You are on page 1of 114

‫وزارة التعميــم العـالي والبحـــث العمـــمي‬

‫جامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي‬


‫كمية العموم االجتماعية واإلنسانية‬

‫تاريخ بالد المغرب القديم من خالل كتابات المؤرخين المغاربة‬


‫المحدثين‬
‫(دراسة تاريخية نقدية)‬
‫‪00‬‬

‫مذكرة مكممة لمتطمبات الحصول عمى شهادة الماستر في تاريخ الحضارات القديمة‬

‫األستاذ المشرف‪:‬‬ ‫إعداد الطالبتين‪:‬‬


‫أ‪ /‬عمر بوصبيع‬ ‫‪ ‬حكيمة شيحي‬
‫‪ ‬سميرة عطية‬
‫لجنة المناقشة‬
‫الجامعة‬ ‫الصفة‬ ‫األستاذ‬ ‫الرقم‬
‫جامعة حمه لخضر ــ الوادي‬ ‫رئيسا‬ ‫د ‪ /‬محمد رشدي جراية‬ ‫‪01‬‬
‫جامعة حمه لخضرــ الوادي‬ ‫مشرفا ومقر ار‬ ‫أ‪ /‬عمر بوصبيع‬ ‫‪02‬‬
‫جامعة حمه لخضرــ الوادي‬ ‫عضوا مناقشا‬ ‫أ ‪ /‬عبد الحق بالنور‬ ‫‪03‬‬

‫السنة الجامعية‪ 1439 - 1438 :‬ه‪ 2018 -2017 /‬م‬


‫قائمة المختصرات ‪:‬‬

‫ق ‪ .‬م ‪ :‬قبل الميالد‬

‫م ‪ :‬ميالدي‬

‫ط ‪ :‬الطبعة‬

‫تر ‪ :‬ترجمة‬

‫ب ‪ .‬س ‪ :‬بدون سنة نشر‬

‫ص ‪ :‬صفحة‬

‫ج ‪ :‬الجزء‬

‫م ‪ :‬المجلد‬

‫ب ‪ .‬ب ‪ :‬بدون بلد‬


‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫تعتبر عممية البحث و النقد في تاريخ ببلد المغرب القديم ‪ ،‬من أىم المواضيع التاريخية‬
‫لكونيا تتطمب من الباحث التدقيق و االستدالل و االعتماد عمى المصادر بمختمف أنواعيا ‪،‬‬
‫كما يتطمب النقد بذكر أوجو الشبو و االختبلف في عممية التدوين لكون المعمومة تختمف من‬
‫مصدر أو مرجع إلى آخر وتجدر اإلشارة إلى اختبلف تدوين تاريخ ببلد المغرب بين القدماء‬
‫و المحدثين وحتى بين األوربيين و العرب ‪ ,‬وىذا راجع لطول الفترة الزمنية التي مر بيا ببلد‬
‫المغرب القديم بداية بفترة ما قبل التاريخ وما عرفتو من قيام الحضارة األشولية والموستيرية‬
‫و العاترية وغيرىا ‪ .‬لكن تبقى مشكمة الحديث عن البدايات األولى لمبشر في ىذه المنطقة محل‬
‫تضارب لآلراء ثم تمتيا المرحمة الثانية ‪ ،‬بداية بالحضارة القرطاجية في الوقت الذي حكم فيو‬
‫الموريون أقصى غرب ببلد المغرب و النوميدون في الوسط و الشرق في حين سيطر الجيتول‬
‫عمى الصحراء ومنذ بداية القرن ‪ 5‬ق‪.‬م ظيرت بوادر الصراع القرطاجي الروماني و خاصة في‬
‫القرن ‪ 3‬ق‪.‬م الذي انتيى بتدمير قرطاجة سنة ‪ 146‬ق‪.‬م ‪ ،‬وألحقت روما مممكة نوميديا لتدخل‬
‫ببلد المغرب المرحمة الثالثة الممتدة من ( ‪146‬ق‪.‬م – ‪ 429‬م ) لينتيي وجودىم بمقاومة ليم‬
‫بعد خوض العديد من المعارك مثل ثورة يوغرطة ‪ ،‬وفي الوقت الذي كان فيو الوندال متجيا‬
‫لغزو ىذه المنطقة بحجة وصوليم إلى روما عبر ببلد المغرب و بذلك ليعرف ىذا األخير الغزو‬
‫الوندالي ( ‪ 429‬م – ‪ 534‬م ) ‪ ،‬لتتعرض بعدىا لبلحتبلل البيزنطي ( ‪ 534‬م – ‪ 647‬م )‪.‬‬
‫و نظ ار لطول الفترة المدروسة جعمت أراء المؤرخين تختمف خاصة في الفترة مابين القرنيين‬
‫( ‪ 9‬ق‪.‬م و ‪ 2‬ق‪.‬م ) التي عرفت شح في كتابة تاريخ ىذه المنطقة لتعرف غ ازرة في نياية‬
‫القرن ‪ 2‬ق‪ .‬م نتيجة اىتمام الرومان واإلغريق مثل ‪ :‬استرابون و ىيرودوت ‪ ،‬ىذا باإلضافة‬
‫إلى المؤرخين األوربيين أمثال ‪ ،‬كامبس و سيتفان غزال و فرنسوا دوكرييو وغيرىم الذين كتبوا‬
‫تاريخيا بتحيز وحسب نظرتيم ليا‪ ،‬أما المؤرخين المغاربة و كتاباتيم ظيرت متأخرة مقارنة مع‬
‫األوربيين ‪ .‬ىذا ما جعمنا نقوم بدراسة تاريخية نقدية لببلد المغرب القديم من خبلل كتابات‬
‫المغاربة المحدثين خبلل الفترة الممتدة مابين القرن ‪ 9‬ق‪.‬م و القرن ‪7‬م ‪.‬‬
‫انطبلقا مما سبق تشكمت في أذىاننا جممة من اإلشكالية وكانت في مقدمتيا اإلشكالية الرئيسية‬
‫‪ :‬كيف كانت كتابات المؤرخين المغاربة المحدثين لتاريخ ببلد المغرب القديم من القرن ‪ 9‬ق‪.‬م‬
‫إلى القرن‪7‬م ؟ ‪.‬‬
‫‌أ‬
‫مقدمة‬

‫وتندرج تحت ىذه اإلشكالية عدة تساؤالت فرعية المتمثمة فيما يمي ‪:‬‬
‫ما ىي المعمومات المقدمة من طرف المؤرخين المغاربة المحدثين خبلل الفترة الممتدة ما بين‬
‫القرنين ( ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م) ؟ وكيف تناول المؤرخون االحتبلل األجنبي لببلد المغرب القديم و‬
‫المتمثل في االحتبلل الروماني ‪ ،‬الوندالي و البيزنطي؟ ما ىو أثره عمى المنطقة حضاريا؟‬
‫و لئلجابة عمى التساؤالت اتبعنا خطة تغطي جل تفاصيل تاريخ المنطقة خبلل الفترة الممتدة‬
‫من القرن ‪ 9‬ق‪.‬م إلى القرن ‪7‬م‪ ،‬فقسمنا الخطة إلى مقدمة و فصل تمييدي و ثبلثة فصول‬
‫وخاتمة فتقدمنا في البداية بفصل تمييدي تناولنا فيو الدراسة الطبيعية و الجغرافية لببلد‬
‫المغرب القديم‪.‬‬
‫أما الفصل األول بعنوان ببلد المغرب من القرن ‪ 9‬ق‪.‬م إلى القرن ‪ 2‬ق‪ .‬م وقد تطرقنا في‬
‫المبحث األساسي‬ ‫المبحث األساسي األول إلى مممكة قرطاجة من التأسيس إلى السقوط ‪ ،‬ثم‬
‫الثاني الذي تضمن الممالك الوطنية المتمثمة في نوميديا و موريطانيا دراسة حضارية ‪.‬‬
‫والفصل الثاني والذي جاء بعنوان ببلد المغرب من بداية االحتبلل الروماني إلى ظيور‬
‫مبحثين أساسين ‪ ،‬األول مقاطعة إفريقيا الرومانية ( نوميديا‬ ‫الوندال والذي انقسم بدوره إلى‬
‫وموريطانيا)‪ ،‬والثاني ببلد المغرب تحت الحكم الروماني ‪.‬‬
‫و في الفصل الثالث و األخير تناولنا الوندال و البيزنطيين في ببلد المغرب و تفرع عنو‬
‫مبحثين األول وفيو االحتبلل الوندالي لببلد المغرب الثاني ببلد المغرب تحت الحكم البيزنطي ‪.‬‬
‫وجاءت خاتمة البحث كخبلصة ألىم ما تمكنا من عرضو في ىذا العمل المتواضع وكإجابة‬
‫عمى ما ورد من تساؤالت ‪.‬‬
‫كما يدعم البحث مجموعة من المبلحق رأينا أنيا خادمة لموضوعنا ووظيفية احتوت خرائط‬
‫خاصة وصور تمثيمية لببلد المغرب ‪ ،‬ومبلحق أخرى تجسد بعض المعارك الميمة التي‬
‫شيدتيا المنطقة ‪ .‬ثم أتبعنا ذلك بجرد المصادر والمراجع المرتبة حسب طبيعتيا وفي األخير‬
‫أوردنا فيرس لمحتوى الموضوع مفصل مع ذكر الصفحات ‪.‬‬

‫‌ب‬
‫مقدمة‬

‫أهمية الموضوع ‪:‬‬


‫إن المكانة التي حضي بيا تاريخ ببلد المغرب القديم عند المؤرخين المغاربة المحدثين جعل‬
‫من ىذه الكتابات مصد ار لمعرفة تاريخ المنطقة ‪ ،‬بما في ذلك المظاىر الحضارية و االحتبلل‬
‫األجنبي الذي تعرضت لو ‪ .‬و إننا سنحاول عن طريق كتابات المغاربة المحدثين إلقاء الضوء‬
‫عمى المحطات التاريخية البارزة في تاريخ ببلد المغرب القديم ‪.‬‬
‫دواعي اختيار الموضوع ‪:‬‬
‫إن توجينا إلى دراسة حيثيات ىذا الموضوع منبثق من رغبتنا الشخصية لمغوص في ثنايا تاريخ‬
‫ببلد المغرب القديم من خبلل كتابات المؤرخين المغاربة المحدثين ومحبتنا في أن نكون رائدين‬
‫من رواد التاريخ القديم‪ ،‬كذلك رغبتنا في إضافة دراسة جديدة لمموضوع ‪.‬‬
‫أهداف الموضوع ‪:‬‬
‫مما ال شك فيو إن انجازنا ليذا العمل ومعرفة تاريخ ببلد المغرب القديم من خبلل كتابات‬
‫المؤرخين المغاربة المحدثين من شانو أن يوجو الباحثين في ميدان التاريخ القديم‪ ،‬مما يفتح‬
‫أماميم تصورات وبناء أفكار مثل التي حاولنا رسميا في موضوعنا ‪.‬‬
‫اإلطار الزماني و المكاني ‪:‬‬
‫ولقد حصرنا اإلطار الزماني لمموضوع في الفترة الممتدة مابين القرن ( ‪ 9‬ق‪ .‬م ‪7 -‬م ) وحسب‬
‫أن بداية الكتابات التاريخية المتعمقة بمنطقة المغرب القديم تعود إلى‬
‫المؤرخين والباحثين ف‬
‫‪ 814‬ق ‪ .‬م وصوال إلى نياية‬ ‫وصول الفينيقيين إلى ىذه المنطقة بتأسيس قرطاجة سنة‬
‫االحتبلل البيزنطي سنة ‪ 647‬م‪ .‬أما اإلطار المكاني لمموضوع ينحصر في منطقة ببلد‬
‫المغرب القديم ‪.‬‬
‫المنهج المتبع ‪:‬‬
‫بما أننا تطرقنا في موضوعنا ىذا إلى تاريخ ببلد المغرب بجميع الجوانب لذا اعتمدنا عمى‬
‫المنيج التاريخي السردي والمقارن النقدي‪ ،‬محاولين اإللمام بالموضوع فالتاريخي والسردي‬
‫وظفناىما بكثرة في تتبع األحداث التاريخية وكل ما يحيط بجوانب الكتابة التاريخية لببلد‬
‫‌ج‬
‫مقدمة‬

‫المغرب القديم‪ ،‬أما المقارنة فقد تم أدراجيا عند الوقوف بين سطور المصادر والمراجع التاريخية‬
‫المختمفة في إعطاء المعمومات حول الموضوع وترجيح أقربيا ثم نقدىا ‪.‬‬
‫المصادر و المراجع ‪:‬‬
‫ولتحرير ىذا العمل تتبعنا مادة البحث في مقدمتيا المصادر اليونانية مثل ‪ :‬ىيرودوت‬
‫( تاريخ ىيرودوت) تر‪ :‬عبد اإللو المبلح‪ ،‬و الرومانية استرابون في كتابو (الجغرافيا) تر ‪:‬‬
‫محمد مبروك الدويب والعديد من المراجع أىميا ‪ :‬محمد اليادي حارش (التاريخ المغاربي القديم‬
‫( معالم‬ ‫السياسي و الحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح اإلسبلمي)‪ ،‬محمد الصغير غانم‬
‫التواجد الفينيقي البوني في الجزائر) والجدير بالذكر عدم توفر المادة العممية في مجال تاريخ‬
‫ببلد المغرب القديم‪.‬‬
‫صعوبات الموضوع ‪:‬‬
‫من المؤكد أن لكل موضوع صعوبات وعقبات نذكر منيا‪:‬طول الفترة الزمنية المدروسة و تداخل‬
‫األحداث وكتابة المؤرخين تاريخ ىذه المنطقة في المصادر اإلغريقية والرومانية بتحيز‪.‬‬
‫وفي األخير نحمد اهلل عز وجل عمى تيسيره لنا في إخراج ىذا العمل بيذه الصورة أميمينا في‬
‫أن ننتفع بما استفدنا وننفع بما اكتسبنا من قدرات وأفكار أثناء ىذه التجربة‪ ،‬كما نتمنى أن نكون‬
‫قد توصمنا عمى األقل إلى االلتزام فيو بمعايير المنيجية والجدية العممية واإلحاطة بجوانبو‬
‫األساسية ونتمنى أن نكون قد ساىمنا في تذليل بعض الصعوبات ‪ ،‬مع جزيل الشكر لؤلستاذ‬
‫المشرف " عمر بوصبيع "‪.‬‬

‫‌د‬
‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬

‫المبحث األول ‪ :‬دراسة طبيعية‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬دراسة بشرية‬


‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪ .I‬الدراسة الطبيعية‬
‫‪ - 1‬الموقع‬
‫اختمفت وتعددت تسميات التي أطمقت عمى بالد المغرب القديم أو تحديدا عمى شمال‬
‫غرب إفريقيا‪ ،‬وذلك بحسب الفترات التاريخية وكذا الشعوب التي استقرت بالمنطقة سواء‬
‫األصمية منيا أو الوافدة إلييا من العالم الخارجي‪ .‬فكان التصور الجغرافي لممنطقة القديمة من‬
‫أصعب األمور ‪ ،‬ذلك أن األقاليم تحدد بجنس سكانيا بحيث أن الحضارة كانت تعيش جنبا إلى‬
‫‪ .1‬ومن بين ىذه التسميات التي‬ ‫جنبا مع الحياة البدائية وقد كان لمتضاريس أثر عمى ذلك‬
‫أطمقت عمى منطقة بالد المغرب ونجد ما يمي ‪:‬‬
‫بالد الغرب ‪ :‬أقدم ما ورد في النقوش المصرية والتي تدل عمى منطقة الغرب ىي كممة أمنت‬
‫" ‪ " imnt‬وتم العثور عمييا في رسم ريشة النعام كميزة تقميدية الزمت رأس الميبي في التاريخ‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬وقد خمدت اآلثار المصرية ىؤالء الغربيين قبل ظيور الكتابة الييروغميفية ‪ ،‬وىذا‬ ‫الفرعوني‬
‫ما جسدتو الموحة المصرية التي تحمل اسم الصميات التي تتضمن رمو از و أشكاال تصويرية‬
‫تعبر عن مدى االتصال بينيم وبين جيرانيم الغربيين ومع ظيور العالمات الكتابية األولى‬
‫نالحظ أن النصوص المصرية تشير إلى أسماء ىؤالء الجيران ‪ ،‬ولعل أشيرىم قبيمتي‪ :‬تحنو ‪،‬‬
‫تمحو‪.3‬‬
‫أ – ذكرت قبيمة تحنو أو تحني في النقوش المصرية منذ فجر التاريخ المصري ‪ ،‬وترجع أقدم‬
‫إشارة إلييم إلى عصر الممك العقرب الذي حكم مصر قبيل الوحدة ‪ ،‬في لوحة إردوازية بحيث‬
‫وجد عمى أحد وجوىيا أربعة صفوف ‪ ،‬في الصف العموي رسم ثيران وفي الثاني حمير ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫ستيفان قزال ‪ ،‬تاريخ شمال إفريقيا القديم ‪ ،‬ج ‪( ، 1‬ب‪ ،‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد التازي سعود ‪ ،‬مطبوعات أكاديمية المممكة‬
‫المغريبة ‪ ،‬الرباط ‪ ، 2007 ،‬ص ص ‪. 46 -45‬‬
‫‪2‬‬
‫إبراىيم زرقانة الحضارة المصرية في فجر التاريخ ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) دار المعارف ‪ ،‬القاىرة ‪ ،1948،‬ص ‪. 152‬‬
‫‪3‬‬
‫ألن جاردز ‪ ،‬مصر الفراعنة ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬تر‪ :‬نجيب مخائيل ‪ ،‬مر‪ :‬عبد المنعم أبو بكر ‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب ‪،‬‬
‫القاىرة ‪ ، 1987 ،‬ص ‪. 427‬‬
‫‪6‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫الثالث أغنام أما الرابع أشجار زيتون و إلى جانب األشجار من الناحية اليمنى نجد عالمة‬
‫تصويرية تذكر التحنو ‪( 1‬انظر ‪ :‬الشكل ‪. ) 1‬‬

‫ب – أما قبيمة تمحو فقد ورد ذكرىم في عيد ثالث مموك األسرة السادسة( بيبي األول) في‬
‫النص الذي تركو أوني ‪ 2‬عمى الشكل التالي " من بالد التمحو "وفي عيد الدولة الوسطى نجد‬
‫‪3‬‬
‫و اتفقت اآلراء أنيم ذوو البشرة البيضاء والشعر األشقر ويذكر‬ ‫ذكر نحسيو و التمحو‬
‫السعدي في مذكرتو نقال عن ‪ Holscher‬و ‪ Moller‬أنيم األجداد األوائل ألحفادىم المنتشرين‬
‫حاليا في شمال إفريقيا والمعروفون بالبربر الذين تتمثل فييم الثقافة الميبية األصيمة ‪.4‬‬
‫ليبيـا ‪ :‬يرجع أول استخدام لكممة " لوبة " إلى المصادر المصرية والتي تعود إلى النصف الثاني‬
‫(‪– 1298‬‬ ‫من األلفية الثانية قبل الميالد ‪ ،‬وذلك عمى نقش يرجع إلى عيد رمسيس الثاني‬
‫‪ 1222‬ق ‪ .‬م) بصيغة ‪ .R. B. W‬وفي عيد مرنتباح ( ‪ 1194 – 1224‬ق‪.‬م) قصد تحديد‬
‫السكان القاطنين إلى الغرب من نير النيل ‪ ،‬كما ورد اسم الميبيين في التوراة باسم لييابيم‬
‫‪ Loubim‬حيث ورد في سفر الوقائع أن الميبيين حاربوا ضمن جيوش‬ ‫‪ lehabin‬أو لوبيم‬
‫الفراعنة ضد الممك " رحبعام " ‪ .‬كما ذكر ىيرودوت ليبيا " أولوبا " عمى أنيا القارة الثالثة من‬
‫قارات العالم بحيث أن البحر يحدىا من الجانبين ‪ ،‬عدا ما اتصل منيا بآسيا حاليا ‪ . 5‬كما أشار‬
‫‪6‬‬
‫‪ .‬كما تحدث‬ ‫إلى أن معظم اإلغريق يعتبرون أن ليبيا اكتسبت اسميا من امرأة من أىل البالد‬
‫‪7‬‬
‫فرجيل في إلياذتو عمى أنيا تعتبر "أرض ليبية" بمعنى شمال إفريقيا‪.‬‬

‫‪1‬ألن جاردز ‪ ،‬مصر الفراعنة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45‬‬


‫‪2‬‬
‫يتضح أنو من خالل نقوش لوحة " أوني "التي عثر عنيا في أبيدوس أنو بدأ حياتو كموظف صغير في عيد (بيبي األول)‬
‫في الوظائف الكينوتية ‪ ،‬انظر ‪ :‬سميمان بن سعدي ‪ ،‬عالقات مصر بالمغرب القديم منذ فجر التاريخ حتى القرن السابع قبل‬
‫الميالد ‪ ،‬أطروحة دكتوراه دولة في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2009 /2008 ،‬ص ‪. 41‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بيومي ميران ‪ ،‬مصر والشرق األدنى القديم ‪(،‬ب ‪،‬ط) ‪ ،‬م ‪ ، 4‬ج‪ ، 1‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪1989 ،‬‬
‫‪،‬ص ص‪. 298 – 287‬‬
‫‪4‬‬
‫سميمان بن سعدي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 46- 48‬‬
‫‪5‬‬
‫ىيرودوت ‪ ،‬تاريخ ىيرودوت ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬تر ‪ :‬عبد اإللو مالح ‪ ،‬المجمع الثقافي ‪ ،‬اإلمارات العربية ‪ ، 2001 ،‬ص ‪. 307‬‬
‫‪6‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 310‬‬
‫‪7‬‬
‫فرجيل ‪ ،‬اإللياذة ‪ ،‬تر ‪ :‬عميرة سالم خالدي ‪ ،‬دار الماليين ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1995 ،‬ص ‪. 98‬‬
‫‪7‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫في معبد صالمبو‬ ‫كما ذكر الدكتور محمد اليادي حارش أنو تم العثور عمى نصب بونية‬
‫‪3‬‬
‫حممت مصطمحي ( ‪ )L. B .Y / L . B . T‬كما تمكن‬ ‫ومعبد الحفرة بقسنطينة (سيرتا)‬
‫فيفري من دراسة النقيشة التالية تحت اسم ( ‪( BSDLBYB‬التي تترجم (في بالد الميبيين) ‪. 4‬‬
‫إفريقيا ‪ :‬ذكر المؤرخ محمد اليادي حارش ىذا المصطمح بأنو حديث نسبياً واعتمد في ذلك‬
‫‪5‬‬
‫‪ ،‬كما لقب‬ ‫عمى الشواىد الكتابية التي ال تتجاوز أواخر القرن الثالث ق‪.‬م إفريقيا الجديدة‬
‫سيكبيو ‪ Scipion‬باإلفريقي ‪ . 6Africanus‬وطبقت الصفة " أفريكانوس " عمى النباتات ذات‬
‫‪7‬‬
‫ذكر التين اإلفريقي ‪ ،‬ثم اتسع مدلول الكممة‬ ‫األصل اإلفريقي ففي مؤلف كاتون ‪Katon‬‬
‫تدريجيا ليشمل كل الشمال اإلفريقي من طرابمس إلى المحيط األطمسي‪ .‬كما نجد أيضا الجذع‬
‫‪ Ifri‬وتعني الكيف وأفر ‪ Afer‬تعني سكان الكيوف و أفرو ‪ Ifro‬اإللو المحمي‪ ،‬كما ورد أيضا‬
‫عند محمد اليادي حارش كممة ‪ Frigi‬أو ‪ pharikia‬وتعني بالد الفواكو و ‪ Aprica‬التي تعني‬
‫‪8‬‬
‫‪ ،‬وفيو ما يدرج قصة البطل األسطوري ( أفريقش ) التي أخذت ىذه المنطقة‬ ‫المناخ الحار‬

‫‪1‬‬
‫النصب البونية ‪ :‬عرفيا الباحث األثري الفرنسي لوغمي عمى أنيا لوحات صخرية يكون بداخميا عدة مشاىد أو حتى مشيد‬
‫تصويري ‪ .‬انظر‪ :‬فاطمة الزىراء بمعيد ‪ ،‬دراسة تنميطية و ايكونوغرافية لألنصاب البونية المحفوظة بمتحف المسرح الروماني‬
‫بقالمة ‪،‬مذكرة مكممة لنيل شيادة الماجستير في اآلثار ‪ ،‬جامعة قالمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2012 / 2011 ،‬ص ‪. 10‬‬
‫‪2‬‬
‫معبد صالمبو ‪ :‬تم اكتشاف المعبد سنة ‪ ، 1922‬لمزيد من التفاصيل ‪ ،‬انظر محمد الصغير غانم ‪ ،‬النصب القسنطينية‬
‫المحفوظة في متحف الموفر بفرنسا (ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬دار اليدى لمطباعة و النشر‪،‬عين مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2012 ،‬ص‪. 385‬‬
‫‪3‬‬
‫معبد الحفرة ‪ :‬يقع في الجنوب الغربي لمدينة سيرتا ‪ ،‬وأكتشف ىذا المعبد خالل القرنين التاسع عشر والعشرين لمزيد من‬
‫المعمومات انظر ‪ :‬فتيحة فرحاتي ‪ ،‬نوميديا من حكم الممك غايا إلى بداية االحتالل الروماني ‪ 46 / 213‬ق‪.‬م ‪ ،‬منشورات أبيك‬
‫‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2007 ،‬ص ‪. 9‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش التاريخ المغاربي القديم ‪ ،‬السياسي و الحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح اإلسالمي (ب ‪،‬ط) ‪،‬‬
‫المؤسسة الجزائرية لمطباعة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 1994،‬ص ص ‪. 23 – 22‬‬
‫‪5‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪6‬‬
‫لإلطالع أكثر انظر ‪ :‬شارل أندري جوليان ‪ ،‬تاريخ إفريقيا الشمالية ‪(،‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد مزالي ‪ ،‬البشير بن سالمة ‪،‬‬
‫الدار التونسية لمنشر ‪ ،‬تونس ‪ ، 1969 ،‬ص ‪. 104‬‬
‫‪7‬‬
‫كاتون (‪ 149 -234‬ق ‪ .‬م ) من خطباء ورجال الدولة في روما دعا إلى التقشف و القضاء عمى قرطاج ‪ ،‬كان ينيي‬
‫خطبتو بعبارتو الشييرة (لتدمر قرطاج) ‪ ،‬انظر‪ :‬عبد المنعم محجوب ‪ ،‬معجم تانيت ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬دار الكتب العممية ‪ ،‬لبنان ‪،‬‬
‫(ب ‪ ،‬س) ‪ ،‬ص ‪. 197‬‬
‫‪8‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪8‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫اسمو ‪ .1‬وقد قدم محمد فنطر ممخص لمعنى ىذا المصطمح ( ‪ )Afer‬بجذر ليبي اشتقت منو‬
‫مختمف الكممات وىو بالتالي يرجع األصول المحمية لمتسمية والتي أطمقت من طرف الرومان‬
‫كما أطمقت أيضا عمى األراضي القرطاجية التي احتموىا سنة ‪146‬ق‪.‬م والتي انتشرت في كامل‬
‫منطقة شمال إفريقيا وأطمقو اإلغريق عمى كل القارة‪.2‬‬
‫البربر‪ :‬أطمق العرب مصطمح البربر عمى سكان شمال إفريقيا األصميين وخاصة أولئك الذين لم‬
‫يندمجوا في الحضارة الرومانية ‪ .3‬ويذكرىم ابن خمدون نسبة إلى جدىم األول "أفريقش" الذي‬
‫قال عنيم عندما سمعيم يتحدثون " ما أكثر بربرتكم " بمعنى كثرة األصوات الغير مفيومة‬
‫فسموا بربر‪ .‬كما أطمق الرومان واإلغريق ىذه المفظة عمى األىالي الخارجين عن حضارتيم و‬
‫المتمسكين بأصالتيم و نعتوىم باليمج ‪ ، Barbari‬وقد أشار شارل أندري جوليان أن ىذا المفظ‬
‫مناسب لبالد المغرب ألن أغمبيم برابرة لكن أىميا يفضمون االحتفاظ بالتسمية األصمية ىي بالد‬
‫األمازيغ ‪.4‬‬
‫األمازيغ ‪ :‬ىو اسم أطمقو المغاربة القدامى عمى أنفسيم وجمعو (إيمازيغن) ومؤنثو تمازيغت‬
‫ومعناه "الرجال األحرار"‪ ،‬أو "النبالء" ‪ 5‬وجذر ىذا المصطمح ‪ M Z K‬أو ‪ M Z G‬وىو ما جعل‬
‫جعل بعض المؤرخين يعتبرون ىدا االسم الحقيقي لبالد المغرب نظ ار لتواجده في العديد من‬
‫أسماء القبائل وفي عدة مناطق من بالد المغرب ‪ ،‬بل واألىم من ذلك ىو االسم الذي سمى بو‬
‫بعض المغاربة أنفسيم إلى اليوم ‪ . 6‬وقد نسب ابن خمدون سكان بالد المغرب القديم إلى "مازيغ‬
‫بن كنعان بن حام بن نوح عميو السالم " ‪. 7‬‬
‫بناء عمى ما سبق فإن كل التسميات التي أطمقت عمى بالد المغرب في األصل تحمل معنى‬
‫واحد غير أن االختالف يكمن في أن كل تسمية سميت من طرف معين سواء كانت من قبل‬
‫المصريين أو الرومان أو اإلغريق كما ال ننسى التسميات المحمية ‪،‬لكن ما يالحظ عن ىذه‬
‫‪1‬‬
‫عبد الرحمان ابن خمدون ‪ ،‬كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر ‪ ،‬م ‪، 3‬دار الكتاب المبناني ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1968 ،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬
‫‪3‬‬
‫ستيفان قزال ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬
‫‪4‬‬
‫شارل جوليان أندري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬
‫‪5‬‬
‫المرجع نفسو ‪ .‬ص ‪12‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 26‬‬
‫‪7‬‬
‫عبد الرحمان بن خمدون ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫‪9‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫التسميات ىو تأخر لفظة البربر و إفريقيا أو شمال إفريقيا مقارنة بمفظة لوبة و قد حاول‬
‫المؤرخين المحدثين أمثال محمد الدويب و محمد اليادي حارش باإلضافة إلى محمد الصغير‬
‫غانم تقديم األدلة و الشواىد عن كل مصطمح من خالل الشواىد األثرية و الكتابية‪.‬‬
‫‪ - 2‬الموقع حسب المصادر‬
‫من خالل المصادر اإلغريقية والرومانية نالحظ أن الحدود الجغرافية لممغرب القديم‬
‫تتسع وتضيق وفق لتحركات القبائل المحمية التي مواطن انتشارىا تمثل حدود المنطقة ‪ ،‬وقد‬
‫تغيرت ىذه الحدود عبر عدة محطات تاريخية‪ ،‬لكن الثابت منيا و ما أجمعت عنو جل‬
‫‪1‬‬
‫عمى أطراف‬ ‫المصادر أنيا تمثل المنطقة الممتدة غرب نير النيل شرقا إلى رأس سولييس‬
‫المحيط األطمسي غربا ‪ ،‬ومن ساحل البحر المتوسط شماال إلى الصحراء الكبرى جنوبا ‪ .‬وقد‬
‫تنوعت المصادر القديمة التي تناولت موقع بالد المغرب عمى الشكل التالي ‪:‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب حسب هيرودوت( ‪ : 2)Hérodote‬جاء في ىيرودوت عن المغرب‬
‫من خالل ذكر قارات العالم القديم حيث صنف لوبة بأنيا القارة الثالثة بعد أوربا وآسيا‬
‫حاليا ‪ -‬ألن تسميات أوربا و آسيا حديثة – تمتد حدودىا من غرب مصر إلى رأس‬
‫سولييس وىو ما يتفق مع المصادر القديمة ويمكن تقسيميا حسب روايتو إلى ثالثة‬
‫أقاليم ‪:‬‬
‫‪ -‬اإلقميم الساحمي ‪ :‬وتنتشر فيو القبائل الموبية عمى طول الشريط الساحمي المطل‬
‫‪3‬‬
‫تمتد من‬ ‫عمى بحر ليبيا حيث يقسمو إلى منطقتين تفصميا بحيرة التريتون الشرقية‬
‫نير النيل حتى نير التريتون غربا ساحميا رممي منخفض وىي موطن قبائل البدو ‪،‬‬
‫و الغربية تمتد من التريتون شرقا إلى المحيط األطمسي غربا ‪ ،‬كما أشار إلى أنيا‬
‫موطن الميبيين المزارعين وىي جبمية حافمة بالوحوش الضارية ‪. 4‬‬
‫‪1‬‬
‫رأس سوليس ‪ :‬يقع جنوب طنجة بالمغرب األقصى حاليا ‪ ،‬انظر سيف الدين و آخرون ‪ ،‬أطمس التاريخ القديم ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار‬
‫الشرق العربي ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2009 ،‬ص ‪. 65‬‬
‫‪2‬‬
‫ىيرودوت عرف بأبي التاريخ وىو مؤرخ يوناني (‪ 424 – 485‬ق‪.‬م) ‪ ،‬ابن عائمة تيتم بالسياسة حيث شغف منذ البداية‬
‫بالتعميم و مطالعة الكتب من أىم مؤلفاتو ‪ ،‬مصر ىبة النيل و تاريخ ىيرودوت ‪ :‬انظر عبد المالك سالطنية ‪ ،‬المستوطنات‬
‫الفينيقية – البونية ‪ ،‬أطروحة دكتوراه العموم في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪( ،‬ب ‪ ،‬س)‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪3‬‬
‫عمى حسب رواية ىيرودوت ىي موجودة عمى الساحل الميبي حاليا ببنغازي ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ىيرودوت ‪ ،‬الم صدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫‪10‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪ -‬اإلقميم الداخمي ‪ :‬الذي يعتبر امتداد لموطن القبائل الموبية الساحمية يوازي اإلقميم‬
‫الساحمي‪.‬‬
‫‪ -‬اإلقميم الصحراوي ‪ :‬ىو إقميم مناخو صحراوي قاسي تصعب فيو المعيشة ويعتبر‬
‫طريق القبائل في التنقل‪.1‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب حسب استرابون ( ‪ : 2)Strabon‬في كتابو السابع عشر قدم لنا‬
‫استرابون وصفا لجغرافية بالد المغرب في قولو ‪... " :‬تمتد بين اإلسكندرية شماال‬
‫وميروي عاصمة أثيوبيا جنوبا عمى امتداد ‪ 10‬آالف ستاديوم‪ ، 3‬حيث تقع عمى حدود‬
‫المنطقة المشتركة بين المنطقة المحرقة و بين األرض المأىولة ونستطيع حساب مسافة‬
‫‪ 3000‬ستاديوم تقدر أقصى امتداد جغرافي طوليا لموبة بحوالي ‪ 13000‬ستاديوم ومع‬
‫ذلك فإننا ال نستطيع وضع تحديد دقيق لكامل المساحة " ‪. 4‬‬
‫ودورنا نحن كباحثين في المصادر التاريخية التأكد من ىذه المسافات بتحويميا‬
‫لمكيمومتر حيث وجدناىا تقريبا نفس المسافات الحالية ‪.‬‬
‫‪)2‬‬ ‫وقد وضع استرابون ليبيا بعد آسيا حاليا في مساحتيا وتأخذ شكل مثمث قائم(انظر‪:‬الشكل‬
‫وتقسم إلى ثالث مناطق ‪:‬‬
‫‪ -‬المنطقة األولى ‪ :‬تمتد من بحرنا ‪ -‬كما ذكره استرابون – ويقصد بو البحر األبيض‬
‫المتوسط ‪ ،‬وىي خصبة تتاخم مع الحدود القرطاجية إلى غاية موريطانيا و أعمدة‬
‫ىرقل (جبل طارق بالمغرب األقصى حاليا) ‪.‬‬
‫‪ -‬المنطقة الثانية ‪ :‬تمتد عمى طول المحيط وىي أقل خصوبة من األولى ‪.‬‬
‫‪ -‬المنطقة الثالثة ‪ :‬تتوسط المنطقة الخصبة والصحراوية وال تنبت إال السمفيوم ‪.5‬‬

