You are on page 1of 15

‫مقياس أخالقيات المهنة و محاربة الفساد‬

‫االستاذة ‪ :‬قيراط سهيلة‬


‫المحور الثاني ‪ :‬محاربة الفساد‬

‫ثالثا‪ :‬أسباب الفساد‬

‫يمكن إرجاع أسباب وجود الفساد االقتصادي عموما و نموه و انتشاره‪ ،‬إلى أسباب اقتصادية و أخرى‬
‫سياسية و اجتماعية و ثقافية نلخصها على النحو التالي‪:‬‬

‫‪.1.3‬األسباب االقتصادية‬

‫‪.1.1.3‬تدخل الحكومة في األنشطة االقتصادية‬


‫إن أحد األسباب الرئيسية لظهور الفساد هي تدخل الحكومة في األنشطة االقتصادية ذلك ألن األفراد‬
‫بطبيعتهم يميلون إلى منح الرشى للمسؤولين لتخطي القواعد و النظم و اإلجراءات العامة‪ ،‬كما يختلف‬
‫المسؤ ولون أحيانا في رفض تلك الرشى و يأخذ التدخل الحكومي أشكاال عدة نذكر منها تحميل اإلدارة‬
‫العامة و تدخل الحكومة في أعباء و مهام جسام تتطلبها برامج التنمية الطموحة‪ ،‬هذا يستلزم تخويلها‬
‫صالحيات واسعة و مدها بموازنات و اعتمادات مالية كبيرة و من المؤسف أن يتم هذا دون تمكينها من‬
‫بناء مؤسساتها و تطوير قدراتها و تأهيل كوادرها و تحصين قيادتها ضد احتماالت اإلنحراف و االستغالل‬
‫أو إخضاعها للمتابعة و الرقابة و المساءلة‪ ،‬فتحميل اإلدارة العامة بأعباء تفوق طاقاتها و تركها تتصرف‬
‫بالمال العام دون رقابة مالية أو محاسبة سياسية و جماهرية يعد مناخا مالئما للفساد و جوا صالحا‬
‫للمفسدين و يأخذ التدخل الحكومي أشكاال عدة نكر منها‪:‬‬

‫‪-‬خلق قيود االستيراد ‪:‬‬


‫كنظام الحصص مثال حيث يصبح الحصول على رخصة استيراد عمال مربحا بدرجة كبيرة‪ ،‬لهذا يهتم‬
‫المستوردون برشوة المسؤولين الحكوميين من أجل التربح‪ ،‬كما أن حماية الصناعة المحلية‪ ،‬يخلف مراكز‬
‫شبه احتكارية للصناعات البديلة للواردات‪ ،‬وسيحاول المنتجون المحليون دائما استمرار هذه الحماية من‬
‫خالل إفساد المسؤولين الحكوميين و السياسييين المعنيين باألمر‪.‬‬
‫‪-‬منح اإلعانات الحكومية ‪:‬‬
‫تمثل تلك اإلعانات مصدرا مهما للبحث عن الريع و تشير الدراسات إلى أن الفساد يمكن أن ينتشر في ظل‬
‫السياسات المالية التي ال تصمم جيدا للصناعات المستهدفة باإلعانات‪ ،‬كما تبين أنه كلما زاد حجم هذه‬
‫اإلعانات زاد مؤشر الفساد في ذلك المجتمع‪.‬‬

‫‪-‬التحكم في األسعار‪:‬‬
‫في هذه الحالة نجد أن انخفاض أسعار السلع عن سعر السوق ألغراض اجتماعية أو سياسية يكون مصدرا‬
‫مهما للبحث عن الريع‪ ،‬حيث تخلق هذه األسعار اإلدارية حوافز لألفراد و المجتمعات لرشوة المسؤولين‬
‫من أجل الحفاظ على تدفق مثل هذه السلع أو الحصول على نصيب غير عادل منها‪ ،‬و ينطبق القول نفسه‬
‫على أسعار الصرف المتعددة و أيضا حصص الصرف األجنبي‪ ،‬فإذا وجد أكثر من سعر صرف للعملة‬
‫األجنبية في الداخل وفقا لنوع الواردات مثال‪ ،‬أو لكيفية استخدام الصرف األجنبي‪ ،‬سيؤدي هذا إلى خلق‬
‫الحوافز للحصول على العملة األجنبة بالسعر األدنى‪ ،‬و في حاالت أخرى تزداد حدة ندرة الصرف‬
‫األجنبي‪ ،‬مما يجعل السلطات االقتصادية تخصص استخدامه‪ ،‬وفي كلتا الحالتين سيحاول األفراد و‬
‫الجماعات رشوة المسؤولين للحصول إما على السعر األدنى أو على حصة أكبر من الحصة المقررة لمثل‬
‫هذا االستخدام ‪ .‬و هكذا يتضح لنا أن وجود بعض القيود أو التنظيمات في أيدي المسؤولين الحكوميين‬
‫يعطيهم قوة احتكارية في منح الرخص و التصاريح و حقوق اإلنتاج أو التسويق‪ .‬و هذا ما يمكن أولئك‬
‫المسؤولين من الحصول على الرشى‪.‬‬

‫‪-‬الكتمان و االحتكار و المحاسبة‪:‬‬


‫فكلما تمتع الموظفين العموميين السياسيون بدرجة أعلى من الكتمان و السرية و االحتكار‪ ،‬و بدرجة أقل‬
‫من المحاسبة‪ ،‬زادت احتمالية وقوع الفساد‪ ،‬فالمنصب الحكومي يعطي صاحبه درجات متباينة من‬
‫السيطرة على األنشطة الحكومية‪ ،‬مثل عقود المشتريات و االستثمارات الحكومية المختلفة و الحوافز‬
‫الضريبية‪ .‬إن مثل هذه األدوات الالنهائية تغرى بالفساد خاصة مع قصور نظام الشفافية و المحاسبة‬
‫المعمول بهما‪.‬‬

‫‪.2.1.3‬نخفاض مستويات األجور الحكومية‬


‫توجد عالقة عكسية بين معدل الفساد و المستوى المنخفض لألجور في القطاع الحكومي مقارنة ‪،‬مما يحفز‬
‫لجوء أصحاب األجور المنخفضة لتحسين دخلهم بالقطاع الخاص أو القطاع الصناعي باستغالل وظائفهم‬
‫الحكومية عن طريق الرشوة التي تكرس الفساد‪ ،‬و هذا لتحقيق التوازن مع اإلنفاق الخاص ‪ .‬و في هذا‬
‫إطار يدعم الدكتور عامر الكبيسي في كتابه الفساد و العولمة ـ تزامن ال توأمه ـ ما سبق ذكره ‪":‬إن جمود‬
‫السياسات األجور و المرتبات و عدم مواكبتها للظروف االقتصادية و التغيرات الجذرية في المجتمع مما‬
‫يجعلها عاجزة عن توفير الحد األدنى من مستلزمات العيش المقبول لشرائح الموظفين فيظطرون إلى سد‬
‫حاجياتهم بوسائل و طرق غير مشروعة كقبول الرشاوي و الهدايا و تزوير الوثائق و تمرير المعامالت‬
‫و التساهل في دفع الضرائب و الرسوم و غيرها‪.‬‬

