Professional Documents
Culture Documents
التناوب الدلالي للصيغ القرآنية في القرآن
التناوب الدلالي للصيغ القرآنية في القرآن
إعداد
د .دوكوري ماسريي د .عبد هللا أمحد البسيوين
األستاذ املساعد بكلية اللغات األستاذ املساعد بكلية اللغات
جامعة املدينة العاملية -ماليزاي جامعة املدينة العاملية -ماليزاي
امللخص
تُعىن هذه الدراسة ببيان ظاهرة تناوب الصيغ الصرفية ،وآراء العلماء فيها بطرح األمثلة هلا،
وتتبع شواهدها من القرآن الكرمي يف قراءاته املتواترة؛ وقد أدركنا من خالل تطبيقنا هلذه الظاهرة
على أ ّن مثة ألفاظ ترد فيها قراءاتن فأكثر بصيغ خمتلفة ،ومع ذلك تؤدي معىن واحد أو متقارب،
ورمبا تكون الصيغة واحد ة ولكنها تعطي معىن صيغة أخرى؛ كما وجدان كذلك تعدد الصيغة
يف املبىن الواحد مع ثبات الداللة أو اختالفها.
حت لنا
وض ْ ومن هنا ظهرت لنا أمهية دراسة التناوب الداليل للصيغ الصرفية اليت ّ
العالقة بني الصيغة والداللة ،وجعلنا نؤّكد بكل أرحييّة ذلك الرتابط القوي بني مستوايت اللغة
وعناصرها الداخلية؛ مما جعل طبيعة البحث ينحو حنو منهج االستقراء والتطبيق؛ وذلك
ابستقراء الصيغ الصرفية من مظاهنا األصلية ،وما ذكره العلماء من توضيح لدالالهتا ،وما يطرأ
عليها من عالقة تناوب أو جتاذب أو تباين ،ومن مث تطبيق ذلك كلّه على نصوص القرآن
الكرمي؛ مما جعل البحث يصل إىل نتائج كشف النقاب عن :جهود العلماء قدميا وحديثا يف
أقر أن العرب توسعوا يف توظيف الصيغ الصرفية تلمس دالالت أبنية العربية ،كما أ ّن البحث ّ
إلفادة معان متعددة غري معانيها املوضوعة هلا ،وأنّه ميكن إحلاق ذلك ابلعوامل اليت تكسب
اللغة مرونة واتساعا واهتماما ابملعىن وتنوعا يف األساليب.
وأقرت الدراسة -أيضا مقولة الرضي اليت أوردها لبيان أن الزايدة على الصيغة يف املبىن لن
ختلو عن معىن زائد ،قد يكون للتوكيد على األقل.
من النتائج اليت توصلت إليها هذه الدراسة الفروق الداللية املرتتبة على اختالف الصيغ
الصرفية للفظ ،وما خالف القياس اللغوي يف ذلك؛ ومن جمموع تلك النتائج توصل البحث إىل
توصيات أمهها :حث الباحثني والدراسني اللغويني على االهتمام بدراسة النحو يف ظالل
القراءات القرآنية؛ وذلك ملكانة هذا املصدر يف جمال االستدالل اللغوي وتوجيهاهتا ،كما حثت
الدراسة الباحثني على االهتمام ابللهجات العربية؛ ألهنا األصل يف حل كثري من األلغاز
اللغوية؛ حيث إن القرآن الكرمي وقراءاته قد أثبت مشوله ملعظم هلجات.
الكلمات املفتاحية :التناوب الداليل -الصيغ الصرفية.
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
- 1أبو البقاء الكفوي ،الكليات ،معجم يف املصطلحات والفروق اللغوية ،حتقيق :عدانن درويش -حممد املصري ،دار
النشر :مؤسسة الرسالة -بريوت 1419 -ه 1998 -م.326 /5،
- 2أبو الفتح عثمان بن جين ،اخلصائص ،حتقيق :حممد علي النجار ،بريوت ،دار اهلدى للطباعة والنشر ،الطبعة الثانية،
.98/3
391
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
2 .1أمهية املوضوع:
يربط موضوع هذا البحث علم الداللة بعلم الصرف ،وهبذا تنعكس القيمة احلقيقيّة اليت
من أجلها أنشئ علم التصريف؛ حيث كانت غاية علم التصريف عند علمائنا القدماء ،هو "
حصول املعاين املختلفة املتشعبة عن املعىن الواحد"( )1ويعين ذلك أن اختالف صيغ املادة
الواحدة راجع إىل اختالف معانيها؛ فنجد مثال مادة فهم ختتلف صيغها ابختالف معانيها،
فتصبح امسا للفاعل يف بناء فاهم ،وللمفعول يف بناء مفهوم وصيغة للمبالغة يف بناء فهامة،
وهكذا كل بناء خيتلف معناه وداللته عن غريه.
وقد بذل القدماء جهودا مضنية يف حتديد تلك الصيغ وتصنيفها وفقا لبنائها الصريف
ومفهومها
الداليل يف فئات مستقلة ،لكننا نرى من خالل الواقع اللغوي أن بعض هذه الصيغ تؤدي
معاين صيغ
أخرى وهو ما يسمى ابلتناوب الداليل يف الصيغ أو تقارض الصيغ الصرفية ،وقد فطن
القدماء إىل ذلك ،كما ذكران سابقا ،وتوالت جهود احملدثني يف تلمس معاين أبنية العربية ،وعلى
رأسهم الدكتور فاضل السامرائي يف معاين األبنية يف العربية وبالغة الكلمة يف التعبري القرآين،
لكن جهوده احنصرت يف إيراد املعاين املختلفة للبناء الواحد ،ومل يتطرق إىل تناوب هذه األبنية
والعالقة بينها(.)2
3 .1أهداف الدراسة:
هتدف هذه الدراسة إىل دقيق ما أييت:
أ -تتبع آراء اللغويني يف ظاهرة التناوب بني الصيغ بتلمس سبل العالقة بني األبنية ،وطرح
آراء العلماء حول هذه الظاهرة.
-3اإلمام بدر الدين حممد بن عبدهللا الزركشي .الربهان يف علوم القرآن :حتقيق :حممد أبو الفضل إبراهيم القاهرة .دار
الرتاث 1376ه 297/1.
( )2فاضل السامرائي( ،معاين األبنية العربية) ،حبث نشر جبامعة بغداد ،طبعة .1987 -1401
392
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
ب -دراسة ظاهرة التبادل الصويت من خالل تطبيقها على نصوص القرآن الكرمي بقراءاته
املتواترة.
1.4منهج الدراسة:
نظرا لطبيعة البحث والغرض الذي يسعى الباحثان يف حتقيقه؛ التزم البحث مبنهج مجع بني
الوصف واالستقراء والتطبيق؛ وذلك من أجل استقراء الصيغ الصرفية اليت يعرتيها التبادالت
الداللية ،ومجع ما قاله العلماء يف دالالهتا؛ مرتبطا ذلك كله ابلقرآن الكرمي كمجال لتطبيق ما
مت استقراؤه من ظواهر التبادل الداليل ،ومتمثال آبراء علماء اللغة واملفسرين.
1.5الدراسات السابقة :
ابلرغم من تعدد البحوث اليت تناولت الصيغ الصرفية من قبل إال أن هذا البحث ينحو
منحى جديدا يف عرض هذه القضية متخذا من التناوب بني هذه الصيغ الفكرة الرئيسية له،
ومطبقا ذلك على القرآن الكرمي بقراءاته املتواترة ،ومن أبرز الدراسات اليت عرضت لألبنية
الصرفية وربطت بينها وبني معانيها:
-1حبث ابسم( :الوحدات الصرفية ودورها يف بناء الكلمة العربية) للدكتور :أمحد عبد
العظيم ،دار النصر للنشر والتوزيع جبامعة القاهرة ،د .ت.
-2حبث ابسم) :معاين األبنية العربية) للدكتور :فاضل صاحل السامرائي ،نشر جبامعة
بغداد ،طبعة .1987
-3حبث ابسم):ظاهرة التحويل يف الصيغ الصرفية) للدكتور :حممود سليمان ايقوت،
صدر عن دار املعرفة اجلامعية ،ابإلسكندرية 1985م.
-4حبث ابسم ( :دور البنية الصرفية يف وصف الظاهرة النحوية وتقعيدها) للدكتورة:
لطيفة إبراهيم النجار ،صدر عن دار البشري ابألردن ط 1414ه 1994م.