‫‪1‬ىيرودوت ‪ ،‬الم صدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬


‫‪2‬‬
‫استربون ىو جغرافي إغريقي (‪ 20 – 63‬ق‪.‬م ) ألف سبعة عشر مجمد تميزت أعمالو بالدقة والجدية‪ ،‬انظر ‪ :‬عبد المالك‬
‫سالطنية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ 1‬ستاديوم = ‪ 177.6‬متر ‪ .‬نفسو ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫استرابون ‪ ،‬الجغرافيا ‪( ،‬ب ‪،‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد مبروك الدويب ‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس ‪ ،‬ليبيا ‪ ، 2006 ،‬ص ص ‪– 19‬‬
‫‪. 20‬‬
‫‪5‬‬
‫نفسو ‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫أما بالنسبة لممناخ فقد ساد المناخ الرطب عمى القسم الشمالي الغربي من ليبيا والجزء الجنوبي‬
‫حار جدا قميل المطر قاحل‪. 1‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب القديم حسب بمين الكبير( ‪ : 2) Leptis Pline‬حيث قدم امتداد‬
‫ىذه المنطقة وىي المحصورة بين الحدود الغربية لمصر حتى المحيط األطمسي و بيا‬
‫خميج سرت وتريتون و أعمدة ىرقل ‪ ،‬كان اإلغريق يسمون إفريقيا ليبيا والبحر الذي‬
‫يحدىا يسمى البحر الميبي تمتد أقصى حدودىا إلى مصر وسواحميا عمى خط منحرف‬
‫متواصل من الغرب وىي أكثر المناطق قمة لمخمجان ‪. 3‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب القديم حسب سالوست ( ‪ :4 )Sallustius‬في وصفو لجغرافية‬
‫المنطقة بحيث يصنفيا في الجزء الثالث من العالم ‪ ،‬ويحدىا من الغرب المضيق الذي‬
‫يصل بحرنا بالمحيط و بأنيا تتميز بالح اررة الشديدة وبصحاري واسعة ‪ .‬أما وصفو‬
‫لمظروف المناخية يذكر أن األرض خصبة وىي صالحة لتربية الحيوانات لكنيا غير‬
‫‪5‬‬
‫‪ .‬و يجدر بنا كباحثين في تاريخ بالد المغرب اإلشارة أنو ما‬ ‫صالحة لغرس األشجار‬
‫يؤخذ عن ىذا الوصف ىو التناقض حيث أشار أن األرض خصبة ثم أقر أنيا غير‬
‫صالحة لغرس األشجار لندرة األمطار ويمكن أن يكون ىذا التناقض نتيجة خطأ في‬
‫الترجمة ألن استرابون أكد خصوبة المنطقة األولى لميبيا ‪.‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب القديم حسب بطميموس( ‪ : )Ptolémaïs‬يقسم ليبيا إلى خمسة‬
‫مقاطعات أو أقاليم وىي ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫استرابون ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 20‬‬
‫‪2‬‬
‫بمين الكبير ‪ ،‬يعرف باسم ببميوس الكبير أو القديم ولد حوالي ‪ 23‬لمميالد ‪ ،‬كان ضابطا من طبقة الفرسان بإفريقيا ‪ ،‬شغل‬
‫مناصب في عيد اإلمبراطور فسباسيان مات مختنقا بفيزوف سنة ‪ 79‬لمميالد أثناء رصده ظاىرة البركان الشييرة ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫ميا عيساوي ‪،‬المجتمع الموبي في المغرب القديم ‪ ،‬من عصور ما قبل التاريخ إلى عشية الفتح اإلسالمي ‪ ،‬أطروحة دكتوراه‬
‫العموم في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري ‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2010 - 2009 ،‬ص ‪. 12‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪، XIII24 : XIV ، 1980 ، paris ،Histoire Naturelle ، 3 Pline L' Ancien‬‬
‫‪4‬‬
‫سالوسيت ىو مؤرخ روماني عاش في القرن األول قبل الميالد ( ‪ 36 -87‬ق‪.‬م) ‪ ،‬كان أحد المقربين من يوليوس قيصر ‪،‬‬
‫ألف مجموعة من األعمال التاريخية مستعينا بكتابات المؤرخين القرطاجيين ‪ .‬لمزيد من المعمومات أنظر‪:‬عبد المالك سالطنية ‪،‬‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 26‬‬
‫‪5‬‬
‫سالوست ‪ ،‬الحرب اليوغرطية ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪،‬تر ‪ :‬محمد المبروك الدويب ‪ ،‬منشورات جامعة بنغازي ‪ ،‬ليبيا ‪( ،‬ب ‪ ،‬س) ‪ ،‬ص‬
‫ص ‪. 30 – 31‬‬
‫‪12‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪ – 1‬مافريتانيا تينغيتاني ‪ :‬وتمثل موريطانيا الطنجية ‪.‬‬


‫‪ – 2‬مافريتانيا كايسارينسيا ‪ :‬وتمثل موريطانيا القيصرية ‪.‬‬
‫‪ – 3‬نوميديا ( إفريقيا )‬
‫‪ – 4‬كيرينايكي (قورينائية )‬
‫‪ – 5‬مارماريكي (مارماريكا) ‪ :‬اإلقميم المسمى ليبيا الحالية كما أشار إلى عدد من الوديان‬
‫المنتشرة عبر سواحل التي كان ليا األثر المباشر في ازدىارىا مثل ‪ :‬نير خولماث ‪ -‬نير‬
‫الشمف حاليا‪.1 -‬‬
‫‪ ‬جغرافية بالد المغرب القديم حسب المؤرخين المحدثين ‪ :‬تقع بالد المغرب في شمال‬
‫القارة اإلفريقية حيث تظير خريطتيا في شكل رباعي غير منتظم ‪. 2‬‬
‫‪ °25‬شرقا و ‪°17‬‬ ‫تمتد بين خطي طول ‪ °38 - °18‬شماال ‪ ،‬وبين خطي عرض‬
‫غربا‪ .‬و ىي بذلك تشغل موقعا إستراتيجيا من خالل وقوعيا عمى الضفة الجنوبية‬
‫لمحوض الغربي من البحر المتوسط باإلضافة إلى انفتاحيا عمى الحوض الشرقي من‬
‫خالل سواحل بالد المغرب الشرقية وكذا حمقة وصل بين ضفتي المتوسط والقارة‬
‫اإلفريقية‪ . 3‬وقد أشار محمد اليادي حارش إلى أن تباين التضاريس يرجع إلى عدة‬
‫عوامل منيا‪ :‬القرب والبعد عن البحر أو الصحراء التي أدت إلى تباين األقاليم المناخية‬
‫فقسوة المناخ القاري تقابميا برودة المناخ البحري الذي ال يشمل إال الشريط الساحمي‬
‫الضيق مقارنة بمساحة البالد الكاممة ‪ . 4‬أما فيما يخص الثروة الغابية تمثمت في البموط‬
‫والعرعار واألرز و غيرىا ‪ .‬ومن خالل كتابات المحدثين يمكننا أن نحدد البنية‬
‫التضاريسية لبالد المغرب والتي تتمثل في ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الجبال ‪ :‬توجد في بالد المغرب القديم سمسمتي جبال األطمس التمي و الصحراوي وتمتد‬
‫سمسمة األطمس التمي من الغرب إلى الشرق ويتجاوز ارتفاعيا ‪ 2000‬متر والتي تتميز بقمميا‬

‫‪1‬‬
‫بطميموس كالوديوس ‪ ،‬جغرافيا ليبيا و مصر‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر ‪ :‬محمد المبروك الدويب ‪ ،‬منشورات جامعة قاريوس ‪ ،‬ليبيا ‪،‬‬
‫‪ ، 2004‬ص ‪. 21‬‬
‫‪2‬‬
‫شارل أندري جوليان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 15 - 14‬‬
‫‪4‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪13‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫المسننة ‪ .‬أما سمسمة األطمس الصحراوي فيي محاذية لميضاب العميا الممتدة بين السمسمتين‬
‫والتي تتميز بشدة االنحدار نحو الصحراء وتتشكل من جبال التساال والبيبان والونشريس ـ والتي‬
‫تتميز بشدة االرتفاع الذي يتجاوز ‪ 4000‬متر ‪ ،‬وىو ما يجعميا في بعض األحيان محصنة‬
‫وفي أحيان أخرى عائق لمتواصل بين القبائل ‪. 1‬‬
‫ب‪ -‬السهول ‪ :‬تتميز بالد المغرب بوجود نوعين لمسيول ‪ ،‬ساحمية محاذية لمشواطئ مثل‬
‫سواحل مجردة بتونس ‪ ،‬والسيول الساحمية الغربية بتونس والسيول العميا بالجزائر ما تعرف‬
‫بمتيجة في األطمس البميدي حاليا ‪ ،‬وما يميزىا الضيق والتقطع رغم الخصوبة ‪ ،‬أما النوع‬
‫الثاني‪ :‬السيول الداخمية التي سميت بيذا االسم لوقوعيا داخل الجبال ‪ ،‬وىي أقل خصوبة من‬
‫النوع األول وتشترك معيا إال في خاصية الضيق والتقطع ‪. 2‬‬
‫ج ‪ -‬الهضاب ‪ :‬وىي المنطقة الممتدة بين سمسمة األطمس التمي و الصحراوي وىي أقل‬
‫خصوبة من السيول وتعرف أيضا بالسيوب تستغل كمراعي وتتميز بالشاسعة ‪.‬‬
‫أما بالنسبة لمتساقط فيو يتغير من منطقة إلى أخرى ففي الشريط الساحمي ال يتجاوز عمقو‬
‫في كل الحاالت من ‪ 100‬إلى ‪ 200‬ممم و يصل في منطقة السيوب إلى ‪ 100‬ممم‪.3‬‬
‫مما سبق نجد أن تباين التضاريس والغطاء النباتي أعطى المنطقة المغرب القديم صعوبة في‬
‫االتصال بين مختمف أقاليمو ‪ ،‬و كان لوجود الصحراء أثر في ازدواجية النمط المعيشي بين‬
‫البدو والحضر‪. 4‬‬
‫‪ .II‬شعوب و قبائل بالد المغرب‬
‫‪ - 1‬أصل السكان‬
‫تعتبر المصادر األدبية و المادية أىم ما يساعد الباحث في الوصول إلى ىدفو ‪ ،‬فدراسة أصل‬
‫سكان المغرب القديم تتوجب الرجوع إلى المصادر اليونانية مثل ىيرودوت الذي أشار في كتابو‬

‫‪1‬‬
‫شارل أندري جوليان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬سياسة الرومنة في بالد المغرب من سقوط الدولة القرطاجية إلى سقوط موريطانيا ( ‪ 146‬ق‪.‬م‪40 -‬‬
‫م) ‪( ،‬د ‪ .‬ط)‪ ،‬الشركة الوطنية لمنشر والتوزيع ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 1982 ،‬ص ‪. 07‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬
‫‪4‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 17‬‬
‫‪14‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫" تسكنو مختمف القبائل الميبية إال‬ ‫الثاني إلى األقوام التي سكنت بالد المغرب قديما بقولو ‪:‬‬
‫بعض أجزائو التي يسكنيا الفينيقيون واإلغريق " ‪.1‬‬
‫وفي كتابو الرابع يقول ‪ " :‬تعيش ىنا أربعة أمم ال أكثر ‪ ،‬اثنان منيا أصميتان ‪ ،‬فالميبيون‬
‫‪ Les Lyiens‬في الشمال و األثيوبيون ‪ Ethioplens‬في الجنوب ‪ ،‬والفينيقيون ‪Phéniciens‬‬
‫‪ Les‬و اإلغريق ‪ Les Grecs‬استقروا فييا فيما بعد ‪ . 2 "...‬في موضع آخر يقول ‪ " :‬المنطقة‬
‫الساحمية الممتدة من مصر إلى رأس سولييس الذي يسجل نياية القارة الميبية إلى الغرب آىمة‬
‫بالميبيين ‪ .3 "...‬وىو ما يؤكده حارش أن ذلك يشكل ضمنيا الوحدة اإلثنية لسكان شمال إفريقيا‬
‫من مصر إلى المحيط ‪ ،4‬حيث صنفيم ىيرودوت عمى أساس نمط معيشتيم إلى ليبيين رعاة‬
‫متنقمين وىم يشكمون قبائل عديدة تعيش في المنطقة الممتدة من مصر شرقا إلى بحيرة التيرون‬
‫غربا ‪ ،‬ومن بين ىذه قبائل ىذا الصنف ذكر ‪ :‬األدروماشيد ‪ ،‬الجينداس ‪ ،‬الماشيل ‪ ،‬األوسيس‪،‬‬
‫أما الميبيين المزارعين ساكني البيوت فينتشرون في المنطقة الممتدة من بحيرة التريتون حتى‬
‫رأس سولييس المطل عمى المحيط األطمسي والذي يشكل نياية القارة فقد ذكر منيم‪:‬‬
‫الماكسوس‪ ،‬األوزيس ‪ ،‬الزويس ‪ ،‬الجيزيت ‪. 5‬‬
‫أما في المصادر الرومانية فقد ورد ذكر سكان بالد المغرب عند سالوست بقولو ‪ " :‬إن السكان‬
‫األوائل إلفريقيا ىم الميبيون و الجيتول ‪ ، Gétules‬ثم أضاف إلييم المور ‪ Maures‬والنوماد‬
‫‪ Médes‬والفرس‬ ‫‪ Numides‬نتيجة امتزاج السكان األوائل ببقايا جيش ىرقل ‪ ،‬من ميديين‬
‫‪6‬‬
‫لكن شارل جوليان ينفي رواية سالوست و يرى أن أنيا ال نصيب ليا‬ ‫‪ Perses‬و اآلرمن ‪"...‬‬
‫ليا من الصحة ‪ .7‬أما محمد اليادي حارش فيذكر أنو يوافق اقتراح قزال الذي حاول التقريب‬
‫‪ Peror‬أو ‪ pharust‬الذي تتواجد أراضييم عمى‬ ‫بين ‪ Perses‬الواردة عند سالوست و‬

‫‪1‬‬
‫ىيرودوت ‪ ،‬الم صدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 310‬‬
‫‪3‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 308‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪. 27 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫لإلطالع أكثر انظر‪:‬ىيرودوت ‪ ،‬أحاديث ىيرودوت عن الميبيين(األمازيغ) ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬مصطفى األعشى ‪ ،‬مطبعة‬
‫المعارف الجديدة ‪ ،‬المغرب ‪ ، 2009 ،‬ص ‪. 33‬‬
‫‪6‬‬
‫سالوست ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 33 – 32‬‬
‫‪7‬‬
‫شارل أندري جوليان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫‪15‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪1‬‬
‫‪Procope‬‬ ‫‪ .‬كما نفى أيضا جوليان رواية بروكوب‬ ‫السواحل األطمسية في المغرب الحالي‬
‫الزاعمة بحدوث ىجرة فينيقية بعد دخول العبرانيين إلى بالد الشام مرجعا ذلك إلى مصادر‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬وىناك من ربط سكان بالد‬ ‫ييودية متأثرة باليونان قائال ‪ " :‬وليس لو أية قيمة تاريخية "‬
‫المغرب الذي ذكرىم سالوست من جيتول و ليبيين بمعطيات أنتروبولوجية تعود إلى فترة ما قبل‬
‫التاريخ بأصول السكان إلى ساللتين ‪:‬‬
‫‪ -‬إنسان مشتى العربي في الشمال بين التل والبحر المتوسط ‪.‬‬
‫‪ -‬اإلنسان القفصي الذي شغل القسم القاري الداخمي الذي أصبح الحقا لقبائل‬
‫الجيتول‪ .3‬لكن حارش يخمص إلى أن التركيبة األساسية لسكان بالد المغرب القديم‬
‫تنتمي إلى العرق األمازيغي القديم الذي كان موجودا في المنطقة منذ ما قبل التاريخ‬
‫‪ .4‬ليضيف أنو في‬ ‫كتركيب لم يتوقف عن اإلثراء بواسطة مساىمات إثنية وثقافية‬
‫الجانب اإلثني لم تكن مساىمة كبيرة‪ ،‬حيث تنتيي بالذوبان في العنصر البربري‬
‫الغالب ‪ ،‬أما ثقافيا فكانت المساىمة أنشط و أكثر تأثي ار ‪ ،‬لكن دون أن تتمكن من‬
‫إلغاء الركيزة القديمة‪. 5‬‬
‫‪ - 2‬تنوع التركيبة البشرية‬
‫عرف المغرب القديم منذ مجيء الفينيقيين تنوع في التركيبة البشرية ‪ ،‬إذا تعددت‬
‫األجناس بين المحمية و وافدة وقد ذكر ىيرودوت بأن سكان المنطقة الممتدة من غرب النيل‬
‫إلى المحيط شعوب تسمى الميبو وىم العناصر المحمية وتتمركز في الشمال ‪ ،‬أما الفينيق‬
‫واإلغريق فيم الوافدون‪ 6‬و يمكننا تصنيفيا بالشكل كاآلتي ‪:‬‬
‫أ – السكان األصميون ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 27‬‬
‫‪2‬‬
‫أندري شارل جوليان ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصغير غانم ‪ ،‬مواقع و حضارات ما قبل التاريخ في بالد المغرب القديم ‪ ،‬دار اليدى ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬عين مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪،‬‬
‫‪ ، 2003‬ص ‪. 93‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪. 32 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫‪6‬‬
‫ىيرودوت ‪ ،‬الم صدر السابق ‪. 369 ،‬‬
‫‪16‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫‪ ‬المور ‪ :‬ىي كممة ذات أصل فينيقي تعني عندىم الغرب ‪ ، 1‬و اسم موريطانيا أو موريزيا‬
‫قد اشتق من المور الذين أشار إلييم سالوست في حديثو عن السكان األوائل إلفريقيا ‪ 2‬و‬
‫اشتق اإلغريق فيما بعد كممة " موريزيا " ‪ ،‬وجرى تداوليا في المصادر الرومانية بصيغة‬
‫موري " ‪ " Mauri‬فجعل سالوست الموريين – كما سبق ذكره – مزيجا من الموبيين‬
‫والميديين ‪ ،‬استوطنوا القسم الغربي من شمال اإلفريقي الممتد من واد مموشة (المموية)‬
‫إلى المحيط األطمسي ‪ 3 .‬وقد استمرت ىذه التسمية إلى العيد الذي سيطر فيو الرومان‬
‫عمى المنطقة ‪ ،‬أما عن ىذه (مور) فيي ذات أصل فينيقي وتعني أقصى الغرب حيث‬
‫اشتقت من كممة "موىيريم" التي ليا ذات المدلول ‪. 4‬‬
‫النوميديون ‪ :‬ورد أول إشارة إلييم عند ىيرودوت بصيغة نوماداس ( ‪)Nomadés‬‬ ‫‪‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ ،‬أما في القرن الثالث قبل الميالد فقد أخذت كممة نوميديا‬ ‫قاصدا بيا المبيين البدو‬
‫مدلوال جغرافيا تمتد من قرطاجة إلى واد مموية غربا ‪ ،‬وكانت حدودىا تتقمص وتتسع‬
‫حسب قوتيا أو ضعفيا ‪ ،‬وسمي السكان النوميديين ‪.6‬‬
‫‪ ‬الجيتول ‪ :‬أحد الشعوب األصمية في بالد المغرب القديم ‪ ،‬ويعتبر الشعب الثالث الذي‬
‫يعمر إفريقيا الشمالية‪ ، 7‬كانت قبائل الجيتول تنتشر من اليضاب العميا إلى الصحراء‬
‫جنوب موريطانيا ‪ ،‬ومن المحيط األطمسي إلى فزان ‪ ،‬وقد ذكر استرابون شبو مناطق‬
‫انتشارىم بالبقع عمى جمد الفيد ‪ ،‬لم ترد ىذه التسمية عند ىيرودوت مما يدل عمى أن‬
‫الجيتول ظيرت فيما بعد ‪ ،‬إذا لم ترد في المصادر الالتينية إال بداية القرن الثاني قبل‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرحمان بن خمفة ‪،‬الديانة الوثنية المغاربية القديمة (منذ النشأة إلى سقوط قرطاجة ‪ 146‬ق‪.‬م ) مذكرة مقدمة لنيل درجة‬
‫الماجستير في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2008 / 2007 ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪2‬‬
‫سالوست ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫عبد الرحمان خمفة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫محمد العربي العقون ‪ ،‬االقتصاد والمجتمع في الشمال اإلفريقي القديم ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار اليدى ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2008 ،‬ص ‪.155‬‬

‫‪5‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب (سياسة الرومنة ‪146‬ق‪.‬م‪ 40 /‬م) ‪ ،‬ط‪ ، 2‬المؤسسة الوطنية‬
‫لمكتاب‪ ،‬الجزائر‪( ،‬ب ‪ ،‬س) ‪ ،‬ص ص ‪. 164 – 163‬‬
‫‪6‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪. 165‬‬
‫‪7‬‬
‫سالوست ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 32‬‬
‫‪17‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫الميالد ‪ .‬كان الجيتول منقسمين إلى عدة قبائل منيا ‪ :‬األتوتول ‪ ،‬ىذه األخيرة لعبت دو ار‬
‫ىاما في تاريخ المنطقة ‪ ،‬فيي القبيمة األقوى وقد خص سالوست الجيتول بمعب دور‬
‫‪1‬‬
‫‪ .‬في حين أشار تيف ليف إلى أنيم يشكمون قسما‬ ‫ميم في تكوين الشعب النوميدي‬
‫من جيوش حنبعل ‪ ،‬أما قزال فيرى أن الجيتول األتاتول كانوا يتواجدون بجوار واد‬
‫بورقرق و مدينة سيال بالمغرب األقصى حاليا ‪ ،‬وكانوا ييددون خطوط االتصال‬
‫باألطمس و يشكمون خط ار عمى المستعمرات الرومانية ‪ .‬وفي مجمل القول فيم‬
‫يتمركزون في السيوب والمرتفعات الجنوبية والحواف الشمالية لمصحراء فيما بين المحيط‬
‫األطمسي حتى فزان شرقا و اشتيروا بممارسة الرعي ‪. 2‬‬
‫ب – السكان الوافدون ‪:‬‬
‫الفينيقيون ‪ :‬عرف التوسع الفينيقي في بالد المغرب مرحمتين ‪ :‬األولى استكشافية‬
‫و ليكسوس ‪ 4‬وذلك نياية األلف الثانية قبل‬ ‫‪3‬‬
‫لمراقبة المنطقة ‪ ،‬أسست خالليا أوتيكا‬
‫الميالد ‪ ،‬والمرحمة الثانية استقرار تمثمت في إنشاء محطات تجارية ثابتة مثل ‪ :‬قرطاجة‬
‫و حضرموت (سوسة) ‪ ، 5‬وقد كانت العالقة بين الفينيقيين و الموبيين الذين يعتبرون‬
‫السكان األصميين سممية تجارية ‪ ،‬ولعل االستمرار في ىذا التوافق بينيما منذ تأسيس‬
‫قرطاجة إلى القرن الخامس قبل الميالد دليل عمى االنسجام بين الطرفين كما يمكن أن‬
‫‪6‬‬
‫تكون تمك الفترة التي تكونت فييا الحضارة البونية (فينيقيين – لوبيين)‬

‫‪1‬‬
‫نفسو ‪ ،‬ص ‪33‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 32‬‬
‫‪3‬‬
‫أوتيكا ‪ :‬ىي مستوطنة فينيقية في الحوض الغربي لمبحر األبيض المتوسط ‪ ،‬تأسست حوالي القرن الحادي عشر ق ‪.‬م ‪ ،‬وىي‬
‫تقع عمى السيول الشمالية الساحمية التونسية ‪ ،‬انظر ‪ :‬محمد الصغير غانم ‪ ،‬سيرتا النوميدية النشأة والتطور ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ط ‪، 1‬‬
‫شركة العال ‪ ،‬عين مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ص ‪. 74‬‬
‫‪4‬‬
‫ليكسوس ‪ :‬من بين أقدم المستوطنات الفينيقية في الحوض الغربي لمبحر األبيض المتوسط موقعيا حاليا يبعد عن مدينة‬
‫العرائش حوالي ‪ 4‬كمم ‪ .‬انظر ‪ :‬محمد الصغير غانم ‪ ،‬نفسو ‪ ،‬ص ‪. 74‬‬
‫‪5‬‬
‫سوسة ‪ :‬ىي مدينة تونسية تقع عمى بعد ‪ 140‬كمم جنوب العاصمة ‪ ،‬أسسيا الفينيقيون في األلف األولى قبل الميالد وتغير‬
‫اسميا و أطمقوا عميو "حضرموت" ‪ ،‬نسبة لتشابو سواحميا بسواحل حضرموت الموجودة في جنوب شبو الجزيرة العربية ‪.‬‬
‫لمزيد من المعمومات انظر ‪ :‬عبد المالك سالطنية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 227‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬نوميديا وروما اإلمبراطورية تحوالت اقتصادية واجتماعية في ظل االحتالل ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مؤسسة كنوز‬
‫الحكمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2012 ،‬ص ‪. 198‬‬
‫‪18‬‬
‫دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬ ‫الفصل التمهيدي‬

‫الرومان ‪ :‬بعد سقوط قرطاج وتدميرىا سنة ‪ 146‬ق‪.‬م دخل الرومان بالد المغرب الكبير‬
‫من بابيا الواسع بل وتربع عمى عرشيا ونيب خيراتيا وقد وفدت جميع طبقات المجتمع‬
‫الروماني من حكام وتجار و مزارعون ‪ ،‬وقد تركز ىؤالء في المدن البونية التي تتوفر‬
‫عمى مرافق الراحة والرفاىية‪. 1‬‬

‫‪ 1‬محمد البشير شنيتي ‪ ،‬نوميديا وروما اإلمبراطورية تحوالت اقتصادية واجتماعية في ظل االحتالل‪ .‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪198‬‬
‫‪19‬‬
‫الفصل األول ‪:‬‬

‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪9‬ق‪.‬م– ‪2‬ق‪.‬م‬

‫المبحث االول ‪ :‬مممكة قرطاجة‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬الممالك الوطنية‬


‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ .I‬مممكة قرطاجة (تأسيسها – تطورها ‪ -‬سقوطها)‬

‫‪ - 1‬اختالفات تأسيس المممكة القرطاجية‬


‫يعتبر وصوؿ البحارة والمستوطنيف مف فينيقيا إلى سواحؿ بالد المغرب القديـ محطة‬
‫لدخولو مرحمة ظيور الكتابات التاريخية المتعمقة بيذه المنطقة ‪ ،‬ولكف تناوؿ تاريخ ىذه الفترة‬
‫أمر صعب‪ ،‬وذلؾ ألف المصادر كميا تقريبا يونانية و التينية‪ .‬وكذلؾ يكتنؼ الحضارات الميبية‬
‫المحمية قبؿ القرف ‪ 3‬ؽ‪.‬ـ بعض الغموض‪ ،‬وقد استمر تراث حضارة العصر الحجري الحديث‬
‫في المغرب حتى األلؼ األولى قبؿ الميالد ‪.1‬‬
‫وما يمكف اإلشارة إليو ما قالو الدكتور محمد الصغير غانـ عف التواجد الفينيقي في‬
‫غربي البحر المتوسط الذي كاف بإنشاء مجموعة مف المستوطنات الفينيقية التي سبقت تأسيس‬
‫قرطاجة ونذكر منيا ‪:‬‬
‫‪ _1‬قادس‪ :‬وىي تعد مف المستوطنات الباكرة في الحوض الغربي لممتوسط‪ ،‬وقد أسسيا التجار‬
‫الفينيقيوف ألغراض اقتصادية وقد أسست حوالي القرف الثامف ؽ‪.‬ـ وىي شبيية بمدينة صور ‪.2‬‬
‫‪ _2‬مالقا(‪ :)malga‬وكانت مخصصة لتجفيؼ األسماؾ وتمميحيا‪.‬‬
‫‪ _3‬أبدي ار (‪: )Abdera‬أسسيا القائد القرطاجي صدربعؿ (وىي مف المستوطنات المتأخرة)‪.‬‬
‫‪ -4‬سردينيا‪ :‬أو ما يسمى (صونت سيراي)‪.‬‬
‫‪ -5‬أوتيكا‪ :‬عمى الساحؿ الغربي مف خميج تونس وذلؾ سنة ‪ 1101‬ؽ‪.‬ـ‪.3‬‬
‫‪ - 6‬تأسيس قرطاجة‪:‬‬
‫_ اختيار الموقع وأسباب بناء المدينة‪:‬‬
‫أ_ أصل التسمية‪:‬‬
‫‪ )Carthage‬مف ( ‪ )Cartago‬وبدقة ىي ( ‪ )Kartago‬وىو لفظ‬ ‫جاء اسـ قرطاجة (‬
‫التيني لمكممة اليونانية ( ‪ )Karchedàn‬التي بدورىا لفظ محرؼ لمتسمية الفينيقية المركبة (قرت‬
‫حدشت) والتي تعني المدينة الجديدة‪ .‬وفي وقت ما وبسبب المفاىيـ السياسية لمفينيقييف فرضت‬

‫‪1‬‬
‫ب‪.‬ىػ‪ .‬وار منجتوف ‪( ،‬تاريخ إفريقيا العاـ) العصر القرطاجي ‪ ،‬ـ ‪(، 2‬د‪.‬ط) ‪ ،‬إش‪ :‬جماؿ مختار‪ ،‬المجنة العممية الدولية‬
‫لتحرير تاريخ إفريقيا العاـ‪ ،‬اليونيسكو‪ ،1985 ،‬ص ‪.453‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬التوسع الفينيقي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪.83 -82‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 85‬‬
‫‪21‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫قرطاجة نفسيا بقوة عمى رأس العالـ البوني‪ ،‬ونحف ال نقبؿ بالترجمة التي تعطي لكممة ( ‪)Cart‬‬
‫مدلوؿ (عاصمة)‪ ،‬إذ فسر"كاتوف ( ‪ ")Katon‬أصؿ ىذه الكممة ومعناىا‪ ،‬وأشار "تيت‪-‬ليؼ"‬
‫‪ .1‬وىو ما اتفقت‬ ‫(‪ )Tite-live‬إلى كممة قرطاجة في المغة البونية أنيا تعني المدينة الجديدة‬
‫عميو جؿ المراجع الحديثة مع ما ورد في القواميس لمعنى ىذه الكممة ‪ .‬وىذا والمعنى يدؿ عمى‬
‫أف االسـ قد اختير ليدؿ عمى مدينة ورثت مرك از أكثر قدما منيا في ذلؾ الموقع أو أنيا ألحقت‬
‫بو‪.‬ويدؿ ىذا ضمنا عمى أف المكاف قدر لو منذ البداية أف يكوف المستوطنة الرئيسية لمفينيقييف‬
‫في الغرب‪ ،‬واف كنا ال نعرؼ عف آثارىا في أقدـ فترات تاريخيا سوى قدر ضئيؿ ال يسمح‬
‫بالتأكد مف ىذا األمر ‪ .2‬وقد أسسيا سنة ( ‪ 814‬ؽ‪.‬ـ) فينيقيوف أتوا مف صور وأطمقت كممة‬
‫"فوني" عمى فينيقي الغرب وعمى إنتاجيـ ‪ .3‬ولقد بنيت في القرف الثاني قبؿ الميالد "قرطاجة أو‬
‫قرطاجنة" أخرى ( ‪ )Cartagene‬في إسبانيا‪ ،‬وكانت ىي أيضا مدينة جديدة بالمفيوـ الذي يدؿ‬
‫عمى تجديد البناء الفينيقي القديـ "لقادس"‪.4‬‬
‫ب_ ظروف وأسباب بناء المدينة الجديدة‪:‬‬
‫ال يمكف أف نستنتج شيئا ذا قيمة تاريخية مف أسطورة التأسيس التي وصمت إلينا في مختمؼ‬
‫كتابات المؤلفيف اإلغريؽ والروماف‪ ،‬فقد عثرنا عمى آثار ترجع إلى حوالي التاريخ المذكور‬
‫(‪ 814‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬ويشير الترابط العاـ لمشواىد األثرية أنو بينما كانت الرحالت الفردية تتـ في فترة‬
‫مبكرة فإف المستوطنات الدائمة عمى ساحؿ المغرب لـ تتـ قبؿ سنة ( ‪ 800‬ؽ‪.‬ـ) ‪ .5‬ولقد نقمت‬
‫لنا ظروؼ بنائيا بواسطة العديد مف الكتاب بمختمؼ المعطيات التي تالمس ىذا الموضوع‬
‫وربما كانت ىذه الراويات شائعة في أوساط القرطاجييف الذيف كانوا عمى احتكاؾ مع العالـ‬
‫اإلغريقي‪.‬وبعد أف تمكنت "عميسا" وصحبيا مف الوصوؿ إلى سواحؿ أفريقيا‪ ،‬وكاف أوؿ أىدافيـ‬
‫ىو سعييـ إلقامة عالقات صداقة مع السكاف األصمييف الذيف أروا في القادميف الجدد إمكانية‬
‫إقامة محطات تجارية مريحة‪ ،‬فقد عرضت الممكة عمى السكاف أف تشتري منيـ قطعة أرض‬

‫‪1‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬قرطاجة أو امبراطورية البحر‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر‪ :‬عز الديف أحمد عزو‪ ،‬دار األىالي لمطباعة والنشر‪ ،‬دمشؽ‪،‬‬
‫‪ ،1996‬ص ‪.53‬‬
‫‪2‬‬
‫ب‪.‬ىػ‪ .‬وار منجتوف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪. 455‬‬
‫‪3‬‬
‫مادليف ىورس مياداف‪ ،‬تاريخ قرطاج‪ ،‬تر‪ :‬إبراىيـ بالش‪ ،‬ط‪ 1‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪-‬لبناف‪ ،1981 ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪4‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪5‬‬
‫ب‪.‬ىػ‪ .‬وار منجتوف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪.455‬‬
‫‪22‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫بمقدار ما يمكف لجمد ثور أف يغطييا كي تستريح ىي وصحبيا المنيكوف بسبب المالحة‪ .‬ولقد‬
‫كاف سكاف بالد المغرب القديـ يخشوف ىؤالء الغرباء دوف شؾ‪ ،‬إال أف عرض الممكة بدا ليـ‬
‫متواضعا فقبموا؛ غير أف الممكة "عميسا" لجأت إلى حيمة جديدة‪ ،‬إذ قامت بقص جمد الثور إلى‬
‫سيور رفيعة جدا‪ .‬وبعد أف تكممت إقامتيـ األولى بالنجاح‪ ،‬أنشئوا مدينة عمى ىذا الشاطئ ‪.1‬‬
‫ج ‪ -‬اختيار الموقع وبداية التشييد‪ :‬باشر الفينيقييف الحفر بيدؼ تأسيس المدينة المدعوة‪،‬‬
‫فعثروا فييا عمى "رأس ثور" فأحسوا أف ذلؾ نذير شؤـ‪ ،‬فاختاروا أرضا أخرى‪ ،‬فعثروا فييا عمى‬
‫رأس حصاف‪ ،‬و أروا فيو رم از لمقيـ الحربية والقوة فكاف ىو المكاف المختار ‪ .2‬وتقع قرطاج عمى‬
‫بعد ستة عشر كيمومت ار تقريبا مف الشماؿ الشرقي لمدينة تونس عمى شبو جزيرة واسعة‪ ،‬يحدىا‬
‫مف الجنوب خميج تونس‪ ،‬ومف الشرؽ البحر (البحر المتوسط) ومف الشماؿ بحيرة (سوك ار)‬
‫المالحة والممتدة عمى الشاطئ‪ ،‬ويتصؿ شبو الجزيرة ىذا مف الغرب بالقارة األفريقية‪.‬‬
‫وتعد قرطاج مف بيف أجمؿ المناظر الطبيعية في العالـ إذ يحظى الموقع بمميزات ثمينة‪،‬‬
‫‪ ،3‬ويميز ىذه‬ ‫تعتبر ضمانات لتأميف وتوسيع العاصمة وحماية جالليا وتألقيا الصاعديف‬
‫المنطقة مناخ حار معتدؿ ‪ ،4‬يوفر ليا مزروعات متوسطية كالحبوب والخضار وغيرىا وليس‬
‫تفاوت درجات الح اررة فييا كبي ار جدا‪ ،‬بؿ يمطفو جوارىا لمبحر‪ ،‬ومعدؿ تساقط األمطار يبمغ‬
‫ثمانيف يوما في السنة‪ ،‬مما يجعؿ مناخيا صحيا وقميؿ الرطوبة وفي أغمب األحياف تتعرض‬
‫مدينة قرطاج لريح شمالية غربية‪ ،‬كما أف نسيـ البحر يخفؼ مف وطأة السموـ عند ىبوبيا ‪.5‬‬
‫د ‪ -‬البناء الحضاري لممدينة‪:‬‬
‫لـ يمض عمى بناء المدينة زمف طويؿ حتى استولى أىميا عمى شطوط إفريقيا‪ ،‬وبعض‬
‫جزر البحر المتوسط واألقيانوس األتمنتيكي (المحيط األطمسي)‪ ،‬فأصبحت سمطتيـ عظيمة‬
‫جدا‪ ،‬واقتضت الحاؿ أف يكوف ليـ جيش وافر‪ ،‬وبوارج كثيرة‪ ،‬وال سيما أف لصوص‬

