), Occupation du sol, Géo systèmes et systèmes sociaux , Rome et‬‬
‫‪ses ennemis des montagnes et du désert dans le Magrib antique , in : E.S.C ,41éme‬‬
‫‪Année , N °6 ,1986 ,p1355.‬‬
‫(‪)208‬‬
‫‪Gsell (St.) , H.A.A.N., T.V, p 189.‬‬
‫(‪)209‬‬
‫‪Gsell (St.),grandeur et décadence de Rome en Afrique,(texte, rédigé par Gsell,‬‬
‫‪d'une conférence qu'il devait faire à Louvain dans l'hiver 1931-32), Le‬‬
‫‪Correspondant,1933, p8.‬‬
‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬ ‫‪57‬‬

‫االستقرار وممارسة الزراعة وسعى كالمها إىل توفري األمن بني القبائل باعتباره شرطا أساسيا‬
‫لتحقيق التوسع الزراعي ‪ ،‬ولعل تشابه السياسة اليت انتهجها الطرفان يف هذا اجملال إمنا يوحي‬
‫إىل أن الرومان قد قاموا باستنساخ جتربة ماسينيسا يف هذا اجملال أو على األقل استفادوا منها‬
‫خاصة وان ماسينيسا كان أول من فكر يف ربط النوميد باألرض وقد يكون احلكام الرومان قد‬
‫تأثروا بأفكار ماسينيسا خاصة وأهنم كانوا على اطالع واسع بسياسته يف مملكته ‪ ،‬مع الفارق‬
‫الكبري طبعا بني ملك يسعى إىل تطوير بلده وإدارة استعمارية تستعمل البطش واغتصاب‬
‫األرض أسلوبا هلا يف التعامل مع العنصر األهلي‪.‬‬

‫لقد سيطر كبار املالك الرومان على األراضي واملستثمرات الزراعية الشاسعة واستغلوها‬
‫استغالال واسعا ولكن الفضل الكبري يف ازدهار هذه املستثمرات إمنا يعود إىل السكان األفارقة‬
‫احملليني الذين استغلهم وسخرهم هؤالء املالك للقيام خبدمة األرض سواء كعبيد أو كعمال‬
‫أجراء أو كمستأجرين لألرض ‪ ،‬فقد كانوا مرتبطني باألرض بصفة مباشرة عكس املالك الذين‬
‫يقومون بتأجري أراضيهم يف اغلب األحيان أو يكلفون مساعدين هلم لتسيري شؤون ملكياهتم‬
‫الزراعية ‪ ،‬ويرى جوليان أن االستعمار الروماين ينبغي أن يفهم منه أن روما قد قامت بتهدئة‬
‫بالد الرببر وتنظيمها لكن األهايل هم الذين هنضوا بالعمل احلقيقي(‪.)210‬‬

‫مل يستفد الرومان يف تطويرهم للزراعة بأفريقيا من خصوبة أراضي املنطقة ومن اخلربات‬
‫واليد العاملة األفريقية فقط بل تعدى جمال استفادهتم إىل اجملال العلمي ونقصد بذلك موسوعة‬
‫ماغون الفالحية اليت اعتربها البعض من أهم غنائم احلرب الرومانية على قرطاج (‪،)211‬‬
‫فحسب رواية بلني(‪ )212‬فان جملس الشيوخ الروماين قد قام بعد سقوط قرطاج بإهداء مكتباهتا‬
‫للملوك األفارقة لكنه قرر بصفة استثنائية االحتفاظ بكتب ماغون الثمانية والعشرون وترمجتها‬

‫(‪)210‬‬
‫جوليان (شارل أندري) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.515‬‬
‫(‪)211‬‬
‫بورونية (الشاذيل) و الطاهر(حممد) ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.541‬‬
‫(‪)212‬‬
‫‪Pline l’Ancien, XVIII , V.‬‬
‫‪58‬‬ ‫الفصل األول‪ /‬الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬

‫إىل الالتينية لالستفادة منها يف تطوير الزراعة الرومانية رغم أن كاتون املعاصر له قد سبق وان‬
‫نشر مؤلفات مماثلة يف هذا اجملال‪.‬‬

‫إن الفضل الكبري يف تطوير الزراعة الرومانية ابتداء من منتصف القرن الثاين قبل امليالد‬
‫إمنا يعود إىل هذه املوسوعة اليت تضمنت نصائح وتوجيهات وشرح ملختلف الطرق واألساليب‬
‫الزراعية اليت تتالءم والطبيعة األفريقية‪ ،‬ومل يكن تأثري هذه املوسوعة مقتصرا على الزراعة الرومانية‬
‫بأفريقيا فقط بل سامهت أفكار ماغون أيضا – اليت هي يف األصل مجع للخربات األفريقية‪ -‬يف‬
‫تطوير الزراعة االيطالية ‪ ،‬فقد أكد هرغون) ‪ (Heurgon‬أن ترمجة موسوعة ماغون إىل‬
‫الالتينية هلا عالقة كبرية بتطوير الزراعة االيطالية خالل النصف الثاين من القرن الثاين‬
‫ق‪.‬م(‪ ،)213‬أما الكروا )‪ (Lacroix‬فقد قال يف هذا األمر بان ‪ " :‬ليبيا القدمية هي اليت بينت‬
‫لآلخرين املنافسني هلا كيف جيعلون أراضيهم أكثر مردودية"(‪.)214‬‬

‫إن إمكانيات أفريقيا واجنازات سكاهنا خالل الفرتة اليت سبقت تدمري قرطاج والفرتة‬
‫اليت سبقت إنشاء الرومان ملقاطعة أفريقيا اجلديدة )‪ (Africa Nova‬هي اليت شكلت قاعدة‬
‫لالزدهار االقتصادي الروماين ومهدت الطريق هلم للتوسع يف االستغالل الزراعي ‪ ،‬فقد كانت‬
‫منشآت الري واألراضي املستصلحة املنطلق الذي انطلق منه الرومان يف عملية استغالهلم‬
‫لألرض الزراعية األفريقية ‪ ،‬لكن من جهة أخرى ال جيب أن ننكر الدور الروماين يف تنظيم‬
‫األراضي)‪ (Centuriation‬وسن القوانني اليت تنظم االستغالل الزراعي وجتنيد خرباء‬
‫ومهندسني إلنشاء قنوات املياه وبناء السدود اليت ال تزال بعض أثارها شاهدة على ذلك ‪،‬‬
‫ولعل أجل عمل قام به هؤالء يف هذا اجملال – مبسامهة من األفارقة‪ -‬هو الدفع بالزراعة جنوبا‬
‫أين وصلت إىل حدود الصحراء وانتشرت يف مناطق هي يف أيامنا هذه أراض جافة وقاحلة‬
‫وهي الظاهرة اليت سنعاجلها يف العناصر الالحقة‪.‬‬

‫(‪)213‬‬
‫‪Heurgon (Jacques) , l’agronome carthaginois Magon et ses traducteurs en latin et‬‬
‫‪en grec , in : C.R.A.I.,120 éme Année ,N°3 ,1976, p454.‬‬
‫(‪)214‬‬
‫‪Lacroix (F.) , Afrique Ancienne (procédés agricoles) , R.Af , Année 1870, p17.‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‬
‫التنظيمات ووسائل اإلنتاج‬
‫‪ .V‬نظام مسح األراضي‪:‬‬
‫‪ 1-I‬الكنترة‪.‬‬
‫‪ 1-1-I‬الكاردو والديكومانوس‪.‬‬
‫‪ 2-1-I‬الحدود بين الوحدات الكنتورية‪.‬‬
‫‪ 2-I‬تصنيف األراضي غير المكنترة ‪.‬‬
‫‪ 3-I‬تطور الكنترة األفريقية ‪.‬‬
‫‪ 4-I‬أهداف الكنترة ‪.‬‬
‫التشريعات الزراعية األفريقية‪:‬‬ ‫‪.VI‬‬
‫‪ 1- II‬النصوص األثرية "القانونية" المتعلقة بتنظيم الزراعة األفريقية‪.‬‬
‫‪ 2-II‬قانون مانكيانا وقانون هادريان على ضوء االكتشافات األثرية‪.‬‬
‫‪ 3-II‬بعض بنود التشريعات الفالحية األفريقية‪.‬‬
‫‪ 4-II‬أثر التشريعات الرومانية على التطور الزراعي بأفريقيا‪.‬‬
‫‪ .VII‬نظام الري الزراعي‪:‬‬
‫‪ 1-III‬منشآت الري‪:‬‬
‫‪ 1-1-III‬منشآت التجميع‪.‬‬
‫‪ 2-1-III‬قنوات التوزيع‪.‬‬
‫‪ 2-III‬نظام الري في المصبا (‪.)Lamasba‬‬
‫منظومة االستغالل الزراعي‪:‬‬ ‫‪.VIII‬‬
‫‪ 1-IV‬وسائل اإلنتاج ‪:‬‬
‫‪ 1-1-IV‬األرض‪.‬‬
‫‪ 2-1-IV‬أشكال الملكية‪.‬‬
‫‪ 3-1-IV‬نظام االستغالل واإلنتاج‪.‬‬
‫‪ 4-1-IV‬العمال واإلدارة المسيرة‪.‬‬
‫‪ 2-IV‬المستثمرات الزراعية ‪:‬‬
‫‪ 1-2-IV‬السالتوس (‪.)Saltus‬‬
‫‪ 2-2-IV‬الالتيفونديا (‪.)Latifundia‬‬
‫‪ 3-2-IV‬الفندس (‪.)Fundus‬‬
‫‪ 4-2-IV‬البرايديا (‪.)Praedia‬‬
‫‪ 5-2-IV‬الفيلال روستيكا( ‪.)Villa Rustica‬‬
‫الضرائب الزراعية‪:‬‬ ‫‪.IX‬‬
‫‪ 1-V‬أنواع الضرائب الزراعية‪:‬‬
‫‪ 1-1-V‬الضريبة على األرض‪.‬‬
‫‪ 2-1-V‬الضريبة على اإلنتاج الزراعي‪.‬‬
‫‪ 2-V‬تحصيل الضرائب‪.‬‬
‫‪ 3-V‬أثر النظام الضريبي على تدهور الزراعة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‬
‫التنظيمات ووسائل اإلنتاج‬

‫بعد سقوط قرطاج سنة ‪549‬ق‪.‬م‪ ،‬أصبحت األراضي األفريقية ملكا للدولة الرمانية‬
‫وللشعب الروماين مبوجب حق الفتح ومل يستثن منها إال أراضي املدن السبع (‪ )215‬وبعض‬
‫األراضي اليت منحت إىل الفارين من اجليش القرطاجي (‪ )Perfugae‬أما بقية األراضي فقد‬
‫كانت مملوكة للشعب الروماين(‪ )Ager Publicus‬يديرها قضاة اإلحصاء (‪)Ager Censorinus‬‬
‫(‪ ،)216‬ومع استقبال أفريقيا للهجرات االيطالية املتزايدة أحالت الدولة جزءا من هذه األراضي‬
‫إىل املعمرين اجلدد بعد أن قامت بتهيئتها وتقسيمها إىل وحدات متساوية ‪ ،‬كما تنازلت الدولة‬
‫أيضا عن بعض األراضي لصاحل قدماء جنود ماريوس‪ ،‬وباعت جزءا آخر للمواطنني الرومان مع‬
‫إبقائها حلقها يف امللكية حيث يكتفي هؤالء بدفع ضريبة مقابل استغالهلم هلا(‪ .)217‬واملالحظ‬
‫أن الدولة قد ركزت جهودها منذ البداية على استغالل أراضى إفريقيا خدمة ملصاحلها فحىت‬
‫األراضي البور اليت ترتك للرعي احلر حرصت الدولة على فرض ضريبة ثابتة على رؤوس املاشية‬
‫يدفعها مالكها(‪.)218‬‬

‫(‪ )215‬هي املدن األفريقية اليت قدمت خدمات للرومان يف حرهبم ضد قرطاج فنالت بذلك حريتها جزاء خلدماهتا‪ ،‬حيث‬
‫استثنيت أراضيها من نزع امللكية مبوجب حق الفتح ولذلك مل تكن من ضمن امللكية العامة للشعب الروماين ( ‪Ager‬‬
‫‪ )publicus‬يف البداية‪ ،‬فجاءت عملية كنرتهتا متأخرة‪ ،‬وهذه املدن سبعة وهي‪ :‬اوتيكا‪ ،‬هادرومت (سوسة)‪،‬‬
‫تابسوس (رأس دمياس)‪ ،‬أشوال‪ ،‬لبتيس الصغرية (ملطة)‪ ،‬ثيوداليس‪ ،‬اوزاليس‪ ،‬أنظر ‪:‬‬
‫‪-Peyras(J.),les cités libres à l’époque romaine , in : D.H.A., Volume 23,‬‬
‫‪N°1 ,1997,pp307-310.‬‬
‫(‪)216‬‬
‫رستوقتزف (م‪ ، ).‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.898‬‬
‫(‪)217‬‬
‫جوليان(شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.554‬‬
‫(‪)218‬‬
‫‪Moatti (C.), Etude sur l’occupation des terres publiques à la fin de la‬‬
‫‪république romaines, in :Cahiers du centre Gustave Glotz, N°3 ,‬‬
‫‪1992, p62.‬‬
‫‪61‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫اختلفت نظرة الرومان ألفريقيا يف البداية ‪ ،‬حيث كان هناك فريق يرى أن استيطان‬
‫أفريقيا من شأنه أن حيل خمتلف املشاكل االجتماعية اليت تعاين منها روما ‪ ،‬وكان غايوس‬
‫غراكوس (‪ )Caius Gracchus‬الذي تزعم هذا الفريق قد عزم على جعل إقليم قرطاج جماال‬
‫لتوطني الربوليتاريا اإليطالية وتوزيع أراضي أفريقيا عليها‪ ،‬غري أن سياسته هذه لقيت مقاومة‬
‫شرسة من طرف الفريق الثاين الذي ميثله الرأمساليون الكبار وجلهم من أعضاء جملس الشيوخ‬
‫الذين كانوا يرون يف أراضي أفريقيا فرصتهم الثمينة لزيادة احتكاراهتم وملكياهتم وبذلك أفشلوا‬
‫مشروع غراكوس(‪ ، )219‬ويف هذا الشأن خيربنا بلني عن ذلك االحتكار ألراضي أفريقيا من‬
‫طرف قلة قليلة إىل درجة أن ستة مالك كبار فقط كانوا ميلكون نصف أفريقيا(‪.)220‬‬

‫وقد زاد التهافت على األراضي األفريقية بصفة كبرية خالل عهدي‬
‫أغسطس(‪51()Auguste‬ق‪.‬م‪54-‬م) وتيربيوس(‪54()Tibère‬م‪81-‬م)‪ ،‬وهو ما جعل هذين‬
‫اإلمرباطورين يأمران بدفع احلدود جنوبا النتزاع املزيد من األراضي من األهايل وهو االعتداء‬
‫الذي قاومه هؤالء بشدة‪ ،‬وكان التوسع الروماين يتمدد حنو الداخل حىت بلغ مشارف الصحراء‬
‫يف نوميديا واملنطقة الطرابلسية ولكن مل يتجاوز املنطقة التلية يف املوريتانيتني‪ ،‬والغريب أن‬
‫البعض يرجعون هذا التوسع إىل الضرورة االقتصادية دون غريها ويف رأيهم أنه مل تكن له أسباب‬
‫سياسية أو حربية(‪.)221‬‬

‫مل تكن النهضة الزراعية اليت عرفتها أفريقيا خالل الفرتة الرومانية وليدة الصدفة بل‬
‫كانت نتاج تطبيق العديد من السياسات التنظيمية الفعالة اليت خططت هلا اإلدارة الرومانية‬
‫منذ البدايات األوىل للتوسع الروماين يف مشال أفريقيا‪ ،‬حيث بادرت منذ البداية إىل هتيئة‬
‫الظروف املالئمة لقيام هذا التطور حىت يسهم ذلك يف اقتصاد اإلمرباطورية مستعينة يف بعض‬

‫(‪ ) 219‬رستوقتزف (م‪ ، ).‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .894‬؛ عقون(حممد العريب)‪ ،‬االقتصاد واجملتمع‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪-15‬‬
‫‪.19‬‬
‫(‪)220‬‬
‫‪Pline l’Ancien, XVIII , VII,6.‬‬
‫(‪)221‬‬
‫رستوقتزف(م‪ ، ).‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.898‬‬
‫‪62‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫األحيان خبربة األفارقة يف هذا اجملال ويف حاالت أخري بنقلها لتجارب من البلد األم أو‬
‫استعارهتا من شعوب أخرى‪ ،‬وحرصا منها على بناء اقتصاد زراعي قوي باملنطقة قامت بتطوير‬
‫اهلياكل املوجودة وشيدت أخرى جديدة كما سنت تشريعات تنظيمية تقنن العالقات بني‬
‫املستثمرين والسلطة وعوامل اإلنتاج ‪...‬اخل‪ ،‬وسرعان ما بدأت روما تقطف مثار سياستها‬
‫الفالحية هذه ابتداء من القرن األول للميالد على وجه اخلصوص أين شهدت أفريقيا ازدهارا‬
‫كبريا ميكن القول أنه مل يسبق وان عرفت له مثيال‪.‬‬

‫‪ I‬نظام مسح األراضي‪:‬‬

‫حرص احلكام الرومان على جتسيد هذه العملية على األراضي األفريقية اخلصبة بعد‬
‫سقوط قرطاج مباشرة؛ حيث شرعوا يف تنظيم اجملال الزراعي املوروث عن قرطاج خاصة مع‬
‫تزايد اهلجرات الرومانية املنظمة اليت يرسلها أباطرة روما للمنطقة ومع تقدم اجلنود يف احتالل‬
‫أراضى جديدة تزيد معها املساحة املكنرتة ‪ ،‬وقد شهدت الصور اجلوية واألسوار والنصب‬
‫احلجرية على أن هذه العملية قد بلغت املناطق اجلنوبية املتامخة للصحراء‪.‬‬

‫أثارت دقة هذه العملية وصمودها يف وجه العوامل الطبيعية والبشرية لعدة قرون إعجاب‬
‫العديد من الباحثني من بينهم شوفاليي الذي اعتربها من أمجل املعامل األثرية باملنطقة (‪، )222‬‬
‫أما بيكار(‪ )Picard‬فقد أشاد بالنظم والقواعد الثابتة اليت طبقت يف أعمال الكنرتة واعترب انه‬
‫مل يسبق عرب التاريخ وان فرض شعب ما إرادته على الطبيعة مثلما فعل الرومان(‪ ،)223‬ومنذ‬
‫اكتشاف آثار هذه العملية سنة ‪5988‬م برزت اهتمامات املختصني يف علم اآلثار واملهندسني‬

‫)‪(222‬‬
‫‪Chevallier(R.), Essai de chronologie des centuriations romaines de Tunisie, in :‬‬
‫‪M.A.H., T.70, 1958, p124‬‬
‫)‪(223‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), La civilisation de l’Afrique Romaine, librairie Plon, Paris 1950,‬‬
‫‪p3.‬‬
‫‪63‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫واملؤرخني‪ ،‬ث تضاعفت تلك االهتمامات أكثر مع ظهور الصور اجلوية كأداة مفيدة يف دراسة‬
‫هذه األعمال بعد أن كانت عملية دراستها ميدانيا مهمة صعبة (‪.)224‬‬

‫‪ 0 -I‬الكنترة ‪:‬‬

‫تعترب عملية الكنرتة (‪ )centuriation‬من األعمال اخلاصة بالتهيئة الزراعية اليت اشتهر هبا‬
‫الرومان واختصوا هبا (‪ )225‬دون غريهم من الشعوب األخرى‪ ،‬والكنرتة هي شكل من أشكال‬
‫مسح األراضي لتهيئتها زراعيا‪ ،‬وهي عملية تقسيم منظمة لألرض بطريقة تشكل بواسطتها‬
‫عددا معينا من الوحدات الكنتورية املتساوية باستعمال شبكة من اخلطوط املستقيمة(‪،)226‬‬
‫ويدل مصطلح "كنتوريا ‪)227( "Centuria‬على مساحة من مائة هرييديا )‪ (Heredia‬وهي‬
‫مساحة مربعة طول ضلعها ‪ 541‬قدم روماين‪ ،‬كما تساوي الوحدة الكنتورية أيضا ‪ 511‬يوغريا‬

‫(‪ )224‬كان فالب أول من الحظ بان سهل املرسى(تونس) مقسم إىل مربعات بواسطة شبكة من الطرق والطرق‬
‫الضيقة املتقاطعة انظر‪- Falbe (C.T.), Recherches sur l’emplacement de Carthage, :‬‬
‫‪ l’imprimerie royale, Paris, 1833, p54.‬؛ ث توالت بعد ذلك عدة دراسات وأحباث أمهها أحباث‬
‫عدد من املهتمني واملختصني منهم ‪ :‬داناو )‪ (Danau‬وشولنت )‪ (Schulten‬وتوتان )‪ (Toutain‬وبارتل‬
‫)‪ (Barthel‬وسوماين )‪ (Saumagne‬ودافان )‪ (Davin‬الذين تركزت أحباثهم حول منطقة قرطاج واجلنوب‬
‫التونسي ‪ ،‬وأول من استعمل الصور اجلوية يف دراسة الكنرتة هو سوماين سنة ‪5885‬م ليفتح بذلك جماال أمام‬
‫الباحثني الستعمال هذه التقنية وأول عمل يف هذا اجملال هو العمل الذي قام به شوفاليي )‪(Chevallier‬‬
‫باالشرتاك مع املهندس كامير )‪ (Caillemer‬اللذين أجنزا عمال بعنوان أطلس أشغال الكنرتة الرومانية يف تونس‬
‫)‪ (Atlas des centuriations Romaines de Tunisie‬ث جاءت بعد ذلك عدة أحباث متأخرة أمهها‬
‫أحباث سوايي )‪ (Soyer J.‬و تروسي‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪-Trousset (P.), Nouvelles observations sur la centuriation romaine à l’est d’El-‬‬
‫‪Jem, Ant.Af, N° 11, 1977, p184.‬‬
‫)‪(225‬‬
‫‪France (J.), l’Afrique Romaine des Flaviens aux Vandales Cours de Jérôme‬‬
‫‪France– Université Michel de Montaigne-Bordeaux 3, http:// www. youscribe.‬‬
‫‪com ,p 8.‬‬
‫)‪(226‬‬
‫‪Gsell (St.), H.A.A.N., T.VII, p. 11.‬‬
‫(‪ )227‬إذا كانت املساحات املشكلة من عملية املسح مربعة الشكل فإهنا تسمى ‪ centuriae‬أما إذا كانت مستطيلة‬
‫الشكل فإهنا تسمى ‪ ، scamna-strigae‬انظر‪:‬‬
‫‪-Schulten (A.), l’arpentage romain en Tunisie, Bulletin Archéologique du Comité‬‬
‫‪des Travaux Historiques et Scientifiques, Année 1902, Paris, pp136-137.‬‬
‫‪64‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫(‪ .)Jugera‬ويتم وضع حدود (‪ )Limitatio‬تلك الوحدة عن طريق إنشاء تقاطعات ترسم على‬
‫(‪)228‬‬
‫األرض انطالقا من نقطة مرجعية هي أصل احملورين الرئيسيني الكاردو والديكومانوس‬
‫تتفرع عنهما جمموعة من اخلطوط املتوازية لتشكل مربعات مساحة كل واحدة منها حوايل ‪51‬‬
‫هكتارا وطول الضلع فيها يبلغ ‪151‬م(‪ )229‬وعملية التقسيم هذه معقدة وتتطلب دقة يف‬
‫احلسابات وتتضمن عددا من التخطيطات أمهها‪:‬‬

‫‪ 0-0-I‬الكاردو ماكسيموس والديكومانوس ماكسيموس‪ :‬ومها احملوران الرئيسيان اللذان يتم‬


‫انطالقا منهما إنشاء خطوط متوازية لتشكل مربعات كنتورية بضلع مقداره ‪151‬م‪،‬‬
‫وكما هو معروف فإن اجتاه الكاردو (‪ )Cardo maximus‬مشال‪ -‬جنوب أما‬
‫الديكومانوس (‪ )Decumanus maximus‬فاجتاهه شرق‪ -‬غرب‪ ،‬وقد كشفت‬
‫احلفريات اليت أجريت بني سنيت ‪5815-5814‬م على خط مرور الكاردو يف‬
‫أعلى هضبة بريصا )‪ (Byrsa‬انه حيتوي على عدة مرافق منها القنوات ورواق على‬
‫اجلهتني اليمىن واليسرى للطريق‪ ،‬وسالمل ‪...‬اخل(‪. )230‬‬
‫)‪)231‬‬
‫‪ :‬بعد انتهاء املساحني من احلسابات يتم‬ ‫‪ 2-0-I‬الحدود بين الوحدات الكنتورية‬
‫إنشاء احلدود بني هذه الوحدات وهي يف الغالب أسوار حمدودة االرتفاع ختتلف يف‬
‫عرضها حسب املناطق وحسب طبيعتها ؛ فاحلدود الرئيسية اعرض من احلدود‬

‫)‪(228‬‬
‫‪Decramer(L.R.)et autres, approche géométrique des centuriations romaines, les‬‬
‫‪nouvelles bornes du bled Segui, Histoire et mesure(en ligne) ,XVII-1/2 ,2002,mis‬‬
‫‪en ligne de15 Novembre 2005, URL : http:// histoire mesure. revues.org/903,p3.‬‬
‫(‪ )229‬ما يؤكد دقة هذه العملية اليت قام هبا املهندسون الرومان هو عثور الباحثني على أطوال تكاد تقارب ‪151‬م أو‬
‫تزيد عنها بقليل فعلى سبيل املثال عثر سوماين يف أحباثه اليت أقامها غرب منطقة اجلم على طول ‪ 5411‬قدم ما‬
‫يعادل ‪118.5‬م انظر‪:‬‬
‫‪- Saumagne(Ch.) ,Les vestiges d’une centuriation romaine a l’est d’El-Djem, in :‬‬
‫‪C.R.A.I. , 73ème Annee,N°4,1929,p309.‬‬
‫)‪(230‬‬
‫‪Deneuve (J.) Villedieu (F.), Le cardo maximus et les édifices situés à l’est de la‬‬
‫‪voie (secteur C), in : Ant.Af., N°11 ,9111 , p 99.‬‬
‫(‪ )231‬الكنتوريا (‪ )Cenutria‬أو الوحدة الكنتورية قطعة من األرض مساحتها ‪ 511‬أربنت ‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫العادية اليت بداخل الوحدة الكنتورية(‪ )232‬ويف بعض احلاالت خاصة بالسهول‬
‫الواسعة تعوض تلك األسوار بارتفاعات ترابية‪ ،‬كما استعملت أنصاب حجرية‬
‫(‪ )bornes‬مثل اليت اكتشفت على احلدود اجلنوبية للربوقنصلية(انظر أدناه‬
‫الشكل(‪)9‬ص‪ )95‬وقد استعملت لتحديد املساحات املكنرتة وتعود لعهد تيربيوس‬
‫(‪ ، )233( )Tibère‬وحتمل هذه األنصاب احلجرية نقوشا تتمثل يف رموز وأعداد‬
‫واجتاهات (انظر أدناه الشكل(‪ )9‬ص‪ ،)95‬باإلضافة إىل صليب ينقش على‬
‫الوجه العلوي حيدد نقطة التقاطع (‪ ،)Decussis‬وأول من عرف أهنا أنصاب‬
‫هندسية تتعلق باملسح هو النقيب دانو(‪ )Danau‬الذي عثر على بعض منها حول‬
‫شط الفجاج أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬وقد عثر إىل حد اآلن على ‪ 84‬نصبا‬
‫حجريا خاصا هبذه العملية(‪. )234‬‬

‫الشكل (‪: )7‬عالمة كنترة تشير إلى رقمي الكاردو والديكومانوس‪.‬‬


‫المصدر ‪ :‬عقون(محمد العربي)‪،‬االقتصاد والمجتمع ‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫)‪(232‬‬
‫‪Trousset (P.), Nouvelles observations …Op.Cit., p184.‬‬
‫)‪(233‬‬
‫‪Trousset (P.), les bornes du bled Segui. Nouveaux aperçus sur la centuriation‬‬
‫‪romaine du Sud Tunisien, in Ant.Af., N°12, 1978, p125.‬‬
‫)‪(234‬‬
‫‪Ibid., nouvelles observations..Op.Cit.,p186.‬‬
‫‪66‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ 2-I‬تصنيف األراضي غير المكنترة ‪:‬‬


‫خالل عملية املسح يتم التخلي عن كنرتة بعض األراضي نظرا لكوهنا غري قابلة للزراعة‬
‫(‪ )Subseciva‬يف الفرتة اليت أقيمت فيها عملية مسح األراضي كالغابات واملستنقعات‬
‫واألراضي الصخرية والسالسل اجلبلية‪ ...‬اخل‪ ،‬وقد خصص املهندسون هلا سجال خاصا تدون‬
‫فيه قائمة هذه األراضي(‪ ،)235‬واملعروف من خالل التشريعات األفريقية أن الكولون مسموح‬
‫هلم باستغالل هذه األراضي وتسيريها ‪ ،‬وتصنف هذه األراضي إىل نوعني‪:‬‬

‫‪ -‬أراضي مساحتها محدودة (‪ )Loca Relicta‬مل تتم كنرتهتا نظرا لطبيعة أراضيها غري‬
‫اجليدة أو بسبب وجود أراضي أخرى مفضلة عليها وهلذا يتخلون عنها‪ ،‬وتطلق أيضا‬
‫هذه التسمية على األراضي الصاحلة للزراعة اليت تقل مساحتها عن مساحة وحدة‬
‫كنتورية‪.‬‬
‫‪ -‬أراضي أخرى ويكون ذلك إما ألهنا غري صاحلة للزراعة وتقع خارج حدود املساحة‬
‫املكنرتة ومتتد خارج حدود اإلقليم (‪ )Loca extra clusa‬أو أهنا أراض جبلية أو أن‬
‫عملية الكنرتة مل تصل إليها(‪.)236‬‬

‫تعترب القراما (‪ )Grama‬أداة ضرورية يف عملية املسح والقياس ‪ ،‬وهي تسمح ملهندس‬
‫املساحة باملالحظة والقياس وإنشاء خطوط مستقيمة حسب االجتاه املراد (انظر الشكل(‪)1‬‬
‫ص‪ ، ) 18‬وعند مباشرة العمل خيتار هلا مكان مالئم لتثبيتها فيه ويكون ذلك املكان نقطة‬
‫(‪)237‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(Locus gramae‬‬ ‫البداية يف ختطيط احملاور ويسمى مكان القراما‬

‫ويف ختام هذه األعمال يتم إجناز خريطة (‪ )Forma‬للمجال حتفظ يف إدارة املساحة‬
‫وتستغل عند احلاجة ألغراض التنظيم االقتصادي و اإلداري واالجتماعي‪...‬اخل‪.‬‬

‫(‪)235‬‬
‫‪Moatti (C.), Op.Cit.,p67.‬‬
‫)‪(236‬‬
‫‪Saglio(E.)et Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R. ,T.III,volume2,p1281.‬‬
‫)‪(237‬‬
‫‪Decramer(L.R.)et autres ,Op.Cit.,pp24-25.‬‬
‫‪67‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ 2-I‬تطور الكنترة األفريقية ‪:‬‬

‫امجع املؤرخون على أن أعمال الكنرتة اليت أقيمت بأفريقيا هي إبداع روماين وال وجود‬
‫لدليل يقر بان القرطاجيني قد قاموا بعملية مسح رمسية إلقليمهم(‪ )238‬رغم وجود دليل على أن‬
‫األفارقة قد عرفوا قبل وصول الرومان شكال من أشكال التهيئة الزراعية والتقسيم الذي يشبه‬
‫أعمال الكنرتة الرومانية (‪ )239‬وهو ما يفتح اجملال للتساؤل عما إذا كان الرومان قد استوحوا‬
‫بعض عملهم هذا من أصول حملية ومن تقاليد زراعية قدمية باملنطقة؟ مل هتتم الدراسات كثريا‬
‫مبسألة أصل هذه األعمال وكل املتخصصني يف هذا اجملال يدرسونه على أنه عمل روماين حبت‬
‫شرع فيه بعد سقوط قرطاج مباشرة متجاهلني الفرتة اليت قبلها‪ ،‬ومن الصعوبة إثبات إن كان‬
‫الرومان قد تأثروا ببعض األفكار واملبادرات احمللية ولكن ميكن القول بأنه من املمكن أهنم قد‬
‫استفادوا من بعض التجارب احمللية يف هذا اجملال وهو الرأي الذي سار عليه شوفاليي حني‬
‫أكد" أن روما يف أفريقيا أو غريها قد أخذت بعني االعتبار التقاليد احمللية يف التقسيم‬
‫واستطاعت أن تستفيد من املمارسات الزراعية القدمية هبذه املناطق" (‪.)240‬‬

‫إن قلة النصوص والنقوش املرتبطة بالكنرتة قد جعل من عملية حتديد تاريخ الشروع‬
‫واالنتهاء منها أمرا صعبا خصوصا وان األحباث األثرية والصور اجلوية امللتقطة تربز وجود عدة‬
‫جمموعات ختتلف يف توجيهها مما يدل على أن املسح بالشمال األفريقي قد مت عرب عدة‬
‫مراحل؛ ففي إقليم أفريقيا القدمية (‪ )Africa Vetus‬استنتج الباحثون وجود ثالث جمموعات‬
‫رئيسية (انظر أدناه اخلريطة (‪ )1‬ص‪:)14‬‬

‫‪ -‬الكنترة شماال (‪ :)Centuriation Nord‬متتد آثار هذه اجملموعة من بنزرت مشاال إىل‬
‫النفيضة جنوبا على مسافة ‪551‬كلم ومن رأس بونة (‪ )Cap Bon‬شرقا إىل تربسق‬
‫غربا على مسافة ‪ 591‬كلم مشكلة بذلك مساحة من ‪55111‬كلم مربع وتتجه‬

‫)‪(238‬‬
‫‪Gsell(S.),H.A.A.N.,T.VII,p11.‬‬
‫(‪ )239‬انظر أعاله ص‪.59‬‬
‫)‪(240‬‬
‫‪Chevallier(R.), Essai de chronologie...Op.Cit.,p64.‬‬
‫‪68‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫باجتاه مطلع الشمس خالل االنقالب الصيفي(‪ )241( )Solstice d’été‬وامجع املؤرخون‬
‫أن عملية كنرتة املنطقة ترجع إىل ما بعد سقوط قرطاج مباشرة سنة ‪549‬ق‪.‬م ورجح‬
‫فالب (‪ )Falbe‬أن تكون هذه التقسيمات قد أقيمت بني فرتيت حكم يوليوس قيصر‬
‫(‪)242‬‬
‫‪ ،‬بينما أكد شولنت‬ ‫(‪61()Jules César‬ق‪.‬م‪66-‬ق‪.‬م) وأغسطس(‪)Auguste‬‬
‫(‪ )Schulten‬أهنا من منجزات غايوس غراكوس (‪.)243( )C. Gracchus‬‬
‫‪ -‬الكنترة في الوسط الشرقي (‪ :)Centuriation Centre-Est‬متتد على طول الساحل‬
‫الشرقي على مسافة ‪551‬كلم من مشال سوسة إىل جنوب الشابة ومن سبخة اجلم‬
‫غربا إىل الساحل شرقا على مسافة ‪81‬كلم احنرف توجيهها عن اجملموعة األوىل ويرى‬
‫الباحثون أن تاريخ البدء يف إنشاء مسحها متأخر مقارنة بسابقتها(‪.)244‬‬
‫‪ -‬الكنترة في الجنوب الشرقي (‪ :)Centuriation Sud-est‬تتواجد هذه اجملموعة على‬
‫احلدود اجلنوبية للربوقنصلية وهي ناجتة عن توسع االستعمار الروماين حنو اجلنوب‬
‫وختتلف كليا يف اجتاهها عن اجملموعتني السابقتني فهي تتجه باجتاه مطلع الشمس‬
‫خالل االنقالب الشتوي(‪ ، )Solistice d’hiver‬ويعتقد شوفاليي بان الرومان قد طبقوا‬
‫هبذه املنطقة طرقا مستعارة من الشرق اليت تتالءم أحسن مع مناخ املنطقة (‪ )245‬ويرجع‬
‫(‪)246‬‬
‫‪.‬‬ ‫تارخيها إىل عهد أغسطس‬

‫مع مرور الوقت زاد التوسع الروماين حنو الغرب واجلنوب فامتدت عملية الكنرتة لتشمل‬
‫هذه املناطق؛ فقد كشفت النصب احلجرية اليت عثر عليها على احلدود اجلنوبية للربوقنصلية أن‬
‫هذه العملية تعود إىل عهد تيربيوس وقد قام هبا الفيلق الثالث األغسطي ( ‪Legio III‬‬

‫‪ )Augusta‬بإشراف من الربوقنصل ويبوس مارسوس (‪ )C. Vibus Marsus‬يف الفرتة املمتدة‬

‫(‪)241‬‬
‫‪Chevallier(R.), Essai de chronologie...Op.Cit., p61.‬‬
‫(‪)242‬‬
‫‪Falbe (C.T.), Op.Cit., p55.‬‬
‫(‪)243‬‬
‫‪Schulten(A.), Op.Cit.,p158.‬‬
‫(‪)244‬‬
‫‪Caillemer(A.), Chevallier(R.), Les centuriations de l’Africa‬‬ ‫‪Vetus, in :‬‬
‫‪E.S.C.,9éme Année, N°4, 1954, p 438.‬‬
‫(‪)245‬‬
‫‪Ibid., pp 442-445.‬‬
‫(‪)246‬‬
‫‪Troussset (P.), Nouvelles observations. Op.Cit., p174.‬‬
‫‪69‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫بني جويلية ‪ 58‬وجويلية ‪81‬م‪ ،‬أي أن عملية املسح هذه قد أقيمت بعد مرور ‪ 9‬سنوات فقط‬
‫على إمخاد ثورة تاكفاريناس (‪. )247‬‬

‫امتدت هذه العملية بعد ذلك لتشمل حيدرة (‪ )Ammaedara‬ومنطقة تبسة وقد عثر‬
‫على آثار عملية الكنرتة الرومانية جنوب األوراس بني منطقة نقرين وبادس وبسهل قارت‬
‫)‪ (Guert‬واحململ (خنشلة) وقد رجح بريبان )‪ (Birebent‬أن ترجع هذه األعمال إىل القرن‬
‫األول وبداية القرن الثاين بعد امليالد(‪ ،)248‬كما كشفت الصور اجلوية عن وجود آثار لعملية‬
‫كنرتة رومانية مبنطقة تاجنانت خاصة بإقليم قبيلة اوالد عبد النور احلالية وحول جبل اغرور‬
‫)‪ )249((Rherour‬كما عثر أيضا على أعمال كنرتة تعود لفرتة متأخرة جنويب شط احلضنة يعتقد‬
‫أهنا أجنزت يف عهد سبتيميوس سيويروس(‪588() Septimius Severus‬م‪555-‬م) )‪.)250‬‬

‫لقد ارتبط املسح يف املناطق اجلنوبية املتامخة للصحراء باألعمال اليت يكون قد قام هبا‬
‫الفيلق الثالث األغسطي‪ ،‬حيث يكون هذا العمل قد أوكل إليه يف تلك األراضي منذ بداية‬
‫السيطرة عليها وإنشاء الطرق مثل الطريق الرابط بني حيدرة وقابس (تاكابس ‪ (Tacapes‬حتت‬
‫حكم تيربيوس ‪،‬كما يكون الفيلق قد اشرف كذلك على عملية هتيئة األراضي وكنرتهتا؛ هذه‬
‫العملية اليت قام هبا مهندسو مساحة عسكريون ينتمون إىل هذا الفيلق يتمتعون خبربة كبرية يف‬
‫هذا اجملال دلت عليها دقة احلسابات والتخطيطات اليت عثر عليها هبذه املناطق(‪. )251‬‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن أراضي املدن احلرة مل تقم هبا عملية الكنرتة من البداية باعتبار أهنا‬
‫كانت معفاة من الضرائب اليت كانت احد األهداف الرئيسية لعملية الكنرتة وما اختالف‬

‫(‪)247‬‬
‫‪Toutain (J.), Le cadastre romain dans l’Afrique du Nord au début de l’Empire,‬‬
‫‪inscriptions du Sud tunisien relatives à l’arpentage sous Tibère,‬‬
‫‪in : C.R.A.I.,50éme Année , N°4, 1906, p 267.‬‬
‫(‪)248‬‬
‫‪Birebent (J.), Aqvae Romanae, recherches d’hydraulique romaine dans l’est‬‬
‫‪Algérien, Service des antiquités de l’Algérie, Alger 1962, pp 42-43.‬‬
‫(‪)249‬‬
‫‪Soyer (J.), Les cadastres de la région de Saint-Donat (Algérie), in : Ant.Af., N°7,‬‬
‫‪1973, p275.‬‬
‫(‪)250‬‬
‫‪Chevallier(R.), Essai de chronologie…Op.Cit., p 107.‬‬
‫(‪)251‬‬
‫‪Trousset (P.), Les bornes du bled Segui… Op.Cit., pp 143-144.‬‬
‫‪70‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫مسحها عن باقي املناطق إال دليل على أن الفرتة الزمنية اليت أقيمت فيها خمتلفة‪ ،‬فمدينة أوتيكا‬
‫على سبيل املثال قد بقيت مدينة حرة إىل سنة ‪ 54‬ق‪.‬م وهلذا فإن عملية كنرتة أراضيها تكون‬
‫قد متت دون شك بعد هذا التاريخ (‪.)252‬‬

‫ومن جهة أخري فان أول إشارة إىل املسح األفريقي تعود إىل القانون الزراعي لعام‪555‬‬
‫ق‪.‬م ‪ ،‬ومن خالل ما ورد فيه استنتج الباحثون أن تاريخ الكنرتة األفريقية قد سبق إصدار هذا‬
‫القانون وان هناك قسما من األراضي األفريقية ال ينتمي إىل األراضي اليت متلكتها اإلدارة‬
‫الرومانية ومع ذلك فإنه خضع ألعمال للمسح(‪ ،)253‬كما أشارت نصوص القوانني الزراعية‬
‫اليت اكتشفت بعني واصل وهنشري مطيش إىل وجود كنرتة هبذه املناطق اليت أقيمت فيها‬
‫مستثمرات إمرباطورية واسعة‪ ،‬باإلضافة إىل القانون الصادر يف سنة ‪ 455‬م (‪ )254‬الذي بني أن‬
‫األراضي الصاحلة للزراعة مبقاطعة الربوقنصلية كلها خضعت لتجزئة كنتورية حيث كان عددها‬
‫بإقليم املزاق(‪ 55515 )Byzacène‬وحدة كنتورية منها ‪ 1491‬وحدة مزروعة و‪1155‬‬
‫وحدة مهملة‪ ،‬أما بإقليم زوجيتان (‪ )Zeugitane‬فكان عددها ‪ 54115‬وحدة؛ منها ‪5111‬‬
‫وحدة مزروعة و‪ 8115‬وحدة مهملة (‪.)255‬‬

‫‪ 4-I‬أهداف الكنترة ‪:‬‬

‫إن اهتمام الرومان بتنظيم األراضي األفريقية وختصيصهم ملساحني خمتصني وجتنيدهم‬
‫للجيش للقيام بعملية الكنرتة إمنا يدل على أن هلم أهدافا يسعون لتحقيقها تضاهي يف قيمتها‬
‫حجم اإلمكانيات املخصصة هلا وما إصرارهم على التوسع خاصة باجتاه اجلنوب وتكبدهم‬
‫عناء مواجهة القبائل الرببرية يف العديد من املناسبات إال دليل على أن للرومان أهدافا هامة هم‬
‫يف حاجة لتحقيقها‪.‬‬
‫(‪)252‬‬
‫‪Peyras(J.),paysages agraires et centuriations dans le bassin de l’oued Tine‬‬
‫‪(Tunisie du Nord), in :Ant.Af. ,N°19,1983, p249.‬‬
‫( ‪)253‬‬
‫‪Gsell(St.) ,H.A.A.N., T. VII, pp13-14. ; Chevallier(R.), Essai de‬‬
‫‪chronologie…Op.Cit., p64-67.‬‬
‫(‪)254‬‬
‫‪Code Théodosien, éditions T.Mommsen et P.Meyer, Berlin1905,XI,28,13.‬‬
‫(‪)255‬‬
‫‪Schulten (A.) ,Op.Cit., pp135-133.‬‬
‫‪71‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬
‫(‪)256‬‬
‫تأيت األهداف السياسية يف مقدمة األهداف حيث يري كولوندو (‪)Kolendo‬‬
‫أن عملية املسح كان هلا هدف سياسي ومايل(ضرييب) فاألهداف االقتصادية حسبه مل تتسبب‬
‫يف القيام هبذا املسح على األقل يف بدايته‪ ،‬ألن أعمال املسح اليت أقيمت جنوبا بني‬
‫عامي‪81-58‬م مل تكن هبدف زراعة تلك األراضي بقدر ما كانت هتدف إىل مراقبة القبائل‬
‫الثائرة (املوسوالم) ‪ .‬ويري تروسي (‪ )Trousset‬بان املسح اجلنويب كانت له ثالثة أهداف‬
‫رئيسية ‪ :‬توسيع االستعمار إىل آفاق جديدة وتثبيت القبائل بتحديد جماهلا وملكياهتا ث ربطها‬
‫بعدما أصبحت مستقرة باملراكز احلضرية حتت سياسة حتضري املناطق املتامخة للصحراء(‪ )257‬ويف‬
‫نفس الوقت هو حماولة من الرومان القضاء على منط احلياة االقتصادية واالجتماعية السائد‬
‫هبذه املناطق القائم على الرعي والرتحال الذي ال يتوافق مع رغبة الرومان يف توفري األمن‬
‫واالستقرار لزيادة اإلنتاج الزراعي هبذه املناطق لتغطية نقائصها الغذائية بروما‪.‬‬

‫وقد فسر البعض غياب املسح يف بعض املناطق على غرار السالسل اجلبلية بتعمد‬
‫املساحني الرومان جتاهلها هبدف عزل سكاهنا الذين احتموا هبا هربا من بطش االستعمار‬
‫الروماين وإبعادهم عن الطرق الرئيسية والسيطرة عليهم ومراقبتهم(‪ .)258‬ويف حاالت أخري‬
‫تستعمل املعلومات الرقمية احلسابية املنقوشة على النصب اخلاصة بالكنرتة يف حتديد أبعاد‬
‫املناطق اليت تتحصن هبا القبائل الثائرة هبدف احلصول على املعلومات وتقدير األخطار‪.‬‬

‫إن تزايد اهلجرات الرومانية للمنطقة هو السبب الذي دفع باحلكام الرومان إىل إجياد‬
‫طريقة ينظمون بواسطتها األراضي الزراعية بطريقة جتنبهم مشاكل يف املستقبل وهلذا جلأوا إىل‬

‫(‪)256‬‬
‫‪Kolendo(J.), Le colonat en Afrique sous le Haut-Empire, centre des recherches‬‬
‫‪d’histoire ancienne, vollume17, Paris 1976, p16.‬‬
‫(‪)257‬‬
‫‪Trousset (P.), Les bornes du bled Segui… Op.Cit., p 161.‬‬
‫(‪)258‬‬
‫‪Caillemer(A.), Chevallier(R.), les centuriations de l’Africa Vetus…Op.Cit. , p441.‬‬
‫‪72‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫قواعد علمية تنظيمية يف تقسيمهم لألرض هبدف توزيعها بطريقة عادلة بني الوافدين اجلدد‬
‫للمنطقة(‪.)259‬‬

‫ارتبطت عملية املسح أيضا بالعامل الضرييب فقد سهلت عملية الكنرتة حتصيل‬
‫الضرائب؛ حيث كانت كل وحدة كنتورية تدفع ضريبتها املستحقة وفق ما حتدده املصاحل‬
‫الضريبية بالربوقنصلية‪ ،‬و يف هذا اإلطار يري البعض أن آثار الكنرتة األفريقية ما كانت لتصمد‬
‫طوال هذه القرون لوال خاصيتها املالية (الضرائب) (‪ ،)260‬ومن جهة أخري فان عملية الكنرتة‬
‫كانت ترافقها عملية إنشاء خريطة لإلقليم(‪ )Forma‬اليت تستغل فيما بعد يف عدة جماالت‬
‫خاصة اجملال العسكري والضرييب‪ ،‬باإلضافة إىل أن عملية الكنرتة تسمح باإلحصاء الدميوغرايف‬
‫واالقتصادي (‪.)261‬‬

‫كانت أعمال الكنرتة هذه ضرورة اقتصادية واجتماعية وسياسية يف نظر اإلدارة‬
‫الرومانية ‪ ،‬ولتحقيق هذه الضرورة مت جتسيد هذا العمل على األرض األفريقية بطريقة منظمة‬
‫أهبرت العديد من الباحثني‪ ،‬ث أن أعمال الكنرتة هذه تربز من جهة طريقة من الطرق اليت متكن‬
‫بواسطتها االحتالل الروماين من غرس جذوره بالشمال األفريقي‪ ،‬ومن جهة أخري تقدم لنا‬
‫مثاال حيا على األسس الصحيحة العلمية والقانونية اليت ينبغي إتباعها يف سبيل حتقيق هنضة‬
‫اقتصادية حقيقية و دائمة‪.‬‬

‫(‪)259‬‬
‫شنييت(حممد البشري) ‪ ،‬التغيرات االقتصادية واالجتماعية في المغرب أثناء االحتالل الروماني ودورها في‬
‫أحداث القرن الرابع الميالدي‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر ‪ ، 5894‬ص‪.51‬‬
‫)‪(260‬‬
‫‪Saumagne(Ch.), La photographie aérienne au service de l’archéologie en‬‬
‫‪Tunisie, in: C.R.A.I., N°2, 9125 , p 319.‬‬
‫)‪(261‬‬
‫‪Chevallier) R.), Essai de chronologie… Op.Cit., p126.‬‬
‫‪73‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫الشكل(‪ :)7‬استخدام القراما واألنصاب الحجرية لتحديد أبعاد الوحدة الكنتورية‬


‫المصدر ‪http://magister-optimus.blogspot.com:‬‬
‫‪74‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬
‫‪75‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪-II‬التشريعات الزراعية األفريقية‪:‬‬

‫أدت احلالة اليت كانت عليها األراضي األفريقية وظروف استغالهلا إىل إصدار موظفي‬
‫الدولة الرومانية جملموعة من النصوص والقوانني من اجل تنظيمها وجعلها أكثر استغالال وأيضا‬
‫من اجل تنظيم العالقات بني املالك والعمال وحتديد حقوق وواجبات كل طرف‪ ،‬كما حددت‬
‫أيضا األنصبة الضريبية اليت تدفع نظري االستغالل الزراعي‪ ،‬واملالحظ أن جل هذه النصوص‬
‫تتعلق باألراضي املهملة أو اليت مل تستغل بعد من طرف املالك كأراضي البور وأراضي‬
‫املستنقعات واألراضي اليت مل تشملها حدود الكنرتة‪ ،‬ومل تتعرض هذه النصوص إىل األراضي‬
‫اخلصبة واملستثمرات املنتجة اليت حافظت على وضعيتها القانونية املعروفة(‪. )262‬‬

