Professional Documents
Culture Documents
ما يتع ّلق به ،ن�سمعها كثير ًا من النا�س ،ال �س َّيما في الآونة
الأخيرة ،حينما ثلم المجتمع بفقد ُث َّلة من المراجع العظام
ليليهم عدد من المراجع الم� ّؤهلين للمرجع ّية الفقه ّية ،م ّما
�أ َّدى �إل��ى ن�شوء �أ�سئلة يتع ّلق بع�ضها بالطريقة ال�صحيحة
ال�شرعي .وبع�ضها الآخ��ر يدور حول �شرط ّ لإح��راز التقليد
الأعلم ّية في المرجع ،وبع�ضها في مفردات �أخرى.
وهذه الأ�سئلة كانت ال�سبب في كتابة هذا البحث الذي
�أردته �صغير ًا في الحجم� ،سه ًال في العبارة ليفهمه العا َّمة
من النا�س ،لع ّله ينير معبر التقليد بم�صباح ال�شرع الحنيف،
ليعبروه بد ّقة و�سالم ،راجي ًا من المولى تعالى ح�سن القبول.
رب العالمين.
والحمد هلل ِّ
�أكرم بركات
بيروت/جمادى
الأولى1423/هـ
***
ما معنى التقليد؟
التقليد في اللغة
التقليد ،لغ ًة ،ي�أتي من معنى القالدة ،وهي التي تع َّلق في
العنق(((.
وقد �سمعنا كثير ًا ما ورد عن الإمام الح�سينُ Q
«خ َّط
مخط القالدة على جيد الفتاة»((( �أي الموت على ولد �آدم َّ
على عنقها .لذا ُيقال ق َّلدته قالد ًة �أي جعلتها في عنقه.
وقد تكون عمل ّية التقليد وجعل القالدة في العنق ماد ّية
الوطني حينما يجعل الو�سام
َّ الو�سام
َ ملمو�سة ،كما ُيقال :ق َّلده
في عنقه .وقد تكون عمل ّية التقليد معنو ّية يراد منها �إلزام
((( الطريحي ،مجمع البحرين ،تحقيق �أحمد الح�سيني ،ط ،2قم ،مكتبة الن�شر والثقافة
الإ�سالمية 1408 ،هـ ،ج� ،3ص.132
((( القزويني ،عبد الكريم ،قم ،مكتبة ال�شهيد ال�صدر ،الوثائق الر�سمية� ،ص.77
يسألونك عن التقليد 8
التقليد في الفقه
غوي ال�سابق ا�ستُعمل لفظ التقليد في الفقه وبالمعنى ال ّل ّ
إ�سالمي ،فالمك ّلف حينما يتبع المجتهد في فتاواه ،فهو ّ ال
يعمل على ذ ّمته وك�أ ّنه و�ضع القالدة في رقبة مرجع التقليد
رمزي عن تحميله الم�س�ؤول ّية يوم القيامة ،فالمك ّلف، كتعبير ّ
حينما يق ِّلد تقليد ًا �صحيح ًا ،فهو ال ُي�س�أل يوم القيامة عن
تفا�صيل �أعماله التي عملها على ذ ّم��ة مرجع التقليد ،بل
الم�س�ؤول في ذلك هو المرجع نف�سه.
الخميني{ التقليد في ّ وبهذا المعنى ع� َّرف الإم��ام
تحرير الو�سيلة بقوله« :التقليد ه��و العمل م�ستنداً �إل��ى
فتوى فقيه مع ّين»(((.
اال�صطالحي تت ّمة ف��ي م��ا ي��أت��ي تحت
ّ ولمعنى التقليد
عنوان« :كيف نق ّلد؟» .وقبل ذلك نجيب عن ت�سا�ؤل يتع ّلق
ب�أ�صل التقليد� ،أال وهو لماذا نق ّلد؟ فه ُل َّم بنا �إليه.
((( الإمام الخميني ،روح اهلل( ،ال ،ط)من�شورات �سفارة الجمهورية الإ�سالمية 1407 ،هـ،
بيروت .تحرير الو�سيلة ،ج� ،1ص.3
لماذا نقلِّد؟
((( منهج ّية الثورة الإ�سالم ّية� ،ص( 7والآية في �سورة الأنعام رقم .)79
يسألونك عن التقليد 14
الجواب هو :كلاّ ،لأنّ اال�ستدالل بها خا�ضع لجملة �أمور ال
العادي غير المجتهد .فبالن�سبة �إلى الرواية ّ تتو ّفر عند الإن�سان
ال��واردة عن الإمام الع�سكري Qما �أدران��ا نحن ،هل هي
ي�صح �أن ُن َع ِّو َل عليها دلي ًال
معتبرة من حيث ال�سند �أم ال؟ حتى ّ
في وجوب التقليد ،وهل هي معار�ضة بغيرها �أم ال؟
وهل تحمل معنى الوجوب �أم ال؟
وبالن�سبة �إلى الآية الكريمة ال�سابقة نت�ساءل عن المراد
من �أهل الذكر ،فهل هم الأئ ّمة المع�صومون فقط� ،أم ت�شمل
يف�سرها ب�أهل الكتاب؟ العلماء غيرهم �أي� ًضا ،مع كون البع�ض ِّ
تدل على الوجوب و�أي� ًضا نت�ساءل :هل �صيغة الأمر «ا�س�ألوا» ّ
�أم ال؟
�إنّ الأجوبة عن تلك الأ�سئلة ال يمكن للإن�سان العا ّم ّي غير
المجتهد �أن يجيب عنها فكيف يعتمد عليها دلي ًال في تقليده؟
انتبه
�إ ّياك �أن تقول� :إنا نعتمد على الفقهاء في توثيق الرواية،
وعلى الأ�صول ّيين في �أنّ �صيغة الأمر ّ
تدل على الوجوب.
