Professional Documents
Culture Documents
تنــوعت مفاهيم الفــساد وتعددت تبعــا للتغيرات التي شهدها العالم في السنوات القـليلة الماضـية
،مما جعل من مفاهيمهــا محط جدال ونقاش من قبل الباحــثين ،سعيا وراء تحــديد مفهوم واضح ودقيق
لــهذه الظاهرة المهمة والخطيرة في آن واحــد ،باعتبارها أحد اآلفات التي تواجه المجتمعات المتقدمة
والنامية بقـــطاعيها العام والخاص على حد ســـواء.
ألجل الوقوف على حقيقة هذه الظاهرة ،تسعى هذه الدراسة إلى بيان مفهوم الفســاد ومعرفة
أنواعه ،مظاهره ،و من ت ّم بيان آثاره السلبيـــة وفقا للفقرات اآلتية:
مقــــدمة :يُـعد مصطلح الفساد من المصطلحات التي تناولتها العديد من الدراسات واألبحاث على قــدر
أهميتهــا وتأثيرها في الحياة االقتصادية والسياسية وحتى االجتماعية ،ولكونها مرتبطة بجوانب متعـددة
(سياسية ،اقتصادية،إدارية) ،اختلفت بشأنها العديد من الدراسات واالبحاث ،سنحاول خالل هذه الدراسة
أ -الفساد لغــة جاء ذكر الفساد في معجم الوسيط على أنه الخلل واالضطراب.
بينما ذكر في معجم اللغة أنــه خــروج الشيء عن االعتدال قليال كـان أو كثـــيرا .والجـمع :فسـدى،
واالسم فســــاد.
يــقــال :فسـد الشيء يفسده فســادا أي بطل وأضمحل ،والــفسـاد نــــقيض الصالح ،والمفسدة ضد
المصلحة.
كما يعــني خيانة األمانة والبعد عن االستقامـــة أو الفضيلة أو المبادئ أخـالقية والتحريض الخطأ
بــــاستخــدام وسائل غير سليمة أو غير قانونية البعد عما هو أصلي أو نــقيْ أو صحيح.
كما يفيد بمعنى التلف والعطب،والجدب والقحط.قال تعالى " :ظهر الفساد في البر والبحـــــر بمـــا
أيدي الناس "سورة الروم آية( .)41وقال اله تعالى ":ويسعـــون فــــي األرض فســادا
ْ كسبـــت ـ
تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد أنه" :كل عمل يتضمن استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة
كما ُيعرف الفساد في موسوعة العلوم االجتمـــاعية أنه ":استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح أو منافع
خاصة ،وهذا يشمـــل جميع أنـــواع الرشاوى للمسئولين المحـليين والدولــيين يستبعدها بيــن القطــــاع
الخاص".
أمــا (د /محمد علي ليمام ) فيعرف الفــساد بأنه ":يمثل حالة من فقدان قيم النـزاهة وهو سلوك
يخالف الواجبات الرسمية لمنصب عام تطلعــا ً لمكاسب خــاصة ".
في حين يرى ( د /علي عبد القادر علي) أن الفساد هو " :استخدام المنصب الرسمي في أجهزة الدولة
مــقدمـــة :تتــجلى أنواع الفساد في مـــظاهر عِ ـدة :فقد يكون الفــساد سياسيا ،وقد يكون إداريا أو
اجتماعيًا،...ولعــل أخطــر هذه األنواع هما " :الفساد اإلداري والـمـــالي" ،وهو ما سنقف أمــامه على
النحــــــو اآلتــــي:
أ -الفساد السياسي:
عرفت منظمة الشفافية الدولية الفساد السياسي أنه" :إساءة استــخدام سلطة مؤتمنة من قبـــل مسئولين
سياسيـين من أجل مكاسب خاصة بهدف زيادة السلطة أو الثروة وال يشترط أن يشمل تبادال للمــــال،
الظاهر من هذا التعريف أن الفساد السياسي يـشمل فساد الزعماء ،فساد التشريع والتنــفــيذ ،وفســــاد
القضاء ،واألحزاب السياسية،وقضايا التمويل ،والقــواعد و األحكام التي تـــنظم عمـــل المــــؤسسة
السياسية في الدولة ،وهــذا ما أكده" صمــويل هنتــغتون" الذي يرى أن الفساد السياسي هو الوسيلة
لقياس مدى غياب المؤسساتية الفاعلة ،رابطا بذلك التنمية السياسية بالفســــاد.
