Professional Documents
Culture Documents
البوهالي
ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ،ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻭﺳﺒﻞ ﺍﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﺘﻬﺮﺏ ﺍﻟﻀﺮﻳﺒﻲصفاء
ﺑﺎﻟﻤﻐﺮﺏ: ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ:
بالرباطﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ
ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ -
ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔالخام�س ﺍﻟﻤﻬﻦ
بجامعة محمد ب�سلك ﻣﺠﻠﺔ
الدكتوراه ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕ
باحثة ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ:
ﺍﻹﺩﺍﺭﻱ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻋﺎﺕ ﺍﻹﺩﺍﺭﻳﺔ
القانونية واالقت�صادية واالجتماعية – �سال كلية العلوم
ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺴﻜﺘﺎﻧﻲ ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ:
ﺍﻟﺒﻮﻫﺎﻟﻲ ،ﺻﻔﺎﺀ ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ:
ﻉ2 الملخ�ص:
ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ/ﺍﻟﻌﺪﺩ:
ﻧﻌﻢال�ضريبي ظاهرة عالمية ،فهي ال تخ�ص الدول ال�سائرة في ﻣﺤﻜﻤﺔ�:إن ظاهرة التهرب
أخرى ،فهي مالزمة للنظام ال�ضريبي ،وتعد �إحدى المعوقات ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ:فقط دون �
2018 طريق النمو ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ
االقت�صادية والوفرة المالية ،والتي ت�ستوجب محاربتها ب�صفة ﺍﻟﺸﻬﺮ:أ�سا�سية للتنمية ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ال
27والواقع �أن تداول مفهوم التهرب ال�ضريبي جاء بعد اكت�شافها.
م�ستمرة وبمجرد - 44 ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ:
940123تجاه الأداء ،فبات �إذاك تداول مفهوم التهرب ال�ضريبي :MDكل ال�سلوكات ال�سلبية ﺭﻗﻢجرد
ال�سلوكيات التالية ،من :غ�ش -تمل�ص -امتناع مع ﻭﻣﻘﺎﻻﺕﺑﺤﻮﺙ من
ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ :ليق�صد به كل
ﻧﻮﻉ ب�شكل عام
االختالف بين كل هذه الأ�شكال.
�ضرورة �إبراز نقط Arabic ﺍﻟﻠﻐﺔ:
الدرا�سة يتناول بالبحث والتمحي�ص ظاهرة التهرب فمو�ضوع هذه
IslamicInfo ﻗﻮﺍﻋﺪ لذلك،
ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ:
تطلب منا
ﺍﻟﻀﺮﻳﺒﻴﺔ، ﺍﻟﻀﺮﻳﺒﻲ ،الذي
ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ وحيثياتها ،الأمر وجوانبها
ﺍﻟﻀﺮﻳﺒﻲ ،ﺍﻟﻐﺶ نواحيها
ﺍﻟﺘﻬﺮﺏ ال�ضريبي من مختلف
ﺍﻟﻀﺮﺍﺋﺐ، ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ:
مجهودا م�ضاعفا من �أجل البحث عن مختلف المفاهيم المرتبطة بمو�ضوع ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ
https://search.mandumah.com/Record/940123
االقت�صادي ﺭﺍﺑﻂ:التهرب ال�ضريبي ،و�أي�ضا عن الآثار المرتبة عنه �سواء على الم�ستوى
واالجتماعي ،محاولين �إبراز مختلف الو�سائل الإدارية التي ت�ستخدمها الإدارة
ال�ضريبية من �أجل الردع والتقليل من هذه الظاهرة ،و�أي�ضا الو�سائل القانونية
الزجرية التي تحد من ت�أثيراتها على مالية الدولة بالخ�صو�ص.
الكلمات المفاتيح :التهرب ال�ضريبي -الغ�ش ال�ضريبي -الملزم -الإدارة
أ�سباب التهرب -زجر التهرب -المراقبة ال�ضريبية- التهرب� -
ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ. مفاهيم ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ال�ضريبية-
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ .ﺟﻤﻴﻊ © 2020ﺩﺍﺭ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ
القانونية.ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ الجزاءات
ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ
ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
27
التهرب ال�ضريبي بالمغرب :المفهوم ،الأ�سباب و�سبل المكافحة
صفاء البوهالي
باحثة ب�سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخام�س بالرباط
كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية – �سال
الملخ�ص:
�إن ظاهرة التهرب ال�ضريبي ظاهرة عالمية ،فهي ال تخ�ص الدول ال�سائرة في
طريق النمو فقط دون �أخرى ،فهي مالزمة للنظام ال�ضريبي ،وتعد �إحدى المعوقات
الأ�سا�سية للتنمية االقت�صادية والوفرة المالية ،والتي ت�ستوجب محاربتها ب�صفة
م�ستمرة وبمجرد اكت�شافها .والواقع �أن تداول مفهوم التهرب ال�ضريبي جاء بعد
جرد كل ال�سلوكات ال�سلبية تجاه الأداء ،فبات �إذاك تداول مفهوم التهرب ال�ضريبي
ب�شكل عام ليق�صد به كل من ال�سلوكيات التالية ،من :غ�ش -تمل�ص -امتناع مع
�ضرورة �إبراز نقط االختالف بين كل هذه الأ�شكال.
لذلك ،فمو�ضوع هذه الدرا�سة يتناول بالبحث والتمحي�ص ظاهرة التهرب
ال�ضريبي من مختلف نواحيها وجوانبها وحيثياتها ،الأمر الذي تطلب منا
مجهودا م�ضاعفا من �أجل البحث عن مختلف المفاهيم المرتبطة بمو�ضوع
التهرب ال�ضريبي ،و�أي�ضا عن الآثار المرتبة عنه �سواء على الم�ستوى االقت�صادي
واالجتماعي ،محاولين �إبراز مختلف الو�سائل الإدارية التي ت�ستخدمها الإدارة
ال�ضريبية من �أجل الردع والتقليل من هذه الظاهرة ،و�أي�ضا الو�سائل القانونية
الزجرية التي تحد من ت�أثيراتها على مالية الدولة بالخ�صو�ص.
الكلمات المفاتيح :التهرب ال�ضريبي -الغ�ش ال�ضريبي -الملزم -الإدارة
ال�ضريبية -مفاهيم التهرب� -أ�سباب التهرب -زجر التهرب -المراقبة ال�ضريبية-
الجزاءات القانونية.
27
مقدمة:
تعد التنمية االقت�صادية واالجتماعية ال�شغل ال�شاغل للمفكرين االقت�صاديين والباحثين،
وهذا االهتمام لي�س وليد ال�صدفة بل هو نتيجة طبيعة التغيرات التي حدثت في �أعقاب الحرب
العالمية الثانية .فالدول �أ�صبحت ت�سعى قدر الإمكان لتنويع م�صادر تمويل م�شاريعها التنموية.
وت�شكل ال�ضرائب �أهم الموارد المالية التي تقوم عليها التزامات الدولة ،مما يجعل من
الواجب �إخ�ضاعها لنظام معقلن ،يقيها من كل محاوالت الغ�ش والتهرب الذي يكلف خزينة
الدولة الكثير من المداخيل ،التي ت�شكل جزءا هاما من الموارد المالية .ويترتب عن ذلك
عدم قيام الدولة بالإنفاق العام على الوجه الأكمل ،وبالتالي ت�صبح عاجزة عن �أداء واجباتها
الأ�سا�سية اتجاه مواطنيها ،وفي ظل عجز الميزانية ت�ضطر الدولة اللجوء �إلى و�سائل تمويلية
�أخرى كالإ�صدار النقدي و اللجوء �إلى االقترا�ض.
ويعد التهرب ال�ضريبي ،الذي يعتبر �أحد �أكبر مظاهر ال�سخط والتمرد على الفر�ض
ال�ضريبي ،ظاهرة من الظواهر الأكثر انت�شارا في اقت�صاديات الدول الحديثة ،وي�ؤثر �سلبا
على مداخيل هذه الدول ،وبالتالي على �أن�شطتها ووظائفها المتعددة .وبالتالي ف�إن مختلف
الت�شريعات ت�ستخدم كل الو�سائل القانونية لمكافحة هذه الظاهرة التي ت�ستهدف مخالفة
الواجب ال�ضريبي.