‫‪1‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 57‬‬
‫‪3‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬قرطاجة الحضارة والتاريخ‪ .‬تر‪ :‬يوسؼ شمب الشاـ‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشؽ‪ ،1994،‬ص ص ‪.48 -47‬‬
‫يشبو إلى حد بعيد مناخ تونس حاليا‪ ،‬إذ ال تتمقى ىذه المنطقة في الوقت الحاضر إال ‪ 450‬مـ‪ 3‬مف مياه األمطار‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫مادليف ىورس مياداف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪. 14‬‬
‫‪23‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫البحر كانوا خط ار عمى تجارتيـ ‪ .1‬ولكي تشعر قرطاجة باألمف بنت أسوا ار شاىقة وعريضة‬
‫خارجا يمنع التعمشؽ الفردي (التسمؽ) أو طرح الساللـ لمتسمؽ ‪،2‬‬
‫ً‬ ‫القاعدة وانحناء حيطاف السور‬
‫ومع ذلؾ تصر قرطاجة عمى حماية ذاتيا‪ ،‬فالسور يتقدمو خندؽ (‪ ،)3‬األمر الذي جعؿ وسائؿ‬
‫الدفاع عف قرطاج في غاية القوة‪ ،‬ولـ تقتصر وسائؿ التحصيف عمى ذلؾ‪ ،‬وانما أقيمت قمعة‬
‫داخمية‪ ،4‬يحيط بيا سور كبير طولو حوالي ثالثة كيمومترات‪ ،‬وىو بال شؾ أقدـ جزء في‬
‫المدينة‪.5‬‬
‫وفي أخر ىذا المطمب نقدـ مقارنة لممؤرخيف المغاربة المحدثيف بداية ب الدكتور محمد‬
‫الصغير غانـ الذي أشار إلى إنشاء مدينة قرطاجة التي تعتبر مف أىـ المستوطنات الفينيقية في‬
‫‪ 814‬ؽ ‪ .‬ـ تغيرت زعامة‬ ‫وسط السواحؿ المغاربية ‪ ،‬وبالضبط في خميج شماؿ تونس سنة‬
‫المدف الفينيقية بحيث حمت مدينة قرطاجة محؿ صور ‪ ،‬وبذلؾ أخذت زعامة المستوطنات‬
‫الدكتور محمد‬ ‫الفينيقية القرطاجية في الحوض الغربي لمبحر المتوسط وىو بذلؾ يؤكد فكرة‬
‫فنطر و قد أيده في ذلؾ الدكتور محمد اليادي حارش الذي قدـ التطور الذي شيدتو قرطاجة‬
‫مف مركز تجاري إلى قوة بحرية خالؿ القرف ‪ 5‬ؽ‪ .‬ـ ‪.‬‬
‫‪ - 2‬المظاهر الحضارية لمممكة قرطاجة‪:‬‬
‫أ ـ المظهر السياسي‪:‬‬
‫يؤكدوا المؤرخوف عمى أنيـ لـ يعرفوا الشيء الكثير عف األنظمة السياسية القرطاجية في القروف‬
‫األولى لكنيا مف المؤكد أنيا كانت مشابية لنظاـ صور السياسي عمى أنيا مف األجدر أنيا‬
‫‪ 5‬ؽ‪ .‬ـ‬ ‫كانت ممكية في البداية ورغـ أف التاريخ لـ ينقؿ لنا اسـ أي ممؾ قرطاجي قبؿ القرف‬
‫إال انو في أوائؿ ىذا القرف يكوف ىميمكار ابف حنوف قد وصؿ إلى الحكـ نتيجة قيمتو ىذا ما‬
‫يفيـ منو أف تعيينو كاف باالختيار ال وراثيا ‪،‬أي أف نظاـ الحكـ قد تعرض لمتغيير‪.‬أما في‬

‫‪1‬‬
‫نجيب متري‪ ،‬كتاب ممخص التاريخ القديـ‪( ،‬مقتطؼ مف أصدؽ المصادر وأصحيا)‪ .‬ؼ ‪ ،6‬مطبعة المعارؼ‪ ، ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 1331‬ىػ‪1913-‬ـ ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬مصر والشرؽ األدنى القديـ (المغرب القديـ)‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪1410 ،‬ىػ‪1990-‬ـ‪ ،‬االسكندرية‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪3‬‬
‫شوقي خير اهلل‪ ،‬قرطاجة العروبة األولى في المغرب‪ .‬ط‪ ،1‬دار النشر (مركز الدراسات العممية)‪ ،1992 ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪4‬‬
‫مكانيا اآلف كنيسة لويس التاسع‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪24‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫النصؼ الثاني مف القرف ‪ 6‬والنصؼ األوؿ مف القرف ‪ 5‬قبؿ الميالد سيطرت األسرة الماغونية‬
‫طيمة ثالثة أجياؿ عمى الحكـ ‪،‬ومف أىـ حكاميا نجد ‪:1‬‬
‫ماغوف وأبناءه ( صدر بعؿ‪ ،‬ىممكار ) ثـ أبناء صدر بعؿ الثالث وىـ ( حنبعؿ‪ ،‬صدر بعؿ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬لقد كاف المظير الوحيد في‬ ‫سافوا) وأبناء ىممكار الثالثة ( خميمكاف ‪ ،‬حنوف ‪ ،‬جيسكوف )‬
‫قرطاجة الذي حظي بإرضاء أباطرة اإلغريؽ ىو دستورىا السياسي الذي يبدوا انو يكفؿ ليا‬
‫االستقرار وىنا يبرز التأثير اإلغريقي في قرطاجة نتيجة االحتكاؾ حيث كاف ىذا الدستور‬
‫مشابو بدرجة كبيرة بدستور اسبرطة وأثينا ‪.3‬‬
‫المظهر االقتصادي‪:‬‬
‫أ ـ التجارة ‪ :‬كانت قرطاجة تمثؿ أغنى مدينة في عالـ البحر المتوسط ‪ ،‬لقد كاف دورىـ التجاري‬
‫يتمثؿ في إيصاؿ السمع غير المصنعة في شرقي المتوسط ثـ نقؿ البضائع المصنعة مف ىذه‬
‫الدوؿ وتوزيعيا عمى محتاجييا مف الشعوب حيث حصؿ القرطاجيوف عمى ىذه المعادف الخاـ‬
‫مف كؿ مقاطعة كرنويؿ وجزر كاسيتريدس التي كانت تحتوي عمى معادف القصدير واسبانيا‬
‫حاليا التي وجد بيا مناجـ الفضة والرصاص والنحاس ‪ ،‬ومف غرب إفريقيا االستوائية وبالد‬
‫السوداف المتاف كاف يجمب منيا الذىب والعاج والحجارة الكريمة‪.4‬‬
‫وقد لجئوا إلى الدفع بالطرؽ المعموؿ بيا آنذاؾ مف السبائؾ الذىب أو الفضة أو العمالت‬
‫األجنبية إذ لـ تسؾ العممة حتى أواخر القرف الخامس ؽ‪.‬ـ في قرطاجة‪ ،‬وكانت صادراتيـ عبارة‬
‫عف أقمشة‪ ،‬الزرابي‪ ،‬العسؿ ‪ ،‬التيف‪ ،‬المرمر‪ ،‬النحاس‪ ،‬الحيوانات المفترسة‪ ،‬الخمر والزيوت ‪.5‬‬
‫وقد عرؼ القرطاجيوف أيضا نظاـ المقايضة الصامتة حيث يفرغوف بضائعيـ في مناطؽ بعيدة‬
‫غير معروفة ثـ يعودوف لمسفف ويرسموف إشارة بالدخاف ‪ ،‬عندما يرى األىالي الدخاف يأتوف لذلؾ‬
‫المكاف يضعوف كمية مف الذىب أو العاج أو جمود الغزالف وغيرىا مقابؿ البضائع ثـ ينسحبوف‪،‬‬
‫عند ذلؾ يعود القرطاجيوف لممكاف مف جديد ويفحصوا جيدا ما تركو األىالي فإذا أروا أنو يعادؿ‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد الصغير غانـ‪ ،‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪.113‬‬
‫‪5‬‬
‫‪،‬‬ ‫ج ‪ .‬كونتو‪ ،‬الحضارة الفنيقية ‪ ،‬تر‪ :‬محمد عبد اليادي شعيرة ‪ ،‬م ار ‪ :‬طو حسيف ‪ ،‬شركة مركز كتب الشرؽ االوسط‬
‫ص‪.87‬‬
‫‪25‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫قيمة البضائع أخذوه وأبحروا بعيدا ‪،‬واذا كاف غير كافي عادوا إلى سفنيـ وانتظروا أف يضيؼ‬
‫األىالي الكمية الكافية إلرضائيـ‪ ،‬ولـ يكف القرطاجيوف يقربوف الذىب أو السمع حتى يساوي في‬
‫قيمتو البضائع التي أحضروىا كما أف األىالي ما كانوا يقربوف البضائع حتى يتـ نقؿ الذىب‬
‫مف مكانو ‪ ،1‬أما عف التجارة البحرية الخارجية فقد كانت مزدىرة لمغاية وأدت إلى ظيور‬
‫الرحالت االستكشافية لممموؾ القرطاجييف الكبرى ولعؿ مف أىميا رحمة ىممكوف التي انطمقت‬
‫مف قرطاجة ووصمت حتى اسبانيا والغاؿ مف اجؿ السيطرة عمى تجارة القصدير‪ ،‬ولـ يسمح‬
‫‪ .2‬باإلضافة إلى رحمة الممؾ‬ ‫القرطاجيوف بتسرب المعمومات عف ىذه الرحالت إال ناد ار‬
‫القرطاجي حنوف التي كانت حوالي ( ‪350 - 450‬ؽ‪.‬ـ)‪ ،‬رحؿ مف قادش حوؿ افريقية إلى أف‬
‫وصؿ جزيرة العرب مف الجنوب ثـ كتب كتاب وصؼ فيو ىذه الرحمة ‪،‬و لقد كاف الميناء‬
‫القرطاجي يعج بالسفف التجارية والسمع ومختمؼ المنتوجات مف مختمؼ المناطؽ ‪.3‬‬
‫ب ـ الصناعة‪ :‬اشتغؿ الفينيقيوف بالصناعة منذ تأسيسيـ قرطاجة غير أنيا كانت في أوؿ األمر‬
‫بسيطة بحيث ال تتجاوز صناعة السفف واصالحيا واستخراج صباغة األرجواف باإلضافة إلى‬
‫صناعة الفخار التي كانت منتشرة ‪ ،‬ولـ تزدىر الصناعة القرطاجية إال اعتبار مف القرف‬
‫الخامس قبؿ الميالد نتيجة اصطداميـ مع اإلغريؽ‪ .‬ولعؿ مف أىـ الصناعات التي برع فييا‬
‫القرطاجيوف صناعة المعادف‪ ،‬حيث كانت قرطاجة تصنع سالحيا بنفسيا ‪ ،‬وصناعة النسيج‬
‫‪ ،4‬وقد كانت الصناعة‬ ‫والثياب األرجوانية وصناعة األخشاب والنقش عف األحجار الكريمة‬
‫البحرية تحتؿ الصدارة خاصة صناعة السفف نتيجة كثرة األشجار في المنطقة خاصة‬
‫خشب(السرو) باإلضافة إلى أعماؿ النجارة مف صناعة النوافذ والكراسي والخزائف الخشبية‪.5‬‬
‫ج ـ الزراعة‪ :‬كانت الزراعة في قرطاجة في أوؿ األمر متواضعة جدا ثـ تطورت تدريجيا‪ ،‬حيث‬
‫كانت ممكية المزارع الواسعة مف حؽ األغنياء االرستقراطييف الذيف كانوا يوجيوف السمطة‬
‫السياسية واالقتصادية في مدينة قرطاجة ‪ .6‬ولعؿ سبب تطور الزراعة في قرطاجة الرئيسي كاف‬

‫‪1‬‬
‫جاف مازيؿ ‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫‪2‬‬
‫فرانسو ديكريو ‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ص‪. 114‬‬
‫‪5‬‬
‫ج ‪ .‬كونتو‪ ،‬المرجع السابؽ‪. 89 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫شوقي خير اهلل‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫‪26‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫ىزيمة قرطاجة في معركة ىمي ار في ‪ 480‬ؽ‪.‬ـ ىذا ما حد مف نفوذ قرطاجة في البحر ووجيت‬
‫أنظارىا ألراضي األىالي لمزراعة‪ ،‬وىنا قامت زراعة نشيطة جدا‪.1‬‬
‫ومف أىـ المزروعات نجد أشجار الزيتوف والكروـ والتيف والروماف والقمح والشعير والموز‬
‫واألجاص وكانت ليـ بساتيف ومراعي واسعة مكتظة بقطعاف الماشية مف خرفاف وثيراف وخيوؿ‬
‫ودواجف والنحؿ واألبقار باإلضافة لمبغاؿ ‪ .2‬لقد برع القرطاجيوف كثي ار في مجاؿ الزراعة فظير‬
‫بينيـ عمماء مختصوف مثؿ "ماغوف" الذي عاش حوالي القرف ‪3‬ؽ‪.‬ـ وألؼ دائرة معارؼ تتكوف‬
‫في ‪ 28‬كتاب عممي ضمنو تفاصيؿ فف الزراعة وتربية الحيوانات وصناعة الخمور ولـ يكتفي‬
‫ماغوف بتقديـ نصائحو بؿ ذىب إلى معارضة امتالؾ المواطنيف لألراضي الزراعية واىماليـ‬
‫العناية بيا ‪،‬وطمب ممف يزاوؿ مينة الزراعة أف يتفرغ ليا ‪.3‬‬
‫المظهر الديني‪:‬‬
‫كانت الديانة تحتؿ مكانة ىامة في حياة القرطاجييف ‪،‬ولعؿ أسمائيـ أكبر دليؿ عمى ذلؾ حيث‬
‫نجد األسماء مركبة مف اسـ اآللية ‪،‬ومثاؿ ذلؾ "حنبعؿ" أي حضي بحضوة بعؿ "ومتوـ بعؿ"‬
‫أي ىبة بعؿ‪ ،‬وعبد أشموف أي خادـ أشموف‪ ،‬وعبد ممقرت أي خادـ ممقرت‪.‬‬
‫والمالحظ أف المياجريف األوائؿ مف فينيقيا قد واصموا عبادة آلية فينيقية فنجد أنيـ عبدوا اإللو‬
‫الفينيقي" إيؿ" (السيد الممؾ) وممكرت الذي يعني ممؾ القرية كميا كانت موجودة في فينيقيا‬
‫سابقا‪ .4‬وتعتبر تانيت وبعؿ حموف وىو سيد المعبد واليو تقدـ القرابيف البشرية‪ ،‬المعبوديف‬
‫الرئيسييف لمقرطاجييف وباإلضافة ليما نجد اإللو ممقرت الو صور التي كانت قرطاجة ترسؿ إلى‬
‫معبده في صور كؿ عاـ اليدايا والقرابيف حيث كانت تبمغ عشر دخؿ قرطاجة‪ ،‬كما عبدت‬
‫عشتارت في قرطاجة وكذا اإللو أشموف الو الشفاء ومعناه الزيت سمي بيذا نظ ار لما يتمتع بو‬
‫السائؿ مف قدرة شفائية ييب األبناء والحياة والصحة‪ ،‬أما تانيت فقد ظيرت عبادتيا في قرطاجة‬
‫في القرف الخامس قبؿ الميالد كمعبودة شعبية وىي غير فينيقية‪،‬كما أف اسميا ليبي عبدىا‬
‫البربر وىو دليؿ عمى أنيا بربرية األصؿ ‪،‬وىي آلية اإلنتاج والخصوبة ورمز ليا بامرأة ترضع‬

‫‪1‬‬
‫ج‪ .‬كونتو‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصغير غانـ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪.116‬‬
‫‪4‬‬
‫شوقي عبد اهلل‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫‪27‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫ابنيا‪ ،‬أما عشتارت ىي بعمة أو السيدة وىي ربة الصيد العظيمة يصورونيا عمى شكؿ ىالؿ‪،‬‬
‫وصمتيـ عف طريؽ الفينيقييف ‪.1‬‬
‫وبخصوص المعابد والكينة فقد كانت المعابد القرطاجية األولى خالية مف التماثيؿ واكتفى‬
‫القرطاجيوف في بداية األمر بتمثيؿ بعض أجزاء الجسـ مثؿ األذف‪ ،‬العيف‪ ،‬الفـ‪ ،‬اليد‪ ،‬ووجدت‬
‫عمى النصب النذرية وىي إشارة إلى أف تانيت وبعؿ قد سمعا واستجابا لدعوة الداعي وباركاه‪،‬‬
‫وكاف لمقرطاجيوف في المرحمة األولى كيوؼ مقدسة ومرتفعات مقدسة وفي مراحؿ الحقة‬
‫أصبحت المواقع المخصصة لمعبادة في المناطؽ السيمية تقاـ في اليواء الطمؽ محاطة بأسوار‬
‫خشنة ووسطيا مكاف تقديـ األضاحي فيما بعد أصبحت ىناؾ بناء في الوسط مبنى صغير‬
‫كمسكف لإللو قبؿ أف تتحوؿ إلى معابد ‪.2‬‬
‫د ـ المظهر االجتماعي والثقافي‪:‬‬
‫تكوف المجتمع القرطاجي في بداية األمر مف الصورييف الذيف أسسوىا حيث قدـ معيـ بعض‬
‫المعمريف الفينيقييف مف سكاف صيدا وأرواد والمدف الفينيقية األخرى ‪،‬باإلضافة إلى القبارصة‬
‫واألىالي البربر الذيف جمبتيـ خيرات المدينة ‪،‬وفي العصور الالحقة جمب العديد مف العبيد مف‬
‫مناطؽ مختمفة‪ ،‬كما وصميا التجار مف صقمية واإلغريؽ وغيرىا مف المناطؽ‪ ،‬ومف ىنا تكوف‬
‫خميط المجتمع القرطاجي الذي عرؼ بالمجتمع البوني نتيجة لغتو البونية التي جمعت بيف المغة‬
‫الفينيقية والبربرية ببعض تأثيراتيا ‪. 3‬‬
‫وعمى العموـ يقسـ المجتمع القرطاجي لثالث طبقات فنجد في القمة الطبقة األرستقراطية الثرية‬
‫التي كانت تسيطر واقعيا عمى الشؤوف العامة السياسية واالقتصادية خاصة‪ ،‬وتضـ الممؾ‬
‫وحاشيتو وأتباعو مف نبالء وتجار كبار وكينة‪ ،‬ثـ يمييا طبقة عامة الشعب الذي يتمتع ببعض‬
‫الحقوؽ السياسية المعتبرة التي كانت في بعض األحياف وىمية‪ ،‬وأخي ار طبقة العبيد الذيف كاف‬
‫عددىـ كبير وىـ يعمموف خاصة في الفالحة عند األثرياء وال يتمتعوف بأي حقوؽ سياسية ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫جاف مازيؿ‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.213‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد فرجاوي‪،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.207‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 90‬‬
‫‪28‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫أما مف الناحية العمرانية فقد كانت قرطاجة مقسمة إلى أحياء سكنية متميزة حسب الطبقات‬
‫االجتماعية التي يتكوف منيا المجتمع القرطاجي وىي ثالثة أحياء ‪،‬حي صالنبو أو سالنبو‬
‫‪،‬وحي بيرصة أو بيرسة‪ ،‬وحي ميغا ار‪.1‬‬
‫أما عف مظيرىـ وأزيائيـ ولباسيـ كاف القرطاجيوف نساء ورجاؿ يعتنوف كثي ار بشعرىـ‬
‫ويستعمموف أمشاط مف العاج‪ ،‬لقد كانوا يعتقدوف في وجوده قوة خاصة مركزىا شعر الرأس وقد‬
‫كانوا يروف أف ىذه القوة العجيبة تقيـ بصفة خاصة في خصمة يحافظوف عمييا باعتناء كبير‪،‬‬
‫لقد كانوا يرتدوف جباب طويمة فضفاضة ذات أكماـ ‪،‬وكانوا ال يتمنطقوف أي ال يشدوف وسطيـ‬
‫بنطاؽ وكانوا ال يخرجوف مكشوفي الرأس بؿ يضعوف عمى رؤوسيـ قمنسوة طويمة ودقيقة‬
‫ومستديرة تسمى الطرطور المخروطي الشكؿ وأحيانا تكوف أسطوانية وقصيرة ‪،‬وكاف يشدوف‬
‫أيضا عمى رأسيـ صمادة يربطونيا أحيانا فوؽ جبينيـ ويرخونيا عمى أكتافيـ أو يمفونيا بشكؿ‬
‫عمامة‪ ،‬و يمبسوف في أرجميـ نعاال أو صندلة وأحيانا أحذية عالية‪ ،‬أما النساء فقد كف يمبسف‬
‫الفشاف ويشددنو في خصرىف‪.2‬‬
‫أما عف الفنوف والمظير الثقافي ما يمكف قولو بصفة عامة أف اآلداب القرطاجية لـ يذكر عنيا‬
‫شيء فالكتب المتحصؿ عمييا جاءت عمى ذكر الزراعة وغيرىا مثؿ كتاب ماغوف في الفالحة‬
‫والزراعة‪ ،‬أما عف الفمسفة والتاريخ والجغرافيا فمـ يوجد ليا أثر واف وجدت ربما تكوف قد انتقمت‬
‫إلى أيدي المموؾ النوميدييف أو أحرقت مع حرؽ المدينة ولعؿ األجدر باإلشارة أنيـ تكمموا‬
‫البونيقية التي ىي مزيج بيف الفينيقية والميبية أما عف فنيـ فقد أقتصر عمى تحويؿ بعض المواد‬
‫إلى االستخداـ العممي‪.3‬‬
‫‪ - 3‬سقوط قرطاجة‬
‫سبؽ سقوط قرطاجة الحروب البونية الثالثة وىي كالتالي ‪:‬‬
‫الحرب البونية األولى (‪ 241 – 264‬ق‪.‬م ) بدأت الحرب البونية األولى في عاـ ( ‪264‬ؽ‪.‬ـ)‪،‬‬
‫في شماؿ جزيرة صقمية والتي انتيت بانتصار الروماف في معركة جزر (ايغاتس) في العاشر‬
‫مف مارس ‪ 241‬ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬و أجبرت قرطاجة عمى توقيع معاىدة االستسالـ التي تتخمى بموجبيا‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع اؿسابؽ ‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪29‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫عمى صقمية و الجزر الواقعة بينيا و بيف ايطاليا ‪ ،‬و كذا دفع غرامة حربية قدرىا ‪ 3.200‬وزنة‬
‫أوبية ‪ ،‬موزعة عمى عشر سنوات مع الحظر عمى قرطاجة تجنيد المرتزقة في ايطاليا و عند‬
‫حمفاء روما ‪ .‬بعد أف وضعت الحرب أوزارىا ‪،‬عجزت قرطاجة عف دفع أجور المرتزقة العشريف‬
‫ألؼ الذيف تجمعوا في ضواحي سيكا عمى أثر عودتيـ مف صقمية فثاروا ضدىا ‪ ،‬وفي ىذه‬
‫الظروؼ ثار أيضا المرتزقة في سردينيا ‪ ،‬مما تسبب في استنجاد سكاف ىذه الجزيرة بروما التي‬
‫استغمت الفرصة و فرضت معاىدة جديدة عمى قرطاجة سنة ‪ 238‬تتخمى ىذه األخيرة بمقتضاىا‬
‫عمى جزيرتي سردينيا و كورسيكا مع دفع ‪ 1.200‬وزنة أوبية إضافية ‪ ،‬و بالمقابؿ سمحت ليا‬
‫روما بتجنيد جنود جدد مف ايطاليا ‪ ،‬مما مكنيا مف القضاء عمى الثائريف سنة ‪237‬ؽ‪.‬ـ‪ 1.‬ثـ‬
‫تولى حنبعؿ قيادة الجيش القرطاجي في اسبانيا ‪ ،‬وكاف استيالؤه ‪ .‬عمى مدينة ساغنتة سببا في‬
‫قياـ الحرب البونيقية الثانية ‪.‬‬
‫الحرب البونيقية الثانية (‪ 201-218‬ق‪.‬م )‪:‬كانت روما تخطط لمقضاء حنبعؿ ‪ 2‬في اسبانيا‬
‫بعد احتاللو لمدينة ساغنتة سنة ‪ 219‬ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬بتوجيو قوات إلى إفريقيا فكانت بذلؾ مياديف‬
‫الحرب البونيقية الثانية ىي‪ :‬ايطاليا و اسبانيا و إفريقيا ‪ .3‬و ما ييمنا في موضوعنا ىذا جبية‬
‫إفريقيا و التي أىـ ما ميزىا المعركة الفاصمة في " زاما" (‪ 19‬أكتوبر ‪202‬ؽ‪.‬ـ)‪،‬و معاىدة‬
‫زاما‪201‬ؽ‪.‬ـ التي اضطرت قرطاجة إلى القبوؿ بشروطيا المتمثمة في ‪:‬‬
‫‪ _1‬أف تسمـ كؿ أمالكيا التي خارج أفريقيا‪.‬‬
‫‪ _2‬أف تتعيد أف ال تثير حربا البتة ما لـ تسمح روما بذلؾ‪.‬‬
‫‪ _3‬أف تدفع غرامة مالية سنوية(‪ 48.800‬جنيو) لمدة خمسيف سنة‪.‬‬
‫‪ _4‬أف تسمـ بوارجيا وأفياليا‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫شارؿ أندريو جولياف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬
‫‪2‬‬
‫ويؿ ديورانت ‪ ،‬قصة الحضارة ‪ ،‬مجمد ‪ ، 3‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 43‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 63‬‬
‫‪4‬‬
‫نجيب متري‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪30‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫التي ال تنتيي وجودىا كقوة بحرية في البحر األبيض المتوسط‪ ،‬فحسب بؿ حتى كدولة سيدة‬
‫عمى أراضييا في إفريقيا ذاتيا‪ .‬ولما شعر أنو يفاوض الروماف لتسميمو انتحر عاـ ‪183‬ؽ‪ .‬ـ‪.1‬‬
‫‪ -‬الحرب البونيقبة الثالثة ‪ 146 – 149‬ق‪.‬م‪( :‬تدمير قرطاجة)‬
‫أستغؿ مسينيسا بندا مف بنود معاىدة زاما الذي يخوؿ لو استرجاع ممتمكاتو وممتمكات أسالفو‬
‫في التوسع عمى حساب قرطاجة‪ ،‬التي ضاؽ صبرىا‪،‬وردت الفعؿ‪ ،‬وىو ما كاف وراء التدخؿ‬
‫الروماني سنة ‪149‬ؽ‪.‬ـ‪ ،‬بدعوة خرؽ قرطاجة لبند مف بنود معاىدة زاما التي تحضر عمييا‬
‫إعالف الحرب في إفريقيا أو إخراجيا بإذف مف روما‪،‬فأرسمت جيشا في قوامو ‪ 80.000‬رجؿ مف‬
‫المشاة وحوالي ‪ 4.000‬فارس في بداية ربيع ‪ 149‬ؽ‪.‬ـ‪ 2‬أعمف القرطاجيوف استعدادىـ لقبوؿ كؿ‬
‫شروط الروماف‪ ،‬وقدموا كضماف لذلؾ ‪ 300‬شاب قرطاجي كرىائف‪ ،‬وبعد أف تسمـ القنصالف‬
‫‪ 200.000‬درع و ‪ 2.000‬منجنيؽ وأحرقا المراكب القرطاجية ‪ ،‬صرحا بشرط روما بتخمي‬
‫القرطاجييف عف مدينتيـ‪ ،‬وبناء مدينة جديدة عمى بعد خمسة عشر كيمومت ار مف البحر‪ ،‬فرفض‬
‫القرطاجيوف ىذا الشرط‪ ،‬وقرروا القتاؿ‪ ،‬وتمكنوا بما بذلوه مف جيود مف الصمود في وجو‬
‫قناصمو سنتي ‪148 - 149‬ؽ‪.‬ـ‪ ،‬مما دفع روما إلى تعييف سكيبيو قنصال لسنة ‪147‬ؽ‪.‬ـ‪ ،‬رغـ‬
‫‪146‬ؽ‪.‬ـ‪،‬وباع‬ ‫صغر سنو‪ ،‬وتمكف مف االستيالء عمى المدينة التي دمرىا عف آخرىا سنة‬
‫سكانيا في أسواؽ النخاسة‪ ،‬وبذلؾ تنطفئ ىذه المدينة إلي حكـ عميو باإلعداـ بعد الحرب‬
‫البونيقية الثانية‪ ،‬وتحولت أرضييا إلى مقاطعة رومانية سنة ‪ 146‬ؽ‪.‬ـ‪،‬بعد إشعاع داـ أزيد مف‬
‫ستة قروف ونصؼ(‪146 -814‬ؽ‪.‬ـ)‪.3‬‬
‫‪ .II‬الممالك الوطنية (نوميديا و موريطانيا )‬
‫‪ - 1‬أصولها وتطورها‬
‫أ – أصولها ‪:‬‬
‫أشار محمد اليادي حارش إلى صعوبة ضبط فترة فجر التاريخ التي تعود إلييا مممكتا نوميديا‬
‫و موريطانيا ‪ ،‬بحيث تحدثت عنيما النصوص اإلغريقية و الالتينية خالؿ الحرب البونيقية‬

‫‪1‬‬
‫ماجد فخري‪ ،‬مسيرة الحضارة‪ ،‬قرطاج وروما‪ ،‬ـ ‪( ،1‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬تر‪ :‬شاكر مصطفى‪ ،‬الشركة العالمية لمتوزيع واإلعالف‪،‬‬
‫( د ‪ .‬ب) ‪ ،‬ص ‪.228 - 227‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫‪3‬‬
‫شوقي خير اهلل ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 249‬‬
‫‪31‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫الثانية ‪ ،‬و التي تسجؿ في نظر البعض دخوؿ بالد المغرب في التاريخ ‪ .1‬وىو بذلؾ يتفؽ مع‬
‫محمد الصغير غانـ وذلؾ في قولو ‪ ":‬ألف وجود سيرتا ذات العمؽ التاريخي كعاصمة‬
‫لمنوميدييف الذي قد يالمس نياية القرف الرابع لمميالد ‪ .2 "...‬ثـ أضاؼ أف بعض الكتاب ذكروا‬
‫لنا مموكا ليبييف عاشوا قبؿ ىذه الفترة ‪ ،‬األكثر قدما منيـ ىو الممؾ ىيرباص الذي تحدثت عنو‬
‫األسطورة و التي تعرضنا ليا في تأسيس قرطاجة ‪. 3‬‬
‫ب– تطورها ‪ :‬في القرف الثالث قبؿ الميالد ظيرت مممكتيف كبيرتيف ىما ‪ :‬نوميديا وموريطانيا ‪.‬‬
‫‪ – 1‬مممكة نوميديا ‪ :‬انقسمت في ظروؼ غير معروفة إلى قسميف ‪:‬‬
‫مممكة نوميديا الشرقية (ماسيميا) ( ‪)massilya‬‬
‫مف الصعب تحديد ممتمكات القبائؿ الماسيمية لألسباب ذاتيا أي عدـ ورود ذكرىا في الكتابات‬
‫القديمة إال عرضا مع عدـ تحديد مجاليا الجغرافي بصورة دقيقة ‪ ،‬نظ ار لعدـ اىتماـ الروماف‬
‫بالحدود الطبيعية لمشعوب الخاضعة لسمطتيـ ‪ ،‬و يبدو أنيـ استفادوا مف عدـ االستقرار في‬
‫الحدود بتسييرىا حسب ما تقتضيو مصمحتيـ أو األوضاع العسكرية ‪ ،‬فكثي ار ما كانوا يعدلوف‬
‫الحدود وفقا لوالء السكاف ليـ أو عدائيـ ‪ ،‬فكانوا يضموف أراضي المعاديف لممواليف ليـ ‪،‬ونأخذ‬
‫عمى سبيؿ المثاؿ استرابوف الذي تحدث بخمفية تنـ عف حقد دفيف لمسكاف المحمييف أي‬
‫المغاربة‪ ،‬وىي سمة تميز بيا المؤرخوف اإلغريؽ و الروماف حيث كانوا يعادوف الشعوب التي‬
‫ليست مف جنسيتيـ وممتيـ ‪ ،‬حيث أورد المؤرخوف المحدثوف وحتى القدامى منيـ بخصوص‬
‫ماسيميا أو نوميديا الشرقية خالؿ القرف الرابع قبؿ الميالد وبداية القرف الثالث بأنيا كانت تضـ‬
‫مدنا ذات طابع زراعي مثؿ مدف ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫‪32‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫و تبسة ‪ ،‬سيرتا بالجزائر ‪ .3‬وقد اعتبر بعض المؤرخيف المعاصريف‬ ‫‪2‬‬


‫دوقة‪ ، 1‬مكثر بتونس‬
‫ايميماس‪ 4‬كأقدـ مموؾ الماسيؿ وذلؾ استنادا عمى قبر مدغاسف ‪ 5Medracen‬الذي ينسب إلى‬
‫ىذه القبائؿ والذي يؤرخ ما بيف أواخر القرف الرابع و أوائؿ القرف الثالث ‪ ،‬باعتبار أف األسرة‬
‫التي ينتمي إلييا غايا وابنو ماسنيسا ( ‪ ، )Massinissa‬وقد كانت حدودىا في الشرؽ الجزائري‬
‫ممتدة بيف األراضي القرطاجية في الشرؽ و مممكة المازيسيؿ في الغرب أما في الجنوب فكاف‬
‫راجعا لعالقة قبائؿ الجيتوؿ بمموكيا و نفوذىـ عمى قبائؿ الرحؿ في بداية الحرب البونيقية كانت‬
‫سمطة الماسيؿ تمتد عمى األوراس و الشرؽ القسنطيني والظير التونسية ‪ ،‬والجزء األكبر مف‬
‫مجردة الوسطى ‪ ،‬وكذا أراضي االستبس التي تحاذي السيرت الصغرى في حدود أراضي‬
‫الجرامنت ‪ ،‬وقد استطاع ماسينيسا توحيد ماسيؿ و الماسيسيؿ تحت شعار " إفريقيا لألفارقة" و‬
‫أعاد بذلؾ استرجاع الوحدة السياسية لنوميديا الممتدة مف واد مموية غربا إلى السرت الكبير‬
‫شرقا ‪ .‬بعد وفاة ماسينيسا سنة ‪ 148‬ؽ‪.‬ـ تاركا وراءه ثالثة أبناء وىـ مسطنبعؿ و جموسف و‬
‫مكوسف الذيف تقاسموا السمطة بحيث تقمد مكسوف التنفيذية و جموسف العسكرية و مسطنبعؿ‬
‫القضائية‪ .6‬و كاف لموسكف ابناف وىما ىيمصاؿ األوؿ و أدىـ بعؿ و لجموسف ابف واحد ماسيقا‬
‫أما مسطنبعؿ فخمؼ يوغرطة وجودا ‪ ،7‬إال أف اإلخوة ثالثة لـ يتفقوا فيما بينيـ و اتيـ مكسوف‬

‫‪1‬‬
‫مدينة دوقة ‪ :‬ىي مف أىـ المدف الداخمية و قد اقترف اسميا بالممؾ (ايميماس) كما وردت اإلشارة إلييا في الوثائؽ الكتابية‬
‫واألثرية ‪ ،‬وتعتبر مف المدف الماسيمية العائدة إلى القرنيف الرابع والثالث قبؿ الميالد ‪ ،‬وكانت ذات طابع زراعي رعوي‪ ،‬لمزيد‬
‫مف المعمومات انظر ‪ :‬محمد الصغير غانـ ‪ :‬المممكة النوميدية و الحضارة البونية ‪ ،‬دار اليدى ‪ ،‬عيف مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪،‬‬
‫‪ ، 2006‬ص ‪. 112‬‬
‫‪2‬‬
‫مكثر ‪ :‬ىي مدينة نوميدية تقع عمى بعد ‪ 150‬كمـ جنوب غرب مدينة قرطاجة ‪ .‬محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪،‬‬
‫المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 57‬‬
‫‪3‬‬
‫جماؿ مسرحي ‪ ،‬نفسو ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫‪4‬‬
‫ايميماس ‪ :‬ذكر ديودور الصقمي اسـ ممؾ ليبي اليمار أو ايميماس الذي مف المحتمؿ أف تكوف عاصمة بالده ىي دوقة ولـ‬
‫تكف خاضعة لمحكـ القرطاجي في ذلؾ الوقت ‪ .‬لمزيد مف المعمومات انظر فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪5‬مدغاسف‪ :‬ىو ضريح نوميدي يعد كأقدـ نموذج لمعمارة النوميدية يقع ببمدية بومية يبعد ‪ 35‬كمـ شماؿ شرؽ باتنة ‪ ،‬لمزيد مف‬
‫المعمومات انظر‪ :‬حسينة عيشوش ‪ ،‬مقارنة بيف ضريح المدغاسف و الضريح الممكي الموريطاني مف خالؿ األبحاث والدراسات‪،‬‬
‫(د ‪ .‬ط)‪(،‬د ‪ .‬د) ‪( ،‬د ‪ .‬ب) ‪ (،‬د‪ .‬س) ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬دراسات ونصوص في تاريخ الجزائر وبمداف المغرب في العصور القديمة ‪( ،‬د ‪.‬ط ) ‪ ،‬دار ىومو‪،‬‬
‫الجزائر ‪ ، 2011 ،‬ص ص ‪. 234 – 232‬‬
‫‪7‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬المممكة النوميدية ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬
‫‪33‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫مف طرؼ أخويو بالوالء األعمى لمروماف وبعد عاميف توفي األخويف بطريقة غامضة ويقوؿ‬
‫سالوست بأف سبب موتيما إصابتيما بمرض وبيذا انفرد مكسوف بالحكـ سنة ‪ 146‬ؽ‪ .‬ـ وكاف‬
‫‪ 118‬ؽ‪.‬ـ اضطربت األوضاع بيف أحفاد‬ ‫مواليا لمروماف طيمة فترة حكمو وبعد وفاتو سنة‬
‫مسطنبعؿ و جموسف ومكوسف و اسند الحكـ إلى ابنيو ىيمصاؿ األوؿ و أدىـ بعؿ و ابف أخيو‬
‫يوغرطة الذي يكوف ابف مسطنبعؿ وبعد ىذه الفترة تأزمت األوضاع في نوميديا إلى غاية‬
‫االحتالؿ الروماني‪.1‬‬
‫مممكة نوميديا الغربية (مازيسيميا) ( ‪)Masacayle‬لـ تشير المصادر التاريخية القديمة‬
‫بوضوح المازيسيمية إال في منتصؼ القرف الثالث قبؿ الميالد ‪ ،‬حيث برزت الدولة‬
‫النوميدية الغربية كقوة ىامة في بالد المغرب القديـ ‪ ،‬في التطورات التي عاشتيا المنطقة‬
‫في تمؾ الفترة ‪ ،‬و الصراع الدائر بيف قرطاجة و الروماف ‪ ،‬السيما خالؿ فترة الحرب‬
‫البونية الثانية و ذلؾ بفضؿ شخصية الممؾ سيفاكس الذي تولى الحكـ بالمممكة في‬
‫‪2‬‬
‫الفترة‪.‬‬
‫أما فيما يتعمؽ بالحدود الجغرافية لممممكة النوميدية الغربية أو قبائؿ المازيسيؿ فيصعب‬
‫تحديدىا بدقة نظ ار لندرة المصادر التي تؤكد وتثبت موقع تمؾ الحدود ‪ ،‬إال إذا أخذنا بعيف‬
‫االعتبار تمركز القبائؿ التي تتشكؿ منيا ‪ .‬كما يحدد استرابوف أراضي قبائؿ المازيسيؿ‬
‫بأنيا تمتد مف حدود قبائؿ المور غربا ‪ ،‬أي أخذ مصب نير المموشة (المموية) كمعمـ‬
‫لمحدود الغربية كما يشير إليو " بميف القديـ" " نهر المموشة يفصل بين مممكة بوكوس و‬
‫المازيسيل" ‪ .3‬في حيف تنتيي حدودىا الشرقية عند رأس تريتوف( بوقرعوف)‬
‫)‪ ،)CapTretum‬كما قدر طوؿ الساحؿ المازيسيمي بػ ‪ 6000‬ستاديوـ‪ .‬أما شارؿ أندري‬
‫جولياف حدد مممكة مازيسولة ‪،‬ىذه المدينة الجاثمة عمى نجد صخري و المحاطة‬
‫بمنحدرات وعرة يتجاوز عموىا ‪100‬متر و يجري مف تحتيا نير المساقة (الرمؿ) في خور‬