‫‪.3.1.3‬تضخم الجهاز اإلداري‬


‫بمعنى أن حجم القطاع العام يفوق احتياجته‪ ،‬و من شأن هذا أن يعقد اإلجراءات اإلدارية‪ ،‬و يضعف‬
‫التواصل مع المواطنين‪ ،‬باإلضافة إلى كونه يعد هدرا لموارد الدولة‪ ،‬كما نسجل عدم المساواة و تكافؤ‬
‫الفرص الناتج عن المحسوبية و الوساطة‪ ،‬عدم وجود الشفافية و المساءلة‪ ،‬عدم وضع المواطن في صلب‬
‫اهتمام اإلدارة و ضعف التدريب اإلداري و عدم انتظامه ‪ .‬إن وجود هذا الكم الهائل من المشاكل‪ ،‬سيمنع‬
‫حتما األجهزة اإلدارية من أن تكون أداة فعالة لتنفيذ سياسات الدولة‪ ،‬و تقديم الخدمات الالزمة للمواطن‪.‬‬

‫‪.4.1.3‬وجود قاعدة موارد طبيعية كبيرة في المجتمع‬


‫ألن توفر ثروة طبيعية كبيرة في المجتمع يغري المسؤولين لممارسة أعمال الفساد بصورة أكبر مما في‬
‫المجتمعات ذات الموارد المحدودة‪.‬‬

‫‪.5.1.3‬كبر نسبة موازنة الدفاع في الموازنة العامة‬


‫يرجع ذلك إلى طبيعة السرية المتوقعة في عقد العقود المرتبطة بتوريد األسلحة‪ ،‬وانخفاض درجة الشفافية‬
‫في الحصول على المعدات العسكرية حيث ال تنتشر و ال تناقش مثل هذه العقود في المجالس التشريعية‪.‬‬

‫‪.2.3‬األسباب السياسية للفساد‬

‫‪.1.2.3‬الحكومات الضعيفة‬
‫يؤدي ضعف الحكومة إلى تنمية الفساد و يمكن الحكم على مدى ضعف أو قوة الحكومة من خالل معرفة‬
‫مدى الغموض أو الشفافية في معامالتها االقتصاية‪ ،‬مدى اتباع اإلجراءات و النظم الموضوعية في‬
‫التعيينات و الوظائف ومدى قصور أو فعالية الرقابة على أنشطة الدولة ‪ .‬إنطالقا من هذه العوامل توضح‬
‫دراسة في عام ‪ Evans Rauchand 1997‬أنه كلما كانت التعيينات و الوظائف تعتمد بصورة أقل على‬
‫الجدارة و الكفاءة‪ ،‬انخفضت شفافية تشغيل األفراد و ترقياتهم‪ ،‬ودخلت بدال منها المحاباة و زادت معدالت‬
‫الفساد‪ ،‬وانخفضت من ناحية أخرى الرقابة المؤسسية‪ ،‬و ينخفض بسببها احتمال الوقوع في قبضة العدالة‬
‫في ظل وجود حكومات ضعيفة‪ .‬إن وجود رقابة فعالة يعكس في الحقيقة أهمية محاربة الفساد في نظر‬
‫القيادة السياسية‪ ،‬تلك الرقابة تعد الخط األول للدفاع ضد الفساد ‪ ،‬ويتطلب ذلك توفر العناصر التالية ‪:‬‬
‫المشرفون األكفاء و األمناء‪ ،‬مكاتب مراجعة جيدة‪ ،‬قواعد واضحة للسلوك األخالقي و إجراءات جيدة‬
‫وواضحة لممارسة الرقابة ‪ .‬و ألن الحكومات الضعيفة ال يتوفر فيها مثل هذه العناصر‪ ،‬فإن اكتشاف‬
‫الفساد يتم بها غالبا بواسطة المصادفة أو من خالل التقارير من خارج المؤسسة و منها وسائل اإلعالم ‪ .‬و‬
‫في تلك الحكومات الضعيفة نجد أن التقارير الرقابية ترسل عادة بصورة سريعة إلى الرؤساء المباشرين‬
‫بدال من ارسال بصورة علنية إلى الهيئة التشريعية أو القضائية‪ .‬وفي حاالت أخرى ليس لهذه الهيئات‬
‫القوة لفرض العقوبات‪ ،‬كما ال تتم المتابعة المستمرة لمثل هذه التقارير‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ .2.2.3‬عدم اهتمام القيادة السياسية بمحاربة الفساد‪:‬‬
‫ألن القيادة السياسية هي القدوة و المثل لباقي مسؤولي الدولة‪ ،‬فالبد أن تكون هي السباقة في مكافحة‬
‫الفساد‪.‬‬

‫‪ .3.3‬األسباب اإلجتماعية و الثقافية‬

‫‪.1.3.3‬نمط العالقات و األعراف و الوعي بين أفراد المجتمع‬


‫يجمع علماء االجتماع و اإلدارة على أن األجهزة اإلدارية ال تعمل في فراغ و أن للبيئة الخارجية‬
‫المحيطة بها تأثير مباشر على سلوك العاملين فيها ‪ .‬و عالقات أفراد المجتمع السلبية و عاداتهم و تقاليدهم‬
‫الموارثة تفرض نفسها على المنظمات‪ ،‬فعندما تقوى الروابط االجتماعية بين أفراد الطائفة الواحدة أو‬
‫القبلية في المجتمع‪ ،‬يميل المسؤولون الحكوميون لتفضيل أقاربهم و أصدقائهم ‪ ،‬ويتم التوظيف حسب‬
‫االنتماءات العشائرية و االقليمية و الطائفية‪ ،‬في المناصب العليا و المهمة التي يستطيعون من خاللها‬
‫تحقيق المكاسب الخاصة و المزايا غير المشروعة ‪ .‬مما يؤدي إلى نمو الفساد في المجتمع‪.‬‬

‫‪ .2.3.3‬تعقد القوانين الضريبية و صعوبة فهمها‬


‫يتم خرق القوانين بسبب عدم دقتها‪ ،‬مما يفتح الباب للتأويالت و التفسيرات المختلفة من قبل الموظفين‬
‫العموميين‪ ،‬فيمكن القول أن هناك الثنائية في تطبيق النصوص القانونية و في تفسيرها تبعا لألطراف و‬
‫الجهات التي تطبق بحقها‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تعقد التشريع الضريبي وما يحويه من اعفاءات‬
‫و تخفيضات‪ .‬كل هذا يساهم في زيادة عملية التهرب الضريبي و بالتالي الفساد االقتصادي‪.‬كما أن وجود‬
‫حسابات خارج الموازنة يزيد أيضا نمو الفساد ألن تلك الحسابات ال تكون خاضعة للرقابة البرلمانية‬
‫مقارنة بحسابات الموازنة العامة‪.‬‬

