Professional Documents
Culture Documents
خنيش عبد الفتاح.ماجستير PDF
خنيش عبد الفتاح.ماجستير PDF
2102-2102م
وصف بلني الكبري( )Pline l’Ancienخالل القرن األول االستغالل
الزراعي بواحة قابس (تاكاب )Tacapeاليت تقع على حدود الصحراء
جنوبا يف سواحل السريت الصغري غريب لبتيس الكربى ( Leptis
)Magnaفقال ":هنا ،تحت نخلة مترامية األطراف تنبت
شجرة زيتون ،وتحت شجرة الزيتون شجرة تين ،وتحت
شجرة التين شجرة لوز ،وتحت شجرة اللوز كرمة ،وتحت
الكرمة يزرع القمح ثم نباتات قرنية وأخيرا الخضروات ،
كل هذا في نفس العام وكل واحدة تنمو تحت ظل
األخرى".
Pline l’Ancien, Histoire Naturelle , XVIII, LI. 22.
قائمة المختصرات
لقد كان الثراء االقتصادي املبين أساسا على الثروة الفالحية أهم ما ميز منطقة الشمال
األفريقي منذ قرون طويلة ،حيث عرفت هذه املنطقة ظهور الزراعة منذ فجر التاريخ ث ظلت
تتطور تدرجييا خالل الفرتة النوميدية والقرطاجية لتصل أوج ازدهارها وتوسعها خالل الفرتة
الرومانية وذلك لتوفر عوامل هذا االزدهار ،فإىل جانب الرتبة اخلصبة واملناخ املالئم هناك التقاليد
الزراعية الراسخة ،وكذا إقامة منظومة فالحية بناء على تشريعات قانونية حتدد ملكية األرض
Latifundia, Fundus, Praedia, (: ونظام استغالهلا وخاصة نظام املستثمرات الفالحية
… )Saltusوهذا ما جعل البالد تصل يف الفرتة الرومانية أوج ازدهارها االقتصادي الذي كانت
الزراعة عماده األول ،وحنن يف حبثنا هذا سنحاول الوقوف على حقيقة هذا االزدهار ،من خالل
تتبع سري التوسع الزراعي يف املنطقة ،ومن هنا جاء حبثنا حتت عنوان:
(* ) إن املقصود بعبارة "أفريقيا القدمية" الواردة يف العنوان هو أفريقيا خالل عصور التاريخ القدمي اليت اصطلح عليها الباحثون ب " Africa
"antiquaوليس املقصود هبا مقاطعة أفريقيا القدمية " "Africa Vetusالربوقنصلية سابقا اليت أصبحت تسمي هبذه التسمية ابتداء من
سنة 64ق.م لتمييزها عن املقاطعة األفريقية اجلديدة " "Africa Nouvaاليت استحدثت بعد التوسع على حساب نوميديا.
ب مقدمة
لقد آثرنا استعمال تسمية "أفريقيا" و"أفريقيا القدمية" واحيانا "أفريقيا الشمالية" من بني
التسميات املتعددة اليت أطلقت قدميا أو حديثا على املنطقة(ليبيا ،افريقية ،بالد املغرب،بالد
الرببر..اخل) نظرا لداللتها اجلغرافية واستعماهلا القدمي يف املنطقة ،فقد أطلق الرومان منذ البداية
اسم "املقاطعة األفريقية" على اجملال الذي ورثوه عن قرطاج قبل أن يعمموه ليصبح له نفس
مدلول مصطلح "ليبيا" الذي أطلقه اإلغريق قبلهم على املنطقة (*)،وحديثا أصبح املصطلح داال
على عموم القارة األفريقية واختفى من املنطقة هنائيا ما عدا اإلشارة يف اجلغرافية السياسية إىل
منطقة مشال أفريقيا للداللة على البلدان الواقعة مشال القارة ،يف مقابل ذلك استعملنا مصطلح
األفارقة واألمازيغ للداللة على أهل املنطقة األصليني.
ويدخل اختيارنا للموضوع ضمن إطار اهتمامنا الشخصي بالتاريخ االقتصادي لشمال
أفريقيا وحضارة األرياف ،وهي يف احلقيقة جماالت مل يعنت الباحثون بدراستها مقارنة بالتاريخ
السياسي وتاريخ املدن واحلواضر ،باإلضافة إىل رغبتنا يف املسامهة ولو بالقليل يف تعريف الغري
حبضارتنا القدمية وتصحيح بعض الرؤى واملغالطات اليت مل يتوقف البعض إىل حد اآلن عن
دسها ضمن مؤلفاهتم العديدة ،وكذا لرغبتنا يف إبراز دور الشعوب األمازيغية وإسهاماهتا
احلضارية اليت غيبتها املصادر الكالسيكية وطمستها الدراسات احلديثة ،ث إن موضوع التوسع
الزراعي يف حد ذاته يعد ظاهرة جديرة بالدراسة أثارت دهشة لدى الباحثني ،خصوصا وانه
موضوع يثري الفضول بعد العثور على هياكل خاصة بالزراعة يف مناطق "انقرضت" منها الزراعة
حاليا.
يثري املوضوع يف احلقيقة تساؤالت عديدة عن مدى ما بلغه هذا التطور االقتصادي،
وعلى اخلصوص حقيقة النمو الواسع يف استغالل األرض والوصول بالزراعة إىل ختوم الصحراء،
هذه احلقيقة اليت كشفت بعض جوانبها بعض الدراسات احلديثة على رأسها الدراسة اليت قام
هبا ضابط الطريان الفرنسي الكولونيل باراداز() )Baradez (J.حول اخلندق
(*)
جوليان (شارل أندري) ،تاريخ أفريقيا الشمالية ( تونس ،الجزائر ،المغرب األقصى من البدء إلى الفتح اإلسالمي
746م) ،تعريب حممد املزايل والبشري بن سالمة ،ط ،5الدار التونسية للنشر ،جويلية 5895م ،ص.55
ج مقدمة
ما مدى صحة القول بتحقيق ازدهار كبير جعل منه بعض المفتتنين
بالحضارة الرومانية معجزة ؟
وهل ما أنجز على األرض األفريقية من ازدهار ،مكرمةً رومانية ؟
أليس األفارقة هم الذين ظلوا يعملون ويكدحون وينتجون حتى بعد أن
انتزعت من الكثير منهم أراضيهم بموجب حق الفتح ؟
د مقدمة
هل كان للفترة السابقة للوجود الروماني اثر على تطور الزراعة
خالل الفترة الرومانية؟ وهل كان التطور نتيجة لتفاعالت داخلية مست
بدرجة أولى وسائل اإلنتاج أم انه نتيجة الستعارة تقنيات من شعوب
أخري ؟
لماذا اهتم بعض األباطرة الرومان بتوجيه الزراعة خالل مرحلة
معينة من تاريخ اإلمبراطورية إلنتاج أنواع معينة من المزروعات؟
ما هي خصائص اإلنتاج الزراعي بأفريقيا خالل تلك المرحلة؟ وما
جرداء؟! السر في انتشار آثار معاصر ومنشآت ري في مناطق هي اليوم
ثم لماذا شدد الحكام الرومان على زراعة الزيتون بالمناطق المحاذية
للصحراء؟!
وقد حاولنا يف حبثنا هذا اإلجابة على هذه اإلشكالية ،مع احلرص على أن يكون ذلك
يف سياق ورؤية موضوعية اعتمادا على املنهج العلمي عرب مقاربات نقرأ من خالهلا تاريخ منطقتنا
قراءة متحررة من كل النزعات التقليدية اليت حتاول االلتفاف على احلقائق التارخيية ،ومعتمدين
أيضا على تقنيات التحليل واالستنباط والنقد وقراءة مابني السطور يف معاجلة املعلومات
التارخيية اليت زودتنا هبا املصادر الكالسيكية واحلقائق اليت توصل إليها علم اآلثار حديثا.
وقد رمسنا لبحثنا هذا خطة نراها مناسبة ملعاجلة املوضوع ،حيث افتتحنا الدراسة مبدخل
فضلنا أن نتناول فيه اخلصائص الطبيعية ألفريقيا الشمالية واملعلومات اجلغرافية اليت زودتنا هبا
بعض املصادر القدمية وهذا يف احلقيقة ما تقتضيه دراستنا ،حيث انه من املفيد كثريا معرفة هذه
اخلصائص قبل الشروع يف معاجلة املوضوع ،ث يلي املدخل ثالثة فصول عاجلنا من خالهلا
اإلشكالية املطروحة.
يف الفصل األول مت التطرق إىل الزراعة األفريقية قبل وصول الرومان للمنطقة ،واهلدف
من هذا الفصل هو إبراز وتشخيص احلالة اليت كانت عليها الزراعة خالل تلك املرحلة ملعرفة
ه مقدمة
اإلضافات اليت عرفها اجملال خالل املرحلة الالحقة وهذا ما يسمح لنا باستنتاج الفرق بني
الفرتتني ،وقد ركزنا فيه أساسا على إشكالية ظهور الزراعة باملنطقة وعاجلنا مسألة الرتويج
لفكرة "أفضال" الفينيقيني يف إدخاهلا للمنطقة اليت حياول البعض جعلها حقيقة تارخيية ،كما
تناولنا وضعية الزراعة خالل فرتة السيطرة اإلغريقية والقرطاجية والتطور الذي عرفته خالل فرتة
امللوك النوميد خاصة على عهد امللك ماسينيسا ،وقد خصصنا يف آخر الفصل عنصرا هاما
حاولنا من خالله إبراز منجزات فرتة ما قبل الرومان ( )Préromaineوإسهاماهتا يف التطور
الذي سيتحقق خالل الفرتة الرومانية اليت يف اعتقادنا شكلت استمرارية ملا قبلها واستفادت من
القاعدة اليت بنيت من قبل خاصة على عهد امللوك النوميد .
أما الفصل الثاين الذي عنوناه ب "الزراعة األفريقية خالل الفرتة الرومانية" فقد خصصناه
لدراسة اجلوانب املتعلقة بالزراعة اليت شكلت القاعدة اليت ساهم هبا الرومان مبهندسيهم
وتشريعاهتم يف بنائها واليت كان هلا اثر واضح يف تطور الزراعة خالل العهد اإلمرباطوري األول
( )Haut-Empireعلى اخلصوص ،وقد استهللنا هذا الفصل بدراسة نظام مسح
األراضي(الكنرتة) الذي ساهم يف تنظيم اجملال وسهل عملية توزيع األراضي واإلحصاء ومجع
الضرائب ،ث انتقلنا إىل التشريعات الزراعية اليت عثر عليها بأفريقيا وأثرها يف تطوير الزراعة
وتنظيم العالقات بني الفئات املستغلة للمستثمرات ،لنتناول بعد ذلك موضوع الري الزراعي
ودوره يف توسيع الزراعة خاصة باملناطق اجلنوبية اجلافة أو شبه اجلافة ،ث انتقلنا إىل منظومة
االستغالل الزراعي أين درسنا وسائل اإلنتاج وعلى رأسها وضعية األرض ونظام امللكية
واملوظفون القائمون على العمل الزراعي وأنظمة االستغالل السائدة ،باإلضافة إىل دراسة مناذج
من املستثمرات الزراعية اليت أنشئت على األرض األفريقية كالسالتوس والالتيفونديا...اخل ،ويف
آخر الفصل درسنا النظام الضرييب املتعلق بالزراعة وتأثريه على تدهور الزراعة خالل الفرتة
األخرية من السيطرة الرومانية.
يف الفصل الثالث -الذي ميثل جوهر حبثنا -تناولنا ظاهرة التوسع الزراعي وانعكاساهتا،
وقد عاجلناها وفق منظورين ؛ توسع نوعي يف الزراعة متمثال يف زراعة احلبوب خالل القرن
و مقدمة
األول ث األشجار املثمرة خالل القرن الثاين للميالد(الزيتون والكروم) ،وتوسع إقليمي للزراعة
سواء باجتاه اجلنوب أو باجتاه املناطق اجلبلية ،وقد حاولنا إبراز الدور األهلي يف هذا التوسع
الذي تغاضى عنه الكثريون ،وىف آخر الفصل عاجلنا اثر التوسع الزراعي وانعكاساته على
اجلوانب االقتصادية واالجتماعية للمجتمع األفريقي خالل تلك املرحلة .وقد توجنا حبثنا هذا
خبامتة خلصنا فيها النتائج اليت توصلنا إليها من خالل معاجلة عناصر البحث ،باإلضافة إىل
ختصيص بعض املالحق املتعلقة بالزراعة القدمية يف املنطقة.
أما فيما خيص الدراسات ،فهي يف احلقيقة متعددة ال يتسع اجملال لذكرها كلها،
فباإلضافة إىل دراسيت بريبان وباراداز املشار إليهما سابقا ،اعتمدنا على دراسات اقزال
املتعددة من بينها التاريخ القدمي ألفريقيا الشمالية( Histoire Ancienne de l’Afrique du
الرومانية( La civilisation de ،)Nordودراسة بيكار( : )Picardحضارة أفريقيا
،)l’Afrique Romaineودراسة غابريال كامبس(يف أصول بالد الرببر ،ماسينيسا أو بداية
التاريخ) اليت أفادتنا فيما يتعلق بأصول الزراعة األفريقية ،ودراسة السيدة هنريات كامبس فيما
يتعلق بزراعة الزيتون خالل الفرتة الرومانية ( l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique
)Romaineوكذا تاريخ اإلمرباطورية الرومانية االجتماعي واالقتصادي للمؤرخ رستوقتزف،
باإلضافة إىل اعتمادنا على دراسيت كل من األستاذين شنييت حممد البشري يف كتابه "التغريات
االقتصادية واالجتماعية يف بالد املغرب أثناء االحتالل الروماين" وعقون حممد العريب يف كتابه
"االقتصاد واجملتمع يف الشمال األفريقي القدمي" اللتان كانتا بالنسبة لنا دليال وسراجا استهدينا
به يف ظلمات حبثنا هذا .
ولعل أكثر ما أفادنا يف حبثنا هذا تلك املقاالت والدراسات القيمة املنشورة يف
الدوريات املتخصصة على اخلصوص اجمللة األفريقية ( )Revue Africaineو ( Antiquités
)Africainesو( Comptes rendus de l’Académie des Inscriptions et Belles
)Lettresواليت عاجلت موضوعات متنوعة كالتشريعات الزراعية والكنرتة والري...اخل ،كما
( Dictionnaire des antiquités استفدنا من موسوعة األثريات القدمية اإلغريقية والرومانية
)Grecques et Romainesاليت أعانتنا على فهم العديد من املصطلحات باإلضافة إىل
استفادتنا من عدة دراسات منشورة على شبكة االنرتنيت.
إن صعوبة التوفيق بني العمل والدراسة تعد من أهم العراقيل اليت واجهتنا ،باإلضافة
إىل أن قراءة املصادر والدراسات اليت كان جلها باللغة الفرنسية يستغرق وقتا طويال ويستدعى
املتخصصة. جهدا مضنيا أمام قلة الدراسات احمللية
ح مقدمة
ويف األخري نتقدم بشكرنا اخلالص إىل أستاذنا الدكتور حممد العريب عقون الذي كان
نعم املوجه ،شاكرين له حرصه على تكويننا تكوينا أكادمييا صحيحا ،كما نشكره كثريا على
رحابة صدره وصربه على تقصرينا وعلى حلمه وحكمته يف التعامل معنا ،كما نشكر كل من
أعاننا على اجناز هذا البحث على رأسهم عمال أرشيف والية قسنطينة وعمال متحف
سطيف.
تتطلب دراسة موضوع الزراعة يف الشمال األفريقي القدمي -باعتباره فرعا من فروع
التاريخ االقتصادي ومرتبطا ارتباطا وثيقا باجملال اجلغرايف – من الباحث تقدمي حملة عامة عن
اخلصائص الطبيعية ومميزات السطح للمنطقة املراد دراستها ،ولذا جاء هذا املدخل ليكون متهيدا
ملوضوع البحث وقاعدة معلومات ختص اجلغرافيا الطبيعية واجلغرافيا التارخيية للمنطقة ،نرصد من
خالله املميزات الطبيعية على اخلصوص من مناخ وتضاريس وهيدروغرافيا وتساقط...اخل ،وهذا
من شأ نه أن يساعد سواء الباحث أو القارئ على فهم املوضوع فهما جيدا كما يساعد على
معرفة خصائص املنطقة قدميا حيث ميكن مقارنة الدراسات املتعددة املنجزة حديثا يف جمال
اجلغرافيا الطبيعية للمنطقة باملعلومات الواردة يف املصادر القدمية واستغالهلا يف معرفة خصائص
املنطقة قدميا .
()1حارش(حممد اهلادي) ،التاريخ المغاربي القديم( السياسي والحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح اإلسالمي)،
املؤسسة اجلزائرية للطباعة،اجلزائر 5885م ،ص. 14
مدخل 3
قسم هريودوت قدميا املنطقة إىل ثالثة أقاليم من حيث األنشطة االقتصادية والنمط
املعيشي :إقليم السواحل الشمالية الذي ينقسم بدوره إىل قسمني ؛ جزء شرقي ميتد من النيل
إىل غاية حبرية الرتيتون( )Lac Tritonisغربا وهو موطن القبائل البدوية ،وجزء غريب ميتد من
حبرية الرتيتون إىل غاية احمليط األطلسي وهي منطقة الليبيني املزارعني ،أما إقليم الدواخل الليبية
فقد وصفه هريودوت على انه بالد للحيوانات املتوحشة ،وما وراء هذه املنطقة هناك اإلقليم
اجلنويب الذي هو عبارة عن كثبان رملية ميتد من طيبة ()Thébesشرقا إىل أعمدة هرقل غربا
تتخلله عدة سباخ وتسكنه عدة قبائل(انظر اخلريطة ()5أدناه ص .)2( )4
أما سالوست فقد ذكر أن أول مدينة تصادفنا عند قدومنا من مصر باجتاه السواحل
الغربية الليبية هي قورين ( )Cyréneوهي مستعمرة إلغريق قدموا من ثريا ( ،)Théraيلي
ذلك هياكل الفيالن وبني خليجي السريتني تقع مدينة لبتيس( )Leptisث تأيت بعدها سلسلة
من املصارف الفينيقية ،أما باقي البالد إىل غاية موريتانيا فقد كانت حتت سيطرة النوميد؛ حيث
يتمركز املور مشاال قرب اسبانيا ؟ واجليتول جنوب نوميديا وأبعد منهم جنوبا يتواجد اإلثيوبيون،
ث يأيت بعد ذلك إقليم الشمس احلارقة(.)3
أما الساحل اللييب فقد اعتربه سرتابون ساحال مستقيما يف اجتاهه العام من مصر إىل
أعمدة هرقل ،وهذا نفس اخلطأ الذي وقع فيه هريودوت قبله( ،)4واحلقيقة أن الساحل يتجه
مشاال عند بداية إقليم القرطاجني ،كما ميكن أن نستنتج من تعدد املوانئ اليت أقامها
القرطاجيون على السواحل الغربية للشمال األفريقي بان هذا الساحل يكون مسننا تتنوع فيه
الرؤوس واخللجان ما يسمح بإقامة هذه املوانئ الطبيعية املتعددة.
) (2
Gsell (St.),Hérodote,Textes relatifs a l’Histoire de l’Afrique du Nord, Typographie
Adolphe Jourdan, Alger1915 ,Livre IV,CLXXX-CLXXXXI.(par suite : Hérodote).
)(3
Salluste , la guerre de Jugurtha, les fragmens de la grande histoire romaine, la
conjuration de catilina ,et les deux épîtres a César, traduit par
Ch.Du.Rozoir,T.I,imprimerie de C.L.F.Panckoucke, Paris 1835 , XIX.
)(4
Strabo , The Geography , translated by H.C.Hamilton and W.Falconer, John Childs
and Son Printers, London 1857, book II,V.
4 مدخل
تطل املنطقة على البحر املتوسط حبوضيه الشرقي والغريب ،وقد منح هلا هذا املوقع
امتيازات عديدة ،فهو مصدر التفاعل الذي مسح لشعوهبا قدميا وحديثا باالحتكاك مع أجناس
أخرى خصوصا وان منطقة مشال أفريقيا يقابلها مشاال الضفة اجلنوبية ألوروبا ،فال يكاد يفصل
أوروبا عن مشال أفريقيا إال مضيق جبل طارق( 58كلم فقط) وهذا املوقع املتميز يسمح
بالتبادل التجاري زيادة على التفاعل الثقايف واحلضاري.
تنقسم منطقة مشال أفريقيا من حيث تكوينها إىل قسمني رئيسيني ،قسم مشايل حديث
التكوين وقسم جنويب قدمي التكوين ،وتتوزع املظاهر التضاريسية السائدة يف املنطقة بني خمتلف
األزمنة اجليولوجية األربعة ،وتظهر الصحراء كقاعدة قارية قدمية متيزها تكوينات يرجع بعضها
إىل الزمن األركي الذي مل تظهر احلياة احليوانية فيه بعد ،ومل تأخذ الشكل الذي هي عليه اآلن
إال بعد استكمال تكوينها خالل العصور الالحقة(.)5
( )5حليمي (عبد القادر علي) ،جغرافية الجزائر(طبيعية-بشرية-اقتصادية) ،ط ،5مطبعة اإلنشاء ،دمشق ،5899ص
ص .55-8
مدخل 5
يعود تكوين املنطقة الشمالية إىل الزمن اجليولوجي الرابع خاصة خالل فرتة
الباليستوسني( )6اليت شهدت تغريات على مستوي املناخ والرتكيبة اجليولوجية( ،)7فالشكل
احلايل لتضاريس الشمال يعود تكوينها إىل هذه الفرتة اليت تتجسد أساسا يف الرواسب الفيضية
اليت محلتها املياه إىل املنخفضات ،وخالل هذا العصر بدأ اجلفاف التدرجيي لألطراف الشمالية
للصحراء أما املناطق اجلنوبية فهي قدمية التكوين تتجاوز فرتة تكوهنا 511مليون سنة (.)8
أما يف ما خيص تضاريس أفريقيا الشمالية فيمكن تقسيمها إىل قسمني رئيسيني ،
أحدمها مشايل حديث التكوين و آخر جنويب (الصحراء) قدمي التكوين ،ولكل قسم مميزات
تضاريسية متيزه يف الرتكيبة واالرتفاع والتكوين عن اآلخر ،ويتميز القسم الشمايل بثالثة مظاهر
رئيسية هي:
السهول:
هناك نوعان من السهول ؛ نوع ميتد يف الشمال على طول السواحل البحرية مثل سهل
جمردة والسهول الشرقية بتونس ،ث السهول العليا اجلزائرية – املغربية والسهول الساحلية الغربية
باملغرب األقصى اليت تظهر على شكل أحواض مغلقة( ،)9وهي ذات تربة خصبة فيضية
ورسوبية تعود يف تكوينها إىل الزمن الرابع ،وهناك السهول الداخلية املمتدة بني الكتل اجلبلية
( )6الباليستوسني ( : )Pleistoceneوهي فرتة زمنية امتدت من 585998111إىل 558111سنة ق.م اليت عرفت
فرتات جليدية متكررة ،وقد اشتق اسم الباليستوسني من الكلمتني اليونانيتني (بليستو) وتعين "معظم" و(كينوس)
وتعين "جديد" ،والباليستوسني أول فرتة من فرتات العصر الرباعي أو الفرتة السادسة من حقبة السينوزي ،و تتوافق
هناية الباليستوسني مع هناية العصر اجلليدي األخري كما أنه يتوافق مع هناية العصر احلجري القدمي ،انظر:
البليستوسينhttp://ar.wikipedia.org/wiki/
( )7الناضوري (رشيد) ،المغرب الكبير ،ج( 5العصور القدمية :أسسها التارخيية احلضارية والسياسية) ،دار النهضة
العربية ،بريوت 5895م ،ص.55
( )8جودة(حسنني جودة) ،الجغرافيا الطبيعية لصحاري العالم العربي ،ط ،9منشأة املعارف اإلسكندرية5881 ،م،
ص.99
( )9حارش(حممد اهلادي) ،التاريخ املغاريب القدمي...مرجع سابق ،ص. 14
6 مدخل
وهي عالية االرتفاع تزيد يف عمومها عن 511م ،أمهها سهال فاس ومكناس باملغرب وسهال
السارسو وقسنطينة باجلزائر...اخل.
الجبال:
السهول العليا:
يرتاوح ارتفاعها بني 511و 5111م أمهها :املائدة املراكشية باملغرب ،والسهول العليا
بإقليم سطيف باجلزائر...اخل ،تتخلل هذه السهول املرتفعة جمموعة من البحريات املاحلة
(السباخ) اليت تصب فيها األودية الداخلية.
( )10احلركة األلبية :أحدث احلركات االلتوائية اليت أصابت القشرة األرضية ،ولذلك فجباهلا أعظم جبال العامل من حيث
االمتداد واالرتفاع ،بدأت يف أواخر الزمن اجليولوجي الثاين وبلغت أوجها يف منتصف الزمن اجليولوجي الثالث ،انظر:
http://www.arabgeographers.net
()11
جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص.54
مدخل 7
أما إقليم الصحراء الذي يكون جفافه الكامل قد مت حوايل سنة 5511ق.م( ،)12فقد
تشكلت به منطقة شاسعة جافة تتميز مبجموعة من املظاهر التضاريسية وهي :العرق الذي هو
عبارة عن كثبان رملية متنقلة بفعل الرياح مثل العرق الشرقي الكبري باجلزائر ،وهناك الرق الذي
هو عبارة عن تكوينات حصوية مثل رق تانزروفت باجلزائر ،أما الحمادات فهي هضاب رملية
و جريية مثل احلمادة احلمراء بليبيا وتادمايت باجلزائر ،باإلضافة إىل بعض اجلبال القدمية
التكوين كجبال اهلقار باجلزائر(.)13
)(12
Robert (Jean-Baptiste), A propos de l'évolution du climat en Afrique du Nord depuis
le début de la période historique, In: Revue de géographie jointe au Bulletin de la
Société de géographie de Lyon et de la région lyonnaise, Volume 25,N°1, 1950,p54.
()13
حليمي(عبد القادر علي) ،مرجع سابق ،ص ص .55-51
8 مدخل
تعترب املياه من أهم العوامل الطبيعية اليت تؤثر يف خمتلف أوجه االقتصاد ،خاصة جانب
الزراعة الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالري ،و ألفريقيا الشمالية مصادر متنوعة من هذه املادة
احليوية سواء كانت مياها سطحية أو مياها جوفية ،لكن استغالل املياه اجلوفية يف الري
الزراعي قد بقي حمدودا مقارنة باملياه السطحية اليت يشكل التساقط مصدرها األساسي.
ميكن تصنيف أودية الشمال األفريقي إىل عدة أصناف ،سواء من حيث الطول أو
كمية التصريف أو فرتة اجلريان ...اخل ،ويبدو أن تصنيفها حسب مصبها أكثر وضوحا ،حبيث
يظهر هذا التقسيم ثالث جمموعات :أودية تصب يف البحر وهي عديدة ودائمة اجلريان
واغلبها ينبع من سلسلة األطلس التلي ،أمهها وادي الشلف ،وادي سيبوس بعنابة ،أما يف
تونس فتشتهر منطقة الشمال األكثر مطرا بأوديتها املنتشرة يف كل االجتاهات منها وادي جمردة
( )Bagradas flumenأكرب وأغزر أودية تونس وينبع بالقرب من سوق اهراس ث وادي
خالد ووادي سليانة واليت تنبع من جبال اجملردة( ،)14وباملغرب يعترب وادي أم الربيع أهم جمري
مائي باملنطقة ،أما األودية اليت تصب يف األحواض الداخلية فتتميز بتذبذب جرياهنا وتصب
باألحواض الداخلية (الشطوط) (انظر اخلريطة( )5اعاله ص ،)1وهناك نوع ثالث يصب يف
رمال الصحراء وهي عبارة عن أودية فجائية عدمية االنتظام لقلة التساقط هبذه املناطق من بينها
وادي ايغرغر الذي ينبع من اهلقار ويصب يف العرق الكبري الشرقي ( ، )15وللتساقط عالقة
مباشرة باختفاء األودية هبذا اإلقليم ،فعندما اخذ مناخ الصحراء الكربى يف اجلفاف التدرجيي
واملستمر منذ عصر الباليستوسني اختفت منذ ذاك األودية اليت اكتسحتها الرمال(.)16
أشارت املصادر القدمية عرضا إىل العديد من اجملاري املائية ،فقد حدثنا هريودوت
عن حبرية الرتيتون اليت افرتض اغزال أن يكون موقعها جبوار خليج السريت الصغري (خليج
قابس) ( ،)17أما بلني( )18فقد ذكر وادي توسكا ( )Tuscaووادي أمبساغا
()14
Gsell (St.), Histoire Ancienne de l’Afrique du Nord , Librairie Hachette, Paris ,
Tome I, p 91.
()15
حليمي (عبد القادر علي) ،مرجع سابق ،ص ص.95-58
()16
جودة( حسنني جودة) ،مرجع سابق ،ص.95
)(17
Hérodote, pp79-80.
مدخل 9
إن الدور االقتصادي ألودية الشمال األفريقي يف نظر البعض قد ظل تقليديا( )21مع أن
بعض املدن الشمال األفريقية عرب التاريخ قد قامت على ضفافها ،وما جيدر اإلشارة إليه هو
الدور الذي لعبته هذه األودية والري على العموم يف التاريخ القدمي للمنطقة ،حيث هناك عدة
دالئل تشري إىل االستغالل املكثف ملياهها خصوصا أودية الداخل واجلنوب اليت عثر على
ضفافها على الكثري من منشآت الري اليت يعود اغلبها إىل الفرتة الرومانية.
أما فيما خيص املناخ فهو من العناصر اليت تعرف تغريا باستمرار نظرا الرتباطه بعدة
عوامل تؤثر فيه ،وهو حال املناخ بشمال أفريقيا الذي شهد تغريات عديدة منذ أقدم العصور،
وهو يف وقتنا احلايل مناخ متنوع ومستقر يف حالته العامة لكن بعض خصائصه عادة ما تعرف
تغريات مفاجئة تتسبب يف إحداث خسائر معتربة يف االقتصاد والثروة احليوانية والنباتية ،ويعترب
املوقع اجلغرايف والفلكي اكرب مؤثر يف هذا التنوع والتغري ،فاملنطقة تطل على واجهتني حبريتني
وتشرف جنوبا على صحراء واسعة ،يضاف إليها ارتفاع التضاريس ونوع الرياح والضغط اجلوي
اليت تتحكم هي األخرى يف عناصر املناخ.
يسود املناطق الساحلية ألفريقيا الشمالية مناخ البحر املتوسط الذي يتميز شتاؤه باملطر
واالعتدال وصيفه باحلرارة واجلفاف ،وبه منطقتان :منطقة رطبة تغطي باجلزائر املنطقة املمتدة
)(18
Pline l’Ancien , Histoire Naturelle ,C.L.F.Panckoucke , Paris 1831,livre V,II.3.
)(19
Strabo, XVII,III,6-9.
()20
Procope de Césarée, Bellum Vandalorum , traduit par D.Roques ,Belles Lettres,
Paris 1990,II,19,12.
)(21
Gsell (St.),H.A.A.N., T.I, pp26-27.
10 مدخل
من جرجرة إىل منطقة القل ،حيث يزيد معدل املطر فيها عن 1000ملم يف كل من منطقة
جرجرة والبابور وحوايل 2000ملم يف منطقة القل ،اليت تقع هبا منطقة الزيتونة اليت تعد أكثر
املناطق اجلزائرية تساقطا بنحو 5411ملم سنويا ،ومناطق شبه رطبة تغطي باقي مناطق
الساحل مبعدل تساقط يقارب 700ملم سنويا( ، )22وحتت هذه املنطقة توجد منطقة النجود
اليت تتميز مبناخ شبه جاف الن الرياح القادمة من الشمال تكون قد أفرغت محولتها باجلبال
الشمالية.
تعترب أمطار البحر املتوسط اليت جتلبها الرياح من اجلهة الغربية من النوع اإلعصاري،
والدور يعود للمنخفضات اجلوية اليت تدفعها الرياح الغربية إىل املنطقة ،كما أن املرتفعات
اجلبلية تعرف تساقطا أكثر من املنخفضات ذلك أن الكتل اهلوائية املشبعة القادمة من الشمال
أو الغرب تصطدم هبا وهو ما يولد تكاثفا ث أمطارا ،واملالحظ أن أمطار أفريقيا الشمالية
تتناقص تدرجييا كلما اجتهنا جنوبا مثلما تتناقص كلما اجتهنا شرقا نظرا للعوامل السالفة الذكر،
فمدينة اجلزائر معدل تساقطها حواىل 151مم سنويا يف حني أن مدينة طرابلس اليت هلا نفس
اخلصائص ال يتجاوز تساقطها 841مم سنويا(( )23انظر اخلريطة ()8ادناه ص.) 55
تتميز األقاليم الصحراوية اجلنوبية بسيادة احلرارة على امتداد أيام السنة ،خاصة يف
فصل الصيف أين تعرف درجة احلرارة ارتفاعا قياسيا ،فتارخييا سبق وان سجلت منطقة العزيزية
القريبة من طرابلس ارتفاعا يف درجة احلرارة وصل إىل °59كما سبق وان سجل بعني صاحل و
تيميمون درجة حرارة قريبة منها ،أما يف الليل فان درجة احلرارة تشهد اخنفاضا يقل عن الصفر
يف بعض املناطق ،فارتفاعها هنارا واخنفاضها ليال يشكل اتساعا يف املدى احلراري( ، )24أما
األمطار فهي شبه منعدمة تقل عن 511مم سنويا ما عدا املنطقة احمليطة باهلقار اليت تتميز
بأمطار صيفية تقارب 411مم سنويا ناجتة من الضغط القادم من املنطقة املدارية .
( )22لعروق (حممد اهلادي) ،أطلس الجزائر والعالم ،دار اهلدى،عني مليلة ،ص. 14
( )23طريح (عبد العزيز شرف) ،الجغرافيا المناخية والنباتية مع التطبيق على مناخ أفريقيا ومناخ العالم العربي ،دار
املعرفة اجلامعية 5111،م ،ص ص.858-859
( )24محيدة (عبد الرمحان) ،جغرافية الوطن العربي ،ط ،5دار الفكر -دار الفكر املعاصر ،دمشق-بريوت5881،م ،ص.55
مدخل 11
وحول احلالة املناخية السائدة قدميا ذكر هريودوت خالل وصفه للمناطق الصحراوية
اجلنوبية أن "ال اثر لألمطار واملياه والرطوبة والنباتات والغابات هبذه املناطق القاحلة"( ،)25ومن
جهته وصف ديودور املنطقة املمتدة جنوب قورينائية بأهنا " أرض جرداء تنعدم فيها املياه
اجلارية ،وصحراؤها تظهر على شكل حبر ويعترب التوغل فيها مغامرة ،وال أثر فيها ال للطيور وال
للنباتات وال لشيء آخر يثري االنتباه ،وما وراء هذه املنطقة ال توجد إال الكثبان الرملية"(،)26
وهي نفس األوصاف اليت وصف هبا سرتابون الدواخل الليبية( ، )27أما بلني فقد اخربنا بدوره
عن تلك الرياح احلارة القادمة من اجلنوب خالل "مواسم الشمس"(.)28
وقد أكد اغزال أن مناخ املنطقة خالل الفرتة القدمية كان قريبا يف خصائصه من املناخ
احلايل ،حيث مييزه جفاف معتاد يف الصيف و أمطار متذبذبة( ،)29وهناك عدة قرائن تشري إىل
ذلك منها سباخ منطقة قسنطينة اليت تدل حدودها على أهنا مل تكن أوسع مما هي عليه اليوم،
كما أن اجلسور اليت أنشئت على عهد الرومان مل تشيد الجتياز أسرة أودية عريضة وال ملقاومة
تيارات مائية أقوى(.)30
)(25
Hérodote, CLXXXV.
)(26
Diodore de Sicile ,Histoire Universelle ,traduite en français par l’Abbé Terrasson ,
imprimerie de Quillau ,Paris 1737, livre III,LIV.
()27
Strabo , XVII , III.
)(28
Pline l’Ancien, XVIII,CCCXXIX.
)(29
Gsell (St.),H.A.A.N.,T.I, p99.
)(30
Gsell (St.), l’Algerie dans l’Antiquité, Typographie Adolphe Jourdan, Alger 1903,
p62.
12 مدخل
إن املناطق الشمالية اليت تشهد تساقطا كبريا مقارنة باملناطق اجلنوبية هي اليت تعرف
انتشارا للغابات اليت تغلب عليها أشجار دائمة االخضرار تتحمل جفاف فصل الصيف مثل
أشجار الصنوبر ذات األوراق اإلبرية وأشجار البلوط والفلني…اخل ،أما األشجار اليت تنفض
أوراقها يف فصل اخلريف فهي منتشرة على نطاق حمدود هبذه املنطقة ،إىل جانب ذلك تنمو يف
هذا النطاق األحراش ( )Maquisتتخللها أشجار قصرية متباعدة(.)31
والن درجة احلرارة هبذه املنطقة ال تقل عن درجة الصفر إال نادرا فان ذلك يسمح
بإقامة زراعة متنوعة وشبه دائمة لألشجار اليت ال حتتاج إىل ري مثل الزيتون والكروم والتني
وأشجار الفواكه اليت حتتاج إىل الري كاخلوخ واحلمضيات ...اخل ،أما زراعة احلبوب والشعري
فتتزامن مع فصل الشتاء املمطر ويسمح وجود فرتة حارة صيفا حبصد هذه احملاصيل(.)32
أما منطقة السهول العليا اليت ال تزيد كمية التساقط هبا عن 851مم سنويا فان
الغابات ختتفي فيها وتسود بدال منها األحراش واملراعي الواسعة ،ومن أهم نباتات هذا اإلقليم
احللفاء والسدرة والدرين والشيح...اخل ،أما الصحراء الواسعة فتسودها بعض النباتات القصرية
املقاومة للحرارة جبذورها الطويلة وأوراقها الشمعية وتركيبتها الشوكية وتنتشر أكثر على أسرة
األودية وبني األحجار لالستفادة من الظل(.)33
إن هذه النظرة الوجيزة تربز بان التباين وغياب التناسق هي الصفة اليت متيز اخلصائص
الطبيعية ألفريقيا الشمالية ( )36ويظهر هذا االختالف على األقل إذا قارنا خصائص الشمال
خبصائص اجلنوب ،ومن جهة أخري ،فإنه رغم اإلمكانيات الطبيعية املتنوعة اليت متيز مشال
أفريقيا إال انه جيب اإلقرار بان هناك بعض العوائق الطبيعية املعرقلة لالستغالل الزراعي والنشاط
البشري كاجلفاف الذي تشهده بعض املناطق خالل مواسم معينة وتذبذب املناخ وجفاف عدد
()32
طريح (عبد العزيز شرف) ،مرجع سابق ،ص ص.895-895
()33
حليمي(عبد القادر علي) ،مرجع سابق ،ص ص .98-91
()34
Hérodote , IV , CLXXVII.
()35
Ibid., IV , CLXIX .
( )36
Gsell (St.) , H.A.A.N. ,T. I, p 52.
14 مدخل
كبري من األودية صيفا خصوصا االودية الداخلية والصحراوية...اخل غري أن ذلك مل حيل دون
التوسع الزراعي يف الشمال وحنو اجلنوب كما سنبينه يف الفصول التالية.
الفصل األول:
الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
Iالبدايات األوىل للزراعة بأفريقيا.
IIIالزراعة القرطاجية.
تتجه خمتلف اآلراء إىل أن الفالحة بأفريقيا تكون قد ظهرت خالل النيوليثي
املتأخر( )38اعتمادا على ما وفرته املعطيات األثرية من أدوات فالحية مثل الكويرات احلجرية
املثقوبة و املناجل واملطاحن واملطارق والفؤوس...اخل .إال أن غابريال كامبس الذي درس خمتلف
( )37نيقوالي ايفانوفيتش فافيلوف ( )5848-5991(:)Nikolaï Ivanovitch Vavilovعامل نبات روسي حدد
مثانية مراكز ألصل النباتات املزروعة يف العامل ،منها مخسة مراكز رئيسية وثالثة ثانوية واعترب أن أفريقيا هبا مركزان :املركز
احلبشي(اإلثيويب) ومركز البحر املتوسط الذي يضم أفريقيا بصفة جزئية (مشال أفريقيا) انظر:
-Loskutov, Igor (G.),Vavilov and his institute,A history of the world collection of plant
genetic resources in Russia, International Plant Genetic Resources Institute
(R.I.P.G.R.I.), Rome, Italy1999,pp60-61.
()38
Despois(J.), La culture en terrasses dans l’Afrique du Nord , in : E.S.C ,11éme
Année, N°1,1956, pp49-50.
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 17
هذه األدوات احلجرية املستعملة يف الزراعة املكتشفة وناقش خمتلف آراء الباحثني بشأهنا( )39؛
تردد يف التسليم بان هذه األدوات ميكن أن تكون دليال على وجود فالحة افريقية حقيقية
معتربا أن "ذلك ال يسمح بتأكيد وجود زراعة يف الفرتة القفصية بل وحىت يف النيوليثي ،وكل ما
يف األمر هو جمرد ختمني( ")40أي أنه ال ميكن القول بوجود فالحة حقيقية إال بدالئل قوية
وواضحة كاكتشاف بذور مزروعات مثال.
ويبدو أن اآلراء اليت ترجع ظهور الزراعة بأفريقيا إىل الفرتة املمتدة ما بني هناية
النيوليثي وفرتة ارتياد البحارة الفينيقيني للسواحل األفريقية هو الرأي األكثر اعتداال بسبب
صعوبة إثبات وجودها – إىل حد اآلن -يف فرتات اسبق من هذه الفرتة نظرا لغياب أدلة
واضحة تثبت ذلك .وقد دلت بعض الرسومات الصخرية وأعمال التهيئة الزراعية على ممارسة
إنسان فجر التاريخ للزراعة ،ففي كهف األروية بالشافية(القالة) يظهر رسم شكل شبيه
مبحراث( ، )41ويف أوكاميدن ( )Oukaimedenباألطلس األعلى املغريب اكتشف مالوم
متثل فؤوسا وخناجر وسهاما ومشهد حرث يف ( )Malhommeرسومات
اعزيب'ن'إيكيس( )Azib n’Ikkisقام كامبس مبقارنتها بالرسومات املكتشفة جببل بيقو
( )Bégotالذي يقع على احلدود الفرنسية االيطالية وهي رسومات تعود إىل العصر الربونزي
األوريب األوسط مؤكدا وجود تطابق كبري بينهما ( ،)42والنتيجة هي انه إذا كان الذين نقشوا
رسوماهتم جببل بيقو رعاة ومزارعني فما املانع يف أن يكون الذين نقشوا رسوماهتم يف األطلس
األعلى املغريب رعاة ومزارعني أيضا؟
()39
كامبس (غابريال) ،في أصول بالد البربر :ماسينيسا أو بدايات التاريخ ،تعريب وحتقيق العريب عقون ،نشر
اجمللس األعلى للغة العربية ،اجلزائر 5151م ،ص .99
( )40نفسه ،ص.98
( )41ديزانج (جيهان) ،الرببر األصليون ،تاريخ إفريقيا العام ،اجمللد الثاين (حضارات إفريقيا القدمية) ،إشراف مجال خمتار،
نشر جني أفريك/اليونسكو 5895م ،ص.448؛ كامبس (غابريال) ،مرجع سابق ،ص ص .84-88
( )42نفسه ،ص ص.85-84
18 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
تظهر لنا الصور اجلوية امللتقطة اخلاصة بدوار تازبنت (جنوب غرب تبسة) آثار هتيئة
ذات طابع زراعي مل تعرف بالتحديد الفرتة الزمنية اليت تعود إليها ولكن األكيد أهنا سابقة
للفرتة الرومانية ( ،)43فهذه التهيئة تظهر قطعا أرضية صغرية املساحة ذات أشكال مربعة حماطة
بأسوار حمدودة االرتفاع للتكيف مع الواقع الطبغرايف واملناخ اجلاف الذي يسود املنطقة ،وما مييز
هذه التهيئة عن نظريهتا الرومانية أهنا ليست بالدقة اليت عرفت هبا عملية الكنرتة
( )Centuriationالرومانية.
أما النظرية اليت تعترب بان الزراعة يف أفريقيا الشمالية يعود الفضل فيها إىل الفينيقيني
فقد أثارت جدال واسعا وردود أفعال متباينة ،فالنصوص ختربنا أن القبائل الليبية اليت سبقت
وصول الفينيقيني أو اليت توطنت خارج اجملال القرطاجي فيما بعد كانت تعيش حالة من
اهلمجية ومل متارس الزراعة ،فقد أكد هريودوت بان القبائل من مصر إىل غاية حبرية الرتيتون
( )Lac Tritonكانت قبائل بدوية تتغذى على اللحوم وتشرب األلبان ( ،)44كما أكد
أبيان بان النوميدين كانوا يستهلكون النباتات الربية وجيهلون الزراعة( )45أما بوليب فيذكر أن
األغلبية كانوا جيهلون الثمار اليت تنتج من زراعة األرض وال يعيشون إال على حلوم احليوانات
( .)46وقد ظل الباحثون( )47ملدة طويلة متمسكني هبذه النظرية اليت بنوها انطالقا من هذه
النصوص رغم أهنا ال تعترب دليال كافيا إلصدار أحكام من هذا النوع.
()43
كامبس (غابريال) ،مرجع سابق ،ص ص .88-81
()44
Hérodote, IV , CLXXXVI .
()45
Appien , Punic, 106. D’après Lacroix(F.), Afrique Ancienne (procédés agricoles),
R.Af, Année 1870, p15.
()46
Polybe , Histoire Générale , traduit par Félix Bouchot , Adolphe Delahays libraire,
Paris 1847, livre XII , III.
()47
رفض الكروا الفكرة القائلة مبمارسة السكان األوائل ألفريقيا للزراعة قبل ظهور املستعمرات الفينيقية انظر:
Lacroix.(F),Op.Cit., pp12-13.؛ ومثله أكدت جان مازيل بان الفينيقيني هم الذين نقلوا الزراعة من الشرق
إىل الغرب انظر :مازيل(جان) ،تاريخ الحضارة الفينيقية الكنعانية ،ترمجة ربا اخلش ،تقدمي ومراجعة عبد اهلل احللو،
ط ،5دار احلوار ،سوريا 5889م ،ص .595وعلق حمفوظ قداش بأنه" من املعقول جدا أن يعلم القرطاجيون الرببر
الفالحة" انظر :قداش (حمفوظ) ،الجزائر في العصور القديمة ،ترمجة صاحل عباد ،املؤسسة الوطنية للكتاب،
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 19
واملالحظ أن البحوث احلديثة قد جتاوزت هذه النظرية ؛ فهذا اقزال يقول":إن أهايل
هذه املنطقة (الليبيون) مل ينتظروا جميء البحارة السوريني ملمارسة الرعي والزراعة"( ،)48يف حني
وصف جيهان ديزانج هذه النظرية بكوهنا "افرتاض جزايف غري مرتو"( .)49أما رينيي
( )L.Reynierفقد أكد أن الزراعة بشمال أفريقيا سابقة للوجود الفينيقي بالفعل ودليله على
ذلك هو بنية املؤسسات اليت يشار إليها بتسمية ليبيفينيقية (، )50()Lybophéniciens
بينما مل يرتدد البعض يف الدعوة صراحة إىل ضرورة جتاوز هذه النظرية القدمية (.)51
وردت أول إشارة إىل الزراعة الشمال أفريقية يف النصوص املصرية اليت تعود إىل األسرة
التاسعة عشر يف عهد الفرعون مرنبتاح واليت تذكر أن هذا الفرعون قد اخذ كل نبتة من حقول
الزعيم اللييب املهزوم ومل يعد هناك فوق أرض الليبو أي حقل صاحل إلعالة السكان وانه هنب
كل ما يف خمازن الزعيم اللييب من حبوب ( ،)52كما ظهر يف نص مصري آخر رسم لشجرة
زيتون أمامها تسمية حتنو(.)53
اجلزائر5888م ،ص . 58ومن جهتنا نعترب أن مثل هذه التأويالت تدخل يف سياق مدرسة تارخيية تعترب أن املشرق هو
أصل احلضارة ،وهو موضوع ينبغي مراجعته.
()48
Gsell (St) , H. A.A.N. ,T.I, p 239.
( )49ديزانج (جيهان) ،مرجع سابق ،ص.448
( )50يرى رينيي انه إذا مل يكن هناك مزارعون ليبيون فان الفينيقيني سينشئون مؤسساهتم دون االشرتاك مع األهايل الذين
كانوا بدوا وال تكون هناك أية نقطة اتصال بينهم وبالتايل سيكونون أعداء هلم ،ومبا أن األهايل كانوا مزارعني فقد حصل
تقارب بينهم .انظرReynier(L.) , De l’Economie publique et rurale des Egyptiens et des :
Carthaginois , J.J.Paschoud imprimeur-libraire ,Genéve-Paris 1823,p481.
()51
Boudribila (Mohamed-Mustapha), les anciens Amazighs avant les Phéniciens :
modes de vie et organisation sociale , Awal , N°29 ,2004 ,p22.
()52
عبد العليم(مصطفى كمال) ،دراسات في تاريخ ليبيا القديم ،املطبعة األهلية ،بنغازي 5899م ،ص.81؛
الربغوثي(عبد اللطيف حممود) ،التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح اإلسالمي ،ج ،5نسخة الكرتونية
أعدها للنشر تامغناست ،www.dzlib.com،ص.88
()53
Jaleaud (L.) , l’ancienneté de la fabrication de l’huile d’Olive dans l’Afrique du
عبد العليم(مصطفي كمال) ،مرجع سابق ،صNord , R.Af ,Année 1929,p35. ;.55
20 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
أما هريودوت فقد أطلق على املاكسي( )Maxyesالذين يسكنون وراء حبرية الرتيتون
أي غرهبا لقب "الليبيون املزارعون"( )54كما أشار إىل تواجد زراعة الكروم والزيتون يف جزر قرقنة
) )55((Cyraunisوأشاد كثريا خبصوبة األرض يف إقليم كينوبس ( )56( )Cinypsواعتربها
مماثلة يف خصوبتها إلقليم بابل وذكر أهنا تنتج يف املواسم اجليدة ثالمثائة ضعف ما بذر
منها( ،)57وباجلهات اجلنوبية ذكر بان النسامونيني يرحتلون صيفا إىل أوجلة ليجنوا البلح الذي
كان مثقال بثماره( ،)58وذكر أيضا أن القرامنت كانوا يكسون سطح األرض املاحلة(السباخ)
بطبقة من الرتبة اخلصبة ث يزرعوهنا ( )59وعلق كامبس بأنه حىت وان كان ما ورد يف هريودوت
مقتصر على عموميات إال انه حيق لنا أن نثق يف روايته الن ما ذكره قد أكدته املعطيات األثرية
واإلثنوغرافية(.)60
يذكر سالوست أن " :سكان أفريقيا األوائل هم جيتول وليبيون وهم أناس غالظ
ومتوحشون يتغذون على حلوم احليوانات وعلى النباتات الربية كالقطعان"( )61وأشار إىل أن
املناطق احمليطة بكابسا ( )Capsaخالل فرتة حرب يوغرطة هي مناطق جرداء وجافة (،)62
()54
Hérodote , IV ,CXCI .