‫‪1‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪. 153 -151‬‬
‫‪2‬‬
‫لقد ورد اسـ سفاكس في النصوص القديمة وتصفو تمؾ النصوص بكونو يتميز باتزاف الشخصية وسداد الرأي وتغميب العقؿ‬
‫والحكمة في العديد مف المواقؼ وورد اسمو في النقوش البونية عمى الشكؿ التالي ‪ ( :‬س ؼ ؽ ىػ ـ ـ ؿ ؾ ت) وتعني العبارة‬
‫سيفاكس الممؾ أو مممكة سيفاكس ‪ .‬لمزيد مف المعمومات أنظر ‪ :‬محمد الصغير غانـ ‪ ،‬الممؾ سيفاكس والكياف السياسي‬
‫النوميدي (مجمة التراث) ‪ ،‬ع ‪ ، 9‬مطبعة الشياب ‪ ،‬باتنة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 1997 ،‬ص ‪. 13‬‬
‫‪3‬‬
‫جماؿ مسرحي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص‪. 8 - 7‬‬
‫‪34‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫‪1‬ىذا عف‬ ‫جوانبو وعرة أيضا ‪ .‬وكاف القسـ المجاور لموريطانيا صالحا لزراعة الحبوب‪.‬‬
‫الحدود الشمالية أما بالنسبة لمحدود باتجاه المناطؽ الداخمية فمـ تحدد بصفة دقيقة ‪ ،‬سواء‬
‫أكاف ذلؾ أثناء الفترة السابقة لالحتالؿ الروماني أو بعدىا ‪ .‬وقد يعزى االختالؼ بيف‬
‫المؤرخيف في كيفية تحديد الحدود الداخمية لمممالؾ النوميدية إلى الغموض الناجـ عف‬
‫عدـ اإلشارة إلييا في المصادر التاريخية القديمة ‪ ،‬أو لعدـ االىتماـ بيا لقمة األحداث‬
‫المرتبطة بالممالؾ النوميدية ‪ . 2‬ولكف ما يبدو أف أراضي المازيسيؿ باتجاه الجنوب تنتيي‬
‫عند قبائؿ الجيتوؿ القاطنة جنوب مممكتي المازيسيؿ و الماسيؿ ‪ .‬تجدر اإلشارة إلى أف‬
‫قبائؿ المازيسيؿ استحوذت عمى مساحة كبيرة مقارنة مع قبائؿ الماسيؿ وقد يفسر ذلؾ‬
‫كنتيجة لمحروب التي خاضيا الممؾ سيفاكس لالستيالء عمى الماسيؿ سعيا منو لتوحيد‬
‫نوميديا بشطرييا الشرقي والغربي ‪ .‬ولقد استطاع الممؾ سيفاكس بحنكتو وذكائو عمى‬
‫(عاصمتها سيقا) و الماسيؿ‬ ‫غرار شيوخ القبائؿ النوميدية أف يجمع شمؿ المازيسيؿ‬
‫( عاصمتها سيرتا) في كياف سياسي واحد أي توحيد نوميديا وذلؾ نياية القرف الثالث‬
‫قبؿ الميالد‪. 3‬‬
‫‪ –2‬مممكة موريطانيا ‪ :‬ذكر محمد اليادي حارش أف اآلثار والنصوص ترجع أصوؿ‬
‫مممكة موريطانيا إلى القرف الرابع قبؿ الميالد عندما استعاف حنوف بأحد المموؾ في‬
‫محاولتو لالستيالء عمى قرطاجة ‪ ،‬وبقايا ضريح سيدي سميماف الذي يؤرخ أيضا بأواخر‬
‫القرف الرابع و أوائؿ القرف الثالث ‪ .‬وفي أواخر القرف الثالث ورد ذكر أحد مموكيا منيـ ‪:‬‬
‫باغا معاصر وحميؼ ماسنيسا خالؿ الحرب البونيقية الثانية ‪ ،‬وقد عرؼ تاريخ ىذه‬
‫المممكة انقطاع مدة قرف تقريبا ‪ ،‬وتعود مع سالوسيت الذي يتحدث عف الممؾ بوخوس‬
‫الذي يخضع لو كؿ الموريطانييف و قد امتدت حدودىا مابيف المحيط إلى الغرب وأعمدة‬
‫ىرقؿ إلى الشماؿ و وادي المموية إلى الشرؽ أما حدودىا الجنوبية فكانت متغيرة ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫شارؿ أندريو جولياف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 132‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬الجزائر في ظؿ االحتالؿ الروماني ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 98‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 102‬‬
‫‪35‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫وتجدر بنا إلى التوسعات التي قامت بيا مممكة موريطانيا عمى حساب نوميديا‪ ،‬المرة‬
‫األولى بعد حرب يوغرطة ‪ ، 1‬في عيد بوخوس‪ ،‬حيث توسع شرقا وناؿ جزءا مف بالد‬
‫الماسيسيؿ كمكافئة لو مقابؿ مساعدتو لمروماف ‪ .‬والثانية بعد انيزاـ يوبا األوؿ في معركة‬
‫تابسوس ‪ 46‬ؽ‪.‬ـ ‪.2‬‬
‫‪ - 2‬المظاهر الحضارية لمممالك الوطنية‬
‫أ – المظهر السياسي‪:‬‬
‫‪ - 1‬نظاـ الحكـ ‪ :‬قبؿ توحيد نوميديا التي كانت منقسمة إلى شطريف شرقي و غربي‬
‫عمى يد الممؾ ماسينيسا حيث عرفت الحكـ الممكي الوراثي لكال المممكتيف وتجدر بنا اإلشارة‬
‫أف الحدود بينيما كانت بيف المد والجزر لكف يمكف تقسيميا إلى طريقتيف ‪:‬‬
‫الطريقة األولى ‪ :‬وىي قبؿ عيد ماسينيسا (القرف الثالث ؽ‪.‬ـ) حيث يتقمد الحكـ الفرد‬
‫الذي يكوف ىو األكبر في العائمة وبعد وفاتو ينتقؿ الحكـ إلى الفرد الثاني والذي يكوف‬
‫أكبر سنا في األسرة الحاكمة ويكوف الجد مشترؾ ومثاؿ ذلؾ بعد وفاة غايا ‪ 206‬ؽ‪.‬ـ‬
‫خمفو أخاه ألنو أكبر سنا مف ماسينيسا و ىو ما طبؽ في نوميديا الغربية وموريطانيا ‪.3‬‬
‫أما الطريقة الثانية ‪ :‬بعد وفاة ماسينيسا لـ يسر النظاـ كما ىو متعارؼ عميو إذ لـ يخمفو‬
‫ابنو األكبر في األسرة بؿ انتقؿ الحكـ إلى أبنائو الثالثة ‪ -‬كما ورد ذكره سابقا – و ورد في‬
‫النقوش بأف الممؾ في نوميديا يحمؿ اسـ إقميد ‪ 4‬وىو مف يرأس القبيمة ويتمتع بالسمطة‬
‫وتمركزت قصور المموؾ في العواصـ وقد شكمت المساحة الشاسعة لكال المممكتيف عائؽ‬
‫وىذا لصعوبة التواصؿ والتبايف الواضح بيف طبقات المجتمع خاصة و أف معظميـ بدو‬
‫رحؿ‪ .5‬وىو بذلؾ يتفؽ في رأيو مع الدكتور محمد الصغير غانـ في تحميمو لمنقيشة التي تشير إلى‬
‫اسـ‬
‫‪1‬‬
‫الممؾ (س ف س ف) ماسينيسا‬

‫‪1‬‬
‫يوغرطة ‪ :‬يعني اسمو القوة أو المناعة في الميجة األوراسية "يقور" وىو ابف مسطنبعؿ ‪ ،‬كاف يحمؿ شعار إفريقيا لإلفريقييف‪.‬‬
‫لمزيد مف المعمومات ‪ ،‬انظر ‪ :‬محمد الصغير غانـ ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 104‬‬
‫‪4‬‬
‫إقميد ‪ :‬كاف الممؾ يحمؿ في المغة الميبية اسـ اإلقميد ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 106‬‬
‫‪36‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -2‬نظـ اإلدارة ‪ :‬و قد أشار الدكتور محمد اليادي حارش نقال عف الدكتور محمد حسيف‬
‫فنطر افتراضو وجود ثالثة نظـ إدارية ‪ - :‬اإلدارة المركزية بالعاصمة سيرتا – اإلدارة القبمية بحيث‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬‬ ‫يوجد عمى رأس كؿ قبيمة رئيس – إدارة المدف وتتمتع باالستقاللية في تسيير مصالحيا‬
‫و وجدت العديد مف النصوص التي تتحدث عف والة الممؾ يوغرطة و ىذا ما يؤكد وجود ىاتو‬
‫األقاليـ التي تخضع لإلدارة المركزية أما النظاـ المالي فكانت الضرائب تعتبر المصدر المالي‬
‫لممممكة وكانت الضريبة تسير وفؽ نمطيف ‪ :‬األوؿ ‪ ،‬يخص سكاف األرياؼ الذيف يدفعوف عشر أو‬
‫خمس اإلنتاج وكذا الضريبة التي تدفع عمى المواشي ‪ ،‬أما النمط الثاني خاص بسكاف المدف الذيف‬
‫يدفعوف الضريبة نقدا ‪ .3‬والبد لضماف السير الحسف ألمور المممكة في البداية عبارة عمى وحدات‬
‫‪4‬‬
‫بمرور‬ ‫عسكرية تجمع مف كؿ القبائؿ في وقت الحرب وعند انتيائيا يعود كؿ جندي إلى قبيمتو‬
‫الزمف اىتـ المموؾ بالجانب العسكري وأنشئوا جيش منظـ ومدرب ‪ ،‬عمى نذكر الممؾ سيفاكس الذي‬
‫استعاف بالروماف في التدريب و أدخؿ حرب المشاة كأسموب جديد مف عند الروماف بحيث أف‬
‫محمد اليادي حارش مع‬ ‫الدكتور‬ ‫النوميد أتقنوا حرب الفرساف وحرب العصابات ‪ .‬كما اتفؽ‬
‫الدكتور محمد البشير شنيتي في ىذه النقطة حيث أشاد بدور ماسينيسا في تطوير الجيش ألنو قائدا‬
‫في جيش والده الذي أرسمو لمقتاؿ إلى جانب الروماف مع قرطاجة ‪ ،‬وكاف عمى رأس الفرساف‬
‫النوميدييف‪ .5‬وبعد توليو العرش عمؿ عمى تكويف جيش نظامي مكوف مف القبائؿ الموالية لو والذي‬
‫اقتصر دوره في البداية المحافظة عمى العرش ضد معارضيو ‪،‬وبعد تحقيؽ رغبتو سخره في العمؿ‬
‫عمى استقرار البدو‪.6‬‬
‫وقد قدـ الدكتور محمد اليادي حارش تشكيمة الجيش النوميدي كالتالي ‪:‬‬
‫‪ -‬الشرطة ‪ :‬وجدت عمى نوعيف فرؽ تظير في المدف بيدؼ ضماف االستقرار وأخرى وقت‬
‫الحرب ميمتيا الدفاع عنيا وقت الحرب ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫لإلطالع أكثر ‪ :‬انظر محمد الصغير غانـ ‪ ،‬نصوص بونية – ليبية مختارة مف تاريخ الجزائر القديـ ‪( ،‬د‪.‬ط) ‪ ،‬دار اليدى ‪،‬‬
‫عيف مميمة ‪،‬الجزائر ‪ ، 2012 ،‬ص ‪. 72‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 107‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪4‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 213‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر ‪( ،‬د‪.‬ط) ‪ ،‬دار الحكمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2003 ،‬ص ‪. 32‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬المممكة النوميدية و الحضارة البونية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 123‬‬
‫‪37‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬الجيش الدائـ أو النظامي ‪ :‬يتألؼ مف الحرس الممكي وحاميات في مختمؼ المواقع وبو‬
‫نسبة الفرساف أكبر مف نسبة المشاة ‪.‬‬
‫‪ -‬وحدات االحتياط ‪ :‬مؤقتة تجند عند اندالع الحرب ‪ ،‬وتسرح بمجرد انتيائيا‪.‬‬
‫‪ -‬المرتزقة ‪ :‬ظيرت بداية مف حكـ يوغرطة الذي استعاف الميقورييف و التراقييف و الغالييف‪.‬‬
‫‪ -‬البحرية ‪ :‬بدأ االىتماـ بيا في عيد ماسينيسا بحيث وجدت نصوص تتحدث عف األسطوؿ‬
‫البحري الضخـ الذي شكمو ىذا الممؾ ودوره في التجارة وصد األعداء‪.1‬‬
‫أما األسمحة التي استخدميا النوميديوف لمدفاع عف أنفسيـ فمنيا الدفاعية واليجومية ‪ ،‬نذكر‬
‫منيا ‪ :‬الرماح – الدروع – السيؼ القصير – الفؤوس ‪ ،‬ومف الحيوانات المستعممة نجد‬
‫الخيوؿ – الفيمة – األحصنة‪.2‬‬
‫ب– الحياة االقتصادية ‪:‬‬
‫‪ –1‬الزراعة والرعي ‪ :‬كاف لمنشاط الزراعي في نوميديا أىمية كبيرة بحيث ساىمت بشكؿ‬
‫واضح في النيوض باقتصادىا خاصة و أنيا تقع في منطقة معظـ أرضييا صالحة لمزراعة‬
‫إال أف النشاط الرعوي سبؽ الحياة الزراعية وظؿ لوقت طويؿ يحظى بمكانة أكثر اىتماما مف‬
‫الفالحة ألف النوميدييف مجتمعات رعوية ‪ .3‬وقد اعتبر العديد مف المؤرخيف بأف ماسينيسا لو الفضؿ‬
‫في إدخاؿ الزراعة إلى نوميديا التي كاف لسكانيا قبؿ فترة حكمو يعتمدوف عمى حياة التنقؿ و اقتناء‬
‫النبات وذىب استرابوف بقولو بأف ماسينيسا جعؿ مف النوميد مزارعيف وأصحاب مجتمع حضاري‬
‫أما بوليبيوس فيرى بأف قبؿ ماسينيسا عاقرة مف اإلنتاج الزراعي وليس ليا أي أىمية ‪ .4‬إال أف‬
‫اآلثار التي تـ الحصوؿ عمييا تثبت عكس ذلؾ فقد عثر في وسط الصحراء عمى حبتيف مف القمح‬
‫وتعود إلى سنة ‪ 6100‬قبؿ الميالد وفترة حكـ ماسينيسا ( ‪ 148 – 203‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬كما أف الرسومات‬
‫الجدارية في الطاسيمي تشير إلى عممية الزراعة والحصاد‪ . 5‬إال أف ىذا القوؿ ال ينفي بأنو كانت‬
‫لماسينيسا البصمة الواضحة و المؤثرة في تطوير الزراعة وتمكنو مف جعؿ النوميدييف يصبوف جؿ‬
‫اىتماميـ بخدمة األرض و االتجاه إلى حياة االستقرار بدؿ التنقؿ ‪ ،‬وقد اثبت قزاؿ بأف النوميد عرفوا‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ اؿمغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 114‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 218‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد العربي عقوف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التطور السياسي و االقتصادي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 103‬‬
‫‪5‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 231‬‬
‫‪38‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫الزراعة قبؿ مجيء الفينيقييف‪ . 1‬ومف أىـ المحاصيؿ الزراعية التي اشتيرت بيا زراعة الحبوب‬
‫فباستالـ الممؾ ماسينيسا لمقاليد الحكـ وجو اىتمامو لمزراعة وذلؾ ردا عمى بعض المشككيف في أف‬
‫ىذه األرض غير قادرة عمى اإلنتاج و العطاء فقاـ باستصالح األراضي الشاسعة و التوعية بأىمية‬
‫ىذا النشاط و تشجيعيـ و بيذا أصبحت نوميديا تنتج القمح و الشعير بكميات ىائمة ‪ .2‬و لـ يقتصر‬
‫المحصوؿ عمى الحبوب فقط بؿ أولو أىمية لمبقوؿ و المتمثمة في كؿ مف العدس ‪ ،‬الفوؿ‬
‫و الحمص إضافة عمى ذلؾ الخضر بشتى أنواعيا سواء البصؿ أو الثوـ أو الخردؿ أو القرع وغيره‬
‫و اشتيرت كؿ مف قيرطا و دوقة و تبسة بيذه المنتجات ‪ .3‬كما كاف لألشجار المثمرة نصيب في‬
‫ىذا النشاط حيث عرفوا زراعة األشجار كالتيف والزيتوف والتي ذكرت في القرآف الكريـ قاؿ اهلل‬
‫وف‪ 4}}...‬لما ليا فائدة و الكروـ و الموز و الروماف و التفاح ‪ ،5‬عالوة عمى‬ ‫يف و َّز‬
‫الزْييتُت ِن‬ ‫ِّت‬
‫تعالى‪َ {{ :‬ووالت ِن َو‬
‫النخيؿ والعنب و األجاص‪ .6‬وعمى غرار شعوب وحضارات العالـ القديـ استخدـ وسائؿ مختمفة مثؿ‬
‫مثؿ المحراث المصنوع مف الخشب و المجرفة و الفأس التي مازلت ليومنا ىذا في بعض المناطؽ‬
‫الزراعية‪ .7‬أما الوسيمة الرابعة المتمثمة في المنجؿ الذي أستخدـ في موسـ الحصاد‪ ،‬أما عممية‬
‫الدرس و المقصود بيا تنقية الحب مف السيقاف فقد استعممت الحيوانات كالثيراف أو العربة البونيقية‬
‫التي تتألؼ مف عجمتيف مصنوعتيف مف الخشب و تكوف مسننة بالحديد و يتـ تدويرىا عمى‬
‫المحصوؿ وبيذا تصبح الحبوب منفصمة عمى سيقانيا ‪ .8‬كما استخدموا المخازف لمفائض مف اإلنتاج‬
‫اإلنتاج لوفرتو و أدوات الطحف مثؿ ‪ :‬الميراس المصنوع مف الخشب أو مف الحجارة و كذا‬
‫الطاحونة اليدوية و التي مازالت تستخدـ في بعض المناطؽ إلى يومنا ىذا ‪. 9‬‬
‫أما الثروة الحيوانية فقد أشارت المصادر المعاصرة إلى اىتماـ مموؾ نوميديا بتربية الخيوؿ ‪ ،‬كما‬
‫اعتنوا بتربية المواشي كاألغناـ واألبقار والماعز باعتبار المنطقة رعوية ‪ -‬كما سمؼ ذكره –‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 103‬‬
‫‪2‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 237‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التطور السياسي و االقتصادي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬
‫‪4‬‬
‫اآلية ‪ 01‬مف سورة التيف‬
‫‪5‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬دراسات و نصوص في تاريخ الجزائر ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 100‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد العربي عقوف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫‪7‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 238‬‬
‫‪8‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التطور السياسي و االقتصادي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 110‬‬
‫‪9‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪39‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫باإلضافة إلى البغاؿ و الحمير وتربية الدواجف التي وفرت المحوـ البيضاء والبيض و االستفادة مف‬
‫فضالتيا كسماد لتخصيب التربة ‪ .‬ىذا زيادة عمى تربية الوز والبط و النحؿ الذي يعتبر إنتاجو مف‬
‫أجود أنواع العسؿ و أوفرىا و ىذا استنادا عمى رواية ىيرودوت في القرف الخامس قبؿ الميالد ‪. 1‬و‬
‫مف المالحظ أف الدراسة التي قدميا الدكتور محمد العربي عقوف تتطابؽ مع دراسة الدكتور محمد‬
‫اليادي حارش لكف ما يؤخذ عمى ىذا المؤرخ األخير عدـ التطرؽ ألعماؿ العالـ الزراعي القرطاجي‬
‫(ماغوف)التي كاف ليا األثر البالغ عمى الزراعة في نوميديا بؿ وحتى عمى الروماف و االستفادة منيا‬
‫في استصالحاتيـ الزراعية ‪ ،‬وىذا ما أكده أيضا محمد الصغير غانـ في إشارتو لترجمة أعمالو إلى‬
‫المغة الالتينية ‪.2‬‬
‫‪ – 2‬الصناعة ‪ :‬بالرغـ اىتمامات النوميد الزراعية والرعوية وما حققوه مف إنتاج وفير إال أف ىذا لـ‬
‫يشغميـ عمى االىتماـ بالصناعة وىذا مف أجؿ سد حاجياتيـ و مف أشير الصناعات التي عرفوىا‬
‫نذكر ‪:‬‬
‫‪ -‬صناعة المالبس والحمي ‪ :‬دلت اآلثار والرسومات عمى المباس الذي كاف يرتديو النوميدي‬
‫المتكوف مف معطؼ و جبة تحتيا سترة ‪ ،‬وتصنع أغمب المالبس الصوؼ ‪ ،‬ودلت الرسوـ‬
‫الصخرية عمى وجود البرنوس منذ القدـ ‪ ،‬كما كانت صناعة الحمي شائعة وىي مف الفضة‬
‫غالبا ومثاؿ ذلؾ حمية و تعويذة اإللية البربرية تانيت ‪.3‬‬
‫‪ -‬صناعة الفخار ‪ :‬قسـ كامبس الفخار اإلفريقي إلى ‪ :‬فخار نذري لألغراض الدينية وفخار‬
‫منزلي لألغراض العائمية ‪ .‬أما غزاؿ فقسـ الفخار اإلفريقي حسب الموف والزخارؼ إلى ‪:‬‬
‫فخار غير مزخرؼ كالقدور و الصحوف و المصابيح ‪ ،‬فخار مصبوغ ومزخرؼ و يستعمؿ‬
‫عمى الخصوص الموناف األسود و األحمر ‪ ،‬وىو ما يميز الزخارؼ الفخارية إلى اآلف في‬
‫جية القبائؿ ‪.‬‬
‫‪ -‬صناعة األسمحة‪ :‬استعمؿ النوميد العديد مف أنواع األسمحة التي تـ اكتشافيا عبر التاريخ و‬
‫نذكر‪ :‬الرمح ويصنع مف القصب أو مف المعادف و يستعمؿ في الصيد و الحرب و مثاؿ‬
‫ذلؾ ما عثر عميو في النصب الميبية (نصب السوامع) الذي يعود إلى الفترة مابيف القرف‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ . 97‬أو محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪،‬‬ ‫لإلطالع أكثر ‪ ،‬انظر ‪ :‬محمد العربي عقوف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‬
‫المرجع السابؽ ص ‪. 180‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التطور السياسي و اإلقتصادي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪. 35‬‬
‫‪40‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫الثالث إلى القرف الرابع ؽ‪.‬ـ و أىـ سالح استعممو المور ‪ ، 1‬المالحظ وجود خطأ في وضع‬
‫الدكتور محمد العربي عقوف ليذه الفترة بحيث أنو مف المنطقي وبحكـ أف الفترة ما قبؿ‬
‫و السيؼ والذي اقتصر‬ ‫الميالد تكوف مابيف القرف الرابع و القرف الثالث قبؿ الميالد ‪.‬‬
‫استخدمو إال عمى فرؽ النخبة مف الفرساف و المشاة أو طبقة القادة مثؿ الممؾ يوغرطة كما‬
‫جاء عمى لساف سالوسيت " في تمؾ األثناء أشير يوغرطة سيفو و ىو يقطر بدماء مشاتنا‬
‫الذيف قتميـ في المعركة " ‪ ،‬وتعرؼ ىذه األسمحة بأنيا ىجومية و بخصوص األسمحة‬
‫الدفاعية نذكر الخوذة ‪ ،‬الدرع ‪ ،‬واقي الصدر‪. 2‬‬
‫و كما عرؼ النوميد صناعات أخرى كصناعة النقود (العممة) مثؿ ما قاـ سيفاكس‬
‫وماسينيسا ‪ ،‬و مف الصناعات أيضا الموائد والعسؿ والجبف والزبدة ‪. 3‬‬
‫‪ – 2‬التجارة ‪ :‬نظ ار لتعدد السمع أقيمت األسواؽ و نقسـ ىذا النشاط إلى تجارة داخمية و تجارة‬
‫خارجية و تشير المصادر لألخيرة أكثر مف األولى وىي كاآلتي ‪:‬‬
‫الداخمية‪ :‬و عرفت عدة أسواؽ مثؿ ‪ :‬سوؽ باجة لمحبوب وسوؽ قيرطا باإلضافة إلى سيرتا و‬
‫بتكوت بباتنة ‪ ،‬و انقسمت األسواؽ في نوميديا إلى ثالثة أصناؼ ‪ :‬األوؿ لمرعاة الذيف‬
‫يعرضوف األصواؼ و الجمود وذلؾ مقابؿ الحبوب وتسمى بالمقايضة أو عف طريؽ الدفع‬
‫بالعممة ‪ .‬والثاني‪ :‬ىـ الحرفييف الذيف يقصدوف األسواؽ مف أجؿ بيع بعض الوسائؿ الزراعية و‬
‫المتمثمة في المحراث والمنجؿ والفؤوس وغيره ‪ .‬أما الصنؼ الثالث فيتكوف مف المزارعيف الذيف‬
‫يقدموف الحبوب و الخضروات لمسوؽ و بيذا تمتقي األصناؼ و يأخذ كؿ صنؼ ما يحتاجو ‪. 4‬‬
‫الخارجية ‪:‬إف االمتداد الواسع لممممكة النوميدية عمى طوؿ ساحؿ حوض البحر المتوسط و‬
‫احتوائيا عمى مدف كبيرة يتوافد إلييا التجار أما عمدا أو مرو ار بيا ألخذ قسطا مف راحة و‬
‫إكماؿ سبيميـ فكانت بمثابة البوابة المفتوحة عمى باقي الحضارات المجاورة إضافة عمى ذلؾ‬
‫أف نوميديا ونتيجة الفائض في الثروات كانت بحاجة لتصدير منتجاتيا و استيراد السمع التي‬
‫تفتقر إلييا ‪ .‬وتمثمت الصادرات في ما يمي ‪ :‬القمح بالدرجة األولى و الخيوؿ ‪ ،‬األسود و‬
‫الفيود ‪ ،‬باإلضافة إلى األبقار و المواشي و كذلؾ المنتجات الغذائية مثؿ العسؿ و الزيتوف و‬

‫‪1‬‬
‫محمد العربي عقوف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 127‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التطور السياسي و االقتصادي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 146‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 160‬‬
‫‪41‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫الكروـ و العنب والزبيب ‪.‬أما الواردات فمـ تكف محطة اىتماـ في المصادر التاريخية وقد‬
‫شممت ‪ :‬المصنوعات الفخارية كالمصابيح و اآلجر و األنابيب ‪. 1‬‬
‫ج– الحياة االجتماعية والفكرية ‪:‬‬
‫‪ – 1‬االجتماعية ‪ :‬تعتبر األسرةىي الخمية األساسية في بناء المجتمع النوميدي الذي ترجع فييا‬
‫السمطة لألب‪ ، 2‬و ينسب األبناء آلبائيـ فقد عثر عمى نقوش بونية و لوبية الجنائزية اإلىدائية‬
‫عمى اسـ المتوفى واسـ أبيو ‪ ،‬و رابطة الزواج تقوـ الرجؿ و المرأة حسب ما يقره المعبد و‬
‫قانوف القبيمة مف حيث االعتراؼ بالتقاليد المتبعة في إتماـ مراسيـ الزواج كما وجد الطالؽ لكف‬
‫كاف قميال ‪ ،‬كما وجدت األسرة المختمطة و تنشأ مف الزواج المختمط أو تعدد الزوجات ‪ .3‬كما‬
‫عرؼ المجتمع النوميدي الوراثة و ظاىرة التبني و كانت الوراثة لألبناء بالتبني و األصالب‬
‫وعرؼ النوميديوف التبني وشاع بيف مختمؼ طبقات المجتمع وخاصة تبني العـ أبناء أخيو ‪،‬‬
‫كتبني مكوسف البف أخيو يوغرطة ‪.4‬‬
‫كما حظيت المرأة بمكانة مرموقة في المجتمع و كاف ليا دو ار فعاال فيي ربة األسرة تتولى‬
‫اإلنجاب وتربية األطفاؿ و القياـ بشؤوف األسرة ثـ العمؿ في الرعي والزراعة ‪ ،‬كما برعت في‬
‫صناعة األدوات الفخارية و التفنف في زخرفتيا و صناعة األنسجة بأنواعيا ‪ .5‬و قد أكد محمد‬
‫الصغير غانـ عمى مكانة المرأة النوميدية معتمدا عمى أورده المؤرخ جزيؿ و ديودور الصقمي‬
‫باإلضافة لييرودوت خاصة في مشاركة المرأة في الحرب و الحكـ و السياسة وقدـ أمثمة عف‬
‫‪ ،6‬في‬ ‫ذلؾ منيا ‪ :‬والدة ماسينيسا التي كانت تتعاطى العرافة واألميرة القرطاجية سوفونيسبة‬
‫حيف نالحظ أف محمد اليادي حارش لـ يتعرض لمجانب االجتماعي في نوميديا وذلؾ عكس‬
‫محمد الصغير غانـ الذي درسو بأدؽ تفاصيمو ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 132‬‬
‫‪2‬‬
‫‪، 1974‬‬ ‫دنيس يولـ ‪ ،‬الحضارات اإلفريقية ‪( ،‬د ‪.‬ط ) تر ‪ :‬عمي شاىيف ‪ ،‬منشورات مكتبة دار الحياة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبناف ‪،‬‬
‫ص ‪134‬‬
‫‪3‬‬
‫ميا عيساوي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 275‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 279‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪. 209‬‬
‫‪6‬‬
‫سوفونيسبة ( ‪ 203 -201‬ؽ‪.‬ـ)‪ :‬ىي أميرة قرطاجية تنتمي إلى عائمة ثرية لذلؾ كاف حضور سياسي ‪ ،‬كاف أبوىا عزر بعؿ‬
‫الذي كاف لو اتصاؿ بالممؾ سيفاقس وقد زوجيا لو ‪ .‬لمزيد مف المعمومات ‪ ،‬انظر ‪ :‬محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪،‬‬
‫المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬
‫‪42‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫ولقد عرؼ المجتمع النوميدي مجموعة مف العادات و التقاليد و ممارسة عدة طقوس و مف‬
‫أىميا‪ :‬التطير و ىي االعتقاد باألرواح الشريرة التي تتمثؿ في العيوف الشريرة التي كانت‬
‫تسمط عمى اإلنساف نفسو فتصيبو بمكروه في جسمو أو مالو ‪ ،‬و لذلؾ كاف يتقي شرىا‬
‫بواسطة الرسـ و الوشـ و كؿ األشكاؿ األخرى مثؿ اليد بأصابعيا الخمس و التمائـ التي‬
‫تعمؽ في العنؽ ‪ ،‬إضافة إلى نجمة الخماسية أو الزىرة ذات األجفاف األربعة أو الثمانية و‬
‫التي غالبا ما ترسـ في وسطيا عيف ‪ .‬ومف أطعمتيـ الكسكسي و الخبز الذي يصنع مف‬
‫القمح ‪ ،‬كما كانوا يشربوف المبف ‪. 1‬‬
‫‪ – 2‬الفكرية ‪:‬‬
‫‪ -‬المغة ‪ :‬أشار محمد العربي عقوف إلى أف اتساع الرقعة الجغرافية تسبب في ظيور عدة‬
‫ليجات ليا خصوصياتيا ولكف تنحدر جميعيا مف المغة الميبية التي تعد أـ الميجات البربرية‬
‫و تعتبر مف المغات فقد كانت معاصرة لمغات قوية مثؿ الفرعونية و الالتينية المتيف كانتا‬
‫تتمتعاف بالحماية في كنؼ القوة السياسية ومع ذلؾ اندثرتا اليوـ ‪ ،‬بينما نجت المغة الميبية‬
‫التي فقدت السند السياسي منذ زواؿ المممكة النوميدية ‪ ،‬و في ىذا المجاؿ استخمص‬
‫الدارسوف أف ليجات المغة الميبية المستمرة إلى اآلف وجدت سندىا في العائمة و التضاريس‬
‫الجغرافية ولذلؾ استمرت عمى الخصوص في الخصوص في المناطؽ الجبمية ‪ .2‬ثـ أضاؼ‬
‫أنو ال توجد مؤشرات عف بدايات ىذه الميجات أىي قديمة منذ الفترة الرومانية أـ أحدث ‪،‬‬
‫غمة ‪ ،‬الزناتية ‪ ،‬ليجة كتامة ‪،‬‬
‫ليقدـ أىـ ىذه الميجات وىي ‪ :‬السيوية‪ ،‬النفوسية و ر ّ‬
‫الصنياجية‪ ،‬المصمودية‪.3‬‬
‫‪ -‬الكتابة ‪ :‬كانت توجد في بالد المغرب كتابة خاصة ‪ ،‬استخدمت مف طرؼ الممالؾ المحمية‬
‫كميا ‪ ،‬كما استخدميا المواطنوف ‪ ،‬وىي تحتوي عمى ثالثة وعشروف حرفا و تعرؼ بالكتابة‬
‫الميبية و أحيانا النوميدية ‪ ،‬ومنيا اشتقت الكتابة التيفيناغية‪ .‬و يعد نص دوقة المزدوج‬
‫بونيقي – ليبي ‪ ،‬أوؿ وثيقة ليبية مؤرخة بدقة ‪ ،‬وىي عبارة عف كممة إىدائية مف معبد أقيـ‬
‫لماسينيسا في السنة العاشرة مف حكـ ابنو مكوسف ‪ ،‬أي سنة ‪ 139‬ؽ‪.‬ـ كما عثر عمى نقش‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 212‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العربي عقوف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 206‬‬
‫‪3‬‬
‫لإلطالع أكثر عمى ىذه الميجات ‪ .‬انظر ‪ :‬محمد العربي عقوف ‪ ،‬نفسو ‪ ،‬ص ص ‪. 207 -206‬‬
‫‪43‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫مزدوج آخر في نفس المنطقة يخمد إقامة ضريح قد يعود إلى نفس الفترة ‪ ،‬وكذا نصوص‬
‫ليبية أخرى مف نفس المنطقة مرتبة في خطوط أفقية ‪.1‬‬
‫د– الحياة الدينية والعمرانية ‪:‬‬
‫‪ –1‬الدينية ‪ :‬عندمػػا نحػػاوؿ البحػػث فػػي المعتقػػدات النوميديػػة نجػػد أنفسػػنا أمػػاـ أرضيػػة مػػف‬
‫المعتقػػدات الميبيػػة القديمػػة القائمػة عمػى الظواىػر الطبيعيػة والزراعيػة والكوكبيػة مػع عػدد مػف‬
‫المعبػودات المحميػة أضيػؼ إلييػا فيمػا بعػد مجموعػة مػف اآللية البونيػة وعمػى الخصػوص فييػا‬
‫آليػة الخصػب‪ .‬و في حديثو عف الجانب الديني في المغرب أكد محمد اليادي حارش أف‬
‫المغاربة القدامى كانت ليـ آليتيـ و طقوسيـ الدينية حتى قبؿ قدوـ الفينيقييف ‪ ،‬ولـ تتغير إال‬
‫عبادة‬ ‫شكميا في العصور الالحقة ‪ . 2‬و في البداية سنتعرؼ عف أىـ المعبودات المتمثمة في‬
‫الحيوانات مثؿ ‪ :‬الكبش ‪ ،‬الثور ‪ ،‬األسود‪ ،‬وعبادة قوى الطبيعة و تنقسـ إلى قسميف ‪ :‬األوؿ‬
‫عبادة األشجار ‪ ،‬الحجارة ‪ ،‬الجباؿ و الكيوؼ و المغارات ‪ ،‬المنابع المائية ‪.‬‬
‫القسـ الثاني عبادة القوى الخفية و الكواكب وىي بدورىا تنقسـ إلى قسميف عبادة الجف عبادة‬
‫الكواكب ( الشمس‪-‬القمر)‪ .3‬و سنتعرض فيما يمي لبعض ألىـ المعبودات ‪:‬‬
‫االلهة تانيت ‪ :‬عبدت كآلية أـ ليا السيادة عمى العالـ السفمي التي تسير فيو عمى أرواح‬
‫الموتى أثناء رحمتيـ الطويمة مابيف األرض والسماء ‪.4‬‬
‫بعل حمون ‪ :‬تمسؾ بعبادتو المجتمع النوميدي وذلؾ لوظيفتو األساسية ‪ ،‬و ىو إلو شمسي‬
‫يتحكـ في السحب والرعد والتساقط وخصوبة األرض ‪ ،‬ثـ السيطرة عمى الحياة األخرى و كذا‬
‫تجديد قوى الطبيعة ‪ ،‬وبذلؾ فيو يظير في كثير مف األحياف عمى أساس أنو معبود زراعي‬
‫(انظر‪ :‬الشكؿ ‪.5) 3‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪. 134 -133‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪. 145 -124‬‬
‫‪4‬‬
‫عبد اهلل زيتونة عطاء اهلل ‪ ،‬حسف األخوص‪ ،‬النصب النذرية النوميدية المحفوظة بمتحؼ سيرتا بقسنطينة دراسة إحصائية‬
‫تحميمية – ‪ 30‬أنموذجا ‪ ،‬مذكرة مكممة لمتطمبات الحصوؿ عمى شيادة الماستر في تاريخ الحضارات القديمة ‪ ،‬جامعة الشييد‬
‫حمو لخضر ‪ ،‬الوادي ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2017 – 2016 ،‬ص ‪. 18‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 151‬‬
‫‪44‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫ممقارت‪ :‬وىو إلو المدينة و قد عبد في البداية بمدينة صور بالساحؿ المبناني ‪ ،‬وكانت طبيعتو‬
‫شمسية ثـ أضيفت لو الطبيعة البحرية ‪. 1‬‬
‫‪ –2‬العمرانية ‪ :‬في الجانب العمراني تطرؽ محمد اليادي حارش إلى المشكمة التي تعترض‬
‫الكتابة عميو و أرجع سبب ذلؾ أف العمارة الرومانية ىي الطاغية لذا حجبت آثار ما قبؿ ىذه‬
‫الروماف و البحث عنيا يستوجب التضحية باآلثار الرومانية و بحكـ أغراض المدرسة‬
‫االستعمارية ظمت العمارة النوميدية مجيولة تقريبا ‪ ،‬لكف اآلثار المتناثرة في بالد المغرب القديـ‪،‬‬
‫تؤكد بما ال يدع مجاال لمشؾ وجود ىذه العمارة التي تطورت محميا ‪ ،‬ويمكف أف نوجز في‬
‫دراستنا ىذه أىـ النماذج المتبقية و التي في مجمميا عبارة عف معابد و أضرحة ‪ ،‬و تقع خارج‬
‫المدف وىو ما يفسر دواميا في وقت اندثرت فيو كؿ المباني األخرى أو طمرت تحت المباني‬
‫الرومانية وعميو يمكننا التعرؼ عمى أىميا ‪:‬‬
‫‪ -‬المعابد ‪ :‬معبد شمتو‪ ، 2‬وىو النموذج الوحيد لمفترة النوميدية و معبد القميب ‪.‬‬
‫‪ -‬األضرحة الممكية النوميدية ‪ :‬مثؿ مدغاسف ‪ ،‬قبر الرومية ‪.‬‬
‫‪ -‬األبراج الجنائزية الممكية النوميدية – الهيمينستية ‪:‬وتتمثؿ في ضريح صبراتو ‪ ،‬برج سيقا‪،‬‬
‫ضريح دوقا( انظر‪ :‬الشكؿ ‪ ، ) 4‬ضريح الخروب (انظر‪ :‬الشكؿ ‪ ) 5‬وفي األخير أشار‬
‫إلى أف أغمبية المباني الجنائزية لألىالي عائدة لمعيد الروماني‪.3‬‬
‫خالصة لما تعرضنا لو في نياية ىذا الفصؿ و بالرغـ مف تضارب المعمومات نقدـ‬
‫مقارنة لكتابات ا لمؤرخيف المغاربة المحدثيف بداية بمحمد الصغير غانـ الذي يشيد لو بعمؽ‬
‫التصور و نقؿ األحداث بكؿ أمانة و رزانة الذي أشار إلى إنشاء مدينة قرطاجة التي تعتبر‬
‫مف أىـ المستوطنات الفينيقية في وسط السواحؿ المغاربية ‪ ،‬وبالضبط في خميج شماؿ تونس‬
‫‪ 814‬ؽ ‪ .‬ـ تغيرت زعامة المدف الفينيقية بحيث حمت مدينة قرطاجة محؿ صور ‪،‬‬ ‫سنة‬
‫وبذلؾ أخذت زعامة المستوطنات الفينيقية القرطاجية في الحوض الغربي لمبحر المتوسط وىو‬
‫بذلؾ يؤكد فكرة الدكتور محمد فنطر ( وىو مف الكبار المختصيف في المغة و التراث البوني‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 156‬‬
‫‪2‬‬
‫معبد شمتو‪ :‬قاـ ببنائو الممؾ مكوسف عمى عشرة مراحؿ فوؽ قمة جبؿ المرمر ‪ .‬لمزيد مف المعمومات ‪ ،‬انظر ‪ :‬محمد‬
‫اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 153‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسو‪ .‬ص‪.154‬‬
‫‪45‬‬
‫بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪ 9‬ق‪.‬م – ‪ 2‬ق‪.‬م‬ ‫الفصل األول‬