وقد عرضت هذه البحوث مجيعا للصيغ الصرفية ومعانيها الداللية ،ولكنها مل تتناول
الفكرة الرئيسة هلذا البحث ،وهي قضية التناوب الداليل بني الصيغ الصرفية ،وهي القضية املعين
مبعاجلتها هذا البحث ،بيد أن هناك دراسة تناولت قضية التناوب الداليل؛ وهي دراسة
393
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
"التناوب الداليل بني صيغ الوصف العامل" ،للدكتور طه حممد اجلندي ،فرق فيها بني
مصطلحني؛ مها التناوب الداليل والتناوب الوظيفي( ،)1واقتصر يف دراسته على التناوب الداليل
بني صيغ الوصف العامل ،وحنا يف حبثه منحى خيتلف عن هذا البحث؛ حيث ذكر األبواب من
اسم الفاعل واسم التفضيل وغريها من أبواب الوصف العامل ،مث يذكر البناء ويتتبع داللته
ويذكر املعاين اليت يشرتك فيها مع األبنية األخرى ،وهذا -كما يبدو -خمالف ملنهج هذه
الدراسة اليت انفردت بتناول قضية التناوب بني الصيغ من ثالث زوااي مل تتطرق إليها الدراسات
السابقة جمتمعة ،مطبقة بشواهد من القرآن الكرمي ،وذلك عر ثالثة مباحث هي:
املبحث األول :الرتادف بني الصيغ.
املبحث الثاين :عدول الصيغة عن معناها األساسي.
املبحث الثالث :اختالف الصيغة يف املبىن الواحد.
1.6هيكل الدراسة:
اقتضت طبيعة املنهج الذي سار عليه هذا البحث أن تقوم هيكلة البحث على ثالثة حماور
أساسية؛ حمور يتناول الدراسة التمهيدية؛ وفاقا ألدبيات البحث العلمي املعاصر ،وحمور ٍ
ثن ّ
تتخلله تقسيمات فرعية ،يعىن بعرض مباحث التبادل الداليل للصيغ الصرفية ،وطرح آراء
العلماء حوله ،ومن مث ذكر مناذج تطبيقية له من القرآن الكرمي؛ وحمور أخري يناقش النتائج
والتوصيات.
1.7تقسيمات الدراسة:
يقوم هذا البحث على التقسيمات التالية:
احملور األول :دراسة متهيدية:
1.1املق ّدمة.
1.2أمهية الدراسة.
1.3أهداف الدراسة.
( )1للدكتور طه حممد اجلندي ،التناوب الداليل بني صيغ الوصف العامل ،دار الكتب املصرية1998 ،م.
394
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
1.1منهج الدراسة.
1.1الدراسات السابقة.
1.1هيكل الدراسة.
1.1تقسيمات الدراسة.
احملور الثاين :مباحث الدراسة:
2.1الرتادف بني الصيغ.
2.2عدول الصيغة عن معناها األساسي.
2.3اختالف الصيغة يف املبىن الواحد.
احملور الثالث :النتائج والتوصيات:
3.1النتائج.
3.2التوصيات.
3.3فهرس املصادر واملراجع.
395
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
( )1ينظر :أبو عبد هللا حممد بن أمحد بن أيب بكر ،اجلامع ألحكام القرآن أتليف :القرطيب؛ حتقيق :هشام مسري البخاري،
الناشر :دار عامل الكتب ،الرايض ،اململكة العربية السعودية ،الطبعة1423 :ه 2003 /م ،56/9 ،وتفسري البحر
احمليط ،أتليف :حممد بن يوسف الشهري أبيب حيان األندلسي ،حتقيق :الشيخ عادل أمحد عبد املوجود -الشيخ علي
حممد معوض ،شارك يف التحقيق :د .زكراي عبد اجمليد النوقي ،د .أمحد النجويل اجلمل ،دار النشر :دار الكتب العلمية
لبنان ،بريوت ،الطبعة األوىل 1422ه 2001-م ،112/1 ،واللباب يف علوم الكتاب ،أتليف :أبو حفص عمر بن
=
396
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
وقد أ ّكد الصرفيون -كذلك -جميء استفعل مبعىن أفعل؛ قائلني :يقول رضي الدين
األسرتآابذي يف شرحه لشافية ابن احلاجب :تقول :استخرجت الوتد ،وال ميكن هاهنا طلب يف
احلقيقة ،كما ميكن يف "استخرجت زيدا" إال أنه مبزاولة إخراجه ،واالجتهاد يف حتريكه؛ كأنه
طلب منه أن خيرج ،فقولك "أخرجته" الدليل فيه على أنك أخرجته مبرة واحدة أو مع اجتهاد،
أخرجت؛ وهذا ما أ ّكده علماء اللغة املعجميون،
ُ خبالف استخرج"()1؛ فجاء استخرجت مبعىن
واملعاصرون()2؛ يقول الدكتور عبده الراجحي" :وقد أييت استفعل مبعىن أفعل مثل :أجاب
واستجاب -أيقن واستيقن"(.)3
على أن هذه الصيغ املزيدة حينما تقع يف موضع اجملرد فإهنا إ ْن عدمت الداللة على
تكثري م عناه أو املبالغة فيه ،فإهنا ال تعدم الداللة على أتكيده ،كما يؤكد ذلك الرضي بقوله:
"اعلم أن املزيد فيه لغري اإلحلاق البد لزايدته من معىن؛ ألهنا إن مل تكن لغرض لفظي كما
كانت يف اإلحلاق وال ملعىن كانت عبثا ،فإذا قيل مثال:إن أقال مبعىن قال فذلك منهم تسامح
(م ْن) يف ( ﭯ ﭰ ﭱ) يف العبارة ،وذلك على حنو ما يقال :إن الباء يف (ﭘ ﭙ) و ِ
زائداتن ملا مل تفيدا فائدة زائدة يف الكالم سوى تقرير املعىن احلاصل وأتكيده ،فكذا البد يف
=
علي ابن عادل الدمشقي احلنبلي ،حتقيق :الشيخ عادل أمحد عبد املوجود والشيخ علي حممد معوض ،دار النشر :دار
الكتب العلمية -لبنان ،بريوت ،الطبعة األوىل 1419 -ه 1998 -م .605/7 ،ينظر :املصدر السابق نفسه،
وأحكام القرآن البن العر (حممد بن عبد هللا األندلسي) الناشر :دار الكتب العلمية ،18/3 :وتفسري السراج املنري،
أتليف :حممد بن أمحد الشربيين ،دار النشر :دار الكتب العلمية ،41/3 ،ونظم الدرر يف تناسب اآلايت والسور،
أتليف برهان الدين أيب احلسن إبراهيم بن عمر البقاعي ،حتقيق :عبد الرازق غالب املهدي ،دار النشر :دار الكتب
العلمية -بريوت 1415 -ه 1995 -م .348/5 :
( )1ينظر :شرح شافية ابن احلاجب أتليف :رضي الدين حممد بن احلسن االسرتآابذي ،حتقيق :حممد نور احلسن ،وحممد
الزفزاف ،وحممد حمىي عبد احلميد ،الناشر :دار الكتب العلمية ،بريوت لبنان ،الطبعة األوىل1975-1395 :م :
.110/1
الرزاق احلسيين) ،الناشر دار اهلداية :
حممد بن عبد ّ
حممد بن ّ( ) )2ينظر :اتج العروس من جواهر القاموس ،للزبيدي ( ّ
،522/11ولسان العرب البن منظور مادة (س/خ/ر) (خ/ل/أ).