وتختلف طرق المكافحة تب ًعا للنظام ال�ضريبي ب�شكل عام ولكل �ضريبة ب�شكل خا�ص،
وت�سعى الدولة جاهدة �إلى مكافحة التهرب بالو�سائل الممكنة كافة .وفي واقع الأمر ف�إن
مكافحة التهرب ال�ضريبي يتم بالعمل على منع وقوعه وعلى معاقبة مرتكبيه .ويلعب الت�شريع
ال�ضريبي دو ًرا محور ًيا في محاربة التهرب ال�ضريبي وخا�صة بعد �أن ازدادت �أهمية ال�ضرائب
وتعاظم دورها في الأنظمة المالية المعا�صرة.
فما هي �أ�سباب التهرب ال�ضريبي ودوافعه؟ وما الو�سائل الكفيلة بمحاربته والحد منه
كظاهرة تقو�ض الموارد المالية للدولة وتعيق تنفيذ الم�شاريع التنموية؟
المبحث الأول :ماهية التهرب ال�ضريبي
الغ�ش �أو التهرب ال�ضريبي كهدف ،و�أحيا ًنا كنتيجة ،هو �سلوك يتوخى الهروب من كل �أو جزء
من االلتزام ال�ضريبي .ومع ذلك ،ف�إن هناك �سلوكات ذات طبيعة مختلفة يمكن �أن ت�ؤدي �إلى
نف�س الم�شكلة ،حيث ي�سعى من خاللها الملزم �إلى التمل�ص من الواجب ال�ضريبي .فالتمييز،
من الناحية القانونية ،بين مختلف �أنواع ال�سلوك التي يتجلى من خاللها رف�ض ال�ضرائب �أمر
28
�صعب لأن ما ي�سمه هو عدم التحديد .ففي الواقع ،يت�أثر هذا التمييز عبر المفاهيم والظواهر.
وبالنظر �إلى ال�شكلين الرئي�سيين لتقليل ال�ضرائب ،وهما االحتيال والتهرب ال�ضريبي ،يالحظ
«جرنيفيك» �أن «الم�صطلحات ت�ستخدم مع معان مختلفة ح�سب الم�ؤلفين» .1ومع هذا االرتباك
الوا�ضح ،يمكن للمرء �أن يعار�ض �أن ال�سلوكيات التي تحمل هذه المفاهيم تحتوي على نقاط
م�شتركة كثيرة .وبالتالي ،ف�إن تحديد معيار يجعل من الممكن التحديد الوا�ضح للحدود
الخا�صة بكل �سلوك �أم ًرا �إ�شكال ًيا.
ولذلك ،فالمكلف بال�ضريبة غالبا ما يلج�أ �إلى �سلوكات وت�صرفات من �أجل التخل�ص من
دفع ال�ضريبة ،وهذا ال�سلوك هو ما يعرف بالتهرب ال�ضريبي .فهذا الأخير جريمة تعرفها
مختلف المجتمعات ،باعتبارها وجدت بتواجد ال�ضريبة نف�سها ،وهي من �أهم ان�شغاالت
الم�شرع لأنها تهدد وجود النظام ال�ضريبي وتقلل من �أهميته.
المطلب الأول :مفهوم التهرب ال�ضريبي
غالبا ما تكون م�شاعر المواطن الملزم بال�ضرائب مرتبكة :فهو بوجه عام �ضد ال�ضرائب
و�ضد الإدارة المكلفة بالجلو�س وجمعها .يمكن لهذا الرف�ض الكامن �أن يتخذ � اً
أ�شكال ومحتوىً
�سيا�س ًيا عندما يتطور على �أر�ضية اقت�صادية واجتماعية مواتية ب�شكل خا�ص .لكن في �أغلب
الأحيان ،ينحدر هذا الرف�ض �إلى موقف �سلبي تجاه ال�ضرائب ،موقف يجب �أن يكون دقيقا فيما
يتعلق بنوع ال�ضريبة المعنية .فالهروب من ال�ضريبة هو قبل كل �شيء هرب من قيود الدولة؛
وبالن�سبة للبع�ض ،ف�إن العالقة مع الإدارة ال�ضريبية يتم اختبارها على �أنها لعبة معروفة
بقواعدها ولي�س من غير المالئم اللعب مع �إدارة لم تعد �سمعتها القمعية تثبت ذلك.
وت�ستخدم العديد من المفاهيم في الأدبيات �أو النقا�ش العام لتمييز موقف عدم امتثال
الملزمين اللتزاماتهم ال�ضريبية .فهناك تعريفات دقيقة لمفاهيم االحتيال والتهرب والتجنب
ال�ضريبي ال يتم تحديدها ب�شكل وا�ضح دائ ًما.
فمن ال�صعب تمييز الحد الفا�صل بين الغ�ش والتهرب ال�ضريبي .ومع ذلك نود �أن نعار�ض
بو�ضوح ما قد يعتبر غير قانوني ويعاقب عليه بغرامة �أو بال�سجن ،وما هو �أمر قانوني .فالغ�ش
من جهة ،هو مخالفة للت�شريعات ال�ضريبية المعمول بها ،ومن ناحية �أخرى التهرب ال�ضريبي
�أو تعديل ال�ضريبة ،هو رمز لال�ستخدام الماهر للن�صو�ص .فاختالف الو�ضعية المادية
�أو القانونية يجعل من ال�صعب التمييز بينهما بدقة دائما .وت�ضعف هذه الحدود بين الغ�ش
1. JARNEVIC, J.P., « Fraude et évasion fiscales : la relativité d’une distinction», n° spécial
ACTES n°52, 1985, p.16.
29
والتهرب �إلى درجة تمحى عند التمييز بين مفهومي االحتيال القانوني واالحتيال غير القانوني
وبين التهرب القانوني والتهرب غير القانوني.
ويمكن تعريف التهرب ال�ضريبي كو�سيلة لتجنب ال�ضرائب �أو تخفي�ضها �أو ت�أخيرها
بو�سائل غير الغ�ش .فهو ي�سمح بحرية ا�ستخدام القدرة المالية ،ولكن لأن �أي حرية لها حدود،
ف�إن تجريم التهرب يجد هدفه في اال�ستخدام التع�سفي للمعرفة المالية .فالهدف من فكرة
التهرب ال�ضريبي هو تحديد متى ننتقل من القانونية �إلى �سوء اال�ستعمال.
فالتهرب ال�ضريبي يعتبر �آفة �شديدة الخطر على �أ�سا�س فر�ض ال�ضريبة ،وانت�شاره يعمل
على تقوي�ض هذا الأ�سا�س .فالمكلف يكون قد تهرب من ال�ضريبة �إذا لج�أ �إلى بع�ض و�سـائل
الغـ�ش �أو التحايل لإخفاء حقيقة المادة الخا�ضعة لل�ضريبة �أو �إخفاء �أمواله التي يمكن التنفيذ
عليها لتح�صيل ما ترتب في ذمته من �ضرائب �أو ما حجز ما تحت يده منها تطبيق ًا لأحكام
القانون لتوريـده �إلـى خزينة الدولة .ويعني التهرب من ال�ضريبة الإفالت منها بعدم دفعها كليـ ًا
�أو جزئيـ ًا �أو مـن تحمل عبئها وذلك في وقت واحد.
والتهرب ال�ضريبي هو ظاهرة ذات ت�أثير كبير على االقت�صاد الوطني� ،إذ يتمثل في تجاوز
النظم ال�ضريبية عن طريق اللجوء �إلى �أعمال غير قانونية من �أجل التهرب من ال�ضرائب
الم�ستحقة لخزانة الدولة .فهو يت�شكل من عن�صر مادي وعن�صر �إرادي مبني على التعمد،
2
وبالتالي يختلف عن الخط�أ الذي هو مجرد ن�سيان بح�سن نية.
