Professional Documents
Culture Documents
1
:مقدمة
تحتل الضريبة مركزاً متميزاً في الدراسات المالية إذ كانت وال زالت الوسيلة
الرئيسية والمهمة في تحقيق أهداف الدولة في العديد من دول العالم وخاصة الدول ذات
الموارد والثروات الطبيعية والصناعية المحدودة ،ليس العتبار الضريبة إحدى المصادر
الرئيسية للتمويل فسحب بل أيضا كوسيلة استراتيجية فاعلة تمكن الدولة من التدخل
اإليجابي في الحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية حيث تسهم األموال المستحصلة من
الضرائب في تمويل نفقات الدولة في شتى القطاعات.
وبالنظر لتوسع نطاق وأنواع الضرائب تفشت ظاهرة خطيرة سميت بالتهرب
الضريبي والتي أصبحت تهدد اقتصاديات الدول ،وهذه الظاهرة تحول دون تحقيق الدولة
ألهداف سياستها االقتصادية واالجتماعية.
والتهرب الضريبي كما عرفه أحد المهتمين بالعلوم المالية " "Tax Evasionهو
قيام المكلف الخاضع للضريبة (فرد أو شركة) بعدم دفع الضرائب المستحقة للدولة
والمترتبة على دخله أو ثروته أو على أي واقعة أخرى منشئة للضريبة (االستهالك أو
اإلستيراد مثال) ،أو تخفيض مبالغ هذا الضرائب ،من خالل استعمال طرق وأساليب غير
مشروعة بحكم القانون وتنطوي على الغش والخداع وسوء النية.
فما هي أشكال هذا التهرب الضريبي؟ وما هي أسبابه؟ وما هي آثاره؟ وما هي
عالقته باختالل المنظومة الضريبية؟
2
المبحث الثاني :آثار التهرب الضريبي
المطلب األول :اآلثار المالية واالقتصادية واالجتماعية للتهرب الضريبي
المطلب الثاني :آثار التهرب الضريبي على المنظومة الضريبية
إن فكرة التهرب الضريبي هي فكرة قديمة ارتبطت بمجموعة من األسباب ،ويمكن تقسيم
:التهرب الضريبي إلى عدة اشكال
من التعريفات األنيقة للتهرب الضريبي أنه فن تحاشي السقوط في حقل جاذبية القانون
الضريبي ، 1و يتجلى هذ الفن في تحاشي الملزم أنشطة مشمولة بوعاء ضريبي أو
مفروضة عليها ضرائب مرتفعة و بذالك يبدو التهرب الضريبي بهذا المعنى منطويا على
1
د.كمال مرصالي ،الوجيز في القانون الضريبي المغربي ،الطبعة ،الثانية 2014
3
قصد التملص من تغذية الخزينة عبر اقحام الملزم على الحيلولة دون توفر األساس الذي
ترسي عليه الضريبة كما يبدو من جهة أخرى خال من أي عرقلة أو مخالفة للقانون
الضريبي و هذ ما يصطلح عليه بالتجنب الضريبي الذي هو العمل على عدم االلتزام
بالضريبة بصورة مشروعة دون مخالفة القانون و يحصل بلجوء الملزم إلى وسائل تمكنه
من المرور بالثغرات الموجودة في التشريعات الضريبية للتخلص من الضريبة و من أمثلة
ذالك نجد مثال امتناع الملزم عن القيام بالعمل الذي تؤدي عنه الضريبة ،فالشخص المدمن
على شرب الخمر إذا أراد عدم دفع الضريبة غير المباشرة التي تؤدى ضمن ثمن الخمر ما
عليه إال أن يمتنع عن شرب الخمر ،و مثال ثاني كتوزيع أرباح شركات األموال على
المساهمين بشكل رواتب و أجور أو على شكل مخصصات ألعضاء مجالس اإلدارة و
بذالك تصبح الضريبة ذات معدل منخفض كما يمكن التهرب من الخضوع لضريبة ذات
معدل مرتفع إلى ضريبة ذات معدل معدل منخفض بتغيير صفة العمل بحيث تكون بعض
األرباح مخصصة أو ناتجة عن ممارسة أعمال معفاة من قسم من الضريبة في حين أن
أعمال أخرى مماثلة غير معفاة و يتحقق ذالك عندما يمنع المشرع مهنة أو بعض المهن من
اعفاءات الضريبية ،عندها يمكن للملزم اللجوء إلى هذه المهن المعفاة لتجنب أداء الضريبة
و بالتالي يتخذ التهرب الضريبي صبغته المشروعة بالتركيز على ثغرات النص القانوني
المتجلية أساسا في غياب التحديد الدقيق ،غير أن التهرب المشروع قد يكون مقصودا من
الدولة لغايات اجتماعية فتفرض ضريبة مرتفعة على بعض السلع بقصد حمل المستهلكين
،عن العدول عن استهالكها كالخمور أو التبغ
و قد عرفه لوسيان ميشل بأنه المخالفة الصريحة للقانون بهدف التخلص من فرض لضريبة
وتخفيف أساسها كما عرف بأنه الغش الضريبي أي االخفاء المقصود اتجاه االدارة الجبائية
للموارد و المداخيل و الذي يستهدف من وراءه التملص من أداء الضريبة و بالتالي فهو
تصرف غير مشروع يمثل عدم احترام للقانون و عدم احترام ارادي ألنه انتهاك لروح
القانون و إرادة المشرع و يمكن اعطاء بعض األمثلة عن التهرب الضريبي الغير مشروع
كأن يعمل الملزم على عدم االلتزام بالضريبة أساسا كما لو عمد التاجر إلى كتم عمله عن
الدولة أو امتنع عن تقديم التصريح المطلوب ثم مثال ثاني كأن يلجأ الملزم في بعض
عملياته التجارية إلى البيع دون فاتورة و بالتالي فالتهرب الضريبي الغير مشروع يتكون
من عنصرين عنصر مادي يتمثل في سلوك إرادي يتجسد في الطرق الغير مشروعة و
،الوسائل االحتيالية ،ثم عنصر معنوي قوامه نية الملزم في التخفيف من العبء الضريبي
4
ثانيا :التهرب الداخلي و التهرب الدولي
فالتهرب الداخلي يحدث داخل إقليم الدولة بالمخالفة ألحكام القانون الضريبي الداخلي ،و
ذالك بصرف النظر عن جنسية الملزم و ما إذاكان من رعايا الدولة أو شخصا أجنبيا عنها
و بالتالي فالتهرب الضريبي الداخلي هو كل عمل أو تصرف يقوم به الملزم بهدف التخلص
من أداء الضريبة بشرط أن ال تتعدى هذه األعمال نطاق حدود الدولة سواء كانت مخالفة
،للقانون أو باستغالل الثغرات التشريعية و الوضعيات االستثنائية
وهو صورة من صور التهرب الضريبي بصفة عامة و أن ما يميزه أنه ذو صفة دولية ،
فهو يحدث عبر إقليم الدولة يستوي في ذالك أن يحدث بين دولتين أجنبيتين أو اكثر فالملزم
يحاول أن يخفف من عبئه الضريبي مستخدما في ذالك كافة الطرق و السبل المشروعة و
الغير المشروعة فقد يقوم بتحويل أرباحه إلى خارج اقليم الدولة 2الكائن به أو باستثمار
امواله في الخارج لكي يتمتع باالمتيازات و االعفاءات الضريبية التي قد يقررها القانون
الضريبي في البلد المضيف و انتشرت هذه الظاهرة على المستوى الدولي بفعل انتشار
األسواق الدولية و ظاهرة العولمة االقتصادية و في اطار التهرب الضريبي الدولي يستفيد
الملزم من مبدأ السيادة الضريبية أي تطبيق الضريبة داخل إقليم الدولة دون أن يكون لها