()55
Ibid., IV , CXCV.
( )56إقليم الكينوبس :مسي نسبة إىل الوادي الذي يعربه ( )Cinypsوادي كعام حاليا ،الذي يصب يف البحر املتوسط
بالقرب من لبتيس ماغنا غربا ،ويغطي منطقة معروفة خبصوبتها ومناخها الرطب وتنوع اإلنتاج هبا ،انظرIbid.,pp90- :
91.
()57
Ibid., IV , CXCVIII .
()58
Ibid., IV , CLXXII.
()59
Ibid.,IV , CLXXXIII .
()60
كامبس(غابريال) ،مرجع سابق ،ص .84
()61
Salluste , XVIII.
()62
Ibid., LXXXIX.
وعلى حد قول السيدة هنريات كامبس فأن هذه املناطق اليت وصفها سالوست بأهنا جرداء وجافة هي اليت قدمت لنا اليوم
أكرب عدد من آثار معاصر الزيتون ،وميكن مالحظة آثار بساتني الزيتون فيها بكل سهولة وأرجعت السبب إىل التوسع
الروماين يف زراعة الزيتون باملنطقة بعد ذلك.انظر:
- Camps-Fabrer (Henriette),l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine , imprimerie
officiale , Alger ,1953, p9.
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 21
بينما وصف سرتابون الدواخل الليبية بأهنا صحراء حمجرة ورملية ،قاحلة وجافة( ، )63أما
بوليب فقد خالفهم الرأي ملا أشاد خبصوبة األرض األفريقية املدهشة وفند ادعاء تيمي
( )Timéeالذي جزم بان األرض األفريقية كلها رملية وجافة وغري منتجة ( ،)64و قد أشار
ديودور من جهته إىل وجود زراعة الزيتون جبهات تبسة ( )Hécatompyleحني ذكر بان
أهلها قد توجهوا إىل القائد القرطاجي حانون الذي اسر أبناءهم حاملني أغصان الزيتون طالبني
األمان متوسلني إليه بان يطلق سراح أبنائهم(.)65
إذا كان للفينيقيني تأثري وفضل كبري يف تطوير الزراعة يف مشال إفريقيا ( )66فذلك ال
ينفي أصالة الزراعة وقدمها يف املنطقة ،فزراعة قدماء األمازيغ للحبوب(القمح والشعري) قدمية
()67
وسابقة للوجود الفينيقي بكثري ؛ وقد اقرتح دوكاندول أن يكون القمح الصلب( Triticum
)Durumيف بالد الرببر ذا أصل حملي( .)68أما كامبس فقد الحظ أن مكانة القمح والشعري
عند قدماء األمازيغ تتفاوت من منطقة ألخرى ،ففي املناطق اجلبلية حيتل الشعري املكانة األوىل
نظرا لكون الرتبة هبا خفيفة ومناسبة لزراعته عكس املناطق السهلية اليت يأيت فيها القمح
الصلب يف املقام األول(.)69وقد أكد الوست أن األمازيغ ال يزرعون إال القمح الصلب وهو
مصنف عندهم يف املرتبة الثانية أو الثالثة بعد الشعري والسورغو(.)70
إن ما اتفق عليه اغلب املؤرخني سابقا من فضل كبري يوعزونه للفينيقيني يف توسيع
زراعة الزيتون خارج اجملال القرطاجي أصبح متجاوزا ،خاصة وانه اتضح أخريا أن الفضل ال
يعود إليهم يف إدخال زراعة هذه الشجرة إىل املنطقة ألهنا أقدم يف وجودها من وصوهلم إىل
()63
Strabo , XVII , III.
()64
Polybe , XII ,III.
()65
Diodore de Sicile , XXIV ,Extraits .
()66
انظر أدناه ص .89
()67
Gsell (St.) , H.A.A.N.,T.I, p 236.
()68
De Condole (Alph), Origine des plantes cultivées , 3éme édition ,Félix Algan
éditeur, Paris 1886, p289.
()69
كامبس(غابريال) ،مرجع سابق ،ص .515
()70
Laoust (E.), Mots et choses berbères, notes de linguistique et d’ethnographie
dialectes du Maroc, librairie maritime et coloniale , Paris 1920, p265.
22 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
السواحل األفريقية ،وإذا كان القائلون بالدور الفينيقي يف هذا اجملال يبنون آراءهم على االسم
السامي املتداول يف عموم أفريقيا للداللة على الزيتون املطعم "الزيتون" للداللة على الشجرة
و"الزيت" للداللة على املادة املستخرجة من مثار الشجرة ،فان اللغة األمازيغية ال تنقصها
التسميات الدالة و األصيلة غري املأخوذة من لغات أخري ،واحلال أن زراعة هذه الشجرة
ممارسة عريقة بشمال أفريقيا؛ فدراسة املواد والبقايا املتفحمة اجمللوبة من غيل ايالي
(51()Reliaiكلم جنوب غرب تليجان Tlidjéneمبنطقة تبسة) تكشف عن وجود الزيتون
الربي يف أفريقيا خالل الباليوليثي األعلى( .)71وقد أكد جولو ( )Jaleaudبان استغالل
األمازيغ لثمار شجرة الزيتون احمللية لصناعة الزيت قد بدأ يف أفريقيا خالل الفرتة املمهدة للعصر
النحاسي على األقل( ،)72كما أن هناك أمساء حملية واسعة االنتشار تطلق على هذه الشجرة
مثل آزمور( )Azemmourالذي يطلق على الزيتون املطعم وآزبوج (( )73()Zeboujانظر
أدناه الشكل( )5ص )58الذي يطلق على الزيتون الربي ،فاستعمال هذه املصطلحات من
طرف األمازيغ قدمي مما يدل على أن استغالل أشجار الزيتون بأفريقيا القدمية من طرف
السكان عريق وأصيل (.)74
ومن املعروف أن قدماء األمازيغ كانوا ميارسون التطعيم منذ القدمي بطريقة خمتلفة عن
تلك اليت مارسها الرومان فيما بعد( ،)75فقد اخربنا بلني يف هذا الشأن أن "تطعيم الزيتون
()71
Le Du(R.) et Saccardy (L.) ,étude de quelques charbons préhistoriques de la région
de Tébessa , R.Af , Année 1948 ,pp 111-119.
()72
Jaleaud (L.), Op. Cit.,p35.
( )73أثار أصل هذا االسم جدال بني الباحثني ؛ فقد الحظ البعض قربه من االسم االسباين ()Acebucheالذي له
نفس املعىن ،وبقي إشكال من نقله لآلخر مطروحا ،واجتهد آخرون يف نسبه إىل اللغة الالتينية واعتربوا أن الكلمة حمرفة
من الكلمة الالتينية ( )Acerbusوالكلمة األخرى ( )Aquifoliumويبدو أن املصطلح أمازيغي حملي خاصة وان
انتشاره واسع وصيغته األمازيغية واضحة لكن كامبس اعترب أن هذا املصطلح غريب عن اللغة األمازيغية دون أن يقدم
على ذلك دليال انظر :كامبس(غابريال) ،مرجع سابق ،ص .555
()74
Jaleaud(L) , Op.Cit., p30.
( )75الطريقة الرومانية تتمثل يف تطعيم الربعم( )la greffe en écussonوهي قطع مجيع أغصان الشجرة الربية وتثبيت
برعم جملوب من شجرة زراعية مطعمة يف حلاء وغشاء الشجرة الربية ومحايته بطالء وشده برباط انظر:
Pline l’Ancien ,XVII , XXVI.16 .
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 23
الربي ال ميارس إال يف أفريقيا"( )76ورجحت هنريات كامبس أن يكون القدماء قد مارسوا
التطعيم التاجي ( )La greffe en couronneالذي ال يزال ميارس إىل اليوم يف منطقة
القبائل( ،)77خاصة وانه ورد يف رحلة سيالكس( )Scylaxأن أهايل جزيرة جربة كانوا
يستخرجون الزيت من مثار الزيتون الربي ،ويستعملون يف ذلك الطريقة البدائية اليت تتمثل يف
سحق الثمار وتركها يف املاء حتت صخور كبرية حىت يطفو الزيت فوق املاء(.)78
أما فيما خيص الكروم فقد أكد دوكندول أهنا تنمو طبيعيا باجلزائر واملغرب( )79وهو
نفس االجتاه الذي سار عليه اقزال عندما أكد بأهنا تنمو على ح التها الربية يف بالد الرببر منذ
()76
Pline l’Ancien , XVII , XXX.
()77
Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine…Op.Cit.,p15.
()78
كامبس(غابريال) ،مرجع سابق ،ص.98
()79
De Condole (Alph.), Op.Cit.,pp151-152.
24 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
بدايات الزمن اجليولوجي الرابع( ،)80أما التني فان جل الكتابات التارخيية جتمع على أصوله
الشرقية واألمر الذي مازال خمتلفا فيه هو كيفية حتوله إىل الغرب اليت بقيت حمل جدال( ، )81و
يري اقزال( )82أن بعض أنواع التني املختلفة قد مت إحضارها إىل أفريقيا الشمالية من طرف
الفينيقيني وعنهم يكون األمازيغ قد أخذوا طريقة التأبري ( ،)83وهو الرأي الذي متسك به
باسي ( ،)84() Bassetأما كامبس فقد حتفظ من كون الفينيقيني هم من علم الرببر طريقة
التأبري وتساءل عن سبب التمسك هبذه اآلراء ونسب كل التقنيات الفالحية -حىت البسيطة
منها مثل التأبري الذي ميكن أن يتم بطريقة طبيعية -إىل األجانب وجتريد الرببر من أي
()85
مبادرة؟!
من النباتات اليت أكد العلماء أهنا خاصة بأفريقيا جند اللوز الرببري(( )86انظر أدناه
الشكل ( )5ص )55وهو شجر خاص باملنطقة يستخلص منه الزيت والصمغ ( ، )87وأكد
دوكندول أن اللوز من النباتات ذات األصل احمللى بكل من أفريقيا الشمالية وصقلية لكن
زراعته تعود إىل بضعة قرون فقط عكس أسيا الغربية واليونان اليت يظهر بان زراعته فيها تعود
()80
Gsell (St.) ,H.A.A.N., T.I, p166.
()81
عن موضوع التني وأصوله التارخيية راجع الدراسة :
- El Bouzidi (Said) ,le Figuier : Histoire ,rituel et symbolisme en Afrique du nord , in :
D.H.A , Volume 28 ,N°2,2002, pp 103-120.
()82
Gsell (St.),H.A.A.N , T.IV, p31.
( )83التأبري( : )la caprificationتتمثل العملية يف نقل مثار التني الربي إىل شجرة التني البستانية فتنتقل احلشرات
اليت تسكنها إىل مثار الشجرة املزروعة لوضع بيضها فتجلب معها لقاح األعضاء الذكرية للتني الربي اليت تقوم بإخصاهبا،
انظرGsell (St.),H.A.A.N , T.IV, p31,note n°2. :
()84
Basset (Henri) , les influences Puniques chez les Berbères ,R.Af ,Année 1921 ,p 348.
( )85كامبس(غابريال) ،مرجع سابق ،ص ص.551-559
()86
اللوز الرببري يعرف بشجر األرقان( )Arganierامسه العلمي ( )Argania spinosaمن عائلة ()Sapotaceae
وهو شجر متوطن يف منطقة السوس جنويب املغرب وكذا يف منطقة تندوف باجلزائر ،انظر:
-El Alaoui (Narjys), L’Arganier,RAM Magazine(sept-oct),Casablanca 2001,pp24 et78-
80.
( )87بورتري(روالن) و بارو(جاك) ،بداية التقنيات الفالحية وتطورها وانتشارها ،تاريخ إفريقيا العام ،اجمللد األول
(املنهجية وعصر ما قبل التاريخ يف إفريقيا) ،إشراف ج.كي -زيربو ،جان أفريك/اليونسكو5898،م ،ص.114
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 25
إىل ما قبل التاريخ ( .)88أما فيما يتعلق بالبقول واخلضروات كالفول والعدس واحلمص...اخل
فان الباحثني قد أكدوا قدم معرفة األمازيغ هلا استنادا إىل األمساء األمازيغية لبعضها وما
جادت به األحباث األثرية اليت كشفت عن الفول املصري( )Féverolesمثال يف عدة مناطق
من مشال أفريقيا( .)89كما اخربنا هريودوت أن اللوتوفاجيني( )Lotophagesكانوا يتغذون
من اللوتس ( )Lotusوأهنم كانوا يستخلصون منه نوعا من النبيذ(.)90
()88
De Condole (Alph.),Op. Cit. ,p175.
( )89كامبس(غابريال) ،مرجع سابق ،ص ص.511-515
( )90حسب هريودوت فان هذا النبات ينمو جبهة قورين وغرهبا على امتداد املنطقة الساحلية بني السريت وحبرية الرتيتون،
وهو نبات شوكي ،مثره يشبه التمر يف رطوبته ،ولعل االفراط يف استهالكه من طرف اللوتوفاجيني هو الذي جعل هريودوت
يدعوهم بذلك ،انظرHérodote , IV , CLXXVII. :
26 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
الشكل ( :)2مشهد حرث باستعمال محراث تقليدي( منطقة شمال غرب سطيف).
()91
ديزانج (جيهان) ،مرجع سابق ،ص.448؛ كامبس(غابريال) ،مرجع سابق ،ص ص .555-511
()92
حارش(حممد اهلادي) ،التاريخ املغاريب القدمي ...مرجع سابق ،ص.558
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 27
وإثراء ملا أخربتنا به النصوص وما كشفت عنه احلفريات األثرية والرسوم الصخرية ،
فان الباحثني اعتمدوا على الدراسات اللغوية لدعم فكرة أصالة الفالحة األفريقية وذلك من
خالل أمساء النباتات والثمار يف اللغة األمازيغية باإلضافة إىل حتديد جماهلا اجلغرايف وفق ما يبينه
اجلدول التايل:
اسم عام عند األمازيغ يستعمل من واحة سيوة إىل جزر إرذن ()Irden القمح الصلب
الكناري مع اختالف طفيف يف نطقه من جهة ألخرى ومفرده إرذ ()Ired
.irdèn,iardèn,ihden,irisèn,irdayen, tirdent
يطلق من واحة سيوة إىل جزر الكناري. ثيمزين ()Timzin الشعري
السورغو األسود ت فسوت ( )Tafsutحبوب ثانوية عند أمازيغ الشمال ولكنها مفضلة عند طوارق
( )Illanالصحراء وقوا نش ( )Gunanchesجزر الكناري على القمح إلن
Sorgho (
)noir
إن لي ( )Inelliوالشعري وهي بعيدة عن املصطلح الالتيين(.)milium
يستعمل عند مجيع األمازيغ للداللة على بذور احلبوب. إمندي ()Imendi بذور احلبوب
28 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
يطلق من طرف األمازيغ للداللة على الزيتون املطعم ماعدا يف آزمور()Azemmur الزيتون
األطلس األعلى أين يطلق على الزيتون الربي.
( )Zitounأمساء سامية تطلق على شجرة الزيتون واملادة املستخرجة من زيتون
مثارها ماعدا يف طرابلس وعند الطوارق ( Jaleaud (L.), ()Zit وزيت
.)Op.Cit. ,p30.
كلمة دالة على الزيتون الربي يف الريف ومنطقة القبائل واألوراس آزبوج ()Zebouj
والفزان.
اسم يطلقه الطوارق على الزيتون الربي و هو قريب من املصطلح ()Aleo أليو
) ( (oleaكامبس (غابريال) ،مرجع اإلغريقي )( elaiaوالالتيين
سابق ،ص ص.).559-558
تطلق هذه التسمية عند أمازيغ التل أما الطوارق والقوانش ()Azar أزار التني
فيسمونه ب :أهار( )Aharومؤنثها تاهارت .ويطلق عليها
سكان املغرب االقصى عدة تسميات هي تازارث
karmous ,takhrifa ,l’araoula Bacor,،Tazarth
( El Boozidi (Said), ويظهر جليا بان بعضها عريب
.)Op.Cit.,p111.
األمازيغ ( De Condole اللوز حيمل امسا عربيا عند مجيع تالوزت()Talouzet اللوز
.)(Alph.), Op.Cit., p175.
( )Ikikerيطلق من طرف سكان جنوب املغرب ومشتق من املصطلح إكيكر احلمص
الالتيين(.)Cicer
يطلق من واحة سيوة إىل املغرب ونفي الباحثون أن يكون له إباون ()Ibaun الفول
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 29
تيسكرث ( )Tiskertعند كل األمازيغ وقد أكد دوكندول أن هذه التسمية خمتلفة الثوم
متاما عن اللغات األخرى ( De Condole (Alph.), Op.Cit., تيسرث ()Tissert
.)pp50-52.
إن األمر املالحظ من خالل اجلدول هو أن هذه األمساء أمازيغية وال عالقة هلا بلغات
أخري ،واملالحظ أيضا هو االنتشار الواسع يف استعمال هذه التسميات عند األمازيغ فاغلبها
ال ختتص مبنطقة معينة بل هناك تسميات تستعمل حىت خارج املنطقة يف غرب مصر ويف
الصحراء الواسعة وجزر الكناري ،فاألصول احمللية األمازيغية هلذه التسميات وكذا انتشارها
الواسع بني الشعوب األمازيغية هو الذي جعل الباحثني يقرون اليوم بقدم الزراعة لدى سكان
مشال أفريقيا.
إن هذه الدالئل ال تدع اجملال ألي شك يف شأن قدم وعراقة النشاط الزراعي يف
أفريقيا القدمية؛ فاملشاهد اليت نقشت على الصخور واستعمال اجملرفة واحملراث والتحكم يف
التقنيات الفالحية املختلفة باإلضافة إىل الوجود القدمي للمنشآت املائية وأعمال التهيئة
األخرى على بساطتها وكذا وجود تسميات أمازيغية هلذه املواد الفالحية ...كل هذه اإلثباتات
شواهد قوية على قدم الزراعة باملنطقة وتأريخ حلضارة زراعية ريفية بربرية باكرة.
بدأ االستيطان اإلغريقي يف سواحل برقة منذ القرن الثامن قبل امليالد ،فقد نزح أهايل
جزيرة ثريا ( )Theraيف البداية إىل جزيرة بالتيا (( )Palatéaانظر اخلريطة ( )4أدناه
ص )85أين أقاموا فيها مدة منتظرين انتقاهلم إىل الرب األفريقي ،فإذا كانت اهلجرات األوىل
30 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
تتسم بالفردية وقلة عدد املهاجرين فإهنا اكتست طابعا تنظيميا فيما بعد خاصة بعد النداء
الذي وجهه باتوس الثاين والذي أقدم على توطني جاليات إغريقية جديدة قادمة من املدن
اليونانية على أراضي الليبيني ،ومع مرور الوقت وزيادة عدد األفراد املهاجرين سيطر اإلغريق
على أخصب األراضي باملنطقة و اليت كانت قبل ذلك ملكا للقبائل الليبية احمللية.
اخربنا هريودوت عن أسطورة تأسيس قورين وشخصية باتوس املتلعثم الذي تسبب يف
غضب اآلهلة بعد أن رفض االستجابة لطلبها املتمثل يف إنشاء مستعمرة جديدة بليبيا ،
فتسبب هذا الرفض يف حدوث جفاف مس جزيرة ثريا مدة طويلة أهنك أهلها ما جعلهم
يفكرون يف تنفيذ هذا األمر(.)93
حىت لو سلمنا بدور هذا الدافع الديين االعتقادي رغم أحداثه األسطورية يف تأسيس
مستعمرة قورين ،فان الدافع االقتصادي يظهر بوضوح ؛ فالقحط الذي أصاب هذه اجلزيرة
جعل من سكاهنا يفكرون يف اهلجرة ،وقد اتفق معظم الباحثني على أن االستيطان اإلغريقي
بقورينائية هو "استيطان زراعي" مت بدافع البحث عن األراضي الصاحلة للزراعة واليت تفتقد
إليها جزيرة ثريا ( ،)94وما لبث هؤالء املعمرون الوافدون أن استقروا يف املناطق الصاحلة للزراعة
ومل يبقوا لليبيني سوى على مناطق السهوب اجلرداء اليت أرغم هؤالء إىل النزوح إليها(.)95
( )93نقال عن :عقون (حممد العريب) ،االقتصاد والمجتمع في الشمال األفريقي القديم ،نشر دار اهلدى ،عني مليلة،
اجلزائر 5119م ،ص ص .91-95
()94
شامو(فرنسوا) ،في تاريخ ليبيا القديم :اإلغريق في برقة األسطورة والتاريخ ،ترمجة وتقدمي حممد عبد الكرمي
الوايف ،ط ،5منشورات جامعة قار يونس ،بنغازي ،5881ص.515
( )95نفسه ،ص .599
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 31
لقد جمد هريودوت ثراء منطقة قورين( )96وأشاد خبصوبة األرض السوداء اليت يتميز
هبا إقليم الكينوبس ( )Cinypsفاألرض كما يقول ال خشية عليها من اجلفاف وال من
الفيضانات ،وأشاد كذلك مبردودية ارض إقليم يوسبرييدس ( le teretoire de les
)Evespéritesاليت تغل كل عام مائة ضعف ما بذر فيها إال أهنا اقل من اإلقليم األول
الذي ينتج ثالثة أضعاف من ذلك(.)97
وعن إقليم قورين دائما حيدثنا هريودوت عن نظام دورة زراعية عجيبة ( )98تدوم فيها
فرتة جين احملاصيل مثانية أشهر يف السنة ،حبيث تسبب التفاوت يف االرتفاع يف تباعد مواسم
جين احملاصيل بني املنطقة احملاذية للساحل واملنطقة الوسطي املوازية له( منطقة التالل) واملناطق
العليا اجلبلية ؛ فال تكاد تنتهي حماصيل منطقة ما حىت تنضج يف األخرى ،ووصف شامو هذه
الرواية بأهنا رواية صادقة وان ما جاء به هريودوت مطابق للحقيقة متاما ،ويضيف الباحث انه
قد شاهد بنفسه هذه الظاهرة أواخر يناير 5849م(.)99
وعن خصائص اإلنتاج الزراعي باإلقليم حتدث القدامى عن نوعني من املظاهر خالل
القرن الرابع ق.م ؛ جهة مفتوحة على السهول العليا تنتج احلبوب وميارس فيها الرعي وجهة
أخرى خاصة بزراعة األشجار املثمرة على رأسها الزيتون ،ورغم أن السهول العليا أكثر عرضة
للجفاف والرياح اجلنوبية إال أن انتشار زراعة احلبوب فيها كان واسعا (( )100انظر املنطقة B
على اخلريطة ()5أدناه ص.)85
( )96حسب البعض فان تسمية قورين أطلقت على املنطقة من طرف املستوطنني اإلغريق وتعىن " املكان الذي ينمو فيه
نبات القورا بكثرة" والقورا هو نبات الزنبق الربي واملقطع األخري "ايين" الزمة خاصة بأمساء النباتات أو احليوانات أو
الرتبة ،انظر :شامو(فرنسوا) ،مرجع سابق ،ص.551
()97
Hérodote, IV , CXCVIII.
()98
Ibid., IV , CXCIX .
()99
شامو (فرنسوا) ،مرجع سابق ،ص ص.591-599
()100
Laronde(A.) , la vie agricole en Libye jusqu'à l’arrivée des Arabes , libyan studies
20, edeted by D.J.Mattingly and J.A.Lloyd , 1989 , p131.
32 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
أدي احتكار األراضي من طرف املعمرين اإلغريق إىل ظهور إقطاعيات زراعية يف
خمتلف املناطق ،حبيث يشيد داخل كل إقطاعية حصن حيتمي داخله اإلقطاعي اإلغريقي عند
الضرورة و يتحول يف موسم األمن والثراء إىل خمزن للمحاصيل ،كما أن لكل إقطاعية زراعية
جهازها اإلداري وقضاهتا ومجعيتها وكهنتها ،يتعاونون على تسيري شؤون اإلقطاعية واالستثمار
األمثل ألرضها اخلصبة ( ،)101فحىت وان مل تصلنا أخبار عن وضعية السكان الليبيني احملليني
وعن النظم االقتصادية السائدة خالل تلك الفرتة إال انه دون شك كان لليبيني دورهم
كمزارعني وأجراء يف األراضي االحتكارية اخلاصة بامللك والطبقة اإلقطاعية ،وميكن حىت أن
نتصور وجود طبقة من الفالحني الليبيني املالك إىل جانب العاملني لدي اإلغريق(.)102
كان من نتائج سياسة االحتكار و االستيالء على األراضي اخلصبة من طرف اإلغريق
أن دفع املالك األصليون الليبيون جنوبا حنو منطقة السهوب اجلافة والصحراء أين مارسوا نشاط
الرعي واضطروا الستصالح األراضي البور وابتكروا طرقا جديدة الستغالهلا ؛ فهريودوت اخربنا
أن القرامنتيني ( )Gramantesكانوا يغطون الرتبة املاحلة للسبخات بطبقة من الرتبة اخلصبة
ليتمكنوا من استزراعها( ،)103كما استغلوا مياه العيون واآلبار لري مزروعاهتم ،واستخدم
القرامنت كذلك وسائل بدائية حلرث أراضيهم ( .)104ونشري إىل أن األهايل الليبيون مل يكتفوا
بالنزوح جنوبا دون أن يقاوموا هذه السياسة ؛ فقد قامت القبائل الليبية بعدة ثورات ضد
اإلغريق بل واستعانوا حىت جبرياهنم املصريني ملواجهتهم(.)105
()101
شامو(فرنسوا) ،مرجع سابق ،ص .514
()102
عبد العليم (مصطفى كمال) ،مرجع سابق ،ص.11
()103
Hérodote ,IV , CLXXXIII .
()104
دراز (امحد عبد احلليم) ،مصر وليبيا فيما بين القرن السابع والقرن الرابع ق.م ،نشر موقع تاوالت الثقايف،
، http://www.tawalt.com/ص ص .558-559
( )105عن الثورات اليت قامت هبا القبائل الليبية ضد اإلغريق يراجع:
- Masson (Olivier) ,Grecs et Libyens en Cyrénaïque,d’après les témoignages de
l’épigraphie, in : Ant.Af, T.10,1976, pp 49-52.
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 33
تنوعت الزراعة اليت أقامها اإلغريق بقورينائية وانتشرت على السهول الساحلية ومنطقة
التالل وخاصة يف مناطق الوديان أين شهدت على ذلك السدود الصغرية اليت اكتشفت يف
جماري الوديان واليت بنيت للسيطرة على املياه وتثبيت الرتبة ( ،)106وكانت األرض الليبية تنتج
إنتاجا وفريا ومتنوعا فقد أكد هريودوت على أمهية إنتاج القمح وانتشار زراعته باملنطقة (،)107
كما دل لوح اإلمدادات باحلبوب الذي عثر عليه بقورينائية على وفرة إنتاجه ،فالنقيشة
أشارت إىل أن قورين أمدت مدنا إغريقية عانت من اجملاعة بكميات كبرية من احلبوب بلغت
مثامنائة ومخسة آالف مكيال إغريقي( ، )108والشك أن هذا مل يكن إال جزءا بسيطا من
اإلنتاج دون احتساب االستهالك احمللي والكميات املخزنة واملوجهة حنو األسواق.
كما أكد القدامى على تواجد أشجار الزيتون بقورينائية منذ أكثر من ثالثة قرون
قبل امليالد وأشادوا بوفرة الزيت باملنطقة ( )109وقد حتدثت قوائم املنتجات الزراعية اليت حدد
املدبرون الزراعيون أسعارها عن اللوز والتني باإلضافة إىل الزيت ،وورد ذكر لثالثة أنواع من
العنب يف سجالت املدبرين املاليني الذين كانوا يشرفون على أوقاف معابد قورين الزراعية :
عنب املائدة الطازج والعنب األسود الذي تصنع منه اخلمور والعنب الذي يصنع منه
الزبيب(.)110
ويستخرج منه عصري لذيذ ويستعمل يف الطبخ كنوع من اخلضروات والتوابل باإلضافة إىل انه
تستخرج منه مادة صمغية قوية الرائحة تستعمل للتداوي قدميا( ،)112وقد أشار هريودوت إىل
أن هذا النبات ينمو ابتداء من جزيرة بالتيا ( )Plateaإىل غاية حدود السريت ( ،)113وقد
اخربنا سرتابون أن القرطاجيني يبدلون اخلمر بالسلفيوم الذي يهربه أناس من قورينائية مبنطقة
شاراكس ( )Charaxبالسريت الكبري ( ،)114وقد حافظ هذا الرتياق على قيمته خالل
العصر الروماين وكانت جتارته ختضع للوائح صارمة ،ولكن هذا النبات انقرض هنائيا أواخر
العهد الروماين وترجع أسباب ذلك حسب شامو إىل ممارسة الرعي املكثف مبناطق منوه
واستنزافه من طرف صيادي السلفيوم الذين يتنافسون على عصارته باإلضافة إىل التوسع
الزراعي الذي شهدته املنطقة خاصة خالل العصر الروماين(.)115
مما سبق يظهر بان االستيطان اإلغريقي بقورينائية قد جنح إىل حد كبري يف حتقيق
أهدافه االقتصادية املتمثلة يف استغالل املوارد خاصة منها اإلمكانيات الزراعية الكبرية اليت يتميز
هبا اإلقليم ؛ حيث احتكرت الطبقة احلاكمة كل مصادر الثروة بدءا باحتكار األراضي الزراعية
إيل احتكار جتارة نبات السلفيوم ،وعملت على تغطية عجز املدن اإلغريقية بتموينها خبريات
أفريقيا خاصة يف املراحل اليت عانت اليونان فيها من أزمات وجماعات.
()112
صفر(امحد) ،مدنية المغرب العربي في التاريخ ،ج ، 5دار النشر بوسالمة ،تونس5898م ،ص.51
()113
Hérodote, IV , CLXIX .
()114
Strabo , XVII ,III ,20.
( )115شامو(فرنسوا) ،مرجع سابق ،ص ص .851-859وقد اهتم شامو بالدراسة والبحث عن هذا النبات "اللغز"
حيث خصص الفصل األخري من دراسته(احلادي عشر) لدراسة هذا النبات (انظر :ص ص .)885-811كما قام
مرتجم دراسته األستاذ حممد عبد الكرمي الوايف برتمجة دراسة أخرى لنفس الباحث حول نفس املوضوع منشورة سنة
5895م بلندن يف مصنف مجاعي حتت عنوان( ( )Cyrenaica Antiquityانظر امللحق 5من الكتاب ص ص
.)858-888
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 35
-IIIالزراعة القرطاجية:
حىت ولو كان اجملتمع القرطاجي مياال بطبعه إىل البحر والتجارة وتأسيس املستعمرات
إال أن ذلك مل يصرفه عن ممارسة النشاطات االقتصادية األخرى ،فقد أمجع املؤرخون على
اهتمام القرطاجيني وبراعتهم يف ممارسة التجارة ،ولكن ذلك ال ينبغي أن يفهم منه إمهال
الزراعة ؛ فقد كان القرطاجيون مشدودين إىل األرض اليت زرعوها وطوروا أساليب استغالهلا
وأحسنوا استثمارها ،فباإلضافة إىل التجارة كانت األرض هي األخرى مصدرا لثراء القرطاجيني
خصوصا يف املراحل األخرية من تارخيهم بل و بالغ البعض كثريا عندما أكدوا بان الزراعة
كانت عند القرطاجيني أكثر اهتماما وشرفا من التجارة(.)116
ساد االعتقاد عند املؤرخني والباحثني لفرتة طويلة بان الفينيقيني هم الذين نقلوا
الزراعة وأساليبها من الشرق إىل الغرب ،لكن البحوث احلديثة قد جتاوزت هذه النظرية
القدمية( ، )117وال جيب من جهة أخرى أن هنمل الدور الذي لعبه القرطاجيون يف تطوير
الزراعة بشمال أفريقيا ،ولعل اإلضافة القرطاجية يف هذا اجملال تكمن أساسا يف تطوير تقنيات
اإلنتاج و تنويع الزراعة وتكثيف االستغالل ( .)118فإذا كان معظم الباحثني ينكرون فضل
الفينيقيني يف إدخال زراعة بعض األنواع إىل املنطقة كزراعة الزيتون والكروم ؛ فإهنم قد ابدوا
من جهة أخرى تقبلهم هلذا الفضل فيما يتعلق بزراعة الرمان الذي ذكر بلني بان زراعته منتشرة
بكثرة حول قرطاج وأشاد جبودة األنواع اليت تغرس بقرطاج ( ،)119وهو معروف بتسمية التفاح
البوين( ) Malum Punicumوقد حافظ على هذه التسمية خالل العهد الروماين ،ورجح
دوكندول أن يكون ذا أصل شرقي حبيث يرى انه من احملتمل جدا أن يكون الفينيقيون هم
()116
Lacroix (F.) , Afrique Ancienne (procédés agricoles) , R.Af , Année 1870 , p13.
()117
انظر أعاله ص.58
()118
رستوقتزف (م ، ).تاريخ اإلمبراطورية الرومانية االجتماعي واالقتصادي ،ج( 5املنت) ،ترمجة ومراجعة زكي على
وحممد سليم سامل ،مكتبة النهضة املصرية ،القاهرة 5851م ،ص .58؛ بورونية (الشاذيل)و الطاهر (حممد) ،قرطاج
البونية :تاريخ حضارة ،مركز النشر اجلامعي ،تونس 5888م ،ص.558
()119
Pline l’Ancien ,XIII , XXXIV .
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 37
الذين نقلوه إىل قرطاج ومن املمكن أن يكون مزروعا مثل مصر( ، )120أما التني فان اقزال يري
أن الفينيقيني يكونون هم الذين نقلوا بعض أنواعه إىل أفريقيا الشمالية(.)121
لقد عرف الكتاب القدامى أفريقيا من خالل إقليم قرطاج ،ونرى أهنم وهم يصفون
ازدهار ذلك اإلقليم إمنا يصفون ازدهارا ال يد ألشفاط قرطاج فيه ،بل إن ساكنة اإلقليم
األصلني الذين يعرب عنهم باسم الليبيفينيقيني أي رعايا قرطاج من الليبيني (قدماء األمازيغ) هم
من كانوا يقومون بكل األنشطة الفالحية وهم الذين ظلوا يزودون قرطاج مبا حتتاج إليه من مؤن
على امتداد قرون ،وإذا كان هؤالء قد أشادوا بالثراء الزراعي الذي عرفته قرطاج واألقاليم
()120
De Condole (Alph.), Op.Cit., p191.
()121
Gsell (St.) , H.A.A.N., T. IV, p31.
38 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
اجملاورة هلا من خصوبة يف الرتبة وتنوع يف احملاصيل واستعمال ألساليب علمية يف الزراعة ،فإهنم
يف واقع األمر إمنا يشيدون بنشاط أولئك الليبيفينيقيني ،وهذا ما ينبغي أن نعرفه وأن نستنتجه
من القراءة بني السطور ،فهذا ديودور الصقلي يتحدث عن إعجاب
اغاثوكليس( )Agathoclesوجنوده باالزدهار الزراعي الذي الحظوه يف طريقهم إىل قرطاجة
بعد نزوهلم يف شبه جزيرة رأس الطيب أواخر القرن الرابع قبل امليالد ؛ فقد كانت األرض
حسب ديودور رائعة اخلصوبة وكثرية اإلنتاج واملياه تنساب بني احلقول واملزروعات بوفرة
واحملاصيل متنوعة ومنتشرة يف مجيع األرجاء خاصة منها الكروم والزيتون ،فقد كانت األرض
تفيض باخلريات وتتدفق منها احملاصيل على تباين أنواعها ( ، )122وهو نفس الثراء واالزدهار
الذي عرفته أفريقيا بعد ذلك حبوايل نصف قرن أثناء محلة ريقولوس(.)123()Régulus
وكانت قرطاج حماطة بالبساتني واحلدائق اليت تنتج البقول واخلضروات ،بينما متيزت
املناطق الساحلية اليت سيطر عليها القرطاجيون ومشال شبه جزيرة رأس بونة( )124بالتوسع يف
إنتاج خمتلف احملاصيل خاصة منها الزيتون والكروم ،وقد وسعت قرطاج ملكياهتا على حساب
جرياهنا وشهدت الطبقة االرستقراطية تنافسا حول امتالك أراض زراعية جديدة ،وتوسع
القرطاجيون حىت وصلوا إىل مدينة تبسة وأخضعوها للجزية خالل احلرب البونية األوىل(، )125
ولكن التوسع احلقيقي يف األراضي األفريقية مت بعد معاهدة سنة 515ق م بني قرطاج وروما ؛
فعندما استحال على القرطاجيني أن يبقوا جتارهتم اخلارجية واسعة ومزدهرة كما كانت من قبل
انصرفوا إىل تنمية املصادر الطبيعية الداخلية اليت يتميز هبا إقليمهم ،فحسب الرواية اليت نقلها
لنا املؤرخ أوريليوس فيكتور ( ) Aurellus Victorفان القائد القرطاجي هانيبال قد وجه
()122
Diodore de Sicile , XX ,I , 752.
()123
Polybe , I , XXX et XXXVI.
()124
ميادان (مادلني هورس) ،تاريخ قرطاج ،ترمجة إبراهيم بالش ،ط ،5منشورات عويدات ،بريوت-باريس
5895م ،ص .58
()125
شنييت (حممد البشري) ،أضواء على تاريخ الجزائر القديم(بحوث ودراسات) ،دار احلكمة ،اجلزائر 5118م،
ص.44
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 39
جنوده الستصالح األراضي وغراسة أشجار الزيتون بعد هذه املعاهدة خشية منه من اخلطر
الذي قد تشكله بطالتهم على الدولة القرطاجية(.)126
أشاد بلني باخلصوبة النادرة للرتبة جبهة املزاق ( )Byzaciumفقد كانت مردودية
احلبوب فيها تعادل مائة للواحدة ( )127ويقول يف موضع آخر" :إن ارض بيزاكيوم بأفريقيا
خصبة إىل درجة أهنا تنتج مائة ومخسني للواحدة ،وال يستطيع احملراث اخرتاقها يف مواسم
اجلفاف لكن عند هطول األمطار فان محارا هزيال جير السكة مع عجوز ضعيفة جيعل الرتبة
تتفتت بسهولة"( .)128وما شكل دليال آخر على الثراء والتنوع الزراعي القرطاجي حىت ولو كان
بطريقة غري مباشرة هو ما وصل إلينا من فقرات من موسوعة ماغون الفالحية( )129اليت دلت
على تنوع زراعي وفالحي واستعمال أساليب علمية يف الزراعة وحىت نصائح يف كيفية تسيري
املرافق الزراعية ،فما ورد يف هذه املوسوعة دون شك مستنبط من الطبيعة األفريقية ووصف
()126
ديكرييه (فرنسوا) ،قرطاجة أو إمبراطورية البحر ،ترمجة عزالدين امحد عزو ،مراجعة وحتقيق عبد اهلل احللو ،
ط ،5األهايل للنشر والتوزيع ،دمشق 5889م ،ص ص .81-89
()127
Pline l’Ancien , V, III.4.
()128
Ibid., XVII , III.5.
( )129ماغون القرطاجي(( :)Magon le Carthaginoisالقرنان IIIو IIق.م) نشر كتابا عرف باسم الفالحة
األفريقية يف مثان وعشرين جزءا دون فيه كل اخلربات الفالحية اليت استخلصها من جتواله يف األرياف األفريقية واحتكاكه
بالفالحني يف تلك األرياف ،مل يصلنا شيء من كتابه هذا الذي ترجم إىل اللغة الالتينية واإلغريقية سوى بعض اإلشارات
يف أعمال بلني وفارون وكلومال ،انظر ،) http://fr.wikipedia.org/wiki/Magon_le_Carthaginois(:ولقد
تركت هذه املوسوعة الفالحية أثرا بالغا على الفالحة خالل العصور القدمية ،حيث كان هلا دور كبري يف تطوير الفالحة
خاصة يف العهد الروماين ،حيث تفطن جملس الشيوخ الروماين بعد غزو قرطاج إىل أمهيتها فأمر باالحتفاظ هبا والعناية
برتمجتها ،لكن ولسوء احلظ مل يصلنا من هذه املوسوعة إال بعض الفقرات اليت اقتبسها الكتاب القدامى منها واليت تدور
مواضيعها حول تربية املواشي وكيفية زرع بعض األنواع باإلضافة إىل نصائح عامة حول االستغالل الزراعي ،ولقد أثارت
شخصية ماغون جدال بني الباحثني واملؤرخني فبلني قد اعتربه جنراال( ،)Pline l’Ancien, XVIII ,V.وتبدو مسألة
التحقق من هذا االسم صعبة للغاية نظرا لوجود عدة جنراالت بنفس االسم تعاقبوا على قيادة اجليش القرطاجي ،غري أن
ما ال جدال فيه هي الشهرة الكبرية اليت اكتسبها ماغون وكتابه ،فقد أكد فارون أن شهرته قد فاقت شهرة كل الكتاب
اإلغريق الذين كتبوا يف نفس اجملال ،أما كلوميل فقد دعا إىل اعتباره"أبا للعلوم الريفية" ،انظرGsell (St.) , :
H.A.A.N., T.IV , pp4-5.
40 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
لألوضاع الزراعية السائدة ونقل للخربات األفريقية يف هذا اجملال واليت ميكن أن نعتربها مقياسا
لطبيعة النشاط الزراعي الذي كان لدي القرطاجيني ،وهذا االزدهار والتطور الذي بلغته قرطاج
يف هذا اجملال هو الذي جعل من أعدائها الرومان يرمقوهنا بعني الغرية واحلسد ،حيث تزعم
كاتون( )130العضو مبجلس الشيوخ الروماين الفئة اليت تدعو إىل تدمريها والقضاء على منافستها
لروما.
إن عملية ضبط األمالك يف املناطق األفريقية اخلاضعة لقرطاج صعبة للغاية ولكن ما
ال شك فيه أن الطبقة االرستقراطية القرطاجية كانت حتتكر نسبة كبرية منها ( ،)131حيث
تشيد وسط هذه امللكيات بيوت ريفية متقنة الصنع تعكس ثراء مالكها حسبما اخربنا به
ديودور الصقلي ( ،)132وكانت هذه الطبقة الغنية من أعيان قرطاج حتتكر الوظائف االقتصادية
بقرطاج باإلضافة إىل اهتمامها بالزراعة يف األرياف وهو ما اضر بالزراعة حسب ماغون الذي
نصح " كل من يبتغي شراء ارض بالريف عليه أن يبيع مسكنه باملدينة حىت ال يفضل طيب
املقام يف املدينة على الريف( .")133وعن طبيعة هذه امللكيات ومقدار مساحتها يرى اقزال بأنه
حىت ولو ورد يف النصوص ذكر لوجود ملكيات يف أيدي الطبقة االرستقراطية يف الشمال
الشرقي من تونس إال أن وضعيتها تبقي جمهولة واستبعد بان تكون هذه املستثمرات أكثر
اتساعا من مستثمرات العهد الروماين(.)134
افرتض الباحثون أن يكون قدماء األمازيغ الذين انتزعت منهم األراضي هم الذين
كانوا يعملون باألرض سواء كعمال مسخرين أو كأجراء يوميني أو رقيقا والذين كانت
( )130كاتون الكبري(548-584( :)Caton l’Ancien ou le Censeurق.م) كاتب روماين معاصر ملاغون
القرطاجي نشر عددا من األعمال أمهها كتاب الفالحة ( )De Agri Culturaيراجع يف هذا اجملال:
-Martin (René) ,Recherches sur les agronomes latins ,Les Belles Lettres ,Paris 1971 ,
chap.IV.
()131
جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص .555
()132
Diodore de Sicile , XX ,I , 752.
)(133
Columelle, De l’économie rurale, traduit par Luis Du Bois, C.L.F.Panckoucke,
Paris 1844,I,I.
()134
Gsell (St.) , H.A.A.N., T.IV , p46.
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 41
وضعيتهم دون شك مزرية ( ،)135وال يستبعد اقزال أن يكون بعض الليبيني من العمال
البسطاء مالكا لقطع أرضية صغرية جبوار قرطاج واملدن الساحلية الفينيقية األخرى(.)136
اشتهر القرطاجيون بزراعة األشجار املثمرة وعلى رأسها أشجار الزيتون و الكروم نظرا
ملالءمة مناخ املنطقة مع هذه الزراعة ،ويظهر التأثري البوين واضحا يف االنتشار الواسع
للمصطلح السامي"زيتون" الذي أطلقه الفينيقيون على هذه الشجرة ،وكانت زراعة هذه
الشجرة واسعة يف جنوب قرطاج وجزيرة قرقنة حسب ما اخربنا به هريودوت( ،)137كما الحظ
ديودور انتشار زراعتها بشبه جزيرة رأس بونة ( ،)138وقد سبق وان حتدثنا عن دور جيش حنبعل
يف توسيع هذه الزراعة ،ورغم هذه احلقائق الواضحة إال أن هناك من يرى أهنا مل تتجاوز إقليم
التل التونسي ولذلك كانت قرطاج تستورد الزيت من صقيلية ملدة طويلة( . )139أما بالنسبة
للتطعيم فرغم أن بعض الباحثني يعتربونه ابتكارا فينيقيا ()140إال انه هناك عدة تأكيدات تربز
أن الرببر قد مارسوه قبل وصول الفينيقيني بكثري(.)141
وفق ما اخربنا به ديودور فان زراعة الكروم قد ازدهرت حول قرطاج وغرهبا ( ،)142أما
بلني فيخربنا بان بقايا أشجار النخيل والكروم كانت من خملفات الفينيقيني بالعرائش
( )Lixosعند قدم جبال األطلس املغريب( ،)143ولقد اشتهر القرطاجيون بإنتاج اخلمور اجليدة
وعرفوا باستهالكهم الكبري هلا مما اضطر احلكام إىل سن قانون مينع استهالكها على اجلنود
والعبيد وربات البيوت هنائيا باإلضافة إىل املسريين والقضاة أثناء أداء مهامهم(.)144
()135
جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص .555
()136
Gsell (St.) , H.A.A.N., T.IV , p46.
()137
Hérodote ,IV , CXCV .
()138
Diodore de Sicile , XX ,I , 752.
()139
Gsell (St.) , H.A.A.N., T.IV , pp29-30.
()140
مازيل (جان) ،مرجع سابق ،ص.595
()141
انظر أعاله ص.55
()142
Diodore de Sicile , XX ,I , 752.
()143
Pline l’Ancien ,V,I .
()144
Gsell (St.) , H.A.A.N.,T.IV , pp25-26.
42 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
كما اشتهر اإلقليم القرطاجي بزراعة أشجار التني وإنتاج أنواع جيدة منه وهذا ما
جعل كاتون يستعمل مثرة تني أفريقية ليربز ثراء ومنو قرطاج املتزايد وحيرض جملس الشيوخ على
تدمري قرطاج ( )145يف عبارته الشهرية( ، )146وقد يكون الفنيقيون هم الذين حولوه إىل الغرب
وعلموا الرببر عملية التأبري رغم أن بعض الباحثني يستبعد ذلك ( ،)147ومن األشجار األخرى
اليت اهتم القرطاجيون بزراعتها النخيل الذي اخربنا بلني بان آثار زراعته موجودة باألطلس
املغريب وهو من بقايا الفينيقيني باملنطقة ( ،)148أما اقزال فريي أن ظهور هذه الشجرة على
النقود القرطاجية " " EX-VOTOدليل على أهنا كانت ذات أمهية عندهم( ،)149ومل يكتف
القرطاجيون بزراعة هذه األنواع فقط بل اشتهروا أيضا بزراعة البقول واخلضروات خاصة
بضواحي قرطاج منها :اخلرشف ،الثوم البونيقي ،اجللبان البونيقي والعدس البونيقي(.)150
باملقارنة مع األشجار املثمرة وتربية احليوانات فان القرطاجيني مل يهتموا كثريا بإنتاج
احلبوب ؛ فقد كانت األرياف البعيدة عن قرطاج هي اليت تتوىل عملية إنتاج القمح والشعري
بينما شكلت قرطاج واملدن الفنيقية األخرى مراكز استهالك له ( ،)151واعترب بوليب أن اجملال
الزراعي لقرطاج يغطي احتياجاهتا اليومية لكن الدولة القرطاجية تضطر يف حالة احلروب إىل
اعتماد موارد مناطق اللوبيني والنوميدين من اجل ضمان االحتياطي الضروري هلا ويف هذه
احلالة يفرضون على القبائل ضعف ما كانت تدفعه قبل ذلك ( ،)152أما اقزال فقد اعترب " أن
()145
Pline l’Ancien , XV ,XX.
()146
كان كاتون الكبري قد زار قرطاج يف مهمة دبلوماسية العام 558ق.م فأعجب بازدهارها ومنذئذ اختذ منها موقفا
عدائيا ،وكان خيتم كل خطاب يلقيه يف جملس الشيوخ الروماين بعبارة { Et ceterum censeo Karthaginem
ومن جهة أخرى فاين أرى أن قرطاج ينبغي أن تدمر} اليت اختصرت إىلDelenda est {: esse deledam
Karthagoالدمار لقرطاج}.
()147
كامبس (غابريال) ،مرجع سابق ،ص ص .551-559
()148
Pline l’Ancien ,V,I .
()149
Gsell (St.) , H.A.A.N.,T.IV , p34.
()150
صفر (امحد) ،مرجع سابق ،ص.591
()151
Reynier (L.) , Op. Cit., p 486.
()152
Polybe , I , LXXI ,LXXII.
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 43
زراعة القمح والشعري هي قضية الليبيني أكثر مما هي مسألة القرطاجيني( ")153ويري أن مناطق
تركز زراعته هي باجة ( )Béjaوماطر ( )Mateurوالسهول الكربى جملردة و مشال تونس و
السهول العليا الوسطي ،ومن بني املظاهر اليت تربز إنتاج هذا النوع من احملاصيل هو العثور على
خمازن للقمح والشعري بأسوار قرطاج باإلضافة إىل إظهار النقود القرطاجية لرسومات سنابل
قمح عليها( ،)154وكان القرطاجيون يستعملون لقلب األرض حمراثا سكته مثلثة الشكل وهو ما
تظهره النصب والنقود البونية ( ،)155ولعملية الدرس يستعملون عربة تعرف بالعربة البونيقية
( )Plostellum Poenicumتتكون من قطعتني من خشب وعجلتني مسننتني صغريتني
من احلديد(.)156
ما يالحظ على الزراعة القرطاجية أهنا كانت تعتمد على أساليب متطورة وأهنا قائمة
على علم حقيقي هلا علماؤها وخرباؤها املتخصصون ،وما ذكرناه عن ثراء إقليم قرطاج وتنوع
إنتاجه يدل على اخلربة يف االستغالل واستعمال أساليب جديدة يف هذا اجملال قد يكون
بعضها منقوال من الشرق ،فهذا ما جعل هذه الزراعة تنال شهرة كبرية وإعجابا من املؤرخني
والباحثني من بينهم رينيي( )L.Reynierالذي قال ":لو خصصت يل إمكانيات لتطوير
زراعة القرطاجيني التبعت هنجهم"(.)157
()153
Gsell (St.) , H.A.A.N., T.IV , p11.