‫‪ .3.3.3‬قلة معاقبة المفسدين‬


‫على الرغم من تفشي ظاهرة الفساد إال أننا نالحظ انخفاض عدد األفراد الذين يعاقبون بتهمتها‪ ،‬و هكذا‬
‫نجد فجوة كبيرة بين العقوبات المنصوص عليها قانونيا و الجزاءات العقوبات الفعالة‪ ،‬كما تتسم اإلجراءات‬
‫اإلدارية لمعاقبة الموظف العام الفاسد بأنها بطينة و مرهقة‪ ،‬و غالبا ما تمنع العوائق القانونية و السياسية و‬
‫اإلدارية التطبيق العاجل و الكامل للعقوبات‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬آثار الفساد‬

‫‪.1.4‬آثار الفساد االقتصادي على النمو‬


‫تبين كثير من الدراسات أن للفساد آثار سالبة في كل من الكفاءة و النمو االقتصاديين‪ ،‬من خالل تأثيرات‬
‫الفساد غير المالئمة على كل من الحافز على االستثمار و األنشطة اإلنتاجية (مقارنة باألنشطة الباحثة عن‬
‫الريع) ‪ ،‬و على نوعية و كفاءة المرافق العامة‪ ،‬و األسواق و تخصيص الموارد و العدالة في توزيع‬
‫الدخل‪.‬‬

‫‪.1.1.4‬الفساد و الحافز على اإلستثمار‬


‫يقلل الفساد من الحافز على اإلستثمار‪ ،‬ألن رجال األعمال في البيئة الفاسدة عليهم أعباء اضافية عند‬
‫قيامهم بأنشطتهم اإلستثمارية‪ ،‬فعليهم ‪ :‬دفع الرشى حتى يسمح لهم ببدء نشاطهم‪ ،‬دفع الرشى عند القيام‬
‫باإلجراءات المختلفة المرتبطة بالمشروع و الحصول على التصاريح و على التوثيق ‪ .‬و سيؤدي هذا‬
‫بالطبع إلى زيادة تكلفة األعمال خصوصا للمشروعات الصغيرة و المتوسطة‪ ،‬ويزيد من درجة عدم التأكد‬
‫في االقتصاد القومي‪ ،‬مما يقلل من حفز رجال األعمال على اإلستثمار‪ ،‬و يعيق النمو االقتصادي ‪ .‬في‬
‫الواقع يفرض الفساد على رجال األعمال ضريبة سيئة ‪ ،‬ألنها ضريبة عشوائية تحكمية و ذات تكلفة عالية‬
‫جدا على الرفاهية االقتصادية و ذات عبء كبير‪.‬‬
‫‪ -‬يسهم الفساد المالي واإلداري في تراجع دور االستثمار العام وإضعاف مستوى الخدمات في البنية التحتية‬
‫بسبب الرشاوى واالختالسات التي تحد من الموارد المخصصة لالستثمار في هذه المجاالت وتؤثرفي‬
‫توجيهها بالشكل السليم أو تزيد من كلفتها الحقيقية‪.‬‬
‫‪ -‬للفساد المالي واإلداري دور كبير في تحديد حجم وجودة موارد االستثمار األجنبي‪ ،‬ففي الوقت الذي‬
‫تسعى فيه الدول النامية إلى استقطاب موارد االستثمار األجنبي بأكبر حجم وأفضل جودة لما يمكن أن‬
‫تحققه هذه االستثمارات من توفير الموارد المالية وفرص العمل ونقل المهارات والتكنولوجيا‪ ،‬فقد برهنت‬
‫الدراسات وأثبتت التجارب أن الفساد المالي واإلداري يقلل من حجم هذه االستثمارات ويضعف من‬
‫جودتها في بناء وتعزيز االقتصاد الوطني‪ ،‬بل انه قد يقود إلى جعلها عبئا كبيرا على موارد الدولة‪،‬‬
‫باإلضافة إلى عزوف المستثمر األجنبي عن االستثمار بسبب تخوفه من أضرار الفساد باستثماره‪.‬‬
‫‪ -‬يقود الفساد إلى إساءة توزيع الدخل والثروة‪ ،‬من خالل استغالل أصحاب السلطة والنفوذ لواقعهم‬
‫ومناصبهم المميزة في المجتمع والدولة‪ ،‬مما يسمح لهم بالسيطرة على معظم الموارد االقتصادية والمنافع‬
‫الخدمية التي تقدمها الدولة مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه الطبقة وبقية أفراد المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬كما يؤدي إلى التقليل من كفاءة االقتصاد ويضعف من النمو االقتصادي باإلضافة إلى أنه يقوم بزيادة‬
‫مديونية الدولة‪.‬‬

‫‪.2.1.4‬يزيد الفساد من عائد البحث عن الريع مقارنة بالعمل المنتج‬


‫وهكذا نجد أن الفساد يشوه الحوافز نحو العمل‪ ،‬فيخصص األفراد وقتهم لممارسة الفساد و ليس األنشطة‬
‫المنتجة‪ ،‬و يغري هذا بالطبع أصحاب المهارات و المواهب باإلتجاه نحو األعمال الباحثة عن الريع بدال‬
‫من العمل النتج ما يقلل من معدل النمو االقتصادي‪.‬‬

‫‪.3.1.4‬يقلل الفساد من اإليرادات العامة و يزيد من النفقات العامة‬


‫يأخذ الفساد في هذه الحالة شكل التهرب الضريبي‪ ،‬أو محاولة الحصول على إعفاءات ضريبية غير‬
‫مشروعة‪ ،‬كما يزيد من تكلفة بناء و تشغيل المشروعات العامة‪ ،‬و يحقق هذا نتائج عكسية على الموازنة‬
‫العامة للدولة‪ ،‬حيث ال تستطيع الحكومة القيام بممارسة السياسة المالية السليمة؛ و قد تزداد حدة مشكلة‬
‫عجز الموازنة إذا تم تمويله بواسطة الجهاز المصرفي‪ ،‬مما يولد معه تضخما و عدم استقرار اقتصادي‬
‫األمر الذي يعيق النمو االقتصادي‪.‬‬

