Professional Documents
Culture Documents
نظرية نهاية التاريخ و الانسان الاخير
نظرية نهاية التاريخ و الانسان الاخير
مقدمة
لقد آمن الفيلسوفان هيجل وماركس بأن "التطور المضطرد للمجتمعات البشرية ال يسير إلى ماال نهاية
وإنما هو محكوم بتوصل اإلنسان إلى شكل محدد لمجتمعه يرضي احتياجاته األساسية ،وعندما يتوصل
إليها يتوقف التطور أو يتوقف التاريخ ،بهذه المقدمة استهل المفكر فرانسيس فوكوياما كتابه "نهاية
التاريخ" وفي الواقع فإن هذا المصطلح ورد في محاضرة ألقاها الكاتب في جامعة شيكاغو في العام
1989م أثارت جدال واسعا ،ثم أصدر الكتاب الذي يحمل هذه العبارة والذي واجهه الكثر من االنتقادات.
في البداية يشير فوكوياما إلى أهم األحداث العالمية وتطورها ويظهر تأييده الواضح للنظام الليبرالي
الديمقراطي الرأسمالي ،ويرى أن اإلسالم يشكل إيديولوجية متجانسة ومنظمة ،وعلى الرغم من الجدل
الواسع لهذه النظرية إال أنها حظيت باهتمام عالمي كبير وذلك لسببين األول هو كون الحقل التنظيري
للعالقات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة عرف اضطرابا كبيرا بفعل غياب مجموعة األسس التي
كانت تتحكم في تحليل الشؤون الدولية ،والعالم أصبح يعيش عصر االنهاك الفعلي
للنظريات الكبرى الشيء الذي أطاح بالعديد من الثوابت التي كانت تحكم صيرورة السياسة الدولية
على كافة المستويات ،وأدى ذلك إلى نوع من التشويش على مستوى التفكير االستراتيجي وشبه فراغ
على المستوى التنظيري بحيث أن النظريات الكالسيكية السابقة لم تعد لها القدرة على التفسير الالزم
لهذه المرحلة ،وبذلك أصبحنا في زمن يصعب فيه إيجاد نسق نظري مفاهيمي قادر على إدراك مختلف
أما السبب الثاني فهو ميل التفكير االستراتيجي األمريكي إلى البحث عن مرتكزات فلسفية تخرجه من
حسه البراغماتي والواقعي وذلك مثال من خالل توظيف فلسفة التاريخ لتقديم رؤية شاملة ألوضاع
فكانت نهاية التاريخ لفوكوياما تجسيدا لهذه المرحلة االنتصارية وتبشيرا بانفراد الليبرالية الغربية كمحطة
نهائية للتطور التاريخي والصراع اإليديولوجي .ومن خالل كل ما ذكر نجد أمامنا التساؤالتاآلتية:
ماهي نظرية نهاية التاريخ؟ ما هي أهم األفكار التي جاءت بها؟ وما هي انعكاساتها على العالقات
الدولية؟ وهذا ما سنحاول اإلصابة عليه من خالل هذا العرض وذلك وفقا للتصميم اآلتي:
مقدمة
خاتمة
إن فكرة نهاية التاريخ لفوكوياما بسيطة الى حد السذاجة ،فالديموقراطية الغربية الحرة انتصرة في فترة الحرب الباردة
وانتصرالغرب معها،ولن يعود األن أمام األمريكيين واألوربيين ما ينتظرونه من جديد،فلقد حدث هذا الجديد بانهيار الماركسية
وتفكك االتحاد السوفياتي واعتماد الديكتاتوريات العقائدية السابقة و أغلب دول اوربا الشرقية للنظام الحر ،وحسب فوكوياما
فهناك توافق مدهش في السنوات األخيرة يتعلق بالديموقراطية الليبرالية كنظام حكم ،و التي أثبتت أن بامكانها أن تشكل منتهى
التطور االديولوجي لإلنسانية والشكل النهائي ألي حكم إنساني ،أي أنها من هذه الزاوية "نهاية التاريخ"[.]2
وليس معنى هذا أن الديموقراطيات الراسخة المعرفة في زمننا كالواليات المتحدة األمريكية أو فرنسا أو غيرهاال تعرف الظلم
أو المشاكل اإلجتماعية الخطيرة ،غير أن هذه المشكالت في ظن فوكوياما هي وليدة قصور في تطبيق المبدأين التوءمي:الحرية
و المساوات ،اللذين قامت الديموقراطية الحديثة على أساسهما .