( )3ينظر :التطبيق الصريف أتليف د /عبده الراجحي ،دار املعرفة اجلامعية ،اإلسكندرية [د.ط] ،ص.41
397
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
( - )4شرح شافية ابن احلاجب أليب الفضائل رضي الدين احلسن األسرتآابذي.83/1 :
( )5ينظر :جامع البيان يف أتويل القرآن ،للطربي (حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب اآلملي ،أبو جعفر الطربي)،
حتقيق :أمحد حممد شاكر ،الناشر مؤسسة الرسالة ،الطبعة األويل 1420ه 2000-م ،526/16 :وينظر :
. 204/13وينظر :تفسري الفخر الرازي ( ،حممد بن عمر بن احلسني ) ،دار النشر /دار إحياء الرتاث العريب :
.67/19
( )1ينظر :تفسري القرآن العظيم البن كثري (أبو الفداء إمساعيل بن عمر بن كثري القرشي الدمشقي) ،حتقيق :سامي بن
حممد سالمة ،الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع ،الطبعة الثانية1420 :ه1999 -م .479/3 :
( )2ينظر :املصدر السابق.479/3 :
( )3ينظر :خمتار الصحاح ،حممد بن أ بكر بن عبودالقادر الرازي ،حتقيوق :حممود خاطر .الناشر :مكتبة لبنان انشرون -
=
398
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
ابلتشديد ،اندى ،وقال قوم :آذن وأذن مبعىن أعلم؛ كما يقال :أيقن وتيقن()4؛ وقد ذكر أبو
علي الفارسي أن الفعل) أتذن( يف اآلية السابقة ،ورد مبعىن (آذن( ،ووزن تفعل من معانيه
مطاوعة أفعل" ،وهو يدل على الرغبة يف حصول الفعل واجتهاده يف سبيل ذلك ،وال يكون
ذلك إال يف الصفات احلميدة مثل::تصرب تشجع -جتلد -تكرم"(.)5
كما ذكر اإلمام الفخر الرازي الرتادف بني الصيغتني يف قوله" :وقوله (أتذن) مبعىن آذن
أي أعلم ،وبناء (تفعل) هنا ليس معناه أنه أظهر شيئا ليس فيه ،بل معناه (فعل)"( ،)6فقد
أجري ُجمرى فعل القسم كعلم هللا وشهد هللا؛ ولذلك أجيب مبا جياب به القسم"(.)7
()8
وصرح أبن (تفعل) يكون مبعىن (أفْعل)؛ حنو ّ ، علي
ّ يبأ مذهب وقد أ ّكد الثعاليب
تعلم مبعىن أعل ْم؛ مستشهدا لذلك بقول الشاعر:
() 1
وأ ّن هلذه الغم ِر انقشاعا الشر خريا
تعل ْم أن بعد ّ
انتهى كالمه"؛ وقال يف معجمه" :رمبا قالت العرب يف معىن أفعلت :تفع ْلت؛ ومثله
أ ْوعدين وت وعدين؛ وهو كثري"(.)2
=
بريوت ،الطبعة طبعة جديدة 1995- 1415،م( ،أ/ذ/ن) ،و معجم مقاييس اللغة (أبو احلسني أمحد بن فارس بن
زكراي ) ،حتقيق :عبد السالم حممد هارون ،الناشر :دار الفكر الطبعة1399 :ه 1979 -م ( :أ/ذ/ن) ،77/1 :
ولسان العرب البن منظور ( حممد بن مكرم بن منظور األفريقي ) ،الناشر :دار صادر -بريوت الطبعة األوىل :
(أ/ذ/ن) ،وكتاب الكليات .أليب البقاء الكفوي ،ص .489
( )4اجلامع ألحكام القرآن الكرمي -املعروف بتفسري القرطيب -أتليف :أيب عبد هللا حممد بن أمحد األنصاري القرطيب
(ت 671ه ) ،دار النشر :دار الشعب -القاهرة.309/7 ،
( )5التطبيق الصريف ،ص .39
( )6تفسري الفخر الرازي املعروف ابلتفسري الكبري ،دار النشر /دار إحياء الرتاث العريب.34/15 ،
( )7الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل -أتليف /أيب القاسم جاد هللا حممود بن عمر الزخمشوري
اخلووارزمي(ت 538ه) ،حتقيق عبد الرازق املهدي ،دار النشر :دار إحياء الرتاث العريب -بريوت 163/2
( )8ينظر :كتابه فقه اللغة وأسرار العربية فقه اللغة وأسرار العربية ،حتقيق :ايسني األيويب ،الناشر :املكتبة العصرية الطبعة
الثانية1420 ،ه 2000/م-61( .فصل يف أبنية األفعال ) ص .410
( )1البيت للقطامي (عمري بن شييم (ت101ه) ،يف ديوانه :ص ،35نقال عن حمقق الصاحيب يف فقه اللغة العربية البن
فارس (أيب احلسن أمحد بن فارس ) ،ص ،170وينظر :فقه اللغة وأسرار العربية ص.410
(( )2ينظر :معجم مقاييس اللغة(أبو احلسني أمحد بن فارس بن زكراي) ،حتقيق :عبد السالم حممد هارون ،الناشر :دار
=
399
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
وقد عرب رضي الدين االسرتابذي عن سر هذا التبادل الداليل بني هاتني الصيغتني؛
وذلك حني أشار قائال" :وقوهلم مبعىن أفعل حنو؛ (ختاطأ) مبعىن (أخطأ) مما ال جدوى له،
ألنه إمنا يقال هذا الباب مبعىن ذلك الباب إذا كان الباب احملال عليه خمتصا مبعىن عام
مضبوط بضابط فيتطفل الباب اآلخر عليه يف ذلك املعىن ،أما إذا مل يكن كذا فال فائدة
فيه"(.)3
اثلثا :أفْـ َعل مبعىن فَـ َعل:
ومن مناذج ذلك يف القرآن على سبيل التمثيل والتوضيح ال احلصر:
أ-قول هللا تعايل (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [ البقرة] :؛ قال ابن األنباري" :وقد يكون
أصرب مبعين صرب وكثريا ما يكون أفعل فعل حنو أكرم وكرم ،وأخرب وخرب"(.)4
ب-وقوله تعاىل (:ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ) [األعراف]22 :؛ قرأ الزهري:
ووجهت القراءة على أهنا من ابب "أفْ عل مبعىن ف عل"(.)5 ُ ِ ِ ِ
(خيْصفان) م ْن أخصف؛ ُ
د-وقوله تعاىل ( :ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [ الطور ]45/؛ وقُرأ
صع ُقون) قال السمني احلليب " :وقراءة السلمي ْتؤِذن أن أفْ عل مبعىن ف عل"(.)6
(يُ ْ
ت) ابلفتح( ،)7فمن
ج-وقول هللا تعاىل (ﭳ ﭴ) [املؤمنون ،]20 :وقرئ (ت ْن بُ ُ
فتح التاء كان الباء للتعدية ،ومن ضم التاء فله وجهان :أحدمها :أ ْن يكون "ن بت " و "
=
الفكر الطبعة1399:ه1979-م( :أ/ذ/ن) ،وكتاب الكليات .أليب البقاء الكفوي( أبو البقاء أيوب بن موسى احلسيين
الكفوي) .حتقيق :عدانن درويش -حممد املصري ،دار النشر :مؤسسة الرسالة -بريوت 1419 -ه 1998 -م،
فصل ( التاء ) ص .489
( )3شرح شافية ابن احلاجب أليب الفضائل رضي الدين احلسن االسرتاابزي.104/1 :
( )4ينظر :تفسري الفخر الرازي ،حممد بن عمر بن احلسني الرازي الشافعي
( )5الدر املصون يف علوم الكتاب املكنون ،السمني احلليب (أمحد بن يوسف) ،حتقيق :د .أمحد اخلراط ،الناشر :دار القلم،
دمشق -سوراي [د.ط].284/5 ،
( )6ينظر :املصدر السابق .79/10
( )7ينظر :النشر يف القراءات العشر -أتليف /احلافظ أيب اخلري حممد بن حممد الدمشقي ،الشهري اببن اجلزري ( ت
833ه) ،تصحيح ومراجعة أ /علي حممد الضباع ،دار الكتب العلمية -بريوت -لبنان .368/2
400
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
هللا عليه النعمة ،وأمت عليه النعمة ،وتبع الرجل الشيء وأتبعه مبعىن واحد ،ويقال :ثوى الرجل
ابملكان وأثوى إذا أقام به ،وثرى املكان وأثرى إذا ندى بعد يبس وكثر فيه الندى ،وثلجت
السماء وأثلجت من الثلج ()1؛ وهذا يفسر جميء بناء أفعل (أنبت) مبعىن فعل (نبت) يف
اآلية الكرمية.