‫‪.4.1.4‬يقلل الفساد من نوعية المرافق العامة و كفاءتها‬


‫يتحقق ذلك بالطبع عندما يتم إرساء الهبات و العطاءات بصورة فاسدة‪ ،‬ألنه سيؤدي إلى منح عقود‬
‫األشغال العامة للمؤسسات األقل كفاءة التي تدفع الرشى و يقلل هذا بدوره من نوعية و كفاءة الخدمات‬
‫العامة و ال يشجع المشروعات اإلنتاجية و التحويلية على اإلستفادة من وفورات الحجم من هذه‬
‫المشروعات و النمو االقتصادي الناجم عنها‪.‬‬
‫‪.5.1.4‬يشوه الفساد تركيب النفقات العامة‬
‫ففي ظل الفساد يميل المسؤولون الحكوميون لإلهتمام بأنواع النفقات العامة التي تخلق فرصا أكبر للربح‬
‫من خالل الرشى‪ ،‬و في هذا المجال سوف يميلون لإلنفاق على المشروعات الكبيرة التي يصعب متابعة‬
‫أرقامها كمشروعات البنية التحتية ذات النوعية المخفضة‪ ،‬أو ما يطلق عليها « ‪« Elephant White‬أو‬
‫أنظمة الدفاع المتقدمة‪ ،‬و ال يميلون لإلنفاق على الكتب و المدرسين و الصحة العامة‪ .‬و ال شك في أن ذلك‬
‫يتعارض مع الكفاءة االقتصادية و معدالت العائد اإلجتماعي األعلى التي تتحقق عادة نتيجة اإلهتمام‬
‫بالمشروعات الصغيرة‪ ،‬و اإلنفاق على تنمية الموارد البشرية و على األنشطة اإلبداعية بوجه خاص‪.‬‬

‫‪.6.1.4‬يشوه الفساد األسواق و تخصيص الموارد‬


‫يتحقق ذلك من خالل تخفيض قدرة الحكومة على فرض الرقابة على نظم التفتيش لتصحيح فشل السوق‪،‬‬
‫و من ثم ال تمارس الحكومة أنشطتها الرقابية بصورة جيدة على البنوك و المستشفيات‪ ،‬و التجارة‬
‫الداخلية‪ ،‬و النقل‪ ،‬و األسواق المالية‪... ،‬و غيرها ‪.‬و يشوه هذا بدوره من الوظيفة السياسية للحكومة في‬
‫تنفيذ العقود و توفير الحماية لحقوق الملكية‪ ،‬كما يوجه الفساد طالبي الوظائف نحو الميادين التي تتيح لهم‬
‫توليد دخل إضافي عن طريق الرشوة‪ ،‬كما في ميادين جباية الضرائب و الرسوم الجمركية و غيرها ‪ .‬و‬
‫أخيرا فإن إجراءات التوظيف و الترقية في القطاع العام القائمة على المحسوبية‪ ،‬تؤدي إلى تخفيض نوعية‬
‫اإلدارة و كثرة القرارات الخاطئة ما ينقص من همة العناصر البشرية المؤهلة و يشوه سوق العمل‪.‬‬

‫‪.7.1.4‬يزيد الفساد من الفقر و عدم العدالة في توزيع الدخل‬


‫يقلل الفساد من المقدرة على الكسب للفقراء‪ ،‬ألنهم لن يحصلوا بسببه على نصيبهم الموضوعي من‬
‫الوظائف و الفرص‪ ،‬كما يزيد من درجة عدم العدالة التوزيعية‪ ،‬إلستفادة األفراد في المناصب الحساسة‬
‫من فرص التربح غير المشروع‪ ،‬و يكون ذلك على حساب أفراد المجتمع اآلخرين‪ ،‬حيث ينال أصحاب‬
‫العالقات المميزة ـ عن طريق الرشوة و سائر أنواع الفساد ـ أفضل الوظائف‪ ،‬و العقود الحكومية األكثر‬
‫ربحية‪ ،‬و ما شابه ذلك من المميزات‪ ،‬ويقلل هذا بالشك من الحافز لدى فئة من أبناء الوطن للمساهمة‬
‫بصورة جادة في تحقيق النمو لالقتصادي طالما أن ثماره لن توزع بصورة عادلة‪ ،‬كما يضعف بصورة‬
‫واضحة دور الحكومة في إعادة توزيع الدخل‪.‬‬

‫‪.8.1.4‬يخلق الفساد "ثقافة الفساد‬


‫تجعل هذه الثقافة المسؤولين الحكومين يحرصون على عدم تغيير اللوائح و القواعد التي اغتنموا بسبسها‪،‬‬
‫بل علال العكس سيحاولون خلق المزيد منها من أجل التربح األكبر‪ ،‬و تنخفض هذه الثقافة من ثقة أفراد‬
‫المجتمع في الحكومة و من سلطاتخها األخالقية‪ ،‬و تسبب تكلفة اقتصادية حقسقسة و مهمة‪ ،‬حيث تزداد‬
‫درجة البيروقراطية الحكومية‪ ،‬و يهرب رأس المال األجنبي‪ ،‬كما يضعف الفساد من النظام البنكي الوطني‬
‫و يزيد من درجة عدم التأكد‪ ،‬كما يمكن أن يقلل من فرص الدولة في الحصول على المساعدات و‬
‫القروض األجنبية‪ ،‬ألن الموارد المالية المقدمة في شكل مساعدات خارجية‪ ،‬ستستخدم في مشروعات‬
‫غايتها اإلثراء للسياسين الفسدين و من يشاركهم‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬التدابير العالجية لمكافحة الفساد االقتصادي‬

‫إ ن محاربته ليست باألمر الهين‪ ،‬و ينبغي أن تشمل على العديد من الجبهات و ليس على جبهة واحدة‪ ،‬و‬
‫قبل كل شيئ تبدأ التدابير العالجية بضرورة اإلعتراف بوجود المشكلة والوعي بآثارها السلبية التي تمس‬
‫مختلف نواحي الحياة االقتصادية و السياسية و اإلجتماعية للمجتمع‪.‬‬
‫‪.1.5‬اإلعتراف بوجود المشكلة و إصالح الدولة‬
‫استراتيجيا و لمعالجة الفساد البد من اإلعتراف أوال بأنه يشكل مشكلة حقيقية‪ ،‬تؤثر سلبا على االقتصاد‬
‫القومي و النمو االقتصادي‪ ،‬و أن ممارستها ناتجة من طلب بعض األفراد‪ ،‬عن طريق إغراء الموظفين‬
‫العموميين الذين يعرضون هذه الخدمة بمقابل‪ ،‬و هكذا يوجد طلب و عرض للفساد ‪ .‬و لذا فإن مدى شفافية‬
‫المعامالت النظامية تحدد مدى إمكانية محاربة الفساد‪ ،‬و إن محاربته ليست مستقلة عن اصالح حكم الدولة‬
‫و تغيير دورها‪.‬‬
‫‪-‬يرى البعض أنه قد يترتب على انخفاض معدالت األجور في بعض الدول تشغيل أعداد كبيرة من‬
‫الموظفين دونما حاجة حقيقية لهم‪ ،‬و يعني هنا أن الحكومة استبدلت األجور العالية للموظفين بأعدادهم‬
‫على قوائم المرتبات‪ ،‬في هذه الحال ال ينصح بزيادة معدالت األجور لتخفيض الفساد‪ ،‬و إنما يكون‬
‫األفضل هو تخفيض عدد الموظفين و رفع األجور الحقيقية لهم ‪.‬‬
‫‪-‬كما يقترح البعض ضرورة زيادة العقوبات على جرائم الفساد التي يتم اكتشافها لتقليل معدالتها‪ .‬و هذا من‬
‫األهمية بمكان حيث تؤدي آليات الرقابة و العقاب في كثير من األحيان إلى تقليص الفساد‪ ،‬و يمكن أن يتم‬
‫ذلك من خالل زيادة شفافية القوانين و القواعد و زيادة كفاءة النظام القضائي ‪.‬‬
‫‪ -‬و من المعروف أن قيام الدولة بتوفير السلع و الخدمات بأسعار أقل من أسعارها السوقية‪ ،‬يوجد الفرصة‬
‫لظهور الفساد في القطاعات االئتمان و الصرف األجنبي‪ ،‬و المرافق العامة‪ ،‬و التعليم و الرعاية الصحية‪،‬‬
‫و السلع التمويلية و غيرها‪ ،‬ذلك ألن السعر المنخفض أو التوفير المجاني للسلع و الخدمات يخلق طلبا‬
‫زائدا عليها‪ ،‬و يتطلب بدوره وسائل أخرى لترشيد استهالكها (غير السعر)‪ ،‬و هذه الوسائل يظهر معها‬
‫الفساد‪ ،‬و هكذا فإن رفع تلك األسعار إلى مستوياتها التوازنية سيلغي أو يقلل الفساد‪ ،‬و لكن هذا الرفع بعينه‬
‫سيغير من دور الدولة االجتماعي للمواطنين ‪ .‬و من خالل هذه األمثلة الثالثة السابقة يتبين لنا أن محاربة‬
‫الفساد تستوجب تصحيح دور الدولة ‪ .‬و إضافة إلى ما تقدم ينبغي اتخاذ الخطوات التالية لمكافحة الفساد‪.‬‬