‫القرطاجي عمى المستوى العالـ العربي قاطبة ) و قد أيده في ذلؾ الدكتور محمد اليادي حارش‬
‫الذي قدـ التطور الذي شيدتو قرطاجة مف مركز تجاري إلى قوة بحرية خالؿ القرف ‪ 5‬ؽ‪ .‬ـ ‪.‬‬
‫وقد لعبت ىذه الكتابات أدوار كبيرة في كشؼ بعض الحقائؽ التاريخية خاصة و أف كتابات‬
‫تتميز ببعض التحيز و التجاىؿ‬ ‫المؤرخيف الغربييف حوؿ تاريخ بالد المغرب القديـ‬
‫يمكف أف نجمميا فيما يمي ‪:‬‬
‫‪ -‬استعمؿ المؤرخوف الغربيوف مصطمحات ال عالقة ليا بالنزاىة العممية و الموضوعية التي‬
‫يجب أف يتسـ بيا المؤرخ و مثاؿ ذلؾ لفظة بربر ‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار أىؿ المغرب بأنو شعب لـ يكف لو في القديـ أي كياف ووحدة سياسية تجمعو و ىذا‬
‫يعود عمى حسب اعتقادىـ إلى العوامؿ الجغرافية والطبيعية التي تحوؿ دوف تحقيؽ الوحدة‬
‫بينما حسب المعطيات التاريخية فإف الوحدة تحققت في عيد ماسينيسا ‪.‬‬
‫‪ -‬مف عيوب الدراسات أنيا لـ تستطع أف تسير أغوار تاريخنا مف الناحية االجتماعية‬
‫و االقتصادية و الحضارية ‪ ،‬و إال كيؼ نفسر عدـ تخصيص و لو فصؿ واحد لتاريخ بالد‬
‫المغرب القديـ في تاريخ الحضارات العالـ ‪.‬‬
‫وىناؾ جانب آخر وىو وجود تفاىـ كبير بيف المؤرخيف الغربييف القدماء و المعاصريف‬
‫مف ناحية نظرتيـ إلى المغاربة القدماء أي الميبييف ‪ ،‬وىذه النظرة ليا صبغة احتقار ‪ ،‬فمثال‬
‫الثورة التي قاـ بيا المغاربة القدماء في صقمية ضد األرستقراطية التي ماطمت في تأدية أجور‬
‫‪1‬‬
‫وبجرة قمـ ‪ ،‬و استعمؿ ىذا‬
‫بكؿ بساطة ّ‬ ‫النوميدييف ‪ ،‬فقد تـ نعت ىؤالء المغاربة بالمرتزقة‬
‫المصطمح ستيفاف قزاؿ و شارؿ أندري جولياف و غيرىما‪.‬‬
‫موجز الحديث فإف النظرة االستعمارية لتاريخنا القديـ في حاجة ماسة إلى إعادة نظر‬
‫المغاربة المحدثيف المختصوف في تاريخ المغرب‬ ‫و تصحيح و غربمة ‪ ،‬وىو دور المؤرخيف‬
‫القديـ حيث كانت دراستيـ أكثر دقة و غ ازرة وساروا عمى المنيج العممي في البحث التاريخي‬
‫مف ناحية المصادر و المراجع و غيره ‪ .‬كما درسوا المصادر و المراجع الالتينية و البونية أي‬
‫القرطاجية بشكؿ دقيؽ موضوعي‪ ,‬وقد ساعدىـ في ذلؾ معرفتيـ بمغة الفرنسية نطقا و كتابة‬
‫و تمكنيـ مف المغة الالتينية أو البونية ‪.‬‬

‫شارؿ أندريو جولياف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪. 99 - 98‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بالد المغرب من بداية اإلحتالل الروماني الى‬


‫ظهور الوندال‪ 146 ( :‬ق‪.‬م– ‪ 429‬م)‬

‫المبحث األول‪ :‬مقاطعة افريقيا الرومانية‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬بالد المغرب تحت الحكم‬


‫الروماني‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهور الوندال‬
‫( ‪ 429 – 146‬م)‬
‫مقاطعة افريقيا الرومانية‪:‬‬ ‫‪.I‬‬
‫‪ ( 1‬نوميديا ‪:‬‬

‫نصب ماسينيسا‬ ‫‪ .1‬فبعد ان‬ ‫المسماة أفريقية الرومانية‬


‫ّ‬ ‫كانت قرطاجنة حاضرة الوالية‬
‫‪Massinissa‬عمى كامل نوميديا وىذا بعد انتصاره عمى سيفاكس في حرب فاصمة ب كيرطا‬
‫‪ 203‬ق‪ -‬م وبنص المعاىدة التي عقدت بعد معركة زاما استطاع ماسينيسا أن يسترجع أمالك‬
‫أبيو وأسالفو ويضم إلييا نوميديا الغربية لتصبح المنطقة الممتدة من نير المموية غربا إلى خميج‬
‫ا وكرس شعاره‬ ‫السرت الكبير شرقا تابعة لو ‪ ،‬وشيدت المنطقة خالل عيده ازدىا ار واضح‬
‫المشيور إفريقيا لألفارقة ليحاول بعد ذلك ضم قرطاج لوال تدخل روما ‪ 2 .‬وفي سنة ‪ 148‬ق‪-‬‬
‫م توفي ماسينيسا تارك ىذه المممكة ألبنا ئه الثالثة مسطنبعل ‪ Mastanabal‬وجموسن‬
‫‪Gulussa‬ومكوسن ‪ 3Micipsa‬وتفرعت السمطة إلى ثالثة فمكوسن تقمد السمطة التنفيذية‬
‫والدي حمل لقب حمممكت ويعني أمير إال أنو غير مناسب لوظيفتو لكونو أوكمت إليو السمطة‬
‫‪4‬‬
‫‪ .‬في‬ ‫التنفيذية وقد عثر عمى نقشان في تيجيبا وأخر في شرشال بأن ميكوسن حمل لقب منكد‬
‫المممكة وتبعا لمنقش الموجود في تيجيبا فكممة منكد تعني أن الممك ىو الرئيس األعمى وقائد‬
‫الرؤساء المحميين واألمراء والقبائل والمدن ‪ 5 .‬وجموسن السمطة العسكرية ومسطنبعل القضائية‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫وكان لمكوسن ابنان وىما ىيمصال األول ‪ Hiempsal‬و أذربعل ‪ Adherbal‬ولجموسن ابن‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪،‬تاريخ مختصر الىم حضارات الشرق القديمة دراسة حضارية في قبل التاريخ وعبر التاريخ ‪(،‬ب ط)‪ ،‬دار‬
‫ىومة ‪ ،‬الجزائر ‪ ،2007 ،‬ص ‪.183‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬دراسات ونصوص في تاريخ الجزائر وبمدان المغرب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪.234 -232‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصغير غانم ‪ ،‬المممكة النوميدية والحضارة البونية‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪4‬‬
‫كممة منكد تعني الوظيفة العالية ‪ ،‬انظر ‪:‬فتيحة فرحاتي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫‪5‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.199 -198‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي القديم‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪48‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫إال أن اإلخوة الثالثة لم يتفقوا فيما بينيم‬ ‫واحد ماسيقا أما مسطنبعل فخمف يوغرطة وجودا‬
‫واتيم ميكوسن من طرف أخويو بالوالء األعمى لمرومان وبعد عامين توفي األخوان بطريقة‬
‫غامضة ويقول سالوست بأن سبب الموت ىو اصابتيما بمرض وبيذا انفرد ميكوسن بالحكم‬
‫‪ 118‬قبل الميالد‬ ‫سنة ‪ 146‬ق‪ -‬م وكان مواليا لمرومان طيمة فترة حكمو وبعد وفاتو سنة‬
‫اضطربت األوضاع بين أحفاد مسطنبعل وجموسن ومكوسن واسند الحكم إلى ابنيو ىيمصال‬
‫‪2‬‬
‫وبعد ىذه الفترة تأزمت‬ ‫األول و أذربعل وابن أخيو يوغرط ة ‪ Jugurtha‬ابن مسطنبعل‬
‫األوضاع في نوميديا إلى غاية اإلحتالل الروماني ‪49‬ق م‪.‬‬

‫وافترض محمد فنطر أنو وجدت ثالثة نظم إدارية األولى وتمثمت في اإلدارة المركزية‬
‫ومركزىا بالعاصمة والثانية ىي اإلدارة القبمية فعمى رأس كل قبيمة رئيس ويحصل عمى سمطتو‬
‫إدارة المدن والتي تتمتع‬ ‫إما من القبيمة أو أن الممك يعينو رئيسا ليا أما اإلدارة الثالثة وىي‬
‫‪3‬‬
‫بأستقاللية واسعو في تسير مصالحيا ‪.‬‬

‫حارب يوغرطة حتى وفاتو إليقاف الزحف الروماني‪ ،‬وبدأت المناوشات بينو وبين الرومان‬
‫عندما حاولوا تقسيم الدولة النوميدية إلى ثالث دويالت‪ ،‬فقاوميم وانتصر عمييم سنة ‪ 116‬ق‬
‫م‪ .‬ونجح في توحيد نوميديا‪ ،‬وأصبح حاكما لكيرطا سنة ‪ 112‬ق‪.‬م‪ .‬لكن الرومان استعمموا ضده‬
‫أسموب المخادعة لمتخمص منو وىكذا استعمموا صيره أي والد زوجتو الذي توسط بين يوغرطة‬
‫وقادة روما ولكنو ألقى القبض عميو سنة ‪106‬ق‪.‬م‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانم ‪ ،‬المممكة النوميدية والحضارة البونية‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪2‬‬
‫فتيحة فرحاتي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.185‬‬
‫‪4‬‬
‫عمار المحجوبي ‪ ،‬والية افريقيا من االحتالل الروماني الى نياية العيد السويري (‪ 146‬ق‪.‬م‪ 235-‬م) ‪ ،‬مركز النشر‬
‫الجامعي ‪ ،‬تونس ‪، 2001 ، ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪49‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بدأ خضوع منطقة شمال أفريقيا لنفوذ الرومان ‪ ،‬بقضائيم عمى بقايا القرطاجيين ونفوذىم في‬
‫المنطقة سنة ‪ 146‬ق‪.‬م ‪ .‬وأنشأوا بالمنطقة حصونا تعرف بـ ”الميمس" ؛ كان دورىا عسكريا‬
‫بالدرجة األولى ‪ ،‬حيث تعتبر حصنا متقدما لمقوة العسكرية ‪ ،‬كما كان ليا دور اقتصادي متمثال‬
‫في مراقبة الطرق التجارية ‪،‬وكونو مرك از لمتبادل بين الرومان والقبائل المحمية‪ ،‬وتتمثل الوسيمة‬
‫‪1‬‬
‫‪ .‬ومنحيا بعض االمتيازات ؛‬ ‫الثانية التي اعتمدىا الرومان في استمالو القبائل المغاربية‬
‫كاإلعفاء من الضرائب حتى تبقى وفية ليم‪ ،‬وتتمثل الوسيمة الثالثة في وصول بعض المغاربة‬
‫إلى درجة الحصول عمى حق المواطنة الرومانية ‪ .‬فسخرتيم بذلك ؛إلخماد الثورات التي كانت‬
‫تقوم بيا قبائل أخرى ‪ ،‬غير موالية لمرومان ‪ .‬وانتيت ىذه الوسائل من تمكن اإلمبراطورية من‬
‫‪ 1‬م ‪.‬بييمنتيا عمى موريطانيا الطنجية ‪،‬‬ ‫بسط سيطرتيا عند نياية النصف األول من القرن‬
‫‪2‬‬
‫القيصرية ‪ ،‬نوميديا وكل الممالك البربرية بأفريقيا الشمالية ‪.‬‬

‫تحولت نوميديا بعد ىزيمة يوغرط ة الى غنيمة في يد الرومان‪ ،‬وبدل جعميا عمالة تابعة‬
‫لروما‪ ،‬نصبوا عمييا مموكا محميين عمى شرط قياميم بمد روما بالثروات األفريقية‪ ،‬وبذلك تم‬
‫تقسيم مممكة نوميديا الى ثالثة ممال ك ‪ ،‬استأثر فييا بوكوس بالجزء الغربي جزاء عمالتو‪ ،‬في‬
‫حين حصل غودا عمى الجزء الشرقي‪ ،‬اما ماستانونزوس فقد حصل عمى الجزء األوسط من‬
‫مممكة نوميديا الموزعة‪. 3‬‬
‫كانت نوميديا في عيد يوبا األول بعد خمفاء بوكوس الذين تميزوا باقام ة عالقات ودية مع‬
‫روما‪ ،‬ظير ممك نوميدي آخر‪ ،‬وىو حفيد ليوغرط ة وكان اسمو يوبا األول ‪.‬ىذا اآلخير عمل‬

‫‪1‬‬
‫جمال مسرحي ‪ :‬المقاومة النوميدية لالحتالل الروماني في الجنوب الشرقي الجزائري ‪ ،‬مذكرة لنيل شيادة ماجستير في التاريخ‬
‫الٌقديم ‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطسنة ‪ ،‬الجزائر‪ ، 2008 ،‬ص ‪. 6‬‬
‫‪2‬‬
‫عمار المحجوبي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بيومي ميران ‪ ،‬المغرب القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.291‬‬
‫‪50‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫عمى نيج اجداده يوغرط ة وماسينيسا لبناء دولة نوميدية مستقمة تكفييم التدخالت األجنبية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 48‬قبل الميالد ‪ ،‬بدت الفرصة سانحة لتحقيق ىذا المأرب‪ ،‬ذلك ان صراعا قام بين‬
‫بومبي وقيصر حول حكم روما‪ .‬واعتقد يوبا األول ان النصر سيكون حميفا لبومبي و راىن عمى‬
‫حمف بينيما غير ان النصر كان مخالفا لتوقعات يوبا األول ‪ .‬و تمكن قيصر من ىزم ة خصمو‬
‫بومبي‪ .‬ففي سنة ‪ 46‬قبل الميالد تمكن الجنود الرومان وجنود كل من بوكوس الثاني وبوغود‬
‫الثاني من تحقيق نصر ضد جيوش يوبا األول وبومبي ‪.‬‬

‫بعد ىزيمة يوبا األول فقدت نوميديا استقالليا السياسي‪ ،‬وكانت نيايتياعام ‪ 46‬ق‪.‬م بعد‬
‫مرور مائة سنة عمى ذكرى سقوط قرطاجة سنة ‪ 146‬ق‪.‬م ‪ .‬وبيذا دخمت نوميديا فترة جديدة‬
‫وىي فترة الحكم الروماني‪. 1‬‬

‫‪ )2‬موريطانيا‪:‬‬
‫مممكة موريطانيا التي يذىب المؤرخون ان تقدميا بصفة عامة اكثر بطئا من نوميديا وربما‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬حيث حكم بوخوس الثاني الجزء الشرقي منيا‬ ‫كان ىذا القصور بسبب نقص المعمومات‬
‫غي ‪ bogoud‬فقد حكم الجزء الغربي منيا غرب مموية ‪.‬فوسع‬
‫خمفا ل بوخوس االول ‪ .‬اما بو د‬
‫بوخوس مممكتو عمى حساب نوميديا وبعد سنوات قميمة ايد بوغيد ( ‪ 30 -73‬ق‪-‬م) ‪ 3 .‬ىذا‬
‫‪ 33‬ق‪.‬م ومقتل بو غيد في عام ‪ 31‬ق‪.‬م‬ ‫وقد صارت كل ىذه بعد موت بوخوس في عام‬
‫خالية من اي حاكم وطني ‪ .‬وكان في امكان روما ضميا الييا مباشرة ‪ ،‬غير ان القيصر‬
‫‪27‬ق‪.‬م ‪ 14 -‬م )‪ .‬نصب‬ ‫جايوس اوكتافيوس والذي صار امبراطو ار يحمل لقب اغسطس (‬
‫سنة ‪ 25‬ق‪.‬م يوبا الثاني ابن اخر مموك نوميديا و ىو يوبا االول عمى موريطانيا‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.85‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد بيومي ميران ‪ ،‬المغرب القديم ‪ ،‬ص‪.293‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪51‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بدور بارز و‬ ‫دام حكمو اكثر من ‪ 40‬سنة ؛ ( ‪ 25‬ق‪.‬م – ‪ 15‬م ) وقد قام في موريطانيا‬
‫‪1‬‬
‫فعال ‪.‬‬
‫فرة ( ‪ 40 – 23‬م) ‪ ،‬الذي‬
‫ت‬ ‫وجاء بعد يوبا الثاني ابنو بطمميوس الذي حكم موريطانيا‬
‫قتمو االمبراطور الروماني كاليجوال فيما بعد ( ‪ 41‬م) ليتم بعد ذلك تقسيم المنطقة اداريا ‪.2‬‬

‫‪ )3‬بالد المغرب تحت الحكم الروماني ‪:‬‬


‫قبل التطرق لمنظم االدارية في ظل االحتالل الروماني ‪ ،‬في الفترة الممتدة من القرن األول‬
‫قبل الميالد إلى القرن الثالث ميالدي‪ ،‬يجب اإلشارة إلى أن بالد المغرب القديم بقيت مدة قرن‬
‫من الزمن ‪-‬من‪ 146‬ق ‪.‬م ‪ .‬تاريخ سقوط قرطاجة إلى ‪ 46‬ق‪.‬م ‪ .‬تاريخ معركة تابسوس التي‬
‫انتصر فييا الرومان عمى يوبا األول والتي من أىم نتائجيا بداية الوجود الفعمي الروماني في‬
‫بالد المغرب القديم ‪-‬خارج السيطرة الرومانية الفعمية‪ ، -‬وىذا راجع لمجموعة من األسباب‪،‬‬
‫حيث يرى بعض المؤرخين الغربيين أن سبب تأخر غزو بالد المغرب من طرف الرومان يتمثل‬
‫في عدم وجود أطماع في المنطقة وىذه معمومة خاطئة‪ ،‬فاالىتمام الروماني بمنطقة المغربالقديم‬
‫‪3‬‬
‫يرجع إلى اندالع الصراع مع اإلمبراطورية القرطاجية سنة ‪ 264‬ق‪.‬م عندما وقفت ىذه‬
‫األخيرة سدا منيعا في وجو توسعات الرومان في حوض البحر المتوسط‪( .4‬انظر الشكل ‪)6‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد بيومي ميران ‪ ،‬المغرب القديم ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.293‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.297‬‬
‫‪3‬‬
‫ميا محم د السيد ‪ ،‬الحصون والتحصينات الدفاعية في شمال افريقيا في العصر الروماني ‪ ،‬مصر ‪ ،2008 ،‬ص‪.2‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد فوكو ‪ ،‬مناطق سيل الشمف في ظل االحتالل الروماني ‪ ،‬مجمة عصور الجديدة ‪ ،‬عدد ‪ ، 12 – 11‬وىران ‪،‬‬
‫الجزائر ‪ ،‬فبرابر ‪ ، 2014‬ص ‪.09‬‬
‫‪52‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الــــنـــظـــــــم اإلداريــــــــة ‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬وىذا باستثناء الفترات التي لم تكن فييا ىذه‬ ‫تميزت االدارة الرومانية بالالمركزية‬
‫المقاطعات خاضعة لمحكم العسكري المباشر ‪ -‬وىو نظام يتيح حرية محدودة لحكام‬
‫المقاطعات لمتصرف فييا ‪ .‬حيث جرى تطبيق اسموبين من النظم االدارية في نوميديا وىما ‪:‬‬
‫حكم اداري مدني في الشمال وحكم اداري عسكري في الجنوب طيمة العيد االمبراطوري االول ‪،‬‬
‫و تم تقسيم بالد المغرب الى اربع مقاطاعات ‪:‬‬
‫‪ -‬افريقيا البرو قنصمية ‪. africa proconsularis‬‬
‫‪ -‬نوميديا ‪.NUMIDAE‬‬
‫‪ -‬موريطانيا القيصرية ‪. Caesariensis‬‬
‫‪ -‬موريطانيا الطنجية ‪.2Tingitana‬‬
‫‪ )1‬افريقيا البرو قنصمية ‪:‬‬
‫‪ . sylla‬حيث لقب نائبو‬ ‫نشاء ىذا المصطمح منذ سنة ‪ 41‬ق‪.‬م أثناء عيد سيال‬
‫‪ ،‬ولقب باغسطس في‬ ‫المكمف بالبروقنصل بعد انتصار اوكتافيوس بروما عن معارضيو‬
‫‪ ،‬وافريقية الجديدة ‪.‬وحدودىا‬ ‫‪ 27‬ق‪.‬م‪ .‬وكانت البروقنصمية تشمل كل من افريقيا القديمة‬
‫لبدة شرقا ‪ ،‬و مقنة غربا حتى ىيبون ‪-‬عنابة –شماال‪ ،‬وغدامس جنوبا ‪.3‬‬
‫كما ضمت الييا مممكة سي تيوس ‪ ،Sittius‬ابتداء من سنة ‪ 44‬ق‪.‬م والبروقنصمية‬
‫‪5‬‬
‫مرتبطة بحاكم ‪4‬من مجمس الشيوخ حيث يمكن اعتبارىا مستعمرة استطانية لقدماء الجيش‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪2‬‬
‫احمد حسسن السمماني ‪ ،‬تاريخ مموك البربر في الجزائر القديمة‪ ،‬دار القصبة لمنشر ‪ ،‬ط ‪، 2‬الجزائر ‪ ، 2017 ،‬ص ‪221‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 79‬‬
‫‪4‬‬
‫القاضي أو الحاكم في روما ‪ ، praetor‬لممزيد من المعمومات انظر ‪ :‬سالوست ‪،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪14‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد العيد بشي‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.185‬‬
‫‪53‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ )2‬نوميديا ‪: NUMIDIE‬‬
‫كانت نوميديا تابعة لمبروقنصمية من الناحية القانونية ‪ ،‬بعد ان احتميا اغسطس عند‬
‫)ايكوزيوم( و (ايول شرشال) غربا الى‬ ‫سقوط مممكة يوبا الثاني ‪ ،‬حيث تمتد من الجزائر‬
‫ات امنية و لو سمطة االشراف عمى‬ ‫غاية روسيكاد شرقا غير ان حاكميا لو صالحي‬
‫‪1‬‬
‫ومنطقة المدن الخمس طرابمس ‪ .‬وتعتبر‬ ‫االراضي الواقعة جنوب منطقة افريقيا القديمة ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬‬ ‫جميع اراضي نومديا ضمن المناطق العسكرية ‪ ،‬وىي مقاطعة امنية اكثر منيا ادارية‬

‫‪ )3‬موريطانيا القيصرية ‪: Mouritanie Cesarirnne‬‬


‫انشات االدارة الرومانية مقاطعة موريطانيا في سنة ‪ 42‬م ‪ ،‬والتي شممت القسم الغربي‬
‫‪ Mulucha‬غربا الى غاية الوادي الكبير‬ ‫من مممكة نوميديا ‪ ،‬امتدت من واد مموية‬
‫‪ Ampsage‬شرقا‪ .‬في حين يحدىا من الشمال البحر ااالبيض المتوسط ‪ ،‬ومن الجنوب امتدت‬
‫الحدود في العمق ‪ ،‬مرو ار بالمناطق الداخمية وصوال الى جيتوليا ‪( 3‬انظر الشكل ‪.)7‬‬
‫‪ Cesaree‬سنة ‪ 25‬ق م‬ ‫سميت المقاطعة بموريطانيا القيصرية ‪،‬نسبة لمعاصمة القيصرية‬
‫وىي شرشال اليوم ‪ ،‬ونصبت السمطات الرومانية الممك يوبا الثاني ‪4‬عمى رأس المقاطعة‪ .‬الذي‬
‫ل يكن لو اي استقاللية عن ىيمنة الرومان كحكم غير مباشر ‪ .‬حيث يعين باعمى السمم االداري‬
‫‪ :‬حاكم المقاطعة او القاضي( ‪، legat‬‬ ‫موظفا من اعضاء مجمس الشيوخ يحمل لقب‬
‫‪)propreteur‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر القديمة‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد قاسم ‪ ،‬الوضعية االجتماعية والديموغرافية لغرب موريطانيا القيصرية من ‪ 42‬م الى سنة ‪ 284‬م ‪ ،‬مذكرة لنيل شيادة‬
‫ماجستير في التاريخ الٌقديم ‪ ،‬جامعة وىران ‪ ، 01‬الجزائر ‪ ، 2015‬ص ‪. 14‬‬
‫‪4‬‬
‫يوبا الثاني ممك نصبو اوكتافيوس ‪ 25‬ق م ممكا عمى مممكة موريطانيا تميزت فترة حكمو بثورة الجيتول من سنة ‪ 06 -03‬م‬
‫وثورة المزالمة بقيادة تاكفيريناس من ‪ 17‬م الى ‪ 24‬م ‪ ،‬انظر‪ :‬محمد قاسم المرجع السابق ‪ ،‬ص‪16‬‬
‫‪54‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كما اشرنا سابقا‪ ،‬فقد خمف بطميموس والده يوبا الثاني ‪ .‬حيث ذىب في زيارة ودية إلى‬
‫روما في عيد اإلمبراطور كاليقوال ( ‪41‬م)‪.1‬وكان بطميموس قد ارتدى ثيابا فاخرة تفوق لباس‬
‫اإلمبراطور ‪.‬فحقد عميو وأمر في الحال بإعدامو‪ .‬و بموتو انتيت مممكة موريطانيا ‪.‬وحولت إلى‬
‫نجة‬ ‫واليتين رومانيتين ‪.‬وبذلك سيطر الرومان عمى الشمال اإلفريقي كمو من طرابمس إلى ط‬
‫وقسميا‬
‫وضم كالوديوس ‪ Clauduis‬مقاطعة موريطانيا‪ ،‬إلى روما بعد اعتالئو لمعرش ‪ 42‬م ّ‬
‫‪2‬‬
‫موريطانيا‬ ‫واليتين‪ :‬مور يطانيا سيزرينسس (موري طانيا القيصرية) و (موري طانيا تنجتانا)‬
‫الطنجية نسبة إلى عاصمتيا تنجيس ‪ ، Tingis‬وىي طنجة الحالية‪.3‬‬

‫موريطني الطنجية ‪: Mauretania Tingitana‬‬


‫ا‬ ‫‪)4‬‬

‫في عيد القيصر كالوديوس سنة ‪42‬م أمر بتقسيم موريطانية إلى إقميمين ىما‬
‫موريطانية القيصرية و موريطانية الطنجية في اقصى الغرب ‪ ،‬حيث أن الطنجية ُوجدت عمى‬
‫يطني في عيد مموكيا الكبار‬
‫الخصوص في منطقة شمال المغرب الحالي واتسعت مممكة مور ا‬
‫حتى حدود تونس‪ ،‬وكانت عاصمتيا طنجيس ‪ -‬طنجة حاليا‪ .-‬وكانت مشيورة بزراعة القمح‬
‫‪.‬حيث كانت مق ار اقامة وكيل االمبراطورية الذي يمثل دور القنصل الروماني الذي يشرف‬
‫‪4‬‬
‫عمى قوات االحتالل االضافية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪.184‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد قاسم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد العيد بشي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪55‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ثورات المغاربة ضد االحتالل الروماني و موقف القبائل المحمية منه ‪:‬‬ ‫‪.III‬‬
‫أما بالنسبة لموقف القبائل المحمية ‪،‬من الوجود الروماني فكان الرفض والمقاومة‪ ،‬حيث‬
‫كانت نوميديا وموريطانيا ‪ ،‬مسرحا لمعديد من أعمال مقاومة االحتالل الروماني‪ ،‬والدليل عمى‬
‫ذلك‪ ،‬االستحكامات العسكرية الرومانية المنتشرة‪ ،‬في كل أنحاء كل من نوميديا‪ ،‬وموريطانيا‬
‫عمى السواء‪ ،‬نذكر منيا‪:‬‬

‫‪ )1‬يوغرطة ومقاومة روما ‪:‬‬


‫كان يوغرطة مقاتال شجاعا يحظى باىتمام خاص لدى الرومان‪ 1 ،‬الذين لم يبخمو عميو‬
‫ليقبل تجزئة أرض أجداده التي‬ ‫‪ .‬ولم يكن يوغرطة‬ ‫بخبرتيم في استعمال مختمف األسمحة‬
‫أذريعل الذي استنجد بالرومان‪،‬‬ ‫أصبحت تسيل دخول روما‪ ،‬فمجأ إلى قتل ىيمبسال ومطاردة‬
‫يوغرطة لم يرض‬ ‫إلى قسمين‪ ،‬لكن‬ ‫وبالفعل تتدخل روما ويعاد تقسيم مممكة ميسبسا‬
‫باالتفاقية‪ ،‬حيث قام بغزو األراضي التي منحت لـ أذربعل ‪ ،‬وحاصره في كيرتا واتبعو حتى‬
‫لقي مصرعو رغم حذره الشديد‪. 2‬‬
‫ذىب يوغرطة ضحية مكيدة دبرت لو حسب اتفاق المؤرخين المغاربة المحدثين النيم‬
‫اخذوا من نفس المصدر او الم صدر الوحيد لحرب يوغرطا وىو ما رواه سالو ست عن تمك‬
‫الحرب وعن نياية يوغرطة ‪ ،‬حيث تم تسميمو لمرومان في أواخر عام ‪ 105‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫‪ 104‬ق‪.‬م ‪ ،‬وبنيايتو ضاعت آمال اعادة‬ ‫مات يوغرطة جوعا في السجن‪ ،‬في بداية عام‬
‫‪3‬‬
‫بناء نوميديا ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سالوست ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪55‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ )2‬مقاومة عربيون ‪ 41 – 45 Arabioun‬ق م ‪:‬‬


‫االمير عربيون ابن مسينسن الثاني ىو ممك نوميديا الغربية ‪ ،‬حيث نشأعربيون في اوضاع‬
‫‪ 44‬ق‪.‬م‬ ‫سياسية صعبة و استمم ميمة الدفاع عن المممكة النوميدية بعد مقتل قيصر في عام‬
‫‪1‬لخبرتو العسكرية بفضل اشتراكو الى جانب البومبيين في محاولتيم االخيرة في اسبانيا ‪ ،‬وبعد‬
‫عودتو حاول اعادة بعث امجاد نوميديا ‪.‬حيث كون جيشا نظاميا من المحميين خارج حدود‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬ثم‬ ‫‪sextius‬‬ ‫السطرة الرومانية بسيول قسنطينة حيث وجو ضربات لمقائد سيكسيتوس‬
‫‪ Cornificius3‬الذي انتصر عميو‬ ‫تواجو االمير عربيون مع الوالي الروماني كورنيفيكيوس‬
‫ان تم اغتيالو من طرف الوالي الروماني‬ ‫االمير النوميدي حيث توج ممكا بعد ذلك الى‬
‫سيكسيتوس ‪ 45 sextius‬ق‪.‬م‪.4‬‬

‫‪ )3‬ثورة تاكفريناس ‪17 tacfarinas‬م‪24-‬م ‪:‬‬


‫كان تاكفريناس ضابطا في الجيش الروماني ‪.‬و بالرغم من رغد العيش وترفو الذي كان‬
‫يعيشو في ظل الرومان ‪.‬وىو يشاىد قومو كيف يستغمون و يستبعدون األمر الذي دفعو إلى‬
‫‪.‬انطمق من األوراس بعد أن أعد العدة ودرب‬ ‫التمرد واعالن الثورة عمى االحتالل الروماني‬
‫‪، Musulmii‬‬ ‫أنصاره ىناك ‪.‬معمنا ثورتو عام ‪17‬م ‪ .‬ىذه المقاومة من قبيمة الموزالمي‬
‫فشكل منيا جيشا نظاميا من المشاة والفرسان عمى الطريقة الرومانية وقد كبد تاكفريناس‬
‫الرومان عدة ىزائم ‪ . 5‬حيث كان تاكفاريناس يستخدم أساليب قتالية لم يألفيا الرومان‪ ،‬كان‬
‫يستخدم تقنية المناورة بالمجوء إلى االنسحاب والمباغتة واليجوم المفاجئ وحرب العصابات‬
‫المنظمة وضرب الجيش الروماني في قواعده المحصنة النو اعتمد في حربو عمى نوعين من‬
‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر القديمة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪3‬‬
‫ىو عسكري روماني و صديق لشيشرون ‪ ،‬انظر احمد حسين السميماني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 213‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 217‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر القديمة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪56‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫القوات العسكرية‪ ،‬قوة عسكرية منظمة عمى الطريقة الرومانية المكونة من المشاة والفرسان وقوة‬
‫غير منظمة معتمدة عمى حرب العصابات ىددت وجودىم في المنطقة ودفعتيم إلى تعبئة كل‬
‫قواتيم‪ . 1‬عبر ارسال حمالت فتتابع وصول القادة العسكريين لبالد المغرب الواحد بعد‬
‫اآلخر ‪:‬‬
‫‪/1‬حممة البروقنصل فوريوس كامميوس ‪.Furues Camilus‬سنة ‪ 17‬م‪.‬‬
‫‪/ 2‬حممة أبريونوس‪ Apronius‬سنة ‪ 20‬م‪.‬‬
‫‪/3‬حممة يونيوس‪-‬بميسوس‪ 20 Junnues Blaesus‬م‪.‬‬
‫‪ /4‬حممة دوالبيال ‪ 24 -23 Cornelius Delabella‬م‪.2‬‬
‫طانية‪.‬‬ ‫وبينما كان تكفريناس في شرق سور الغزالن الحالية ‪.‬فجاءتو قوات رومانية موري‬
‫‪23‬م‪ .‬لتخمد بذلك ثورتو ‪.‬‬ ‫فدافع تاكفريناس دفاع األبطال حتى سقط في ميدان القتال عام‬
‫وتندلع ثورات أخرى لمتخمص من االحتالل الروماني ‪.3‬‬

