You are on page 1of 270

‫‪Table of Contents‬‬

‫إسپانيـا العربيّـة (األندلُس)‬


‫إسپانيـا العربيّـة (األندلُس) إضاءات على تاريخها وفنونها‬
‫سلسلة ر ّواد المشرق العربي‬
‫هذا الكتاب‬
‫نقاط حول الترجمة‬
‫مق ّدمة المؤلّفين‬
‫إسپانيا العربية إضاءات على تاريخها وفنّها‬
‫الفصل األول المسيحية في ظل اإلسالم‬
‫الفصل الثّاني أبناء غيطشة (ڤيتيتسا)‬
‫الفصل الثّالث الساللة المولّدين الملكيّة‬
‫الفصل ال ّرابع األندلس في القرن التّاسع‬
‫الفصل الخامس األندلس في القرن التّاسع (تت ّمة)‬
‫الفصل السّادس ُع َمر ملك طُليطلة‬
‫الفصل السّابع تأثير األقباط في إسپانيا‬
‫الفصل الثّامن المسيحيون والمولّدون في عهد عبد الرّحمن الثّالث‬
‫الفصل التّاسع األمراء الذين خلفوا عبد الرّحمن الثّالث‬
‫الفصل العاشر المنصور والنّصارى‬
‫الفصل الحادي عشر قصة هشام الثّاني‬
‫الفصل الثّاني عشر بنو َعبّاد في مملكتهم‬
‫الفصل الثّالث عشر المرابطون‬
‫الفصل ال ّرابع عشر األندلس في القرن الحادي عشر‬
‫الفصل الخامس عشر إسپانيا والمرابطون‬
‫الفصل السّادس عشر بنو هود وابن َمردنيش‬
‫الفصل السّابع عشر سان فرناندو وابن األحمر‬
‫الفصل الثّامن عشر اليمانيون والموحّدون في إشبيلية‬
‫الفصل التّاسع عشر سقوط إشبيلية‬
‫الفصل العشرون وفاة سان فرناندو‬
‫الفصل الحادي والعشرون اإلسالم تحت حكم المسيحيين‬
‫الفصل الثّاني والعشرون مصر والكنيسة في إشبيلية‬
‫الفصل الثّالث والعشرون صناعات األندلس تحت الحكم اإلسالمي‬
‫ملحق‬
‫مش ّجرات أنساب‬
‫ثبت مراجع المؤلّفين‬
‫مراجع التّحقيق‬
‫محتويات الكتاب‬
‫‪Notes‬‬
‫إسپانيـا العربيّـة‬
‫)األندلُس(‬
‫‪.‬هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة‪ ،‬دار الكتبـ الوطنيةـ ©‬
‫‪.‬فهرسة دار الكتب الوطنية أثناء النشر‬

‫حقوق الطبع محفوظة‪©  ‬‬


‫دار الكتب الوطنية‬
‫هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة‬
‫»المجمع الثقافي«‬
‫‪© National Library‬‬
‫&‪Abu Dhabi Tourism‬‬
‫‪Culture Authority‬‬
‫"‪"Cultural Foundation‬‬
‫الطبعةـ األولى ‪1435‬هـ ‪2014‬م‬
‫اآلراء الواردة في هذا الكتاب ال تعبر بالضرورة عن رأي‬
‫هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ‪ -‬المجمع الثقافي‬
‫أبوظبي ‪ -‬اإلمارات العربية المتحدة‬
‫ص‪.‬ب‪2380 :‬‬
‫‪publication@tcaabdhabi.ae‬‬
‫‪www.tcaabdhabi.ae‬‬
‫روّ اد المشرق العربي‬
‫إسپانيـا العربيّـة‬
‫)األندلُس(‬
‫إضاءات على تاريخها وفنونها‬
‫ِبرنهارد وإلِن ويشو‬
‫ترجمة وبحث‬
‫صفاء كنج‬
‫مراجعة وتحرير‬
‫د‪ .‬أحمد إيبش‬
‫سلسلةـ‬
‫ر ّواد المشرق العربي‬
‫تق ّدم «هيئة أبوظبي للسّياحة والثّقافة» للمكتبةـ العربيّة بوجه العموم‪ ،‬ومكتبة تراث جزيرة العرب بوجـه الخصـوص‪،‬‬
‫كتابا ً جديداً من هذه السّلسلة الثّقافيّــة التّراثيّـة تحت عنــوان‪« :‬روّاد المشـرق العــربي»‪ .‬وهي من خاللهـا تعكس اهتمامهــا بــتراث‬
‫اآلباء واألجداد‪ ،‬كمصدر فخر لشعب اإلمارات وإلهامهم وعنوان أصالتهم وهويّتهم الوطنيّة‪ ،‬وذلك من خالل الحرص على جمع‬
‫‪.‬كافّة المصادر المتعلّقة بتراث منطقة الخليج العربي وجزيرة العرب والعالم العربي في آن معا ً‬
‫فإذا استعرضنا تاريخ الحركة العلميّة بنشــر التّــراث العــربي المخطــوط‪ ،‬الــذي يصــل مجموعــه إلى قرابــة ‪ 3‬ماليين‬
‫أن جامعاتنا ومعاهدنا العلميّة ومؤسّساتنا الثّقافيّة على امتدادـ الوطن العربي‪ ،‬أسهمت‬ ‫مخطوطة في مكتبات ال ّشرق والغرب‪ ،‬نجد ّ‬
‫وخاصـة خالل القـرن العشـرين‪ .‬فتـألّفت من خالل ذلـك مكتبـة تُراثيّـة عريقـة‬ ‫ّ‬ ‫بنصيب وافر في خدمة هذا التّراث ونشر أصوله‪،‬‬
‫ثمينةـ وواسعة للغايـة‪ ،‬حفظت تـراث لغتنـا العربيّـة في مجـاالت شـتّى‪ ،‬منهـا على وجـه المثـال‪ :‬األدب العـربي‪ّ ،‬‬
‫الشـعر‪ ،‬النّحـو‪،‬‬
‫الحديث ال ّش ريف‪ ،‬الفقه‪ ،‬التاريخ‪ ،‬الفلسفة والفكر اإلنساني‪ ،‬الفنون‪ ،‬وسائر العلوم عند العرب من فلك وطبّ وهندسة ورياضــيّات‬
