You are on page 1of 5

‫املقطع ا ألول ‪ :‬ا إلطـــار املــفاهـــ ميي للفســاد و آثـــاره الســـلبية‬

‫تنــوعت مفاهيم الفــساد وتعددت تبعــا للتغيرات التي شهدها العالم في السنوات القـليلة الماضـية‬
‫‪ ،‬مما جعل من مفاهيمهــا محط جدال ونقاش من قبل الباحــثين‪ ،‬سعيا وراء تحــديد مفهوم واضح ودقيق‬

‫لــهذه الظاهرة المهمة والخطيرة في آن واحــد‪ ،‬باعتبارها أحد اآلفات التي تواجه المجتمعات المتقدمة‬
‫والنامية بقـــطاعيها العام والخاص على حد ســـواء‪.‬‬

‫ألجل الوقوف على حقيقة هذه الظاهرة‪ ،‬تسعى هذه الدراسة إلى بيان مفهوم الفســاد ومعرفة‬
‫أنواعه‪ ،‬مظاهره ‪ ،‬و من ت ّم بيان آثاره السلبيـــة وفقا للفقرات اآلتية‪:‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مـــعنى الفســـاد‬

‫مقــــدمة‪ :‬يُـعد مصطلح الفساد من المصطلحات التي تناولتها العديد من الدراسات واألبحاث على قــدر‬
‫أهميتهــا وتأثيرها في الحياة االقتصادية والسياسية وحتى االجتماعية‪ ،‬ولكونها مرتبطة بجوانب متعـددة‬

‫(سياسية ‪ ،‬اقتصادية‪،‬إدارية)‪ ،‬اختلفت بشأنها العديد من الدراسات واالبحاث‪ ،‬سنحاول خالل هذه الدراسة‬

‫الوقوف أمام البعض منــها‪:‬‬

‫أ‪ -‬الفساد لغــة جاء ذكر الفساد في معجم الوسيط على أنه الخلل واالضطراب‪.‬‬

‫بينما ذكر في معجم اللغة أنــه خــروج الشيء عن االعتدال قليال كـان أو كثـــيرا‪ .‬والجـمع‪ :‬فسـدى‪،‬‬
‫واالسم فســــاد‪.‬‬

‫يــقــال‪ :‬فسـد الشيء يفسده فســادا أي بطل وأضمحل‪ ،‬والــفسـاد نــــقيض الصالح ‪ ،‬والمفسدة ضد‬

‫المصلحة‪.‬‬

‫كما يعــني خيانة األمانة والبعد عن االستقامـــة أو الفضيلة أو المبادئ أخـالقية والتحريض الخطأ‬

‫بــــاستخــدام وسائل غير سليمة أو غير قانونية البعد عما هو أصلي أو نــقيْ أو صحيح‪.‬‬

‫كما يفيد بمعنى التلف والعطب‪،‬والجدب والقحط‪.‬قال تعالى‪ " :‬ظهر الفساد في البر والبحـــــر بمـــا‬

‫أيدي الناس "سورة الروم آية(‪ .)41‬وقال اله تعالى‪ ":‬ويسعـــون فــــي األرض فســادا‬
‫ْ‬ ‫كسبـــت ـ‬

‫سورة المائدة ‪،‬اآلية(‪.)33‬‬

‫ب‪ -‬الفســـاد اصطــــالحا‪:‬‬

‫تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد أنه‪" :‬كل عمل يتضمن استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة‬

‫خاصة ذاتية لنفسه أو لجماعته "‪.‬‬


‫وجــاء في مشروع اتفاقية األمم المتحدة لمنع الفساد أنه‪ ":‬إساءة استخدام السلطة من قبـــل شخص في‬
‫وظيفة عامة ‪ ،‬بهدف تحقيق نفع شخص ‪،‬أو فـــئوي وإليهمـــــا"‪.‬‬

‫كما ُيعرف الفساد في موسوعة العلوم االجتمـــاعية أنه‪ ":‬استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح أو منافع‬
‫خاصة ‪ ،‬وهذا يشمـــل جميع أنـــواع الرشاوى للمسئولين المحـليين والدولــيين يستبعدها بيــن القطــــاع‬

‫الخاص"‪.‬‬

‫أمــا (د‪ /‬محمد علي ليمام ) فيعرف الفــساد بأنه ‪ ":‬يمثل حالة من فقدان قيم النـزاهة وهو سلوك‬
‫يخالف الواجبات الرسمية لمنصب عام تطلعــا ً لمكاسب خــاصة "‪.‬‬