وي�شمل التهرب ال�ضريبي ا�ستخدام �آليات غير قانونية ،يحظرها �صراحة القانون �أو
االجتهادات الق�ضائية (بما في ذلك �إ�ساءة ا�ستخدام الحقوق ،والإدارة غير الطبيعية وغيرها
من التقنيات التي يمكن و�صفها ب�أنها التهرب ال�ضريبي مع العقوبات الجنائية) ،وهذا
اال�ستخدام المفرط للآليات يحتمل �أن تكون �ضارة ومخالفة للم�صلحة العامة .وت�ستند هذه
الآليات ،التي ت�ستخدمها ال�شركات والأفراد ،ب�شكل خا�ص على الثغرات الت�شريعية للقانون من
3
خالل ترتيبات معقدة للهروب من ال�ضريبة.
فم�شكلة التهرب ال�ضريبي هي ظاهرة معقدة� ،إذ يبدو �أنه تجاوز ل�سلطة الإلزام ،وبالتالي
ينطوي على تحدي لدافعي ال�ضرائب والدولة ،وبالتالي ي�شكل م�صدر قلق للحكومات .هذا
القلق يم�س عدة نواح ،فمن جهة �أولى يم�س البعد المالي البحت لأن االحتيال يولد خ�سارة في
2. MARTINEZ J. C. «La fraude fiscale» PUF Ed. : Que sais-je ? 1984, p.13
3. Antoine Dulin : Les mécanismes d’évitement scal, leurs impacts sur le consentement à
l’impôt et la cohésion sociale, Diffusion Direction de l’information légale et administrative
Les éditions des Journaux officiels, 2016, p. 18.
30
الموارد المالية للدولة .ومع ذلك� ،إذا كان االحتيال يجهد قدرة الحكومات على تحمل نفقاتها،
ف�إنه يفر�ض عدم التوزيع العادل لعبء التمويل العام بين دافعي ال�ضرائب من خالل زيادة
عبء �أولئك الذين يظلون �صادقين في �أداء ال�ضرائب.
�أما الغ�ش ال�ضريبي فيق�صد به تمكن الملزم كليا �أو جزئيا من التخل�ص من ت�أدية
ال�ضرائب الم�ستحقة عليه ،وذلك عبر ممار�سة الغ�ش والتزوير في القيود ومخالفة القوانين
والأنظمة ال�ضريبية المعتمدة .فقد يلج�أ الملزم �إلى �ستر طبيعة وحجم عمله عن الدولة �أو
يمتنع عن تقديم الت�صريح المطلوب منه �أو يقدم ت�صريحا غير حقيقي ومدعوما بم�ستندات
مزورة عن حقيقة �أرباحه ،فيخفي بع�ض �أوجه ن�شاطاته� ،أو يزيد من قيمة تكاليف الدخل
القابلة للإعفاء ال�ضريبي �أو ي�ستعين ببع�ض القوانين التي ت�ساعده على �إخفاء حقيقة �أرباحه.
فالغ�ش ينطوي على عمل متعمد من جانب دافع ال�ضرائب ،قرر االلتفاف على القانون للتهرب
4
من دفع ال�ضريبة.
المطلب الثاني � :أ�سباب التهرب ال�ضريبي و�أنواعه
تعد ال�ضريبة بمثابة فري�ضة مالية يدفعها الملزم ق�سرا �إلى الدولة وفق ما تق�ضي به
الت�شريعات ال�ضريبية ،م�ساهمة منه في التكاليف والأعباء العامة دون �أن يعود عليه نفع منها.
غير �أنه عادة ما يلج�أ بع�ض الملزمين �إلى التمل�ص من ال�ضريبة �سواء عن طريق ممار�سة الغ�ش
�أو عن طريق التهرب.
الفقرة الأولى� :أ�سباب التهرب ال�ضريبي
بالرجوع �إلى الأ�سباب التي تدفع �أو ت�شجع الملزمين على ممار�سة التهرب ال�ضريبي نجد
�أن هناك مجموعة من الأ�سباب ،ومن �أبرزها ما يلي:
ف�أحيانا يخالج الملزم نوع من الإح�سا�س ب�ضعف الم�ؤ�س�سات وعجز الدولة عن �إعمال
القانون وفر�ض �سيادته ،وعدم قدرتها على ممار�سة م�س�ؤولياتها الرقابية من �أجل و�ضع اليد
على الممار�سات التي تعد تهربا �ضريبيا و�إحالة �أ�صحابها �إلى الق�ضاء .فغالبا ما ت�صطدم
ال ّدولة بافتقار لأنظمة �ضريبية متط ّورة ت�ستجيب لمقت�ضيات التنمية .فوجود فراغ قانوني
في المجال المالي يجعل النظام الجبائي يتناق�ض والواقع الجديد في البالد .5وبالتالي يجد
الملزم نوعا من ال�سهولة في االلتفاف على النظام ال�ضريبي المعمول به.
4. Lucien Mehl, Sciences et techniques fiscales, Tome 2, PUF, Thémis, p.733.
55ح�سن عوا�ضة :املالية العامة ،دار اخللود،بريوت ،لبنان� ،1995 ،ص.391 .
31
ورغم وجود �أجهزة متخ�ص�صة في الإدارة ال�ضريبية ومتعددة داخل الدولة ،ف�إنها ال تكفي
لح�سن تنفيذ ال�سيا�سة ال�ضريبية ،بل يجب بموازاة مع ذلك تدعيمها بمجموعة من الو�سائل
المادية لتحقيق المردودية المتوخاة .ف�إدارة ال�ضرائب ال تتوفر على الو�سائل المادية الالزمة
للقيام بعملية الإح�صاء التي تناط بها على ر�أ�س كل �سنة ،بحيث �أن �أغلبية الموظفين يقومون
بالمهام المنوطة بهم ب�إمكانياتهم الخا�صة دون م�ساعدة من الجهات الم�س�ؤولة رغم ما تجنيه
6
الخزينة العامة من م�ستخل�صات جبائية.
كما تلعب العوامل النف�سية دورا هاما في الغ�ش ال�ضريبي ،فكلما زاد الوعي بدفع ال�ضريبة
لدى الملزم بها �ضعف الباعث على الغ�ش والنق�ص فيها ،وكلما كان الوعي ال�ضريبي �ضعيفا
7
كان الباعث النف�ساني على التهرب قويا وملمو�سا.
ومن جهة �أخرى ،يمكن �أن ي�شكل فر�ض عقوبات غير مت�شددة على ال ُمدانين بتهمة التهرب
ال�ضريبي حافزا على الغ�ش ال�ضريبي ،الأمر الذي ال يحقق الردع المطلوب من العقوبة ،مما
المتح�صل من خالله �أكبر من العقوبة
َّ ي�شجع المكلفين بال�ضريبة على التهرب �إذا كان العائد
8
المترتبة عنه.
كما �أن ال�شعور بارتفاع معدالت ال�ضريبة وثقل العبء ال�ضريبي على الملزمين يمكن �أن
ي�ؤدي �إلى التهرب ال�ضريبي �أو الغ�ش في الت�صريح بال�ضريبة .فال يرى الملزم حينئذ �أثرا
لل�ضرائب التي ي�ؤديها للدولة يعود عليه بالنفع ،مما ي�ساعد على انت�شار روح التمرد على
االلتزامات العامة وبالتالي تنت�شر ثقافة التهرب التي تلعب دورا مهما في التهرب من دفع
ال�ضريبة .فهناك مجتمعات تنظر الى التهرب ال�ضريبي نظرة ازدراء وا�ستهجان بعك�س
بع�ض المجتمعات التي تعتبر التهرب من دفع ال�ضريبة دليال على الذكاء والبراعة وت�ستحق
9
الإعجاب.