وال تتعلق نظرية نهاية التاريخ عند فوكوياما بالتمظهر السياسي المختزل في الديموقراطية الليبرالية كنظام للحكم فحسب ،بل
يؤكد أن الليبرالية اإلقتصادية هي النظام اإلقتصادي الذي سيسود في نهاية التاريخ أيضا ،وهذا ما يؤكده إنتشارونجاح المبادئ
الليبرالية في اإلقتصاد -أي السوق الحرة -في خلق مستويات عليا من الرخاء المادي و التي لم نعهدها من قبل ،وهو الذي يعني
أن الذي خرج ظافرا ليست الممارسة الليبرالية بقدر ماكان الظفر للفكرة الليبرالية ذاتها]3[.
ويرى فوكوياما أنه إذا كان التهديد„ اإلديولوجيى الذي وجهته الشيوعية ذات مرة للديموقراطية الحرة قد انتهى مع انسحاب
الجيش األحمر من اوربا الشرقية ،فإن الدولة التي ستسود في نهاية التاريخ هي الدولة الليبرالي ،لكون هذه األخيرة تتسم
بالعقالنية و القدرة على تحقيق المصالحة بين المطالبات المتنافسة باإلعتراف و ذلك باإلعتماد على األساس الوحيد المقبول من
الجميع والذي هوهوية الفرد باعتباره كائنا بشريا ،كما أنها توفر اإلعتراف لجميع المواطنين باعتبارهم بشرا ال باعتبارهم
أعضاء في جماعة عرقية أو جنسية او غيرها ،الشيئ الذي يخلق مجتمعا ال طبقات فيه يقوم على أساس إلغاء الفوارق بين
السادة والعبيد ،واستنادا إلى جعله نقطة نهاية التاريخا نقطة محورية سوف تحكم بالضرورة النسق المستقبلي للمجتمع العالمي،
و نظرا ألن سياسة القوة وفق فوكوياما هي التي ال تزال السائدة بين الدول التي التي تأخذ بالديموقراطية الليبرالية،إظافة إلى إلى
التأخر النسبي في وصول التصنيع و القومية إلى إلى العالم الثالث ،سيؤدي قطعا إلى اختالف تام بين سلوك الكثير من دول
العالم الثالث من جهة وبين سلوك الدول الصناعية من جهة اخرى ،وبالتالي فهو يجزم بأن العالم في المستقبل سينقسم إلى
قسمين متافوتين قسم تخطى التاريخ و قسم آخر ال يزال غارقا في التاريخ.
وإذا كانت نظرية نهاية التاريخ عند فوكوياما قد تأسسة علىاعتبار أن الديموقراطية الليبرالية هي األفق األسمى للتاريخ
اإلنساني ،فإنها في الحقيقة جاءت كنتيجة لمجموعة من األطروحات[.]4
إن نظرية نهاية التاريخ جاءت كمحصلة نهائية لمجموعة من األطروحات المترابطة فيما بينها نذكر منها :
• غائية التاريخ :إذ أن فوكوياما يؤمن بأن التاريخ غائي بطبيعته „،أي أنه موجه نحو غاية معينة ،وهو ما يعني أنه في
حال تجاوز شكل من اشكال التنظيم اإلجتماعي لمجتمع ما فليس بوسع هذا التنظيم أن يتكرر في نفس المجتمع ،رغم ان
المجتمعات المختلفة في المراحل المختلفة من تطورها قد تكرر نمطا متشابها من التطور.
وقد ذهب فوكوياما إلى القول بأن العلوم الحديثة و الرغبة في اإلعتراف هما األليتان اللتان تفرضان التطور في اتجاه واحد
بانتهائه ينتهي التاريخ.
• اضمحالل التشائم الغربي إزاء فكرة تقدم التاريخ :ومفادها أنا التشاؤم الذي ساد على الذهنية الغربية في القرن العشرين
إزاء فكرة التاريخ بدء يتالشى ،ففي القرن التاسع عشر كان معضم األوربيون يضنون أن التقدم هو صوب الديموقراطية
الليبرالية ،لكن في القرن العشرين بدأالوربيون الذين عايشو هذا القرن بكل أحداثه و مجرياته يشككون في عالمية مثلهم و
السيما بعد الحربين العالميتين وظهور منافس قوي للديموقراطية الليبريالية الغربية ،و المتمثل في الشيوعية السوفيتية والذي
سيستمر إلى حين سقوط اإلتحاد السوفيتي ليسقط معه ذلك التشاؤم الذي خيم على الغرب لما يزيد عن األربعين سنة .