وقد تحدث القرآن الكريم في سورة غافر عن هذا النوع من الفساد ،وذلك حين يتحدث عن الطغيان
واالستبداد ،فمتى طغى المسئول حل الفساد ،فالطغيان عنوان االستبــداد.ويعــتبر االســـتبداد مــن
ب :الفساد االجتمــاعي :يعرف الفساد االجتماعي أنه " :مجموعة مـن السلوكيات التـــي تـحطـم أو
تكسر مجوعة القواعد والتقاليد المعروفة أو المقبولة ،أو المــتوقعة من النظام االجتماعي الـــقائــــم
بمعنى تلك األفعال الخارجة عن قيم الجماعة اإلنسانية التي تترسخ بفعل الظروف البنائية التاريخية التي
تمــر بــــها المجتمعات البشرية".
ومن صوّ ر الفساد االجتماعي :فضائح كبار مسئولي الدولة األخالقية ،استغالل األطفال في األعمال ال
أخالقية وتجارة األطفال ،التفكك األسري ،واإلخالل باألمن .فهو يشمل جميع الممارسات التي تخــالف
ج – الفساد الثقافي :هو كل ما يخرج باألمة عن ثوابتها ن ويعمل على تفكيك هويتها ،ويمس قيمــها.
ح -الفساد القضائي :وهو االنحراف الذي يصيب الهيئات القضائية ،مما يؤدي إلى ضياع الحقــوق و
تفشي الظلم ،ومن أبرز صوره المحسوبية،وقبول الهدايا والرشاوى ،وشهادة الزور.
د -الفساد البيــــــــــئي :هو ما يلحق البيئة من عطل بحيث تفقد وظيفتها اإليجابية للبشرية .فالبيــئة هي
المجال الحيوي الذي يعيش فيه اإلنسان ،ولقد خلقها هللا سبحانه وتعالى في تناسق تام في كافة عناصرها
واألوبئــــة. بما ينـاسب اإلنسان بحيث يحيى فيها حياة طـــيبة ،وصـــحة خالية من األمــراض
ولقد ّ
حث اإلسالم على الحفاظ عليها ،ونهى عن كل ما يؤدي إلى إلحاق األضرار بها من قتل ،أو
إتالف.
ك -الفساد المالي :ويــتمثل في االنحرافات المالية ومخالفات القواعد واألحكام المالية التــــي تنظم سير
العمل اإلداري و المالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة التعليمات الخاصــــــــة بأجهزة الرقابة المالية،
كانتــشار الجريمة المنظــمة ،والتهرب الضريبي ،والتسيب المالي وتزيـــيف العملة النقدية...إلخ
ن -الفساد اإلداري :تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد اإلداري أنه " :إساءة استعمــــــال السلطة
ألغراض شخصية".
ومن تعريفات الفقه للفساد اإلداري أنه " :سوء استخدام الوظيفة العامة أو السلطــــة للحصول على
مكاسب شخصية أو منفعة ذاتية غير شـــــرعية".
ي -الفســاد االقتصادي :ويتعلق هذا النوع من الفساد باستخدام الوظيفة العامة لتحقيق منافــع خاصة
تتخذ أشكاال متعددة منها الحصول على الرشوة أو العمالت من خالل تقديم خدمة،أو عرض عقــــــود
للمشتريات والخـدمة أو إفشاء معلومات عن تلك العقود ،أو المساعدة علـــــى التهرب من دفع الضرائب
وقد نــــهى القرآن الكريم عن كل ما يؤدي إلى الفساد االقتصادي ،قال هللا تعالى ":وال تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل"(سورة البقرة :آية.)188
هـــذه هيّ عمومًا أنـــــواع الفساد بالنـــظر للمجـــال الذي نشأ فيه ،بحكم أن هناك بعــض الدراسات
قد عالجت أنواع الفساد وفقا ً النتماء األفراد المنخرطين فيه ،وقسمته إلى (:فســـاد القطاع العام ،وفساد
القطاع الخاص) .بينما صنفه البعض اآلخر إلى(:فساد دولي ،وفساد محلي)،في حين نظر إليه البعض
عـلى أساس الحجــــم وصنفه إلى ( :فساد كبير ،وفساد صغير).