‫‪.‬وصيدلة وكيمياء‪ .‬ومنها أيضا ً األدب الجغرافي العربي وأدب الرّحالت‬
‫أن ث ّمة تيّاراً موازيا ً لــه‪ ،‬يضــارعه ويســتقي منــه ويت ّممــه‪،‬‬
‫وما دُمنا بصدد ذكر تُراثنا الجغرافي‪ ،‬فال بُ ّد أن نؤ ّكد على ّ‬
‫يُضفي بالغ الفائدة والمتعة على تُراث العروبة‪ ،‬أال وهو‪ :‬أدب رحالت األوروپيين إلى مشرقنا العربي! هــذا المبحث مــع األســف‬
‫لم يت ّم التّركيز الكافي عليه حتى اآلن‪ ،‬رغم ما يستحقّه وما يق ّدمه من فوائد لمثقّفي العربيّة ودارسي تراثهــا وتاريخهــا الحضــاري‬
‫‪.‬والسّياسي واالجتماعي‬
‫هذه الرّحالت لم تتوقّف أبداً منذ أقدم العصور وإلى انبالج دعوة اإلسالم الحــنيف‪ ،‬فطفقت جمــوع ال ّر ّحــالين تتنــاوب‬
‫على زيارة المشرق منذ عصر حضارة اإلغريق (كرحالت هيرودوتوس ونيارخوس‪ ،‬ورحلة األناباسيس لكســينوفون األثيــني)‪،‬‬
‫وكذلك في عصـر الرّومـان (كرحلـة إيليـوس ڠـالوس‪ ،‬وتطـواف البحـر اإلريـثري)‪ .‬ث ّم في القـرون الوسـطى حـ ّل الطّمـع محـ ّل‬
‫السـاحلي‬‫الشـريط ّ‬ ‫الصـليبيّة‪ ،‬فمكثت فيــه على ّ‬‫الفضول‪ ،‬واجتاحت جحافل الغزو الالتيني مشرقنا اإلســالمي في موجــة الحمالت ّ‬
‫‪.‬لبالد ال ّشام م ّدة ‪ 200‬سنة‪ ،‬وحاولت احتالل مصر وتونس لكنها أخفقت وارتدت على أعقابها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فل ّما أط ّل القرن السّادس عشر‪ ،‬بدأت مرحلة جديدة في هذه الملحمة الثّقافيّة والحضاريّة من عالقات ال ّشرق بالغرب‪،‬‬
‫فتضاعف إلى ح ّد كبير عـدد ال ّرحّـ الين األوروپيّين‪ ،‬الـذين قصـدوا المشـرق إ ّمـا للتّجـارة أو المغـامرة أو االسـتطالع‪ ،‬أو لمجـرّد‬
‫الخروج بمؤلّفات إبداعيّة فريدة‪ .‬أ ّم ا جزيرة العرب‪ ،‬معدن العروبة وأرومة قبائلها‪ ،‬ومهبط الوحي وموئل لغة القرآن الكــريم‪ ،‬فال‬
‫الشـيء الكثـير‪ ،‬عـبر خمسـة قـرون (من القـرن‬ ‫غرو أنّها نالت من اهتمام ر ّحالي الغرب وجهودهم ال ُمضنية ومغامراتهم ال ّشائقة ّ‬
‫ُ‬
‫‪.‬السّادس عشر إلى القرن العشرين)‪ ..‬فجابوا بواديها وفيافيها ومجاهلها‪ ،‬ناهيك عن مدنها وبلداتها وقراها ومضارب بدوها‬
‫هذا اإلرث اإلنساني الثّمين والممتع والمفيد‪ ،‬الذي يض ّم المئات من نصوص الرّحالت النّادرة‪ ،‬تتابع «هيئــة أبوظــبي‬
‫للسّياحة والثّقافة» اليوم نشره بالعربيّة‪ ،‬في مشروع طموح يهدف إلى نشر أكبر عدد منه‪ ،‬وتقديمهـ للقارئ العربي بأرقى مستوى‬
‫‪.‬علمي من التّحقيق والبحث‪ ،‬وأجمل حلّة فنيّة من جودة الطّباعة وتقديم الوثائق والخرائط والصّور النّادرة‬
‫سياحة والثّقافة‬ ‫هيئة أبوظبي لل ّ‬
‫هذا الكتاب‬
‫من دواعي سرورنا أن نق ّدم للق ّراء الكرام اليوم كتابـا ً ثمينـا ً هــو الثّــالث في جعبتنــا عن األنــدلس‪ ،‬فــردوس المســلمين‬
‫المفقود‪ ،‬بعدما نشرنا كتاب آلبرت كـالڤرت «غرناطـة وقصـر الحمــراء»‪ ،‬وخاتمــة كتــاب خوســيه أنطونيـو كونـ ِده «تــاريخ حكم‬
‫المسلمين في إسپانيا»‪ .‬ومزيّة كتاب ال ّزوجين ويشو اليوم هي في تص ّديهما لتفاصيل جزئيّة فريدة في تــاريخ األنــدلس وعمارتهــا‬
‫العربيّة وفنونها‪ ،‬م ّما ال نجد له مثيالً لدى بقيّـة البــاحثين‪ .‬وعلى الـرّغم من كــون كتابهمـا غـير جـامع لتـاريخ األنــدلس باإلجمـال‬
‫‪.‬ويقتصر على «إضاءات» فهو يبقى مصدراً قيّما ً ذا شأن‪ ،‬لم يسبق لقرّاء العربيّة أن استمتعوا بمطالعته من قبل‬
‫عام ‪ ،1857‬وفي السّنة ذاتهــا ولــدت في ديڤــون إلِن ‪ Bernhard Whishaw‬ولد الكاتب البريطاني برنهارد ويشو‬
‫وعملت في صباها كاتبة وصحفيّة‪ .‬وفي عام ‪ 1885‬تزوّجا واستمرّت ‪ Ellen Mary Abdy Williams‬ماري آبدي وليامز‬
‫إلِن في عملها بالصّحافة وتأليف الرّوايات‪ ،‬بينمـا تـابع برنهـارد عملـه ككـاتب ومصـلح تربـوي‪ .‬ثم انتقـل ال ّزوجـان حـوالي عـام‬