‫في حين يرى ( د‪ /‬علي عبد القادر علي) أن الفساد هو ‪ " :‬استخدام المنصب الرسمي في أجهزة الدولة‬

‫لتحقيق منافع شخصية‪."...‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أنـــواع الفساد‪:‬‬

‫مــقدمـــة ‪ :‬تتــجلى أنواع الفساد في مـــظاهر عِ ـدة ‪ :‬فقد يكون الفــساد سياسيا ‪ ،‬وقد يكون إداريا أو‬
‫اجتماعيًا‪،...‬ولعــل أخطــر هذه األنواع هما‪ " :‬الفساد اإلداري والـمـــالي"‪ ،‬وهو ما سنقف أمــامه على‬
‫النحــــــو اآلتــــي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الفساد السياسي‪:‬‬

‫عرفت منظمة الشفافية الدولية الفساد السياسي أنه‪" :‬إساءة استــخدام سلطة مؤتمنة من قبـــل مسئولين‬

‫سياسيـين من أجل مكاسب خاصة بهدف زيادة السلطة أو الثروة وال يشترط أن يشمل تبادال للمــــال‪،‬‬

‫فقد يتخــذ شكل تبادل النفوذ أو منح تفضيل معين"‪.‬‬

‫الظاهر من هذا التعريف أن الفساد السياسي يـشمل فساد الزعماء‪ ،‬فساد التشريع والتنــفــيذ‪ ،‬وفســــاد‬
‫القضاء ‪ ،‬واألحزاب السياسية‪،‬وقضايا التمويل‪ ،‬والقــواعد و األحكام التي تـــنظم عمـــل المــــؤسسة‬

‫السياسية في الدولة ‪ ،‬وهــذا ما أكده" صمــويل هنتــغتون" الذي يرى أن الفساد السياسي هو الوسيلة‬
‫لقياس مدى غياب المؤسساتية الفاعلة ‪ ،‬رابطا بذلك التنمية السياسية بالفســــاد‪.‬‬

‫وقد تحدث القرآن الكريم في سورة غافر عن هذا النوع من الفساد‪ ،‬وذلك حين يتحدث عن الطغيان‬

‫واالستبداد‪ ،‬فمتى طغى المسئول حل الفساد‪ ،‬فالطغيان عنوان االستبــداد‪.‬ويعــتبر االســـتبداد مــن‬

‫أخطر أنواع الفساد التي عرفتها البشرية على مدار التاريخ‪.‬‬

‫ب ‪ :‬الفساد االجتمــاعي‪ :‬يعرف الفساد االجتماعي أنه‪ " :‬مجموعة مـن السلوكيات التـــي تـحطـم أو‬
‫تكسر مجوعة القواعد والتقاليد المعروفة أو المقبولة ‪ ،‬أو المــتوقعة من النظام االجتماعي الـــقائــــم‬

‫بمعنى تلك األفعال الخارجة عن قيم الجماعة اإلنسانية التي تترسخ بفعل الظروف البنائية التاريخية التي‬
‫تمــر بــــها المجتمعات البشرية"‪.‬‬

‫ومن صوّ ر الفساد االجتماعي‪ :‬فضائح كبار مسئولي الدولة األخالقية‪ ،‬استغالل األطفال في األعمال ال‬

‫أخالقية وتجارة األطفال ‪،‬التفكك األسري ‪ ،‬واإلخالل باألمن‪ .‬فهو يشمل جميع الممارسات التي تخــالف‬

‫اآلداب العامة والسلوك السليم‪.‬‬

‫ج – الفساد الثقافي‪ :‬هو كل ما يخرج باألمة عن ثوابتها ن ويعمل على تفكيك هويتها ‪،‬ويمس قيمــها‪.‬‬

‫ح‪ -‬الفساد القضائي‪ :‬وهو االنحراف الذي يصيب الهيئات القضائية‪ ،‬مما يؤدي إلى ضياع الحقــوق و‬

‫تفشي الظلم‪ ،‬ومن أبرز صوره المحسوبية‪،‬وقبول الهدايا والرشاوى ‪ ،‬وشهادة الزور‪.‬‬

‫د‪ -‬الفساد البيــــــــــئي‪ :‬هو ما يلحق البيئة من عطل بحيث تفقد وظيفتها اإليجابية للبشرية‪ .‬فالبيــئة هي‬

‫المجال الحيوي الذي يعيش فيه اإلنسان ‪ ،‬ولقد خلقها هللا سبحانه وتعالى في تناسق تام في كافة عناصرها‬