ويذكر العلماء أن فعل وأفعل ال يكوانن مبعىن واحد إال إذا كان ذلك من لغتني
خمتلفتني ،وأما من لغة واحدة فال جيوز ،فيقول سيبويه" :وقد جييء فعلت و أفعلت املعىن
فيهما واحد إال أن اللغتني اختلفتا"(.)2
"قال ابن درستويه يف شرح الفصيح :ال يكون فعل وأفعل مبعىن واحد إال أن جييء ذلك
يف لغتني خمتلفتني ،فأما من لغة واحدة ،فمحال أن خيتلف اللفظان واملعىن واحد"(.)3
فاعل مبعىن فَـ َعل:
رابعاَ :
ومن مناذج ورود ذلك يف القرآن الكرمي:
أ -ورد يف قوله تعاىل( :ﭰﭱﭲ) [البقرة ،]51 :وقرئ (وع ْدان) ابأللف وتركه(:)4
حيتمل واعدان :أن يكون مبعىن وعدان ،ويكون صدر من واحد ،وحيتمل أن يكون من
اثنني على أصل املفاعلة ،فيكون هللا قد وعد موسى الوحي ،ويكون موسى وعد هللا اجمليء
للميقات أو يكون الوعد من هللا وقبوله كان من موسى ،وقبول الوعد يشبه الوعد ،وقيل:
وعد إذا كان عن غري طلب ،وواعد إذا كان عن طلب ،وقد رجح أبو عبيد قراءة من قرأ:
وعدان بغري ألف ،وأنكر قراءة من قرأ( :واعدان) ابأللف قائال املواعدة ال تكون إال من
البشر ،وال وجه لرتجيح إحدى القراءتني على األخرى ،ألن كال منهما متواتر ،فهما يف
=
عبد احلميد ،مكتبة السعادة -مصر ،الطبعة الرابعة1963 -م ،ص .333
- 1فعلت وأفعلت للزجاج ،حتقيق :ماجد حسن الذهيب ،الشركة املتحدة للتوزيع [د .ت] ص .13 -12
- 2الكتاب ،سيبويه.61 /4 ،
- 3املزهر يف علوم اللغة وأنواعها للسيوطي ،حتقيق :فؤاد علي منصور ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط 1998م/1 ،
.303
- 4ينظر :النشر يف القراءات العشر.242 /2 ،
402
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
()1
الصحة على ح ّد سواء.
ب -ورد يف قوله تعاىل (ﭼﭽﭾﭿ) [البقرة ]9 :وقرئ (ﭼﭽ) (:)2
ذكر الصرفيون أن بناء (فاعل) قد يدل على معىن (ف عل) وذلك جبانب داللته على
معان أخري مثل املشاركة واملتابعة والداللة على أن شيئا صار صاحب صفة يدل عليها ٍ
()3
الفعل.
ومن هنا :حكم كثريون أن املعىن واحد يف القراءتني( ،وما خيادعون ،وما خيدعون) فمن
(خي ِادعُون هللا)
(خي ِادعُون) ابأللف ،أراد به أيضا املطابقة وازدواج الكالم؛ ألن قبله ُ
قرأهاُ :
فنفى بقوله( :وما خيادعون) ما أثبت هلم بقوله( :خيادعون هللا) ،ومن قرأها (وما خيْدعُون)
قال :خدع وخادع هنا مبعىن واحد(.)4
وبنظرة متأنية يف اآلية القراءتني جند أن الفعلني (خيادعون) و (خيدعون) ميكن أن
خيتلف معنامها ،وليس كما ذكروا أن أحدمها يصلح مكان اآلخر؛ حيث إن بناء (فاعل)
الذي أتى عليه الفعل (خيادع) يدل على املشاركة بني الفاعل واملفعول ،ونلحظ ذلك من
املعىن؛ حيث إهنم يريدون خداع هللا -حاشا هلل -وهللا -سبحانه -يبطل هذا اخلداع ،أما
بناء (فعل) الذي ورد عليه الفعل (خيدع) ،فنلحظ فيه أن أفراد الفاعل هم أنفسهم أفراد
املفعول ،ولذلك ال يكون هناك مشاركة ،ولذلك وردت كل صيغة مالئمة يف موضعها ال
يصح وضع صيغة أخرى مكاهنا وهذا إعجاز القرآن.
ويقول اإلمام الفخر الرازي يف تفسري اآلية الكرمية السابقة" :قرأ انفع وابن كثري وأبو
عمر (خيادعون) والباقون (خيدعون) وحجة األولني مطابقة اللفظ حىت يكون مطابقا للفظ
األول ،وحجة الباقني أن املخادعة إمنا تكون بني اثنني فال يكون اإلنسان الواحد خمادعا
لنفسه ،مث ذكروا يف قوله (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) وجهني :األول :أنه تعاىل جيازيهم على
ذلك ويعاقبهم عليه فال يكونون يف احلقيقة خادعني إال أنفسهم ،والثاين :ما ذكره أكثر
403
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
اجع إليهم يف الدنيا؛ألن هللا تعاىل كان يدفع ضرر خداعهم عن املفسرين وهو أن وابل ذلك ر ٌ
املؤمنني ويصرفه إليهم وهو كقوله (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النساء:
.)1("]142
فاعل مبعىن فعَّل:
خامساَ :
ً
()2
اع ْر) ابأللف . ورد يف قوله تعاىل( :ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [ لقمان ،]18 :وقرئ (تُص ِ
ابلنظر إىل داللة البناءين السابقني جند أنه تدل صيغة (فاعل) يف الغالب على املشاركة
حنو :خاصمته ،وانفرته ،وسابقته ،وصارعته( ،)3كما أن من دالالته أيضا التعريض :أي أنك
تعرض املفعول ملعىن الفعل()4؛ وهذا يوافق معىن اآلية ،وأما فعل :فمجيئه للتكثري هو الغالبِّ
عت الثياب ،وغلقت األبواب(.)5 عليه ،حنو :قط ُ
ويف اآلية الكرمية جند أن جميء الفعل تُصعِر على وزن تفعِل مبعىن ِ
تصاعر على وزن ّ ّ
تفاعل ،والتاء يف أول البناءين للمضارعة فقط ،وابلتدقيق يف معىن اآلية الكرمية على القراءتني
صعِر) يدل على الكثرة ،و (تُصاعر) يدل على احلدوث من الفاعل على سبيل جند أن (تُ ّ
الثبات ،كما يدل على تعرض املفعول ملعىن الفعل موافقا رأي النحاة السابق وهللا تعاىل أعلم.
وتفاعل مبعىن:
فاعل وتفعَّل و َ سادساَ :
ً
ورد يف قوله تعاىل (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ) [األحزاب ]4 :قرئ
(تُظاهرون) و(تظاهرون) و(تظاهرون) و(تظه ُرون) ،و"ظ اهر" و"ت ظ اهر" و"تظهر" مبعىن(.)6
يظهر مما سبق :الرتادف يف الصيغ الثالث فاعل و تفعل و وتفاعل وهي كما يبدو يف
اآلية متقاربة يف املعىن املراد ،وقد مر بنا ما يدل عليه بناء فاعل ،أما بناء تفاعل فأشهر
معانيه :املشاركة بني اثنني فأكثر ،مثل :تقاتل و جتادل ،كما أن من معانيه التظاهر ،ومعناه
404
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
االدعاء ابالتصاف ابلفعل مع انتفائه عنه ،مثل :تناوم -تكاسل -جتاهل -تعامى ،وأيضا
من معانيه الداللة على التدرج مثل تزايد و توارد ،وميكن أن يدل على املطاوعة وهو يطاوع
معىن (فاعل) مثل :ابعدته فتباعد ،وواليته فتواىل.
أما تفعل فأشهر معانيه :املطاوعة ،وهو يطاوع (فعل) مثل :أدبته فتأدب -علمته
فتعلم ،والتكلف مثل تصرب وتشجع ،واالختاذ مثل :تسنم فالن اجملد أي اختذه سناما ،توسد
ذراعه أي اختذه وسادة ،والتجنب وهو ترك معىن الفعل واالبتعاد عنه مثل :أتمث وحترج؛أي
ترك اإلمث واحلرج (.)1
ويف اآلية الكرمية السابقة "قرأ عاصم ومحزة والكسائي( :تظاهرون) بتخفيف الظاء
والباقون ابلتشديد ،فوجه التخفيف احلذف إلحدى التاءين ،كقوله( :ﯲ ﯳ) ووجه
التشديد إدغام التاء يف الظاء كقوله تعاىل (ﮀ) [التوبة ،]38 /واحلذف أخف
واإلدغام أدل على األصل"(.)2
سابعا :فَـعل مبعىن فعول:
ً
ورد يف قوله تعاىل( :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [ البقرة ،]143 :وقرئ (لرُؤوف)،
و(رؤوف) ف عُول ،وفيه معىن املبالغة ،و"رُؤف" ف عُل مثل ح ُذر و ن ُدس و ي ُقظ( ،)3وما أشبه
()4
ذلك ،وقد جاء يف شعر جرير
ِ
الد الرؤ ِ
ف الرِحيم ِ
كف ْع ِل الو ُ .........................