فالإح�سا�س بعدم �شرعية ال�ضرائب في الأ�سا�س ي�ساهم في التهرب من �أدائها الطوعي� ،إذا
كان النظام الحاكم نف�سه فاقدا لل�شرعية الديمقراطية وغير منبثق من الإرادة ال�شعبية ومعبر
66موالي احل�سن متازي«،م�صري ثقافة املواطنة يف عالقة اخلا�ضع لل�رضيبة بالإدارة اجلبائية” ،املجلة املغربية للإدارة
املحلية والتنمية ،عدد مزدوج ،45 -44مايو غ�شت � .2002ص.72 .
77معني عبا�س احل�سون� ،أثر الوعي ال�رضيبي يف حتقيق التنمية االقت�صادية ،جملة القاد�سية للعلوم االدارية واالقت�صادية،
العدد 2ال�سنة � ،2013ص.144 .
8. DUBERGE J. « Les français face à l’impôt : Essai de psychologie fiscale », LGDI,1990, p.
100.
�99ضياء احمد حمدي :التهرب ال�رضيبي يف العراق ،ر�سالة دبلوم عايل ،كلية الإدارة واالقت�صاد ،جامعة بغداد،1978،
�ص.99.
32
عنها .ويزداد هذا الإح�سا�س �إذا ا�ست�شرى الف�ساد داخل �أجهزة الدولة ،و�صار المال العام
مباحا �أمام النهب وال�سلب دون ح�سيب �أو رقيب ،و�إذا ر�أى المواطنون �أن الموارد العمومية
�أ�صبحت غنيمة يتنعم بها رجال ال�سلطة والمقربون منهم ،ويتم تبذيرها في نفقات ا�ستهالكية
10
خارجة عن الق�صد.
كما �أن ال�شطط في ا�ستعمال ال�سلطة التقديرية من قبل الإدارة ال�ضريبية في تقدير الوعاء
ال�ضريبي المفرو�ض على الملزمين ي�ؤدي في الكثير من الحاالت �إلى التهرب ال�ضريبي .فهذا
ال�شطط ي�ساهم ب�شكل كبير في ت�شجيع بع�ض المهنيين على ممار�سة �أن�شطتهم ب�شكل �سري وفي
القطاعات غير المهيكلة وعدم الت�صريح بها� ،أو عدم ت�سجيل �أنف�سهم لدى الإدارة ال�ضريبية
�أ�سا�سا .والحقيقة �أن مطلب العدالة ال�ضريبية هو الدعامة الأ�سا�سية لتر�سيخ الوعي ال�ضريبي
كما �أن تر�شيد النفقات العمومية لن ي�ؤدي بدوره �إال �إلى دعم الوعي ال�ضريبي .فالمجهودات
التي تبذلها الدولة �أكثر ما يمكن من العائدات الجبائية يجب �أن يقابلها مجهودات �أكبر في
11
تر�شيد النفقات العمومية وعقلنتها لتجنب التمل�ص ال�ضريبي.
الفقرة الثانية� :أنواع التهرب ال�ضريبي
غالبا ما يف�ضي التهرب ال�ضريبي �إلى تقزيم ح�صيلة الإيرادات العامة وبالتالي �إلى �إتباع
�سيا�سة مالية من �ش�أنها تقلي�ص حجم النفقات العامة التي تعد الو�سيلة الوحيدة لإ�شباع حاجة
المجتمع ،للدفاع والتنمية االقت�صادية والتقدم االجتماعي ،وبالتالي ي�ؤدي في النهاية �إلى
انخفا�ض اال�ستثمارات و�إلى هبوط الم�ستوى المعي�شي للأفراد ناهيك عن �إ�ضعاف مقدرة
الدولة في المحافظة على الأمن و�إعادة توزيع الدخول .وبذلك تتعدد �صور التهرب ال�ضريبي
وتتباين �أنواعه �سواء من حيث مطابقته للمعايير الت�شريعية �أو من حيث الق�صد الإرادي للملزم.
فالتهرب ال�ضريبي غير الم�شروع يتمثل في �سعي المكلف للتخل�ص الكلي �أو الجزئـي مـن
التزامه القانوني ،بدفع ال�ضريبة الم�ستحقة عليه ،م�ستعين ًا في ذلك بمختلـف الو�سائل غير
الم�شروعة قانونا .فقد يتبع الملزم وحده� ،أو بم�ساعدة موظفي ال�سلطات الـ�ضريبية ،طرقـ ًا
للغـ�ش والتزويـر والإخفاء وتجنب تقديم المعلومات الحقيقية عن ن�شاطاته ،ودخوله الخا�ضـعة
.
لل�ضريبة ،بغية التمل�ص من دفع ال�ضريبة� ،أو �أي جزء منها
33
�أما التهرب ال�ضريبي الم�شروع فيمكن �أن ندرج في �إطاره كال من التجنب ال�ضريبي
المق�صود والتجنب ال�ضريبي غير المق�صود .ويق�صد به تخل�ص المكلف من �أداء ال�ضريبة
نتيجة ا�ستفادته من الثغرات الجبائية الموجودة بفعل تعقد النظام الجبائي �أو عدم �إحكام
�صياغة القوانين ،هذا ما يف�سح المجال �إلى العديد من الت�أويالت .فهذه اال�ستفادة ال تعد
مخالفة للقانون ما دام يت�صرف في �إطار قانوني جعلها له الم�شرع من خالل �سل�سلة من
�إيرادات القيم المنقولة �أو الخدمات ،وذلك في حالة عدم تناول الن�ص القانوني لمثل هذه
12
الأوعية وهي الأ�سهم.
ويمكن الحديث �أي�ضا عن التهرب ال�ضريبي الب�سيط ،وهو كل فعل مرتكب ب�سوء نية من
�أجل مخادعة الإدارة الجبائية للو�صول �إلى خ�ضوع �أقل لل�ضريبة من خالل تقديم ت�صاريح
ناق�صة تت�ضمن بيانات خاطئة لتقدير ال�ضريبة على �أ�سا�سها.وق�صد بالنية ال�سيئة كون المكلف
واع بعدم م�شروعية العمل الذي يقوم به.
ومقابل هذا النوع هناك التهرب ال�ضريبي المركب ،وهو ذلك النوع من الغ�ش الذي
يتبع طرق تدلي�سية من �أجل تج�سيد �إدارة تجنب ال�ضريبة .وفي �إطار هذا النوع يتهم الملزم
ب�إتباعه الأ�ساليب التدلي�سية ،عن طريق محو كل الآثار الحقيقية للأن�شطة ،وهي حالة الملزم
13
الذي يقدم لإدارة ال�ضرائب محا�سبة مزيفة وفواتير كاذبة.
المطلب الثالث� :آثار التهرب ال�ضريبي
ت�شكل ظاهرة التهرب ال�ضريبي ظاهرة �سلبية وغير �صحيحة وذات �أثار بالغة الخطورة �سواء
كانتعلىالناحيةاالقت�صادية�أوالناحيةالمالية�أوالناحيةاالجتماعية.فهذهالظاهرةتعدتقوي�ض ًا
لفعالية جهود الدولة في تحقيق التنمية المالية واالقت�صادية واالجتماعية .والمالحظ �أنه كلما زاد
حجم التهرب ال�ضريبي زادت �آثاره ال�سلبية على كافة النواحي االقت�صادية واالجتماعية والمالية.
الفقرة الأولى :الآثار االقت�صادية
تعمل الدولة لتحقيق ما ت�صبو �إليه من تنمية اقت�صادية ،على ا�ستخدام ال�ضريبة ك�أداة
لدفع مختلف قطاعات الن�شاط االقت�صادي لتعمل ب�أق�صى معدالتها مـع المحافظة على النمو
المتوازن بين القطاعات ال�صـناعية والزراعيـة والخـدمات .فالنظام ال�ضريبي الذي تتخذه
الدولة ي�ستند على ما يكفي من الحوافز لت�شجيع اال�سـتثمار فـي مجـاالت التنمية المطلوبة،
112غازي عناية :املالية العامة والت�رشيع ال�رضيبي ،دار الآفاق ،عمان ،الأردن� ،1998 ،ص.181 .