‫واألوبئــــة‪.‬‬ ‫بما ينـاسب اإلنسان بحيث يحيى فيها حياة طـــيبة ‪ ،‬وصـــحة خالية من األمــراض‬
‫ولقد ّ‬
‫حث اإلسالم على الحفاظ عليها ‪ ،‬ونهى عن كل ما يؤدي إلى إلحاق األضرار بها من قتل‪ ،‬أو‬

‫إتالف‪.‬‬
‫ك‪ -‬الفساد المالي‪ :‬ويــتمثل في االنحرافات المالية ومخالفات القواعد واألحكام المالية التــــي تنظم سير‬
‫العمل اإلداري و المالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة التعليمات الخاصــــــــة بأجهزة الرقابة المالية‪،‬‬

‫كانتــشار الجريمة المنظــمة ‪ ،‬والتهرب الضريبي ‪ ،‬والتسيب المالي وتزيـــيف العملة النقدية‪...‬إلخ‬

‫ن ‪ -‬الفساد اإلداري‪ :‬تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد اإلداري أنه‪ " :‬إساءة استعمــــــال السلطة‬
‫ألغراض شخصية"‪.‬‬

‫ومن تعريفات الفقه للفساد اإلداري أنه ‪ " :‬سوء استخدام الوظيفة العامة أو السلطــــة للحصول على‬
‫مكاسب شخصية أو منفعة ذاتية غير شـــــرعية"‪.‬‬

‫ي‪ -‬الفســاد االقتصادي‪ :‬ويتعلق هذا النوع من الفساد باستخدام الوظيفة العامة لتحقيق منافــع خاصة‬

‫تتخذ أشكاال متعددة منها الحصول على الرشوة أو العمالت من خالل تقديم خدمة‪،‬أو عرض عقــــــود‬

‫للمشتريات والخـدمة أو إفشاء معلومات عن تلك العقود‪ ،‬أو المساعدة علـــــى التهرب من دفع الضرائب‬

‫التهرب من دفع الضرائب وغيرها من الممــــارسات‪.‬‬

‫وقد نــــهى القرآن الكريم عن كل ما يؤدي إلى الفساد االقتصادي‪ ،‬قال هللا تعالى ‪ ":‬وال تأكلوا أموالكم‬
‫بينكم بالباطل"(سورة البقرة‪ :‬آية‪.)188‬‬

‫هـــذه هيّ عمومًا أنـــــواع الفساد بالنـــظر للمجـــال الذي نشأ فيه‪ ،‬بحكم أن هناك بعــض الدراسات‬
‫قد عالجت أنواع الفساد وفقا ً النتماء األفراد المنخرطين فيه‪ ،‬وقسمته إلى‪ (:‬فســـاد القطاع العام ‪ ،‬وفساد‬

‫القطاع الخاص)‪ .‬بينما صنفه البعض اآلخر إلى‪(:‬فساد دولي‪ ،‬وفساد محلي)‪،‬في حين نظر إليه البعض‬
‫عـلى أساس الحجــــم وصنفه إلى ‪( :‬فساد كبير‪ ،‬وفساد صغير)‪.‬‬

‫وأيا ً كان تعدد أنواع الفساد واختالف وجهات نظــر المهتمين به‪ ،‬فــإن االتفاق بين هؤالء قائم على أن‬

‫أخطر هذه األنواع هما ‪ " :‬الفساد المــــــالي‪ ،‬والفساد ا إلداري‪.‬‬

‫الـــفقرة الثالثة ‪ :‬مــظاهر ( أشكال) الفساد‪:‬‬

‫يأخذ الفســاد لدى عديد أدبيات الدراسة مظاهر وأشكال متعددة‪ ،‬حصرت غالبية اآلراء المهـتمة‬

‫بحقل الفساد أهم هذه المظاهر أو األشكال في القضايا التالية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬الـــرشوة ‪ :‬ومن معانيها حصول الشخص على منفعة غالبا ً ما تكون مالية‪ ،‬لتمرير أو تنفيذ‬
‫أعمال على نحو يتعارض مع القواعد التشريعية والتنظيـمية السارية المفعول‪.‬‬

‫ب‪-‬المـحسوبية‪ :‬وتتــمثل في استغالل السلطة أو النفوذ أو التحيز لفرد أوجهة معينة خالفــا ً لألحكام‬

‫الدستورية والقانونية واألعراف المهنية السائدة في البلد‪.‬‬

‫ت‪-‬الــنصب واالحــتيال‪ :‬هو جريمة اقتصادية تتضمن نوعا ً من الغــش يعـــمل على تزييف الحقائق و‬