سلطة االمتداد أو تتبع األموال في الخارج إال في احوال استثنائية كحالة وجود اتفاقية بين
دولتين و قد يستفيد الملزم بغرض تخفيف عبئه الضريبي من اتفاقيات منع االزدواج
الضريبي فلهذه االتفاقية جانب ايجابي يتمثل باألساس إلى تخفيف عبء الضريبة على
الملزم ذو النشاط الدولي الذي يمتد خارج حدود إقليم الدولة التي يقيم فيها ،فتنظم هذه
االتفاقيات عملية دفع الضريبة بحيث ال يكلف الملزم بدفع الضريبة ذاتها مرتين أو أكثر كما
أن لها جانب سلبي يتمثل في أن الملزم قد يستغل هذه االتفاقية ليتهرب من الضريبة كأن
ينقل ارباحه و استثماراته إلى دولة تقرر اعفاءات أو امتيازات ضريبية و يكون قد تخلص
من عبء الضريبة كليا أو جزئيا كما أن للتهرب الضريبي الدولي عدة مظاهر منها :على
وجه الخصوص التهرب عن طريق الجنات الضريبية حيث تعد دول الجنات الضريبية
مراكز مالية أو تمويلية بالنسبة للشركات دولية النشاط بصورة خاصة و الشركات
والمجموعات الدولية بصورة عامة ،فهي تمثل بما تقرره من امتيازات ضريبية تصل في
الكثير من االحيان إلى االعفاءات الضريبية لبعض انواع الدخول و االنشطة مناخا مناسبا و
2
.
سوزي عدلي ناشد.ظاهرة التهرب الضريبي واثارها على اقتصاديات الدول النامية
5
اكثر مالئمة لالستثمار 3و لهذ فشركات دولية النشاط تحاول ان تخلق في هذه الدول مراكز
للشركات الوليدة لتحقق غرضها الرئيسي نحو تعظيم ارباحها و تخفيفي اعباءها الضريبية
فالشركات دولية النشاط باستخدامها للجنات الضريبية تكون قد استفادة مرتين فمن جهة
استطاعت أن تخفف من عبئها الضريبي في دولة الشركة األم و من جهة اخرى استفادة من
االستثمارات في دول الجنات الضريبية و لعل من اشهر دول الجنات الضريبية نجد
سويسرا نظرا لعوامل االستقرار السياسي و اتجاهاتها االقتصادية الحرة و استقرار عملتها
الوطنية و شبكة من البنوك ذات مصادر مالية قوية ثم ثانيا :اسعار التحويل :و هي القيمة
المخصصة للسلع والخدمات التي يقدمها احد اقسام الشركة إلى قسم آخر داخل الشركة و
تمثل اسعار التحويل أهم آليات التهرب الضريبي الدولي بالنسبة للشركات دولية النشاط
فقيمة االرباح تحدد مقدما وفقا ألسعار التحويل التي تتم بناءا عليها عمليات البيع والشراء
للسلع والخدمات داخل مجموعة الشركات ومن ثم يسهل تحقيق العبء الضريبي ,فاألصل
هو أن األرباح التي تحققها الشركات دولية النشاط من عمليات محدد يجب أن يصب جميعا
لدى الشركة األم ,باعتبارها مقر المركز الرئيسي للشركة وصاحبة سلطة اتخاذ القرار
والسيطرة على جميع الشركة إال ان ما قد يحدث من الناحية العلمية هو أن ال يتم تحويل
,االرباح إلى الشركة األم استنادا إلى إرتفاع سعر الضريبة في دولة شركة األم
وفي ما يتعلق بطرق وأساليب ممارسة التهرب الضريبي فعلى المستوى الوطني نجد
التخفيف من قيمة اإلرادات حيث يلجأ الملزم بالضريبة إلى تخفيض إراداته وهي طريقة
غالبا ما يلجأ إليها الملزمون الخاضعون للنظام الحقيقي والمجبرون على مسلك محاسبة
حقيقية كالشراء بدون فواتير ومثاال على ذالك نجد :منتوج (أ) تم بيعه ب 5,000درهم
للوحدة ,والكمية المباعة هي 20,000وحدة وتم تسجيله في الدفاتر المحاسبية ب 4,000
درهم للوحدة ,فرقم األعمال األ المحققة = 100,000,000 = 20,000* 5,000
3
voir.j.neuer.frade fiscale internationale.et repression . paris p u f 1986
6
ثم التهرب عن طريق عمليات مادية وقانونية فاألول يقصد به عدم التصريح أو االمتناع
عن اإلقرار بالحصيلة الخاضعة للضريبة ,أما الثاني وهو استغالل ما يتيحه القانون من
,ثغرات
أما أساليب ممارسة التهرب ذي الصبغة الدولية :فنجد :أوال التهرب من خالل استغالل
العالقة بين الشركات القابضة والشركات التابعة لها فإذا كانت الشركة التابعة أجنبية وكانت
أسعار الضريبة فيها مرتفعة جدا عندئذ تلجأ الشركة القابضة إلى تخفيف عبء الشركة
التابعة لها عن طريق شراء منتجات هذه األخيرة بأسعار منخفضة جدا ,مما يؤدي إلى
تخفيض أرباح الشركة التابعة , 4وبالتالي تخفيض األرباح الخاضعة لضريبة وقد يحدث
العكس ,ثم ثانيا :أسلوب التهرب باستخدام الشركات الوهمية ويتلخص هذا األسلوب في
أربعة مراحل هي أوال يقوم الرئيس المدير العام للشركة بعقد صفقة شراء منتجات من
شركة وهمية يكون مقرها عادة في الخارج أما الشيك الذي يحمل مبلغ الصفقة فهو شيك
حقيقي في إسم الشركة األجنبية ,ثم المرحلة الثانية حيث تقوم الشركة الوهمية بإيداع مبلغ
الشيك في بنك أجنبي ثم المرحلة الثالثة يقوم عامل من عمالء الرئيس المدير العام يسمى
الرجل السيار بسحب مبلغ الشيك بواسطة شيك لحامله ثم المرحلة الرابعة يقوم الوسيط بدفع
مبلغ الشيك المسحويب نقدا إلى رئيس المدير العام للشركة أو من ينوب عنه ,وبعد انتهاء
العملية يقوم المدير العام باحتساب عملية الشراء الوهمي من المصروفات العامة للشركة
,فيقتطع مبلغا من األرباح
أما فيما يتعلق بتقنيات تقدير نسبة التهرب الضريبي :فهناك تقدير بواسطة ضبط حركة
رؤوس األموال الوطنية إذ حسب هذه الطريقة فتهرب الضريبي كثيرا ما يتخذ صورة
هجرة األموال تجاه دول أجنبية ,والتي عادة ما تعفي األموال المهربة كليا أو جزئيا من
الضرائب والرسوم المماثلة 5ثم الطريقة الثانية :التقدير عن طريق الفرق من المحاسبة
الوطنية والتصريحات الجبائية حيث تعتمد على مقاربة المداخيل المصرح بها لدى اإلدارة
الضريبية مع تلك المحتسبة بشكل إجمالي بطرق أخرى وعبر مصاريف أخرى من طرف
المحاسبيين الوطنيين ثم الثالثا :التقدير بواسطة تعميم نتائج المراقبة الجبائية حيث تستند
هذه الطريقة إلى مبلغ التقويم السنوي الذي يتوصل إليه المفتشون الضريبيون إثر قيامهم
بمراقبة عدد الملفات الملزمين ,والوقوف على حجم المبالغ التي فقدتها الخزينة العامة
للدولة ,ثم الرابعة :التقدير بواسطة مجاميع القطاع غير المهيكل :أي قياس الدخل أو
المنتجات الغير محسوبة في أرقام إجمالي الناتج القومي ,بمعنى القطاع الغير مهيكل غير
4
د.حسين البر ،التهرب الضريبي بالمغرب ط 2013
5
عبدالسالم اديب .االصالح الجبائي و التنمية في المغرب1994 .