• إنتهاء بدائل الديموقراطية الليبرالية :بحيث يؤكد فوكوياما أنه ال يوجد في الوقت الراهن ولن يوجد لفترة طويلة أي بديل
حقيقي أو مالئم للديموقراطية الليبرالية التي هي في الحقيقة خير حل ممكن للمشكلة اإلنسانية ،و يعتبرأن األصوليات الدينية و
التياريات القومية تحديان ثانويان قد يخلقان بعض المشاكل لكنهما يفتقدان للعالمية ،وهنا يركز فوكوياما على اإلسالم حيثث
يعتبر الدول اإلسالمية مجموعة تعيش خارج التاريخ الحديث ،ورغم كون اإلسالم يشكل نظاما إيديولوجيا منظما له منظومته
األخالقية و نسقه اإلجتماعي و السياسي الخاص ودعوته دعوة عالمية[ ،]5ورغم كونه انتصر على الديموقراطية الليبرالية في
عدة مناطق من العالم اإلسالمي ،إال أنه حسب فوكوياما ال يمتلك جاذبية و قبول كبير خارج العالم اإلسالم.
و الجنس البشري عند فوكوياما كما لو كان قطارا من العربات الخشبية التي تجرها الجياد متجها إلى المدينة بعينها عبر طريق
طويل في قلب الصحراء ،بعض هذه العربات قد حددت وجهتها بدقة و وصلت بأسرع وقت ممكن ،و البعض اآلخر تعرض
لهجوم من قبل األوباش(الهنود الحمر)فظل الطريق ،و البعض اآلخر أنهكته الرحلة الطويلة فقرر اختيار مكان وسط الصحراء
لإلقامة فيه و تنازل عن فكرة الوصول غلى المدينة„ ،بينما من تعرضو للهجوم راحو يبحثون عن طريق بديلة للوصول إلى
المدينة„ ،وفي النهاية يجد الجميع أنفسهم مجبرين على استعمال نفس الطريق و لو عبر طرق فرعية مختلفة للوصول لغايتهم ،
وفعال تصل أغلب العربات إلى المدينة في النهاية وهذه العربات عندما تصل ال تختلف عن بعضها البعض إال في شيئ واحد هو
توقيت الوصول إلى المدينة سرعة أو بطئا بوصولها إلى الديموقراطية الليبرالية و من ثم رحلتها نهاية التاريخ[.]6
سنحاول في هذا المبحث الحديث عن العالقات الدولية في عصر اإلنسان األخير(مطلب أول) أي عصر ما بعد نهاية التاريخ،
وهو العصر الذي بشر به فوكوياما أي تحقيق دولة عالمية منسجمة مبنية على الفكر الديمقراطي الليبرالي ،الشيء الذي جعله
يسقط في التناقضات مما جعل نظريته محط انتقادات وردود أفعال عديدة( مطلب ثاني)
تطور التاريخ نحو تكريس أنظمة ديمقراطية ذات اقتصاد ليبرالي سيكون له نتائجه على صيرورة العالقات الدولية ،فتحقيق
الدولة العالمية يعني إلغاء نظرية العبد والسيد بين الدول واألمم ،أي نهاية المشاريع االمبريالية والحروب المرتبطة بها[،]7
ومع ذلك فان العالم سيكون منقسم إلى شطرين رئيسيين ،شطر تخطى التاريخ أو عالم ما بعد„ التاريخ ويتكون من الدول القومية
المستقلة التي تصالحت مع الليبرالية ،والشطر الثاني ال يزال غارقا في التاريخ أو العالم التاريخي ويتكون من الدول التي تأخذ
بالديمقراطية الليبرالية ،وحيث إن الخط الفاصل بين العالمين يتغير بسرعة ،فان من الصعب تحديده ،وهذا يعني أن عدد
الالعبين في النظام الدولي المشكل في مرحلة ما بعد التاريخ سوف يتغير باستمرار نظرا النتقال بعض الدول بين العالمين[.]8
فالصين مثال بدت بعد أحداث ميدان "تيانانمن" الدموية في صيف ،1989ابعد ما تكون عن تحقيق الديمقراطية ،غير أن
سياستها الخارجية قد غدت منذ بداية اإلصالح االقتصادي سياسة بورجوازية على نحو متزايد وملحوظ وأكثر انفتاح على
االقتصاد الدولي وهو ما ثبط كل عزم يستهدف العودة إلى سياسة ماو الخارجية
والى جانب الصين يرى فوكوياما أن الدول الكبرى من أمريكا الالتينية (المكسيك،البرازيل ،واألرجنتين) قد انتقلت خالل الجيل
الماضي من العالم التاريخي إلى عالم ما بعد التاريخ.