‫‪ 1900‬إلى إشبيلية في األندلس‪ ،‬حيث كرّسا نفسيهما لدراسة ثقافة األندلس وعمارتهــا‪ ،‬فأمضــيا في ذلــك ثمــاني ســنوات‪ .‬وكــانت‬
‫‪.‬حصيلة دراستهما بضعة دراسات‪ ،‬من بينها هذا الكتاب الذي نشر للمرّة األولى عام ‪1912‬‬
‫‪:‬ومنها أيضا ً كتاب عن مقتنيات الف ّخار وال َّدنتيل في متحف إشبيلية‬
‫‪Illustrated descriptive account of the Museum of Andalucian pottery and lace at Seville,‬‬
‫‪antique and modern, together with notes on pre - Roman Seville and the lost city of Tharsis,‬‬
‫‪London 1913.‬‬
‫‪:‬كما كان برنهارد أصدر كتبا ً أخرى‪ ،‬أشهرها‬
‫‪A Guide Book to Books, 1891 (with Edmund Beale).‬‬
‫توفي برنهارد سنة ‪ 1914‬عن ‪ 57‬عاماً‪ ،‬فانتقلت إلِن للعيش بشكل نهائي في األندلس حيث أسهمت في إنشاء متحــف‬
‫‪:‬للثّقافة األندلسيّة‪ ،‬وألّفت عنها ع ّدة كتب‪ ،‬مثل‬
‫‪My Spanish Year (1914).‬‬
‫‪Atlantis in Andalucia: A Study of Folk Memory (1929).‬‬
‫‪.‬كما نشرت باإلضافة إلى ذلك ع ّدة روايات‪ ،‬وتوفيت في إسپانيا سنة ‪ 1937‬عن عمر يناهز ‪ 80‬عاما ً‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الفن اإلسالمي في إشبيلية كانت مختلفة بشكل غــريب عن ّ‬
‫الفن‬ ‫أن بواكير ّ‬
‫بُعيد وصولهما إلى إسپانيا‪ ،‬الحظ المؤلفان ّ‬
‫في قرطبة‪ .‬فسحرهما هذا األمر‪ ،‬واستغرقا ثماني سنوات من ال ّدراسة المستفيضــة في إشــبيلية‪ ،‬مســتفيدين من المصــادر المتاحــة‬
‫‪.‬في مكتبات المدينة‪،‬ـ ليق ّدما لق ّرائهما هذا المؤلَّف عن تاريخ المسلمين في إسپانيا‪ ،‬الذي نُشر عام ‪1912‬‬
‫وبالتّركيز على إشــبيلية‪ ،‬قـ ّدما ســرداً زمنيـا ً حــول إســپانيا من الفتح اإلســالمي عــام ‪ 711‬م وحــتى حـرب االســترداد‬
‫في القرن الخامس عشر‪ .‬ويبدأ الكتاب بتقييم األوضاع إبّان حكم القوط‪ ،‬ويلي ذلك بحث للتّأثيرات المتع ّددة على ‪Reconquista‬‬
‫ثقافة األندلس وحضارتها‪ ،‬وكيف ت ّم إثراء الفن والعمارة الرّومانيّة والقوطيّة على أيــدي العــرب اليمــانيين واألقبــاط المصــريين‪.‬‬
‫ويختتم الكتاب بدراسة األحداث الــتي أعقبت انحسـار موجـة اإلســالم في إســپانيا‪ ،‬والتـأثير المـرئي العـربي المسـتديم على وجــه‬
‫‪.‬التاريخ اإلسپاني‬
‫أن أيا ً من المؤلّفين لم يكن باألصل باحثا ً في مضمار ال ّدراســات اإلســالميّة‪ ،‬فقــد دفعهمــا اهتمامهمــا‬
‫وعلى الرّغم من ّ‬
‫ـر دراســتها بعــد في ســياق تــاريخ‬ ‫ً‬
‫والفن إلى تقديم ما يع ّدانه «كثــيرا من اإلضــاءات لخصوصـيّات مه ّمــة لم تجـ ِ‬
‫ّ‬ ‫وعشقهما للتّاريخ‬
‫بـأن دراسـاتهما «ســتكون بمثابــة منطلــق لـدرب شـائق وممتـع لل ّدارســين المهت ّمين بالتّـاريخ‬
‫األندلس»‪ .‬وكان لديهما وطيد األمل ّ‬
‫‪».‬اإلسالمي الباكر‪ ،‬وفنون إسپانيا المبكرة في العصور الوسيطة‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫قامت بترجمة هذا الكتاب السّيدة صفاء كنج‪ ،‬والواقع أنها أجادت في التّرجمة وضبط أغلب أسماء األعالم واألمــاكن‬
‫والمس ّميات االعتباريّة األخرى‪ ،‬وبذلت جهداً طيبا ً في مراجعة النّصوص واالقتباسات على مظانّها في المصادر العربيّــة حســب‬
‫اإلمكان‪ .‬وتابعت أنا بدوري تدقيق النّص واألسماء‪ ،‬وضبطت ما وقع من خلل أثناء التّرجمة وحتى من المــؤلفين نفســهما‪ .‬وقمت‬
‫أن منطوقهــا اللّفظي يختلــف كثــيراً عن الفرنسـيّة واإلنكليزيّــة‪ ،‬وهــذا مــا‬
‫بضبط التّسميات اإلسپانيّة بصورة أصـحّ‪ ،‬على اعتبــار ّ‬
‫‪.‬سأبيّنه أدناه‬
‫وفي اإلجمال‪ ،‬هذا الكتاب إضافة قيّمة وممتعة لسلسلتنا الحاضرة‪ ،‬وكذلك لمكتبة ال ّدراسات األندلسيّة التي ما بــرحت‬
‫أن مه ّمة الزمة وضــرورية مــا بــرحت تفــرض علينــا نفســها اآلن وعلى الـ ّدوام‪ ،‬أال وهي متابعــة‬ ‫تتوسّع يوما ً بعد يوم‪ ،‬وال ريب ّ‬
‫»ترجمة كتاب كون ِده األشهر‪« :‬تاريخ حكم العرب في األندلس‬
‫‪Historia de la Dominación de los Árabes en España‬‬