7
محسوب في حسابات الدخل الوطني ,وبذالك فتقديرات االقتصاد السري يمكن أن تستخدم
,كوسيلة لتقدير للتهرب الضريبي
من المعروف أن لكل دولة سياسة ضريبية تروم من خاللها التحكم في الوضع المالي
واالقتصادي وتعرف السياسة الضريبية بكونها مجموعة البرامج المتكاملة التي تخططها
وتنفذها الدولة ,مستخدمة كافة مصادرها الضريبة الفعلية والمحتملة إلحداث آثار اقتصادية
واجتماعية وسياسية مرغوبة وتجنب آثار غير مرغوبة للمساهمة في تحقيق أهداف المجتمع
وتبعا لذالك فإن الظرو اإلقتصادية التي يمر بها الملزمون والتي تكون غالبا نتيجة للسياسة
التي تنتهجها الدولة والتي تأثر بشكل كبير على مدى التزامهم بأداء الضريبة ,فنجد ارتفاع
الضغط الضريبي ,حيث أن تزايد العبء الضريبي على الفرد من األسباب الرئيسية
لظاهرة التهرب الضريبي نظرا لتطور دور الدولة وتدخلها في مجاالت متعددة من ما
يستلزم زياة النفقات العامة التي أدت إلى زيادة أسعار الضرائب وتحت زيادة وطأة العبء
الضريبي الذي يحمله الفرد يشجعه على التهرب من الضريبة إما كليا أو جزئيا وبالتالي
فالضغط الضريبي هو العالقة التي تقوم بين االقتطاع الجبائي الذي يحمله شخص طبيعي أو
معنوي أو مجموعة اجتماعية أو جماعة ترابية ,والدخل الذي يحصل عليه هذا الشخص أو
هذه المجموعة أوهذه الجماعة الترابية ,كما أن مستوى الضغط الجبائي يتأثربمستوى
التطور االقتصادي وهذا مايتأكد من خالل ضعف المردودية الجبائية 6في دول العالم الثالث
الناتج عن ضعف اإلنتاج الوطني ,كما أن من بين 15دولة األكثر تقدما في العالم توجد
10بلدان أكثر تضريبا ويقول " :موريس كوزيون" :أن الفرنسيين يعملون أيام اإلثنين
والثالثاء واألربعاء لتمويل حاجياتهم الشخصية والخميس والجمعة والسبت صباحا ألداء
الضرائب والمساهمات االجتماعية أما في المغرب حيث بلغ معدل الضغط الجبائي 21.5
سنة 2006و %22سنة 2010و %23سنة 2012مما جعل العديد من الباحثين في
المالية العمومية على وصف مستوى الضغط الضريبي في المغرب بالمرتفع و عليه فإن
مسألة ربط اشكالية التهرب الضريبي بالضغط الضريبي رهين بفهم وتحليل رؤية االقتصاد
الوطني في شموليته ،والتي تتميز باالزدواجية على مستوى بعض القطاعات خاصة
القطاع الفالحي ،حيث نجد قطاعا فالحيا عصريا عند أقلية من االشخاص و آخر تقليدي
يعيش على الفالحة المعاشية عند أغلبية الناس ،وهذه االزدواجية أثرت سلبا على تطور
القطاع ذالك أن الدولة ركزت جهودها االستثمارية على الجزء المتطور في حين اغفلت
6
عبدالسالم اديب .االصالح الجبائي و التنمية في المغرب1994 .