‫‪ 0-II‬النصوص األثرية "القانونية" المتعلقة بتنظيم الزراعة األفريقية‪:‬‬


‫هذه النصوص اليت استخرجها األثريون خالل أحباثهم من مواقع عديدة يف أفريقيا‬
‫الشمالية هي عبارة عن مراسيم أصدرها بعض سامي موظفي الدولة الرومانية الذين خيول هلم‬
‫القانون ذلك‪ ،‬وقد عثر عليها منقوشة على نصب حجرية‪ ،‬وكل مرسوم خاص بتنظيم مستثمرة‬
‫فالحية معينة يف شكل دومان إمرباطوري أو دومان خاص أو فندس (‪ )Fundus‬وال ترقي الن‬
‫تكون قانونا عاما شامال ملناطق متعددة‪ ،‬وهي مستوحاة من قانون مانكيانا ( ‪Lex‬‬

‫‪ )Manciana‬وقانون هادريان(‪)Lex Hadriana‬؛ وقد متكن أولئك املوظفون انطالقا من هذين‬


‫القانونني من إصدار تلك املراسيم وإعطاء الشرعية القانونية لقراراهتم‪ .‬وفيما يلي أهم النصوص‬
‫األثرية املكتشفة املتعلقة باجلانب الزراعي‪:‬‬

‫نص سوق الخميس(‪ :)l’inscription de Souk El-Khmis‬هذا النص يرجع إىل عهد‬ ‫‪‬‬

‫الربوقنصلني‪ :‬ماريوس بربيتوس اوريليانوس (‪)L.Marius Perpetus Aurelianus‬‬


‫‪ )Flaccus‬اللذان حكما على التوايل خالل‬ ‫(‪Cornelianus‬‬ ‫وفالكوس كورنيليانوس‬

‫(‪)262‬‬
‫شنييت (حممد البشري) ‪ ،‬التغريات االقتصادية‪ ...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫‪76‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫الفرتة املمتدة بني (‪ ،)558-514‬ومن احملتمل جدا انه يعود إىل سنة‪ 595‬أو‬
‫‪598‬م‪ ،‬وهو متعلق بوضعية الكولون(‪ )263‬باملناطق الريفية لإلمرباطورية الرومانية(‪.)264‬‬

‫‪ :)l’inscription‬اكتشف سنة ‪5989‬‬ ‫(‪d’Hènchir-Mettich‬‬ ‫نص هنشير مطيش‬ ‫‪‬‬

‫من طرف املالزم بوالن (‪ ،)265()Lieutenant Poulain‬ويتعلق هذا النص بفندس‬


‫مزدوج التسمية‪ :‬فيال ماغنا فاريانا(‪ )Fundus Villae Magnae Varianae‬ومباليا سيغا‬
‫(‪ )266()Mappalia Siga‬وحيتوي على بنود من قانون مانكيانا‪ ،‬وقد رجح برينو‬
‫(‪ )Pernot‬انطالقا من بعض العبارات الواردة فيه أن يكون مؤرخا بنهاية القرن الثاين‬
‫وحتديدا بفرتة حكم سبتيميوس سيويروس(‪ ،)267‬يف حني أرجعه آخرون إىل الفرتة ما بني‬
‫أواخر عام ‪ 555‬واألشهر األوىل لعام ‪551‬م(‪.)268‬‬

‫(‪ )263‬إن مصطلح الكولون(‪ )Colon‬له عدة تأويالت‪ ،‬ففي بعض األحيان يقصد به يف النصوص األفريقية سكان الريف‬
‫األحرار الذين يزرعون أراضيهم ‪ ،‬ويف أحيان أخري يطلق املصطلح على املزارعني الذين يستغلون أراضي الغري‪،‬‬
‫وهناك نوع آخر من الكولون الذين ولدوا على أراضي الدومان ويكتسبون احلق يف استغالل األرض اليت ولدوا‬
‫عليها‪ ،‬باإلضافة إىل الكولون الذين يتمتعون حبق خاص يف ملكية األراضي اليت استصلحوها وهلم احلق يف تركها‬
‫للورثة منذ عهد تراجان‪ ،‬والكولون على العموم هم مزارعون أحرار هلم احلق يف الزواج وتكوين عائالت واحلق يف‬
‫اإلرث‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪- Lacroix (F.), L’Afrique Ancienne, R.Af , volume14, 1870 , pp26-27.; Pernot (M.),‬‬
‫‪L’inscription d’Henchir-Mettich, in : M.A.H., T. 21,1901,p72.‬‬
‫(‪)264‬‬
‫من رسالة إىل السيد دجياردان شرح فيها عددا من النصوص األثرية أنظر ‪:‬‬
‫(‪)265‬‬
‫‪Cagnat(R.), Inscription d’Henchir-Mettich, in : C.R.A.I., 41éme Année, N°2, 1897,‬‬
‫‪p146.‬‬
‫(‪ )266‬استنتج توتان ‪ Toutain‬وهو مصيب يف ذلك أن التسمية ‪ :‬مزرعة فاريانوس الكبرية (‪ )Villae Magnae‬هي‬
‫االسم اجلديد (الروماين) هلذا الدومان ‪ ،‬و فاريانوس (‪ )Varianus‬هو االسم األول ملالكه ‪ ،‬أما االسم الثاين‬
‫(‪ )Mappalia Siga‬فهو االسم احمللي (األمازيغي) القدمي هلا‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪- Toutain(J.), L’inscription d’Henchir Mettich, un nouveau document sur la propriété‬‬
‫‪agricole dans l’Afrique romaine, in : C.R.A.I.,1902, p45.‬‬
‫(‪)267‬‬
‫‪Pernot (M.), Op.Cit.,p69.‬‬
‫(‪)268‬‬
‫‪Toutain (J.), L’inscription d’Hènchir Mettich… Op. Cit. , p 44.‬‬
‫‪77‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫نص عين الجمالة(‪ :)l’inscription d’Ain-El-Djemala‬نص اكتشفه كاركوبينو يف‬ ‫‪‬‬

‫جوان ‪5819‬م على بعد‪ 9‬كلم جنوب غرب عني تونقة (‪ )Ain Tounga‬على سرير‬
‫وادي خالد (‪ )Kralled‬عرف بنص عني اجلمالة نسبة إىل دوار عني اجلمالة القريب‬
‫من موقع اكتشافه ويتعلق بفندس نريونيانوس(‪ ،)269( )Neronnianus‬وحيتوي هذا‬
‫النص على عريضة (‪ )petition‬طالب من خالهلا املزارعون السماح هلم باستغالل‬
‫األراضي غري الصاحلة للزراعة للمستنقعات ويهدفون من خالهلا إىل استعطاف‬
‫اإلمرباطور ‪ ،‬وتضمن النص أيضا إجابة الربوكرياتور الذي استجاب لطلبهم مستندا يف‬
‫ذلك إىل قانون هادريان(‪.)270‬‬
‫نص عين واصل (‪ : )l’inscription d’Ain Ouassel‬ويسمى أيضا مرسوم الربوكرياتور‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )Sermo Procuratorum‬عثر على هذا النص منقوشا على ثالثة أنصاب حجرية‬
‫قرب نبع ماء يدعى عني واصل وذلك قرب تربسق‪ ،‬وهذا النص خاص بسالتوس‬
‫بورونيتانوس(‪ )Burunitanus‬ورد فيه فصل من فصول قانون هادريان املعروف قبل‬
‫(‪)271‬‬
‫‪ ،‬وحتدث النص عن أمور ثالث ‪ :‬حق امللكية( ‪jus‬‬ ‫ذلك يف نص سوق اخلميس‬
‫‪ ، )possidendi‬األقساط الضريبية(‪ )partes fructuum‬واإلعفاءات الضريبية ملدة‬
‫مخس سنوات يتوجب بعدها استخالص العائدات من طرف‬
‫الكوندكتور(‪)Conductor‬ويعود النص إىل عهد سبتيميوس سيويروس(‪.)272‬‬

‫(‪)269‬‬
‫‪Carcopino (J.), Inscription découverte vers Ain Tounga intéressant l’histoire de‬‬
‫‪la colonisation en Afrique et du colonat partiaire dans tout le‬‬
‫‪monde romain, in : C.R.A.I. , 50éme Année ,N°8, 1906, p540.‬‬
‫(‪)270‬‬
‫‪Ibid., Mission en Tunisie (1906), Extrait de souvenirs romains, Hachette, 1967,‬‬
‫‪ch.VII , pp127-128 .; Ibid., L’inscription d’Ain-el-Djemala,‬‬
‫‪contribution à l’histoire des saltus africains et du colonat partiaire,‬‬
‫‪in : M.A.H., T.26,1906, pp390-392.‬‬
‫(‪)271‬‬
‫‪Mispoulet(J-B.),l’inscription d’Ain-Ouassel, Nouvelle Revue Historique de Droit‬‬
‫‪Français et étranger ,16 éme Année , Paris , 1892, p117.‬‬
‫(‪)272‬‬
‫‪Carton (Dr.) ,la lex Hadriana et son commentaire par le procurateur Patroclus ,‬‬
‫‪R.Ar., Paris 1893, pp8-11.‬‬
‫‪78‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫نص جنان الزيتونة(‪ :)l’inscription de Jenan ez Zaytouna‬عبارة عن التماس تقدم‬ ‫‪‬‬

‫به مزارعون من األهايل إىل السلطات العمومية للسماح هلم بزراعة األراضي البور (يف‬
‫التالل ويف األراضي اليت هبا مستنقعات) زيتونا وكروما حسب ما نص عليه قانون‬
‫مانكيانا‪ ،‬ويظهر أن املزارعني األفارقة قد اجتمعوا فيما يشبه نقابة تعاونية حتت رئاسة‬
‫قضاهتم (‪ )magistri‬لرفع التماسهم هذا للسلطات املعنية(‪.)273‬‬
‫العقود الوندالية(‪:)les Actes Vandales‬عبارة عن ألواح من خشب‪ ،‬نقشت عليها‬ ‫‪‬‬

‫عقود ملكية قطع أرضية كتبت بواسطة حرب وباللغة الالتينية عثر عليها داخل جرار‬
‫سنة ‪5859‬م على بعد بضع كلوميرتات من تبسة ‪ ،‬تكرر خالهلا ذكر قانون مانكيانا‬
‫ما يدل على استمرارية العمل هبذا القانون خصوصا وان بعض هذه العقود(‪ 9‬على‬
‫األقل) مؤرخة بعهد امللك الوندايل غنثاموند (‪ )Gunthamund‬الذي حكم‬
‫بني(‪489-494‬م)(‪.)274‬‬

‫‪ .2-II‬قانون مانكيانا وقانون هادريان على ضوء االكتشافات األثرية‪:‬‬


‫من خالل عملية فحص ودراسة النصوص املتعلقة باجلانب الزراعي اليت كشفت عنها‬
‫األحباث األثرية اتضح للباحثني أن كل التشريعات قد انبثقت من قانونني أساسني مها قانون‬
‫مانكيانا وقانون هادريان وان التشريعات اليت جاءت بعدمها إمنا جاءت لتكملتها وكذا ملعاجلة‬
‫ما جد من قضايا ‪ ،‬خاصة العرائض اليت تطالب بتطبيق الرتاخيص اليت منحتها هذه القوانني‬
‫على أراض جديدة مل تطبق عليها بعد‪.‬‬

‫فيما يتعلق بقانون مانكيانا الذي يعترب األقدم إال أنه ضاع من سوء احلظ أو باألحرى‬
‫مل يتم اكتشافه بعد وقد عرف وجوده انطالقا من النصوص املذكورة أعاله اليت ورد ذكره فيها‪،‬‬
‫وانطالقا منها استخلص الباحثون بعضا من بنوده ‪ ،‬ويطرح هذا القانون الذي ال نعرف منه‬

‫(‪)273‬‬
‫‪Saumagne (ch.), Inscriptions de Jenan ez Zaytouna, in: C.R.A.I., 81 éme Année ,‬‬
‫‪N°4,1937, pp294-295.‬‬
‫)‪(274‬‬
‫‪Albertini (E.), documents d’époque vandale découverts en Algérie, in : C.R.A.I.,72‬‬
‫‪éme‬‬
‫‪Année , N°3, 1928, pp 301-303.‬‬
‫‪79‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫بصفة أكيدة إال االسم عدة تساؤالت مل حنصل بعد على إجابات عليها ما عدا الرتجيحات‬
‫واالفرتاضات اليت اقرتحها الباحثون بشأنه‪ ،‬واملالحظ استمرارية تطبيق هذا القانون بأفريقيا إىل‬
‫عهد متأخر من اإلمرباطورية مثلما دلت عليه ألواح البريتين وهو ما يدل على أن هذا القانون‬
‫كان "دستورا" زراعيا مبنيا على قوانني صارمة وفعالة وإال ملا وصل تأثريه إىل غاية القرن اخلامس‬
‫امليالدي‪.‬‬

‫أثار هذا القانون فضول الباحثني نظرا للغموض الذي يكتنفه‪ ،‬ويف ظل غياب أي‬
‫مؤشر نستطيع بواسطته حتديد تاريخ هذا القانون‪ ،‬جاءت افرتاضات الباحثني متباينة وغري‬
‫أكيدة؛ فشولنت يري انه قانون زراعي يعود للقرن السابع بالتقومي الروماين أما كوك (‪)Cuq E.‬‬
‫فريى انه قانون يعود لفرتة اإلمرباطورية(‪ ،)275‬أما سوماين فقد ارجع أصوله إىل تقاليد أهلية حملية‬
‫(‪ )consuetudo‬خاصة بأفريقيا ما قبل الفرتة الرومانية جسدت عمليا خالل فرتة‬
‫اإلمرباطورية(‪.)276‬‬

‫مسي هذا القانون نسبة إىل شخص مل يتوصل الباحثون إىل حتديد الصفة القانونية‬
‫واملهنية اليت كان يشغلها ‪ ،‬وقد رجح املؤرخ رستوقتزف أن يكون مبعوثا خاصا ألحد الفالفيني‬
‫(‪ ،)277‬وقد يكون حاكما أو موظفا لإلمرباطور أو قاضيا قنصليا كلف مبهمة وضع قوانني‬
‫لتنظيم عملية االستغالل الزراعي خالل عهد األسرة الفالفية ومن احملتمل خالل فرتة حكم‬
‫اإلمرباطور فسباسيانوس (‪41()Vaspasianus‬م‪11-‬م)(‪.)278‬‬

‫يعترب قانون مانكيانا قانونا عاما ينظم العالقات بني املالك والكولون عندما تعتقد‬
‫السلطة بوجوب نقل ملكية كل أو جزء من األرض اليت احتفظت هبا يف أفريقيا(‪ ،)279‬وهو‬

‫(‪)275‬‬
‫‪Cuq (E.), le colonat partiaire dans l’Afrique romaine d’apres l’Inscription‬‬
‫‪d’Henchir Mettiche, in: C.R.A.I., N°11, 1ere serie ,1901,pp143-144.‬‬
‫(‪)276‬‬
‫‪Saumagne (ch.), Inscriptions de Jenan ez Zaytouna…Op.Cit. , p295.‬‬
‫(‪ )277‬رستوقتزف(م‪ ، ).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.484‬‬
‫(‪ ( 278‬شنييت (حممد البشري)‪ ،‬التغريات االقتصادية‪...‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫(‪)279‬‬
‫‪Cuq (E.), Op.Cit., p143.‬‬
‫‪80‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫قانون مينح حق امللكية واالنتفاع(‪ )l’isus proprius‬للذين يستصلحون الرباري واألراضي‬


‫القاحلة أو املهملة‪ .‬يري بعض املختصني أن هذا القانون ليس باملعين املفهوم للقانون الروماين‬
‫العام وإمنا هي تنظيمات عملية أكثر مما هي قوانني ‪ ،‬ففي جمملها عبارة عن رخص عمل‬
‫منحها املشرع الروماين هبدف استغالل األرض غري املستغلة أو املهملة(‪ ،)280‬ومن جهة أخري‬
‫فان هذه القوانني قد طبقت على كل األراضي العمومية(‪ )Ager Publicus‬حسب اعتقاد‬
‫اغلب املختصني لكن هناك من يري أهنا طبقت فقط على األقاليم اليت تضم ضياع اإلمرباطور‬
‫مبنطقة وادي جمردة(‪ .)281‬ويرى بيكار أن قانون مانكيانا ليس متعلقا فقط بالدومان‬
‫اإلمرباطوري بل متعلق أيضا بالدومان اخلاص(‪.)282‬‬

‫أما قانون هادريان فقد جاء يف ظروف خمتلفة عن الظروف اليت جاء فيها القانون‬
‫السابق وهو عبارة عن إصالحات أمر هبا اإلمرباطور هادريان(‪551‬م‪589-‬م) بعد أن زار‬
‫بعض املناطق بأفريقيا فلم يطمئن للحالة اليت وجد عليها األراضي واملستثمرات األفريقية فقرر‬
‫إصدار قانون يعيد هلذه املستثمرات حيويتها حمافظا على روح أحكام قانون مانكيانا‪.‬‬

‫قام هادريان بإصدار قانون لتنظيم األرض اليت مل تزرع واألراضي القاحلة التابعة‬
‫ملستثمرات اإلمرباطورية بأفريقيا وكان يريد من وراء ذلك ربط املزارعني باألرض متطلعا إىل‬
‫حتقيق االستقرار واالستغالل الدائم لإلمكانيات الزراعية‪ ،‬وقد عمل على منح املقيمني على‬
‫هذه األراضي حق واضعي األيدي (‪ )possessores‬وهو حق شبيه حبق امللكية الفردية فهؤالء‬
‫يتمتعون حبق الزراعة(‪ )l’isus colendi‬وحق االنتفاع الشخصي (‪ )l’isus proprius‬على‬
‫األراضي اخلصبة باإلضافة إىل حق توريثها لفروعهم شرط أن يواصلوا عمل أجدادهم(‪.)283‬‬

‫(‪)280‬‬
‫‪Peyras (J.) , la potestas occupandi dans l’Afrique romaine, in: D.H.A.,‬‬
‫‪volume25, N°1 , 1999 ,p134.‬‬
‫(‪ )281‬حمجويب (ع‪ ، ).‬العصر الروماين وما بعده يف مشال أفريقيا(القسم األول) ‪ ،‬تاريخ أفريقيا العام‪ ،‬اجمللد الثاين‬
‫(حضارات أفريقيا القدمية)‪ ،‬إشراف مجال خمتار ‪ ،‬طبع جني افريك‪ /‬اليونيسكو ‪5895،‬م‪،‬ص ‪.489‬‬
‫(‪)282‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), La civilisation de l’Afrique Romaine…Op.Cit.,p63.‬‬
‫(‪)283‬‬
‫رستوقتزف(م‪ ، ).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.485-484‬‬
‫‪81‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫يظهر قانون هادريان بأنه عمل واسع يشتمل على عدة أبواب متعلقة على األقل‬
‫بتسيري وإدارة الدومان اإلمرباطوري(‪ ،)284‬فهذا القانون الذي دلت عليه نقيشة سوق اخلميس‬
‫وعني واصل هو تنظيم عملي من طرف اإلمرباطور هادريان ومتعلق بإدارة واستغالل الدومان‬
‫اإلمرباطوري برتاكتوس قرطاج(‪ )Tractus Carthaginiensis‬ورمبا كل أفريقيا كما يعتقد‬
‫ميسبويل (‪ ،)285()Mispoulet‬أما كاركوبينو فريي أن هذا القانون هو قانون متعلق باإلمرباطورية‬
‫كلها(‪. )286‬‬

‫إن ما مييز هذا القانون هو قابليته للتطبيق يف خمتلف األماكن وعلى خمتلف أنواع امللكية‬
‫رغم اختالف العادات وطبيعة األرض واملناخ‪...‬وهذا ما جعل الدكتور كارتون(‪)Dr. Carton‬‬
‫يشيد به حيث يقول ‪ ":‬إن املشرع الروماين عرف كيف مينح لتشريعاته هذه املرونة الضرورية‬
‫ليجعلها قابلة للتطبيق يف كل مكان والتحديد الكايف لتتأقلم يف ظروف خمتلفة جدا"(‪.)287‬‬

‫‪ 2-II‬بعض بنود التشريعات الفالحية األفريقية‪:‬‬


‫شكلت التشريعات األفريقية على اختالف نصوصها مادة متجانسة ومشاهبة لبعضها‬
‫اآلخر‪ ،‬وأهم هذه النصوص نص هنشري مطيش الذي يعد أقدم النصوص اليت عثر عليها (يعود‬
‫إىل الفرتة بني‪551-555‬م) وحيتوي على مادة تشريعية مهمة نشري فيما يلي إىل أهم ما ورد‬
‫فيه(‪:)288‬‬

‫(‪)284‬‬
‫‪Carton (Dr.), la lex Hadriana…Op.Cit., p14.‬‬
‫( ‪)285‬‬
‫‪Mispoulet (J-B.),l’Inscription d’Ain-Ouassel…Op.Cit.,p122.‬‬
‫(‪)286‬‬
‫‪Saumagne (ch.),Inscriptions de Jenan ez Zaytouna...Op.Cit.,p300.‬‬
‫(‪)287‬‬
‫‪Carton (Dr.), la lex Hadriana…Op.Cit., p19.‬‬
‫(‪ )288‬عرفت التشريعات األفريقية اهتماما كبريا من طرف الباحثني الذين خصوها بعدة دراسات –اشرنا إيل بعضها‪-‬‬
‫وكان لنص هنشري مطيش احلظ الكبري من هذه الدراسات باعتباره أهم هذه النصوص‪ ،‬واكتفينا يف هذا العنصر‬
‫باإلشارة إليه معتمدين على ترمجة (‪ ، )Cagnat R.‬انظر‪:‬‬
‫‪-Cagnat(R.), inscription d’Henchir-Mettich…Op.Cit., pp151-153.‬‬
‫‪82‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ 5-8-II‬فيما يتعلق بالملكية وحق االنتفاع‪:‬‬


‫بالنسبة للملكية فان األجانب عن فندوس فيال ماغنا فاريانا احلق يف امتالك األرض‬
‫البور بعد أن حييوها وفق ما نص عليه قانون مانكيانا ‪ ،‬ويسقط عن املالك حق االنتفاع يف‬
‫حالة هجران وإمهال هذه األرض ملدة تتجاوز السنتني‪.‬‬
‫‪ 2-2 -II‬فيما يتعلق باألقساط الضريبية‪:‬‬
‫يلزم الكولون على دفع أقساط إىل املالك أو الوكالء أو مستأجري األرض وفق ما‬
‫حدده قانون مانكيانا على أن يتم تقدير الكمية املستحقة اليت جيب تسليمها من طرف الوكيل‬
‫أو املستأجر الذي جيب أن يصرح كتابيا باستالمه هلذه احملاصيل من عند الكولون‪ ،‬واملنتوجات‬
‫اليت أشار إليها النص واليت يدفع عنها األقساط املستحقة هي القمح والشعري والفول والزيتون‬
‫والكروم باإلضافة إىل العسل(‪.)289‬‬
‫‪ .2-2-II‬فيما يتعلق باإلعفاءات الضريبية‪:‬‬
‫تعفي أشجار التني والكروم املغروسة حديثا من دفع األقساط عنها إال بعد انتفاع‬
‫صاحبها خبمسة حماصيل (‪5‬سنوات) وبعد انقضاء هذه املدة عليه أن يدفع ما عليه وفق ما‬
‫نص عليه قانون مانكيانا‪.‬‬

‫بالنسبة للزيتون فانه يسمح بغراسة أشجار الزيتون يف األراضي غري املزروعة وال يدفع‬
‫الكولون عنها شيئا إال بعد مرور عشر سنوات من غرسها‪ ،‬أما الذي يطعم زيتونا بريا فعليه أن‬
‫يدفع الثلث عن احملصول بعد مرور مخس سنوات فقط ‪.‬‬

‫‪ .4-2-II‬فيما يتعلق بأعمال السخرة‪:‬‬


‫جيب على املزارعني املوجودين داخل فندس فيال ماغنا أن يقدموا سنويا خدمة يومني‬
‫عمل بالنسبة لكل واحد منهم يف احلرث ‪ ،‬ويومني يف احلصاد ويومني يف العزق وذلك حسب‬

‫(‪ )289‬فيما خيص األقساط الضريبية ‪ ،‬فضلنا اإلشارة إليها يف عنصر الضرائب الزراعية جتنبا لتكرارها‪ ،‬انظر أدناه‬
‫ص‪.551‬‬
‫‪83‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫كل نوع زراعة ‪ ،‬وعلى الكولون تسجيل أمسائهم لدي املستأجرين بغرض القيام بأعمال احلراسة‬
‫يف بداية كل عام جمانا ‪ ،‬وعلى األجراء الذين يقيمون داخل أو قرب فندس فيال ماغنا أن‬
‫يقدموا خدمة حراسة جمانية للمسريين‪.‬‬

‫‪ 4-II‬أثر التشريعات الرومانية على التطور الزراعي بأفريقيا‪:‬‬


‫الشك أن هلذه التشريعات اليت سنها األباطرة ووكالؤهم بأفريقيا أثره يف تطوير الزراعة‬
‫يف عموم أفريقيا؛ فاهتمام كل النصوص اليت سنت يف هذا اإلطار واليت عثر عليها حلد اآلن‬
‫باألراضي البور واملهملة واألراضي اليت هبا مستنقعات واألراضي غري املكنرتة ‪ ،‬إمنا يدل على‬
‫استغالل جدي لألرض األفريقية إىل درجة جعلت من املزارعني يفكرون أو يطلبون الرخصة من‬
‫اجل استصالح األراضي غري املستغلة فهذا دون شك ساهم يف زيادة املساحة املزروعة مبرور‬
‫السنوات‪.‬‬

‫ومن جهة أخري ‪ ،‬فان كل املؤرخني قد أشادوا ومثنوا تلك الرخصة اليت منحها قانون‬
‫مانكيانا وبعده قانون هادريان للمزارعني باستصالح أراضي البور بغرض زراعتها كروما وزيتونا‬
‫وهو ما ولد ازدهارا هلذه الزراعات ابتداء من القرن الثاين بعد امليالد على اخلصوص(‪،)290‬‬
‫فالبعض منهم قد أشار يف هذا اإلطار إىل عبقرية املشرع الروماين الذي عرف كيف جيعل من‬
‫األراضي األفريقية أكثر استغالال ومنه أكثر ازدهارا ‪ ،‬وقد نوه بيكار أيضا برباعة املشرع‬
‫الروماين الذي تصور أربعة حقوق كاملة كلها متارس على نفس األرض‪ :‬حق الشعب الروماين ‪،‬‬
‫حق اإلمرباطور والرأمساليون الكبار(‪ ، )dominus‬حق املزارع العام وحق الكولون الذين حيتفظون‬
‫بثلثي حمصول عملهم(‪.)291‬‬

‫وعن حالة الكولون املرتبطني أكثر باألرض‪ ،‬فان بنود هذه التشريعات قد جاءت يف‬
‫صاحلهم حيث سامهت يف حتسني حالتهم املعيشية واالجتماعية‪ ،‬فقد اكتسبوا ملكيات بعدما‬

‫(‪)290‬‬
‫رستوقتزف (م‪ ، ).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.489‬‬
‫( ‪)291‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), La civilisation de l’Afrique Romaine…Op.Cit., p62.‬‬
‫‪84‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫كانوا حمرومني منها قبل ذلك حىت وان كانت يف األراضي اهلامشية ‪ ،‬كما اكتسبوا حق توريثها‬
‫ألبنائهم يف حالة املداومة يف استغالهلا‪.‬‬

‫الشك أن استصالح أراضي جديدة قد أدي إىل زيادة موارد الدولة الرومانية من‬
‫الضرائب اليت يدفعها هؤالء كما دل على ذلك نص هنشري مطيش الذي حدد األقساط‬
‫املستحقة على الزراعات املستحدثة على هذه األراضي(‪ ،)292‬فهذه الضرائب املدفوعة هي اليت‬
‫تشكل نواة األنونة األفريقية اليت ترسل إىل روما‪.‬‬

‫لعل ما زاد من أمهية هذه التشريعات واإلصالحات هو كون انعكاساهتا قد مست عدة‬
‫أطراف بداية باملزارعني البسطاء ث املالك الكبار وهو ما انعكس على أفريقيا واإلمرباطورية‬
‫كلها‪ ،‬فاملشرع الروماين ببساطة عرف كيف يوفر األطر القانونية اليت تضمن االزدهار والتطور‬
‫للقطاع الزراعي‪ ،‬وهو ما جعل تلك القواعد والتشريعات تندمج يف أعراف وتقاليد األفارقة‬
‫ويستمر العمل هبا إىل ما بعد الفرتة الرومانية(‪.)293‬‬

‫‪ III‬نظام الري الزراعي‪:‬‬


‫يأيت الري يف مقدمة العوامل اليت سامهت يف قيام زراعة مزدهرة بأفريقيا خالل الفرتة‬
‫الرومانية‪ ،‬وباعتبار أن مناخ مشال إفريقيا خالل تلك املرحلة كان مييل إىل اجلفاف فقد فهم‬
‫الرومان مبكرا هذه احلقيقة فعمدوا مبسامهة من أهايل املنطقة إىل توسيع خريطة الري باعتباره‬
‫الكفيل بتعويض ندرة التساقط ‪ ،‬حيث شرع املهندسون الرومان يف إعادة هتيئة املنشآت اليت‬
‫أقامها األفارقة قبلهم ث بدأوا يف إمداد خطوط قنوات املياه من مصادرها إىل املدن لالستهالك‬
‫احلضري أو إىل األراضي الزراعية الستغالهلا يف ري املزروعات‪ ،‬ويف هذا اجملال كشف باراداز‬
‫وبريبان يف أعماهلما عن وجود شبكة هامة من منشآت الري يف املناطق اجلافة خاصة اليت تقع‬
‫على حدود الصحراء جنوبا نظرا لكون أراضيها أكثر حاجة للري من املناطق الشمالية ‪.‬‬

‫(‪)292‬‬
‫‪Cagnat(R.), Inscription d’Henchir-Mettich…Op.Cit., pp151-153.‬‬
‫(‪)293‬‬
‫عقون (العريب)‪ ،‬االقتصاد واجملتمع ‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫‪85‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫إن ازدهار أفريقيا خالل الفرتة الرومانية على حد تعبري دو كودراي(‪ )De Coudray‬مل‬
‫يكن قضية مناخية بقدر ما كان مثنا للمجهودات اليت بذلت يف جمال الري(‪ ، )294‬ومل يكن‬
‫التوسع الزراعي احملقق خالل تلك املرحلة إال نتيجة هلذه اجملهودات ‪ ،‬فقد كانت املياه قضية‬
‫رئيسية يف االستثمار الزراعي ما جعل األرياف األفريقية تعرف تنافسا كبريا بني املزارعني على‬
‫املياه ‪ ،‬فملكية ارض معينة ال يعىن شيئا إذا كانت مصادر املياه هبا منعدمة خاصة باملناطق‬
‫الداخلية واجلنوبية‪ ،‬وعادة ما تقوم نزاعات بني املزارعني بسبب املياه ما جعل احدهم يعلق بأنه‬
‫" يف ايطاليا ويف بعض املقاطعات األخرى ‪ ،‬سيكون من اإلزعاج حتويل املياه إىل بستان جارك‪،‬‬
‫أما يف أفريقيا فاالزعاج حيدث إذا منعتم مروره"(‪.)295‬‬

‫‪ 0-III‬منشآت الري‪:‬‬
‫تصنف املنشآت املستغلة يف سقي األراضي الزراعية إىل نوعني رئيسني ؛ منشآت‬
‫للتجميع وأخرى للتوزيع‪ ،‬شهدت االكتشافات األثرية على انتشارها الواسع يف أفريقيا والعديد‬
‫منها كان قد أجنز يف الفرتة السابقة للرومان ‪ ،‬واملالحظ هو تكيف هذه املنشآت مع طبيعة‬
‫السطح وطبيعة االحندار وكذا مع أصل املياه بشكل جيعل استغالهلا يف الري عمال سهال‬
‫وفعاال‪ ،‬ومن جهة أخري فقد حرص املزارعون على استغالل أغلب مصادر املياه املتاحة سواء‬
‫كانت آبارا أو عيونا أو أودية‪...‬اخل‪.‬‬

‫‪ 0-0-III‬منشآت التجميع‪:‬‬

‫عثر على أسرة أودية مشال أفريقيا على العديد من السدود اليت استعملها املزارعون‬
‫حلفظ وختزين مياه هذه األودية الستغالهلا يف الري خالل فرتات اجلفاف‪ ،‬وعادة ما تقام هذه‬
‫السدود يف خوانق األودية واغلبها اصطناعي شيد له جدار معرتض يصد مياه األودية جلمعها‪،‬‬
‫وقد دلت األحباث األثرية على وجود عدة مناذج من هذه املنشآت يف أفريقيا كالسد املقام‬

‫(‪)294‬‬
‫‪Du Coudray (La Blanchère), l’aménagement de l’eau et l’installation rurale‬‬
‫‪dans l’Afrique Ancienne, Imprimerie Nationale , Paris 9912, p34.‬‬
‫(‪)295‬‬
‫‪Gsell(St.), l’Algérie dans l’antiquité…Op.Cit., p65.‬‬
‫‪86‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫بدومان (‪ )Enfida‬بالقرب من زغوان الذي ختصص مياهه لري سهل دار الباي(‪ ، )296‬وقد‬
‫عرف عن الرومان إتقاهنم الكبري لبناء السدود كما دل على ذلك سد واد درب بالقرب من‬
‫قصرين (‪ )Cillium‬الذي يبلغ ارتفاعه عشرة أمتار و طوله أكثر من مائة مرت ‪ ،‬شيدت على‬
‫طول جداره املعرتض طريق عرضها حوايل مخسة أمتار(‪ ،)297‬وقد دل األطلس األثري للجزائر‬
‫على وجود عدة منشآت مماثلة من بينها سد اخلرزة على وادي احلم(‪ )El Ham‬جبهة بوغار‬
‫خصصت مياهه لري السهل الواقع على الضفة اليسرى من الوادي(‪ ،)298‬وسد آخر مقام على‬
‫وادي القصب باملسيلة له نفس الدور(‪.)299‬‬

‫كما اهتم املزارعون جبمع مياه األمطار خاصة باملناطق اجلافة يف بالوعات أو خزانات‬
‫طبيعية‪ ،‬واهتموا أيضا جبمع مياه اجلداول الصغرية ومياه األمطار الرعدية املؤقتة هبدف استغالهلا‬
‫يف الري باألرياف ‪ ،‬حيث تقام هذه اخلزانات أو الصهاريج أسفل املنحدرات اجلبلية ث توجه‬
‫بعد ذلك إىل خزانات أوسع منها(‪ ،)300‬وهذه التقنية ابتكار مثايل الستغالل مياه األمطار اليت‬
‫يصعب التحكم فيها‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى فقد شهدت االكتشافات األثرية على وجود العديد من اآلبار اليت‬
‫تعود للفرتة الرومانية خاصة مشال األوراس والواحات الصحراوية اليت اشتهرت بآبارها‬
‫االرتوازية(‪ ،)301‬وتتميز هذه اآلبار بالدقة العالية للتقنيات املعتمدة يف إنشائها‪ ،‬كما أن عمقها‬
‫الذي يرتاوح بني(‪ 55‬و‪41‬م) مبنطقة جنوب طرابلس على سبيل املثال يكرس النظرية القائلة‬
‫باستقرار املناخ خالل تلك الفرتة (‪ ،)302‬وقد عثر بأفريقيا على العديد منها مثل بئر أم غموم‬

‫( ‪)296‬‬
‫‪Du Coudray (La Blanchère),Op.Cit., p53.‬‬
‫(‪)297‬‬
‫جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.555‬‬
‫(‪)298‬‬
‫‪Gsell (S.) , Atlas Archéologique de l’Algérie(A.A.A.),2éme édition, Agence‬‬
‫‪Nationale d’Archéologie et de protection des sites et monuments historiques,‬‬
‫‪Alger1997, , F°56, N°962.‬‬
‫( ‪)299‬‬
‫‪Ibid., F°25, N°75.‬‬
‫(‪)300‬‬
‫شنييت (حممد البشري)‪ ،‬التغريات االقتصادية‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.551-518‬‬
‫(‪)301‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit.,p121.‬‬
‫(‪)302‬‬
‫‪Laronde(A.) ,Op.Cit., p129.‬‬
‫‪87‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬
‫(‪)304‬‬
‫(‪ )Oum Remoum‬بناحية سطيف(‪ ،)303‬وبسداجة (‪ )Sadadja‬وقصر بلقاسم‬
‫مبنطقة عني البيضاء (انظر أدناه الشكل(‪ )9‬ص‪.) 91‬‬

‫الشكل (‪ :)8‬بئر من الفترة الرومانية‬


‫المصدر ‪Birebent (J.), op. cit., p 206. :‬‬

‫(‪)303‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A. , F°94, N°911.‬‬
‫( ‪)304‬‬
‫‪Ibid., F°28, N°72,267.‬‬
‫‪88‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ 2-0-III‬قنوات التوزيع‪:‬‬

‫باإلضافة إىل املنشآت املخصصة لتخزين املياه‪ ،‬شيدت منشآت أخرى توزع املياه على‬
‫األراضي الزراعية ‪ ،‬ويتعلق األمر بالقنوات اليت تنقل املياه من مصادر املياه مباشرة أو من‬
‫خزانات احلفظ املشيدة يف األماكن اليت تشرف على احلقول واملزارع واليت خيتار هلا املزارعون‬
‫أماكن مرتفعة تسمح بتوزيع مياهها‪ ،‬وترتبط هذه القنوات بصفة مباشرة بالري وهي ذات‬
‫أحجام وأشكال متعددة ترتبط أساسا بطبيعة السطح وقوة تدفق املياه ‪ ،‬وقد درس بريبان عدة‬
‫مناذج منها بالشرق اجلزائري كقرية فرجيو(‪ )Fridjou‬الواقعة جنوب سهل احململ (خنشلة)‬
‫اليت اكتشف هبا الباحث عدة قنوات ري خيتلف عرضها حسب احلاجة إىل املياه تستعمل لنقل‬
‫مياه عني فرجيو اىل املزارع(انظر أدناه الشكل(‪ )8‬ص‪. )98‬‬

‫واحلقيقة أن مثل هذه القنوات الناقلة منتشرة بكثرة يف أفريقا الشمالية وبعضها قنوات‬
‫سطحية وأخري باطنية‪ ،‬واملالحظ أيضا أن ضفاف األودية الداخلية تعترب من أكثر املناطق اليت‬
‫عثر هبا على هذه املنشآت ‪ ،‬ولعل ذلك يعود إىل استغالل مياه األودية بكثافة يف هذه املناطق‬
‫املعروفة بندرة التساقط وقلة مصادر املياه‪ ،‬وقد ودل األطلس األثري للجزائر على تواجد آثارها‬
‫على ضفاف العديد من األودية من بينها منطقة مستغامن اليت عثر هبا على قناة على مستوى‬
‫الضفة اليمىن لوادي مينة تنقل املياه من سد مقام هبذا الوادي على مسافة ‪ 4‬كلم لري‬
‫احلقول(‪ ،)305‬ويف بوسعادة عثر على قناة مماثلة منطلقة من عني مزارزو(‪)Ain Mezarzou‬‬
‫بأوالد خالد على امتداد كيلومرتين خمصصة للري(‪... )306‬اخل ‪ ،‬و على مستوى وادي‬
‫أغريب(‪ )Ogrib‬الذي يقع على التخوم الصحراوية اجلنوبية على بعد ‪55‬كم من خنقة‬
‫سيدي ناجي(النمامشة) تظهر آثار هذه القنوات جلية (انظر أدناه الشكل(‪ )51‬ص‪)98‬‬
‫حيث تتفرع عدة قنوات رئيسية وثانوية انطالقا من هذا الوادي باجتاه األراضي الزراعية لريها‪،‬‬
‫كما تظهر آثار واضحة لسد أعلى الوادي جتمع به املياه الستعماهلا عند نقص منسوب‬

‫(‪)305‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A., F°21, N°37.‬‬
‫( ‪)306‬‬
‫‪Ibid., F°36, N°3.‬‬
‫‪89‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫الوادي(‪ ،)307‬كما عرف عن مزارعي تلك املرحلة نقلهم ملياه هذه األودية عرب قنوات باطنية إىل‬
‫مناطق بعيدة ويف هذا الشأن وصف لنا بركوب املنشآت املنطلقة من وادي أبيغاس‬
‫(‪ )Abigas‬الذي ينبع من األوراس فيحول املزارعون مياهه عرب قنوات باطنية إىل حقوهلم ‪،‬‬
‫وكانوا يسدون القنوات بسدادات للتحكم يف مياهه واستغالهلا حسب حاجتهم إليها(‪.)308‬‬

‫الشكل(‪ :)3‬نقل المياه عبر قنوات بقرية فريجو(خنشلة)‬


‫المصدر‪Birebent (J.), Op. Cit., p 81. :‬‬

‫)‪(307‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit.,pp92-94.‬‬
‫(‪)308‬‬
‫‪Procope de Césarée ,II,19,12.‬‬
‫‪90‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫الشكل(‪ :)01‬شبكة الري على وادي أغريب(‪)Ogrib‬‬


‫المصدر‪Birebent (J.), Op. Cit., p93. :‬‬

‫‪ 2-III‬نظام الري في المصبا (‪:)309()Lamasba‬‬


‫يعترب النص الذي عثر عليه يف المصبا النص الوحيد الذي يعرفنا بنظام توزيع املياه بني‬
‫املزارعني وبطريقة علمية وعادلة تسر اجلميع‪ ،‬فما عدا نص بلني الذي اقر أن نظام توزيع املياه‬
‫بني البساتني يف واحة قابس (‪ )Tacape‬تتم حسب عدد من الساعات(‪ ، )310‬فانه ال وجود‬
‫لنص آخر غري هذا النص ينبؤنا هبذا النوع من التقسيم وهبذا النوع من العالقات بني املزارعني‪.‬‬

‫المصبا (‪)Lamasba‬هي مدينة مروانة حاليا أو مدينة (‪ )Corneille‬خالل العهد االستعماري الفرنسي‪.‬‬ ‫(‪)309‬‬

‫( ‪)310‬‬
‫‪Pline l’Ancien, XVIII, LI. 22.‬‬
‫‪91‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬
‫(‪)311‬‬
‫يف‬ ‫عثر على هذا النص عام ‪5911‬م من طرف ماسكوراي (‪)Masqueray‬‬
‫خرائب المصبا (انظر أدناه الشكل(‪ )55‬ص‪ ،)88‬وتكمن أمهية هذا النص يف احتوائه على‬
‫معلومات قيمة ومتنوعة عن العمل الزراعي ‪ ،‬فقد ورد فيه أمساء املالك ومقدار مساحة األرض‬
‫وقيمتها‪ ،‬باإلضافة إىل املدة الزمنية املخصصة للري لكل مالك ‪ ،‬وقد حدد هذا الوقت حتديدا‬
‫دقيقا بداية بالتاريخ اليومي الذي يشرع فيه يف عملية الري (بداية من ‪55‬سبتمرب) والفرتة (ليال‬
‫أو هنارا) باإلضافة إىل عدد الساعات املخصصة للري لكل مزارع واليت حددت فرتة بدايتها‬
‫وهنايتها بصفة دقيقة (مثال من الساعة الواحدة صباحا إىل الساعة الثالثة صباحا) (‪.)312‬‬

‫ويظهر من خالل األسطر األوىل هلذا النص الذي نقش على لوح حجري أن الكولون‬
‫مالك هذه األراضي اليت تستفيد من الري مل يكونوا راضني من طريقة تقسيم املياه اليت كانت‬
‫سائدة من قبل حتت حكم إالقابالوس(‪555-559 Elagabalus‬م) وبذلك يكونون قد‬
‫كلفوا نائبني أو أكثر بصياغة نظام جديد يسود فيه العدل ويراعى فيه مقدار املساحة‬
‫واملوقع‪...‬اخل ‪ ،‬وقد أشار النص إىل أن من قام بصياغة هذا النظام هو فالنتينوس‬
‫(‪ )Valentinus‬ومساعده(‪.)313‬‬

‫ونظرا للتساقط غري املنتظم يف هذه املنطقة ‪ ،‬فان مزارعي المصبا كانوا ميارسون "ريا‬
‫شتويا" قصد جتنب آثار ندرة األمطار يف مواسم اجلفاف ‪ ،‬وقد أشارت النقيشة بوضوح إىل أن‬
‫موسم الري يشرع فيه ابتداء من ‪ 55‬سبتمرب إىل غاية أواخر شهر مارس على األرجح الن‬
‫اجلزء السفلي من النقيشة غري مكتمل (‪ ،)314‬وفرتة الري هذه توحي إىل أن الزراعات املمارسة‬

‫( ‪)311‬‬
‫‪Masqueray(E.) , 2éme rapport à M. le Général Chanzy gouverneur général de‬‬
‫‪l’Algérie sur la mission dans le sud de la province de Constantine , R.Af. ,N°21,‬‬
‫‪1877, pp33-45.‬‬
‫( ‪)312‬‬
‫‪De Pachtre (F.G.), le règlement d’irrigation de Lamasba , in : M.A.H. ,T.28, 1908,‬‬
‫‪p374.‬‬
‫( ‪)313‬‬
‫‪D.Shaw (Brent) , Lamasba; an ancient irrigation community, An.Af., T.18, 1982,‬‬
‫‪p70.‬‬
‫( ‪)314‬‬
‫‪Pavis d’Escurac (H.), Op.Cit. , p182.‬‬
‫‪92‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫هي زراعات شتوية مثل زراعة القمح والشعري باإلضافة إىل زراعة الزيتون الذي دل النص على‬
‫زراعته وشهدت علية آثار املعاصر املكتشفة باملنطقة‪.‬‬

‫أشار النص إىل أن مصدر املياه هو مياه كلوديانا (‪ ،)Aqua Claudiana‬وهي على‬
‫حد افرتاض البعض قناة ناقلة(‪)315‬يف حني اعتربها آخرون سدا مزودا بشبكة من‬
‫القنوات(‪ ،)316‬بينما رجح شاو (‪ )D.Shaw‬أن تكون عينا قريبة من املنطقة(‪ ،)317‬ويف هذا‬
‫اإلطار دائما مت العثور على قناة باطنية ناقلة للمياه خالل فرتة االحتالل الفرنسي باملنطقة أثناء‬
‫تشييد مدينة مروانة (‪.)318()Corneille‬‬

‫إن األراضي املعنية بالري يف المصبا عبارة عن مدرجات(‪ ،)Scalae‬لذا كان ريها‬
‫يكتسي ميزة خاصة ؛ فاملياه تنقل من مدرج آلخر وفق مدة زمنية حمددة ‪ ،‬وكل املدرجات‬
‫مزودة بقنوات وقد أشار النص إىل ختصيص ساعة كاملة حىت متتلئ قبل الشروع يف عملية‬
‫الري(‪ ،)319‬ويف املنطقة العلوية هلذه املدرجات هناك سد موزع للمياه وفق نظامني‪ :‬مياه صاعدة‬
‫ومياه نازلة وفق مبدأ التناوب‪ ،‬فاملياه النازلة هي املياه اليت تنزل مباشرة من السد عرب قنوات إىل‬
‫احلقول لريها ‪ ،‬أما املياه الصاعدة حسب تفسري البعض فرتفع إىل علو أعلى بواسطة آلة خاصة‬
‫(ناعورة) ليعاد توزيعها على احلقول بعد ذلك(‪ ،)320‬غري أن هذه النظرية مل تلق ترحيبا عند‬
‫الكثريين‪ ،‬ويبدو أن تفسري دو باشتري (‪ )321( )De Pachtre‬أكثر إقناعا ‪ ،‬حيث اعترب أن فرتة‬
‫شهر كامل قد كانت مقسمة إىل أربع فرتات؛ فرتتان من عشرة أيام للمياه النازلة تتخللهما‬
‫فرتتان من مخسة أيام للمياه الصاعدة وهو ما أشار إليه النص ‪ ،‬فالنظام يبقي نفسه بينما‬
‫منسوب املياه هو الذي يتغري بتغري االحندار ‪ ،‬حيث أن منسوب املياه النازلة أعلى من منسوب‬
‫املياه الصاعدة وهلذا جاءت االختالفات واضحة يف النص فيما يتعلق مبقدار الساعات‬
‫( ‪)315‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit.,p400.‬‬
‫( ‪)316‬‬
‫‪De Pachtre (F.G.),Op.Cit., p383.‬‬
‫( ‪)317‬‬
‫‪D.Shaw (Brent) , Op.Cit., pp72-73.‬‬
‫(‪)318‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit.,p011.‬‬
‫( ‪)319‬‬
‫‪De Pachtre (F.G.),Op.Cit., p011.‬‬
‫( ‪)320‬‬
‫‪Corpus Inscriptionum Latinarum (CIL.),Berlin,1881 , VIII, 4440,p956.‬‬
‫( ‪)321‬‬
‫‪De Pachtre (F.G.),Op.Cit., pp386-387.‬‬
‫‪93‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫املخصصة للري رغم تقارب املساحة املزروعة‪ ،‬فماتيوس فورتيس (‪ )Mattius Fortis‬مثال‬
‫خصصت له أربع ساعات لري مساحة ‪ K 819‬من املياه النازلة بينما دونتيليوس سينيكس‬
‫(‪ )Dentilius Senex‬خصصت له سبع ساعات لري مساحة مماثلة (‪ )K 811‬من املياه‬
‫الصاعدة(‪.)322‬‬

‫تنبغي اإلشارة إىل أن األمساء الواردة يف النص كلها أمساء رومانية وبعضها أمساء نساء‬
‫وأربعة أمساء أخري لقدماء اجلند‪ ،‬واملالحظ أيضا هو تقارب هذه األمساء من بعضها البعض ما‬
‫يوحي إىل أنه رمبا تكون هذه األراضي ملكيات متوارثة (‪ ،)323‬كما أن النص عرفنا بوحدة‬
‫مساحية جديدة وهي املعرب عنها حبرف(‪ )K‬اليت مل يتوصل الباحثون إىل حتديدها وقد تكون‬
‫وحدة خاصة تعارف عليها مزارعو منطقة المصبا‪.‬‬

‫( ‪)322‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit., pp403-404.‬‬
‫(‪)323‬‬
‫‪Pavis d’Escurac (H.), Op.Cit. , p184.‬‬
‫‪94‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫الشكل(‪ :)00‬نظام الري في المصبا (‪)Lamasba‬‬


‫المصدر‪Birebent (J.),Op.Cit.,p402.:‬‬
‫‪95‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ IV‬منظومة االستغالل الزراعي‪:‬‬


