Professional Documents
Culture Documents
ً
مرتكزا إرشاديًّا شوقي ضيف
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب األلوكة)
في أزمنة االنفتاح على" اآلخر "ومناهِجه في نقد الشعر ،تتباين ردود الفعل تجاه موروثاتنا ومناهجنا ،وتفرز السَّاحة ثنائيَّات تتَّخذ
الصبغة المعهودة" :معي وضدي" ،وتتش َّكل حينئذ بيئة خصبة تتنامى بها المقاربات السالكة سبيل المقارنة ،والتي غالبًا ما تكون
مناهجنا
ِ ازدياده يتضاءل اإلحساس بِجدوى صلة عمليَّاتها حالة الضدِّية مرهونة بالمقدار الذي يبلغه االنبِهار بالمناهج الغيريَّة ،فبِ ْ مح ّ
لالنزعاج أو المفاجأة إذا ما بوغت ِ أمارات هر ْ
تظ ال َها توساع الشي، َّ تال حدود إلى ا ً نأحيا ليصل ىَّ تح والعطاء، للبقاء وصالحيتها
اآلتي: بالسُّؤال دارس
القول بوجود "منهج"؟ شعراء شيئًا يمكن أن يدفعنا إلى ْ هل خلف لنا أسالفُنا من النقَّاد واألُدَباء في بحث ال ِ ّ
ش ْعر وال ُّ
ألن الفريق الَّذي يم ِ ّهد للتدابر مع التراث والتَّرويج لمناهج حديثة أو وسواء أكانت اإلجابة إثباتًا أم نفيًا ،سيظل السؤال ملحًّا قائ ًما؛ َّ
ْ
سيضطرون -ربَّما رغ ًما عنهم -لالنشِغال برحلة البَحْث عن اإلجابةُّ مبر ًرا مقنعًا لموقفه ،أ َّما المثبِتون فإنَّهم
وافدة سيجد في النفي ِ ّ
الهزات حيث هي رحلة للبَحْث عن الذَّات ،مدْفوعة بغاية الك ْشف عن موقفِ النَّ ْقد العربي من هذا السُّؤال ،خا َّ
صة في جيل ما بعد َّ ُ من
ّ
العنيفة الناشئة عن استقبال الوافد ،تتأسَّس صفحات البحث الحالي باتِخاذها من نموذج شوقي ضيف ( - 20051910م) الناقد َّ
إرشاديًّا". ً
مرتكزا"
يتبوأ مكانة لديْه تتالءم وخطورته ،فليست هناك أبحاث مستقلَّة ،وليست هناك نصوص مستوعبة أن ذلك السؤال المل ّح لم َّ ُّ
والحق َّ
تصو ًرا مرضيًا عن موقفه إزاء تراث النقَّاد العرب القدماء ومدى ُّ ن نكو
ِّ أن أردنا ما إذا - ْنا
ي عل ّ
ِم تيح نحو على عليه، باإلجابة ت ُ ْعنى
صين ،يقول ضيف في عرضًا في سياق بحوثه المختلفة ،وربَّما كان أه ُّمها ن َّاتِّصاله بالمنهج -أن نلتقط بعض النصوص التي تأتي َ
صل عن المناهج الغربيَّة الحديثة" :وما دمنا نتحدَّث عن المناهج المختلِفة في تحليل األدَب وتقويمه ،فال األول منهما ،بعد حديث مف َّ
َّ
شرح الشعر وتفسيره وبيان معاني ألفاظه بدَّ أن نقِف عند منهج ال يعمد إلى الدِّراسة العا َّمة في األدب واألدباء ،وإنَّما يقف عند ْ
ودالالتها] ،"[1ويقول في اآلخر عن نقَّادنا في القرون الوسطى" :قلَّما وجدوا بيْننا من يُعنى بهم وبأعمالهم ،كأنَّهم كانوا يعيشون
والفن ،ليس له حدود مرسومة وال مناهج موضوعة] ،!"[2مس ِ ّجالً بذلك ن ْعيَه على الذين يهجرونهم وأبحاثهم. ِّ في تيه من األدب
تكرس اإلقرار واإلكبار صين الفائتين تتَّضح لنا مالمح الموقف المتَّخذ إزاء التراث النقدي والمنهج الذي يحتذيه ،وهي مالمح ِ ّ
في النَّ َّ
َّ
ش ْعر ،فأن يس َّمى هذا الطريق الذي سلكه أسالفنا ألن أسالفنا -كما هو مشتهر -قد تركوا تراثًا هائالً في باب شروح ال ِ ّ
آن؛ َّ في ٍ
مصاف المناهج الغربيَّة الحديثة ،بل و ُي ْن َعى على َمن يهجره -هو دليل ب ِيّن ،في رأي البحث ،على َّ
أن النَّاقد ِّ في يوضع وأن ا، منه ًج