وأيا ً كان تعدد أنواع الفساد واختالف وجهات نظــر المهتمين به ،فــإن االتفاق بين هؤالء قائم على أن
يأخذ الفســاد لدى عديد أدبيات الدراسة مظاهر وأشكال متعددة ،حصرت غالبية اآلراء المهـتمة
أ -الـــرشوة :ومن معانيها حصول الشخص على منفعة غالبا ً ما تكون مالية ،لتمرير أو تنفيذ
أعمال على نحو يتعارض مع القواعد التشريعية والتنظيـمية السارية المفعول.
ب-المـحسوبية :وتتــمثل في استغالل السلطة أو النفوذ أو التحيز لفرد أوجهة معينة خالفــا ً لألحكام
ت-الــنصب واالحــتيال :هو جريمة اقتصادية تتضمن نوعا ً من الغــش يعـــمل على تزييف الحقائق و
المعلومات لتحقيق منافع خاصة ،ت ّم ذلك من طرف مسئولين أو موظفـين سامييــن.
ج-غـــسيل األمــوالُ :تعد من الجرائم االقتصادية الحديثة التي ترتبط بالفساد والجريمة المنظمة،السيما
منها المخدرات ،الرشوة ،والتهريب ،حيث ترتبط هـذه الجريمة خصوصا ً بالبنـوك والمؤسسات المـاليــة
لـما توفره هـذه األخيرة من أساليب وقنوات تستــخدم في غسيل األموال غير النـظيــفة ،هدفـها إضـفاء
د-الـــتزوير وانتشار ظاهرة التسيب اإلداري :من آلياته تقـليد التوقيعات ،واألختام الرسمية والـحكومية،
وذلك باستخدام تقــنيات تكنــولوجية حديثة ،باإلضافة إلى انتشار ظاهرة اإلهمال التام للعمل وعرقلته...
إلخ.
س – المحاباة :يقصد بالمحاباة تفضيل جهة على أخرى بغير وجه حق ،كما في منح المقاالت وعقود
االستئجار واالستثمار ،أو ما يُــعرف بنظاميْ الصفقات العمومية ( طلب عروض) ،والمزايدات .
مــقدمة :تأخـــذ آثــار الفســاد صور أو مظاهر مختلفة ،ومن أهم هذه الـمظاهر ما يـــلي:
-1اآل ثــــار االقــتصـــــادية الســـــلبية:
-عـــــــــــــــلى االســــتثــــــــــمــــــــــــــار.
-عـــــــــــلى األســــــــعــــــــــــــــار.
و للـفساد آثارا سلبــية على النظام السياسي برمته سواء من شرعيـــته أو مــن حيث اســتقـراره أو
ســمعته .فــمن حيث شرعيتــه :فالفســـاد يهز هيبة الدولة ويضــعف اإليمان بـــمبدأ سيادة القـانــون.
أمــا من ناحية استقــــراره :فالفساد يؤدي إلى عدم االستقـــرار السياسي ،حيث تصبح كل جماعة أشبــه
بالكيان المنعزل عن غيره ويكون لكل جماعـــة معاييـرها الخاصة التي قد تتناقض مع القوانين المعمول
بها داخل الدولة ،وتعطي هـــذه الجماعة األولوية لـمصلحــتها الخاصة على حساب المصلحة العامة.
أما من ناحية سمـــعتــه :يؤدي الفساد إلى خلق جو من النفاق السياسي كنتيجة لشراء الواليات وإلى
إساءة سمعة النظام السياسي وعالقته الخارجية خاصة مع الدول التي تــقدم الـدعم المـادي له وبشـــكل
يجعل هذه الدول تضع شروطا ً قد تمس بسيادة الدولة لمنح مساعدتها.
-أثر الفساد على النظام االجتمــاعي :فالفساد يغير من سلوك الفرد الذي يمارسه ويــقلل من رحمته 3
اإلنسانية واألخالقية ،مما يجبره للتعامل مع اآلخرين بدافع المادية والمصلحة الذاتية دون مراعاة لقيـــم
المجتمع التي تتطلب من الفرد النظر للمصلحة العامة حتى لو أدى ذلك إلــى إلحاق أضرار بالغة بالفرد