وقد ذكر اإلمام الفخر الرازي الوجهني السابقني وزاد عليهما وجهني آخرين ،ونسب
ءوف
كل قراءة إىل أصحاهبا قائال" :قرأ عمرو ومحزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم (لر ٌ
يم) مهموزا غري مشبع والباقون (رؤف) مثقال مهموزا مشبعا.. ِ
رح ٌ
405
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
وفيه أربع لغات رئف -أيضا -كحزر ورأف على وزن ف عُل"(.)1
2.2عدول الصيغة عن معناها األساسي:
يتناول هذا املبحث بعض املشتقات اليت مت العدول عن معناها األصلي الذي عليه
أصل بنائها ،وأ ُِّولت بصيغة أخرى ،على النحو التايل:
-1فاعل مبعىن اجلمع:
ورد يف قوله تعاىل (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [املؤمنون ،] 67 :جاء فيه (سامرا)
"مسار" ،وهو اجلماعة يتحدثون ابلليل ،وجميء اسم الفاعل بعد قوله (مستكربين) ألنه مبعىن ُ
مبعىن اجلمع يف بناء (سامرا) يؤيده اإلمام القرطيب قائال(" :سامرا) نصب على احلال ومعناه
ُمسارا ،وهو اجلماعة يتحدثون ابلليل مأخوذ من السمر وهو ظل القمر ،ومنه مسرة اللون،
(مسارا) وهو
وكانوا يتحدثون حول الكعبة يف مسر القمر فسمى التحدث به وقرأ أبو رجاء ُ
مجع سامر ...فهو اسم مفرد مبعىن اجلمع؛ كاحلاضر وهم القوم النازلون على املاء ،والباقر مجع
البقر ،واجلامل مجع اإلبل ذكورهتا وإانثها ،ومنه قوله تعاىل (ﮯ ﮰ ﮱ) أي أطفاال،
يقال :قوم ُمسر ومسر وسامر ..ويقال السمري :الدهر،وابناه :الليل والنهار" (.)2
وف على ل ْف ِظ ِ
فاع ٍل وهي مجْ ٌع عن ت ُح ُر ٌوذكر صاحب (اتج العروس) أنه قد جاء ْ
ِ (.)3
الس ِام ُر والباق ُر ِ
العرب فمنها اجلام ُل و ّ
-2فاعل مبعىن مفعول:
ورد يف قوله تعاىل( :ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [ هود ،]43 :األكثر يف
صوم (،)4وجميء فاعل مبعىن
اآلية الكرمية السابقة أن قوله تعاىل( :ﯙ ﯚ) مبعىن ال م ْع ُ
مفعول كثري ،وهذا عدول عن ابهبا األصلي ،أي :إن صيغة فاعل هنا أصبحت تدل على من
406
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
وقع عليه الفعل ال م ن وقع منه الفعل فهي مبعىن مفعول ،وقد روى لنا السيوطي جميء فاعل
مبعىن مفعول ،وحصره يف ألفاظ معدودة ،فقال" :ومل أيت عنهم فاعل مبعىن مفعول إال قوهلم:
مسفي؛ ألن الريح سفته ،وعيشة راضية مبعىن مرضية ،وماء دافق مبعىن ٌ تراب ساف ،إمنا هو
مدفوق ،وسر كامت مبعىن مكتوم ،وليل انئم مبعىن قد انموا فيه"(.)1
ويبدو أن أهل احلجاز كانوا حيولون املفعول فاعال إذا كان يف حمل نعت ،كقول هللا
تعاىل( :ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الطارق ]6 :مبعىن مدفوق ،كما يظهر ذلك من قول الفراء" :أهل
ب ْنعت"( ،)2أي: احلجاز أفعل هلذا من غريهم؛ أي أن جيعلُوا امل ْفعول ِ
فاعال إِذا كان يف م ْذه ِ ُ ْ
إنه حييل ذلك الختالف اللغات.
وقال اإلمام الفخر الرازي يف معىن قوله تعاىل( :ﯙ ﯚ)" :أي :ال ذا عصمة ،كما
قالوا :رامح والبن ومعناه :ذو رمح وذو لنب ،وقال تعاىل( :ﭩ ﭪ ﭫ) [الطارق ]6 :و
(ﮪ ﮫ) [احلاقة ،]21 :ومعناه ما ذكران فكذا هاهنا ،وعلى هذا التقدير العاصم هو
ذو العصمة فيدخل فيه املعصوم ،وحينئذ يصح استثناء قوله( :ﯟ ﯠﯡ) منه"(.)3
-3فَـ ْعل مبعىن فاعل:
ورد يف قول هللا تعاىل( :ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الكهف.]41 :
(غورا) مبعىن غائِر( ،)4ومعىن هذا :أن بناء املصدر ف ْعل
األكثر على أن قوله تعاىل ْ
(غور) جاء مبعىن اسم الفاعل (غا ِور) وقيام املصدر -وصفا -مقام اسم الفاعل ٌ
كثري أقره
النُّحاة ،منه قوله تعاىل( :ﮋ ﮌ ﮍ) [الطارق ]13 :أي :فاصل يفصل بني احلق والباطل،
يقول ابن جين" :إذا وصف ابملصدر صار املوصوف كأنه يف احلقيقة خملوق من ذلك الفعل؛
وذلك لكثرة تعاطيه له واعتياده إايه"(" ،)5وهذا معىن ال جتده وال تتمكن منه مع الصفة
- 1املزهر يف علوم اللغة وأنواعها ،حتقيق :فؤاد علي منصور .93 /2
- 2اتج العروس .292 / 25
- 3تفسري الفخر الرازي املعروف ابلتفسري الكبري .186 / 17
- 4تفسري ابن كثري .159 /5
- 5اخلصائص .259 /3
407
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
الصرحية"( ، )1وبناء على ذلك ميكن العدول عن اسم الفاعل الذي يعرب عن وصف فاعل
احلدث إىل املصدر الذي يعرب عن املبالغة يف وصف فاعل احلدث ،ذلك ألن الوصف
ابملصدر ميثل أكرب طاقات املبالغة يف الوصف ،وجييز ذلك ابن يعيش قائال" :وقد جييء
املصدر ويراد به الفاعل،من حنو قوهلم :ماء غور ،أي غائر ،ورجل عدل ،أي عادل"( )2وممن
ذكر جميء اسم الفاعل مبعىن املصدر (ف ْعل) اإلمام الفخر الرازي؛ حيث قال (" :ﮬ ﮭ)
أي غائرا ،وهو نعت على لفظ املصدر ،كما يقال :فالن زور وصوم ،للواحد واجلمع واملذكر
واملؤنث ،ويقال :نساء نوح ،أي نوائح"(.)3
-4فاعل ومفعول :الوصف هبما على معىن النسب "ذو فعل":
ورد يف قوله تعاىل( :ﯕ ﯖ) [ اإلسراء ،]45 :قال صاحب اللباب :إن قوله
تعاىل (مستورا) :أي :ذو سرت ،فهذا على بناء النسب(.)4
وذكر أبو حيان وجوها كثرية لكلمة (مستورا) الواردة يف اآلية الكرمية السابقة ،وأرجع
كل وجه من هذه الوجوه إىل املعىن الدال عليه ،كما يظهر ذلك يف قوله" :الظاهر إقرار
(م ْستُورا) على موضوعه من كونه اسم مفعول؛ أي (م ْستُورا) عن أعني الكفار فال يرونه ،أو
(م ْستُورا) به الرسول عن رؤيتهم ،ونسب السرت إليه ملا كان مستورا به قاله املربد ،ويؤول
معناه إىل أنه ذو سرت كما جاء يف صيغة البن واتمر ،أي :ذو لنب وذو متر ..وقال األخفش:
(م ْستُورا) ساترا ،واسم الفاعل قد جييء بلفظ املفعول ،كما قالوا مشئوم وميمون يريدون شائم
ورّد أبن املبالغة إمنا
وايمن ،وقيل مستور وصف على جهة املبالغة كما قالوا يف (شعر) شاعرُ ،
تكون ابسم الفاعل"(.)5
ويتبني من كالم أيب حيان السابق أن (مستورا) حيتمل فيها أن تكون اسم مفعول
على أصل بنائها أو تكون مبعىن اسم الفاعل ،أو تدل على املبالغة مع أن هذا الوجه
408
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
رده أبو حيان ،أو أن تكون مبعىن (ذو سرت) وهو الراجح؛ ألنه ابلنظر يف اآليتني
السابقتني جند أنه دلت صيغة (مفعول) :مستور ،و صيغة (فاعل) :راضية على صفتني
ثبتتني ودائمتني؛ ألهنما تعربان عن احلال الدائم و توجد يف األزمنة الثالثة ،و آية
تعبريمها عن احلال الدائم أنه ميكن إضافة مصدرمها إىل كلمة "ذو أو ذات" ،أي" :ذو
سرت ،وذات رضا" ،وهي بذلك خرجت عن كوهنا امس ا للفاعل واملفعول وأصبحت صفة
مشبهة؛ ألن صيغة فاعل من الفعل الثالثي أتيت للداللة على وصف من قام ابلفعل
على سبيل التجدد واحلدوث ،فإن دل ت على هذا الوصف على سب يل الثبات والدوام
واالستمرار فهي صفة مشبهة؛ "أي تشبه اسم الفاعل يف املعىن"(.)1
ومما سبق ميكن القول أبن الصفة املشبهة" :تتعدد صيغها تعددا جيعلها صاحلة للبس