كان مِ ن الذين يتبنون إجابة اإلثبات على السؤال؛ لكن تبقى رغم هذا بعض الجوانب المتَّصلة بموقفه ،ال بد أن تتَّسع الحدقة لها
إجمالها: اآلتية العناصر ستتحمل وأشمل، أت َّم نحو على لنَخبره
َّ َّ َّ
لم ينشغل ضيف بالتأصيل النظري لهذه القضية ،وال نكاد بعد هذين النصين نظفر بأي إشارة إلى المنهج في العربيَّة ،الل ُه َّم إال ما
نظرا لقيام أبحاثهم على ً قد يفهم من حديثِه عن تأْثِير العرب في الغربيين المهاجمين للمنطق األرسطي وطريقته في القياس؛
والتجْ ربة[3]. والمالحظة االستِ ْقراء
أن االنشغال بهذه المسألة على هذا النَّحو لن يولِّد قناعات بجدْواهتفسيرا بع ْينِه لصنيع ناقدنا ،فربَّما رأى َّ
ً وليس في أيدينا ما يؤ ّكِد
وأن المنهج األصيل ،بإمكاناتِه وما يمتلك من أدوات وآليات -كفي ٌل بإثبات ذاتِه والحفاظ عليْها ،ر ْغم إقرارا بوجودهَّ ،ً وال حتَّى
ّ َّ
تحدِّيات طوفان المناهج الغامر للسَّاحة األدبيَّة ،أو ربَّما رأى أن في بعض ممارساته من حيث اتِكاؤها على أسس نظريَّة ،ما يحمل
عنه هذا العبء ،وأظهر ما يساق هنا تلك المقارنات التي كان يع ِقدُها بين مقوالت نقَّادنا العرب القدماء ،وما تنادي به المناهج
النقديَّة الغربيَّة الحديثة أثناء التَّعريف بها ،فعبدالقاهر الجرجاني (ت471 :هـ) تقترب نظراته النقدية من مقوالت "المنهج
الجمالي] ،"[4وابن سعيد األندلسي (ت 685 :هـ) يلتقي مع أصحاب "المنهج الطبيعي" ،الذي يرى أن األديب ثمرة من ثمرات
البيئة الزمنيَّة والمكانيَّة] ،[5وابن خلدون (ت808 :هـ) يسبق الناقد الفرنسي هيبوليت تين (ت1893 :م) في اإلقرار بالقوانين التي
تتح َّكم في أدباء كل أ َّمة؛ لكن دون أن يعطيها حتميَّة وال جبريَّة] ،[6من ناحي ٍة أ ُ ْخرى أكثر اتِّساعًا ،يمكن ْإلصاق حديثه عن استواء
ضربًا
صفِه ْ ش ْعريَّة أو إحياء التُّراث وتحقيقه بِمسألتِنا هنا ،إذا كنَّا سنن ُ
ظر إلى "التَّحقيق" بو ْ المنهج العربي في توثيق النُّصوص ال ِ ّ
النصوص[7]. نقد ضروب من
أقر بوجوده في المباحث التي خلفها أسالفنا -كان يتَّسم بغير قليل من يبْدو أن مفهوم المنهج عند ضيف -وكذلك عند ك ِّل َمن َّ
إن استحضار ضيف لما ّ "المرونة" ،فاالختالف و ْحده ليس سبيالً لالفتِراق في الوصف كما َّ
أن االجتماع ليس دائ ًما سبيل االتِحادَّ ،
ي ْ
نشأت فيه ،ولم يتغ َّ صمها عن المناخ الَّذي عند العرب من مقوالت ور ًؤى أثناء الحديث عن المناهج األ ُ ْخرى ،لم يكن معناه ف ْ
سِياق الَّذي أنتجت عبره ،ولم يكن عبثًا بال ُم ْفردات ليصير الم ْنهج شيئًا آخَر غير سيرته األولى؛ ولِذا كان
قراءت َها في م ْعزل عن ال ّ
أن طريقة األبحاث الحِ ْرص على إثبات الفروق الكائِنة بين األطراف المختلفة حا َل اجتماعها ،ونحن نلمح هذا هنا في مالحظته َّ
تناول األدب تغاير طريقة المناهج النقديَّة الحديثة ،من حيث كونُها ال تعمد إلى الدراسة العا َّمة في األدب واألدباء ،على
العربيَّة في ُ
عنها. المنهج بغياب للقول دافعًا يكن لم نظره
ِ وجهة من ذلك َّ
أن
نلمحه أيضًا حين يضع النَّاقد بعض قامات نقديَّة عربية إزاء نظيراتها الغربية ،إذ يمكن للمتأمل أن يلتقي بإشارات ،بعضها صريح
وبعضها ضمني ،إلى عناصر االختالف ،تتجلى حينما نتساءل هل نستطيع التسوية مثالً بين ابن سعيد وأصحاب المنهج الطبيعي؛
"الحس التاريخي"َّ شاعر بصورة معينة؟ إنَّنا ال نجادل في َّ