‫عملت اإلدارة الرومانية منذ البدايات األوىل على هتيئة ظروف مالئمة الستغالل زراعي‬
‫منتج بأفريقيا‪ ،‬فباإلضافة إىل حرصها على تقسيم األراضي األفريقية وحتديد صفتها القانونية؛‬
‫عملت على تنظيم هذه امللكيات داخليا وسعت لتحديد العالقات بني الفئات املختلفة‬
‫املستغلة هلذه املستثمرات األفريقية كما دلت على ذلك نصوص التشريعات الزراعية‪ ،‬ومبرور‬
‫السنوات رسخت يف األراضي األفريقية أنظمة استغالل متعددة كرست سياسة احلكام املرتكزة‬
‫على تشجيع أنواع زراعية معينة وعلى تشجيع امللكيات الكبرية املنتجة اليت يسيطر عليها كبار‬
‫الشخصيات الرومانية على حساب امللكيات الصغرية اليت تالشى الكثري منها خصوصا خالل‬
‫القرن األول للميالد‪ ،‬وقد كان لنصوص التشريعات األفريقية الفضل يف إمدادنا بالعديد من‬
‫املعلومات حول منظومة االستغالل الزراعي حيث عرفتنا باملوظفني املسريين للملكيات الكبرية‬
‫ووضعية الكولون ونظام امللكية واالستغالل‪...‬اخل‪.‬‬
‫‪ 0-IV‬وسائل اإلنتاج‪:‬‬
‫إن بالد الرببر كانت يف كثري من أجزائها مهيأة للزراعة‪ ،‬فالرومان عند استقرارهم‬
‫بشمال أفريقيا وجدوا قاعدة زراعية متينة وواضحة املعامل‪ ،‬وبإدخاهلم لسياسات جديدة يف هذا‬
‫اجملال سامهوا يف إثرائها وتطويرها‪ ،‬ودون شك فان التوسع الزراعي الذي حصل على عهدهم‬
‫كان وراءه سياسة حكيمة يف استغالل وسائل اإلنتاج املتاحة بشكل جيعلها تستجيب للسياسة‬
‫العامة املسطرة يف هذا اجملال‪ ،‬فلم يرتك الرومان مقوما من مقومات الزراعة إال واستغلوه أحسن‬
‫استغالل خاصة األرض األفريقية اخلصبة وطاقاهتا البشرية اليت تشكل احملرك الرئيسي للعمل‬
‫الزراعي‪.‬‬
‫‪ 0-0-IV‬األرض‪:‬‬
‫امجع املؤرخون القدامى واملختصون يف التاريخ القدمي ألفريقيا الشمالية على أن كل‬
‫الشروط الضرورية إلقامة زراعة مثمرة وناجحة كانت متوفرة يف أفريقيا خالل الفرتة الرومانية؛‬
‫‪96‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫فاملناخ مماثل ملا هو عليه اليوم(‪ )324‬والرتبة خصبة مشبعة بفوسفات الكلس تسمح للمحراث‬
‫بشقها بكل سهولة ونعومة(‪ )325‬رغم أن جوليان قد زعم جزافا بان البلدان اليت استعمرها‬
‫الرومان مل تكن خصبة يف جمملها بسبب وجود طبقة من الكلس املستعصية على احملراث‬
‫باإلضافة إىل اجلفاف وهي عوامل حسبه حتول دون وفرة اإلنتاج(‪ ،)326‬غري أن هذا االدعاء ال‬
‫يتماشى مع املصادر األدبية وال استنتاجات اغلب الباحثني ‪ ،‬فقد اعترب رستوقتزف انه من غري‬
‫املمكن احلديث عن ضعف الرتبة يف املقاطعات الرومانية ومنها أفريقيا وال وجود لدليل يشري‬
‫إىل إهناك عام أصاب الرتبة كما يدعى البعض(‪ ،)327‬ولعل ما ميكن تسجيله يف هذا اإلطار هو‬
‫أن مصادر القرن الرابع واخلامس(‪ )328‬قد حتدثت عن تدهور عرفته الزراعة وإمهال لألراضي‬
‫نتيجة ثقل الضرائب وهذا األمر دون شك يكون قد اثر على خصوبة األرض كنتيجة إلمهاهلا ‪،‬‬
‫أما عدا ذلك فكل الدالئل تشري إىل اخلصوبة الرائعة اليت تتميز هبا أفريقيا خالل تلك املرحلة‬
‫حىت يف مناطق هي اليوم مناطق قاحلة وجافة‪.‬‬

‫‪ 2-0-IV‬أشكال الملكية ‪:‬‬

‫زودنا قانون عام ‪555‬ق‪.‬م مبعلومات قيمة حول ما يتعلق بنظرة اإلدارة الرومانية إىل‬
‫األرض األفريقية وصفتها القانونية ‪ ،‬وقد حدد هذا القانون أنواعا متعددة مللكية األرض خالل‬
‫القرن األول قبل امليالد؛ حيث أشار إىل األراضي اليت بيعت إىل اخلواص (‪privates Ager‬‬

‫‪ )jure quiritium‬واألراضي املكنرتة اليت تسمح السلطة لألفراد باستغالهلا مقابل دفع ضريبة‬
‫عينية وعرفت باألراضي العمومية (‪ ،)Ager publicus‬باإلضافة إىل أراضي الستيبندياري‬
‫(‪ )Stipendiarii‬وهي األراضي اليت يدفع أصحاهبا ضريبة الرأس أو اجلزية وهي نفس األراضي‬
‫اليت توسع على حساهبا الرومان فيما بعد‪ ،‬وقد أشار هذا القانون أيضا إىل نوعني آخرين ؛‬

‫)‪(324‬‬
‫‪Gsell(St.), H.A.A.N., T. I, pp51-52.‬‬
‫)‪(325‬‬
‫‪Gsell(St.), l’Algérie dans l’antiquité…Op.Cit., pp67-68.‬‬
‫(‪(326‬‬
‫جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.515‬‬
‫(‪)327‬‬
‫رستوقتزف(م‪ ، ).‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.445‬‬
‫)‪(328‬‬
‫‪Code Théodosien ,XI,28 ,13.‬‬
‫‪97‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ )Ager‬اليت‬ ‫(‪privatus jure peregrino‬‬ ‫أراضي ورثة ماسينيسا وأراضي املدن السبع احلرة‬
‫بقيت يف أيدي مستغليها ومل تتدخل السلطات الرومانية النتزاعها(‪.)329‬‬

‫غري أن نظم امللكية يف أفريقيا خالل القرن الثاين باخلصوص قد تغري مع تطور عملية‬
‫التوسع اإلقليمي والزراعي وتبلورت امللكية يف شكل مخسة أنواع(‪:)330‬‬

‫أراضي اإلمرباطور اخلاصة‪ :‬وتعرف عادة باملراعي امللكية‪ ،‬وهي أراض مستقلة‬ ‫‪‬‬

‫استقالال تاما عن املدن وجهازها اإلداري والضرييب‪.‬‬


‫أراضي العائالت االرستقراطية‪ :‬على رأسها عائالت الطبقة السيناتورية وتعرف هذه‬ ‫‪‬‬

‫األراضي باملراعى اخلاصة (‪ ،)Saltus privati‬فحىت بعد مصادرة نريون للكثري منها‬
‫إال انه قد بقي يف أيدي هؤالء العديد منها‪.‬‬
‫أراضي املستعمرات (‪ )colonia‬والبلديات (‪ )municipium‬واملدن (‪ :)civitas‬وهي‬ ‫‪‬‬

‫أقاليم املدن اليت جسدت عليها مشاريع االستيطان الروماين‪.‬‬


‫أراضي العشائر (‪ :)gens‬بعضها متت كنرتته واستغالله والبعض اآلخر ترك كمراع‬ ‫‪‬‬

‫ملاشية الشعوب األفريقية‪.‬‬


‫أراضي مناطق التعدين والغابات‪ :‬بعضها وضع حتت سيطرة األباطرة والبعض اآلخر‬ ‫‪‬‬

‫أجر إىل شركات خاصة‪.‬‬

‫إن املالحظ عن امللكية خالل الفرتة الرومانية هو السيطرة الكاملة على األراضي‬
‫اخلصبة من قبل اإلمرباطور والشخصيات املهمة كأعضاء جملس الشيوخ الروماين وطبقة الفرسان‬
‫الذين كانت ملكياهتم تضم مساحات شاسعة ‪ ،‬غري أن هذا ال ينفي وجود طبقة من املالك‬
‫الريفيني الصغار الذين امتلكوا أراضي صغرية املساحة ‪ ،‬وقد عرفنا نص المصبا يف هذا الشأن‬

‫( ‪)329‬‬
‫‪CIL,I,200.‬‬
‫(‪)330‬‬
‫رستوقتزف(م‪ ،).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.889-889‬‬
‫‪98‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫جبزء من هذه امللكيات وطرق تقسيم املياه كما اخربنا بتكتل هؤالء يف نقابات أو‬
‫مجعيات(‪ )pagus‬قصد الدفاع عن حقوقهم وتنظيم استغالهلم لألرض(‪.)331‬‬

‫‪ 2-0-IV‬نظام االستغالل واإلنتاج‪:‬‬


‫إن مظهر امللكيات الواسعة الذي ميز أفريقيا خصوصا خالل القرن األول قد صاحبه‬
‫صعوبة يف تسيريها ما جعل مالكها يلجؤون إىل زراعتها بالوكالة‪ ،‬حيث عادة ما يقومون‬
‫بتأجريها إىل الكولون أو يوكلون مهمة اإلشراف عليها إىل مسريين مأجورين‪ ،‬واحلقيقة أن هؤالء‬
‫املالك كانوا غري مرتبطني باألرض واغلبهم ميتلك أراض غريها جبهات أخري ‪ ،‬وقد كانوا‬
‫يستأثرون باحلياة يف املدن بينما يكلفون امللتزمني(‪ )Conductor‬بتأجري األرض للكولون‬
‫الستغالهلا مقابل دفع حصة من اإلنتاج إىل مالك األرض‪ ،‬كما كان الكولون بدورهم يلتزمون‬
‫بالعمل جمانا يف األراضي اليت يستغلها امللتزمون أو املالك؛ يومان يف احلرث ويومان يف احلصاد‬
‫ويومان يف تنقية الزرع باإلضافة إىل احلراسة اجملانية للدومان(‪.)332‬‬
‫كان هذا النظام املذكور منتشرا خالل القرن الثاين‪ ،‬والفضل يعود لنص هنشري مطيش‬
‫ونص عني اجلمالة اللذين زودانا مبعلومات حول العالقات القائمة بني املالك واملستغلني‬
‫احلقيقيني هلذه األراضي‪ ،‬أما قبل هذه الفرتة فال تزال طريقة االستغالل خالهلا مبهمة رغم أن‬
‫البعض قد افرتض أن يكون هؤالء املالك قد سخروا العبيد للقيام بشؤون مستثمراهتم(‪ ،)333‬أما‬
‫يف أواخر عهد اإلمرباطورية وحتديدا يف هناية القرن الرابع فقد ظهرت بوادر االجتاه حنو منط شبيه‬
‫بالنظام اإلقطاعي(‪ ،)334‬حيث تعاظمت سلطة السيد اإلقطاعي (‪ )Dominus‬الذي أصبح‬
‫أكثر استقالال يف أرضه ميارس سلطته كما يريد ويغتصب حقوق الكولون وحقوق الدولة‬
‫(الضرائب) يف ظل غياب املراقبة املباشرة هلا‪.‬‬

‫(‪)331‬‬
‫‪D’Escurac-Doisy Doublon (Henriette),Notes sur le phénomène associatif dans le‬‬
‫‪monde paysan à l’époque du Haut-Empire, in : An.Af. , N°1, 1967, pp60-61.‬‬
‫( ‪)332‬‬
‫‪Cagnat(R.), Inscription d’Henchir-Mettich…Op.Cit., pp151-153.‬‬
‫(‪ )333‬رستوقتزف(م‪ ،).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.397‬‬
‫(‪ )334‬حمجويب (ع‪ ، ).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.519‬‬
‫‪99‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ 4-0-IV‬العمال واإلدارة المسيرة‪:‬‬


‫حرص اإلمرباطور وإدارته على تنظيم املستثمرات وحتديد املهام بني املوظفني‪ ،‬وقد كان‬
‫هذا اجلهاز معقدا يضم عدة موظفني يتدرجون يف املسؤولية واملهام وكلهم تابعون للديوان‬
‫اإلمرباطوري‪ ،‬يأيت يف مقدمة هؤالء املوظفني الوكيل املايل إلدارة أمالك اإلمرباطور‬
‫الشخصية(‪ )Procurator‬والذي كان يقيم مع هيأته اإلدارية يف روما ‪ ،‬وهو موظف عايل‬
‫الرتبة من طبقة الفرسان ويتوىل باألساس مهمة وضع القواعد التنظيمية وإصدار املذكرات‬
‫التنفيذية(‪ ،)335‬كما كان لكل مقاطعة وكيلها املايل ينتمي هو اآلخر إىل طبقة الفرسان يقيم‬
‫باملقاطعة اليت عني هبا و يتوىل مهمة مراقبة مقاطعته وتقدمي توجيهات لوكالء آخرين مرتبطني‬
‫به‪ ،‬وكان هؤالء مسؤولني مباشرة أمام اإلمرباطور ويتمتعون باستقاللية كاملة عن حكام‬
‫املقاطعات(‪ ،)336‬وهناك وكالء آخرين اقل درجة من سابقيهم ومرتبطني هبم يستقرون على‬
‫أراضي الدومان يتولون مهمة املتابعة واملراقبة املباشرة للدومان ‪ ،‬وهلم صالحية انتزاع األراضي‬
‫اليت مل تزرع من طرف الكولون وميكن هلم أن يستأثروا جبزء من الدومان الستغالله واالحتفاظ‬
‫بنسبة من العائدات الضريبية(‪ ،)337‬كما أن هلم دور إبرام العقود مع امللتزمني أو املستأجرين‬
‫(‪ )Conductores‬وتوىل دور احملكمني يف املنازعات اليت عادة ما تقوم بني امللتزمني والكولون‬
‫إضافة إىل دورهم األساسي يف التأكيد على حتصيل العائدات املستحقة كاملة(‪.)338‬‬
‫أما امللتزمون أو املستأجرون(‪ )Conductores‬فهم مستثمرون من الطبقة االرستقراطية‬
‫الذين يتمتعون بالنفوذ‪ ،‬وقد تكون هلم ملكيات باإلضافة إىل استئجارهم للمستثمرات‬
‫اإلمرباطورية‪ ،‬فقد كانوا يسعون بشىت الطرق لزيادة ثرواهتم وبسط سلطتهم‪ ،‬واألرجح أن هؤالء‬

‫(‪)335‬‬
‫حمجويب (ع‪ ، ).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.496‬‬
‫(‪ )336‬تشارلز ورث (أ‪.‬ب)‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬ترمجة رمزي عبده جرجس‪ ،‬مراجعة حممد صقر خفاجة‪ ،‬مطابع اهليئة‬
‫املصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر ‪5888‬م‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫( ‪)337‬‬
‫‪Peyras (J.), Le Fundus Aufidianus : étude d’un grand domaine de la region de‬‬
‫‪Mateur (Tunisie du Nord), in : An.Af., N°9, 1975, pp210-211.‬‬
‫(‪ )338‬حمجويب (ع‪ ، ).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.489‬‬
‫‪100‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫قد استخدموا العبيد يف زراعة هذه األراضي إضافة إىل استعانتهم باألجراء واستغالهلم للرخصة‬
‫اليت منحها هلم قانون مانكيانا أي توظيف الكولون يف العمل القسري(‪.)339()operae‬‬

‫إضافة إىل هؤالء هناك فئة أخرى من العمال الذين هلم عالقة بتسيري هذه املستثمرات‬
‫وهم عمال بسطاء مقارنة بسابقيهم ‪ ،‬فقد دلت النصوص على وجود عمال‬
‫مكتبيني(‪ )Tabularii‬وأعواهنم باإلضافة إىل حمررين(‪ )Libra notarii‬يسجلون املكاييل‬
‫واألوزان ومنادون عموميون (‪ )Praecones‬يتولون مهمة اإلعالم داخل املستثمرات وعمال‬
‫مساحة حيددون احلصص الواجب زراعتها‪ ،‬باإلضافة إىل مرافقني (‪ )pedisqui‬لكبار املسريين‬
‫و أطباء(‪ )Medici‬جيمعون بني الطب البشري والبيطري(‪.)340‬‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن هؤالء يشكلون اجلهاز املسري هلذه املستثمرات ‪ ،‬لكن الذين‬
‫يقومون بالعمل الفعلي داخل هذه املستثمرات هم جمموعة من العمال الذين تتعدد صفتهم‬
‫ووظائفهم ‪ ،‬وقد ابرز الكروا يف دراسته(‪ )341‬جمموعة العمال القائمني على العمل الزراعي‬
‫بأفريقيا ؛ من بينهم اجلنود وقدماء اجلنود الذين منحت هلم أراضي الستغالهلا ويعفون من‬
‫الضرائب‪ ،‬وقد وصلتنا العديد من األخبار اليت تدل على جتنيدهم يف عملية استصالح األراضي‬
‫وتنظيمها وجتفيف املستنقعات‪ ،‬باإلضافة إىل السكان األهايل الذين كان هلم دور كبري يف‬
‫التقدم الزراعي يف املناطق اجلنوبية واملناطق اجلبلية ‪ ،‬وهناك أيضا العبيد الذين استغلهم املالك‬
‫للقيام باألعمال الزراعية الشاقة ويعملون دون توقف حتت الرقابة الشديدة للمالك ‪ ،‬ويف‬
‫األخري هناك الكولون الذين هم مواطنون أحرار يستأجرون األرض لزراعتها ويدفعون‬
‫الضرائب(‪ ،)342‬وكان لبعض الكولون ملكياهتم اخلاصة يف بعض املناطق مثلما رأيناه يف‬
‫المصبا‪.‬‬

‫(‪)339‬‬
‫رستوقتزف(م‪ ،).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.397‬‬
‫(‪)340‬‬
‫عقون (العريب)‪ ،‬االقتصاد واجملتمع ‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫(‪)341‬‬
‫‪Lacroix (F.), Afrique Ancienne ,R.Af , volume14, 1870 , pp22-30.‬‬
‫(‪)342‬‬
‫‪Carton (Dr.), la lex Hadriana…Op.Cit., pp16-17.‬‬
‫‪101‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ 2-IV‬المستثمرات الزراعية‪:‬‬
‫لقد تعددت التسميات اليت تطلق على املستثمرات الزراعية الواسعة خالل الفرتة‬
‫الرومانية‪ ،‬مع أن "الدومان" قد مثل املصطلح العام الذي يطلق على هذه األراضي سواء كان‬
‫دومانا عموميا أو خاصا والذي كان يقصد به يف عموم اإلمرباطورية يف اغلب األحيان‬
‫الالتيفونديا ‪ ،‬أما يف أفريقيا فيقصد به أكثر السالتوس ‪ ،‬وقد كان األباطرة خصوصا اليوليني‬
‫والكلوديني والفالفيني واألنطونيني أكثر األشخاص سيطرة على هذه املستثمرات اليت صورهتا لنا‬
‫الفسيفساء األفريقية أحسن تصوير‪ ،‬حيث تظهر بوضوح مشاهد متعددة تدور حول عملية‬
‫االستغالل الزراعي املقام على مستوي هذه امللكيات من حرث وجين للزيتون ورعي‬
‫وصيد‪...‬اخل ‪ ،‬كما صورت لنا يف بعض األحيان إقامة السيد املالك (انظر أدناه الشكل (‪)55‬‬
‫ص‪519‬والشكل (‪ )58‬ص‪.)511‬‬

‫‪ 0-2-IV‬السالتوس (‪: )Saltus‬‬


‫يطلق مصطلح سالتوس على األراضي الغابية والرعوية والرباري‪ ،‬كما يطلق يف بعض‬
‫األحيان على األراضي املزروعة ‪ ،‬والسالتوس نوعان ‪ :‬مرعى صيفي(‪ )Aestivi Saltus‬ومرعى‬
‫شتوي(‪ ،)343()Liberni Saltus‬وتتواجد هذه الساليت خارج املدن وتعود ملكية بعضها إىل‬
‫الطبقة السيناتورية أما الباقي فهو عبارة عن دومان إمرباطوري عمومي(‪ .)344‬تقع أراضي‬
‫السالتوس خارج األراضي الزراعية املكنرتة وقد تكون عملية الكنرتة امتدت إليها فيما بعد‬
‫خصوصا بعد استصالح أجزاء كبرية منها على فرتات متعددة وحتويلها إىل أراضي زراعية خمتصة‬
‫يف إنتاج الكروم والزيتون كما دل على ذلك نص هنشري مطيش‪.‬‬

‫ويقطن على مستوى الساليت البعيدة عن التجمعات السكانية احلضرية والقروية‬


‫السكان الرعاة خاصة‪ ،‬ولعل هؤالء السكان قد نزحوا إىل هذه األراضي بعد انتزاع ملكياهتم‬

‫(‪)343‬‬
‫‪Saglio(E.)et Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R. ,T.I, p126.‬‬
‫(‪)344‬‬
‫‪Beaudouin (Edouard), les grands domaines dans l’Empire Romain D’après des‬‬
‫‪travaux récents , Librairie de la société du recueil général des lois et des arrèts ,‬‬
‫‪Paris 1899, pp 9-10.‬‬
‫‪102‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫أين قاموا باستصالح أجزاء منها وختصيص املساحات الباقية للرعي والصيد(‪ ،)345‬ومن جهة‬
‫أخرى إذا قمنا مبقارنة هذا املصطلح مع التسميات األخرى اليت أطلقت على املستثمرات‬
‫الزراعية نستنتج انه عكس الفندس الذي يعىن األراضي الزراعية املكنرتة‪.‬‬

‫إن املالحظ هو أن هذا االسم أكثر األمساء انتشارا يف أفريقيا ما جعل البعض يعلق‬
‫بأن "أفريقيا هي بامتياز األرض الكالسيكية للساليت" (‪ ،)346‬وال ينبغي أن نفهم من ذلك أن‬
‫أفريقيا كلها أراضي رعوية وبراري كما تدل على ذلك التسمية ‪ ،‬وكل ما يف األمر أن هذه‬
‫األراضي قد حافظت على تسميتها األوىل(سالتوس) بعد هتيئتها مبوجب سياسة التوسع الزراعي‬
‫اليت انتهجها األباطرة واملزارعون ‪ ،‬فتحولت بذلك إىل أراضي زراعية اكتسحتها زراعة الكروم‬
‫والزياتني ‪ ،‬ومن جهة أخرى فقد سجل اغزال أن النصوص األفريقية املنقوشة بعد وفاة‬
‫تراجان(‪89()Trajan‬م‪551-‬م) تظهر بان مصطلح سالتوس مل يعد يدل على امللكيات‬
‫الكبرية العمومية وإمنا تغري مفهومها فأصبحت تعين فرع إداري ريفي أو‬
‫زراعي(‪.)347()Circonscription domaniale‬‬

‫احتفظت النصوص بالعديد من أمساء الساليت األفريقية ؛ فقد كشف كاركوبينو الغطاء‬
‫عن بعضها ونقصد تلك الساليت الواقعة بني وادي جمردة ووادي خالد مبقاطعة الربوقنصلية‬
‫وكلها تنتمي إىل تراكتوس قرطاج (‪( )Tractus Carthaginiensis‬التسميات واملوقع ‪،‬انظر‬
‫أدناه اخلريطة(‪ )9‬ص ‪ ،)515‬وهناك عدد آخر من الساليت اليت تعود ملكيتها إىل خواص مثل‬
‫سالتوس ل‪.‬أفريكانوس(‪ )Saltus L.Africanus‬وسالتوس فالرييا أتيكيال ( ‪Saltus Valeria‬‬

‫مبنطقة اهلرية بقسنطينة‬ ‫(‪)349‬‬


‫‪ ، )348()Atticilla‬وسالتوس باغاتونسيس(‪)Saltus Bagatensis‬‬

‫(‪)345‬‬
‫عقون (حممد العريب) ‪ ،‬االقتصاد واجملتمع ‪...‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫( ‪)346‬‬
‫‪Beaudouin (Edouard),Op.Cit., p9.‬‬
‫( ‪)347‬‬
‫‪Gsell (St.), Inscriptions Latines de l’Algérie ,T.I, Librairie Ancienne Honoré‬‬
‫‪Champion, Paris 1922, p393.‬‬
‫( ‪)348‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), La civilisation de l’Afrique Romaine…Op.Cit., p61.‬‬
‫(‪)349‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A. , F°18, N°158.‬‬
‫‪103‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫وسالتوس باراتيانونسيس(‪ )350()Saltus Paratianensis‬مبنطقة عنابة وسالتوس‬


‫(‪)351‬‬
‫بعني زادة بسطيف وسالتوس سوروثينسيس( ‪Saltus‬‬ ‫هورويوروم(‪)Saltus Horreorum‬‬
‫‪ )352()Sorothensis‬بسوق اهراس‪...‬اخل‪.‬‬

‫‪ 2-2-IV‬الالتيفونديا (‪:)Latifundia‬‬
‫الالتيفونديا هي ملكية زراعية كبرية‪ ،‬وهي عبارة عن فندس أو عدد من الفوندي‬
‫العمومية أو اخلاصة اليت تفوق مساحتها الوحدة الزراعية بقليل‪ ،‬والالتيفونديا اسم يعين "األرض‬
‫احملدودة" يف البداية ‪ ،‬غري انه مل يعد كذلك خاصة خالل العهد اإلمرباطوري أين عرفت‬
‫املستثمرات االيطالية واألفريقية على حد سواء منوا كبريا ‪ ،‬تغري مفهومها إىل امللكيات الواسعة‬
‫بعد التهامها ألراضي صغار املالك(‪ ،)353‬ويف هذا الشأن اخربنا فارون أن املالك الكبار ميتلكون‬
‫مستثمرات واسعة جدا لدرجة أهنم ال يستطيعون التجول فيها وتتبع حدودها حىت ولو ركبوا‬
‫على حصان(‪ ،)354‬وقد عرفت أفريقيا هبذه املستثمرات الواسعة فقد كانت "بالد الالتيفونديا"‬
‫على حد تعبري البعض(‪ )355‬اليت سيطر على اغلبها أعضاء جملس الشيوخ واألباطرة‪.‬‬

‫ظهرت الالتيفونديا خالل عهد اجلمهورية ابتداء من القرن الثاين قبل امليالد‪ ،‬و خالل‬
‫عهد اإلمرباطورية تطورت وزاد عددها بعد اعتداء كبار املالك على ملكيات صغار املالك‬
‫فانتزعوها مبوجب حق الفتح وضموها إىل ملكياهتم اخلاصة‪ ،‬ميتلك الالتيفونديا عائلة ريفية‬
‫‪ )servi‬حتت إدارة‬ ‫العبيد(‪rustici‬‬ ‫‪ )familia‬ويقوم باألشغال فيها عدد من‬ ‫(‪rustica‬‬

‫(‪)350‬‬
‫‪Gsell (St.), F°9, N°4.‬‬
‫(‪)351‬‬
‫‪Ibid., A.A.A. , F°16, N°319.‬‬
‫(‪)352‬‬
‫‪Ibid., F°18, N°454.‬‬
‫(‪ )353‬عقون (العريب) ‪ ،‬االقتصاد واجملتمع ‪...‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪.91-99‬‬
‫(‪)354‬‬
‫‪Varron , l’économie rurale , traduit par M.X. Rousselot, C.L.F.Panckoucke , Paris‬‬
‫‪1843, I,17.‬‬
‫( ‪)355‬‬
‫‪Leveau (Ph.), la situation colonial de l’Afrique Romaine, in: E.S.C.,33éme Année,‬‬
‫‪N°1, 1978, p90.‬‬
‫‪104‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫الفيليكوس (‪ )vilicus‬الذي هو يف األصل من العبيد ويكون حتت إمرته مجيع عبيد‬


‫الالتيفونديا(‪.)356‬‬

‫باإلضافة إىل جشع الطبقة االرستقراطية اليت سامهت يف منو هذه املستثمرات وزيادة‬
‫عددها‪ ،‬يرى كولوندو أن اتساعها مرتبط بسهولة إجياد اليد العاملة الزراعية اليت تعج هبا‬
‫األرياف األفريقية (‪ ،)357‬ومن جهة أخرى يري بلني أن هذه امللكيات الواسعة هي اليت تسببت‬
‫يف دمار ايطاليا وباقي املقاطعات الرومانية‪ ،‬والسبب يف ذلك هو وقوعها يف أيدي مالك غري‬
‫متخصصني أو غري مهتمني بالعمل الزراعي‪ ،‬وكان ماغون قبله قد نصح الذين اشرتوا أراضي‬
‫باألرياف أن يبيعوا منازهلم باملدن حىت يتفرغوا لالهتمام مبستثمراهتم(‪.)358‬‬

‫‪ 2-2-IV‬الفندس (‪:)Fundus‬‬
‫حسب القانون الروماين فان الفندس هو كل ملكية عقارية حتتوي على أراضي أو‬
‫مساكن‪ ،‬ويف بعض األحيان يقصد به الدومان أو جمموعة مشكلة من أراضي ومنشآت ‪ ،‬من‬
‫جهة أخري ميكن أن تطلق هذه التسمية على احلقول الصغرية ذات احلدود املعلومة ‪ ،‬ومن‬
‫احملتمل أن تكون هذه التسمية قد ظهرت أثناء القيام بعملية املسح(‪ ،)359‬والفندس نوعان ‪:‬‬
‫‪ )Fundi‬وأخري خاصة‪ ،‬وال يعترب الفندس إقليما إداريا‬ ‫(‪patrimoniales‬‬ ‫فوندي إمرباطورية‬
‫وإمنا هو مستثمرة فالحية كربي متتلكها العائالت الربجوازية(‪.)360‬‬
‫وفيما يتعلق برتكيبة الفوندي فقد ابرز بايراس(‪ )Payras J.‬يف دراسته لفندس‬
‫أوفيديانوس (‪ )Aufidianus‬جبهة ماطر أنه حيتوى على منطقة هبا سكن املالك‬
‫واملزارع(‪ )colonicae‬اخلاصة بالكولون وهي وحدات مكنرتة ‪ ،‬باإلضافة إىل األراضي املهملة‬
‫( ‪)356‬‬
‫‪L'agriculture romaine: les Latifundia, voir le site : http://www. civilisation -‬‬
‫‪romaine.com/la-vie-economique/l-agriculture-romaine-les-latifundia.‬‬
‫( ‪)357‬‬
‫‪Kolendo(J.),Op.Cit.,p75.‬‬
‫( ‪)358‬‬
‫‪Pline l’Ancien, XVIII , VII,6.‬‬
‫( ‪)359‬‬
‫‪Saglio(E.)et Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R. ,T.II,volume2,pp1366-1367.‬‬
‫(‪ )360‬عقون(حممد العريب)‪ ،‬من التاريخ البلدي للجزائر خالل العهد اإلمبراطوري األول‪ :‬االتحاد السيرتي‪ ،‬دراسة في‬
‫تاريخ وأثار ونظم سيرتا العتيقة‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪5115-5114‬م‪ ،‬ص‪.884‬‬
‫‪105‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫احمليطة حبدود الفندس اليت استغل بعضها الكولون(‪ ،)361‬وقد أوضحت ألواح ألبريتيين أن‬
‫الدومان الكبري الذي يقع على احلدود اجلزائرية التونسية شرق مدينة تبسة والذي يعود إىل‬
‫شخص يدعى فالفيوس جومنيوس كاتولينوس (‪ )Flavius Geminius Catullinus‬حيتوي على‬
‫األقل أربعة فوندي مقسمة هي األخرى إىل عدد من احلصص من بينها فندس‬
‫توليتييانوس(‪ )Fundus Tuletianos‬الذي قسم على األقل إىل مخسني قطعة(‪ ،)362‬و مبنطقة‬
‫مليانة عثر على فندس قايوناتيس(‪.)363()Fundus Gaionatis‬‬

‫‪ 4-2-IV‬البرايديا (‪:)Praedia‬‬
‫الربايديا هو مصطلح عام يقصد به يف القانون الروماين كل ما يتعلق باألرض أو العقار‬
‫ونستطيع متييز األنواع التالية(‪:)364‬‬

‫برايديا املقاطعة (‪ :)Praedia provincialia‬وهي أجزاء من إقليم املقاطعة مل تضم‬ ‫‪‬‬

‫إىل الدومان العمومي وهي ملك للشعب الروماين‪.‬‬


‫الربايديا املرهونة (‪ :)Praedia subdita‬هي األرض املخصصة لضمان الدولة أو‬ ‫‪‬‬

‫البلدية من املدانني أو رجال األعمال‪.‬‬


‫الربايديا املمهورة (‪ :)Praedia dotale‬تطلق التسمية على األرض اليت ال ميكن‬ ‫‪‬‬

‫أن يتصرف فيها الزوج دون موافقة زوجته‪.‬‬


‫برايديا حضرية ( ‪ :) Praedia urbana‬عينها القانون املدين نظرا ملوقعها ‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫فأصحاهبا هم األوائل الذين شيدوا منازل باملدن والذين حيوزون على االعتماد‪،‬‬
‫وعكسها برايديا ريفية(‪.)Praedia rustica‬‬
‫برايديا اليتامى (‪ :)Praedium pupillare‬حقوق القصر اليتامى اليت مينع التصرف‬ ‫‪‬‬

‫فيها دون موافقة حاكم املقاطعة‪.‬‬

‫( ‪)361‬‬
‫‪Payras (J.), Le Fundus Aufidianus…Op.Cit.,pp206-207.‬‬
‫( ‪)362‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), La civilisation de l’Afrique Romaine…Op.Cit., p63.‬‬
‫)‪(363‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A. , F°13, N°34.‬‬
‫( ‪)364‬‬
‫‪Saglio(E.)et Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R. ,T.IV,volume1,p611.‬‬
‫‪106‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫برايديا عمومية (‪ :)Praedia publica‬تطلق التسمية يف بعض احلاالت على‬ ‫‪‬‬

‫امللكيات اإلمرباطورية العمومية‪.‬‬

‫ويبدو أن مصطلح برايديا يف أفريقيا قليل االستعمال ‪ ،‬وهذا ما يفسر لنا شح النصوص‬
‫اليت تشري إىل هذا النوع من األراضي ‪ ،‬وقد أشار اغزال إىل إحداها جبهة تبسة وهي برايديا‬
‫يوليانا (‪ ، )365()Praedia Iuliana‬وبرايديا مبنطقة هنشري كمالل (‪ )kamellal‬بعني البيضاء مل‬
‫بوالينوروم( ‪Praedia‬‬ ‫يعرف صاحبها(‪ ،)366‬كما أشار الدكتور كارتون (‪ )Dr.Carton‬إىل برايديا‬
‫‪ )pullaenorum‬مبنطقة هنشري الشط (تونس) اليت هبا آثار معاصر وبقايا قناة جتلب املياه من‬
‫عني قريبة من هذه املستثمرة إىل خزانات متواجدة هبا ما يدل على أهنا كانت خمصصة لزراعة‬
‫الزيتون(‪.)367‬‬

‫( ‪)365‬‬
‫‪Gsell (St.) , Inscriptions Latines de l’Algérie ,T.I , p367.‬‬
‫(‪)366‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A. , F°28, N°163.‬‬
‫( ‪)367‬‬
‫‪Carton (Dr.), la lex Hadriana…Op.Cit., p13.‬‬
‫‪107‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ 5-2-IV‬الفيلال روستيكا( ‪: )Villa Rustica‬‬


‫إن مصطلح فيلال(‪ )Villa‬مشتق من نفس جذر مصطلح (‪ )Vicus‬وفيلال يعين إقامة‬
‫أو منزل لكن استعماله عادة ما يقصد به املنازل اليت باحلقول البعيدة عن املدن ‪ ،‬أما مصطلح‬
‫فيلال ريفية (‪ )Villa Rustica‬فيقصد به املزارع الريفية اليت هبا إقامات وهبا منشآت ذات عالقة‬
‫بالعمل الزراعي وعكسها فيلال حضرية (‪ ،)368()Villa urbana‬فهي على العموم اجلزء من‬
‫الدومان الذي به منزل مالك املزرعة (‪.)369‬‬
‫إن هذا النوع من املستثمرات الزراعية ظهر بايطاليا خالل القرن األخري من عهد‬
‫اجلمهورية الرومانية ث انتشر بعد ذلك يف كامل أرجاء اإلمرباطورية‪ ،‬ففي املقاطعات كانت‬
‫ملكية الفيلال احمليطة باملستعمرات ملكا لوجهاء املدينة أو قدماء اجلند أو العناصر املرتو منة‬
‫وكان نواب جملس الشيوخ يسيطرون على الكثري منها‪ ،‬تشيد اإلقامة يف الغالب على ربوة حتيط‬
‫هبا أراضي متنوعة االستغالل ‪ :‬بعضها خمصص لزراعة الزيتون والكروم وبعضها لزراعة احلبوب‬
‫واخلضروات والبعض اآلخر حديقة بالقرب من اإلقامة ‪ ،‬باإلضافة إىل أجزاء غابية ومراعي‪ ،‬كما‬
‫حيرص أصحاب هذه املستثمرات على اختيار موقعها حيث حيرصون على إقامتها بالقرب من‬
‫األودية ومصادر املياه األخرى(‪.)370‬‬

‫( ‪)368‬‬
‫‪Saglio(E.)et Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R. ,T. V, p870.‬‬
‫(‪)369‬‬
‫‪Robert (Estienne) ,Dictionarum Latinogallicum, 1522, version électronique,‬‬
‫‪www.ebooksfrance.com., p3749.‬‬
‫)‪(370‬‬
‫‪El Bouzidi (Said), La conception de la villa rustica chez Caton, entreprise‬‬
‫‪agricole où simple ferme rurale ?, Gérion, N°21, Année 2003, pp183-184.‬‬
‫‪108‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫الشكل(‪ :)02‬فسيفساء ‪( Bacchus‬الجم القرن الثالث) تبرز استغالل المستثمرات‪.‬‬

‫المالك(القرن الرابع ‪)Tabraca‬‬ ‫الشكل(‪ :)02‬بيت السيد‬


‫‪109‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ V‬الضرائب الزراعية‪:‬‬
‫مل يكن إخضاع قرطاج من طرف الرومان رغبة منهم يف درأ اخلطر الذي تشكله هذه‬
‫األخرية على حوض املتوسط فقط ‪ ،‬بل ما شغل بال الطبقة احلاكمة واالرستقراطية والسيناتورية‬
‫الرومانية هي اخلريات اليت تتمتع هبا أفريقيا على اختالف أنواعها ‪ ،‬فقد صبت تصرحيات‬
‫الشخصيات الرومانية يف تلك املرحلة يف هذا االجتاه؛ فباإلضافة إىل تصريح كاتون املشهور أمام‬
‫جملس الشيوخ الروماين(‪ ،)371‬صرح يوليوس قيصر(‪ )Jules César‬هو اآلخر أثناء احتفاله‬
‫باحتالله لنوميديا بأنه قد أيت ببلد يستطيع أن يزود روما مبقدار ‪ 941111‬قنطارا من القمح‬
‫كمقدار ضرييب سنوي من هذه املادة(‪ ،)372‬وقد بدأت السياسة الضريبية الرومانية تتبلور مباشرة‬
‫مع سقوط قرطاج ‪ ،‬حيث سارع احلكام الرومان إىل إخضاع األفارقة إىل ضريبة الغزو‬
‫(‪ )tributum per capita‬وهي ضريبة الرأس أو اجلزية عند املسلمني ‪ ،‬كما أخضعوهم أيضا إىل‬
‫ضريبة أخري هي ضريبة الستيبونديوم (‪ )Stipendium‬اليت تدفع إما عينا أو نقدا(‪ ، )373‬من‬
‫جهة أخرى أعفيت املدن احلرة من دفع الضرائب تكرميا هلا على موقفها من الغزو الروماين كما‬
‫أشار إىل ذلك القانون الزراعي لعام‪555‬ق‪.‬م(‪.)374‬‬
‫لقد تعددت أشكال الضرائب الرومانية ومشلت خمتلف اجلوانب االقتصادية‪ ،‬وقد كانت‬
‫ذات تأثري كبري على األفراد خصوصا املزارعني منهم الذين عانوا كثريا من ثقل الضرائب‬
‫املفروضة على اإلنتاج الزراعي‪ ،‬واملالحظ أن الضرائب الرومانية مقارنة بالشعوب األخرى قد‬
‫كانت ذات تأثري مباشر وحتصل الدولة منها دخال كبريا نظرا لالمتداد الواسع لإلمرباطورية‬
‫الرومانية وتعدد السكان واألجناس اخلاضعة هلا(‪ ،)375‬وقد كانت ضريبة التموين السنوي‬
‫(‪)376( )Annonae‬من أهم هذه الضرائب ث تأيت بقية الضرائب األخرى كضريبة الرأس وضريبة‬
‫( ‪)371‬‬
‫‪Pline l’Ancien , XV ,XX .‬‬
‫( ‪)372‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit.,pp 69-70.‬‬
‫(‪)373‬‬
‫‪Fournier De Flaix(E.), l’impôt dans les diverses civilisations ,T.I, Librairie de la‬‬
‫‪société du recueil général des lois et des arrèts , Paris 1897, p182.‬‬
‫(‪)374‬‬
‫‪CIL,I,200.‬‬
‫( ‪)375‬‬
‫‪Fournier De Flaix(E.),Op.Cit.,p143.‬‬
‫(‪ )376‬األنونة (‪ )Annonae‬أو (‪ : )Annona Civica‬يقصد هبذا املصطلح يف معناه الواسع جمموعة الوسائل‬
‫املخصصة خالل العهد اإلمرباطوري املتأخر(‪ )Bas-Empire‬لتموين عاصميت اإلمرباطورية الرومانية (روما‬
‫‪110‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫النقل وصيانة الطرق‪...‬اخل‪ ،‬ومادام موضوعنا خيتص يف الزراعة فسنكتفي بالضرائب املتعلقة‬
‫بالزراعة املفروضة على األرض واإلنتاج ‪.‬‬

‫‪ 0-V‬أنواع الضرائب الزراعية‪:‬‬


‫نستطيع تقسيم هذه الضرائب إىل نوعني رئيسيني؛ ضرائب متعلقة باألرض باعتبارها‬
‫اجملال الذي متارس فيه األنشطة الزراعية‪ ،‬باإلضافة إىل الضرائب املتعلقة باإلنتاج الزراعي اليت‬
‫تستخلص من املزارعني بعد هناية عملية احلصاد أو مجع احملصول‪.‬‬

‫‪ 0-0-V‬الضريبة على األرض‪:‬‬


‫سبق وان اشرنا إىل أن الضرائب كانت من أهم األهداف اليت رمت إليها اإلدارة‬
‫الرومانية أثناء قيامها بعملية الكنرتة ‪ ،‬فقد كان هدفها إحصاء األراضي واملمتلكات وحىت‬
‫األفراد لفرض ضرائب عليها‪ ،‬وقد حرص الرومان بعد كل عملية مسح وتوزيع لألراضي على‬
‫فرض ضريبة على مستغليها تعرف ب(‪ ،)377( )triburum ex censu‬لقد اشتهرت بأفريقيا‬
‫اإلصالحات اليت أجراها مسربونيوس قراكوس (‪ )Ti.Sempronius Gracchus‬ابتداء من سنة‬
‫‪ 588‬ق‪.‬م ‪ ،‬وقد مست هذه اإلصالحات نظام توزيع األراضي واستطاع قراكوس إقناع‬
‫جملس الشيوخ باملصادقة على قانون مسربونيوس الذي يقضي بتحديد احلد األعلى الذي ميكن‬
‫أن حتوزه عائلة معينة ب‪ 551‬هكتارا ويقضي أيضا بتوزيع األراضي ذات السبعة هكتارات‬
‫ونصف على املواطنني الفقراء ‪ ،‬ومن جهة أخرى نص القانون على تشكيل جلان ثالثية مكلفة‬
‫بتوزيع األراضي وحسم اخلالفات بني املتنازعني(‪ ،)378‬لكن هذه اإلصالحات مل تدم طويال ‪،‬‬
‫حيث سرعان ما صفاها جملس الشيوخ ‪ ،‬وكان من نتائج ذلك كله صدور قانون زراعي يف‬

‫والقسطنطينية) باملواد الغذائية جمانا أو بأسعار منخفضة توزع على عامة السكان الفقراء أو إىل أفراد معينني ذوي‬
‫ام تيازات‪ ،‬وهذه املواد الغذائية عبارة عن ضرائب عينية (القمح والزيت على اخلصوص) تدفعها بعض املقاطعات‬
‫على رأسها أفريقيا‪ ،‬وقد حرص األباطرة على تنظيمها بدقة نظرا ألمهيتها السياسية‪ ،‬انظر‪Saglio(E.)et :‬‬
‫‪Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R.,T.I,pp278-279.‬‬
‫( ‪)377‬‬
‫‪Fournier De Flaix(E.),Op.Cit.,p995.‬‬
‫(‪ )378‬جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.555-551‬‬
‫‪111‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫سنة‪ 555‬ق‪.‬م الذي بني الصفة القانونية لألرض و النظم اجلديدة المتالك األرض يف عموم‬
‫اإلمرباطورية ومنها أفريقيا ‪ ،‬وقد حتدث هذا القانون عن نوع من األراضي أطلق عليها اسم‬
‫األراضي اخلاصة اخلراجية (‪ )Ager privatus vectigalisque‬وهي أراضي بيعت إىل كبار‬
‫الشخصيات الرومانية شرط أن يدفعوا بانتظام إىل الدولة ضريبة (‪ ،)379( )Vectigal‬وقد‬
‫تكون هذه هي الطريقة اليت وقعت فيها األراضي األفريقية يف قبضة الطبقة االرستقراطية‪.‬‬

‫ومن أهم القوانني اليت دلتنا على الوضعية الضريبية لألرض ‪ ،‬قانونان يعودان إىل فرتة‬
‫حكم اإلمرباطور هونوريوس(‪012()Honorius‬م‪650-‬م) ؛ فالقانون األول الذي يعود لعام‬
‫‪ 455‬م مينع إرغام املالك األفارقة على دفع غرامة على األراضي املهملة اليت تقع بالقرب من‬
‫أمالكهم(‪ ،)380‬وبعدها بعشر سنوات صدر عن نفس اإلمرباطور قانون يتعلق مبقاطعيت‬
‫الربوقنصلية واملزاق موجه إىل فونانتييوس (‪ )Venantius‬املشرف على إدارة الدومان‬
‫اإلمرباطوري‪ ،‬وأمهية هذا النص تكمن يف انه يعرفنا بوضعية األرض خالل املرحلة األخرية من‬
‫اإلمرباطورية ويقدم لنا إحصائيات عن األراضي اليت تدفع الضرائب (املستغلة) واألراضي‬
‫املعفاة(املهملة) كما هو موضح يف اجلدول أدناه (‪:)381‬‬
‫‪2‬‬
‫وضعيتها الضريبية‬ ‫مساحتها بالكلم‬ ‫مساحتها باليوقيرا‬ ‫عدد الوحدات الكنتورية‬ ‫المقاطعة‬
‫معفاة‬ ‫‪4555‬‬ ‫‪545‬‬ ‫‪8115‬‬ ‫الربوقنصلية‬
‫تدفع‬ ‫‪5995‬‬ ‫‪545.5‬‬ ‫‪5111‬‬
‫معفاة‬ ‫‪8115‬‬ ‫‪591‬‬ ‫‪1491‬‬ ‫املزاق‬
‫تدفع‬ ‫‪8948‬‬ ‫‪188.5‬‬ ‫‪1955‬‬

‫(‪ )379‬رستوقتزف(م‪ ،).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.595-594‬‬


‫( ‪)380‬‬
‫‪Code Théodosien , XI, 31.‬‬
‫(‪)381‬‬
‫‪Code Théodosien , XI, 28 ,13.‬‬
‫‪112‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫‪ 0-0-V‬الضريبة على اإلنتاج الزراعي‪:‬‬

‫دل نص هنشري مطيش(‪ )382‬داللة صرحية عن األقساط الضريبية اليت يلزم على املالك‬
‫أو الكراة أو امللتزمني دفعها إىل الوكيل ‪ ،‬ومشلت هذه األقساط العديد من املنتوجات الزراعية و‬
‫هي مستوحاة من قانون مانكيانا وهي كاآليت‪:‬‬

‫القمح والشعير‪ :‬يدفع عنها الثلث من اإلنتاج‪ ،‬وقد عثر يف هذا الشأن على نص‬ ‫‪‬‬

‫مشال املدينة الرومانية باناسا(‪ )Banasa‬يعود احتماال إىل سنة‪ 559‬م على عهد‬
‫اإلمرباطور كراكاال(‪919()Caracalla‬م‪591-‬م) ينص على إخضاع هذه املنطقة‬
‫املشهورة بإنتاجها للقمح إىل ضريبة نقدية أو عينية تدفع عن هذا املنتوج(‪،)383‬‬
‫واملعروف انه يدفع عن القمح العشر خالل الفرتة الرومانية ‪ ،‬ويف بعض اجلهات حسب‬
‫كاركوبينو قد مت تضعيف العشر (أي ‪ )51/5‬منها موريتانيا القيصرية والطنجية اللتان‬
‫تكونان قد أخضعتا هلذه الضريبة(‪.)384‬‬
‫الزيتون‪ :‬يدفع عنه الثلث بعد عملية العصر‪ ،‬ويعفى الذي يغرس زيتونا جديدا من‬ ‫‪‬‬

‫الدفع ملدة عشر سنوات‪.‬‬


‫الكروم‪ :‬يؤخذ الثلث عن اخلمر بعد عصر الكروم ‪ ،‬بينما يعفى صاحبها من الدفع إذا‬ ‫‪‬‬

‫كانت مدة غرسها مل تتجاوز اخلمس سنوات‪.‬‬


‫التين‪ :‬يدفع عنه الثلث‪ ،‬حيث حيتفظ الكولون جبزء منه ويرتكون الباقي للمسريين أو‬ ‫‪‬‬

‫املستأجرين ‪ ،‬ويعفى أصحاهبا من الدفع إذا كانت مدة غرسها مل تتجاوز اخلمس‬
‫سنوات‪.‬‬
‫الفول‪ :‬يدفع عنه الربع ورمبا اخلمس من احملصول‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫( ‪)382‬‬
‫‪Cagnat (R.), inscription d’Henchir-Mettich…Op.Cit., pp151-153.‬‬
‫(‪)383‬‬
‫‪Thouvenot (R.), une remise d’impôts en 216 ap.J-C., in: C.R.A.I., 90 éme Année, N°4,‬‬
‫‪1946, pp549-550.‬‬
‫( ‪)384‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), Néron et le blé d’Afrique, in :C.R.A.I.,100éme Année, N°1,‬‬
‫‪1956,p72.‬‬
‫‪113‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫وقد أشار نص هنشري مطيش أيضا إىل العسل الذي يؤخذ عنه ربع لرت ‪ ،‬وعلى الذي‬
‫ميلك أكثر من مخس قفريات(‪ )ruches‬أن يسلم للمكلف ما يطلبه منه وقد مسح القانون أيضا‬
‫مبصادرة القفريات اليت خيفيها صاحبها‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل أن هذه األقساط اليت تدفع عن هذه‬
‫املنتوجات الزراعية هي أقساط ثابتة ال يعفى منها إال من قام بغرس أشجار جديدة على‬
‫األراضي املهملة أو األراضي البور بعد استصالحها وملدة حمددة فقط ترتاوح بني (‪ 5‬و‬
‫‪51‬سنوات) ‪ ،‬وبعد انقضاء هذه املدة فان الكولون ملزمون بدفع األقساط املستحقة وفق‬
‫قانون مانكيانا‪ ،‬كما أن الكولون ملزمون أيضا بالقيام بأعمال السخرة يف أراضي الدومان‬
‫لصاحل املالك‪.‬‬