ويرى فوكوياما إن التفاعل بين الدول ما بعد التاريخية سيكون أساس تفاعال اقتصاديا ،حيث يشجع تكثيف النشاط االقتصادي
على قيام سياسات تعاونية اقتصادية عبر توحيد األسواق واإلنتاج ،مما سيؤدي إلى تفتيت العناصر التقليدية للسيادة الدولية
والتطلع إلى بناء تكتالت اقتصادية كبرى ستزيد من مستوى الرخاء االقتصادي ،ونتيجة لهذا ستفقد اإلستراتيجية العسكرية،
أهميتها في عالم ما بعد التاريخ.
أما العالم التاريخي فسيعرف صراعات دينية وقومية واديولوجية ،وستستمر سياسة القوة والسالح في لعب دور أساسي في
التفاعالت القائمة بين الدول التاريخية وستبقى الدول المجال األساسي لالنتماء السياسي والنشاط االقتصادي[. ]9
أما التفاعالت بين العالم التاريخي وما بعد التاريخي فسيكون محدود ،وسيتبلور حوا مجموعة محاور للتصادم وهي:
المحور األول :هو البترول الذي يرتكز إنتاجه في العالم التاريخي ،ويشكل مادة ضرورية وحيوية للدول المتقدمة ،وإذا ما تم
إخضاعه لمناورات وضغوطات ذات منحى سياسي سيكون لألمر مضاعفات اقتصادية خطيرة.
المحور الثاني :يتعلق بالهجرة التي ستشكل خطرا كبيرا على المدى البعيد ،فثمة تدفقات متزايدة للمهاجرين القادمين„ من الدول
الفقيرة نحو الغنية ،ويمكن لهذه الظاهرة أن تستفحل في حالة وقوع اضطرابات كبيرة في العالم التاريخي.
أما المحور األخير :فهي التهديدات المحتملة للنظام العالمي وللدول الغربية بفعل االنتشار الكبير للتكنولوجيا العسكرية لدى عدة
دول في الجنوب خصوصا األسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية ،ولهذا كله يطلب فوكوياما من دول ما بعد التاريخ (الشمال)
نهج سياسة صارمة وحذرة اتجاه دول العالم التاريخي[. ]10
وعليه فان فوكوياما ينبه الديمقراطيات الليبرالية ،وعلى رأسها الواليات المتحدة األمريكية ،أن عليها مواجهة الحقيقة المتمثلة
في كون انه بانهيار العالم الشيوعي أضحي العالم الذي تعيش فيه غير عالم الجغرافيا السياسية الذي عرفته في الماضي ،وان
قواعد وأساليب العالم التاريخي غير مناسبة للحياة في عالم ما بعد التاريخ ،فالنصف التاريخي من العالم ال يزال يتصرف وفق
المبادئ الواقعية للعالقات الدولية ،وهنا تظهر الخطورة .وعلى النصف األخر (أي دول ما بعد التاريخ) أن تطبق الوسائل
الواقعية في تعاملها مع النصف التاريخي ،وستضل العالقة بين النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية تتميز بالشك والتخوف
وسيظل استخدام القوة هو الحكم النهائي في العالقات بينهم رغم االعتماد المتزايد في االعتماد المتبادل في االقتصاد.