()154
صفر(امحد) ،مرجع سابق ،ص.559
()155
جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص .558
()156
فرحايت (فتيحة) ،نوميديا من حكم الملك جايا إلى بداية االحتالل الروماني 202ق.م47-ق.م ( الحياة
السياسية والحضارية) ،منشورات أبيك ،مطبعة متيجة ،اجلزائر 5111م ،ص .585
()157
Reynier (L.) , Op. Cit., p 493.
44 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
يبدو أن اهتمام اجملموعات السكانية األمازيغية املتمركزة غريب قرطاج وجنوهبا برتبية
املواشي كان أكثر من اهتمامها بالزراعة ؛ فبوليب الذي زار بنفسه عدة مناطق بأفريقيا اندهش
من العدد الكبري لقطعان األغنام واملاعز واخليول واألبقار اليت الحظها هبذه املنطقة وجزم
بالقول أنه ال وجود ملثل هذا العدد الكبري من املواشي يف أي مكان من العامل وهذا راجع
حسبه إىل كون الشعوب األمازيغية يف املنطقة جتهل مقدار الفوائد اليت ستجنيها من الزراعة لو
هي اهتمت أكثر هبا وجعلت منها نشاطها األول( ،)158أما سالوست فاخربنا بان النوميد
( )159كانوا يفضلون أكثر ترك أراضيهم لتكون مراع لقطعاهنم من أن يزرعوها( ، )160وهو ما
تفطن إليه األقليذ ماسينيسا الذي شهدت الزراعة النوميدية يف عهده تطورا وازدهارا ملحوظا،
أما قبل ذلك فقد كان نشاط الرعي والرتحال يطغى على منط احلياة لدى قبائل املنطقة ،ولعل
ذلك كله راجع إىل كون تربية املواشي اقل عناء وتكلفة من خدمة األرض اليت تستوجب عناية
وإمكانيات كبرية باإلضافة إىل ختوف الفالحيني من عمليات النهب اليت تعرض حماصيلهم
للتخريب والضياع عكس املواشي اليت يسهل نقلها ومحايتها من أخطار النهب يف حال وقوع
خطر ما(.)161
إذا كان هذا هو حال املناطق الداخلية واجلنوبية ،فان هذا ال ينفي أبدا وجود مناطق
للحياة املستقرة اليت مورست فيها الزراعة بصفة دائمة خاصة يف املناطق الشمالية قرب السواحل
حيث الشروط الضرورية متوفرة إلقامة زراعة مرحبة ،ومع ذلك فان البعض يريد أن يرجع ما
()158
Polybe ,XII ,III.
( )159حسب بلني فان مصطلح النوميد ( )Numidesمشتق من البداوة ( )Numadasاليت تعين البداوة ،الن أفراد
هذا الشعب يغريون املراعي باستمرار ويلفون خيامهم داخل عربات النقل ( ، )ChariotsانظرPline l’Ancien, V :
، ,II.3.وقد ناقش كامبس هذا املصطلح وافرتاضات املؤرخني حوله ،انظر :كامبس (غابريال) ،مرجع سابق ،ص
ص.591-595
()160
Salluste , XC.
()161
صفر(امحد) ،مرجع سابق ،ص.59
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 45
شهدته تلك املناطق من تطور زراعي إىل التأثري البوين( )162؛ رغم أن العنصر األهلي هو الذي
ظل يزود قرطاج مبا حتتاجه من مؤن خاصة يف قروهنا األوىل وفرتات احلروب.
أشاد القدماء كثريا بثراء األراضي اليت تقع غرب اإلقليم القرطاجي ،فقد وصف
بوليب خصوبة أرضها باملدهشة ( ،)163أما اسرتابون فقد حتدث عن أمور عجيبة مبقاطعة
ماسيسيليا؛ فاألرض حسبه تغل مرتني يف السنة ؛ مرة يف الربيع وأخرى يف الصيف وعلو سوق
السنابل فيها حواىل مخسة أذرع ( )164وحجم حبة القمح مياثل حجم اخلنصر أما مردوديتها
فهي 551للواحدة ،كما اخربنا نفس املؤرخ أيضا أن املاسيل ال يزرعون يف الربيع بل كانوا
يكتفون بتحريك الرتبة بواسطة حزمة من األغصان الشوكية ،والبذور اليت تكون قد سقطت
خالل مرحلة احلصاد تنتج حمصوال وافرا يف الصيف(.)165
أشار سالوست بدوره إىل أن إقليم ماسيسيليا أكثر ثراء مبنتوجات األرض وأكثر سكانا
من بالد ماسيليا ،166غري أن ما اخربنا به كل من سرتابون و سالوست قد لقي تعليقا ونقدا
من طرف الباحثني الذين استبعدوا أن تكون املنطقة الغربية أكثر ثراء من نظريهتا الشرقية ،
فبالد املاسيل مشهورة خبصوبة تربتها ووفرة حماصيلها ،وقد افرتض اقزال أن يكون املؤرخان قد
نقال املعلومة من نفس الكاتب وهو بوسيدونيوس(.)167( )Posidonius
()162
كامبس (غابريال) ،مرجع سابق ،ص.51
()163
Polybe , XII ,III.
()164
مخسة أذرع ( )2 Coudéesتعادل مرتين و 51سنتيمرت.
( )165يبدو أن هذه املعلومات اليت زودنا هبا سرتابون مبالغ فيها( ،) Strabo , XVII , III , 11.وهو األمر الذي ملسه
بعض الباحثني من بينهم جوليان الذي عرب عن خشيته من أن تكون معلومات هذا اجلغرايف يف عمومها غري صحيحة،
انظر :جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص .585ويف أمر أخر افرتض كامبس أن يكون احملراث الرببري البدائي
البسيط هو ما قصده سرتابون يف عبارته" حزمة من األغصان الشوكية" ،انظر :كامبس(غابريال) ،مرجع سابق ،
ص.551
()166
Salluste , XVI.
()167
Gsell (St.) , H.A.A.N., T.V , p193.
46 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
كان ماسينيسا أكثر ملوك الرببر اهتماما مبجال الزراعة ،فقد اخذ نصيبا وافرا من
املدح عند املؤرخني القدامى الذين جمدوا سياسته الفالحية واجملهودات اليت بذهلا لتغيري األوضاع
السائدة بنوميديا ؛ فأعظم عمل قام به هذا امللك خالل فرتة حكمه حسب بوليب هو
استصالح األراضي الزراعية وجعلها تنتج خمتلف اخلريات فقد كان أول من اظهر بان ارض
نوميديا باستطاعتها إنتاج خمتلف احملاصيل وهي اليت كان ينظر إليها قبل ذلك بأهنا أرض غري
جمدية ( ،)168وال خيلو هذا الوصف من املبالغة ولعل الفكرة اليت أراد بوليب إبالغها هي أن
هذا امللك قد غرس يف رعاياه حب العمل وخدمة األرض وبني أن األرض األفريقية ال تصلح
فقط للرعي والرتحال.
حىت وان كانت أحكام القدامى هذه مبالغ فيها بعض الشيء إال أن ذلك ال ينقص
من اجملهودات اليت قام هبا هذا امللك وفضله يف تطوير الزراعة بنوميديا ؛ فقد دفع رعاياه إىل
استصالح األراضي البور اليت مل تستغل قبل ذلك و زاد من املساحة املزروعة خاصة بعد توسعه
شرقا يف اإلقليم القرطاجي وضمه إلقليمي االمبوريا سنة 595قبل امليالد والسهول الكربى
()168
Polybe , XXXVII ,III.
()169
Strabo , XVII ,III ,15.
()170
اميار (أندري) و ابوييه(جانني) ،تاريخ الحضارات العام ( روما وإمبراطوريتها ) ،ج ، 5إشراف موريس كروزيه
ترمجة فريد م.داغر وفؤاد ج.أبو رحيان ،ط ، 5منشورات عويدات ،بريوت -باريس 5899م ،ص.94
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 47
()171
وزاد من اإلنتاج الزراعي يف نوميديا زيادة كبرية حققت حوايل سنة 555قبل امليالد
الفائض الذي مسح بالتصدير.
ويذكر ديودور أن هذا امللك قد برع يف األشغال الفالحية وترك لكل واحد من أبنائه
عند وفاته عشرة آالف بالتري ( )172()Plèthreجمهزة بكل ما هو ضروري لالستغالل
الفالحي ( ،)173يظهر أن اإلمكانيات الزراعية اليت أورثها ماسينيسا ألبنائه كبرية خاصة إذا
علمنا أن ملاسينيسا حوايل أربعة وأربعني ولدا مل يبق منهم إال عشرة عند وفاته ،كما عمل
ماسينيسا الذي كان متأثرا باحلضارة اليونانية على تشجيع عبادة اآلهلة الفالحية اإلغريقية
دمييرت( )Déméterوكرييس( )Cereresأمال منه يف اإلنتاج الوفري وحرصا منه على تثبيت
اهتمام النوميد بالفالحة ،وما الكشف عن العديد من النقائش املتعلقة بآهليت الفالحة هذه يف
الديار النوميدية إال دليل على انتشار عبادهتا(.)174
لقد فهم ماسينيسا قبل وصول الرومان بكثري أن أسس ختليص النوميد من حياهتم
البدائية البائسة هو تغيري عاداهتم وربطهم باألرض ودفعهم للعيش يف جمموعات مستقرة
ومتعايشة مع بعضها البعض ما جعلها متيل إىل االستقرار وخدمة األرض األمر الذي تسبب يف
()171
كامبس (غابريال) ،مرجع سابق ،ص.554
( )172البالتري) (le pèlthreمن الكلمة اإلغريقية ( )plethronوهي وحدة لقياس املساحة عند اإلغريق تعادل
51111قدم مربعة (8آر) ،انظر:
- Saglio (E.) et Daremberg(Ch.), Dictionnaire des Antiquités Grecques et Romaines
(D.A.G.R), (5tome et 9 volumes)T.IV ,1ere partie ,éditions hachette ,paris1873-1919 ,
p510.
وباملرت املربع يعادل البالتري 914مرتا مربعا ،ومنه فان مساحة كل دومان هو 914هكتارا.
()173
Diodore de Sicile , XXXII, III.
()174
كامبس (غابريال) ،مرجع سابق ،ص ص.515-599؛ فنطر(حممد) ،يوغرطة (من ملوك شمال أفريقيا
وأبطالها ) ،الدار التونسية للنشر5811 ،م ،ص ص .511-88
48 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
()175
باملنطقة سرعان ما حتولت اململكة بسببه إىل مزار للتجار إحداث " انقالب اقتصادي"
ومموال رئيسيا لروما بالقمح والشعري.
يري كامبس أن زراعة الشعري مباسيليا كانت أوسع من زراعة القمح قبل سيطرة
ماسينسا على االمبوريا والسهول الكربى أواخر فرتة حكمه ،وذلك نظرا لكون الرتبة هبا خفيفة
تصلح أكثر لزراعة الشعري ( ،)176وقد كان تصدير القمح والشعري يف عهد ماسينيسا مصدر
الدخل الرئيسي للمملكة حيث قدر كامبس اعتمادا على تيت-ليف () Tite-Live
الكميات اليت زود هبا ماسينيسا الرومان كما يلي(:)177
مل تكن فرتة حكم امللك ماسينيسا الفرتة الوحيدة اليت ازدهرت فيها أفريقيا بل تواصل
ذلك خالل فرتة حكم خلفائه ،فقد أشار سالوست إىل ازدهار الزراعة يف جزء كبري من
نوميديا ( ،)178ونفس املؤرخ اخربنا بان القائد الروماين متلوس ( ) Metellusعندما زحف
()175
جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص .585
()176
كامبس (غابريال) ،مرجع سابق ،ص.548
()177
نفسه ،ص ص .548-545
()178
Salluste , XVI , XVII , XXIX, XLVI, XLVIII.
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 49
انطالقا من مقاطعة أفريقيا الرومانية وتوغل يف أراضي اململكة النوميدية التقى مبزارعني يف طريقه
استقبلوه ومنحوه هدايا من القمح(.)179
واستمرت أفريقيا على هذا احلال من االزدهار زمن يوبا األول ،فرغم أن نص احلرب
األفريقية قد اهتم بالوقائع العسكرية إال انه وردت خالله عدة إشارات إىل القمح األفريقي
( ،)180كما اخربنا كاتبه أن قيصرا قد أخرب بعادات األفارقة يف ختزين حبوهبم داخل مطامري يف
احلقول واألرياف لوضعها يف مأمن من غارات العدو فأرسل فرسانه على بعد مسافة 51أميال
من معسكره للبحث عن القمح فعادوا بعد مدة حمملني به( ،)181ومن جهة اخرى فقد دل
إحلاح الثائرين خالل الفرتة الرومانية على اسرتجاع أراضيهم على اهتمام الرببر بالزراعة
ومتسكهم باألرض ونذكر منها احتجاجات قبائل املوسوالم بقيادة تاكفاريناس ( )54-51م
اليت كان هدفها اسرتجاع أراضيهم اليت توسع الرومان على حساهبا (.)182
إىل جانب ما أخربتنا به النصوص فقد دلت الصور املنقوشة على نقود امللوك على
الثراء الزراعي وأمهية الزراعة لديهم ،فقد حرص معظمهم على نقش رسم السنبلة على نقودهم
مثل عملة ماسينيسا اليت تظهر فيها سنبلة قمح أسفلها وعنقود عنب أعالها( )183وعملة
بوكوس ويوبا الثاين وبطليموس ( )Ptoléméeونقود سريتا واملدن الساحلية املوريتانية ...اليت
تظهر كلها سنابل القمح(.)184
()179
Salluste , XLVI.
( )180قيصر(يوليوس) ،حرب افريقية ( 47-46ق.م) ،ترمجة حممد اهلادي حارش ،دار هومة ،اجلزائر،
الفقرات.LXXV ،LXVIII ،LXV ،XLIII ،XXXVI ،XXXIV:
( )181نفسه. LXV ،
()182
Lassére (J-M.), un conflit routier : observations sur les causes de la guerre de
Tacfarinas, in : An.Af., N°18,1982,p12.
()183
الصورة والوصف ،انظر :قداش (حمفوظ) ،مرجع سابق ،ص.518
( )184
Gsell (St.) , H.A.A.N., T.V , p190.
50 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
أما فيما خيص الزيتون الذي أكدت خمتلف الشواهد على قدم زراعته يف بالد الرببر
وعلى معرفة قدماء األمازيغ للتطعيم قبل جميء الفينيقيني بزمن بعيد ؛ فقد ورد يف نص احلرب
األفريقية ذكر لغابة مغطاة بالزيتون( ،)185كما أشار بلني إىل زراعة الزيتون يف ناحية قابس
( )Tacapeاليت تقع على حدود الصحراء جنوبا يف جهة السريت و لبتيس الكربى ( la
.)186( )grande Leptis
أما فيما يتعلق مبلكية األرض وطرق االستغالل السائدة يف تلك الفرتة ،فان
النصوص مل ختربنا عن تفاصيلها وكل ما قيل حول هذا املوضوع مل يتعد جمال االفرتاضات ،
حيث ال نزال جنهل نظام امللكية السائد بالضبط خاصة باملناطق الشمالية اليت تبدو فيها ملكية
األرض أكثر تعقيدا عكس املناطق اجلنوبية أين ميكن قبول واعتماد فكرة مشاعية األراضي
الرعوية بني أفراد القبيلة.
أما يف املناطق املستقرة اليت متارس فيها الزراعة فقد تصور اقزال( )191أن هبا أنظمة
متعددة للملكية واالستغالل :فاألفراد املشكلون لتجمع قروي ملكيتهم لألرض مجاعية
()185
قيصر(يوليوس) ،مصدر سابق ،الفقرة .L
()186
Pline l’Ancien , XVIII , LI.22.
()187
فرحايت (فتيحة) ،مرجع سابق ،ص .545
()188
Strabo ,XVII , III, 4.
()189
Pline l’Ancien , XV ,XIX.18.
()190
Ibid. , XIII , VI.4.
()191
Gsell (St.) , H.A.A.N., T.V , pp206-207.
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 51
واستغالهلا مشرتك بينهم تقتسم فيها العائالت احملاصيل حسب عدد األفراد الذين يستلزم
إعالتهم ،أما النمط اآلخر فيتمثل يف االشرتاك يف ملكية األرض بني أفراد القبيلة لكن األرض
توزع بني العائالت الستغالهلا بصفة مؤقتة وملدة زمنية حمددة ،أما االفرتاض األخري فهو ملكية
األفراد أو العائالت لقطع أرضية ملكية خاصة بعد أن يقوموا باستصالحها وهلم احلق يف
توريثها للخلفاء.
أما األمالك امللكية اليت تكونت خالل عهد امللوك النوميد فان ظروف تشكلها ال
تزال جمهولة وان كان البعض يريد أن جيعل مما يسمونه توسعات امللك ماسينيسا على حساب
ماسيسيليا غربا واإلقليم القرطاجي شرقا عامال يف اتساعها ،وقد اخربنا ديودور أن األقليذ قد
ترك لكل واحد من أبنائه عشرة آالف بالتري من األراضي الصاحلة للزراعة ( ،)192وافرتض
الباحثون أن تكون أمساء املدن و املناطق اليت حتمل عبارة رجييا ( ) Regiaeاليت تعين (ملكية)
كصفة لصيقة بامسها مثل :زاما رجييا ،بولة رجييا ،هيبو رجييوس ...جزءا من الدومان امللكي أو
جزءا من أمالك امللك اخلاصة اليت تكون قد ضمت حديثا إىل اململكة النوميدية(.)193
إن وفرة إنتاج القمح خالل العهد النوميدي قد جعل من فالحيها يشيدون خمازن
آمنة حلفظه ،فقد اخربنا سالوست عن تشييد الفالحني األمازيغ ملخازن حيفظون هبا إنتاجهم
من غارات حمتملة( ،)194حيرص هؤالء على حفرها على شكل دهاليز يف أماكن بعيدة يصعب
اكتشافها ،أما خبصوص طحن احلبوب فقد استعمل قدماء األمازيغ يف البداية مهراسا من
حجر أو خشب ،لكن مبرور الوقت عرفت تقنيات الطحن تطورا حيث مت اعتماد الطاحونة
احلجرية( ،)195وهي عبارة عن اسطوانتني حجريتني توضع إحدامها على األخرى ،حبيث تكون
االسطوانة السفلية مزودة مبشحذ ثابت واالسطوانة العلوية هبا جتويف تصب فيها احلبوب لتصل
()192
Diodore de Sicile , XXXII, III.
()193
كامبس (غابريال) ،مرجع سابق ،ص.551
()194
Salluste , XC.
()195
حارش(حممد اهلادي) ،التطور السياسي واالقتصادي في نوميديا منذ اعتالء ماسينيسا العرش إلى وفاة يوبا
األول(47-212ق.م) ،دار هومة ،اجلزائر،5889ص ص.515-514
52 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
إىل مابني االسطوانتني ،ويتسبب احتكاكهما أثناء حتريك االسطوانة العلوية يف تفتت احلبوب
لتنتج طحينا ،وال تزال هذه الطاحونة مستعملة عند الكثريين إىل غاية اليوم(.انظر أدناه
الشكل( )5ص)58
وقد اهتم امللوك النوميد أيضا بتحصيل الضرائب اليت تصرف عائداهتا يف تسيري شؤون
اململكة ،فقد اخربنا سرتابون أن ملوك البالد كانوا يصدرون كل عام أمرا يقضي بإحصاء
اخليل( ،)196أما طريقة الدفع فقد كانت هذه الضرائب تدفع عينا يف األرياف الزراعية(حبوب
ومواشي) وهو ما يفسر لنا الكميات الكبرية اليت يصدرها امللوك النوميد اليت كان مصدرها دون
شك الضرائب ،أما يف املدن فقد كانت تدفع نقدا مثلما كانت تفعل مدن السريت يف عهد
ماسينيسا(.)197
وعن األسباب اليت سامهت يف تنوع واستمرارية االزدهار الزراعي الذي شهدته نوميديا
على امتداد هذه املرحلة يرى البعض أن طول فرتة حكم معظم امللوك (ماسينيسا حواىل55
سنة ،مكوسان حواىل 81سنة ،ميبسال الثاين حواىل 81سنة )...قد خلف استقرارا سياسيا
ما انعكس على اجلانب االقتصادي ( ،)198باإلضافة إىل فتح األبواب أمام التجارة اخلارجية
بعد زوال االحتكار القرطاجي األمر الذي شجع امللوك احملليني والفالحني على إنتاج كميات
كبرية تليب احلاجيات احمللية وتسمح بالتصدير.
()196
Strabo , XVII , III, 19.
()197
حارش (حممد اهلادي) ،مرجع سابق ،ص .555
()198
نفسه ،ص.555
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 53
الشكل ( ( 5مكرر :مطحنة من الفترة الرومانية عثر عليها في رمضان جمال (سكيكدة)
-Vدور فترة ما قبل الرومان في تهيئة قاعدة االزدهار الزراعي خالل الفترة الرومانية:
درج املؤرخون القدامى والباحثون األجانب يف تاريخ أفريقيا القدمي على نسب كل
األعمال اجلليلة اليت عرفتها أفريقيا خالل تلك الفرتة إىل الوافدين األجانب ،فإذا مل تكن هذه
األعمال حسبهم رومانية فهي فينيقية ،وعملوا منذ فرتات طويلة على نفي مسامهة الشعوب
احمللية يف احلضارة اليت عرفتها هذه املنطقة ،وظل هؤالء يرددون صفيت "البدائية" و"الوحشية"
كصفتني لصيقتني هبذه الشعوب اليت كان منط حياهتا حسبهم ال يتعدى الرعي والرتحال
واستهالك النباتات الربية "كالقطعان"(.)199
مثلت الفرتة الرومانية الفرتة اليت شهدت فيها إفريقيا منوا وازدهارا منقطع النظري يف
خمتلف اجلوانب ،ويظهر ذلك أكثر يف اجلانب الزراعي حيث أطلق على أفريقيا يف تلك
املرحلة لقب "أهراء روما" نظرا لتوسع الزراعة ومنو املستثمرات فيها واليت وصلت إىل حدود
الصحراء جنوبا ،وال شك أن هذا االزدهار قد سامهت فيه عدة عوامل ينسبها اغلب املؤرخني
إىل ما بعد االحتالل على رأسها "السلم الروماين" الذي فرضته روما بني القبائل ويهملون دور
الفرتة اليت سبقت االحتالل ومسامهتها يف ذلك ،ومن حقنا هنا أن نتساءل عما إذا كان كل
ذلك فضال رومانيا ومعجزة من صنعهم أم أن أفريقيا قبل االحتالل هي اليت هيئت األوضاع
هلذا االزدهار والنمو؟
إن إمكانيات أفريقيا الطبيعية هي اليت أسالت لعاب كاتون الذي جعل من مثرة تني
أفريقية رمزا لتحريض جملس الشيوخ الروماين على تدمري قرطاج( )200فباإلضافة إىل التفوق
البحري واملنافسة القرطاجية اليت أقلقت الرومان حز يف نفسه أن تنتج قرطاج هذه اخلريات
النباتية كلها وتستفيد من ثراء األرض األفريقية بينما تعجز روما عن ذلك ،لقد اخربنا القدامى
عن الرتبة اخلصبة اليت يتميز هبا بعض األقاليم فقد أعجب هريودوت( )201كثريا بالرتبة السوداء
()199
Salluste, XVIII.
()200
Pline l’Ancien , XV ,XX .
()201
Hérodote , IV , CXCVIII .
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 55
اليت يتميز هبا إقليم الكينوبس( )Cinypsوأشاد مبردودية البذور فيها ونفس الشيء أشار إليه
بلني فيما خيص إقليم املزاق ) (Byzaciumالذي قال بشان تربته أهنا ذات خصوبة نادرة
( ،)202فطبيعة األرض األفريقية خصبة وجتود مبختلف احملاصيل وهي اليت جعلت من الزراعة
القرطاجية تكتسب شهرة كبرية رغم أن اهتمام القرطاجني األول هو التجارة واإلحبار،
فاألرض اليت كانت ذات مرة عامال أساسيا يف ازدهار قرطاج خبصوبتها وإنتاجها ملختلف
اخلريات هي اليت ستكون سببا يف تطور الزراعة الرومانية بعد ذلك.
يتمتع الشمال األفريقي بنفس اخلصائص الطبيعية واملناخية اليت متيز باقي بلدان
حوض البحر املتوسط مما ساهم يف تنوع احملاصيل اليت كان ينتجها ؛ فقد أبرز اسطيفان اقزال
باالعتماد على عدة شواهد وأدلة أن مناخ مشال أفريقيا القدمي هو مناخ مماثل ومشابه للمناخ
السائد يف أيامنا هذه ( ،)203فإذا اعتمدنا على استنتاج اسطيفان اقزال فان أفريقيا كانت تنتج
حماصيل املنطقة املعتدلة قرب السواحل وحماصيل البيئة الصحراوية احلارة جنوبا(التمور) وهو ما
توافق عليه النصوص اليت أخربتنا بتنوع اإلنتاج مشاال من حبوب وأشجار مثمرة وبقول
وخضروات وإنتاج للتمور يف الصحراء اجلنوبية كما اخربنا به هريودوت(.)204
بدأت البحوث احلديثة تزيل الغطاء عن العديد من القضايا اليت كانت إىل عهد
قريب من ثوابت تاريخ املنطقة ؛ فقد أزال علم اآلثار الغطاء عن العديد من املنشآت اليت
تعود إىل زمن ابعد بكثري من الفرتة الرومانية مثلما اشرنا سابقا إىل التهيئة الزراعية القدمية لدوار
تازبنت (جنوب غرب تبسة) اليت أظهرت نوعا من أنواع تنظيم اجملال رغم بساطته.
ومن جهة أخري أبدى عدة باحثني حتفظهم من نسب كل األعمال املتعلقة بالتهيئة
والتنظيم الزراعي إىل الفرتة الرومانية ،فقد أكد شوفاليي( )Chevallierبان "املنشآت
()202
Pline l’Ancien, V, III.4 et XVII , III.5.
()203
Gsell (St.) ,H.A.A.N.,T.I ,pp40-99.;Ibid.,le climat de l’Afrique du Nord dans
l’antiquité , R.Af , Année1911, pp343-410.
()204
Hérodote , IV , CLXXII et CLXXXII .
56 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
اهليدروغرافية اليت نظمتها روما هي ذات أصل حملي"( .)205وأكد جان ديبوا ()J.Depois
من جهته أن زراعة املدرجات بأفريقيا هي زراعة مرتبطة حبضارة ريفية بربرية ،ويف هذا السياق
يقول متأثرا بالعبارة الشهرية لسطيفان اقزال " :إن الرببر بالتأكيد مل ينتظروا الرومان لكي يقوموا
بزراعة املدرجات واالستعمال األمثل للمياه الضرورية للزراعة(. ")206
أما لوفو ( )Leveauفقد رفض مسألة إرجاع كل الفضل للرومان يف تطوير الزراعة
بشمال أفريقيا فقد أكد بان الزراعة الرومانية قد قامت على أعمال هتيئة افريقية سابقة
الحتالهلم بكثري حيث يقول" :يظهر بان الزراعة الرومانية قد طورت على أراض كانت مهيأة
يف الفرتة ما بني النيوليثي والفرتة الرومانية بينما ظهرت الفرتة الرومانية كفرتة استقرار
وتوسع( ،")207أما اقزال فقد اعترب أن عملية إزالة األعشاب الضارة واألشجار الربية غري املنتجة
من احلقول لتهيئتها للزراعة وهي العملية اليت قام هبا عدة أجيال من األفارقة قد هيأت بشكل
غامض ازدهار أفريقيا الرومانية( ،)208ونفس املؤرخ أكد أن الرومان قد وجدوا أفريقيا يف حالة
جيدة أحسن مما وجدها عليه نظراؤهم الفرنسيون بعد ذلك بقرون ،لكنه يف املقابل ال يهمل
توفر عوامل االزدهار خالل عهد اإلمرباطورية اليت سامهت يف حتقيق التطور(.)209
تكشف املقارنة بني السياسة اليت انتهجها ماسينيسا يف اجملال الزراعي والسياسة اليت
انتهجها الرومان بعده يف هذا اجملال عن وجود تطابق يف طريقة تعامل الطرفني مع القبائل
البدوية املرحتلة ،حيث اعترب اجلانبان استمرارها يف منط حياهتا هذا عامال معيقا لعملية التوسع
والتطور الزراعي ،وهلذا فقد فكر كالمها يف توطني هذه القبائل وتغيري عاداهتا وتشجيعها على
()205
Chevalier (R.) ,La Centuriation Romaine et la mise en valeur des sols dans la
province d’Afrique , l’inform.Géogr, 22éme Année ,Septembre- Octobre 1958,pp149-154.
()206
Despois (J.), Op. Cit., p 49.
()207
Leveau (Philippe), Occupation du sol, Géo systèmes et systèmes sociaux , Rome et
ses ennemis des montagnes et du désert dans le Magrib antique , in : E.S.C ,41éme
Année , N °6 ,1986 ,p1355.
()208
Gsell (St.) , H.A.A.N., T.V, p 189.
()209
Gsell (St.),grandeur et décadence de Rome en Afrique,(texte, rédigé par Gsell,
d'une conférence qu'il devait faire à Louvain dans l'hiver 1931-32), Le
Correspondant,1933, p8.
الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية 57
االستقرار وممارسة الزراعة وسعى كالمها إىل توفري األمن بني القبائل باعتباره شرطا أساسيا
لتحقيق التوسع الزراعي ،ولعل تشابه السياسة اليت انتهجها الطرفان يف هذا اجملال إمنا يوحي
إىل أن الرومان قد قاموا باستنساخ جتربة ماسينيسا يف هذا اجملال أو على األقل استفادوا منها
خاصة وان ماسينيسا كان أول من فكر يف ربط النوميد باألرض وقد يكون احلكام الرومان قد
تأثروا بأفكار ماسينيسا خاصة وأهنم كانوا على اطالع واسع بسياسته يف مملكته ،مع الفارق
الكبري طبعا بني ملك يسعى إىل تطوير بلده وإدارة استعمارية تستعمل البطش واغتصاب
األرض أسلوبا هلا يف التعامل مع العنصر األهلي.
لقد سيطر كبار املالك الرومان على األراضي واملستثمرات الزراعية الشاسعة واستغلوها
استغالال واسعا ولكن الفضل الكبري يف ازدهار هذه املستثمرات إمنا يعود إىل السكان األفارقة
احملليني الذين استغلهم وسخرهم هؤالء املالك للقيام خبدمة األرض سواء كعبيد أو كعمال
أجراء أو كمستأجرين لألرض ،فقد كانوا مرتبطني باألرض بصفة مباشرة عكس املالك الذين
يقومون بتأجري أراضيهم يف اغلب األحيان أو يكلفون مساعدين هلم لتسيري شؤون ملكياهتم
الزراعية ،ويرى جوليان أن االستعمار الروماين ينبغي أن يفهم منه أن روما قد قامت بتهدئة
بالد الرببر وتنظيمها لكن األهايل هم الذين هنضوا بالعمل احلقيقي(.)210
مل يستفد الرومان يف تطويرهم للزراعة بأفريقيا من خصوبة أراضي املنطقة ومن اخلربات
واليد العاملة األفريقية فقط بل تعدى جمال استفادهتم إىل اجملال العلمي ونقصد بذلك موسوعة
ماغون الفالحية اليت اعتربها البعض من أهم غنائم احلرب الرومانية على قرطاج (،)211
فحسب رواية بلني( )212فان جملس الشيوخ الروماين قد قام بعد سقوط قرطاج بإهداء مكتباهتا
للملوك األفارقة لكنه قرر بصفة استثنائية االحتفاظ بكتب ماغون الثمانية والعشرون وترمجتها
()210
جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص .515
()211
بورونية (الشاذيل) و الطاهر(حممد) ،مرجع سابق ،ص .541
()212
Pline l’Ancien, XVIII , V.
58 الفصل األول /الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
إىل الالتينية لالستفادة منها يف تطوير الزراعة الرومانية رغم أن كاتون املعاصر له قد سبق وان
نشر مؤلفات مماثلة يف هذا اجملال.
إن الفضل الكبري يف تطوير الزراعة الرومانية ابتداء من منتصف القرن الثاين قبل امليالد
إمنا يعود إىل هذه املوسوعة اليت تضمنت نصائح وتوجيهات وشرح ملختلف الطرق واألساليب
الزراعية اليت تتالءم والطبيعة األفريقية ،ومل يكن تأثري هذه املوسوعة مقتصرا على الزراعة الرومانية
بأفريقيا فقط بل سامهت أفكار ماغون أيضا – اليت هي يف األصل مجع للخربات األفريقية -يف
تطوير الزراعة االيطالية ،فقد أكد هرغون) (Heurgonأن ترمجة موسوعة ماغون إىل
الالتينية هلا عالقة كبرية بتطوير الزراعة االيطالية خالل النصف الثاين من القرن الثاين
ق.م( ،)213أما الكروا ) (Lacroixفقد قال يف هذا األمر بان " :ليبيا القدمية هي اليت بينت
لآلخرين املنافسني هلا كيف جيعلون أراضيهم أكثر مردودية"(.)214
إن إمكانيات أفريقيا واجنازات سكاهنا خالل الفرتة اليت سبقت تدمري قرطاج والفرتة
اليت سبقت إنشاء الرومان ملقاطعة أفريقيا اجلديدة ) (Africa Novaهي اليت شكلت قاعدة
لالزدهار االقتصادي الروماين ومهدت الطريق هلم للتوسع يف االستغالل الزراعي ،فقد كانت
منشآت الري واألراضي املستصلحة املنطلق الذي انطلق منه الرومان يف عملية استغالهلم
لألرض الزراعية األفريقية ،لكن من جهة أخرى ال جيب أن ننكر الدور الروماين يف تنظيم
األراضي) (Centuriationوسن القوانني اليت تنظم االستغالل الزراعي وجتنيد خرباء
ومهندسني إلنشاء قنوات املياه وبناء السدود اليت ال تزال بعض أثارها شاهدة على ذلك ،
ولعل أجل عمل قام به هؤالء يف هذا اجملال – مبسامهة من األفارقة -هو الدفع بالزراعة جنوبا
أين وصلت إىل حدود الصحراء وانتشرت يف مناطق هي يف أيامنا هذه أراض جافة وقاحلة
وهي الظاهرة اليت سنعاجلها يف العناصر الالحقة.
()213
Heurgon (Jacques) , l’agronome carthaginois Magon et ses traducteurs en latin et
en grec , in : C.R.A.I.,120 éme Année ,N°3 ,1976, p454.
()214
Lacroix (F.) , Afrique Ancienne (procédés agricoles) , R.Af , Année 1870, p17.
الفصل الثاني
الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية
التنظيمات ووسائل اإلنتاج
.Vنظام مسح األراضي:
1-Iالكنترة.
1-1-Iالكاردو والديكومانوس.
2-1-Iالحدود بين الوحدات الكنتورية.
2-Iتصنيف األراضي غير المكنترة .
3-Iتطور الكنترة األفريقية .
4-Iأهداف الكنترة .
التشريعات الزراعية األفريقية: .VI
1- IIالنصوص األثرية "القانونية" المتعلقة بتنظيم الزراعة األفريقية.
2-IIقانون مانكيانا وقانون هادريان على ضوء االكتشافات األثرية.
3-IIبعض بنود التشريعات الفالحية األفريقية.
4-IIأثر التشريعات الرومانية على التطور الزراعي بأفريقيا.
.VIIنظام الري الزراعي:
1-IIIمنشآت الري:
1-1-IIIمنشآت التجميع.
2-1-IIIقنوات التوزيع.
2-IIIنظام الري في المصبا (.)Lamasba
منظومة االستغالل الزراعي: .VIII
1-IVوسائل اإلنتاج :
1-1-IVاألرض.
2-1-IVأشكال الملكية.
3-1-IVنظام االستغالل واإلنتاج.
4-1-IVالعمال واإلدارة المسيرة.
2-IVالمستثمرات الزراعية :
1-2-IVالسالتوس (.)Saltus
2-2-IVالالتيفونديا (.)Latifundia
3-2-IVالفندس (.)Fundus
4-2-IVالبرايديا (.)Praedia
5-2-IVالفيلال روستيكا( .)Villa Rustica
الضرائب الزراعية: .IX
1-Vأنواع الضرائب الزراعية:
1-1-Vالضريبة على األرض.
2-1-Vالضريبة على اإلنتاج الزراعي.
2-Vتحصيل الضرائب.
3-Vأثر النظام الضريبي على تدهور الزراعة.
الفصل الثاني:
الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية
التنظيمات ووسائل اإلنتاج
بعد سقوط قرطاج سنة 549ق.م ،أصبحت األراضي األفريقية ملكا للدولة الرمانية
وللشعب الروماين مبوجب حق الفتح ومل يستثن منها إال أراضي املدن السبع ( )215وبعض
األراضي اليت منحت إىل الفارين من اجليش القرطاجي ( )Perfugaeأما بقية األراضي فقد
كانت مملوكة للشعب الروماين( )Ager Publicusيديرها قضاة اإلحصاء ()Ager Censorinus
( ،)216ومع استقبال أفريقيا للهجرات االيطالية املتزايدة أحالت الدولة جزءا من هذه األراضي
إىل املعمرين اجلدد بعد أن قامت بتهيئتها وتقسيمها إىل وحدات متساوية ،كما تنازلت الدولة
أيضا عن بعض األراضي لصاحل قدماء جنود ماريوس ،وباعت جزءا آخر للمواطنني الرومان مع
إبقائها حلقها يف امللكية حيث يكتفي هؤالء بدفع ضريبة مقابل استغالهلم هلا( .)217واملالحظ
أن الدولة قد ركزت جهودها منذ البداية على استغالل أراضى إفريقيا خدمة ملصاحلها فحىت
األراضي البور اليت ترتك للرعي احلر حرصت الدولة على فرض ضريبة ثابتة على رؤوس املاشية
يدفعها مالكها(.)218
( )215هي املدن األفريقية اليت قدمت خدمات للرومان يف حرهبم ضد قرطاج فنالت بذلك حريتها جزاء خلدماهتا ،حيث
استثنيت أراضيها من نزع امللكية مبوجب حق الفتح ولذلك مل تكن من ضمن امللكية العامة للشعب الروماين ( Ager
)publicusيف البداية ،فجاءت عملية كنرتهتا متأخرة ،وهذه املدن سبعة وهي :اوتيكا ،هادرومت (سوسة)،
تابسوس (رأس دمياس) ،أشوال ،لبتيس الصغرية (ملطة) ،ثيوداليس ،اوزاليس ،أنظر :
-Peyras(J.),les cités libres à l’époque romaine , in : D.H.A., Volume 23,
N°1 ,1997,pp307-310.
()216
رستوقتزف (م ، ).مرجع سابق ،ص.898
()217
جوليان(شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص.554
()218
Moatti (C.), Etude sur l’occupation des terres publiques à la fin de la
république romaines, in :Cahiers du centre Gustave Glotz, N°3 ,
1992, p62.
61 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
اختلفت نظرة الرومان ألفريقيا يف البداية ،حيث كان هناك فريق يرى أن استيطان
أفريقيا من شأنه أن حيل خمتلف املشاكل االجتماعية اليت تعاين منها روما ،وكان غايوس
غراكوس ( )Caius Gracchusالذي تزعم هذا الفريق قد عزم على جعل إقليم قرطاج جماال
لتوطني الربوليتاريا اإليطالية وتوزيع أراضي أفريقيا عليها ،غري أن سياسته هذه لقيت مقاومة
شرسة من طرف الفريق الثاين الذي ميثله الرأمساليون الكبار وجلهم من أعضاء جملس الشيوخ
الذين كانوا يرون يف أراضي أفريقيا فرصتهم الثمينة لزيادة احتكاراهتم وملكياهتم وبذلك أفشلوا
مشروع غراكوس( ، )219ويف هذا الشأن خيربنا بلني عن ذلك االحتكار ألراضي أفريقيا من
طرف قلة قليلة إىل درجة أن ستة مالك كبار فقط كانوا ميلكون نصف أفريقيا(.)220
وقد زاد التهافت على األراضي األفريقية بصفة كبرية خالل عهدي
أغسطس(51()Augusteق.م54-م) وتيربيوس(54()Tibèreم81-م) ،وهو ما جعل هذين
اإلمرباطورين يأمران بدفع احلدود جنوبا النتزاع املزيد من األراضي من األهايل وهو االعتداء
الذي قاومه هؤالء بشدة ،وكان التوسع الروماين يتمدد حنو الداخل حىت بلغ مشارف الصحراء
يف نوميديا واملنطقة الطرابلسية ولكن مل يتجاوز املنطقة التلية يف املوريتانيتني ،والغريب أن
البعض يرجعون هذا التوسع إىل الضرورة االقتصادية دون غريها ويف رأيهم أنه مل تكن له أسباب
سياسية أو حربية(.)221
مل تكن النهضة الزراعية اليت عرفتها أفريقيا خالل الفرتة الرومانية وليدة الصدفة بل
كانت نتاج تطبيق العديد من السياسات التنظيمية الفعالة اليت خططت هلا اإلدارة الرومانية
منذ البدايات األوىل للتوسع الروماين يف مشال أفريقيا ،حيث بادرت منذ البداية إىل هتيئة
الظروف املالئمة لقيام هذا التطور حىت يسهم ذلك يف اقتصاد اإلمرباطورية مستعينة يف بعض
( ) 219رستوقتزف (م ، ).مرجع سابق ،ص .894؛ عقون(حممد العريب) ،االقتصاد واجملتمع...مرجع سابق ،ص ص-15
.19
()220
Pline l’Ancien, XVIII , VII,6.
()221
رستوقتزف(م ، ).مرجع سابق ،ص.898
62 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
األحيان خبربة األفارقة يف هذا اجملال ويف حاالت أخري بنقلها لتجارب من البلد األم أو
استعارهتا من شعوب أخرى ،وحرصا منها على بناء اقتصاد زراعي قوي باملنطقة قامت بتطوير
اهلياكل املوجودة وشيدت أخرى جديدة كما سنت تشريعات تنظيمية تقنن العالقات بني
املستثمرين والسلطة وعوامل اإلنتاج ...اخل ،وسرعان ما بدأت روما تقطف مثار سياستها
الفالحية هذه ابتداء من القرن األول للميالد على وجه اخلصوص أين شهدت أفريقيا ازدهارا
كبريا ميكن القول أنه مل يسبق وان عرفت له مثيال.
حرص احلكام الرومان على جتسيد هذه العملية على األراضي األفريقية اخلصبة بعد
سقوط قرطاج مباشرة؛ حيث شرعوا يف تنظيم اجملال الزراعي املوروث عن قرطاج خاصة مع
تزايد اهلجرات الرومانية املنظمة اليت يرسلها أباطرة روما للمنطقة ومع تقدم اجلنود يف احتالل
أراضى جديدة تزيد معها املساحة املكنرتة ،وقد شهدت الصور اجلوية واألسوار والنصب
احلجرية على أن هذه العملية قد بلغت املناطق اجلنوبية املتامخة للصحراء.
أثارت دقة هذه العملية وصمودها يف وجه العوامل الطبيعية والبشرية لعدة قرون إعجاب
العديد من الباحثني من بينهم شوفاليي الذي اعتربها من أمجل املعامل األثرية باملنطقة (، )222
أما بيكار( )Picardفقد أشاد بالنظم والقواعد الثابتة اليت طبقت يف أعمال الكنرتة واعترب انه
مل يسبق عرب التاريخ وان فرض شعب ما إرادته على الطبيعة مثلما فعل الرومان( ،)223ومنذ
اكتشاف آثار هذه العملية سنة 5988م برزت اهتمامات املختصني يف علم اآلثار واملهندسني
)(222
Chevallier(R.), Essai de chronologie des centuriations romaines de Tunisie, in :
M.A.H., T.70, 1958, p124
)(223
Picard (G.Ch-.), La civilisation de l’Afrique Romaine, librairie Plon, Paris 1950,
p3.
63 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
واملؤرخني ،ث تضاعفت تلك االهتمامات أكثر مع ظهور الصور اجلوية كأداة مفيدة يف دراسة
هذه األعمال بعد أن كانت عملية دراستها ميدانيا مهمة صعبة (.)224
0 -Iالكنترة :
تعترب عملية الكنرتة ( )centuriationمن األعمال اخلاصة بالتهيئة الزراعية اليت اشتهر هبا
الرومان واختصوا هبا ( )225دون غريهم من الشعوب األخرى ،والكنرتة هي شكل من أشكال
مسح األراضي لتهيئتها زراعيا ،وهي عملية تقسيم منظمة لألرض بطريقة تشكل بواسطتها
عددا معينا من الوحدات الكنتورية املتساوية باستعمال شبكة من اخلطوط املستقيمة(،)226
ويدل مصطلح "كنتوريا )227( "Centuriaعلى مساحة من مائة هرييديا ) (Herediaوهي
مساحة مربعة طول ضلعها 541قدم روماين ،كما تساوي الوحدة الكنتورية أيضا 511يوغريا
( )224كان فالب أول من الحظ بان سهل املرسى(تونس) مقسم إىل مربعات بواسطة شبكة من الطرق والطرق
الضيقة املتقاطعة انظر- Falbe (C.T.), Recherches sur l’emplacement de Carthage, :
l’imprimerie royale, Paris, 1833, p54.؛ ث توالت بعد ذلك عدة دراسات وأحباث أمهها أحباث
عدد من املهتمني واملختصني منهم :داناو ) (Danauوشولنت ) (Schultenوتوتان ) (Toutainوبارتل
) (Barthelوسوماين ) (Saumagneودافان ) (Davinالذين تركزت أحباثهم حول منطقة قرطاج واجلنوب
التونسي ،وأول من استعمل الصور اجلوية يف دراسة الكنرتة هو سوماين سنة 5885م ليفتح بذلك جماال أمام
الباحثني الستعمال هذه التقنية وأول عمل يف هذا اجملال هو العمل الذي قام به شوفاليي )(Chevallier
باالشرتاك مع املهندس كامير ) (Caillemerاللذين أجنزا عمال بعنوان أطلس أشغال الكنرتة الرومانية يف تونس
) (Atlas des centuriations Romaines de Tunisieث جاءت بعد ذلك عدة أحباث متأخرة أمهها
أحباث سوايي ) (Soyer J.و تروسي ،انظر:
-Trousset (P.), Nouvelles observations sur la centuriation romaine à l’est d’El-
Jem, Ant.Af, N° 11, 1977, p184.
)(225
France (J.), l’Afrique Romaine des Flaviens aux Vandales Cours de Jérôme
France– Université Michel de Montaigne-Bordeaux 3, http:// www. youscribe.
com ,p 8.
)(226
Gsell (St.), H.A.A.N., T.VII, p. 11.
( )227إذا كانت املساحات املشكلة من عملية املسح مربعة الشكل فإهنا تسمى centuriaeأما إذا كانت مستطيلة
الشكل فإهنا تسمى ، scamna-strigaeانظر:
-Schulten (A.), l’arpentage romain en Tunisie, Bulletin Archéologique du Comité
des Travaux Historiques et Scientifiques, Année 1902, Paris, pp136-137.
64 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
( .)Jugeraويتم وضع حدود ( )Limitatioتلك الوحدة عن طريق إنشاء تقاطعات ترسم على
()228
األرض انطالقا من نقطة مرجعية هي أصل احملورين الرئيسيني الكاردو والديكومانوس
تتفرع عنهما جمموعة من اخلطوط املتوازية لتشكل مربعات مساحة كل واحدة منها حوايل 51
هكتارا وطول الضلع فيها يبلغ 151م( )229وعملية التقسيم هذه معقدة وتتطلب دقة يف
احلسابات وتتضمن عددا من التخطيطات أمهها:
)(228
Decramer(L.R.)et autres, approche géométrique des centuriations romaines, les
nouvelles bornes du bled Segui, Histoire et mesure(en ligne) ,XVII-1/2 ,2002,mis
en ligne de15 Novembre 2005, URL : http:// histoire mesure. revues.org/903,p3.
( )229ما يؤكد دقة هذه العملية اليت قام هبا املهندسون الرومان هو عثور الباحثني على أطوال تكاد تقارب 151م أو
تزيد عنها بقليل فعلى سبيل املثال عثر سوماين يف أحباثه اليت أقامها غرب منطقة اجلم على طول 5411قدم ما
يعادل 118.5م انظر:
- Saumagne(Ch.) ,Les vestiges d’une centuriation romaine a l’est d’El-Djem, in :
C.R.A.I. , 73ème Annee,N°4,1929,p309.
)(230
Deneuve (J.) Villedieu (F.), Le cardo maximus et les édifices situés à l’est de la
voie (secteur C), in : Ant.Af., N°11 ,9111 , p 99.
( )231الكنتوريا ( )Cenutriaأو الوحدة الكنتورية قطعة من األرض مساحتها 511أربنت .
65 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
العادية اليت بداخل الوحدة الكنتورية( )232ويف بعض احلاالت خاصة بالسهول
الواسعة تعوض تلك األسوار بارتفاعات ترابية ،كما استعملت أنصاب حجرية
( )bornesمثل اليت اكتشفت على احلدود اجلنوبية للربوقنصلية(انظر أدناه
الشكل()9ص )95وقد استعملت لتحديد املساحات املكنرتة وتعود لعهد تيربيوس
( ، )233( )Tibèreوحتمل هذه األنصاب احلجرية نقوشا تتمثل يف رموز وأعداد
واجتاهات (انظر أدناه الشكل( )9ص ،)95باإلضافة إىل صليب ينقش على
الوجه العلوي حيدد نقطة التقاطع ( ،)Decussisوأول من عرف أهنا أنصاب
هندسية تتعلق باملسح هو النقيب دانو( )Danauالذي عثر على بعض منها حول
شط الفجاج أواخر القرن التاسع عشر ،وقد عثر إىل حد اآلن على 84نصبا
حجريا خاصا هبذه العملية(. )234
)(232
Trousset (P.), Nouvelles observations …Op.Cit., p184.
)(233
Trousset (P.), les bornes du bled Segui. Nouveaux aperçus sur la centuriation
romaine du Sud Tunisien, in Ant.Af., N°12, 1978, p125.
)(234
Ibid., nouvelles observations..Op.Cit.,p186.
66 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
-أراضي مساحتها محدودة ( )Loca Relictaمل تتم كنرتهتا نظرا لطبيعة أراضيها غري
اجليدة أو بسبب وجود أراضي أخرى مفضلة عليها وهلذا يتخلون عنها ،وتطلق أيضا
هذه التسمية على األراضي الصاحلة للزراعة اليت تقل مساحتها عن مساحة وحدة
كنتورية.