أن من أجل إدْراكه المب ّكِر لدور البيئة الجغرافيَّة والزمنيَّة في إنبات ال َّ
حاض ًرا ،ال أقول :في عقل ابن سعيد و ْحدَه ،بل في العقليَّة العربيَّة النَّاقدة ،يتَّضح هذا في اعتِمادها ِ سا لهذا المنهج قد كانصفِه أسا ً
بو ْ
الحس لم
َّ أن هذا َّ
أن الذي ينبغي االنتِباه إليْه هو َّ
ُجملة من الم ْعطيات التاريخيَّة لمعالجة قضايا وظواهر ذات صلة باألدب] ،[8غير َّ
مرتكزا على "خلفيَّات فلسفيَّة"؛ ولذلك ظ َّل تعا ُملهم مع النُّصوص عبر هذا الحس ً تصور نظري" مستتبّ ،ولَم يكن يعتمد على " ُّ
لطرفين صفِها استيعابًا َ َّ
"تلقائيًّا" في أغلب األحيان ،وهذا الذي يشير البحْث إليْه هو فحوى نصوص ناقدِنا ،وهنا تبرز المرونة بو ْ
بينَ ُهما . االختِالف بوجود اإلقرار ر ْغم
أن هذا الوضوح لم ينسحِ ب على المدْخَل فيما رأيْنا لقد كان ضيف واض ًحا في اإلبانة عن موقفِه إزاء ما خلَّفه نقَّادنا العرب ،غير َّ
غيره من المف ّكِرين:طرق ،طالما التقيْنا بها عند ِ الَّذي اتَّخذه لتبرير هذا الموقف ،لكن يغلب على ال َّ
ظ ِّن أنَّه قد اتَّخذ لذلك ثالثةَ ُ
الطريق األول :قوامه مقاربة مصطلح المنهج في حضوره المعجمي ،ولما كانت المعاجم العربية في عرضها لهذه اللفظة تطرح
دالالت تكاد تدور حول السبيل والوضوح والبيان] ،[9وهي دالالت تتحقَّق على نحو من األ ْنحاء في األبْحاث النقديَّة العربيَّة
أن المنهج كان موجودًا في هذا الَّذي خلَّفوه. َّ نقرر
ِّ القديمة ،فإنَّه من المنطقي أن
أ َّما ال َّ
طريق الثَّاني ،فيظهر فيه استِدْعاء المصطلح بِمفهومه التُّراثي داخل حقول المعرفة المختلِفة؛ إذ شاع في هذه ال ّ
سِياقات ال
األوليَّة دون كثير انحراف[10]. َّ ِبمعنى خاص يعرقل اتِّساعه؛ وإنَّما بمعنى عام يبدو متكئًا على داللته المعجميَّة
طريق الثَّالث ،فتبرز فيه" أداة السبر ]"[11لما عساه أ َّه َل المناهج النقديَّة لتظفر بهذا الوصف ،وهي العمليَّة التي نرى َّ
أن أ َّما ال َّ
أن المناهج التي وضعت لألدَب ،قديمها وحديثها ،ال تعدو غايتها التوضيح الك ْشف عن نتيجتها قد تمثّل في إخبار ناقدنا َّ
والتقويم] ،[12فيكون من المقبول حينئذ أن تعد الطريقة التي استشرف بها نقَّادنا القدماء ال ِ ّ
ش ْعر والشعراء منه ًجا من المناهج؛ ألنها
لكليهما. أو لتقويمها أو لتوضيحها الغايات؛ بنفس منفعلة معها تعاملت
ظ ِّن في تحقُّق السبر وفقًا لِمعالمها على المستوى الذهنيفإن الَّذي دفع إلى ال َّ
الطرق لم ي ْسلُ ْكها ناقِدُنا كتابيًّا؛ َّ
ُ بالرغم من َّ
أن هذه َّ
أمران:
طلحات ،وميْله إلى التَّحليل والك ْشف عناألول :المعرفة بعزوف ضيف عن اتِّباع طريقة التَّعريف فيما يعرض له من مص َ َّ
َّ
العرض للمصطلح؛ فال يتوقع أن يكون ذلك قد ت َّم دون أن ْ َ َّ َّ ْ
العناصر] ،[13وهو إذ يعدل هنا عن التعريف والتحليل كليْهما أثناء ْ
التُّراثي. أو العرفي أو المعجمي بحضوره يتَّصل
أ َّما األمر اآلخر ،فهو استِ ْحضارنا لما ينطوي عليْه الخطاب من ت َمييز ،حين يستدعي ناقدًا عربيًّا قدي ًما أثناء التَّعريف بمنهج غربي
سها سدًّا لهذه الفجْوة المتولِّدة عن تجاور المنتجات التي تنتمي إلى سياقات غير متجانسة. حديث؛ إذْ تفرض حينَها هذه الطرق نف َ