‫‪ .2.5‬التدابير االقتصادية و السياسية‬


‫‪ .1.2.5‬إصالح االقتصاد الوطني‬
‫ضرورة إصالح االقتصاد الوطني من خالل تحريره‪ ،‬باستخدام مختلف الطرق‪ ،‬كإلغاء القيود و التنظيمات‬
‫الحكومية ‪ Dérégulation‬و تحرير السياسات ‪ ،Libéralisation‬و فتح األسواق الداخلية للخارج من‬
‫خالل تخفيض القيود التعريفية و غير التعريفية‪ ،‬و إلغاء الرقابة على الصرف األجنبي في المعامالت‬
‫الخارجية‪.‬‬

‫‪.2.2.5‬إصالح االختالالت في المالية العامة و تحسين إدارة الموازنة العامة‬


‫و يتم ذلك من خالل إصالح اإليرادات و النفقات العامة و الموازنة ‪.‬‬
‫‪-‬في جانب اإليرادات العامة‪ :‬تفعيل جباية الضرائب‪ ،‬و إلغاء الكثير من اإلعفاءات الضريبية‪ ،‬و توسيع‬
‫الوعاء الضريبي ‪.‬‬
‫‪ -‬في جانب النفقات العامة‪ :‬تقليص الدعم خصوصا ذلك الذي ال يصل إلى مستحقيه‪ ،‬و استخدام المعايير‬
‫الكمية المالئمة لألداء بالنسبة لإلنفاق العام‪ ،‬و تحسين إدارة مراقبة النفقات العامة‪.‬‬
‫‪-‬بالنسبة للموازنة العامة‪ :‬ينبغي اإللتزام بمبدأ عمومية الموازنة‪ ،‬و الحد من الموازنات المستقلة أو‬
‫الملحقة بقدر اإلمكان لتوفير الرقابة‪ ،‬و خلق مواثيق أو مبادئ ‪ Codes‬للممارسات الجيدة في اإلدارة‬
‫المالية و النقدية تلتزم بها الدولة‪ ،‬مع تحسين األطر القانونية و المحاسبية و اإلحصائية في مجاالت‬
‫القوانين البنكية و الضريبية و الجمارك‪ ،‬و االحتكارات الطبيعية و غيرها بما يتفق مع المعايير الدولية ‪ .‬و‬
‫في هذا اإلطار لعل دعم التعاون مع المنظمات المعنية بمكافحة الفساد خصوصا البنك الدولي من أجل‬
‫االستخدام األفضل للموارد العامة و دعم الشفافية و المسؤولية الحكومية‪.‬‬

‫‪.3.2.5.‬ممارسة الديموقراطية‬
‫عل أهم الوسائل مكافحة الفساد اإللتزام بممارسة الديموقراطية و الحفاظ عليها في المجتمع‪ ،‬و ذلك أنه‬
‫كلما انخفض مستوى ممارسة الديموقراطية تزايدت فرص الفساد‪ ،‬و ذلك نتيجة لضعف أو انعدام‬
‫الضوابط و إجراءات الرقابة التي يمارسها المجتمع عن طريق مختلف مؤسساته كالصحافة و اإلعالم و‬
‫غيرها‪ ،‬فالدراسات توضح أن المجتمعات التي تسودها الديكتاتورية و تسيطر فيها الدولة على جميع‬
‫القرارات االقتصادية تكون معدالت الفساد فيها أكثر ارتفاعا ‪ .‬البد من إيجاد األطر القانونية و المؤسسية‬
‫التي يمكن من خاللها تطويق هذه الظاهرة‪ ،‬و بدء معالجتها‪.‬‬

‫‪.3.5‬التدابير االجتماعية و الثقافية‬


‫إن العالج الرئيسي و األساسي في مقاومة أي فساد يبدأ في الحقيقة و حسب أرينا بالذات الحقيقة و تتمثل‬
‫في خلق الوعي لدى أفراد المجتمع حول التكلفة االجتماعية الهائلة للفساد‪ ،‬و يمكن أن ينتشر الوعي عن‬
‫طريق ‪:‬‬
‫‪.1.3.5‬وسائل اإلعالم‬
‫‪ -‬يؤدي اإلعالم بمختلف وسائله الدور األهم في نشر ثقافة المال العام و القاعدة الحقوقية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫المنشو رات التي تصدرها الوزارات المعنية بشأن الضرائب و الرسوم و اإلنفاق العام‪ ،‬مع تقديم‬
‫الشروحات و التوضيحات الكافية حول األسباب و الظروف التي تضطر السلطات العامة إلى فرض‬
‫الضرائب و الرسوم‪ ،‬مع توضيح أهميته‪ ،‬بمعنى نشر ثقافة الضريبية من خالل إعالم مالي و شفافية و‬
‫مساءلة و تضامن للصالح العام‪ ،‬و بهذا المساهمة في تنمية الثقة بحسن إدارة المال العام‪.‬‬
‫‪-‬كما ينبغي لوسائل اإلعالم أن ترسخ في أذهان المواطنين أن الفساد هو العائق األساسي للنمو االقتصادي‬
‫و لرفع مستوى المعيشة‪.‬‬
‫‪-‬نشر األخبار المتعلقة بالفساد و تعليقات األعمدة الصحافية صانعة الرأي عليها‪ ،‬و مناقشتها في الحوارات‬
‫اإلذاعية و التلفزيونية‪ ،‬و متابعة أصدائها داخل المجتمع‪ ،‬من شأنه خلق رأي ضاغط يربك القوى النافذة‬
‫حامية الفساد‪.‬‬