‫‪ 2-V‬تحصيل الضرائب‪:‬‬
‫عند االحتالل قامت السلطات الرومانية بتكليف حاكم املقاطعة األفريقية مبهمة جباية‬
‫الضرائب‪ ،‬ومع زيادة التوسع الروماين يف املنطقة أضحى من املستحيل على حاكم املقاطعة‬
‫وأعوانه القيام هبذه املهمة الشاقة لوحدهم فعمدت السلطة إىل منح حق جباية الضرائب‬
‫املباشرة (ضريبة الرأس وضريبة األرض) إىل شركات من اجلباة امللتزمني (‪ )Publicani‬اليت يدير‬
‫شؤوهنا أفراد رومان يف القرى واملدن على حد سواء ‪ ،‬ومع مرور الوقت ظهرت عيوب هذا‬
‫النظام حيث سيطر هؤالء اجلباة على العائدات وكانوا حيولون جزءا هاما منها إىل حساهبم‬
‫الشخصي يف ظل غياب آليات الرقابة‪ ،‬وبذلك سارع األباطرة ابتداء من عهد يوليوس قيصر‬
‫واإلمرباطورين أغسطس وتيبرييوس اللذين سارا على هنجه إىل إلغاء هذا النظام الذي تسبب يف‬
‫نضوب موارد الدولة وحتميل البسطاء ضرائب ال تطاق (‪ ،)385‬وهكذا اختفت هذه الشركات‬
‫تدرجييا من أفريقيا ومت تعويضها بنظام جديد يقوم على تكليف جمالس البلديات وممثلي اخلزينة‬
‫العمومية هبذه املهمة‪ ،‬ومل يسلم األفارقة أيضا من جور املوظفني املكلفني جبمع الضرائب فقد‬
‫أشار قانون عام ‪899‬م إىل التجاوزات اليت يرتكبها هؤالء يف حق السكان‪ ،‬وهلذا أمر القانون‬
‫أال يبقي املوظف املكلف جبمع الضرائب يف هذا املنصب أكثر من سنة ليعني مكانه موظف‬

‫(‪)385‬‬
‫رستوقتزف(م‪ ،).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.459-451‬‬
‫‪114‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫آخر(‪ ،)386‬ورمبا هذا اإلجراء يدخل يف إطار رغبة اإلدارة الرومانية يف تقليص هيمنة وجشع‬
‫هؤالء واحملافظة على املال العام‪.‬‬
‫كان النظام الضرييب بأفريقيا يقوم أساسا على املعلومات املستقاة من اإلحصاء املنبثق‬
‫من عملية الكنرتة‪ ،‬فقد صنفت املمتلكات الفالحية تصنيفا دقيقا ومت وضع وحدتني أساسيتني‬
‫جلباية الضرائب مها اليوغوم (‪ )Iugum‬والكابوت(‪ ،)Caput‬فانطالقا من هاتني الوحدتني يتم‬
‫تقدير املمتلكات مبراعاة االختالفات اجلغرافية(موقع األرض) واالختالفات النوعية لإلنتاج‪،‬‬
‫ويعود الفضل يف هذا النظام إىل دقليديانوس)‪594((Dioclétien‬م‪815-‬م) الذي وضع‬
‫اليوغوم كوحدة مرجعية لقياس املساحة والكابوت كوحدة لضريبة الرأس الواجب على كل فرد‬
‫دفعها سنويا‪ ،‬وبعد عهد هذا اإلمرباطور أضحت الوحدة الضريبية خليطا بني الوحدتني ال فرق‬
‫بينهما(‪.)387‬‬

‫يتوىل مسؤولية مجع الضرائب عدة موظفني‪ ،‬يأيت يف مقدمتهم الربايطور (‪)Praetor‬‬
‫وهو موظف سام يتوىل مهمة اإلشراف على مجع الضرائب على مستوى املقاطعة ‪ ،‬ويساعده‬
‫أعضاء حماسبون(‪ )Numerati‬وأعوان قضائيون (‪ ،)Tabulari‬باإلضافة إىل امللتزمني‬
‫(‪ )Conductores‬الذين أوكلت إليهم مهمة مجع األقساط الضريبية على مستوى األمالك‬
‫اإلمرباطورية (‪ ،)388‬وقد اخربنا نص هنشري مطيش أن تقدير األقساط اليت يدفعها الكولون‬
‫يكون من طرف الوكيل أو املستأجر اللذين يلزمان باإلعالن كتابيا عن استالمهما للمحاصيل‬
‫الزراعية من عند الكولون(‪.)389‬‬

‫يظهر مما سبق أن حساسية النظام الضرييب وأمهيته قد جعله عرضة لعدة حماوالت‬
‫إصالح بداية بإصالحات قراكوس ث تبعته عدة إصالحات مع تعاقب األباطرة ‪ ،‬وهذا كله‬

‫( ‪)386‬‬
‫‪Code Théodosien , XII, 6 ,22.‬‬
‫(‪ )387‬رستوقتزف(م‪ ،).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.621-620‬‬
‫(‪ )388‬شنييت (حممد البشري)‪ ،‬التغريات االقتصادية‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.558-559‬‬
‫(‪)389‬‬
‫‪Cagnat (R.), inscription d’Henchir-Mettich…Op.Cit., p151.‬‬
‫‪115‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫رغبة منهم يف تشديد الرقابة على مستخلصي الضرائب من جهة وتشجيع املزارعني على العودة‬
‫إىل األراضي اليت أمهلوها بسبب ثقل الضرائب املفروضة عليهم من جهة أخرى‪ ،‬كما كانت‬
‫إصالحات دقليديانوس وقسطنطني خالل القرن الرابع امليالدي هتدف إىل تنظيم هنائي‬
‫للعالقات بني روما مع خمتلف أقاليمها وحتميل الطبقة االرستقراطية الرومانية ضرائب إضافية‬
‫نظرا لكون مصادر الثروة قد كانت بأيديهم(‪.)390‬‬

‫‪ 2-V‬أثر النظام الضريبي على تدهور الزراعة‪:‬‬


‫كان النظام الضرييب املفروض على املزارعني وممتلكاهتم ذا وقع كبري على وضعيتهم ‪،‬‬
‫فهو باألساس نظام جائر يتميز بتعدد الضرائب وثقلها ‪ ،‬وهذه الوضعية مل تكن يف صاحل‬
‫الزراعة األفريقية ‪ ،‬حيث اضطر املزارعون مبرور الوقت إىل تقليص عدد الوحدات اليت يدفعون‬
‫عنها الضرائب‪ ،‬فقد أمهلوا األراضي األقل خصوبة خصوصا خالل القرن الرابع واخلامس‬
‫ميالدي ‪ ،‬وهو األمر الذي أثر بصفة مباشرة على الزراعة بأفريقيا وأدى إىل تراجعها وتراجع‬
‫نسبة املساحة املزروعة (‪. )391‬‬
‫ويف هذا اإلطار قدم لنا قانون هونوريوس الذي يعود لعام ‪ 455‬م إشارات واضحة عن‬
‫تراجع مقدار املساحة املزروعة بأفريقيا ‪ ،‬فاإلحصائيات الواردة فيه املتعلقة باألراضي املهملة‬
‫املعفاة من دفع الضرائب مقارنة باملساحة املزروعة اليت تدفع املستحقات هي مساحة كبرية ‪،‬‬
‫ودون شك فان املساحة املزروعة قبل هذه الفرتة كانت اكرب مما ورد يف النص ‪ ،‬وما كان هلذا‬
‫التناقص يف املساحة الزراعية أن حيدث لوال ثقل الضرائب اليت دفعت املالك للتخلي عن‬
‫أراضيهم ‪ ،‬وقد حاول هذا القانون تدارك هذه الوضعية بعرضه امتيازات على الذين ي قبلون‬
‫على كراء أراضي دومان عمومي مهمل بإعفائهم من دفع الضرائب واالحتفاظ باألرض إىل‬

‫(‪)390‬‬
‫‪Fournier De Flaix(E.),Op.Cit.,pp203-204.‬‬
‫(‪)391‬‬
‫‪Lepelley (C.), déclin ou stabilité de l’agriculture africaine au Bas-Empire ? À‬‬
‫‪propos d’une loi de l’empereur Honorius, in : Ant.Af., N°1,1967, p135.‬‬
‫‪116‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫اجل غري مسمى(‪ ،)392‬ولعل هذا اإلجراء يدخل يف إطار تشجيع املزارعني على استغالل‬
‫واستصالح األراضي املهملة وهو حماولة من السلطة احلد من هذه الظاهرة املتنامية بأفريقيا‪.‬‬

‫وقد نتج عن هذا اإلمهال "املتعمد" لألراضي الزراعية ارتفاع قياسي يف أسعار املنتوجات‬
‫الزراعية ‪ ،‬فعزوف الفالحني عن ممارسة األنشطة الزراعية قد ولد قلة يف اإلنتاج الزراعي يف‬
‫األسواق قابله زيادة يف الطلب ‪ ،‬فالقمح من خالل نصوص القرن الثالث كان سعره حوايل‬
‫عشرة دنانري (‪ )Deniers‬للمد الواحد (حوايل ‪ 9‬لرتات) وهو سعر غري عادي هلذا املنتوج‬
‫خالل تلك املرحلة (‪ ،)393‬وال نستبعد عوامل أخرى تكون قد أثرت على ارتفاع سعره‬
‫كاجملاعات مثال لكن الظاهر أن عزوف الفالحني عن اإلنتاج لثقل الرسوم الضريبية اليت ألزموا‬
‫على دفعها كان يف مقدمة هذه األسباب‪.‬‬

‫من جهة أخرى فقد انتشرت يف أفريقيا خالل القرون األخرية للسيطرة الرومانية ظاهرة‬
‫اهلجرة حنو املدن وبيع األمالك يف األرياف ‪ ،‬وقد ساهم ذلك أيضا يف ارتفاع أسعار احملاصيل‬
‫الزراعية(‪ ،)394‬وكل هذه العوامل قد دفعت السلطات الرومانية إىل البحث عن عدة آليات‬
‫لضمان دخلها من الضرائب ‪ ،‬حيث جلأت إىل إصدار قانون ‪815‬م الذي ينص على إجبار‬
‫املزارعني وورثتهم على حتمل األعباء الضريبية ومنعهم من إمهال األراضي ‪ ،‬فمن ختلى عن أرضه‬
‫يفقد حقه يف امللكية والوراثة(‪ ،)395‬ومن جهة أخري فقد كان حتميل مالك األرض أو‬
‫مستأجرها مسؤولية دفع الضرائب دفعه إىل ربط الفالح باألرض لضمان اإلنتاج‪ ،‬وبقدر ما‬
‫كان هذا اإلجراء مفيدا للزراعة كان انعكاسه على الفالحني سلبيا فقد فقدوا حريتهم وأصبح‬
‫مركزهم شبيها بوضعية العبيد(‪.)396‬‬

‫(‪)392‬‬
‫‪Code Théodosien , XI, 28 ,13.‬‬
‫(‪)393‬‬
‫‪Bourgarel-Musso (André), recherche économiques sur l’Afrique Romaine, R.Af.,‬‬
‫‪volume 75,1934, p366.‬‬
‫(‪ )394‬شنييت (حممد البشري)‪ ،‬التغريات االقتصادية‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.585‬‬
‫( ‪)395‬‬
‫‪Code Théodosien , XI, 1,17.‬‬
‫(‪)396‬‬
‫حمجويب (ع‪ ، ).‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.481‬‬
‫‪117‬‬ ‫الفصل الثاني‪ /‬الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‪:‬التنظيمات ووسائل االنتاج‬

‫يبدو من خالل ما سبق أن السياسة الزراعية الرومانية قد اعتمدت على عنصر أساسي‬
‫وهو التمهيد بتنظيم اجملال واالستغالل الذي يعد ركيزة أساسية يف جناح االستثمار يف اجملال‬
‫الزراعي‪ ،‬ونستطيع القول أن اإلدارة الرومانية قد اعتمدت على أسس علمية مدروسة تغذيها‬
‫النزعة "الرأمسالية" اليت هتدف إىل الربح والثراء وضمان إطعام العامة يف روما‪ ،‬وما كان هلذا أن‬
‫يتحقق لوال تلك القاعدة التشريعية والتنظيمية املسطرة وحسن استغالل اإلمكانيات املتاحة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى ال ينبغي التغاضي عن أمهية أفريقيا يف اقتصاد اإلمرباطورية حيث كانت مصدرا‬
‫أساسيا يف متوين اخلزينة العمومية الرومانية وهو ما يتجلى أكثر يف النظام الضرييب اجلائر الذي‬
‫اثر تأثريا بالغا على أوضاع الشعب األهلي االجتماعية واالقتصادية على اخلصوص بل على‬
‫الزراعة األفريقية عموما‪ ،‬وهو ما مهد ألحداث القرن الرابع اليت سامهت يف تقويض أركان‬
‫اإلمرباطورية وما إن حل الزحف الوندايل حىت هتاوى االستعمار الروماين يف عموم أفريقيا ‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫التوسع الزراعي وآثاره‬
‫‪ .I‬التوسع في زراعة القمح خالل القرن األول الميالدي‪:‬‬
‫‪ 5-I‬شمال أفريقيا الممون الرئيسي لروما بالقمح‪.‬‬
‫‪ 5-I‬خصائص القمح األفريقي‪.‬‬
‫‪ 8-I‬دوافع التوسع في إنتاج القمح‪.‬‬
‫‪ .II‬التوسع في الزراعة الشجرية ابتداء من القرن الثاني للميالد‪:‬‬
‫‪ 5-II‬زراعة الكروم‪.‬‬
‫‪ 5-II‬سياسة الزيتنة‪:‬‬
‫‪ 5-5-II‬تطور التوسع في زراعة الزيتون‪.‬‬
‫‪ 5-5-II‬دوافع التوسع في زراعة الزيتون‪.‬‬
‫‪ 8-5-II‬خصائص الزيت األفريقي‪.‬‬
‫‪ 4-5-II‬صناعة الزيت وتسويقه‪.‬‬
‫‪ .III‬زراعة المدرجــــــات‪:‬‬
‫‪ 5-III‬دوافع استغالل الجبال‪.‬‬
‫‪ 5-III‬التقنيات المعتمدة واالنتشار الجغرافي للمدرجات‪.‬‬
‫‪ .IV‬التوسع الزراعي نحو الجنوب‪:‬‬
‫‪ 5-IV‬تطور التوسع‪.‬‬
‫‪ 5-IV‬دوافع التوسع الزراعي وأهدافه‪.‬‬
‫‪ 8-IV‬النهضة الزراعية بالجنوب‬
‫‪ 5-8-IV‬منظومة الري‪.‬‬
‫‪ 5-8-IV‬الزراعة واستصالح األراضي‪.‬‬
‫‪ V‬أثر التوسع الزراعي‪:‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫التوسع الزراعي وآثاره‬

‫إن مقارنة بسيطة بني الفرتة السابقة للعهد الروماين والفرتة الرومانية يف اجملال الزراعي‬
‫جتعلنا نستنتج مالحظتني أساسيتني تربزان أوجه االختالف بني الفرتتني ‪ ،‬فالرومان قد طوروا‬
‫هذا اجملال مقارنة مبا كان عليه قبلهم واألكيد هو أن اإلضافة الرومانية واضحة فيما يتعلق‬
‫مبسح األراضي وتطوير تقنيات الري وطرق االستغالل وإصدارهم للتشريعات املنظمة‬
‫لالستغالل الزراعي‪ ،‬غري أن وجه االختالف البارز هو التوسع الزراعي الذي يدل على حرص‬
‫روما على تنمية الثروة واختاذ التوسع الزراعي جنوبا عامال حمفزا على جذب البدو حنو احرتاف‬
‫الزراعة للحد من "االضطرابات" اليت يثريوهنا ‪ ،‬وقد اختذ هذا التوسع يف نظرنا شكلني أساسيني‬
‫مها‪:‬‬

‫‪ .5‬التوسع الجغرافي ونقصد به زيادة املساحة املزروعة وذلك بضم األراضي البكر وأراضي‬
‫البور وكذا األراضي اجلنوبية احملاذية لليمس باإلضافة إىل ضم واستغالل األراضي الواقعة يف‬
‫هوامش املنحدرات اجلبلية‪.‬‬
‫‪ .5‬التوسع النوعي ونقصد به إضافة زراعات أخرى فبعد النجاح الكبري يف زراعة القمح ‪-‬‬
‫خالل القرن األول للميالد وهو ما جعل من أفريقيا أهراء حقيقية لروما ‪ -‬انتقلت السياسة‬
‫اإلمرباطورية إىل الزراعة الشجرية وخاصة شجرة الزيتون اليت تعد حبق الشجرة املثمرة األوىل‬
‫يف أفريقيا خالل القرنني الثاين والثالث للميالد‪ ،‬وسنحاول يف ما يلي دراسة ظاهرة التوسع‬
‫هذه اليت غريت وجه أفريقيا وكان هلا نتائج اجيابية على االقتصاد األفريقي و الروماين على‬
‫حد سواء خالل تلك املرحلة‪.‬‬
‫‪120‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫‪ .I‬التوسع في زراعة القمح خالل القرن األول الميالدي‪:‬‬

‫عرفت أفريقيا منذ القدمي باإلنتاج الوفري للقمح‪ ،‬فقد اخربنا املؤرخون القدامى باشتهار‬
‫إقليم أفريقيا بإنتاج أنواع متعددة من احملاصيل الزراعية من بينها القمح الذي كان حمل مبادالت‬
‫بني اململكة النوميدية يف عهد ماسينيسا على اخلصوص والرومان‪ ،‬فقد سبق وان أشرنا إىل‬
‫الكميات الكبرية اليت زودت هبا اململكة الرومان خالل فرتة حكم امللك ماسينيسا‬
‫الطويلة(‪ ،)397‬وهلذا كان الرومان يدركون أمهية أفريقيا يف امليدان الفالحي بل كان ذلك احد‬
‫أهم عوامل التخطيط الحتالل البالد األفريقية على مراحل وما إن حتقق هلم احتالل قرطاج‬
‫وإقليمها حىت اختذوا منها مقاطعة وسعوا إلقامة دعائم استغالل زراعي على نطاق واسع‬
‫انطالقا من مسح األراضي وإقامة مزارع كربى وسن قوانني تنظم عملية االستغالل‪ ،‬ويبدو انه‬
‫منذ القرن األول للميالد تكون عوامل اإلنتاج قد اكتملت باملنطقة‪.‬‬

‫‪ .0-I‬شمال أفريقيا الممون الرئيسي لروما بالقمح‪:‬‬


‫كانت أفريقيا الوجهة املفضلة لروما للتزود بالقمح من اجل تغطية احتياجات سكاهنا‬
‫وجيوشها‪ ،‬فبالد الرببر على حد تعبري بيكار اليت ال تتمكن من تغطية احتياجاهتا اليوم كانت‬
‫يف املاضي إحدى خمازن العامل القدمي (‪ ،)398‬واألرض األفريقية بالنسبة للحكام الرومان مل تكن‬
‫أرضا للتوسع وزيادة األموال والثراء فحسب ولكن كانت "األم املغذية ومرساة السالم‬
‫االيطايل"(‪ ،)399‬فقد سامهت أفريقيا يف حل مشكل نقص الغذاء يف ايطاليا حيث كان األباطرة‬
‫ال يطمحون ألكثر من حتقيق االكتفاء الذايت خالل تلك املرحلة خصوصا وحنن نعلم اخلطر‬
‫الذي قد يشكله نقص الغذاء على الدولة فهو قد يؤدي إىل عدم االستقرار وقيام اضطرابات‬
‫هنا وهناك وخاصة يف العاصمة روما اليت يقال أنه حيكمها من يضمن هلا وفرة الغذاء ‪ ،‬فقد‬
‫كان هذا السبب يف مقدمة األسباب اليت أدت بروما إىل التوسع على حساب نوميديا سنة‬

‫(‪(397‬‬
‫انظر أعاله ص‪.49‬‬
‫( ‪)398‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine…Op.Cit.,p59.‬‬
‫( ‪)399‬‬
‫‪Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux) , R.Af., Volume13, 1869, p9.‬‬
‫‪121‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫‪ 49‬ق‪.‬م ‪ ،‬وما تصريح يوليوس قيصر(‪ )Jules César‬أثناء احتفاله باحتالله لنوميديا إال خري‬
‫دليل على ذلك حيث قال بأنه قد أيت ببلد يستطيع أن يزود روما مبقدار ‪ 941111‬قنطارا‬
‫من القمح(‪.)400‬‬

‫ومن العبارات األكثر تداوال بني الباحثني ذلك الوصف الذي يصف أفريقيا بأهنا كانت‬
‫"أهراء روما" ‪ ،‬وان كان البعض يرى أن يف هذا الوصف بعض املغاالة وانه ال يعرب حقيقة عن‬
‫احلالة اليت كانت سائدة حينذاك وإمنا يطلق للداللة على أن أفريقيا قد كانت غنية بالقمح‬
‫على عكس فقرها يف العصر احلديث (‪ ،)401‬إال أن ذلك ال ينفي ثراء أفريقيا وإسهامها الكبري‬
‫يف تزويد روما مبا حتتاجه من مواد غذائية طيلة قرون‪.‬‬

‫رغم تعدد مقاطعات روما اليت تشتهر بإنتاجها للقمح على غرار مصر وسردينيا إال أن‬
‫أفريقيا احتفظت بأمهيتها يف متوين روما هبذه املادة اإلسرتاتيجية على الدوام خاصة بعد إنشاء‬
‫القسطنطينية(‪ )Constantinople‬أين انفردت أفريقيا بتموين العاصمة القدمية روما بعدما‬
‫كانت تشرتك مع مصر يف متوينها‪ ،‬فبعد إنشاء القسطنطينية أصبح اإلنتاج املصري من القمح‬
‫يوجه إىل العاصمة اجلديدة خالل وبعد حكم قسطنطني (‪ ،)402‬وقد كانت أفريقيا قبل ذلك ‪-‬‬
‫على عهد اغسطس ‪ -‬تزود روما حبوايل ‪ 41‬مليون مد(‪ )Modii‬أي حوايل ‪8511111‬‬
‫هكتولرت من احلبوب ونصف هذه الكمية كان جيلب من مصر(‪ ، )403‬أي أن أفريقيا كانت‬
‫متون روما بثلثي احتياجاهتا وتتكفل مصر بالثلث الباقي‪ ،‬وقد قدر بيكار أن تكون كمية القمح‬
‫اليت تنتج يف أفريقيا بأكملها حبوايل ‪ 8‬إىل ‪ 51‬ماليني قنطار خالل فرتة حكم نريون (‪)Néron‬‬
‫(‪45‬م‪86-‬م)ونشري إىل أن كمية القمح املوجهة إىل روما قد تضاعفت بتزايد التوسع الروماين‬
‫يف املنطقة فقد كانت مقاطعة أفريقيا اجلديدة زمن قيصر متون روما ب‪ 941111‬قنطارا وبعد‬

‫( ‪)400‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit.,pp 69-70.‬‬
‫(‪ )401‬حمجويب‪(.‬ع‪ ،).‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص‪.484-485‬‬
‫(‪)402‬‬
‫; ‪Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux), R.Af. , Volume13, 1869, p92.‬‬
‫‪Kotula (T.)et Michalak (M.), Les Africains et la domination de Rome, In: D.H.A.,‬‬
‫‪Volume 2, 1976, p 347.‬‬
‫(‪)403‬‬
‫‪Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux), R.Af., Volume13, 1869, p83.‬‬
‫‪122‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫قرن من ذلك وحتت حكم نريون أصبحت مقاطعة أفريقيا القدمية واجلديدة باإلضافة إىل‬
‫مقاطعة طرابلس تزود روما ب ‪ 51‬أضعاف هذا الرقم(‪.)404‬‬

‫كان القمح األفريقي يغطي العجز الذي تعاين منه روما‪ ،‬وحسب القدماء فان روما‬
‫جمربة السترياده فهذا فارون يقول بأهنم أي الرومان كانوا يدفعون األموال من اجل أن جيلب‬
‫هلم القمح الذي يغذيهم من أفريقيا وسردينيا(‪ ،)405‬وهذا كلوميل يورد عبارة فيها الكثري من‬
‫االستياء والتساؤل ملا آلت إليه األوضاع يف ايطاليا حيث اعترب انه يف ارض ايطاليا مع أن اآلهلة‬
‫علمت ألبنائها الزراعة ‪ ،‬إال أن أهلها جمربون لتاليف املوت جوعا إىل جلب القمح من‬
‫مقاطعات واقعة وراء البحر(‪.)406‬‬
‫وعن سعر القمح األفريقي افرتض البعض أن يكون سعره منخفضا باملقاطعات األفريقية‬
‫مقارنة بسعره يف روما الذي يصل إىل الضعف‪ ،‬وقد قدر ميشال كريسطول (‪)Christol M.‬‬
‫أن يكون سعر البوشل(‪ )modius‬يف نوميديا يف تلك املرحلة حوايل ‪ 5,5‬سسرتس‬
‫(‪ ،)407()Sesterces‬ومن جهة أخرى نشري إىل أن كميات القمح اليت توجه إىل روما هي يف‬
‫األساس عبارة عن ضرائب استخلصت من خمتلف مناطق أفريقيا‪ ،‬وقد كان عمال اإلمرباطورية‬
‫على اختالف مناصبهم هم الذين يشرفون على هذه العملية ابتداء من حمصلي الضرائب إىل‬
‫مسؤويل املقاطعات ووكالء اإلمرباطور وقد محل األباطرة مسؤولية اإلشراف على عملية التموين‬
‫هذه ومراقبة سعر القمح يف السوق إىل حمافظ االنونة(‪ ،)Præfectus annonæ‬فبعد حتصيل‬
‫هذه الكميات من أرياف أفريقيا توجه إىل املخازن املقامة خاصة بالقرب من املوانئ املهمة‬
‫متهيدا إلرساهلا إىل روما بعد أن يتأكد املوظفون بان هذه احلبوب صافية وسليمة ومينع على‬
‫املوظفني حتويل جزء من القمح املخصص لروما مهما كانت كميته إىل وجهة أخرى(‪.)408‬‬
‫(‪)404‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit., pp69-71.‬‬
‫(‪)405‬‬
‫‪Varron, II .‬‬
‫(‪)406‬‬
‫‪Columelle, , préface, p25.‬‬
‫(‪)407‬‬
‫‪Christol (M.), Le blé africain et Rome, Remarques sur quelques documents, In: Le‬‬
‫‪Ravitaillement en blé de Rome et des centres urbains des débuts de la République‬‬
‫‪jusqu'au Haut-Empire, Actes du colloque international de Naples, 14-16 Février‬‬
‫‪1991, Rome : École Française de Rome, N°196,1994, p297.‬‬
‫(‪)408‬‬
‫‪Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux), R.Af., Volume13, 1869, p88.‬‬
‫‪123‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫‪ .2-I‬خصائص القمح األفريقي‪:‬‬

‫كان للقمح األفريقي خالل تلك املرحلة شهرة كبرية ‪ ،‬فقد اخربنا بلني أن القمح‬
‫األفريقي كان ذائع الصيت وكان ثالث أنواع القمح املعروفة يف عصره وانه قمح صلب وثقيل‬
‫وانه أفضل أنواع القمح إلنتاج السميد(‪ ،)409‬ونفس املؤرخ اخربنا عن املردودية املدهشة هلذا‬
‫القمح فقد ذكر بأهنا ترتاوح بني‪ 511‬إىل ‪ 551‬للحبة الواحدة (‪ .)410‬ومما وصلنا أيضا من‬
‫األخبار أن مسي ر دومان اغسطس قد بعث إليه بسيقان (‪ )tiges‬سنابل حتمل ‪ 411‬حبة‬
‫كلها خرجت من حبة مستنبتة واحدة(‪.)411‬‬

‫كان القمح ينتج بالسهول خاصة القريبة من السواحل‪ ،‬وكان القمح الصلب‬
‫(‪ )Triticum durum‬هو املزروع هبذه اجلهات حىت قبل السيطرة الرومانية ويضم سالالت‬
‫متنوعة جعلت دوكندول(‪ )412‬يرجح بان يكون هذا القمح أصليا بأفريقيا الشمالية‪ ،‬بينما عرفت‬
‫املناطق اجلبلية ذات الرتبة اخلفيفة انتشارا واسعا يف زراعة الشعري‪ .‬فالقمح األفريقي دون شك‬
‫قد اكتسب خصائصه اليت حدثنا عنها القدماء من طبيعة املناخ املميز ألفريقيا وانتشار الري‬
‫على نطاق واسع باإلضافة إىل الرتبة اخلصبة اليت تتميز هبا أفريقيا خصوصا السهول الساحلية‬
‫يف جهات األمبوريا واملزاق وحىت الواحات الصحراوية(‪.)413‬‬

‫(‪)409‬‬
‫‪Pline l’Ancien ,XVIII ,63.‬‬
‫(‪)410‬‬
‫‪Ibid.,XVII ,III.5 .‬‬
‫(‪)411‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit., p69.‬‬
‫إن مردودية القمح األفريقي العالية ليست غريبة أو حالة استثنائية أو "من معتقدات علم النبات" كما عرب اقزال ‪،‬‬
‫حيث يشهد الباحث الكروا انه قد شاهد بنفسه مبدينة اجلزائر سنة ‪5848‬م حزمة من ‪598‬سنبلة خرجت كلها من‬
‫حبة قمح واحدة ‪ ،‬وقد أرسلت إىل باريس أين عرضت باملعرض الوطين خالل هذه الفرتة ‪.‬انظر‪:‬‬
‫‪- Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux) , R.Af., Volume12, 1868,p417.‬‬
‫كما عثر احد الكولون صدفة سنة ‪5955‬م على ثالث سنابل حمفوظة بشكل جيد تعود إىل الفرتة الرومانية‬
‫ب(‪ )Novi‬جبهة شرشال متت زراعتها فأنتجت ‪ 515‬سنبلة زرعت حباهتا من جديد فأنتجت حوايل ‪ 811‬كيلوغرام‪،‬‬
‫انظر‪Blé antique de Novi, R.Af., N°3 , 1857,p181. :‬‬
‫(‪)412‬‬
‫‪De Condole (Alph.),Op.Cit.,p289.‬‬
‫(‪)413‬‬
‫‪Pline l’Ancien , XVIII, LI. 22.‬‬
‫‪124‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫‪ .2-I‬دوافع التوسع في إنتاج القمح‪:‬‬

‫إن من أهم األسباب اليت دفعت روما إىل تشجيع زراعة القمح يف املقاطعات هو‬
‫احتكارها إلنتاج وتسويق النبيذ والزيت‪ ،‬فمن املعروف أن اإلمرباطور دوميتيان(‪)Domitien‬‬
‫(‪95‬م‪89-‬م) قد اصدر مرسوما (‪ 85‬م) لتشجيع زراعة احلبوب يف املقاطعات حىت يساعد‬
‫بذلك املنتجني للنبيذ يف ايطاليا(‪ ، )414‬فقد حرصت روما أال يكون هناك منافس إليطاليا يف‬
‫زراعة الكروم وجتارة النبيذ والزيت املرحبة‪ ،‬يف حني كانت زراعة القمح نشاطا مسموحا مل يتوان‬
‫األباطرة يف الدعوة إىل الزيادة من إنتاجه إلطعام اجليوش والعامة يف روما خصوصا وانه كان‬
‫مينح جمانا هلم ابتداء من عهد اإلمرباطور أكتافيوس وبذلك زادت احلاجة إىل القمح مع تزايد‬
‫أفراد الطبقة العامة بروما‪ ،‬وقد فرضت احلكومة الرومانية إنتاج القمح خالل القرن األول‬
‫ألغراض سياسية باخلصوص إذ قدر حجم استهالك مائيت ألف من املواطنني الرومان على عهد‬
‫أغسطس حوايل مليون مد جمانا كل شهر(حوايل ‪ 91111‬هكتولرت شهريا) يقابله عجز ايطاليا‬
‫عن إنتاج هذه الكمية نظرا النتشار املستنقعات واألراضي غري الصاحلة للزراعة ما جعل‬
‫اجملاعات واالضطرابات تتفاقم يف كامل أحناء اإلمرباطورية(‪. )415‬‬

‫وقد حدث ارتفاع حاد يف معدل إنتاج القمح بعد أن دفعت روما باحلدود إىل الغرب‬
‫واجلنوب وشرعت يف سياسة احتواء القبائل واتبعت سياسة فعالة الستصالح األراضي والتوسع‬
‫يف بناء اهلياكل املائية ‪ ،‬وملا اعتلى نريون العرش أصبحت أفريقيا هي اليت متد عاصمة‬
‫اإلمرباطورية بالقمح ملدة مثانية أشهر يف السنة (‪ ،)416‬ونشري إىل انه بداية من القرن الثاين‬
‫للميالد أصبح من املسموح زراعة الكروم والزيتون بأفريقيا خاصة على األراضي البور وغري‬
‫املستغلة‪.‬‬

‫(‪)414‬‬
‫رستوقتزف(‪.‬م) ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.518‬‬
‫(‪)415‬‬
‫جوليان ( شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.519‬‬
‫(‪)416‬‬
‫حمجويب (ع‪ ،).‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.484‬‬
‫‪125‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫إن اعتماد روما الشبه الكلي على اإلنتاج األفريقي من القمح إمنا ي فسر بالسياسة‬
‫اإلنتاجية بأفريقيا القائمة على االستغالل الشامل إلمكانيات األرض وجتنيد الطاقات البشرية‬
‫والثروة املائية ملواجهة االستهالك املتزايد (‪ ،)417‬ويف املقابل كان اإلنتاج االيطايل من هذه املادة‬
‫إنتاجا ضعيفا لكنه ليس منعدما فعلى األقل كان يكمل الواردات ويليب حاجيات املالك‬
‫املزارعني وعائالهتم (‪.)418‬‬

‫إن تشجيع روما الستثمار األموال يف األراضي األفريقية يعين كثرة اإلنتاج الذي من‬
‫شانه أن يدفع بثمن احلبوب إىل االخنفاض ويضمن كميات وافرة من الغالل لروما ويزيد من‬
‫دخل الدولة ‪ ،‬وهذا ما يفسر لنا سر إصرار روما على ضم نوميديا وموريتانيا رغم تكبدها‬
‫ملشقة املواجهات العسكرية مع سكان هذه املناطق ‪ ،‬وكل هذا أيضا ساهم يف زيادة أمالك‬
‫بعض الشخصيات الرومانية اليت امتلكت خالل القرن األول قبل امليالد مستثمرات وضيعات‬
‫واسعة اخربنا عنها بلني بأهنا املظهر املميز ألفريقيا خالل هذه املرحلة (‪.)419‬‬

‫لقد كانت روما مرتبطة ارتباطا وثيقا خالل هذه املرحلة بأفريقيا وحباجة ماسة إىل‬
‫إنتاجها من القمح إىل درجة انه عندما تتعثر محوالت القمح بأفريقيا تعرف روما جماعة(‪، )420‬‬
‫وهذا كاف إلبراز األمهية الكبرية اليت حتضي هبا أفريقيا لدى الرومان‪.‬‬

‫(‪)417‬‬
‫شنييت (حممد البشري)‪ ،‬أضواء على تاريخ اجلزائر القدمي‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.515‬‬
‫(‪)418‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), Néron et le blé d’Afrique…Op.Cit.,p70.‬‬
‫(‪)419‬‬
‫‪Pline l’Ancien , , XVIII , VII,6.‬‬
‫(‪)420‬‬
‫عن اجملاعات ليت عانت منها روما بسبب عرقلة سفن الشحن بأفريقيا انظر‪:‬‬
‫‪-Lepelley (C.), déclin ou stabilité…Op.Cit.,p139.‬‬
‫‪126‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫‪ .II‬التوسع في الزراعة الشجرية ابتداء من القرن الثاني للميالد‪:‬‬

‫بعد أن قامت احلكومة الرومانية خالل القرن األول بتشجيع زراعة القمح لعدة أسباب‬
‫كما ذكرنا ‪ ،‬فتحت ابتداء من القرن الثاين اجملال أمام زراعة األشجار املثمرة‪ ،‬واملعلوم أن روما‬
‫قد شجعت زراعة الزيتون خاصة إال أن هذا القرن كان قد عرف أيضا توسعا يف زراعة الكروم‬
‫أما باقي األنواع األخرى فهي مل حتض باهتمام كبري مقارنة بزراعة الزيتون والكروم‪ ،‬وهذا بطبيعة‬
‫احلال ال يعين أن الدولة الرومانية قد أمهلت زراعة احلبوب بل استمر االهتمام بإنتاجها إىل غاية‬
‫الفرتات األخرية من السيطرة الرومانية وظلت أفريقيا املمون الرئيسي لروما بالقمح‪.‬‬

‫‪ .0-II‬زراعة الكروم‪:‬‬

‫لقد كانت زراعة الكروم ذات أمهية كبرية بالنسبة للرومان وهلذا فقد عمل أباطرهتا على‬
‫منع زراعتها بالواليات يف البداية نظرا لتجارهتا املرحبة ‪ ،‬لكن مبرور الوقت منحت حكومة‬
‫اإلمرباطورية املزيد من احلرية للمقاطعات لكي تعمل على تنمية اقتصادها حىت تستفيد ايطاليا‬
‫من خرياهتا‪ ،‬ففي البداية مسحت احلكومة الرومانية بزراعة الكروم والزيتون فقط على القطع‬
‫األرضية الصغرية غري الصاحلة للزراعة أو األحراش أو األراضي اليت مل تشملها عملية الكنرتة أو‬
‫يف األراضي غري املستغلة داخل املستثمرات الكربى ‪ ،‬ونظرا للتجارة املرحبة للنبيذ والزيت‬
‫شجعت احلكومة السري يف هذا االجتاه وهبذا انتشرت بساتني الزيتون والعنب مبعدالت مذهلة‬
‫خاصة ابتداء من القرن الثاين الذي عرف بأنه قرن الزيتون والكروم‪.‬‬

‫لقد وردت يف النصوص التشريعية األفريقية إشارات لزراعة الكروم اليت تطورت بتطور‬
‫االستعمار واالستغالل ‪ ،‬فقد حتدث نص هنشري مطيش الذي حيمل بنودا من قانون‬
‫مانكيانا(‪ )Lex Manciana‬الذي يعود إىل زمن تراجان عن زراعة الكروم حيث نص القانون‬
‫على منع زراعة كروم جديدة إال لتحل حمل كروم قدمية‪ ،‬أما نص عني اجلمالة الذي يعود إىل‬
‫عهد هادريان فقد محل إجابة من بروكرياتور اإلمرباطور خبصوص طلب الكولون السماح هلم‬
‫‪127‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫بزراعة األراضي غري املستغلة زيتونا وكروما(‪ ،)421‬ومل ترد يف كل النصوص املكتشفة ولو إشارة‬
‫بسيطة إىل السماح بزراعتها يف أراض خصبة جديدة أو يف األراضي اليت اعتاد املزارعون زراعتها‬
‫قمحا‪.‬‬

‫يبدو أن الكروم األفريقية حسب ما يقدمه القدماء من شهادات كانت ذات خصائص‬
‫مذهلة ‪ ،‬فقد اخربنا سرتابون عن عناقيد العنب العمالقة اليت تتميز هبا موريتانيا الطنجية (‪،)422‬‬
‫أما بلني فقد ذكر أن بعض عناقيد العنب املنتجة باملناطق الداخلية األفريقية حجمها اكرب من‬
‫طفل شاب وان الكروم األفريقية ال مثيل هلا يف مكان آخر(‪ ،)423‬فخالل تلك الفرتة كانت‬
‫الكروم األفريقية حاضرة بقوة يف املوائد وكان يصنع منه نبيذ ذو جودة عالية فحسب بلني دائما‬
‫فان األفارقة كانوا يستعملون اجلري خلفض محوضته(‪.)424‬‬

‫لقد انتشرت زراعة الكروم يف عموم أفريقيا وخاصة باملناطق الرطبة احملاذية للسواحل ‪،‬‬
‫فقد توصلت األحباث اليت أقيمت حول زراعة هذه الشجرة بأفريقيا إىل أهنا تتطلب نسبة كبرية‬
‫من أمطار اخلريف والشتاء حىت تتمكن من مقاومة حرارة الصيف(‪ ،)425‬وقد اخربنا بلني عن‬
‫زراعة الكروم حىت يف بعض الواحات الصحراوية حتت أشجار النخيل لتستفيد من ظالهلا(‪.)426‬‬

‫كما دلت العديد من الصور الفسيفسائية على زراعة الكروم واستهالك النبيذ باإلضافة‬
‫إىل األحباث األثرية اليت زودنا مبعلومات قيمة حول جتارة هذا املنتوج ‪ ،‬فقد عثر على نوع من‬
‫اجلرار اخلاصة مبوريتانيا القيصرية اليت خيزن فيها النبيذ متهيدا لتسويقه‪ ،‬كما عثر مبيناء‬
‫اوستيا(‪ )Ostie‬يف حفريات أقيمت به على أنواع عديدة من هذه اجلرار األفريقية يف طبقات‬

‫(‪)421‬‬
‫انظر أعاله ص‪.11‬‬
‫(‪)422‬‬
‫‪Strabo, XVII, III, 4.‬‬
‫(‪)423‬‬
‫‪Pline l’Ancien, XIV, III.‬‬
‫(‪)424‬‬
‫‪Ibid., XIV, XXIV.‬‬
‫(‪)425‬‬
‫‪Larnaude (M.), La Vigne en Algérie, in: Annales de Géographie, T. 57, N°308,‬‬
‫‪1948, p357.‬‬
‫(‪)426‬‬
‫‪Pline l’Ancien, XVIII, LI. 22.‬‬
‫‪128‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫مؤرخة ما بني(‪)551-555‬م ‪ ،‬كما عثر بنفس امليناء على فسيفساء عليها صورة جرة تعود‬
‫لنهاية القرن الثاين امليالدي(‪.)427‬‬

‫إن زراعة الكروم بدون شك مل تتوقف يف التطور بأفريقيا خالل الفرتة الرومانية‪ ،‬فقد‬
‫دلت عليها النصوص األدبية واألثرية كما أسلفنا الذكر‪ ،‬لكن من غري املمكن مقارنة أمهيتها‬
‫بزراعة القمح والزيتون فرمبا كانت زراعة ثانوية(‪ )428‬موجهة إلنتاج أجود اخلمور وتزيني ارقي‬
‫املوائد ويف نفس الوقت جيب أن نقر بان جتارهتا مهمة ومرحبة حيرص األباطرة املتعاقبون وكبار‬
‫الشخصيات على احتكارها‪.‬‬

‫‪ .2-II‬سياسة الزيتنة‪:‬‬

‫كان الزيتون يف القدمي ذا أمهية كبرية لدي مجيع الشعوب خاصة شعوب البحر‬
‫املتوسط اليت اهتمت بزراعة هذه الشجرة والعناية هبا أكثر من أيامنا هذه ‪ ،‬فقد كان الزيتون‬
‫ميثل منتوجا استهالكيا أساسيا ومصدرا وحيدا لإلنارة النظيفة يف تلك املرحلة‪ ،‬وقد حضيت‬
‫هذه الشجرة بتقديس مل حتض به األصناف األخرى من األشجار فقد اختذته الشعوب رمزا‬
‫للسالم وقد ذكرنا فيما سبق حادثة توجه أهايل تبسة إىل القائد القرطاجي حانون يستعطفونه‬
‫ليطلق سراح أهاليهم حاملني معهم أغصان الزيتون(‪.)429‬‬

‫‪ 0-2-II‬تطور التوسع في زراعة الزيتون‪:‬‬

‫إن زراعة الزيتون مبنطقة مشال أفريقيا ضاربة يف القدم‪ ،‬فقد دلت على ذلك النصوص‬
‫والرسومات الصخرية واآلثار اليت عثر عليها مبختلف أرجاء املنطقة‪ ،‬ومل تكن يوما فضال رومانيا‬
‫(‪)427‬‬
‫‪Robert (L.), le vin Africain à l’époque impériale, in : Ant.Af., N°16, 1980, p190.‬‬
‫(‪)428‬‬
‫‪Ibid..p191.‬‬
‫(‪ )429‬انظر أعاله ص‪ 55‬؛ ونظرا للفوائد املتعددة للزيتون فقد رفعه اإلغريق قدميا وسكان منطقة القبائل (‪ )Kabyles‬إىل‬
‫صف األشجار األسطورية امليثولوجية انظر‪:‬‬
‫‪- Angles (St.) , l’ Olivier, un arbre et une culture au cœur de la -Méditerranée , édition‬‬
‫‪du temps , pp113-128‬‬
‫‪129‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫أو فينيقيا كما يدعي البعض‪ ،‬غري أن التوسع يف زراعتها قد عرف تطورا ملحوظا خالل الفرتة‬
‫الرومانية بشكل أدهش الباحثني خاصة خالل أواخر القرن الثاين و وبدايات القرن الثالث‬
‫امليالدي‪ ،‬وتنبغي اإلشارة هنا إىل أن أفريقيا قبل هذه الفرتة كانت قد سجلت حماوالت يف‬
‫التوسع يف زراعة هذه الشجرة ‪ ،‬فقد اخربنا أوريليوس فيكتور (‪ )Aurellus Victor‬أن القائد‬
‫القرطاجي هانيبال بعد إمضاء قرطاج ملعاهدة سنة‪ 515‬ق‪.‬م مع الرومان قد وجه جنوده إىل‬
‫استصالح األراضي وزراعة الزيتون إلهلائهم عن القيام بأي حماولة انقالب أو إثارة فوضي يف‬
‫البالد(‪.)430‬‬

‫ويبدو أن األباطرة الرومان قد شرعوا يف تشجيع هذه الزراعة بعد االلتماسات اليت‬
‫رفعها الكولون إليهم والذين طالبوا السماح هلم باستغالل األراضي البور وأراضي املستنقعات‬
‫واألراضي اليت ختلى عنها املساحون الرومان أثناء قيامهم بعملية كنرتة األراضي وذلك بزراعتها‬
‫كروما وزيتونا كما ورد يف عريضة عني اجلمالة ونص جنان الزيتونة (‪ ،)431‬وهذا ما طور دون‬
‫شك زراعة الزيتون بأفريقيا فرحبت الزراعة هبا مساحات إضافية ‪ ،‬ومن جهة أخري نشري إىل أن‬
‫اإلمرباطور هادريان كان قد أمر بان تصبح األرض ملكا لكل شخص استصلحها حىت لو‬
‫كانت ملكا لشخص أخر وان يدفع املستصلح النصف عن املنتوج إذا كانت األرض ملكا‬
‫للدولة(‪ ،)432‬وهبذا اإلجراء يكون قد وفر احلماية القانونية اليت تشجع املزارعني على استصالح‬
‫األراضي وزيادة اإلنتاج‪.‬‬

‫انتشرت زراعة الزيتون يف عموم أفريقيا ‪ ،‬ويشهد على ذلك العديد من آثار املعاصر اليت‬
‫عثر عليها باملنطقة( انظر أدناه اخلريطة (‪ )8‬ص‪ ،) 581‬فقد الحظ العديد من الباحثني إبان‬
‫احلقبة االستعمارية الفرنسية وجود هذه اآلثار يف مناطق هي اليوم مناطق صحراوية قاحلة ال‬
‫تصلح للزراعة ‪ ،‬فقد أكد اغزال أن سهل حبرية األرنب الواقع جنوب تبسة كان خالل الفرتة‬
‫(‪)430‬‬
‫ديكرييه (فرنسوا)‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص‪.81-89‬‬
‫(‪)431‬‬
‫انظر أعاله ص ص‪.19-11‬‬
‫(‪)432‬‬
‫‪Spartien, Vie d’Hadrien, écrivains de l’Histoire Auguste, traduit par FL.‬‬
‫‪Leglay, T.1, C.L.F. Panckoucke , Paris 1844, XVIII.‬‬
‫‪130‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫الرومانية سهال تغطيه غابات الزيتون(‪ ،)433‬أما الباحثة هنريات كامبس فقد الحظت أن املناطق‬
‫اليت قدمت لنا اليوم العديد من آثار هذه املعاصر هي نفس املناطق اليت وصفها سالوست بأهنا‬
‫مناطق جرداء وجافة ما يدل حسبها على أن الرومان هم من قام بتوسيع هذه الزراعة إىل هذه‬
‫املناطق(‪ ،)434‬غري أن هذه الباحثة قد غفلت بان هذه املناطق اليت عثر هبا على كم هائل من‬
‫هذه املعاصر هي مناطق القبائل املكنطنة اليت مل ختضع للسلطة الرومانية كإقليم قبائل املوزوالم‪،‬‬
‫فأمام احلاجة امللحة هلا إىل األرض بعد انتزاع األراضي اخلصبة منها مل جتد هذه القبائل من‬
‫وسيلة أخري غري تكثيف الزراعة يف املساحة املتاحة هلا واستصالح أراضي جديدة (‪ )435‬لذا‬
‫من اجملحف إرجاع كل الفضل للرومان يف مسألة توسيع زراعة الزيتون‪ ،‬ويف نفس اإلطار‬
‫نتحفظ على استنتاج اقزال الذي اعترب أن غابات الزيتون ال ميكن إال أن تكون من اجناز‬
‫الرأمسالني الكبار ألنه على حد تفسريه يتمتعون بالثروة واالكتفاء لذا يرتكون أشجار الزيتون‬
‫تنمو يف هدوء ‪ ،‬عكس املزارعني البسطاء الذين تدعوهم احلاجة إىل زراعة األنواع اليت ال‬
‫تستغرق وقتا طويال لإلمثار(‪.)436‬‬

‫كان التوسع يف زراعة الزيتون باملناطق اجلنوبية مدهشا نظرا لكون كمية األمطار هبا غري‬
‫كافية لقيام هذه الزراعة ‪ ،‬فقد الحظ باراداز وجود آثار ملعاصر رومانية يف مناطق هي اليوم‬
‫مناطق صحراوية(‪ ،)437‬ولعل العامل الذي جعل من هذه الزراعة تصل إىل ختوم الصحراء هو‬
‫تطور تقنيات الري الرومانية املستعملة هبذه املناطق وحسن استغالل األمطار املومسية ببناء‬
‫جدران حتمي الرتبة من السيول يف العديد من املناطق ملنع اجنراف الرتبة ولتخزين املياه‬
‫الستغالهلا يف الري الزراعي(‪ ،)438‬ومل تكتف روما هبذا فقط بل عملت على استغالل مياه‬