أن النَّاقد باعتمادها قد تجنَّب فشالً محقَّقًا كان ينتظره هناك ،إذا ما حاول التَّنقيب عن منهج عربي قديم ،يتالقى مع المناهج ُّ
والحق َّ
يتورط في محاكمة الموروث النقدي العربي إليْها ،بتحاشيه عن تثبيت الم ْشهد َّ شكليَّة والموضوعيَّة ،ولم الحديثة في خصائصها ال َّ
النهائي لها وهو يفتِّش عن معيار ما يصح أن يكون منه ًجا؛ باختِصار لقد وجد فيها "بديالً منهجيًّا" ُمري ًحا يرتَكِن إليْه ،ليتَّخِ ذ من
شراكة في منح الوصف. للقول بال َّ
غا ْ شراكة المتحقِّقة فيها ّ ِ
مسو ً ال َّ
معوقان لتوصيفنا الفائت لموقف الناقد من الموروث العربي النقدي وعالقته بالمنهج: ِّ يبقى
األول :يتولد عن الوقوف عند قوله بانشغال المباحث العربيَّة بالنظرة الجزئيَّة وعدم تخليفها "نظريَّة" أو ما يشبه النظريَّة] ،[14إذ
ْ
تعاملت مع أن هذا ال َّ
ظ َّن ال يجد سبيالً إلى األذْهان إالَّ إذا ّ
والحق َّ أن هذا يصطدم مع القول بحضور "المنهج" في مباحثهم، قد يظن َّ
والفرع ،بالمعنى الَّذي يترادف به ذهاب البعض وذهاب الكل ،وإالَّ إذا غفلت عن ْ صل ماهيَّة المنهج على أنَّها ال تخضع لفكرة األ ْ
سا عليْهما منه ًجا من حيث هو ،حتى إذا افترضنا طبيعة المدخَل الموضح آنفًا ومرونة المفهوم لدى النَّاقد ،وإمكانيَّة أن نعد السَّبر تأسي ً
خطواته. بين الظاهر العضوي الترابط من خا ٍل أنه - األحوال أسوأ في -
صريح لوجود منهج في بعض الكتب النقدية القديمة ،مثل قوله عن كتاب العمدة البن رشيق (ت456 :هـ): واآلخر :يتولَّد عن نفيه ال َّ
َّ
"ليس في كتاب العُ ْمدة منهج في دراسة الشعر العربي] ،"[15على أن ذلك يجب أن يفهم في سياقه الخاص ،وما تقتضيه عملية
تقييم كتاب نقدي في ضوء موازنات بينه وبين كتُب سابقة زعم أنَّه يقع دونَها ،إذ يدفعنا هذا إلى ال َّ
ظ ِّن بتحقُّق المنهج فيها هي على
األقل بصورة ما ،أو أن يفهم من نفي المنهج ن ْفي النظرة العا َّمة الكلية للفن ،وربَّما يدل على ذلك قوله" :لم ينظر في صناعة الشعر
نظرا للتَّداخل الحادث
ونقده نظرة عامة شاملة ،وإنَّما هي نظرات جزئية] ،"[16وساعتها نستدعي معالجتنا لإلشكاليَّة السابقة؛ ً
أن نا ِقدَنا قد عاد بأَخَرةٍ فأجْ رى تعديالً على حكمِ ه الفائت؛ ذلك حين سجَّل رأْ َيه في أسباب ذيوع
بينهما في هذه الحالة ،وجدير بال ِذّ ْكر َّ
كتاب العُ ْمدة وانتشاره في اآلفاق ،فكان منها بِحسب ما ذكر :دقة المنهج الذي اتَّبعه ابن رشيق في تأليفه لهذا الكتاب[17].
إن كثرة الدِّراسات التي عُنيت بتجْ لِية هذه الحقيقة لم تشعر إزا َءها بعالقة التب ّنِي التَّا ّم ،فراحت أثناء مباشرتِها للنُّصوص األدبيَّة َّ
تصطنِع ك َّل طريقة سوى أن تكون هي تلك التي يُمكِن أن تنتمي إليْنا أصالة ،بالمعنى الذي حدا بها أن تكون في غالب األحيان
أزمة حقل معرفي ،فبيْنما تؤكد أزمة الهويَّة ال ْمستقرة في ذاكرة األ َّمة ،وهي ظاهرة تختزل ْ َّ مجرد قناعات متولِّدة عن نصوص َّ
المقومات الرئيسة التي بها
ِّ تعوزنا مورة، ع
ْ الم هذه فوق نبيلة غايات من البشري س ْ
ن الج
ِ إليه يطمح ما ْقيق
ح َ ت على مقدرتنا ناُ تخطابا
صحاب هذا االتجاه تتزاوج فيها صياغة المبادئ وتفعيل متحركة حيَّة ،األمر الذي ي ُْلقِي بتبعات ثقيلة على أ ْ ِّ تتراءى نَماذج
اإلجراءات ،حينئذ فحسب يسعنا َّ
الزعم أنَّنا قد فقهنا السؤال.