19 ديلقتلا ىلع انليلد
جل النا�س ب�شكل وا�ضح ،فك ّل �إن�سان، المتط ّلبات قد يعرفها ُّ
بحكم التجربة ال�ساذجة في حياته ،يعلم �أ ّنه �إذا تع َّر�ض �إلى
مناخ بارد فج�أة فقد ي�صاب ب�أعرا�ض ُح ّمى ،ولكنّ كثيراً من
�أ�ساليب الوقاية والعالج ال يعرفها �إ َّال عن طريق الطبيب،
وال يعرفها الطبيب �إ َّال بالبحث والجهد ،وهكذا الحال في
مجال التعمير والبناء ومجاالت الزراعة وال�صناعة ،على
اختالف فروعها.
ومن هنا وجد ك ّل �إن�سان �أ ّن��ه ال يمكن عمل ّي ًا �أن يتح ّمل
العلمي الكامل في ك� ّل ناحية من ّ بمفرده البحث والجهد
نواحي الحياة؛ لأنّ هذا ،عادة� ،أكبر من قدرة الفرد وعمره
من ناحية ،وال يتيح له العمق في ك ّل تلك النواحي بالدرجة
الكبيرة ،من ناحية �أخرى ،فا�ستق ّرت المجتمعات الب�شر ّية
يتخ�ص�ص لك ّل مجال من مجاالت المعرفة والبحث، على �أن ّ
عدد من النا�س ،فيكتفي ك ّل فرد في غير مجال اخت�صا�صه،
بما يعلمه على البديهة ،ويعتمد في ما زاد عن ذلك ،على
ذوي االخت�صا�ص مح ّم ًال �إ ّي��اه��م الم�س�ؤول ّية ف��ي تقدير
21 ديلقتلا ىلع انليلد
المجتهدين»(((.
�إذ ًا فجوابنا ،نحن غير المجتهدين ،عن وجوب التقليد،
العقالئي،
ّ إن�ساني
ي�أتي من قراءة عقولنا لواقع المجتمع ال ّ
فنكون في جوابنا غير مق ِّلدين ،بل نجتهد ــ ال بمعنى االجتهاد
اال�صطالحي ــ لنتع ّرف بعقولنا على وجوب التقليد.
ّ
لذا حينما �سئل الإمام الخامنئي} في �أ ّول م�س�ألة في
�أجوبة الإ�ستفتاءات :هل وجوب التقليد م�س�ألة تقليد ّية؟ �أم
اجتهاد ّية؟ �أجاب قائ ًال« :هو م�س�ألة اجتهاد ّية عقل ّية»(((.
�شروط التكليف
وللتكليف �شروط ال يتح ّقق بدونها وهي:
1-1البلوغ :فالإن�سان غير البالغ ال يتع ّلق التكليف بذ َّمته ،فهو ال
يُعا َقب في الآخرة على ما يقترف من �أعمال �س ّيئةَّ ،
لكن ف�ضل
اهلل تعالى قد يطا ُل �أعماله الح�سنة لينال ثوابها في الآخرة.
نعم عدم ت�سجيل �س ّيئات على غير البالغ في الآخرة :ال يعني
�إعفاءه من الم�س�ؤول ّية في الدنيا ,فهو �إن ت�س ّبب ب�إ�ضرار
الآخرين ك�إتالف �أموالهم �أو �سرقتها �أو ما �شاكل فيجب عليه
بعد بلوغه �أن يتح َّمل الم�س�ؤول ّية ب�سبب ت�صرفاته تلك.
عالمات البلوغ
وللبلوغ عالمات ي�صل �إليها الإن�سان عند تح ُّقق �إحداها وهي:
�أ ــ �أن يبلغ عمر ًا مع ّين ًا يختلف بين ال ّذ َكر والأنثى.
ففي ال ّذ َكر يتح ّقق البلوغ عند و�صوله �إلى �سنّ الخام�سة
ع�شرة قمر ّية ،وهي ما ُيوازي �أرب َع ع�شر َة �سنة و�سبعة �أ�شهر
�شم�س ّية (ميالد ّية) تقريب ًا .وفي الأنثى يتح ّقق البلوغ عند
و�صولها �إلى �سن التا�سعة قمرية ،وهي ما يوازي ثماني �سنوات
وت�سعة �أ�شهر �شم�س ّية (ميالد ّية) تقريب ًا.
27 ؟ديلقتابجي ْنَـم ىلع
ل
المني.
ب ــ خروج ّ
ج ــ نبات ال�شعر الخ�شن على العانة التي هي المو�ضع
الواقع بين العورة ونهاية البطن.
2-2العقل :فالمجنون غي ُر مك َّلف ــ كما هو وا�ضح ــ فقد
ُرفع القلم عنه حتى يفيق من جنونه.
يتوجه �إليه؛
3-3القدرة :فمن عجز عن �أداء التكليف ال َّ
لقول اهلل تعالىَ } :ال يُ َكلِّ ُف اهللُ نَ ْف ً�سا �إِ َّال ُو ْ�س َع َها{(((.
علمي
ّ الثاني� :شرط
وهو عبارة عن عدم و�صول الإن�سان �إلى مرحلة االجتهاد،
ال�شرعي من
ّ فالمجتهد ــ وهو القادر على ا�ستنباط الحكم
ال�شرعي في �ضوء فهمه
ّ الأد ّلة ــ ي�ستطيع �أن يحدِّ د بنف�سه تكليفه
لل�شريعة المق َّد�سة ،فهو عالم .والتقليد هو رجو ٌع من الجاهل
�إلى العا ِلم� ،أ ّما العالم فمرجعه �إلى نف�سه ،ال �إلى عالم �آخر.
وكذلك ف�إنّ من ا�ستطاع �أن يحتاط في �أعماله بحيث ي�ستطيع
�أن يحدّد تكليفه ب�صورة يتي َّقن �أنّ ذ ّمته بريئة �أمام الواقع المجهول
((( �سورة البقرة ،الآية.286 :
يسألونك عن التقليد 28
لديه ،ال يجب عليه �أن يق ِّلد ،بل يمكنه �أن يحتاط في �أعماله.
لكنَّ العمل باالحتياط لي�س بال�سهل �إذ ال ب ّد فيه من «مراعاة ك ّل
االحتماالت الفقه ّية للمورد م ّما يحتمل وجوب مراعاته(((.