113خالد اخلطيب :التهرب ال�رضيبي ،جملة جامعة دم�شق ،املجلد ،16العدد � ،2000 ،2ص.186-157.
34
حيث ت�ستخدم فيها الإعفاءات والت�صاعد ال�ضريبي لتحقيق �أهداف العدالة فـي توزيـع الدخول
والحوافز لتحقيق �أهداف التنمية االقت�صادية.
غير �أن التنمية االقت�صادية عندما ت�ستند �إلى النظام ال�ضريبي ك�أ�سا�س لها ،ف�إنها
تت�أثر بمدى امتثال الملزمين في �أداء التزاماتهم الجبائية دون تهرب �أو غ�ش .وما دام �أن
االزدهار االقت�صادي مرهون بتكاف�ؤ الفر�ص وتعادل االلتزامات والحقوق بالن�سبة للفاعلين
االقت�صاديين ،ف�إن المتهرب ال�ضريبي من الفاعلين االقت�صاديين تكون تكلفة �إنتاجه �أقل من
تكلفة �إنتاج الفاعلين االقت�صاديين �أو المن�ش�آت االقت�صادية الأخرى .و هذا مما يخل بقواعد
المناف�سة الم�شروعة ،و ي�ؤدي بالتالي �إلى انكما�ش اقت�صادي نتيجة �إفال�س الم�ؤ�س�سات التي
تعجز عن المناف�سة.
كما �أن التهرب ال�ضريبي ي�ؤدي �إلى انخفا�ض حجم الإيرادات الحكومية وبالتالي انخفا�ض
الإنفاق الحكومي على اال�ستثمارات وعرقلة م�شاريع التنمية .وبالتالي تلج�أ الحكومة �إلى رفع
�سعر ال�ضريبة ل�سد العجز الحا�صل في الإيرادات .كما �أنها تلج�أ �إلى عملية االقترا�ض لتمويل
م�شاريعها �سواء عن طريق القرو�ض المحلية �أو الخارجية وما ي�شكله ذلك من �إنهاك لإيرادات
الدولة وتحولها لخدمة الدين العمومي عو�ض تحقيق التنمية.
ومن جهة �أخرى ي�ؤثر التهرب ال�ضريبي على الميزة التناف�سية بين ال�شركات والوحدات
االقت�صادية ،حيث �أن الملزمين الذين ال يدفعون ال�ضرائب �أو يتهربون من �أدائها تقل التكلفة
عليهم وبالتالي تت�سع هوام�ش الربحية في م�شروعاتهم .وبالتالي ف�إن هذه الظاهرة ت�ساهم
في ظهور االقت�صاد الخفي الذي يعمل خارج �سيطرة القانون .فالمبالغة في فر�ض الأعباء
ال�ضريبية وتهرب الملزمين من �أدائها ت�ؤدي �إلى انخفا�ض ح�صيلة ال�ضرائب وذلك من خالل
�إخفاء الأن�شطة االقت�صادية ،بحيث ي�سود االقت�صاد الموازي والتهريب بجميع �أ�شكاله وفي
جميع المناحي االقت�صادية ،خا�صة و�أن �سبله �أ�صبحت متوفرة مع �سيادة الحوا�سب الإلكترونية
14
وتطور و�سائل االت�صال الال�سلكي التي عبرها يتم البيع و�أداء الخدمات.
الفقرة الثانية :الآثار االجتماعية
يت�سبب التهرب ال�ضريبي في انخفا�ض الموارد الجبائية التي ت�شكل عن�صرا �أ�سا�سيا على
م�ستوى االدخار واال�ستثمار .كما �أنه ي�ؤدي �إلى انعكا�سات وخيمة على ال�سيا�سة االقت�صادية
واالجتماعية خا�صة فيما يتعلق بتوجه االقت�صاد الوطني ،مما ي�ؤدي �إلى ت�سببه في انخفا�ض
114غازي النقا�ش:املالية العامة حتليل �أ�س�س االقت�صاديات املالية ،دار وائل ،عمان� ،2003 ،ص.160.
35
م�ستوى الإنتاج وانت�شار البطالة والفقر ثم م�ساهمته في التوزيع غير العادل للدخول والثروات
15
بين مختلف مكونات المجتمع .وهو ما يعيق تحقيق عدالة اجتماعية.
و�إذا كانت ال�ضريبة تعد �أحد مظاهر الت�ضامن االجتماعي ،ف�إن التهرب ال�ضريبي يعد
�إخال ًال خطير ًا بمبد�أ الت�ضامن االجتماعي و�إهدارا �سافرا للعدالة االجتماعية التي هي �أ�سا�س
فر�ض ال�ضرائب .فالتهرب ال�ضريبي ينعك�س ب�شكل طردي على قيم الت�ضامن االجتماعي بين
�أفراد الأمة الواحدة .حيث �أ�صبح مفهوم العدالة االجتماعية بمعناها الوا�سع يعني مراعاة
الأو�ضاع ال�شفهية للملزم ومراعاة مقدار الدخل بحيث يعفى منه الق�سم ال�ضروري للعي�ش
وتفر�ض معدالت ت�صاعدية على الباقي وترتفع كلما ارتفع الدخل.
كما �أن �أهم الأهداف التي ت�سعى الدولة لتحقيقها من فر�ض ال�ضرائب يتمثل في �إعادة
توزيع الدخول وم�صادر الثروة الأخرى ،ويتحقق ذلك با�ستخدام ال�ضرائب الت�صاعدية بحيث
يدفع ذوي الدخل المرتفع �ضريبة ن�سبية �أعلى من تلك التي يدفعها ذوي الدخل المحدود مع
مراعاة وجود الأنفاق الحكومي .غير �أن التهرب ال�ضريبي ي�ؤدي �إلى المزيد من �أنواع التهرب،
حيث ي�أخذ �شكال» �شمولي ًا بمعنى �أن التهرب من ال�ضريبة قد ي�ؤدي �إلى التهرب من �ضريبة
�أخرى.
واعتبارا لذلك ف�إن تقييم حجم ت�أثير التهرب ال�ضريبي وانعكا�ساته على الفعالية
االجتماعية ومعها الفعالية االقت�صادية ،الفعالية في ا�ستخدام القدرات والإمكانيات المتاحة
في المنظمة لتحقيق الأهداف العامة والخا�صة ،من حيث �إدارة الوقت و�سرعة االنجاز و�إدارة
النوعية وتحفيز المهارات الب�شرية ودفعها �إلى الإبداع واالبتكار ،مما يحقق اال�ستمرار والنمو
والتطوير الدائم.
المبحث الثاني� :آليات مكافحة التهرب ال�ضريبي
تتباين و�سائل مكافحة التهرب ال�ضريبي تبعا للنظام ال�ضريبي المتخذ ب�شكل عام ولكل
�ضريبة ب�شكل خا�ص .فالدولة تعمل جاهدة على مكافحة التهرب ال�ضريبي بكل الو�سائل
الممكنة .ولذلك فـ�إن مكافحـة التهرب ال�ضريبي تتم بالعمل على منع وقوعه وعلى معاقبة
مرتكبيه عبر اتخاذ مجموعة من التدابير التي تختلف في فعاليتها وجدواها في الحد من
16
�إفالت الملزمين من �أداء ما بذممهم من �أموال عامة لفائدة خزينة الدولة.
115الطاهر الق�ضاوي « :التهرب ال�رضيبي و�سبل احلد منه» ،مرجع �سابق� ،ص.376 .
116حميى حممد �سعد :الإطار القانوين للعالقة بني املمول والإدارة ال�رضيبية ،مكتبة ومطبعة الإ�شعاع الفنية ،الإ�سكندرية،
بال �سنة� ،ص.178.