ــــــــــــــــــــــــ
ص. 56 1962م، القاهرة، المعارف، دار األدبي، النقد في ضيف: ][1شوقي
ص.116 1999م، القاهرة، المعارف، دار والنقد، األدب في ضيف: ][2شوقي
ص.83 1972م، القاهرة، المعارف، دار األدبي، البحث ضيف: شوقي ][3انظر:
َّ
أن "روح العلم التجريبي" كانت سارية في التراث العربي ،في شقيه صدد تكاد تتواطأ على َّ أن عبارات الباحثين في هذا ال َّ ُّ
والحق َّ
النظري والتطبيقي ،من هؤالء مصطفى عبدالرازق ،وينبغي أالَّ يغيب عنَّا أنَّه كان أستاذًا لضيف في كلية اآلداب ،فقد واجه بشدَّة
أن النَّظرمزاعم المست ْشرقين العائدة بتأخر الحركة الفلسفية عند العرب إلى أسباب تنتمي إلى طبيعة العقل المتأثر باألوهام ،مؤ ِ ّكدًا َّ
إن ميول العقلي بدأ في مرحلة مب ّكِرة جدًّا في تاريخ المسلمين بت ْحريض من نصوص الكتاب والسنَّة ،ومعضدًا لرأي َمن قال َّ :
لألول من منهج تجريبي يبتعد عن مثاليَّة اآلخر ،ثم ينفذ بعد إلى مباحث أصول العرب ألرسطو أكثر من أفالطون إنَّما كان لما َّ
الفقه وعلم الكالم متَّخذًا منها ُمجليات لسبق العرب في توظيف أدوات االستدالل ،انظر :مصطفي عبدالرازق :تمهيد لتاريخ الفلسفة
اإلسالميَّة ،مكتبة األسرة (مصورة عن طبعة الثقافة الدينية)2007 ،م ،ص ،301 - 226 ،34 - 7وشوقي ضيف :معي ،دار
شار ،وقد ْتلمذ أيضًا لمصطفى عبدالرازق ،إذ راح المعارف ،القاهرة1980 ،م ،113 ،112 /1 ،ومن هؤالء أيضًا علي سامي الن َّ
سس التي قامت عليها الفلسفة اليونانية ،وما كان من رفضهم للمنطق في َّأول كتاب له يؤ ّكِد هذا القول ببيان ن ْقد المسلمين لأل ُ ُ
صة في علوم الرياضة والطبيعة والكيمياء، األرسطي ،عاقدًا بابًا ختاميًّا يتتبع فيه النماذج التي تجلَّى فيها المنهج التجريبي ،خا َّ
بشهادات من الغربيين أنفسهم ،انظر :علي سامي النشار :مناهج البحث عند مفكري اإلسالم واكتِشاف المنهج العلمي في العالم
اإلسالمي ،دار النهضة العربية ،بيروت ،ط1984 ،3م ،358 - 329 ،انظر أيضًا :مصطفى النشار ،نظرية العلم األرسطيَّة؛
دراسة في منطق المعرفة العلمية عند أرسطو ،دار المعارف ،القاهرة ،ط1995 ،2م ،ص ،174 - 172وعلي جمعان الشكيل :
شار يعرض لجهود أن مصطفى الن َّ الكيمياء في الحضارة اإلسالميَّة ،دار الشروق1989 ،م ،18 - 7 ،وإن كان ينبغي التَّنبُّه إلى َّ
سس أرسطو ،ليتساوق ُ
للتطور العلمي ،بلفظ آخر بوصفهم امتدادًا ال انقِطاعًا أل ُ ُّ مجرد دورة جديدة َّ العرب في سياق أنَّهم يش ّكِلون
طريف في هذا القضية أن نجد بعض المستشرقين ،من مثل جب، ذلك ودفاعه عن منهج أرسطو التجريبي االستقرائي ،ومن ال َّ
يقرون بتجريبيَّة المنهج الذي اعتمده العرب ،ال لشيء إالَّ ليدلِّلوا على طبيعة "بنية العقل العربي الحسي التجزيئي الذري"؛ بحيث
يدرك الحاالت المفردة ويعجز عن إدراك الك ِلّيَّات ،ويميل إلى التعا ُمل مع المحسوس ويعزف عن التجريد ،انظر :جب
(H.A.R.Gibb):االتجاهات الحديثة في اإلسالم ،ترجمة :هاشم الحسيني ،دار مكتبة الحياة ،بيروت1966 ،م ،ص،15 - 13
غير واحد يب ِيّنأن ما يعدُّه بعض الباحثين مفخرة للعرب صار على يديه منطويًا على قصور؛ ولذا تصدَّى له ُ األمر الَّذي يعني َّ
َّ
كثيرا -على أن صفة الذريَّة هذه ليست َّ
مغالطاته ،من مثل مالك بن نبي الذي أكد -رغم ثنائه على كتاب جب وتصريحه بالتقائِه بِه ً َّ
فطريَّة في الفكر العربي ،متَّخذًا أوربا نفسها قبل ديكارت نموذ ًجا لحضانة هذه الصفة أثناء تفكيرها ونشاطاتها ،انظر :مالك بن
نبي :وجهة العالم اإلسالمي ،ترجمة :عبدالصبور شاهين ،دار الفكر ،دمشق2002 ،م ،ص ،18 ،17وإدوارد سعيد الذي وصف
هذه النَّزعة بالعجز أثناء تفسيرها للنتاج الهائل الذي تم َّخض عن الحضارة اإلسالميَّة ،مقي ًما بينها وبين نظرة الغرب المتحيِّز ضد
بنوة ،فالمسألة ال ترتهن بحسبه بمقاييس ومعايير موضوعية بقدْر ارتهانها بقرار معد سلفًا ،لدى جماعة من هؤالء الشرق عالقة َّ
أن الشرق ال بدَّ أن يكون مختلفًا ،انظر :إدوارد سعيد :االستشراق؛ المعرفة السلطة اإلنشاء ،ترجمة :كمال أبو المستشرقين ،مفاده َّ