لذا �أجاب الإمام الخامنئي} «حينما �سئل عن الأرجح َّية
ب�ي��ن التقليد وال�ع�م��ل ب��االح�ت�ي��اط ب�ق��ول��ه -ك�م��ا ف��ي �أج��وب��ة
اال�ستفتاءات« :حيث �إ ّن العمل باالحتياط موقوف على معرفة
موارده ،وعلى العلم بكيف ّية االحتياط ،وال يعرفهما � اّإل القليل،
م�ضافاً �إلى �أ ّن العمل باالحتياط يحتاج غالباً �إلى �صرف الوقت
الأزيد ،فالأولى تقليد المجتهد الجامع لل�شرائط»(((.
ال�شرعي
ّ طرق الو�صول �إلى الحكم
((( المظفَّر ،محمد ر�ضا ،عقائد الأمامية ،تحقيق الطريحي� ،ص 234ـ .235
((( ج� ،1ص.7
31 ا
دِّلقن اذمب
تقليد ًا؟ �أم ال ب َّّد من العمل �إ�ضافة �إلى االلتزام؟ فمنهم من
قال �إن االلتزام يكفي من دون عمل ،ف�إذا �أخذ ر�سالة المرجع
والتزم بالعمل بما فيها كفى في تح ّقق التقليد ،و�إن لم يعمل
بعد ،وقد ذهب �إلى هذا الر�أي المرحوم ال�س ّيد الطباطبائي
اليزدي{ في العروة الوثقى(((.
في حين �أ�ص َّر بع�ض الفقهاء على �أنّ التقليد ال ب ّد في
الخميني
ّ تح ّققه من العمل بالفتوى كما يظهر من كالم الإمام
{ ال�سابق.
وتظهر الثمرة العمل ّية بين القولين في ما لو التزم مك َّل ٌف
ما بفتاوى مرجع مع َّين ،وقبل مبادرته ب� ِّأي عمل ُت ُو ِّف َي ذلك
المرجع ،فهل ُيع ّد ما قام به تقليد ًا �أم ال؟ فمن قال �إنّ االلتزام
�صحة التقليد يكون هذا تقليد ًا ،ومن من دون عمل يكفي في ّ
قال �إن االلتزام ال يكفي وحده ،بل ال ب َّّد من �ضميمة العمل
ف�إنَّ هذا ال يكون تقليد ًا.
((( اليزدي ،محمد كاظم ،العروة الوثقى ،من�شورات م� ّؤ�س�سة الأعلمي بيروت ،ج� ،1ص4
(وقد علق المرحوم ال�س ّيد الخوئي { على الفتوى ال�سابقة لل�سيد اليزدي ب�أن
التقليد هو اال�ستناد �إلى فتوى الغير في العمل).
35 دِّلقن فيك
الحي ال��ذي تتو َّفر فيه �شروط التقليد، �إل��ى مرجع التقليد ّ
وهذا المرجع هو الذي يق ِّرر له حكمه وتكليفه.
فقد يقول له« :يجب عليك البقاء على تقليد المرجع
الميت في ك ّل فتاواه طالما هو بنظرك �أعلم من الأحياء».
وقد يقول له كالقول الأ ّول ،ولكن لي�س في ك ّل فتاواه ،بل
ين�س.
بما حفظ منها ولم َ
الحي.
وقد يخ ِّيره بين البقاء على تقليد الميت وتقليد ّ
عملي على ذلك نعر�ض هذه الم�س�ألة: وكمثال ّ
الخميني{ وبعد ّ ل��و �أنّ مك َّلف ًا ك��ان يق ِّلد الإم���ام
وفاته رحمه اهلل وجد �شروط مرجع ّية التقليد في الإم��ام
الخامنئي} فرجع �إليه لي�س�أله :ما هو تكليفي في التقليد؟
فجواب الإمام الخامنئي } هو التالي� :أنت �أمام خيارات
ثالثة يجوز �أن تتبع �أ ّي ًا منها:
الأ ّول� :أن تبقى على تقليد الإمام الراحل{ في ك ّل فتاواه.
الثاني� :أن تق ّلدني في ك ّل فتاواي.
ال�ث��ال��ث� :أن تبقى على تقليد الإم��ام الراحل{ في فتاواه
41 ؟دّلقننم
وتق ِّلدني في �أ َّية فتوى �شئت بدون ا�ستثناء حتى لو كان ر�أيُ
الإم��ام الراحل{ مخالف ًا لر�أيي على نحو الفتوى ال
االحتياط .ولكن بعد عدولك � َّإلي ،ال يجوز لك الرجوع �إلى
ر�أي الإمام الراحل{ في ما عدلت � َّإلي من الفتاوى.
فمث ًال لو بقيت على تقليد الإمام { في فتاواه ،لك ّنك
عدلت � َّإلي في فتوى �صالة الم�سافر ،وكانت فتواي الإتمام في
ال�صالة ،بينما كان ر�أي الإمام { التق�صير فيها ،فهنا
بعد عدولك �إل� َّ�ي في هذه الفتوى ،يتع َّين عليك الإتمام في
ال�صالة ،وال يجوز لك الرجوع �إلى فتوى الإمام { التي
هي وجوب تق�صير ال�صالة.
وبعد �أن ّتم الكالم عن ال�شرط الأ ّول من �شروط مرجع
التقليد ننتقل �إلى ال�شرط الثاني لنعقبه ببق ّية ال�شروط.
2ـ البلوغ:
وهذا ال�شرط محرز في الفقهاء ع��ادة ،و�إن كان بع�ض
فقهائنا كالعلاّ مة الح ّلي والفا�ضل الهندي ،قيل فيهم �إ ّنهم
و�صلوا �إلى رتبة االجتهاد قبل مرحلة بلوغهم.
يسألونك عن التقليد 42
3ـ العقل:
وهو �شرط وا�ضح.
4ـ الذكورة:
وقد ن�سب �إلى العلماء الت�سالم عليه لأد َّلة ُذ ِك َرتْ في مح ّلها.