36
المطلب الأول :الرقابة الجبائية
�إذا كان النظام ال�ضريبي يمنح الحرية الن�سبية للملزمين بتقديم ت�صريحاتهم ال�ضريبية
ب�شكل يوافق ن�شاطاتهم ومداخيلهم الحقيقية تلقائيا ،ف�إن الم�شرع رغم ذلك �أجاز للإدارة
الجبائية كل الو�سائل القانونية والتنظيمية الالزمة من �أجل مراقبة مختلف الت�صريحات التي
يدلي بها الملزمون ،مخافة �أن تكون غير �صحيحة وغير �صادقة ،نظرا للأخطاء التي يمكن
�أن تت�سرب �إليها �أثناء الت�صريح� ،سواء بح�سن النية �أو ب�سوء النية من �أجل التهرب ال�ضريبي.
فالرقابة الجبائية بمختلف هياكلها و�آلياتها ت�سعى للت�أكد من الت�صريحات الجبائية
التي يتم تقديمها من طرف الملزمين بال�ضريبة والتي من خاللها يتم ك�شف كل الإ�سقاطات
والتجاوزات التي يمكن �أن ي�ستعملها الملزم للتمل�ص من �أداء ال�ضريبة .فهي ت�شكل و�سيلة
فعالة ت�ضمن م�صلحة الخزينة العمومية من جهة ،ومن جهة �أخرى لردع الملزمين بال�ضريبة
وتح�سي�سهم ب�أن �إدارة ال�ضرائب ذات ح�ضور دائم ،وهذا ما ينعك�س على ت�صريحاتهم
و�سلوكاتهم اتجاه التزاماتهم ال�ضريبية.
وقد عرف «فايول» الرقابة الجبائية ب�أنها «التحقق مما �إذا كان كل �شيء ي�سير وفقا للخطـة
المر�سومة والتعليمات ال�صادرة� ،أما مو�ضوعها فهو تبيـان نـواحي ال�ضـعف �أو الخط�أ من �أجل
17
تقويمها ومنع تكرارها».
�أما « كولین فیلیب » Fillipe Collineفقد عرف الرقابة الجبائیة ب�أنها هي الو�سیلة
ال�ضروریة ل�ضمان الم�ساواة بین الأفراد في دفع لل�ضریبة .وت�شكل �شرطا من ال�شروط الرئی�سیة
18
والفعالة لتحقیق المناف�سة ال�شریفة والعدالة بین الم�ؤ�س�سات.
كما ذهب البع�ض الآخر �إلى �أن الرقابة الجبائية هي «فح�ص الت�صریحات وكل �سجالت
ووثائق وم�ستندات المكلفین بال�ضریبة الخا�ضعین لها �سواء كانوا �أ�شخا�صا طبیعیة �أو معنویة
19
وذلك بق�صد الت�أكد من �صحة المعلومات التي تحتویها ملفاتهم الجبائیة «.
فالرقابة الجبائية هي مجموع العمليات التي تقوم بها الإدارة الجبائية ،20وت�سعى من
ورائها �إلى المحافظة على حقوق الخزينة العامة من خالل محاربة التهرب ال�ضريبي .وبمعنى
117حمدي �سلیمان القبیالت :الرقابة الإدارية واملالیة على الأجهزة احلكومیة ،مكتبة دار الثقافة ،الأردن،1998 ،
�ص.13.
18. Colline Fillipe: Le vérificateur fiscale, Edition économique, paris, 1979, p : 25.
119ولهي بوعالم :نحو �إطار مقرتح لتفعیل �آلیات الرقابة اجلبائیة للحد من �أثار الأزمة ،حالة اجلزائر ،2009ملتقى
الأزمة املالیة واالقت�صادیة جامعة �سطیف ،اجلزائر� ،2009/10/20 ,ص.7.
20. M. BOUVIER, M.C. ESCLASSAN, J.P. LASSALE : Finances Publiques.8ème édition,
LGDJ, p. 632.
37
�آخر فهي الو�سيلة التي تمكن الإدارة الجبائية من التحقيق بن الملزمين بال�ضريبة ملتزمين
21
في �أداء واجباتهم ،وت�سمح لها بت�صحيح الأخطاء المالحظة.
فالرقابة الجبائية تهدف الت�أكد من �صحة وم�صداقية الإقرارات �أو الت�صريحات المقدمة
من طرف الملزم بال�ضريبة ،واكت�شاف الأخطاء واالنحرافات الجبائية المتعلقة بها .وتختلف
عملية مراجعة وفح�ص الإقرارات باختالف �أ�شكال الرقابة� ،سواء تعلق الأمر بفح�ص
المحا�سبة �أو ت�صحيح الو�ضعية الجبائية للملزم.
ففيما يتعلق بم�سطرة الفح�ص ال�ضريبي ،ف�إنها تعد نوعا من الرقابة التي تمار�سها
الإدارة ال�ضريبية على مجموع الإجراءات الرامية �إلى مقارنة العمليات المحا�سبية للملزمين
مع المعلومات المح�صل عليها من طرف هذه الإدارة ال�ضريبية لقيا�س مدى م�صداقية
22
الت�صريحات المدلى بها من طرفهم.
وفي المغرب ،يتم القيام بمهمة الفح�ص ال�ضريبي من قبل م�صالح المديرية العامة
لل�ضرائب ،التي تحدد �صالحياتها بموجب المر�سوم ال�صادر في 22نوفمبر 1978ب�ش�أن تنظيم
وزارة المالية .كما تتكون من م�صالح «�إدارة الرقابة المالية» ،التي تم �إن�شا�ؤها في عام 2005
داخل المديرية العامة للرقابة ،على الم�ستوى المركزي ،وو�ضعها تحت ال�سلطة المبا�شرة
للمدير العام لل�ضرائب.
والمالحظ �أن الم�شرع المغربي قد �أفرد م�سطرة الفح�ص المحا�سبي مجموعة من
ال�شروط ال�شكلية تفاديا لتع�سف الإدارة ال�ضريبية في ممار�سة هذا الحق ،وتعزيزا لل�ضمانات
التي يتمتع بها الملزم بمنا�سبة �سلوك هذه الم�سطرة .وهي �شروط تجعل تطبيقها يتطلب توافر
العنا�صر الآتية :
يخ�ضع لم�سطرة الفح�ص ال�ضريبي الخا�ضعون لل�ضرائب والر�سوم الملزمون قانونا ♦
21. CLAUDE Laurent, contrôle fiscale, la vérification personnelle, bayeusaine, France, 1995,
p. 13.
222كرمي حلر�ش :املنازعات ال�رضيبية يف القانون املغربي� ،سل�سلة الالمركزية والإدارة الرتابية ،العدد � 21سنة ،2013
�ص.19 .
38
وتتميز م�سطرة الفح�ص ال�ضريبي بنوع من الخ�صو�صية ،لكونها تتج�سد في انتقال
المفت�ش المحقق �إلى مكاتب المقاولة ،داخل محل الإقامة االعتيادية �أو المقر االجتماعي �أو
الم�ؤ�س�سة الرئي�سية للملزمين .كما يمنع الم�شرع على المحقق �أن ينقل �أية وثيقة محا�سبية �إلى
23
مقر الإدارة ال�ضريبية �إال بترخي�ص من الخا�ضع لل�ضريبة ومقابل ت�سليمه و�صال بذلك.
�أما بخ�صو�ص �آجال هذه الم�سطرة فقد حددتها مدونة ال�ضرائب كالآتي :
الحد الأدنى� :أكثر من � 6أ�شهر للمن�ش�آت التي يعادل �أو يقل مبلغ رقم معامالتها ♦
39
ت�صحيح الوعاء ال�ضريبي لمعرفة و�سائلهم وحججهم و�إثباتاتهم ومواقفهم من الأ�سا�س المعتمد
في ت�صفية ال�ضريبة في �إطار المراجعة .ولذلك ف�إن كل �إخالل بمقت�ضيات هذه الم�سطرة
ي�ؤدي �إلى بطالن �إجراءاتها ،ويحول دون المرور �إلى مرحلة التح�صيل ال�ضريبي ،التي تثير
بدورها نقا�شا قانونيا وفنيا حول مدى احترام �إجراءاتها و�آجالها الم�سطرية ل�ضمانات الملزم
وتكري�س حمايته القانونية في مواجهة الإدارة ال�ضريبية.