إن أهم مميزات النظريات الكبرى كما يقول "رضوان زيادة" بحق أنها تحدث اثأرا وتخلف وراءها ضجيجا ال ينتهي،
ونظرية نهاية التاريخ لم تكن استثناء لهذه القاعدة ،فمنذ الوهلة األولى ،استقطب نشر فرانسيس فوكوياما الخطوط العريضة
لنظريته في صيف 1989كما وسبقنا وأشرنا لذلك ،اهتمام الرأي العام واألوساط الفكرية والسياسية الدولية ،إذ في مدة قصيرة
تحول فوكوياما إلى ظاهرة ثقافية ،وجذبت مقالته تعليقات ساخنة تخطت الواليات المتحدة األمريكية إلى كل أنحاء العالم ،حيث
انقسمت هذه التعليقات بين مؤيد ومعارض ،فأقطاب اليمين األمريكي مثل "جورج ويل " و" تشارلز كروثامر" و"ايرفينج
كرستول" و"توم وولف" احتفوا بالمقالة وتناوبوا جميعا على امتداحها و اإلشادة بعبقريتها ،وكانت كلمة "عبقرية" و "ممتازة"
و"دقيقة" هي التعابير المستخدمة في وصف أفكار فوكوياما والتي اعتبرت في مجلة " ذي ناشيونال انترنست" صعبة الرفض.
زاد هذا اإلعجاب من حدة النقاش ففتحت المجلة صفحاتها للمنتقدين من نوع "هنتنغتون"„ و"راندولف" و" جون كراي"
وغيرهم الذين أجمعوا أن النظرية استفزازية بالدرجة األولى ولكنها غير مقنعة ،حيث يقول هنتنغتون„ أن نظرية نهاية التاريخ
تقوم على "أكذوبتين" هما:
-إن النظرية تؤكد وبشكل قوي على إمكانية التنبؤ بالتاريخ واستمرار اللحظة ،علما أن التيارات الراهنة قد إال
تستمر في المستقبل وهو ما تؤكده تجارب الماضي ،وبالتالي فالنظرية فيها شك.
ويرى هنتنغتون„ أن ثمة تحديات كبيرة تواجه نظرية نهاية التاريخ منها:
-حقيقة أنه قد تبهت مجموعة من األفكار أو االديولوجيات بل وتختفي عن األنظار لجيل أو أكثر لتعود للظهور
من جديد لكن مكتسبة حيوية من جيل أو اثنين الحقا .
-أن القبول الكوني للديمقراطية الليبرالية يحول دون صراعات داخل المنظومة الليبرالية نفسها ،وتاريخ
االديولوجيات يؤكد ذلك.
-أما "جون كراي" فقد جزم بأن النظرية تنبئ بنهاية الليبرالية وليس نهاية التاريخ ،إذ عمرنا هذا عمر يتضاءل
فيه تأثير السياسة سواء الليبرالية أو الماركسية على األحداث ،ويشتد فيه التنازع فيما بين قوى عتيقة وقائمة منذ األزل و قوى
قومية ودينية„ وأصولية ،وربما سرعان ما تكون مالتيسية[.]12
ويرى كراي أن االعتقاد بأن نهاية التاريخ يمكن أن ينتهي الن نزاعا بين اديولوجيات التنوير السريعة الزوال قد وصل نهايته،
إنما يكشف عن ضيق أفاق التفكير يصعب االطمئنان إليه ،وإنما كعالمة واضحة على حالة الحياة الفكرية والسياسية مع اقتراب
القرن العشرين من نهايته أن تبدو مثل هذه التأمالت السخيفة قابلة للتصديق.
أما األكاديمي الروسي " بوزديناكوف" فقد بنى نقيض نظريته على تصور فلسفي مفاده أن اإلنسانية تعاني اليوم من جراء
غياب هدف تعيش من أجله وفقدان الروح ،وبذلك يؤكد على حقيقة أن الديمقراطية الليبرالية تعد نجاحا حقيقيا لإلنسانية ،ولكنها
تبقي نجاح وليس نهاية.أما "محمد نشطاوي" فيرى أن صاحب نهاية التاريخ وقع في تناقض حاد عندما بشر العالم بعالم جديد
يسوده الفكر الليبرالي الديمقراطي ،وهو هنا تبنى بشكل أو بأخر الفكر الشمولي الذي يجمد التطور اإلنساني ويضعه في قوالب
مهيأة سلفا إنها عودة من الباب الخلفي للفكر الشمولي الذي بشر به فوكوياما نفسه.كما ان توقعات فوكوياما تبقى مجرد احتماالت
شأنها شأن ما سبقها من توقعات كتلك التي أطلقها هتلر حينما تحدث عن الرايخ الثالث الذي سيعيش ألف عام ،لكن التوقع هذا
اصطدم بالواقع ،وكذا الماركسية ،ويضيف أنه اذا أردنا أن نتحدث عن نهاية التاريخ ومعه نهاية العالم ،فيجب أن نتحدث عن
معطيات أخرى مرتبطة بنهايات متفرعة عن الكون بسبب ظاهرة االحتباس الحراري الناتج عن اتساع ثقب األوزون وما
يترتب عليه من االختالالت االيكولوجية.