5ـ طهارة المولد:
�أي عدم التو ُّلد من زنا وذلك لح�سا�سية من�صب المرجع ّية.
6ـ الإيمان:
�أي كون المرجع على مذهب �أهل البيت � Rإمامي ًا اثنا
ع�شري ًا وهذا �شرط وا�ضح� ،أي� ًضا وهو م�ستفاد من عدة �أخبار
واردة عن �أهل البيت Rكقول الإمام �أبي الح�سن Q
و�ضع ّية �أ�صابعه على الأزرار ودون �أن ي�شعر بتكلُّف؛ وذلك لأ ّنه
�أ�صبح لديه «ملكة» في ال�ضرب على الآلة الكاتبة.
وهكذا ف�إنّ �صاحب ملكة العدالة يفعل الواجبات ويترك
المح ّرمات من دون �شعور بالتكلُّف بخالف غيره.
تو�ضيحي لتف�سير معنى الملكة الم�أخوذة في ّ �إ ّن��ه مثال
العدالة عند بع�ض الفقهاء ،و�إن كان فيه بع�ض الم�سامحة
في الت�شبيه.
وعلى ك ّل حال ف�إنّ معنى العدالة و�إن كان ما م َّر �إلاّ �أ ّنها في
المرجع مطلوبة ب�صفة �آكد لح�سا�سية موقعه لذا قال الإمام
الخميني{ في تحرير الو�سيلة« :يجب �أن يكون المرجع ّ
للتقليد عالماً مجتهداً ع��اد ًال ورع �اً في دين اهلل ،بل غير
مكب على الدنيا ،وال حري�صاً عليها وعلى تح�صيلها جاهاً ّ
وم��ا ًال على الأح��وط ،وفي الحديث (من كان من الفقهاء
�صائناً لنف�سه حافظاً لدينه ،مخالفاً لهواه ،مطيعاً لأمر
مواله فللعوا ّم �أن يق ِّلدوه)»(((.
ال�شرعي
ّ المطلق وهو القدير على ا�ستخراج الحكم
من دليله المق َّرر في مختلف �أبواب الفقه.
2-2اج�ت�ه��اد ن��اق����ص ،وي���س� ّم��ى ذو االج �ت �ه��اد الناق�ص
المتجزئ وه��و ال��ذي اجتهد ف��ي بع�ض ِّ بالمجتهد
الم�سائل ال�شرع ّية دون بع�ض ،فكان ق��دي��ر ًا على
ال�شرعي ف��ي نطاق م�ح��دود من
ّ ا�ستخراج الحكم
الم�سائل فقط.
والقدر المتي ّقن من االجتهاد الذي هو �شرط في مرجع
التقليد ،هو االجتهاد الكامل المطلق� .أ ّما االجتهاد الناق�ص
ففيه تف�صيل وارد في مح ِّله.
يبقى الكالم عن الأعلم ّية و�شرط ّيتها في مرجع التقليد،
ح�سا�سة وغاية في الأهم ّية نعقد لها البحث التالي. وهي نقطة ّ
أعلميـّة مرجع التقليد
معنى الأعلم
قبل البحث عن �شرط َّية الأعلم ّية في مرجع التقليد ال ب ّد
من تحديد معنى الأعلم ّية الذي رغم كونه لم يرد في �آية وال
قوي في �أبحاث الفقهاء المت� ّأخرين رواية� ،إلاّ �أ ّنه ظهر ب�شكل ّ
نتيجة التع ّمق وال�ت��و� َّ��س��ع الحا�ص َل ْين ف��ي ِع� ْل� َم� ِ�ي الأ��ص��ول
والفقه(((لذا ف�إنّ معنى الأعلم ّية لم ينح�صر عند الفقهاء في
دائرة واحدة ،بل كانت عندهم نظر ّيتان في تحديدها.
الخا�صة)
ّ النظر ّية الأولى (الأعلم ّية
وهي التي �سادت في الكتب الفقه ّية التي ُع� ِّرف الأعلم
((( انظر :الها�شمي ،محمود ،نظرة جديدة في والية الفقيه ،قم� ،ص.26
يسألونك عن التقليد 48
�إلى �إحاطته بالقواعد المق َّررة ،ال ب ّد �أن يكون �أ�ش َّد مهارة من
غيره في تطبيق هذه القواعد على ما ي�س ّمى بال�صغريات ب�أن
يتمتّع ب�أح�سن �سليقة في هذا التطبيق.
فقد يحيط العالم بالقواعد الأ�صول ّية ب�شكل كبير ،ولكن
حينما يريد �أن يط ّبقها على �صغرى وردته في �صالة من كان عمله
في ال�سفر مث ًال ،ف�إ ّنه قد ال يكون في هذا التطبيق ذا مهارة تفوق
غيره ،فهذا رغم �إحاطته بالقواعد ،لي�س هو الأعلم بين الفقهاء.
لذا كان الأعلم هو «الأعرف بالقواعد والأ�ش ّد مهارة من
غيره في تطبيقها على �صغرياتها».
النظر ّية الثانية (الأعلم ّية بالمجموع)
وهذه النظر ّية في تحديد معنى الأعلم ،ت�ستبطن المعنى
ال�سابق في النظرية الأولى �إلاّ �أ ّنها تمتاز عنها ب�إ�ضاءة قام
بها بع�ض الفقهاء م�ش ّدد ًا على �أنّ الأعلم ّية ال تكون بدونها.
في حين ط��رح بع�ض الفقهاء �إ�ضافة �إل��ى المعنى ال�سابق
للأعلم ّية وجعلها �أ�سا�س ًا في �أهل ّية الفقيه للتقليد .وها هنا
نذكر الإ�ضاءة والإ�ضافة.
يسألونك عن التقليد 50
الإل �م��ام بهذه الأم ��ور ق��د يوجب ال��وه��ن الكبير في
اال�ستنباط وا�ستظهار الفقيه في مثل تلك الم�سائل.