-أراضي أخرى ويكون ذلك إما ألهنا غري صاحلة للزراعة وتقع خارج حدود املساحة
املكنرتة ومتتد خارج حدود اإلقليم ( )Loca extra clusaأو أهنا أراض جبلية أو أن
عملية الكنرتة مل تصل إليها(.)236
تعترب القراما ( )Gramaأداة ضرورية يف عملية املسح والقياس ،وهي تسمح ملهندس
املساحة باملالحظة والقياس وإنشاء خطوط مستقيمة حسب االجتاه املراد (انظر الشكل()1
ص ، ) 18وعند مباشرة العمل خيتار هلا مكان مالئم لتثبيتها فيه ويكون ذلك املكان نقطة
()237
. )(Locus gramae البداية يف ختطيط احملاور ويسمى مكان القراما
ويف ختام هذه األعمال يتم إجناز خريطة ( )Formaللمجال حتفظ يف إدارة املساحة
وتستغل عند احلاجة ألغراض التنظيم االقتصادي و اإلداري واالجتماعي...اخل.
()235
Moatti (C.), Op.Cit.,p67.
)(236
Saglio(E.)et Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R. ,T.III,volume2,p1281.
)(237
Decramer(L.R.)et autres ,Op.Cit.,pp24-25.
67 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
امجع املؤرخون على أن أعمال الكنرتة اليت أقيمت بأفريقيا هي إبداع روماين وال وجود
لدليل يقر بان القرطاجيني قد قاموا بعملية مسح رمسية إلقليمهم( )238رغم وجود دليل على أن
األفارقة قد عرفوا قبل وصول الرومان شكال من أشكال التهيئة الزراعية والتقسيم الذي يشبه
أعمال الكنرتة الرومانية ( )239وهو ما يفتح اجملال للتساؤل عما إذا كان الرومان قد استوحوا
بعض عملهم هذا من أصول حملية ومن تقاليد زراعية قدمية باملنطقة؟ مل هتتم الدراسات كثريا
مبسألة أصل هذه األعمال وكل املتخصصني يف هذا اجملال يدرسونه على أنه عمل روماين حبت
شرع فيه بعد سقوط قرطاج مباشرة متجاهلني الفرتة اليت قبلها ،ومن الصعوبة إثبات إن كان
الرومان قد تأثروا ببعض األفكار واملبادرات احمللية ولكن ميكن القول بأنه من املمكن أهنم قد
استفادوا من بعض التجارب احمللية يف هذا اجملال وهو الرأي الذي سار عليه شوفاليي حني
أكد" أن روما يف أفريقيا أو غريها قد أخذت بعني االعتبار التقاليد احمللية يف التقسيم
واستطاعت أن تستفيد من املمارسات الزراعية القدمية هبذه املناطق" (.)240
إن قلة النصوص والنقوش املرتبطة بالكنرتة قد جعل من عملية حتديد تاريخ الشروع
واالنتهاء منها أمرا صعبا خصوصا وان األحباث األثرية والصور اجلوية امللتقطة تربز وجود عدة
جمموعات ختتلف يف توجيهها مما يدل على أن املسح بالشمال األفريقي قد مت عرب عدة
مراحل؛ ففي إقليم أفريقيا القدمية ( )Africa Vetusاستنتج الباحثون وجود ثالث جمموعات
رئيسية (انظر أدناه اخلريطة ( )1ص:)14
-الكنترة شماال ( :)Centuriation Nordمتتد آثار هذه اجملموعة من بنزرت مشاال إىل
النفيضة جنوبا على مسافة 551كلم ومن رأس بونة ( )Cap Bonشرقا إىل تربسق
غربا على مسافة 591كلم مشكلة بذلك مساحة من 55111كلم مربع وتتجه
)(238
Gsell(S.),H.A.A.N.,T.VII,p11.
( )239انظر أعاله ص.59
)(240
Chevallier(R.), Essai de chronologie...Op.Cit.,p64.
68 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
باجتاه مطلع الشمس خالل االنقالب الصيفي( )241( )Solstice d’étéوامجع املؤرخون
أن عملية كنرتة املنطقة ترجع إىل ما بعد سقوط قرطاج مباشرة سنة 549ق.م ورجح
فالب ( )Falbeأن تكون هذه التقسيمات قد أقيمت بني فرتيت حكم يوليوس قيصر
()242
،بينما أكد شولنت (61()Jules Césarق.م66-ق.م) وأغسطس()Auguste
( )Schultenأهنا من منجزات غايوس غراكوس (.)243( )C. Gracchus
-الكنترة في الوسط الشرقي ( :)Centuriation Centre-Estمتتد على طول الساحل
الشرقي على مسافة 551كلم من مشال سوسة إىل جنوب الشابة ومن سبخة اجلم
غربا إىل الساحل شرقا على مسافة 81كلم احنرف توجيهها عن اجملموعة األوىل ويرى
الباحثون أن تاريخ البدء يف إنشاء مسحها متأخر مقارنة بسابقتها(.)244
-الكنترة في الجنوب الشرقي ( :)Centuriation Sud-estتتواجد هذه اجملموعة على
احلدود اجلنوبية للربوقنصلية وهي ناجتة عن توسع االستعمار الروماين حنو اجلنوب
وختتلف كليا يف اجتاهها عن اجملموعتني السابقتني فهي تتجه باجتاه مطلع الشمس
خالل االنقالب الشتوي( ، )Solistice d’hiverويعتقد شوفاليي بان الرومان قد طبقوا
هبذه املنطقة طرقا مستعارة من الشرق اليت تتالءم أحسن مع مناخ املنطقة ( )245ويرجع
()246
. تارخيها إىل عهد أغسطس
مع مرور الوقت زاد التوسع الروماين حنو الغرب واجلنوب فامتدت عملية الكنرتة لتشمل
هذه املناطق؛ فقد كشفت النصب احلجرية اليت عثر عليها على احلدود اجلنوبية للربوقنصلية أن
هذه العملية تعود إىل عهد تيربيوس وقد قام هبا الفيلق الثالث األغسطي ( Legio III
()241
Chevallier(R.), Essai de chronologie...Op.Cit., p61.
()242
Falbe (C.T.), Op.Cit., p55.
()243
Schulten(A.), Op.Cit.,p158.
()244
Caillemer(A.), Chevallier(R.), Les centuriations de l’Africa Vetus, in :
E.S.C.,9éme Année, N°4, 1954, p 438.
()245
Ibid., pp 442-445.
()246
Troussset (P.), Nouvelles observations. Op.Cit., p174.
69 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
بني جويلية 58وجويلية 81م ،أي أن عملية املسح هذه قد أقيمت بعد مرور 9سنوات فقط
على إمخاد ثورة تاكفاريناس (. )247
امتدت هذه العملية بعد ذلك لتشمل حيدرة ( )Ammaedaraومنطقة تبسة وقد عثر
على آثار عملية الكنرتة الرومانية جنوب األوراس بني منطقة نقرين وبادس وبسهل قارت
) (Guertواحململ (خنشلة) وقد رجح بريبان ) (Birebentأن ترجع هذه األعمال إىل القرن
األول وبداية القرن الثاين بعد امليالد( ،)248كما كشفت الصور اجلوية عن وجود آثار لعملية
كنرتة رومانية مبنطقة تاجنانت خاصة بإقليم قبيلة اوالد عبد النور احلالية وحول جبل اغرور
) )249((Rherourكما عثر أيضا على أعمال كنرتة تعود لفرتة متأخرة جنويب شط احلضنة يعتقد
أهنا أجنزت يف عهد سبتيميوس سيويروس(588() Septimius Severusم555-م) ).)250
لقد ارتبط املسح يف املناطق اجلنوبية املتامخة للصحراء باألعمال اليت يكون قد قام هبا
الفيلق الثالث األغسطي ،حيث يكون هذا العمل قد أوكل إليه يف تلك األراضي منذ بداية
السيطرة عليها وإنشاء الطرق مثل الطريق الرابط بني حيدرة وقابس (تاكابس (Tacapesحتت
حكم تيربيوس ،كما يكون الفيلق قد اشرف كذلك على عملية هتيئة األراضي وكنرتهتا؛ هذه
العملية اليت قام هبا مهندسو مساحة عسكريون ينتمون إىل هذا الفيلق يتمتعون خبربة كبرية يف
هذا اجملال دلت عليها دقة احلسابات والتخطيطات اليت عثر عليها هبذه املناطق(. )251
وجتدر اإلشارة إىل أن أراضي املدن احلرة مل تقم هبا عملية الكنرتة من البداية باعتبار أهنا
كانت معفاة من الضرائب اليت كانت احد األهداف الرئيسية لعملية الكنرتة وما اختالف
()247
Toutain (J.), Le cadastre romain dans l’Afrique du Nord au début de l’Empire,
inscriptions du Sud tunisien relatives à l’arpentage sous Tibère,
in : C.R.A.I.,50éme Année , N°4, 1906, p 267.
()248
Birebent (J.), Aqvae Romanae, recherches d’hydraulique romaine dans l’est
Algérien, Service des antiquités de l’Algérie, Alger 1962, pp 42-43.
()249
Soyer (J.), Les cadastres de la région de Saint-Donat (Algérie), in : Ant.Af., N°7,
1973, p275.
()250
Chevallier(R.), Essai de chronologie…Op.Cit., p 107.
()251
Trousset (P.), Les bornes du bled Segui… Op.Cit., pp 143-144.
70 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
مسحها عن باقي املناطق إال دليل على أن الفرتة الزمنية اليت أقيمت فيها خمتلفة ،فمدينة أوتيكا
على سبيل املثال قد بقيت مدينة حرة إىل سنة 54ق.م وهلذا فإن عملية كنرتة أراضيها تكون
قد متت دون شك بعد هذا التاريخ (.)252
ومن جهة أخري فان أول إشارة إىل املسح األفريقي تعود إىل القانون الزراعي لعام555
ق.م ،ومن خالل ما ورد فيه استنتج الباحثون أن تاريخ الكنرتة األفريقية قد سبق إصدار هذا
القانون وان هناك قسما من األراضي األفريقية ال ينتمي إىل األراضي اليت متلكتها اإلدارة
الرومانية ومع ذلك فإنه خضع ألعمال للمسح( ،)253كما أشارت نصوص القوانني الزراعية
اليت اكتشفت بعني واصل وهنشري مطيش إىل وجود كنرتة هبذه املناطق اليت أقيمت فيها
مستثمرات إمرباطورية واسعة ،باإلضافة إىل القانون الصادر يف سنة 455م ( )254الذي بني أن
األراضي الصاحلة للزراعة مبقاطعة الربوقنصلية كلها خضعت لتجزئة كنتورية حيث كان عددها
بإقليم املزاق( 55515 )Byzacèneوحدة كنتورية منها 1491وحدة مزروعة و1155
وحدة مهملة ،أما بإقليم زوجيتان ( )Zeugitaneفكان عددها 54115وحدة؛ منها 5111
وحدة مزروعة و 8115وحدة مهملة (.)255
إن اهتمام الرومان بتنظيم األراضي األفريقية وختصيصهم ملساحني خمتصني وجتنيدهم
للجيش للقيام بعملية الكنرتة إمنا يدل على أن هلم أهدافا يسعون لتحقيقها تضاهي يف قيمتها
حجم اإلمكانيات املخصصة هلا وما إصرارهم على التوسع خاصة باجتاه اجلنوب وتكبدهم
عناء مواجهة القبائل الرببرية يف العديد من املناسبات إال دليل على أن للرومان أهدافا هامة هم
يف حاجة لتحقيقها.
()252
Peyras(J.),paysages agraires et centuriations dans le bassin de l’oued Tine
(Tunisie du Nord), in :Ant.Af. ,N°19,1983, p249.
( )253
Gsell(St.) ,H.A.A.N., T. VII, pp13-14. ; Chevallier(R.), Essai de
chronologie…Op.Cit., p64-67.
()254
Code Théodosien, éditions T.Mommsen et P.Meyer, Berlin1905,XI,28,13.
()255
Schulten (A.) ,Op.Cit., pp135-133.
71 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
()256
تأيت األهداف السياسية يف مقدمة األهداف حيث يري كولوندو ()Kolendo
أن عملية املسح كان هلا هدف سياسي ومايل(ضرييب) فاألهداف االقتصادية حسبه مل تتسبب
يف القيام هبذا املسح على األقل يف بدايته ،ألن أعمال املسح اليت أقيمت جنوبا بني
عامي81-58م مل تكن هبدف زراعة تلك األراضي بقدر ما كانت هتدف إىل مراقبة القبائل
الثائرة (املوسوالم) .ويري تروسي ( )Troussetبان املسح اجلنويب كانت له ثالثة أهداف
رئيسية :توسيع االستعمار إىل آفاق جديدة وتثبيت القبائل بتحديد جماهلا وملكياهتا ث ربطها
بعدما أصبحت مستقرة باملراكز احلضرية حتت سياسة حتضري املناطق املتامخة للصحراء( )257ويف
نفس الوقت هو حماولة من الرومان القضاء على منط احلياة االقتصادية واالجتماعية السائد
هبذه املناطق القائم على الرعي والرتحال الذي ال يتوافق مع رغبة الرومان يف توفري األمن
واالستقرار لزيادة اإلنتاج الزراعي هبذه املناطق لتغطية نقائصها الغذائية بروما.
وقد فسر البعض غياب املسح يف بعض املناطق على غرار السالسل اجلبلية بتعمد
املساحني الرومان جتاهلها هبدف عزل سكاهنا الذين احتموا هبا هربا من بطش االستعمار
الروماين وإبعادهم عن الطرق الرئيسية والسيطرة عليهم ومراقبتهم( .)258ويف حاالت أخري
تستعمل املعلومات الرقمية احلسابية املنقوشة على النصب اخلاصة بالكنرتة يف حتديد أبعاد
املناطق اليت تتحصن هبا القبائل الثائرة هبدف احلصول على املعلومات وتقدير األخطار.
إن تزايد اهلجرات الرومانية للمنطقة هو السبب الذي دفع باحلكام الرومان إىل إجياد
طريقة ينظمون بواسطتها األراضي الزراعية بطريقة جتنبهم مشاكل يف املستقبل وهلذا جلأوا إىل
()256
Kolendo(J.), Le colonat en Afrique sous le Haut-Empire, centre des recherches
d’histoire ancienne, vollume17, Paris 1976, p16.
()257
Trousset (P.), Les bornes du bled Segui… Op.Cit., p 161.
()258
Caillemer(A.), Chevallier(R.), les centuriations de l’Africa Vetus…Op.Cit. , p441.
72 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
قواعد علمية تنظيمية يف تقسيمهم لألرض هبدف توزيعها بطريقة عادلة بني الوافدين اجلدد
للمنطقة(.)259
ارتبطت عملية املسح أيضا بالعامل الضرييب فقد سهلت عملية الكنرتة حتصيل
الضرائب؛ حيث كانت كل وحدة كنتورية تدفع ضريبتها املستحقة وفق ما حتدده املصاحل
الضريبية بالربوقنصلية ،و يف هذا اإلطار يري البعض أن آثار الكنرتة األفريقية ما كانت لتصمد
طوال هذه القرون لوال خاصيتها املالية (الضرائب) ( ،)260ومن جهة أخري فان عملية الكنرتة
كانت ترافقها عملية إنشاء خريطة لإلقليم( )Formaاليت تستغل فيما بعد يف عدة جماالت
خاصة اجملال العسكري والضرييب ،باإلضافة إىل أن عملية الكنرتة تسمح باإلحصاء الدميوغرايف
واالقتصادي (.)261
كانت أعمال الكنرتة هذه ضرورة اقتصادية واجتماعية وسياسية يف نظر اإلدارة
الرومانية ،ولتحقيق هذه الضرورة مت جتسيد هذا العمل على األرض األفريقية بطريقة منظمة
أهبرت العديد من الباحثني ،ث أن أعمال الكنرتة هذه تربز من جهة طريقة من الطرق اليت متكن
بواسطتها االحتالل الروماين من غرس جذوره بالشمال األفريقي ،ومن جهة أخري تقدم لنا
مثاال حيا على األسس الصحيحة العلمية والقانونية اليت ينبغي إتباعها يف سبيل حتقيق هنضة
اقتصادية حقيقية و دائمة.
()259
شنييت(حممد البشري) ،التغيرات االقتصادية واالجتماعية في المغرب أثناء االحتالل الروماني ودورها في
أحداث القرن الرابع الميالدي ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،اجلزائر ، 5894ص.51
)(260
Saumagne(Ch.), La photographie aérienne au service de l’archéologie en
Tunisie, in: C.R.A.I., N°2, 9125 , p 319.
)(261
Chevallier) R.), Essai de chronologie… Op.Cit., p126.
73 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
أدت احلالة اليت كانت عليها األراضي األفريقية وظروف استغالهلا إىل إصدار موظفي
الدولة الرومانية جملموعة من النصوص والقوانني من اجل تنظيمها وجعلها أكثر استغالال وأيضا
من اجل تنظيم العالقات بني املالك والعمال وحتديد حقوق وواجبات كل طرف ،كما حددت
أيضا األنصبة الضريبية اليت تدفع نظري االستغالل الزراعي ،واملالحظ أن جل هذه النصوص
تتعلق باألراضي املهملة أو اليت مل تستغل بعد من طرف املالك كأراضي البور وأراضي
املستنقعات واألراضي اليت مل تشملها حدود الكنرتة ،ومل تتعرض هذه النصوص إىل األراضي
اخلصبة واملستثمرات املنتجة اليت حافظت على وضعيتها القانونية املعروفة(. )262
نص سوق الخميس( :)l’inscription de Souk El-Khmisهذا النص يرجع إىل عهد
()262
شنييت (حممد البشري) ،التغريات االقتصادية ...مرجع سابق ،ص.98
76 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
الفرتة املمتدة بني ( ،)558-514ومن احملتمل جدا انه يعود إىل سنة 595أو
598م ،وهو متعلق بوضعية الكولون( )263باملناطق الريفية لإلمرباطورية الرومانية(.)264
( )263إن مصطلح الكولون( )Colonله عدة تأويالت ،ففي بعض األحيان يقصد به يف النصوص األفريقية سكان الريف
األحرار الذين يزرعون أراضيهم ،ويف أحيان أخري يطلق املصطلح على املزارعني الذين يستغلون أراضي الغري،
وهناك نوع آخر من الكولون الذين ولدوا على أراضي الدومان ويكتسبون احلق يف استغالل األرض اليت ولدوا
عليها ،باإلضافة إىل الكولون الذين يتمتعون حبق خاص يف ملكية األراضي اليت استصلحوها وهلم احلق يف تركها
للورثة منذ عهد تراجان ،والكولون على العموم هم مزارعون أحرار هلم احلق يف الزواج وتكوين عائالت واحلق يف
اإلرث ،انظر:
- Lacroix (F.), L’Afrique Ancienne, R.Af , volume14, 1870 , pp26-27.; Pernot (M.),
L’inscription d’Henchir-Mettich, in : M.A.H., T. 21,1901,p72.
()264
من رسالة إىل السيد دجياردان شرح فيها عددا من النصوص األثرية أنظر :
()265
Cagnat(R.), Inscription d’Henchir-Mettich, in : C.R.A.I., 41éme Année, N°2, 1897,
p146.
( )266استنتج توتان Toutainوهو مصيب يف ذلك أن التسمية :مزرعة فاريانوس الكبرية ( )Villae Magnaeهي
االسم اجلديد (الروماين) هلذا الدومان ،و فاريانوس ( )Varianusهو االسم األول ملالكه ،أما االسم الثاين
( )Mappalia Sigaفهو االسم احمللي (األمازيغي) القدمي هلا ،انظر:
- Toutain(J.), L’inscription d’Henchir Mettich, un nouveau document sur la propriété
agricole dans l’Afrique romaine, in : C.R.A.I.,1902, p45.
()267
Pernot (M.), Op.Cit.,p69.
()268
Toutain (J.), L’inscription d’Hènchir Mettich… Op. Cit. , p 44.
77 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
جوان 5819م على بعد 9كلم جنوب غرب عني تونقة ( )Ain Toungaعلى سرير
وادي خالد ( )Kralledعرف بنص عني اجلمالة نسبة إىل دوار عني اجلمالة القريب
من موقع اكتشافه ويتعلق بفندس نريونيانوس( ،)269( )Neronnianusوحيتوي هذا
النص على عريضة ( )petitionطالب من خالهلا املزارعون السماح هلم باستغالل
األراضي غري الصاحلة للزراعة للمستنقعات ويهدفون من خالهلا إىل استعطاف
اإلمرباطور ،وتضمن النص أيضا إجابة الربوكرياتور الذي استجاب لطلبهم مستندا يف
ذلك إىل قانون هادريان(.)270
نص عين واصل ( : )l’inscription d’Ain Ouasselويسمى أيضا مرسوم الربوكرياتور
( )Sermo Procuratorumعثر على هذا النص منقوشا على ثالثة أنصاب حجرية
قرب نبع ماء يدعى عني واصل وذلك قرب تربسق ،وهذا النص خاص بسالتوس
بورونيتانوس( )Burunitanusورد فيه فصل من فصول قانون هادريان املعروف قبل
()271
،وحتدث النص عن أمور ثالث :حق امللكية( jus ذلك يف نص سوق اخلميس
، )possidendiاألقساط الضريبية( )partes fructuumواإلعفاءات الضريبية ملدة
مخس سنوات يتوجب بعدها استخالص العائدات من طرف
الكوندكتور()Conductorويعود النص إىل عهد سبتيميوس سيويروس(.)272
()269
Carcopino (J.), Inscription découverte vers Ain Tounga intéressant l’histoire de
la colonisation en Afrique et du colonat partiaire dans tout le
monde romain, in : C.R.A.I. , 50éme Année ,N°8, 1906, p540.
()270
Ibid., Mission en Tunisie (1906), Extrait de souvenirs romains, Hachette, 1967,
ch.VII , pp127-128 .; Ibid., L’inscription d’Ain-el-Djemala,
contribution à l’histoire des saltus africains et du colonat partiaire,
in : M.A.H., T.26,1906, pp390-392.
()271
Mispoulet(J-B.),l’inscription d’Ain-Ouassel, Nouvelle Revue Historique de Droit
Français et étranger ,16 éme Année , Paris , 1892, p117.
()272
Carton (Dr.) ,la lex Hadriana et son commentaire par le procurateur Patroclus ,
R.Ar., Paris 1893, pp8-11.
78 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
به مزارعون من األهايل إىل السلطات العمومية للسماح هلم بزراعة األراضي البور (يف
التالل ويف األراضي اليت هبا مستنقعات) زيتونا وكروما حسب ما نص عليه قانون
مانكيانا ،ويظهر أن املزارعني األفارقة قد اجتمعوا فيما يشبه نقابة تعاونية حتت رئاسة
قضاهتم ( )magistriلرفع التماسهم هذا للسلطات املعنية(.)273
العقود الوندالية(:)les Actes Vandalesعبارة عن ألواح من خشب ،نقشت عليها
عقود ملكية قطع أرضية كتبت بواسطة حرب وباللغة الالتينية عثر عليها داخل جرار
سنة 5859م على بعد بضع كلوميرتات من تبسة ،تكرر خالهلا ذكر قانون مانكيانا
ما يدل على استمرارية العمل هبذا القانون خصوصا وان بعض هذه العقود( 9على
األقل) مؤرخة بعهد امللك الوندايل غنثاموند ( )Gunthamundالذي حكم
بني(489-494م)(.)274
فيما يتعلق بقانون مانكيانا الذي يعترب األقدم إال أنه ضاع من سوء احلظ أو باألحرى
مل يتم اكتشافه بعد وقد عرف وجوده انطالقا من النصوص املذكورة أعاله اليت ورد ذكره فيها،
وانطالقا منها استخلص الباحثون بعضا من بنوده ،ويطرح هذا القانون الذي ال نعرف منه
()273
Saumagne (ch.), Inscriptions de Jenan ez Zaytouna, in: C.R.A.I., 81 éme Année ,
N°4,1937, pp294-295.
)(274
Albertini (E.), documents d’époque vandale découverts en Algérie, in : C.R.A.I.,72
éme
Année , N°3, 1928, pp 301-303.
79 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
بصفة أكيدة إال االسم عدة تساؤالت مل حنصل بعد على إجابات عليها ما عدا الرتجيحات
واالفرتاضات اليت اقرتحها الباحثون بشأنه ،واملالحظ استمرارية تطبيق هذا القانون بأفريقيا إىل
عهد متأخر من اإلمرباطورية مثلما دلت عليه ألواح البريتين وهو ما يدل على أن هذا القانون
كان "دستورا" زراعيا مبنيا على قوانني صارمة وفعالة وإال ملا وصل تأثريه إىل غاية القرن اخلامس
امليالدي.
أثار هذا القانون فضول الباحثني نظرا للغموض الذي يكتنفه ،ويف ظل غياب أي
مؤشر نستطيع بواسطته حتديد تاريخ هذا القانون ،جاءت افرتاضات الباحثني متباينة وغري
أكيدة؛ فشولنت يري انه قانون زراعي يعود للقرن السابع بالتقومي الروماين أما كوك ()Cuq E.
فريى انه قانون يعود لفرتة اإلمرباطورية( ،)275أما سوماين فقد ارجع أصوله إىل تقاليد أهلية حملية
( )consuetudoخاصة بأفريقيا ما قبل الفرتة الرومانية جسدت عمليا خالل فرتة
اإلمرباطورية(.)276
مسي هذا القانون نسبة إىل شخص مل يتوصل الباحثون إىل حتديد الصفة القانونية
واملهنية اليت كان يشغلها ،وقد رجح املؤرخ رستوقتزف أن يكون مبعوثا خاصا ألحد الفالفيني
( ،)277وقد يكون حاكما أو موظفا لإلمرباطور أو قاضيا قنصليا كلف مبهمة وضع قوانني
لتنظيم عملية االستغالل الزراعي خالل عهد األسرة الفالفية ومن احملتمل خالل فرتة حكم
اإلمرباطور فسباسيانوس (41()Vaspasianusم11-م)(.)278
يعترب قانون مانكيانا قانونا عاما ينظم العالقات بني املالك والكولون عندما تعتقد
السلطة بوجوب نقل ملكية كل أو جزء من األرض اليت احتفظت هبا يف أفريقيا( ،)279وهو
()275
Cuq (E.), le colonat partiaire dans l’Afrique romaine d’apres l’Inscription
d’Henchir Mettiche, in: C.R.A.I., N°11, 1ere serie ,1901,pp143-144.
()276
Saumagne (ch.), Inscriptions de Jenan ez Zaytouna…Op.Cit. , p295.
( )277رستوقتزف(م ، ).مرجع سابق ،ص.484
( ( 278شنييت (حممد البشري) ،التغريات االقتصادية...مرجع سابق ،ص.15
()279
Cuq (E.), Op.Cit., p143.
80 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
أما قانون هادريان فقد جاء يف ظروف خمتلفة عن الظروف اليت جاء فيها القانون
السابق وهو عبارة عن إصالحات أمر هبا اإلمرباطور هادريان(551م589-م) بعد أن زار
بعض املناطق بأفريقيا فلم يطمئن للحالة اليت وجد عليها األراضي واملستثمرات األفريقية فقرر
إصدار قانون يعيد هلذه املستثمرات حيويتها حمافظا على روح أحكام قانون مانكيانا.
قام هادريان بإصدار قانون لتنظيم األرض اليت مل تزرع واألراضي القاحلة التابعة
ملستثمرات اإلمرباطورية بأفريقيا وكان يريد من وراء ذلك ربط املزارعني باألرض متطلعا إىل
حتقيق االستقرار واالستغالل الدائم لإلمكانيات الزراعية ،وقد عمل على منح املقيمني على
هذه األراضي حق واضعي األيدي ( )possessoresوهو حق شبيه حبق امللكية الفردية فهؤالء
يتمتعون حبق الزراعة( )l’isus colendiوحق االنتفاع الشخصي ( )l’isus propriusعلى
األراضي اخلصبة باإلضافة إىل حق توريثها لفروعهم شرط أن يواصلوا عمل أجدادهم(.)283
()280
Peyras (J.) , la potestas occupandi dans l’Afrique romaine, in: D.H.A.,
volume25, N°1 , 1999 ,p134.
( )281حمجويب (ع ، ).العصر الروماين وما بعده يف مشال أفريقيا(القسم األول) ،تاريخ أفريقيا العام ،اجمللد الثاين
(حضارات أفريقيا القدمية) ،إشراف مجال خمتار ،طبع جني افريك /اليونيسكو 5895،م،ص .489
()282
Picard (G.Ch-.), La civilisation de l’Afrique Romaine…Op.Cit.,p63.
()283
رستوقتزف(م ، ).مرجع سابق ،ص ص.485-484
81 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
يظهر قانون هادريان بأنه عمل واسع يشتمل على عدة أبواب متعلقة على األقل
بتسيري وإدارة الدومان اإلمرباطوري( ،)284فهذا القانون الذي دلت عليه نقيشة سوق اخلميس
وعني واصل هو تنظيم عملي من طرف اإلمرباطور هادريان ومتعلق بإدارة واستغالل الدومان
اإلمرباطوري برتاكتوس قرطاج( )Tractus Carthaginiensisورمبا كل أفريقيا كما يعتقد
ميسبويل ( ،)285()Mispouletأما كاركوبينو فريي أن هذا القانون هو قانون متعلق باإلمرباطورية
كلها(. )286
إن ما مييز هذا القانون هو قابليته للتطبيق يف خمتلف األماكن وعلى خمتلف أنواع امللكية
رغم اختالف العادات وطبيعة األرض واملناخ...وهذا ما جعل الدكتور كارتون()Dr. Carton
يشيد به حيث يقول ":إن املشرع الروماين عرف كيف مينح لتشريعاته هذه املرونة الضرورية
ليجعلها قابلة للتطبيق يف كل مكان والتحديد الكايف لتتأقلم يف ظروف خمتلفة جدا"(.)287
()284
Carton (Dr.), la lex Hadriana…Op.Cit., p14.
( )285
Mispoulet (J-B.),l’Inscription d’Ain-Ouassel…Op.Cit.,p122.
()286
Saumagne (ch.),Inscriptions de Jenan ez Zaytouna...Op.Cit.,p300.
()287
Carton (Dr.), la lex Hadriana…Op.Cit., p19.
( )288عرفت التشريعات األفريقية اهتماما كبريا من طرف الباحثني الذين خصوها بعدة دراسات –اشرنا إيل بعضها-
وكان لنص هنشري مطيش احلظ الكبري من هذه الدراسات باعتباره أهم هذه النصوص ،واكتفينا يف هذا العنصر
باإلشارة إليه معتمدين على ترمجة ( ، )Cagnat R.انظر:
-Cagnat(R.), inscription d’Henchir-Mettich…Op.Cit., pp151-153.
82 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
بالنسبة للزيتون فانه يسمح بغراسة أشجار الزيتون يف األراضي غري املزروعة وال يدفع
الكولون عنها شيئا إال بعد مرور عشر سنوات من غرسها ،أما الذي يطعم زيتونا بريا فعليه أن
يدفع الثلث عن احملصول بعد مرور مخس سنوات فقط .
( )289فيما خيص األقساط الضريبية ،فضلنا اإلشارة إليها يف عنصر الضرائب الزراعية جتنبا لتكرارها ،انظر أدناه
ص.551
83 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
كل نوع زراعة ،وعلى الكولون تسجيل أمسائهم لدي املستأجرين بغرض القيام بأعمال احلراسة
يف بداية كل عام جمانا ،وعلى األجراء الذين يقيمون داخل أو قرب فندس فيال ماغنا أن
يقدموا خدمة حراسة جمانية للمسريين.
ومن جهة أخري ،فان كل املؤرخني قد أشادوا ومثنوا تلك الرخصة اليت منحها قانون
مانكيانا وبعده قانون هادريان للمزارعني باستصالح أراضي البور بغرض زراعتها كروما وزيتونا
وهو ما ولد ازدهارا هلذه الزراعات ابتداء من القرن الثاين بعد امليالد على اخلصوص(،)290
فالبعض منهم قد أشار يف هذا اإلطار إىل عبقرية املشرع الروماين الذي عرف كيف جيعل من
األراضي األفريقية أكثر استغالال ومنه أكثر ازدهارا ،وقد نوه بيكار أيضا برباعة املشرع
الروماين الذي تصور أربعة حقوق كاملة كلها متارس على نفس األرض :حق الشعب الروماين ،
حق اإلمرباطور والرأمساليون الكبار( ، )dominusحق املزارع العام وحق الكولون الذين حيتفظون
بثلثي حمصول عملهم(.)291
وعن حالة الكولون املرتبطني أكثر باألرض ،فان بنود هذه التشريعات قد جاءت يف
صاحلهم حيث سامهت يف حتسني حالتهم املعيشية واالجتماعية ،فقد اكتسبوا ملكيات بعدما
()290
رستوقتزف (م ، ).مرجع سابق ،ص.489
( )291
Picard (G.Ch-.), La civilisation de l’Afrique Romaine…Op.Cit., p62.
84 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
كانوا حمرومني منها قبل ذلك حىت وان كانت يف األراضي اهلامشية ،كما اكتسبوا حق توريثها
ألبنائهم يف حالة املداومة يف استغالهلا.
الشك أن استصالح أراضي جديدة قد أدي إىل زيادة موارد الدولة الرومانية من
الضرائب اليت يدفعها هؤالء كما دل على ذلك نص هنشري مطيش الذي حدد األقساط
املستحقة على الزراعات املستحدثة على هذه األراضي( ،)292فهذه الضرائب املدفوعة هي اليت
تشكل نواة األنونة األفريقية اليت ترسل إىل روما.
لعل ما زاد من أمهية هذه التشريعات واإلصالحات هو كون انعكاساهتا قد مست عدة
أطراف بداية باملزارعني البسطاء ث املالك الكبار وهو ما انعكس على أفريقيا واإلمرباطورية
كلها ،فاملشرع الروماين ببساطة عرف كيف يوفر األطر القانونية اليت تضمن االزدهار والتطور
للقطاع الزراعي ،وهو ما جعل تلك القواعد والتشريعات تندمج يف أعراف وتقاليد األفارقة
ويستمر العمل هبا إىل ما بعد الفرتة الرومانية(.)293
()292
Cagnat(R.), Inscription d’Henchir-Mettich…Op.Cit., pp151-153.
()293
عقون (العريب) ،االقتصاد واجملتمع ...مرجع سابق ،ص.98
85 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
إن ازدهار أفريقيا خالل الفرتة الرومانية على حد تعبري دو كودراي( )De Coudrayمل
يكن قضية مناخية بقدر ما كان مثنا للمجهودات اليت بذلت يف جمال الري( ، )294ومل يكن
التوسع الزراعي احملقق خالل تلك املرحلة إال نتيجة هلذه اجملهودات ،فقد كانت املياه قضية
رئيسية يف االستثمار الزراعي ما جعل األرياف األفريقية تعرف تنافسا كبريا بني املزارعني على
املياه ،فملكية ارض معينة ال يعىن شيئا إذا كانت مصادر املياه هبا منعدمة خاصة باملناطق
الداخلية واجلنوبية ،وعادة ما تقوم نزاعات بني املزارعني بسبب املياه ما جعل احدهم يعلق بأنه
" يف ايطاليا ويف بعض املقاطعات األخرى ،سيكون من اإلزعاج حتويل املياه إىل بستان جارك،
أما يف أفريقيا فاالزعاج حيدث إذا منعتم مروره"(.)295
0-IIIمنشآت الري:
تصنف املنشآت املستغلة يف سقي األراضي الزراعية إىل نوعني رئيسني ؛ منشآت
للتجميع وأخرى للتوزيع ،شهدت االكتشافات األثرية على انتشارها الواسع يف أفريقيا والعديد
منها كان قد أجنز يف الفرتة السابقة للرومان ،واملالحظ هو تكيف هذه املنشآت مع طبيعة
السطح وطبيعة االحندار وكذا مع أصل املياه بشكل جيعل استغالهلا يف الري عمال سهال
وفعاال ،ومن جهة أخري فقد حرص املزارعون على استغالل أغلب مصادر املياه املتاحة سواء
كانت آبارا أو عيونا أو أودية...اخل.
0-0-IIIمنشآت التجميع:
عثر على أسرة أودية مشال أفريقيا على العديد من السدود اليت استعملها املزارعون
حلفظ وختزين مياه هذه األودية الستغالهلا يف الري خالل فرتات اجلفاف ،وعادة ما تقام هذه
السدود يف خوانق األودية واغلبها اصطناعي شيد له جدار معرتض يصد مياه األودية جلمعها،
وقد دلت األحباث األثرية على وجود عدة مناذج من هذه املنشآت يف أفريقيا كالسد املقام
()294
Du Coudray (La Blanchère), l’aménagement de l’eau et l’installation rurale
dans l’Afrique Ancienne, Imprimerie Nationale , Paris 9912, p34.
()295
Gsell(St.), l’Algérie dans l’antiquité…Op.Cit., p65.
86 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
بدومان ( )Enfidaبالقرب من زغوان الذي ختصص مياهه لري سهل دار الباي( ، )296وقد
عرف عن الرومان إتقاهنم الكبري لبناء السدود كما دل على ذلك سد واد درب بالقرب من
قصرين ( )Cilliumالذي يبلغ ارتفاعه عشرة أمتار و طوله أكثر من مائة مرت ،شيدت على
طول جداره املعرتض طريق عرضها حوايل مخسة أمتار( ،)297وقد دل األطلس األثري للجزائر
على وجود عدة منشآت مماثلة من بينها سد اخلرزة على وادي احلم( )El Hamجبهة بوغار
خصصت مياهه لري السهل الواقع على الضفة اليسرى من الوادي( ،)298وسد آخر مقام على
وادي القصب باملسيلة له نفس الدور(.)299
كما اهتم املزارعون جبمع مياه األمطار خاصة باملناطق اجلافة يف بالوعات أو خزانات
طبيعية ،واهتموا أيضا جبمع مياه اجلداول الصغرية ومياه األمطار الرعدية املؤقتة هبدف استغالهلا
يف الري باألرياف ،حيث تقام هذه اخلزانات أو الصهاريج أسفل املنحدرات اجلبلية ث توجه
بعد ذلك إىل خزانات أوسع منها( ،)300وهذه التقنية ابتكار مثايل الستغالل مياه األمطار اليت
يصعب التحكم فيها.
ومن جهة أخرى فقد شهدت االكتشافات األثرية على وجود العديد من اآلبار اليت
تعود للفرتة الرومانية خاصة مشال األوراس والواحات الصحراوية اليت اشتهرت بآبارها
االرتوازية( ،)301وتتميز هذه اآلبار بالدقة العالية للتقنيات املعتمدة يف إنشائها ،كما أن عمقها
الذي يرتاوح بني( 55و41م) مبنطقة جنوب طرابلس على سبيل املثال يكرس النظرية القائلة
باستقرار املناخ خالل تلك الفرتة ( ،)302وقد عثر بأفريقيا على العديد منها مثل بئر أم غموم
( )296
Du Coudray (La Blanchère),Op.Cit., p53.
()297
جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص.555
()298
Gsell (S.) , Atlas Archéologique de l’Algérie(A.A.A.),2éme édition, Agence
Nationale d’Archéologie et de protection des sites et monuments historiques,
Alger1997, , F°56, N°962.
( )299
Ibid., F°25, N°75.
()300
شنييت (حممد البشري) ،التغريات االقتصادية...مرجع سابق ،ص ص .551-518
()301
Birebent (J.),Op.Cit.,p121.
()302
Laronde(A.) ,Op.Cit., p129.
87 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
()304
( )Oum Remoumبناحية سطيف( ،)303وبسداجة ( )Sadadjaوقصر بلقاسم
مبنطقة عني البيضاء (انظر أدناه الشكل( )9ص.) 91
()303
Gsell (St.) , A.A.A. , F°94, N°911.
( )304
Ibid., F°28, N°72,267.
88 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
2-0-IIIقنوات التوزيع:
باإلضافة إىل املنشآت املخصصة لتخزين املياه ،شيدت منشآت أخرى توزع املياه على
األراضي الزراعية ،ويتعلق األمر بالقنوات اليت تنقل املياه من مصادر املياه مباشرة أو من
خزانات احلفظ املشيدة يف األماكن اليت تشرف على احلقول واملزارع واليت خيتار هلا املزارعون
أماكن مرتفعة تسمح بتوزيع مياهها ،وترتبط هذه القنوات بصفة مباشرة بالري وهي ذات
أحجام وأشكال متعددة ترتبط أساسا بطبيعة السطح وقوة تدفق املياه ،وقد درس بريبان عدة
مناذج منها بالشرق اجلزائري كقرية فرجيو( )Fridjouالواقعة جنوب سهل احململ (خنشلة)
اليت اكتشف هبا الباحث عدة قنوات ري خيتلف عرضها حسب احلاجة إىل املياه تستعمل لنقل
مياه عني فرجيو اىل املزارع(انظر أدناه الشكل( )8ص. )98
واحلقيقة أن مثل هذه القنوات الناقلة منتشرة بكثرة يف أفريقا الشمالية وبعضها قنوات
سطحية وأخري باطنية ،واملالحظ أيضا أن ضفاف األودية الداخلية تعترب من أكثر املناطق اليت
عثر هبا على هذه املنشآت ،ولعل ذلك يعود إىل استغالل مياه األودية بكثافة يف هذه املناطق
املعروفة بندرة التساقط وقلة مصادر املياه ،وقد ودل األطلس األثري للجزائر على تواجد آثارها
على ضفاف العديد من األودية من بينها منطقة مستغامن اليت عثر هبا على قناة على مستوى
الضفة اليمىن لوادي مينة تنقل املياه من سد مقام هبذا الوادي على مسافة 4كلم لري
احلقول( ،)305ويف بوسعادة عثر على قناة مماثلة منطلقة من عني مزارزو()Ain Mezarzou
بأوالد خالد على امتداد كيلومرتين خمصصة للري(... )306اخل ،و على مستوى وادي
أغريب( )Ogribالذي يقع على التخوم الصحراوية اجلنوبية على بعد 55كم من خنقة
سيدي ناجي(النمامشة) تظهر آثار هذه القنوات جلية (انظر أدناه الشكل( )51ص)98
حيث تتفرع عدة قنوات رئيسية وثانوية انطالقا من هذا الوادي باجتاه األراضي الزراعية لريها،
كما تظهر آثار واضحة لسد أعلى الوادي جتمع به املياه الستعماهلا عند نقص منسوب
()305
Gsell (St.) , A.A.A., F°21, N°37.
( )306
Ibid., F°36, N°3.
89 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
الوادي( ،)307كما عرف عن مزارعي تلك املرحلة نقلهم ملياه هذه األودية عرب قنوات باطنية إىل
مناطق بعيدة ويف هذا الشأن وصف لنا بركوب املنشآت املنطلقة من وادي أبيغاس
( )Abigasالذي ينبع من األوراس فيحول املزارعون مياهه عرب قنوات باطنية إىل حقوهلم ،
وكانوا يسدون القنوات بسدادات للتحكم يف مياهه واستغالهلا حسب حاجتهم إليها(.)308
)(307
Birebent (J.),Op.Cit.,pp92-94.
()308
Procope de Césarée ,II,19,12.
90 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
المصبا ()Lamasbaهي مدينة مروانة حاليا أو مدينة ( )Corneilleخالل العهد االستعماري الفرنسي. ()309
( )310
Pline l’Ancien, XVIII, LI. 22.
91 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
()311
يف عثر على هذا النص عام 5911م من طرف ماسكوراي ()Masqueray
خرائب المصبا (انظر أدناه الشكل( )55ص ،)88وتكمن أمهية هذا النص يف احتوائه على
معلومات قيمة ومتنوعة عن العمل الزراعي ،فقد ورد فيه أمساء املالك ومقدار مساحة األرض
وقيمتها ،باإلضافة إىل املدة الزمنية املخصصة للري لكل مالك ،وقد حدد هذا الوقت حتديدا
دقيقا بداية بالتاريخ اليومي الذي يشرع فيه يف عملية الري (بداية من 55سبتمرب) والفرتة (ليال
أو هنارا) باإلضافة إىل عدد الساعات املخصصة للري لكل مزارع واليت حددت فرتة بدايتها
وهنايتها بصفة دقيقة (مثال من الساعة الواحدة صباحا إىل الساعة الثالثة صباحا) (.)312
ويظهر من خالل األسطر األوىل هلذا النص الذي نقش على لوح حجري أن الكولون
مالك هذه األراضي اليت تستفيد من الري مل يكونوا راضني من طريقة تقسيم املياه اليت كانت
سائدة من قبل حتت حكم إالقابالوس(555-559 Elagabalusم) وبذلك يكونون قد
كلفوا نائبني أو أكثر بصياغة نظام جديد يسود فيه العدل ويراعى فيه مقدار املساحة
واملوقع...اخل ،وقد أشار النص إىل أن من قام بصياغة هذا النظام هو فالنتينوس
( )Valentinusومساعده(.)313
ونظرا للتساقط غري املنتظم يف هذه املنطقة ،فان مزارعي المصبا كانوا ميارسون "ريا
شتويا" قصد جتنب آثار ندرة األمطار يف مواسم اجلفاف ،وقد أشارت النقيشة بوضوح إىل أن
موسم الري يشرع فيه ابتداء من 55سبتمرب إىل غاية أواخر شهر مارس على األرجح الن
اجلزء السفلي من النقيشة غري مكتمل ( ،)314وفرتة الري هذه توحي إىل أن الزراعات املمارسة
( )311
Masqueray(E.) , 2éme rapport à M. le Général Chanzy gouverneur général de
l’Algérie sur la mission dans le sud de la province de Constantine , R.Af. ,N°21,
1877, pp33-45.
( )312
De Pachtre (F.G.), le règlement d’irrigation de Lamasba , in : M.A.H. ,T.28, 1908,
p374.
( )313
D.Shaw (Brent) , Lamasba; an ancient irrigation community, An.Af., T.18, 1982,
p70.
( )314
Pavis d’Escurac (H.), Op.Cit. , p182.
92 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
هي زراعات شتوية مثل زراعة القمح والشعري باإلضافة إىل زراعة الزيتون الذي دل النص على
زراعته وشهدت علية آثار املعاصر املكتشفة باملنطقة.
أشار النص إىل أن مصدر املياه هو مياه كلوديانا ( ،)Aqua Claudianaوهي على
حد افرتاض البعض قناة ناقلة()315يف حني اعتربها آخرون سدا مزودا بشبكة من
القنوات( ،)316بينما رجح شاو ( )D.Shawأن تكون عينا قريبة من املنطقة( ،)317ويف هذا
اإلطار دائما مت العثور على قناة باطنية ناقلة للمياه خالل فرتة االحتالل الفرنسي باملنطقة أثناء
تشييد مدينة مروانة (.)318()Corneille
إن األراضي املعنية بالري يف المصبا عبارة عن مدرجات( ،)Scalaeلذا كان ريها
يكتسي ميزة خاصة ؛ فاملياه تنقل من مدرج آلخر وفق مدة زمنية حمددة ،وكل املدرجات
مزودة بقنوات وقد أشار النص إىل ختصيص ساعة كاملة حىت متتلئ قبل الشروع يف عملية
الري( ،)319ويف املنطقة العلوية هلذه املدرجات هناك سد موزع للمياه وفق نظامني :مياه صاعدة
ومياه نازلة وفق مبدأ التناوب ،فاملياه النازلة هي املياه اليت تنزل مباشرة من السد عرب قنوات إىل
احلقول لريها ،أما املياه الصاعدة حسب تفسري البعض فرتفع إىل علو أعلى بواسطة آلة خاصة
(ناعورة) ليعاد توزيعها على احلقول بعد ذلك( ،)320غري أن هذه النظرية مل تلق ترحيبا عند
الكثريين ،ويبدو أن تفسري دو باشتري ( )321( )De Pachtreأكثر إقناعا ،حيث اعترب أن فرتة
شهر كامل قد كانت مقسمة إىل أربع فرتات؛ فرتتان من عشرة أيام للمياه النازلة تتخللهما
فرتتان من مخسة أيام للمياه الصاعدة وهو ما أشار إليه النص ،فالنظام يبقي نفسه بينما
منسوب املياه هو الذي يتغري بتغري االحندار ،حيث أن منسوب املياه النازلة أعلى من منسوب
املياه الصاعدة وهلذا جاءت االختالفات واضحة يف النص فيما يتعلق مبقدار الساعات
( )315
Birebent (J.),Op.Cit.,p400.
( )316
De Pachtre (F.G.),Op.Cit., p383.
( )317
D.Shaw (Brent) , Op.Cit., pp72-73.
()318
Birebent (J.),Op.Cit.,p011.
( )319
De Pachtre (F.G.),Op.Cit., p011.
( )320
Corpus Inscriptionum Latinarum (CIL.),Berlin,1881 , VIII, 4440,p956.
( )321
De Pachtre (F.G.),Op.Cit., pp386-387.
93 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
املخصصة للري رغم تقارب املساحة املزروعة ،فماتيوس فورتيس ( )Mattius Fortisمثال
خصصت له أربع ساعات لري مساحة K 819من املياه النازلة بينما دونتيليوس سينيكس
( )Dentilius Senexخصصت له سبع ساعات لري مساحة مماثلة ( )K 811من املياه
الصاعدة(.)322
تنبغي اإلشارة إىل أن األمساء الواردة يف النص كلها أمساء رومانية وبعضها أمساء نساء
وأربعة أمساء أخري لقدماء اجلند ،واملالحظ أيضا هو تقارب هذه األمساء من بعضها البعض ما
يوحي إىل أنه رمبا تكون هذه األراضي ملكيات متوارثة ( ،)323كما أن النص عرفنا بوحدة
مساحية جديدة وهي املعرب عنها حبرف( )Kاليت مل يتوصل الباحثون إىل حتديدها وقد تكون
وحدة خاصة تعارف عليها مزارعو منطقة المصبا.
( )322
Birebent (J.),Op.Cit., pp403-404.
()323
Pavis d’Escurac (H.), Op.Cit. , p184.
94 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
فاملناخ مماثل ملا هو عليه اليوم( )324والرتبة خصبة مشبعة بفوسفات الكلس تسمح للمحراث
بشقها بكل سهولة ونعومة( )325رغم أن جوليان قد زعم جزافا بان البلدان اليت استعمرها
الرومان مل تكن خصبة يف جمملها بسبب وجود طبقة من الكلس املستعصية على احملراث
باإلضافة إىل اجلفاف وهي عوامل حسبه حتول دون وفرة اإلنتاج( ،)326غري أن هذا االدعاء ال
يتماشى مع املصادر األدبية وال استنتاجات اغلب الباحثني ،فقد اعترب رستوقتزف انه من غري
املمكن احلديث عن ضعف الرتبة يف املقاطعات الرومانية ومنها أفريقيا وال وجود لدليل يشري
إىل إهناك عام أصاب الرتبة كما يدعى البعض( ،)327ولعل ما ميكن تسجيله يف هذا اإلطار هو
أن مصادر القرن الرابع واخلامس( )328قد حتدثت عن تدهور عرفته الزراعة وإمهال لألراضي
نتيجة ثقل الضرائب وهذا األمر دون شك يكون قد اثر على خصوبة األرض كنتيجة إلمهاهلا ،
أما عدا ذلك فكل الدالئل تشري إىل اخلصوبة الرائعة اليت تتميز هبا أفريقيا خالل تلك املرحلة
حىت يف مناطق هي اليوم مناطق قاحلة وجافة.