‫‪ )4‬ثورة إيدمون ‪:Aedemon‬‬


‫عمت االضطرابات المممكة الموريطانية في عيد اإلمبراطور كاليقوال ‪ Caligula‬بعد‬
‫مقتل بطميموس ‪ 41‬م فتجمع الثائرون بقيادة إيدمون‪ ،‬بعد أن ضمت روما موريطانيا واستعدادا‬
‫ليذه المواجيات أرسمت روما فرق نحو سواحل موريطانيا‪ ،‬ونزلت ىذه القوات في طنجة‬
‫وليكسوس ‪.‬موريطانيا الغربية و( يول شرشال) و ( كنتاري تنس) بموريطانيا الشرقية‪ ،‬وتوجيت‬
‫ىذه الجيوش بعد اإلنزال نحو الداخل في منطقة فوليكيس في موريطانيا الغربية وسيل الشمف‬
‫في موريطانيا الشرقية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد فوكو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر القديمة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪57‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫حيث تمكن إيدمون من استنياض كل القبائل المورية والنوميدية‪ ،‬وشممت ىذه االنتفاضة‬
‫كل األراضي الموريطانية وامتدت لألراضي النوميدية‪ .1‬بعد أن امتنعت القبائل البربرية عن‬
‫تقديم القمح والمؤن لمجيش الروماني حيث تركزت العمميات العسكرية في سيل الشمف‪ ،‬وتمكن‬
‫إيدمون من احتالل مدن السيل السفمي وتوسعت ىذه الثورة حتى وادي تافنة ومنطقة وليمي‬
‫بالمغرب األقصى حاليا ‪ .‬استمرت ىذه الثورة أكثر من عامين‪ ،‬وتمكن الرومان من القضاء‬
‫عمييا بعد أن تخمت عنو قبائل وليمي والتي أعمنت مدينتيم مدينة رومانية سنة ‪ 44‬م ‪. 2‬‬

‫‪ )5‬ثورة سيسغا ‪ 253 Sisga‬م – ‪ 255‬م ‪:‬‬


‫قامت ثورة سيسغا خالل حكم االمبراطور فالريانوس‪ ،‬في سنة ‪ 253‬م اندلعت مقاومة‬
‫عنيفة في كل إفريقيا‪ ،‬التي أخبرنا عنيا القديس كبريانوس من خالل رسائمو التي بعثيا‪ ،‬لجميع‬
‫الكنائس آنذاك لجمع أموال الفدية إلطالق صراح الرىائن المسيحيات لدى الثوار كما سخرت‬
‫روما إمكانيات عسكرية كبيرة لمقضاء عمى ىذه الثورة‪ ،‬وقد كمفت حاكم موريطاتيا القيصرية‬
‫بمالحقة الثوار وعززتو بفرق عسكرية أجنبية‪ ،‬كما تم استدعاء الفرقة المرابطة في مدينة تنس‬
‫منذ سنة ‪ 238‬م ‪ .‬ورغم كل ىذه التعزيزات فإن الثوار بقيادة سيسغا ‪ .Sisga‬تمكنوا من‬
‫محاصرة مدينة الشمف وتدميرىا سنة ‪ 253‬م ‪ .‬نستنتج من خالل ذلك أن روما رمت بكل ثقميا‬
‫بعد أن امتد لييب الثورة من موريطانيا إلى نوميديا‪ ،‬وأن العديد من القبائل شاركت فييا‪ ،‬كما‬
‫أبرزت ىذه الثورة رفض األىالي لالستعمار الروماني‪ ،‬وفشل سياسة الرومنة التي بقيت سطحية‬
‫ومنحصرة في فئة قميمة منيم‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد فوكو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪16‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد فوكو ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪17‬‬
‫‪ ،‬ص ‪18‬‬ ‫المرجع نفسو‬ ‫‪3‬‬

‫‪58‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫‪ )6‬مقاومة فيرموس ‪ firmianeus‬و جيمدون ‪ 395-372 .Gildon‬م‬


‫وجد الدوناتيون في فيرموس قائدا يخمصيم من الرومان‪ ،‬فساندوه حتى عرفوا بالفيرمانتيين‬
‫‪ . Firmianeus‬وقد أعمن رجال الكنيسة الدوناتية في موريتانيا القيصرية‪ ،‬والءىم لفيرموس‪،‬‬
‫وسرعان ما انتشرت الثورة في المنطقة ‪،‬ابتداءا من سنة‪ 372 1‬م‪ ،‬فأرسل اإلمبراطور‬
‫فالنتيانوس‪ ،‬حممة عسكرية إلى موريتانيا‪ ،‬بقيادة الكونت تيودوز ‪. Theodose‬الذي نظم خمسة‬
‫مركز عسكريا ىاما‬
‫ا‬ ‫حمالت عسكرية متتالية‪ .‬عمى مختمف مناطق موريطانيا‪ ،‬حيث أقام‬
‫‪،‬وجمع حولو قوة كبيرة من الجيش النظامي‪ ،‬والمرتزقة والفرق المساعدة‪ ،‬ورغم ذلك استطاع‬
‫فيرموس حرق مدينة شرشال‪ ،‬و (إيكوزيوم الجزائر)‪ .‬وبعد مطاردة تيودوز لمثوار واقدامو عمى‬
‫وبيع األسرى لممرتزقة‪ ،‬نقل فيرموس ثورتو نحو‬ ‫االنتقام من األىالي و األسر و الحرق‬
‫الونشريس وزكار والبميدة‪ ،‬ممقنا الرومان درسا في التضحية‪ ،‬بعد أن فقد كل ممتمكاتو وعائمتو‬
‫إلى أن قتل في إحدى المعارك سنة‪ 375‬م ‪ .‬ان ثورة فيرموس انتشرت بشكل واسع في‬
‫‪2‬‬
‫وتحولت إلى ثورة شاممة اتحدت فييا معظم القبائل المورية‬ ‫موريطانيا القيصرية ونوميديا‪.‬‬
‫والنوميدية بقيادة" فيرموس" وتمكنت ىذه الثورة من إلحاق خسائر معتبرة بالرومان في األرواح‬
‫والمحاصيل الزراعية‪ ،‬وبسبب الخيانة وسياسة ( فرق تسد) ‪،‬التي اعتمدىا الرومان في مثل ىذه‬
‫الظروف انتحر فيرموس وبذلك تنتيي ىذه الممحمة‪ ،‬وقبيل نياية القرن اندلعت ممحمة أخرى‬
‫عمى منوال فيرموس بقيادة أخيو جيمدون ‪.Gildon3‬‬
‫نهاية االحتالل الروماني ‪:‬‬ ‫‪.IV‬‬
‫بعد صراعات المذىب الدوناتي مع السمطة الرومانية ‪ .‬انتشرت بذور الثورة في كل بالد‬
‫المغرب ‪.‬وكان النظام االستعماري الروماني أكبر سبب لحركة العصيان ‪ .‬انيزم الدوناتيون في‬
‫عدة مواقع أمام الج يش الروماني ‪.‬وكان الوالي العام الروماني يومئذ يدعى الكونت يونيفاس ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد فوكو ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.18‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪. 193‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد فوكو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪59‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وىو متزوج من إمراة وندالية ‪.‬قد خشي عزلو من طرف سمطة روما ‪.‬فأعمن عصيانو و انفصالو‬
‫عنيا عام ‪429‬م ‪.‬واستقدم الوندال الجرمانين المستقرين بإسبانيا ‪.‬حيث زحفوا عمى إفريقيا عام‬
‫‪ .‬وىكذا انتيى االحتالل‬ ‫‪429‬م ‪.‬بعد أن اتفق مع الوندال ليتركوا لو االحتفاظ بمممكة إفريقيا‬
‫‪1‬‬
‫الروماني لمبالد الذي استمر قرابة ستة قرون ‪.‬‬

‫من خالل لمؤلفات ‪ ،‬نالحظ انو تم تسميط الضوء عمى المواضيع التي تتعمق ب الفترة‬
‫الفنيقية والقرطاجية‪ .‬و الفترة التي تتعمق بروما ‪ ،‬وعالقتيا بشمال افريقاي‪ ،‬خصوصا الفترة الممتدة‬
‫من الحروب البونية ‪ ،‬لغاية االحتالل الوندالي للبالد المغرب القديم ‪ .‬وباالخص الجزء الشرقي‬
‫منو أي نوميديا ‪ ،‬بشقييا الشرقي والغربي ‪ .‬وكذلك افريقيا البروقصمية‪ ،‬وىي المراحل التاريخية‬
‫التي تم تناولتيا العديد من الدراسات المحمية بشيء من التفصيل‪.‬‬
‫اما الجانب الغربي من بالد المغرب ؛ أي موريطانيا تحديدا ‪ .‬فالتفاصيل بالنسبة لياتو‬
‫الفترة تكاد تكون نادرة ‪ ،‬او شحيحة ان صح التعبير‪ ،‬وىي الفترات التي لم يتم التركيز عمييا‬
‫من طرف المؤرخين ‪ .‬لذلك توجد فجوات او ثغرات خالل ىا ‪.‬من قبل الحروب البونية ولغاية‬
‫تقسيم موريطانيا لمطنجية وقيصرية ‪،‬فكل ماتطرق اليو الباحثون ىو ماتعمق بروما بطريقة‬
‫مباشرة او غير مباشرة ‪.‬اما الشأن الداخمي ‪،‬و مايتعمق بتنظيمات المممكة ‪،‬فيكاد يكون غامضا‬
‫او مبني عمى فرضيات فقط ‪ .‬بدليل تناقض بعض التواريخ المعممية في تاريخ المنطقة ‪.‬او عدم‬
‫تطابقيا في معظم االحيان بتعبير ادق ‪ .‬حيث انيا تفتقر الى الدقة والقطعية ‪.‬‬
‫َّ‬
‫وركزوا في ذلك عمى فترات احتالل بالد المغرب القديم ‪ ،‬وليس التاريخ العام لبالد المغرب مع‬
‫اىتمام خاص‪ ،‬العتبارات معروفة‪ ،‬بالفترة الرومانية‪.‬ومما يعاب عمييم عدم إعادة كتابة ىذا‬
‫التاريخ وتفكيك افتراضاتو بنظرة إبداعية ومحايدة ليس من زاوية تقديم حقائق جديدة فحسب‬
‫ولكن أيضا بإعادة قراءة األحداث "المعروفة" برؤية محمية أصيمة مغايرة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪60‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أن مؤلف المؤرخ الجزائري مبارك الميمي بعنوان "تاريخ الجزائر" مثال قد اعتمد عمى ترجمة‬
‫كتابات المؤرخ الفرنسي جسال )‪ (Gsell‬وكرر افتراضات ىذا األخير من أن دراسة تاريخ البربر‬
‫يتم من خالل تاريخ األمم األخرى التي سيطرت عمى المنطقة‪ .‬وتضمن مؤلف الميمي ابتكا ار‬
‫جديدا يتمثل في تقسيم تاريخ الجزائر إلى فترتين‪ :‬ما قبل وما بعد "االحتالل العربي‪ "،‬وىو‬
‫يستعمل تعبير "االحتالل" عمى النحو الذي نجده في كتابات المؤرخين الفرنسيين‪ ،‬بينما الحقيقة‬
‫التاريخية تتطمب استخدام تعبير الفتح "االسالمي" عمى اعتبار أن مكون اإلسالم كان األساس‬
‫قره المؤرخون الفرنسيون من أن البربر‬
‫في ىذا الفتح‪ .‬ويصل الميمي تقريبا إلى نفس الزعم الذي ُي َّ‬
‫لم يكونوا قادرين عمى تكوين سمطة مركزية والتوحد في دولة مستقمة خالل تمك العصور‪،‬‬
‫ويضيف أن البربر تعودوا خالل ىذا التاريخ عمى عدم التوحد والفوضى‪.‬‬

‫أما المؤرخ الجزائري اآلخر محمد الصغير غانم الذي عادة ما يطوع التاريخ لمفكر القومي‬
‫‪ ،‬فقد ركز عمى مرحمة الفنيقيين َّ‬
‫وبين أن المرحمة الفنيقية ليست باحتالل مثمما تذىب إليو‬
‫الروايات االخرى وانما الفنيقيون مع المحميين تحت سمطة الحضارة القرطاجية مثل غيرىم من‬
‫البربر انضموا لمفنيقيين بمحض إرادتيم‪ ،‬وكان ليؤالء الفنيقيين االستقاللية والحرية في اتخاذ‬
‫الق اررات بالمنطقة‪ .‬ويضيف الدكتور غانم أن الوجود الفنيقي حمى المنطقة لمدة قرون من‬
‫اليجمات والتحرشات الغربية المستمرة عمى طول سواحل الشمال االفريقي‪.‬‬
‫إن ىذه الطريقة ليست خاصة بالمؤرخين المغاربة‪ ،‬لقد سبق أن اتبعت في الشرق ولكن من‬
‫غير إفراط ال في الكم وال في الكيف‪ ،‬فتاريخ االستاذ محمد العربي العقون مثال ليس إال نسخة‬
‫مشذبة من تاريخ ستيفن قزال ‪،‬حيث يتناولو من زاوية فرنسية بحت‪ ،‬واالطالع عمى ما في نسخ‬
‫ىذه الكتابات المتتالية‪ ،‬مع الفروقات البسيطة في الصياغة والمضمون وىكذا ظل المؤرخ‬
‫الالحق يجتر خالصات المؤرخ السابق دون نقد أو تمحيص‪ ،‬و ىو األمر الذي أعطانا ركاما‬
‫ىائال من الدراسات ذات العناوين المختمفة والمضامين المتشابية نسبيا‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫بالد المغرب من بداية االحتالل الروماني الى ظهىر الىندال‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كما يمكن وصف البحث التاريخي خالل ىذه الفترة بالعشوائي‪ .‬وىو أمر ال يرجع إلى تعدد‬
‫شعب التاريخ وطول أمد الفترة المدروسة‪ ،‬بل ىو موجود بسبب التراكم المعرفي الغير ممنيج‬
‫ومنظم‪.‬‬

‫أمام ىذا الوضع‪ ،‬و بداية التراجع تتضح ىذه اليشاشة في غياب بنيات لمبحث تؤطر الباحثين‪،‬‬
‫واىمال شبو تام المغات األوروبية االخرى غير الفرنسية ‪ ،‬إضافة إلى ضعف المتابعة النقدية‬
‫لألعمال المنجزة‪.‬‬

‫كما يمكن القول بيذا الصدد ما اورده المؤرخ ابن خمدون في المقدمة‪ ،‬وىو أن التاريخ ال يستقيم‬
‫إال باالحتكاك بـ”المعارف متسعة الفضاء” و”النظر بعين االنتقاد ال بعين االرتضاء”‪ ،‬وأن‬
‫“الكتابة صناعة من بين الصنائع”‪ ،‬مع ما تقتضيو من ممكة وسعة اطالع ‪.‬‬

‫والجدير بالذكر ان مرحمة العصر االمبراطوري الروماني ؛ بحاجة لمدراسة والتحميل بشكل‬
‫‪.‬مقارنة بالفترات التي‬ ‫اشمل؛ فيي الفترة التي لم تحض بالقدر الكافي من اىتمام المؤرخين‬
‫سبقتيا كالعصر الجميوري ‪،‬وعالقتو ببالد المغرب القديم مثال ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫اإلحتالل الوندالي و البيزنطي لبالد الم غرب‬

‫(‪429‬م ‪647-‬م)‬

‫المبحث االول اإلحتالل الوندالي‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬اإلحتالل البيزنطي‬


‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫االحتالل الوندالى‪:‬‬ ‫‪.I‬‬

‫‪ )1‬أصول الوندال‪:‬‬

‫ترجع أصول الوندال إلى إحد ى شعوب القوط الذين أقاموا في القرن ‪ 3‬ق م عمى شواطئ‬
‫البمطيق ثم إنتشروا في جرمانية وتعددت شعوبيم فكان منيم السويف واآلالن و البرغند و‬
‫الوندال‪ .‬وفي النصف الثاني من القرن الثالث الميالدي تغمبوا عمى بالد مقدونيا وبالد اإلغريق‬
‫‪1‬‬
‫بعضيم جنوبو ويسمون القوط الشرقيون وبعضيم شمالو‬ ‫وانتشروا عمى ضفاف نير الدانوب‬
‫ويسمون القوط الغربيون‪ .‬واستقروا في إسبانيا سنة ‪ 409‬م ثم اتجيت أنظارىا إلى بالد المغرب‬
‫الحتالليا‪.2‬‬

‫‪ )2‬أوضاع بالد المغرب قبيل اإلحتالل الوندالى‪:‬‬

‫كانت مناطق شمال إفريقيا قبيل اإلحتالل الوندالى ‪،‬تحت سيطرة الرومان‪ .‬غير أن‬
‫ىذه السيطرة لم تكن محكمة ‪،‬لرفض سكان المغرب لإلحتالل الروماني‪ .‬وما يدل عمى ذالك‬
‫حمالت المغاربة المتكررة‪ ،‬نتيجة وجود بعض الجيات ظمت محافظة عمى استقالليا ‪،‬وسط‬
‫الحكومة الرومانية مثل جبال األوراس‪ ،‬و جرجرة ‪،‬و الونشريس ‪،‬وقد كانت ىذه الجيات مادة‬
‫ي ‪ .‬وقد كانت روما ميتمة بيذه المستعمرات وال تريد تضيعيا‪ ،‬ألنيا‬
‫تمقيح الحركة اإلستقاللة‬
‫كانت تنتج قد ار وفي ار من المنتوجات الغذائية‪ ،‬وخاصة القمح ‪.‬و تصدر سنويا كميات كبيرة‬
‫إلى روما‪ .‬إال ان ذالك الضعف الذي أصاب روما أدى إلى إنشقاق كبير بينيا وبين‬
‫مستعمرات شمال إفريقيا‪ .‬وبعد ان مات أونريوس سنة ‪ 423‬م‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪2‬محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.195‬‬

‫‪64‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪ Valentinien III‬إبن جاال بال كيديا ‪ .2‬وكانت جيوشيا‬ ‫‪1‬‬


‫خمفو في النياية فالنيتان الثالث‬
‫‪ ، Bonniface‬وىذا االخير كان يبذل جيده لئال تتمرد‬ ‫تحت إمرة أيتيوس و بونيفاس‬
‫إفريقية عمى اإلمبرطورية الشرعية ؛( اإلمبرطورية الرومانية) ‪،‬التي حققت عمى البربر‬
‫إنتصارات عسكرية ‪ .‬مما أدى إلى إنتشار صيتو وىو ما أدى الى غيرة منافسو القائد العام‬
‫أيتيوس الذي روج لبالكيديا ‪ 3‬أن بونيفاس ‪ ،‬يريد اإلستقالل بإفريقية ‪،‬وطمب منيا أن تدعوه‬
‫‪،‬أن الممكة تريد قتمو لذالك لم يحضر إلى الممكة‬ ‫‪،‬ومن جية أخرى أرسل الى بونيفاس‬
‫‪،‬فعزلتو سنة ‪427‬م فرفض عزلو وىو ما أدى الى نشوب معارك بينيما‪ .‬وقد ىزم بونيفاس‬
‫الجيوش التي أوفد ىا فيميكيس لمقاومتو ‪،‬ولكن الجيش الذي كان يقوده كونت إفريقيا‬
‫سجسفولت ‪.4‬وىو من القوط‪ ،‬إستولي في ما يبدوا عمى (بونة عنابة) و قرطاج في أوائل‬
‫سنة ‪428‬م ‪ .‬فأصبح بذالك وضع المتمرد بونيفاس خطير‪ .‬وىوا ما أدى إلى إستنجاده‬
‫بالوندال‪ .‬ثم قبل الممك الوندالى جنسريق ‪ Geniséric‬ىذه الدعوة ولم يترك ىذه الفرصة‬
‫‪5‬‬
‫تفوتو وجيز حممة عبر بيا مضيق جبل طارق ‪.‬‬

‫‪ )3‬أسباب االحتالل الوندالي‪:‬‬

‫لم يكن إحتالل الوندال لبالد شمال إفريقيا أمر مفاجئا بل تجمعت لو عدة أسباب منيا ‪:‬‬

‫أن الوندال شعبة من القوط ‪ ،‬أمة شديدة البأس صعبة المراس ‪ .‬وىو ما تميز بو قوم الوندال‬
‫ويدل عمى ذلك صياغة تاريخيم واتحادىم في األخالق حتى أطمق الرومان عمىيم إسم‬
‫المتوحشين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فالنيتان الثالث الذي كان في الرابعة من عمره وىو إبن جاال بال كيديا فحكمت بال كيديا خمسة وعشرون سنة بسم إبنيا ‪،‬‬
‫انظر ‪ :‬شارل اندريو جوليان‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪3‬‬
‫جوزيف نسيم يوسف ‪ ،‬تاريخ الدولة البزنطية ‪ ، 1453-284‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬مصر ‪ ، 2005،‬ص ‪.79‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪5‬‬
‫المرجع نفسو ص ‪.234‬‬

‫‪65‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪ -‬كان سكان إفريقيا يحتفظون بقدر وفير من المواد الغذائية وخاصة القمح فاستحقت‬
‫إفريقيا ان تكون المخزن العالمي لمحبوب‪ .‬و أصبح الوندال أسيادا عمى معظم تراب‬
‫أسبانيا في العشرينات من القرن ‪5‬م ‪.‬قام ممكيم جنسريق ‪ ،‬بإكمال ميمة أخيو عندريق‬
‫أعظم قواد ورجال الدولة الجرمانية في القرن‬ ‫لتنظيم حممة عمى إفريقيا وكان جنسريق‬
‫‪5‬م‪ .‬وما كان لرجل عمى ىذا القدر من البراعة أن يجيل ما كانت تتخبط فيو إفريقيا من‬
‫‪1‬‬
‫فوضي‪.‬‬
‫خاصة ما آلت اليو اإلمبراطورية الرومانية ‪.‬فضعف السمطة المركزية لروما الذي ظير‬ ‫‪-‬‬
‫في جوانب مختمفة لإلمبراطورية ‪ ،‬و ضعف الجيش وعجزىم عمى حماية المناطق‬
‫البعيدة التي تسيطر عمىيا‪ ،‬وىذه الحالة من الفساد مست العالقة بينيا وبين مستعمراتيا‪.‬‬
‫وشمال إفريقيا من أحد ىذه المستعمرات التي أنتجتيا ىذه الفوضى وتمرد بونفياس عمى‬
‫اإلمبراطورية سنة ‪427‬م ‪ .‬ودخمت في حرب بينيما أدت إلى استدعائو ‪ .‬فصادف ذلك‬
‫رغبة الوندال ولبوا مسرعين‪ .‬وعالوة عمى تمرد بونيفاس ‪،‬كانت الثورات البربرية متزامنة‬
‫‪،‬و إنتفاضات األقوام التي أرىقتيا ضرائب اإلمبراطورية وارىاب الدوناتيين ‪،‬الذين كانو‬
‫انتياز فرصة‬ ‫يغتنمون جميع الفرص ليعبرو عن سخطيم إزاء السمطة المركزية‪ .‬و‬
‫ضعف السمطة الرومانية؛ بسبب اشتداد المقاومة المغربية ومحاولة بونيفاس ؛والى‬
‫إفريقيا الرومانية‪ ،‬االنفصال عن روما و االستعانة بالوندال‪.2‬‬
‫‪ -‬كانت إفريقيا بأكمميا عمى غرار حكميا‪ ،‬تتوق إلى اإلستقالل ‪.‬ومن الطبيعي أن يتوقع‬
‫من تحدثو نفسو باإلغارة عمى ىذه البمد‪ .‬بمقاومة ضعيفة ومساعدات ثمينة ولم يترك‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪196.‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.195‬‬

‫‪66‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫الفرصة تفوتو ‪،‬وأنتقل بجيوشو إلى إفريقيا فقد إنطمق من مضيق جبل‬ ‫جنسريق‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫طارق في ماي سنة‪429‬م ‪ .‬و إلتحق بالسواحل اإلفريقية من جية طنجة وسبتة‪.‬‬
‫‪ -‬رغبة الوندال في الوصول إلى روما عن طريق أقصى بالد المغرب بعدما فشموا في‬
‫اقتحاميا عن طريق روما ‪ .‬ورغبتيم في االستيالء عمى الثروات المغاربية‪ .‬فمجميع ىذه‬
‫األسباب احتل الوندال بالد المغرب بطريقة وحشية استعمموىا لمتغمغل واالستيالء عمى‬
‫األراضي‪.3‬‬

‫‪ )4‬سياسة الوندال في بسط سيادتهم عمى البالد‪:‬‬

‫عبر جنسريق مضيق جبل طارق إلى الضفة المقابمة ليا من شمال غرب إفريقيا في‬
‫‪80‬ألف نسمة‬ ‫‪429‬م ‪ .‬مصحوبا بالوندال واألالن والقوط القاطنين بإسبانيا أي مايقارب من‬
‫منيم ‪15‬ألف جندي ‪ - 4‬بالنسبة لتعداد الوندال وجنودىم فقط اتفق المؤرخين المغاربة عمى ىذا‬
‫‪ Procopious‬الذي عاصر‬ ‫العدد النيم اعتمدوا عمى ماذكره المؤرخ البزنطي بوركوبيوس‬
‫عصر جيستنيان ‪ ،Justinien‬و قد يعود ذلك النو من القمة الذين اىتموا بتاريخ الوندال وأرخوا‬
‫ليم ‪ . -‬وأثناء زحفيم داخل البالد تبع ذلك أعمال فظيعة ؛من عبث باألشجار ‪ ،‬والمزروعات‬
‫‪،‬وحرق الكنائس ‪،‬وامعان في تعذيب القساوسة ‪،‬ورجال الكنيسة ‪،‬وتقتيل الشيوخ واألطفال‪ ،‬وىوا‬
‫ما يدل عمى نية الوندال الغازية‪.5‬‬

‫سعى القديس أوغسطين ‪ Augustine‬إلى الصمح بين بونفياس ‪،‬والحكومة الرومانية بروما‪.‬‬
‫فطمب بونفياس ‪،‬بعد أن أعادتو روما إلى واليتو من الوندال؛ الرحيل عن إفريقيا ‪،‬فقابمو الوندال‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 238‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصالح العود ‪ ،‬التحوالت الحضارية في شمال إفريقيا في الفترة الوندالىة‪ 429- 534 ،‬م‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شيادة‬
‫الماجستير في التاريخ القديم‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة ‪ ، 2010 ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.239‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.196‬‬

‫‪67‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫بالرفض‪ ،‬فقد توغل جنسريق في نوميديا ‪.‬ولم يجد مقاومة تصده ولم يكن في مقدور‬
‫اإلمبرطورية أن تقف في وجيو ‪.‬وعندىا قررت بالكيديا العفو عن بونفياس ‪.‬ثم أعتصم (بعنابة‬
‫ىبيون )‪ .‬وحاصره جنسريق‪ .‬حتى توفي أوغسطين أثناء ذالك الحصار بعد ثالثة أو أربعة أشير‬
‫في سنة ‪430‬م‪ ،‬ثم زحف الوندال عمى بقية البالد دون مقاومة ماعدا مدينة كيرتا و قرطاج التي‬
‫‪1‬‬
‫لم يحاول اقتحميا عنوة لقمة خبرتو في اإلستالء عمى المدن‪.‬‬

‫لنجدة‬ ‫وفي سنة ‪ 431‬م ‪.‬نزل بقرطاج جيش من القسطنطينية ‪ ،‬بقيادة أسبار ‪Aspar‬‬
‫البالد من الوندال ‪.‬وأنضم إلى جيش بونفياس ‪ ،‬ولكنيما إنيزما معا في نفس السنة‪ .‬ثم التجأ‬
‫الرومان إلى الحمول السياسية والدبموماسية ‪،‬بعد استعمال المجابية بالقوة ‪،‬ولكن ىا حالت دون‬
‫‪ 435‬أبرمت " اتفاقية ىبيون " ‪،‬والتي من بنودىا إعطاء حق‬ ‫ذالك أمام الوندال ففي سنة‬
‫االستقرار بنوميديا لمرومان مطمئنين غير أن جنسريق لم يكن يعتبر تمك المعاىدة إال ىدنة‬
‫‪ 439‬عندما حاصر مدينة‬ ‫تمكنو من االستعداد لمواصمة ىجوماتو ‪،‬وىو ما حصل في سنة‬
‫بين الطرفين سنة‬ ‫قرطاجة‪ ،‬إ ستولي عمىيا بدون أن يصادف أي مقاومة ‪.‬ثم وقع عقد صمح‬
‫‪442‬م‪ .‬لكن جنسريق لم يحترم ىذه اإلتفاقية ‪ .‬أيضا بل إستعممو ا كوسيمة لموصول الى غايتو‪،‬‬
‫ولم يقف عند إفريقيا ‪.‬بل إستولي عمى طرابمس ‪ ،‬وعمى جزر بحر المتوسط ‪ ،‬وفي بداية النصف‬
‫الثاني من القرن ‪5‬م ‪،‬إحتل موريطانيا الطنجية ‪ ،‬والقيصرية ‪ ،‬وأصبح جنسريق في الظاىر عمى‬
‫األقل سيدا إفريقيا من أقصاىا إلى أقصاىا ‪ .‬إال أن ىذه المقاطعات األخيرة لم يكن يحكميا حكم‬
‫‪2‬‬
‫مباشر ‪.‬وكذالك نوميديا فيي أشبو بالمستقمة‪.‬‬

‫تميز بالخشونة و منيا م ا كان‬ ‫لقد كانت معاممة الوندال ألىل البالد متفاوتة منيا ما‬
‫معاممة لينة‪ .‬و ىذا االختالف في التعامل كان نتيجة اإلختالف في الدين وطبيعة التركيبة‬

‫‪1‬‬
‫محمد محي الدين المشرفي ‪ ،‬افريقيا الشمالىة في العصر القديم ‪ ،‬دار الكتب العربية ‪ ،‬ط ‪ ، 04‬لبنان ‪،‬ص‪.133‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ص ‪.134‬‬

‫‪68‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫السكانية ومزاج وتصرفات مموك الوندال‪ ،‬ورغم ما يتصف بو الوندال من ىمجية إال أنيم إلتجؤ‬
‫‪1‬‬
‫إلى المكر والحيمة في كثير من األحيان‪.‬‬

‫لقد إفتك الوندال جميع األراضي والمزارع الخصبة والبنايات التي كانت لرومان وأبيد‬
‫األغنياء والطبقة االرستقراطية من الرومانيين وأقتسمواىا بينيم وجعموا يستغمونيا مع إعفا ئىم من‬
‫الضرائب التي كانت تثقل كاىن أبناء البالد وحدىم ‪ ،‬وقد ىدم الوندال ما خمفو الرومان من‬
‫حصون وقالع وأسوار خشية من أن يستعمميا الثوار والمتمردون من المحميين‪ ،‬كأم اكن يمتجؤن‬
‫الييا‪ .‬وكان الوندال متمسكين ‪،‬بمذىب األريوسية ؛ وىو مغاير لمذىب الكاثوليك ‪ .‬الذي تتبعو‬
‫؛الكاثوليك بإفريقيا ‪ ،‬ويقبضون عمى رىبانيم‬ ‫كنيسة روما‪ .‬لذاك كانوا يضطيدون رجال الدين‬
‫‪،‬ويصادرون أمواليم ‪ ،‬وييدمون كنائسيم ‪،‬أما معاممتيم لسكان البالد فقد كانت لينة فييا شيء‬
‫‪2‬‬
‫من المطف والمجاممة ‪.‬اآلمر الذي أستمال قموبيم و نفوسيم بالشعور بالكرامة وبالعزة القومية‪.‬‬

‫لقد كان الوندال يحاولون اإلبتعاد عن الفتن ؛ خاصة منيا الداخمية ‪ ،‬و إجتناب التصادم‬
‫منوا أىميا عمى حقوقيم و‬ ‫مع السكان األصميين ‪.‬ولذاك فما كادوا يستقرون في البالد حتى أ‬
‫ساسوىم برفق‪ .‬ومن الوسائل التي إلتجأ الييا جنسريق ‪،‬التخمص من تمك الفتن التي قد تنشأ‬
‫داخل البالد ‪ ،‬وىي أعمال القرصنة ‪،‬و المصوصية ‪ .‬فتمك العصابات المسمحة ‪،‬والمتمردة من‬
‫اإلفريقيين قام بإشراكيم في شن الغارات عمى السواحل األوروبية عمى البحر المتوسط و نيبيا ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ثم تقتسم تمك الغنائم معيم بمدينة قرطاج ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.245‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصالح العود ‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.54‬‬

‫‪69‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪477‬م‪ .‬ظيرت بعض الفتن وتمرد‬ ‫إال أن ىذا الحال لم يدم طويال فبعد موت جنسريق‬
‫‪،‬التي كان‬ ‫السكان األصميين ‪ ،‬إضافة إلى ذلك ؛ المشاكل الناتجة عن إضطياد الكاثوليك‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الوندال يعتبرونيم دعاة لمرومان المتعصبين في الكنيسة‬

‫‪،‬‬ ‫اىتم الوندال بالجانب االقتصادي ‪.‬فإلى جانب القرصنة والموصوصية التي إستعمميا‬
‫‪.‬إضافة إلى ىدف سياسي ؛ وىو صرف أنظار‬ ‫خاصة الممك جنسريق إلثراء خزينة الدولة‬
‫المتمردين من السكان ‪ ،‬عمى ىذه األعمال ‪ ،‬وتقسيم الغنائم معيم ‪ ،‬و إىتم بالزراعة ‪ .‬فإن‬
‫جنسريق إفتك من أفراد األرستقراطية الرومانية ‪ ،‬سواء كانوا من النبالء‪ ،‬أو من رجال الدين ‪،‬‬
‫األراضي الزراعية‪ ،‬وقسميا عمى النبالء من الوندال‪ .‬إال أن ىناك تجاوزات في حقوق السكان‬
‫بحيث ان ؛ أصحاب االرض ( المالكين الصغار) ‪ ،‬من األفارقة ظموا يعممون في أمالكيم ‪،‬‬
‫ولكن تغيرت مكانتيم من مالكيين إلى عبيد‪ .‬وفرض ضرائب ثقيمة عمى المغاربة الذين امتمكوا‬
‫األراضي األقل خصوبة‪ .‬ومن وحشية الوندال أنيم حاربوا واضطيدوا رجال الدين المخالفين ليم‬
‫في المذىب فأغمقوا الكنائس واستولوا عمى كنوزىا‪.‬من بين المذاىب التي اضطيدىا الوندال‬
‫‪2‬‬
‫المذىب الكاثوليكي‪".‬‬

‫‪ )5‬الوضع العام في مناطق النفوذ الوندالى‪:‬‬


‫اختار ممك الوندال من بين سكان إفريقيا أكثرىم وأعظميم شأنا‪ ،‬فانتزع أمالكيم وكبميم‬
‫بسالسل العبودية‪ ،‬ثم جرد األفارقة من أخصب أراضييم وأوسعيا فوزعيا عمى الوندال‪ ،‬وقد‬
‫سميت ىذه األمالك باسم قطع الوندال‪ ،‬ولم يمبث المالكون القدامى أن تدحرجوا إلى أحط‬
‫دركات البؤس ‪.‬ولكنيم احتفظوا بحريتيم وأمكنيم أن يستقروا حيثما شاؤوا ‪.‬وأعفى جنسريق‬

‫‪1‬‬
‫محمد محي الدين المشرفي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 140‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.240‬‬

‫‪70‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫الوندال من الضرائب عمى األراضي التي يممكونيا وأبقى ألىل البالد جميع األراضي التي‬
‫اعتبرىا ضعيفة اإلنتاج‪ ،‬ولكنو أثقل كاىميم بالضرائب‪( 1.‬انظر الشكل ‪)8‬‬

‫من الناحية اإلدارية ‪ ،‬احتفظ الوندال بنظام الرومان اإلداري‪ ،‬وحتى بالموظفين الرومان‬
‫الذين واصموا مياميم باسم الممك الوندالى‪ .‬أما من الناحية العسكرية‪ ،‬فمم يكن ليم جيش دائم‬
‫بل كانوا يتحولون إلى جنود في األوقات الحرجة‪ ،‬كما استعانوا بالخبرة المغربية في المالحة‬
‫‪2‬‬
‫والسفن لمعناية بأسطوليم‪ .‬قصد فرض سيطرتيم عمى البحر المتوسط و جزره ‪.‬‬