ديب ،مؤسَّسة األبحاث العربية ،بيروت ،ط2005 ،7م ،ص ،285 - 276 ،131 - 128ومح َّمد قطب الذي ألمح إلى ازدواجيَّة
المكيال الذي يلجأ إليه أثناء الحكم على العقل العربي المسلم؛ فبينما يذ ُّمه لِع ْجزه عن التَّجريد واستِ ْخالص الك ِلّيَّات يذ ُّمه أيضًا ألنَّه
تصور هللا في صورة فوقيَّة سامية تجريديَّة ،انظر :محمد قطب :المستشرقون واإلسالم ،مكتبة وهبة ،القاهرة1999 ،م ،ص. 181
][4انظر :شوقي ضيف :في النقد األدبي ،ص ،166 ،165والبحث األدبي ،ص.125
][5انظر :شوقي ضيف :البحث األدبي ،ص ،92 ،20وراجع أيضا له :في التراث والشعر واللغة ،دار المعارف ،القاهرة،
ص.59 1987م،
.92 ص-88 األدبي، البحث ضيف: شوقي ][6انظر:
][7انظر :شوقي ضيف :في التراث والشعر واللغة ،ص ،48وراجع أيضا له :البحث األدبي ،ص211 -146؛ وهي صفحات
الفصل الذي عقده بعنوان األصول ،وعني أثناءه ببيان جهود أسالفنا العرب في مجال توثيق الدواوين الشعرية وكذا في تحقيق
النسخ المختلفة لها ونشرها ،وغني عن البيان أن النقد؛ بالنظر إلى داللته المعجمية ،تتقاطع مه َّمته في مستوى من مستوياتها مع
فن التَّحقيق قد شاع حديثًا حامِ الً أن َّ وللزائف ،ولعلَّه ال يغيب عن أذْهانِنَا َّ صحيح َّ هذه المجاالت ،إذ تحيل على الكشف والتَّمييز لل َّ
اسم نقد النصوص ،وبه عنون المستشرق األلماني برجستراسر لمؤلفه الرائد في العربية ،راجع :برجستراسر :أصول نقد النصوص
ونشر الكتب ،أعده :محمد حمدي البكري ،دار الكتب المصرية ،القاهرة ،ط1995 ،2م ،ص.13 - 5
األول :نموذج ابن سالَّم الجمحي (ت: ][8يمكن هنا اإلشارة إلى نموذجين من النَّماذج التراثيَّة التي يتجلَّى فيها "الحس التاريخي"َّ ،
شعَراء" ،حين ْيلجأ إلى العامل البيئي أثناء تفسيره لقلة ال ِش ْعر أو كثرته ،ولوعورته أو
ّ َّ شهير "طبقات فحول ال ُّ 231هـ) في كتابه ال َّ
وأن جهاد السبب في قلة نتاجهم الشعريَّ ، َ أن قلة الحروب التي خاضتها قريش كانت هي َّ ليونته ،فهو -على سبيل التمثيل -يرى َّ
المسلمين في صدر اإلسالم هو الذي أدى إلى انشغالهم عن الشعر ،ومن ثم ضياعه لشفاهية روايته وقتئذ ،وأيضًا حين يعرض إلى
شعراء معتمِ دًا على "التحقيب الزمني"؛ فهناك الجاهليون والمخضرمون واإلسالميون ،وربَّما بدا األمر جليًّا إذا ما تأ َّملنا لفظة ال ُّ
ظر النَّاقد ذي الحس التاريخي؛ ألنَّهم -بحسب المخضرمين ،فهم مسلمون ال شكَّ ،لكنَّهم ليْسوا كاإلسالميين في تكوينهم من وجهة ن َ
توصيفه " -الذين كانوا في الجاهليَّة وأدركوا اإلسالم" ،وحين ينضوي بعض هؤالء تحت عنوان طبقة شعراء القرى العربيَّة يتأ َّكد
وشعرهم ،انظر :ابن سالم ال ُج َمحي :طبقات فحول ِ شعراء أن نظر النَّاقد لم يكن يغفل أثناء ْتوزيعه تأثير البيئة المكانيَّة في ال ُّ لنا َّ
الشعراء ،تحقيق :محمود شاكر ،دار المدني ،جدة ،د.ت ،247 ،215 ،46 ،25 /1 ،والنموذج اآلخر :نموذج الثعالبي (ت429 :هـ)
الرابع الهجري وأوائل الخامس ،من أسس تعتمِ د في كتابه "يتيمة الدَّهر أو تت َّمتها" ،إذ ينطلق في دراسة األدباء لعصره؛ القرن َّ
"التوزيع اإلقليمي الجغرافي" لهم ،فهناك جزء للشام ومصر والموصل ،وجزء للعراق ،وجزء ألهل الجبال وفارس وجرجان
صلة الوطيدة التي تجمع بين الفنان وطبرستان ،وجزء لخراسان وبالد ما وراء النهر ،وهكذا؛ األمر الذي يعكس الوعي المبكر بال ِ ّ
والوسط الذي ينشأ فيه ،انظر :الثعالبي :يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر ،تحقيق :محي الدين عبد الحميد ،مطبعة السعادة،
.22 ،21 /1 1956م، القاهرة،
][9راجع :ابن منظور المصري :لسان العرب ،تحقيق :عبدهللا علي الكبير ومحمد أحمد حسب هللا وهاشم محمد الشاذلي ،دار
4555. ص،4554 ت، د. القاهرة، المعارف،
صين ينتميان إلى سياقات مختلفة وأزمنة متغايرة ،في حين يكشف التعامل َّ ن عند ف َّ ق نتو أن - التمثيل سبيل على - هنا يمكن ][10