‫(‪)433‬‬
‫‪Gsell (St.) , Inscriptions Latines de l’algerie ,T.1, p351.‬‬
‫(‪)434‬‬
‫‪Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine…Op.Cit.,p9.‬‬
‫(‪)435‬‬
‫عقون (العريب) ‪ ،‬االقتصاد واجملتمع‪...‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫(‪)436‬‬
‫‪Gsell (St.),grandeur et décadence de Rome en Afrique...Op.Cit., p91.‬‬
‫(‪)437‬‬
‫‪Baradez (J.),Vue aerienne de l’organisation romaine dans le Sud-Algérien‬‬
‫‪(Fossatum Africae), Arts et métiers graphiques, Paris1949, pp 204-212.‬‬
‫(‪)438‬‬
‫‪Ibid., 185.‬‬
‫‪131‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫العيون املتواجدة هبا ويف هذا الشأن اخربنا بلني عن التقسيم العادل ملياه العيون بني املزارعني‬
‫يف واحة قابس (‪ )Tacapes‬جنوب تونس(‪.)439‬‬

‫لقد كانت زراعة الزيتون على العموم أكثر األنواع انتشارا يف أفريقيا حبيث مشلت‬
‫خمتلف املناطق سواء الرطبة أو اجلافة‪ ،‬وقد أكدت النصوص على هذا التوسع الكبري خالل‬
‫الفرتة الرومانية وعلى االهتمام هبذه الزراعة الناتج من األمهية االقتصادية للزيت واالستعماالت‬
‫املختلفة له اليت جعلت من األباطرة الرومان يشجعون زراعته‪ ،‬ومل تكن الفرتة الرومانية فقط هي‬
‫الفرتة الوحيدة اليت ازدهرت فيها زراعة هذه الشجرة بل استمر ذلك إىل ما بعد هذه الفرتة‬
‫بقرون‪ ،‬ومن الواضح أن االزدهار الذي عرفته افريقية خالل فرتة الفتوحات اإلسالمية كما‬
‫وصفه لنا ابن عبد احلكم وابن عذاري (‪ )440‬قد كان استمرارا للقرون اليت قبلها خصوصا إذا‬
‫علمنا أن شجرة الزيتون من األشجار اليت تعمر أكثر من ‪ 511‬سنة‪.‬‬

‫(‪)439‬‬
‫‪Pline l’Ancien , XVII , LI,22.‬‬
‫(‪ )440‬نقل لنا ابن عبد احلكم رواية تدل على استمرارية تصدير الزيت إىل روما خالل مرحلة الفتوحات اإلسالمية ‪" :‬إن‬
‫عبد اهلل بن سعد هو الذي افتتح افريقية‪...‬وانه كان يوضع بني يديه الكوم من الورق ‪ ،‬فيقول لألفارقة ‪ :‬من أين لكم‬
‫هذا؟ قال‪ :‬فجعل إنسان منهم يدور كالذي يلتمس الشيء حىت وجد زيتونة‪ ،‬فجاء هبا إليه‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا نصيب‬
‫الورق‪ .‬قال‪ :‬وكيف؟ قال‪ :‬إن الروم ليس عندهم زيتون‪ ،‬فكانوا يأتوننا يشرتون منا الزيت ‪ ،‬فنأخذ هذا الورق منهم"‪،‬‬
‫انظر‪ :‬ابن عبد احلكم ‪ ،‬فتوح مصر والمغرب ‪ ،‬حتقيق عبد املنعم عامر ‪،‬ج‪ ،5‬شركة األمل للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‬
‫‪5115‬م‪ ،‬ص‪ .549‬أما ابن عذاري فقد وصف افريقية زمن الكاهنة فقال‪ ":‬أن أفريقية كانت ظال واحدا من‬
‫طرابلس إىل طنجة وقرى متصلة ومدائن منظمة حىت مل يكن يف أقاليم الدنيا أكثر خريات وال أوصل بركات وال أكثر‬
‫مدائن حصونا من إقليم أفريقيا" ‪ ،‬انظر‪ :‬ابن عذاري املراكشي‪ ،‬البيان المغرب في أخبار األندلس والمغرب‪ ،‬ج‪،5‬‬
‫دار صادر‪ ،‬بريوت ‪5851‬م‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪132‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬
‫‪133‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫‪ 2-2-II‬دوافع التوسع في زراعة الزيتون‪:‬‬

‫لقد كان للظروف الطبيعية املساعدة على منو هذه الشجرة باإلضافة إىل زيادة الرغبة‬
‫لدي األباطرة واملزارعني يف توسيع زراعتها الدور الكبري يف حتقيق هذا التقدم‪ ،‬فأفريقيا وفق ما‬
‫اخربنا به القدماء مهيأة لزراعة هذه الشجرة نظرا ملناخها املعتدل املساعد على ازدهار هذا النوع‬
‫من األشجار‪ ،‬ويف هذا الشأن اقتبس بلني(‪ )441‬عبارة من فابيان(‪ )Fabian‬يؤكد فيها "أن‬
‫شجرة الزيتون ال تزدهر يف البالد الشديدة الربودة وال يف البالد الشديدة احلرارة"‪ ،‬فدرجة احلرارة‬
‫عامل مهم يف زراعة هذه الشجرة ‪ ،‬فهي ال تقاوم درجة احلرارة األقل من ‪ °5‬فوق الصفر يف‬
‫املقابل تتحمل درجة احلرارة العالية نسبيا شرط ريها لتجنب جفافها(‪ ،)442‬بينما يعترب اجلليد من‬
‫اشد أعدائها حيث أهنا ال تتحمل الربودة القارسة أو األمطار اليت تتساقط خالل فرتة إزهارها‬
‫اليت تتسبب يف إسقاط مثارها املزهرة ما يسبب خسائر يف املنتوج‪.‬‬

‫كما أن معدل األمطار الذي يتناسب مع زراعة الزيتون هو‪ 811‬ملم سنويا على‬
‫األقل‪ ،‬وهو الشيء الذي توفره أفريقيا بل وتعرف تساقطا اكرب بكثري من هذا املعدل على األقل‬
‫يف املناطق احملاذية للساحل ‪ ،‬ونشري إىل أن زراعة هذه الشجرة تصلح يف الرتبة اخلفيفة اليت‬
‫جيب أال تكون رملية متاما وال طينية ‪ ،‬لذا ينبغي جتنب زراعتها يف أراضي املستنقعات ويف‬
‫األراضي اليت هبا نسبة ملوحة كبرية‪ ،‬فما يالحظ على هذه الشروط الطبيعية واملناخية اليت‬
‫تتطلبها زراعة هذه الشجرة هو تطابقها مع اخلصائص اليت تتميز هبا أفريقيا‪ ،‬وهلذا ال نستغرب‬
‫متسك األفارقة بزراعتها منذ عهود طويلة‪.‬‬

‫ومن العوامل االقتصادية املساعدة على توسيع هذه الزراعة هو سهولة غرسها وقلة‬
‫تكاليفها(‪ ،)443‬باإلضافة إىل أن هذه الشجرة ال تتطلب عناية مستمرة هبا يف املناطق اليت تفوق‬

‫(‪)441‬‬
‫‪Pline l’Ancien, XV,II.‬‬
‫(‪)442‬‬
‫‪Camps-Fabrer(Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine…Op.Cit.,‬‬
‫‪p14.‬‬
‫(‪)443‬‬
‫‪Columelle, V ,VIII.‬‬
‫‪134‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫كمية التساقط هبا ‪ 811‬ملم سنويا‪ ،‬وحىت عملية إزالة األعشاب الضارة وقلب تربتها وتقليم‬
‫أغصاهنا هي من األعمال السهلة املتيسر على الفالح القيام هبا مرة كل عام أو عامني‪ ،‬ومن‬
‫مميزات هذه الشجرة وفق ما أكده كلوميل(‪ )444‬هو متيز إنتاجها مبا يشبه مبدأ التناوب حيث‬
‫يكون إنتاجها وفريا يف عام ويقل يف العام املوايل له‪ ،‬ومن جهة أخري فقد حتدث بيكار عن‬
‫عامل كثرة فرتات اجلفاف اليت ميزت أفريقيا أواخر القرن الثاين وهو ما أدي باحلكام إىل‬
‫االهتمام بزراعة الزيتون يف املناطق اليت كانت تزرع هبا احلبوب باعتبارها أكثر مقاومة للجفاف‬
‫من القمح(‪.)445‬‬

‫أما فيما يتعلق بالدوافع اليت أدت بروما إىل تشجيع هذه الزراعة فهي يف احلقيقة‬
‫عوامل متعددة‪ ،‬بعضها سياسي وبعضها عوامل بشرية والبعض األخر اقتصادي؛ البد أن نقر‬
‫يف البداية إىل أن التوجيه السياسي هلذه الزراعة قد ساهم يف انتشارها ‪ ،‬هذا التوجيه الذي دلت‬
‫عليه صراحة التشريعات األفريقية اليت دعت إىل زراعة األراضي غري املستغلة كروما وزيتونا‪ ،‬كما‬
‫أن سياسة التوزيع اجملاين للقمح والزيتون بروما اليت درج عليها أباطرة القرن الثاين والثالث خاصة‬
‫تعترب من أهم العوامل اليت سامهت يف توسيع هذه الزراعة‪ ،‬ولعل هذه الوضعية قد نشأت‬
‫نتيجة تراجع الزراعة يف ايطاليا نتيجة انتقال السكان من األرياف إىل املدن واندثار الطبقة‬
‫املتوسطة من الفالحني وبذلك أمهلت مستثمرات الزيتون ‪ ،‬وأمام هذا الوضع الذي عرف تزايدا‬
‫يف الطلب على هذا املنتوج خاصة من طرف السكان احلضر مل يرتدد األباطرة يف االستعانة‬
‫بالزيت األفريقي كبديل جاهز لتعويض النقص يف اإلنتاج باعتبار أن زراعة الزيتون قد كانت‬
‫مزدهرة بضواحي قرطاج قبل جميء الرومان بكثري(‪.)446‬‬

‫ومن األسباب املهمة كذلك ‪ ،‬هو ما أشارت إليه هنريات كامبس اليت اعتربت أن زراعة‬
‫الزيتون هو أمر مساعد على استتباب األمن خاصة باملناطق اليت تنتقل عربها القبائل املرحتلة‪،‬‬

‫(‪)444‬‬
‫‪Columelle,V ,VIII.‬‬
‫(‪)445‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine…Op.Cit., p74.‬‬
‫(‪)446‬‬
‫عقون (العريب) ‪ ،‬االقتصاد واجملتمع‪...‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪135‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫فزراعة الزيتون من األمور املشجعة على استقرار هذه القبائل وهو ما يساهم يف ختفيض أعباء‬
‫ومتاعب اإلدارة الرومانية هبذه املناطق ‪ ،‬وقد صورت لنا الباحثة تلك الفائدة املتبادلة بني‬
‫الطرفني ؛ فالبدو يهدفون إىل الثراء واحلكام الرومان ينشدون األمن واالستقرار واالزدهار‬
‫االقتصادي الذي يعود بالفائدة على لروما(‪ ،)447‬وعلى نفس الفكرة علق األستاذ شنييت بان‬
‫زراعة الزيتون هو العامل الذي ساهم يف تدعيم اجلبهة الرومانية أمام القبائل البدوية(‪.)448‬‬

‫لقد أدى ازدهار جتارة هذه املادة واتساع السوق االستهالكية سواء الداخلية أو‬
‫اخلارجية إىل اهتمام األباطرة والفالحني على حد سواء بزراعة هذا النوع ‪،‬الن تسويقها يعترب‬
‫مضمونا وهو األمر الذي يشجع الفالح على زيادة اإلنتاج و زراعة فسائل جديدة‪ ،‬ومن‬
‫األمور املهمة اليت أثرت كذلك على زيادة التوسع هو تزايد ظاهرة التحضر بروما حيث ختلى‬
‫الفالحون عن أراضيهم وحتولوا إىل املدن ‪ ،‬يف مقابل ذلك زاد طلبهم على هذه املادة الضرورية‬
‫يف احلياة احلضرية خصوصا بعد أن اندمج هؤالء وتأثروا مبغريات املدينة‪ ،‬كما أن روما قد عرفت‬
‫على عهد األنطونيني والسيفرييني هنضة عمرانية واتساعا يف األسواق االستهالكية الداخلية‬
‫وزيادة يف الطلب على مادة الزيت(‪ ،)449‬فعلى العموم كان للزيادة السكانية واإلقبال على احلياة‬
‫احلضرية دوره يف التأثري بصفة مباشرة على ازدهار هذه الزراعة بعد أن زاد اإلقبال عليها وزادت‬
‫أرباح جتارهتا‪.‬‬

‫ومن العوامل االقتصادية املهمة –إضافة إىل اتساع األسواق الداخلية واخلارجية اليت‬
‫حتدثنا عنها‪ -‬تفضيل املالك الكبار واملزارعني لزراعة هذه الشجرة نظرا لالمتيازات اليت خصها‬
‫األباطرة هبا واملتمثلة يف اإلعفاءات الضريبية خالل عدد من السنوات للذين يقيمون على‬
‫أراضيهم مستثمرات للكروم والزيتون وللذين يطعمون الزيتون الربي(‪ ،)450‬ويف األخري ال جيب‬

‫(‪)447‬‬
‫‪Camps-Fabrer(Henriette),l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine..Op.Cit., p10.‬‬
‫(‪ )448‬شنييت (حممد البشري) ‪ ،‬التغريات االقتصادية‪ ...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫(‪)449‬نفسه ‪ ،‬ص ص‪.85-85‬‬
‫(‪ )450‬انظر أعاله ص‪.95‬‬
‫‪136‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫أن هنمل الفوائد اجلمة اليت يتميز هبا الزيت ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة لدي خمتلف األجناس‬
‫ومنهم الرببر املعروفون باستهالكهم الكبري هلذه املادة‪ ،‬حيث يستعملوهنا يف طهي خمتلف‬
‫املأكوالت ويف اإلنارة وصناعة مواد التنظيف‪ ،‬كما يستعملوهنا أيضا يف معاجلة العديد من‬
‫األمراض ويف أغراض التجميل والزينة حيث عرف عن نساء الرببر دهن شعورهن بالزيت لتصبح‬
‫ملاعة نظرة(‪.)451‬‬

‫‪ 3-2-II‬خصائص الزيت األفريقي‪:‬‬

‫ملا حل الرومان بأفريقيا وجدوا اهتمام األفارقة بزراعة هذه الشجرة فما كان منهم إال‬
‫مواصلة السري يف هذا االجتاه بعد أن وجدوا قاعدة اقتصادية يف املنطقة منت منذ عهد امللوك‬
‫النوميد(‪ ،)452‬وهبذا عرفت أفريقيا ازدهارا يف زراعة هذا النوع أكثر مما عليه اليوم‪ ،‬و شهدت‬
‫وسائل اإلنتاج تطورا ملحوظا سامهت يف زيادة اإلنتاج باإلضافة إىل توفر الشروط املناخية‬
‫املناسبة إلقامة هذه الزراعة اليت تتميز هبا أفريقيا‪.‬‬

‫حاول بلني استثناء أفريقيا من املناطق اليت تنتج الزيتون حيث يقول‪ ":‬إن املقاطعات‬
‫األخرى تنتج الزيتون ما عدا أفريقيا اليت ال تنتج إال احلبوب‪ ،‬هذه األرض هي مملكة سرييس‬
‫(‪ )Cérès‬اليت مل جتعل الزيت واخلمر من نصيبها ولكن ما تنتجه من القمح كاف‬
‫الزدهارها"(‪ ،)453‬غري أن هذا املؤرخ قد تراجع عن هذا احلكم يف العديد من املواضع بل وذكر‬
‫أن هناك نوعا من الزيتون الطري النادر الذي ال يوجد إال يف أفريقيا وامريتا (‪ )Emerita‬مذاقه‬
‫حلو ينضج وجيف لوحده حىت يصبح أحلى من الزبيب(‪.)454‬‬

‫اصدر العديد من الباحثني حكما قاسيا خبصوص جودة الزيت األفريقي حيث اعتربوه‬
‫ذا نوعية رديئة لذا يستعمله الرومان يف إنارة املصابيح ويف احلمامات‪ ،‬والسبب حسبهم يعود‬

‫(‪)451‬‬
‫‪Laoust (E.), Op.Cit., p460.‬‬
‫(‪)452‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit., p74.‬‬
‫(‪)453‬‬
‫‪Pline l’Ancien ,XV,III.2.‬‬
‫(‪)454‬‬
‫‪Ibid.,XV,4.‬‬
‫‪137‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫إىل عدم حرص األفارقة على صنعه بطريقة جيدة واعتمادهم على وسائل بدائية يف إنتاجهم له‬
‫باإلضافة إىل حرصهم على وفرة احملصول أكثر من حرصهم على جودته(‪ ،)455‬والعجيب يف‬
‫األمر أن هؤالء مل يبنوا فرضياهتم على نتائج توصلت إليها األحباث أو على استنتاجات‬
‫خمتصني يف علم النبات وإمنا استخلصوا حكمهم هذا من قصيدة هجائية للشاعر‬
‫يوفينال(‪ )Juvénal‬الذي وصف فيها الزيت األفريقي الذي عكف أبناء مسيبسا على إرساله‬
‫إىل روما بأنه زيت جعل محامات روما مقرفة وانه لشدة محوضته ورداءته يدفع حىت مسوم‬
‫ولسعات الثعابني(‪.)456‬‬

‫ال ميكن االقتناع بفرضيات هؤالء ببساطة طاملا أن األحباث املتخصصة مل تشر إىل‬
‫ذلك ويبقي هذا احلكم يف نظرنا حكما غري موضوعي مل ينب على أدلة علمية أو شهادة خبري‬
‫من تلك املرحلة مثال‪ ،‬وإمنا بين انطالقا من عاطفة وأهواء شاعر عرف عنه اهلجاء ؟ ‪ ،‬وقد سار‬
‫على نفس النهج رستوقتزف هو اآلخر الذي اعترب أن الزيت األفريقي ارخص واقل جودة من‬
‫الزيت االسباين(‪ ،)457‬واحلقيقة أن الشروط املناخية املساعدة على إنتاج األنواع اجليدة منه هي‬
‫أكثر مالءمة يف أفريقيا منها يف أروبا " فأساس الزيت يأيت من احلرارة " كما عرب عن ذلك‬
‫بلني نقال عن ثيوفراست )‪ ،)458((Théophraste‬وحىت هنريات كامبس قد أكدت أن مثرة‬
‫الزيتون األفريقي اغين باملواد الدهنية مقارنة بأنواع الزيتون املغروسة بفرنسا بسبب احلرارة اليت‬
‫حتضي هبا أشجار الزيتون األفريقية مقارنة بنظريهتا يف أروبا(‪.)459‬‬

‫ففي كل األحوال يبقى موضوع جودة الزيت األفريقي من عدمه حمل جدال وحيتاج إىل‬
‫حبوث متقدمة خاصة من طرف املختصني يف علم النبات‪ ،‬الن حجج الباحثني الغربيني غري‬
‫(‪)455‬‬
‫‪Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile…Op.Cit., p40. ; Gsell(St.), l’Algérie‬‬
‫‪dans l’antiquité…Op.Cit., p68. ; Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux) ,‬‬
‫جوليان(شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪R.Af., Volume13, 1869,p99. ; . 518‬‬
‫(‪)456‬‬
‫…‪Juvénal ,Satires, V,v88. D’après Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile‬‬
‫‪Op.Cit., p40.‬‬
‫(‪)457‬رستوقتزف‪.‬م ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.555‬‬
‫(‪)458‬‬
‫‪Pline l’Ancien ,XV,III.3.‬‬
‫(‪)459‬‬
‫‪Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine …Op.Cit., p 14 .‬‬
‫‪138‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫كافية للحكم عليه‪ ،‬خصوصا وان املؤرخني الذين عاصروا تلك املرحلة ما انفكوا ميدحون‬
‫خمتلف احملاصيل اليت تنتجها أفريقيا ويشيدون جبودهتا كالتمور والعنب والقمح‪...‬اخل فمن غري‬
‫املعقول أن يستثين الزيتون من بينها؟ خصوصا وان زراعته باملنطقة قدمية جدا‪.‬‬

‫‪ 4-2-II‬صناعة الزيت وتسويقه‪:‬‬

‫إذا كانت زراعة الزيتون وإنتاجه قد شهدت تطورا بأفريقيا منذ املراحل األوىل اليت‬
‫سبقت الفرتة الرومانية فان طريقة صناعته وحتويل املنتوج الزراعي إىل زيت قابل لالستهالك قد‬
‫عرفت هي األخرى تطورا يف تقنيات التصنيع‪ ،‬فلم يعد األفارقة يستعملون تلك الطرق البدائية‬
‫اليت تتمثل يف سحق الثمار وتركها يف املاء حتت صخور كبرية حىت يطفو الزيت فوق املاء(‪،)460‬‬
‫فقد دلت املعاصر والصور الفسيفسائية اليت عثر عليها باملنطقة على تطور يف طرق التصنيع‪.‬‬

‫رجحت هنريات كامبس أن تكون املعصرة املستعملة خالل الفرتة الرومانية بأفريقيا‬
‫سواء من طرف الرومان أو الرببر مستوحاة من املعاصر اإلغريقية‪ ،‬غري أن الرومان حسبها قد‬
‫عملوا على تطويرها وحتسينها عكس الرببر الذين ابقوا على معاصرهم كما أخذوها من‬
‫اإلغريق( انظر أدناه الشكل (‪ )54‬ص‪ )589‬وان املعاصر الرومانية قد عرفت تقدما يف‬
‫التقنيات وإضافات جديدة بينما اكتفى الرببر مبا هو أساسي فيها دون التفكري يف تطويرها‬
‫والسعي لتحديثها‪ ،‬واعتربت الباحثة من خالل مالحظاهتا ودراستها هلذه املنشآت أن املعصرة‬
‫الرومانية أكثر انتشارا بأفريقيا من نظريهتا الرببرية(‪.)461‬‬

‫طبعا‪ ،‬هذه اآلراء ختص الباحثة اليت تعمل دائما على متجيد السياسة والتقنية الرومانية‬
‫على حساب الشعوب اخلاضعة وهي أراء يف نظرنا غري موضوعية حتتاج للمراجعة ‪ ،‬وجتدر‬

‫(‪)460‬‬
‫كامبس (غابريال) ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫(‪)461‬‬
‫‪Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine…Op.Cit.,‬‬
‫‪pp50-52.‬‬
‫‪139‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫اإلشارة إىل أن املعاصر األفريقية تتفاوت يف حجمها والقدرة اإلنتاجية هلا فهي على العموم‬
‫ثالثة أنواع‪:‬‬

‫مؤسسات صناعية كبري على شاكلة مصنع الزيت املوجود خبربة اعقوب بضواحي عني‬ ‫‪‬‬
‫الكبرية (سطيف) الذي يتوفر على واحد وعشرين قاعدة إنتاج وعصر ومصنع الزيت‬
‫املتواجد مبداوروش ومصنع بري اسقاون (‪ )Bir Sgaoun‬الذي يقع على بعد ‪ 85‬كلم‬
‫(‪)462‬‬
‫‪.‬‬ ‫جنوب تبسة‬
‫معاصر حضرية تتواجد مبناطق اإلنتاج اهلامة فهي على العموم ترتكز حول املدن املهمة مثل‬ ‫‪‬‬
‫تونس ومجيلة ومادور‪...‬اخل‪،‬‬
‫معاصر ريفية خاصة بالعائالت ومستغلة من طرفها(‪.)463‬‬ ‫‪‬‬

‫أما فيما يتعلق بتجارة الزيت فقد كانت منتشرة بكثرة خالل تلك املرحلة‪ ،‬فإذا كان‬
‫جزء من الزيت املنتج بأفريقيا يوجه لالستهالك العائلي احمللى فان اجلزء اآلخر كان يوجه‬
‫للدولة على شكل ضرائب وعائدات متول هبا األنونة األفريقية املوجهة لروما‪ ،‬ومن جهة أخري‬
‫فقد كانت جتارته احمللية منتشرة بافريقيا يف خمتلف األسواق خاصة مع الزيادة السكانية و زيادة‬
‫متطلبات احلياة احلضرية اليت تنامت بأفريقيا هذا فضال عن االستعماالت املختلفة للزيت اليت‬
‫زادت من درجة اإلقبال عليه‪.‬‬

‫بعد جين الزيتون وعصره يوجه القسط املخصص للدولة إىل املخازن (‪)Horrea‬‬
‫املخصصة له؛ ففي البداية يوجه إىل املخازن القريبة ث إىل املخازن اليت تقع عادة على الطرقات‬
‫الرئيسة ث حيول بعدها سواء إىل خمازن املدن الداخلية لتموين اجليش واملقاطعة أو باجتاه املوانئ‬
‫القريبة لشحنه إىل روما عرب الناقالت البحرية‪ ،‬فعلى العموم كانت الكمية املوجهة إىل روما من‬
‫الزيت األفريقي معتربة‪ ،‬فقد عرف عن أباطرة القرن الثاين والثالث توزيعهم اجملاين للزيت بروما‬

‫‪)462‬‬
‫‪Gsell (St.) , les monuments antiques de l’Algérie , T.II , Albert Fontemoing Editeur,‬‬
‫‪Paris1901, p30.‬‬
‫(‪)463‬‬
‫‪Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et son importance économique…Op.Cit., p26.‬‬
‫‪140‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫خاصة خالل عهد نريون وانطونيوس وعهد سبتيميوس سيويروس‪ ،‬وكانت املوانئ املكلفة‬
‫بشحن الزيت باجتاه روما عديدة منها ميناء قرطاج‪ ،‬لبتيس‪ ،‬روسيكادا‪ ،‬صلداي‪ ،‬سيقا‪،‬‬
‫طنجة‪...‬اخل ويستقبله الرومان يف ميناء أوستيا (‪.)464()Ostie‬‬

‫(‪)464‬‬
‫‪Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine …Op.Cit., pp79-82.‬‬
‫‪141‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫‪ .III‬زراعة المدرج ات‪:‬‬

‫إن عملية التوسع الزراعي واالستغالل االقتصادي مرتبطة أساسا بطبيعة الوسط الطبيعي‬
‫الذي يفرض طريقة االستغالل‪ ،‬فالتوسع يف السهول واألراضي املستوية خيتلف كليا عن املناطق‬
‫اليت تتميز باالحندار‪ ،‬وقد أكد العديد من الباحثني املختصني يف التاريخ القدمي ألفريقيا الشمالية‬
‫أن االستعمار الروماين قد اهتم بغزو واستغالل املناطق السهلية الغنية باملوارد املائية ومل يهتم‬
‫باملناطق اجلبلية اليت حتصن هبا السكان احملليون ‪ ،‬يف مقابل ذلك كشفت البحوث األثرية املقامة‬
‫حديثا عن العديد من اآلثار واجلدران الصغرية الداعمة للرتبة يف العديد من املناطق اجلبلية واليت‬
‫نسب اغلبها إىل الفرتة الرومانية‪ ،‬وهذا يف احلقيقة ما يدعو للتساؤل عن أصحاب الفضل يف‬
‫هذه االجنازات؟ وألن هذه التقنيات متطورة حرص بعض املؤرخني على االلتفاف حول احلقائق‬
‫التارخيية ونسبوا هذا التطور إىل الرومان ألنه وفق نظرهتم احملدودة كل تقنية فيها شيء من‬
‫التطور و روح االبتكار والتكيف مع خمتلف األوساط الطبيعية فهي رومانية ببساطة‪.‬‬
‫‪142‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫‪ 0-III‬دوافع استغالل الجبال‪:‬‬

‫لقد سبق وان اشرنا يف الفصل األول إىل أن الشعب األهلي قد عرف هذه التقنية يف‬
‫هتيئة األراضي اجلبلية قبل جميء الرومان بوقت طويل(‪ ،)465‬لكن الشواهد األثرية اليت تنسب‬
‫للفرتة الرومانية تؤكد أن تطورا ملحوظا واتقانا مميزا قد مس تقنيات إنشاء املدرجات‪ ،‬ولعل‬
‫ذلك ما جعل البعض ينسبوهنا ويصفوهنا على أهنا "مدرجات رومانية"‪ ،‬بل وذهب لوفو بعيدا‬
‫حني أكد أن زراعة املدرجات قد شغفت بال الرومان أكثر من الشعوب األخرى اليت‬
‫استعمرت املنطقة‪ ،‬فحسبه مل يهتم االستعمار الفرنسي بالزراعة اجلبلية مقارنة باالستعمار‬
‫الروماين االمربيايل الذي اهتم بكل اجلهات الغنية ومن بينها اجلبال عكس الفرنسيني الذين‬
‫كانوا قليلي احلضور هبذه املناطق بالرغم من تشابه املناخ واملقاومة خالل املرحلتني(‪ ،)466‬واحلال‬
‫أن ما اعتربه لوفو وغريه مدرجات رومانية ألن تقنيتها متطورة؟ يتعارض مع املعلومات التارخيية‬
‫اليت تؤكد أن قاطين هذه املناطق هم السكان األمازيغ الذين جلأوا إليها وحتصنوا هبا بعد أن‬
‫انتزعت منهم أراضيهم بالسهول ‪ ،‬فبعد أن استقر هبم املقام هناك أقاموا هبا هذا الشكل من‬
‫االستغالل الزراعي بعد أن دفعتهم الضرورة االقتصادية والعسكرية إىل استغالل األراضي اليت‬
‫باجلبال وتشييد املدرجات‪.‬‬

‫فقد كان من بني نتائج استيالء اإلدارة الرومانية على األراضي السهلية اخلصبة حدوث‬
‫نزوح األهايل إىل اجلبال واالستقرار يف سفوحها لتظهر زراعة املدرجات وتتوسع كنتيجة لذلك‪،‬‬
‫فاألفارقة مل جيدوا أمام الضغط عليهم من كل اجلوانب احمليطة بالسالسل اجلبلية من وسيلة إال‬
‫استصالح األراضي اجلبلية اليت عادة ما تتميز باالحندار وتربتها احلصوية ‪ ،‬ما جيعل جمهوداهتم‬
‫تتضاعف عما كانوا يبذلونه عندما كانوا يستغلون السهول‪ ،‬ورغم ذلك فقد حاولوا االستفادة‬
‫من اجلبال اقتصاديا بعدما جعلوها ملجأ حيميهم من بطش الرومان‪.‬‬

‫(‪)465‬‬
‫انظر أعاله ص‪.55‬‬
‫(‪)466‬‬
‫‪Leveau (Ph.), l’opposition de la montagne et de la plaine dans l’historiographie de‬‬
‫‪l’Algerie du Nord antique, in :Annales de Géographie,T :86 ,N°474,1977,pp 204-205.‬‬
‫‪143‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫وقد دلت األحباث على أن األفارقة فرضوا بدافع احلاجة الزراعة يف مناطق عالية جدا‬
‫عن مستوي سطح البحر‪ ،‬فقد عثر مبنطقة األوراس على حنو ‪ 515‬معصرة خاصة بالزيتون‬
‫بعضها يف علو يتجاوز ‪5511‬م رغم أن املعروف أن شجرة الزيتون بشمال أفريقيا ال تتجاوز‬
‫‪911‬اىل‪811‬م (‪ ،)467‬وقد عثر أيضا مبنطقة قسنطينة عن آثار ملعاصر على علو يتجاوز‬
‫‪5111‬م ‪ ،‬اجتهدت هنريات كامبس املعروف عنها نسب كل االجنازات إىل الرومان يف‬
‫افرتاض أن الرومان يكونون قد ادخلوا إىل املنطقة ساللة زيتون مقاومة للجليد(‪ ،)468‬ويبقي هذا‬
‫جمرد افرتاض مل تأكده البحوث إىل غاية اليوم‪ .‬ونشري إىل أن زراعة الشعري كانت من اختصاص‬
‫السكان األهايل القاطنني باجلبال باعتبار أن الرتبة هبذه املناطق تربة خفيفة تصلح أكثر لزراعة‬
‫الشعري عكس القمح الذي ينتج بالسهول خاصة القريبة من السواحل ‪ ،‬وقد تكون زراعة‬
‫املدرجات واستغالل اجلبال من العوامل اليت أثرت على تفضيل الكثري من الرببر للشعري عن‬
‫القمح(‪.)469‬‬

‫‪ 2-III‬التقنيات المعتمدة واالنتشار الجغرافي للمدرجات‪:‬‬

‫لقد فرضت البيئة اجلبلية على الفالحني األفارقة اعتماد تقنية املدرجات الستغالل‬
‫املساحات الصاحلة للزراعة القليلة هبذه املناطق‪ ،‬ويشار إىل أن هذه التقنية تصلح لرتبة خفيفة‬
‫سريعة اجلفاف(‪ ،)470‬فقد عملوا على هتيئة هذه األراضي بإنشاء شبكة من اجلدران الصغرية‬
‫الداعمة للرتبة اليت تعمل على منع اجنراف الرتبة من جهة ومن جهة أخرى تسهل عملية حتويل‬
‫األراضي إىل احندار مناسب يسمح باستغالهلا ومتنع سيالن املياه اجلارفة مسهلة بذلك عملية‬
‫نفاذ املياه يف الرتبة خاصة باملناطق اجلافة القليلة التساقط (‪ ،)471‬وهذا االبتكار يسمح‬
‫باالستغالل اجليد واحملكم ملياه األمطار والثلوج بصفة ذكية حيث دلت األحباث األثرية على‬

‫(‪)467‬‬
‫‪Morizot (P.) ,l’Aurès et l’Olivier ,in :Ant.Af. , N° 29, 1993,pp 178-179.‬‬
‫(‪)468‬‬
‫‪Camps-Fabrer(Henriette),l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine..Op.Cit., p14.‬‬
‫(‪ )469‬كام بس ( غابريال)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.515‬‬
‫(‪)470‬‬
‫‪Despois (J.), la culture en terrasses…Op.Cit.,p43.‬‬
‫(‪)471‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine…Op.Cit., p65.‬‬
‫‪144‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫تواجد العديد من األحواض الصغرية اليت تسمح حبجز املياه وكذا تواجد قنوات ري صغرية تنقل‬
‫املياه هبذه املناطق اليت إن مل يتم كبح جريان املياه هبا فستتحول إىل سيول جارفة‪.‬‬

‫ال تزال بعض املدرجات اليت تعود للفرتة الرومانية منتشرة على العديد من السالسل‬
‫اجلبلية بأفريقيا الشمالية ويعود سبب صمودها حسب بونسي (‪ )J. Poncet‬وجان ديبوا إىل‬
‫تواجدها بالقرب من املراكز احلضرية اليت عرفت باستغالل املوارد املائية واألرض بكثرة من بينها‬
‫بالبالد التونسية حاليا املدرجات الواقعة مبطماطة و زغوان والكاف وقفصة وفريانة وغرب‬
‫القريوان‪...‬اخل (‪.)472‬‬

‫واملالحظ أن املدرجات منتشرة تقريبا يف كل املناطق اجلبلية حىت على مستوى املناطق‬
‫اخلارجة عن السيطرة الرومانية غربا‪ ،‬وتظهر أثارها بصفة جلية يف الصور اجلوية ببالد الرببر‬
‫الشرقية وباألطلس األوسط املغريب ويف األوراس واجلنوب الغريب املغريب‪ ،‬وقد الحظ ديبوا أن‬
‫املنطقة اجلنوبية الغربية للمغرب األقصى تتميز بتواجد مدرجات عديدة مهيأة بشكل جيد رغم‬
‫أن املنطقة كانت دائما بعيدة عن التأثري املتوسطي والروماين كما سجل نفس الباحث أن‬
‫املناطق اليت ال تزال هبا تقنية املدرجات حمفوظة ومستغلة هي املناطق اليت ال يزال أهلها‬
‫حيتفظون بالرتاث األمازيغي القدمي ومنه اللغة األمازيغية اليت متثل الوعاء الذي خيتزن ذلك الرتاث‬
‫وميارسون تقاليد زراعية بربرية مثل جبل نفوسة وبالد الشاوية واجلبال اليت يقطنها الشلوح‬
‫باملغرب األقصى(‪.)473‬‬

‫ما ميكن استخالصه يف األخري هو أن لألفارقة دور كبري يف تطوير واستعمال هذه‬
‫التقنية خصوصا إذا علمنا أهنا كانت معروفة عندهم قبل وصول الرومان إىل املنطقة وقد مثلت‬
‫هلم متنفسا وجماال ميارسون فيه أنشطتهم ويستخلصون منه حاجياهتم بعد أن انتزعت منهم‬

‫(‪)472‬‬
‫‪Poncet (J.) et Despois (J.), pour une Histoire rurale de l’Afrique du Nord, in :‬‬
‫‪E.S.C. , 12éme Année, N °3 , 1957, pp 456-457.‬‬
‫(‪)473‬‬
‫‪Despois(J.), la culture en terrasses…Op.Cit.,p48.‬‬
‫‪145‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫اإلدارة الرومانية املناطق السهلية الغنية ‪ ،‬ويف نظرنا ال جمال للحديث عن فضل روماين يف هذه‬
‫التقنية بل ما جيب احلديث عنه هو اإلضافة األفريقية يف هذا اجملال‪.‬‬

‫‪ .IV‬التوسع الزراعي نحو الجنوب‪:‬‬

‫مل يكتف الرومان باستغالل املناطق التلية ذات الرتبة اخلصبة فقط‪ ،‬بل عملوا مبرور‬
‫الوقت على غزو املناطق اجلنوبية املتامخة للصحراء‪ ،‬وكانت الضرورة العسكرية واالقتصادية هي‬
‫الدافع الرئيسي هلذا التوسع الذي أثار دهشة الباحثني نظرا لكون مناخ هذه املناطق مناخ‬
‫جاف مشابه للمناخ السائد يف أيامنا هذه وفق ما خلص إليه اغزال يف أحباثه(‪ ،)474‬كما أن‬
‫املصادر األدبية تشهد بان العوامل املناخية مل تكن مثالية ؛ فسالوست مثال خيربنا بان املناطق‬
‫احمليطة بكابسا(‪ )Capsa‬خالل فرتة احلرب بني الرومان والنوميد بقيادة امللك يوغرطة كانت‬
‫مناطق جرداء وجافة(‪ ،)475‬وقد اخربنا القدامى أيضا أن زيارة هادريان إىل افريقيا سنة ‪559‬م‬
‫قد تزامنت مع هطول أمطار غزيرة على املنطقة بعد مخس سنوات كاملة من القحط(‪ ،)476‬ومن‬
‫جهة أخري فقد بلغت السيطرة الرومانية إىل مناطق بعيدة جدا يشهد عليها حصن القرارة‬
‫(‪ )Guerrara‬مبنطقة امزاب الذي يعد ابعد اثر روماين عثر عليه باجلنوب اجلزائري(‪.)477‬‬

‫‪ 0-IV‬تطور التوسع‪:‬‬

‫إن عملية التوسع الروماين باجتاه اجلنوب قد متت بطريقة ضيقة وحمصورة واختذت‬
‫خطوات بطيئة وحذرة استغرقت سنني طويلة‪ ،‬وقد كانت للمقاومة احمللية دورها الكبري يف‬
‫كبحها والتأثري عليها‪ ،‬فبهدف إرساء األمن باألراضي اليت مت التوسع على حساهبا فكرت‬
‫اإلدارة الرومانية يف إنشاء سلسلة من التحصينات تعرف بالليمس وهي عبارة عن جهاز مركب‬
‫ومعقد كانت له أهداف إسرتاتيجية دفاعية ‪ ،‬ميتد هذا الليمس بشكل أفقي على طول املناطق‬

‫(‪)474‬‬
‫‪Gsell(St.), H.A.A.N., T. I, pp51-52.‬‬
‫(‪)475‬‬
‫‪Salluste, LXXXIX.‬‬
‫(‪)476‬‬
‫‪Spartien, Vie d’Hadrien , XXII.‬‬
‫(‪)477‬‬
‫‪Berbrugger (A.), les romains dans le sud de l’Afrique, R.Af., Volume2, 1957, p283.‬‬
‫‪146‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫اجلنوبية ألفريقيا الشمالية وقد تغري موقعه على فرتتني متباعدتني ‪:‬األوىل خالل القرن األول‬
‫للميالد والثانية خالل القرن الثالث للميالد ‪ ،‬ويتكون الليمس من ثالثة عناصر أساسية‪:‬‬
‫اخلندق(‪ )fossatum‬واحلصون املشيدة وراء اخلندق وشبكة الطرق الرئيسية والثانوية‪ ،‬واملعروف‬
‫أن اجلنود الرومان حيرصون على تثبيت هذه اإلنشاءات قبل الشروع يف عملية االستعمار وقبل‬
‫توزيع األراضي(‪.)478‬‬

‫فيما عدا التوسعات احملدودة على حساب األراضي القريبة فانه يظهر بان عملية‬
‫التوسع قد متت على مرحلتني رئيسيتني ارتسمت من خالهلما احلدود اجلنوبية‬
‫لإلمرباطورية(‪)479‬؛ فاخلط الدفاعي األول (الليمس) قد احكم اجنازه خالل القرن األول للميالد‬
‫خاصة يف عهد اإلمرباطورين تراجان وخليفته هادريان أين كان الليمس خالل هذه املرحلة ال‬
‫يتجاوز الطرف الشمايل لالوراس متجها حنو الشمال الغريب إىل سهول سطيف وجمانة ث إىل‬
‫الربواقية إىل غاية غليزان مقرتبا أكثر من البحر املتوسط‪ ،‬وكان الرومان يتنقلون حبرا إىل طنجة‬
‫(انظر أدناه اخلريطة (‪ )51‬ص‪ .)545‬لكن خالل القرن الثالث نقلت احلدود جنوبا لتتوسع‬
‫روما على حساب ارض جديدة خاصة يف عهد سبتميوس سيفريوس الذي جعل التوسع‬
‫الروماين يبلغ مداه األقصى جنوبا مبوريتانيا ونوميديا حيث جتاوزت احلدود اخلط الدفاعي األول‬
‫وانتقلت إىل جنوب االوراس والضفة اليمىن لوادي جدي متجهة غربا إىل جبال الزاب ث إىل‬
‫منطقة احلضنة إىل غاية تيارت وما بعدها(انظر أدناه اخلريطة (‪ )51‬ص‪.)545‬‬

‫إن هذا النظام الدفاعي مل تفرضه فقط الظروف السياسية واخلوف من اهلجمات‬
‫املستمرة للقبائل القادمة من اجلنوب على األراضي الزراعية وإمنا فرضه أيضا التطور الزراعي‬
‫ورغبة االستعمار يف حتسني موارده بشكل يعود بالفائدة على الوضعية االقتصادية واملالية‬

‫(‪)478‬‬
‫جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.594‬‬
‫(‪)479‬‬
‫; ‪Gsell(St.), l’Algérie dans l’antiquité…Op.Cit., pp46-60.‬‬
‫‪-‬شنييت (حممد البشري)‪ ،‬الجزائر في ظل االحتالل الروماني‪ ،‬بحث في منظومة التحكم العسكري (الليمس‬
‫الموريتاني) ومقاومة المور‪ ،‬ج‪ ، 5‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر ‪ ،5888‬ص ص ‪.555-551‬‬
‫‪147‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫لروما(‪ ،)480‬والبد هنا اإلشارة إىل الدور الكبري الذي لعبه اجلنود وخاصة الفيلق األغسطي‬
‫الثالث الذي اشرف على إنشاء الليمس وكلف بكنرتة األراضي والتوسع اجلنويب‪ ،‬وخالل عملية‬
‫التوسع هذه ركز الرومان أكثر على األراضي اخلصبة وهو ما يفسر لنا الصفة غري املنتظمة‬
‫لليمس ‪ ،‬فقد كان التنظيم العسكري واإلداري الروماين يأخذ بعني االعتبار عدة حقائق أثناء‬
‫إنشاء التحصينات منها خصوبة األراضي واحملاور اليت تسمح مبراقبة القبائل والطرق املهمة يف‬
‫التجارة واهلجرة(‪.)481‬‬

‫إن املناطق اليت تقع خارج الليمس بقيت حرة تتنقل فيها القبائل البدوية بكل حرية رغم‬
‫أهنا تتميز بفقرها من ناحية املوارد‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل أن أغلب املناطق مل تتعرض للتأثري‬
‫الروماين ماعدا البعض منها؛ فتوتان يرى أن سبتيميوس سفريوس وخلفاؤه قد فرضوا على قبائل‬
‫القرامنت استقبال بعض احلاميات العسكرية الرومانية رغم أن هذه القبائل قد بقيت دائما‬
‫خارج الليمس الروماين (‪.)482‬‬

‫اخلريطة(‪ :)51‬احلدود اجلنوبية ألفريقيا خالل الفرتة الرومانية‬


‫املصدر‪ :‬قداش(حمفوظ)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.588‬‬
‫(‪)480‬‬
‫‪Baradez (J.),Op.Cit.,pp207-208.‬‬
‫(‪)481‬‬
‫‪Hilali (A.) , la conquête du désert et la gestion de l’eau en Afrique Romaine :‬‬
‫‪environnement et modes d’occupation ,chaire de recherche du canada en‬‬
‫‪interactions société-environnement naturel dans l’Empire Romain : Revue‬‬
‫‪d’histoire comparée de l’environnement , Canda 2004,p13.‬‬
‫(‪)482‬‬
‫‪Toutain (J.) , les romains dans le Sahara, in : M.A.H. , T.16, 1896, p77.‬‬
‫‪148‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫‪ 2-IV‬دوافع التوسع الزراعي وأهدافه‪:‬‬

‫دلت التشريعات الزراعية اليت عثر عليها بأفريقيا أن بداية البحث عن مساحات وأراض‬
‫زراعية جديدة خلدمتها قد برزت أكثر خالل القرن األول للميالد‪ ،‬فقد شجع األباطرة عن‬
‫طريق القوانني اليت سنوها أو أحيوها املزارعني على اإلقدام على استصالح أراضي األحراش‬
‫واملستنقعات والغابات‪...‬اخل إن هذه السياسة يف البداية كانت تشمل األراضي الواقعة داخل‬
‫املستثمرات الكربى أو األراضي اليت خلفها املهندسون الرومان أثناء عملية الكنرتة ‪ ،‬لكن‬
‫سرعان ما فكرت اإلدارة الرومانية بدفع احلدود حنو اجلنوب إىل أراض بكر غري مستغلة ابتغاء‬
‫حتقيق مجلة من األهداف‪.‬‬

‫يأيت يف مقدمة األهداف اليت أراد الرومان حتقيقها إخضاع القبائل البدوية اليت تشكل‬
‫هتديدا مستمرا على املزارعني املستقرين حيث تتعرض حماصيلهم بصفة مستمرة لعمليات النهب‬
‫والتخريب‪ ،‬ومل تتوقف هذه التهديدات حىت مع استكمال التحصينات احلدودية مع هناية القرن‬
‫الثاين للميالد فاحلرب بني الطرفني قد استمرت إىل ما بعد هذه الفرتة؛ لقد حاول بعض‬
‫املفتتنني باحلضارة الرومانية أن يصوروا لنا تلك السياسة املثالية يف نظرهم اليت انتهجها احلكام‬
‫الرومان جتاه القبائل البدوية املعرقلة لديناميكية التوسع حنو اجلنوب ‪ ،‬ففي وجهة نظر السيدة‬
‫كامبس فان روما قد استعملت سياسة مزدوجة تعتمد على الرتهيب والرتغيب يف نفس الوقت؛‬
‫فاحلكام الرومان حسبها مل يستعملوا فقط القوة من اجل طرد القبائل البدوية خارج الليمس بل‬
‫استعملوا أيضا الوسائل السلمية املتمثلة يف تشجيعهم على االستقرار وممارسة زراعة الزيتون‬
‫بصفة خاصة وألجل حتقيق أهدافها اضطرت الدولة الرومانية إىل التدخل بنفسها من اجل‬
‫تأمني األهايل املزارعني وتأمني أراضيهم وملكياهتم(‪ .)483‬وقد حرص بواسيي(‪ )Boissier‬هو‬
‫األخر على متجيد السياسة الرومانية هبذه املناطق فللرومان حسبه الفضل الكامل يف حتضري‬
‫أفريقيا وهم حسبه من جذب البدو شيئا فشيئا إىل األراضي اخلصبة وغمروهم باألمن وجعلوهم‬

‫(‪)483‬‬
‫‪Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et son importance économique…Op.Cit., pp21-22.‬‬
‫‪149‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫يؤمنون حبياة أفضل ث محلوهم على غزو األراضي البور اجملاورة هلم وهبذا أصبح البلد غري القابل‬
‫للسكن يتوسع دون توقف ومل تبق هناك ارض قابلة للزراعة مل تزرع(‪.)484‬‬

‫ال شك أن يف أوصاف هؤالء الباحثني بعض املبالغة‪ ،‬فروما يف أفريقيا كانت أمام‬
‫موقف صعب خاصة إذا علمنا أهنا كانت يف هذه املناطق مرغمة من جهة على مقاومة‬
‫اجلفاف ومن جهة أخرى على ترويض البدوي وتغيري منط حياته الذي ألفه وورثه جيال بعد‬
‫جيل ‪ ،‬وال ينبغي انطالقا من آراء هؤالء الباحثني أن نقتنع ببساطة بتحليالهتم فإىل جانب هذه‬
‫املثالية وحسن التعامل الذي يصورونه هناك العديد من احلروب والصدامات املستمرة على‬
‫احلدود اجلنوبية اليت تدل على الرفض واملقاومة‪ ،‬فقد اخربنا ديون كاسيوس(‪)Dion Cassius‬‬
‫بان اجليتول قد شنوا حربا ضد امللك يوبا الثاين والرومان بعد أن أرادا فرض قبضتهما على‬
‫املناطق الصحراوية لكن رغم حتقيقهم لالنتصار يف البداية إال أهنم استسلموا واهنزموا يف النهاية‬
‫وكان ذلك يف العام السادس للميالد(‪ ،)485‬كما اخربنا تاسيت (‪ )Tacite‬عن احلروب اليت‬
‫قادها الرببري تاكفاريناس زعيم قبائل املوسوالم يف عهد تبرييوس جنوب الربوقنصلية وقد جر‬
‫معه مازيبا زعيم املوريني للمشاركة يف هذه احلرب اليت دامت سبع سنوات رفض خالهلا‬
‫تاكفاريناس االستسالم بل و"جترأ" حسب تاسيت مبطالبته تسوية لألمر باستعادة األراضي‬
‫املنتزعة من هذه القبائل مقابل توقيف احلرب(‪.)486‬‬
‫(‪)487‬‬
‫لقد فكر الرومان مبكرا يف عملية توطني هذه القبائل والقضاء على ظاهرة البداوة‬
‫اليت متيز املناطق الداخلية ‪ ،‬فهي العملية الكفيلة يف نظرهم اليت متهد الستغالل اقتصادي‬
‫(‪)484‬‬
‫‪Boissier (G.), l’Afrique Romaine, promenades archéologiques en Algérie et‬‬
‫‪en Tunisie, 5eme édition, Librairie Hachette et Cie, Paris 1912, pp135-136.‬‬
‫(‪)485‬‬
‫‪Dion Cassius, Histoire Romaine, traduit par E.Gros, librairie de Firmin Didot‬‬
‫‪frères , Paris 1845, LV, 28, 3-4.‬‬
‫(‪)486‬‬
‫‪Tacite, Annales, traduit par Dureau de Lamalle, Paris 1827, III, XX.‬‬
‫(‪ )487‬إن البداوة بشمال أفريقيا ظاهرة قدمية جدا وفق ما اخربنا به القدامى مثل هريودوت واملعاصرين للفرتة الرومانية‬
‫مثل سالوست وبوليب واسرتابون الذي أشاد يف هذا الشأن باجملهودات اليت قام هبا ماسينيسا من اجل توطني‬
‫البدو وتشجيعهم على استصالح األراضي لالستقرار وممارسة الزراعة ‪،‬وقد وصف ابن خلدون البدو وصفا بليغا‬
‫جامعا حيث يقول‪ ":‬إن أهل البدو هم املنتحلون للمعاش الطبيعي من الفلح والقيام على األنعام وأهنم مقتصرون‬
‫‪150‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫منظم‪ ،‬ويري البعض أن الرومان قد وفقوا جزئيا يف حتقيق هذا اهلدف ‪ ،‬فخالل القرون الثالثة‬
‫األوىل للسيطرة الرومانية تراجع منط البداوة ورحبت الزراعة مساحات واسعة من األراضي(‪،)488‬‬
‫فقد تزايدت درجة التحضر يف أقاليم القبائل اليت مت تثبيتها وعوض النظام القبلي الذي كان‬
‫سائدا بالتنظيم اإلقليمي واإلداري املستحدث وتغريت عادات الرعي والنهب إىل الزراعة‬
‫واالستقرار(‪ ،)489‬وقد مسحت املدن اليت هبا خمازن واملدن اليت استقر هبا اجلنود القدامى يف‬
‫تكوين نواة من السكان املرتومنني اليت مارست هي األخرى تأثريا على اجملموعات السكانية‬
‫احمليطة هبا(‪.)490‬‬