‫‪.‬فعسى أن يقيّض لنا هللا تعالى هذا األمر في وقت غير بعيدـ‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫حول قواعد اللفظ اإلسپانيّة‬
‫أن ث ّمة خصوصيات تنفرد بها هذه اللغة عن سواها‪ ،‬ال يستقيم لفظ أســماء األعالم واألمــاكن‬ ‫ال ب ّد لنا من اإلشارة إلى ّ‬
‫ّلت في ‪» bravo،‬أو «برابو ‪» por favor‬الذي يلفظ با ًء بالقشتاليّة كقولهم‪« :‬پور فابور ‪ V‬إاّل بها‪ .‬كحرف‬ ‫ومع ذلك فقد فض ُ‬
‫ألن األخــير يبقى لفظـا ً عاميـا ً كمــا يطالعــك في مدريــد مثالً اســم‪ :‬ڠــران بيا‬
‫بعض األحيان اإلبقاء على حــرف ڤ بــدالً من (ب) ّ‬
‫ولذلك أكتب‪ :‬دي ال پولڤورا بدالً من پولبورا‪ ،‬وأونتيڤيروس بدال من أونتيبــيروس‪). .‬أحد أشهر شوارع العاصمة( ‪Gran Via‬‬
‫ً‬
‫ي حال تبقى سجاالً ما بين لهجات الكاستيّانو واآلراڠونيس والقَطالنو‪ ،‬والخوض فيها هنا أم ٌر ال طائل منه‬ ‫‪.‬والمسألة على أ ّ‬
‫ً‬
‫ولــذلك أكتب‪ :‬لــوس ‪ hasta mañana.‬فهو في اإلســپانية يُكتب وال يُلفــظ إطالقـا‪ ،‬مثــل‪ :‬آســتا مانيانا ‪ H‬أ ّما حرف‬
‫أوميناخه ‪ Los Hidalgos،‬إيــدالڠوس‬ ‫ِ‬ ‫ومن الخطــأ أن نكتب بالعربيّــة‪ Las Hermanas. :‬الس إرمانــاس ‪Homenaje،‬‬
‫‪ Havana).‬صوابها آبانا( هرناندز‪ ،‬هندوراس‪ ،‬هاڤانا‬
‫أو‪ Pascual :‬فهو يلفظ في اإلسپانية سينا ً بال ُمطلق‪ ،‬وحـتى قـد يـأتي مشـوبا ً بشـين كقولـك‪ :‬پاشـكوال ‪ S‬وأ ّما حرف‬
‫ريوش كاتوليكوش‪ .‬وال يُلفظ زايا ً أبداً مهما أتى بعده من حروف علّة فهــو ال يأبــه لهــا شـروى نقــير‪ ،‬كقــولهم في اســم البرازيــل‪:‬‬
‫‪«.‬براسيل»‪ ،‬وفي اسم ملكة قشتالة إيزابيل‪« :‬إيسابيل»‪ .‬لكنني اضطررت لكتابة اسمها كما هو شائع بالعربيّة‬
‫أن حرف‬ ‫‪ Mendoza.‬أو ِمندوثا ‪ Hernández‬أو إرنان ِدث ‪ Ibiza‬يلفظ ثا ًء‪ ،‬كقولهم‪ :‬إيبيثا ‪ Z‬وغن ّي عن التّعريف ّ‬
‫ّ‬
‫‪ D‬وســماعيّاً‪ ،‬قــد يلفــظ الحــرف ‪ ciudad.‬ثيوداد ‪ centro،‬كقولهم‪ :‬ثِنترو ‪ i‬أو ‪ e‬إن أتى متبوعا ً بحرفي العلة ‪ C‬ومثله حرف‬
‫‪ G‬وقــد تُلفــظ الجيم اللّهويّة ‪ Cordoba.‬كورذوبا ‪ Granada،‬غرانــاذا ‪ Madrid،‬مشوبا ً بذال في آخر الكلمة‪ ،‬كقــولهم‪َ :‬مدريذ‬
‫‪ pregunta.‬پريغونتا ‪ Aragón،‬غيناً‪ ،‬كقولهم‪ :‬آراغون‬
‫أن المعــايير اللّفظيّــة فيهــا ال ‪ X‬وأ ّما حرف‬‫فهو من األحــرف غــير النّظاميّــة في اللغــة اإلســپانيّة‪ ،‬ويمثّــل دليالً على ّ‬
‫وخاصـة إن تاله حـرف سـاكن غـير معتـلّ‪ ،‬مثل‬ ‫ّ‬ ‫‪:‬تنتظمها قواعد ثابتة‪ .‬فكثيراً ما يلفظ هذا الحرف كاإلنكليزية في وسـط الكلمـة‪،‬‬
‫‪: xenofobia‬إكســپيديثيون‪ .‬ولكن إن جــاء في أول الكلمــة (وهــذا نــادر وغــير إســپاني) فهــو يلفــظ ســيناً‪ ،‬مثل ‪expedición‬‬
‫شـاڤي‪ .‬وهــذا مــا نــراه في بعض لهجـات أميركــا ‪: Xavi‬سينوفوبيا‪ .‬ولكنه في اللهجة القطالنيّة ولهجة الباســك يلفــظ شــيناً‪ ،‬مثل‬
‫أن لهجة المكسيك ترمي بهذه القاعدة عرض الحائط‪ ،‬فتلفظ اســمها‬ ‫ميخيكــو» كلفــظ« ‪ Mexico‬الالتينيّة وأميركا الوسطى‪ ،‬ولو ّ‬
‫‪ Quixote.‬كيخوتِه ‪ Xerez،‬في اإلسپانية‪ .‬وكذلك في األندلسيّة‪ :‬خيريث ‪ J‬حرف‬
‫‪: exactamente.‬بين معتلّين فهو يُلفظ كاإلنكليزيّة لكن بشكل مخفّف‪ ،‬كقولهم ‪ X‬وكذلك في اإلسپانيّة إن جاء حرف‬
‫‪:‬التي تلفظ يــا ًء مشـ ّددة مثل ‪ ll‬والالم المثنّاة ‪: España،‬الذي يُلفظ (ني) كقولهم ‪ ñ‬ومن خصائص اإلسپانية حرف‬
‫‪.‬إچيبيريا ‪، Echeverria‬چوريثو ‪: chorizo‬التي تلفظ (چ ‪ -‬تش)‪ ،‬مثل ‪ ch‬دونثيّا‪ ،‬وثنائية ‪، doncella‬يوبيا ‪lluvia‬‬
‫ويتعذر تفصيله هنا‪ ،‬ويمثّــل إحــدى ‪ J‬و ‪ G‬أخيراً‪ ،‬فلفظ الحرفين‬ ‫ّ‬ ‫ما بين الجيم اللّهويّة والخاء أو ال ّشين‪ ،‬أم ٌر متشعّب‬
‫ً‬