زودنا قانون عام 555ق.م مبعلومات قيمة حول ما يتعلق بنظرة اإلدارة الرومانية إىل
األرض األفريقية وصفتها القانونية ،وقد حدد هذا القانون أنواعا متعددة مللكية األرض خالل
القرن األول قبل امليالد؛ حيث أشار إىل األراضي اليت بيعت إىل اخلواص (privates Ager
)jure quiritiumواألراضي املكنرتة اليت تسمح السلطة لألفراد باستغالهلا مقابل دفع ضريبة
عينية وعرفت باألراضي العمومية ( ،)Ager publicusباإلضافة إىل أراضي الستيبندياري
( )Stipendiariiوهي األراضي اليت يدفع أصحاهبا ضريبة الرأس أو اجلزية وهي نفس األراضي
اليت توسع على حساهبا الرومان فيما بعد ،وقد أشار هذا القانون أيضا إىل نوعني آخرين ؛
)(324
Gsell(St.), H.A.A.N., T. I, pp51-52.
)(325
Gsell(St.), l’Algérie dans l’antiquité…Op.Cit., pp67-68.
((326
جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص.515
()327
رستوقتزف(م ، ).مرجع سابق ،ص.445
)(328
Code Théodosien ,XI,28 ,13.
97 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
)Agerاليت (privatus jure peregrino أراضي ورثة ماسينيسا وأراضي املدن السبع احلرة
بقيت يف أيدي مستغليها ومل تتدخل السلطات الرومانية النتزاعها(.)329
غري أن نظم امللكية يف أفريقيا خالل القرن الثاين باخلصوص قد تغري مع تطور عملية
التوسع اإلقليمي والزراعي وتبلورت امللكية يف شكل مخسة أنواع(:)330
أراضي اإلمرباطور اخلاصة :وتعرف عادة باملراعي امللكية ،وهي أراض مستقلة
األراضي باملراعى اخلاصة ( ،)Saltus privatiفحىت بعد مصادرة نريون للكثري منها
إال انه قد بقي يف أيدي هؤالء العديد منها.
أراضي املستعمرات ( )coloniaوالبلديات ( )municipiumواملدن ( :)civitasوهي
إن املالحظ عن امللكية خالل الفرتة الرومانية هو السيطرة الكاملة على األراضي
اخلصبة من قبل اإلمرباطور والشخصيات املهمة كأعضاء جملس الشيوخ الروماين وطبقة الفرسان
الذين كانت ملكياهتم تضم مساحات شاسعة ،غري أن هذا ال ينفي وجود طبقة من املالك
الريفيني الصغار الذين امتلكوا أراضي صغرية املساحة ،وقد عرفنا نص المصبا يف هذا الشأن
( )329
CIL,I,200.
()330
رستوقتزف(م ،).مرجع سابق ،ص ص.889-889
98 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
جبزء من هذه امللكيات وطرق تقسيم املياه كما اخربنا بتكتل هؤالء يف نقابات أو
مجعيات( )pagusقصد الدفاع عن حقوقهم وتنظيم استغالهلم لألرض(.)331
()331
D’Escurac-Doisy Doublon (Henriette),Notes sur le phénomène associatif dans le
monde paysan à l’époque du Haut-Empire, in : An.Af. , N°1, 1967, pp60-61.
( )332
Cagnat(R.), Inscription d’Henchir-Mettich…Op.Cit., pp151-153.
( )333رستوقتزف(م ،).مرجع سابق ،ص .397
( )334حمجويب (ع ، ).مرجع سابق ،ص.519
99 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
()335
حمجويب (ع ، ).مرجع سابق ،ص.496
( )336تشارلز ورث (أ.ب) ،اإلمبراطورية الرومانية ،ترمجة رمزي عبده جرجس ،مراجعة حممد صقر خفاجة ،مطابع اهليئة
املصرية العامة للكتاب ،مصر 5888م ،ص.85
( )337
Peyras (J.), Le Fundus Aufidianus : étude d’un grand domaine de la region de
Mateur (Tunisie du Nord), in : An.Af., N°9, 1975, pp210-211.
( )338حمجويب (ع ، ).مرجع سابق ،ص.489
100 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
قد استخدموا العبيد يف زراعة هذه األراضي إضافة إىل استعانتهم باألجراء واستغالهلم للرخصة
اليت منحها هلم قانون مانكيانا أي توظيف الكولون يف العمل القسري(.)339()operae
إضافة إىل هؤالء هناك فئة أخرى من العمال الذين هلم عالقة بتسيري هذه املستثمرات
وهم عمال بسطاء مقارنة بسابقيهم ،فقد دلت النصوص على وجود عمال
مكتبيني( )Tabulariiوأعواهنم باإلضافة إىل حمررين( )Libra notariiيسجلون املكاييل
واألوزان ومنادون عموميون ( )Praeconesيتولون مهمة اإلعالم داخل املستثمرات وعمال
مساحة حيددون احلصص الواجب زراعتها ،باإلضافة إىل مرافقني ( )pedisquiلكبار املسريين
و أطباء( )Mediciجيمعون بني الطب البشري والبيطري(.)340
وجتدر اإلشارة إىل أن هؤالء يشكلون اجلهاز املسري هلذه املستثمرات ،لكن الذين
يقومون بالعمل الفعلي داخل هذه املستثمرات هم جمموعة من العمال الذين تتعدد صفتهم
ووظائفهم ،وقد ابرز الكروا يف دراسته( )341جمموعة العمال القائمني على العمل الزراعي
بأفريقيا ؛ من بينهم اجلنود وقدماء اجلنود الذين منحت هلم أراضي الستغالهلا ويعفون من
الضرائب ،وقد وصلتنا العديد من األخبار اليت تدل على جتنيدهم يف عملية استصالح األراضي
وتنظيمها وجتفيف املستنقعات ،باإلضافة إىل السكان األهايل الذين كان هلم دور كبري يف
التقدم الزراعي يف املناطق اجلنوبية واملناطق اجلبلية ،وهناك أيضا العبيد الذين استغلهم املالك
للقيام باألعمال الزراعية الشاقة ويعملون دون توقف حتت الرقابة الشديدة للمالك ،ويف
األخري هناك الكولون الذين هم مواطنون أحرار يستأجرون األرض لزراعتها ويدفعون
الضرائب( ،)342وكان لبعض الكولون ملكياهتم اخلاصة يف بعض املناطق مثلما رأيناه يف
المصبا.
()339
رستوقتزف(م ،).مرجع سابق ،ص .397
()340
عقون (العريب) ،االقتصاد واجملتمع ...مرجع سابق ،ص.81
()341
Lacroix (F.), Afrique Ancienne ,R.Af , volume14, 1870 , pp22-30.
()342
Carton (Dr.), la lex Hadriana…Op.Cit., pp16-17.
101 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
2-IVالمستثمرات الزراعية:
لقد تعددت التسميات اليت تطلق على املستثمرات الزراعية الواسعة خالل الفرتة
الرومانية ،مع أن "الدومان" قد مثل املصطلح العام الذي يطلق على هذه األراضي سواء كان
دومانا عموميا أو خاصا والذي كان يقصد به يف عموم اإلمرباطورية يف اغلب األحيان
الالتيفونديا ،أما يف أفريقيا فيقصد به أكثر السالتوس ،وقد كان األباطرة خصوصا اليوليني
والكلوديني والفالفيني واألنطونيني أكثر األشخاص سيطرة على هذه املستثمرات اليت صورهتا لنا
الفسيفساء األفريقية أحسن تصوير ،حيث تظهر بوضوح مشاهد متعددة تدور حول عملية
االستغالل الزراعي املقام على مستوي هذه امللكيات من حرث وجين للزيتون ورعي
وصيد...اخل ،كما صورت لنا يف بعض األحيان إقامة السيد املالك (انظر أدناه الشكل ()55
ص519والشكل ( )58ص.)511
()343
Saglio(E.)et Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R. ,T.I, p126.
()344
Beaudouin (Edouard), les grands domaines dans l’Empire Romain D’après des
travaux récents , Librairie de la société du recueil général des lois et des arrèts ,
Paris 1899, pp 9-10.
102 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
أين قاموا باستصالح أجزاء منها وختصيص املساحات الباقية للرعي والصيد( ،)345ومن جهة
أخرى إذا قمنا مبقارنة هذا املصطلح مع التسميات األخرى اليت أطلقت على املستثمرات
الزراعية نستنتج انه عكس الفندس الذي يعىن األراضي الزراعية املكنرتة.
إن املالحظ هو أن هذا االسم أكثر األمساء انتشارا يف أفريقيا ما جعل البعض يعلق
بأن "أفريقيا هي بامتياز األرض الكالسيكية للساليت" ( ،)346وال ينبغي أن نفهم من ذلك أن
أفريقيا كلها أراضي رعوية وبراري كما تدل على ذلك التسمية ،وكل ما يف األمر أن هذه
األراضي قد حافظت على تسميتها األوىل(سالتوس) بعد هتيئتها مبوجب سياسة التوسع الزراعي
اليت انتهجها األباطرة واملزارعون ،فتحولت بذلك إىل أراضي زراعية اكتسحتها زراعة الكروم
والزياتني ،ومن جهة أخرى فقد سجل اغزال أن النصوص األفريقية املنقوشة بعد وفاة
تراجان(89()Trajanم551-م) تظهر بان مصطلح سالتوس مل يعد يدل على امللكيات
الكبرية العمومية وإمنا تغري مفهومها فأصبحت تعين فرع إداري ريفي أو
زراعي(.)347()Circonscription domaniale
احتفظت النصوص بالعديد من أمساء الساليت األفريقية ؛ فقد كشف كاركوبينو الغطاء
عن بعضها ونقصد تلك الساليت الواقعة بني وادي جمردة ووادي خالد مبقاطعة الربوقنصلية
وكلها تنتمي إىل تراكتوس قرطاج (( )Tractus Carthaginiensisالتسميات واملوقع ،انظر
أدناه اخلريطة( )9ص ،)515وهناك عدد آخر من الساليت اليت تعود ملكيتها إىل خواص مثل
سالتوس ل.أفريكانوس( )Saltus L.Africanusوسالتوس فالرييا أتيكيال ( Saltus Valeria
()345
عقون (حممد العريب) ،االقتصاد واجملتمع ...مرجع سابق ،ص.98
( )346
Beaudouin (Edouard),Op.Cit., p9.
( )347
Gsell (St.), Inscriptions Latines de l’Algérie ,T.I, Librairie Ancienne Honoré
Champion, Paris 1922, p393.
( )348
Picard (G.Ch-.), La civilisation de l’Afrique Romaine…Op.Cit., p61.
()349
Gsell (St.) , A.A.A. , F°18, N°158.
103 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
2-2-IVالالتيفونديا (:)Latifundia
الالتيفونديا هي ملكية زراعية كبرية ،وهي عبارة عن فندس أو عدد من الفوندي
العمومية أو اخلاصة اليت تفوق مساحتها الوحدة الزراعية بقليل ،والالتيفونديا اسم يعين "األرض
احملدودة" يف البداية ،غري انه مل يعد كذلك خاصة خالل العهد اإلمرباطوري أين عرفت
املستثمرات االيطالية واألفريقية على حد سواء منوا كبريا ،تغري مفهومها إىل امللكيات الواسعة
بعد التهامها ألراضي صغار املالك( ،)353ويف هذا الشأن اخربنا فارون أن املالك الكبار ميتلكون
مستثمرات واسعة جدا لدرجة أهنم ال يستطيعون التجول فيها وتتبع حدودها حىت ولو ركبوا
على حصان( ،)354وقد عرفت أفريقيا هبذه املستثمرات الواسعة فقد كانت "بالد الالتيفونديا"
على حد تعبري البعض( )355اليت سيطر على اغلبها أعضاء جملس الشيوخ واألباطرة.
ظهرت الالتيفونديا خالل عهد اجلمهورية ابتداء من القرن الثاين قبل امليالد ،و خالل
عهد اإلمرباطورية تطورت وزاد عددها بعد اعتداء كبار املالك على ملكيات صغار املالك
فانتزعوها مبوجب حق الفتح وضموها إىل ملكياهتم اخلاصة ،ميتلك الالتيفونديا عائلة ريفية
)serviحتت إدارة العبيد(rustici )familiaويقوم باألشغال فيها عدد من (rustica
()350
Gsell (St.), F°9, N°4.
()351
Ibid., A.A.A. , F°16, N°319.
()352
Ibid., F°18, N°454.
( )353عقون (العريب) ،االقتصاد واجملتمع ...مرجع سابق ،ص ص .91-99
()354
Varron , l’économie rurale , traduit par M.X. Rousselot, C.L.F.Panckoucke , Paris
1843, I,17.
( )355
Leveau (Ph.), la situation colonial de l’Afrique Romaine, in: E.S.C.,33éme Année,
N°1, 1978, p90.
104 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
باإلضافة إىل جشع الطبقة االرستقراطية اليت سامهت يف منو هذه املستثمرات وزيادة
عددها ،يرى كولوندو أن اتساعها مرتبط بسهولة إجياد اليد العاملة الزراعية اليت تعج هبا
األرياف األفريقية ( ،)357ومن جهة أخرى يري بلني أن هذه امللكيات الواسعة هي اليت تسببت
يف دمار ايطاليا وباقي املقاطعات الرومانية ،والسبب يف ذلك هو وقوعها يف أيدي مالك غري
متخصصني أو غري مهتمني بالعمل الزراعي ،وكان ماغون قبله قد نصح الذين اشرتوا أراضي
باألرياف أن يبيعوا منازهلم باملدن حىت يتفرغوا لالهتمام مبستثمراهتم(.)358
2-2-IVالفندس (:)Fundus
حسب القانون الروماين فان الفندس هو كل ملكية عقارية حتتوي على أراضي أو
مساكن ،ويف بعض األحيان يقصد به الدومان أو جمموعة مشكلة من أراضي ومنشآت ،من
جهة أخري ميكن أن تطلق هذه التسمية على احلقول الصغرية ذات احلدود املعلومة ،ومن
احملتمل أن تكون هذه التسمية قد ظهرت أثناء القيام بعملية املسح( ،)359والفندس نوعان :
)Fundiوأخري خاصة ،وال يعترب الفندس إقليما إداريا (patrimoniales فوندي إمرباطورية
وإمنا هو مستثمرة فالحية كربي متتلكها العائالت الربجوازية(.)360
وفيما يتعلق برتكيبة الفوندي فقد ابرز بايراس( )Payras J.يف دراسته لفندس
أوفيديانوس ( )Aufidianusجبهة ماطر أنه حيتوى على منطقة هبا سكن املالك
واملزارع( )colonicaeاخلاصة بالكولون وهي وحدات مكنرتة ،باإلضافة إىل األراضي املهملة
( )356
L'agriculture romaine: les Latifundia, voir le site : http://www. civilisation -
romaine.com/la-vie-economique/l-agriculture-romaine-les-latifundia.
( )357
Kolendo(J.),Op.Cit.,p75.
( )358
Pline l’Ancien, XVIII , VII,6.
( )359
Saglio(E.)et Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R. ,T.II,volume2,pp1366-1367.
( )360عقون(حممد العريب) ،من التاريخ البلدي للجزائر خالل العهد اإلمبراطوري األول :االتحاد السيرتي ،دراسة في
تاريخ وأثار ونظم سيرتا العتيقة ،أطروحة دكتوراه ،جامعة منتوري ،قسنطينة5115-5114م ،ص.884
105 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
احمليطة حبدود الفندس اليت استغل بعضها الكولون( ،)361وقد أوضحت ألواح ألبريتيين أن
الدومان الكبري الذي يقع على احلدود اجلزائرية التونسية شرق مدينة تبسة والذي يعود إىل
شخص يدعى فالفيوس جومنيوس كاتولينوس ( )Flavius Geminius Catullinusحيتوي على
األقل أربعة فوندي مقسمة هي األخرى إىل عدد من احلصص من بينها فندس
توليتييانوس( )Fundus Tuletianosالذي قسم على األقل إىل مخسني قطعة( ،)362و مبنطقة
مليانة عثر على فندس قايوناتيس(.)363()Fundus Gaionatis
4-2-IVالبرايديا (:)Praedia
الربايديا هو مصطلح عام يقصد به يف القانون الروماين كل ما يتعلق باألرض أو العقار
ونستطيع متييز األنواع التالية(:)364
فأصحاهبا هم األوائل الذين شيدوا منازل باملدن والذين حيوزون على االعتماد،
وعكسها برايديا ريفية(.)Praedia rustica
برايديا اليتامى ( :)Praedium pupillareحقوق القصر اليتامى اليت مينع التصرف
( )361
Payras (J.), Le Fundus Aufidianus…Op.Cit.,pp206-207.
( )362
Picard (G.Ch-.), La civilisation de l’Afrique Romaine…Op.Cit., p63.
)(363
Gsell (St.) , A.A.A. , F°13, N°34.
( )364
Saglio(E.)et Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R. ,T.IV,volume1,p611.
106 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
ويبدو أن مصطلح برايديا يف أفريقيا قليل االستعمال ،وهذا ما يفسر لنا شح النصوص
اليت تشري إىل هذا النوع من األراضي ،وقد أشار اغزال إىل إحداها جبهة تبسة وهي برايديا
يوليانا ( ، )365()Praedia Iulianaوبرايديا مبنطقة هنشري كمالل ( )kamellalبعني البيضاء مل
بوالينوروم( Praedia يعرف صاحبها( ،)366كما أشار الدكتور كارتون ( )Dr.Cartonإىل برايديا
)pullaenorumمبنطقة هنشري الشط (تونس) اليت هبا آثار معاصر وبقايا قناة جتلب املياه من
عني قريبة من هذه املستثمرة إىل خزانات متواجدة هبا ما يدل على أهنا كانت خمصصة لزراعة
الزيتون(.)367
( )365
Gsell (St.) , Inscriptions Latines de l’Algérie ,T.I , p367.
()366
Gsell (St.) , A.A.A. , F°28, N°163.
( )367
Carton (Dr.), la lex Hadriana…Op.Cit., p13.
107 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
( )368
Saglio(E.)et Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R. ,T. V, p870.
()369
Robert (Estienne) ,Dictionarum Latinogallicum, 1522, version électronique,
www.ebooksfrance.com., p3749.
)(370
El Bouzidi (Said), La conception de la villa rustica chez Caton, entreprise
agricole où simple ferme rurale ?, Gérion, N°21, Année 2003, pp183-184.
108 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
Vالضرائب الزراعية:
مل يكن إخضاع قرطاج من طرف الرومان رغبة منهم يف درأ اخلطر الذي تشكله هذه
األخرية على حوض املتوسط فقط ،بل ما شغل بال الطبقة احلاكمة واالرستقراطية والسيناتورية
الرومانية هي اخلريات اليت تتمتع هبا أفريقيا على اختالف أنواعها ،فقد صبت تصرحيات
الشخصيات الرومانية يف تلك املرحلة يف هذا االجتاه؛ فباإلضافة إىل تصريح كاتون املشهور أمام
جملس الشيوخ الروماين( ،)371صرح يوليوس قيصر( )Jules Césarهو اآلخر أثناء احتفاله
باحتالله لنوميديا بأنه قد أيت ببلد يستطيع أن يزود روما مبقدار 941111قنطارا من القمح
كمقدار ضرييب سنوي من هذه املادة( ،)372وقد بدأت السياسة الضريبية الرومانية تتبلور مباشرة
مع سقوط قرطاج ،حيث سارع احلكام الرومان إىل إخضاع األفارقة إىل ضريبة الغزو
( )tributum per capitaوهي ضريبة الرأس أو اجلزية عند املسلمني ،كما أخضعوهم أيضا إىل
ضريبة أخري هي ضريبة الستيبونديوم ( )Stipendiumاليت تدفع إما عينا أو نقدا( ، )373من
جهة أخرى أعفيت املدن احلرة من دفع الضرائب تكرميا هلا على موقفها من الغزو الروماين كما
أشار إىل ذلك القانون الزراعي لعام555ق.م(.)374
لقد تعددت أشكال الضرائب الرومانية ومشلت خمتلف اجلوانب االقتصادية ،وقد كانت
ذات تأثري كبري على األفراد خصوصا املزارعني منهم الذين عانوا كثريا من ثقل الضرائب
املفروضة على اإلنتاج الزراعي ،واملالحظ أن الضرائب الرومانية مقارنة بالشعوب األخرى قد
كانت ذات تأثري مباشر وحتصل الدولة منها دخال كبريا نظرا لالمتداد الواسع لإلمرباطورية
الرومانية وتعدد السكان واألجناس اخلاضعة هلا( ،)375وقد كانت ضريبة التموين السنوي
()376( )Annonaeمن أهم هذه الضرائب ث تأيت بقية الضرائب األخرى كضريبة الرأس وضريبة
( )371
Pline l’Ancien , XV ,XX .
( )372
Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit.,pp 69-70.
()373
Fournier De Flaix(E.), l’impôt dans les diverses civilisations ,T.I, Librairie de la
société du recueil général des lois et des arrèts , Paris 1897, p182.
()374
CIL,I,200.
( )375
Fournier De Flaix(E.),Op.Cit.,p143.
( )376األنونة ( )Annonaeأو ( : )Annona Civicaيقصد هبذا املصطلح يف معناه الواسع جمموعة الوسائل
املخصصة خالل العهد اإلمرباطوري املتأخر( )Bas-Empireلتموين عاصميت اإلمرباطورية الرومانية (روما
110 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
النقل وصيانة الطرق...اخل ،ومادام موضوعنا خيتص يف الزراعة فسنكتفي بالضرائب املتعلقة
بالزراعة املفروضة على األرض واإلنتاج .
والقسطنطينية) باملواد الغذائية جمانا أو بأسعار منخفضة توزع على عامة السكان الفقراء أو إىل أفراد معينني ذوي
ام تيازات ،وهذه املواد الغذائية عبارة عن ضرائب عينية (القمح والزيت على اخلصوص) تدفعها بعض املقاطعات
على رأسها أفريقيا ،وقد حرص األباطرة على تنظيمها بدقة نظرا ألمهيتها السياسية ،انظرSaglio(E.)et :
Daremberg(Ch.) ,D.A.G.R.,T.I,pp278-279.
( )377
Fournier De Flaix(E.),Op.Cit.,p995.
( )378جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص ص.555-551
111 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
سنة 555ق.م الذي بني الصفة القانونية لألرض و النظم اجلديدة المتالك األرض يف عموم
اإلمرباطورية ومنها أفريقيا ،وقد حتدث هذا القانون عن نوع من األراضي أطلق عليها اسم
األراضي اخلاصة اخلراجية ( )Ager privatus vectigalisqueوهي أراضي بيعت إىل كبار
الشخصيات الرومانية شرط أن يدفعوا بانتظام إىل الدولة ضريبة ( ،)379( )Vectigalوقد
تكون هذه هي الطريقة اليت وقعت فيها األراضي األفريقية يف قبضة الطبقة االرستقراطية.
ومن أهم القوانني اليت دلتنا على الوضعية الضريبية لألرض ،قانونان يعودان إىل فرتة
حكم اإلمرباطور هونوريوس(012()Honoriusم650-م) ؛ فالقانون األول الذي يعود لعام
455م مينع إرغام املالك األفارقة على دفع غرامة على األراضي املهملة اليت تقع بالقرب من
أمالكهم( ،)380وبعدها بعشر سنوات صدر عن نفس اإلمرباطور قانون يتعلق مبقاطعيت
الربوقنصلية واملزاق موجه إىل فونانتييوس ( )Venantiusاملشرف على إدارة الدومان
اإلمرباطوري ،وأمهية هذا النص تكمن يف انه يعرفنا بوضعية األرض خالل املرحلة األخرية من
اإلمرباطورية ويقدم لنا إحصائيات عن األراضي اليت تدفع الضرائب (املستغلة) واألراضي
املعفاة(املهملة) كما هو موضح يف اجلدول أدناه (:)381
2
وضعيتها الضريبية مساحتها بالكلم مساحتها باليوقيرا عدد الوحدات الكنتورية المقاطعة
معفاة 4555 545 8115 الربوقنصلية
تدفع 5995 545.5 5111
معفاة 8115 591 1491 املزاق
تدفع 8948 188.5 1955
دل نص هنشري مطيش( )382داللة صرحية عن األقساط الضريبية اليت يلزم على املالك
أو الكراة أو امللتزمني دفعها إىل الوكيل ،ومشلت هذه األقساط العديد من املنتوجات الزراعية و
هي مستوحاة من قانون مانكيانا وهي كاآليت:
القمح والشعير :يدفع عنها الثلث من اإلنتاج ،وقد عثر يف هذا الشأن على نص
مشال املدينة الرومانية باناسا( )Banasaيعود احتماال إىل سنة 559م على عهد
اإلمرباطور كراكاال(919()Caracallaم591-م) ينص على إخضاع هذه املنطقة
املشهورة بإنتاجها للقمح إىل ضريبة نقدية أو عينية تدفع عن هذا املنتوج(،)383
واملعروف انه يدفع عن القمح العشر خالل الفرتة الرومانية ،ويف بعض اجلهات حسب
كاركوبينو قد مت تضعيف العشر (أي )51/5منها موريتانيا القيصرية والطنجية اللتان
تكونان قد أخضعتا هلذه الضريبة(.)384
الزيتون :يدفع عنه الثلث بعد عملية العصر ،ويعفى الذي يغرس زيتونا جديدا من
املستأجرين ،ويعفى أصحاهبا من الدفع إذا كانت مدة غرسها مل تتجاوز اخلمس
سنوات.
الفول :يدفع عنه الربع ورمبا اخلمس من احملصول.
( )382
Cagnat (R.), inscription d’Henchir-Mettich…Op.Cit., pp151-153.
()383
Thouvenot (R.), une remise d’impôts en 216 ap.J-C., in: C.R.A.I., 90 éme Année, N°4,
1946, pp549-550.
( )384
Picard (G.Ch-.), Néron et le blé d’Afrique, in :C.R.A.I.,100éme Année, N°1,
1956,p72.
113 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
وقد أشار نص هنشري مطيش أيضا إىل العسل الذي يؤخذ عنه ربع لرت ،وعلى الذي
ميلك أكثر من مخس قفريات( )ruchesأن يسلم للمكلف ما يطلبه منه وقد مسح القانون أيضا
مبصادرة القفريات اليت خيفيها صاحبها ،وجتدر اإلشارة إىل أن هذه األقساط اليت تدفع عن هذه
املنتوجات الزراعية هي أقساط ثابتة ال يعفى منها إال من قام بغرس أشجار جديدة على
األراضي املهملة أو األراضي البور بعد استصالحها وملدة حمددة فقط ترتاوح بني ( 5و
51سنوات) ،وبعد انقضاء هذه املدة فان الكولون ملزمون بدفع األقساط املستحقة وفق
قانون مانكيانا ،كما أن الكولون ملزمون أيضا بالقيام بأعمال السخرة يف أراضي الدومان
لصاحل املالك.
2-Vتحصيل الضرائب:
عند االحتالل قامت السلطات الرومانية بتكليف حاكم املقاطعة األفريقية مبهمة جباية
الضرائب ،ومع زيادة التوسع الروماين يف املنطقة أضحى من املستحيل على حاكم املقاطعة
وأعوانه القيام هبذه املهمة الشاقة لوحدهم فعمدت السلطة إىل منح حق جباية الضرائب
املباشرة (ضريبة الرأس وضريبة األرض) إىل شركات من اجلباة امللتزمني ( )Publicaniاليت يدير
شؤوهنا أفراد رومان يف القرى واملدن على حد سواء ،ومع مرور الوقت ظهرت عيوب هذا
النظام حيث سيطر هؤالء اجلباة على العائدات وكانوا حيولون جزءا هاما منها إىل حساهبم
الشخصي يف ظل غياب آليات الرقابة ،وبذلك سارع األباطرة ابتداء من عهد يوليوس قيصر
واإلمرباطورين أغسطس وتيبرييوس اللذين سارا على هنجه إىل إلغاء هذا النظام الذي تسبب يف
نضوب موارد الدولة وحتميل البسطاء ضرائب ال تطاق ( ،)385وهكذا اختفت هذه الشركات
تدرجييا من أفريقيا ومت تعويضها بنظام جديد يقوم على تكليف جمالس البلديات وممثلي اخلزينة
العمومية هبذه املهمة ،ومل يسلم األفارقة أيضا من جور املوظفني املكلفني جبمع الضرائب فقد
أشار قانون عام 899م إىل التجاوزات اليت يرتكبها هؤالء يف حق السكان ،وهلذا أمر القانون
أال يبقي املوظف املكلف جبمع الضرائب يف هذا املنصب أكثر من سنة ليعني مكانه موظف
()385
رستوقتزف(م ،).مرجع سابق ،ص ص.459-451
114 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
آخر( ،)386ورمبا هذا اإلجراء يدخل يف إطار رغبة اإلدارة الرومانية يف تقليص هيمنة وجشع
هؤالء واحملافظة على املال العام.
كان النظام الضرييب بأفريقيا يقوم أساسا على املعلومات املستقاة من اإلحصاء املنبثق
من عملية الكنرتة ،فقد صنفت املمتلكات الفالحية تصنيفا دقيقا ومت وضع وحدتني أساسيتني
جلباية الضرائب مها اليوغوم ( )Iugumوالكابوت( ،)Caputفانطالقا من هاتني الوحدتني يتم
تقدير املمتلكات مبراعاة االختالفات اجلغرافية(موقع األرض) واالختالفات النوعية لإلنتاج،
ويعود الفضل يف هذا النظام إىل دقليديانوس)594((Dioclétienم815-م) الذي وضع
اليوغوم كوحدة مرجعية لقياس املساحة والكابوت كوحدة لضريبة الرأس الواجب على كل فرد
دفعها سنويا ،وبعد عهد هذا اإلمرباطور أضحت الوحدة الضريبية خليطا بني الوحدتني ال فرق
بينهما(.)387
يتوىل مسؤولية مجع الضرائب عدة موظفني ،يأيت يف مقدمتهم الربايطور ()Praetor
وهو موظف سام يتوىل مهمة اإلشراف على مجع الضرائب على مستوى املقاطعة ،ويساعده
أعضاء حماسبون( )Numeratiوأعوان قضائيون ( ،)Tabulariباإلضافة إىل امللتزمني
( )Conductoresالذين أوكلت إليهم مهمة مجع األقساط الضريبية على مستوى األمالك
اإلمرباطورية ( ،)388وقد اخربنا نص هنشري مطيش أن تقدير األقساط اليت يدفعها الكولون
يكون من طرف الوكيل أو املستأجر اللذين يلزمان باإلعالن كتابيا عن استالمهما للمحاصيل
الزراعية من عند الكولون(.)389
يظهر مما سبق أن حساسية النظام الضرييب وأمهيته قد جعله عرضة لعدة حماوالت
إصالح بداية بإصالحات قراكوس ث تبعته عدة إصالحات مع تعاقب األباطرة ،وهذا كله
( )386
Code Théodosien , XII, 6 ,22.
( )387رستوقتزف(م ،).مرجع سابق ،ص ص.621-620
( )388شنييت (حممد البشري) ،التغريات االقتصادية...مرجع سابق ،ص ص.558-559
()389
Cagnat (R.), inscription d’Henchir-Mettich…Op.Cit., p151.
115 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
رغبة منهم يف تشديد الرقابة على مستخلصي الضرائب من جهة وتشجيع املزارعني على العودة
إىل األراضي اليت أمهلوها بسبب ثقل الضرائب املفروضة عليهم من جهة أخرى ،كما كانت
إصالحات دقليديانوس وقسطنطني خالل القرن الرابع امليالدي هتدف إىل تنظيم هنائي
للعالقات بني روما مع خمتلف أقاليمها وحتميل الطبقة االرستقراطية الرومانية ضرائب إضافية
نظرا لكون مصادر الثروة قد كانت بأيديهم(.)390
()390
Fournier De Flaix(E.),Op.Cit.,pp203-204.
()391
Lepelley (C.), déclin ou stabilité de l’agriculture africaine au Bas-Empire ? À
propos d’une loi de l’empereur Honorius, in : Ant.Af., N°1,1967, p135.
116 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
اجل غري مسمى( ،)392ولعل هذا اإلجراء يدخل يف إطار تشجيع املزارعني على استغالل
واستصالح األراضي املهملة وهو حماولة من السلطة احلد من هذه الظاهرة املتنامية بأفريقيا.
وقد نتج عن هذا اإلمهال "املتعمد" لألراضي الزراعية ارتفاع قياسي يف أسعار املنتوجات
الزراعية ،فعزوف الفالحني عن ممارسة األنشطة الزراعية قد ولد قلة يف اإلنتاج الزراعي يف
األسواق قابله زيادة يف الطلب ،فالقمح من خالل نصوص القرن الثالث كان سعره حوايل
عشرة دنانري ( )Deniersللمد الواحد (حوايل 9لرتات) وهو سعر غري عادي هلذا املنتوج
خالل تلك املرحلة ( ،)393وال نستبعد عوامل أخرى تكون قد أثرت على ارتفاع سعره
كاجملاعات مثال لكن الظاهر أن عزوف الفالحني عن اإلنتاج لثقل الرسوم الضريبية اليت ألزموا
على دفعها كان يف مقدمة هذه األسباب.
من جهة أخرى فقد انتشرت يف أفريقيا خالل القرون األخرية للسيطرة الرومانية ظاهرة
اهلجرة حنو املدن وبيع األمالك يف األرياف ،وقد ساهم ذلك أيضا يف ارتفاع أسعار احملاصيل
الزراعية( ،)394وكل هذه العوامل قد دفعت السلطات الرومانية إىل البحث عن عدة آليات
لضمان دخلها من الضرائب ،حيث جلأت إىل إصدار قانون 815م الذي ينص على إجبار
املزارعني وورثتهم على حتمل األعباء الضريبية ومنعهم من إمهال األراضي ،فمن ختلى عن أرضه
يفقد حقه يف امللكية والوراثة( ،)395ومن جهة أخري فقد كان حتميل مالك األرض أو
مستأجرها مسؤولية دفع الضرائب دفعه إىل ربط الفالح باألرض لضمان اإلنتاج ،وبقدر ما
كان هذا اإلجراء مفيدا للزراعة كان انعكاسه على الفالحني سلبيا فقد فقدوا حريتهم وأصبح
مركزهم شبيها بوضعية العبيد(.)396
()392
Code Théodosien , XI, 28 ,13.
()393
Bourgarel-Musso (André), recherche économiques sur l’Afrique Romaine, R.Af.,
volume 75,1934, p366.
( )394شنييت (حممد البشري) ،التغريات االقتصادية...مرجع سابق ،ص .585
( )395
Code Théodosien , XI, 1,17.
()396
حمجويب (ع ، ).مرجع سابق ،ص.481
117 الفصل الثاني /الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية:التنظيمات ووسائل االنتاج
يبدو من خالل ما سبق أن السياسة الزراعية الرومانية قد اعتمدت على عنصر أساسي
وهو التمهيد بتنظيم اجملال واالستغالل الذي يعد ركيزة أساسية يف جناح االستثمار يف اجملال
الزراعي ،ونستطيع القول أن اإلدارة الرومانية قد اعتمدت على أسس علمية مدروسة تغذيها
النزعة "الرأمسالية" اليت هتدف إىل الربح والثراء وضمان إطعام العامة يف روما ،وما كان هلذا أن
يتحقق لوال تلك القاعدة التشريعية والتنظيمية املسطرة وحسن استغالل اإلمكانيات املتاحة،
ومن جهة أخرى ال ينبغي التغاضي عن أمهية أفريقيا يف اقتصاد اإلمرباطورية حيث كانت مصدرا
أساسيا يف متوين اخلزينة العمومية الرومانية وهو ما يتجلى أكثر يف النظام الضرييب اجلائر الذي
اثر تأثريا بالغا على أوضاع الشعب األهلي االجتماعية واالقتصادية على اخلصوص بل على
الزراعة األفريقية عموما ،وهو ما مهد ألحداث القرن الرابع اليت سامهت يف تقويض أركان
اإلمرباطورية وما إن حل الزحف الوندايل حىت هتاوى االستعمار الروماين يف عموم أفريقيا .
الفصل الثالث
التوسع الزراعي وآثاره
.Iالتوسع في زراعة القمح خالل القرن األول الميالدي:
5-Iشمال أفريقيا الممون الرئيسي لروما بالقمح.
5-Iخصائص القمح األفريقي.
8-Iدوافع التوسع في إنتاج القمح.
.IIالتوسع في الزراعة الشجرية ابتداء من القرن الثاني للميالد:
5-IIزراعة الكروم.
5-IIسياسة الزيتنة:
5-5-IIتطور التوسع في زراعة الزيتون.
5-5-IIدوافع التوسع في زراعة الزيتون.
8-5-IIخصائص الزيت األفريقي.
4-5-IIصناعة الزيت وتسويقه.
.IIIزراعة المدرجــــــات:
5-IIIدوافع استغالل الجبال.
5-IIIالتقنيات المعتمدة واالنتشار الجغرافي للمدرجات.
.IVالتوسع الزراعي نحو الجنوب:
5-IVتطور التوسع.
5-IVدوافع التوسع الزراعي وأهدافه.
8-IVالنهضة الزراعية بالجنوب
5-8-IVمنظومة الري.
5-8-IVالزراعة واستصالح األراضي.
Vأثر التوسع الزراعي:
الفصل الثالث
التوسع الزراعي وآثاره
إن مقارنة بسيطة بني الفرتة السابقة للعهد الروماين والفرتة الرومانية يف اجملال الزراعي
جتعلنا نستنتج مالحظتني أساسيتني تربزان أوجه االختالف بني الفرتتني ،فالرومان قد طوروا
هذا اجملال مقارنة مبا كان عليه قبلهم واألكيد هو أن اإلضافة الرومانية واضحة فيما يتعلق
مبسح األراضي وتطوير تقنيات الري وطرق االستغالل وإصدارهم للتشريعات املنظمة
لالستغالل الزراعي ،غري أن وجه االختالف البارز هو التوسع الزراعي الذي يدل على حرص
روما على تنمية الثروة واختاذ التوسع الزراعي جنوبا عامال حمفزا على جذب البدو حنو احرتاف
الزراعة للحد من "االضطرابات" اليت يثريوهنا ،وقد اختذ هذا التوسع يف نظرنا شكلني أساسيني
مها:
.5التوسع الجغرافي ونقصد به زيادة املساحة املزروعة وذلك بضم األراضي البكر وأراضي
البور وكذا األراضي اجلنوبية احملاذية لليمس باإلضافة إىل ضم واستغالل األراضي الواقعة يف
هوامش املنحدرات اجلبلية.
.5التوسع النوعي ونقصد به إضافة زراعات أخرى فبعد النجاح الكبري يف زراعة القمح -
خالل القرن األول للميالد وهو ما جعل من أفريقيا أهراء حقيقية لروما -انتقلت السياسة
اإلمرباطورية إىل الزراعة الشجرية وخاصة شجرة الزيتون اليت تعد حبق الشجرة املثمرة األوىل
يف أفريقيا خالل القرنني الثاين والثالث للميالد ،وسنحاول يف ما يلي دراسة ظاهرة التوسع
هذه اليت غريت وجه أفريقيا وكان هلا نتائج اجيابية على االقتصاد األفريقي و الروماين على
حد سواء خالل تلك املرحلة.
120 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
عرفت أفريقيا منذ القدمي باإلنتاج الوفري للقمح ،فقد اخربنا املؤرخون القدامى باشتهار
إقليم أفريقيا بإنتاج أنواع متعددة من احملاصيل الزراعية من بينها القمح الذي كان حمل مبادالت
بني اململكة النوميدية يف عهد ماسينيسا على اخلصوص والرومان ،فقد سبق وان أشرنا إىل
الكميات الكبرية اليت زودت هبا اململكة الرومان خالل فرتة حكم امللك ماسينيسا
الطويلة( ،)397وهلذا كان الرومان يدركون أمهية أفريقيا يف امليدان الفالحي بل كان ذلك احد
أهم عوامل التخطيط الحتالل البالد األفريقية على مراحل وما إن حتقق هلم احتالل قرطاج
وإقليمها حىت اختذوا منها مقاطعة وسعوا إلقامة دعائم استغالل زراعي على نطاق واسع
انطالقا من مسح األراضي وإقامة مزارع كربى وسن قوانني تنظم عملية االستغالل ،ويبدو انه
منذ القرن األول للميالد تكون عوامل اإلنتاج قد اكتملت باملنطقة.
((397
انظر أعاله ص.49
( )398
Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine…Op.Cit.,p59.
( )399
Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux) , R.Af., Volume13, 1869, p9.
121 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
49ق.م ،وما تصريح يوليوس قيصر( )Jules Césarأثناء احتفاله باحتالله لنوميديا إال خري
دليل على ذلك حيث قال بأنه قد أيت ببلد يستطيع أن يزود روما مبقدار 941111قنطارا
من القمح(.)400
ومن العبارات األكثر تداوال بني الباحثني ذلك الوصف الذي يصف أفريقيا بأهنا كانت
"أهراء روما" ،وان كان البعض يرى أن يف هذا الوصف بعض املغاالة وانه ال يعرب حقيقة عن
احلالة اليت كانت سائدة حينذاك وإمنا يطلق للداللة على أن أفريقيا قد كانت غنية بالقمح
على عكس فقرها يف العصر احلديث ( ،)401إال أن ذلك ال ينفي ثراء أفريقيا وإسهامها الكبري
يف تزويد روما مبا حتتاجه من مواد غذائية طيلة قرون.
رغم تعدد مقاطعات روما اليت تشتهر بإنتاجها للقمح على غرار مصر وسردينيا إال أن
أفريقيا احتفظت بأمهيتها يف متوين روما هبذه املادة اإلسرتاتيجية على الدوام خاصة بعد إنشاء
القسطنطينية( )Constantinopleأين انفردت أفريقيا بتموين العاصمة القدمية روما بعدما
كانت تشرتك مع مصر يف متوينها ،فبعد إنشاء القسطنطينية أصبح اإلنتاج املصري من القمح
يوجه إىل العاصمة اجلديدة خالل وبعد حكم قسطنطني ( ،)402وقد كانت أفريقيا قبل ذلك -
على عهد اغسطس -تزود روما حبوايل 41مليون مد( )Modiiأي حوايل 8511111
هكتولرت من احلبوب ونصف هذه الكمية كان جيلب من مصر( ، )403أي أن أفريقيا كانت
متون روما بثلثي احتياجاهتا وتتكفل مصر بالثلث الباقي ،وقد قدر بيكار أن تكون كمية القمح
اليت تنتج يف أفريقيا بأكملها حبوايل 8إىل 51ماليني قنطار خالل فرتة حكم نريون ()Néron
(45م86-م)ونشري إىل أن كمية القمح املوجهة إىل روما قد تضاعفت بتزايد التوسع الروماين
يف املنطقة فقد كانت مقاطعة أفريقيا اجلديدة زمن قيصر متون روما ب 941111قنطارا وبعد
( )400
Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit.,pp 69-70.
( )401حمجويب(.ع ،).املرجع السابق ،ص ص.484-485
()402
; Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux), R.Af. , Volume13, 1869, p92.
Kotula (T.)et Michalak (M.), Les Africains et la domination de Rome, In: D.H.A.,
Volume 2, 1976, p 347.
()403
Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux), R.Af., Volume13, 1869, p83.
122 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
قرن من ذلك وحتت حكم نريون أصبحت مقاطعة أفريقيا القدمية واجلديدة باإلضافة إىل
مقاطعة طرابلس تزود روما ب 51أضعاف هذا الرقم(.)404
كان القمح األفريقي يغطي العجز الذي تعاين منه روما ،وحسب القدماء فان روما
جمربة السترياده فهذا فارون يقول بأهنم أي الرومان كانوا يدفعون األموال من اجل أن جيلب
هلم القمح الذي يغذيهم من أفريقيا وسردينيا( ،)405وهذا كلوميل يورد عبارة فيها الكثري من
االستياء والتساؤل ملا آلت إليه األوضاع يف ايطاليا حيث اعترب انه يف ارض ايطاليا مع أن اآلهلة
علمت ألبنائها الزراعة ،إال أن أهلها جمربون لتاليف املوت جوعا إىل جلب القمح من
مقاطعات واقعة وراء البحر(.)406
وعن سعر القمح األفريقي افرتض البعض أن يكون سعره منخفضا باملقاطعات األفريقية
مقارنة بسعره يف روما الذي يصل إىل الضعف ،وقد قدر ميشال كريسطول ()Christol M.
أن يكون سعر البوشل( )modiusيف نوميديا يف تلك املرحلة حوايل 5,5سسرتس
( ،)407()Sestercesومن جهة أخرى نشري إىل أن كميات القمح اليت توجه إىل روما هي يف
األساس عبارة عن ضرائب استخلصت من خمتلف مناطق أفريقيا ،وقد كان عمال اإلمرباطورية
على اختالف مناصبهم هم الذين يشرفون على هذه العملية ابتداء من حمصلي الضرائب إىل
مسؤويل املقاطعات ووكالء اإلمرباطور وقد محل األباطرة مسؤولية اإلشراف على عملية التموين
هذه ومراقبة سعر القمح يف السوق إىل حمافظ االنونة( ،)Præfectus annonæفبعد حتصيل
هذه الكميات من أرياف أفريقيا توجه إىل املخازن املقامة خاصة بالقرب من املوانئ املهمة
متهيدا إلرساهلا إىل روما بعد أن يتأكد املوظفون بان هذه احلبوب صافية وسليمة ومينع على
املوظفني حتويل جزء من القمح املخصص لروما مهما كانت كميته إىل وجهة أخرى(.)408
()404
Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit., pp69-71.
()405
Varron, II .
()406
Columelle, , préface, p25.
()407
Christol (M.), Le blé africain et Rome, Remarques sur quelques documents, In: Le
Ravitaillement en blé de Rome et des centres urbains des débuts de la République
jusqu'au Haut-Empire, Actes du colloque international de Naples, 14-16 Février
1991, Rome : École Française de Rome, N°196,1994, p297.
()408
Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux), R.Af., Volume13, 1869, p88.
123 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
كان للقمح األفريقي خالل تلك املرحلة شهرة كبرية ،فقد اخربنا بلني أن القمح
األفريقي كان ذائع الصيت وكان ثالث أنواع القمح املعروفة يف عصره وانه قمح صلب وثقيل
وانه أفضل أنواع القمح إلنتاج السميد( ،)409ونفس املؤرخ اخربنا عن املردودية املدهشة هلذا
القمح فقد ذكر بأهنا ترتاوح بني 511إىل 551للحبة الواحدة ( .)410ومما وصلنا أيضا من
األخبار أن مسي ر دومان اغسطس قد بعث إليه بسيقان ( )tigesسنابل حتمل 411حبة
كلها خرجت من حبة مستنبتة واحدة(.)411
كان القمح ينتج بالسهول خاصة القريبة من السواحل ،وكان القمح الصلب
( )Triticum durumهو املزروع هبذه اجلهات حىت قبل السيطرة الرومانية ويضم سالالت
متنوعة جعلت دوكندول( )412يرجح بان يكون هذا القمح أصليا بأفريقيا الشمالية ،بينما عرفت
املناطق اجلبلية ذات الرتبة اخلفيفة انتشارا واسعا يف زراعة الشعري .فالقمح األفريقي دون شك
قد اكتسب خصائصه اليت حدثنا عنها القدماء من طبيعة املناخ املميز ألفريقيا وانتشار الري
على نطاق واسع باإلضافة إىل الرتبة اخلصبة اليت تتميز هبا أفريقيا خصوصا السهول الساحلية
يف جهات األمبوريا واملزاق وحىت الواحات الصحراوية(.)413
()409
Pline l’Ancien ,XVIII ,63.
()410
Ibid.,XVII ,III.5 .
()411
Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit., p69.
إن مردودية القمح األفريقي العالية ليست غريبة أو حالة استثنائية أو "من معتقدات علم النبات" كما عرب اقزال ،
حيث يشهد الباحث الكروا انه قد شاهد بنفسه مبدينة اجلزائر سنة 5848م حزمة من 598سنبلة خرجت كلها من
حبة قمح واحدة ،وقد أرسلت إىل باريس أين عرضت باملعرض الوطين خالل هذه الفرتة .انظر:
- Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux) , R.Af., Volume12, 1868,p417.
كما عثر احد الكولون صدفة سنة 5955م على ثالث سنابل حمفوظة بشكل جيد تعود إىل الفرتة الرومانية
ب( )Noviجبهة شرشال متت زراعتها فأنتجت 515سنبلة زرعت حباهتا من جديد فأنتجت حوايل 811كيلوغرام،
انظرBlé antique de Novi, R.Af., N°3 , 1857,p181. :
()412
De Condole (Alph.),Op.Cit.,p289.
()413
Pline l’Ancien , XVIII, LI. 22.
124 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
إن من أهم األسباب اليت دفعت روما إىل تشجيع زراعة القمح يف املقاطعات هو
احتكارها إلنتاج وتسويق النبيذ والزيت ،فمن املعروف أن اإلمرباطور دوميتيان()Domitien
(95م89-م) قد اصدر مرسوما ( 85م) لتشجيع زراعة احلبوب يف املقاطعات حىت يساعد
بذلك املنتجني للنبيذ يف ايطاليا( ، )414فقد حرصت روما أال يكون هناك منافس إليطاليا يف
زراعة الكروم وجتارة النبيذ والزيت املرحبة ،يف حني كانت زراعة القمح نشاطا مسموحا مل يتوان
األباطرة يف الدعوة إىل الزيادة من إنتاجه إلطعام اجليوش والعامة يف روما خصوصا وانه كان
مينح جمانا هلم ابتداء من عهد اإلمرباطور أكتافيوس وبذلك زادت احلاجة إىل القمح مع تزايد
أفراد الطبقة العامة بروما ،وقد فرضت احلكومة الرومانية إنتاج القمح خالل القرن األول
ألغراض سياسية باخلصوص إذ قدر حجم استهالك مائيت ألف من املواطنني الرومان على عهد
أغسطس حوايل مليون مد جمانا كل شهر(حوايل 91111هكتولرت شهريا) يقابله عجز ايطاليا
عن إنتاج هذه الكمية نظرا النتشار املستنقعات واألراضي غري الصاحلة للزراعة ما جعل
اجملاعات واالضطرابات تتفاقم يف كامل أحناء اإلمرباطورية(. )415
وقد حدث ارتفاع حاد يف معدل إنتاج القمح بعد أن دفعت روما باحلدود إىل الغرب
واجلنوب وشرعت يف سياسة احتواء القبائل واتبعت سياسة فعالة الستصالح األراضي والتوسع
يف بناء اهلياكل املائية ،وملا اعتلى نريون العرش أصبحت أفريقيا هي اليت متد عاصمة
اإلمرباطورية بالقمح ملدة مثانية أشهر يف السنة ( ،)416ونشري إىل انه بداية من القرن الثاين
للميالد أصبح من املسموح زراعة الكروم والزيتون بأفريقيا خاصة على األراضي البور وغري
املستغلة.