‫‪.2.3.5‬المؤسسات التعليمية‬
‫و ذلك بإنتاج وسائل تعليمية حول المال العام‪ ،‬و الشفافية‪ ،‬و المساءلة‪ ،‬مكملة لمضمون برامج التربية‬
‫المدنية ‪.‬‬
‫مع ضرورة تبني القيادات السياسية العليا في المجتمع و نوابه البرلمانيين مكافحة الفساد ضمن مبادئ‬
‫المسؤولية و الشفافية و النزاهة‪ ،‬و أن تقتنع هذه القيادات بأن وسائل المكافحة يمكن أن تؤتي ثمارها ‪ .‬و‬
‫لعل هذا العنصر " خلق الوعي لدى الجمهور" من األهمية بمكان في مكافحة الفساد ألنه من دون مساندة‬
‫الجمهور لجهود المكافحة لن يتححقق اإلصالح المنشود ‪ .‬ينبغي أن يدرك الجمهور أن الفساد العام هو من‬
‫أشد معوقات النمو االقتصاد ي ‪ ،‬لتأثيره السلبي في االستثمار و في استراتيجيا التنمية االقتصادية‪ ،‬و أنه‬
‫حتى بالنسبة للدول التي حققت نموا اقتصاديا مع وجود الفساد فإنها ستدفع ثمنا باهضا مستقال ألن الفساد‬
‫يغذي نفسه‪ ،‬و من ثم سيولد سلسلة أطول من المكافآت و العوائد غير القانونية ما سيقوض التنمية و التقدم‬
‫ال محالة‪.‬‬

‫‪.4.5‬الحكم الراشد و النمو االقتصادي‬


‫لقد ظهر مصطلح الحكم الراشد وتوافق مع تطور مفاهيم التنمية و النمو‪ ،‬بإدخال مفهوم الحكم الراشد في‬
‫أدبيات منظمات األمم المتحدة‪ ،‬و مؤخرا البنك الدولي و صندوق النقد الدولي‪ ،‬و يعود السبب في ذلك إلى‬
‫أن النمو االقتصادي لبعض البلدان لم يترافق مع تحسين مستوى عيش أغلبية السكان‪ ،‬و بهذا فإن تحسن‬
‫الدخل القومي ال يعني تلقائيا تحسين نوعية الحياة ألفراد المجتمع ‪.‬و من المالحظ اليوم أن صندوق النقد‬
‫الدولي و البنك العالمي يدافعان و يحفزان بقوة على مبادئ الحكم الراشد كأساس للسياسات االقتصادية في‬
‫العالم‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬محاربة الفساد من طرف الهيئآت والمنظمات الدولية و استراتيجياتها‬


‫ازداد اهتمام الدول بالفساد و المشكالت النامجة عنه في العقد األخير من القرن العشرين ‪ ،‬و يرجع هذا‬
‫اإلهتمام المتزايد بتقدير كثير من الباحثين إلى تعاظم االثار السلبية للفساد على مختلف جوانب التنمية‬
‫االقتصادية و االجتماعية و السياسية و حتى البيئية‪ ،‬و قد بذلت العديد من المنظمات و الهيئات الدولية‬
‫جهودا كبيرة و معتبرة في محاربة هذه الظاهرة‪ ،‬و في الوقت ذاته حاولت توفير الحكم الراشد‪.‬‬