‫‪ )6‬المقاومة المغاربية وانبعاث اإلمارات المستقمة‪:‬‬

‫قامت دولة الوندال ؛ في شمال إفريقيا لفترة تناىز القرن‪ ،‬إال أن ىذا اإلحتالل لبالد إفريقيا‬
‫كان جزائيا ناقصا ‪ ،‬فالوندال قضوا عمى النفوذ الروماني بيا ولكنيم لم يبسطوا نفوذىم بدلو ‪،‬‬
‫غير ان التذمر العام إنفجر في صورة مؤامرات متعددة ‪ .‬أما االضطرابات اإلفريقية العنيفة التي‬
‫كانت تؤيد جنسريق ‪ ،‬فقد عارضت توطيد سمطتو ‪،‬وظمت ثورات سكان شمال إفريقيا والكاثوليك‬
‫أتباع دوناتوس ‪ ،‬تـزعج وتيدد حكم الزعيم بصورة مستمرة‪ .‬وفي قمب إقميم نوميديا ظمت مدينة‬
‫سرتا الداخمية محافظة عمى استقالليا بإصرار ‪ ،‬وعناد ‪،‬وتغمب جنسريق عمى ىذه الصعاب شيئا‬
‫‪،‬وفنون الحرب مرة أخر‪ ،‬لإلقامة مممكتو‬ ‫فشيئا ‪،‬بمثابرة ‪،‬وقسوة ‪،‬واستخدم فنون السمم مرة‬
‫‪3‬‬
‫اإلفريقية‪.‬‬

‫ومن فنون السمم والحيل ‪،‬إبعاد العناصر المسمحة والمتمردين اإلفريقيين ‪ ،‬إلى القائم ين‬
‫بأعمال القرصنة والمصوصية ‪ ،‬فيي مفيدة وناجحة بالنسبة لمجنسريق ‪ ،‬مادامت الفرصة‬

‫‪1‬شارل اندريو جوليان ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.324‬‬


‫‪2‬‬
‫محمد العيد يشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد محيي الدين المشرفي ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.143‬‬

‫‪71‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫موجودة ‪ .‬ولكن بمجرد إنتياء تمك القرصنة الوندالىة إنعكست الوضعية تماماا ‪ .‬فأنقمبوا بتمردىم‬
‫في البالد نفسيا‪ ،‬تدفعيم تمك الغريزة الحربية اليمجية ‪،‬وىذا ما حدث في عيد جنسريق ‪477‬م‬
‫‪،‬عن‬ ‫‪،‬أعمنت قبائل األوراس إستقالليا‬ ‫فظيرت الثورات والفتن الداخمية ‪،‬وفي ذالك الوقت‬
‫الوندال‪ .‬ولم تكتف بذلك فقط ‪،‬بل نزلت من الجبال إلى السيول المجاورة ودمرت وخربت‬
‫إستولت عمى الجيات الخصبة الكائنة غربي‬ ‫بعض المدن الرومانية مثل تمقاد وباغاي ‪ .‬و‬
‫األوراس والمتاخمة لمممكة الحضنة ‪ ،‬وكانت قبائل األوراس تخضع لممك إسمو يومناس‪ ،‬والحكم‬
‫الييا الفوضي ‪ .‬فظيرت القبيمة النوميدية القديمة‬ ‫الدكتاتوري كان النياية الطبيعية التي إنتيت‬
‫الخاضعة لحكم أمير أو قائد ‪ .‬و حمت إفريقيا الميبية ‪ ،‬وتكونت عصابات الدوناتوس تحت نفوذ‬
‫‪1‬‬
‫بعض مموكيم‪.‬‬

‫ومن ىنا قامت ثورات مغاربية عديدة تطالب بتحرير البالد في الوقت الذي نشبت فيو‬
‫خالفات بين الوندال أنفسيم عمى السمطة حيث كثرت الدسائس والمؤامرات ضد كل حاكم ‪ ،‬لقد‬
‫تبين لممغاربة أن الوندال مثل الرومان في القسوة والوحشية واإلستغالل وشممت الثورة جميع‬
‫المناطق من موريطانيا غربا إلى طرابس شرقا ‪.‬ومن ىذه الثورات والتمردات ثورة بنوميديا فقد‬
‫ذكر بعض المورخيين أن الموريين أستولوا عمى موريطانيا حيث نيبوا وقتموا الكاثوليك والوندال‬
‫معا ‪ ،‬من دون تميز كما ظير خطر زحف رجال الجمالة المنحدر ين من طرابمس يقودىم أمير‬
‫‪2‬‬
‫يدعى كاباوون ‪.‬‬

‫وكان في سدة حكم دولة الوندال أنذاك جمداريق الذي قتل األمير كاباوون‪ ،‬ثم إنتصر األمير‬
‫أنطالس بن عنفان عمى جيوش الوندال وألحق بيم خسائر جسيمة‪ ،‬وقد كانت جيوش ىذا الممك‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بيشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪.197‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الصالح العود ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.55‬‬

‫‪72‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫ت وىي قبائل جمالة معروفة‬


‫من قبائل الفراشيش وىي قبائل جبمية و أنظمت الييم قبائل لوا ة‬
‫الوندالية كانت أغمبيا حرب‬ ‫بطرابمس‪ ،‬وىذه التمردات والثورات الناجحة التي أنيكت الدولة‬
‫عصابات او عن طريق الجمال ويقول بروكوبيوس بأن الجيش الوندالي ال يحسن حرب المشاة‬
‫والقتال عمى األقدام بل كان الونداليون فرسان خيل سالحيم السيف والرمح ‪ ،‬وان منيم من ال‬
‫يعرف كيف تكون الحماسة فوق ظيور الجمال ‪.‬وقد حاولوا اليجوم مرات ولكن أفراسيم كانت‬
‫وقد نجحت ىذه الثورات‪ ،‬بفضل‬ ‫تخاف من منظر الجمال ومن رغائيا فتعود عل أعقابيا‪.‬‬
‫اإلمدادات التي وفرتيا القبائل الصحراوية كالجمال‪ .‬ومن نتائج ىذه الثورات‪:‬‬

‫‪ -1‬انحصار النفوذ الوندالى في المناطق الساحمية‪.‬‬


‫‪ -2‬تأسيس ممالك مستقمة‪ :‬مممكة األوراس‪ ،‬مممكة الحضنة‪ ،‬مممكة الطاوة‪ ،‬مممكة الجدار‪،‬‬
‫مممكة ىوارة و لواتو‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -3‬سقوط الدولة الوندالىة سنة ‪ 534‬م بعد قرن من االحتالل‪.‬‬
‫‪ )7‬أسباب سقوط الدولة الوندالىة‪:‬‬
‫كانت تركيبة المجتمع في شمال إفريقيا في عيد الوندال ‪ ،‬مابين ( ‪534-430‬م ) مكون‬
‫‪،‬‬ ‫‪ ،‬وىم الطبقة الغالبة عمى المجتمع‬ ‫‪ .‬منيا السكان األصميين‬ ‫من خميط من الشعوب‬
‫والمستوطنين من الرومان ‪ ،‬والوندال ‪،‬ومن إنتقل معيم من القوط ‪ .‬إال أن ىذه التركيبة كانت‬
‫‪ ،‬و الدين و إختالف طباع المجتمع ‪،‬‬ ‫غير متماسكة ‪ ،‬تحول بينيا عدة عوامل كالعصبية‬
‫ومزاجيم و ىو ‪ ،‬ما نتج عنو الكثير من الخالفات ‪.‬فالحضارة الرومانية لم تؤثر إال عمى قمة‬
‫قميمة جدا ‪ ،‬من المغاربة ‪ ،‬ونفس ىذا األمر استمر في عيد الوندال ‪.‬فقد قضى الوندال ‪.‬فترة‬
‫‪2‬‬
‫إحتالليم لشمال إفريقيا ‪،‬في سمسمة من الحروب‪ ،‬والثورات مع المحميين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 197‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.140‬‬

‫‪73‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫كما نجذ أيضا حالة توتر بين الوندال المتعصبين لممذىب االريوسي ‪،‬فأدى بيم ذالك إلى‬
‫ممارسة سياسة البطش عمى الكاثوليك والعناصر الرومانية والميبية المناؤئة لألريوسية ‪ ، 1‬فشكموا‬
‫كتمة معادية ومعارضة لممحتميين‪ .‬ومن العوامل العدة التي ساعدت عمى االضطرابات الداخمية‬
‫الحكم‬ ‫‪ ،‬وتدخل بعض األمراء الوندال المتعصبين في‬ ‫‪،‬ضعف الحكم والمموك بعد جنسريق‬
‫والمعارضين لسياسة التسامح الديني مع الكاثوليك بل حتي سياسة التقارب الوندالى البيزنطي‬

‫‪1‬‬
‫اآلريوسية‪ :‬نحمة جديدة ظيرت في االسكندرية وكانت مرتبطة بطبيعة المسيح ‪ .‬فالمعروف أن الكنيسة المسيحية منذ نشأتيا‬
‫تعتقد بوجود ثالثة أقانيم ‪:‬األب واالبن والروح القدس‪ ،‬وأن ىؤالء الثالثة ليسوا اال واحدا في الجوىر ‪.‬غير انو ظير في الكنيسة‬
‫من حين ألخر أناس يخالفون ىذه العقيدة‪ ،‬فكانت الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬وىي كنيسة الدولة‪ ،‬تحكم عمىيا باليرطقة وكان من جممة‬
‫ىؤالء سابيميوس) القرن الميالدي الثالث ( أسقف ليبيا الذي قال ان الموجوس ) الكممة ( ىو المسيح وانو مظير من مظاىر‬
‫الالىوت شأنو في ذلك شأن األب والروح القدس‪ ،‬منك ار بقولو ذلك التميز بين االب واالبن والروح القدس‪ ،‬وكان منيم أيضا‬
‫آريوس الذي كان عمى رأس كنيسة صغيرة في االسكندرية سنة ‪ 318‬م ‪.‬وكان آنذاك شيخا معروفا بالتصوف متمتعا باحترام‬
‫عدد كبير من االتقياء والصالحين ‪.‬وكان آريوس قد تعمم في حداثة سنو في أنطاكية بسوريا المذىب العقمي الذي يقول إن‬
‫«الكممة التي اتحدت بالمسيح ليست من نفس جوىر الرب وان المسيح ليس اال مخموقا‪ ،‬جاء من العدم‪ ،‬ال من نفس المادة‬
‫اإلليية ‪ ،‬وأنو مر عمىو وقت لم يكن موجودا‪ ،‬وأنو تبعا لذلك وبوصفو ابن اهلل ال يشارك الرب في شيء وال يشبيو في شيء ألن‬
‫اهلل ليس لو شبيو ‪ ».‬كان آريوس بذلك يرمي إلى تأكيد وحدانية اهلل وقد فاتو انو انما وضع المسيح في مرتبة ثانوية وجرده مما‬
‫اتصف بو من انو منقذ لمعالم فمحا فكرة المسيحية األساسية وىي فكرة الخالص‪ .‬واختمف آريوس عن سابيميوس في أن األخير‬
‫كان يعتقد بألوىية المسيح بينما كان آريوس يرى غير ذلك ‪.‬وأدت دعوة آريوس ىذه إلى انقسام كنيسة االسكندرية بين مؤيد‬
‫ومناىض‪ ،‬فانعقد بيا سنة ‪ 320‬م مجمع شيده نحو مائة قسيس وأسفر عن اتخاذ قرار بحرمان آريوس وعزلو كما أمر بعزل‬
‫جماعة من القسيس والشماسة الذين تمسكوا بآرائيم األريوسية ‪.‬إثر ذلك غادر أريوس مصر إلى فمسطين حيث راح يدعوا لمبدئو‬
‫مما أدى إلى اتساع الخالف حتى شمل جميع الكنائس المسيحية ‪.‬وعند ىذا الحد تدخل االمبراطور قسطنطين لتسوية النزاع‬
‫فعقد مجمعا مسكونيا في نيقية سنة ‪ 320‬م انتيى بإدانة آريوس وسجنو وبتحديد العقيدة األرثوذكسية باعتبار المسيح االبن من‬
‫نفس مادة األب أي أنو يستمد صفة األلوىية من الرب ولكن المسالة لم تنتو عند ىذا الحد فقد اضطر االمبراطور قسطنطين‬
‫فيما بعد أن يفرج عن آريوس بل وبدا يميل الىو فانبعث النزاع الديني من جديد وكان محوره مسألة« كيف تجتمع في شخص‬
‫المسيح الطبيعتان اإلليية والبشرية‪ .‬انظر ‪ :‬عبد المطيف محمد البرغوثي‪ ،‬التاريخ الميبي القديم من اقدم العصور حتى الفتح‬
‫االسالمي ‪ ،‬دار تامنغاست لمنشر ‪،‬ص ‪.341‬‬

‫‪74‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫يقي إلى بيزنطة وخاصة رجال الدين األرثوذوكس‬


‫‪،‬فأدى ببعض الفئات إلى اليجرة من شمال إفر ا‬
‫في المقطعات الشرقية واألرستقراطيين الرومان‪. 1‬‬

‫ومن األسباب أيضا أن عند وصول جميمار ‪ Gelmar‬إلى الحكم بعد قمبو لمنظام في‬
‫قسام الوندال‬ ‫‪530‬م عمى جمداريق الذي ألقي عمىو القبض وأودعو السجن أدي ذالك إلى إن‬
‫‪2‬‬
‫أنفسيم وزاد سخطيم عمى الحاكم الجديد جيممار‪.‬‬

‫كما أن دولة الوندال كانت محاطة بعدة أعداء ومؤامرات في الخارج نتيجة تعامميا السيئ‬
‫في كثير من األحيان ‪ .‬كما رأينا إستعمال سياسة التعصب الديني وأعتدائتيا المتكررة عمى‬
‫سواحل البحر األبيض المتوسط والسفن التي تتجول بو ‪ .‬واحتالل بعض المقاطعات والجزر‬
‫فنتج عنو خصومات مع الممالك الجرمانية األخري وقد عممت الدبموماسية البيزنطية بشتي‬
‫‪3‬‬
‫ويمكن حصر اسباب سقوط‬ ‫الطرق إلى زيادة تأزم العالقات بين الممالك الجرمانية االخرى‪.‬‬
‫الحكم الوندالي في شمال افريقيا فيما يمي‪:‬‬

‫‪ -‬انبعاث ممالك محمية ‪.4‬‬


‫‪ -‬الصراع عمى السمطة بين أفراد العائمة الممكية الوندالية‪.‬‬
‫‪ -‬انغماس الحكام الوندال في حياة الميو والترف‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار بيزنطة الوريث الشرعي لمدولة الرومانية في بالد المغرب‪.5‬‬
‫‪ -‬يالحظ أنو لم يكن لموندال أثر حضاري يذكر بل العكس حطموا الكثير من أثار ممن‬
‫سبقوىم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد المطيف محمد البرغوثي ‪ ،‬التاريخ الميبي القديم ‪،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.341‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد محمد مرسي الشيخ ‪ ،‬تاريخ االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬مصر ‪ ، 1994 ،‬ص‪.46‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.245‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد محمد مرسي الشيخ ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.45‬‬

‫‪75‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫االحتالل البيزنطي لبالد المغرب ‪ 647 – 533‬م‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫ان الفترة االستعمارية خالل االحتالل البيزنطي كانت األكثر أىمية لدى المؤرخين والباحثين‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫منذ زمن‬ ‫‪Justinien‬‬ ‫فقد كانت المنطقة محط أنظار اإلمبراطور البيزنطي جوستينيانوس‬
‫‪،‬في ىذه المنطقة السترجاع أمجاد‬ ‫بعيد‪ .‬حيث كان يسعى إلى إنشاء إمبراطورية عالمية‬
‫أن ذلك لم يكن‬
‫اإلمبراطورية الرومانية ‪ .‬التي كانت خمف الحممة البيزنطية عمى البالد‪ّ ،‬إال ّ‬
‫السبب الرئيسي لوقوع بالد المغرب ؛ تحت راية االحتالل البيزنطي ‪ّ .‬إنما يعزى ذلك إلى عدة‬
‫‪2‬‬
‫عوامل مؤثرة من بينيا الصراعات الدينية‪.‬‬

‫ففي عام ‪533‬م نزل األسطول البيزنطي بسواحل أفريقيا‪ ،‬حيث كان القائد البيزنطي‬
‫المسؤول عن األسطول بميزار ‪ Belisaire‬حذ اًر لمغاية‪ ،‬إذ ظير ذلك بمنعو قادتو من استخدام‬
‫القوة والعنوة في دخول قرطاجة‪ّ ،‬إال ّأنو أشار لجيوشو في منطقة رأس كابوديو في الجزء‬
‫الجنوبي من سوسة التونسية بدخوليا والتوجو الييا‪ ،‬وحافظ القائد البيزنطي عمى التسمسل في‬
‫قطع األراضي المغ اربية وجاء ذلك تجنباً لموقوع في الكمائن‪ ،‬وبقي كذلك حتى تمكن من قطع‬
‫‪3‬‬
‫أراضي سوسة‪ ،‬ورأس ديماس‪ ،‬ولمطة‪ ،‬وسيدي خميفة دون أي صعوبات‪.‬‬

‫‪ )1‬أسباب االحتالل‪ :‬من بين أسباب االحتالل البيزنطي لبالد المغرب ‪:‬‬
‫‪-‬تمتع البالد بموقع استراتيجي ىام ‪.‬غنى البالد بالثروات اليامة ‪.‬‬
‫‪-‬رغبة القائد جوستنيان في إعادة أمجاد روما‪.‬‬
‫‪-‬السعي الدؤوب إلى فرض الحماية المطمقة عمى حدود الدولة البيزنطية من أي اعتداء‬
‫خارجي‪. 4‬‬

‫‪1‬‬
‫ج ‪ .‬م‪ .‬ىسى ‪ ،‬العالم البزنطي ‪ ،‬تر‪ :‬رأفت عبد الحميد ‪ ،‬دار روتبارنت لمطباعة ‪،‬مصر ‪، 1997 ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد محي الدين المشرفي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.144‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.264‬‬

‫‪76‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫‪ )2‬سياسة االحتالل البيزنطي لبالد المغرب‪:‬‬


‫انتيج االحتالل البيزنطي سياسة صارمة في فرض سيطرتو عمى البالد‪ ،‬حيث استخدم القوة‬
‫العسكرية في ذلك‪ ،‬فأقام الحصون والمنشآت العسكرية ولجأ إلى تقسيم المنطقة إلى أربع‬
‫‪ .‬و كان أسموب التجويع و التفقير منتيجاً من قبل‬ ‫مقاطعات يترأس كل منيا قائد عسكري‬
‫اإلمبراطورية البيزنطية إذ أرىقوا كاىل الشعوب بالضرائب الكبيرة ومصادرة أمالكيم عنوة‪ ،‬األمر‬
‫الذي ساىم في انقسام المجتمع إلى طبقتين وىما‪ :‬طبقة الروم البيزنطيين وىم األثرياء‪ ،‬وطبقة‬
‫المغاربة وىم الفقراء‪.1‬‬

‫حيث كانت فكرة استرجاع المقاطعات الرومانية اإلفريقية تراود كل األباطرة البيزنطيين‪،‬‬
‫‪482‬م – ‪565‬م)‪ ،‬الذي كان حاكما عمى‬ ‫إلى أن تمكن اإلمبراطور جستنيان األول (‬
‫القسطنطينية منذ سنة ‪527‬م‪ ،‬من وضع حد نيائي لمسيطرة الوندالية عمى الشمال اإلفريقي عام‬
‫‪533‬م‪ .2‬ومن جممة ما قام بو جستنيان األول قبل إعالنو الحرب ضد الوندال‪ ،‬تنظيمو حممة‬
‫دعائية واسعة النطاق في أوساط األساقفة الكاثوليك الذين أيدوه بكل حماس‪ ،‬إلى درجة أن‬
‫مشروعو الحربي أصبح وكأن ىدفو الوحيد يتمخص في نجدة الكنيسة الكاثوليكية ‪.3‬‬

‫ولما أتم كل االستعدادات كمف بيميساريوس ( ‪500‬م–‪565‬م) ‪ ،‬أشير قادة الجيش البيزنطي‬
‫وأكثرىم قدرة وحنكة‪ ،‬بقيادة الحممة العسكرية‪ .‬وقد تشكل األسطول البحري البيزنطي من‬
‫خمسمائة سفينة كان يقودىا عشرون ألف بحار وعمى متنيا عشرة آالف من المشاة وخمسة‬
‫‪533‬م‪ ،‬وبعد معارك طاحنة استولوا عمى‬ ‫آالف فارس‪ ،‬وصموا إلى الساحل اإلفريقي في سنة‬
‫قرطاج بذات السنة‪ .‬وعمى إثر ذلك فر الممك جميمار( ‪530‬م‪534-‬م) ولكن البيزنطيين طاردوه‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫يوسف عيبش ٔ‬
‫‪،‬االوضاع االجتماعية و االقتصادية لبالد المغرب اثناء االحتالل البيزنطي ‪،‬أطروحة دكتوراه دولة في تاريخ‬ ‫‪2‬‬

‫و آثار المغرب القديم ‪ ،‬كمية العموم اإلنسانية و العموم اإلجتماعية ‪ ،‬جامعة منتوري – قسنطينة‪ ، 2007 ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.267‬‬

‫‪77‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫وتم إلقاء القبض عميو في سنة ‪534‬م ‪ .‬وىكذا انيزم الوندال في إفريقيا الشمالية بعد فترة من‬
‫الزمان كانت كل شعوب الحوض المتوسطي تحسب ليم ألف حساب‪ .‬و الواقع أنيم لم يكونوا‬
‫أصحاب حضارة‪ ،‬وليذا لم يتركوا تراثا ثقافيا ذا مغزى‪ ،‬ىذا مع العمم أن جل ما يعرف عنيم لم‬
‫يكن سوى عن طريق أعدائيم الذين من المحتمل أنيم سكتوا عن أشياء وبالغوا في أشياء‬
‫أخرى‪.1‬‬

‫ولما وطئت أقدام الجنود البيزنطيين التراب اإلفريقي استقبميم الكاثوليك بالحفاوة والترحاب‬
‫واعتبروىم محررين‪ ،‬بينما بقي عامة السكان في حالة ترقب وكأن ىذه الحرب ليست حربا‬
‫تعنييم‪ ،‬خاصة وأن القائد بيميساريوس استطاع إقناعيم بأن جنوده سيمتزمون باحترام أعراضيم‬
‫وممتمكاتيم‪ ،‬وأن وجوده في إفريقيا ىو في الواقع موجو ضد طغيان الوندال وبطشيم‪ ،‬وفعال‬
‫انساق السكان لمدعاية الحربية البيزنطية ولم يستغربوا أن تحتفل الكنيسة اإلفريقية بيذا االنتصار‬
‫ألنيا كانت ىي المستفيد األول‪ ،‬وسرعان ما استعادت ىذه األخيرة نشاطيا وممتمكاتيا التي‬
‫صادرىا الوندال‪.2‬‬

‫بل أكثر من ذلك‪ ،‬لقد أصدر البيزنطيون قانونا إمبراطوريا سنة ‪535‬م يقضي بعزل المنشقين‬
‫الدوناتيين و األريوسيين عن الوظائف العمومية‪ ،‬مع المنع منعا كميا من القيام بأي نشاط ديني‬
‫يتنافى والمذىب الكاثوليكي‪ .‬كما بادر البيزنطيون إلى تقسيم إفريقيا الشمالية إلى سبع مقاطعات‬
‫إدارية موزعة بدورىا إلى أربع مقاطعات كنسية‪ .‬ونظ ار لضعف الكثافة المسيحية في الجية‬
‫الغربية‪ ،‬فإن موريطانيا الطنجية ‪ ،‬والقيصرية ‪،‬والسطيفية كانت تشكل مقاطعة كنسية واحدة‬
‫فقط‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫ج ‪ .‬م‪ .‬ىسى ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.94‬‬
‫‪2‬يوسف عيبش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 41‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد محمد مرسي الشيخ ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪.46‬‬

‫‪78‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫عمما أن وجود البيزنطيين في موريطانيا الطنجية ‪ .‬كان يبدو منحص ار أساسا في مدينة‬
‫سبتة ‪،‬التي تم اتخاذىا كقاعدة غربية بيزنطية لممراقبة األمنية‪ .‬واتضح أن خطة اإلمبراطور‬
‫جستنيان األول كانت ترمي في جوىرىا إلى تمكينو من جمع السمطتين الدينية والدنيوية‪ ،‬إال أن‬
‫انشقاقات جديدة داخل الكنيسة نفسيا وتفاقم األوضاع السياسية البيزنطية حالت دون تحقيق‬
‫طموحو‪ .‬لم تكن الحيمة الدعائية المبنية عمى الميادنة الصورية لتنطوي عمى عناصر المحميين‬
‫لمدة طويمة‪ ،‬فبعد عامين فقط عمى االستعمار البيزنطي تحرك السكان المحميين في انتفاضات‬
‫ال ىوادة فييا ضد المحتل الجديد‪ ،‬بحيث استمرت إلى نياية العصر البيزنطي بإفريقيا ‪.1‬‬

‫وخالل ىذه المجابيات استطاع السكان المحميون‪ ،‬ىزيمة وقتل ثالثة من القادة البيزنطيين‬
‫البارزين‪ :‬تيودور (‪569‬م)‪ ،‬وتيوكتستوس ( ‪570‬م)‪ ،‬وامابميس ‪571‬م ‪ ،‬ولم يسبق لسكان‬
‫‪2‬‬
‫الذي‬ ‫المحميين أن نظموا مقاومة متواصمة بيذا الشكل وبيذه الحدة‪ ،‬حتى أن المؤرخ بروكوب‬
‫رافق الحممة البيزنطية إلى إفريقيا سجل انخفاضا سكانيا كبي ار يقدر بخمسة ماليين من ذوي‬

‫‪1‬‬
‫عبد المطيف محمد البرغوثي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.353‬‬
‫‪2‬‬
‫بروكوبيوس ‪ Procopius‬ىو أشير مؤرخ بيزنطي في القرن السادس الميالدي‪ ،‬عاش في عيد االمبراطور الشيير جستنيان‪،‬‬
‫وعايش محاولة إحياء أمجاد االمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ولد في فمسطين ‪ ،‬كان يجيد اإلغريقية والالتينية إلى جانب لغتو األم‬
‫السريانية اآلرامية‪ ،‬كما كان يعرف الفارسية والقوطية الجرمانية‪ ،‬انتقل في وقت مبكر إلى القسطنطينية ونال شيرة كبيرة في‬
‫المحاماة‪ .‬صار منذ عام ‪ 527‬مستشا اًر لمقائد الكبير بمي ازريوس حتى استدعاه جستنيان وعزلو من مناصبو‪ ،‬وانصرف إلى تالىف‬
‫كتبو في السنوات التالىة‪ ،‬وشيد مرض الطاعون الذي تفشى في العاصمةعام ‪ 542‬وترك وصفاً مؤث اًر لو‪ .‬وقد أنعم عميو‬
‫االمبراطور بمقب رفيع وجعمو عضواً في مجمس الشيوخ ‪ .562‬ال تُعرف معمومات عن سنة وفاتو‪ .‬تنقسم مؤلفات بروكوبيوس‬
‫إلى ثالث فئات ىي‪ :‬الحروب والتاريخ السري واألبنية‪ ،‬وصف فييا أىم أحداث عصره ومختمف أوجو الحياة المادية‬
‫واالجتماعية والثقافية‪ .‬يعالج في مؤلفو الرئيس ‪ de Bellis‬تاريخ الحروب في عيد جستنيان في ثمانية كتب ‪ ،‬خصص‬
‫الكتابين األول والثاني لتاريخ الحروب الفارسية التي انتيت أوالىا عام ‪532‬م‪ ،‬ويروي في الكتابين الثالث والرابع تاريخ الحرب‬
‫مع الوندال‪ ،‬التي انتيت باالستيالء عمى عاصمتيم قرطاجة عام ‪ .533‬ويصف في الكتب الثالثة التالية الحروب التي جرت‬
‫إيطالى عمى القوط الشرقيين وتدمير مممكتيم‪ .‬أما الكتاب الثامن فيو ممخص األحداث التي جرت بعد عام ‪ .540‬عاصر‬
‫ا‬ ‫في‬
‫بروكوبيوس ىذه الحروب‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫األصول الرومانية ومن المتعاونين مع البيزنطيين حيث غادروا كميم المقاطعات اإلفريقية في‬
‫اتجاه اسبانيا تفاديا ليجمات السكان األصميين و ىذه بطبيعة الحال إشارة أخرى مباشرة يستفاد‬
‫منيا بخصوص النسبة المحدودة جدا النتشار الديانة المسيحية في المجتمع المغاربي‪ .‬إذ أنو‬
‫ليس من المنطقي عدم تدخل الكنيسة اإلفريقية‪ ،‬التي كانت تعتبر بنتا شرعية لكنيسة روما‪ ،‬من‬
‫أجل تيدئة األوضاع وحث المغاربة عمى التعايش السممي مع إخوتيم في الدين‪ .‬الواضح أن‬
‫وزنيا كان خفيفا وأن وجودىا كان قبل كل شيء مرتبطا بجاليات أجنبية كانت ليا عالقة‬
‫استيطان استعماري بالمنطقة‪ .‬ولو كان الوضع خالف ذلك لما آلت األمور إلى ما آلت اليو‪.1‬‬

‫‪ )3‬نظام الحكم ‪:‬‬


‫لقد كانت إفريقيا يحكميا واليا يتمتع بسطوة واسعة‪ ،‬ومركزه في مدينة قرطاجنة ‪ ،‬ولم يتغير‬
‫ىذا النظام إال في سنة ‪ 587‬م ‪،‬حيث استطاع جناريوس إخماد ثورة المغاربة فكان بيذا أول‬
‫حاكم عام عسكري لقب بالبطريق‪ ،‬وكان وراء جيش من الموظفين منتشر عمى كامل البالد‬
‫ومعظميم مختص بالتحصيل وجمع المال‪ ،‬حيث كانت الحكومة البيزنطية تعتمد في سياستيا‬
‫عمى نيب المال‪ .2‬إال أن تطورات األوضاع كشفت عن ضرورة تعديل ىذه اإلستراتيجية‬
‫التنظيمية ‪ .‬و ىو األمر الذي أخذ منحنى جديدا ‪،‬حيث أسس منصب األرخون عمى قمة اليرم‬
‫اإلداري في عيد اإلمبراطور موريسن ‪( 3. Maurice‬انظر الشكل ‪)9‬‬

‫الحياة االجتماعية‪:‬‬
‫لقد كانت سياسة الروم في بادئ األمر تميل السترضاء األىالي وذلك من أجل االطمئنان‬
‫ليم وقد استعمموا في ذلك مختمف أنواع وأسالىب الدىاء الدبموماسي‪ ،‬وكان ىدفيم ىو تجنيد‬

‫‪1‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪3‬‬
‫يوسف عيبش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.72‬‬

‫‪80‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫األىالى ضد الواندال‪ ،‬وقد وصل البيزنطيون إلى الغاية المرجوة واليدف المنشود‪ ،‬إذ اط مئن‬
‫المحميون ليم و أروا فييم المنقذ من استبداد الوندال عمييم‪ ،‬إال أن ىذه السياسة لم تدم طويال‪،‬‬
‫حيث انو تحقق اليدف البيزنطي في القضاء عمى أعدائيم الوندال‪ .‬ثم تسارع وا الييم‬
‫يعاممونيم معاممة العبيد ويرغمونيم عمى الطاعة‪ ،‬وسالحيم في ذلك كمو الشدة والعنف‬
‫باإلضافة عمى إلقاء العداوة والبغضاء بينيم بقصد التفرقة‪ ،‬باإلضافة إلى إرىاقيم بالضرائب‬
‫الباىظة‪ ،‬وىذا ما حمل الناس إلى إعالن كراىيتيم واعالن الثورة والعصيان عمى الحكم آنذاك ‪.1‬‬

‫الحياة الدينية‪:‬‬
‫لقد كان من بين أىم األسباب في انييار اإلمبراطورية البيزنطية ىي تمك النزاعات‬
‫والنقاشات الدينية الفارغة بين البيزنطيين‪ ،‬ومما زاد في إشعاليا وبعث التعصب المذىبي من‬
‫مرقده‪ ،‬حينما أعمن اإلمبراطور جستينيان وجوب اعتناق المذىب الكاثوليكي من دون غيره وكان‬
‫ذاك سنة ‪ 535‬م‪ ،‬في حين كان المحميون في ذلك الوقت عمى المذىب األرثوذكسي وانتشار‬
‫المسيحية في ذلك الوقت في بالد المغرب كان يشمل العديد من المناطق‪ ،‬في واد شمف‬
‫وتممسان واألوراس وغيرىا من المناطق ‪ ،‬ولقد تأثرت ىذه الجيات بيذه المناقشات والمشاحنات‬
‫الدينية واتسعت شقة الخالف بين سائر األوساط‪ ،‬وما زاد رقعت الخالف اتساعا ىو ذلك‬
‫القانون الذي أصدره ىرقل األول سنة ‪ 631‬م معمنا فيو بتعالىم جديدة ينبغي اتخاذىا كمذىب‬
‫آخر جديد‪ ،‬فقوبل ىذا القانون من طرف الرعية بالرفض‪ ،‬فأخذت الحكومة باضطياد المخالفين‬
‫ليا وخاصة الييود‪ ،‬ولقد عرفت تمك المناقشات باسم المناقشات البيزنطية‪.2‬‬
‫الثقافة والحضارة والعمران‪:‬‬
‫لم يذكر المؤرخون حالة البالد األدبية والثقافية في العيد البيزنطي‪ ،‬أما فن المعمار فقد شيد‬
‫البيزنطيون بعض الكنائس وأقاموا األسوار حول المدن كأسوار‪ :‬تنس‪ ،‬وشرشال‪ ،‬وسطيف‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد البرغوثي ‪ ،‬التاريخ الميبي القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.356‬‬
‫‪2‬يوسف عيبش ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬

‫‪81‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫وميمو وتمقاد‪ ،‬وقالمو‪ ،‬وتبسو ‪ .‬أما ثراء البالد ونشاطيا االقتصادي فإن مؤرخي شمال إفريقيا‬
‫كادوا أن يتفقوا باإلجماع عمى أن العرب وجدوا البالد ساعة نزوليم بيا‪ ،‬كثيرة الزرع وافرة‬
‫الثمرات‪ ،‬ويؤكد ديل أن في السيول الواسعة الميجورة التي تمتد جنوبي ىضبة األوراس وفي‬
‫اإلقميم الجبمي الذي يتوسط سيل تونس‪ ،‬في كل ىذه النواحي يجد اإلنسان في كل خطوة آثار‬
‫مدن كبيرة أو صغيرة وقرى آىمة وأراضي مزروعة عمى امتداد عظيم ‪.1‬‬

‫‪ )4‬انهيار االحتالل البيزنطي‪:‬‬


‫إن سوء اإلدارة ونظام الحكم الجائر‪ ،‬و غياب حسن السياسة مع األىالى وكثرة الحروب‬
‫والثورات والفتن و التعصبات المذىبية و الخالف الديني‪ ،‬وتدخل قساوسة روما في الحكم‬
‫وتسمطيم عمى الحاكم‪،‬وغيرىا من األسباب ىي التي جعمت نظام الحكم البيزنطي يضعف شيئا‬
‫فشيئا‪ ،‬ويومئذ افترقت الكممة وظير االنحالل التام في اإلدارة واألخالق وضعفت الحكومة‪ ،‬ولقد‬
‫عمل البطريق جويجريوس الثاني ‪ ،2‬عمى انفصال إفريقيا عن بيزنطة بقطع العالقة بينو وبين‬
‫اإلمبراطورية الشرقية وتحصن بعاصمتو سبيطمة بالجنوب الغربي من والية تونس وأعمن ثورتو‬
‫‪3‬عمى الحاكم العسكري الذي كان يشاركو في الحكم سنة ‪ 607‬م ولقد كان ىذا منعرجا حاسما‪،‬‬
‫إذ دبت الفوضى واشتد الخالف‪ ،‬واشتبكت الثورات ‪،‬واستمر الحال عمى ىذا إلى أن أذن نور‬
‫اإلسالم بالشروق فسطع نوره بالمشرق وتميدت السبل لمعرب الفاتحين ‪4‬ففتحوا إفريقيا سنة ‪27‬‬
‫ىـ ‪ 647/‬م‪ 5‬وقضوا عمى تمك االضطرابات كميا وقتل جريجريوس‪ ،‬وبموتو انقضت دولة‬
‫‪6‬‬
‫البيزنطيين من إفريقيا بعدما قضت بيا ‪ 113‬سنة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يوسف عيبش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 201‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.282‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد العيد بشي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.202‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد محي الدين البرغوثي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫‪6‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.381‬‬

‫‪82‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫نالحظ مما تطرقنا لو في ىذا الفصل ان فترة االحتاللين الوندالي والبيزنطي لم تحض‬
‫بقدر وافي بالبحث والتدقيق مقارنة بالفترة الرومانية التي اخذت حصة االسد من اىتمام‬
‫المؤرخين المغاربة ‪ ،‬فمثال فترة العصر الوندالي تبدو فقيرة جدا من حيث المصادر ومعظم‬
‫مؤرخينا المغاربة اعتمدو عمى ترجمات كتب بروكوبيوس الذي كانت لو أراء سمبية عن الوندال‬
‫عموما بحيث ظير ذلك في مؤلفات المغاربة عبر وصف الوندال بالتوحش وانعدام التحضر‬
‫وغيره من األوصاف بالرغم ان فترة بقائيم ببالد المغرب كانت حوالي قرن من الزمن ‪.‬‬