3-3ال��وق��وف على المعارف ال���ص��ادرة ع��ن �أه��ل البيت
المع�صومين الأطهار Rفي الم�سائل الكالم ّية
والم�سائل الأخالق ّية ،والمعارف الأخرى الموجودة
في الروايات والمنت�شرة في الكتب غير الفقه ّية ف�إنّ
هذا م�ؤ ّثر ج ّد ًا في ا�ستظهار الن�صو�ص واال�سـتفادة
منها ومعرفة الأد َّلة.
واعتبر ال�س ّيد الها�شمي �أ ّنه ال ب ّد من مالحظة هذه الأمور
ّثم �صياغة تعريف دقيق ج ّد ًا للأعلم ّية في �ضوئها(((.
إ�ضافة �إلى �شروط المرجع ّية ٌ �
ما تق ّدم من �شروط المرجع ّية كان هو المتعارف ذكره في
ر�سائل الفقهاء� .إلاّ �أ ّنه بعد التط ّورات الميدان ّية التي ح�صلت
في العالم المعا�صر ،م ّما يجعلها تلقي بثقلها على مرجع ّية
التقليد لتزيد من م�س�ؤوليتها في دائرة واليتها ،بد�أ جملة من
((( انظر المرجع ال�سابق ،من �ص� 29إلى �ص.37
يسألونك عن التقليد 52
((( ال�شهيد ال�صدر ،محمد باقر ،الفتاوى الوا�ضحة ،من�شورات دار التعارف� ،ص.115
53 ديلقتلا عجرم ةّـيملعأ
من الوالية �أو على الأق ّل قيادة حقوق ّية فقه ّية وتم ّثل الق ّوة
المق ّننة ب�أ�سرها؛ ل ّأن النا�س ي�أخذون ك ّل قوانين حياتهم
من بدايتها �إلى نهايتها من المرجع»(((.
ثم عر�ض ال�س ّيد الها�شمي �شرط ال�شهيد ال�صدر {
م��ؤ ّك��د ًا عليه ،ال �س َّيما �أنّ مرجع ّية الفقيه تم ّثل نوع ًا من
القيادة للمجتمع «لأ َّن الذين يق ِّلدونه� ،شاء �أم �أبى ،يتابعونه
في نظراتهم و�أ�سماعهم ويالحقونه بقلوبهم ،ماذا يقول
مرجعهم ومق َّلدهم؟ وماذا يفتي؟ حتى يق ّلدوه ويتابعوه
الخا�صة والعا ّمة .ولأجل هذا ال ب ّد �أن تتو َّفر
ّ في حياتهم
خا�صة �أخرى جامعها ال ّلياقة في مرجع التقليد �شرائط ّ
والكفاءة في قيادة مق ِّلديه»(((.
�أعلم لكنَّه لي�س المرجع
ومن لطيف ما نقل في �شرط ال ّلياقة والكفاءة في مرجع
ق�صة ح�صلت مع المرحوم �آية اهلل العظمى ال�شيخالتقليد ّ
ح�سين الح ِّلي{ الذي كان يرى فيه الكثير من العلماء �أ ّنه
�أعلم المجتهدين في ع�صره ،مع �أنّ المت�ص ّدي للمرجع ّية في
ع�صره كان المرجع الكبير ال�س ّيد مح�سن الحكيم{� ،إذ
ُينقل �أنّ �أحدهم �س�أل ال�شيخ الح ِّلي{ :لماذا لم تت�ص َّد
للمرجع ّية مع �أ ّنك �أعلم من ال�س ّيد الحكيم؟ ف�إذا بالجواب
المفاجىء من هذا العالم الجليل بما مفادهّ �« :أن ال�س ّيد
الحكيم نجح في تربية �أبنائه» ولع ّله ي�شير بكالمه هذا �إلى
�أنّ من �شروط المرجع ّية ح�سن الإدارة لها وال ّلياقة في ذلك،
وهذا ما كان يتمتّع به المرحوم ال�س ّيد الحكيم{ ب�شكل
وا�ضح.
و�شرط ال ّلياقة هذا لم يقف عند طرح عنوانه في كتاب
ال�شهيد ال�صدر ،بل جاء �صاحب الخبرة الطويلة في مرجع ّية
التقليد وال��ذي ا�ستطاع �أن ينقل الر�سالة العلم ّية ليجعلها
ر�سالة عمل ّية بحقّ في ق�ضايا الفرد والمجتمع والدولة ،وهو
الخميني{ الذي �أ ّكد في نداء الخام�س ع�شر من ّ الإمام
وجهه �إلى الحوزات العلم ّية والعلماء، رجب 1409هــ والذي َّ
55 ديلقتلا عجرم ةّـيملعأ
دعوى الإجماع عليه ،نعم ن�سب �إلى بع�ض العلماء المت� ّأخرين
عن ال�شهيد الثاني عدم وجوب تقليد الأعلم(((.
ال�شيخ الأن�صاري وتقليد الأعلم
ومن لطيف ما ورد في ق�ضية �أعلم ّية المرجع ،ما ورد
ق�صة المرجع الكبير ال�شيخ مرت�ضى الأن�صاري{ في ّ
الذي �أق َّر ب�أعلم ّيته ودعا ال�شيعة �إلى تقليده ،مرج ُع ال�شيعة
الكبير وعال ُمهم الف ّذ ال�شيخ مح ّمد ح�سن النجفي (�صاحب
كتاب الجواهر{) ُقبيل وفاته� .إلاّ �أنّ ال�شيخ الأن�صاري،
بعد وفاة �صاحب الجواهر ،رف�ض �أن يت�س َّلم زمام المرجع ّية
((( انظر :الغروي ،علي ،التنقيح في �شرح العروة الوثقى ،ج� ،1ص.134
يسألونك عن التقليد 58
والجواب:
توجه لمعرفة وجوب التقليد بو�ساطة عقله �إنّ المك َّلف كما ّ
العقالئي ،ف�إ ّنه في تحديد وجوب تقليد ّ ونظرته �إلى المجتمع
الأعلم ال ب ّد من �أن يرجع �إلى العقل والعقالئ ّية �أي� ًضا؛ ف�إ ّنهمـا
ال�سـبيل للو�صـول �إلـى النتيجة التي تب ّرىء ذ َّمته �أمام اهلل من
وجهها �إليه ،وحينها يعلم المك َّلف �أنّ «عقله التكاليف التي ّ
ي�ستق ّل بلزوم الرجوع �إل��ى الأعلم عند العلم بالمخالفة
بينه وبين غير الأعلم في الفتوى»((( ،وما ذلك �إلاّ لأنّ غير
المجتهد ،بعد �أن ت�أ َّكد من �أ َّنه مك َّلف بالقيام بتكاليف �ش ّرعها
اهلل تعالى في ر�سالته الخالدة ف�إ ّنه يعلم �أ ّنه ال ب ّد من ال�سعي
لإبراء ذ ّمته من هذه التكاليف ولال�ستفادة منها في م�ساره
الكمالي الذي يريده اهلل تعالى له.