‫‪ .1.6‬منظمة الشفافية الدولية‬


‫أنشأت منظمة الشفافية الدولية في سنة ‪ 1993‬على يد عدد كبير من كبار المسئولين السابقين في البنك‬
‫الدولي الذين كانت لهم رؤية مسبقة و معلومات عن حجم الفساد الممارس على المستوى الدولي‪ ،‬مقرها‬
‫برلين في ألمانيا‪ ،‬و شعارها هو "اإلتحاد العاملي ضد الفساد"‪ ،‬و هي تعتبر من أهم المنظمات غير‬
‫الحكومية نشاطا و فعالية في مجال مكافحة الفساد‪ ،‬الذي أصبح يلتهم ليس فقط جهود التنمية المحلية‪ ،‬بل‬
‫حتى الجهود الدولية المتمثلة في المنح و القروض‪ ،‬حيث تقوم المنظمة بإصدار تقريرا سنواي عن الفساد‬
‫في العالم بناء على معلومات تقوم بتجميعها من رجال األعمال و األكادميين و موظفين بالقطاع العام في‬
‫كل دولة ‪ .‬و تقوم المنظمة على مجموعة من المبادئ اإلرشادية تتلخص فيما يلي ‪:‬‬
‫‪-‬إدراك أن مخاطر الفساد تتعدى حدود الحاالت الفردية‪ ،‬و لذا فهناك مسؤولية مشتركة و عامة لمحاربته‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار الحركة ضد الفساد حركة عالمية تتجاوز النظم االجتماعية و السياسية و االقتصادية و الثقافية‬
‫داخل كل دولة‪.‬‬
‫‪-‬االهتمام أكثر بمبادئ الحكم الراشد كالمشاركة‪ ،‬الشفافية‪ ،‬المساءلة‪ ،‬الالمركزية على المستوى المحلي‪.‬‬
‫‪-‬إدراك أن هناك أسباب عملية قوية و أخرى أخالقية لوجود الفساد‪.‬‬
‫من هذا المنطق كان الهدف األساسي للمنظمة كما جاء في ورقتها التأسيسية هو الحد من الفساد على‬
‫المستوى الدولي عن طريق تفعيل اتحاد عالمي لتحسين و تقوية نظم النزاهة المحلية و العاملية و الزيادة‬
‫من نسب وفرص مساءلة الحكومات و المسؤولين ‪ ،‬من اجل متابعة ممارسات الفساد و كشف صفقاته ‪ ،‬و‬
‫الوقوف على مـدى انتشاره و تورط المسئولين في مختلف دول العالم فيه ‪ ،‬كما تهدف أيضا لزيادة الوعي‬
‫العام بمخاطر الفساد و تقوية المجتمع المدني و تشجيعه على مراقبة و مساءلة الحكومات عن مختلف‬
‫الصفقات المشبوهة مع رجال األعمال المتورطين في قضايا الفساد باإلضافة إلى ما سبق تعمل منظمة‬
‫الشفافية الدولية على تتبع و رصد التغيرات التي حدثت في كل دولة في مجال مكافحة الفساد ‪ ،‬و بيان‬
‫أسباب التراخي في مكافحته و تدعوا الحكام و المسؤولين إلى بذل المزيد من الجهود لمواجهة هذه‬
‫الظاهرة و تساعدهم في ذلك من خالل تزويدهـم بقاعدة من المعرفة و الخبرات حول برامج المكافحة و‬
‫تحسين طريقة الحكم و توفير الشفافية و المساءلة ‪ .‬وعليه يمكن تلخيص أهدافها فيما يلي ‪:‬‬
‫‪-‬إختراق جدار الصمت الذي يحيط بقضايا الفساد في الدول ‪ ،‬التي يتورط في أغلبها كبار السياسيين‬
‫والعسكريين مما يجعل القضايا جد حساسة‪.‬‬
‫‪-‬خلق مناخ قادر على التعاون والشفافية في مكافحة الفساد‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة الوعي لدى الرأي العام نتيجة لتفشي ظاهرة الفساد وما نتج عنها من أضرار تؤدي إلى تأخر‬
‫التنمية ‪.‬‬
‫‪-‬محاولة إدراك واقع الفساد على المستوى العاملي والمحلي للقضاء على الظاهرة وال يتحقق ذلك إال من‬
‫خالل المجتمع المدني ‪.‬‬
‫‪-‬لفت إنتباه الصحافة ووسائل اإلعالم لقضايا الفساد من أجل تنوير الرأي العام المحلي والعالمي بمخاطر‬
‫الفساد‪.‬‬
‫و من أجل ثحقيق هذه األهداف تتبن المنظمة إستراتيجية مكونة من عدة عناصر تتمثل في ‪:‬‬
‫‪ -‬بناء تحالفات على مستوى المحلي و اإلقليمي و العالمي تضم كل من الحكومات ‪ ،‬المجتمع المدني ‪ ،‬و‬
‫القطاع الخاص من اجل محاربة الفساد الداخلي و الخارجي ‪.‬‬
‫‪-‬تنظيم و دعم الفروع المحلية للمنظمة لتحقيق مهمتها ‪.‬‬
‫‪ -‬القيام بتصميم و تنفيذ نظم النزاهة الفعالة ‪.‬‬
‫‪-‬جمع المعلومات عن الظاهرة و تحليلها و بلورة مناهج و أساليب جديدة لقياسها‪.‬‬
‫‪-‬العمل كمستشار فني متطوع لمكافحة ظاهرة الفساد‪.‬‬
‫‪-‬التعاون مع المؤسسات المالية و النقدية الدولية ذات السمعة المهنية المحترمة في هذا المجال‪.‬‬
‫‪.2.6‬إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد اإلداري‬
‫تبذل األمم املتحدة مجهودات معتبرة في مجال مكافحة الفساد على المستوى الدولي‪ ،‬و ذلك لما يطرحه‬
‫من مشاكل و مخاطر تهدد أمن و استقرار المجتمعات‪ ،‬و المؤسسات الديمقراطية و تمس القيم األخالقية و‬
‫تشوه قطاع العدالة و سيادة القانون‪ .‬حيث قامت في هذا المجال بإصدار العديد من القرارات‪ ،‬و إعداد‬
‫سياسات و برامج‪ ،‬باإلضافة إلى تنظيم مؤتمرات دولية و إقرار اتفاقيات لمكافحة الفساد‪ ،‬تهدف لتكثيف‬
‫الجهود الدولية لمنع الجرمية و إعداد الدراسات و األبحاث التي من شأهنا أن تحد من انتشار الفساد بجميع‬
‫صوره‪ .‬و قد تم عقد أول مؤمتر في سويسرا عام ‪ 1955‬بحضور ‪ 61‬دولة‪ ،‬و توالت بعدها العديد من‬
‫المؤتمرات و لعل أهمها مؤمتر القاهرة عام ‪ 1995‬شارك فيه حوالي‪ 200‬دولة‪ ،‬و يسبق هذه المؤمترات‬
‫عادة مؤمترات تحضيرية ‪ .‬وتعتبر اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد و برنامجها اإلنمائي من أهم‬
‫المبادرات الدولية في مجال مكافحة الفساد‪.‬‬
‫أثمرت الجهود السابقة بتبني األمم المتحدة بقرارها ‪ 4-58‬المؤرخ في ‪ 31‬سبتمبر ‪ 2003‬التفاقية لمكافحة‬
‫الفساد‪ ،‬حيث تضمنت هذه االتفاقية آليات التعاون بين الدول األعضاء لمقاضاة أعمال الرشوة و االختالس‬
‫و غسيل الموال و إساءة اأستعمال السلطة‪ .‬و لقد شارك في المفاوضات ‪ 130‬بلدا و التي دامت سنتين و‬
‫دخلت حيز التنفيذ في ‪ 14‬ديسمبر ‪، 2005‬و تعد من أكثر االتفاقيات تفصيال‪ ،‬إذ تتضمن ‪ 71‬مادة موزعة‬
‫على ثمانية فصول توضح مختلف أنماط الممارسات التي توصف بالفساد و األشخاص الذين تنطبق عليهم‬
‫صفات الموظفين العموميين‪ .‬كما تولي هذه االتفاقية عناية خاصة للتعاون الدولي و دوره في مكافحة الفساد‬
‫من خال ل تسهيل إجراءات تبادل المعلومات و اإلجراءات القضائية و استرداد األموال و التدريب و‬
‫المساعدة الفنية‪ ،‬كما تتميز هذه االتفاقية بآليات التنفيذ الواضحة و قد ساعد على ذلك إنشاء جهاز متكامل‬
‫له مكاتب متخصصة و قوانين و لوائح‪.‬‬