‫خالل املرحلة األوىل السابقة للعهد السيفريي ويف إقليم موريتانا كانت عملية ضم‬
‫األقاليم اليت سيطر عليها املور إىل اإلمرباطورية الرومانية قد متت دون مراعاة االختالفات النوعية‬
‫بني أراضي تلك األقاليم وما يتوقع االستفادة منه اقتصاديا بعد عملية االحتالل نظرا الن‬
‫الدوافع العسكرية الدفاعية كانت أوىل من غريها ولكن ابتداء من العهد السيفريي متيزت العملية‬
‫بانتقاء األراضي اخلصبة للتوسع على حساهبا(‪.)491‬‬

‫ولعل من بني األهداف اهلامة اليت سعى الرومان لتحقيقها أيضا هو االستجابة ألمرين‬
‫هامني؛ يتعلق أوهلما بأطماع كبار املالك واملستثمرين املتزايدة يف ضم أراضي وضيعات جديدة‬

‫على الضروري من األقوات واملالبس واملساكن وسائر األحوال والعوائد ومقصرون عما فوق ذلك من حاجي أو‬
‫كمايل ‪ ،‬يتخذون البيوت من الشعر والوبر أو الشجر أو من الطني واحلجارة غري منجدة إمنا هو قصد االستظالل‬
‫والكن ال ما وراءه وقد يأوون إىل الغريان والكهوف‪ "...‬انظر‪ :‬ابن خلدون(عبد الرمحان)‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‬
‫وهي الجزء األول من تاريخ ابن خلدون المسمى العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن‬
‫عاصرهم من ذوي الشأن األكبر‪ ،‬ضبط املنت ووضع احلواشي والفهارس‪ :‬شحادة خليل‪ ،‬مراجعة زكار سهيل ‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪ ،5115‬ص‪.555‬‬
‫(‪)488‬‬
‫‪Bernard (Augustin) et Lacroix (Nicole), L'évolution du nomadisme en Algérie. In:‬‬
‫‪Annales de Géographie, T.15,N°80, 1906, p153.‬‬
‫(‪)489‬‬
‫‪Kotula (T.)et Michalak (M.), Op.Cit., p 345.‬‬
‫(‪)490‬‬
‫‪Dondin-Payre (Monique), recherches sur un aspect de la romanisation de l’Afrique‬‬
‫‪du Nord, l’expansion de la citoyenneté romaine jusqu’à Hadrien, in: Ant.Af., N°17,‬‬
‫‪1981, p112.‬‬
‫(‪)491‬‬
‫شنييت (حممد البشري)‪ ،‬اجلزائر يف ظل االحتالل الروماين‪ ....‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.515-515‬‬
‫‪151‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫خصوصا وان اغلبهم من الطبقة السيناتورية والشخصيات املهمة باإلضافة إىل توزيع األراضي‬
‫على قدماء اجلند تكرميا هلم على خدماهتم‪ ،‬ويتعلق الثاين بتزايد اهلجرات ومنو السكان حيث‬
‫جلأت اإلدارة الرومانية إىل االستيطان الزراعي خاصة على عهدي أغسطس وتيربيوس وهو ما‬
‫جعل املستوطنني يتوغلون حنو الداخل ويستولون على األراضي الزراعية و املوارد االقتصادية‬
‫هلذه املناطق(‪.)492‬‬

‫ويف األخري ال جيب أن نتجاهل األهداف االقتصادية واملالية لإلمرباطورية الرومانية‬


‫فأفريقيا بالنسبة لإلمرباطورية ارض لالستغالل ال للعمران(‪ .)493‬إن روما تدرك متام اإلدراك أن‬
‫االستغالل الواسع واملثايل لإلمكانيات االقتصادية األفريقية سينعكس إجيابا على اإلمرباطورية‬
‫كلها وهلذا شجعت استصالح أراضي البور واألراضي البكر وأقامت السدود وقنوات الري‬
‫وقامت مبسح األراضي‪ ،‬فاالنتعاش االقتصادي بأفريقيا حيل مشاكل التغذية بروما وهلذا سايرت‬
‫اإلدارة الرومانية أطماع املستثمرين باعتبار أهنا ستساهم يف زيادة األنونة وزيادة مداخيل الدولة‬
‫من الضرائب‪.‬‬

‫‪ 2-IV‬النهضة الزراعية بالجنوب‪:‬‬

‫لقد كان توسيع الزراعة إىل احلدود اجلنوبية ألفريقيا السبيل الوحيد لروما الذي حتقق من‬
‫خالله أهدافها ‪ ،‬فقد استجابت لألطماع املتزايدة للطبقة الربجوازية الرومانية من جهة وسعت‬
‫لتلبية حاجيات سكان روما من جهة أخري خاصة يف ظل التوزيع اجملاين لبعض احملاصيل‬
‫الزراعية بروما ‪ ،‬وما زاد من أمهية هذا التوسع هو محاية هذا اجملال املرومن بواسطة حدود حمصنة‬
‫واستحكامات دفاعية فعالة (الليمس) ما جعل املزارعني يستغلون أراضيهم بكل أمان بعيدا عن‬
‫هجمات البدو ‪ ،‬وقد كان هلذا التوسع أثره البالغ يف ازدهار االقتصاد حيث طرق املزارعون‬
‫احلدود اجلنوبية وفرضوا مبجهوداهتم يف جمال الري واستصالح األراضي ازدهارا ملحوظا يف طبيعة‬

‫(‪ )492‬شنييت (حممد البشري)‪ ،‬اجلزائر يف ظل االحتالل الروماين‪ ....‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫(‪ )493‬جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.515‬‬
‫‪152‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫صعبة ناكرة جلميل من يقوم مبجهود لكنها غنية ملن مينحها املياه حىت يعيد إليها‬
‫خصوبتها(‪.)494‬‬

‫‪ 0-2-IV‬منظومة الري‪:‬‬

‫لقد الحظ العديد من الباحثني خالل فرتة االستعمار الفرنسي وجود آثار هلياكل تعود‬
‫للفرتة الرومانية باملناطق احملاذية للصحراء كأحواض املياه وقنوات نقل املياه ‪...‬اخل فقد أظهرت‬
‫الدراسة اليت قام هبا باراداز(‪ )Baradez .J‬انطالقا من فحصه للصور اجلوية وجود منشآت‬
‫مائية ريفية يف املناطق اجملاورة للصحراء خاصة يف املنطقة الواقعة بني جبال احلضنة وهضبة‬
‫النمامشة (‪ ،)495‬كما تتجلى اليوم آثار مدن كانت قائمة باملناطق الصحراوية حيث شيدت‬
‫على أراض مقفرة‪ ،‬أو كانت قبل ذلك عبارة فقط عن أسواق أو قرى صغرية(‪ .)496‬فاألرجح أن‬
‫تكون هذه املناطق خالل الفرتة الرومانية مزدهرة زراعيا ‪ ،‬فمدينة تيمقاد أو مجيلة مثال مل تشيد‬
‫أبنيتها دون شك يف مثل هذا األفق العاري القاحل أين تربز أطالهلا شاخصة يف أيامنا هذه‬
‫على حد تعبري جوليان(‪.)497‬‬

‫كان للري دوره األساسي يف استغالل الرومان للمناطق اجلنوبية اليت تقع مبحاذاة‬
‫الليمس خاصة جنوب األوراس ‪ ،‬فالعدد الكبري ألثار اآلبار واألحواض والقنوات اليت كشفت‬
‫عنها الصور اجلوية واحلفريات األثرية هبذه املناطق تدل على االستغالل الكثيف للمياه خالل‬
‫الفرتة الرومانية وتؤكد أن انتشار الزراعة هبا كان أكثر مما هو عليه اليوم(‪.)498‬‬

‫فعلي العموم كانت السياسة املائية الرومانية باملناطق القريبة من الليمس املعروفة مبناخها‬
‫اجلاف وقلة التساقط قد بنيت على عدة أسس نلخصها فيما يلي‪:‬‬

‫( ‪)494‬‬
‫‪Baradez(J.), Op.Cit.,p165.‬‬
‫( ‪)495‬‬
‫‪Ibid.,p185-100.‬‬
‫(‪)496‬‬
‫‪Gsell(St.), l’Algérie dans l’antiquité…Op.Cit., p60.‬‬
‫(‪ )497‬جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫(‪)498‬‬
‫‪Baradez(J.),Op.Cit., p910.‬‬
‫‪153‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫محاية الرتبة من االجنراف الذي تسببه األمطار احمللية عن طريق بناء جدران داعمة للرتبة‬ ‫‪‬‬
‫حلمايتها وجعل املياه تنفذ يف الرتبة ومنعها من السيالن‪ ،‬فمياه األمطار هبذه املناطق‬
‫نادرة ووقتية لذا وجب استغالهلا أحسن استغالل‪.‬‬
‫حفظ املياه احمللية ألطول مدة ممكنة عن طريق حجزها يف السدود أو األحواض سواء‬ ‫‪‬‬
‫كانت طبيعية أو اصطناعية وهي عبارة عن ارتفاعات ترابية أو حجرية ‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫استعمال تقنية تقسيم مساحة من األرض إىل جمموعة من األحواض حلجز مياه العيون‬
‫خاصة لتفادي ضياعها‪ ،‬وقد الحظ دو كودراي (‪ )Du Coudray‬وجود عدة آثار‬
‫لسدود صغرية على امتداد الضفة اليسرى لوادي سبيطلة وعدد آخر هلذه السدود بني‬
‫منطقيت قفصة وفريانة مشيدة بأحجار‪ ،‬كما أشار إىل وجود منشآت مماثلة مبنطقة‬
‫احلضنة ومنطقة باغاي وعلى وادي جدي الذي عثر به على سد يزود الضفة اليمين‬
‫واليسرى باملياه على حد سواء(‪ .)499‬كما عثر على العديد من آثار السدود املبنية‬
‫خاصة يف اخلوانق اجلبلية الضيقة يف وادي بريكة(‪ )500( )Thobonae‬وسد آخر على‬
‫وادي القصب باملسيلة (‪ )501‬وسد اجلري(‪ ، )502()Ced el Djir‬وباألوراس هناك العديد‬
‫من السدود بالوادي الذي يتواجد مبنطقة هنشري بو فروح (‪)Henchir Bou Ferouh‬‬
‫(‪ ،)503‬أما على وادي أغريب (‪ )Ogrib‬تظهر لنا الصور اجلوية سدا مربع الشكل طول‬
‫ضلعه يرتاوح بني‪ 41‬و‪ 51‬م‪ ،‬يري باراداز أن له ثالث وظائف؛ جتميع مياه الوادي ‪،‬‬
‫وتقدير كمية املياه باإلضافة إىل انه يسمح باستغالل املياه وفق نظام فعال وديناميكي‬
‫يف عملية الري(‪ .)504‬أما فيما خيص األحواض فهي منتشرة بكثرة على ضفاف األودية‬
‫وال ختلو مستثمرة زراعية من منشآت من هذا النوع نذكر على سبيل املثال حوض‬
‫تامقرا (‪ )Tamagra‬ذو ‪ 91‬م يف الطول و‪ 81‬م يف العرض(‪ ،)505‬واألحواض املنتشرة‬
‫(‪)499‬‬
‫‪Du Coudray La Blanchère,Op.Cit., pp77-81.‬‬
‫(‪)500‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A. , F°37, N°7.‬‬
‫(‪)501‬‬
‫‪Ibid., F°52, N°12.‬‬
‫(‪)502‬‬
‫‪Ibid., F°52, N°59.‬‬
‫(‪)503‬‬
‫‪Ibid., F°09, N°90.‬‬
‫(‪)504‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit.,p16.‬‬
‫(‪)505‬‬
‫‪Ibid.,p146.‬‬
‫‪154‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫الرمل( ‪Ras oued er‬‬ ‫بكل من كدية اخلطوة (‪ )Koudiat el Kretoua‬و راس وادي‬
‫‪ )506()Remel‬مبنطقة اجللفة‪ ،‬وأحواض بالقرب من مصب وادي بريش(‪)Berriche‬‬
‫املنتشرة على ضفتيه بالقرب من سهل احلضنة(‪.)507‬‬
‫استغالل املياه اجلارية عن طريق إنشاء السدود على أسرة األودية وهي صغرية وقليلة‬ ‫‪‬‬
‫االرتفاع هبذه املناطق وأيضا عن طريق إنشاء قنوات جانبية لتحويل املياه إىل مناطق‬
‫أخري وقد الحظ باراداز وجود هذه القنوات يف واد بانيان(‪ )Baniane‬حمفورة على‬
‫ضفيت الوادي‪ ،‬وبالضفة اليمين لوادي مجورة (‪ )Djemorah‬ببسكرة عثر على قنوات‬
‫حمفورة يف صخور تنقل املياه من الوادي إىل جتمع سكاين قدمي(‪ ،)508‬وتتواجد قناة‬
‫عظيمة تدعي ساقية بنت اخلراس(‪ )Saguiat-Bent-el-Kras‬اليت يبدأ امتدادها‬
‫بالقرب من واحة أوالد جالل عرب صحراء مقران إىل غاية شط ملغيغ(‪ ،)509‬وقد عثر‬
‫لويس ليشي (‪ )Leschi L.‬هو األخر على آثار قناة نقل للمياه قريبة من نبع عني‬
‫شرشار(‪ )Ain Cherchar‬الذي أشار إليه اغزال(‪ ، )510‬وقد عثر على بعد ‪511‬م‬
‫من هذه العني على نقيشة متعلقة باجناز هذه القناة ورد فيها أن املسؤول عن تشييدها‬
‫هو كلوديوس سيبتيمينوس(‪ )Clodius Septiminus‬مهندس(‪ )librator‬تابع للفيلق‬
‫األغسطي الثالث(‪ ،)511‬كما عثر أيضا على قناة رومانية مماثلة ببوسعادة بالقرب من‬
‫أوالد خالد (‪.)512()Ouled Kraled‬‬
‫توزيع املياه على األراضي بنقلها سواء من األودية أو السدود أو األحواض أو مباشرة‬ ‫‪‬‬
‫من املنابع الطبيعية حيث أن هناك قنوات رئيسية وأخرى ثانوية‪.‬‬
‫إعادة جتميع املياه الفائضة بعد عملية الري حيث أن املياه الزائدة عن احلاجة بعد أن‬ ‫‪‬‬
‫تشبعت األرض باملياه يعاد جتميعها يف األسفل إلعادة استغالهلا‪ ،‬وقد الحظ باراداز‬
‫(‪)506‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A. , F°02, N°1.‬‬
‫(‪)507‬‬
‫‪Ibid., F°07, N°31-34.‬‬
‫(‪)508‬‬
‫‪Baradez (J.),Op.Cit., p192.‬‬
‫(‪)509‬‬
‫‪Du Coudray La Blanchère,Op.Cit., p82.‬‬
‫(‪)510‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A. , F°27, N°347.‬‬
‫(‪)511‬‬
‫‪Leschi (L.), Un aqueduc romain dans l’Aurès, R.Af.,Vollume 85, 1941,pp23-30.‬‬
‫(‪)512‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A. , F°04, N°5.‬‬
‫‪155‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫وجود ثالث مناطق تستعمل هبا هذه التقنية يف املنحدرات الواقعة بني جبل متليلي‬
‫ووادي القنطرة(‪.)513‬‬

‫ومن الواجب اإلشارة أيضا إىل العيون واآلبار اليت متثل هي األخرى مصدرا من مصادر‬
‫املياه هبذه املناطق‪ ،‬فعلى طول املناطق احملاذية لليمس والواحات الصحراوية تنتشر هذه اآلبار‬
‫والعيون اغلبها جاف يف وقتنا احلايل لكن يف القدمي كان هلا دور هام يف ري احملاصيل الزراعية‬
‫مثلما اشرنا إليه يف المصبا‪ ،‬نذكر من بينها بري ماجور (‪ ،)Madjor‬وبري سيدياس(‪)Cedias‬‬
‫مبنطقة خنشلة(‪ ،)514‬ويف عني البيضاء مبنطقة قصر بلقاسم هناك بئر يدعي بري الدروج(‪،)515‬‬
‫وهبنشري جيمي باألوراس (‪ )Henchir Gemi‬هناك بئر رومانية(‪ .)516‬أما العيون فهناك يف‬
‫ترمونت (‪ )Tarmount‬باملسيلة على سفح جبل الطرف(‪ )Tarf‬العديد من العيون‬
‫الرومانية(‪ ،)517‬وهناك عني سالنيس(‪ )Slanis‬اليت تقع جنوب سهل احململ خبنشلة وحنو مثان‬
‫أخري بالقرب منها أمهها عني امجل (‪.)518()Ain Djemel‬‬

‫إن هذه املنشآت املائية على حد تعبري ضابط الطريان الفرنسي باراداز تتعدي اجملال‬
‫الفردي وهي دليل على تنظيم كامل ودقيق(‪ ،)519‬وقد الحظ بريبان هو األخر أن منشآت الري‬
‫املكتشفة هلا نفس اخلصائص ومتشاهبة بني خمتلف املناطق ما يوحى حسبه بأهنا كانت عمال‬
‫لسلطة عليا(‪ ،)520‬طبعا هو يقصد اإلدارة الرومانية ولكن علينا أال هنمل دور األهايل يف‬
‫املسامهة يف اجنازها‪ ،‬ث أن اغلب هذه املنشآت قد بين على قاعدة حملية كانت متواجدة قبل‬
‫وصول الرومان إىل هذه املناطق‪ ،‬ومن جهة أخرى فان حضور هذه املنشآت املائية يف مناطق‬

‫(‪)513‬‬
‫‪Baradez (J.), Op.Cit., p194.‬‬
‫(‪)514‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit.,pp131-133.‬‬
‫(‪)515‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A. , F°59, N°267-268.‬‬
‫(‪)516‬‬
‫‪Ibid., F°09, N°99.‬‬
‫(‪)517‬‬
‫‪Ibid., F°52, N°91.‬‬
‫(‪)518‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit.,p140.‬‬
‫( ‪)519‬‬
‫‪Baradez(J.),Op.Cit.,p165.‬‬
‫(‪)520‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit.,p122.‬‬
‫‪156‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫هي اليوم جافة وقاحلة لدليل كاف يف نظرنا لتأكيد التوسع واالزدهار الزراعي الذي عرفته هذه‬
‫املناطق خالل الفرتة الرومانية‪.‬‬

‫‪ 2-2-IV‬الزراعة واستصالح األراضي‪:‬‬

‫إن الزراعة باملناطق الشمالية للصحراء تعتمد على الري كعامل ضروري لنمو املزروعات‬
‫وازدهارها‪ ،‬والزراعة املروية هبذه املناطق هلا ثالث مصادر أساسية وهي مياه األمطار على قلتها‪،‬‬
‫واملياه اجلوفية املتمثلة يف مياه اآلبار والعيون الطبيعية‪ ،‬باإلضافة إىل املياه السائلة(األودية) أو‬
‫املتجمعة اليت تنقل إىل مناطق أخري عرب قنوات ‪ ،‬وحسب باراداز فان النخيل يتطلب كميات‬
‫كبرية من املياه عكس زراعة القمح اليت تتطلب اقل مما خيصص للنخيل أما شجرة الزيتون‬
‫فتتطلب كميات متوسطة من املياه أكثر من القمح واقل من النخيل(‪ ،)521‬وهذا دون شك ما‬
‫شجع على توسيع زراعة احلبوب والزيتون إىل هذه املناطق‪.‬‬

‫هناك العديد من اهلياكل الزراعية اليت عثر عليها الباحثون يف هذه املناطق القاحلة‪ ،‬من‬
‫بينها آثار املعاصر اخلاصة بالزيتون املنتشرة بكثرة يف مناطق انقرض منها هنائيا يف وقتنا احلايل مما‬
‫يدل على االنتشار الواسع يف زراعته خالل الفرتة الرومانية(‪ ،)522‬كما انتشرت باملناطق القريبة‬
‫من الصحراء زراعة احلبوب اليت تشهد عليها آثار الطواحني املائية املقامة على مستوى جماري‬
‫األودية جنوب األوراس(‪ ،)523‬ففي بعض املناطق املتواجدة على ضفاف األودية الصحراوية‬
‫هناك كثافة يف انتشار البساتني الناجتة عن عملية استصالح األراضي وهتيئتها وربطها بشبكة‬
‫من قنوات الري ما ولد سلسلة من الواحات القريبة من بعضها البعض(‪.)524‬‬

‫لقد محلت املخلفات األثرية اليت عثر عليها باألوراس أدلة على اتساع اخلريطة الزراعية‬
‫لتشمل أنواع أخري منها على اخلصوص زراعة الزيتون اليت تسببت يف إجالء القاطنني هبذه‬
‫(‪)521‬‬
‫‪Baradez(J.), Op.Cit.,p191.‬‬
‫(‪)522‬‬
‫‪Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et son importance économique ..Op.Cit., p21.‬‬
‫(‪)523‬‬
‫‪Leschi (L.) , nouvelles recherches aériennes sur le ’’Limes’’ d’Afrique , R.Af.,‬‬
‫‪Volume 91, 1947, p208.‬‬
‫(‪)524‬‬
‫‪Baradez (J.),Op.Cit., p199.‬‬
‫‪157‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫املناطق حنو اجلنوب ونزع األراضي الرعوية منهم هبدف استصالحها وزراعتها(‪ ،)525‬من جهة‬
‫أخري كان للشعب األهلي أيضا دوره يف استصالح هذه األراضي بعد أن طرد إليها وهو ما‬
‫دلت عليه ضفاف األودية الصحراوية اليت عثر فيها على العديد من منشآت الري وهياكل‬
‫االستغالل الزراعي خصوصا املعاصر اليت تدل على انتشار زراعته هبذه املناطق‪ ،‬ولعل استجابة‬
‫هذه الشجرة للشروط املناخية اليت تتميز هبا أفريقيا هي اليت شجعت الرومان واألهايل على‬
‫توسيع زراعتها يف املناطق الداخلية واجلنوبية خصوصا وأهنا تتأقلم نسبيا مع املناخ احلار بشرط‬
‫ريها باستمرار‪ ،‬وقد الحظ باراداز تواجد طاحونات خاصة بالزيتون ومعاصر وأحواض وبقايا‬
‫جرار بكثرة ويقول انه عثر على معصرة مبنطقة سبع مقاطع (‪.)526()Seba mgata‬‬
‫اشتهرت ضفتا وادي العرب بالبساتني املمتدة على جانبيه ‪ ،‬اليت اختذت أشكاال‬
‫متعددة بعضها مربع وبعضها اآلخر مستطيل‪ ،‬مدعومة بأحجار كبرية ‪ ،‬تنتشر هبا زراعة احلبوب‬
‫يف املناطق اليت تقع مشال قلوع الرتاب (‪ )Gueloa el Trab‬وزراعة الزيتون باملناطق اجلنوبية‪،‬‬
‫وقد عثر على طول وادي العرب على طواحني خاصة بالقمح ما يدل على انتشارها يف املنطقة‬
‫منذ القدمي ‪ ،‬كما عثر على معاصر وأحواض خاصة بالزيتون ابتداء من وادي مالقو( ‪oued‬‬
‫‪ )Mellagou‬إىل غاية وجلة (‪ )Ouldja‬وهنا أيضا مت العثور على قاعدة مربعة تسحق عليها‬
‫حبات الزيتون(‪.)527‬‬
‫باملوازاة مع ذلك فقد عثر على جوانب نفس الوادي على العديد من آثار منشآت‬
‫الري‪ ،‬وتتمثل أساسا يف القنوات الناقلة للمياه اليت تتواجد يف اعلي املزارع باحندار يسمح هلا‬
‫بتزويد هذه البساتني باملياه الضرورية للري‪ ،‬فقد عثر على إحدى هذه القنوات على جمري وادي‬
‫مالقو اليت تتزود من منبع بعيد ببعض الكيلومرتات منها وأخرى تتجه من قلعة الرتاب إىل وجلة‪،‬‬
‫وهناك حوض من‪ 51‬أمتار يف الطول و‪ 9‬يف العرض مصنوع من مواد بدائية على جمري وادي‬

‫(‪)525‬‬
‫‪Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit., p19.‬‬
‫(‪)526‬‬
‫‪Baradez (J.),Op.Cit.,p200.‬‬
‫(‪)527‬‬
‫‪Alquier (J.) , les ruines antiques de la vallée de l’Oued el Arab (Aurès), R.Af.,‬‬
‫‪Vollume85, 1941,pp33-32.‬‬
‫‪158‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫العرب(‪ ،)528‬كل هذه األعمال املائية تفسر لنا االزدهار الكبري هلذه املنطقة خالل الفرتة‬
‫الرومانية‪.‬‬

‫ومبنطقة القنطرة أكد باراداز أن املساحات املزروعة هبا يف القدمي كانت أكثر حبوايل‬
‫عشرين مرة من املساحة احلالية‪ ،‬ويشهد الباحث على وجود أثار زراعة الزيتون جبنوب منطقة‬
‫القنطرة‪ ،‬حيث يقول انه قد عثر على احد جذورها املتحجرة كدليل على انتشار زراعة الزيتون‬
‫باملنطقة خالل الفرتة الرومانية(‪.)529‬‬

‫أكد بريبان أن سفح األوراس كان كله مستغال من طرف الرومان وهناك العديد من‬
‫الدالئل اليت تدل على هذا االستغالل من بينها تواجد أحواض وقنوات الري يف ارتفاع عال‪،‬‬
‫وتواجد أثار مستثمرات سواء رومانية أو حملية على امتداد هذا اإلقليم‪ ،‬كما أشار إىل ما مساه‬
‫السهل الصحراوي جنوب األوراس والذي حسبه كان مستغال من طرف الرومان نظرا للعدد‬
‫الكبري من منشآت الري القدمية املتواجدة به خاصة قنوات نقل املياه(‪.)530‬‬

‫كما أن هناك جممع زراعي باألوراس بالقرب من وادي الشرفة ووادي سيدي فتح اهلل به‬
‫أحواض ومعاصر باإلضافة إىل اآلبار(‪.)531‬أما مبنطقة بادس)‪ (Badès‬فقد عثر على عدد كبري‬
‫من املنشآت واآلثار املائية تتمثل يف قنوات وخزانات وأحواض (انظر أدناه الشكل (‪)59‬‬
‫ص‪ ،) 558‬تضاف إليها العديد من آثار املعاصر املتواجدة باملنطقة الواقعة بني ليانة وبادس‬
‫وهي دليل كاف على انتعاش الزراعة باملنطقة يف املرحلة الرومانية(‪. )532‬‬

‫وقد عرفت الواحات الصحراوية يف تلك املرحلة زراعة مكثفة ومزدهرة ‪ ،‬فقد شرع يف‬
‫استعمارها ابتداء من القرن األول قبل امليالد بالسيطرة على قابس وقفصة إىل غاية القرن الثالث‬
‫بعد امليالد أين متت السيطرة على واحة غدامس‪ ،‬وقد ساهم ذلك يف مراقبة حركة اهلجرة‬
‫(‪)528‬‬
‫‪Alquier (J.) , Op.Cit., pp35-36.‬‬
‫(‪)529‬‬
‫‪Baradez (J.), Op.Cit. , pp200-201.‬‬
‫(‪)530‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit., pp288-510.‬‬
‫(‪)531‬‬
‫‪Gsell (St.) , A.A.A. , F°09, N°11.‬‬
‫(‪)532‬‬
‫‪Birebent (J.),Op.Cit., p186-191.‬‬
‫‪159‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫والتجارة ‪ ،‬يف هذه الواحات تنتشر أعراف قدمية حول تقسيم املياه اليت تتم بطريقة عادلة حيرص‬
‫كل مالك على حقه كامال يف مياه الري اليت عادة ما تكون مياه عيون أو آبار أو مياه أودية‬
‫مومسية(‪.)533‬‬

‫وقد قدم لنا بلني وصفا رائعا عن االستغالل الزراعي املكثف بالواحات بناحية قابس‬
‫(‪ )Tacape‬اليت تقع على حدود الصحراء جنوبا يف سواحل السريت الصغري غريب لبتيس‬
‫الكربى (‪ )Leptis Magna‬حيث يقول‪ ":‬هنا حتت خنلة مرتامية األطراف تنبت شجرة زيتون ‪،‬‬
‫وحتت شجرة الزيتون شجرة تني ‪ ،‬وحتت شجرة التني شجرة لوز ‪ ،‬وحتت شجرة اللوز كرمة‪ ،‬وحتت‬
‫الكرمة يزرع القمح ث نباتات قرنية وأخريا اخلضروات ‪ ،‬كل هذا يف نفس العام وكل واحدة تنمو‬
‫حتت ظل األخرى"(‪ .)534‬إن أمهية هذا النص تكمن يف انه يقدم لنا أمثلة عن الزراعات املنتجة‬
‫يف الواحات يف تلك الفرتة ‪ ،‬فباستثناء النخيل فان باقي احملاصيل معروف أهنا تنمو يف املناخ‬
‫املعتدل أي حمصورة يف املناطق الشمالية ألفريقيا ‪ ،‬ولعل السبب يف هذا االستغالل املتنوع‬
‫واملكثف يكمن يف رغبة الفالحني يف استثمار طول مدة إنتاج بعض األشجار يف إنتاج حماصيل‬
‫أخرى موازية هلا واقتصاد كمية املياه خصوصا وان املياه نادرة بالصحراء ‪ ،‬والعامل األساسي يف‬
‫جناح هذه العملية يكمن يف استفادة النباتات من الظل الذي توفره لبعضها البعض وهذا ما خيفف‬
‫عنها ندرة املياه وقسوة املناخ ‪ ،‬وال تزال هذه الطريقة ممارسة بواحات الصحراء اجلزائرية رغم أهنا‬
‫ليست بالكثافة اليت حتدث عنها بلني الذي نلمس يف وصفه بعض املبالغة‪.‬‬

‫أشاد بلني باخلصوبة العجيبة اليت تتميز هبا هذه املنطقة الصحراوية واخربنا أن الكروم‬
‫هبا تنتج مرتني يف العام ‪ ،‬واخربنا أيضا أن سعر األرض هناك مرتفع جدا حيث تباع قطعة‬
‫ارض من أربعة أذرع )‪ (coudées‬مربعة بأربعة دنانري)‪ ،(deniers‬والفضل يف خصوبة هذا‬

‫(‪)533‬‬
‫‪Trousset (P.), les oasis présahariennes dans l’antiquité : partage de l’eau et‬‬
‫‪division du temps , in : An.Af., N °22 ,1986 , pp164-166.‬‬
‫(‪)534‬‬
‫‪Pline l’Ancien, XVIII, LI. 22.‬‬
‫‪160‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫اإلقليم حسبه "يعود إىل منظومة الري املمتازة ‪ ،‬حيث يتواجد باملنطقة نبع غزير له ثالثة أميال‬
‫(‪)535‬‬
‫‪.‬‬ ‫يف القطر ‪ ،‬توزع مياهه الغزيرة حسب عدد من الساعات لكل مزارع"‬

‫ولعل أمهية هذا النص تكمن يف انه عرفنا بالطريقة املستعملة يف تقسيم املياه بالواحات‬
‫الصحراوية‪ ،‬فبلني يشري إىل توزيعها على املزارعني " حسب عدد معني من الساعات" وهو‬
‫نظام معروف حاليا يعتمد على جر املياه عرب أروقة وفق عدد معني من الساعات كنصيب لكل‬
‫مزارع ما جعل البعض يفرتضون أن يكون هذا النظام هو أصل نظام الفقارات احلايل(‪،)536‬‬
‫ورجح البعض أن تكون روما قد أعجبت هبذا النظام وعممته على الواحات األخرى وقد‬
‫يكون هذا النظام قد نقش على حجر على شاكلة ما رأيناه يف الماصبا(‪ ،)537‬ويكتسب حق‬
‫استغالل مياه العيون من ملكية األرض بالقرب منها ونظرا للتنافس الكبري على مياهها نشأت‬
‫فكرة تقسيمها بالعدل بني مالكي األرض‪ ،‬فاألرض هبذه املناطق تفقد قيمتها إذا كانت‬
‫مصادر املياه هبا منعدمة(‪.)538‬‬

‫وجتدر اإلشارة هنا إىل الدور الذي لعبه حرس احلدود وهم اجلنود الفالحون الذين‬
‫منحت هلم القطع األرضية الواقعة على طول احلدود الستغالهلا وصد أي غارات حمتملة قادمة‬
‫من اجلنوب وقد أعفوا مقابل ذلك من دفع الضرائب‪ ،‬وكان هلم دور فعال يف دفع عجلة التقدم‬
‫الزراعي واالستيطان البشري حنو اجلنوب‪ ،‬وقد كانت بصمات الفيلق األغسطي الثالث‬
‫ومهندسوه بارزة يف هتيئة العديد من القنوات والعيون‪ ،‬كما أن الفرقة حبضورها يف هذه املناطق‬
‫تؤمن تسيريا مثاليا للمستثمرات الزراعية ومراقبة الطرق‪.‬‬

‫ويف األخري ينبغي التنويه بدور األهايل يف حتقيق التنمية الزراعية يف هذه املناطق وال‬
‫جيب االكتفاء بنظرة املؤرخني األحادية اليت تصور هذا االزدهار انه معجزة رومانية حبتة‪ ،‬ففي‬

‫(‪)535‬‬
‫‪Pline l’Ancien, XVIII, LI. 22.‬‬
‫(‪)536‬‬
‫‪Camps-Fabrer(Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine..Op.Cit.,p99.‬‬
‫(‪)537‬‬
‫‪Pavis d’Escurac (H.), Op.Cit. , p180.‬‬
‫(‪)538‬‬
‫‪Trousset (P.) , De la montagne au désert, Limes et maitrise de l’eau, in : Revue de‬‬
‫‪l’Occident musulman et de Méditerranée , N°41-42, 1986, pp99-100.‬‬
‫‪161‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫حقيقة األمر أن األهايل هم من كانوا يشكلون القوة العاملة اليت اعتمد عليها كبار املالك‬
‫الرومان يف استغالل ضيعاهتم ومستثمراهتم الفالحية(‪ )539‬فقد كانوا أكثر ارتباطا باألرض من‬
‫غريهم ث أن القبائل املبعدة من أراضيها اخلصبة يف الشمال هي اليت سعت للبحث عن أراض‬
‫أخرى يف اجلنوب الستصالحها وزراعتها غري أن اآللة العسكرية الرومانية سرعان ما أبعدهتم من‬
‫جديد وهذا ما يفسر لنا العالقة املتوترة باستمرار اليت كانت تربط الرومان بالقبائل البدوية‬
‫خصوصا إذا علمنا بان الليمس قد تقدم خالل فرتات متعددة حنو اجلنوب‪ ،‬وهذا ما يفسر لنا‬
‫أيضا متسك القبائل املتوطنة هبذه املناطق باملقاومة والتمرد لكون عملية إعادة نزع األراضي‬
‫منهم قد ولد غيضا وشعورا بالقهر لديها‪.‬‬

‫(‪ )539‬جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.515‬‬


‫‪162‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫الشكل(‪ :)07‬منظر جوي للمنشآت الرومانية بجهة بادس‬


‫المصدر‪Birebent (J.), Op.Cit.,p188.:‬‬
‫‪163‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫‪ V‬أثر التوسع الزراعي‪:‬‬


‫نالحظ أن هناك نوعا من التوافق عند املؤرخني حول صورة التغلغل الروماين يف أفريقيا‪،‬‬
‫فهم يصورونه على أنه تقدم للحضارة واحلياة احلضرية واستغالل لألراضي البكر يف الزراعة‬
‫واالستقرار الذي أدى إىل االزدهار االقتصادي‪ ،‬يقابله تغافل مطلق من طرف هؤالء عن‬
‫التغريات اليت أحدثها االستعمار الروماين هبذه املناطق وعما أحدثته سياسة التوسع من تغيريات‬
‫على البيئة االجتماعية واالقتصادية للمجتمعات األفريقية خالل تلك املرحلة ‪ ،‬واحلقيقة أن‬
‫املعطيات التارخيية تربز أن سياسة التوسع قد كانت هلا انعكاسات اجيابية وأخري سلبية‪.‬‬

‫اصطدمت اإلدارة الرومانية بعد أن متت هلا السيطرة على البالد بتعلق اجملتمع األهلي‬
‫باألرض اليت هي املصدر األساسي ملعاشه ‪ ،‬وهذا ما أعاق سياسة التوسع االستغاليل الذي‬
‫يتميز به االستعمار الروماين ‪ ،‬لكن الرومان سرعان ما اخضعوا العديد من القبائل و شرعوا يف‬
‫انتزاع أراضيها بالقوة مبوجب حق الفتح ‪ ،‬وكان تأثري ذلك واضحا على اجملتمعات الريفية‬
‫األفريقية اليت فقدت أجزاء كبرية من أراضيها أو أجربت على النزوح كليا أو جزئيا إىل أراضي‬
‫بعيدة عنها لتستقر هبا‪.‬‬

‫إن سياسة توسيع الزراعة إىل مناطق جديدة اليت انتهجها احلكام الرومان نظرا للضرورة‬
‫االقتصادية امللحة واستقبال جاليات رومانية جديدة تعد من أهم العوامل اليت أدت إىل‬
‫كنطنة(‪ )540‬اجملتمعات الريفية األفريقية‪ ،‬هذه العملية اليت كان هلا ثالثة أهداف رئيسية ‪ :‬توسيع‬
‫جمال االستيطان‪ ،‬و تثبيت القبائل عن طريق حتديد جماهلا ومنع حتركاهتا وكذا ربط هذه العشائر‬
‫مبراكز حضرية حتت سياسة حتضري القبائل(‪ ،)541‬ومن جهة أخرى استهدف الرومان البنية‬

‫(‪ )540‬الكنطنة (‪ :)Cantonnement‬أو سياسة احلشد‪ ،‬وهي عزل قبيلة ما داخل إقليم حمدود بناء على تشريعات قانونية‬
‫وإجراءات مساحية‪ ،‬ويكون ذلك بتجريد القبيلة من أراضيها اخلصبة أو ترحيلها إىل أراضي جبلية أو صحراوية فال‬
‫يبقي للقبيلة إال األراضي األقل خصوبة بينما تضم األراضي املنتزعة إىل أمالك اإلمرباطور أو إىل أراضي املالك‬
‫الكبار أو إىل أقاليم املستعمرات القريبة منها ‪ ،‬انظر‪ :‬عقون (العريب)‪ ،‬االقتصاد واجملتمع‪ ...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.595‬‬
‫(‪)541‬‬
‫‪Trousset (P.), Les bornes du bled Segui… Op.Cit. , p 161.‬‬
‫‪164‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫االجتماعية هلذه اجملتمعات حيث عمل على تشتيتها وعزهلا عن بعضها البعض ملنع االتصال‬
‫والتقارب بينها‪.‬‬

‫يف احلقيقة مل يقض الرومان على اجملتمعات الريفية األفريقية هنائيا وإمنا اهتموا أكثر‬
‫بتحديد جماالهتا احليوية على مستوى مواطنها األصلية أو نقلها إىل مناطق أخري ‪ ،‬والشواهد‬
‫تؤكد أن احلكام الرومان قد أبقوا على أجزاء من األرض يف أيدي هذه العشائر‪ ،‬يف حني‬
‫انتزعت اغلبها خصوصا األراضي اخلصبة منها اليت منحت إىل املستوطنني املدنني أو قدماء‬
‫اجلند‪ ،‬وملا كان جمال القبيلة غري كاف ألفرادها اضطر هؤالء إىل النزوح باجتاه األراضي اجلرداء‬
‫الستصالحها أو استئجار أراضي أو العمل كأجراء لدى غريهم(‪.)542‬‬

‫قبل إخضاع أقاليم القبائل إخضاعا تاما يقوم احلكام الرومان بتعيني ضباط حربيني هبا‬
‫يسمون رؤساء العشائر(‪ ، )Praefecti gentium‬لكن بعد اإلخضاع الكامل هلا يشرعون يف‬
‫تأسيس مستوطنات هبا كما هو حال قبيلة املوزوالم اليت أنشئت هبا مستعمرتا امايدارا ومادور‬
‫خالل فرتة حكم تراجان اللتني استهلكتا الكثري من األراضي‪ ،‬زيادة على انتزاع أجزاء أخري‬
‫منها‪ ،‬بعضها منح ملالك جدد وبعضها اآلخر خصص لإلمرباطور بينما ترك الباقي ألفراد‬
‫القبيلة‪ ،‬ولقد تزامن انتزاع األرض مع عملية املسح وإقامة نصب حجرية حتدد اجملال املكنطن‬
‫ويرجح أن يكون قسم من القبيلة قد نقل إىل املزاق(‪ ،)543‬ونفس اإلجراءات تعرضت هلا قبائل‬
‫أخري مثل قبيلة نوميديا(‪ )Numidae‬قرب مداواروش وقبيلة النيبجينيني(‪ )Nybgenii‬بالقرب‬
‫من الفجاج اليت قسمت أراضيها بني مستعمريت كابسا وتاكاب وتركت مساحة صغرية هلا‪ .‬وقد‬
‫أكد تروسي من خالل دراسته لكنرتة املناطق اجلنوبية للربوقنصلية أن قبيلة النيبجينيني قد مت‬
‫حتديد جماهلا وتقليصه باملوازاة مع مد خطوط املسح حنو اجلنوب(‪.)544‬‬

‫(‪ )542‬رستوقتزف(م) ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.888‬‬


‫(‪)543‬‬
‫‪Gsell (St.) , Inscriptions Latines de l’Algérie ,T.I, p267.‬‬
‫(‪)544‬‬
‫‪Trousset (P.), Les bornes du bled Segui… Op.Cit. , p169.‬‬
‫‪165‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫إن النظام املعتمد يف حتديد جمال القبائل اليت بالتل أو السباسب أو الصحراء هو نظام‬
‫واحد‪ ،‬ويتمثل كما يظهره مثال قبيلة املوزوالمني والنيبجينيني يف سعى السلطة إىل جتنيب‬
‫عالقات أفرادها مع املدن القريبة وتنظيم التنقل يف حياة أنصاف البدو وإدخاهلم يف إطار رمسي‬
‫يسمح مبراقبتهم‪ ،‬وقد رجح البعض أن يكون هناك خمطط مشرتك يطبق على مجيع األقاليم‬
‫خاصة اليت تعرف تنقالت مومسية للقبائل اخلاضعة للسلطة الرومانية (‪.)545‬‬

‫يف الغالب حييط مبلكيات القبائل املكنطنة مستثمرات خاصة باجلنود وقدماء اجلنود ‪،‬‬
‫وقد عثر يف أفريقيا على العديد من النصب احلجرية احملددة حلدود ملكيات هذه القبائل‬
‫باإلضافة إىل القالع (‪ )castellum‬املخصصة ملراقبة حتركاهتا مثل قبيلة تابيانونسيس‬
‫(‪ )Tabianenses‬قرب أطلس شرشال اليت تعرضت هلذه اإلجراءات ‪ ،‬حيث عثر على هياكل‬
‫من هذا النوع بالقرب من موطنها كدليل واضح على كنطنتها(‪ ،)546‬ومن جهة أخري يظهر‬
‫التدخل الروماين يف شؤون القبائل أساسا يف مراقبتني أساسيتني‪ :‬مراقبة اقتصادية لألراضي عن‬
‫طريق حتديد جمال التنقل‪ ،‬ومراقبة سياسية متارس على األفراد بإدارة شؤوهنم(‪.)547‬‬

‫لقد تسبب استحواذ كبار الشخصيات على ملكيات كبرية بأفريقيا باإلضافة إىل أنظمة‬
‫االستغالل السائدة خصوصا خالل القرن الرابع واخلامس أين اجته نظام اإلنتاج واالستغالل إىل‬
‫اإلقطاع يف نشوء الطبقية يف اجملتمع األفريقي وهو ما مل يكن معروفا بأفريقيا قبل ذلك‪ ،‬فهذه‬
‫الوضعية احلديثة املبنية على الفوارق تسببت يف انتفاض الطبقات الكادحة وأدت إىل قيام ثورة‬
‫الريفيني خالل القرن الرابع امليالدي ‪ ،‬حيث وجدت فئة من احملرومني اقتصاديا واجتماعيا‬
‫نفسها تتحالف مع بعض الفئات الدينية املسيحية (الدوناتيني) إلرجاع االعتبار لنفسها‪.‬‬

‫(‪)545‬‬
‫‪Trousset (P.), Les bornes du bled Segui… Op.Cit. , p162.‬‬
‫(‪)546‬‬
‫‪Leveau (Philippe), paysans maures et villes romaines en Maurétanie central(la‬‬
‫‪resistance des populations indigenes à la romanisation dans varrière-pays de‬‬
‫‪Caesarea de Maurétanie, in: M.E.F.R.A., N°2, 1975,p864.‬‬
‫(‪)547‬‬
‫‪Benzina Ben Abdallah (Zeineb),Du coté d’Ammaedara (Haidra): Musulamii et‬‬
‫‪Musunii Regiani, in: An.Af.,N°28,1992, p142.‬‬
‫‪166‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫فخالل القرن الرابع أمهل آالف من فالحي الريف –خصوصا بنوميديا‪ -‬حماريثهم وفروا‬
‫إىل صحراء جيتوليا وبثوا الرعب يف نفوس الطبقات احلاكمة والربجوازية وموظفي الدولة ورواد‬
‫الكنيسة الكاثوليكية املنافسني حللفائهم الدوناتيني‪ ،‬وقد احدث هؤالء الذين وصفتهم‬
‫الكتابات الالتينية باسم "الدوارين"(‪ )548‬فوضي كبرية بأفريقيا‪ ،‬وكان السبب الرئيسي لثورهتم هو‬
‫حالة البؤس االجتماعي اليت كانوا يعيشوهنا‪ ،‬حيث انتهز هؤالء فرصة قيام صراع بني الكاثوليك‬
‫والدوناتيني إلعالن ثورهتم‪ ،‬وما لبث هؤالء أن حتالفوا مع الدوناتيني ليواجهوا متحدين حتالف‬
‫السلطة مع الكنيسة الكاثوليكية(‪ .)549‬وقد عكف املؤرخون على تشويه صورة هؤالء متبنني‬
‫بذلك نظرة الدولة الرومانية جتاههم‪ ،‬لكن رغم كل أعمال النهب والتخريب اليت أحدثها هؤالء‬
‫إال انه ال ينبغي احلط من قيمة هذه الثورة االجتماعية كشكل من أشكال الصراع واملقاومة ‪،‬‬
‫فالعربة على حد تعبري البعض يف نبل أهدافها ومشروعية األسباب اليت قامت عليها(‪.)550‬‬

‫كما ال جيب أن هنمل التغيريات البشرية والدميوغرافية اليت أحدثها االستعمار على‬
‫العموم والتوسع الزراعي على اخلصوص‪ ،‬ويبدو أن قبائل أنصاف البدو قد كانت أكثر تضررا‬
‫من هذه السياسة‪ ،‬فقد أدي توسيع الزراعة إىل اجلنوب إىل فقداهنا لألقاليم اليت الفت الرعي‬
‫واالنتجاع فيها بسبب حتويلها إىل أراض زراعية ما أدي إىل تشتيتها وتغيري مواطنها وتغيري طبيعة‬
‫نشاطها‪ ،‬ومن جهة أخري أحدثت اهلجرة وحركة االستيطان الكثيف خلال يف الوضع‬
‫الدميوغرايف للبالد من حيث التوزيع ومن حيث اجلنس‪ ،‬وهذا ما تؤكده شواهد القبور املدروسة‬

‫(‪ )548‬الدوارون (‪ :)Circum Cellas‬يعرفون بالسريكونسيليون(‪ )Circoncellions‬وتعين الذين حيومون حول خمازن‬
‫احلبوب لسرقتها‪ ،‬انظر‪ :‬جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.581‬‬
‫(‪ )549‬نفسه‪ ،‬ص ص‪. 815-581‬؛‬
‫‪-Sismondi(J.C.L.Simonde De), histoire de la chute de l’Empire Romain et du‬‬
‫‪déclin de la civilisation, de l’An250 à l’An 1000, T.I, Librairie Treuttel et Wurtz,‬‬
‫‪Paris 1835, p130.‬‬
‫(‪)550‬‬
‫عقون (العريب)‪ ،‬االقتصاد واجملتمع‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.584‬‬
‫‪167‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫على مستوي شرق نوميديا‪ ،‬فاغلبها للذكور وهذا ما جعل البعض يرجح أن فئة الوافدين‬
‫الشباب غري املتزوجني هي اليت أدت إىل طغيان فئة الذكور على اإلناث(‪.)551‬‬

‫أما من الناحية االقتصادية فقد كان لسياسة التوسع الزراعي أثرها البالغ يف ازدهار‬
‫االقتصاد باملناطق اجلنوبية واجلبلية‪ ،‬حيث حقق املزارعون جبهودهم يف جمال الري واستصالح‬
‫األراضي ازدهارا ملحوظا يف طبيعة صعبة ‪ ،‬فقد متكن املزارعون‪-‬األفارقة على اخلصوص‪ -‬من‬
‫إقامة استغالل زراعي يف مناطق مل يتصورا يوما الوصول إليها ‪ ،‬ولعل ذلك يعد من اجلوانب‬
‫االجيابية للضغط الروماين من الشمال رغم آثاره السلبية على اجلانب االجتماعي ‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى فال شك أن توسيع اجملال املزروع قد خلق فرص عمل جديدة خاصة بالنسبة للذين‬
‫رضوا باالستقرار واخلضوع للسلطة الرومانية وقد وصلتنا يف هذا الشأن بعض األخبار عن أفراد‬
‫متكنوا من حتسني وضعيتهم االجتماعية واالقتصادية (‪.)552‬‬