‫أعسر المهارات اللفظيّة التي تواجه الطاّل ب األجانب عندما يشرعون بدراسة اإلسپانيّة‪ .‬هذا طبعا مــا عــدا اختالف اللفــظ مــا بين‬
‫بينمـا يسـ ّميها أهـل األرجنـتين‪ :‬كاسـتيجانو‪ .‬ويقـول ‪ Castellano‬إسپانيا وأميركـا الالتينيّـة‪ .‬فاإلسـپان يسـ ّمون لغتهم‪ :‬كاسـتيّانو‬
‫المتبوع بحــرفي العلّة( ‪ C‬اإلسپاني‪ :‬يو سوي إسپانيول‪ ،‬بينما يقول األرجنتيني‪ :‬جو سوي آرخنتينو‪ .‬وكثيراً ما يلفظ لديهم حرف‬
‫‪.‬سينا ً بدل الثّاء‪ ،‬كالپرتغاليّة )‪i, e‬‬
‫‪:‬ومن شاء االستزادة في أصول ضبط اللفظ اإلسپاني بمنطوقه القشتالي‪ ،‬فخير مرجع هو‬
‫‪Mariano Velázquez de la Cadena, Edward Gray, Juan L. Iribas: A New Pronouncing‬‬
‫‪Dictionary of the Spanish and English Languages, D. Appleton, London, New York, 1900 -‬‬
‫‪1902.‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫أخيراً‪ ،‬من الممتع لنا اآلن االنتقال من العمل على النّصوص اإلسپانيّة إلى مضمار غير بعيد عنها‪ ،‬هــو نشــر أعمــال‬
‫بعض ال ّرحّالين والماّل حين الپرتغاليين الذي ارتـادوا منطقــة الخليج العـربي وبحـر العـرب والمحيـط الهنــدي في القـرن ّ‬
‫السـادس‬
‫‪.‬عشر‪ ،‬ولع ّل نقطة البداية تكون بكتاب الماّل ح دوارتِه باربوزا‪ ،‬فإلى لقاء قريب بإذن هللا‬
‫‪.‬والحمد هلل على ما وفّق وأعان‬
‫جبيل‪ 15 ،‬ديسمبر ‪2013‬‬
‫د‪ .‬أحمد إيبش‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫نقاط حول الترجمة‬
‫ئ العربي دوما ً خلالً كبيراً لم تتم ّكن مجامعنا اللغويّة من حســمه‬ ‫عند ترجمة الحروف واالسماء األجنبيّة‪،‬ـ يواجه القار ُ‬
‫أن هذا األمر يحتاج إلى بحث مستفيض‪ ،‬أقتصر هنا على ذكر سبع نقاط‬ ‫‪:‬إلى اليوم‪ .‬لكن بما ّ‬
‫ال أتّبع أبداً طريقة مثقفينا بلبنـان بتعريبــه‪:‬ـ دو‪ ،‬وال طريقــة مثقفينـا ‪ du‬أو ‪ de‬بخصوص حرف الج ّر الفرنسي ‪1 -‬‬
‫بمصر بتعريبه‪:‬ـ دي‪ .‬إنما األفضل برأيي اتّباع طريقة اللغة التّركيّة العثمانيّة القديمة‪:‬ـ (دى) بالمطلق‪ .‬هــذا في االســماء الفرنسـيّة‪،‬‬
‫‪.‬أ ّما في االسماء اإليطاليّة واإلسپانيّة فأتركه‪ :‬دي‬
‫الحرف (چ) يُلفظ‪ :‬تش‪ ،‬كما في اسم‪ :‬چركس‪ ،‬الچين‪َ ،‬سلچوق‪ .‬وهو ليس بحرف عربي‪ ،‬ويماثله في اإلنكليزيّة ‪2 -‬‬
‫‪ c‬وكذلك يماثله في اإليطاليّة حرف ‪: leche, mucho, chica.‬في اإلسپانيّة كقولك ‪ ch‬وأيضا ً ‪: chuck, church.‬كقولك ‪ch‬‬
‫لكن مع أنني ‪: çay, çok, çınar.‬كقولك ‪ ç‬ويماثله في التّركيّة حرف ‪: ciao, Cesare.‬كقولك ‪ i‬أو ‪ e‬المتبوع بحرفي العلة‬
‫چستر‪ ،‬فرانچيسـكو‪ ،‬چيكـو‪ ،‬بحـرف (چ) فث ّمـة أسـماء تستعصـي لشـهرتها بصـيغة (تش)‪ ،‬مثالً‪ :‬تشـارلز‪،‬‬ ‫أكتب بعض األسماء‪ِ :‬‬
‫پاچة‪ .‬لكنه يُستخدم في مصر بشكل مغلوط جداً‬ ‫تشرشل‪ ،‬تشيلي‪ .‬وحرف (چ) ما زال يستخدم في العراق‪ ،‬كقولك‪ :‬أحبّچ‪ ،‬شلونچ‪ِ ،‬‬
‫(فيكتبون‪:‬ـ چورچ) لترجمـة الجيم ال ُمعطشـة المرقّقـة‪ ،‬الـتي يُعبّـر عنهـا في التّركيّـة العثمانيّـة والفارسـيّة واألورديّـة بحـرف‪ :‬ژ‪،‬‬
‫‪ ž.‬والچيكيّة ‪ ż‬والپولونيّة ‪ ж‬والرّوسيّة ‪ zh‬واإلنكليزيّة ‪ j‬ويماثلها في الفرنسيّة والپرتغاليّة‬
‫يُكتب بمصـر‪ :‬جوجـل‪ Google ،‬الذي أعجز مجامعنا اللغويّة‪ ،‬فاسم ‪ G‬أ ّما عقدة التّرجمة الكبرى فهي حرف ‪3 -‬‬
‫وفي ال ّشام‪ :‬غوغل‪ ،‬وفي العراق‪ :‬گوگل‪ ،‬وفي السّعوديّة‪ :‬قوقل‪ ،‬وفي المغرب بكــاف موســومة بثالث نقــاط‪ ،‬وفي تــونس‪ :‬ڤوڤــل‪،‬‬
‫وفي فلسطين‪ :‬چوچل‪ ،‬إذ يعرّبون لوحات الطّرق‪ :‬چلعاد‪ ،‬چدعون‪َ ،‬چدُول‪ ،‬رامات چان (علما ً أن גן هي ذاتهــا َجنّــة بالعربيّــة أي‬
‫قرأت على شبكة اإلنترنت نزاعا ً طريفا ً حول كتابة اسم !‪ G‬حديقة)‪ .‬المجموع‪ 7 :‬طرق لكتابة الحرف‬ ‫ُ‬ ‫‪ Lady Gaga:‬ومنذ م ّدة‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫أهي ليدي غاغا أم جاجا أم قاقا؟ وكم أشــعر بالغرابــة عنــدما أقــرأ‪ :‬لقــزس‪ ،‬قــوديز‪ِ ،‬كلــوقز‪ ،‬قلــف‪ .‬ومن مظــاهر التشــويش الــذي‬