من حيث املبىن مع كل واحد من الصفات األخرى [صفة الفاعل واملفعول واملبالغة
والتفضيل] ،لوال أن معناها خيتلف من حيث الدوام والثبوت عن معاين الصفات ،فيوضح أن
الصيغة املعرضة لإللباس تنجو منه بفضل ما يفهم منها من معىن الثبوت والدوام ،فالصفة
املشبهة تشبه يف مبناها صيغة الفاعل كطاهر ،واملفعول كموجود (من صفات هللا) أو املبالغة
كوقِح أو التفضيل كأبرص وأشدق؛ فاملعىن يفرق بني كل واحدة من هذه الصفات وبني
األخرايت إذا اتفقت الصيغة يف أي اثنتني منها()2؛ ذلك ألن "القيم اخلالفية املتعلقة ابملعىن
واليت تفرق بني صفة وأخرى من هذه الصفات ...هي االنقطاع يف مقابل االستمرار أو
الدوام ،مث التجدد يف مقابل الثبوت ،مث املبالغة يف مقابل جمرد الوصف ،مث التفضيل يف مقابل
كل ما عداه من الصفات"(.)3
-5فعيل مبعىن فاعل أو مفعول:
اآلمن ،وجيوز أن يكون ورد يف قوله تعاىل( :ﭗ ﭘ ﭙ) [التني :]3 :قيل يعين ِ
مبعىن املفعول أي املأمون( 01143256814.)4عم حسن
409
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
410
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
الرمال ومجعه الصرائم ،وعلى هذا شبهت اجلنة وهي حمرتقة ال مثر فيها وال خري ابلرملة
املنقطعة عن الرمال ،وهي ال تنبت شيئا ينتفع به ،ورابعها :الصبح يسمى صرميا؛ ألنه انصرم
من الليل ،واملعىن :أن تلك اجلنة يبست؛ وذهبت خضرهتا ومل يبق فيها شيء من قوهلم بيض
اإلانء إذا فرغه ،وخامسها :أهنا ملا احرتقت صارت سوداء كالليل املظلم ،والليل يسمى
صرميا ،وكذا النهار يسمى أيضا صرميا؛ ألن كل واحد منهما ينصرم ابآلخر ،وعلى هذا
الصرمي مبعىن الصارم ،وقال قومُِ :مسّي الليل صرميا ألنه يقطع بظلمته عن التصرف وعلى هذا
(.)1
يؤول فعيل مبعىن فاعل"
وقد اختلف الصرفيون يف قياسية "فعيل" مبعىن "مفعول" ،فجعله بعض العلماء مقيسا،
وجعله بعضهم اآلخر غري مقيس ،فأما من جعلوه مقيسا فإهنم جعلوه كذلك يف كل فعل
ليس له فعيل مبعىن فاعل كجريح ،فإن كان للفعل فعيل مبعىن فاعل مل ينب قياسا كعليم ،وقد
مال ابن مالك إىل أن صوغ "فعيل" مبعىن "مفعول" -مع كثرته -غري مقيس(.)2
ومن اجلدير ابلذكر :أنه إذا جاءت صيغة فعيل ابهلاء فرمبا يذهب هبا مذهب األمساء،
حنو القتيلة ،الذبيحة ،وليس من ذلك صيغة "فعيلة" مبعىن "مفعولة" مما يدخل يف عداد
األمساء ال النعوت ،حنو :الرمية ،الضريبة ،النطيحة ،األكيلة،وميكن أن تتجرد صيغة "فعيل"
ضيب" ِ
و"حليةٌ مبعىن "مفعول" من التاء إذا ذكر معها املوصوف ،وذلك كما يفِ ُّ :
"كف خ ٌ
ني" ،وقد أجاز جممع اللغة العربية حديثا" :أن تلحق التاء فعيال ،مبعىن مفعول ،سواء ذكر ِ
ده ٌ
املوصوف معه أم مل يذكر"(. )3
-7فَـعول مبعىن مفعول:
ورد يف قول هللا تعاىل( :ﭪ ﭫ ﭬ) [ النساء :] 163 :فزبور -ابلفتح -
ف عُول مبعىن مفعول -كالركوب مبعىن :املركوب -واحللوب -مبعىن احمللوب -واملعىن:
الزبُر :مجع زبور ،وهو الكتاب(.)4
ال ُكتُب املزبورة ،أي :املكتوبة ،و ُّ
411
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
(زبُورا) بضم الزاي يف كل القرآن والباقونوقال الفخر الرازي يف هذه الكلمة" :قرأ محزة ُ
ب األمري بفتحها ،وحجة محزة أن الزبور مصدر يف األصل مث استعمل يف املفعول كقوهلم :ض ْر ُ
وش ُهد ،واملصدر إذا أقيم مقام املفعول ،فإنه
ون ْس ُج فالن ،فصار امسا مث مجع على ُزبُر كشهود ُ
الزبُر بضم الزاي الكتب، جيوز مجعه كما جيمع الكتاب على كتب؛ فعلى هذا الزبور الكتاب و ُ
أما قراءة الباقني فهي أوىل ألهنا أشهر والقراءة هبا أكثر"(.)1
وجميء فعول مبعىن مفعول كثري مما دعا علماء الصرف إىل القول بقدم صيغة فعول،
وأهنا األصل يف االستعمال" ،ورمبا كانت صيغة (فعول) هي األصل يف االستعمال بدليل
وجود بقااي هلا ،مث مبرور الزمن ضعف معناها على هذه الصيغة؛ فحاولوا ترميمها مبيم زائدة
حىت تستعيد قوهتا املعربة ...وهكذا جيب أن نفهم الزوائد يف املشتقات على أهنا ترميم جلسم
الكلمة بعد هزاهلا"( ،)2ومما يؤكد هذا الرأي أن صيغة فعول هي الصيغة األصلية السم
املفعول يف العربية الذي يزاد عليه امليم يف العربية(.)3
- 8تَـ َفعُّل مبعىن تفاعل:
ورد يف قوله عز وعال( :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [ امللك ،]3 :وقرئ :و ِ
(م ْن
ت) ( )4ف "ت فعُّل" مبعىن "ت فاعُل" ،وقد قال اإلمام الفخر الرازي يف هذه الكلمة" :قرأ محزة ت ف ُّو ٍ
ت) قال الفراء :ومها مبنزلة واحدة مثل تظهر (من ت فاو ٍ
ت) والباقون ِ (من ت فو ٍوالكسائي ِ
ُ ُ
ت) أجود ألهنم يقولون :تفاوت األمر وال وتظاهر ،وتعهد وتعاهد ،وقال األخفش( :ت فاو ٍ
ُ
()5 ٍ
يكادون يقولون تفوت ،واختار أبو عبيدة (ت ف ُاوت) وقال يقال تفوت الشيء إذا فات".
2 .3اختالف الصيغة يف املبىن الواحد:
يتناول هذا املبحث مناذج لكلمات اختلفت صيغتها يف املبىن الواحد ،ونشأ عن
اختالف الصيغة اختالف املعىن أحياان و ثباته أحياان أخرى ،على النحو التايل:
- 1تفسري الفخر الرازي املعروف ابلتفسري الكبري ،86 / 11 ،وينظر :البحر احمليط .413 /3
- 2اللهجات العربية يف الرتاث.610 /2 ،
- 3انظر :فقه اللغات السامية ،ص.120
4ينظر :النشر يف القراءات العشر.429/2 ،
- 5تفسري الفخر الرازي املعروف ابلتفسري الكبري ،51 / 30وينظر :البحر احمليط .293 /8
412
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
413
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
414
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
فكسرت الباء وتركت الياء على حاهلا ،وعلى هذا ضيزى للمبالغة من ضائزة؛ تقول فاضل
وأفضل وفاضلة وفضلى وكبري وأكرب وكبرية وكربى ،كذلك ضائز وضوز وضائزة وضوزى على
هذا نقول أضوز من ضائز وضيزى من ضائزة"(.)1
"ضْي زى" ،وهنا جند أن تغريا صوتيا قد حدث ِ
مما سبق يتبني أن كلمة "ضيزى" أصلها ُ
للكلمة هو االنتقال من الضم إىل الكسر يف فاء الكلمة ،وقد ترتب على ذلك أن حتول عني
الكلمة من حرف صامت إىل متحرك ليالئم الكسرة؛ نظرا ألن احلرف املتحرك هو الياء وهو
مبثابة الكسرة الطويلة اليت تعد الكسرة جزءا منها ،وبذلك مت العدول من " فُ ْعلى " إىل "
فِ ْعلى " ومل يكن هناك تغري يف داللة الكلمة مع هذا العدول ،وبناء "فِ ْعلى" ليس من أبنية
الصفات إبمجاع النُّحاة وإمنا جاء "فِ ْعلى" عنهم يف الصفات يف حرفني أو ثالثة()2؛ حكى
أمحد بن حيي "رجل كيصى" وحكى غريه مشية حيكى ،وحكوا أيضا "رجل عزهي" و "امرأة
سعلى "والصحيح" عزهاة " و "سعالة " ( ،)3والقول يف "مشية حيكى" مثل "ضيزى" أي
أن أصلها ُحْيكى مث كسر فاؤها لتصبح ِحيكى ،وأما كيسى فقال عنه أبو علي أنه منون فال
خيالف ما قاله سيبويه ،ومن ذلك يتبني إمجاعهم على أن بناء "فِ ْعلى" ليس من أبنية
الصفات.