‫بل وركزوا في معظم كتاباتيم عن االختالف المذىبي وحروب الطوائف والمذاىب‬


‫المسيحية بين االريسويين وغيرىم من االرثوذوكس والكاثوليك مع من سبقيم ولحقيم من رومان‬
‫وبيزنطيين ‪.‬‬

‫وكذلك العصر البيزنطي فيذه الفترة ىي االخرى لم تحض بقدر كاف من البحث وال تزال‬
‫الكتابات المتوفرة بكثرة عن ىذه الفترة ىي الكتابات األجنبية ولعل معظم ما ترجم وتم التفصيل‬
‫فيو بإفاضة ىي المرحمة االخيرة والتي كانت بالضرورة متعمقة بحركات الفتح االسالمي‬
‫واندرجت تحت مواضيع بالد المغرب القديم قبيل الفتح االسالمي في السواد االعظم من الكتب‬
‫العربية و المؤالفات المغاربية خصوصا ‪ .‬رغم ان استقرار وانجازات االمبراطورية البيزنطية‬
‫كانت زاخرة بمثقفييا ومؤلفييا وكتابيا الذين عاصروا فترة الدولة بكل مراحل عزىا وانحدارىا‬
‫وتوسعاتيا بالجوار وببالد المغرب القديم خاصة ‪.‬‬

‫وانو لمن المثير لمشك في طروحات المؤرخين الغربيين الذين يميمون لمنزعة االستعمارية‬
‫عمى التاريخ المغاربي ‪ .‬حيث يعتمد ىؤالء المؤرخين عمى محددات ثالث‪:‬‬

‫أ) التضاريس الجغرافية التي تكون قد سيمت النزعة المحمية وصعبت الوحدة السياسية رغم أنو‬
‫يمكن مالحظة أمثمة واضحة عن الوحدة السياسية والقوة البحرية في المنطقة‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫االحتالل الوندالى واالحتالل البزنطي لبالد المغرب‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫)‪ (Stephanie Gsell‬و‬ ‫ب) العرق‪ :‬إذ نجد أن المؤرخين الغربيين أمثال قسال سيتفاني‬
‫)‪(Berthier‬‬ ‫)‪ (Gauthier‬و جوليان )‪ (Julien‬و السو )‪ (lassus‬وبرثييي‬ ‫قوثييي‬
‫وكامب )‪ (Camps‬يعتبرون أن المجتمع المغاربي المعاصر مشابو لممجتمع البربري القديم‬
‫بغض النظر عن قرون من التاريخ المتالحق المتجدد‪ ،‬فيم ينظرون إلى ىذا المجتمع أنو‬
‫"بدائي" وذو أشكال أولية من التنظيم االجتماعي وأنو يممك "شخصية سمبية" إضافة إلى غياب‬
‫األصالة واإلبداع‪.‬‬

‫ج) المحدد االجتماعي‪ :‬إذ يعتمد المؤرخون الفرنسيون أمثال )‪ (Gauthier‬عمى أنو صراع بين‬
‫البدو والحضر وأن ىذه البداوة ساىمت في إنياء السيطرة الرومانية والبيزنطية بالمنطقة – و لم‬
‫يستطع ىؤالء المؤرخين بفعل ذلك قراءة الجوانب الفاعمة في حياة البدو وباألخص حبيم الشديد‬
‫لمحرية واالستقالل‪.‬‬

‫وىذه المحددات الثالثة التي تنتيي إلى القول بتأخر المجتمع المغاربي في التمدن والتنظيم‬
‫والشخصية تميد إلى إعطاء الطابع الحضاري لالستعمار الروماني او البزنطي ‪...‬‬

‫حيث يمكن القول أن التاريخ السائد في المراحل االستعمارية تأريخ حظوظ سيئة لممغاربة‪،‬‬
‫أي سوء حظ في عدم االستفادة من القيم الحضارية لمفترة الرومانية‪ ،‬سوء الحظ في قبول ما‬
‫دعاه الرومان بالتحضر‪ ...‬وأخي ار سوء الحظ في وجود مؤرخين محميين يكتبون بانصاف تاريخ‬
‫بالدىم دون التأثر بثقافة المحتل االجنبي انذاك ‪ ...‬فإن بالد المغرب خالل تاريخو لم يدرس‬
‫سوى عبر محتميو األجانب ومن ثم سعى إلى تقديم تقسيم جديد لتاريخ المغرب بدءا من تاريخ‬
‫المغرب تحت السيطرة الرومانية قديما إلى تاريخ المرحمة االستعمارية الوندالية وصوال‬
‫لالحتالل البزنطي‪ .‬ومن جية أخرى فإن أصحاب ىذه المؤلفات ال يدلون إال ناد ار بآرائيم‬
‫الشخصية في األخبار التي يوردونيا؛ فإنيم يكتفون بتقديم عناصر القضايا‪ ،‬المسممة وغير‬
‫المسممة‪ ،‬وال يتورطون بإبداء حكميم الخاص‪ ،‬بل يتركون ذلك لمقراء ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫خاتمة‬
‫خاتمة‬

‫من خالل بحثنا نستخمص مجموعة من النتائج اليامة ‪:‬‬


‫‪ ‬تسبب التنوع التضاريسي و المناخي في بالد المغرب القديم في صعوبة التواصل بين‬
‫ربوعو وأقطاره‪.‬‬
‫‪ ‬عرف بالد المغرب القديم تنوعا بشريا باعتبارىا منطقة جذب لمجموعة من األجناس‬
‫كالفينيقيين واإلغريق والرومان و غيرىم ‪ ،‬دون اىمال ذكر وجود عنصر بشري محمي‬
‫أصيل‪ .‬مما شكل تمازجا ثقافيا نتج عنو تنوع حضاري‪.‬‬
‫‪ ‬عرفت سواحل بالد المغرب القديم إنشاء مجموعة من المستوطانات الفنيقية التي سبقت‬
‫تأسيس قرطاجة ‪ ،‬وىذه االخيرة تميزت بمظاىر حضارية متفوقة مما جعميا تحتل‬
‫الزعامة في غربي البحر االبيض المتوسط‪.‬‬
‫‪ ‬عرفت الممالك المغاربية تقسيمات ادارية بعد االحتالل الروماني وتحولت الى مقاطعات‬
‫تابعة لمروما كإفريقيا البروقنصمية و موريطانيا القيصرية والطنجية‪.‬‬
‫‪ ‬شيدت بالد المغرب عدة ثورات ضد االحتالل الروماني اىميا ثورة يوغرطا‬
‫وتاكفاريناس‪.‬كما تعرضت بالد المغرب القديم لالحتاللين تباعا لالحتالل الروماني‪ :‬ىما‬
‫الوندالي والبزنطي ‪ .‬حيث دام االحتالل الوندالي حوالي قرن من الزمن وشيد عدة‬
‫مقاومات من طرف السكان المحميين‪ .‬و نتجت عدة ثورات ومقاومات طيمة فترة تواجد‬
‫البزنطيين بالمنطقة طيمة قرن و ثالثة عشر سنة ‪.‬‬
‫‪ ‬عندما ننتقل بين كتب المؤرخين المغاربة ‪ ،‬نتبين وجود مسافة في كثافة وعمق الخطاب‬
‫ونمطية المعالجة و غ ازرة المعمومات التاريخية بالفترة المدروسة ‪ ،‬باالضافة لمغة‬
‫‪ ،1‬في سياق البحث عن‬ ‫المركبة‪ ،‬لغة يطغى عمى استدالليا طابع االبستمولوجي‬
‫مسوغات نظرية تسمح باستعمال مفيوم المؤرخين في فضاء تاريخي مخالف لمفضاء‬
‫الذي تبمور في إطاره المفيوم العام لمتآريخ ‪ ،‬فإن اىتماميم بالتاريخ المحمي ‪ ،‬يستدعي‬

‫‪1‬‬
‫تستعمل كممة إبيستيمولوجي )‪ ، (Epistemology‬لمداللة عمى عمم المعرفة‪ .‬وىي مؤلفة من جمع كممتين يونانيتين ‪:‬‬
‫‪episteme‬بمعنى‪ :‬معرفة‪ ،‬و ‪logos‬بمعنى دراسة؛ فيي إذا‪ ،‬عند الغرب‪ ،‬دراسة نقدية لممعرفة‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫خاتمة‬

‫الشواىد والمعطيات من التجربة التاريخية الغربية التي تبمور المفيوم في إطارىا‪ ،‬كما‬
‫يستعرض المعطيات التاريخية العربية‪ ،‬التي تُ َم ِّكن من استعارتو واستخدامو لرسم مالمح‬
‫أدوار الكتاب في عصورنا الحديثة‪.‬‬
‫‪ ‬اعتمد الباحثون في مؤلفاتيم عمى مراجع أساسية كالمصادر الكالسيكية االغريقية و‬
‫الرومانية التي زامنت العصر القديم ‪ ،‬شكل سندىم التاريخي‪ ،‬حيث يتعمق األمر بكتابات‬
‫ىيرودوت ‪ ،‬سالوست ‪ ،‬بمين الكبير و بروكوبيوس وغيرىم ‪ ،‬حيث يمكن ان نستخمص‬
‫ان الكتابات المحمية التي تطرقنا ليا ‪ ،‬أن ظاىرة المؤرخين في بالد المغرب ارتبطت‬
‫في الفترة الحديثة بثالتة معطيات رئيسية‪:‬‬
‫‪- 1‬معطى حضاري سياسي ‪ ،‬قوامو ظيور المدن واستقالل البمدان المغاربية من يد المستعمر‪.‬‬
‫‪ -2‬معطى ثقافي‪ ،‬تمثل في حركة الترجمة الواسعة لممصادر الكالسيكية و مؤلفات الغربيين‬
‫المحدثين كستيفن قزال وغابلاير كامبس و شارل اندريو جوليان وغيرىم‪.‬‬
‫‪-3‬معطى ميني‪ ،‬برز في ظيور فئة الجامعيين المحميين ‪.‬‬
‫إال أن الباحث عند مراجعتو لتاريخ المغاربة القديم‪ ،‬وىو المطمع عمى كثير من معطيات‬
‫ىذا التاريخ النظرية والسياسية و العقائدية بشتى انواعيا و اطوارىا ‪ ،‬يحدد طبيعة المؤرخ في‬
‫الفضاء المعرفي الحديث كما يمي‪ :‬المؤرخ يعمل بفكره ‪ ،‬وىو ينتمي إلى الخاصة‪ ،‬كما ينتمي‬
‫إلى الوسط الحضري‪ ،‬مرجعيتو المركزية تتحدد في الوصول لمحقيقة ‪ُ ،‬يفكر من خالليا ويسعى‬
‫الييا‪ ،‬وىو إضافة إلى كل ذلك يستطيع تحويل الحقيقة التاريخية إلى رأي‪ ،‬إنو في نياية‬
‫التحميل‪ ،‬كما يوضح ذلك المؤلفين المحدثين‪ ،‬يمارس الفعل التاريخي والعمل الفكري بتوسيط‬
‫االرجح دوما بناء عمى من سبقوه من مؤرخين كالسيكيين وغربيين باالضافة لالدلة االثرية ‪.‬‬
‫‪ ‬ان مسألة ظيور فئة المؤرخين المغاربة‪ ،‬يربط ىذا الظيور باإلشكال السياسي‪ ،‬الذي‬
‫يرتبط بدوره بالرغبة في كتابة تاريخ بأقالم محمية لممنطقة وما تََولَّ َد عنو من إشكاالت‬
‫بالنسبة لمفترات المجيولة – فجوات‪ -‬في تاريخنا كمغاربة ويمكن استعراض أجيال‬
‫المؤرخين كما يمي‪:‬‬
‫‪87‬‬
‫خاتمة‬

‫– فئة االوائل لبناء تاريخ محمي عبر حركة الترجمة ‪.‬‬


‫– فئة الذين تصدروا بناء التراث التاريخي المحمي بالمغة العربية‪.‬‬
‫‪ ‬في ىذا المستوى من الكتابة يشعر قارئ المؤلفات المغاربية المحدثة‪ ،‬بأن الكتاب‬
‫يشيرون دون توقف لمألحداث التاريخية ‪ ،‬وبمقدار كثافة المعمومات ذات النفحة‬
‫االبستمولوجية البارزة‪ ،‬نشعر بالصبغة التحميمية التاريخية‪ ،‬التي تغطي باالشارة العابرة‬
‫ة‬ ‫تاريخاً حافالً بالصراعات السياسية والزاخرة باالحتالالت والحركات االستقاللية ونشأ‬
‫الممالك بارجاء المنطقة‪ ،‬تاريخاً مؤسساً عمى قراءات وتأويالت يصعب حصرىا بماضي‬
‫المغرب القديم‪ ،‬وآليات تحولو عبر الزمان بنفس الحيز الجغرافي‪.‬‬
‫‪ ‬وال يتعمق األمر بالحقبة المغاربية القديمة وحدىا‪ ،‬بل إنو يمجأ إلى مقارنتيا بمعطيات‬
‫وسيطية تنتمي إلى مجال التاريخ األوروبي والمجال المتوسطي عموما ‪ ،‬وىنا يتم القفز‬
‫الم َّ‬
‫وجو‬ ‫عمى أمور متعددة‪ ،‬يسكت عنيا لحساب آلية في االستثمار المعرفي المبني و ُ‬
‫حسب المدارس ‪.‬‬
‫‪ ‬ان الكتابة التاريخية التحميمية المقارنة ‪ ،‬ال يعني أنيا تخموا من التركيب‪ ،‬بل إن المقصود‬
‫أوالَ وقبل كل شيء‪ ،‬ىو رصد نمطيتيا العامة‪ .‬ذلك إنيا تضمنت أيضاً أبعاداً في‬
‫التأويل ذات طبيعة إشكالية‪ ،‬كما تضمنت جممة من األحكام‪ ،‬وطريقة في الترتيب تطرح‬
‫كثي اًر من األسئمة في طريقة عرض وتحميل لنماذج من كتابات المؤرخين المحدثين‬
‫كمحمد الصغير غانم ومحمد اليادي حارش و ابراىيم العيد بش ي وغيرىم ‪.‬وىنا بالذات‬
‫يحضر المستوى البيداغوجي في الكتابة‪ ،‬مستوى الممارسة الفعمية لما يسمى بأدلجة‬
‫المفاىيم‪ ،‬حيث يقومون بجمع وترتيب‪ ،‬واعادة صياغة المعطيات‪ ،‬التي تُ َم ِّك ُننا ابتداء من‬
‫اآلن فصاعداً أن نسمي غانم و حارش –نموذجا ‪ -‬بالمؤرخين‪ ،‬عمى شاكمة مؤرخي‬
‫الحضارة الغربية مثل قزال و كامبس التي تبمور في سياق تطورىا التاريخي مفيوم‬
‫المؤرخ‪ .‬مع األخذ بعين االعتبار الحيثيات الفكرية المتعمقة بالموروث التاريخي‬

‫‪88‬‬
‫خاتمة‬

‫المغاربي‪ ،‬بمختمف المالبسات الخصوصية التي شكمت شرط وجوده التاريخي والفكري‬
‫حسب المدرسة التاريخيانية‪ ،‬والنظرية النقدية لمحدث ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫المالحق‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ :1‬نقيشة توضح صالية التاحنو‬

‫‪1‬مها عيساوي ‪ ،‬المجتمع الموبي في بالد المغرب القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪86‬‬

‫‪91‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ :2‬جغرافية بالد المغرب‬

‫‪1‬محمد الهادي حارش ‪:‬التاريخ المغاربي القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪19‬‬

‫‪92‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪3‬صورة االله بعل حامون‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانم ‪ ،‬نصوص بونية ليبية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪101‬‬

‫‪93‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ :4‬صورة لضريح دوقا‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانم ‪ ،‬نصوص بونية ليبية ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪186‬‬

‫‪94‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ : 5‬ضريح الخروب‬

‫‪1‬‬
‫محمد العربي العقون ‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬

‫‪95‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل‪ 6 :‬حدود السيطرة الرومانية لبالد المغرب‬

‫‪1‬‬
‫محمد البشير شنيتي ‪،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.85‬‬

‫‪96‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل‪ :7‬موريطانيا القيصرية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد الهادي حارش ‪:‬التاريخ المغاربي القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪199‬‬

‫‪97‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ 8:‬حدود السيطرة الوندالية‬

‫‪1‬‬
‫محمد الهادي حارش ‪:‬التاريخ المغاربي القديم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.243‬‬

‫‪98‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الشكل ‪:9‬حدود االحتالل البزنطي لبالد المغرب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد محي الدين المشرفي‪ ،‬افريقيا الشمالية في العصر القديم ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪149‬‬

‫‪99‬‬
‫قائمة المصادر‬

‫و المراجع‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫قائمة المصادر والمراجع ‪:‬‬


‫أوال – المصادر ‪:‬‬
‫‪ .I‬بالمغة العربية‪:‬‬

‫‪ – 1‬القرآن الكريم ‪.‬‬


‫‪ - 2‬ابن خمدون عبد الرحمان ‪ ،‬كتاب العبر‪ ،‬وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم‬
‫والبربر‪ ،‬ومن عاصرىم من ذوي السمطان األكبر‪ ،‬م ‪ ، 3‬دار الكتاب المبناني ‪ ،‬بيروت‬
‫‪.1968 ،‬‬
‫‪ - 3‬سالوست ‪ ،‬الحرب اليوغرطية ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪،‬تر ‪ :‬محمد المبروك الدويب ‪ ،‬منشورات‬
‫جامعة بنغازي ‪ ،‬ليبيا ‪( ،‬ب ‪ ،‬س) ‪.‬‬
‫سترابون ‪ ،‬الجغرافيا ‪( ،‬ب ‪،‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد مبروك الدويب ‪ ،‬منشورات جامعة‬ ‫‪-4‬‬
‫قاريونس‪ ،‬ليبيا ‪. 2006 ،‬‬
‫‪ -5‬فرجيل ‪ ،‬اإللياذة ‪ ،‬تر ‪ :‬سالم خالدي عميرة ‪ ،‬دار الماليين ‪ ،‬بيروت ‪.1995 ،‬‬
‫‪ - 6‬كالوديوس بطميموس ‪ ،‬جغرافيا ليبيا و مصر‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر ‪ :‬محمد المبروك الدويب ‪،‬‬
‫منشورات جامعة قاريوس ‪ ،‬ليبيا ‪.2004 ،‬‬
‫‪ - 7‬ىيرودوت ‪ ،‬تاريخ ىيرودوت ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬تر ‪ :‬عبد اإللو مالح ‪ ،‬المجمع الثقافي ‪،‬‬
‫اإلمارات العربية ‪. 2001 ،‬‬
‫‪ - 8‬ىيرودوت ‪ ،‬أحاديث ىيرودوت عن الميبيين(األمازيغ) ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬تح ‪:‬مصطفى‬
‫األعشى ‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة ‪ ،‬المغرب ‪. 2009 ،‬‬
‫‪ .II‬بالمغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪1- Pline L' Ancien ,Histoire Naturelle , paris , 1980 , XIII24 : XIV.‬‬
‫ثانيا – المراجع ‪:‬‬
‫‪ - 1‬البرغوثي عبد المطيف محمد ‪ ،‬التاريخ الميبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح‬
‫اإلسالمي ‪( ،‬د ‪.‬ط) ‪ ،‬دار تامنغاست لمنشر ‪ ،‬الجزائر‪( ،‬د ‪.‬س) ‪.‬‬
‫‪- 2‬بشي محمد العيد ‪ ،‬تاريخ مختصر ألىم حضارات الشرق القديم( دراسة حضارية في قبل‬
‫التاريخ وعبر التاريخ ) ‪( ،‬ب‪.‬ط) ‪ ،‬دار ىومة ‪ ،‬الجزائر ‪. 2008 ،‬‬

‫‪101‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪ - 3‬جاردز ألن ‪ ،‬مصر الفراعنة ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬تر‪ :‬نجيب مخائيل ‪ ،‬مر‪ :‬عبد المنعم أبو بكر‪،‬‬
‫الييئة المصرية العامة لمكتاب ‪ ،‬القاىرة ‪.1987 ،‬‬

‫‪ - 4‬حارش محمد اليادي ‪ ،‬التاريخ المغاربي القديم ‪ ،‬السياسي و الحضاري منذ فجر التاريخ‬
‫إلى الفتح اإلسالمي (ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬المؤسسة الجزائرية لمطباعة ‪ ،‬الجزائر ‪.1994 ،‬‬

‫‪ - 5‬حارش محمد اليادي ‪ ،‬دراسات ونصوص في تاريخ الجزائر وبمدان المغرب في العصور‬
‫القديمة ‪( ،‬د ‪.‬ط ) ‪ ،‬دار ىومو‪ ،‬الجزائر ‪. 2011 ،‬‬
‫‪ - 6‬جوليان شارل أندري ‪ ،‬تاريخ إفريقيا الشمالية ‪(،‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد مزالي ‪ ،‬البشير بن‬
‫سالمة ‪ ،‬الدار التونسية لمنشر ‪ ،‬تونس‬
‫‪ - 7‬ديكريو فرانسوا ‪ ،‬قرطاجة أو امبراطورية البحر‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر‪ :‬عز الدين أحمد عزو‪ ،‬دار‬
‫األىالي لمطباعة والنشر‪ ،‬دمشق‪.1996 ،‬‬
‫‪ - 8‬ديكريو فرانسوا ‪ ،‬قرطاجة الحضارة والتاريخ‪ ،‬تر‪ :‬يوسف شمب الشام‪ ،‬دار طالس‪،‬‬
‫دمشق‪.1994 ،‬‬
‫‪ - 9‬ديورانت ويل ‪ ،‬قصة الحضارة ‪ ،‬مجمد ‪ ، 3‬ج ‪. 1‬‬
‫‪ - 10‬زرقانة إبراىيم الحضارة المصرية في فجر التاريخ ‪(،‬ب ‪ ،‬ط)‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫‪.1948‬‬
‫‪ - 11‬زرقانة إبراىيم أحمد وآخرون‪ ،‬حضارة مصر والشرق القديم‪(،‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬دار مصر‪،‬‬
‫مصر‪(،‬د ‪ .‬س) ‪.‬‬
‫‪ - 12‬السمماني أحمد حسن ‪ ،‬تاريخ مموك البربر في الجزائر القديمة ‪ ،‬دار القصبة ‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪. 2017‬‬
‫‪ - 13‬السيد محمد ميا ‪ ،‬الحصون و التحصينات الدفاعية في شمال إفريقيا في العصر‬
‫الروماني ‪ ،‬مصر ‪. 2008 ،‬‬
‫‪ - 14‬شنيتي محمد البشير ‪ ،‬سياسة الرومنة في بالد المغرب من سقوط الدولة القرطاجية إلى‬
‫‪ 40‬م) ‪( ،‬د ‪ .‬ط)‪ ،‬الشركة الوطنية لمنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫سقوط موريطانيا ( ‪ 146‬ق‪.‬م‪-‬‬
‫الجزائر ‪. 1982 ،‬‬

‫‪102‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪ - 15‬شنيتي محمد البشير ‪ ،‬االحتالل الروماني لبالد المغرب (سياسة الرومنة ‪146‬ق‪.‬م ‪-‬‬
‫‪ 40‬م) ‪ ،‬ط‪ ، 2‬المؤسسة الوطنية لمكتاب ‪ ،‬الجزائر(ب ‪ ،‬س) ‪.‬‬
‫‪ - 16‬شنيتي محمد البشير ‪ ،‬نوميديا وروما اإلمبراطورية تحوالت اقتصادية واجتماعية في ظل‬
‫االحتالل ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬مؤسسة كنوز الحكمة ‪ ،‬الجزائر (د‪ .‬س)‪.‬‬
‫‪ - 17‬شنيتي محمد البشير‪ ،‬أضواء عمى تاريخ الجزائر ‪( ،‬د‪.‬ط) ‪ ،‬دار الحكمة ‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ - 18‬شوقي خير اهلل‪ ،‬قرطاجة العروبة األولى في المغرب‪ .‬ط ‪ ،1‬دار النشر (مركز الدراسات‬
‫العممية)‪(،‬ب‪.‬ب) ‪.1992‬‬
‫‪(،‬ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬دار المعرفة‬ ‫‪ - 19‬الشيخ محمد محمد مرسي ‪ ،‬تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية‬
‫الجامعية ‪ ،‬مصر ‪. 1994 ،‬‬

‫‪ ، 1‬دار‬ ‫‪ - 20‬العقون محمد العربي ‪ ،‬االقتصاد والمجتمع في الشمال اإلفريقي القديم ‪ ،‬ط‬
‫اليدى ‪ ،‬الجزائر ‪. 2008 ،‬‬
‫‪ - 21‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬النصب القسنطينية المحفوظة في متحف الموفر بفرنسا‬
‫(ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬دار اليدى لمطباعة و النشر‪،‬عين مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪. 2012 ،‬‬

‫‪ - 22‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬مواقع و حضارات ما قبل التاريخ في بالد المغرب القديم ‪ ،‬دار‬
‫اليدى ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬عين مميمة ‪ ،‬الجزائر ‪. 2003 ،‬‬
‫‪ - 23‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬سيرتا النوميدية النشأة والتطور ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬شركة العال ‪ ،‬عين مميمة‬
‫‪ ،‬الجزائر(د‪ .‬س) ‪.‬‬
‫‪ - 24‬غانم محمد الصغير‪ ،‬معالم التواجد الفينيقي البوني في الجزائر‪ ،‬دار اليدى‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪. 2003‬‬
‫‪ - 25‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬التوسع الفينيقي في غربي البحر المتوسط ‪( ،‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬دار‬
‫اليدى‪ ،‬الجزائر‪(،‬د ‪ .‬س)‪.‬‬
‫‪ - 26‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬المممكة النوميدية و الحضارة البونية ‪ ،‬دار اليدى ‪ ،‬عين مميمة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪. 2006 ،‬‬

‫‪103‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪ - 27‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬نصوص بونية – ليبية مختارة من تاريخ الجزائر القديم ‪( ،‬د‪.‬ط) ‪،‬‬
‫دار اليدى ‪ ،‬عين مميمة ‪،‬الجزائر ‪. 2012 ،‬‬
‫‪ - 28‬فخري ماجد ‪ ،‬مسيرة الحضارة‪ .‬قرطاج وروما‪ ،‬م ‪( ،1‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬تر‪ :‬شاكر مصطفى‪،‬‬
‫الشركة العالمية لمتوزيع واإلعالن‪ ( ،‬د ‪ .‬ب) (د ‪ .‬س) ‪.‬‬
‫‪ - 29‬الفرجاوي أحمد‪ ,‬بحوث حول العالقات بين الشرق الفينيقي وقرطاجة‪(,‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬المجمع‬
‫التونسي لمعموم واآلداب والفنون‪ ,‬تونس‪.1993,‬‬
‫‪ - 30‬فرحاتي فتيحة ‪ ،‬نوميديا من حكم الممك غايا إلى بداية االحتالل الروماني‬
‫(‪ 46 / 213‬ق‪.‬م) ‪ ،‬منشورات أبيك ‪ ،‬الجزائر ‪.2007 ،‬‬
‫‪ - 31‬قزال ستيفان‪ ،‬تاريخ شمال إفريقيا القديم ‪ ،‬ج ‪( ، 1‬ب‪ ،‬ط) ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد التازي سعود ‪،‬‬
‫مطبوعات أكاديمية المممكة المغريبة ‪ ،‬الرباط ‪. 2007 ،‬‬
‫‪ - 32‬كونتو ‪.‬ج ‪ ،‬الحضارة الفينيقية‪ ،‬تر‪ :‬محمد عبد اليادي شعيرة‪ ،‬م ار‪ :‬طو حسين‪ ،‬شركة‬
‫مركز كتب الشرق األوسط‪( ،‬د ت)‪.‬‬
‫‪ - 32‬متري نجيب ‪ ،‬كتاب ممخص التاريخ القديم‪( ،‬مقتطف من أصدق المصادر وأصحيا)‪،‬‬
‫ف‪( ،6‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬مطبعة المعارف ‪ ،‬مصر‪ 1331 ،‬ىـ‪1913-‬م ‪.‬‬
‫والية إفريقيا من االحتالل الروماني إلى نياية العيد السويري‬ ‫‪ - 33‬المحجوبي عمار‪،‬‬
‫( ‪ 235 -146‬م)‪ ،‬مركز النشر الجامعي ‪ ،‬تونس ‪. 2001 ،‬‬
‫‪ - 34‬المشرفي محمد محي الدين ‪ ،‬إفريقيا الشمالية في العصر القديم ‪ ،‬ط ‪ ، 4‬دار الكتب ‪،‬‬
‫لبنان ‪( ،‬ب‪ .‬س)‪.‬‬
‫‪ ،‬م‪(، 2‬د‪.‬ط) ‪ ،‬إش‪:‬‬ ‫‪ - 35‬منجتون ب‪.‬ىـ‪ .‬وار ‪( ،‬تاريخ إفريقيا العام) العصر القرطاجي‬
‫جمال مختار‪ ،‬المجنة العممية الدولية لتحرير تاريخ إفريقيا العام‪ ،‬اليونيسكو‪.1985 ،‬‬
‫‪ - 36‬ميران محمد بيومي ‪ ،‬مصر والشرق األدنى القديم ‪(،‬ب ‪،‬ط) م ‪ ، 4‬ج ‪ ، 1‬دار المعرفة‬
‫الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪.1989 ،‬‬

‫‪ - 37‬ميران محمد بيومي ‪ ،‬مصر والشرق األدنى القديم (المغرب القديم)‪ .‬دار المعرفة‬
‫الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪1410 ،‬ىـ‪1990-‬م ‪.‬‬
‫‪ 1‬منشورات عويدات‪،‬‬ ‫‪ -38‬ميادان مادلين ىورس ‪ ،‬تاريخ قرطاج‪ ،‬تر‪ :‬إبراىيم بالش‪ ،‬ط‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.1981 ،‬‬
‫‪104‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪ -39‬ىسى ‪ .‬ج ‪ .‬م ‪ ،‬العالم البيزنطي ‪ ،‬تر‪ :‬رأفت عبد الحميد‪ ،‬دار روتبارنت ‪ ,‬مصر‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫‪ - 41‬يوسف جوزيف نسيم ‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬دار المعرفة البيزنطية ‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.2005‬‬
‫‪ - 42‬يولم دنيس ‪ ،‬الحضارات اإلفريقية ‪( ،‬د ‪ .‬ط ) تر ‪ :‬عمي شاىين ‪ ،‬منشورات مكتبة‬
‫دار الحياة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪. 1974 ،‬‬
‫ثالثا – الرسائل الجامعية ‪:‬‬

‫‪ .I‬الدكتوراه ‪:‬‬

‫‪ - 1‬بن سعدي سميمان ‪ ،‬عالقات مصر بالمغرب القديم منذ فجر التاريخ حتى القرن‬
‫السابع قبل الميالد ‪ ،‬أطروحة دكتوراه دولة في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪. 2009 /2008 ،‬‬
‫‪ - 2‬سالطنية عبد المالك ‪ ،‬المستوطنات الفينيقية – البونية ‪ ،‬أطروحة دكتوراه العموم في‬
‫التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪( ،‬ب ‪ ،‬س) ‪.‬‬
‫‪ - 3‬عيساوي ميا ‪،‬المجتمع الموبي في المغرب القديم ‪ ،‬من عصور ما قبل التاريخ إلى عشية‬
‫الفتح اإلسالمي ‪ ،‬أطروحة دكتوراه العموم في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري ‪ ،‬قسنطينة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪.2010 - 2009 ،‬‬

‫‪ - 4‬عيش يوسف ‪ ،‬األوضاع االجتماعية واالقتصادية لبالد المغرب أثناء االحتالل البيزنطي ‪،‬‬
‫أطروحة دكتوراه دولة في التاريخ و آثار المغرب القديم ‪ ،‬كمية العموم اإلنسانية و االجتماعية ‪،‬‬
‫جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة ‪ ،‬الجزائر ‪. 2007 ،‬‬
‫‪ .II‬الماجستير والماستر‪:‬‬

‫‪ - 1‬بمعيد فاطمة الزىراء ‪ ،‬دراسة تنميطية و ايكونوغرافية لؤلنصاب البونية المحفوظة بمتحف‬
‫المسرح الروماني بقالمة ‪،‬مذكرة مكممة لنيل شيادة الماجستير في اآلثار ‪ ،‬جامعة قالمة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪.2012 / 2011 ،‬‬

‫‪105‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫‪ - 2‬بن خمفة عبد الرحمان ‪ ،‬الديانة الوثنية المغاربية القديمة (منذ النشأة إلى سقوط قرطاجة‬
‫‪ 146‬ق‪.‬م ) ‪،‬مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري ‪،‬‬
‫قسنطينة‪ ،‬الجزائر ‪.2008 / 2007 ،‬‬
‫‪ – 3‬العود محمد الصالح ‪ ،‬التحوالت الحضارية في شمال إفريقيا في الفترة الوندالية ( ‪– 534‬‬
‫‪ 429‬م) ‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة منتوري ‪ ،‬قسنطينة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪ 2010 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -4‬قاسم محمد ‪ ،‬الوضعية االجتماعية و الديموغرافية لغرب موريطانيا القيصرية من ‪ 42‬م إلى‬
‫سنة ‪ 284‬م ‪ ،‬مذكرة مكممة لنيل شيادة الماجستير في التاريخ القديم ‪ ،‬جامعة وىران‪ ،‬الجزائر ‪،‬‬
‫‪.2010‬‬
‫‪ - 4‬عطاء اهلل عبد اهلل زيتونة ‪ ،‬األخوص حسن ‪ ،‬النصب النذرية النوميدية المحفوظة‬
‫‪ 30‬أنموذجا ‪ ،‬مذكرة مكممة‬ ‫بمتحف سيرتا بقسنطينة دراسة إحصائية تحميمية –‬
‫لمتطمبات الحصول عمى شيادة الماستر في تاريخ الحضارات القديمة ‪ ،‬جامعة الشييد‬
‫حمو لخضر ‪ ،‬الوادي ‪ ،‬الجزائر ‪. 2017 – 2016 ،‬‬

‫رابعا – المجالت والمقاالت‪:‬‬

‫‪ - 1‬الحويمى سميمان حامد‪ "،‬شعوب البحر في المصادر النصية و األثرية ومظاىر‬


‫الخمط في تمثيميم في النقوش المصرية "‪ ،‬مجمة اإلتحاد العام لآلثاريين العرب ‪ ،‬العدد ‪. 16‬‬

‫‪ – 2‬عيشوش حسينة ‪ ،‬مقارنة بين ضريح المدغاسن و الضريح الممكي الموريطاني من خالل‬
‫األبحاث والدراسات ‪( ،‬د ‪ .‬ط)‪(،‬د ‪ .‬د) ‪( ،‬د ‪ .‬ب) ‪ (،‬د‪ .‬س) ‪.‬‬

‫‪ - 3‬غانم محمد الصغير ‪ ،‬الممك سيفاكس والكيان السياسي النوميدي (مجمة التراث) ‪ ،‬ع ‪، 9‬‬
‫مطبعة الشياب ‪ ،‬باتنة ‪ ،‬الجزائر ‪.1997 ،‬‬

‫‪ – 5‬فوكو محمد ‪ ،‬مناطق سيل الشمف في ظل االحتالل الروماني ‪ ،‬مجمة عصور‬


‫الجديدة عدد ‪ ، 12 -11‬وىران ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬فبراير ‪. 2014‬‬

‫‪106‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬

‫خامسا – المعاجم و األطالس‪:‬‬

‫‪ -1‬محجوب عبد المنعم ‪ ،‬معجم تانيت ‪( ،‬ب ‪ ،‬ط) ‪ ،‬دار الكتب العممية ‪ ،‬لبنان ‪(،‬ب ‪ ،‬س)‪.‬‬
‫‪ - 2‬أطمس التاريخ القديم ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الشرق العربي ‪ ،‬بيروت ‪. 2009 ،‬‬

‫‪107‬‬
‫الفهرس‬
‫الفهرس‬

‫فهرس المحتويات‪:‬‬

‫الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫قائمة المختصرات‬
‫أ‬ ‫مقدمة‬
‫‪05‬‬ ‫الفصل التمهيدي‪ :‬دراسة طبيعية و بشرية لبالد المغرب القديم‬
‫‪06‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬الدراسة الطبيعية‬
‫‪14‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬دراسة بشرية‬
‫‪20‬‬ ‫الفصل االول‪ :‬بالد المغرب القديم ما بين القرنيين ‪9‬ق‪.‬م– ‪2‬ق‪.‬م‬
‫‪21‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬مممكة قرطاجة‬
‫‪31‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬الممالك الوطنية‬
‫‪47‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬بالد المغرب من بداية اإلحتالل الروماني الى ظهور الوندال‬
‫‪48‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مقاطعة افريقيا الرومانية‬
‫‪52‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬بالد المغرب تحت الحكم الروماني‬
‫‪63‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإلحتالل الوندالي و البيزنطي لبالد المغرب‬
‫‪64‬‬ ‫المبحث االول‪ :‬اإلحتالل الوندالي‬
‫‪76‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬اإلحتالل البيزنطي‬
‫‪87‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪90‬‬ ‫المالحق‬
‫‪100‬‬ ‫المصادر والمراجع‬
‫‪108‬‬ ‫فهرس المحتويات‬

‫‪109‬‬

You might also like