()414
رستوقتزف(.م) ،مرجع سابق ،ص .518
()415
جوليان ( شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص.519
()416
حمجويب (ع ،).مرجع سابق،ص .484
125 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
إن اعتماد روما الشبه الكلي على اإلنتاج األفريقي من القمح إمنا ي فسر بالسياسة
اإلنتاجية بأفريقيا القائمة على االستغالل الشامل إلمكانيات األرض وجتنيد الطاقات البشرية
والثروة املائية ملواجهة االستهالك املتزايد ( ،)417ويف املقابل كان اإلنتاج االيطايل من هذه املادة
إنتاجا ضعيفا لكنه ليس منعدما فعلى األقل كان يكمل الواردات ويليب حاجيات املالك
املزارعني وعائالهتم (.)418
إن تشجيع روما الستثمار األموال يف األراضي األفريقية يعين كثرة اإلنتاج الذي من
شانه أن يدفع بثمن احلبوب إىل االخنفاض ويضمن كميات وافرة من الغالل لروما ويزيد من
دخل الدولة ،وهذا ما يفسر لنا سر إصرار روما على ضم نوميديا وموريتانيا رغم تكبدها
ملشقة املواجهات العسكرية مع سكان هذه املناطق ،وكل هذا أيضا ساهم يف زيادة أمالك
بعض الشخصيات الرومانية اليت امتلكت خالل القرن األول قبل امليالد مستثمرات وضيعات
واسعة اخربنا عنها بلني بأهنا املظهر املميز ألفريقيا خالل هذه املرحلة (.)419
لقد كانت روما مرتبطة ارتباطا وثيقا خالل هذه املرحلة بأفريقيا وحباجة ماسة إىل
إنتاجها من القمح إىل درجة انه عندما تتعثر محوالت القمح بأفريقيا تعرف روما جماعة(، )420
وهذا كاف إلبراز األمهية الكبرية اليت حتضي هبا أفريقيا لدى الرومان.
()417
شنييت (حممد البشري) ،أضواء على تاريخ اجلزائر القدمي...مرجع سابق ،ص.515
()418
Picard (G.Ch-.), Néron et le blé d’Afrique…Op.Cit.,p70.
()419
Pline l’Ancien , , XVIII , VII,6.
()420
عن اجملاعات ليت عانت منها روما بسبب عرقلة سفن الشحن بأفريقيا انظر:
-Lepelley (C.), déclin ou stabilité…Op.Cit.,p139.
126 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
بعد أن قامت احلكومة الرومانية خالل القرن األول بتشجيع زراعة القمح لعدة أسباب
كما ذكرنا ،فتحت ابتداء من القرن الثاين اجملال أمام زراعة األشجار املثمرة ،واملعلوم أن روما
قد شجعت زراعة الزيتون خاصة إال أن هذا القرن كان قد عرف أيضا توسعا يف زراعة الكروم
أما باقي األنواع األخرى فهي مل حتض باهتمام كبري مقارنة بزراعة الزيتون والكروم ،وهذا بطبيعة
احلال ال يعين أن الدولة الرومانية قد أمهلت زراعة احلبوب بل استمر االهتمام بإنتاجها إىل غاية
الفرتات األخرية من السيطرة الرومانية وظلت أفريقيا املمون الرئيسي لروما بالقمح.
.0-IIزراعة الكروم:
لقد كانت زراعة الكروم ذات أمهية كبرية بالنسبة للرومان وهلذا فقد عمل أباطرهتا على
منع زراعتها بالواليات يف البداية نظرا لتجارهتا املرحبة ،لكن مبرور الوقت منحت حكومة
اإلمرباطورية املزيد من احلرية للمقاطعات لكي تعمل على تنمية اقتصادها حىت تستفيد ايطاليا
من خرياهتا ،ففي البداية مسحت احلكومة الرومانية بزراعة الكروم والزيتون فقط على القطع
األرضية الصغرية غري الصاحلة للزراعة أو األحراش أو األراضي اليت مل تشملها عملية الكنرتة أو
يف األراضي غري املستغلة داخل املستثمرات الكربى ،ونظرا للتجارة املرحبة للنبيذ والزيت
شجعت احلكومة السري يف هذا االجتاه وهبذا انتشرت بساتني الزيتون والعنب مبعدالت مذهلة
خاصة ابتداء من القرن الثاين الذي عرف بأنه قرن الزيتون والكروم.
لقد وردت يف النصوص التشريعية األفريقية إشارات لزراعة الكروم اليت تطورت بتطور
االستعمار واالستغالل ،فقد حتدث نص هنشري مطيش الذي حيمل بنودا من قانون
مانكيانا( )Lex Mancianaالذي يعود إىل زمن تراجان عن زراعة الكروم حيث نص القانون
على منع زراعة كروم جديدة إال لتحل حمل كروم قدمية ،أما نص عني اجلمالة الذي يعود إىل
عهد هادريان فقد محل إجابة من بروكرياتور اإلمرباطور خبصوص طلب الكولون السماح هلم
127 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
بزراعة األراضي غري املستغلة زيتونا وكروما( ،)421ومل ترد يف كل النصوص املكتشفة ولو إشارة
بسيطة إىل السماح بزراعتها يف أراض خصبة جديدة أو يف األراضي اليت اعتاد املزارعون زراعتها
قمحا.
يبدو أن الكروم األفريقية حسب ما يقدمه القدماء من شهادات كانت ذات خصائص
مذهلة ،فقد اخربنا سرتابون عن عناقيد العنب العمالقة اليت تتميز هبا موريتانيا الطنجية (،)422
أما بلني فقد ذكر أن بعض عناقيد العنب املنتجة باملناطق الداخلية األفريقية حجمها اكرب من
طفل شاب وان الكروم األفريقية ال مثيل هلا يف مكان آخر( ،)423فخالل تلك الفرتة كانت
الكروم األفريقية حاضرة بقوة يف املوائد وكان يصنع منه نبيذ ذو جودة عالية فحسب بلني دائما
فان األفارقة كانوا يستعملون اجلري خلفض محوضته(.)424
لقد انتشرت زراعة الكروم يف عموم أفريقيا وخاصة باملناطق الرطبة احملاذية للسواحل ،
فقد توصلت األحباث اليت أقيمت حول زراعة هذه الشجرة بأفريقيا إىل أهنا تتطلب نسبة كبرية
من أمطار اخلريف والشتاء حىت تتمكن من مقاومة حرارة الصيف( ،)425وقد اخربنا بلني عن
زراعة الكروم حىت يف بعض الواحات الصحراوية حتت أشجار النخيل لتستفيد من ظالهلا(.)426
كما دلت العديد من الصور الفسيفسائية على زراعة الكروم واستهالك النبيذ باإلضافة
إىل األحباث األثرية اليت زودنا مبعلومات قيمة حول جتارة هذا املنتوج ،فقد عثر على نوع من
اجلرار اخلاصة مبوريتانيا القيصرية اليت خيزن فيها النبيذ متهيدا لتسويقه ،كما عثر مبيناء
اوستيا( )Ostieيف حفريات أقيمت به على أنواع عديدة من هذه اجلرار األفريقية يف طبقات
()421
انظر أعاله ص.11
()422
Strabo, XVII, III, 4.
()423
Pline l’Ancien, XIV, III.
()424
Ibid., XIV, XXIV.
()425
Larnaude (M.), La Vigne en Algérie, in: Annales de Géographie, T. 57, N°308,
1948, p357.
()426
Pline l’Ancien, XVIII, LI. 22.
128 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
مؤرخة ما بني()551-555م ،كما عثر بنفس امليناء على فسيفساء عليها صورة جرة تعود
لنهاية القرن الثاين امليالدي(.)427
إن زراعة الكروم بدون شك مل تتوقف يف التطور بأفريقيا خالل الفرتة الرومانية ،فقد
دلت عليها النصوص األدبية واألثرية كما أسلفنا الذكر ،لكن من غري املمكن مقارنة أمهيتها
بزراعة القمح والزيتون فرمبا كانت زراعة ثانوية( )428موجهة إلنتاج أجود اخلمور وتزيني ارقي
املوائد ويف نفس الوقت جيب أن نقر بان جتارهتا مهمة ومرحبة حيرص األباطرة املتعاقبون وكبار
الشخصيات على احتكارها.
.2-IIسياسة الزيتنة:
كان الزيتون يف القدمي ذا أمهية كبرية لدي مجيع الشعوب خاصة شعوب البحر
املتوسط اليت اهتمت بزراعة هذه الشجرة والعناية هبا أكثر من أيامنا هذه ،فقد كان الزيتون
ميثل منتوجا استهالكيا أساسيا ومصدرا وحيدا لإلنارة النظيفة يف تلك املرحلة ،وقد حضيت
هذه الشجرة بتقديس مل حتض به األصناف األخرى من األشجار فقد اختذته الشعوب رمزا
للسالم وقد ذكرنا فيما سبق حادثة توجه أهايل تبسة إىل القائد القرطاجي حانون يستعطفونه
ليطلق سراح أهاليهم حاملني معهم أغصان الزيتون(.)429
إن زراعة الزيتون مبنطقة مشال أفريقيا ضاربة يف القدم ،فقد دلت على ذلك النصوص
والرسومات الصخرية واآلثار اليت عثر عليها مبختلف أرجاء املنطقة ،ومل تكن يوما فضال رومانيا
()427
Robert (L.), le vin Africain à l’époque impériale, in : Ant.Af., N°16, 1980, p190.
()428
Ibid..p191.
( )429انظر أعاله ص 55؛ ونظرا للفوائد املتعددة للزيتون فقد رفعه اإلغريق قدميا وسكان منطقة القبائل ( )Kabylesإىل
صف األشجار األسطورية امليثولوجية انظر:
- Angles (St.) , l’ Olivier, un arbre et une culture au cœur de la -Méditerranée , édition
du temps , pp113-128
129 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
أو فينيقيا كما يدعي البعض ،غري أن التوسع يف زراعتها قد عرف تطورا ملحوظا خالل الفرتة
الرومانية بشكل أدهش الباحثني خاصة خالل أواخر القرن الثاين و وبدايات القرن الثالث
امليالدي ،وتنبغي اإلشارة هنا إىل أن أفريقيا قبل هذه الفرتة كانت قد سجلت حماوالت يف
التوسع يف زراعة هذه الشجرة ،فقد اخربنا أوريليوس فيكتور ( )Aurellus Victorأن القائد
القرطاجي هانيبال بعد إمضاء قرطاج ملعاهدة سنة 515ق.م مع الرومان قد وجه جنوده إىل
استصالح األراضي وزراعة الزيتون إلهلائهم عن القيام بأي حماولة انقالب أو إثارة فوضي يف
البالد(.)430
ويبدو أن األباطرة الرومان قد شرعوا يف تشجيع هذه الزراعة بعد االلتماسات اليت
رفعها الكولون إليهم والذين طالبوا السماح هلم باستغالل األراضي البور وأراضي املستنقعات
واألراضي اليت ختلى عنها املساحون الرومان أثناء قيامهم بعملية كنرتة األراضي وذلك بزراعتها
كروما وزيتونا كما ورد يف عريضة عني اجلمالة ونص جنان الزيتونة ( ،)431وهذا ما طور دون
شك زراعة الزيتون بأفريقيا فرحبت الزراعة هبا مساحات إضافية ،ومن جهة أخري نشري إىل أن
اإلمرباطور هادريان كان قد أمر بان تصبح األرض ملكا لكل شخص استصلحها حىت لو
كانت ملكا لشخص أخر وان يدفع املستصلح النصف عن املنتوج إذا كانت األرض ملكا
للدولة( ،)432وهبذا اإلجراء يكون قد وفر احلماية القانونية اليت تشجع املزارعني على استصالح
األراضي وزيادة اإلنتاج.
انتشرت زراعة الزيتون يف عموم أفريقيا ،ويشهد على ذلك العديد من آثار املعاصر اليت
عثر عليها باملنطقة( انظر أدناه اخلريطة ( )8ص ،) 581فقد الحظ العديد من الباحثني إبان
احلقبة االستعمارية الفرنسية وجود هذه اآلثار يف مناطق هي اليوم مناطق صحراوية قاحلة ال
تصلح للزراعة ،فقد أكد اغزال أن سهل حبرية األرنب الواقع جنوب تبسة كان خالل الفرتة
()430
ديكرييه (فرنسوا) ،مرجع سابق ،ص ص.81-89
()431
انظر أعاله ص ص.19-11
()432
Spartien, Vie d’Hadrien, écrivains de l’Histoire Auguste, traduit par FL.
Leglay, T.1, C.L.F. Panckoucke , Paris 1844, XVIII.
130 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
الرومانية سهال تغطيه غابات الزيتون( ،)433أما الباحثة هنريات كامبس فقد الحظت أن املناطق
اليت قدمت لنا اليوم العديد من آثار هذه املعاصر هي نفس املناطق اليت وصفها سالوست بأهنا
مناطق جرداء وجافة ما يدل حسبها على أن الرومان هم من قام بتوسيع هذه الزراعة إىل هذه
املناطق( ،)434غري أن هذه الباحثة قد غفلت بان هذه املناطق اليت عثر هبا على كم هائل من
هذه املعاصر هي مناطق القبائل املكنطنة اليت مل ختضع للسلطة الرومانية كإقليم قبائل املوزوالم،
فأمام احلاجة امللحة هلا إىل األرض بعد انتزاع األراضي اخلصبة منها مل جتد هذه القبائل من
وسيلة أخري غري تكثيف الزراعة يف املساحة املتاحة هلا واستصالح أراضي جديدة ( )435لذا
من اجملحف إرجاع كل الفضل للرومان يف مسألة توسيع زراعة الزيتون ،ويف نفس اإلطار
نتحفظ على استنتاج اقزال الذي اعترب أن غابات الزيتون ال ميكن إال أن تكون من اجناز
الرأمسالني الكبار ألنه على حد تفسريه يتمتعون بالثروة واالكتفاء لذا يرتكون أشجار الزيتون
تنمو يف هدوء ،عكس املزارعني البسطاء الذين تدعوهم احلاجة إىل زراعة األنواع اليت ال
تستغرق وقتا طويال لإلمثار(.)436
كان التوسع يف زراعة الزيتون باملناطق اجلنوبية مدهشا نظرا لكون كمية األمطار هبا غري
كافية لقيام هذه الزراعة ،فقد الحظ باراداز وجود آثار ملعاصر رومانية يف مناطق هي اليوم
مناطق صحراوية( ،)437ولعل العامل الذي جعل من هذه الزراعة تصل إىل ختوم الصحراء هو
تطور تقنيات الري الرومانية املستعملة هبذه املناطق وحسن استغالل األمطار املومسية ببناء
جدران حتمي الرتبة من السيول يف العديد من املناطق ملنع اجنراف الرتبة ولتخزين املياه
الستغالهلا يف الري الزراعي( ،)438ومل تكتف روما هبذا فقط بل عملت على استغالل مياه
()433
Gsell (St.) , Inscriptions Latines de l’algerie ,T.1, p351.
()434
Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine…Op.Cit.,p9.
()435
عقون (العريب) ،االقتصاد واجملتمع...مرجع سابق ،ص.88
()436
Gsell (St.),grandeur et décadence de Rome en Afrique...Op.Cit., p91.
()437
Baradez (J.),Vue aerienne de l’organisation romaine dans le Sud-Algérien
(Fossatum Africae), Arts et métiers graphiques, Paris1949, pp 204-212.
()438
Ibid., 185.
131 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
العيون املتواجدة هبا ويف هذا الشأن اخربنا بلني عن التقسيم العادل ملياه العيون بني املزارعني
يف واحة قابس ( )Tacapesجنوب تونس(.)439
لقد كانت زراعة الزيتون على العموم أكثر األنواع انتشارا يف أفريقيا حبيث مشلت
خمتلف املناطق سواء الرطبة أو اجلافة ،وقد أكدت النصوص على هذا التوسع الكبري خالل
الفرتة الرومانية وعلى االهتمام هبذه الزراعة الناتج من األمهية االقتصادية للزيت واالستعماالت
املختلفة له اليت جعلت من األباطرة الرومان يشجعون زراعته ،ومل تكن الفرتة الرومانية فقط هي
الفرتة الوحيدة اليت ازدهرت فيها زراعة هذه الشجرة بل استمر ذلك إىل ما بعد هذه الفرتة
بقرون ،ومن الواضح أن االزدهار الذي عرفته افريقية خالل فرتة الفتوحات اإلسالمية كما
وصفه لنا ابن عبد احلكم وابن عذاري ( )440قد كان استمرارا للقرون اليت قبلها خصوصا إذا
علمنا أن شجرة الزيتون من األشجار اليت تعمر أكثر من 511سنة.
()439
Pline l’Ancien , XVII , LI,22.
( )440نقل لنا ابن عبد احلكم رواية تدل على استمرارية تصدير الزيت إىل روما خالل مرحلة الفتوحات اإلسالمية " :إن
عبد اهلل بن سعد هو الذي افتتح افريقية...وانه كان يوضع بني يديه الكوم من الورق ،فيقول لألفارقة :من أين لكم
هذا؟ قال :فجعل إنسان منهم يدور كالذي يلتمس الشيء حىت وجد زيتونة ،فجاء هبا إليه ،فقال :من هذا نصيب
الورق .قال :وكيف؟ قال :إن الروم ليس عندهم زيتون ،فكانوا يأتوننا يشرتون منا الزيت ،فنأخذ هذا الورق منهم"،
انظر :ابن عبد احلكم ،فتوح مصر والمغرب ،حتقيق عبد املنعم عامر ،ج ،5شركة األمل للطباعة والنشر ،القاهرة
5115م ،ص .549أما ابن عذاري فقد وصف افريقية زمن الكاهنة فقال ":أن أفريقية كانت ظال واحدا من
طرابلس إىل طنجة وقرى متصلة ومدائن منظمة حىت مل يكن يف أقاليم الدنيا أكثر خريات وال أوصل بركات وال أكثر
مدائن حصونا من إقليم أفريقيا" ،انظر :ابن عذاري املراكشي ،البيان المغرب في أخبار األندلس والمغرب ،ج،5
دار صادر ،بريوت 5851م ،ص.89
132 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
133 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
لقد كان للظروف الطبيعية املساعدة على منو هذه الشجرة باإلضافة إىل زيادة الرغبة
لدي األباطرة واملزارعني يف توسيع زراعتها الدور الكبري يف حتقيق هذا التقدم ،فأفريقيا وفق ما
اخربنا به القدماء مهيأة لزراعة هذه الشجرة نظرا ملناخها املعتدل املساعد على ازدهار هذا النوع
من األشجار ،ويف هذا الشأن اقتبس بلني( )441عبارة من فابيان( )Fabianيؤكد فيها "أن
شجرة الزيتون ال تزدهر يف البالد الشديدة الربودة وال يف البالد الشديدة احلرارة" ،فدرجة احلرارة
عامل مهم يف زراعة هذه الشجرة ،فهي ال تقاوم درجة احلرارة األقل من °5فوق الصفر يف
املقابل تتحمل درجة احلرارة العالية نسبيا شرط ريها لتجنب جفافها( ،)442بينما يعترب اجلليد من
اشد أعدائها حيث أهنا ال تتحمل الربودة القارسة أو األمطار اليت تتساقط خالل فرتة إزهارها
اليت تتسبب يف إسقاط مثارها املزهرة ما يسبب خسائر يف املنتوج.
كما أن معدل األمطار الذي يتناسب مع زراعة الزيتون هو 811ملم سنويا على
األقل ،وهو الشيء الذي توفره أفريقيا بل وتعرف تساقطا اكرب بكثري من هذا املعدل على األقل
يف املناطق احملاذية للساحل ،ونشري إىل أن زراعة هذه الشجرة تصلح يف الرتبة اخلفيفة اليت
جيب أال تكون رملية متاما وال طينية ،لذا ينبغي جتنب زراعتها يف أراضي املستنقعات ويف
األراضي اليت هبا نسبة ملوحة كبرية ،فما يالحظ على هذه الشروط الطبيعية واملناخية اليت
تتطلبها زراعة هذه الشجرة هو تطابقها مع اخلصائص اليت تتميز هبا أفريقيا ،وهلذا ال نستغرب
متسك األفارقة بزراعتها منذ عهود طويلة.
ومن العوامل االقتصادية املساعدة على توسيع هذه الزراعة هو سهولة غرسها وقلة
تكاليفها( ،)443باإلضافة إىل أن هذه الشجرة ال تتطلب عناية مستمرة هبا يف املناطق اليت تفوق
()441
Pline l’Ancien, XV,II.
()442
Camps-Fabrer(Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine…Op.Cit.,
p14.
()443
Columelle, V ,VIII.
134 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
كمية التساقط هبا 811ملم سنويا ،وحىت عملية إزالة األعشاب الضارة وقلب تربتها وتقليم
أغصاهنا هي من األعمال السهلة املتيسر على الفالح القيام هبا مرة كل عام أو عامني ،ومن
مميزات هذه الشجرة وفق ما أكده كلوميل( )444هو متيز إنتاجها مبا يشبه مبدأ التناوب حيث
يكون إنتاجها وفريا يف عام ويقل يف العام املوايل له ،ومن جهة أخري فقد حتدث بيكار عن
عامل كثرة فرتات اجلفاف اليت ميزت أفريقيا أواخر القرن الثاين وهو ما أدي باحلكام إىل
االهتمام بزراعة الزيتون يف املناطق اليت كانت تزرع هبا احلبوب باعتبارها أكثر مقاومة للجفاف
من القمح(.)445
أما فيما يتعلق بالدوافع اليت أدت بروما إىل تشجيع هذه الزراعة فهي يف احلقيقة
عوامل متعددة ،بعضها سياسي وبعضها عوامل بشرية والبعض األخر اقتصادي؛ البد أن نقر
يف البداية إىل أن التوجيه السياسي هلذه الزراعة قد ساهم يف انتشارها ،هذا التوجيه الذي دلت
عليه صراحة التشريعات األفريقية اليت دعت إىل زراعة األراضي غري املستغلة كروما وزيتونا ،كما
أن سياسة التوزيع اجملاين للقمح والزيتون بروما اليت درج عليها أباطرة القرن الثاين والثالث خاصة
تعترب من أهم العوامل اليت سامهت يف توسيع هذه الزراعة ،ولعل هذه الوضعية قد نشأت
نتيجة تراجع الزراعة يف ايطاليا نتيجة انتقال السكان من األرياف إىل املدن واندثار الطبقة
املتوسطة من الفالحني وبذلك أمهلت مستثمرات الزيتون ،وأمام هذا الوضع الذي عرف تزايدا
يف الطلب على هذا املنتوج خاصة من طرف السكان احلضر مل يرتدد األباطرة يف االستعانة
بالزيت األفريقي كبديل جاهز لتعويض النقص يف اإلنتاج باعتبار أن زراعة الزيتون قد كانت
مزدهرة بضواحي قرطاج قبل جميء الرومان بكثري(.)446
ومن األسباب املهمة كذلك ،هو ما أشارت إليه هنريات كامبس اليت اعتربت أن زراعة
الزيتون هو أمر مساعد على استتباب األمن خاصة باملناطق اليت تنتقل عربها القبائل املرحتلة،
()444
Columelle,V ,VIII.
()445
Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine…Op.Cit., p74.
()446
عقون (العريب) ،االقتصاد واجملتمع...مرجع سابق ،ص.88
135 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
فزراعة الزيتون من األمور املشجعة على استقرار هذه القبائل وهو ما يساهم يف ختفيض أعباء
ومتاعب اإلدارة الرومانية هبذه املناطق ،وقد صورت لنا الباحثة تلك الفائدة املتبادلة بني
الطرفني ؛ فالبدو يهدفون إىل الثراء واحلكام الرومان ينشدون األمن واالستقرار واالزدهار
االقتصادي الذي يعود بالفائدة على لروما( ،)447وعلى نفس الفكرة علق األستاذ شنييت بان
زراعة الزيتون هو العامل الذي ساهم يف تدعيم اجلبهة الرومانية أمام القبائل البدوية(.)448
لقد أدى ازدهار جتارة هذه املادة واتساع السوق االستهالكية سواء الداخلية أو
اخلارجية إىل اهتمام األباطرة والفالحني على حد سواء بزراعة هذا النوع ،الن تسويقها يعترب
مضمونا وهو األمر الذي يشجع الفالح على زيادة اإلنتاج و زراعة فسائل جديدة ،ومن
األمور املهمة اليت أثرت كذلك على زيادة التوسع هو تزايد ظاهرة التحضر بروما حيث ختلى
الفالحون عن أراضيهم وحتولوا إىل املدن ،يف مقابل ذلك زاد طلبهم على هذه املادة الضرورية
يف احلياة احلضرية خصوصا بعد أن اندمج هؤالء وتأثروا مبغريات املدينة ،كما أن روما قد عرفت
على عهد األنطونيني والسيفرييني هنضة عمرانية واتساعا يف األسواق االستهالكية الداخلية
وزيادة يف الطلب على مادة الزيت( ،)449فعلى العموم كان للزيادة السكانية واإلقبال على احلياة
احلضرية دوره يف التأثري بصفة مباشرة على ازدهار هذه الزراعة بعد أن زاد اإلقبال عليها وزادت
أرباح جتارهتا.
ومن العوامل االقتصادية املهمة –إضافة إىل اتساع األسواق الداخلية واخلارجية اليت
حتدثنا عنها -تفضيل املالك الكبار واملزارعني لزراعة هذه الشجرة نظرا لالمتيازات اليت خصها
األباطرة هبا واملتمثلة يف اإلعفاءات الضريبية خالل عدد من السنوات للذين يقيمون على
أراضيهم مستثمرات للكروم والزيتون وللذين يطعمون الزيتون الربي( ،)450ويف األخري ال جيب
()447
Camps-Fabrer(Henriette),l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine..Op.Cit., p10.
( )448شنييت (حممد البشري) ،التغريات االقتصادية ...مرجع سابق ،ص.88
()449نفسه ،ص ص.85-85
( )450انظر أعاله ص.95
136 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
أن هنمل الفوائد اجلمة اليت يتميز هبا الزيت ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة لدي خمتلف األجناس
ومنهم الرببر املعروفون باستهالكهم الكبري هلذه املادة ،حيث يستعملوهنا يف طهي خمتلف
املأكوالت ويف اإلنارة وصناعة مواد التنظيف ،كما يستعملوهنا أيضا يف معاجلة العديد من
األمراض ويف أغراض التجميل والزينة حيث عرف عن نساء الرببر دهن شعورهن بالزيت لتصبح
ملاعة نظرة(.)451
ملا حل الرومان بأفريقيا وجدوا اهتمام األفارقة بزراعة هذه الشجرة فما كان منهم إال
مواصلة السري يف هذا االجتاه بعد أن وجدوا قاعدة اقتصادية يف املنطقة منت منذ عهد امللوك
النوميد( ،)452وهبذا عرفت أفريقيا ازدهارا يف زراعة هذا النوع أكثر مما عليه اليوم ،و شهدت
وسائل اإلنتاج تطورا ملحوظا سامهت يف زيادة اإلنتاج باإلضافة إىل توفر الشروط املناخية
املناسبة إلقامة هذه الزراعة اليت تتميز هبا أفريقيا.
حاول بلني استثناء أفريقيا من املناطق اليت تنتج الزيتون حيث يقول ":إن املقاطعات
األخرى تنتج الزيتون ما عدا أفريقيا اليت ال تنتج إال احلبوب ،هذه األرض هي مملكة سرييس
( )Cérèsاليت مل جتعل الزيت واخلمر من نصيبها ولكن ما تنتجه من القمح كاف
الزدهارها"( ،)453غري أن هذا املؤرخ قد تراجع عن هذا احلكم يف العديد من املواضع بل وذكر
أن هناك نوعا من الزيتون الطري النادر الذي ال يوجد إال يف أفريقيا وامريتا ( )Emeritaمذاقه
حلو ينضج وجيف لوحده حىت يصبح أحلى من الزبيب(.)454
اصدر العديد من الباحثني حكما قاسيا خبصوص جودة الزيت األفريقي حيث اعتربوه
ذا نوعية رديئة لذا يستعمله الرومان يف إنارة املصابيح ويف احلمامات ،والسبب حسبهم يعود
()451
Laoust (E.), Op.Cit., p460.
()452
Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit., p74.
()453
Pline l’Ancien ,XV,III.2.
()454
Ibid.,XV,4.
137 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
إىل عدم حرص األفارقة على صنعه بطريقة جيدة واعتمادهم على وسائل بدائية يف إنتاجهم له
باإلضافة إىل حرصهم على وفرة احملصول أكثر من حرصهم على جودته( ،)455والعجيب يف
األمر أن هؤالء مل يبنوا فرضياهتم على نتائج توصلت إليها األحباث أو على استنتاجات
خمتصني يف علم النبات وإمنا استخلصوا حكمهم هذا من قصيدة هجائية للشاعر
يوفينال( )Juvénalالذي وصف فيها الزيت األفريقي الذي عكف أبناء مسيبسا على إرساله
إىل روما بأنه زيت جعل محامات روما مقرفة وانه لشدة محوضته ورداءته يدفع حىت مسوم
ولسعات الثعابني(.)456
ال ميكن االقتناع بفرضيات هؤالء ببساطة طاملا أن األحباث املتخصصة مل تشر إىل
ذلك ويبقي هذا احلكم يف نظرنا حكما غري موضوعي مل ينب على أدلة علمية أو شهادة خبري
من تلك املرحلة مثال ،وإمنا بين انطالقا من عاطفة وأهواء شاعر عرف عنه اهلجاء ؟ ،وقد سار
على نفس النهج رستوقتزف هو اآلخر الذي اعترب أن الزيت األفريقي ارخص واقل جودة من
الزيت االسباين( ،)457واحلقيقة أن الشروط املناخية املساعدة على إنتاج األنواع اجليدة منه هي
أكثر مالءمة يف أفريقيا منها يف أروبا " فأساس الزيت يأيت من احلرارة " كما عرب عن ذلك
بلني نقال عن ثيوفراست ) ،)458((Théophrasteوحىت هنريات كامبس قد أكدت أن مثرة
الزيتون األفريقي اغين باملواد الدهنية مقارنة بأنواع الزيتون املغروسة بفرنسا بسبب احلرارة اليت
حتضي هبا أشجار الزيتون األفريقية مقارنة بنظريهتا يف أروبا(.)459
ففي كل األحوال يبقى موضوع جودة الزيت األفريقي من عدمه حمل جدال وحيتاج إىل
حبوث متقدمة خاصة من طرف املختصني يف علم النبات ،الن حجج الباحثني الغربيني غري
()455
Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile…Op.Cit., p40. ; Gsell(St.), l’Algérie
dans l’antiquité…Op.Cit., p68. ; Lacroix (F.), Afrique Ancienne (produits végétaux) ,
جوليان(شارل أندري) ،مرجع سابق ،صR.Af., Volume13, 1869,p99. ; . 518
()456
…Juvénal ,Satires, V,v88. D’après Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile
Op.Cit., p40.
()457رستوقتزف.م ،مرجع سابق ،ص.555
()458
Pline l’Ancien ,XV,III.3.
()459
Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine …Op.Cit., p 14 .
138 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
كافية للحكم عليه ،خصوصا وان املؤرخني الذين عاصروا تلك املرحلة ما انفكوا ميدحون
خمتلف احملاصيل اليت تنتجها أفريقيا ويشيدون جبودهتا كالتمور والعنب والقمح...اخل فمن غري
املعقول أن يستثين الزيتون من بينها؟ خصوصا وان زراعته باملنطقة قدمية جدا.
إذا كانت زراعة الزيتون وإنتاجه قد شهدت تطورا بأفريقيا منذ املراحل األوىل اليت
سبقت الفرتة الرومانية فان طريقة صناعته وحتويل املنتوج الزراعي إىل زيت قابل لالستهالك قد
عرفت هي األخرى تطورا يف تقنيات التصنيع ،فلم يعد األفارقة يستعملون تلك الطرق البدائية
اليت تتمثل يف سحق الثمار وتركها يف املاء حتت صخور كبرية حىت يطفو الزيت فوق املاء(،)460
فقد دلت املعاصر والصور الفسيفسائية اليت عثر عليها باملنطقة على تطور يف طرق التصنيع.
رجحت هنريات كامبس أن تكون املعصرة املستعملة خالل الفرتة الرومانية بأفريقيا
سواء من طرف الرومان أو الرببر مستوحاة من املعاصر اإلغريقية ،غري أن الرومان حسبها قد
عملوا على تطويرها وحتسينها عكس الرببر الذين ابقوا على معاصرهم كما أخذوها من
اإلغريق( انظر أدناه الشكل ( )54ص )589وان املعاصر الرومانية قد عرفت تقدما يف
التقنيات وإضافات جديدة بينما اكتفى الرببر مبا هو أساسي فيها دون التفكري يف تطويرها
والسعي لتحديثها ،واعتربت الباحثة من خالل مالحظاهتا ودراستها هلذه املنشآت أن املعصرة
الرومانية أكثر انتشارا بأفريقيا من نظريهتا الرببرية(.)461
طبعا ،هذه اآلراء ختص الباحثة اليت تعمل دائما على متجيد السياسة والتقنية الرومانية
على حساب الشعوب اخلاضعة وهي أراء يف نظرنا غري موضوعية حتتاج للمراجعة ،وجتدر
()460
كامبس (غابريال) ،مرجع سابق ،ص.98
()461
Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine…Op.Cit.,
pp50-52.
139 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
اإلشارة إىل أن املعاصر األفريقية تتفاوت يف حجمها والقدرة اإلنتاجية هلا فهي على العموم
ثالثة أنواع:
مؤسسات صناعية كبري على شاكلة مصنع الزيت املوجود خبربة اعقوب بضواحي عني
الكبرية (سطيف) الذي يتوفر على واحد وعشرين قاعدة إنتاج وعصر ومصنع الزيت
املتواجد مبداوروش ومصنع بري اسقاون ( )Bir Sgaounالذي يقع على بعد 85كلم
()462
. جنوب تبسة
معاصر حضرية تتواجد مبناطق اإلنتاج اهلامة فهي على العموم ترتكز حول املدن املهمة مثل
تونس ومجيلة ومادور...اخل،
معاصر ريفية خاصة بالعائالت ومستغلة من طرفها(.)463
أما فيما يتعلق بتجارة الزيت فقد كانت منتشرة بكثرة خالل تلك املرحلة ،فإذا كان
جزء من الزيت املنتج بأفريقيا يوجه لالستهالك العائلي احمللى فان اجلزء اآلخر كان يوجه
للدولة على شكل ضرائب وعائدات متول هبا األنونة األفريقية املوجهة لروما ،ومن جهة أخري
فقد كانت جتارته احمللية منتشرة بافريقيا يف خمتلف األسواق خاصة مع الزيادة السكانية و زيادة
متطلبات احلياة احلضرية اليت تنامت بأفريقيا هذا فضال عن االستعماالت املختلفة للزيت اليت
زادت من درجة اإلقبال عليه.
بعد جين الزيتون وعصره يوجه القسط املخصص للدولة إىل املخازن ()Horrea
املخصصة له؛ ففي البداية يوجه إىل املخازن القريبة ث إىل املخازن اليت تقع عادة على الطرقات
الرئيسة ث حيول بعدها سواء إىل خمازن املدن الداخلية لتموين اجليش واملقاطعة أو باجتاه املوانئ
القريبة لشحنه إىل روما عرب الناقالت البحرية ،فعلى العموم كانت الكمية املوجهة إىل روما من
الزيت األفريقي معتربة ،فقد عرف عن أباطرة القرن الثاين والثالث توزيعهم اجملاين للزيت بروما
)462
Gsell (St.) , les monuments antiques de l’Algérie , T.II , Albert Fontemoing Editeur,
Paris1901, p30.
()463
Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et son importance économique…Op.Cit., p26.
140 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
خاصة خالل عهد نريون وانطونيوس وعهد سبتيميوس سيويروس ،وكانت املوانئ املكلفة
بشحن الزيت باجتاه روما عديدة منها ميناء قرطاج ،لبتيس ،روسيكادا ،صلداي ،سيقا،
طنجة...اخل ويستقبله الرومان يف ميناء أوستيا (.)464()Ostie
()464
Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine …Op.Cit., pp79-82.
141 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
إن عملية التوسع الزراعي واالستغالل االقتصادي مرتبطة أساسا بطبيعة الوسط الطبيعي
الذي يفرض طريقة االستغالل ،فالتوسع يف السهول واألراضي املستوية خيتلف كليا عن املناطق
اليت تتميز باالحندار ،وقد أكد العديد من الباحثني املختصني يف التاريخ القدمي ألفريقيا الشمالية
أن االستعمار الروماين قد اهتم بغزو واستغالل املناطق السهلية الغنية باملوارد املائية ومل يهتم
باملناطق اجلبلية اليت حتصن هبا السكان احملليون ،يف مقابل ذلك كشفت البحوث األثرية املقامة
حديثا عن العديد من اآلثار واجلدران الصغرية الداعمة للرتبة يف العديد من املناطق اجلبلية واليت
نسب اغلبها إىل الفرتة الرومانية ،وهذا يف احلقيقة ما يدعو للتساؤل عن أصحاب الفضل يف
هذه االجنازات؟ وألن هذه التقنيات متطورة حرص بعض املؤرخني على االلتفاف حول احلقائق
التارخيية ونسبوا هذا التطور إىل الرومان ألنه وفق نظرهتم احملدودة كل تقنية فيها شيء من
التطور و روح االبتكار والتكيف مع خمتلف األوساط الطبيعية فهي رومانية ببساطة.
142 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
لقد سبق وان اشرنا يف الفصل األول إىل أن الشعب األهلي قد عرف هذه التقنية يف
هتيئة األراضي اجلبلية قبل جميء الرومان بوقت طويل( ،)465لكن الشواهد األثرية اليت تنسب
للفرتة الرومانية تؤكد أن تطورا ملحوظا واتقانا مميزا قد مس تقنيات إنشاء املدرجات ،ولعل
ذلك ما جعل البعض ينسبوهنا ويصفوهنا على أهنا "مدرجات رومانية" ،بل وذهب لوفو بعيدا
حني أكد أن زراعة املدرجات قد شغفت بال الرومان أكثر من الشعوب األخرى اليت
استعمرت املنطقة ،فحسبه مل يهتم االستعمار الفرنسي بالزراعة اجلبلية مقارنة باالستعمار
الروماين االمربيايل الذي اهتم بكل اجلهات الغنية ومن بينها اجلبال عكس الفرنسيني الذين
كانوا قليلي احلضور هبذه املناطق بالرغم من تشابه املناخ واملقاومة خالل املرحلتني( ،)466واحلال
أن ما اعتربه لوفو وغريه مدرجات رومانية ألن تقنيتها متطورة؟ يتعارض مع املعلومات التارخيية
اليت تؤكد أن قاطين هذه املناطق هم السكان األمازيغ الذين جلأوا إليها وحتصنوا هبا بعد أن
انتزعت منهم أراضيهم بالسهول ،فبعد أن استقر هبم املقام هناك أقاموا هبا هذا الشكل من
االستغالل الزراعي بعد أن دفعتهم الضرورة االقتصادية والعسكرية إىل استغالل األراضي اليت
باجلبال وتشييد املدرجات.
فقد كان من بني نتائج استيالء اإلدارة الرومانية على األراضي السهلية اخلصبة حدوث
نزوح األهايل إىل اجلبال واالستقرار يف سفوحها لتظهر زراعة املدرجات وتتوسع كنتيجة لذلك،
فاألفارقة مل جيدوا أمام الضغط عليهم من كل اجلوانب احمليطة بالسالسل اجلبلية من وسيلة إال
استصالح األراضي اجلبلية اليت عادة ما تتميز باالحندار وتربتها احلصوية ،ما جيعل جمهوداهتم
تتضاعف عما كانوا يبذلونه عندما كانوا يستغلون السهول ،ورغم ذلك فقد حاولوا االستفادة
من اجلبال اقتصاديا بعدما جعلوها ملجأ حيميهم من بطش الرومان.
()465
انظر أعاله ص.55
()466
Leveau (Ph.), l’opposition de la montagne et de la plaine dans l’historiographie de
l’Algerie du Nord antique, in :Annales de Géographie,T :86 ,N°474,1977,pp 204-205.
143 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
وقد دلت األحباث على أن األفارقة فرضوا بدافع احلاجة الزراعة يف مناطق عالية جدا
عن مستوي سطح البحر ،فقد عثر مبنطقة األوراس على حنو 515معصرة خاصة بالزيتون
بعضها يف علو يتجاوز 5511م رغم أن املعروف أن شجرة الزيتون بشمال أفريقيا ال تتجاوز
911اىل811م ( ،)467وقد عثر أيضا مبنطقة قسنطينة عن آثار ملعاصر على علو يتجاوز
5111م ،اجتهدت هنريات كامبس املعروف عنها نسب كل االجنازات إىل الرومان يف
افرتاض أن الرومان يكونون قد ادخلوا إىل املنطقة ساللة زيتون مقاومة للجليد( ،)468ويبقي هذا
جمرد افرتاض مل تأكده البحوث إىل غاية اليوم .ونشري إىل أن زراعة الشعري كانت من اختصاص
السكان األهايل القاطنني باجلبال باعتبار أن الرتبة هبذه املناطق تربة خفيفة تصلح أكثر لزراعة
الشعري عكس القمح الذي ينتج بالسهول خاصة القريبة من السواحل ،وقد تكون زراعة
املدرجات واستغالل اجلبال من العوامل اليت أثرت على تفضيل الكثري من الرببر للشعري عن
القمح(.)469
لقد فرضت البيئة اجلبلية على الفالحني األفارقة اعتماد تقنية املدرجات الستغالل
املساحات الصاحلة للزراعة القليلة هبذه املناطق ،ويشار إىل أن هذه التقنية تصلح لرتبة خفيفة
سريعة اجلفاف( ،)470فقد عملوا على هتيئة هذه األراضي بإنشاء شبكة من اجلدران الصغرية
الداعمة للرتبة اليت تعمل على منع اجنراف الرتبة من جهة ومن جهة أخرى تسهل عملية حتويل
األراضي إىل احندار مناسب يسمح باستغالهلا ومتنع سيالن املياه اجلارفة مسهلة بذلك عملية
نفاذ املياه يف الرتبة خاصة باملناطق اجلافة القليلة التساقط ( ،)471وهذا االبتكار يسمح
باالستغالل اجليد واحملكم ملياه األمطار والثلوج بصفة ذكية حيث دلت األحباث األثرية على
()467
Morizot (P.) ,l’Aurès et l’Olivier ,in :Ant.Af. , N° 29, 1993,pp 178-179.
()468
Camps-Fabrer(Henriette),l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine..Op.Cit., p14.
( )469كام بس ( غابريال) ،مرجع سابق ،ص.515
()470
Despois (J.), la culture en terrasses…Op.Cit.,p43.
()471
Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine…Op.Cit., p65.
144 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
تواجد العديد من األحواض الصغرية اليت تسمح حبجز املياه وكذا تواجد قنوات ري صغرية تنقل
املياه هبذه املناطق اليت إن مل يتم كبح جريان املياه هبا فستتحول إىل سيول جارفة.
ال تزال بعض املدرجات اليت تعود للفرتة الرومانية منتشرة على العديد من السالسل
اجلبلية بأفريقيا الشمالية ويعود سبب صمودها حسب بونسي ( )J. Poncetوجان ديبوا إىل
تواجدها بالقرب من املراكز احلضرية اليت عرفت باستغالل املوارد املائية واألرض بكثرة من بينها
بالبالد التونسية حاليا املدرجات الواقعة مبطماطة و زغوان والكاف وقفصة وفريانة وغرب
القريوان...اخل (.)472
واملالحظ أن املدرجات منتشرة تقريبا يف كل املناطق اجلبلية حىت على مستوى املناطق
اخلارجة عن السيطرة الرومانية غربا ،وتظهر أثارها بصفة جلية يف الصور اجلوية ببالد الرببر
الشرقية وباألطلس األوسط املغريب ويف األوراس واجلنوب الغريب املغريب ،وقد الحظ ديبوا أن
املنطقة اجلنوبية الغربية للمغرب األقصى تتميز بتواجد مدرجات عديدة مهيأة بشكل جيد رغم
أن املنطقة كانت دائما بعيدة عن التأثري املتوسطي والروماين كما سجل نفس الباحث أن
املناطق اليت ال تزال هبا تقنية املدرجات حمفوظة ومستغلة هي املناطق اليت ال يزال أهلها
حيتفظون بالرتاث األمازيغي القدمي ومنه اللغة األمازيغية اليت متثل الوعاء الذي خيتزن ذلك الرتاث
وميارسون تقاليد زراعية بربرية مثل جبل نفوسة وبالد الشاوية واجلبال اليت يقطنها الشلوح
باملغرب األقصى(.)473
ما ميكن استخالصه يف األخري هو أن لألفارقة دور كبري يف تطوير واستعمال هذه
التقنية خصوصا إذا علمنا أهنا كانت معروفة عندهم قبل وصول الرومان إىل املنطقة وقد مثلت
هلم متنفسا وجماال ميارسون فيه أنشطتهم ويستخلصون منه حاجياهتم بعد أن انتزعت منهم
()472
Poncet (J.) et Despois (J.), pour une Histoire rurale de l’Afrique du Nord, in :
E.S.C. , 12éme Année, N °3 , 1957, pp 456-457.
()473
Despois(J.), la culture en terrasses…Op.Cit.,p48.
145 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
اإلدارة الرومانية املناطق السهلية الغنية ،ويف نظرنا ال جمال للحديث عن فضل روماين يف هذه
التقنية بل ما جيب احلديث عنه هو اإلضافة األفريقية يف هذا اجملال.
مل يكتف الرومان باستغالل املناطق التلية ذات الرتبة اخلصبة فقط ،بل عملوا مبرور
الوقت على غزو املناطق اجلنوبية املتامخة للصحراء ،وكانت الضرورة العسكرية واالقتصادية هي
الدافع الرئيسي هلذا التوسع الذي أثار دهشة الباحثني نظرا لكون مناخ هذه املناطق مناخ
جاف مشابه للمناخ السائد يف أيامنا هذه وفق ما خلص إليه اغزال يف أحباثه( ،)474كما أن
املصادر األدبية تشهد بان العوامل املناخية مل تكن مثالية ؛ فسالوست مثال خيربنا بان املناطق
احمليطة بكابسا( )Capsaخالل فرتة احلرب بني الرومان والنوميد بقيادة امللك يوغرطة كانت
مناطق جرداء وجافة( ،)475وقد اخربنا القدامى أيضا أن زيارة هادريان إىل افريقيا سنة 559م
قد تزامنت مع هطول أمطار غزيرة على املنطقة بعد مخس سنوات كاملة من القحط( ،)476ومن
جهة أخري فقد بلغت السيطرة الرومانية إىل مناطق بعيدة جدا يشهد عليها حصن القرارة
( )Guerraraمبنطقة امزاب الذي يعد ابعد اثر روماين عثر عليه باجلنوب اجلزائري(.)477
0-IVتطور التوسع:
إن عملية التوسع الروماين باجتاه اجلنوب قد متت بطريقة ضيقة وحمصورة واختذت
خطوات بطيئة وحذرة استغرقت سنني طويلة ،وقد كانت للمقاومة احمللية دورها الكبري يف
كبحها والتأثري عليها ،فبهدف إرساء األمن باألراضي اليت مت التوسع على حساهبا فكرت
اإلدارة الرومانية يف إنشاء سلسلة من التحصينات تعرف بالليمس وهي عبارة عن جهاز مركب
ومعقد كانت له أهداف إسرتاتيجية دفاعية ،ميتد هذا الليمس بشكل أفقي على طول املناطق
()474
Gsell(St.), H.A.A.N., T. I, pp51-52.
()475
Salluste, LXXXIX.
()476
Spartien, Vie d’Hadrien , XXII.
()477
Berbrugger (A.), les romains dans le sud de l’Afrique, R.Af., Volume2, 1957, p283.
146 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
اجلنوبية ألفريقيا الشمالية وقد تغري موقعه على فرتتني متباعدتني :األوىل خالل القرن األول
للميالد والثانية خالل القرن الثالث للميالد ،ويتكون الليمس من ثالثة عناصر أساسية:
اخلندق( )fossatumواحلصون املشيدة وراء اخلندق وشبكة الطرق الرئيسية والثانوية ،واملعروف
أن اجلنود الرومان حيرصون على تثبيت هذه اإلنشاءات قبل الشروع يف عملية االستعمار وقبل
توزيع األراضي(.)478
فيما عدا التوسعات احملدودة على حساب األراضي القريبة فانه يظهر بان عملية
التوسع قد متت على مرحلتني رئيسيتني ارتسمت من خالهلما احلدود اجلنوبية
لإلمرباطورية()479؛ فاخلط الدفاعي األول (الليمس) قد احكم اجنازه خالل القرن األول للميالد
خاصة يف عهد اإلمرباطورين تراجان وخليفته هادريان أين كان الليمس خالل هذه املرحلة ال
يتجاوز الطرف الشمايل لالوراس متجها حنو الشمال الغريب إىل سهول سطيف وجمانة ث إىل
الربواقية إىل غاية غليزان مقرتبا أكثر من البحر املتوسط ،وكان الرومان يتنقلون حبرا إىل طنجة
(انظر أدناه اخلريطة ( )51ص .)545لكن خالل القرن الثالث نقلت احلدود جنوبا لتتوسع
روما على حساب ارض جديدة خاصة يف عهد سبتميوس سيفريوس الذي جعل التوسع
الروماين يبلغ مداه األقصى جنوبا مبوريتانيا ونوميديا حيث جتاوزت احلدود اخلط الدفاعي األول
وانتقلت إىل جنوب االوراس والضفة اليمىن لوادي جدي متجهة غربا إىل جبال الزاب ث إىل
منطقة احلضنة إىل غاية تيارت وما بعدها(انظر أدناه اخلريطة ( )51ص.)545
إن هذا النظام الدفاعي مل تفرضه فقط الظروف السياسية واخلوف من اهلجمات
املستمرة للقبائل القادمة من اجلنوب على األراضي الزراعية وإمنا فرضه أيضا التطور الزراعي
ورغبة االستعمار يف حتسني موارده بشكل يعود بالفائدة على الوضعية االقتصادية واملالية
()478
جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص.594
()479
; Gsell(St.), l’Algérie dans l’antiquité…Op.Cit., pp46-60.