-4فـ ْعلَة وفَـ ْعلَة:
(خطْوات) يقرأ بضمورد يف قوله تعاىل( :ﯱ ﯲ) [ البقرة ،] 168 :ف ُ
الطاء وإسكاهنا ،فاحلجة ملن ضم أنه أتى بلفظ اجلمع على حقيقة ما وجب له؛ ألنه مجع
خطوة ،واحلجة ملن أسكن أنه خفف الكلمة الجتماع ضمتني متواليتني وواو فلما كانوا
يسكنون مثل ذلك مع غري الواو كان السكون مع الواو لثقلها أوىل ومعىن خطوات الشيطان
(.)4
طرقه واخلطوة بفتح اخلاء االسم وبضمها قدر ما بني قدميك
- 1تفسري الفخر الرازي املعروف ابلتفسري الكبري ،257 / 28وينظر :البحر احمليط .152 /8
- 2يقصد حبرف هنا الكلمة.
- 3انظر :املفصل يف صنعة اإلعراب ،حتقيق :د .علي بو ملحم ،251 /1والسعالة :الصخابة البذيئة ،والعزهاة :العازف
عن اللهو والنساء ،والرجل الكيص :الذي أيكل وحده ،وقد كاص طعامه إذا أكله وحده.
- 4ينظر :احلجة يف القراءات السبع ص .91
415
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
واخلطوة -ابلضم -تعرب عن معىن االمسية ،واخلطوة ابلفتح تعرب عن احلدث أي املصدر،
()5
جاء يف لسان العرب " خطا خطوا ...واخلطوة ما بني القدمني"( ،)4فالقيمة املورفولوجية
لكلمة خطوة تكمن يف ضم اخلاء ليعرب عن االمسية ،مقابل مورفيم الفتح يف "خطوة" ليعرب
عن معىن املرة الواحدة ،وقال ابن منظور" :اخلطوة ابلضم ما بني القدمني ...وقيل :اخلُطوة
واخلطوة لغتان ،واخلُطوة الفعل ،واخلطوة ابلفتح ،املرة الواحدة"(.)6
-5فـعول و فعول (فعول قد تكسر فاؤه إن كان اثنيه ايء):
ورد ذلك يف قول هللا تعاىل( :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة]189 :
قرئ (البُيُوت) و (البِيُوت) ابلضم والكسر ،فالضم هو األصل ألنه على وزن " فُعُول " مثل
() 7
ك ْعب وُكعُوب.
َ -6م ْف َعلَة و َم ْفعلَة:
ورد يف قوله تعاىل( :ﯫ ﯬ ﯭ ) [البقرة ،]280 :وقرئ (مْي ُسرٍة) لغتان بضم
السني وفتحها(.)1
ويرجع االختالف يف الصيغة بني م ْفعلة بفتح العني و م ْفعُلة بضم العني إىل اختالف
اللهجات العربية ،وذلك ألهنما لغتان يعين أهنما قراءاتن ،والقراءات يرجع التعدد فيها إىل
اختالف اللهجات ألن القرآن الكرمي نزل على سبعة أحرف تشمل اللهجات العربية،
ولذلك مل تتغري داللة الكلمات ابلنطق على البناءين ،فلم يتبع التغري الصويت فيها تغري داليل
كما هو ظاهر.
ويؤكد أبو حيان أن القراءة ابلضم والفتح لغتان ،وينسب كل قراءة إىل أصحاهبا مث
(ميسرة) بضم السني ،والضم لغة أهل احلجاز ،وهو يرجح النصب يف قوله" :قرأ انفع وحده ُ
416
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
ومسربه ،والكثري (مفعلة) بفتح العني ،وقرأ اجلمهور بفتح السني على
ومشرفة ُ
كمقربة ُقليل ُ
اللغة الكثرية وهي لغة أهل جند ،وقرأ عبد هللا (ميسوره) على وزن مفعول مضاف ا إىل ضمري
الغرمي وهو عند األخفش مصدر كاملعقول واجمللود يف قوهلم :ما له معقول وال جملود ،أي:
(ميس ِره) بضم السني
مفعوال مصدرا ،وقرأ عطاء وجماهد إىل ُ عقل وجلد ،ومل يثبت سيبويه
()1
وكسر الراء بعدها ضمري الغرمي" .
- 1البحر احمليط ،355 /2 ،وينظر :تفسري الفخر الرازي املعروف ابلتفسري الكبري.90 / 7
417
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
418
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
من اللحم ابلضم للقطعة اليسرية منه ،وحززت اللحم حزة أي قطعته مرة واحدة وحنوه اخلطوة
واخلُطوة ابلضم مقدار ما بني القدمني واخلطوة أن خيطو مرة واحدة ،وقال املربد غرفة ابلفتح
مصدر يقع على قليل ما يف يده وكثريه ،والغُرفة ابلضم اسم ملء الكف أو ما اغرتف به"(،)1
ويقول ابن هشام يف إعراهبا" :إن فتحت الغني فمفعول مطلق أو ضممتها فمفعول به،
وحسوة"(.)2ومثلهما حسوت حسوة ِ
ُ
وم ْفعل :
وم ْف َعل َ
-2م ْفعل َ
ورد يف قول هللا تعاىل( :ﮐ ﮑ ﮒﮓ) [ النمل .] 49 /
(مهلك) بضم امليم وفتح الالم من أهلك، قال أبو حيان يف هذه الكلمة" :قرأ اجلمهور ُ
وقرأ حفص (مهلِك) بفتح امليم وكسر الالم ،وأبو بكر بفتحهما ،فأما القراءة األوىل فتحتمل
املصدر والزمان واملكان؛ أي :ما شهدان إهالك أهله أو زمان إهالكهم أو مكان إهالكهم،
ويلزم من هذين أهنم إذا مل يشهدوا الزمان وال املكان أن ال يشهدوا اإلهالك ،وأما القراءة
الثانية فالقياس يقتضي أن يكون للزمان واملكان أي ما شهدان زمان هالكهم وال مكانه،
والثالثة تقتضي القياس أن يكون مصدرا؛ أي ما شهدان هالكه ،وقال الزخمشري وقد ذكروا
القراءات الثالثة قال وحيتمل املصدر والزمان واملكان"(.)3
مما سبق يتضح أن :بناء "مفعل" تتعدد فيه االستخدامات الصرفية تبعا حلركة امليم
والعني فيه ،فبضم امليم وكسر العني يكون امسا للفاعل ،وبفتح امليم وكسر العني جنده يصلح
امسا للزمان واملكان ومصدرا ميميا ،ويف اآلية الكرمية وردت كلمة "مهلك" بصور متعددة كما
نالحظ ،فوردت بضم امليم وكسر العني على وزن ُم ْفعِل وهو بناء اسم الفاعل ولكن املعىن
هنا يرجح أهنا مبعىن إهالك وهو األقرب للصواب ،كما وردت كلمة "مهلك" بضم امليم وكسر
الالم وهو بناء املصدر امليمي وال يكون املكان وال الزمان ،أما بناء مفعل بفتح الالم فريجح
على أنه لغة من مفعل بكسر العني ،ومن هنا نرى تغري املعىن بتغري احلركة على املبىن الواحد.