المطلب الثاني :التحقيقات الجبائية
�إذا كان النظام الجبائي يعطي الحرية للملزمين بال�ضريبة للقيام بالت�صريح بمداخيلهم
المحققة كما هو مفتر�ض بح�سن نية ،ف�إن هذه الحرية ت�ستوجب على الإدارة ال�ضريبية �ضرورة
القيام بالرقابة على هذه الت�صريحات بهدف الت�أكد من �صحتها و�صدقها والك�شف عن نقاط
الغ�ش والتهرب فيها .ويعد التحقيق الجبائي من �أهم و�سائل المراقبة الجبائية ،ويتمثل في
مجموع العمليات التي تهدف �إلى مراقبة الت�صريحات الجبائية الم�صرح بها من طرف الملزم
بال�ضريبة لمدة غير متقادمة ،بغية تحري قانونية الت�سجيالت المحا�سبية ومقارنتها مع
الو�ضعية الحقيقية للن�شاط الممار�س .كما ي�شمل التحقيق الجبائي مجموع ال�ضرائب والر�سوم
التي يخ�ضع لها الملزم بال�ضريبة.
وتتم م�سطرة التحقيق الجبائي داخل �إدارة ال�ضرائب ،حيث تكلف بالدرا�سة والتحقيق في
المطالبة ق�سم خا�ص بمديرية ال�ضرائب هو ق�سم المنازعات المتكون من �أربع م�صالح هي:
الم�صلحة المكلفة بالنزاعات في ال�ضرائب المبا�شرة. ♦
26
الم�صلحة المكلفة بالتحقيقات. ♦
فمفت�ش ال�ضرائب بعد تو�صله بالمطالبة يقوم بفح�ص الوقائع المثارة من �أجل الت�أكد
من مدى مطابقتها للمقت�ضيات القانونية ،ومن مدى جدية الحجج المقدمة وت�أثيرها على
النزاع ال�ضريبي مو�ضوع المطالبة .كما يمكنه كذلك من �أجل ا�ستكمال التحقيق� ،أن ي�ستدعي
الخا�ضع لل�ضريبة من �أجل ا�ستف�ساره �أو تقديم محا�سبته �أو تقديم مزيد من الحجج ،كما
يمكنه �إجراء جميع التحريات الالزمة على �ضوء الوثائق المقدمة والمعلومات المتوفرة،
226عبد القادر التعالتي ،النزاع ال�رضيبي يف الت�رشيع املغربي .دار الن�رش املغربية .الدار البي�ضاء .الطبعة الأوىل 2000
�ص.154 .
40
�إما بعين المكان �أو بمقرات الأ�شخا�ص الطبيعيين �أو المعنويين الذين لهم عالقة بالخا�ضع
27
لل�ضريبة ،كزبنائه ومورديه والأبناك و المقاوالت والإدارات التي يتعامل معها.
وبعد انتهاء البحث الذي تقوم به الم�صلحة المخت�صة في المو�ضوع ،يتولى الوزير المكلف
بالمالية �أو ال�شخ�ص المفو�ض من لدنه لهذا الغر�ض القيام بالبت في المطالبة المرفوعة �إلى
الإدارة .ونظرا للعدد الكبير للمطالبات التي تحال على المديرية العامة لل�ضرائب ف�إنه غالبا
ما يتم تفوي�ض هذه ال�سلطة �إلى ر�ؤ�ساء الأق�سام �أو الم�صالح ح�سب قيمة النزاع ومبلغ ال�ضريبة
28
المتنازع حوله.
ويجب �أن تقوم �إدارة ال�ضرائب بعد فح�ص مطالبة الملزم بالجواب عليها داخل �أجل �ستة
�أ�شهر الموالية لتاريخ المطالبة ،و�أن تتخذ القرار المنا�سب حولها .كما �أنه بعد اتخاذ القرار
من طرف الإدارة الجبائية وتعليله يتم تبليغه� إلى الملزم المعني بالنزاع .29وعلى هذا الأخير
�إذا لم يقبل القرار ال�صادر عن الإدارة �أن يطعن فيه �أمام المحكمة الإدارية المخت�صة داخل
�أجل 30يوما الموالية لتاريخ تبليغ القرار المذكور.
المطلب الثالث :الجزاءات والحلول الوقائية
تحظى عملية توقيع الجزاءات والعقوبات في المجال ال�ضريبي ب�أهمية كبيرة ،وذلك بالنظر
�إلى كون هذه العقوبات تهدف بالأ�سا�س �إلى �صيانة م�صالح الدولة وم�صالح الخزينة العامة
من توقيع العقاب على كل عمل غير �شرعي ي�سعى �إلى التهرب والغ�ش ال�ضريبيين ،باعتبارهما
ي�سببان العديد من الأ�ضرار للمجتمع .فالغ�ش �أو التهرب ال�ضريبي ي�ؤدي تقلي�ص مداخيل الدولة
�إلى درجة ي�صعب معها تغطية التكاليف والنفقات العامة التي تتجلى بالأ�سا�س في بناء المرافق
ال�ضرورية ،وهذا ما ينتج عنه �شلل عمل هذه المرافق وبالتالي �ضياع حقوق المواطنين.
27. HAMMOU LAAFOU, Le contrôle fiscal au Maroc : cadre légal et rôle de l’expert comptable,
mémoire présenté en vue de l’obtention du diplôme national d’expert-comptable, ISCE,
2004. p. 38.
28. El OTMANI FOUAD: LES PROCEDURES DU CONTROLE FISCAL EN DROIT
MAROCAIN RAPPEL ET ESSAIE D’ANALYSE, Université HASSAN 1, faculté des
sciences Juridiques, Economique et Social –Settat, 2015, p. 49.
229موالي عبد الرحمان العلمي ،املنازعات يف املرحلة ما قبل الق�ضائية ،ر�سالة لنيل دبلوم املا�سرت القانون اخلا�ص،
جامعة القا�ضي عيا�ض كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية مراك�ش ال�سنة اجلامعية � ،2011/2010ص.
.26
41
وقد عرف المغرب �أولى محاوالت تجريم التهرب ال�ضريبي من خالل م�شروع قانون الإطار
ل�سنة 1984في ف�صله ،27حيث اقترحت لأول مرة عقوبة الحب�س في حق كل من ثبت تورطه في
ارتكاب الغ�ش ال�ضريبي .غير �أن لجنة المالية المكلفة بدرا�سة هذا الم�شروع قررت بالإجماع
حذف هذا الف�صل ،و�صدر قانون الإطار بدون عقوبة الحب�س .ثم جاء م�شروع قانون المالية
لل�سنة المالية 1997-1996لتعتبر �أول مرة الغ�ش ال�ضريبي مخالفة معاقب عليها بغرامات
30
مالية وعقوبات حب�سية.
تتنوع العقوبات التي ت�ضمنها قانون تجريم الغ�ش ال�ضريبي بين العقوبات الجبائية
والعقوبات الزجرية .31وهي جزاءات ت�سعى �إلى زجر عمليات التهرب ال�ضريبي التي قد يرتكبها
الملزمون ،رغم �أنها خفيفة الوقع و�أن مجالها محدود وتطبيقها تلفه العراقيل الم�سطرية ،مما
ي�شجع المكلفين على التمادي في التهرب ال�ضريبي.
وقد ورد في المادة 182من المدونة العامة لل�ضرائب 32بر�سم قانون المالية ل�سنة 2007
ما يلي« :ب�صرف النظر عن الجزاءات ال�ضريبية المن�صو�ص عليها في هذه المدونة يتعر�ض
لغرامة من خم�سة �آالف درهم �إلى خم�سين �ألف درهم كل �شخ�ص ثبت في حقه ق�صد الإفالت
من �إخ�ضاعه لل�ضريبة او التمل�ص من دفعها �أو الح�صول على خ�صم منها �أو ا�سترجاع مبالغ
بغير حق ،ا�ستعمال �إحدى الو�سائل التالية:
ت�سليم �أو تقديم فاتورات �صورية ♦
اختال�س مجموع �أو بع�ض �أ�صول ال�شركة �أو الزيادة ب�صورة تدلي�سية في خ�صومها ♦
330ال�صديق جعوان� :إ�شكالية التهرب ال�رضيبي يف املغرب� ،أطروحة لنيل الدكتوراه يف احلقوق �شعبة القانون اخلا�ص،
جامعة حممد اخلام�س �أكدال كلية العلوم القانونية واالقت�صادية واالجتماعية الرباط ،ال�سنة اجلامعية .2002-2001
�ص302.