8
القطاع اآلخر الذي يضم الفالح الصغير و المتوسط الذي يمثل الشريحة الواسعة من
الفالحين ،و هذ بدل وضع استراتجية تنموية تهم الفالحة من اجل دفع االقتصاد القروي
إلى المساهمة في االقتصاد الوطني و بتالي خلف قاعدة جبائية مهمة تم االستغناء عن ذالك
بنقل العبء الضريبي إلى المدينة المتخمة اصال بالضرائب و الرسوم باإلضافة إلى
اختالالت اخرى علي مستوى البنيات القطاعية و سوء توزيع الموارد المتأتية من الضرائب
،
الذي يزكي ظاهرة التهرب الضريبي فاألنشطة الممارسة في هذ القطاع هي نوعان سرية
أو ظاهرة و يعتبر هذ النشاط غير مصرح به لدى سلطات الضرائب حيث تنقلت انشطة من
االحصائيات االدارية إلدارة الضرائب و هو ما يشكل انتهاكا لقوانين الضرائب باعتباره
يحقق دخال ال يخضع قانونا للضريبة و هو ما يطرح صعوبة التضريب من طرف الدولة و
تتجلى في مشكلة تحديد الملزمين و االنشطة االقتصادية غير المنظمة نظرا لقلة الدراسات و
االحصائيات المتعلقة بهذ الموضوع كما أن الموارد المتأتية من هذ القطاع ال تخضع
لفرض الضريبة ألنها ال تكون محل تصريحات شفوية أو كتابية لدى اإلدارات الجبائية و
،هو ما يفسح المجال للمقاوالت والوحدات االنتاجية للتهرب
و هكذا فهذا النشاط السري يساهم في حرمان الخزينة من ارادات هامة كان من المستوجب
اخضاعها للضريبة لما لها من امكانيات لتوسيع األساس الضريبي و التخفيف من العبء
الضريبي على المؤسسات المنظمة التي تلجأ في ظل هذ الحيف إلى التملص من الضريبة و
في واقع األمر هذ النشاط السري ما هو إال نتيجة مباشرة االرتفاع سعر الضرائب و ثقل
الضغط الضريبي
:الدوافع النفسية1-
يقول اكرم زيدان :في مؤلفه "سيكولوجية المال " الضرائب تأخذ جزءا من مالك وشيئا من
كل شيء تملكه ،إال ما تملكه من هموم المال و آالمه ، 7فالضريبة هي عقد اجتماعي
اجباري بين الفرد المقتدر ماليا و الدولة ،و يدفع الفرد جزءا من ماله للدولة كمساهمة في
األعباء العامة ،وهي بذالك وسيلة لتحقيق بعض من توقعات و طموحات البسطاء وغي
المقتدرين ماليا ،و يؤدي فرض ضريبة على اعتبار أنها أداء إلزامي إلى التأثير على
سلوك االفراد في أي مجتمع ويعتبر سلوك التهرب من الضرائب من القيم االخالقية
7
اكرم زيدان.سيكولجية المال.سوس الثراء و امراض الثروة2008.
9
المكتسبة و المتعلمة التي تعكس االتجاه السلبي للرغبة في االحتفاظ بكثير من االموال ،و
الطمع في تحقيق العديد من المكاسب االقتصادية و هو اتجاه قائم على الغش والمراوغة و
،االحتيال
و يرى اكرم زيدان أن هذ السلوك يلقى قبوال كبيرا لدى فئات كثيرة من الناس ،نظرا إلى
أن سيكولوجية تلك الفئات قائمة على فكرة أساسية و هي أن الكل غشاشون و محتالون بما
فيهم الدولة نفسها ،و أن الفرد إذا أدى كل ما عليه من ضرائب و قع ضحية لحكومة فاسدة
و مرتشية ،فالضرائب في اعتقاد المتهربين منها هي من اجل مصالح القادة و اصحاب
النفوذ ،فليس هناك من هم يشغل االنسان في حياته الدنيا اكثر من جمع المال و تكديسه و
الطمع بالمزيد منه ،لذالك فلن يكون اقتطاع ذالك الجزء من المال كالتزام ضريبي بسهولة
و عن طيب خاطر دون هزات و صراعات ،يكاد يكون هذ السلوك ظاهرة عامة يشترك
فيها كل الملزمين فاألفراد بسبب تغليبهم لمصالحهم الخاصة يقيمون نظرتهم لاللتزام
الضريبي بناء على اعتبارات انانية و مصلحية تجعل كل ضريبة مهما كانت درجتها من
االتقان و االنسجام ضريبة غير مرغوبة فيها ما دامت تمسهم في اموالهم و في حرياتهم ،
فالعديد من المكلفين ليس لديهم وعي بأنهم يقومون بخطأ أخالقي كبير عند قيامهم بأعمال
تؤدي إلى انقاص مداخيلهم الضريبة المصرح بها إلنقاص واجباتهم الجبائية ،كما أن سلوك
التهرب من الضرائب غالبا ما يؤسس له عدم الثقة بين الفرد و الدولة يتولد احساس عدم
،الشعور بالعدالة و الكراهية للدولة
الدوافع السوسيولوجية2-
فعلم االجتماع هو العلم الذي يدرس المنظومة االجتماعية الماثلة في تفاعالت المسالك التي
تكون موجهة شطر سلم مشترك من القيم في تأسيسها للنماذج الثقافية أو هو العلم الذي
يحاول الوصول إلى فهم تفسيري للفعل االجتماعي من اجل التوصل إلى تفسير علمي
لمجراه ونتائجه ،و هو ما يساعدنا على القول بأن الوضعية المادية و االجتماعية للخاضع
،للضريبة تؤثر إلى حد بعيد في تحديد طبيعة العالقة القائمة بينه و بين االدارة الضريبة
و في هذ الصدد يرى "فوغل" 8أن هناك ثالث عوامل موضوعية تحدد إلى درجة كبيرة
:اتجاهات الناس نحو التهرب من الضرائب منها
التوجه االجتماعي2-
8
.اكرم زيدان.مرجع سابق
10
فرص التهرب من الضرائب3-
فبالنسبة للعامل األول فإن التبادل يعد مصدرا من مصادر التضامن االجتماعي تهدف إلى
المنفعة لألفراد والمجتمع ،و عندما تكون العالقة بين الفرد و الدولة غير تبادلية أو من
اتجاه واحد قائم على األخذ من جانب الحكومة من دون رد أو إعطاء لألفراد ،عندها تتولد
أزمة ثقة بين الناس و دولتهم فيصبح سلوك التهرب من الضرائب مطلبا أساسيا لكل فرد و
بالنسبة للعامل الثاني فإن لكل مجتمع بعضا من القيم االقتصادية التي تحدد توجهاته و
سلوكياته نحو التهرب من الضرائب ،وما يحدد اجابية هذه القيم هو حجم االنفاق الذي ال بد
أن يكون ملموسا لكل فرد من افراد المجتمع فإذا كان حجم االنفاق ضعيفا و ال يشعر به
االفراد تصبح قيم االفراد و معاييرهم سلبية اتجاه الدولة ،فيصبح سلوك التهرب من
9 ،الضرائب أمرا طبيعيا بالنسبة إليهم
فالمساهمة في دفع الضريبة يصبح مطلبا اجتماعيا و وطنيا لكن واقع الحال عكس ذالك ،
فبالنسبة لعدد كبير من المواطنين يعتبر الوعي الجبائي أقل قيمة من الوعي االخالقي و
لهذا فسرقة االدارة الجبائية بالنسبة إليهم ال تعد سرقة ،فالواجب الجبائي ال يصبح له معنى
في عقلية الملزم الذي يتزايد إليه االقتناع بأنه خاضع لنوع من االستغالل بواسطة الضريبة
كما هو الشأن في مجاالت أخرى و قد يعتبر نفسه عندما يتهرب من هذه الضريبة أنه في
.حالة الدفاع المشروع عن النفس ،فال يثير لديه احساس بانتهاك القانون
نجد تعقد االجراءات حيث ان تعقيد النظام الضريبي من العوامل التقنية التي تدفع الملزم الى
التهرب خاصة مع وجود ادارة ضريبية ضعيفة كما وكيفا في االجراءات الروتينية الكثيرة
التعقيد عادة ما تبعت روح الكراهية للضريبة وكثرة االجراءات االدارية هو ما يفسر
ضعف التواصل بين االدارة الجبائية و الملزمين.
