You are on page 1of 2

‫ما يتعين علينا القيام به لمكافحة الرشوة والفساد!


‫تجد الحكومة اللبنانية نفسها أمام مهمة مكافحة الرشوة والفساد‪ ،‬وهي شرط ال غنى عنه للخروج من حالة األزمة‬
‫التي تعيشها مالية الدولة واإلنسداد الذي يواجه اإلقتصاد الوطني‪ .‬ولن نستفيض في شرح األسباب والمآالت‬
‫التي باتت معروفة من الجميع‪ .‬ما نعالجه في هذه المقالة المقتضبة هو آلية الخروج من األزمة‪ ،‬ليس على‬
‫الصعيدين المالي واإلقتصادي ‪ -‬وهو ما يختلف عليه الفرقاء والخبراء ‪ ،-‬ولكن على الصعيد التنظيمي اإلداري‬
‫الذي لم ينل بعد حظه من المعالجة‪ .‬وال نتحدث هنا عن طروحات مثل "ترشيق" اإلدارات العامة‪ ،‬وال إلى إعادة‬
‫هيكلتها‪ ،‬وهي أمور أساسية ومطلوبة بقوة‪ ،‬ولكن عن آليات مكافحة الفساد والحد من الرشوة‪ .‬فمع تفشي ظاهرتي‬
‫الرشوة والفساد‪ ،‬أصبحت محاربتها والحد منها موضع جهد عالمي يتجاوز حدود الدول‪ .‬وقد شهدنا تضافر‬
‫جهود بعض الدول للتعامل مع األعمال والعمليات المرتبطة بالرشوة والفساد‪ ،‬حيث أقرت قوانين لمكافحة تبييض‬
‫األموال سمحت للدول المتضررة باسترجاع األموال المنهوبة‪ ،‬والمتأتية من الرشوة والفساد‪ ،‬بالطرق القانونية‪.‬‬

‫بالمقابل‪ ،‬وباالستفادة من التجارب وخبرات الدول والمنظمات غير الحكومية‪ ،‬طورت "المنظمة الدولية للمقايسة‬
‫‪ "ISO‬مواصفة لمنع واحتواء وتقليل أعمال الرشوة‪ ،‬وهي مواصفة "األيزو ‪ ."37001‬وتطبيق متطلبات هذه‬
‫المواصفة بأمانة ودقة كفيل‪ ،‬بالحد األدنى‪ ،‬بالحوؤل دون حصول تعامالت مالية وتعاقدات يمكن أن تؤدي إلى‬
‫صرف واإلنفاق‪ .‬ويصح األمر نفسه على المنظمات‬
‫اإلضرار بموارد الدولة وتآكل ماليتها‪ ،‬وبقدرتها على الت َ‬
‫غير الحكومية‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬هل يمكن منع‪/‬محاربة الرشوة والفساد في لبنان؟ وكيف يمكن االستفادة مما توفره مواصفة‬
‫"األيزو ‪ "37001‬من ضوابط للحد من مثل هذه الظواهر؟‬

‫ومع األمل بأن يؤدي قانون ‪( 175‬مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد)‬
‫الصادر في ‪ 2020/5/14‬الغرض المؤمل منه‪ ،‬فإن مواصفة "األيزو ‪ "37001‬توفر آلية عملية تدعم تطبيق‬
‫هذا القانون‪ ،‬إذ أنها تتيح المكافحة االستباقية‪ ،‬وتتضمن ضوابط تحد بقدر كبير من أعمال الرشوة‪.‬‬

‫وليكون تطبيق هذه المواصفة مجزيا‪ ،‬من الضروري عدم وجود ما يحول دون تطبيقه على جميع العاملين في‬
‫الوظائف الرسمية والبلدية‪ ،‬وجميع المتعاملين مع الهيئات الرسمية‪ ،‬تحقيقا للشفافية المطلوبة‪ .‬وهذا شرط ضروري‬
‫لنجاح العمل بهذه المواصفة‪ .‬كما أن التدقيق بكل معاملة‪ ،‬مسبقا و‪/‬أو الحقا‪ ،‬يشكل عنص ار مكمال لما توفر‬
‫مواصفة األيزو ‪ "37001‬عملية اثباط الممارسات الالقانونية للبعض‪ ،‬ومن شأن ذلك الحؤول دون تعرض موارد‬
‫التصرف‪.‬‬
‫َ‬ ‫الدولة وحقوقها إلساءة‬

‫من هم في السلطة اليوم مدعوون لحل التشابكات اإلدارية والتعقيدات القانونية التي تشكل عائقا أمام تطبيق‬
‫معايير الشفافية والحكم الرشيد‪ ،‬وهذا هو التحدي األول أمامها‪ .‬فاإلدارة السليمة للدولة تقتضي بناء إدارة رشيدة‬

‫‪1‬‬
‫تتبع قواعد الرقابة الفاعلة والمستدامة‪ ،‬وتوفر الضوابط الالزمة‪ ،‬مع مراعاة عدم خلق تعقيدات ال لزوم لها على‬
‫مسارات العمل‪ .‬واذا ما أريد ضبط أوضاع اإلدارات الرسمية‪ ،‬فمن األولى المباشرة بتطبيق اشتراطات ومعايير‬
‫وضوابط مواصفة "األيزو ‪"37001‬؛ فتطبيق مندرجات هذه المواصفة في عموم اإلدارات الحكومية (والمؤسسات‬
‫العامة والمصالح المستقلة) كفيل بتقليل خطر تفشي الرشوة‪ ،‬كما أنها تساهم بالحد من الممارسات الفاسدة‪.‬‬

‫إن تنفيذ متطلبات هذه المواصفة بشكل صحيح أمر ٍ‬


‫مجز في النهاية‪ ،‬ويمكن مالحظة آثاره اإليجابية تدريجيا‪،‬‬
‫وعلى المدى المتوسط‪ .‬غير أن المسألة الحاسمة هنا هي إرادة العمل ضمن أعلى معايير الشفافية والحكم‬
‫الرشيد التي تشكل هذه المواصفة عمادها على الصعيد اإلداري‪ ،‬فبدونها ال يمكن تحقيق أي إصالح‪ .‬واذا ما‬
‫توفرت إرادة المبادرة‪ ،‬فال داع لإلنتظار‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتعين على الحكومة أن تتخذ الخطوة األولى على طريق‬
‫اإلصالح عبر إرساء األسس الصحيحة والمناسبة لمكافحة الرشوة والفساد اإلداري‪ ،‬وسد الثغرات القانونية التي‬
‫يجري من خاللها التعدي على المال العام‪ ،‬وهذه من أوجب متطلبات "األيزو ‪."37001‬‬

‫على المنظمات غير الحكومية التي تواجه تحديات مماثلة أن تعمل بجدية إلستباق األعمال المخلَة لألنظمة‬
‫والقوانين‪ ،‬ولتجنب الوقوع في التجربة‪ .‬إن تطبيقها متطلبات "األيزو ‪ "37001‬بأمانة‪ ،‬وااللتزام الدقيق‬
‫باشتراطاتها‪ ،‬وبالمعايير والضوابط التي توجبها يجنب هذه المنظمات الوقوع في ما يمكن ان يهدد استم ارريتها‬
‫ووجودها‪ .‬فااللتزام بمندرجات هذه المواصفة يحميها من الفساد ويجعل من مكافحة الرشوة (والفساد) في‬
‫أمر بسيطا وقابال للتحقيق‪.‬‬
‫معامالتها ا‬

‫‪2‬‬

You might also like