‫وينبغي هنا التأكيد على أمر مهم وقد أشار إليه يف احلقيقة العديد من الباحثني وهو‬
‫الدور السياسي الذي لعبه التوسع يف زراعة الزيتون ‪ ،‬فتشجيع األباطرة لزراعته مل يكن فقط‬
‫لضرورة اقتصادية‪ ،‬بل كان أيضا من العوامل الفعالة اليت ساعدت على فرض السلم واهلدوء‬
‫باملناطق اليت كانت مركزا للحياة البدوية أو منتجعات لعبور الرحل ‪ ،‬ولقد كان التوسع يف زراعة‬
‫الزيتون عامال مهما ساهم يف جذب هذه القبائل إىل االستقرار والزراعة وهو األمر الذي كان‬
‫ينشده احلكام الرومان وهنا تتقاطع سياسة اإلدارة الرومانية مع حتول أولئك الرحل إىل مزارعني‬
‫مستقرين ميالني إىل السلم ‪.‬‬

‫الروماين وظاهرة البداوة يف اجلزائر القدمية‪ ،‬جملة التاريخ‪ ،‬ع‪،58‬‬ ‫(‪ )551‬شنييت(حممد البشري)‪ ،‬التوسع الزراعي‬
‫اجلزائر‪5891‬م‪ ،‬ص ص ‪.58-55‬‬
‫(‪ )552‬كان الفضل للنقوش (‪ )C.I.L.,VIII,11814.‬يف إخبارنا بتلك القصة الرائعة اليت رواها احد املزارعني البسطاء‬
‫جبهة سريتا والذي متكن بفضل عمله يف احلصاد من حتسني وضعيته االقتصادية واالجتماعية ‪،‬حيث متكن بعد أن‬
‫كان فقريا حمروما من أن يشرتي أرضا وان يبين بيتا بل وعني عضوا يف جملس الشيوخ ببلدته‪.‬‬
‫‪168‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫كان اقتصاد أفريقيا يرتكز على الفالحة بالدرجة األوىل‪ ،‬وبسيطرة املالك الكبار على‬
‫املستثمرات الزراعية أصبحت مصادر الثروة بأيديهم وتعاظم شاهنم وأصبحوا بذلك أسيادا‬
‫مطلقي السلطة على عبيدهم وعلى الكولون ‪ ،‬بل وتطاولوا حىت على السلطات احمللية فقد‬
‫كانت ثروهتم تسمح هلم بشراء ضمائر موظفي الدولة‪ ،‬ولعل ما زاد سيطرة هؤالء على موارد‬
‫االقتصاد هو انتهازهم الفرصة يف األعوام اليت ساد فيها اجلفاف واجملاعة ليستولوا على أراضي‬
‫املالك الصغار الذين اضطروا أمام األزمات الطبيعية وثقل الضرائب إىل بيع أراضيهم إىل املالك‬
‫الكبار اجملاورين هلم‪ ،‬والذين كان هلم من الثروة ما يسمح هلم باجتياز أعوام األزمة بسالم(‪،)553‬‬
‫وهذا يف احلقيقة ما ترك أثرا سلبيا على الزراعة حبيث ختلى القائمون الفعليون عن زراعة أراضيهم‬
‫اليت أصبحت يف أيدي أثرياء ينشدون زيادة أمالكهم العقارية فحسب‪.‬‬

‫لقد تسبب التوسع الزراعي يف إحداث تغريات على نظام االستغالل و حتويل طبيعة‬
‫اإلنتاج‪ ،‬فقد كان اقتصاد الكفاف هو النمط السائد بأفريقيا قبل وصول الرومان نظرا للنظام‬
‫القبلي املتجذر باملنطقة خالل تلك املرحلة‪ ،‬لكن بعد ترسيخ االستغالل الرأمسايل املبين على‬
‫امللكيات الواسعة حتول اإلنتاج إىل االقتصاد التجاري املايل وهذا ما تؤكده األنونة وانتشار‬
‫األسواق‪ ،‬لكن بداية من أواخر القرن الثاين للميالد عرفت أفريقيا واإلمرباطورية الرومانية يف‬
‫عمومها أزمة اقتصادية حقيقية نتيجة اخنفاض قيمة العملة الناجتة عن قلة إنتاج الذهب يف‬
‫املناجم‪ ،‬ما أدي إىل إضافة مواد أخري إىل العملة وبذلك ارتفعت أسعار السلع باألسواق‬
‫وعرفت املبادالت اختفاء متصاعدا ما أدي إىل اجتاه عام حنو االقتصاد الطبيعي (‪.)554‬‬

‫ومن جهة أخري أدي استئثار فئة األثرياء بأغلب األراضي إىل ظهور نظام االستغالل‬
‫بالوكالة املعتمد على استئجار أراضيهم إىل الكولون ليستغلوها نيابة عنهم وتعيني مسريين‬
‫يكلفون بالقيام بشؤون ملكياهتم(‪ ،)555‬ويف أواخر عهد اإلمرباطورية ‪ ،‬اجته املالك شيئا فشيئا‬

‫(‪)553‬‬
‫‪Gsell (St.), grandeur et décadence de Rome en Afrique...Op.Cit., p99.‬‬
‫(‪)554‬‬
‫‪Weber(Max), les causes sociales du déclin de la civilisation antique, in : Revue‬‬
‫‪Pluridisciplinaire en science humaines, N°1, 2005, p159.‬‬
‫(‪ )555‬شنييت(حممد البشري)‪ ،‬التغريات االقتصادية‪...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.858-855‬‬
‫‪169‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫إىل االعتماد على العبيد بصفة شبه كلية‪ .‬إن زيادة التوسع الروماين قد أدي إىل زيادة متوين‬
‫سوق العمل بيد عاملة إضافية ‪ ،‬ومبرور الوقت أدي ذلك إىل توسع القاعدة اليت كان يشكلها‬
‫العبيد املعتمد عليهم يف استغالل الالتيفونديا وهذا ما أضر بفئة الكولون الذين تدهورت‬
‫وضعيتهم ‪ ،‬وما زاد يف تردى أوضاعهم تلك الضرائب القاسية اليت اجربوا على دفعها عما‬
‫استصلحوه من أراضي ‪ ،‬فحىت بعد ختليهم عنها جتنبا لدفع تلك الضرائب صدموا مبراسيم‬
‫األباطرة اليت تربطهم باألرض وتفرض عليهم خدمتها(‪.)556‬‬

‫واملالحظ على النظام الضرييب املنتهج خالل الفرتة األخرية من عهد اإلمرباطورية هو‬
‫انعكاسه السليب على الزراعة فهو مل يكن أبدا مشجعا على االستثمار بل وكثريا ما تسبب يف‬
‫حدوث اضطرابات وانتفاضات‪ ،‬فقد اخربنا القديس أوغسطني (‪ )Augustin‬يف رسائله‬
‫املكتشفة خالل السبعينات من القرن املاضي أن بعض االضطرابات اليت عرفتها أفريقيا على‬
‫عصره كان سببها ثقل الضرائب و الالعدالة يف توزيعها حممال املسؤولية للمسريين البلديني يف‬
‫التسبب يف هذه األزمات(‪.)557‬‬

‫وقد اشتهرت بأفريقيا تلك الثورة اليت قام هبا مزارعو منطقة اجلم(‪ )Thysdrus‬على‬
‫عهد اإلمرباطور ماكسيمينوس ثراكس(‪585()Maximinus Thrax‬م‪589-‬م) بسبب فرض‬
‫ضرائب إضافية عليهم‪ ،‬حيث اندلعت هذه الثورة بداية عام‪589‬م وهو ما يتزامن مع موسم‬
‫جين الزيتون الذي تشتهر بإنتاجه هذه املنطقة ما جعل البعض يصفها ب"عاصمة‬
‫الزيتون"(‪ ،)558‬وقد أدت قيادة غرديان األول(‪ )Gordien Ier‬بروقنصل قرطاج السابق هلذه‬
‫الربوليتارية الريفية الغاضبة على ثقل الضرائب املفروضة عليها إىل مقتل بروكرياتور اإلمرباطور‬
‫ومرافقيه‪ ،‬ليس هذا فحسب بل انتشرت هذه الثورة بسرعة يف األرياف األفريقية وعمت‬

‫(‪)556‬‬
‫‪Code Théodosien , XI, 1,17.‬‬
‫(‪)557‬‬
‫‪Lepelley(Claude), la crise de l’Afrique Romaine au début du Véme siècle, D’après‬‬
‫‪les lettres nouvellement découvertes de Saint Augustin, in: C.R.A.I., 125éme Année,‬‬
‫‪N°3, 1981, p453.‬‬
‫‪(558) Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit., p76.‬‬
‫‪170‬‬ ‫الفصل الثالث‪ /‬التوسع الزراعي وآثاره‬

‫الفوضى و سرعان ما انتقل تأثريها إىل ايطاليا اين ادت إىل اإلطاحة حبكم اإلمرباطور‬
‫ماكسيمينوس(‪. )559‬‬

‫حبلول القرن اخلامس امليالدي كانت كل املؤشرات توحي إىل قرب هناية االستعمار‬
‫الروماين ‪ ،‬حيث فقد األباطرة السيطرة على أمور الدولة ليس فقط بأفريقيا وإمنا بأرجاء‬
‫اإلمرباطورية كلها ‪ ،‬ففي أفريقيا تصاعدت األزمات االقتصادية واالجتماعية وظهر االنقسام يف‬
‫الكنيسة املسيحية و كثرت االنتفاضات وحركات املقاومة اليت كانت طابعا مميزا ألفريقيا ليس‬
‫فقط خالل القرن الرابع بل وقبلها بكثري‪ ،‬فقد حدث مثال وان ثار أهايل جهة سطيف فطردوا‬
‫املعمرين من أراضيهم على عهد سبتيميوس سواريوس (‪ ،)560‬ومن جهة أخري عرفت الزراعة‬
‫اليت كانت العماد األول لالقتصاد األفريقي والروماين تدهورا بسبب ثقل الضرائب رغم حماولة‬
‫بعض األباطرة إنقاذ الوضع بتخفيضها حفاظا على استمرارية اإلنتاج الزراعي إال أن ذلك مل‬
‫يغري من الوضع شيئا‪ .‬ويف حدود عام ‪ 458‬ميالدية غزا الوندال أفريقيا بقيادة قائدهم‬
‫جنسريق(‪ )Genséric‬منهيني بذلك السيطرة الرومانية اليت دامت أزيد من مخسة قرون ‪.‬‬

‫إن فقدان أفريقيا كان دون شك اكرب نكسة مست اإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬نظرا للمكانة‬
‫اليت تتمتع هبا عند حكامها وأثريائها؛ فقد كانت املقاطعة اليت جتلب منها األموال واألسلحة‬
‫واجلنود ‪ ،‬كما أهنا كانت أهراء حبق مونت شعب روما باملواد الغذائية جمانا على امتداد قرون‬
‫طويلة‪ ،‬وهذا ما جعل أسقف قرطاج كودفولتدوس(‪ )Quodvultdeus‬يبكيها عند غزوها من‬
‫طرف الوندال متحسرا على ضياع هذه اجلنة قائال‪ ":‬أين هي أفريقيا‪ ،‬اليت كانت بالنسبة للعامل‬
‫كله جنة من اخلريات‪ ،‬أين هي كل دوهلا ومدهنا الغنية العامرة"(‪.)561‬‬

‫‪(559) Hilali (A.), la crise de 238 en Afrique et ses impacts sur l’Empire romain,‬‬
‫‪in: Crises and the Roman Empire, édition Brill, Leiden, 2007, pp58-61.‬‬
‫(‪ )560‬جوليان (شارل أندري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.555‬‬
‫(‪)561‬‬
‫‪Lepelley (Claude), la crise de l’Afrique Romaine au début du Vème siècle…Op. Cit.‬‬
‫‪p661.‬‬
‫خامتة‬
‫خامتة‬
‫ما ميكن قوله يف هناية هذه الدراسة هو أن التاريخ االقتصادي ألفريقيا الشمالية يف‬
‫عمومه جمال خصب للبحث حيث لقي اهتماما ملحوظا من طرف الباحثني خصوصا الغربيني‬
‫منهم الذين درسوا جوانب عديدة منه ‪ ،‬ومبعاجلتنا إلشكالية التوسع الزراعي الذي عرفته املنطقة‬
‫خالل الفرتة الرومانية واإلحاطة بالعوامل اليت عرفتها الزراعة على العموم خالل تلك املرحلة‪،‬‬
‫توصلنا إىل استخالص جمموعة من االستنتاجات أمهها أنه جيب جتاوز مسألة اخلوض يف أصول‬
‫الزراعة األفريقية بعد اآلن‪ -‬وهي يف احلقيقة متجاوزة عند الكثري من الباحثني املوضوعيني –‬
‫وينبغي أن نسقط من أحباثنا كل التأويالت القائمة على نظرية عجز املغاربة اليت أرجعت كل‬
‫فعل حضاري إىل أصول أجنبية‪.‬‬

‫لقد أثبتت العديد من الدراسات احلديثة اليت اعتمدت خاصة على علم اآلثار‬
‫والرسومات الصخرية وعلم النبات باإلضافة إىل الدالالت اللغوية ألغلب أمساء املزروعات‪،‬‬
‫أصالة الزراعة األفريقية‪ ،‬وحىت بعض كبار املؤرخني ‪ -‬الذين عرفوا بأطروحاهتم الغربية أو السامية‬
‫اليت تصور الشعب األهلي "األمازيغي" يف صورة البدائي املتلقي دائما للحضارة من جريانه‬
‫الفينيقيني أو اإلغريق أو الرومان ‪ -‬فلتت منهم بعض العبارات اليت تقر باألصل احمللى للزراعة‬
‫والدور األفريقي "األمازيغي" يف اكتشاف وتطوير الزراعة‪ ،‬وقد آن األوان أن نعيد النظر يف‬
‫العديد من الدراسات اليت أجنزت خالل فرتة االستعمار الفرنسي الذي حرص على مترير العديد‬
‫من األطروحات لتحقيق مصاحله وتكريس عقدة التفوق اليت عرف هبا األوربيون على العموم‪.‬‬

‫يبدو أن االزدهار الذي ستعرفه أفريقيا الشمالية خالل الفرتة الرومانية تعود بداياته إىل‬
‫عهد امللوك النوميد وباخلصوص عهد ماسينيسا الذي عرف بسياسته الفعالة يف اجملال الزراعي‪،‬‬
‫خاتمة‬ ‫‪173‬‬

‫ومن جهة أخري يظهر أن الرومان قد استفادوا من سياسة هذا امللك فيما يتعلق بتوطني‬
‫القبائل يف املناطق الداخلية نظرا لكون الطرفني قد انتهجا سياسة متشاهبة يف معاجلة مشكلة‬
‫التنقل املستمر هلذه القبائل الذي يتنايف مع قيام زراعة منتجة هبذه املناطق‪ ،‬كما ال جيب جتاهل‬
‫منجزات الشعب األهلي يف الفرتة السابقة لوصول الرومان يف امليدان الزراعي اليت استفاد منها‬
‫الرومان فيما بعد‪ ،‬فاملزارعون األفارقة هم الذين هيأوا القاعدة األساسية للزراعة‪ ،‬واحلقيقة أن‬
‫الرومان والقرطاجيني من قبلهم قد وجدوا اجملال خصبا لالستثمار ‪ ،‬فاغلب األراضي الزراعية‬
‫كانت مهيأة وقابلة للزراعة وقنوات املياه مشيدة ‪...‬اخل‪ ،‬وببساطة فان الرومان مل ينطلقوا من‬
‫فراغ‪.‬‬

‫إن املالحظ من خالل قراءتنا للدراسات اليت تناولت اجلانب الزراعي هو التحيز الكبري‬
‫يف أغلبها إىل اجلانب الروماين وحتاملها على الشعوب األهلية خاصة فيما يتعلق باألعمال‬
‫الفنية والتقنية‪ ،‬وحسب تلك الدراسات فإن كل تقنية متطورة هي رومانية؟ جمردة بذلك أسالفنا‬
‫من كل مبادرة ومشددة دوما على بدائية هذا الشعب األهلي الذي تطلق عليه عبارة قبائل‬
‫لتلصق هبا صفة البدائية والتخلف‪ ،‬واملالحظ أيضا استعماهلا ملصطلح "روماين" بإسهاب‬
‫(الزراعة الرومانية‪ ،‬املعاصر الرومانية‪ ،‬آبار رومانية‪ ...‬اخل) يف حني أنه كان ينبغي عليها التحلي‬
‫بالروح العلمية واملوضوعية واختيار مصطلحات تشمل اجلميع و كان عليها أن تنسب اجملهود‬
‫للفرتة وإىل البلد ال إىل أجناس على حساب أخري‪.‬‬

‫لعل العامل األساسي يف جناح االستثمار الزراعي يف أفريقيا وحتقيق التطور والتوسع يعود‬
‫إىل منظومة االستغالل الزراعي املبنية على أسس علمية شرع يف التخطيط هلا مباشرة بعد‬
‫إحكام السيطرة على أفريقيا‪ ،‬فسياسة اإلدارة الرومانية انصبت منذ البداية على مسح األراضي‬
‫وتوطني املزارعني (‪ )Colons‬وتوزيع األراضي عليهم‪ ،‬وإعادة هتيئة منشآت الري وتوسيعها إىل‬
‫مناطق جديدة‪ ،‬ث سن جمموعة من التشريعات اليت تنظم االستغالل واستحداث مستثمرات‬
‫لالستغالل الواسع ‪...‬اخل ‪ ،‬وما كان لروما أن حتقق أهدافها ‪-‬خاصة خالل القرن األول والثاين‬
‫‪174‬‬ ‫خاتمة‬

‫للميالد‪ -‬لوال هتيئتها هلذه األرضية التشريعية وتنظيمها الدقيق للمجال وحتديد مسؤوليات‬
‫األفراد‪.‬‬

‫ما يعاب على السياسة الرومانية يف نظرنا يف اجملال الزراعي هو ذلك النظام الضرييب‬
‫اجلائر املنتهج الذي بقدر ما استفادت روما من عائداته بقدر ما فقدت ثقة املزارعني وأبعدهتم‬
‫عن استغالل األرض رغم أهنا يف الفرتة األخرية لإلمرباطورية قد حاولت استدراك األمر‪ .‬كما‬
‫كان لوقوع املستثمرات الزراعية يف أيدي الطبقات الربجوازية أثره السليب أيضا على الزراعة ذلك‬
‫أن هؤالء عادة ما يكونون بعيدين عن العمل الزراعي وعن مستثمراهتم‪ ،‬وكان على األباطرة‬
‫إصدار أوامر يف هذا الشأن تضمن االستغالل األمثل واملستمر لألرض الزراعية‪ ،‬ووضع جزء من‬
‫هذه األراضي يف أيدي الطبقات الوسطى والكادحة ألهنم يف احلقيقة يشكلون القوة الفعلية‬
‫اليت تقوم بأعمال الزراعة ‪.‬‬

‫لعل االهتمام الذي حظي به اجلانب الزراعي عند الرومان مل حتظ به اجملاالت األخرى‪،‬‬
‫وهو ما يؤكد الطابع االقتصادي الزراعي لالحتالل الروماين ‪ ،‬ويظهر ذلك جليا على اخلصوص‬
‫يف حرص الدولة على السيطرة على األراضي الزراعية ذات اخلصوبة واملردود اجليد باعتبارها‬
‫مصدر الثراء األساسي خالل تلك الفرتة ‪ ،‬ومن العوامل الرئيسية اليت ولدت هذا االهتمام‬
‫باألرض وباإلنتاج الزراعي هو التموين اجملاين لسكان روما باملواد الغذائية الذي كان على رأس‬
‫واجبات األباطرة بداية من عهد اوكتافيوس‪ ،‬خاصة وأن أي ضعف أو خلل يصيب التموين‬
‫سينعكس سلبا على هؤالء وسيعرض حكمهم لالضطراب ‪ ،‬وهذا ما يفسر تشجيع هؤالء على‬
‫التوسع حنو األراضي اجلديدة وتشجيع اإلنتاج الكثيف ‪ ،‬وقد كانت اإلجراءات اليت تستوجبها‬
‫األنونة دليال واضحا على ختوف األباطرة من انعكاسات أي نقص يف الغذاء‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫فقد كانت الزراعة األفريقية عامال مؤثرا على سري األحداث التارخيية والسياسية‪ ،‬فقد ساهم‬
‫تراجعها خالل املرحلة األخرية من عهد اإلمرباطورية بصفة غري مباشرة يف تردى األوضاع‬
‫بأفريقيا واإلمرباطورية بصفة عامة‪.‬‬
‫خاتمة‬ ‫‪175‬‬

‫لعل املبالغة يف اعتبار التوسع الزراعي خالل الفرتة الرومانية معجزة وفضال رومانيا حبتا‬
‫يعترب من املغالطات اليت ينبغي علينا اليوم تصحيحها ‪ ،‬فبصمة األفارقة (الشعب األهلي)‬
‫واضحة يف هذا اجملال فهم الذين شكلوا القوة العاملة على مستوى مستثمرات كبار‬
‫الشخصيات سواء كمستأجرين أو أجراء‪ ،‬وكان هلم الفضل أيضا يف طرق سفوح اجلبال‬
‫واألراضي املتامخة للصحراء بعد أن انتزعت منهم أراضيهم اخلصبة بالسهول مبوجب حق الفتح‬
‫فاستعاضوا عنها باستصالح أراض جديدة على مستوى املناطق اليت نزحوا إليها‪ ،‬لذا من غري‬
‫املمكن إقصاء مسامهة هؤالء من ذلك االزدهار الذي اعترب معجزة رومانية‪.‬‬

‫لقد كان لسياسة التوسع الزراعي أثرها على اجلانب االقتصادي واالجتماعي يف أفريقيا‬
‫على اخلصوص‪ ،‬فان كان ذلك قد ساهم يف حتسني الوضعية االقتصادية للبالد وحتسني‬
‫الوضعية االجتماعية لبعض األفراد املرتومنني فانه يف املقابل قد ساهم يف التأثري على الشعب‬
‫األهلي بتجريده من أراضيه وحتديد جماله وحتميله ضرائب قاسية‪ ،‬باإلضافة إىل تغيري منط‬
‫املعيشة لدى قبائل اجلنوب اليت اعتادت التنقل بني الشمال واجلنوب‪.‬‬

‫إن دراسة موضوع التوسع الزراعي يف املناطق اجلنوبية واألسس اليت قام عليها هو يف‬
‫احلقيقة موضوع ليس اهلدف منه دراسة التاريخ ومعرفة حضارة أسالفنا فقط‪ ،‬بل ميثل منوذجا‬
‫تارخييا ومثاال تطبيقيا رائدا يف ما جيب أن يكون عليه االستثمار الفعال الناجح يف البيئات‬
‫الصعبة اليت تكثر هبا العراقيل الطبيعية والبشرية إذا كانت الضرورة االقتصادية متلى ذلك‪،‬‬
‫فالتجربة الرومانية‪-‬األفريقية خالل تلك املرحلة تستطيع العديد من املصاحل اليت هتتم باالقتصاد‬
‫والبيئة االستفادة منها حاليا‪ ،‬السيما وان العديد من التجارب احملدودة املماثلة قد أثبتت‬
‫جناحها كزراعة الزيتون اليت عرفت جناحا وانتشارا يف منطقة وادي سوف ‪ ،‬وإذا كان الري هو‬
‫عماد الزراعة هبذه املناطق خالل الفرتة الرومانية فان التقنيات احلديثة كفيلة برتقية الزراعة‬
‫بأنواعها يف مناطق مماثلة ملنطقة وادي سوف خصوصا مع استعمال التقنيات احلديثة املتطورة‬
‫مثل الري بالتقطري واآلبار االرتوازية‪...‬اخل‪.‬‬
‫مالحق‪:‬‬
‫‪-I‬طريقة صناعة النبيذ من العنب الجاف حسب ماغون‪.‬‬

‫‪ -II‬ذكر علماء الزراعة القدامى عند بلين الكبير‪.‬‬

‫‪ -IV‬التويزة (‪.)Tiwizi‬‬
‫مالحق‬ ‫‪177‬‬

‫‪-I‬طريقة صناعة النبيذ من العنب الجاف حسب ماغون‪:‬‬


‫" نقطف العنب الناضج‪ ،‬وننقيه من احلبات العفنة والفاسدة‪ ،‬ث نعرضه‬
‫للشمس فوق عيدان قصب مرفوعة على أوتاد ومذاري غرست يف األرض‬
‫على عمق أربعة أقدام وربطت بعصي طويلة‪ ،‬ونغطيه ليال كي ال تبلله قطرات‬
‫الندي‪ ،‬وحينما جيف نأخذ حبات العنب ونلقي هبا يف جرة أو خابية‪،‬‬
‫ونسكب فيها أفضل أنواع املسطار(عصري اخلمر قبل طبخه) حىت يغمر‬
‫حبات العنب‪ .‬ويف اليوم السادس وحني تكون حبات العنب قد تشربت‬
‫باملسطار وانتفخت‪ ،‬نضعها يف قفة‪ ،‬ث نكبسها لنأخذ منها عصريها‪ ،‬بعد‬
‫ذلك نضيف عليه املسطار الطازج املستخلص من عناقيد أخري تركت ثالثة‬
‫أيام حتت أشعة الشمس‪ ،‬ونضع هذا اخلليط يف املكبس بعد مزجه بشكل‬
‫جيد‪ ،‬ث نقوم بوضع السائل الناتج عن وجبة العصري الثانية هذه يف أوان‬
‫مغلقة بإحكام بالطني كي ال يصبح النبيذ الذعا‪ ،‬وبعد عشرين أو ثالثني‬
‫يوما‪ ،‬حينما يتوقف التخمر‪ ،‬نفرغ النبيذ يف أوان أخري وندهن أغطيتها فورا‬
‫بالكلس ث نغطيها باجللود"‬
‫‪Columelle, De l’économie rurale, traduit par Luis Du Bois,‬‬
‫‪C.L.F.Panckoucke, paris1844, XII, XXXIX.‬‬
‫‪178‬‬ ‫مالحق‬

‫‪ -II‬ذكر علماء الزراعة القدامى عند بلين الكبير‪:‬‬


‫" عند األجانب أنفسهم‪ ،‬كان هناك شخصيات من الصف األعلى‬
‫قد كتبوا حول الزراعة‪ ،‬من بني هؤالء الكتاب نسمى ملوكا‪ :‬هييورون‬
‫(‪ ،)Hiéron‬فيلوميتور (‪ ، )Philométor‬أتال (‪ ،)Attale‬أرشيالوس‬
‫(‪ ،)Archélaus‬وجنراالت ‪ :‬أقزينوفون (‪ ،)Xénophon‬ماغون‬
‫(‪ ، )Magon‬هذا األخري الذي كان قرطاجيا ‪ .‬فمجلس شيوخنا بعد‬
‫إخضاع قرطاج قد كرمه تكرميا جميدا‪ ،‬حيث أمر عند توزيع مكتباهتا على‬
‫امللوك األفارقة برتمجة كتب ماغون الثمانية والعشرين إىل الالتينية‪ ،‬رغم أن‬
‫كاتون قد سبق وان نشر مؤلفاته‪ .‬إن مهمة العناية هبذه الرتمجة قد أوكلت إىل‬
‫أشخاص عارفني باللغة البونية ود‪ .‬سيالنوس (‪ )D. Silanus‬املنحدر من‬
‫إحدى العائالت العريقة الذي جعل من هذا العمل مهمته األساسية ‪ ،‬ونذكر‬
‫أيضا مجع من العلماء‪ ،‬وقد أشرت أعلى مؤلفي هذا ما اقرتحت أن اتبعه‪،‬‬
‫وأمسى فولونيت فارون (‪ )Volontiers Varron‬الذي حىت وهو يف‬
‫الثمانني من عمره استطاع أن ينشر مؤلفا يف هذا اجملال"‪.‬‬
‫‪Pline l’Ancien ,‬‬ ‫‪Histoire Naturelle ,C.L.F.Panckoucke , Paris‬‬
‫‪1831 , XVIII ,V.‬‬
‫مالحق‬ ‫‪179‬‬

‫‪ -IV‬التويزة (‪:)Tiwizi‬‬

‫"التويزة (‪ )Tiwizi‬هي املساعدة الطوعية املتبادلة بني جمموعة من األفراد ينتمون إىل‬
‫نفس العشرية مقابل االنتفاع بالثلث‪ ،‬وهتدف إىل إمتام األعمال الكبرية اليت يصعب القيام هبا‬
‫فرديا‪ ،‬فبواسطة التويزة يستطيع العديد من الفالحني اجناز العديد من األعمال الزراعية اليت‬
‫تستلزم إما يدا عاملة مهمة كالعزق ونفض أشجار الزيتون أو احلصاد‪ ،‬أو األعمال اليت تستلزم‬
‫استعمال عدد كبري من الدواب مثل الدرس ‪.‬‬

‫إن التويزة متعلقة عموما مبصلحة أفراد لكنها قد تتعلق مبصلحة اجلماعات أيضا‬
‫كأعمال البناء وهتيئة الطرقات والسدود والعيون والقوتارة (‪ )ghottara‬وقنوات الري حيث‬
‫يستدعي إىل العمل كل أعضاء اجلماعة‪.‬‬

‫نستطيع اعتماد الرأي الذي يري أن كلمة ثيويزي (‪ )Tiwizi‬من أصل بربري؛ فبنية‬
‫كلمة تويزة (‪ )Touisa‬املستعملة يف عربية مشال افريقيا (الدارجة) بصيغة اجلمع هي استعارة‬
‫من األمازيغية‪"...‬‬
‫‪Laoust (E.), Mots et choses berbères, notes de linguistique et‬‬
‫‪d’ethnographie dialectes du Maroc, librairie maritime et‬‬
‫‪coloniale , Paris 1920, p322.‬‬
‫فهارس‪:‬‬
‫‪ -‬فهرس المصادر والمراجع‬
‫‪ -‬فهرس الجداول واألشكال والخرائط‬
‫‪ -‬فهرس األعالم‬
‫‪ -‬فهرس األماكن والبلدان والمدن‬
‫‪ -‬فهرس القبائل والشعوب‬
‫‪ -‬فهرس الموضوعات‬
‫‪181‬‬

‫فهرس المصادر والمراجع‪:‬‬


‫‪-0‬باللغة العربية‪:‬‬
‫أ‪-‬المصادر‪:‬‬
‫ابن خلدون(عبد الرحمان)‪،‬‬
‫مقدمة ابن خلدون وهي اجلزء األول من تاريخ ابن خلدون املسمى ديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ‬
‫العرب والرببر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكرب‪ ،‬ضبط املنت ووضع احلواشي والفهارس‪:‬‬
‫شحادة خليل‪ ،‬مراجعة زكار سهيل ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪.5115‬‬
‫ابن عبد الحكم ‪،‬‬
‫فتوح مصر واملغرب ‪،‬حتقيق عبد املنعم عامر ‪،‬ج‪ ،5‬شركة األمل للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة ‪ 5115‬م‪.‬‬
‫ابن عذاري المراكشي‪،‬‬
‫البيان املغرب يف أخبار األندلس واملغرب‪ ،‬ج‪ ،5‬دار صادر‪ ،‬بريوت ‪5851‬م‪.‬‬
‫قيصر(يوليوس) ‪،‬‬
‫حرب افريقية (‪ 49-41‬ق‪.‬م)‪ ،‬ترمجة حممد اهلادي حارش ‪ ،‬دار هومة ‪،‬اجلزائر‪.‬‬
‫ب‪-‬المراجع‪:‬‬
‫الناضوري (رشيد) ‪،‬‬
‫املغرب الكبري‪ ،‬ج‪( 5‬العصور القدمية‪ :‬أسسها التارخيية احلضارية والسياسية)‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫بريوت ‪5895‬م‪.‬‬
‫انديشة (احمد محمد)‪،‬‬
‫التاريخ السياسي واالقتصادي للمدن الثالث ‪ ،‬ط‪ ، 5‬الدار اجلماهرية للنشر والتوزيع واإلعالن ‪،‬‬
‫ليبيا ‪5888‬م‪.‬‬
‫بورونية (الشاذلي)و الطاهر (محمد)‪،‬‬
‫قرطاج البونية ‪ :‬تاريخ حضارة ‪ ،‬مركز النشر اجلامعي ‪ ،‬تونس ‪5888‬م‪.‬‬
‫تشارلزورث (أ‪.‬ب)‪،‬‬
‫اإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬ترمجة رمزي عبده جرجس‪ ،‬مراجعة حممد صقر خفاجة‪ ،‬مطابع اهليئة املصرية‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬مصر ‪5888‬م‪.‬‬
‫‪182‬‬

‫جودة( حسنين جودة)‪،‬‬


‫اجلغرافيا الطبيعية لصحاري العامل العريب‪ ،‬ط‪ ،9‬منشاة املعارف االسكندرية‪5881 ،‬م‪.‬‬
‫جوليان (شارل أندري) ‪،‬‬
‫تاريخ أفريقيا الشمالية ( تونس ‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬املغرب األقصى من البدء إىل الفتح اإلسالمي ‪941‬م) ‪،‬‬
‫تعريب حممد املزايل والبشري بن سالمة ‪ ،‬ط‪ ،5‬الدار التونسية للنشر ‪ ،‬جويلية ‪5895‬م ‪.‬‬
‫حارش(محمد الهادي)‪،‬‬
‫‪-‬التاريخ املغاريب القدمي (السياسي واحلضاري منذ فجر التاريخ إىل الفتح اإلسالمي)‪ ،‬املؤسسة‬
‫اجلزائرية للطباعة ‪،‬اجلزائر‪5885‬م‪.‬‬
‫‪ -‬التطور السياسي واالقتصادي يف نوميديا منذ اعتالء ماسينيسا العرش إىل وفاة يوبا األول‬
‫(‪49-518‬ق‪.‬م)‪ ،‬دار هومة‪ ،‬اجلزائر‪.5889‬‬
‫حليمي (عبد القادر علي)‪،‬‬
‫جغرافية اجلزائر(طبيعية‪-‬بشرية‪-‬اقتصادية)‪ ،‬ط‪ ،5‬مطبعة اإلنشاء‪ ،‬دمشق ‪5899‬م‪.‬‬
‫حميدة (عبد الرحمان)‪،‬‬
‫جغرافية الوطن العريب‪ ،‬ط‪ ،5‬دار الفكر‪ -‬دار الفكر املعاصر‪ ،‬دمشق‪-‬بريوت‪.5881،‬‬
‫ديكيريه (فرنسوا) ‪،‬‬
‫قرطاجة أو إمرباطورية البحر ‪ ،‬ترمجة عزالدين امحد عزو ‪ ،‬مراجعة وحتقيق عبد اهلل احللو ‪ ،‬ط‪،5‬‬
‫األهايل للنشر والتوزيع ‪ ،‬دمشق ‪5889‬م‪.‬‬
‫رستوقتزف (م‪، ).‬‬
‫تاريخ اإلمرباطورية الرومانية االجتماعي واالقتصادي ‪ ،‬ج‪( 5‬املنت) ‪ ،‬ترمجة ومراجعة زكي على‬
‫وحممد سليم سامل ‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية ‪ ،‬القاهرة ‪5851‬م‪.‬‬

‫شامو(فرنسوا)‪،‬‬
‫يف تاريخ ليبيا القدمي ‪ :‬اإلغريق يف برقة األسطورة والتاريخ‪ ،‬ترمجة وتقدمي حممد عبد الكرمي الوايف‪،‬‬
‫ط‪ ،5‬منشورات جامعة قار يونس ‪ ،‬بنغازي ‪.5881‬‬
‫شنيتي (محمد البشير) ‪،‬‬
‫‪-‬أضواء على تاريخ اجلزائر القدمي(حبوث ودراسات) ‪ ،‬دار احلكمة ‪ ،‬اجلزائر ‪5118‬م ‪.‬‬
‫‪-‬التغريات االقتصادية واالجتماعية يف املغرب أثناء االحتالل الروماين ودورها يف أحداث القرن‬
‫‪183‬‬

‫الرابع امليالدي‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر ‪.5894‬‬


‫‪-‬اجلزائر يف ظل االحتالل الروماين‪ ،‬حبث يف منظومة التحكم العسكري (الليمس املوريتاين)‬
‫ومقاومة املور‪ ،‬ج‪ ، 5‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر ‪.5888‬‬
‫صفر(احمد) ‪،‬‬
‫مدنية املغرب العريب يف التاريخ ‪ ،‬ج‪ ، 5‬دار النشر بوسالمة ‪ ،‬تونس‪5898‬م‪.‬‬
‫طريح شرف (عبد العزيز)‪،‬‬
‫اجلغرافيا املناخية والنباتية مع التطبيق على مناخ أفريقيا ومناخ العامل العريب‪،‬دار املعرفية اجلامعية ‪،‬‬
‫‪5111‬م‪.‬‬
‫عبد العليم(مصطفى كمال) ‪،‬‬
‫دراسات يف تاريخ ليبيا القدمي ‪ ،‬املطبعة األهلية ‪ ،‬بنغازي ‪5899 ،‬م‪.‬‬
‫عقون (محمد العربي) ‪،‬‬
‫االقتصاد واجملتمع يف الشمال األفريقي القدمي ‪ ،‬نشر دار اهلدى ‪ ،‬عني مليلة اجلزائر ‪5119‬م‪.‬‬
‫فرحاتي (فتيحة) ‪،‬‬
‫نوميديا من حكم امللك جايا إىل بداية االحتالل الروماين ‪558‬ق‪.‬م‪49-‬ق‪.‬م (احلياة السياسية‬
‫واحلضارية) ‪ ،‬منشورات أبيك ‪ ،‬مطبعة متيجة ‪ ،‬اجلزائر ‪5111‬م‪.‬‬
‫فنطر(محمد) ‪،‬‬
‫يوغرطة (من ملوك مشال أفريقيا وأبطاهلا )‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪5811 ،‬م‪.‬‬
‫قداش (محفوظ)‪،‬‬
‫اجلزائر يف العصور القدمية ‪ ،‬ترمجة صاحل عباد ‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪5888‬م‪.‬‬
‫كامبس (غابريال) ‪،‬‬
‫يف أصول بالد الرببر‪ :‬ماسينيسا أو بدايات التاريخ ‪ ،‬تعريب وحتقيق العريب عقون‪ ،‬نشر اجمللس‬
‫األعلى للغة العربية‪ ،‬اجلزائر ‪5151‬م‪.‬‬
‫مازيل(جان) ‪،‬‬
‫تاريخ احلضارة الفينيقية الكنعانية ‪ ،‬ترمجة ربا اخلش ‪ ،‬تقدمي ومراجعة عبد اهلل احللو‪ ،‬ط‪ ،5‬دار‬
‫احلوار‪ ،‬سوريا ‪5889‬م‪.‬‬
‫ميادان (مادلين هورس) ‪،‬‬
‫تاريخ قرطاج ‪ ،‬ترمجة إبراهيم بالش ‪ ،‬ط‪ ،5‬منشورات عويدات ‪ ،‬بريوت‪-‬باريس ‪5895‬م‪.‬‬
‫‪184‬‬

‫ج‪-‬الرسائل الجامعية‪:‬‬
‫عقون(محمد العربي)‪،‬‬
‫من التاريخ البلدي للجزائر خالل العهد اإلمرباطوري األول‪ :‬االحتاد السرييت‪ ،‬دراسة يف تاريخ وأثار‬
‫ونظم سريتا العتيقة‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪5115-5114‬م‪.‬‬
‫د‪-‬الدوريات‪:‬‬
‫شنيتي(محمد البشير)‪،‬‬
‫التوسع الزراعي الروماين وظاهرة البداوة يف اجلزائر القدمية‪ ،‬جملة التاريخ‪ ،‬ع‪ ،58‬اجلزائر‪5891‬م‪.‬‬
‫ج‪-‬القواميس والموسوعات‪:‬‬
‫ايمار (أندري) و ابوييه(جانين) ‪،‬‬
‫تاريخ احلضارات العام ( روما وإمرباطوريتها ) ‪،‬ج‪ ، 5‬إشراف موريس كروزيه ترمجة فريد م‪.‬داغر‬
‫وفؤاد ج‪.‬أبو رحيان ‪ ،‬ط‪ ، 5‬منشورات عويدات‪ ،‬بريوت ‪-‬باريس ‪5899‬م‪.‬‬
‫بورتير(روالن) و بارو(جاك) ‪،‬‬
‫بداية التقنيات الفالحية وتطورها وانتشارها ‪ ،‬تاريخ إفريقيا العام ‪ ،‬اجمللد األول (املنهجية‬
‫وعصر ما قبل التاريخ يف إفريقيا) ‪،‬إشراف ج‪.‬كي‪ -‬زيربو ‪ ،‬جان أفريك‪/‬اليونسكو‪5898 ،‬م‪.‬‬
‫ديزانج (جيهان)‪،‬‬
‫الرببر األصليون‪ ،‬تاريخ إفريقيا العام‪ ،‬اجمللد الثاين (حضارات إفريقيا القدمية) ‪ ،‬إشراف مجال‬
‫خمتار‪ ،‬نشر جني أفريك‪/‬اليونسكو ‪5895‬م‪.‬‬
‫لعروق (محمد الهادي)‪،‬‬
‫أطلس اجلزائر والعامل‪ ،‬دار اهلدى‪،‬عني مليلة‪.‬‬
‫محجوبي (ع‪، ).‬‬
‫العصر الروماين وما بعده يف مشال أفريقيا(القسم األول) ‪ ،‬تاريخ أفريقيا العام‪ ،‬اجمللد الثاين‬
‫(حضارات أفريقيا القدمية)‪ ،‬إشراف مجال خمتار ‪ ،‬طبع جني افريك‪ /‬اليونيسكو ‪5895،‬م‪.‬‬
‫د‪-‬نسخ الكترونية‪:‬‬
‫البرغوثي(عبد اللطيف محمود) ‪،‬‬
‫التاريخ اللييب القدمي من أقدم العصور حىت الفتح اإلسالمي ‪،‬ج‪ ،5‬نسخة الكرتونية أعدها للنشر‬
‫تامغناست‪.www.dzlib.com،‬‬
185

، )‫دراز(احمد عبد الحليم‬


،‫ نشر موقع تاوالت الثقايف‬، ‫م‬.‫مصر وليبيا فيما بني القرن السابع والقرن الرابع ق‬
http://www.tawalt.com/

:‫باللغات األجنبية‬-2
:‫المصادر‬-‫أ‬

Code Théodosien, éditions T.Mommsen et P.Meyer, Berlin1905.


Columelle,
De l’économie rurale, traduit par Luis Du Bois, C.L.F.Panckoucke,
paris1844.
Corpus Inscriptionum Latinarum (CIL.),Berlin,1881 , VIII.
Diodore de Sicile ,
Histoire Universelle ,traduite en français par l’Abbé Terrasson ,
imprimerie de Quillau ,Paris 1737.
Dion Cassius,
Histoire Romaine, traduit par E.Gros, librairie de Firmin Didot
frères , Paris 1845.
Gsell (St.),
Hérodote,Textes relatifs a l’Histoire de l’Afrique du Nord,
Typographie Adolphe Jourdan, Alger1915.
Pline l’Ancien ,
Histoire Naturelle ,C.L.F.Panckoucke , Paris 1831.
Polybe ,
Histoire Générale , traduit par Félix Bouchot , Adolphe Delahays
libraire, Paris 1847.
Procope de Césarée,
Bellum Vandalorum , traduit par D.Roques ,Belles Lettres, Paris
1990.
Salluste ,
la guerre de Jugurtha, les fragmens de la grande histoire romaine, la
conjuration de catilina ,et les deux épîtres a César, traduit par Ch .
Du.Rozoir,T.I.,imprimerie de C.L.F.Panckoucke, paris 1835.
Spartien,
Vie d’Hadrien, écrivains de l’Histoire Auguste, traduit par FL.
Leglay, T.1, C.L.F. Panckoucke , Paris 1844.
186

Strabo ,
The Geography , translated by H.C.Hamilton and W.Falconer, John
Childs and Son Printers, London ,1857.
Tacite,
Annales, traduit par Dureau de Lamalle, Paris 1827.
Varron ,
l’économie rurale , traduit par M.X. Rousselot, C.L.F.Panckoucke ,
Paris 1843.
:‫المراجع‬-‫ب‬
Baradez (J.),
Vue-aerienne de l’organisation romaine dans le Sud-Algérien
(Fossatum Africae),Arts et métiers graphiques,Paris1949.
Beaudouin (Edouard),
les grands domaines dans l’Empire Romain D’après des travaux
récents , Librairie de la société du recueil général des lois et des
arrèts , Paris 1899.
Birebent (J.),
Aqvae Romanae, recherches d’hydraulique romaine dans l’est
Algérien, Service des antiquités de l’Algérie, Alger 1962.
Boissier (G.),
l’Afrique Romaine, promenades archéologiques en Algérie et en
Tunisie, 5eme édition, Librairie Hachette et Cie, Paris 1912.
Camps-Fabrer (Henriette),
l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine , imprimerie officiale ,
Alger ,1953.
De Condole (Alph),
Origine des plantes cultivées , 3éme édition ,Félix Algan éditeur ,
Paris 1886.
Du Coudray (La Blanchère),
l’aménagement de l’eau et l’installation rurale dans l’Afrique
Ancienne, Imprimerie Nationale , Paris 9912.
Falbe (C.T.),
Recherches sur l’emplacement de Carthage, l’imprimerie royale,
Paris, 1833.
Fournier De Flaix(E.),
l’impôt dans les diverses civilisations ,T.I, Librairie de la société
du recueil général des lois et des arrèts , Paris 1897.
Gsell (St.) ,
- Atlas Archéologique de l’Algérie(A.A.A.),2éme édition, Agence
187

Nationale d’Archéologie et de protection des sites et monuments


historiques, Alger1997.
- Histoire Ancienne de l’Afrique du Nord , 9 Tomes, Librairie
Hachette, Paris.
- Inscriptions Latines de l’Algérie ,T.I, Librairie Ancienne Honoré
Champion, Paris 1922.
- l’Algérie dans l’Antiquité, Typographie Adolphe Jourdan, Alger
1903.
- les monuments antiques de l’Algérie , T.I , Albert Fontemoing
Editeur, Paris1901.
Laoust (E.),
Mots et choses berbères, notes de linguistique et d’ethnographie
dialectes du Maroc, librairie maritime et coloniale , Paris 1920.
Martin (René) ,
Recherches sur les agronomes latins ,Les Belles Lettres , Paris 1971.
Picard (G.Ch-.),
La civilisation de l’Afrique Romaine, librairie Plon, Paris 1950.
Reynier(L.) ,
De l’Economie publique et rurale des Egyptiens et des Carthaginois ,
J.J.Paschoud imprimeur-libraire ,Genéve-Paris 1823.
Sismondi(J.C.L.Simonde De),
histoire de la chute de l’Empire Romain et du déclin de la
civilisation, de l’An250 à l’An 1000, T.I, Librairie Treuttel et
Wurtz, Paris 1835.

:‫الدوريات‬-‫د‬
Albertini (E.),
documents d’époque vandale découverts en Algérie, in : C.R.A.I.,
72 éme Année , N°3, 1928.
Alquier (J.) ,
les ruines antiques de la vallée de l’Oued el Arab (Aurès), R.Af.,
Vollume 85, 1941.
Angles (St.) ,
l’ Olivier, un arbre et une culture au cœur de la Méditerranée ,
édition du temps .
Basset (Henri) ,
les influences Puniques chez les Berbères ,R.Af ,Année 1921.
Benzina Ben Abdallah (Zeineb),
Du coté d’Ammaedara (Haidra): Musulamii et Musunii Regiani, in:
188

An.Af.,N°28,1992.
Berbrugger (A.),
les romains dans le sud de l’Afrique, R.Af., Volume2, 1957.
Bernard (Augustin) et Lacroix (Nicole),
L'évolution du nomadisme en Algérie. In: Annales de Géographie,
T.15,N°80, 1906.
Boudribila (Mohamed-Mustapha),
les anciens Amazighs avant les Phéniciens : modes de vie et
organisation sociale , Awal , N°29 ,2004.
Bourgarel-Musso (Andrée),
recherche économiques sur l’Afrique Romaine, R.Af., V.75,1934.
Blé antique de Novi, R.Af., N°3 , 1857.
Cagnat(R.),
Inscription d’Henchir-Mettich, in : C.R.A.I., 41éme année, N°2,
1897.
Caillemer(A.),
Chevallier(R.), Les centuriations de l’Africa Vetus, in :
E.S.C., 9eme Année, N°4, 1954.
Camps-Fabrer (Henriette),
l’Olivier et son importance économique dans l’Afrique Antique,
CIHEAM-Option Méditerranéennes, N° 24.
Carcopino (J.),
- Inscription découverte vers Ain Tounga intéressant l’histoire de
la colonisation en Afrique et du colonat partiaire dans tout le
monde romain, in : C.R.A.I. , 50éme année ,N°8, 1906.
- L’inscription d’Ain-el-Djemala, contribution à l’histoire des
saltus africains et du colonat partiaire, in : M.A.H., T.26,1906.
- Mission en Tunisie (1906), Extrait de souvenirs romains,
Hachette, 1967, ch.VII.
Carton (Dr.) ,
la lex Hadriana et son commentaire par le procurateur Patroclus,
R.Ar., Paris 1893.
Chevallier(R.),
- Essai de chronologie des centuriations romaines de Tunisie ,
in : M.A.H., T.70, 1958.
- La Centuriation Romaine et la mise en valeur des sols dans la
province d’Afrique , l’inform.Géogr, 22éme année ,septembre-
octobre 1958.
Christol (M.),
Le blé africain et Rome, Remarques sur quelques documents, In:
189

Le Ravitaillement en blé de Rome et des centres urbains des


débuts de la République jusqu'au Haut-Empire, Actes du colloque
international de Naples, 14-16 Février 1991, Rome : École
Française de Rome, N°196,1994.
Cuq (E.),
le colonat partiaire dans l’Afrique romaine d’apres l’Inscription
d’Henchir Mettiche, in: C.R.A.I., N°11, 1ere serie ,1901.
Deneuve (J.) Villedieu (F.),
Le cardo maximus et les édifices situés à l’est de la voie
(secteur C), in : Ant.Af., N°11 , 9111.
De Pachtre (F.G.),
le règlement d’irrigation de Lamasba , in : M.A.H. ,T.28, 1908.
D’Escurac-Doisy Doublon (Henriette),
Notes sur le phénomène associatif dans le monde paysan à
l’époque du Haut-Empire, in : An.Af. , N°1, 1967.
Despois(J.),
La Culture en terrasses dans l’Afrique du Nord , in : E.S.C. ,
11éme Année , N°1,1956.
Dondin-Payre (Monique),
recherches sur un aspect de la romanisation de l’Afrique du
Nord, l’expansion de la citoyenneté romaine jusqu’à Hadrien,
in: Ant.Af., N°17, 1981.
D.Shaw (Brent) ,
Lamasba; an ancient irrigation community, An.Af., T.18, 1982.
El Alaoui (Narjys),
L’Arganier,RAM Magazine(sept-oct),Casablanca 2001.
El Bouzidi (Said),
- La conception de la villa rustica chez Caton, entreprise agricole
où simple ferme rurale ?, Gérion, N°21, Année 2003.
- le Figuier : Histoire ,rituel et symbolisme en Afrique du nord ,
in : D.H.A , Volume 28 ,N°2,2002.
Gsell (St.),
- grandeur et décadence de Rome en Afrique,(texte, rédigé par
Gsell, d'une conférence qu'il devait faire à Louvain dans l'hiver
1931-32), Le Correspondant,1933.
-le climat de l’Afrique du Nord dans l’antiquité , R.Af , Année1911.
Hilali (A.) ,
- la conquête du désert et la gestion de l’eau en Afrique Romaine :
environnement et modes d’occupation ,chaire de recherche du
canada en interactions société-environnement naturel dans
190

l’Empire Romain : Revue d’histoire comparée de l’environnement,


Canda 2004.
- la crise de 238 en Afrique et ses impacts sur l’Empire romain,
in: Crises and the Roman Empire, édition Brill, Leiden, 2007.
Heurgon (Jacques) ,
l’agronome carthaginois Magon et ses traducteurs en latin et en
grec , in : C.R.A.I.,120 éme Année ,N°3 ,1976.
Jaleaud (L.) ,
l’ancienneté de la fabrication de l’huile d’Olive dans l’Afrique du
Nord , R.Af ,Année 1929.
Kolendo(J.),
Le colonat en Afrique sous le Haut-Empire, centre des recherches
d’histoire ancienne, vollume17,Paris 1976.
Kotula (T.)et Michalak (M.),
Les Africains et la domination de Rome. In: D.H.A., Volume 2,
1976.
Lacroix (F.),
- Afrique Ancienne (procédés agricoles), R.Af, Année 1870.
- Afrique Ancienne (produits végétaux) , R.Af., Volume12, 1868.
- Afrique Ancienne (produits végétaux) ,R.Af , 13 éme Année, 1869.
Laronde(A.) ,
la vie agricole en Libye jusqu'à l’arrivée des Arabes , Libyan
studies 20, edeted by D.J.Mattingly and J.A.Lloyd , 1989.
Larnaude (M.),
La Vigne en Algérie, in: Annales de Géographie, T. 57, N°308,
1948.
Lassére (J-M.),
un conflit routier : observations sur les causes de la guerre de
Tacfarinas, in : An.Af., N°18,1982.
Le Du(R.) et Saccardy (L.) ,
étude de quelques charbons préhistoriques de la région de
Tébessa , R.Af , année 1948.
Lepelley (C.),
déclin ou stabilité de l’agriculture africaine au Bas-Empire ? À
propos d’une loi de l’empereur Honorius, in : Ant.Af., N°1,1967.
Lepelley(Claude),
la crise de l’Afrique Romaine au début du Véme siècle, D’après les
letters nouvellement découvertes de Saint Augustin, in: C.R.A.I.,
125éme Année , N°3, 1981.
Leschi (L.) ,
191

nouvelles recherches aériennes sur le ’’Limes’’ d’Afrique , R.Af.,


Volume 91, 1947.
Leschi (L.),
Un aqueduc romain dans l’Aurès, R.Af.,Vollume 85, 1941.