خاتمة
إن خطاب نهاية التاريخ هو خطاب انتصاري في ثناياه روحا رسالية متعجرفة ،ففوكوياما أغرته بعض النتائج الدولية وجعلته
يعتقد أن الديمقراطية الليبرالية ومركزها أوروبا و أمريكا ،قد حققت ذاتها وإشباعها ،وبالتالي على باقي العوالم أن تلهث
وتتسرع لتلتحق بالتاريخ الكوني ،ومن هنا يكون الجنوب محكوم عليه بالتبعية الدائمة وسيبقى فاعال سلبيا يمأل العالم مجاعات
وتهديدات ،مما سيخلق راحة وهناء عالم ما بعد التاريخ ،ويرد فوكوياما أن التحوالت الثورية الكبرى ال تحدث إال في العجوز
أوروبا التي كانت وال تزال مهد فكر الحرية اإلنسانية ،ولذلك على البشر أن يتخلوا على كل تواريخهم فقد أصبح التاريخ
األوروبي التجسيد المطلق للتاريخ العالمي ،ومن هذه إال محاولة من فوكوياما لمصادرة واحتجاز حق الشعوب والحضارات في
الحلم والتطلع إلى اختيار مصيرها ،وفي التفكير بمستقبل يوافق رؤاها وثقافتها ،ليحكم عليها بقدرها األبدي في الخضوع لخيار
واحد ال غير قد يقود في حدوده القصوى إلى االنتصار الجماعي من أجل الديمقراطية الليبرالية ،وهذا إنما هو راجع لكون ثقافة
الواليات المتحدة األمريكية ثقافة مرتبطة بالمكان والجغرافية وليس بالتاريخ ألنها ال تمتلك حس تاريخي وال ذاكرة تاريخية
لذلك من الصعب على الكثير من مفكريها أن يدركوا معنى التاريخ الشامل للبشرية وجدلية الحضارات ودوريتها عبر التاريخ
وإمكانية انبعاثها إلعادة تشكيل فضاءاتها بشكل مخالف للغرب[. ]13
الئحة المراجع:
.محمد سيف حيدرالنقيد،نظرية نهاية التاريخ وموقعها في إطار توجهات السياسةاألمريكية في ظل النظام العالمي
الجديد،مركز اإلمارات للدراسات و البحوث اإلستراتيجية 2007
[ - ] 1محمد سيف حيدرا النقيد ،نظرية نهاي -مالتسية :نسبة لفوضوية توماس مالتوس ،والمراد من طبيعة النزاع بين القوة
القومية واألصولية ،سرعان ما قد تأخذ طابعا بيئويا خطيرا(نزاع حول الموارد والغذاء في ظل زيادة كبيرة لعدد سكان
األرض ة التاريخ ،مركز اإلمارات للدراسات والبحوث،سنة ،2007
. 1محمد سيف حيدرالنقيد،نظرية نهاية التاريخ وموقعها في إطار توجهات السياسةاألمريكية في ظل النظام العالمي
الجديد،مركز اإلمارات للدراسات و البحوث اإلستراتيجية 2007ص53:
]6[
[ - ]7محمد السعدي أطروحات لفهم العالم الجديد „،مرجع سابق ص24
[ - ]8محمد سيف حيدرا النقيد „،نظرية نهاية التاريخ ،مركز اإلمارات للدراسات والبحوث،سنة ،2007ص 66
[ - ]12مالتسية :نسبة لفوضوية توماس مالتوس ،والمراد من طبيعة النزاع بين القوة القومية واألصولية ،سرعان ما قد تأخذ
طابعا بيئويا خطيرا(نزاع حول الموارد والغذاء في ظل زيادة كبيرة لعدد سكان األرض)
[ - ]13محمد السعدي ،اطروحات لفهم العالم الجديد „،مرجع سابق ،ص 32-33