ّ
تو�صل هذا المك َّلف (غير المجتهد) �إلى �أنّ الو�سيلة وقد ّ
الأي�سر لبراءة ذ ّمته هي التقليد ،ولك ّنه الآن يواجه �س�ؤا ًال :هل
يق ِّلد الأعلم بين المجتهدين؟ �أو يق ِّلد غير الأعلم منهم؟
((( هذا التعبير وارد في تقريرات المرحوم ال�س ّيد �أبي القا�سم الخوئي { في التنقيح،
ج� ،1ص.134
63 ديلقتلا عجرم ةّـيملعأ
الأعلـم فقـــال« :و�أ ّم� ��ا ال��دل�ي��ل عليه ف �ه��و ...حكم العقل
لدوران الأمر حينئذٍ بين التعيين والتخيير»(((.
توجه عقل الإن�سان في هذا المورد نحو تقليد وفل�سفة ُّ
الأعلم َت ْك ُمن في خلف ّي ٍة ُت�ش ِّك ُل �أ�سا�س ًا في حركة الإن�سان في
هذه الحياة ،وعنوان هذه الخلف ّية هو التالي «� ّإن ما يح ِّرك
الإن�سان هو ق ّوة المحتمل ال ق ّوة االحتمال».
ولتو�ضيح هذه القاعدة نطرح هذا المثال:
لو �أنّ رج ًال كان ي�سير على د ّراج��ة في ال�شارع ،فاحتمل
بن�سبة �سبعين بالمئة� ،أثناء م�سيره� ،أنّ قطعة مال ّية متدن ّية
القيمة -ولنفتر�ض �أ ّنها خم�سون ليرة لبنان ّية -قد وقعت منه
ف�إ ّننا نجد �أنّ هذا الرجل ال يتو ّقف بل يتابع م�سيره ،مع �أنّ
االحتمال هو ،٪ 70لكنّ المحت َمل هو خم�سون ليرة لبنان ّية.
بينما لو �أنّ هذا الرجل احتمل �أثناء م�سيره بن�سبة ،٪ 5وقوع
مليون ليرة لبنان ّية منه ف�إ ّننا نجده يتو ّقف بال تر ّدد مع �أن
احتمال الوقوع هو ،٪ 5لكن المحت َمل هو مليون ليرة.
((( الإمام الخامنئي ،علي� ،أجوبة اال�ستفتاءات ،ج� ،1ص.6
65 ديلقتلا عجرم ةّـيملعأ
معنى االطمئنان
المعنى المعروف لالطمئنان ،في لغة العرب ،هو ال�سكون،
فالمطمئنّ �إلى ال�شيء هو الذي �سكنت نف�سه �إليه ولم يقلق(((.
(((
لذا فمعنى قوله تعالى } َو َر ُ�ضو ْا بِا ْل َحيا ِة الدُّ ْنيَا َو ْاط َم�أَ ُّنو ْا ِب َها{
�أي �سكنوا �إليها.
وه ��ذا المعنى لالطمئنان ك��ان منا�سب ًا لجعل لفظ
خا�ص ًا لتحديد ن�سبة ركون النف�س �إلى االطمئنان ا�صطالح ًا ّ
ما تواجهه ليم ّثل االطمئنان درجة عالية من الركون هي دون
العلم بقليل.
وهذا الأمر هو من نتائج ع�صر الترجمات من لغة اليونان
خا�صة في تلك �إلى ال ّلغة العربية ،حينما وجدت م�صطلحات ّ
ال ّلغة لم تقابل بمثلها في لغة العرب ،فا�ضط ّر المترجمون
�إلى اختيار بع�ض الألفاظ المنا�سبة في معانيها لتكون ترجمة
منا�سبة للم�صطلحات اليونان ّية.
وكمثال على ذلك ،ورد في لغة اليونان م�صطل ٌح يحدِّ د
((( انظر الطريحي ،مجمع البحرين ،ج� ،6ص.277
((( �سورة يون�س ،الآية.7 :
75 ملعألا ىل ع فّرعتن فيك
((( الخوئي� ،أبو القا�سم ،االجتهاد والتقليد ،ط ،3قم ،ان�صاريات1410 ،هـ� ،ص.208
يسألونك عن التقليد 80
وقد �س َّلم الفقهاء ب�شرع ّية هذه الو�سيلة ،بنا ًء على قاعدة
م�ق� َّررة في الفقه الإ��س�لام� ّ�ي هي «� ّأن ال�م��و��ض��وع��ات تثبت
تدخل ال�شرع ليو�ضح �أ ّنه ال يكتفي بالب ّينة بل بالب ِّينة» �إلاّ �إذا َّ
يحتاج الأمر �إلى �شروط �أخرى.