هوال صعوبات تحديد الوعاء حيث ان الصعوبات التي تواجهها المصالح الضريبية في
تقديري بعض اوعية الضرائب هي ما يشجع على التهرب حيث عن اساليب تحديد وعاء
الضريبة هي من الداخل اذ ان مصلحة الوعاء تقوم في ان واحد بتدبير الضريبة و مراقبتها
مما يؤدي في حالة المنازعات الي ان تكون المصلحة التي قامت بتاسيس الضريبة هي
التي تحقق في فعال في هذه المنازعة .كما ان التقدير الجزافي المطلق في بعض االقتطاعات
9
د .كمال مرصالي ،الوجيز في القانون الضريبي ،مرجع سابق
11
يسجل عملية التهرب وهذه الطريقة نفسها تطبق عشوائية .في غالب االحيان حيث تتضرر
منها المصالح الملزمة بالضريبة .
ان االساليب المستعملة في التحصيل تساعد بشكل كبير في تحفيز المكلف على دفع
الضريبهة.او التهرب منها ويكون اسلوب التحصيل عامال يتهرب المكلفين من الضرائب
عندما تكون اجراءات التحصيل معقدة ومتعسفة .كما يميل الملزمين من التهرب من
الضرائب اذا ما فرضت عليهم الضرائب بصورة عشوائية دون مراعاة الحالة المالية لهم.
حيث غالبا ما ترتكب في حقهم اخطاء حسابية مما تفقد ثقة الملزمين في كفاءة االدارة
10
الضريبية.
-3ضعف كفاءة الجهاز االداري ضعف التاطير و التكوين حيث يعتبر مسالة التدريب
والتكوين غاية االهمية بالنظر الى انهم يدخلون في صلب اي سياسة اصالحية تروم تحقيق
احسن صور التدبير االداري حيث ان العنصر البشري يعتبر المحدد االساسي للرفع من
مستوى انتاجية االدارة الجبائية .سواء من حيث الخدمات او الجانب المادي الصرف .هذا
وينقسم التكوين الذي يستفيد منه موظفي االدارة الضريبية الى قسمين اوال تكوين اولى
واخر مستمر الكفيلة لمنع التهرب الضريبي .ثانيا هناك بعض امراض الجهاز االداري
منها هيمنة البيروقراطية التي تعبر عن ضخامة التنظيم االداري الذي يؤدي الى عرقلة
االدارة و يحد من سيرها العادي و الوظيفي .وتدخل االداري من الجوانب السلبية التي من
شانها ان تساهم في تاجيج ازمة النظام التواصلي داخل االدارة الضريبية حيث ان تعدد
هيكلتها يؤدي الى صعوبة التنسيق و االتصال بين مختلف مكوناتها .ثم سوء التدبير نتيجة
انتشار مظاهر الفساد االداري ومن اهمها الرشوة حيث يقول االستاذ اكرم زيدان ان كل
المرتشين في طفولتهم ادركوا ادراكا خاطئا ان المال هو كل شيء .و عندما نضجت
شخصيتهم امنوا بذلك .والرشوة بذلك سلوك ال اخالقي و جريمة يعاقب عليها القانون.و
عائق امام فعالية الجهاز االداري وتؤدي الى اضرار اقتصادية وخيمة وتعرقل توسيع
الوعاء الجبائي .ثم االختالس وهو الحصول على اموال الدولة و الجماعات و المؤسسات
العمومية و التصرف بها من غير وجه حق .و بشكل سري وتتجسد في االستيالء على
االموال التي تكون بعهدة الموظف العام او عندما يقوم الموظف بتحصيل اموال غير
مستحقة على جباية او رسوم .ثم التزوير وهو تغيير حقيقة في محرر رسمي بقصد الغش
باحدى الطرق التي منعها القانون .
10
د.حسين البر ،التهرب الضريبي بالمغرب ،مرجع سابق
12
رابعا :االسباب التشريعية
تعقيدات القوانين الضريبية وعدم استقرارها .حيث اثبتت التجارب ان المسالة استقرار
القوانين دور كبير في تقبلها .وهذا ما يجعل الضرائب القديمة تلقى قبوال من لدن الملزمين
نظرا لتعود عليها اكثر من تحملهم الضريبة الجديدة .حيث غالبا ما تثير احداث ضرائب
جديدة صعوبات ال حصر لها للملزم المغربي .الذي يقابلها باالحتجاج عادة.على عكس
نظيرهةفي البلدان االنجلوسكسونية المعروفة ببساطة واستقرار انظمتها الضريبية.
*ثم ضعف فعالية الجزاءات القانونية فيما يتعلق بتشخيص الجزاءات في القانون الضريبي
نجد الجزاءات االدارية او الغرامات المالية .حيث ان من اهم اسباب فرض الغرامات في
مرحلة تحديد وعاء الضريبة .نجد عدم االقرار الضريبي او خارج االجل في العقود
واالتفاقات وعدم تقديم الملزم بالضريبة الوثائق المحاسبية .كما ان المشرع افرد لكل مخالفة
غرامة مالية خاصة بها مثل الجزاء المترتب عن مخالفه االحكام المتعلقه باالقرار في حالة
تغيير مكان فرض الضريبة يتعرض الملزم غرامه قدرها 500درهم.11
.
تم الجزاءات الجنائية.12تم اقرارها لمواجهة االفعال المخالفة للقانون قصد التملص من
الواجب الضريبي وتنص المادة 192من المدونة العامة للضرائب على خمسة افعال وهي
تقديم فاتورة سورية او تقديم محاسبة مزيفة او بدون فواتير او اخطاء وثائق المحاسبة
المطلوبة قانون او اختالس اصول الشركة او الزيادة فيها بصورة تدليسية .
باالضافه الى جزاءات اخرى المترتبة عن االداء المتاخر للضريبة حيث تطبق دعيرة
نسبتها 10في المئة و زيادة قدرها 5في المئة عن الشهر االول من التاخير باالضافة الى
جزاءات االستثنائية بالتحصيل الجبري كاالنذار او الحجز او البيع او االكراه البدني.
وبالتالي تبقى هذه العقوبات ضعيفة بالمقارنة مع ما يجري به العمل في نطاق القانون
المقارن المتمثلة في الغرامات وفي الحد االقصى 50الف درهم.اما العقوبات السالبة
للحرية فال تطبق اال في حالة العود بمضي خمس سنوات.
11
.المادة 189من المدونة العامة للضرائب .الطبعة 2011
12
.مواد من المدونة العامة للضرائب .الطبعة 2011
13
المبحث الثاني :آثار التهرب الضريبي على المنظومة الضريبية
يشكل التهرب الضريبي عائقا ً يحول دون تحقيق أهداف الضريبة والمتمثلة أساسا ً في
األهداف المالية واالقتصادية واالجتماعية ألنه يقلل من الموارد المالية للدولة ،ويحد من
إمكانياتها للتدخل في المجال االقتصادي لزيادة الدخل القومي وتوجيهه األمر الذي يترتب
عنه نتائج تمس الخزينة والمكلفين أو المواطنين في آن واحد بل والمجتمع برمته.