‫المعلومات لتحقيق منافع خاصة ‪ ،‬ت ّم ذلك من طرف مسئولين أو موظفـين سامييــن‪.‬‬

‫ج‪-‬غـــسيل األمــوال‪ُ :‬تعد من الجرائم االقتصادية الحديثة التي ترتبط بالفساد والجريمة المنظمة‪،‬السيما‬

‫منها المخدرات‪ ،‬الرشوة‪ ،‬والتهريب‪ ،‬حيث ترتبط هـذه الجريمة خصوصا ً بالبنـوك والمؤسسات المـاليــة‬

‫لـما توفره هـذه األخيرة من أساليب وقنوات تستــخدم في غسيل األموال غير النـظيــفة ‪،‬هدفـها إضـفاء‬

‫الشرعية على أموال هي في األصل ذات مصدر غير مشـــروع‪.‬‬

‫د‪-‬الـــتزوير وانتشار ظاهرة التسيب اإلداري‪ :‬من آلياته تقـليد التوقيعات‪ ،‬واألختام الرسمية والـحكومية‪،‬‬

‫وذلك باستخدام تقــنيات تكنــولوجية حديثة‪ ،‬باإلضافة إلى انتشار ظاهرة اإلهمال التام للعمل وعرقلته‪...‬‬

‫إلخ‪.‬‬

‫س – المحاباة ‪ :‬يقصد بالمحاباة تفضيل جهة على أخرى بغير وجه حق ‪ ،‬كما في منح المقاالت وعقود‬

‫االستئجار واالستثمار ‪ ،‬أو ما يُــعرف بنظاميْ الصفقات العمومية ( طلب عروض) ‪ ،‬والمزايدات ‪.‬‬

‫الــفقرة الرابعة ‪ :‬آثار الفســـــاد‪.‬‬

‫مــقدمة ‪ :‬تأخـــذ آثــار الفســاد صور أو مظاهر مختلفة‪ ،‬ومن أهم هذه الـمظاهر ما يـــلي‪:‬‬
‫‪-1‬اآل ثــــار االقــتصـــــادية الســـــلبية‪:‬‬

‫تــــتجلى االنعكاسات السلبية للفساد على االقتصاد في‪:‬‬


‫‪ -‬أ ثــــــره عــــــلى الــــنمـــو االقــــتصادي‪.‬‬

‫‪ -‬عـــــلى اإليــــــــــرادات العـــــــامـــــــــة‪.‬‬

‫‪ -‬عـــــــــــــــلى االســــتثــــــــــمــــــــــــــار‪.‬‬

‫‪ -‬عـــــــــــلى األســــــــعــــــــــــــــار‪.‬‬

‫‪ -2‬أثــــــر الفســــــاد على النظـــــام الســــياسي‪.‬‬

‫و للـفساد آثارا سلبــية على النظام السياسي برمته سواء من شرعيـــته أو مــن حيث اســتقـراره أو‬
‫ســمعته ‪ .‬فــمن حيث شرعيتــه‪ :‬فالفســـاد يهز هيبة الدولة ويضــعف اإليمان بـــمبدأ سيادة القـانــون‪.‬‬

‫أمــا من ناحية استقــــراره‪ :‬فالفساد يؤدي إلى عدم االستقـــرار السياسي‪ ،‬حيث تصبح كل جماعة أشبــه‬

‫بالكيان المنعزل عن غيره ويكون لكل جماعـــة معاييـرها الخاصة التي قد تتناقض مع القوانين المعمول‬

‫بها داخل الدولة‪ ،‬وتعطي هـــذه الجماعة األولوية لـمصلحــتها الخاصة على حساب المصلحة العامة‪.‬‬

‫أما من ناحية سمـــعتــه ‪ :‬يؤدي الفساد إلى خلق جو من النفاق السياسي كنتيجة لشراء الواليات وإلى‬

‫إساءة سمعة النظام السياسي وعالقته الخارجية خاصة مع الدول التي تــقدم الـدعم المـادي له وبشـــكل‬

‫يجعل هذه الدول تضع شروطا ً قد تمس بسيادة الدولة لمنح مساعدتها‪.‬‬

‫‪-‬أثر الفساد على النظام االجتمــاعي‪ :‬فالفساد يغير من سلوك الفرد الذي يمارسه ويــقلل من رحمته‬ ‫‪3‬‬

‫اإلنسانية واألخالقية ‪ ،‬مما يجبره للتعامل مع اآلخرين بدافع المادية والمصلحة الذاتية دون مراعاة لقيـــم‬

‫المجتمع التي تتطلب من الفرد النظر للمصلحة العامة حتى لو أدى ذلك إلــى إلحاق أضرار بالغة بالفرد‬

‫والدولة وغيرها من العواقب السلبية األخـــرى‪.‬‬

You might also like