‫‪َ Gondol.‬جندول ‪ Catalogue‬كتالوج ‪ Galant،‬يفرضه األمر أن بعض الكلمات صارت تُلفظ مغلوطة بجيم شجريّة‪َ :‬جلَنط‬
‫هذا الحرف تصنّفه اللسانيّات العربيّة باسم (الجيم اللهويّة) تمييزاً له عن (الجيم ال ّشجريّة) ال ُمشــبعة‪ ،‬ويقــع لفظي ـا ً بين‬
‫أن أصله في لهجات العربيّة القديمة جيم (وبقي بلفظه في اليَ َمن ومصــر) فــأرى األجــدى‬ ‫الجيم والكاف والقاف‪ .‬وعلى الرّغم من ّ‬
‫واألدق (في الوقت الحاضر) اتّباع أسـلوب أجـدادنا العـرب في األنــدلس بترجمتـه غينـاً‪ ،‬كمــا عرّبــوا مثالً‪ :‬غرناطــة‪ ،‬البرتغـال‪،‬‬
‫‪.‬بُر ُغش‪ ،‬أراغون‪ .‬لكن على أن نَ ِس َمه بثالث نقاط‪( :‬ڠ) تمييزاً له عن الغين العربيّة ال ُمشبعة‬
‫لكن مع ذلك‪ ،‬علينا أن نبتدع لهــذه األزمــة حرفـا ً جديــداً ال يلتبس‪ :‬أي جيم موســومة برمــز مميّــز‪ :‬وليكن بقلم ال ُمسـنَد‬
‫الحميَري اليماني‪ ،‬أو جيما ً كنعانيّة‪ ،‬تحتها أو فوقها على طريقــة حــروف لغــة األُردو‪ .‬لكن مــتى ترانــا نفعــل؟! ولمــاذا الجيم دون‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫الغين أو الكاف؟ ألن «اللسانيّات التيمانيّة» تحتمل اإلقالب بين الجيم المشبعة وهـذه الجيم اللهويــة‪ ،‬الـتي حـافظت عليهــا القبطيــة‬
‫المفتقرة إلى جيم مشبعة‪ ،‬وبقيت في لهجة اليمن عن أصل العربيّة الجنوبيّــة القديمــة‪ ،‬ومــا زالت في العبريّــة ‪ γ‬بمصر كاليونانيّة‬
‫‪.‬والسّريانيّة كالجيم المصريّة‬
‫أن الفرنسيين كانوا أكثر حذقا ً منا عندما حلّوا مشكلة لفظ حرف‬ ‫بين جيم شجرية وجيم لهويّة‪ ،‬بأن أضــافوا ‪ G‬الواقع ّ‬
‫وكذلك ح ّل الطّليان المشكلة بإضافة ‪).‬ڠيّوم( ‪: Guillaume‬أو كما في اسم )ڠيرير( ‪: guérir‬كقولهم ‪ u‬إليه ببساطة حرف‬
‫حرف ‪ i،‬أو ‪ e‬بها حرفا العلّة ‪ G‬وهذا طبعا ً في االسماء التي يتبع الحرف ‪).‬ڠيزي( ‪: Ghisi‬كقولهم ‪ h‬حرف‬ ‫ٌ‬ ‫أما عندما يتبعه‬
‫حتى ال يُلفظ ‪ h‬في اإليطاليّة فأضافوا إليه ‪ C‬فال مشكلة‪ ،‬ويُلفظ جيما ً لهويّة‪ .‬واألمر ذاته مع حرف ‪ o‬أو ‪ a‬ساكن أو حرفا العلةّ‬
‫‪).‬كييڤو( ‪)، Chievo‬كيارو( ‪(: chiaro‬تش)‪ ،‬كقولهم‬
‫الشـجريّة كالعربيّــة ج‪،‬‬‫وأ ّما األتراك‪ ،‬فأيضا ً حلّوا األزمة بشكل حاسم قديما ً وحــديثاً‪ :‬فبالعثمانيّــة القديمـةـ تُكتب الجيم ّ‬
‫وأ ّما اللهويّة فاستعاروها من الفارسيّة گـ‪ .‬وفي التّركيّة الحديثة باألبجديّة الالتينيّةـ جاء الحل بشكل سهل وذكي‪ ،‬فخصّصوا حرف‬
‫رچك( ‪: gerçek‬للجيم اللهويّة‪ ،‬كقولهم ‪g‬‬ ‫( ‪)، Cem‬آوجى( ‪ِ )، Avcı‬ڠ ِجالر( ‪: geceler‬للجيم ال ّشجريّة‪ ،‬كقولهم ‪ c‬وحرف ‪ِ )،‬ڠ ِ‬
‫‪).‬جم‬
‫‪: Gewehr‬أ ّما األلمان فقد ارتاحوا من عناء هذه المشكلة‪ ،‬إذ ليس لديهم جيم شجريّة أصالً بل لهويّة فحسب‪ ،‬كما في‬
‫هنا لن يفيد‪) ،‬يوت( ‪ J‬حيث أن حرف ‪»: Dschebel،‬وإن أرادوا رسم االسماء العربيّة لقوا التّباريح‪ ،‬كقولهم في «جبل ‪ِ )،‬ڠڤير(‬
‫له أحكام يطول شرحها‪ ،‬فاألصــل في القشــتاليّة أن يُلفــظ جيمـا ً لهويّــة (ڠ)‪ G ،‬فهو يُلفظ يا ًء بال ُمطلق‪ .‬وأ ّما لدى اإلسپان‪ ،‬فحرف‬
‫ميڠيل‪ .‬ومن الناحية الصّوتيّة اللفظيّة ث ّمة مناطق تلفظه ‪: Miguel‬عند اللزوم كما في ‪ u‬يلفظ خا ًء‪ ،‬ولذا يضيفون ‪ i‬أو ‪ e‬وإن تاله‬
‫وسمعت بأذني في غرناطة َمن يلفظ اسم‬ ‫ُ‬ ‫أن حــرف« ‪ Aragón:‬غينا ً لهويّة‪،‬‬ ‫يلتبس ‪ G‬آراغون»‪ ،‬وليس آراڠون‪ .‬هذا عــدا عن ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪: Jerez, Jiménez, Jaén, Juan, Jordi.‬الذي يُلفظ أيضا خا ًء مع كل حرف صوتي‪ ،‬كقولك ‪ J‬لفظيا مع‬
‫السـعوديّة) يمكن‬ ‫لكن التّعبير في العربيّة عن حرف الجيم اللهوي بكتابتــه جيمـا ً (كمــا في مصــر) أو بقــاف (كمــا في ّ‬ ‫ّ‬