كما سبقت اإلشارة فإن التهرب الضريبي يحرم خزينة الدولة من جزء مهم من
الموارد المالية مما يترتب عنه عدم قيام الدولة باإلنفاق العام على الوجه األكمل، 13
وبالتالي تصبح عاجزة عن أداء واجباتها األساسية اتجاه مواطنيها ،وفي ظل عجز الميزانية
تضطر الدولة إلى اللجوء إلى وسائل أخرى كاإلصدار النقدي أو اللجوء إلى االقتراض.
13
اشكالية التهرب الضريبي في المغرب دراسة قانونية ،محمد مكو ،اشراف حميد النهري ،السنة الجامعية 2008-2007
14
تعتبر الضرائب في المغرب المورد الرئيسي للميزانية العامة كما تطغى الضرائب
غير المباشرة على المداخيل الجنائية ،إال أنه ورغم أهمية الضرائب غير المباشرة في
تمويل الميزانية خاصة الضريبة على القيمة المضافة TVAفإن مردوديتها ما تزال محدودة
بسبب ما يشوب مجالها من غش عن طريق اإلخالل بنظام الفواتير والتحايل في استرجاع
مبالغ منها .كما نجد إشكالية.
يعد المغرب من بين الدول التي تشهد تضخما ً فيما يخص المديونية التي تعاني من
نتائج تسديدها على الصعيد الداخلي ،فدائما ً تقارير بنك المغرب تؤكد على حاجة الخزينة
إلى التمويل.14
إن االزدهار االقتصادي مرهون بتكافؤ الفرص وتعادل االلتزامات والحقوق بالنسبة
للفاعلين االقتصاديين .لكن التهرب الضريبي هو عامل معرقل لكل تخطيط اقتصادي يصبو
إلى االلتحاق بالركب الحضاري للدول المتقدمة نتيجة اإلخالل بقواعد المنافسة المشروعة.
لقد تمت اإلشارة سابقا أن الضريبة مورد من موارد المالية العمومية وبالتالي
التهرب الضريبي يؤدي إلى إنقاص الموارد العمومية مما يدفع الحكومات إال في البلدان
النامية مثل المغرب إلى اتباع سياسة تقشفية ،تقوم على تقليص حجم النفقات ،وهو ما يؤثر
على سلبا على الحاجيات األساسية للبالد كالتنمية االقتصادية مثال.
ويعتبر االستمرار في تنفيذ مشاريع التنمية التي تحظى باألولوية من بين التحديات
التي تواجه الدولة المغربية خصوصا ً وأنها انخرطت في تنفيذ مجموعة من االتفاقيات
الدولية التي تتعلق برفع وثيرة التبادل الحر مع مختلف الدول ،كاتفاقية الشراكة الموقعة مع
االتحاد األوروبي ،والتي دخلت حيز التنفيذ ابتداء من سنة 2000والمتعلقة بإنشاء مناطق
للتبادل الحر في كل من المغرب ودول السوق األوروبية المشتركة.15
وهذه االتفاقيات تستوجب حتما ً تنفيذ بعض المشاريع التي تفرض نفسها بكل إلحاح
14
رسالة التجانس الضريبي كآلية لتفعيل التكامل االقتصادي دراسة حالة بلدان المغرب العربي ،العاقر جمال الدين ،اشراف د.شمام عبد الوهاب
السنة 2009
15
اشكالية التهرب الضريبي في المغرب دراسة قانونية ،مرجع سابق
15
كتزويد العالم القروي بالكهرباء والماء الصالح للشرب ،تنمية المنطقة الشمالية والعديد من
المشاريع التنموية التي تستوجب مجهودات مالية كبيرة لتطوير البنيات التحتية تقتضي
تضافر جهود مختلف الفعاليات االقتصادية واالجتماعية والسياسية في المجتمع حتى يسهم
كل من موقعه في وضع سياسة تنموية تستند في توجهاتها المستقبلية إلى أسس علمية
وعملية وهذا لن يتأتى إال بالتزام يدف الضرائب.
اآلثار االجتماعية:
الشك أن التهرب الضريبي بالمغرب شكل وال يزال أحد أهم العوامل التي تؤثر سلبا ً
على المواطن من خالل حرمان الخزينة من أموال ما كانت لتفقدها لوال حدوث هذا
التهرب .وهذا الفقد من شأنه إضعاف الميزانية العامة مما قد يقود إلى إضعاف قدرة الدولة
على تمويل نفقاتها العامة الالزمة لتسيير المرافق والخدمات التي تعود بالنفع على المجتمع،
كما تتجلى اآلثار االجتماعية للتهرب الضريبي من خالل المس بمبدأ العدالة االجتماعية
وهو أحد األهداف الرئيسية للضريبة لما لهذا المبدأ من دور فعال في إزالة التفاوت الطبقي
بين فئات المجتمع أو على األقل تقليل الفجوة بينها من خالل إعادة توزيع الدخل القومي.
لكن التهرب الضريبي يقود إلى إحباط أهداف الهدف االجتماعي للضريبة :ألنه يزيد
الهوة بين طبقات المجتمع باعتباره يحرض الدولة بدافع اإلبقاء على الحد المطلوب من
الحصيلة الضريبية لتمويل اإلنفاق العام على عدم مراعاة العدالة الضريبية في فرض
الضرائب ،فيتحمل المكلفون غير القادرين على التهرب وهم عادة أصحاب الدخول
المنخفضة والمحدودة العبء األقل مما يباعد المسافة بين الطبقات ،ويمس باالستقرار
االجتماعي.
كما أن التهرب الضريبي يهدر القيم األخالقية ،ويضعف روح االنتماء والتضامن
االجتماعي القومي لدى المكلفين الشرفاء ،وينمي فيهم روح األنانية وذلك إلحساسهم بعدم
المساواة من جهة واستنكارهم لخضوعهم وحدهم للعبء الضريبي وإفالت اآلخرين منه،
مما يولد لديهم شعور اإلزدراء نحو القانون .كما ينص الفصل 39من دستور .2011
كما تظهر التأثيرات االجتماعية للتهرب الضريبي من خالل تعدد الضرائب غير
المباشرة التي تطال الفقير والغني على السواء وبذلك فإن الجزء األكبر من الضغط الجبائي
يتحمله الملزمون الصغار والمتوسطون والذين تتشكل منهم فئة كبيرة من المأجورين مما
يجعل االتجاه يسير نحو رفع أسعار الضرائب غير المباشرة مادام الملزم يجهل المبلغ الذي
16
يدفعه.