-شنييت (حممد البشري) ،الجزائر في ظل االحتالل الروماني ،بحث في منظومة التحكم العسكري (الليمس
الموريتاني) ومقاومة المور ،ج ، 5ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،5888ص ص .555-551
147 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
لروما( ،)480والبد هنا اإلشارة إىل الدور الكبري الذي لعبه اجلنود وخاصة الفيلق األغسطي
الثالث الذي اشرف على إنشاء الليمس وكلف بكنرتة األراضي والتوسع اجلنويب ،وخالل عملية
التوسع هذه ركز الرومان أكثر على األراضي اخلصبة وهو ما يفسر لنا الصفة غري املنتظمة
لليمس ،فقد كان التنظيم العسكري واإلداري الروماين يأخذ بعني االعتبار عدة حقائق أثناء
إنشاء التحصينات منها خصوبة األراضي واحملاور اليت تسمح مبراقبة القبائل والطرق املهمة يف
التجارة واهلجرة(.)481
إن املناطق اليت تقع خارج الليمس بقيت حرة تتنقل فيها القبائل البدوية بكل حرية رغم
أهنا تتميز بفقرها من ناحية املوارد ،وجتدر اإلشارة إىل أن أغلب املناطق مل تتعرض للتأثري
الروماين ماعدا البعض منها؛ فتوتان يرى أن سبتيميوس سفريوس وخلفاؤه قد فرضوا على قبائل
القرامنت استقبال بعض احلاميات العسكرية الرومانية رغم أن هذه القبائل قد بقيت دائما
خارج الليمس الروماين (.)482
دلت التشريعات الزراعية اليت عثر عليها بأفريقيا أن بداية البحث عن مساحات وأراض
زراعية جديدة خلدمتها قد برزت أكثر خالل القرن األول للميالد ،فقد شجع األباطرة عن
طريق القوانني اليت سنوها أو أحيوها املزارعني على اإلقدام على استصالح أراضي األحراش
واملستنقعات والغابات...اخل إن هذه السياسة يف البداية كانت تشمل األراضي الواقعة داخل
املستثمرات الكربى أو األراضي اليت خلفها املهندسون الرومان أثناء عملية الكنرتة ،لكن
سرعان ما فكرت اإلدارة الرومانية بدفع احلدود حنو اجلنوب إىل أراض بكر غري مستغلة ابتغاء
حتقيق مجلة من األهداف.
يأيت يف مقدمة األهداف اليت أراد الرومان حتقيقها إخضاع القبائل البدوية اليت تشكل
هتديدا مستمرا على املزارعني املستقرين حيث تتعرض حماصيلهم بصفة مستمرة لعمليات النهب
والتخريب ،ومل تتوقف هذه التهديدات حىت مع استكمال التحصينات احلدودية مع هناية القرن
الثاين للميالد فاحلرب بني الطرفني قد استمرت إىل ما بعد هذه الفرتة؛ لقد حاول بعض
املفتتنني باحلضارة الرومانية أن يصوروا لنا تلك السياسة املثالية يف نظرهم اليت انتهجها احلكام
الرومان جتاه القبائل البدوية املعرقلة لديناميكية التوسع حنو اجلنوب ،ففي وجهة نظر السيدة
كامبس فان روما قد استعملت سياسة مزدوجة تعتمد على الرتهيب والرتغيب يف نفس الوقت؛
فاحلكام الرومان حسبها مل يستعملوا فقط القوة من اجل طرد القبائل البدوية خارج الليمس بل
استعملوا أيضا الوسائل السلمية املتمثلة يف تشجيعهم على االستقرار وممارسة زراعة الزيتون
بصفة خاصة وألجل حتقيق أهدافها اضطرت الدولة الرومانية إىل التدخل بنفسها من اجل
تأمني األهايل املزارعني وتأمني أراضيهم وملكياهتم( .)483وقد حرص بواسيي( )Boissierهو
األخر على متجيد السياسة الرومانية هبذه املناطق فللرومان حسبه الفضل الكامل يف حتضري
أفريقيا وهم حسبه من جذب البدو شيئا فشيئا إىل األراضي اخلصبة وغمروهم باألمن وجعلوهم
()483
Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et son importance économique…Op.Cit., pp21-22.
149 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
يؤمنون حبياة أفضل ث محلوهم على غزو األراضي البور اجملاورة هلم وهبذا أصبح البلد غري القابل
للسكن يتوسع دون توقف ومل تبق هناك ارض قابلة للزراعة مل تزرع(.)484
ال شك أن يف أوصاف هؤالء الباحثني بعض املبالغة ،فروما يف أفريقيا كانت أمام
موقف صعب خاصة إذا علمنا أهنا كانت يف هذه املناطق مرغمة من جهة على مقاومة
اجلفاف ومن جهة أخرى على ترويض البدوي وتغيري منط حياته الذي ألفه وورثه جيال بعد
جيل ،وال ينبغي انطالقا من آراء هؤالء الباحثني أن نقتنع ببساطة بتحليالهتم فإىل جانب هذه
املثالية وحسن التعامل الذي يصورونه هناك العديد من احلروب والصدامات املستمرة على
احلدود اجلنوبية اليت تدل على الرفض واملقاومة ،فقد اخربنا ديون كاسيوس()Dion Cassius
بان اجليتول قد شنوا حربا ضد امللك يوبا الثاين والرومان بعد أن أرادا فرض قبضتهما على
املناطق الصحراوية لكن رغم حتقيقهم لالنتصار يف البداية إال أهنم استسلموا واهنزموا يف النهاية
وكان ذلك يف العام السادس للميالد( ،)485كما اخربنا تاسيت ( )Taciteعن احلروب اليت
قادها الرببري تاكفاريناس زعيم قبائل املوسوالم يف عهد تبرييوس جنوب الربوقنصلية وقد جر
معه مازيبا زعيم املوريني للمشاركة يف هذه احلرب اليت دامت سبع سنوات رفض خالهلا
تاكفاريناس االستسالم بل و"جترأ" حسب تاسيت مبطالبته تسوية لألمر باستعادة األراضي
املنتزعة من هذه القبائل مقابل توقيف احلرب(.)486
()487
لقد فكر الرومان مبكرا يف عملية توطني هذه القبائل والقضاء على ظاهرة البداوة
اليت متيز املناطق الداخلية ،فهي العملية الكفيلة يف نظرهم اليت متهد الستغالل اقتصادي
()484
Boissier (G.), l’Afrique Romaine, promenades archéologiques en Algérie et
en Tunisie, 5eme édition, Librairie Hachette et Cie, Paris 1912, pp135-136.
()485
Dion Cassius, Histoire Romaine, traduit par E.Gros, librairie de Firmin Didot
frères , Paris 1845, LV, 28, 3-4.
()486
Tacite, Annales, traduit par Dureau de Lamalle, Paris 1827, III, XX.
( )487إن البداوة بشمال أفريقيا ظاهرة قدمية جدا وفق ما اخربنا به القدامى مثل هريودوت واملعاصرين للفرتة الرومانية
مثل سالوست وبوليب واسرتابون الذي أشاد يف هذا الشأن باجملهودات اليت قام هبا ماسينيسا من اجل توطني
البدو وتشجيعهم على استصالح األراضي لالستقرار وممارسة الزراعة ،وقد وصف ابن خلدون البدو وصفا بليغا
جامعا حيث يقول ":إن أهل البدو هم املنتحلون للمعاش الطبيعي من الفلح والقيام على األنعام وأهنم مقتصرون
150 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
منظم ،ويري البعض أن الرومان قد وفقوا جزئيا يف حتقيق هذا اهلدف ،فخالل القرون الثالثة
األوىل للسيطرة الرومانية تراجع منط البداوة ورحبت الزراعة مساحات واسعة من األراضي(،)488
فقد تزايدت درجة التحضر يف أقاليم القبائل اليت مت تثبيتها وعوض النظام القبلي الذي كان
سائدا بالتنظيم اإلقليمي واإلداري املستحدث وتغريت عادات الرعي والنهب إىل الزراعة
واالستقرار( ،)489وقد مسحت املدن اليت هبا خمازن واملدن اليت استقر هبا اجلنود القدامى يف
تكوين نواة من السكان املرتومنني اليت مارست هي األخرى تأثريا على اجملموعات السكانية
احمليطة هبا(.)490
خالل املرحلة األوىل السابقة للعهد السيفريي ويف إقليم موريتانا كانت عملية ضم
األقاليم اليت سيطر عليها املور إىل اإلمرباطورية الرومانية قد متت دون مراعاة االختالفات النوعية
بني أراضي تلك األقاليم وما يتوقع االستفادة منه اقتصاديا بعد عملية االحتالل نظرا الن
الدوافع العسكرية الدفاعية كانت أوىل من غريها ولكن ابتداء من العهد السيفريي متيزت العملية
بانتقاء األراضي اخلصبة للتوسع على حساهبا(.)491
ولعل من بني األهداف اهلامة اليت سعى الرومان لتحقيقها أيضا هو االستجابة ألمرين
هامني؛ يتعلق أوهلما بأطماع كبار املالك واملستثمرين املتزايدة يف ضم أراضي وضيعات جديدة
على الضروري من األقوات واملالبس واملساكن وسائر األحوال والعوائد ومقصرون عما فوق ذلك من حاجي أو
كمايل ،يتخذون البيوت من الشعر والوبر أو الشجر أو من الطني واحلجارة غري منجدة إمنا هو قصد االستظالل
والكن ال ما وراءه وقد يأوون إىل الغريان والكهوف "...انظر :ابن خلدون(عبد الرمحان) ،مقدمة ابن خلدون
وهي الجزء األول من تاريخ ابن خلدون المسمى العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن
عاصرهم من ذوي الشأن األكبر ،ضبط املنت ووضع احلواشي والفهارس :شحادة خليل ،مراجعة زكار سهيل ،
دار الفكر ،بريوت ،لبنان ،5115ص.555
()488
Bernard (Augustin) et Lacroix (Nicole), L'évolution du nomadisme en Algérie. In:
Annales de Géographie, T.15,N°80, 1906, p153.
()489
Kotula (T.)et Michalak (M.), Op.Cit., p 345.
()490
Dondin-Payre (Monique), recherches sur un aspect de la romanisation de l’Afrique
du Nord, l’expansion de la citoyenneté romaine jusqu’à Hadrien, in: Ant.Af., N°17,
1981, p112.
()491
شنييت (حممد البشري) ،اجلزائر يف ظل االحتالل الروماين ....مرجع سابق ،ص ص.515-515
151 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
خصوصا وان اغلبهم من الطبقة السيناتورية والشخصيات املهمة باإلضافة إىل توزيع األراضي
على قدماء اجلند تكرميا هلم على خدماهتم ،ويتعلق الثاين بتزايد اهلجرات ومنو السكان حيث
جلأت اإلدارة الرومانية إىل االستيطان الزراعي خاصة على عهدي أغسطس وتيربيوس وهو ما
جعل املستوطنني يتوغلون حنو الداخل ويستولون على األراضي الزراعية و املوارد االقتصادية
هلذه املناطق(.)492
لقد كان توسيع الزراعة إىل احلدود اجلنوبية ألفريقيا السبيل الوحيد لروما الذي حتقق من
خالله أهدافها ،فقد استجابت لألطماع املتزايدة للطبقة الربجوازية الرومانية من جهة وسعت
لتلبية حاجيات سكان روما من جهة أخري خاصة يف ظل التوزيع اجملاين لبعض احملاصيل
الزراعية بروما ،وما زاد من أمهية هذا التوسع هو محاية هذا اجملال املرومن بواسطة حدود حمصنة
واستحكامات دفاعية فعالة (الليمس) ما جعل املزارعني يستغلون أراضيهم بكل أمان بعيدا عن
هجمات البدو ،وقد كان هلذا التوسع أثره البالغ يف ازدهار االقتصاد حيث طرق املزارعون
احلدود اجلنوبية وفرضوا مبجهوداهتم يف جمال الري واستصالح األراضي ازدهارا ملحوظا يف طبيعة
( )492شنييت (حممد البشري) ،اجلزائر يف ظل االحتالل الروماين ....مرجع سابق ،ص .98
( )493جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص.515
152 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
صعبة ناكرة جلميل من يقوم مبجهود لكنها غنية ملن مينحها املياه حىت يعيد إليها
خصوبتها(.)494
0-2-IVمنظومة الري:
لقد الحظ العديد من الباحثني خالل فرتة االستعمار الفرنسي وجود آثار هلياكل تعود
للفرتة الرومانية باملناطق احملاذية للصحراء كأحواض املياه وقنوات نقل املياه ...اخل فقد أظهرت
الدراسة اليت قام هبا باراداز( )Baradez .Jانطالقا من فحصه للصور اجلوية وجود منشآت
مائية ريفية يف املناطق اجملاورة للصحراء خاصة يف املنطقة الواقعة بني جبال احلضنة وهضبة
النمامشة ( ،)495كما تتجلى اليوم آثار مدن كانت قائمة باملناطق الصحراوية حيث شيدت
على أراض مقفرة ،أو كانت قبل ذلك عبارة فقط عن أسواق أو قرى صغرية( .)496فاألرجح أن
تكون هذه املناطق خالل الفرتة الرومانية مزدهرة زراعيا ،فمدينة تيمقاد أو مجيلة مثال مل تشيد
أبنيتها دون شك يف مثل هذا األفق العاري القاحل أين تربز أطالهلا شاخصة يف أيامنا هذه
على حد تعبري جوليان(.)497
كان للري دوره األساسي يف استغالل الرومان للمناطق اجلنوبية اليت تقع مبحاذاة
الليمس خاصة جنوب األوراس ،فالعدد الكبري ألثار اآلبار واألحواض والقنوات اليت كشفت
عنها الصور اجلوية واحلفريات األثرية هبذه املناطق تدل على االستغالل الكثيف للمياه خالل
الفرتة الرومانية وتؤكد أن انتشار الزراعة هبا كان أكثر مما هو عليه اليوم(.)498
فعلي العموم كانت السياسة املائية الرومانية باملناطق القريبة من الليمس املعروفة مبناخها
اجلاف وقلة التساقط قد بنيت على عدة أسس نلخصها فيما يلي:
( )494
Baradez(J.), Op.Cit.,p165.
( )495
Ibid.,p185-100.
()496
Gsell(St.), l’Algérie dans l’antiquité…Op.Cit., p60.
( )497جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص.51
()498
Baradez(J.),Op.Cit., p910.
153 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
محاية الرتبة من االجنراف الذي تسببه األمطار احمللية عن طريق بناء جدران داعمة للرتبة
حلمايتها وجعل املياه تنفذ يف الرتبة ومنعها من السيالن ،فمياه األمطار هبذه املناطق
نادرة ووقتية لذا وجب استغالهلا أحسن استغالل.
حفظ املياه احمللية ألطول مدة ممكنة عن طريق حجزها يف السدود أو األحواض سواء
كانت طبيعية أو اصطناعية وهي عبارة عن ارتفاعات ترابية أو حجرية ،باإلضافة إىل
استعمال تقنية تقسيم مساحة من األرض إىل جمموعة من األحواض حلجز مياه العيون
خاصة لتفادي ضياعها ،وقد الحظ دو كودراي ( )Du Coudrayوجود عدة آثار
لسدود صغرية على امتداد الضفة اليسرى لوادي سبيطلة وعدد آخر هلذه السدود بني
منطقيت قفصة وفريانة مشيدة بأحجار ،كما أشار إىل وجود منشآت مماثلة مبنطقة
احلضنة ومنطقة باغاي وعلى وادي جدي الذي عثر به على سد يزود الضفة اليمين
واليسرى باملياه على حد سواء( .)499كما عثر على العديد من آثار السدود املبنية
خاصة يف اخلوانق اجلبلية الضيقة يف وادي بريكة( )500( )Thobonaeوسد آخر على
وادي القصب باملسيلة ( )501وسد اجلري( ، )502()Ced el Djirوباألوراس هناك العديد
من السدود بالوادي الذي يتواجد مبنطقة هنشري بو فروح ()Henchir Bou Ferouh
( ،)503أما على وادي أغريب ( )Ogribتظهر لنا الصور اجلوية سدا مربع الشكل طول
ضلعه يرتاوح بني 41و 51م ،يري باراداز أن له ثالث وظائف؛ جتميع مياه الوادي ،
وتقدير كمية املياه باإلضافة إىل انه يسمح باستغالل املياه وفق نظام فعال وديناميكي
يف عملية الري( .)504أما فيما خيص األحواض فهي منتشرة بكثرة على ضفاف األودية
وال ختلو مستثمرة زراعية من منشآت من هذا النوع نذكر على سبيل املثال حوض
تامقرا ( )Tamagraذو 91م يف الطول و 81م يف العرض( ،)505واألحواض املنتشرة
()499
Du Coudray La Blanchère,Op.Cit., pp77-81.
()500
Gsell (St.) , A.A.A. , F°37, N°7.
()501
Ibid., F°52, N°12.
()502
Ibid., F°52, N°59.
()503
Ibid., F°09, N°90.
()504
Birebent (J.),Op.Cit.,p16.
()505
Ibid.,p146.
154 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
الرمل( Ras oued er بكل من كدية اخلطوة ( )Koudiat el Kretouaو راس وادي
)506()Remelمبنطقة اجللفة ،وأحواض بالقرب من مصب وادي بريش()Berriche
املنتشرة على ضفتيه بالقرب من سهل احلضنة(.)507
استغالل املياه اجلارية عن طريق إنشاء السدود على أسرة األودية وهي صغرية وقليلة
االرتفاع هبذه املناطق وأيضا عن طريق إنشاء قنوات جانبية لتحويل املياه إىل مناطق
أخري وقد الحظ باراداز وجود هذه القنوات يف واد بانيان( )Banianeحمفورة على
ضفيت الوادي ،وبالضفة اليمين لوادي مجورة ( )Djemorahببسكرة عثر على قنوات
حمفورة يف صخور تنقل املياه من الوادي إىل جتمع سكاين قدمي( ،)508وتتواجد قناة
عظيمة تدعي ساقية بنت اخلراس( )Saguiat-Bent-el-Krasاليت يبدأ امتدادها
بالقرب من واحة أوالد جالل عرب صحراء مقران إىل غاية شط ملغيغ( ،)509وقد عثر
لويس ليشي ( )Leschi L.هو األخر على آثار قناة نقل للمياه قريبة من نبع عني
شرشار( )Ain Chercharالذي أشار إليه اغزال( ، )510وقد عثر على بعد 511م
من هذه العني على نقيشة متعلقة باجناز هذه القناة ورد فيها أن املسؤول عن تشييدها
هو كلوديوس سيبتيمينوس( )Clodius Septiminusمهندس( )libratorتابع للفيلق
األغسطي الثالث( ،)511كما عثر أيضا على قناة رومانية مماثلة ببوسعادة بالقرب من
أوالد خالد (.)512()Ouled Kraled
توزيع املياه على األراضي بنقلها سواء من األودية أو السدود أو األحواض أو مباشرة
من املنابع الطبيعية حيث أن هناك قنوات رئيسية وأخرى ثانوية.
إعادة جتميع املياه الفائضة بعد عملية الري حيث أن املياه الزائدة عن احلاجة بعد أن
تشبعت األرض باملياه يعاد جتميعها يف األسفل إلعادة استغالهلا ،وقد الحظ باراداز
()506
Gsell (St.) , A.A.A. , F°02, N°1.
()507
Ibid., F°07, N°31-34.
()508
Baradez (J.),Op.Cit., p192.
()509
Du Coudray La Blanchère,Op.Cit., p82.
()510
Gsell (St.) , A.A.A. , F°27, N°347.
()511
Leschi (L.), Un aqueduc romain dans l’Aurès, R.Af.,Vollume 85, 1941,pp23-30.
()512
Gsell (St.) , A.A.A. , F°04, N°5.
155 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
وجود ثالث مناطق تستعمل هبا هذه التقنية يف املنحدرات الواقعة بني جبل متليلي
ووادي القنطرة(.)513
ومن الواجب اإلشارة أيضا إىل العيون واآلبار اليت متثل هي األخرى مصدرا من مصادر
املياه هبذه املناطق ،فعلى طول املناطق احملاذية لليمس والواحات الصحراوية تنتشر هذه اآلبار
والعيون اغلبها جاف يف وقتنا احلايل لكن يف القدمي كان هلا دور هام يف ري احملاصيل الزراعية
مثلما اشرنا إليه يف المصبا ،نذكر من بينها بري ماجور ( ،)Madjorوبري سيدياس()Cedias
مبنطقة خنشلة( ،)514ويف عني البيضاء مبنطقة قصر بلقاسم هناك بئر يدعي بري الدروج(،)515
وهبنشري جيمي باألوراس ( )Henchir Gemiهناك بئر رومانية( .)516أما العيون فهناك يف
ترمونت ( )Tarmountباملسيلة على سفح جبل الطرف( )Tarfالعديد من العيون
الرومانية( ،)517وهناك عني سالنيس( )Slanisاليت تقع جنوب سهل احململ خبنشلة وحنو مثان
أخري بالقرب منها أمهها عني امجل (.)518()Ain Djemel
إن هذه املنشآت املائية على حد تعبري ضابط الطريان الفرنسي باراداز تتعدي اجملال
الفردي وهي دليل على تنظيم كامل ودقيق( ،)519وقد الحظ بريبان هو األخر أن منشآت الري
املكتشفة هلا نفس اخلصائص ومتشاهبة بني خمتلف املناطق ما يوحى حسبه بأهنا كانت عمال
لسلطة عليا( ،)520طبعا هو يقصد اإلدارة الرومانية ولكن علينا أال هنمل دور األهايل يف
املسامهة يف اجنازها ،ث أن اغلب هذه املنشآت قد بين على قاعدة حملية كانت متواجدة قبل
وصول الرومان إىل هذه املناطق ،ومن جهة أخرى فان حضور هذه املنشآت املائية يف مناطق
()513
Baradez (J.), Op.Cit., p194.
()514
Birebent (J.),Op.Cit.,pp131-133.
()515
Gsell (St.) , A.A.A. , F°59, N°267-268.
()516
Ibid., F°09, N°99.
()517
Ibid., F°52, N°91.
()518
Birebent (J.),Op.Cit.,p140.
( )519
Baradez(J.),Op.Cit.,p165.
()520
Birebent (J.),Op.Cit.,p122.
156 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
هي اليوم جافة وقاحلة لدليل كاف يف نظرنا لتأكيد التوسع واالزدهار الزراعي الذي عرفته هذه
املناطق خالل الفرتة الرومانية.
إن الزراعة باملناطق الشمالية للصحراء تعتمد على الري كعامل ضروري لنمو املزروعات
وازدهارها ،والزراعة املروية هبذه املناطق هلا ثالث مصادر أساسية وهي مياه األمطار على قلتها،
واملياه اجلوفية املتمثلة يف مياه اآلبار والعيون الطبيعية ،باإلضافة إىل املياه السائلة(األودية) أو
املتجمعة اليت تنقل إىل مناطق أخري عرب قنوات ،وحسب باراداز فان النخيل يتطلب كميات
كبرية من املياه عكس زراعة القمح اليت تتطلب اقل مما خيصص للنخيل أما شجرة الزيتون
فتتطلب كميات متوسطة من املياه أكثر من القمح واقل من النخيل( ،)521وهذا دون شك ما
شجع على توسيع زراعة احلبوب والزيتون إىل هذه املناطق.
هناك العديد من اهلياكل الزراعية اليت عثر عليها الباحثون يف هذه املناطق القاحلة ،من
بينها آثار املعاصر اخلاصة بالزيتون املنتشرة بكثرة يف مناطق انقرض منها هنائيا يف وقتنا احلايل مما
يدل على االنتشار الواسع يف زراعته خالل الفرتة الرومانية( ،)522كما انتشرت باملناطق القريبة
من الصحراء زراعة احلبوب اليت تشهد عليها آثار الطواحني املائية املقامة على مستوى جماري
األودية جنوب األوراس( ،)523ففي بعض املناطق املتواجدة على ضفاف األودية الصحراوية
هناك كثافة يف انتشار البساتني الناجتة عن عملية استصالح األراضي وهتيئتها وربطها بشبكة
من قنوات الري ما ولد سلسلة من الواحات القريبة من بعضها البعض(.)524
لقد محلت املخلفات األثرية اليت عثر عليها باألوراس أدلة على اتساع اخلريطة الزراعية
لتشمل أنواع أخري منها على اخلصوص زراعة الزيتون اليت تسببت يف إجالء القاطنني هبذه
()521
Baradez(J.), Op.Cit.,p191.
()522
Camps-Fabrer (Henriette), l’Olivier et son importance économique ..Op.Cit., p21.
()523
Leschi (L.) , nouvelles recherches aériennes sur le ’’Limes’’ d’Afrique , R.Af.,
Volume 91, 1947, p208.
()524
Baradez (J.),Op.Cit., p199.
157 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
املناطق حنو اجلنوب ونزع األراضي الرعوية منهم هبدف استصالحها وزراعتها( ،)525من جهة
أخري كان للشعب األهلي أيضا دوره يف استصالح هذه األراضي بعد أن طرد إليها وهو ما
دلت عليه ضفاف األودية الصحراوية اليت عثر فيها على العديد من منشآت الري وهياكل
االستغالل الزراعي خصوصا املعاصر اليت تدل على انتشار زراعته هبذه املناطق ،ولعل استجابة
هذه الشجرة للشروط املناخية اليت تتميز هبا أفريقيا هي اليت شجعت الرومان واألهايل على
توسيع زراعتها يف املناطق الداخلية واجلنوبية خصوصا وأهنا تتأقلم نسبيا مع املناخ احلار بشرط
ريها باستمرار ،وقد الحظ باراداز تواجد طاحونات خاصة بالزيتون ومعاصر وأحواض وبقايا
جرار بكثرة ويقول انه عثر على معصرة مبنطقة سبع مقاطع (.)526()Seba mgata
اشتهرت ضفتا وادي العرب بالبساتني املمتدة على جانبيه ،اليت اختذت أشكاال
متعددة بعضها مربع وبعضها اآلخر مستطيل ،مدعومة بأحجار كبرية ،تنتشر هبا زراعة احلبوب
يف املناطق اليت تقع مشال قلوع الرتاب ( )Gueloa el Trabوزراعة الزيتون باملناطق اجلنوبية،
وقد عثر على طول وادي العرب على طواحني خاصة بالقمح ما يدل على انتشارها يف املنطقة
منذ القدمي ،كما عثر على معاصر وأحواض خاصة بالزيتون ابتداء من وادي مالقو( oued
)Mellagouإىل غاية وجلة ( )Ouldjaوهنا أيضا مت العثور على قاعدة مربعة تسحق عليها
حبات الزيتون(.)527
باملوازاة مع ذلك فقد عثر على جوانب نفس الوادي على العديد من آثار منشآت
الري ،وتتمثل أساسا يف القنوات الناقلة للمياه اليت تتواجد يف اعلي املزارع باحندار يسمح هلا
بتزويد هذه البساتني باملياه الضرورية للري ،فقد عثر على إحدى هذه القنوات على جمري وادي
مالقو اليت تتزود من منبع بعيد ببعض الكيلومرتات منها وأخرى تتجه من قلعة الرتاب إىل وجلة،
وهناك حوض من 51أمتار يف الطول و 9يف العرض مصنوع من مواد بدائية على جمري وادي
()525
Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit., p19.
()526
Baradez (J.),Op.Cit.,p200.
()527
Alquier (J.) , les ruines antiques de la vallée de l’Oued el Arab (Aurès), R.Af.,
Vollume85, 1941,pp33-32.
158 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
العرب( ،)528كل هذه األعمال املائية تفسر لنا االزدهار الكبري هلذه املنطقة خالل الفرتة
الرومانية.
ومبنطقة القنطرة أكد باراداز أن املساحات املزروعة هبا يف القدمي كانت أكثر حبوايل
عشرين مرة من املساحة احلالية ،ويشهد الباحث على وجود أثار زراعة الزيتون جبنوب منطقة
القنطرة ،حيث يقول انه قد عثر على احد جذورها املتحجرة كدليل على انتشار زراعة الزيتون
باملنطقة خالل الفرتة الرومانية(.)529
أكد بريبان أن سفح األوراس كان كله مستغال من طرف الرومان وهناك العديد من
الدالئل اليت تدل على هذا االستغالل من بينها تواجد أحواض وقنوات الري يف ارتفاع عال،
وتواجد أثار مستثمرات سواء رومانية أو حملية على امتداد هذا اإلقليم ،كما أشار إىل ما مساه
السهل الصحراوي جنوب األوراس والذي حسبه كان مستغال من طرف الرومان نظرا للعدد
الكبري من منشآت الري القدمية املتواجدة به خاصة قنوات نقل املياه(.)530
كما أن هناك جممع زراعي باألوراس بالقرب من وادي الشرفة ووادي سيدي فتح اهلل به
أحواض ومعاصر باإلضافة إىل اآلبار(.)531أما مبنطقة بادس) (Badèsفقد عثر على عدد كبري
من املنشآت واآلثار املائية تتمثل يف قنوات وخزانات وأحواض (انظر أدناه الشكل ()59
ص ،) 558تضاف إليها العديد من آثار املعاصر املتواجدة باملنطقة الواقعة بني ليانة وبادس
وهي دليل كاف على انتعاش الزراعة باملنطقة يف املرحلة الرومانية(. )532
وقد عرفت الواحات الصحراوية يف تلك املرحلة زراعة مكثفة ومزدهرة ،فقد شرع يف
استعمارها ابتداء من القرن األول قبل امليالد بالسيطرة على قابس وقفصة إىل غاية القرن الثالث
بعد امليالد أين متت السيطرة على واحة غدامس ،وقد ساهم ذلك يف مراقبة حركة اهلجرة
()528
Alquier (J.) , Op.Cit., pp35-36.
()529
Baradez (J.), Op.Cit. , pp200-201.
()530
Birebent (J.),Op.Cit., pp288-510.
()531
Gsell (St.) , A.A.A. , F°09, N°11.
()532
Birebent (J.),Op.Cit., p186-191.
159 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
والتجارة ،يف هذه الواحات تنتشر أعراف قدمية حول تقسيم املياه اليت تتم بطريقة عادلة حيرص
كل مالك على حقه كامال يف مياه الري اليت عادة ما تكون مياه عيون أو آبار أو مياه أودية
مومسية(.)533
وقد قدم لنا بلني وصفا رائعا عن االستغالل الزراعي املكثف بالواحات بناحية قابس
( )Tacapeاليت تقع على حدود الصحراء جنوبا يف سواحل السريت الصغري غريب لبتيس
الكربى ( )Leptis Magnaحيث يقول ":هنا حتت خنلة مرتامية األطراف تنبت شجرة زيتون ،
وحتت شجرة الزيتون شجرة تني ،وحتت شجرة التني شجرة لوز ،وحتت شجرة اللوز كرمة ،وحتت
الكرمة يزرع القمح ث نباتات قرنية وأخريا اخلضروات ،كل هذا يف نفس العام وكل واحدة تنمو
حتت ظل األخرى"( .)534إن أمهية هذا النص تكمن يف انه يقدم لنا أمثلة عن الزراعات املنتجة
يف الواحات يف تلك الفرتة ،فباستثناء النخيل فان باقي احملاصيل معروف أهنا تنمو يف املناخ
املعتدل أي حمصورة يف املناطق الشمالية ألفريقيا ،ولعل السبب يف هذا االستغالل املتنوع
واملكثف يكمن يف رغبة الفالحني يف استثمار طول مدة إنتاج بعض األشجار يف إنتاج حماصيل
أخرى موازية هلا واقتصاد كمية املياه خصوصا وان املياه نادرة بالصحراء ،والعامل األساسي يف
جناح هذه العملية يكمن يف استفادة النباتات من الظل الذي توفره لبعضها البعض وهذا ما خيفف
عنها ندرة املياه وقسوة املناخ ،وال تزال هذه الطريقة ممارسة بواحات الصحراء اجلزائرية رغم أهنا
ليست بالكثافة اليت حتدث عنها بلني الذي نلمس يف وصفه بعض املبالغة.
أشاد بلني باخلصوبة العجيبة اليت تتميز هبا هذه املنطقة الصحراوية واخربنا أن الكروم
هبا تنتج مرتني يف العام ،واخربنا أيضا أن سعر األرض هناك مرتفع جدا حيث تباع قطعة
ارض من أربعة أذرع ) (coudéesمربعة بأربعة دنانري) ،(deniersوالفضل يف خصوبة هذا
()533
Trousset (P.), les oasis présahariennes dans l’antiquité : partage de l’eau et
division du temps , in : An.Af., N °22 ,1986 , pp164-166.
()534
Pline l’Ancien, XVIII, LI. 22.
160 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
اإلقليم حسبه "يعود إىل منظومة الري املمتازة ،حيث يتواجد باملنطقة نبع غزير له ثالثة أميال
()535
. يف القطر ،توزع مياهه الغزيرة حسب عدد من الساعات لكل مزارع"
ولعل أمهية هذا النص تكمن يف انه عرفنا بالطريقة املستعملة يف تقسيم املياه بالواحات
الصحراوية ،فبلني يشري إىل توزيعها على املزارعني " حسب عدد معني من الساعات" وهو
نظام معروف حاليا يعتمد على جر املياه عرب أروقة وفق عدد معني من الساعات كنصيب لكل
مزارع ما جعل البعض يفرتضون أن يكون هذا النظام هو أصل نظام الفقارات احلايل(،)536
ورجح البعض أن تكون روما قد أعجبت هبذا النظام وعممته على الواحات األخرى وقد
يكون هذا النظام قد نقش على حجر على شاكلة ما رأيناه يف الماصبا( ،)537ويكتسب حق
استغالل مياه العيون من ملكية األرض بالقرب منها ونظرا للتنافس الكبري على مياهها نشأت
فكرة تقسيمها بالعدل بني مالكي األرض ،فاألرض هبذه املناطق تفقد قيمتها إذا كانت
مصادر املياه هبا منعدمة(.)538
وجتدر اإلشارة هنا إىل الدور الذي لعبه حرس احلدود وهم اجلنود الفالحون الذين
منحت هلم القطع األرضية الواقعة على طول احلدود الستغالهلا وصد أي غارات حمتملة قادمة
من اجلنوب وقد أعفوا مقابل ذلك من دفع الضرائب ،وكان هلم دور فعال يف دفع عجلة التقدم
الزراعي واالستيطان البشري حنو اجلنوب ،وقد كانت بصمات الفيلق األغسطي الثالث
ومهندسوه بارزة يف هتيئة العديد من القنوات والعيون ،كما أن الفرقة حبضورها يف هذه املناطق
تؤمن تسيريا مثاليا للمستثمرات الزراعية ومراقبة الطرق.
ويف األخري ينبغي التنويه بدور األهايل يف حتقيق التنمية الزراعية يف هذه املناطق وال
جيب االكتفاء بنظرة املؤرخني األحادية اليت تصور هذا االزدهار انه معجزة رومانية حبتة ،ففي
()535
Pline l’Ancien, XVIII, LI. 22.
()536
Camps-Fabrer(Henriette), l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine..Op.Cit.,p99.
()537
Pavis d’Escurac (H.), Op.Cit. , p180.
()538
Trousset (P.) , De la montagne au désert, Limes et maitrise de l’eau, in : Revue de
l’Occident musulman et de Méditerranée , N°41-42, 1986, pp99-100.
161 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
حقيقة األمر أن األهايل هم من كانوا يشكلون القوة العاملة اليت اعتمد عليها كبار املالك
الرومان يف استغالل ضيعاهتم ومستثمراهتم الفالحية( )539فقد كانوا أكثر ارتباطا باألرض من
غريهم ث أن القبائل املبعدة من أراضيها اخلصبة يف الشمال هي اليت سعت للبحث عن أراض
أخرى يف اجلنوب الستصالحها وزراعتها غري أن اآللة العسكرية الرومانية سرعان ما أبعدهتم من
جديد وهذا ما يفسر لنا العالقة املتوترة باستمرار اليت كانت تربط الرومان بالقبائل البدوية
خصوصا إذا علمنا بان الليمس قد تقدم خالل فرتات متعددة حنو اجلنوب ،وهذا ما يفسر لنا
أيضا متسك القبائل املتوطنة هبذه املناطق باملقاومة والتمرد لكون عملية إعادة نزع األراضي
منهم قد ولد غيضا وشعورا بالقهر لديها.
اصطدمت اإلدارة الرومانية بعد أن متت هلا السيطرة على البالد بتعلق اجملتمع األهلي
باألرض اليت هي املصدر األساسي ملعاشه ،وهذا ما أعاق سياسة التوسع االستغاليل الذي
يتميز به االستعمار الروماين ،لكن الرومان سرعان ما اخضعوا العديد من القبائل و شرعوا يف
انتزاع أراضيها بالقوة مبوجب حق الفتح ،وكان تأثري ذلك واضحا على اجملتمعات الريفية
األفريقية اليت فقدت أجزاء كبرية من أراضيها أو أجربت على النزوح كليا أو جزئيا إىل أراضي
بعيدة عنها لتستقر هبا.
إن سياسة توسيع الزراعة إىل مناطق جديدة اليت انتهجها احلكام الرومان نظرا للضرورة
االقتصادية امللحة واستقبال جاليات رومانية جديدة تعد من أهم العوامل اليت أدت إىل
كنطنة( )540اجملتمعات الريفية األفريقية ،هذه العملية اليت كان هلا ثالثة أهداف رئيسية :توسيع
جمال االستيطان ،و تثبيت القبائل عن طريق حتديد جماهلا ومنع حتركاهتا وكذا ربط هذه العشائر
مبراكز حضرية حتت سياسة حتضري القبائل( ،)541ومن جهة أخرى استهدف الرومان البنية
( )540الكنطنة ( :)Cantonnementأو سياسة احلشد ،وهي عزل قبيلة ما داخل إقليم حمدود بناء على تشريعات قانونية
وإجراءات مساحية ،ويكون ذلك بتجريد القبيلة من أراضيها اخلصبة أو ترحيلها إىل أراضي جبلية أو صحراوية فال
يبقي للقبيلة إال األراضي األقل خصوبة بينما تضم األراضي املنتزعة إىل أمالك اإلمرباطور أو إىل أراضي املالك
الكبار أو إىل أقاليم املستعمرات القريبة منها ،انظر :عقون (العريب) ،االقتصاد واجملتمع ...مرجع سابق ،ص.595
()541
Trousset (P.), Les bornes du bled Segui… Op.Cit. , p 161.
164 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
االجتماعية هلذه اجملتمعات حيث عمل على تشتيتها وعزهلا عن بعضها البعض ملنع االتصال
والتقارب بينها.
يف احلقيقة مل يقض الرومان على اجملتمعات الريفية األفريقية هنائيا وإمنا اهتموا أكثر
بتحديد جماالهتا احليوية على مستوى مواطنها األصلية أو نقلها إىل مناطق أخري ،والشواهد
تؤكد أن احلكام الرومان قد أبقوا على أجزاء من األرض يف أيدي هذه العشائر ،يف حني
انتزعت اغلبها خصوصا األراضي اخلصبة منها اليت منحت إىل املستوطنني املدنني أو قدماء
اجلند ،وملا كان جمال القبيلة غري كاف ألفرادها اضطر هؤالء إىل النزوح باجتاه األراضي اجلرداء
الستصالحها أو استئجار أراضي أو العمل كأجراء لدى غريهم(.)542
قبل إخضاع أقاليم القبائل إخضاعا تاما يقوم احلكام الرومان بتعيني ضباط حربيني هبا
يسمون رؤساء العشائر( ، )Praefecti gentiumلكن بعد اإلخضاع الكامل هلا يشرعون يف
تأسيس مستوطنات هبا كما هو حال قبيلة املوزوالم اليت أنشئت هبا مستعمرتا امايدارا ومادور
خالل فرتة حكم تراجان اللتني استهلكتا الكثري من األراضي ،زيادة على انتزاع أجزاء أخري
منها ،بعضها منح ملالك جدد وبعضها اآلخر خصص لإلمرباطور بينما ترك الباقي ألفراد
القبيلة ،ولقد تزامن انتزاع األرض مع عملية املسح وإقامة نصب حجرية حتدد اجملال املكنطن
ويرجح أن يكون قسم من القبيلة قد نقل إىل املزاق( ،)543ونفس اإلجراءات تعرضت هلا قبائل
أخري مثل قبيلة نوميديا( )Numidaeقرب مداواروش وقبيلة النيبجينيني( )Nybgeniiبالقرب
من الفجاج اليت قسمت أراضيها بني مستعمريت كابسا وتاكاب وتركت مساحة صغرية هلا .وقد
أكد تروسي من خالل دراسته لكنرتة املناطق اجلنوبية للربوقنصلية أن قبيلة النيبجينيني قد مت
حتديد جماهلا وتقليصه باملوازاة مع مد خطوط املسح حنو اجلنوب(.)544
إن النظام املعتمد يف حتديد جمال القبائل اليت بالتل أو السباسب أو الصحراء هو نظام
واحد ،ويتمثل كما يظهره مثال قبيلة املوزوالمني والنيبجينيني يف سعى السلطة إىل جتنيب
عالقات أفرادها مع املدن القريبة وتنظيم التنقل يف حياة أنصاف البدو وإدخاهلم يف إطار رمسي
يسمح مبراقبتهم ،وقد رجح البعض أن يكون هناك خمطط مشرتك يطبق على مجيع األقاليم
خاصة اليت تعرف تنقالت مومسية للقبائل اخلاضعة للسلطة الرومانية (.)545
يف الغالب حييط مبلكيات القبائل املكنطنة مستثمرات خاصة باجلنود وقدماء اجلنود ،
وقد عثر يف أفريقيا على العديد من النصب احلجرية احملددة حلدود ملكيات هذه القبائل
باإلضافة إىل القالع ( )castellumاملخصصة ملراقبة حتركاهتا مثل قبيلة تابيانونسيس
( )Tabianensesقرب أطلس شرشال اليت تعرضت هلذه اإلجراءات ،حيث عثر على هياكل
من هذا النوع بالقرب من موطنها كدليل واضح على كنطنتها( ،)546ومن جهة أخري يظهر
التدخل الروماين يف شؤون القبائل أساسا يف مراقبتني أساسيتني :مراقبة اقتصادية لألراضي عن
طريق حتديد جمال التنقل ،ومراقبة سياسية متارس على األفراد بإدارة شؤوهنم(.)547
لقد تسبب استحواذ كبار الشخصيات على ملكيات كبرية بأفريقيا باإلضافة إىل أنظمة
االستغالل السائدة خصوصا خالل القرن الرابع واخلامس أين اجته نظام اإلنتاج واالستغالل إىل
اإلقطاع يف نشوء الطبقية يف اجملتمع األفريقي وهو ما مل يكن معروفا بأفريقيا قبل ذلك ،فهذه
الوضعية احلديثة املبنية على الفوارق تسببت يف انتفاض الطبقات الكادحة وأدت إىل قيام ثورة
الريفيني خالل القرن الرابع امليالدي ،حيث وجدت فئة من احملرومني اقتصاديا واجتماعيا
نفسها تتحالف مع بعض الفئات الدينية املسيحية (الدوناتيني) إلرجاع االعتبار لنفسها.
()545
Trousset (P.), Les bornes du bled Segui… Op.Cit. , p162.
()546
Leveau (Philippe), paysans maures et villes romaines en Maurétanie central(la
resistance des populations indigenes à la romanisation dans varrière-pays de
Caesarea de Maurétanie, in: M.E.F.R.A., N°2, 1975,p864.
()547
Benzina Ben Abdallah (Zeineb),Du coté d’Ammaedara (Haidra): Musulamii et
Musunii Regiani, in: An.Af.,N°28,1992, p142.
166 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
فخالل القرن الرابع أمهل آالف من فالحي الريف –خصوصا بنوميديا -حماريثهم وفروا
إىل صحراء جيتوليا وبثوا الرعب يف نفوس الطبقات احلاكمة والربجوازية وموظفي الدولة ورواد
الكنيسة الكاثوليكية املنافسني حللفائهم الدوناتيني ،وقد احدث هؤالء الذين وصفتهم
الكتابات الالتينية باسم "الدوارين"( )548فوضي كبرية بأفريقيا ،وكان السبب الرئيسي لثورهتم هو
حالة البؤس االجتماعي اليت كانوا يعيشوهنا ،حيث انتهز هؤالء فرصة قيام صراع بني الكاثوليك
والدوناتيني إلعالن ثورهتم ،وما لبث هؤالء أن حتالفوا مع الدوناتيني ليواجهوا متحدين حتالف
السلطة مع الكنيسة الكاثوليكية( .)549وقد عكف املؤرخون على تشويه صورة هؤالء متبنني
بذلك نظرة الدولة الرومانية جتاههم ،لكن رغم كل أعمال النهب والتخريب اليت أحدثها هؤالء
إال انه ال ينبغي احلط من قيمة هذه الثورة االجتماعية كشكل من أشكال الصراع واملقاومة ،
فالعربة على حد تعبري البعض يف نبل أهدافها ومشروعية األسباب اليت قامت عليها(.)550
كما ال جيب أن هنمل التغيريات البشرية والدميوغرافية اليت أحدثها االستعمار على
العموم والتوسع الزراعي على اخلصوص ،ويبدو أن قبائل أنصاف البدو قد كانت أكثر تضررا
من هذه السياسة ،فقد أدي توسيع الزراعة إىل اجلنوب إىل فقداهنا لألقاليم اليت الفت الرعي
واالنتجاع فيها بسبب حتويلها إىل أراض زراعية ما أدي إىل تشتيتها وتغيري مواطنها وتغيري طبيعة
نشاطها ،ومن جهة أخري أحدثت اهلجرة وحركة االستيطان الكثيف خلال يف الوضع
الدميوغرايف للبالد من حيث التوزيع ومن حيث اجلنس ،وهذا ما تؤكده شواهد القبور املدروسة
( )548الدوارون ( :)Circum Cellasيعرفون بالسريكونسيليون( )Circoncellionsوتعين الذين حيومون حول خمازن
احلبوب لسرقتها ،انظر :جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص.581
( )549نفسه ،ص ص. 815-581؛
-Sismondi(J.C.L.Simonde De), histoire de la chute de l’Empire Romain et du
déclin de la civilisation, de l’An250 à l’An 1000, T.I, Librairie Treuttel et Wurtz,
Paris 1835, p130.
()550
عقون (العريب) ،االقتصاد واجملتمع...مرجع سابق ،ص.584
167 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
على مستوي شرق نوميديا ،فاغلبها للذكور وهذا ما جعل البعض يرجح أن فئة الوافدين
الشباب غري املتزوجني هي اليت أدت إىل طغيان فئة الذكور على اإلناث(.)551
أما من الناحية االقتصادية فقد كان لسياسة التوسع الزراعي أثرها البالغ يف ازدهار
االقتصاد باملناطق اجلنوبية واجلبلية ،حيث حقق املزارعون جبهودهم يف جمال الري واستصالح
األراضي ازدهارا ملحوظا يف طبيعة صعبة ،فقد متكن املزارعون-األفارقة على اخلصوص -من
إقامة استغالل زراعي يف مناطق مل يتصورا يوما الوصول إليها ،ولعل ذلك يعد من اجلوانب
االجيابية للضغط الروماين من الشمال رغم آثاره السلبية على اجلانب االجتماعي ،ومن جهة
أخرى فال شك أن توسيع اجملال املزروع قد خلق فرص عمل جديدة خاصة بالنسبة للذين
رضوا باالستقرار واخلضوع للسلطة الرومانية وقد وصلتنا يف هذا الشأن بعض األخبار عن أفراد
متكنوا من حتسني وضعيتهم االجتماعية واالقتصادية (.)552
وينبغي هنا التأكيد على أمر مهم وقد أشار إليه يف احلقيقة العديد من الباحثني وهو
الدور السياسي الذي لعبه التوسع يف زراعة الزيتون ،فتشجيع األباطرة لزراعته مل يكن فقط
لضرورة اقتصادية ،بل كان أيضا من العوامل الفعالة اليت ساعدت على فرض السلم واهلدوء
باملناطق اليت كانت مركزا للحياة البدوية أو منتجعات لعبور الرحل ،ولقد كان التوسع يف زراعة
الزيتون عامال مهما ساهم يف جذب هذه القبائل إىل االستقرار والزراعة وهو األمر الذي كان
ينشده احلكام الرومان وهنا تتقاطع سياسة اإلدارة الرومانية مع حتول أولئك الرحل إىل مزارعني
مستقرين ميالني إىل السلم .
الروماين وظاهرة البداوة يف اجلزائر القدمية ،جملة التاريخ ،ع،58 ( )551شنييت(حممد البشري) ،التوسع الزراعي
اجلزائر5891م ،ص ص .58-55
( )552كان الفضل للنقوش ( )C.I.L.,VIII,11814.يف إخبارنا بتلك القصة الرائعة اليت رواها احد املزارعني البسطاء
جبهة سريتا والذي متكن بفضل عمله يف احلصاد من حتسني وضعيته االقتصادية واالجتماعية ،حيث متكن بعد أن
كان فقريا حمروما من أن يشرتي أرضا وان يبين بيتا بل وعني عضوا يف جملس الشيوخ ببلدته.
168 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
كان اقتصاد أفريقيا يرتكز على الفالحة بالدرجة األوىل ،وبسيطرة املالك الكبار على
املستثمرات الزراعية أصبحت مصادر الثروة بأيديهم وتعاظم شاهنم وأصبحوا بذلك أسيادا
مطلقي السلطة على عبيدهم وعلى الكولون ،بل وتطاولوا حىت على السلطات احمللية فقد
كانت ثروهتم تسمح هلم بشراء ضمائر موظفي الدولة ،ولعل ما زاد سيطرة هؤالء على موارد
االقتصاد هو انتهازهم الفرصة يف األعوام اليت ساد فيها اجلفاف واجملاعة ليستولوا على أراضي
املالك الصغار الذين اضطروا أمام األزمات الطبيعية وثقل الضرائب إىل بيع أراضيهم إىل املالك
الكبار اجملاورين هلم ،والذين كان هلم من الثروة ما يسمح هلم باجتياز أعوام األزمة بسالم(،)553
وهذا يف احلقيقة ما ترك أثرا سلبيا على الزراعة حبيث ختلى القائمون الفعليون عن زراعة أراضيهم
اليت أصبحت يف أيدي أثرياء ينشدون زيادة أمالكهم العقارية فحسب.
لقد تسبب التوسع الزراعي يف إحداث تغريات على نظام االستغالل و حتويل طبيعة
اإلنتاج ،فقد كان اقتصاد الكفاف هو النمط السائد بأفريقيا قبل وصول الرومان نظرا للنظام
القبلي املتجذر باملنطقة خالل تلك املرحلة ،لكن بعد ترسيخ االستغالل الرأمسايل املبين على
امللكيات الواسعة حتول اإلنتاج إىل االقتصاد التجاري املايل وهذا ما تؤكده األنونة وانتشار
األسواق ،لكن بداية من أواخر القرن الثاين للميالد عرفت أفريقيا واإلمرباطورية الرومانية يف
عمومها أزمة اقتصادية حقيقية نتيجة اخنفاض قيمة العملة الناجتة عن قلة إنتاج الذهب يف
املناجم ،ما أدي إىل إضافة مواد أخري إىل العملة وبذلك ارتفعت أسعار السلع باألسواق
وعرفت املبادالت اختفاء متصاعدا ما أدي إىل اجتاه عام حنو االقتصاد الطبيعي (.)554
ومن جهة أخري أدي استئثار فئة األثرياء بأغلب األراضي إىل ظهور نظام االستغالل
بالوكالة املعتمد على استئجار أراضيهم إىل الكولون ليستغلوها نيابة عنهم وتعيني مسريين
يكلفون بالقيام بشؤون ملكياهتم( ،)555ويف أواخر عهد اإلمرباطورية ،اجته املالك شيئا فشيئا
()553
Gsell (St.), grandeur et décadence de Rome en Afrique...Op.Cit., p99.