«والمو�ضوعات» هناُ ،ي��راد منها ما يقابل «الأح �ك��ام»،
فحينما يتح ّدث ال�شرع ع��ن ح��رم��ة الخمر ،فالحكم هو
الحرمة ،والمو�ضوع هو الخمر� .أ ّم��ا الحرمة فلها و�سائل
خا�صة لإثباتها ،و�أ ّما الخمر الذي هو مو�ضوع للحرمة فما ّ
هي الو�سيلة لإثباتها� ،أي لإثبات �أنّ هذا ال�سائل في هذه
الك�أ�س هو خمر؟ هنا ت�أتي القاعدة« :المو�ضوعات تثبت
بالب ِّينة» فلو جاء عادالن و�أخبرا �أنّ هذا ال�سائل هو خمر،
حجة في �إثبات الخمر ّية. ف�إنّ كالمهما يكون ّ
و�إذا عك�سنا المطلب و�شهد �شاهدان ع��دالن من �أهل
الخبرة� ،أنّ هذا ال�سائل هو خل ،ولي�س بخمر ،يكون قولهما
ي�ص ّح االعتماد عليها ل�شرب ال�سائل المذكور. حجة �أي� ًضا ِ ّ
وكون فالن هو الأعلم بين الفقهاء يعتبر مو�ضوع ًا يثبت
يسألونك عن التقليد 82
من خالل الب ِّينة كما ذكرنا .ولم يقت�صر بع�ض الفقهاء على
�إثبات المو�ضوع بالب ّينة ،بل قالوا يكفي خبر الثقة الواحد
في �إثبات المو�ضوع من دون حاجة �إلى عادلين اثنين ،وط َّبق
ه�ؤالء الفقهاء ما قالوه على بحثنا في تحديد الأعلم ،فاكتفوا
بخبر الث ّقة الواحد من �أه��ل الخبرة في �إثبات الأعلم ّية،
كما ذك��ر ذل��ك المرحوم ال�س ّيد الخوئي{ ف��ي منهاج
ال�صالحين(((.
تقدَّم �أنّ و�سائل تحديد الأعلم ثالث :العلم واالطمئنان والب ِّينة.
وبما �أنّ الو�سيلتين الأو َل � َي � ْي��ن «العلم واالط�م�ئ�ن��ان» ال
وبال�شكل ال�صحيح ال��ذي ب َّي َّناه لكثير من ّ تتوف َّران ،ع��ادة
النا�س ،احت َّلت الب ِّينة الموقع الوا�سع في معرفة الأعلم.
وعند النظر في الب ّينات المتع ّلقة بتقليد المرجع نالحظ
�أ ّنها قد �صيغت بتعابير مختلفة تنطلق من خلف ّيات متن ِّوعة لدى
�أ�صحابها؛ لذا كان ال ب ّد من العلم بكيف ّية قراءة الب ّينات قراءة
علم ّية �صحيحة للت�أ ُّكد من كونها و�سيلة �إلى براءة الذ ّمة.
وكنموذج لهذه الب ّينات ،ن�ستعر�ض ال�شهادات التي �أُدليت
ولي �أمر الم�سلمين الإمام الخامنئي} التي تن َّوعت بحقّ ّ
�ضمن التالي:
يسألونك عن التقليد 86
تعليق
ت�صب في خانة كون تقليد الحظ �أنّ هذه ال�شهادات ك ّلها ُُّي َ
الإم��ام الخامنئي} مبرئ ًا للذ ّمة ولم تتع َّر�ض لأعلم ّيته.
وهذا النوع من ال�شهادات قد ينطلق من االعتقاد بالأعلم ّية،
وقد ينطلق من خلف ّية �أنّ ال�شاهد ال ُيعتبر الأعلم ّية في مرجع
التقليد ،ويرى �أنّ الإمام الخامنئي هو مجتهد مطلق يجوز
تقليده ،بل قد يكون بنظره هو الأَ ْولى والأ�صلح للتقليد ،نظر ًا
للخ�صائ�ص التي يتمتّع بها .ون�ستطيع �أن نقر�أ هذه الخلف ّية
بو�ضوح في ال�شهادة التي �أدلى بها العلاّ مة ال�شيخ عبد الهادي
الف�ضلي ،وهي التالية:
ويتم ّتع بنظرة م�ستوعبة لأبعاد حياة النا�س و�أو�ضاعهم ،ويتح ّلى
بالأ�صالة واال�ستقالل ّية والعمق في اال�ستنباط.
اطالعي على كتابات �آية اهلل وهذه الموا�صفات ،من خالل ّ
العظمى ال�س ّيد الخامنئي} اال�ستدالل ّية ،وفتاواه العمل ّية،
ومواقفه الإ�سالم ّية العا ّمة ،متم ّثلة في �شخ�ص ّيته المباركة؛
لهذا دعوت �إلى تقليده ،و�إلى العمل على توحيد المرجع ّية
القياد ّية في �شخ�صه الكريم؛ ذلك لأنّ اختياره للمه ّمة يح ّقق
لنا الخروج من عهدة الم�س�ؤول ّية �أمام اهلل تعالى ،كما يح ّقق
لنا الوفاء لأ ّمتنا الإ�سالم ّية العظيمة� .أ�س�أله �سبحانه �أن يو ّفق
يحب وير�ضى� .إنه ولي التوفيق وهو الغاية. الجميع لما ّ
عبد الهادي الف�ضلي
1420/8/25هــ
وعلى ٍّ
كل ف�إنّ هذا النوع من ال�شهادات ،ببراءة الذ ّمة،
ال تكون المعتمد الأ�سا�س في التقليد ،طالما توجد �شهادات
بالأعلم ّية .وهذا ما نالحظه في الأنواع التالية من ال�شهادات:
91 ديلقتلا ىلع ةنِّـيبلا أرقن فيك
(الخا�صة)
ّ 2ـ ال�شهادة بالأعلم ّية
ونعر�ض نموذج ًا لها:
� �ش �ه��ادة �آي� ��ة اهلل ال �� �س � ّي��د ج�ع�ف��ر ال�ح���س�ي�ن��ي ال�ك��ري�م��ي
بالأعلم ّية
بعد ال�سالم عليكم� ،أ ّيها الأخوة الكرام� ،أيدكم اهلل تعالى،
والدعاء لكم بخير الدنيا والآخرة.