419
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
420
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
( )1حبث ابسم (معاين األبنية العربية) للدكتور :فاضل صاحل السامرائي ،نشر جبامعة بغداد ،طبعة .1987 - 1401
( )2اتج العروس.292 / 25 ،
421
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
3 .2التوصيات:
على الباحثني والدارسني االهتمام بدراسة النحو يف ظالل القراءات القرآنية؛ ألن القرآن
جل
الكرمي وقراءاته مها املصدر األول واألوثق من مصادر التشريع اللغوي؛ فعليهما اعتمد ُّ
عدهم ،بل كان الغرض األول من وضع النحو هو احملافظة على هذا النُّحاة يف بناء قوا ِ
الكتاب وصيانته عن وقوع اللحن فيه؛ وألن ربط النحو ابلقراءات القرآنية يثرى الفكر
النحوي ،وهو يف ذات الوقت يعد جانبا تطبيقيا.
ولقد تعاون النُّحاة والقراء مجيعا يف خدمة هذا الكتاب العظيم ،وإن اختلف املنحي
بينهم ،فالقراء بصدد توثيقه سندا ورواية وتنحية ما مل يرد منه موثق ا ،والنُّحاة بصدد توثيقه
إعرااب والتزاما يف قراءته ابلصورة اليت نزل هبا؛ لذا على النُّحاة اللجوء إىل القرآن الكرمي وقراءاته
املختلفة ألهنا أوثق يف جمال االستشهاد من غريها؛ ألهنا ارتبطت آبايت الذكر احلكيم.
422
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
املصادر واملراجع
فيما يلي قائمة املصادر واملراجع الذي رجعنا إليها يف هذا البحث؛ وهي مرتبة حسب
احلروف اهلجائية:
-1أدب الكاتب -أتليف :أيب حممد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة ،السكويف ،املروزي،
الدينوري ،حتقيق :حممد حمي الدين عبد احلميد ،مكتبة السعادة -مصر ،الطبعة الرابعة -
1963م.
-2الربهان يف علوم القرآن -أتليف :حممد بن هبادر بن عبد هللا الزركشي ،حتقيق:
حممد أبو الفضل إبراهيم ،دار املعرفة -بريوت 1391 -ه .
-3اتج العروس من جواهر القاموس -أتليف :حممد مرتضى احلسيين الزبيدي،
حتقيق :جمموعة من احملققني ،دار النشر :دار اهلداية.
-4التطبيق الصريف -أتليف د /عبده الراجحي ،دار املعرفة اجلامعية ،اإلسكندرية
[د.ت].
-5تفسري البحر احمليط - ،أتليف :حممد بن يوسف الشهري أبيب حيان األندلسي،
حتقيق :الشيخ عادل أمحد عبد املوجود -الشيخ علي حممد معوض ،شارك يف التحقيق :د/
زكراي عبد اجمليد النوقي ،د /أمحد النجويل اجلمل ،دار النشر :دار الكتب العلمية -لبنان/
بريوت ،الطبعة األوىل 1422ه .
- 6تفسري الفخر الرازى املعروف ابلتفسري الكبري،املؤلف :حممد بن عمر بن احلسني
الرازي الشافعي املعروف ابلفخر الرازي أبو عبد هللا فخر الدين ولد ابلري من أعمال فارس
من تصانيفه الكثرية :مفاتيح الغيب من القرآن الكرمي ،دار النشر /دار إحياء الرتاث العرىب.
-7تفسري القرآن العظيم البن كثري) أبو الفداء إمساعيل بن عمر بن كثري القرشي
الدمشقي( ،حتقيق :سامي بن حممد سالمة ،الناشر :دار طيبة للنشر والتوزيع ،الطبعة الثانية
1420ه 1999 -م.
-8جامع البيان يف أتويل القرآن ،للطربي ) حممود بن جرير بن يزيد بن كثري بن
غالب اآلملي ،أبو جعفر الطربي(،حتقيق :أمحد حممد شاكر ،الناشر :مؤسسة الرسالة ،الطبعة :
األوىل1420 ،ه 2000 -م .526/16 :
423
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
-9اجلامع ألحكام القرآن املعروف بتفسري القرطيب -أتليف :أيب عبد هللا حممد بن
أمحد األنصاري القرطيب (ت 671ه ) ،دار النشر :دار الشعب -القاهرة.
-10حجة القراءات -أتليف :أيب زرعة ابن زجنلة [د.ت].
-11خزانة األدب ولب لباب لسان العرب -أتليف :عبد القادر بن عمر البغدادي،
حتقيق :حممد نبيل طريفي/إميل بديع اليعقوب ،دار الكتب العلمية -بريوت ،الطبعة األوىل
1998م.
-12اخلصائص -أتليف :أيب الفتح عثمان ابن جين ،حتقيق :حممد علي النجار ،دار
النشر :عامل الكتب -بريوت.
- 13الدر املصون يف علوم الكتاب املكنون السمني احلليب) أمحد بن يوسف (حتقيق :د .
أمحد اخلراط ،الناشر:دار القلم -دمشق -سوراي [د.ت].
-14شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك -أتليف :قاضي القضاة هباء الدين عبد
هللا بن عقيل العقيلي املصري اهلمداين ،حتقيق :حممد حميي الدين عبد احلميد ،دار النشر:
دار الفكر -سوراي 1405ه 1985 -م.
-15شرح املفصل -ملوفق الدين يعيش بن علي بن يعيش النحوي (ت 643ه )،
عامل الكتب ،بريوت [ د.ت ].
-16شرح شافية ابن احلاجب -أليب الفضائل رضي الدين احلسن االسرتاابزي (ت
715ه ) ،حتقيق د /عبد املقصود حممد عبد املقصود ،الناشر :مكتبة الثقافة الدينية ،الطبعة
األوىل 1425ه 2004 -م.
-17شرح شافية ابن احلاجب أتليف :رضي الدين حممد بن احلسن االسرتآابذي ،حتقيق :
حممد نور احلسن ،وحممد الزفزاف ،وحممد حمىي عبد احلميد ،الناشر :دار الكتب العلمية بريوت
لبنان ،الطبعة األوىل1975-1395 :م.
-18الصاحيب يف فقه اللغة العريب البن فارس (أيب احلسن أمحد بن فارس( ،حتقيق:
أمحد حسن بسج ،الناشر :دار الكتب العلمية ،بريوت لبنان ،الطبعة األوىل1418 :ه -
1997م.
424
د .عبد اهلل البسيوني ود .دوكوري ماسريي التناوب الداللي للصيغ الصرفية :تطبيق على القرآن الكريم
-19فعلت و أفعلت -للزجاج ،حتقيق :ماجد حسن الذهيب ،الشركة املتحدة للتوزيع
[د .ت].
-20فقه اللغات السامية -أتليف /كارل بروكلمان ،ترمجة د /رمضان عبد التواب،
منشورات جامعة الرايض 1397 ،ه 1977 -م.
-21فقه اللغة وأسرار العربية ،الثعاليب ،حتقيق :ايسني األيويب ،الناشر :املكتبة العصرية
الطبعة الثانية 1420ه 2000 /م.
-22يف أصول اللغة -جممع اللغة العربية ،القاهرة ،اجلزء الثالث1403 ،ه -
1983م.
-23كتاب سيبويه -أتليف :أيب بشر عمرو بن عثمان بن قنرب (ت 180ه )،
حتقيق :عبد السالم حممد هارون ،دار النشر :دار اجليل -بريوت ،الطبعة األوىل.
-24الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل -أتليف /أيب
القاسم جاد هللا حممود بن عمر الزخمشري اخلوارزمي (ت 538ه ) ،حتقيق :عبد الرزاق
املهدي ،دار النشر :دار إحياء الرتاث العريب -بريوت.
-25كشف املشكالت وإيضاح املعضالت -صنعة /جامع العلوم أيب احلسن علي
بن احلسني األصبهاين الباقويل (ت 543ه ) ،حتقيق :د /حممد أمحد الدايل ،مطبوعات جممع
اللغة العربية بدمشق ،مطبعة الصباح 1415ه 1995 -م.
-26الكليات :معجم يف املصطلحات والفروق اللغوية -أتليف :أيب البقاء أيوب بن
موسى احلسيين الكفوي (ت 1094ه ) ،حتقيق :عدانن درويش -حممد املصري ،دار
النشر :مؤسسة الرسالة -بريوت 1419ه 1998 -م.
- 27اللباب يف علوم الكتاب -أتليف :أبو حفص عمر بن علي ابن عادل
الدمشقي احلنبلي حتقيق :الشيخ عادل أمحد عبد املوجود والشيخ علي حممد معوض ،دار
النشر :دار الكتب العلمية -بريوت /لبنان ،الطبعة :األوىل 1419 -ه 1998-م.
-28لسان العرب -أتليف :حممد بن مكرم بن منظور األفريقي املصري ،دار النشر:
425
العدد السادس مايو 2013 جملة جامعة املدينة العاملية ( جممع )
426