األول نص لعلي بن عبدالعزيز الجرجاني (ت: مع اللفظة أنه لم ينحرف بها دالليًّا أو يضفي عليها صبغة اصطالحية معيَّنةَّ ،
392هـ) أثناء دفاعه عن بعض ت ْعقيدات المتنبي (ت354 :هـ) ،يقول فيه" :ومتى وجدتك تحتمل للفرزدق قوله ..وال تسلك بأبي
صب مائل ،ومتحامل جائر" ،انظر :الجرجاني :الوساطة بين المتنبي الطيِّب هذا المسلك ،وتحمله على هذا المنهج ،علِمت أنَّك متع ِ ّ
وخصومه ،تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي ،المكتبة العصرية ،بيروت2006 ،م ،ص345؛ باختِصار،
نظرا لألبيات التي حذ ْفناها وهي هُنا بحسب ف ْهم البحث توجه إلى أحد احتمالين ،كل منهما يؤكد الزعم ،فإ َّما أنَّها -وهو أرجح ً
تقصد إلى طريقة الفرزدق في القول وتصرفه في التعبير ،وكأنَّها حينها تترادف مع المذهب أو االتجاه ،وإ َّما أن تكون ِصارا ِ -اخت ً
البن األزرق ( ت: ِ اآلخر صّ َّ نوال الوتيرة، مستتبَّ ليس ان بميز الشاعرين من كل قيد ع
ْ ت مع عاطي َّ تال في الخصم طريقة إلى قاصدة
َّ
896هـ) في ميدان السياسة الشرعيَّة ،أو باألحْ رى "علم االجتماع السياسي" ،يقول فيه" :الركن التاسع :رعاية السياسة ،وللنَّظر
فيها منهجان ،أحدهما بحسب المعتمد منها عقالً ،واآلخر من جهة المعتبر منها شرعًا" ،انظر :ابن األزرق :بدائع السلك في طبائع
الملك ،مكتبة األسرة ،القاهرة2007 ،م ،ص ،140وهي هنا ال تعدو أن تكون بمعنى الجهة أو الطريقة.
صر الجهات التي قد تعود إليها العلَّة في الحكم والوصف، " ][11السبر" :مصطلح يُشير إلى عمليَّة تتلو عمليَّة التقسيم ،أو ح ْ
وقوامه االختِبار لهذه الجهات واحدة ْتلو األخرى ،فإذا انتقض بعضها تعين وانحصر في الباقية ،وقد جعله الغزالي أحدَ الموازين
صل أثناء المناظرة إلى إثبات حكم أو إبطال دعوى ،وربَّما عرض له تحت اسم "التعاند" ،وهو يكافئ الخمسة للعقليَّات التي بها يتو َّ
المتكون من مقدِّمة تحتوي على قضيَّتين متناف َِرتين ،أو ربَّما أكثر ،على ِّ المنفصل"، رطي َّ
ش ال "القياس عند المناطقة ما يعرف باسم
نَحْو يلزم منه ن ْفي إ ْحداهما إثبات األخرى ،وهذا هو دور المقدِّمة الثانية ،لتنتج من ثم النتيجة ،انظر :أبو حامد الغزالي :أساس
القياس ،تحقيق :فهد محمد السدحان ،مكتبة العبيكان ،الرياض1993 ،م ،ص.31 ،24 -20
][12انظر :شوقي ضيف :البحث األدبي ،ص ،145وفي النقد األدبي ،ص.46 ،9
][13ال بدَّ هنا من استحضار انتقاد ضيف للعقلية التي تركن في بحثها إلى "آلية التعريف" ،إذ وصف ذلك بأنَّه انشِغال بفلسفة
أن الجانب الذي يمكننا االطمِ ئْنان إليه في البحث ،حتَّى لو كان في المعنويَّات، الحقائق قبل االنشغال بالحقائق نفسها ،وأ َّكد على َّ
إنَّما هو الجانب التجريبي ،الذي يقوم على التَّحليل وردّ األمور إلى عناصرها وموادِّها التي يتألَّف منها ،وبهذه الطريقة يت ُّم
االقتراب من ماهيَّة األشياء والتَّعليل والربط بين األفكار ،انظر :شوقي ضيف :في األدب والنقد ،ص.76 ،50 ،30 ،29
انظر :شوقي ضيف :في النقد األدبي ،ص .31وربَّما يذكرنا طرح ضيف لمسألة النَّظرة الجزئية ،التي تمتع بها العرب في
أن ضيف هنا ال يرتب مر بنا من حديث عن زعْم المستشرق جب حول عجز العقلية العربية عن إدراك الكليات ،بيد َّ أبحاثهم ،ما َّ
أن العرب خلفوا تراثا ضخ ًما في خصائص الكلِمات على حديثه ما يفهم منه هذا أو شيء منه ،بدليل أنَّه يقرر في نفس الصفحة َّ
كثيرا من األحكام العا َّمة ،غير أنَّها بحسبه والعبارات األدبيَّة ،غير أنَّه يسجل عليْه اتِّصاله بالبالغة أكثر من النقد ،وكذلك تركوا ً
تجري في جمل مر َّكزة قلَّما تحلل ،ويستثني عبدالقاهر الجرجاني من سياق حكمِ ه الفائت على طبيعة المالحظات ،وإن كان
يصنف جهوده هو اآلخر في ميْدان البالغة ال النقد الخالص ،فالمسألة عند ضيف لم تكن مسألة جنس شرقي أو عقل شرقي كما
أن هذه الممارسات قد تش َّكلت في مناخ لم يتواءم والروح الفلسفيَّة، مجرد مالحظة مفادها َّ َّ هي عند جب ،وإنَّما كانت فيما يظهر
تلك الروح المسلّطة على بعث النظريَّات من كمونِها.