وفي إطار الحديث عن إعفاءات البد من طرح مفهوم النفقات الجبائية ،وهي آلية
توظفها السلطات العمومية لمنح مجموعة من االمتيازات لفائدة األفراد أو الشركات بغية
تحقيق بعض الغايات االقتصادية واالجتماعية .وتتخذ عدة أشكال كاإلعفاءات الجزئية
والكلية أو التخفيضات أو الخصوم أو اإلسقاطات من القاعدة الضريبية أو األسعار
التفضيلية .وألنها تقلص من حجم المداخيل المفترض جبايتها فهي بمثابة نفقة عمومية من
نوع خاص ،وهي في األصل تتوخى تحقيق بعض األهداف المتصلة بالمصلحة العامة،
كدعم االستثمار أو تقوية نشاط اقتصادي محدد أو تشجيع المبادرة الحرة ...فإن ضعف
عقلنة هذه اآللية ،قد يؤدي إلى تحول وظيفتها من خدمة المصلحة العامة إلى خدمة المصالح
الخاصة لألفراد والجماعات ،خاصة تلك التي تمتلك وسائل التأثير في اتجاه حماية مصالحها
الفئوية.
وباإلطالع على التكلفة المالية للنفقات الجبائية خالل القوانين المالية السنوية األخيرة
نجدها ال تنزل في جميع الحاالت على سقف 31مليار درهم ،في ظل أزمة تعرفها
الميزانية العامة بسبب األوضاع االقتصادية واالجتماعية الوطنية والدولية التي فاقمت من
حدة الدين العمومي.
17
مليار درهم متبوع بقطاع الفالحة والصيد البحري بمبلغ يزيد عن 3ماليير درهم.
فهو يحبط أي خطة في اتجاه التنمية فيضطرها إلى تغيير مسارها ما يؤدي إلى
اختالل السياسة التوجيهية لالقتصاد ،حيث تعمد الدولة إلى الزيادة في أسعار الضرائب أو
تفرض ضرائب جديدة تعويضا عن النقص الحاصل في خزينتها وهي ضرائب تنزل بثقلها
على الملزم ذو الدخل الثابت أو المحدد.
كما يؤدي انتشار التهرب الضريبي وشيوعه في نوع معين من األنشطة االقتصادية
إلى اجتذاب األفراد وأموالهم إلى حيث تتوافر فرص التخلص من الضريبة ،وبالتالي
تنخفض نفقة اإلنتاج في هذا النشاط بمقدار الضريبة ،أو تمثل زيادة في اإليراد مما يشكل
ميزة لالستثمار فيه ،وقد ال يكون ذلك النشاط مفيداً بالنسبة للمجتمع ،أو ال تسعى الدولة إلى
تشجيعه ،ومع ذلك يلقى إقباالً لما يتميز به من إمكانية التهرب والتخلص من الضريبة في
مجاله.
كما أن التهرب الضريبي يفسد شروط ممارسة المنافسة الحرة بين مختلف الشركات،
ذلك أن الشركة المتهربة باستحواذها على األموال العامة بطرق غير مشروعة تستطيع
حينئذ أن تخفض من تكلفة منتجاتها على األموال العامة بطرق غير شرعية تستطيع حينئذ
أن تخفض من تكلفة منتجاتها بنسب متفاوتة بالشكل الذي تصبح معه أسعارها رخيصة
بالمقارنة مع أسعار السوق ،وهذا االمتياز يجعلها في مركز قوة أمام الشركات المنافسة لها
والتي تقوم بأداء الضرائب المستحقة لفائدة الخزينة العامة بحيث تنجح الشركات المتهربة
في احتكار السوق لصالحها.
كما أن تعدد اإلعفاءات الضريبية على قطاعات معينة تؤدي إلى ارتفاع الضغط
الضريبي على فئات أخرى من الملزمين وهو ما يشكل حافزا على اللجوء إلى التهرب
الضريبي.
18
إن مقاومة التهرب الضريبي تبدأ أوال من التدبير القانوني للضريبة ،يؤسس لفاعلية النظام
الجبائي وقوته ،ويحض المنظومة الضريبية ضد كل اختراق سواء من لدن هواة التهرب
الضريبي أو محترفيه.
أوال :عصرنة تدبير التشريع الضريبي
إن إستراتيجية تدبير التشريع الضريبي تقوم على مقاربات جديدة قد تساعد على مكافحة
التهرب الضريبي ومنها أن نقطة البدء في سياسة مقاومة التهرب الضريبي يجب أن تكون
بإصالح النظام الجبائي[ ،]1لتجاوز ثغراته ،والعمل على تحديثه لجعله أداة رئيسية في
عملية إنجاح السياسة االقتصادية ،واإلصالح الجبائي يبدأ من:
ثانيا تبسيط وتحسين صياغة القوانين الضريبية
إن غموض التشريع الضريبي وتعقيده األحكام الجبائية وتعددها ،إلى جانب غلبة
المصطلحات التقنية القليلة التداول وغير الواضحة الداللة والمعنى نظرا لسوء ترجمتها من
الفرنسية الى العربية ال يخدم مبدا العدالة.
كما أنه على اإلدارة الجبائية أن تتجنب التقليد العشوائي للنصوص المستوردة من بعض
الدول[ ]2وأن توفق بين القوانين والمنظومة االجتماعية التي سوف يتم تنفيذ هذه القوانين
داخلها ،وهكذا فالخبراء الذين يضعون قوانين الدول التي يتم منها استيراد القوانين ال
يعملون شيئا بالواقع االقتصادي واالجتماعي الذي تكون الدولة التي أخذت تلك القوانين
بشكل عشوائي ،كما على الدول النامية قبل أن تطلب أي قانون يجب عليها أن تخلق أرضية
مالئمة الستيعابه ،بدل تقليد القوانين الضريبية الغربية الجاهزة ،والمغرب خير مثال على
هذه الدول فمنذ االستقالل وهو يستورد القوانين الفرنسية بإيجابياتها وسلبياتها ومن دون
مراعاة للواقع االجتماعي واالقتصادي.
وفي هذا اإلطار يقول األستاذ مصطفى الكثيري[ ” :]3يدخل النظام الضريبي المغربي في
إطار األنظمة الضريبية للبلدان السائرة في طريق التنمية مع متغيرات وطنية خاصة يقتبس
صفاته وتقنياته بكيفية واسعة من نماذج البلدان المصنعة ،وعيب هذه النماذج عدم مطابقتها
لوضعية ومستوى تنمية البالد وقد تأثر هذا النظام بكيفية كبيرة بتقنيات وتقاليد مستعارة من
الدول المتقدمة.
ولم تتكيف هذه التقنيات واألعراف إال نادرا مع المؤسسات الوطنية واألسبقيات المعطاة
لألهداف االقتصادية التي حددتها البلدان لتنميتها وهذا التقليد لنماذج اقتصاد متقدم مطبقة
على اقتصاد متخلف لذا يتميز هذا النظام الضريبي نظرا لتنوعه وتشعبه ومسلسل تطوره
بعدد من مواطن الضعف التي قد ال تتمكن من حصرها… “.