ولي �أمر الم�سلمين،
�أ ّما ما �س�ألتم من �أعلم ّية ال�س ّيد القائد ّ
�آية اهلل العظمى ال�س ّيد الخامنئي} ف�أقول �إ ّني طيلة �سنين
�أجال�س ال�س ّيد القائد ،وا�شترك في جل�سة �شورى الإفتاء
بمح�ضر من جنابه ،مع ح�ضور ع��دة من الفقهاء العظام
المعروفين (دامت �إفا�ضاتهم) فر�أيت ال�س ّيد القائد} ،
هنا �أعترف و�أ�شهد ب�أ ّنه �أعلم �أقرانه المعا�صرين ،نفعنا اهلل
تعالى و�إ ّياكم بزعامته و�إفا�ضاته و�إر�شاداته.
وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
(((
ال�س ّيد جعفر الح�سيني الكريمي
1419/11/26ه ـ
3ـ ال�شهادة بالأعلم ّية (بالمجموع)
ونعر�ض نموذج ًا لها:
�أ ـ �شهادة �آية اهلل ال�س ّيد محمود الها�شمي
بعد �أن عر�ض ال�س ّيد الها�شمي �إ�ضاءته في معنى الأعلم ّية،
كما تق ّدم �آنف ًا قال:
«ال ب ّد من التنبيه �إلى � ّأن القائد (�آي��ة اهلل ال�س ّيد علي
الخامنئي) يتم ّتع ب�شكل وا�سع بهذه الخ�صو�ص ّية ،ويلتزم
في االجتهاد با�ستنباط الأحكام الفقه ّية من باطن الفقه،
و�أ ّنه ال يت�أ ّثر بالعوامل الخارج ّية ،وهذه من مم ِّيزات ال�س ّيد
((( ع�ضو جامعة المد ّر�سين و�أحد �أ�ساتذة البحث الخارج في ُقم المقدّ�سة وع�ضو مجل�س
�شورى االفتاء في مكتب الإمام الخامنئي ،ح�ضر �أبحاث ال�س ّيد الخوئي{ مدة 24
الخميني{ 14عام ًا.
ّ عام ًا و�أبحاث الإمام
93 ديلقتلا ىلع ةنِّـيبلا أرقن فيك
المعظم ،ولهذا ترون ب� ّأن فتاواه غالباً تتطابق مع ّ القائد
فتوى الم�شهور من العلماء ،حيث يتل ّقى �أق��وال العلماء
عظمة واحترام وتقدير ث ّم يدخل في البحث، الكبار بك ّل َ
وهذا الأمر من الأمور المه ّمة في الأعلم ّية ،وفي االقتراب
من الحقيقة والواقع(((.
وم ��ن ه ��ذه ال�خ�ل�ف� ّي��ة دع ��ا �آي ��ة اهلل ال�ه��ا��ش�م��ي الإم ��ام
الخامنئي} �إلى الت�ص ّدي للمرجع ّية حين تو ِّفي المرحوم
�آية اهلل العظمى ال�س ّيد الكلبايكاني قائ ًال:
حظات منتظر ًة ت�صدِّي �سماحتكم ل�ش�ؤون « ...و ُت َعدُّ ال ّل ُ
المرجع ّية و�إدارة الحوزات العلم ّية ،راجي ًة من مح�ضركم
ال�شريف مل َء الفراغ الحا�صل في هذا ال�ش�أن»(((.
ب ـ �شهادة �آية اهلل ال�شيخ مح ّمد يزدي
وعلى منوال االتجاه الذي تب ّناه ال�س ّيد الها�شمي� ،أدلى �آية
اهلل يزدي بال�شهادة التالية:
((( ع�ضو مجل�س �صيانة الد�ستور في الجمهور ّية الإ�سالم ّية .وع�ضو مجل�س الخبراء،
ورئي�س ال�سلطة الق�ضائية ال�سابق.
95 ديلقتلا ىلع ةنِّـيبلا أرقن فيك
الخا�صة ،وت��ارة الأعلم ّية بالمجموع ّ الحظ ًة ت��ارة الأعلم ّية
وتارة مطلقة الأعلم ّية من دون تحديد ،وم ّما ق َّدمناه يتب َّين
حال ال�شهادات الأخرى بالأعلم ّية التي منها:
�شهادة �آية اهلل ال�شيخ �أحمد ج ّنتي بالأعلم ّية
با�سمه تعالى
ملاِ ك الأعلم ّية عندي �أن يكون الفقيه �أقدر على ا�ستنباط
الأح�ك��ام من م�صادرها و�أد ّل�ت�ه��ا ال�شرع ّية ،مع مالحظة
ّ
المر�شحين الزمان والمكان والمقت�ضيات .و�أنا ال �أعرف في
((( ع�ضو مجل�س الخبراء.
يسألونك عن التقليد 96
للمرجع ّية اليوم� ،أقوى و�أقدر من ال�س ّيد القائد }� .أ�ضف
�إل��ى ذلك �أنّ الم�س�ألة ،اليوم ،م�س�ألة الإ�سالم والكفر ،ال
م�س�ألة الأحكام الفرع ّية فح�سب ،فليت ِّق اهلل امر�ؤ و ْلينظر في
عواقب الأمور ومكائد ال�شياطين وعدائهم للإ�سالم وعزمهم
على هدم �أركانه وتحطيم الم�سلمين الأ�صيلين المح ّمد ّيين،
واهلل من ورائهم محيط .ر ّبنا ،عليك تو ّكلنا و�إليك �أنبنا
و�إليك الم�صير.
ّ (((
�أحمد جنتي
/6رجب1414/هــ
وليال ع�شر (من وحي عا�شوراء) ،بيروت ،بيت ال�سراج ٍ 5-5
للثقافة والن�شر.
6-6برقية الح�سين ،Qبيروت ،بيت ال�سراج للثقافة والن�شر.
مترجم �إلى الإنكليزية والفرن�س ّية:
The Telegram of Hussein (pbuh).
Le Télégramme d’Al-Houssein (Qu’Allah le salue).
)DEVERES NO ISLAM
109 عجارملاو رداصملا