‫‪.3.6‬برانمج البنك الدويل لمساعدة الدول النامية في محاربة الفساد اإلداري‬


‫يعد البنك الدولي من أكثر األطراف الدولية اهتماما بمكافحة الفساد‪ ،‬لكونه من اكثر الجهات الراعية‬
‫لبرامج تنمية المجتمعات على المستوى الدولي‪ ،‬و من أكثرها إدراكا لمخاطر الفساد على التنمية و‬
‫استدامتها‪ .‬ففي دراسة أجراها‪ ،‬وجد أن الفساد يقضي على حوالي ‪ % 67‬من االقتصاد العالمي سنويا أي‬
‫ما يقدر بنحو ‪ 3.2‬تريليون دوالر‪ .‬و من هذا المنطلق فقد أعلن حملته ضد ما أطلق عليه "سرطان الفساد"‪،‬‬
‫و شدد على ضرورة تكامل الجهود الوطنية و الدولية في هذا المجال‪ ،‬و بادر بوضع إستراتيجية للقضاء‬
‫على الظاهرة‪ ,‬كما يعمل على مساندة الدول على تحسين طريقة الحكم‪ ،‬للتقليل من االثآر السلبية للفساد‬
‫على التنمية‪.‬‬
‫و تتضمن هذه اإلستراتيجية الجديدة لنشاطه في مجال مكافحة الفساد أربعة محاور رئيسية هي‪:‬‬
‫‪-‬منع كافة أشكال االحتيال و الفساد في المشروعات الممولة من طرف البنك الدولي كشرط أساسي لتقديم‬
‫العون للدول النامية‪.‬‬
‫‪ -‬تقديم العون للدول النامية التي تعتزم مكافحة الفساد وال سيما فيما يتعلق بتصميم و تنفيذ برامج المكافحة‬
‫و ذلك بشكل منفرد أو بالتعاون مع المؤسسات الدولية المعنية‪ ،‬وال يطرح البنك الدولي برنامجا موحدا لكل‬
‫الدول النامية بل يطرح نماذج متفاوتة تبعا لظروف كل دولة أو مجموعة دول‪.‬‬
‫‪-‬اعتبار مكافحة الفساد شرطا أساسيا لتقديم خدمات البنك الدولي في مجاالت رسم استراتيجيات المساعدة‪،‬‬
‫و تحديد شروط و معايير االقتراض‪ ،‬و وضع سياسة المفاوضات و اختيار و تصميم المشاريع‪.‬‬
‫‪-‬تقديم العون و الدعم للجهود الدولية لمحاربة الفساد‪.‬‬
‫و يرى البنك الدولي أن المعاجلة الناجحة للفساد في الدول النامية ال بد أن تستند بعد الدراسة الوافية‬
‫لظروف كل دولة‪ ،‬إلى مزيج من برامج اإلصالحات السياسية و االقتصادية و القانونية و اإلدارية‪ ،‬و ذلك‬
‫من خالل التركيز على الجوانب المباشرة‪ ،‬و تتضمن تلك البرامج إصالح الخدمة العامة بزيادة األجور و‬
‫تقييد المحسوبية السياسية في التوظيف و الترقية‪ ،‬و استقالل القضاء‪ ،‬و الفصل الفعال بين السلطات‬
‫لتعزيز مصداقية الدولة‪ ،‬كما نوه البنك الدولي إلى ضرورة تقوية آليات الرصد و العقاب المتعلقة بعمليات‬
‫الفساد مع ضمان التنفيذ الصارم لقانون العقوبات‪ ،‬إضافة إلى تعزيز فاعلية األجهزة التشريعية و الرقابية‬
‫و مؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة‪.‬‬

‫‪.4.6‬صندوق النقد الدولي‪FMI‬‬


‫يعتبر صندوق النقد الدولي من المنظمات الدولية الحكومية المعنية بمكافحة الفساد و الترويج لمبادئ و‬
‫آليات الحكم الراشد‪ ،‬و قد ساعده على ذلك ما يمتلكه من صالحيات و سلطات واسعة في مجال مراقبة‬
‫السياسات االقتصادية و المالية سواء على صعيد الدول األعضاء أم على الصعيد العالمي و تشمل هذه‬
‫الصالحيات بعض الجوانب المتعلقة بسياسات االقتصاد الكلي‪ ،‬الموازنة العامة للدولة‪ ،‬إدارة شؤون النقد و‬
‫االئتمان و سعر الصرف‪ ،‬تنظيم البنوك و المؤسسات المالية األخرى و الرقابة عليها‪ .‬و دافعه من وراء‬
‫هذه الرقابة تحقيق االستقرار المالي و النقدي في العالم على نحو يوفر الشروط المالئمة لتنمية شاملة و‬
‫مستدامة ‪.‬‬
‫فصندوق النقد الدولي يمارس ثالثة وظائف رئيسية يمكنه من خاللها التعامل مع قضايا الفساد و الحوكمة‬
‫بأساليب متنوعة و هي ‪:‬‬
‫‪-‬الوظيفة االستشارية ‪ :‬و التي تتيح للصندوق حق تقديم المشورة و إعداد المالحظات التي يراها ضرورية‬
‫لتصحيح السياسات االقتصادية و المالية‪ ،‬حيث يقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارات دورية للدول‬
‫األعضاء لجميع البيانات و مناقشة المسؤولين عن وضع و تنفيذ السياسات االقتصادية و المالية على نحو‬
‫يمكنهم من تقديم مدى مالئمة النظام المالي المتبع‪ ،‬و تحتل قضية الشفافية و توفير المعلومات الالزمة و‬
‫الصحيحة‪،‬‬
‫‪ -‬الوظيفة االقراضية ‪ :‬من خالل هذه الوظيفة يمكن للصندوق أن يلعب دورا مؤثرا في محل الحكومات‬
‫على اتخاذ إجراءات و سن قواعد و قوانين محددة تضمن قدرا معينا من الشفافية و المصداقية‪ ،‬والسيما‬
‫فيما يتعلق بمصداقية البيانات المقدمة‪ ،‬و إخضاع بعض القطاعات التي تمس عمل الصندوق مباشرة‬
‫للمسائلة ‪.‬‬
‫‪ -‬الوظيفة الفنية ‪ :‬يعتبرالصندوق مستودع لخبرات فنية هائلة بوسع الدول األعضاء أن تستفيد منه إن‬
‫أرادت تعزيز قدرتها على تصميم و تنفيذ السياسات االقتصادية و المالية و الضريبية و بناء المؤسسات و‬
‫األجهزة الحاملة للمسؤولية عن إدارة و تنفيذ هذه السياسات (وزارة المالية‪ ،‬البنك المركزي‪...،‬إلخ)‪،‬‬
‫باإلضافة إلى كيفية إعداد اإلحصاءات و البيانات و تعزيز الشفافية و المساءلة للتصدي لمختلف أشكال‬
‫الفساد‪.‬‬
‫كما أكد صندوق النقد الدولي منذ عام ‪ 1997‬أنه سيتوقف أو يعلق مساعداته المالية ألية دولة يثبت أن‬
‫الفساد الحكومي فيها يعيق الجهود الخاصة بتجاوز مشاكلها االقتصادية‪.‬‬
‫و حدد الصندوق حاالت الفساد بالممارسات المرتبطة بتحويل األموال العامة و تورط الموظفين الرسميين‬
‫في عمليات تحايل جمركية أو ضريبية و إساءة استخدام احتياط العمالت الصعبة من قبل هؤالء‪ ،‬و‬
‫استغالل السلطة من قبل المشرفين على المصارف‪ ،‬إضافة إلى الممارسات الفاسدة في مجال تنظيم‬
‫اإلستثمار األجنبي المباشر‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬
‫‪-‬عبد الحفيظ مسكين‪ ،‬دروس في مقيـاس الفسـاد وأخالقيـات العمل‪2016.2017 ،‬‬
‫‪-‬إمنصوران سهيلة‪ ،‬الفساد اإلقتصادي و إشكالية الحكم الراشد و عالقتهما بالنمو اإلقتصادي دراسة‬
‫إقتصادية تحليلية حالة الجزائر‪2005.2006 ،‬‬
‫‪-‬نور طاهر األقرع‪ ،‬إستراتيجيات مواجهة الفساد المالي واإلداري‪.‬‬
‫‪https://www.aman-palestine.org/media-center/2124.html‬‬

You might also like