هذا التعقيد والغموض وغياب الوضوح في القانون الضريبي يتعين تداركه ،والعمل على
تيسيره ،ليكتسب اإلصالح الضريبي مصداقية علمية وفعالية في أوساط الهيآت اإلدارية
الساهرة على تنفيذ القوانين الضريبية ،وبين الملزمين الذين يرون في التعقيد الضريبي
19
حيف وظلما جبائيا ،يدفعهم إلى الشعور بأن التهرب الضريبي هو اآللية الدفاعية المشروعة
في مواجهة ضريبة غير عادلة في صياغة قوانينها وتحديدا حكامها وتطبق جزاءاتها.
فإذا كانت النظم القانونية قد أصبحت بالغة التنظيم والدقة أكثر من أي وقت مضى ،فإن
االهتمام حاليا ينبغي أن ينصب على ضرورة تدعيم التبسيط على مستوى صياغة النص
القانوني لجعله أكثر إيجازا وأشمل دقة ،وأقوى ضبطا.
إن السوسيولوجيا الضريبية الزالت لم تأخذ حظها األوفر في الدول النامية ،إذ أن اختيار
الصورة الفنية للضريبة وصياغة تفصيالتها التشريعية يتحدد على ضوء الهدف من فرضها
ومالئمة أسلوب تحقيقه إليديولوجية المجتمع وموافقة ألوضاعه.
كما أن عدم وجود مؤسسات دائمة كما هو الشأن في فرنسا تساعد على خلق القاعدة
الضريبية ،كالمجلس االقتصادي واالجتماعي والغرف البرلمانية الدراسية التي تسهر في
عالقات دائمة مع ممثلي التنظيمات السوسيومهنية للمكلفين من أجل اقتراح كل التعديالت
الضريبة والتي تهم هذه الشرائح.
مع أن المغرب بدوره توجد فيه الكونفدرالية العامة للمقاولين المغاربة تتوفر على لجنة
خاصة بالشؤون القانونية والجبائية والتي تقوم بإعداد الدراسات المتعلقة باإلجراءات
الجاري بها العمل ،وبالتالي إعداد االقتراحات الرامية إلى تخفيف العبء الضريبي أو
الوساطة فيما يتعلق بالتصالح بين الملزم وإدارة الضرائب عند سوء تفاهم ما ،غير أن هذه
الكونفدرالية ال تخوض فيما يتعلق بالتشريع الضريبي.
ثالثا تيسير اإلجراءات الضريبية
يؤسس النظام الضريبي اإليجابي على المبدأ الذي مفاده تحصيل األموال الخاصة بالطريقة
األكثر فعالية واألكثر عدالة ممكنة ،مع الحفاظ على استمرارية الصورة الشرعية في عيون
األشخاص المكلفين ،الناخبين والرأي العام” غير أن الصورة الشرعية ال يجب أن تنحصر
في المضمون القانوني الصرف والبحث على مستوى النص القانوني المجرد فقط.
وإنما الشرعية يجب أن تصاحب الفعل الضريبي من وضع النص الضريبي كقانون إلى
انتهاء الفعل الضريبي في شكله المالي بخزينة الدولة وان تكون هذه المسافة التي يقطعها
الفعل الضريبي ميسرة بإجراءات بسيطة وخفيفة ،وهي الشرعية التي يجب أن يقتنع ويمتد
بها الملزمون والتي لن تتحقق عندهم إال بإدراكهم اليقيني للعملية الضريبية في تحدي
وعائها وكيفية تحصيلها وال يمكن أن يدركوا لهذه العملية إال تبسيط أجرأتها.
كما أن كثرة الوثائق المتعلقة باإلقرارات التي يتعين ملؤها تجعل الملزمين من يشعرون
بنفور وتعب في ملئها ،فكل ضريبة إال وتجدها تحتوي على بيانات كثيرة ومعقدة وتكون
نتيجة ذلك تشجيع الملزمين على التهرب الضريبي نتيجة كثرة التعقيدات.
أضف إلى ذلك ارتباط هذه المسألة مع شريحة واسعة من الملزمين بالضريبة الذين يعانون
من األمية بحيث ال يعرفون محتوى هذه اإلقرارات بل حتى إذا ما تم ملؤها نجدها في بعض
األحيان خاطئة مما ينتج عنه إعادة مأل المطبوع عدة مرات ،فأحيانا قد يتم ملئ هذه
20
اإلقرارات بحسن نية إال أن هذه الشكليات المعقدة تجعله في حالة نفور ،وأحيانا قد يتم أخذ
هذه اإلقرارات إلى شخص آخر لمألها مثل الخبراء المحاسبين والمحامين وذوي الخبرة
وبذلك يجب على اإلدارة الجبائية أن تقوم بتبسيط اإلجراءات الخاصة بملء المطبوعات واإلقرارات
الضريبية ،حتى تتمكن من توفير الوقت للملزمين وتجنبهم النفور من ملء اإلقرارات الذي يؤدي في
بعض الحاالت إلى ممارسة التهرب الضريبي نتيجة تعقيد المساطر واإلجراءات.
إن التدبير العلمي ” المنجمانتي ” يقوم في أساسه على تبسيط اإلجراءات والمساطر واألحكام حتى يدرك
الملزم أن الفعل الضريبي يتم حسب ما يرسمه القانون ،وحدده بكل شفافية ،وال مجال للغبن أو الحيف
من لدن إدارة الضرائب.
ويتجلى أهم تبسيط لإلجراءات في ضرورة تعميم نشر القوانين والمذكرات التفسيرية الصادرة عن إدارة
الضرائب وكل التوجيهات واإلرشادات قصد تحسين مستوى أداء الخدمات ،بهدف دعم ثقة الملزمين
وكسبها ،وذلك لجعل الملزم مدركا للفعل الضريبي من خالل فهمه للعقل القانوني الضريبي لتتكرس
شفافية المنظومة الضريبية لديه ،مما سيعزز وفاءه الضريبي
:قائمة المراجع*
د.كمال مرصالي ،الوجيز في القانون الضريبي المغربي ،الطبعة ،الثانية *- 2014
.سوزي عدلي ناشد.ظاهرة التهرب الضريبي واثارها على اقتصاديات الدول النامية *-
اشكالية التهرب الضريبي في المغرب دراسة قانونية ،محمد مكو ،اشراف حميد *-
النهري ،السنة الجامعية 2008-2007
رسالة التجانس الضريبي كآلية لتفعيل التكامل االقتصادي دراسة حالة بلدان المغرب *-
العربي ،العاقر جمال الدين ،اشراف د.شمام عبد الوهاب السنة 2009
قانون المالية لسنة *-2017
21
.الوجيز في المالية العامة و التشريع الضريبي رمضان صديق*-
22