Leveau (Philippe),
- la situation colonial de l’Afrique Romaine, in: E.S.C.,33éme
Année, N°1, 1978.
- l’opposition de la montagne et de la plaine dans l’historiographie
de l’Algerie du Nord antique, in :Annales de Géographie,T :86 ,
N°474,1977.
- Occupation du sol, Géo systèmes et systèmes sociaux , Rome et ses
ennemis des montagnes et du désert dans le Magrib antique , in :
E.S.C ,41éme Année , N °6 ,1986.
- paysans maures et villes romaines en Maurétanie central (la
resistance des populations indigenes à la romanisation dans
varrière- pays de Caesarea de Maurétanie, in: M.E.F.R.A.,
N°2, 1975.
Loskutov, Igor (G.),
Vavilov and his institute,A history of the world collection of plant
genetic resources in Russia, International Plant Genetic Resources
Institute (R.I.P.G.R.I.), Rome, Italy1999.
Masqueray(E.) ,
2éme rapport à M. le Général Chanzy gouverneur général de
l’Algérie sur la mission dans le sud de la province de Constantine,
R.Af. ,N°21, 1877.
Masson (Olivier) ,
Grecs et Libyens en Cyrénaïque,d’après les témoignages de
l’épigraphie, in : Ant.Af, T.10,1976.
Mispoulet(J-B.),
l’inscription d’Ain-Ouassel, Nouvelle Revue Historique de Droit
Français et étranger ,16 éme Année , Paris , 1892.
Moatti (C.),
Etude sur l’occupation des terres publiques à la fin de la république
romaines, in :Cahiers du centre Gustave Glotz, N°3 ,1992.
Morizot (P.) ,
l’Aurès et l’Olivier ,in :Ant.Af. , N° 29, 1993.
Mowat (R.),
Letter à M. Desjardins dans laquelle sont expliqués plusieurs texts
épigraphiques, in : C.R.A.I., 24eme année, N°2, 1880.
192

Pernot (M.),
L’inscription d’Henchir-Mettich, in : M.A.H., T. 21,1901.
Peyras (J.) ,
- la potestas occupandi dans l’Afrique romaine, in: D.H.A., volume
25, N°1 , 1999.
- Le Fundus Aufidianus : étude d’un grand domaine de la région de
Mateur (Tunisie du Nord), in : An.Af., N°9, 1975.
- les cités libres à l’époque romaine , in : D.H.A.,Volume 23, N°1 ,
1997.
- paysages agraires et centuriations dans le bassin de l’oued Tine
(Tunisie du Nord), in :Ant.Af. ,N°19,1983.
Picard (G.Ch-.),
Néron et le blé d’Afrique, in :C.R.A.I.,100éme Année, N°1, 1956.
Poncet (J.) et Despois (J.),
pour une Histoire rurale de l’Afrique du Nord, in : E.S.C. ,
12 éme Année, N °3 , 1957.
Robert (Jean-Baptiste),
A propos de l'évolution du climat en Afrique du Nord depuis le
début de la période historique, In: Revue de géographie jointe au
Bulletin de la Société de géographie de Lyon et de la région
lyonnaise, Volume 25,N°1, 1950.
Robert (L.),
le vin Africain à l’époque impériale, in : Ant.Af., N°16, 1980.
Saumagne (ch.),
- Inscriptions de Jenan ez Zaytouna, in: C.R.A.I. , 81 éme Année ,
N°4,1937.
- La photographie aérienne au service de l’archéologie en Tunisie,
in: C.R.A.I., N°2,9125 .
- Les vestiges d’une centuriation romaine a l’est d’El-Djem, in :
C.R.I.A., 73ème Année, N°4,1929.
Schulten (A.),
l’arpentage romain en Tunisie ,Bulletin Archéologique du
Comité des Travaux Historiques et Scientifiques, année 1902,
Paris.
Soyer (J.),
Les cadastres de la région de Saint-Donat (Algérie), in : Ant.Af.,
N°7, 1973.
Thouvenot (R.),
une remise d’impôts en 216 ap.J-C., in: C.R.A.I., 90 éme Année,
N°4, 1946.
193

Toutain (J.),
- Le cadastre romain dans l’Afrique du Nord au début de
l’Empire, inscriptions du Sud tunisien relatives à l’arpentage
sous Tibère, in : C.R.A.I. ,50éme année , N°4, 1906.
- les romains dans le Sahara, in : M.A.H. , T.16, 1896.
- L’inscription d’Henchir Mettich, un nouveau document sur la
propriété agricole dans l’Afrique romaine, in : C.R.A.I.,1902.
Trousset (P.) ,
- De la montagne au désert, Limes et maitrise de l’eau, in : Revue
de l’Occident musulman et de Méditerranée , N°41-42, 1986.
- les bornes du bled Segui. Nouveaux aperçus sur la centuriation
romaine du Sud Tunisien, in Ant.Af., N°12, 1978.
- les oasis présahariennes dans l’antiquité : partage de l’eau et
division du temps , in : An.Af., N °22 ,1986.
- Nouvelles observations sur la centuriation romaine à l’est d’El-
Jem, in : Ant.Af, N° 11, 1977, p184.
Weber(Max),
les causes sociales du déclin de la civilisation antique, in : Revue
Pluridisciplinaire en science humaines, N°1, 2005.

:‫القواميس والموسوعات‬-‫ج‬
Robert (Estienne) ,
Dictionarum Latinogallicum, 1522, vertion électronique,
www.ebooksfrance.com.
Saglio (E.) et Daremberg(Ch.),
Dictionnaire des antiquités Grecques et Romaines (D.A.G.R),
(5tome et 9 volumes) ,éditions hachette ,paris1873-1919.
:‫مواقع انتيرنيت‬-‫د‬
Decramer(L.R.)et autres,
approche géométrique des centuriations romaines, les nouvelles
bornes du bled Segui, Histoire et mesure(en ligne) ,XVII-1/2 ,
2002,mis en ligne de15 Novembre 2005, URL : http:// histoire
mesure. revues.org/903.
France (J.),
l’Afrique Romaine des Flaviens aux Vandales Cours de Jérôme
France– Université Michel de Montaigne-Bordeaux 3,
http:// www. youscribe. Com.
194

- http://fr.wikipedia.org/wiki/Magon_le_Carthaginois.
-L'agriculture romaine: les Latifundia, D’après le cite suivant:
http://www.civilisation-romaine.com/la-vie-economique/l-agriculture-
romaine-les-latifundia.
- http://magister-optimus.blogspot.com
-http://ar.wikipedia.org/wiki/‫البليستوسين‬
-http://www.arabgeographers.net
- http://venitism.blogspot.com
- http://www.sciencefile.org
- http://www.memo.fr
-http://www.grabovrat.com.
‫‪195‬‬

‫فهرس الجداول واألشكال والخرائط‬

‫أ‪-‬الجداول‪:‬‬
‫اجلدول (‪:)5‬أمساء مواد زراعية يف اللغة األمازيغية‪...................................‬ص‪51‬‬
‫اجلدول (‪ :)5‬كميات القمح اليت زود هبا ماسينيسا الرومان‪.........................‬ص‪49‬‬
‫اجلدول (‪:)8‬األراضي املستغلة واملهملة مبقاطعيت الربوقنصلية واملزاق‪.................‬ص‪555‬‬
‫ب‪-‬األشكال‪:‬‬
‫الشكل (‪ :)5‬الزيتون الربي املعروف باسم آزبوج‪...................................‬ص‪58‬‬
‫الشكل (‪ :)5‬شجرة األرقان )‪ (Arganier‬املعروفة أيضا باسم اللوز الرببري‪..........‬ص‪55‬‬
‫الشكل (‪ :)8‬مشهد حرث باستعمال حمراث تقليدي( منطقة مشال غرب سطيف)‪....‬ص‪59‬‬
‫الشكل (‪ :)4‬حمراث من منطقة الريف‪............................................‬ص‪51‬‬
‫الشكل (‪ :)5‬رحى حجرية لطحن احلبوب‪........................................‬ص‪58‬‬
‫الشكل (‪)5‬مكرر‪ :‬مطحنة رومانية عثر عليها برمضان مجال(سكيكدة)‪..............‬ص‪58‬‬
‫الشكل (‪:)9‬عالمة كنرتة تشري إىل رقمي الكاردو والديكومانوس‪.....................‬ص‪95‬‬
‫الشكل (‪ :)1‬استخدام القراما واألنصاب احلجرية لتحديد أبعاد الوحدة الكنتورية‪......‬ص‪18‬‬
‫الشكل (‪ :)9‬بئر من الفرتة الرومانية‪..............................................‬ص‪91‬‬
‫الشكل (‪ :)8‬نقل املياه عرب قنوات بقرية فرجيو(خنشلة)‪.............................‬ص‪98‬‬
‫الشكل (‪ :)51‬شبكة الري على وادي أغريب(‪...........................)Ogrib‬ص‪81‬‬
‫الشكل (‪ :)55‬نظام الري يف المصبا (‪..............................)Lamasba‬ص‪84‬‬
‫الشكل (‪ :)55‬فسيفساء ‪(Bacchus‬اجلم القرن الثالث) تربز استغالل املستثمرات‪.‬ص‪519‬‬
‫الشكل (‪ :)58‬بيت السيد املالك(القرن الرابع ‪......................)Tabraca‬ص‪519‬‬
‫الشكل (‪ :)54‬طاحونة زيتون بربرية من بين فرح( األوراس)‪........................‬ص‪545‬‬
‫‪196‬‬

‫الشكل (‪ :)55‬مصنع زيت روماين من مداوروش(اجلزائر)‪.........................‬ص‪545‬‬


‫الشكل (‪ :)59‬منظر جوي للمنشآت الرومانية جبهة بادس‪........................‬ص‪598‬‬
‫ج‪-‬الخرائط‪:‬‬
‫اخلريطة (‪ :)5‬خريطة ليبيا وأقاليمها حسب هريودوت‪................................‬ص‪4‬‬
‫اخلريطة (‪ :)5‬تضاريس الشمال األفريقي‪............................................‬ص‪1‬‬
‫اخلريطة (‪ :)8‬التساقط بأفريقيا الشمالية‪...........................................‬ص‪55‬‬
‫اخلريطة (‪ :)4‬موقع قورينائية واليونان‪..............................................‬ص‪85‬‬
‫اخلريطة (‪ :)5‬الزراعة القدمية يف قورينائية‪...........................................‬ص‪85‬‬
‫اخلريطة (‪ :)9‬اإلقليم القرطاجي خالل القرن الثالث ق‪.‬م‪...........................‬ص‪81‬‬
‫اخلريطة (‪ :)1‬آثار املسح يف تونس‪...............................................‬ص‪14‬‬
‫اخلريطة (‪ :)9‬ساليت وادي جمردة ‪ -‬وادي خالد‪..................................‬ص‪511‬‬
‫اخلريطة (‪ :)8‬خريطة التوزيع اجلغرايف ملصانع ومعاصر الزيتون بأفريقيا القدمية‪.........‬ص‪588‬‬
‫اخلريطة (‪ :)51‬احلدود اجلنوبية ألفريقيا خالل الفرتة الرومانية‪......................‬ص‪549‬‬
‫‪197‬‬

‫باراداز‪:‬‬
‫‪94،559،551،555،558،554،5‬‬ ‫فهرس األعالم‬
‫‪.55،559‬‬
‫باسي‪.54:‬‬
‫بايراس‪.518:‬‬ ‫‪-‬أ–‬
‫بركوب‪.8،99:‬‬ ‫ابن عبد الحكم‪.585:‬‬
‫بطليموس‪.48:‬‬ ‫ابن عذاري‪.585:‬‬
‫بلين‪.‬الكبير‪:‬‬ ‫أبيان‪.59:‬‬
‫‪9،55،55،89،45،45،51،54،51‬‬
‫اغاثوكليس‪.89:‬‬
‫‪95،81،555،558،555،558،58‬‬
‫اغزال‪:‬‬
‫‪.5،584،585،551‬‬
‫‪9،55،58،58،54،81،41،45،45‬‬
‫بوسيدونيوس‪.45:‬‬
‫‪45،51،54،55،515،515،551،5‬‬
‫بوكوس‪.48:‬‬ ‫‪.48،555‬‬
‫بوالن‪.19:‬‬ ‫أغسطس‪:‬‬
‫بوليب‪.59،55،45،44،45،49:‬‬ ‫‪.95،99،555،558،555،555‬‬
‫بونسي‪.545:‬‬ ‫اكتافيوس‪.555،515:‬‬
‫بيربان‪.98،94،91،558،559:‬‬ ‫أالقابالوس‪.81:‬‬
‫بيرنو‪.19:‬‬ ‫اورليوس فيكتور‪.89،551:‬‬
‫بيكار‪.95،91،98،559،558،585:‬‬ ‫اوغسطين‪.591:‬‬
‫‪-‬ت–‬ ‫‪-‬ب–‬
‫تاسيت‪.541:‬‬ ‫باتوس الثاني‪.81،88:‬‬
‫تاكفاريناس‪.48،98،541:‬‬
‫تراجان‪.515،554،544:‬‬
‫‪198‬‬

‫‪-‬ر–‬ ‫تروسي‪.15:‬‬
‫تيبريوس‪95،95،99،98،555،541:‬‬
‫رستوقتزف‪.18،585:‬‬
‫تيت‪-‬ليف‪.49:‬‬
‫ريقولوس‪.89:‬‬
‫تيمي‪.55:‬‬
‫ريني‪.58،48:‬‬
‫‪-‬س–‬ ‫‪-‬ج–‬
‫جان ديبوا‪.55،545:‬‬
‫سالوست‪:‬‬
‫جنسريق‪.599:‬‬
‫‪.8،51،44،45،49،55،559،548‬‬
‫جولو‪.55:‬‬
‫سبتيميوس‪.‬سيويروس‪:‬‬
‫جوليان‪.51،85:‬‬
‫‪.98،19،11،581،544،545،599‬‬
‫سترابون‪:‬‬ ‫جيهان ديزانج‪.58:‬‬
‫‪8،55،55،84،45،49،51،55،55‬‬ ‫‪-‬ح–‬
‫‪.5‬‬ ‫حارش‪.1:‬‬
‫سوماني‪.18:‬‬ ‫حانون‪.55،595:‬‬
‫سيالكس‪.58:‬‬
‫‪-‬د–‬
‫‪-‬ش–‬ ‫دانو‪.95:‬‬
‫شامو‪.85،84:‬‬ ‫دقليديانوس‪.555،558:‬‬
‫شاو‪.85:‬‬ ‫دوباشتير‪.85:‬‬
‫شنيتي‪.588:‬‬ ‫دوكاندول‪55،58،54،58،89،555:‬‬
‫شوفاليي‪.55،95،91،99:‬‬ ‫دوكودراي‪.95،555:‬‬
‫شولتن‪.99،18:‬‬ ‫دوميتيان‪.555:‬‬
‫‪-‬ع–‬ ‫ديودور‪.‬الصقلي‪:‬‬
‫عقون‪.95:‬‬ ‫‪.55،55،89،41،45،41،55‬‬
‫‪199‬‬

‫كودفولتدوس‪.599:‬‬ ‫‪-‬غ–‬
‫كوك‪.18:‬‬
‫غارديان األول‪.591:‬‬
‫كولندو‪.15،518:‬‬
‫غايوس كراكوس‪.95،99،518،558:‬‬
‫‪-‬ل–‬ ‫غنثاموند‪.19:‬‬
‫الكروا‪.51،88:‬‬ ‫‪-‬ف–‬
‫الوست‪.55،58:‬‬
‫فارون‪.515،551:‬‬
‫لوفو‪.55،541:‬‬
‫فافيلوف‪.59:‬‬
‫‪-‬م–‬ ‫فالب‪.99:‬‬
‫ماريوس‪.91:‬‬ ‫فالنتينوس‪.85:‬‬
‫ماريوس بربيتوس اوريليانوس‪.15:‬‬ ‫فسباسيانوس‪.18:‬‬
‫مازيبا‪.541:‬‬ ‫فالكوس كورنيليانوس‪.15:‬‬
‫ماسكوراي‪.81:‬‬ ‫‪-‬ك–‬
‫ماسينيسا‪،44،49،41،49،48:‬‬
‫كاتون‪.41،45،54،51،95،511:‬‬
‫‪.51،55،55،59،89،559،511‬‬
‫كارتون‪.515:‬‬
‫ماغون‪.88،41،51،518:‬‬
‫كاركوبينو‪.11،95،515،551:‬‬
‫ماكسيمينوس ثراكس‪.591،599:‬‬
‫كامبس‪.‬غابريال‪:‬‬
‫متلوس‪.49:‬‬
‫‪.59،51،51،55،54،51،49‬‬
‫مرنبتاح‪.58:‬‬
‫كامبس‪.‬هنريات‪.‬فابرر‪:‬‬
‫مسيبسا‪.585:‬‬
‫‪.58،559،585،585،589،545‬‬
‫مكوسان‪.55:‬‬
‫الكاهنة‪.58:‬‬
‫ميسبولي‪.95:‬‬
‫كراكاال‪.551:‬‬
‫‪-‬ن–‬ ‫كلوميل‪.551،585:‬‬
‫‪200‬‬

‫نيرون‪.558،551،555،581:‬‬
‫‪-‬ه–‬
‫هادريان‪:‬‬
‫‪15،11،19،91،95،98،551،548‬‬
‫‪.544،‬‬
‫هانيبال‪.89،45،551:‬‬
‫هرقون‪.51:‬‬
‫هونوريوس‪.518،554:‬‬
‫هيرودوت‪:‬‬
‫‪5،8،9،55،58،59،51،55،81،8‬‬
‫‪.5،85،88،84،45،54،55‬‬
‫‪-‬و–‬
‫ويبوس مارسوس‪.99:‬‬
‫‪-‬ي–‬
‫يمبسال الثاني‪.55:‬‬
‫يوبا األول‪.48:‬‬
‫يوبا الثاني‪.48،541:‬‬
‫يوغرطة‪.51،548:‬‬
‫يوفينال‪.585:‬‬
‫يوليوس‪.‬قيصر‪:‬‬
‫‪.48،99،511،555،558‬‬
‫‪201‬‬

‫أفريقيا الجديدة‪.59،558،551:‬‬
‫أفريقيا القديمة‪.91،551:‬‬
‫افريقية‪.58:‬‬ ‫فهرسهعهعع‬
‫األماكن‬
‫أم الربيع(وادي)‪.9:‬‬
‫والبلدان والمدن‬
‫امبساغا(وادي)‪.9:‬‬
‫االمبوريا‪.49،49،555:‬‬
‫‪-‬أ–‬
‫اوتيكا‪.11:‬‬
‫ابيغاس(وادي)‪.99،8:‬‬
‫أوجلة‪.51:‬‬
‫اسبانيا‪.8:‬‬
‫االوراس‪:‬‬
‫آسيا الغربية‪.54:‬‬
‫‪8،59،98،99،545،545،544،55‬‬
‫األطلس األعلى ‪.51،59،45،545:‬‬
‫‪.1،555،554،559‬‬
‫األطلس التلي‪.9،9:‬‬
‫أوروبا‪.4،85:‬‬
‫األطلس الصحراوي‪.9:‬‬
‫ايغرغر(وادي)‪.9:‬‬
‫أعمدة هرقل‪.8،4:‬‬
‫ايطاليا‪.95،519،559،551،554:‬‬
‫اغريب(وادي)‪.99،98،555:‬‬
‫‪-‬ب–‬ ‫افريقيا‪:‬‬
‫بابل‪.51:‬‬ ‫‪5،58،59،51،51،55،55،58،5484،‬‬
‫البابور(جبال)‪.51:‬‬ ‫‪81،88،44،49،58،54،59،51،59،9‬‬
‫باجة‪.48:‬‬ ‫‪1،95،95،91،18،91،9894،95،99،‬‬
‫‪84،85،81،515،515515،511،518‬‬
‫بادس‪.98،559،591:‬‬
‫‪555،554،555،551،559،558،551‬‬
‫باغاي‪.555:‬‬
‫‪555،555،558،555،559،551،558‬‬
‫باناسا‪.551:‬‬ ‫‪585،585،584،585،589،581،548‬‬
‫البحر المتوسط‪.5،4،59،54،544:‬‬ ‫‪541،548،555،595،598،595،599‬‬
‫بحيرة التريتون‪.8،9،59،51:‬‬ ‫‪.591،599،515،‬‬
‫‪202‬‬

‫توسكا(وادي)‪.9:‬‬ ‫برقة‪.58:‬‬
‫تيمقاد‪.551:‬‬ ‫البروقنصلية‪:‬‬
‫تيميمون‪.55:‬‬ ‫‪94،99،11،15،515،518،551،5‬‬
‫‪-‬ث–‬ ‫‪.41،595‬‬
‫بريكة(وادي)‪.555:‬‬
‫ثيرا‪.8،58،81:‬‬
‫بالتيا(جزيرة)‪.58،58،84:‬‬
‫‪-‬ج–‬ ‫بالد‪.‬البربر‪:‬‬
‫جدي(وادي)‪.555:‬‬ ‫‪.55،58،51،51،84،559،545‬‬
‫جربة(جزيرة)‪.58:‬‬ ‫بنزرت‪.91:‬‬
‫جرجرة(جبال)‪.9،51:‬‬ ‫بوسعادة‪.99،555:‬‬
‫الجزائر‪:‬‬ ‫بولة ريجيا‪.55:‬‬
‫‪.9،1،8،51،55،58،518،588‬‬ ‫البيبان(جبال)‪.9:‬‬
‫جزر الكناري‪.51،58:‬‬ ‫بيرصا‪.94:‬‬
‫الجم(سبخة)‪.99،519:‬‬ ‫بيقو(جبل)‪.51:‬‬
‫جميلة‪.581،551:‬‬
‫‪-‬ت–‬
‫جنان الزيتونة‪.19،551:‬‬
‫تاجنانت‪.98:‬‬
‫‪-‬ح–‬ ‫تادمايت(هضبة)‪.1:‬‬
‫الحضنة‪.98،544،551،555،555:‬‬ ‫تبسة‪،59،55،55:‬‬
‫حيدرة‪.98:‬‬ ‫‪89،55،98،19،518،515،559،5‬‬
‫‪-‬خ–‬ ‫‪.51،581‬‬
‫خربة اعقوب‪.581:‬‬ ‫تبرسق‪.91،11:‬‬
‫خالد(وادي)‪.9،11،515،515:‬‬ ‫تونس‪:‬‬
‫‪.5،9،9،41،48،518،515،558،581‬‬
‫خليج السيرت‪.9:‬‬
‫‪203‬‬

‫سيرتا‪.48:‬‬ ‫خمير(جبال)‪.9:‬‬
‫سيقا‪.589:‬‬ ‫خنشلة‪.98،99،98،558:‬‬
‫سيوة(واحة)‪.59،51:‬‬ ‫‪-‬ر–‬
‫‪-‬ش–‬ ‫رأس بونة(شبه جزيرة)‪.88،45،91:‬‬
‫الشابة‪.99:‬‬ ‫رأس الطيب‪.9،89:‬‬
‫شراكس‪.84:‬‬ ‫الرمل(وادي)‪.555:‬‬
‫الشرق األدنى‪.59:‬‬ ‫روجيتان‪.11:‬‬
‫الشلف(وادي)‪.9:‬‬ ‫روسيكادا‪.589:‬‬
‫الشمال األفريقي (أفريقيا الشمالية)‪:‬‬ ‫الريف(جبال)‪.9،51،59:‬‬
‫‪5،8،4،5،9،1،9،8،55،58،54،5‬‬ ‫‪-‬ز–‬
‫‪9،59،58،55،55،54،55،58،89‬‬
‫زاما ريجيا‪.55:‬‬
‫‪،‬‬
‫زغوان‪.99،545:‬‬
‫‪81،54،55،95،15،15،94،99،8‬‬
‫‪4،555،559،588،545،545،54‬‬ ‫‪-‬س–‬
‫‪.4،511‬‬ ‫السارسو‪.9:‬‬
‫سردينيا‪.558،551:‬‬
‫‪-‬ص–‬
‫سطيف‪.9،51،515،544،591:‬‬
‫الصحراء‪:‬‬
‫سال‪.51:‬‬
‫‪5،4،5،1،9،8،58،58،54،59،95‬‬
‫سليانة(وادي)‪.9:‬‬
‫‪.95،98،15،551،559،518،‬‬
‫سوسة‪.99:‬‬
‫صقلية‪.54،45:‬‬
‫سوق اهراس‪.9،515:‬‬
‫صلداي‪.589:‬‬
‫سوق الخميس‪.15،11،95:‬‬
‫‪-‬ط–‬ ‫سيبوس(وادي)‪.9:‬‬
‫‪204‬‬

‫القارة االفريقية‪.5:‬‬ ‫طبقال‪.9:‬‬


‫القالة‪.51:‬‬ ‫طرابلس‪.551، 99 ،55،59:‬‬
‫قرطاج‪:‬‬ ‫طنجة‪.589:‬‬
‫‪8،59،89،81،89،41،45،45،4844،‬‬ ‫طيبة‪.8:‬‬
‫‪،45،54،51،59،91،95،95‬‬
‫‪91،99،95،515،511،559،551،58‬‬
‫‪-‬ع–‬
‫‪.5،589‬‬ ‫العرائش‪.45،51:‬‬
‫قرقنة‪.51،45:‬‬ ‫العرب(وادي)‪.555،559:‬‬
‫القسطنطينية‪.558:‬‬ ‫عين البيضاء‪.91،515:‬‬
‫قسنطينة‪.9،55،515،545:‬‬ ‫عين الجمالة‪.11،81،554،551:‬‬
‫القصب(وادي)‪.555:‬‬ ‫عين تونقة‪.11:‬‬
‫قصرين‪.99:‬‬ ‫عين صالح‪.55:‬‬
‫قفصة‪.545،555:‬‬ ‫عين واصل‪.11،11:‬‬
‫القل‪.51:‬‬ ‫‪-‬غ–‬
‫القنطرة‪.555،559:‬‬
‫غدامس(واحة)‪.559:‬‬
‫قورين‪:‬‬
‫‪.8،55،58،81،85،88،84،85‬‬
‫‪-‬ف–‬
‫فاس‪.9:‬‬
‫‪-‬ك–‬
‫الفجاج(شط)‪.95:‬‬
‫كابسا‪.51،548:‬‬
‫فريانة‪.545،555:‬‬
‫الكاف‪.545:‬‬
‫فزان‪.59:‬‬
‫كينوبس‪.51،85،54:‬‬
‫‪-‬ق–‬
‫‪-‬ل–‬
‫قابس‪:‬‬
‫المصبا‪.81،85،88،88،558:‬‬
‫‪.9،51،98،81،558،559،551‬‬
‫‪205‬‬

‫ملغيغ(شط)‪.555:‬‬ ‫لبتيس‪.8،51،589،551:‬‬
‫الملوية(وادي)‪.8:‬‬ ‫ليبيا‪.8،55،81،51:‬‬
‫مليانة‪.514:‬‬ ‫ليبيا(الجماهرية)‪.1:‬‬
‫موريتانيا‪:‬‬
‫‪-‬م–‬
‫‪.8،48،95،555،555،555،544،549‬‬
‫المائدة المراكشية(هضبة)‪.9:‬‬
‫‪-‬ن–‬ ‫مادور‪.581:‬‬
‫نقرين‪.98:‬‬ ‫ماسيسيليا‪.45،55:‬‬
‫النمامشة‪.99،551:‬‬ ‫ماسيليا‪.45،49:‬‬
‫نوميديا‪:‬‬ ‫ماطر‪.48:‬‬
‫‪8،49،41،49،48،55،95،559،5‬‬ ‫مجانة‪.544:‬‬
‫‪.58،555،544،594،595‬‬ ‫مجردة‪.5،9،48،91،515،519:‬‬
‫النيل‪.5:‬‬ ‫المحيط االطلسي‪.5،8،9:‬‬
‫‪-‬ه–‬ ‫مداوروش‪.581،588،595:‬‬
‫الهقار(جبال)‪.1،9،55:‬‬ ‫املدن السبع(احلرة)‪.91،98،89،519:‬‬
‫هنشير بوفروج‪.555:‬‬ ‫مروانة‪.85:‬‬
‫هنشيرمطيش‪:‬‬ ‫المزاق‪88،54،11،518،551،555:‬‬
‫‪11،19،81،511،551،555،558،‬‬ ‫مستغانم‪.99:‬‬
‫‪.554‬‬ ‫المسيلة‪.99:‬‬
‫هيبو ريجيوس‪.55:‬‬ ‫مصر‪.59،58،81،558:‬‬
‫هياكل الفيالن‪.8:‬‬ ‫المغرب االقصي‪.5،9،9،58:‬‬
‫‪-‬ي–‬ ‫املقاطعة االفريقية‪.48:‬‬
‫مقعد(جبال)‪.9:‬‬
‫يوسبيريدس‪.85:‬‬
‫مكناس‪.9:‬‬
‫‪206‬‬

‫‪-‬ت–‬ ‫اليونان‪.54،84،85،49:‬‬

‫تابيانونسيس‪.598:‬‬ ‫فهرسهعهعع‬
‫القبائل‬
‫التحنو‪.58:‬‬
‫‪-‬ج–‬
‫والشعوب‬
‫الجيتول‪.8،51،541،594:‬‬
‫‪-‬أ–‬
‫‪-‬ر–‬ ‫اإلثيوبيون‪.8:‬‬
‫الرحل‪.591:‬‬ ‫اإلغريق‪:‬‬
‫الرومان‪:‬‬ ‫‪.8،58،81،85،88،589،511‬‬
‫‪55،59،41،48،58،54،55،59،5‬‬ ‫األفارقة‪:‬‬
‫‪9،95،95،98،91،95،84،85،51‬‬ ‫‪48،59،59،95،94،511،555،58‬‬
‫‪1،555،559،558،554،551،55‬‬ ‫‪5،584،589،541،545،595،51‬‬
‫‪9،585،584،589،589،588،54‬‬ ‫‪.5،518‬‬
‫‪1،545،548،544،545،549،54‬‬ ‫األمازيغ‪:‬‬
‫‪1،549،551،555،559،595،59‬‬ ‫‪55،55،54،55،59،51،59،58،8‬‬
‫‪.5،511،515،515،518‬‬ ‫‪.1،41،51،55،541،545‬‬
‫‪-‬س–‬ ‫األنطونيون‪.511،588:‬‬
‫السورييون‪.58:‬‬ ‫أوالد خالد‪.99،555:‬‬
‫السيفيريون‪.588:‬‬ ‫أوالد عبد النور‪.98:‬‬

‫‪-‬ش–‬ ‫‪-‬ب–‬
‫الشعب األمازيغي‪.58،44،89،511:‬‬ ‫البربر‪:‬‬
‫‪.54،45،45،48،584،589،545‬‬
‫‪-‬ط–‬
‫‪207‬‬

‫الماسيسيل‪.8:‬‬ ‫طوارق‪.51،59:‬‬
‫املاسيل‪.45:‬‬ ‫‪-‬ف–‬
‫املاكسي‪.51:‬‬
‫الفرنسيون‪.59:‬‬
‫املصريون‪.85:‬‬
‫الفالفيون‪.18،511:‬‬
‫املور‪.8،8،541،549:‬‬
‫الفينيقيون‪:‬‬
‫املوزوالم‪.48،15،559،541،598:‬‬
‫‪51،59،58،55،55،54،59،89،8‬‬
‫‪-‬ن–‬ ‫‪.1،45،45،51،58،551،511‬‬
‫النسامونيون‪.51:‬‬ ‫‪-‬ق–‬
‫النوميد‪:‬‬
‫القرامنت‪.51،85،545:‬‬
‫‪.8،59،45،44،49،41،55،548‬‬
‫القرطاجيون‪:‬‬
‫نوميدا‪.595:‬‬
‫‪.8،84،89،89،41،45،48،91‬‬
‫النيبجينيني‪.595،598:‬‬
‫قوانش‪.51،59:‬‬
‫‪-‬و–‬ ‫‪-‬ك–‬
‫الوندال‪.555،599:‬‬
‫الكلوديون‪.511:‬‬
‫‪-‬ي–‬ ‫‪-‬ل–‬
‫اليوليون‪.511:‬‬
‫اللوتوفاجيون‪.58،55:‬‬
‫الليبو‪.58:‬‬
‫الليبيفينيقيين‪.81،89:‬‬
‫الليبيون‪:‬‬
‫‪.58،51،81،85،81،45،45،48‬‬
‫‪-‬م–‬
‫‪208‬‬

‫وضوعات‪:‬‬
‫اجع‪:‬‬ ‫فهرسفهرس الم‬
‫المصادر والمر‬

‫مقدمة‪.................................................................‬أ‪-‬ح‬
‫مدخل‪ :‬اخلصائص الطبيعية واجلغرافية التارخيية ألفريقيا الشمالية القدمية‪54-5......‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية‬
‫‪ I‬البدايات األوىل للزراعة بأفريقيا‪59..........................................‬‬
‫‪ II‬االستيطان الزراعي اإلغريقي بقورينائية‪58...................................‬‬
‫‪ III‬الزراعة القرطاجية‪89....................................................‬‬
‫‪ IV‬التطور الزراعي يف عهد امللوك النوميد‪44..................................‬‬
‫‪ V‬دور فرتة ما قبل الرومان يف هتيئة قاعدة االزدهار الزراعي خالل الفرتة‬
‫الرومانية‪58.................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية‬
‫التنظيمات ووسائل اإلنتاج‬
‫‪ .I‬نظام مسح األراضي‪95...............................................‬‬
‫‪ 5-I‬الكنرتة‪98............................................................‬‬
‫‪ 5-5-I‬الكاردو والديكومانوس‪94..........................................‬‬
‫‪ 5-5-I‬احلدود بني الوحدات الكنتورية‪94....................................‬‬
‫‪209‬‬

‫‪ 5-I‬تصنيف األراضي غري املكنرتة ‪99.......................................‬‬


‫‪ 8-I‬تطور الكنرتة األفريقية ‪91..............................................‬‬
‫‪ 4-I‬أهداف الكنرتة ‪11.....................................................‬‬
‫التشريعات الزراعية األفريقية‪15.................................‬‬ ‫‪.II‬‬
‫‪ 5- II‬النصوص األثرية "القانونية" املتعلقة بتنظيم الزراعة األفريقية‪15............‬‬
‫‪ 5- II‬قانون مانكيانا وقانون هادريان على ضوء االكتشافات األثرية‪19..........‬‬
‫‪ 8-II‬بعض بنود التشريعات الفالحية األفريقية‪95.............................‬‬
‫‪ 4-II‬أثر التشريعات الرومانية على التطور الزراعي بأفريقيا‪98...................‬‬
‫‪ .III‬نظام الري الزراعي‪94...............................................‬‬
‫‪ 5-III‬منشآت الري‪95....................................................‬‬
‫‪ 5-5-III‬منشآت التجميع‪95.............................................‬‬
‫‪ 5-5-III‬قنوات التوزيع‪91................................................‬‬
‫‪ 5-III‬نظام الري يف المصبا (‪81.............................)Lamasba‬‬
‫‪ .IV‬منظومة االستغالل الزراعي‪84...................................‬‬
‫‪ 5-IV‬وسائل اإلنتاج ‪84..................................................‬‬
‫‪ 5-5-IV‬األرض‪84......................................................‬‬
‫‪ 5-5-IV‬أشكال امللكية‪85...............................................‬‬
‫‪ 8-5-IV‬نظام االستغالل واإلنتاج‪81......................................‬‬
‫‪ 4-5-IV‬العمال واإلدارة املسرية‪89.........................................‬‬
‫‪ 5-IV‬املستثمرات الزراعية ‪511............................................‬‬
‫‪ 5-5-IV‬السالتوس (‪511......................................)Saltus‬‬
‫‪210‬‬

‫الالتيفونديا (‪515...............................)Latifundia‬‬ ‫‪5-5-IV‬‬


‫الفندس (‪518......................................)Fundus‬‬ ‫‪8-5-IV‬‬
‫الربايديا (‪514......................................)Praedia‬‬ ‫‪4-5-IV‬‬
‫الفيلال روستيكا( ‪519......................)Villa Rustica‬‬ ‫‪5-5-IV‬‬
‫الضرائب الزراعية‪511.........................................‬‬ ‫‪.V‬‬
‫‪ 5-V‬أنواع الضرائب الزراعية‪519...........................................‬‬
‫‪ 5-5-V‬الضريبة على األرض‪519..........................................‬‬
‫‪ 5-5-V‬الضريبة على اإلنتاج الزراعي‪551...................................‬‬
‫‪ 5-V‬حتصيل الضرائب‪555................................................‬‬
‫‪ 8-V‬أثر النظام الضرييب على تدهور الزراعة‪558..............................‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫التوسع الزراعي وآثاره‬
‫‪ .I‬التوسع في زراعة القمح خالل القرن األول الميالدي‪559..............‬‬
‫‪ 5-I‬مشال أفريقيا املمون الرئيسي لروما بالقمح‪559 ...........................‬‬
‫‪ 5-I‬خصائص القمح األفريقي‪555..........................................‬‬
‫‪ 8-I‬دوافع التوسع يف إنتاج القمح‪555 ......................................‬‬
‫‪ .II‬التوسع في الزراعة الشجرية ابتداء من القرن الثاني للميالد‪554........‬‬
‫‪ 5-II‬زراعة الكروم‪554....................................................‬‬
‫‪ 5-II‬سياسة الزيتنة‪559....................................................‬‬
‫‪ 5-5-II‬تطور التوسع يف زراعة الزيتون‪559..................................‬‬
‫‪211‬‬

‫‪ 5-5-II‬دوافع التوسع يف زراعة الزيتون‪585.................................‬‬


‫‪ 8-5-II‬خصائص الزيت األفريقي‪584.....................................‬‬
‫‪ 4-5-II‬صناعة الزيت وتسويقه‪589........................................‬‬
‫زراعة المدرج ات‪588........................................‬‬ ‫‪.III‬‬
‫‪ 5-III‬دوافع استغالل اجلبال‪541...........................................‬‬
‫‪ 5-III‬التقنيات املعتمدة واالنتشار اجلغرايف للمدرجات‪545.....................‬‬
‫التوسع الزراعي نحو الجنوب‪548..............................‬‬ ‫‪.IV‬‬
‫‪ 5-IV‬تطور التوسع‪548...................................................‬‬
‫‪ 5-IV‬دوافع التوسع الزراعي وأهدافه‪549....................................‬‬
‫‪ 8-IV‬النهضة الزراعية باجلنوب‪548........................................‬‬
‫‪ 5-8-IV‬منظومة الري‪551..............................................‬‬
‫‪ 5-8-IV‬الزراعة واستصالح األراضي‪554..................................‬‬
‫‪ V‬أثر التوسع الزراعي‪595..............................................‬‬
‫خاتمة‪598.................................................................‬‬
‫مالحق‪514.................................................................‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‪518.............................................‬‬
‫فهرس الجداول واألشكال والخرائط‪588...................................‬‬
‫فهرس األعالم‪585.........................................................‬‬
‫فهرس األماكن والبلدان والمدن‪588...................................‬‬
‫فهرس القبائل والشعوب‪514..............................................‬‬
‫فهرس الموضوعات‪519...................................................‬‬
‫‪212‬‬

‫ملخص الدراسة‪:‬‬
‫يندرج موضوع الدراسة ضمن التاريخ االقتصادي ألفريقيا الشمالية خالل عصورها القدمية‪،‬‬
‫ويتعرض بالتحديد إىل ظاهرة التوسع الزراعي اليت عرفتها املنطقة خالل الفرتة الرومانية ‪ ،‬سواء تعلق األمر‬
‫برتكيز ا لقائمني على الزراعة اهتمامهم على إنتاج أنواع معينة خالل فرتات زمنية حمددة أو توسيع للمجال‬
‫الزراعي إىل مناطق تتميز اليوم باجلفاف والتصحر ‪ ،‬وإذا كان موضوع التوسع الزراعي قد أكدته‬
‫املعلومات التارخيية و شهدت عليه االكتشافات األثرية‪ ،‬فان ما حرص البعض على طمسه هو دور‬
‫السكان األهايل (األمازيغ) وجهودهم يف هذا التوسع وهذا ما حاولنا إبرازه إضافة إىل دراسة العوامل اليت‬
‫عرفتها الزراعة خالل تلك املرحلة‪.‬‬
‫كان تشخيص احلالة اليت عرفتها الزراعة خالل الفرتة السابقة للتواجد الروماين هي املنطلق الذي‬
‫سلكناه لدراسة املوضوع قصد إبراز اإلضافة الرومانية وتقييمها يف الفصول الالحقة‪ ،‬ويف الفصل الثاين ركزنا‬
‫على عوامل اإلنتاج وعلى القاعدة القانونية والتنظيمية اليت ساهم الرومان بتشريعاهتم ومهندسيهم يف بنائها‪،‬‬
‫واليت كان هلا دورا مهما يف التطور الزراعي الذي عرفته أفريقيا على عهدهم‪ ،‬أما الفصل الثالث‪-‬الذي ميثل‬
‫جوهر البحث‪ -‬فقد تعرضنا فيه إىل ظاهرة التوسع الزراعي اليت عاجلناها وفق منظورين ‪ :‬توسيع إقليمي إىل‬
‫اجلبال والصحراء وتوسع نوعي يف اإلنتاج‪.‬‬
‫اتضح بعد التعمق يف البحث أن عوامل متعددة كانت تتحكم يف السياسة الزراعية اليت انتهجتها‬
‫احلكام الرومان بأفريقيا‪ ،‬ففي اغلب األحيان كانت العوامل السياسية هي املتحكمة ‪ ،‬ويتجلى ذلك أكثر‬
‫من خالل أوامر أباطرة روما الداعية لتشجيع زراعة بعض األنواع خالل فرتات معينة حرصا منهم على‬
‫احلفاظ على مصاحلهم واحتكاراهتم من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى كانوا يهدفون إىل ضمان متوين روما باملواد‬
‫الغذائية ومنه ضمان االستمرارية حلكمهم ‪،‬كما كانت الزراعة وسيلة من وسائل التهدئة وإرساء السلم‬
‫باملناطق اجلنوبية ألفريقيا‪.‬‬
‫إن اعتبار التوسع الزراعي خالل الفرتة الرومانية معجزة وفضال رومانيا حبتا يعترب من املغالطات اليت‬
‫ينبغي تصحيحها ‪ ،‬فبصمة األفارقة (الشعب األهلي) واضحة يف هذا اجملال فهم الذين طرقوا مبجهوداهتم‬
‫سفوح اجلبال واألراضي املتامخة للصحراء بعد أن انتزعت منهم أراضيهم اخلصبة بالسهول مبوجب حق‬
‫الفتح ‪ ،‬وقد كان للسياسة الزراعية املطبقة حينذاك أثرها يف الوصول بالزراعة إىل مناطق هي اليوم مناطق‬
‫جرداء وجافة تشهد عليها آثار املسح واملدرجات ومنشآت املياه‪ ...‬اليت ال تزال قائمة إىل يومنا هذا‪.‬‬
213

Résumé :

Le sujet de notre recherche se situe dans l’histoire d’économie Nord Africaine


pendant l’Antiquité, il traite au plus exact le phénomène d’expansion agricole qu’a
connue la région lors de l’époque romaine, qu’il s’agisse de l’importance accordée par
les responsables agricoles à produire certaines espèces à des moments donnés où que
se soit l’expansion dans le domaine de l’agriculture jusqu’à des régions connues
aujourd’hui de sécheresse est de désertification, cependant si ce phénomène fut prouvé
par les connaissances historiques et les découvertes archéologiques, certains insistèrent
à nier le rôle des autochtones (Amazighs) et leurs efforts dans cette expansion , et c’est
ce que nous avons tenter de démontrer en plus d’étudier les facteurs qu’à subis
l’agriculture à cette époque-là.
C'est du diagnostic de l'état agricole qu'a connu l'époque préromaine que nous
sommes partis dans notre étude dans le but de démontrer les ajouts romains et les
évaluer dans les parties qui suivent, puis dans la deuxième partie nous avons visé les
facteurs de production et la base légale et organisatrice à laquelle les Romains ont
contribué à fonder avec leurs constitutions et leur ingéniosité, et qui avait joué un rôle
important dans le développement agricole qu'a connu l'Afrique pendant leur règne. Et
en ce qui concerne la troisième partie – qui traite le vif du sujet – nous l'avons
consacrée au phénomène de l'expansion agricole que nous avons abordé selon deux
angles de vision: l'élargissement géographique et la diversification typologique des
produits.
Ce qui nous fut clair à travers l'étude approfondie, est que plusieurs facteurs
décidaient la stratégie agricole qu'adoptaient les gouvernants romains en Afrique. En la
plupart, le facteur politique en était le détenteur, ceci s'avère à travers l'ordonnance des
empereurs de Rome encourageant à cultiver certains produits dans des périodes
données, dans le souci de préserver leurs intérêts et monopoles d'une part, et d'autre
part dans l'ordre d'assurer le fournissement des produits alimentaires à Rome ce qui
garantit la prolongement de leur gouvernance; de même l'agriculture fut un moyen
d'établir la paix dans le Sud Africain.
Considérer que le développement agraire à l'époque romaine est un miracle et
un apport purement romain est à discréditer et à corriger. Car l'emprunte des Africains
(autochtones) est clairvoyante dans ce domaine à travers leurs efforts et exploitations
dans les montagnes et les terres subsahariennes, après avoir été expropriés de leurs
terrains fertiles suite au droit de la conquête, à noter également que la politique agraire
de l'époque a eu l'effet d'élargir l'activité agricole jusqu'à des régions aujourd'hui
incultes et arides dont témoignent les traces de centuriation, des gradins et des
fondations aquatiques… qui subsistent jusqu'à nos jours.
214

Abstract :
The subject of our research lies in the history of North African
economy in antiquity, it treats the more accurate the phenomenon of
agricultural expansion experienced by the region in Roman times, it was
called whether the emphasis agricultural officials to produce certain
species at certain times where the expansion whatsoever in the field of
agriculture to areas known today desertification drought, however,
whether this phenomenon was proved by historical knowledge and
archaeological discoveries, some insisted to deny the role of indigenous
(Amazigh) and efforts in this expansion, and that's what we try to show in
addition to studying the factors that suffered in agriculture that time.
It is diagnosis of the state of agriculture has experienced pre-Roman
times that we went in our study in order to demonstrate and evaluate
Roman additions in the following sections and in the second part we aimed
factors of production and the legal basis and organizer in which the
Romans helped to found with their constitutions and their ingenuity, and
had played an important role in agricultural development in Africa has
experienced during their reign. And in the third part - which treats the
heart of the matter - we have devoted to the phenomenon of agricultural
expansion we approached from two angles of vision: the geographical
expansion and diversification typological products.
It was clear to us through the comprehensive study is that several
factors decide the agricultural strategy qu'adoptaient Roman rulers in
Africa. In most, the political factor was held, this is through the order of
the emperors of Rome encouraged to grow certain products in specified
periods, in order to safeguard their interests and monopolies on the one
hand, and other hand, in order to ensure food fournissement Rome which
guarantees the continuation of their governance so agriculture was a way
to establish peace in South Africa.
Consider the Agrarian Development in Roman times is a miracle and
a purely Roman contribution to discredit and correct. Borrow because
Africans (natives) is sighted in this area through their efforts and the
mountains and farms in sub-Saharan lands, having been dispossessed of
their land fertile right after the conquest, should also be noted that the
agrarian policy the time had the effect of broadening the agricultural
activity to regions now uncultivated and barren as evidenced by traces of
centuriation, bleachers and foundations remaining water ... until today.

You might also like