][14انظر :شوقي ضيف :في النقد األدبي ،ص .31وربَّما يذكرنا طرح ضيف لمسألة النَّظرة الجزئية ،التي تمتع بها العرب في
أن ضيف هنا ال يرتب مر بنا من حديث عن زعْم المستشرق جب حول عجز العقلية العربية عن إدراك الكليات ،بيد َّ أبحاثهم ،ما َّ
َّ َّ
على حديثه ما يفهم منه هذا أو شيء منه ،بدليل أنه يقرر في نفس الصفحة أن العرب خلفوا تراثا ضخ ًما في خصائص الكلِمات
كثيرا من األحكام العا َّمة ،غير أنَّها بحسبه والعبارات األدبيَّة ،غير أنَّه يسجل عليْه اتِّصاله بالبالغة أكثر من النقد ،وكذلك تركوا ً
تجري في جمل مر َّكزة قلَّما تحلل ،ويستثني عبدالقاهر الجرجاني من سياق حكمِ ه الفائت على طبيعة المالحظات ،وإن كان
يصنف جهوده هو اآلخر في ميْدان البالغة ال النقد الخالص ،فالمسألة عند ضيف لم تكن مسألة جنس شرقي أو عقل شرقي كما
أن هذه الممارسات قد تش َّكلت في مناخ لم يتواءم والروح الفلسفيَّة، مجرد مالحظة مفادها َّ َّ هي عند جب ،وإنَّما كانت فيما يظهر
تلك الروح المسلّطة على بعث النظريَّات من كمونِها.
][15شوقي ضيف :في األدب والنقد ،ص.123
][16شوقي ضيف :النقد ،ص ،118وانظر :في األدب النقد ،ص.122
][17انظر :شوقي ضيف :تاريخ األدب العربي ،دار المعارف ،القاهرة1992 ،م.187 /9 ،
أن ابن رشيق ليست له صورة واحدة في نتاج ناقدنا وقد توقفت عند حالة ابن رشيق القيرواني في بحث سابق منشور ،موض ًحا َّ
بل صورتان :األولى :هي صورة النَّاقد الذي ال يطيل النظر في آرائه وال يتعمق في أفكاره ،وبالطبع ليس بمقدوره تحسس
الفروق الدقيقة بين االتجاهات الفنية ،ويزيد من مأزقه أنَّه لم يحسن تبويب كتابه العمدة ،واألخرى :هي صورة النَّاقد الممتع
المحسن في ترتيب كتابه البديع والمتبع منه ًجا دقيقًا في العرض ،وبينما تقوم سلسلة تاريخ األدب بعرض هذه الصورة المشرقة،
فإن جميع كتابات الناقد األخرى كانت تكرس للصورة القاتمة ،وقد حاولت في هذا البحث أن أحدِّد العوامل التي أدَّت إلى هذا
التغيُّر الحادث في التفاريق والمكونات؛ بمراعاة تأخر تاريخ نشر هذا الجزء الخاص به في السلسلة ،فعدت بها حينها إلى ثالثة
عوامل؛ هي عامل الزمن :وما ينطوي عليه من نشر تراث كان في تعداد المخطوطات البن رشيق ،أخص بالذكر كتاب أنموذج
الزمان ،ومن إتاحة الفرصة لضيف حتى يرى ابن رشيق في سياق موازنة بينه وبين نقاد العربية الذين عرف بهم في السلسلة
نظرا النشغاله في هذه المدة باألدب في نفسها ،وعامل المادة العلمية :إذ بدأت تتوطد صلة الناقد بكتب ابن رشيق بصورة أعمقً ،
المغرب العربي اإلسالمي ،وعامل المنهج :إذ بدا ضيف عازفًا عن االعتماد على المناهج التي تقارب النقاد بوصفهم ثمرة
لإلقليم الذي نشؤوا فيه أو أسرى لظرفهم التاريخي ،وهو األمر الذي كان متوفّ ًِرا فيما كتب قبالً ،انظر :أحمد سمير المرسي:
شوقي ضيف ومشروع التعريف بنقاد العرب القدماء ،ضمن كتاب المؤتمر العاشر لدار العلوم بالفيوم ،جامعة الفيوم2008 ،م،
صا بابن
أن هذا الموقف المستهجن كان خا ًّ ،1335 ،1329 /2والمصادر المثبتة في هذه الصفحات ،ويعنينا هنا التأكيد على َّ
رشيق ،وهذا وحده يؤكد -بمفهوم المخالفة -اطراد نظرة ناقدنا ال ُم ِجلَّة للمنهج الذي خلفه األسالف ،فكيف إذا كان هذا الموقف
نفسه قد تبدل وآل إلى استحسان وقبول؟!