‫حسم بُطالنه بلحظة واحدة‪ :‬احت ِكموا إلى لغة القرآن الكريم‪ ،‬ففيها الجيم حرف شجري ُمشبع ال يحتمل تأويالً وال تفسيراً‪ ،‬والقاف‬
‫إن الجيم ال تصلح للتّعبير عن جميــع الكلمــات األجنبيّــة‪،‬ـ وحــتى في مصــر ال‬ ‫حرف لهوي ُمشبع‪ ،‬وكالهما من حروف القلقلة‪ .‬ثم ّ‬
‫وهي كلمــة( يمكن ألحد أن يكتب‪ :‬جرناطة‪ ،‬بُرتُجال‪ ،‬بلجاريا‪ ،‬مجنطيس‪ ،‬إجريق‪ ،‬شيكاجو‪ ..‬أم هل نس ّمى البُر ُغــل مثالً‪ :‬بُر ُجــل؟‬
‫‪ bulgur).‬معرّبة عن التّركيّة‬
‫‪ Garnier‬أو ‪ René‬أو ‪: Colet‬ث ّمة أسماء في اللغة الفرنسيّة تنتهي بكسرة ُممالــة ممــدودة‪ ،‬على غــرار اسم ‪4 -‬‬
‫فإن التباسا ً ينشأ في طريقـة ‪Gervais،‬أو‬ ‫ونظراً النعدام وجود الكسرة ال ُممالة في العربيّة (كما هي في السّريانيّة والعبريّة مثالً) ّ‬
‫نقل االسم إلى العربيّة‪ .‬وفي المغرب العربي تشيع طريقة غير صحيحة البتّة باستخدام اليــاء وحــدها كقــولهم‪ :‬لــويز كــولي (وهي‬
‫أن اسمها هو‬ ‫والياء هنا ال تؤ ّدي المنطوق الصّحيح أبداً‪ .‬كذلك نالحظ في أسماء ‪: Louise Colet‬أديبة ورحّالة فرنسيّة)‪ ،‬رغم ّ‬
‫‪.‬أنهم يكتبونها بالعربيّة في لبنان وسوريا‪ :‬واهي‪ ،‬شاهي ‪: Vahé, Shahé‬األرمن مثل‬
‫أن هــذه المعضــلة الــتي واجهتهم في األســماء‬ ‫فإذا عدنا إلى عهــد عظمــاء كتّــاب العربيّــة في العصــر العبّاســي‪ ،‬نجــد ّ‬
‫ق باستعمال ياء وهاء‪ ،‬كقولهم‪ :‬سـيبويه‪ ،‬خسـرويه‪ُ ،‬خمارويـه‪ ،‬خالويـه‪ ،‬نفطويــه‪ .‬وهـذا يضـارع‬ ‫األعجميّة قد حلّوها على نحو أد ّ‬
‫أسلوب زمرة اللّغات الكنعانيّة باستعمال الكسرة والهـاء‪ ،‬كقولــك‪ :‬أرييــه‪ ،‬موشــيه‪ .‬وهــو قطعـا ً الحـ ّل األمثــل للمعضــلة‪ ،‬وســنتّبعه‬
‫‪.‬فنكتب األسماء الفرنسيّة‪ :‬كوليه‪ ،‬رُنيه‪ ،‬ڠارنييه‪ِ ،‬جرڤيه‪ .‬واألسماء اإلسپانيّة‪ :‬خوسيه‪ ،‬پيكيه‬
‫مــع الكســرة ال ُممالــة‪ ،‬تبقى َمـ ّدتها طويلــة‪ ،‬ولــذا نكتب ‪ ay‬أو ثنائيّة ‪ a‬أ ّما في األسماء اإلنكليزيّة‪ ،‬فرغم تشابه حرف‬
‫‪.‬مايبل ‪، Mabel:‬ڠراي ‪Gray:‬‬
‫‪ Condé‬أ ّما في األسماء التي تنتهي بكســرة ُممالــة قصــيرة‪ ،‬فتكفي بالعربيّــة كســرة وهــاء‪ ،‬كمــا في االســم اإلســپاني‬
‫پورشـه‪ ،‬أو ‪ Porsche‬إنري ِكــه‪ ،‬واأللمــاني ‪ Enrique‬كونـ ِده‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫خوْ يِّه‪ ،‬والپولــوني ‪ Goeje‬پريتسـ ِكه‪ ،‬والهولنــدي ‪Pritzke‬‬
‫‪.‬ميكيلِه ‪ Michele‬سيمونِه‪ ،‬أو ‪ Simone‬تيس ِكه‪ ،‬واإليطالي ‪Tyskie‬‬
‫نص ّر في هذه السّلسلة على كتابة األسماء األجنبيّة كما ترد في لغاتها‪ ،‬ال كما ت ّمت قولبتها باإلنكليزيّة والفرنسيّة‪5 - .‬‬
‫فاألصح باأللمانيّة‪ :‬مدينة اليپتسيكـ وليس اليبزغ‪ ،‬زولن ِڠن وليس سولنجن‪ ،‬كولن وليس كولونيا‪ ،‬ڤِل ِهلم وليس وليَم‪ ،‬ريخارد وليس‬
‫أميركا وليس أ ْمريكا‪ ،‬ڤارشاڤا وليس وارسو‪ ،‬پراڠا (پراها) وليس براغ‪ ،‬بيجينــڠ وليس پكين‪ .‬وفي الپرتغاليّــة‬ ‫ِ‬ ‫ريتشارد‪ .‬ثم نكتب‬
‫ّ‬
‫األصــح لفـظ‪ :‬كريشــتيانو‪ ،‬كوشــتا‪ ،‬جوزيــه‪ُ ،‬جــواو‪ .‬ولكن ث ّمــة أســما ًء رســخت بشــكل مغلــوط في األذن العربيّــة مثــل‪ :‬برشــلونة‬
‫(وصوابها بالقطالنيّة‪ :‬بارثيلونـا)‪ ،‬دون كيشــوت (وصـوابه بالقشــتاليّة‪ :‬دون كيخوتِــه)‪ ،‬بـاريز أو بــاريس (وصـوابها بالفرنسـيّة‪:‬‬
‫ڠيّوم)‪ ،‬برج إيڤِل (وصوابه‪ :‬آيفِل)‬ ‫‪.‬پاري)‪ ،‬لويس (لوي)‪ ،‬ملك القدس جاي أوف لوزجنان (ڠي دى لوزينيان)‪ ،‬وليَم الصُّ وري ( ِ‬
‫أن أحفاد كنعان العاشقين للفرنسـيّة يصـرّون على لفــظ الكــنى األرمنيّــة المنتهيـةـ‬ ‫لكن أعجب ما أسمعه هنا في لبنان‪ّ ،‬‬
‫حــتى لم يســلم من ذلــك االســم ‪ Christian،‬أو ‪ Evian‬بلفظ فرنسي فيه ُغنّة‪ ،‬كما لو كــانوا يلفظــون اسم ‪: ian‬جميعها بالحقة‬
‫أن ث ّمة شيئا ً في التّركيّـة يسـ ّمى ‪ Erdoğan‬التّركي إردوغان‬ ‫أي ‪: Yumuşak Ge‬الذي بات وكأنه فرنسي ابن فرنس ّي‪ ،‬علما ً ّ‬