331حممد �شكري� :أهمية التوا�صل يف تدبري ال�رضيبة ،من�شورات املجلة املغربية للإدارة املحلية والتنمية ،العدد ،59
� ،2005ص.64 .
332ظهري �رشيف رقم � 1.07.195صادر يف 19من ذي القعدة 30( 1428نوفمرب )2007بتنفيذ القانون رقم 47.06املتعلق
بجبايات اجلماعات املحلية ،من�شور باجلريدة الر�سمية عدد 22 5583ذو القعدة .)2007/12/03 ( 1428
42
وفي حالة العود �إلى المخالفة قبل م�ضي خم�س �سنوات على الحكم بالغرامة المذكورة
الذي اكت�سب قوة ال�شيء المق�ضي به ،يعاقب مرتكب المخالفة ،زيادة على الغرامة المقررة
�أعاله ،بالحب�س من �شهر واحد �إلى � 3أ�شهر.
تطبق الأحكام �أعاله وفق الإجراءات وال�شروط المن�صو�ص عليها في المادة � 231أدناه».
وبالرجوع �إلى المادة 231من القانون المتعلق بمدونة ال�ضرائب 33نجدها تن�ص على
مايلي:
«تثبت المخالفات المن�صو�ص عليها في المادة� 192أعاله بمح�ضر يحرره م�أموران ب�إدارة
ال�ضرائب من درجة مفت�ش على الأقل ينتدبان خ�صي�صا لهذا الغر�ض ومحلفين وفق الت�شريع
الجاري به العمل.
مهما يكن النظام القانوني للخا�ضع لل�ضريبة ،ف�إن عقوبة الحب�س المقررة في المادة
الم�شار �إليها في الفقرة �أعاله ،ال يمكن �أن تطبق �إال على ال�شخ�ص الطبيعي الذي ارتكب
المخالفة �أو على كل م�س�ؤول ثبت �أن المخالفة ارتكبت بتعليمات منه و بموافقته.
ويتعر�ض لنف�س العقوبة كل �شخ�ص ثبت �أنه �ساهم في ارتكاب الأفعال المذكورة �أو �ساعد
�أو �أر�شد الأطراف في تنفيذها.
ال يمكن �إثبات المخالفات المن�صو�ص عليها في المادة � 192أعاله �إال في �إطار مراقبة
�ضريبية.
�إن ال�شكاية الرامية �إلى تطبيق الجزاءات المن�صو�ص عليها في المادة 192المذكورة،
يجب �أن يعر�ضها �سلفا وزير المالية �أو ال�شخ�ص المفو�ض من لدنه لهذا الغر�ض على �سبيل
اال�ست�شارة على لجنة للنظر في المخالفات ال�ضريبية ،ير�أ�سها قا�ض وت�ضم ممثلين اثنين
لإدارة ال�ضرائب وممثلين اثنين لخا�ضعين لل�ضريبة يختاران من القوائم التي تقدمها
المنظمات المهنية الأكثر تمثيال ،ويعين �أع�ضاء هذه اللجنة بقرار للوزير الأول.
يجوز لوزير المالية �أو ال�شخ�ص المفو�ض من لدنه لهذا الغر�ض �أن يحيل ا�ست�شارة للجنة
المذكورة ال�شكاية الرامية �إلى تطبيق الجزاءات الجنائية المن�صو�ص عليها في المادة 192
�أعاله �إلى وكيل الملك المخت�ص التابع له مكان ارتكاب المخالفة.
يجب على وكيل الملك �أن يحيل ال�شكاية �إلى قا�ضي التحقيق».
333املحدثة مبوجب املادة 5من قانون املالية رقم 06.43لل�سنة املالية 2007ال�صادر بتنفيذه الظهري ال�رشيف رقم 232.06.1
بتاريخ 10 :ذي احلجة 1427املوافق 31دجنرب .2006
43
ونلفت النظر هنا �إلى �أن موقف الم�شرع المغربي يكتنفه الغمو�ض والتردد لأن ا�ستبعاد
تطبيق قانون تجريم التهرب ال�ضريبي على باقي ال�ضرائب الأخرى ال ي�ستند �إلى �أي مبرر
م�شروع ،كما يتنافى ومبد�أ م�ساواة الملزمين �أمام التهرب ال�ضريبي .وبالتالي يظل هذا
القانون عاجزا عن مالحقة ما يرتكب من �أفعال الغ�ش والتهرب ال�ضريبي بالن�سبة لل�ضرائب
الأخرى التي ت�شكل مرتعا للغ�ش ال�ضريبي ك�ضريبة الت�سجيل �أو ال�ضريبة على الأرباح العقارية.
في حين يالحظ �أن الم�شرع الفرن�سي مدد �صور الغ�ش المعاقب عليه جنائيا �إلى كافة �أ�صناف
ال�ضرائب الأخرى ،كما �أ�ضاف �إلى ذلك كل �إغفال عمدي للإدالء بالإقرارات داخل الآجال
34
المحددة لها.
خاتمة:
تعد جريمة التهرب ال�ضريبي في �أي مجتمع داللة وا�ضحة على وجود خلل في �أهم عالقة
بين المواطن والدولة وهي التزامه بالم�شاركة في تحمل النفقات العامة .فال�ضغط ال�ضريبي
ي�ؤدي ب�شكل طردي �إلى مزيد من التمل�ص والتهرب من �أداء ال�ضريبة من جراء �إح�سا�س
المواطن بانعدام الم�ساواة في تحمل الأعباء المالية بين الملزمين ،الأمر الذي ي�ستدعي
الك�شف عن الأ�سباب الم�ؤدية �إلى ارتكاب جريمة التهرب ال�ضريبي.
وفي هذا ال�صدد نرى �أنه يجب على الم�شرع المغربي �أن ي�سير على خطى الم�شرع الفرن�سي
الذي عمد �إلى �إن�شاء نقابات لل�ضرائب من �أجل محاربة الغ�ش منذ �سنة .1985فالمالحظ
�أن �أع�ضاء هذه النقابات هم مجرد عمال في القطاعين العام والخا�ص� ،إلى جانب موظفين
من بين مفت�شي المديرية العامة لل�ضرائب ،حيث ت�سعى �إلى توعية المواطنين بخطورة الغ�ش
ال�ضريبي �إذا تم تركه يتطور داخل المجتمع.
وال يفوتنا �أن ن�شير �إلى �أن توقيع الجزاءات والعقوبات في المجال ال�ضريبي له �أهمية
كبيرة ،وذلك بالنظر �إلى كون هذه العقوبات تهدف �صيانة م�صالح الدولة وم�صالح الخزينة
العامة من خالل معاقبة كل عمل غير �شرعي ي�سعى بالأ�سا�س �إلى التهرب والغ�ش ال�ضريبيين،
نظرا لما ي�سببانه من �أ�ضرار على المجتمع ولو ب�صفة غير مبا�شرة .فالتهرب ال�ضريبي يجعل
مداخيل الدولة تتقل�ص �إلى درجة ي�صعب معها تغطية التكاليف والنفقات العامة التي تتجلى
بالأ�سا�س في بناء المرافق ال�ضرورية ،مما ي�ؤدي �إلى �شلل عمل هذه المرافق وبالتالي �ضياع
حقوق المواطنين.
— 34. Bazart Cécile. Les comportements de fraude fiscale. Le face à face contribuables
administration fiscale. In: Revue française d'économie, volume 16, n°4, 2002. pp. 171-212.
44