()554
Weber(Max), les causes sociales du déclin de la civilisation antique, in : Revue
Pluridisciplinaire en science humaines, N°1, 2005, p159.
( )555شنييت(حممد البشري) ،التغريات االقتصادية...مرجع سابق ،ص ص.858-855
169 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
إىل االعتماد على العبيد بصفة شبه كلية .إن زيادة التوسع الروماين قد أدي إىل زيادة متوين
سوق العمل بيد عاملة إضافية ،ومبرور الوقت أدي ذلك إىل توسع القاعدة اليت كان يشكلها
العبيد املعتمد عليهم يف استغالل الالتيفونديا وهذا ما أضر بفئة الكولون الذين تدهورت
وضعيتهم ،وما زاد يف تردى أوضاعهم تلك الضرائب القاسية اليت اجربوا على دفعها عما
استصلحوه من أراضي ،فحىت بعد ختليهم عنها جتنبا لدفع تلك الضرائب صدموا مبراسيم
األباطرة اليت تربطهم باألرض وتفرض عليهم خدمتها(.)556
واملالحظ على النظام الضرييب املنتهج خالل الفرتة األخرية من عهد اإلمرباطورية هو
انعكاسه السليب على الزراعة فهو مل يكن أبدا مشجعا على االستثمار بل وكثريا ما تسبب يف
حدوث اضطرابات وانتفاضات ،فقد اخربنا القديس أوغسطني ( )Augustinيف رسائله
املكتشفة خالل السبعينات من القرن املاضي أن بعض االضطرابات اليت عرفتها أفريقيا على
عصره كان سببها ثقل الضرائب و الالعدالة يف توزيعها حممال املسؤولية للمسريين البلديني يف
التسبب يف هذه األزمات(.)557
وقد اشتهرت بأفريقيا تلك الثورة اليت قام هبا مزارعو منطقة اجلم( )Thysdrusعلى
عهد اإلمرباطور ماكسيمينوس ثراكس(585()Maximinus Thraxم589-م) بسبب فرض
ضرائب إضافية عليهم ،حيث اندلعت هذه الثورة بداية عام589م وهو ما يتزامن مع موسم
جين الزيتون الذي تشتهر بإنتاجه هذه املنطقة ما جعل البعض يصفها ب"عاصمة
الزيتون"( ،)558وقد أدت قيادة غرديان األول( )Gordien Ierبروقنصل قرطاج السابق هلذه
الربوليتارية الريفية الغاضبة على ثقل الضرائب املفروضة عليها إىل مقتل بروكرياتور اإلمرباطور
ومرافقيه ،ليس هذا فحسب بل انتشرت هذه الثورة بسرعة يف األرياف األفريقية وعمت
()556
Code Théodosien , XI, 1,17.
()557
Lepelley(Claude), la crise de l’Afrique Romaine au début du Véme siècle, D’après
les lettres nouvellement découvertes de Saint Augustin, in: C.R.A.I., 125éme Année,
N°3, 1981, p453.
(558) Picard (G.Ch-.), la civilisation de l’Afrique romaine… Op.Cit., p76.
170 الفصل الثالث /التوسع الزراعي وآثاره
الفوضى و سرعان ما انتقل تأثريها إىل ايطاليا اين ادت إىل اإلطاحة حبكم اإلمرباطور
ماكسيمينوس(. )559
حبلول القرن اخلامس امليالدي كانت كل املؤشرات توحي إىل قرب هناية االستعمار
الروماين ،حيث فقد األباطرة السيطرة على أمور الدولة ليس فقط بأفريقيا وإمنا بأرجاء
اإلمرباطورية كلها ،ففي أفريقيا تصاعدت األزمات االقتصادية واالجتماعية وظهر االنقسام يف
الكنيسة املسيحية و كثرت االنتفاضات وحركات املقاومة اليت كانت طابعا مميزا ألفريقيا ليس
فقط خالل القرن الرابع بل وقبلها بكثري ،فقد حدث مثال وان ثار أهايل جهة سطيف فطردوا
املعمرين من أراضيهم على عهد سبتيميوس سواريوس ( ،)560ومن جهة أخري عرفت الزراعة
اليت كانت العماد األول لالقتصاد األفريقي والروماين تدهورا بسبب ثقل الضرائب رغم حماولة
بعض األباطرة إنقاذ الوضع بتخفيضها حفاظا على استمرارية اإلنتاج الزراعي إال أن ذلك مل
يغري من الوضع شيئا .ويف حدود عام 458ميالدية غزا الوندال أفريقيا بقيادة قائدهم
جنسريق( )Genséricمنهيني بذلك السيطرة الرومانية اليت دامت أزيد من مخسة قرون .
إن فقدان أفريقيا كان دون شك اكرب نكسة مست اإلمرباطورية الرومانية ،نظرا للمكانة
اليت تتمتع هبا عند حكامها وأثريائها؛ فقد كانت املقاطعة اليت جتلب منها األموال واألسلحة
واجلنود ،كما أهنا كانت أهراء حبق مونت شعب روما باملواد الغذائية جمانا على امتداد قرون
طويلة ،وهذا ما جعل أسقف قرطاج كودفولتدوس( )Quodvultdeusيبكيها عند غزوها من
طرف الوندال متحسرا على ضياع هذه اجلنة قائال ":أين هي أفريقيا ،اليت كانت بالنسبة للعامل
كله جنة من اخلريات ،أين هي كل دوهلا ومدهنا الغنية العامرة"(.)561
(559) Hilali (A.), la crise de 238 en Afrique et ses impacts sur l’Empire romain,
in: Crises and the Roman Empire, édition Brill, Leiden, 2007, pp58-61.
( )560جوليان (شارل أندري) ،مرجع سابق ،ص.555
()561
Lepelley (Claude), la crise de l’Afrique Romaine au début du Vème siècle…Op. Cit.
p661.
خامتة
خامتة
ما ميكن قوله يف هناية هذه الدراسة هو أن التاريخ االقتصادي ألفريقيا الشمالية يف
عمومه جمال خصب للبحث حيث لقي اهتماما ملحوظا من طرف الباحثني خصوصا الغربيني
منهم الذين درسوا جوانب عديدة منه ،ومبعاجلتنا إلشكالية التوسع الزراعي الذي عرفته املنطقة
خالل الفرتة الرومانية واإلحاطة بالعوامل اليت عرفتها الزراعة على العموم خالل تلك املرحلة،
توصلنا إىل استخالص جمموعة من االستنتاجات أمهها أنه جيب جتاوز مسألة اخلوض يف أصول
الزراعة األفريقية بعد اآلن -وهي يف احلقيقة متجاوزة عند الكثري من الباحثني املوضوعيني –
وينبغي أن نسقط من أحباثنا كل التأويالت القائمة على نظرية عجز املغاربة اليت أرجعت كل
فعل حضاري إىل أصول أجنبية.
لقد أثبتت العديد من الدراسات احلديثة اليت اعتمدت خاصة على علم اآلثار
والرسومات الصخرية وعلم النبات باإلضافة إىل الدالالت اللغوية ألغلب أمساء املزروعات،
أصالة الزراعة األفريقية ،وحىت بعض كبار املؤرخني -الذين عرفوا بأطروحاهتم الغربية أو السامية
اليت تصور الشعب األهلي "األمازيغي" يف صورة البدائي املتلقي دائما للحضارة من جريانه
الفينيقيني أو اإلغريق أو الرومان -فلتت منهم بعض العبارات اليت تقر باألصل احمللى للزراعة
والدور األفريقي "األمازيغي" يف اكتشاف وتطوير الزراعة ،وقد آن األوان أن نعيد النظر يف
العديد من الدراسات اليت أجنزت خالل فرتة االستعمار الفرنسي الذي حرص على مترير العديد
من األطروحات لتحقيق مصاحله وتكريس عقدة التفوق اليت عرف هبا األوربيون على العموم.
يبدو أن االزدهار الذي ستعرفه أفريقيا الشمالية خالل الفرتة الرومانية تعود بداياته إىل
عهد امللوك النوميد وباخلصوص عهد ماسينيسا الذي عرف بسياسته الفعالة يف اجملال الزراعي،
خاتمة 173
ومن جهة أخري يظهر أن الرومان قد استفادوا من سياسة هذا امللك فيما يتعلق بتوطني
القبائل يف املناطق الداخلية نظرا لكون الطرفني قد انتهجا سياسة متشاهبة يف معاجلة مشكلة
التنقل املستمر هلذه القبائل الذي يتنايف مع قيام زراعة منتجة هبذه املناطق ،كما ال جيب جتاهل
منجزات الشعب األهلي يف الفرتة السابقة لوصول الرومان يف امليدان الزراعي اليت استفاد منها
الرومان فيما بعد ،فاملزارعون األفارقة هم الذين هيأوا القاعدة األساسية للزراعة ،واحلقيقة أن
الرومان والقرطاجيني من قبلهم قد وجدوا اجملال خصبا لالستثمار ،فاغلب األراضي الزراعية
كانت مهيأة وقابلة للزراعة وقنوات املياه مشيدة ...اخل ،وببساطة فان الرومان مل ينطلقوا من
فراغ.
إن املالحظ من خالل قراءتنا للدراسات اليت تناولت اجلانب الزراعي هو التحيز الكبري
يف أغلبها إىل اجلانب الروماين وحتاملها على الشعوب األهلية خاصة فيما يتعلق باألعمال
الفنية والتقنية ،وحسب تلك الدراسات فإن كل تقنية متطورة هي رومانية؟ جمردة بذلك أسالفنا
من كل مبادرة ومشددة دوما على بدائية هذا الشعب األهلي الذي تطلق عليه عبارة قبائل
لتلصق هبا صفة البدائية والتخلف ،واملالحظ أيضا استعماهلا ملصطلح "روماين" بإسهاب
(الزراعة الرومانية ،املعاصر الرومانية ،آبار رومانية ...اخل) يف حني أنه كان ينبغي عليها التحلي
بالروح العلمية واملوضوعية واختيار مصطلحات تشمل اجلميع و كان عليها أن تنسب اجملهود
للفرتة وإىل البلد ال إىل أجناس على حساب أخري.
لعل العامل األساسي يف جناح االستثمار الزراعي يف أفريقيا وحتقيق التطور والتوسع يعود
إىل منظومة االستغالل الزراعي املبنية على أسس علمية شرع يف التخطيط هلا مباشرة بعد
إحكام السيطرة على أفريقيا ،فسياسة اإلدارة الرومانية انصبت منذ البداية على مسح األراضي
وتوطني املزارعني ( )Colonsوتوزيع األراضي عليهم ،وإعادة هتيئة منشآت الري وتوسيعها إىل
مناطق جديدة ،ث سن جمموعة من التشريعات اليت تنظم االستغالل واستحداث مستثمرات
لالستغالل الواسع ...اخل ،وما كان لروما أن حتقق أهدافها -خاصة خالل القرن األول والثاين
174 خاتمة
للميالد -لوال هتيئتها هلذه األرضية التشريعية وتنظيمها الدقيق للمجال وحتديد مسؤوليات
األفراد.
ما يعاب على السياسة الرومانية يف نظرنا يف اجملال الزراعي هو ذلك النظام الضرييب
اجلائر املنتهج الذي بقدر ما استفادت روما من عائداته بقدر ما فقدت ثقة املزارعني وأبعدهتم
عن استغالل األرض رغم أهنا يف الفرتة األخرية لإلمرباطورية قد حاولت استدراك األمر .كما
كان لوقوع املستثمرات الزراعية يف أيدي الطبقات الربجوازية أثره السليب أيضا على الزراعة ذلك
أن هؤالء عادة ما يكونون بعيدين عن العمل الزراعي وعن مستثمراهتم ،وكان على األباطرة
إصدار أوامر يف هذا الشأن تضمن االستغالل األمثل واملستمر لألرض الزراعية ،ووضع جزء من
هذه األراضي يف أيدي الطبقات الوسطى والكادحة ألهنم يف احلقيقة يشكلون القوة الفعلية
اليت تقوم بأعمال الزراعة .
لعل االهتمام الذي حظي به اجلانب الزراعي عند الرومان مل حتظ به اجملاالت األخرى،
وهو ما يؤكد الطابع االقتصادي الزراعي لالحتالل الروماين ،ويظهر ذلك جليا على اخلصوص
يف حرص الدولة على السيطرة على األراضي الزراعية ذات اخلصوبة واملردود اجليد باعتبارها
مصدر الثراء األساسي خالل تلك الفرتة ،ومن العوامل الرئيسية اليت ولدت هذا االهتمام
باألرض وباإلنتاج الزراعي هو التموين اجملاين لسكان روما باملواد الغذائية الذي كان على رأس
واجبات األباطرة بداية من عهد اوكتافيوس ،خاصة وأن أي ضعف أو خلل يصيب التموين
سينعكس سلبا على هؤالء وسيعرض حكمهم لالضطراب ،وهذا ما يفسر تشجيع هؤالء على
التوسع حنو األراضي اجلديدة وتشجيع اإلنتاج الكثيف ،وقد كانت اإلجراءات اليت تستوجبها
األنونة دليال واضحا على ختوف األباطرة من انعكاسات أي نقص يف الغذاء ،ومن جهة أخرى
فقد كانت الزراعة األفريقية عامال مؤثرا على سري األحداث التارخيية والسياسية ،فقد ساهم
تراجعها خالل املرحلة األخرية من عهد اإلمرباطورية بصفة غري مباشرة يف تردى األوضاع
بأفريقيا واإلمرباطورية بصفة عامة.
خاتمة 175
لعل املبالغة يف اعتبار التوسع الزراعي خالل الفرتة الرومانية معجزة وفضال رومانيا حبتا
يعترب من املغالطات اليت ينبغي علينا اليوم تصحيحها ،فبصمة األفارقة (الشعب األهلي)
واضحة يف هذا اجملال فهم الذين شكلوا القوة العاملة على مستوى مستثمرات كبار
الشخصيات سواء كمستأجرين أو أجراء ،وكان هلم الفضل أيضا يف طرق سفوح اجلبال
واألراضي املتامخة للصحراء بعد أن انتزعت منهم أراضيهم اخلصبة بالسهول مبوجب حق الفتح
فاستعاضوا عنها باستصالح أراض جديدة على مستوى املناطق اليت نزحوا إليها ،لذا من غري
املمكن إقصاء مسامهة هؤالء من ذلك االزدهار الذي اعترب معجزة رومانية.
لقد كان لسياسة التوسع الزراعي أثرها على اجلانب االقتصادي واالجتماعي يف أفريقيا
على اخلصوص ،فان كان ذلك قد ساهم يف حتسني الوضعية االقتصادية للبالد وحتسني
الوضعية االجتماعية لبعض األفراد املرتومنني فانه يف املقابل قد ساهم يف التأثري على الشعب
األهلي بتجريده من أراضيه وحتديد جماله وحتميله ضرائب قاسية ،باإلضافة إىل تغيري منط
املعيشة لدى قبائل اجلنوب اليت اعتادت التنقل بني الشمال واجلنوب.
إن دراسة موضوع التوسع الزراعي يف املناطق اجلنوبية واألسس اليت قام عليها هو يف
احلقيقة موضوع ليس اهلدف منه دراسة التاريخ ومعرفة حضارة أسالفنا فقط ،بل ميثل منوذجا
تارخييا ومثاال تطبيقيا رائدا يف ما جيب أن يكون عليه االستثمار الفعال الناجح يف البيئات
الصعبة اليت تكثر هبا العراقيل الطبيعية والبشرية إذا كانت الضرورة االقتصادية متلى ذلك،
فالتجربة الرومانية-األفريقية خالل تلك املرحلة تستطيع العديد من املصاحل اليت هتتم باالقتصاد
والبيئة االستفادة منها حاليا ،السيما وان العديد من التجارب احملدودة املماثلة قد أثبتت
جناحها كزراعة الزيتون اليت عرفت جناحا وانتشارا يف منطقة وادي سوف ،وإذا كان الري هو
عماد الزراعة هبذه املناطق خالل الفرتة الرومانية فان التقنيات احلديثة كفيلة برتقية الزراعة
بأنواعها يف مناطق مماثلة ملنطقة وادي سوف خصوصا مع استعمال التقنيات احلديثة املتطورة
مثل الري بالتقطري واآلبار االرتوازية...اخل.
مالحق:
-Iطريقة صناعة النبيذ من العنب الجاف حسب ماغون.
-IVالتويزة (.)Tiwizi
مالحق 177
-IVالتويزة (:)Tiwizi
"التويزة ( )Tiwiziهي املساعدة الطوعية املتبادلة بني جمموعة من األفراد ينتمون إىل
نفس العشرية مقابل االنتفاع بالثلث ،وهتدف إىل إمتام األعمال الكبرية اليت يصعب القيام هبا
فرديا ،فبواسطة التويزة يستطيع العديد من الفالحني اجناز العديد من األعمال الزراعية اليت
تستلزم إما يدا عاملة مهمة كالعزق ونفض أشجار الزيتون أو احلصاد ،أو األعمال اليت تستلزم
استعمال عدد كبري من الدواب مثل الدرس .
إن التويزة متعلقة عموما مبصلحة أفراد لكنها قد تتعلق مبصلحة اجلماعات أيضا
كأعمال البناء وهتيئة الطرقات والسدود والعيون والقوتارة ( )ghottaraوقنوات الري حيث
يستدعي إىل العمل كل أعضاء اجلماعة.
نستطيع اعتماد الرأي الذي يري أن كلمة ثيويزي ( )Tiwiziمن أصل بربري؛ فبنية
كلمة تويزة ( )Touisaاملستعملة يف عربية مشال افريقيا (الدارجة) بصيغة اجلمع هي استعارة
من األمازيغية"...
Laoust (E.), Mots et choses berbères, notes de linguistique et
d’ethnographie dialectes du Maroc, librairie maritime et
coloniale , Paris 1920, p322.
فهارس:
-فهرس المصادر والمراجع
-فهرس الجداول واألشكال والخرائط
-فهرس األعالم
-فهرس األماكن والبلدان والمدن
-فهرس القبائل والشعوب
-فهرس الموضوعات
181
شامو(فرنسوا)،
يف تاريخ ليبيا القدمي :اإلغريق يف برقة األسطورة والتاريخ ،ترمجة وتقدمي حممد عبد الكرمي الوايف،
ط ،5منشورات جامعة قار يونس ،بنغازي .5881
شنيتي (محمد البشير) ،
-أضواء على تاريخ اجلزائر القدمي(حبوث ودراسات) ،دار احلكمة ،اجلزائر 5118م .
-التغريات االقتصادية واالجتماعية يف املغرب أثناء االحتالل الروماين ودورها يف أحداث القرن
183
ج-الرسائل الجامعية:
عقون(محمد العربي)،
من التاريخ البلدي للجزائر خالل العهد اإلمرباطوري األول :االحتاد السرييت ،دراسة يف تاريخ وأثار
ونظم سريتا العتيقة ،أطروحة دكتوراه ،جامعة منتوري ،قسنطينة5115-5114م.
د-الدوريات:
شنيتي(محمد البشير)،
التوسع الزراعي الروماين وظاهرة البداوة يف اجلزائر القدمية ،جملة التاريخ ،ع ،58اجلزائر5891م.
ج-القواميس والموسوعات:
ايمار (أندري) و ابوييه(جانين) ،
تاريخ احلضارات العام ( روما وإمرباطوريتها ) ،ج ، 5إشراف موريس كروزيه ترمجة فريد م.داغر
وفؤاد ج.أبو رحيان ،ط ، 5منشورات عويدات ،بريوت -باريس 5899م.
بورتير(روالن) و بارو(جاك) ،
بداية التقنيات الفالحية وتطورها وانتشارها ،تاريخ إفريقيا العام ،اجمللد األول (املنهجية
وعصر ما قبل التاريخ يف إفريقيا) ،إشراف ج.كي -زيربو ،جان أفريك/اليونسكو5898 ،م.
ديزانج (جيهان)،
الرببر األصليون ،تاريخ إفريقيا العام ،اجمللد الثاين (حضارات إفريقيا القدمية) ،إشراف مجال
خمتار ،نشر جني أفريك/اليونسكو 5895م.
لعروق (محمد الهادي)،
أطلس اجلزائر والعامل ،دار اهلدى،عني مليلة.
محجوبي (ع، ).
العصر الروماين وما بعده يف مشال أفريقيا(القسم األول) ،تاريخ أفريقيا العام ،اجمللد الثاين
(حضارات أفريقيا القدمية) ،إشراف مجال خمتار ،طبع جني افريك /اليونيسكو 5895،م.
د-نسخ الكترونية:
البرغوثي(عبد اللطيف محمود) ،
التاريخ اللييب القدمي من أقدم العصور حىت الفتح اإلسالمي ،ج ،5نسخة الكرتونية أعدها للنشر
تامغناست.www.dzlib.com،
185
:باللغات األجنبية-2
:المصادر-أ
Strabo ,
The Geography , translated by H.C.Hamilton and W.Falconer, John
Childs and Son Printers, London ,1857.
Tacite,
Annales, traduit par Dureau de Lamalle, Paris 1827.
Varron ,
l’économie rurale , traduit par M.X. Rousselot, C.L.F.Panckoucke ,
Paris 1843.
:المراجع-ب
Baradez (J.),
Vue-aerienne de l’organisation romaine dans le Sud-Algérien
(Fossatum Africae),Arts et métiers graphiques,Paris1949.
Beaudouin (Edouard),
les grands domaines dans l’Empire Romain D’après des travaux
récents , Librairie de la société du recueil général des lois et des
arrèts , Paris 1899.
Birebent (J.),
Aqvae Romanae, recherches d’hydraulique romaine dans l’est
Algérien, Service des antiquités de l’Algérie, Alger 1962.
Boissier (G.),
l’Afrique Romaine, promenades archéologiques en Algérie et en
Tunisie, 5eme édition, Librairie Hachette et Cie, Paris 1912.
Camps-Fabrer (Henriette),
l’Olivier et l’Huile dans l’Afrique Romaine , imprimerie officiale ,
Alger ,1953.
De Condole (Alph),
Origine des plantes cultivées , 3éme édition ,Félix Algan éditeur ,
Paris 1886.
Du Coudray (La Blanchère),
l’aménagement de l’eau et l’installation rurale dans l’Afrique
Ancienne, Imprimerie Nationale , Paris 9912.
Falbe (C.T.),
Recherches sur l’emplacement de Carthage, l’imprimerie royale,
Paris, 1833.
Fournier De Flaix(E.),
l’impôt dans les diverses civilisations ,T.I, Librairie de la société
du recueil général des lois et des arrèts , Paris 1897.
Gsell (St.) ,
- Atlas Archéologique de l’Algérie(A.A.A.),2éme édition, Agence
187
:الدوريات-د
Albertini (E.),
documents d’époque vandale découverts en Algérie, in : C.R.A.I.,
72 éme Année , N°3, 1928.
Alquier (J.) ,
les ruines antiques de la vallée de l’Oued el Arab (Aurès), R.Af.,
Vollume 85, 1941.
Angles (St.) ,
l’ Olivier, un arbre et une culture au cœur de la Méditerranée ,
édition du temps .
Basset (Henri) ,
les influences Puniques chez les Berbères ,R.Af ,Année 1921.
Benzina Ben Abdallah (Zeineb),
Du coté d’Ammaedara (Haidra): Musulamii et Musunii Regiani, in:
188
An.Af.,N°28,1992.
Berbrugger (A.),
les romains dans le sud de l’Afrique, R.Af., Volume2, 1957.
Bernard (Augustin) et Lacroix (Nicole),
L'évolution du nomadisme en Algérie. In: Annales de Géographie,
T.15,N°80, 1906.
Boudribila (Mohamed-Mustapha),
les anciens Amazighs avant les Phéniciens : modes de vie et
organisation sociale , Awal , N°29 ,2004.
Bourgarel-Musso (Andrée),
recherche économiques sur l’Afrique Romaine, R.Af., V.75,1934.
Blé antique de Novi, R.Af., N°3 , 1857.
Cagnat(R.),
Inscription d’Henchir-Mettich, in : C.R.A.I., 41éme année, N°2,
1897.
Caillemer(A.),
Chevallier(R.), Les centuriations de l’Africa Vetus, in :
E.S.C., 9eme Année, N°4, 1954.
Camps-Fabrer (Henriette),
l’Olivier et son importance économique dans l’Afrique Antique,
CIHEAM-Option Méditerranéennes, N° 24.
Carcopino (J.),
- Inscription découverte vers Ain Tounga intéressant l’histoire de
la colonisation en Afrique et du colonat partiaire dans tout le
monde romain, in : C.R.A.I. , 50éme année ,N°8, 1906.
- L’inscription d’Ain-el-Djemala, contribution à l’histoire des
saltus africains et du colonat partiaire, in : M.A.H., T.26,1906.
- Mission en Tunisie (1906), Extrait de souvenirs romains,
Hachette, 1967, ch.VII.
Carton (Dr.) ,
la lex Hadriana et son commentaire par le procurateur Patroclus,
R.Ar., Paris 1893.
Chevallier(R.),
- Essai de chronologie des centuriations romaines de Tunisie ,
in : M.A.H., T.70, 1958.
- La Centuriation Romaine et la mise en valeur des sols dans la
province d’Afrique , l’inform.Géogr, 22éme année ,septembre-
octobre 1958.
Christol (M.),
Le blé africain et Rome, Remarques sur quelques documents, In:
189
Leveau (Philippe),
- la situation colonial de l’Afrique Romaine, in: E.S.C.,33éme
Année, N°1, 1978.
- l’opposition de la montagne et de la plaine dans l’historiographie
de l’Algerie du Nord antique, in :Annales de Géographie,T :86 ,
N°474,1977.
- Occupation du sol, Géo systèmes et systèmes sociaux , Rome et ses
ennemis des montagnes et du désert dans le Magrib antique , in :
E.S.C ,41éme Année , N °6 ,1986.
- paysans maures et villes romaines en Maurétanie central (la
resistance des populations indigenes à la romanisation dans
varrière- pays de Caesarea de Maurétanie, in: M.E.F.R.A.,
N°2, 1975.
Loskutov, Igor (G.),
Vavilov and his institute,A history of the world collection of plant
genetic resources in Russia, International Plant Genetic Resources
Institute (R.I.P.G.R.I.), Rome, Italy1999.
Masqueray(E.) ,
2éme rapport à M. le Général Chanzy gouverneur général de
l’Algérie sur la mission dans le sud de la province de Constantine,
R.Af. ,N°21, 1877.
Masson (Olivier) ,
Grecs et Libyens en Cyrénaïque,d’après les témoignages de
l’épigraphie, in : Ant.Af, T.10,1976.
Mispoulet(J-B.),
l’inscription d’Ain-Ouassel, Nouvelle Revue Historique de Droit
Français et étranger ,16 éme Année , Paris , 1892.
Moatti (C.),
Etude sur l’occupation des terres publiques à la fin de la république
romaines, in :Cahiers du centre Gustave Glotz, N°3 ,1992.
Morizot (P.) ,
l’Aurès et l’Olivier ,in :Ant.Af. , N° 29, 1993.
Mowat (R.),
Letter à M. Desjardins dans laquelle sont expliqués plusieurs texts
épigraphiques, in : C.R.A.I., 24eme année, N°2, 1880.
192
Pernot (M.),
L’inscription d’Henchir-Mettich, in : M.A.H., T. 21,1901.
Peyras (J.) ,
- la potestas occupandi dans l’Afrique romaine, in: D.H.A., volume
25, N°1 , 1999.
- Le Fundus Aufidianus : étude d’un grand domaine de la région de
Mateur (Tunisie du Nord), in : An.Af., N°9, 1975.
- les cités libres à l’époque romaine , in : D.H.A.,Volume 23, N°1 ,
1997.
- paysages agraires et centuriations dans le bassin de l’oued Tine
(Tunisie du Nord), in :Ant.Af. ,N°19,1983.
Picard (G.Ch-.),
Néron et le blé d’Afrique, in :C.R.A.I.,100éme Année, N°1, 1956.
Poncet (J.) et Despois (J.),
pour une Histoire rurale de l’Afrique du Nord, in : E.S.C. ,
12 éme Année, N °3 , 1957.
Robert (Jean-Baptiste),
A propos de l'évolution du climat en Afrique du Nord depuis le
début de la période historique, In: Revue de géographie jointe au
Bulletin de la Société de géographie de Lyon et de la région
lyonnaise, Volume 25,N°1, 1950.
Robert (L.),
le vin Africain à l’époque impériale, in : Ant.Af., N°16, 1980.
Saumagne (ch.),
- Inscriptions de Jenan ez Zaytouna, in: C.R.A.I. , 81 éme Année ,
N°4,1937.
- La photographie aérienne au service de l’archéologie en Tunisie,
in: C.R.A.I., N°2,9125 .
- Les vestiges d’une centuriation romaine a l’est d’El-Djem, in :
C.R.I.A., 73ème Année, N°4,1929.
Schulten (A.),
l’arpentage romain en Tunisie ,Bulletin Archéologique du
Comité des Travaux Historiques et Scientifiques, année 1902,
Paris.
Soyer (J.),
Les cadastres de la région de Saint-Donat (Algérie), in : Ant.Af.,
N°7, 1973.
Thouvenot (R.),
une remise d’impôts en 216 ap.J-C., in: C.R.A.I., 90 éme Année,
N°4, 1946.
193
Toutain (J.),
- Le cadastre romain dans l’Afrique du Nord au début de
l’Empire, inscriptions du Sud tunisien relatives à l’arpentage
sous Tibère, in : C.R.A.I. ,50éme année , N°4, 1906.
- les romains dans le Sahara, in : M.A.H. , T.16, 1896.
- L’inscription d’Henchir Mettich, un nouveau document sur la
propriété agricole dans l’Afrique romaine, in : C.R.A.I.,1902.
Trousset (P.) ,
- De la montagne au désert, Limes et maitrise de l’eau, in : Revue
de l’Occident musulman et de Méditerranée , N°41-42, 1986.
- les bornes du bled Segui. Nouveaux aperçus sur la centuriation
romaine du Sud Tunisien, in Ant.Af., N°12, 1978.
- les oasis présahariennes dans l’antiquité : partage de l’eau et
division du temps , in : An.Af., N °22 ,1986.
- Nouvelles observations sur la centuriation romaine à l’est d’El-
Jem, in : Ant.Af, N° 11, 1977, p184.
Weber(Max),
les causes sociales du déclin de la civilisation antique, in : Revue
Pluridisciplinaire en science humaines, N°1, 2005.
:القواميس والموسوعات-ج
Robert (Estienne) ,
Dictionarum Latinogallicum, 1522, vertion électronique,
www.ebooksfrance.com.
Saglio (E.) et Daremberg(Ch.),
Dictionnaire des antiquités Grecques et Romaines (D.A.G.R),
(5tome et 9 volumes) ,éditions hachette ,paris1873-1919.
:مواقع انتيرنيت-د
Decramer(L.R.)et autres,
approche géométrique des centuriations romaines, les nouvelles
bornes du bled Segui, Histoire et mesure(en ligne) ,XVII-1/2 ,
2002,mis en ligne de15 Novembre 2005, URL : http:// histoire
mesure. revues.org/903.
France (J.),
l’Afrique Romaine des Flaviens aux Vandales Cours de Jérôme
France– Université Michel de Montaigne-Bordeaux 3,
http:// www. youscribe. Com.
194
- http://fr.wikipedia.org/wiki/Magon_le_Carthaginois.
-L'agriculture romaine: les Latifundia, D’après le cite suivant:
http://www.civilisation-romaine.com/la-vie-economique/l-agriculture-
romaine-les-latifundia.
- http://magister-optimus.blogspot.com
-http://ar.wikipedia.org/wiki/البليستوسين
-http://www.arabgeographers.net
- http://venitism.blogspot.com
- http://www.sciencefile.org
- http://www.memo.fr
-http://www.grabovrat.com.
195
أ-الجداول:
اجلدول (:)5أمساء مواد زراعية يف اللغة األمازيغية...................................ص51
اجلدول ( :)5كميات القمح اليت زود هبا ماسينيسا الرومان.........................ص49
اجلدول (:)8األراضي املستغلة واملهملة مبقاطعيت الربوقنصلية واملزاق.................ص555
ب-األشكال:
الشكل ( :)5الزيتون الربي املعروف باسم آزبوج...................................ص58
الشكل ( :)5شجرة األرقان ) (Arganierاملعروفة أيضا باسم اللوز الرببري..........ص55
الشكل ( :)8مشهد حرث باستعمال حمراث تقليدي( منطقة مشال غرب سطيف)....ص59
الشكل ( :)4حمراث من منطقة الريف............................................ص51
الشكل ( :)5رحى حجرية لطحن احلبوب........................................ص58
الشكل ()5مكرر :مطحنة رومانية عثر عليها برمضان مجال(سكيكدة)..............ص58
الشكل (:)9عالمة كنرتة تشري إىل رقمي الكاردو والديكومانوس.....................ص95
الشكل ( :)1استخدام القراما واألنصاب احلجرية لتحديد أبعاد الوحدة الكنتورية......ص18
الشكل ( :)9بئر من الفرتة الرومانية..............................................ص91
الشكل ( :)8نقل املياه عرب قنوات بقرية فرجيو(خنشلة).............................ص98
الشكل ( :)51شبكة الري على وادي أغريب(...........................)Ogribص81
الشكل ( :)55نظام الري يف المصبا (..............................)Lamasbaص84
الشكل ( :)55فسيفساء (Bacchusاجلم القرن الثالث) تربز استغالل املستثمرات.ص519
الشكل ( :)58بيت السيد املالك(القرن الرابع ......................)Tabracaص519
الشكل ( :)54طاحونة زيتون بربرية من بين فرح( األوراس)........................ص545
196
باراداز:
94،559،551،555،558،554،5 فهرس األعالم
.55،559
باسي.54:
بايراس.518: -أ–
بركوب.8،99: ابن عبد الحكم.585:
بطليموس.48: ابن عذاري.585:
بلين.الكبير: أبيان.59:
9،55،55،89،45،45،51،54،51
اغاثوكليس.89:
95،81،555،558،555،558،58
اغزال:
.5،584،585،551
9،55،58،58،54،81،41،45،45
بوسيدونيوس.45:
45،51،54،55،515،515،551،5
بوكوس.48: .48،555
بوالن.19: أغسطس:
بوليب.59،55،45،44،45،49: .95،99،555،558،555،555
بونسي.545: اكتافيوس.555،515:
بيربان.98،94،91،558،559: أالقابالوس.81:
بيرنو.19: اورليوس فيكتور.89،551:
بيكار.95،91،98،559،558،585: اوغسطين.591:
-ت– -ب–
تاسيت.541: باتوس الثاني.81،88:
تاكفاريناس.48،98،541:
تراجان.515،554،544:
198
-ر– تروسي.15:
تيبريوس95،95،99،98،555،541:
رستوقتزف.18،585:
تيت-ليف.49:
ريقولوس.89:
تيمي.55:
ريني.58،48:
-س– -ج–
جان ديبوا.55،545:
سالوست:
جنسريق.599:
.8،51،44،45،49،55،559،548
جولو.55:
سبتيميوس.سيويروس:
جوليان.51،85:
.98،19،11،581،544،545،599
سترابون: جيهان ديزانج.58:
8،55،55،84،45،49،51،55،55 -ح–
.5 حارش.1:
سوماني.18: حانون.55،595:
سيالكس.58:
-د–
-ش– دانو.95:
شامو.85،84: دقليديانوس.555،558:
شاو.85: دوباشتير.85:
شنيتي.588: دوكاندول55،58،54،58،89،555:
شوفاليي.55،95،91،99: دوكودراي.95،555:
شولتن.99،18: دوميتيان.555:
-ع– ديودور.الصقلي:
عقون.95: .55،55،89،41،45،41،55
199
كودفولتدوس.599: -غ–
كوك.18:
غارديان األول.591:
كولندو.15،518:
غايوس كراكوس.95،99،518،558:
-ل– غنثاموند.19:
الكروا.51،88: -ف–
الوست.55،58:
فارون.515،551:
لوفو.55،541:
فافيلوف.59:
-م– فالب.99:
ماريوس.91: فالنتينوس.85:
ماريوس بربيتوس اوريليانوس.15: فسباسيانوس.18:
مازيبا.541: فالكوس كورنيليانوس.15:
ماسكوراي.81: -ك–
ماسينيسا،44،49،41،49،48:
كاتون.41،45،54،51،95،511:
.51،55،55،59،89،559،511
كارتون.515:
ماغون.88،41،51،518:
كاركوبينو.11،95،515،551:
ماكسيمينوس ثراكس.591،599:
كامبس.غابريال:
متلوس.49:
.59،51،51،55،54،51،49
مرنبتاح.58:
كامبس.هنريات.فابرر:
مسيبسا.585:
.58،559،585،585،589،545
مكوسان.55:
الكاهنة.58:
ميسبولي.95:
كراكاال.551:
-ن– كلوميل.551،585:
200
نيرون.558،551،555،581:
-ه–
هادريان:
15،11،19،91،95،98،551،548
.544،
هانيبال.89،45،551:
هرقون.51:
هونوريوس.518،554:
هيرودوت:
5،8،9،55،58،59،51،55،81،8
.5،85،88،84،45،54،55
-و–
ويبوس مارسوس.99:
-ي–
يمبسال الثاني.55:
يوبا األول.48:
يوبا الثاني.48،541:
يوغرطة.51،548:
يوفينال.585:
يوليوس.قيصر:
.48،99،511،555،558
201
أفريقيا الجديدة.59،558،551:
أفريقيا القديمة.91،551:
افريقية.58: فهرسهعهعع
األماكن
أم الربيع(وادي).9:
والبلدان والمدن
امبساغا(وادي).9:
االمبوريا.49،49،555:
-أ–
اوتيكا.11:
ابيغاس(وادي).99،8:
أوجلة.51:
اسبانيا.8:
االوراس:
آسيا الغربية.54:
8،59،98،99،545،545،544،55
األطلس األعلى .51،59،45،545:
.1،555،554،559
األطلس التلي.9،9:
أوروبا.4،85:
األطلس الصحراوي.9:
ايغرغر(وادي).9:
أعمدة هرقل.8،4:
ايطاليا.95،519،559،551،554:
اغريب(وادي).99،98،555:
-ب– افريقيا:
بابل.51: 5،58،59،51،51،55،55،58،5484،
البابور(جبال).51: 81،88،44،49،58،54،59،51،59،9
باجة.48: 1،95،95،91،18،91،9894،95،99،
84،85،81،515،515515،511،518
بادس.98،559،591:
555،554،555،551،559،558،551
باغاي.555:
555،555،558،555،559،551،558
باناسا.551: 585،585،584،585،589،581،548
البحر المتوسط.5،4،59،54،544: 541،548،555،595،598،595،599
بحيرة التريتون.8،9،59،51: .591،599،515،
202
توسكا(وادي).9: برقة.58:
تيمقاد.551: البروقنصلية:
تيميمون.55: 94،99،11،15،515،518،551،5
-ث– .41،595
بريكة(وادي).555:
ثيرا.8،58،81:
بالتيا(جزيرة).58،58،84:
-ج– بالد.البربر:
جدي(وادي).555: .55،58،51،51،84،559،545
جربة(جزيرة).58: بنزرت.91:
جرجرة(جبال).9،51: بوسعادة.99،555:
الجزائر: بولة ريجيا.55:
.9،1،8،51،55،58،518،588 البيبان(جبال).9:
جزر الكناري.51،58: بيرصا.94:
الجم(سبخة).99،519: بيقو(جبل).51:
جميلة.581،551:
-ت–
جنان الزيتونة.19،551:
تاجنانت.98:
-ح– تادمايت(هضبة).1:
الحضنة.98،544،551،555،555: تبسة،59،55،55:
حيدرة.98: 89،55،98،19،518،515،559،5
-خ– .51،581
خربة اعقوب.581: تبرسق.91،11:
خالد(وادي).9،11،515،515: تونس:
.5،9،9،41،48،518،515،558،581
خليج السيرت.9:
203
سيرتا.48: خمير(جبال).9:
سيقا.589: خنشلة.98،99،98،558:
سيوة(واحة).59،51: -ر–
-ش– رأس بونة(شبه جزيرة).88،45،91:
الشابة.99: رأس الطيب.9،89:
شراكس.84: الرمل(وادي).555:
الشرق األدنى.59: روجيتان.11:
الشلف(وادي).9: روسيكادا.589:
الشمال األفريقي (أفريقيا الشمالية): الريف(جبال).9،51،59:
5،8،4،5،9،1،9،8،55،58،54،5 -ز–
9،59،58،55،55،54،55،58،89
زاما ريجيا.55:
،
زغوان.99،545:
81،54،55،95،15،15،94،99،8
4،555،559،588،545،545،54 -س–
.4،511 السارسو.9:
سردينيا.558،551:
-ص–
سطيف.9،51،515،544،591:
الصحراء:
سال.51:
5،4،5،1،9،8،58،58،54،59،95
سليانة(وادي).9:
.95،98،15،551،559،518،
سوسة.99:
صقلية.54،45:
سوق اهراس.9،515:
صلداي.589:
سوق الخميس.15،11،95:
-ط– سيبوس(وادي).9:
204
ملغيغ(شط).555: لبتيس.8،51،589،551:
الملوية(وادي).8: ليبيا.8،55،81،51:
مليانة.514: ليبيا(الجماهرية).1:
موريتانيا:
-م–
.8،48،95،555،555،555،544،549
المائدة المراكشية(هضبة).9:
-ن– مادور.581:
نقرين.98: ماسيسيليا.45،55:
النمامشة.99،551: ماسيليا.45،49:
نوميديا: ماطر.48:
8،49،41،49،48،55،95،559،5 مجانة.544:
.58،555،544،594،595 مجردة.5،9،48،91،515،519:
النيل.5: المحيط االطلسي.5،8،9:
-ه– مداوروش.581،588،595:
الهقار(جبال).1،9،55: املدن السبع(احلرة).91،98،89،519:
هنشير بوفروج.555: مروانة.85:
هنشيرمطيش: المزاق88،54،11،518،551،555:
11،19،81،511،551،555،558، مستغانم.99:
.554 المسيلة.99:
هيبو ريجيوس.55: مصر.59،58،81،558:
هياكل الفيالن.8: المغرب االقصي.5،9،9،58:
-ي– املقاطعة االفريقية.48:
مقعد(جبال).9:
يوسبيريدس.85:
مكناس.9:
206
-ت– اليونان.54،84،85،49:
تابيانونسيس.598: فهرسهعهعع
القبائل
التحنو.58:
-ج–
والشعوب
الجيتول.8،51،541،594:
-أ–
-ر– اإلثيوبيون.8:
الرحل.591: اإلغريق:
الرومان: .8،58،81،85،88،589،511
55،59،41،48،58،54،55،59،5 األفارقة:
9،95،95،98،91،95،84،85،51 48،59،59،95،94،511،555،58
1،555،559،558،554،551،55 5،584،589،541،545،595،51
9،585،584،589،589،588،54 .5،518
1،545،548،544،545،549،54 األمازيغ:
1،549،551،555،559،595،59 55،55،54،55،59،51،59،58،8
.5،511،515،515،518 .1،41،51،55،541،545
-س– األنطونيون.511،588:
السورييون.58: أوالد خالد.99،555:
السيفيريون.588: أوالد عبد النور.98:
-ش– -ب–
الشعب األمازيغي.58،44،89،511: البربر:
.54،45،45،48،584،589،545
-ط–
207
الماسيسيل.8: طوارق.51،59:
املاسيل.45: -ف–
املاكسي.51:
الفرنسيون.59:
املصريون.85:
الفالفيون.18،511:
املور.8،8،541،549:
الفينيقيون:
املوزوالم.48،15،559،541،598:
51،59،58،55،55،54،59،89،8
-ن– .1،45،45،51،58،551،511
النسامونيون.51: -ق–
النوميد:
القرامنت.51،85،545:
.8،59،45،44،49،41،55،548
القرطاجيون:
نوميدا.595:
.8،84،89،89،41،45،48،91
النيبجينيني.595،598:
قوانش.51،59:
-و– -ك–
الوندال.555،599:
الكلوديون.511:
-ي– -ل–
اليوليون.511:
اللوتوفاجيون.58،55:
الليبو.58:
الليبيفينيقيين.81،89:
الليبيون:
.58،51،81،85،81،45،45،48
-م–
208
وضوعات:
اجع: فهرسفهرس الم
المصادر والمر
مقدمة.................................................................أ-ح
مدخل :اخلصائص الطبيعية واجلغرافية التارخيية ألفريقيا الشمالية القدمية54-5......
الفصل األول:
الزراعة األفريقية قبل الفترة الرومانية
Iالبدايات األوىل للزراعة بأفريقيا59..........................................
IIاالستيطان الزراعي اإلغريقي بقورينائية58...................................
IIIالزراعة القرطاجية89....................................................
IVالتطور الزراعي يف عهد امللوك النوميد44..................................
Vدور فرتة ما قبل الرومان يف هتيئة قاعدة االزدهار الزراعي خالل الفرتة
الرومانية58.................................................................
الفصل الثاني:
الزراعة األفريقية خالل الفترة الرومانية
التنظيمات ووسائل اإلنتاج
.Iنظام مسح األراضي95...............................................
5-Iالكنرتة98............................................................
5-5-Iالكاردو والديكومانوس94..........................................
5-5-Iاحلدود بني الوحدات الكنتورية94....................................
209
ملخص الدراسة:
يندرج موضوع الدراسة ضمن التاريخ االقتصادي ألفريقيا الشمالية خالل عصورها القدمية،
ويتعرض بالتحديد إىل ظاهرة التوسع الزراعي اليت عرفتها املنطقة خالل الفرتة الرومانية ،سواء تعلق األمر
برتكيز ا لقائمني على الزراعة اهتمامهم على إنتاج أنواع معينة خالل فرتات زمنية حمددة أو توسيع للمجال
الزراعي إىل مناطق تتميز اليوم باجلفاف والتصحر ،وإذا كان موضوع التوسع الزراعي قد أكدته
املعلومات التارخيية و شهدت عليه االكتشافات األثرية ،فان ما حرص البعض على طمسه هو دور
السكان األهايل (األمازيغ) وجهودهم يف هذا التوسع وهذا ما حاولنا إبرازه إضافة إىل دراسة العوامل اليت
عرفتها الزراعة خالل تلك املرحلة.
كان تشخيص احلالة اليت عرفتها الزراعة خالل الفرتة السابقة للتواجد الروماين هي املنطلق الذي
سلكناه لدراسة املوضوع قصد إبراز اإلضافة الرومانية وتقييمها يف الفصول الالحقة ،ويف الفصل الثاين ركزنا
على عوامل اإلنتاج وعلى القاعدة القانونية والتنظيمية اليت ساهم الرومان بتشريعاهتم ومهندسيهم يف بنائها،
واليت كان هلا دورا مهما يف التطور الزراعي الذي عرفته أفريقيا على عهدهم ،أما الفصل الثالث-الذي ميثل
جوهر البحث -فقد تعرضنا فيه إىل ظاهرة التوسع الزراعي اليت عاجلناها وفق منظورين :توسيع إقليمي إىل
اجلبال والصحراء وتوسع نوعي يف اإلنتاج.
اتضح بعد التعمق يف البحث أن عوامل متعددة كانت تتحكم يف السياسة الزراعية اليت انتهجتها
احلكام الرومان بأفريقيا ،ففي اغلب األحيان كانت العوامل السياسية هي املتحكمة ،ويتجلى ذلك أكثر
من خالل أوامر أباطرة روما الداعية لتشجيع زراعة بعض األنواع خالل فرتات معينة حرصا منهم على
احلفاظ على مصاحلهم واحتكاراهتم من جهة ،ومن جهة أخرى كانوا يهدفون إىل ضمان متوين روما باملواد
الغذائية ومنه ضمان االستمرارية حلكمهم ،كما كانت الزراعة وسيلة من وسائل التهدئة وإرساء السلم
باملناطق اجلنوبية ألفريقيا.
إن اعتبار التوسع الزراعي خالل الفرتة الرومانية معجزة وفضال رومانيا حبتا يعترب من املغالطات اليت
ينبغي تصحيحها ،فبصمة األفارقة (الشعب األهلي) واضحة يف هذا اجملال فهم الذين طرقوا مبجهوداهتم
سفوح اجلبال واألراضي املتامخة للصحراء بعد أن انتزعت منهم أراضيهم اخلصبة بالسهول مبوجب حق
الفتح ،وقد كان للسياسة الزراعية املطبقة حينذاك أثرها يف الوصول بالزراعة إىل مناطق هي اليوم مناطق
جرداء وجافة تشهد عليها آثار املسح واملدرجات ومنشآت املياه ...اليت ال تزال قائمة إىل يومنا هذا.
213
Résumé :
Abstract :
The subject of our research lies in the history of North African
economy in antiquity, it treats the more accurate the phenomenon of
agricultural expansion experienced by the region in Roman times, it was
called whether the emphasis agricultural officials to produce certain
species at certain times where the expansion whatsoever in the field of
agriculture to areas known today desertification drought, however,
whether this phenomenon was proved by historical knowledge and
archaeological discoveries, some insisted to deny the role of indigenous
(Amazigh) and efforts in this expansion, and that's what we try to show in
addition to studying the factors that suffered in agriculture that time.
It is diagnosis of the state of agriculture has experienced pre-Roman
times that we went in our study in order to demonstrate and evaluate
Roman additions in the following sections and in the second part we aimed
factors of production and the legal basis and organizer in which the
Romans helped to found with their constitutions and their ingenuity, and
had played an important role in agricultural development in Africa has
experienced during their reign. And in the third part - which treats the
heart of the matter - we have devoted to the phenomenon of agricultural
expansion we approached from two angles of vision: the geographical
expansion and diversification typological products.
It was clear to us through the comprehensive study is that several
factors decide the agricultural strategy qu'adoptaient Roman rulers in
Africa. In most, the political factor was held, this is through the order of
the emperors of Rome encouraged to grow certain products in specified
periods, in order to safeguard their interests and monopolies on the one
hand, and other hand, in order to ensure food fournissement Rome which
guarantees the continuation of their governance so agriculture was a way
to establish peace in South Africa.
Consider the Agrarian Development in Roman times is a miracle and
a purely Roman contribution to discredit and correct. Borrow because
Africans (natives) is sighted in this area through their efforts and the
mountains and farms in sub-Saharan lands, having been dispossessed of
their land fertile right after the conquest, should also be noted that the
agrarian policy the time had the effect of broadening the agricultural
activity to regions now uncultivated and barren as evidenced by traces of
centuriation, bleachers and foundations remaining water ... until today.