‫‪.‬آآچ ‪: Ağaç‬دوآن‪ ،‬أو ‪: Doğan‬الجيم الطريّة‪ ،‬تلفظ ك َم ّدة مكبوتة ال كغين‪ ،‬كقولك‬
‫يُكتب وال يُنطق بجميــع اللغــات الالتينيّــة‪:‬ـ اإليطاليّــة واإلســپانيّة والپرتغاليّــة والفرنسـيّة والرّومــانش ‪ H‬حرف ‪6 -‬‬
‫‪،‬إيليا ‪، ilha‬فيليا ‪، filha‬كوڤيليا ‪: Covilhã‬والرّومانيّة‪ ،‬ما خال حالة في الپرتغاليّة بآخر الكلمة مع األلف والواو فيُلفظ يا ًء‪ ،‬مثل‬
‫هنري بل أُنري‪ ،‬وهو باإليطاليّة إنريكو‪ ،‬واإلسپانيّة ‪ Henri‬مورينيو‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬فمن الخطأ لفظ االسم الفرنسي ‪Mourinho‬‬
‫‪.‬وليس هيجو أو هيغو ‪ Victor Hugo‬إنري ِكه‪ .‬وأيضا ً ڤيكتور أوڠو‬
‫وأغرب األمثلة هي األسماء العربيّة التي ترد على ألسنة المسلمين من غير العــرب‪ ،‬فنســتوردها بصــيغ لفظيّــة ‪7 -‬‬
‫َ‬
‫ـروة‪ .‬أو ‪ Mervet‬مختلفة دون انتباه ألصولها العربيّة‪ ،‬كاالسم التُّركي ميرڤت‬ ‫الذي ترنّمت به األسماع دون إدراك ّ‬
‫أن أصــله‪َ :‬مـ َ‬
‫الذي يُكتب لدينا بالعربيّة «توبا» على أنّه اسم تركي فريد‪ ،‬ومـا هـو إال اسـم من القـرآن الكـريم‪ Tuba :‬اسم فتاة ال ّشاشة التّركيّة‬
‫‪.‬طوبَى‬
‫بينما االسم تــركي قــديم ‪: Jean - Béy‬وث ّمة كنية عريقة في لبنان‪ :‬جا ْنبَيْه‪ ،‬يطيب للنّاس أن يلفظوها بلكنة فرنسيّة‬
‫‪:‬ومعنـاه‪ :‬رُوح أو نّ ْفس‪ .‬وكـذلك اسـم قَبَالن‪ ،‬وصـوابه ‪)،‬جـان بيه( ‪: Can - Bey‬يعود إلى عصـر المماليـك‪ ،‬ولفظـه بالتّركيّة‬
‫‪.‬ومعناه بالتّركيّة‪ :‬نمر ‪Kaplan‬‬
‫)سـوريّا( ‪ Συρία‬واألعجب من هذا وذاك اسم سوريا‪ ،‬الذي هو صيغة هيلّينيّة (إغريقيّــة)‬ ‫مقولبــة الســم «آشــور» ُ‬
‫ال ّدولة العظيمة في بالد الرّافدين‪ُ ،‬س ّميت بها بالد ال ّش ام الواقعة على البحر األبيض بما يشمل اليوم سوريا ولبنان‪ ،‬على اعتبارهــا‬
‫أن حرف ال ّشين ال يوجد في األلفباء اليونانيّة‪ ،‬فــأُقلب ســينا ً ومــا زلنــا إلى اليــوم‬ ‫أن المضحك ّ‬ ‫كانت في وقت مضى تتبع لها‪ .‬غير ّ‬
‫نلفظه مغلوطا ً بعــد ‪ 27‬قرنـا ً من ال ّزمــان‪ .‬وكــذلك فمن الخطــأ كتابتــه‪ :‬ســورية‪ ،‬ألن الهــاء بــآخر الكلمــة تــرد بالتّســميات العربيّــة‬
‫‪.‬والكنعانيّة‪،‬ـ ال اليونانيّة‬
‫‪..‬وللبحث صلة‬
‫د‪ .‬أحمد إيبش‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الطّبعة األولى للكتاب‪ ،‬دار سميث إلدر‪ ،‬لندن ‪1912‬‬
‫عذراء روكامادور‪ ،‬كنيسةـ سان لورنثو‪ ،‬إشبيلية‪ .‬رسم جداري بارتفاع ثمانيةـ أقدام‪ُ ،‬مستعربي أُعيد‬
‫‪.‬ترميمه مع إضافات في حوالي القرن الخامس عشر مع الحفاظ على الخطوط األساسية‬
‫مقدّمةـ المؤلّفين‬
‫تاريخ األندلس‪ ،‬أو إسپانيا تحت الحكم اإلسالمي‪ ،‬هو تاري ٌخ لم يُكتب بعد‪ .‬فـالمواد المتـوفرة بكميـات كبـيرة‪ ،‬ال يـزال‬
‫معظمها في مخطوطات‪ ،‬وبالمقارنة‪ ،‬لم يُترجم سوى عدد قليل فحسب من النّصوص العربية القليلة التي تم تحويلها إلى نصوص‬
‫ي من اللغات األوروپية‪ .‬وإلى أن يتم إخراج كل هذه الوثائق القيّمة المتعلّقة بإسپانيا والمخبّأة حاليـا ً ليس في مكتبــة‬ ‫مطبوعة إلى أ ّ‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما في مكتبات أوروپية أخــرى وكــذلك في مصـر والمغــرب‪ ،‬إلى أن يتم إخراجهــا إلى النّــور ‪ Escorial‬اإلسكولاير‬
‫ونشرها‪ ،‬ال ب ّد أن يتم التّعامل مع كل ما يقال عن تلك الفترة األكثر أهميــة من التّــاريخ بوصــفه مؤقتـا ً وقائمـا ً إلى حـ ّد كبــير على‬
‫والحدس‬ ‫َ‬ ‫‪.‬التّخمين‬
‫عندما أتينا للعيش في إسپانيا قبل سنوات‪ ،‬حاولنا‪ ،‬مثل أي شخص آخر مهتم بالبالد‪ ،‬أن نحصل على كتب قد تتض ّمن‬
‫الشـهادات الـتي غالبـا ً مـا‬
‫معلومات حول نهضة الفن اإلسالمي في إشبيلية وتطوّره‪ .‬لكننا سرعان ما تكوّنت لـدينا قناعـة ببطالن ّ‬
‫بأن كل أثر للفن العربي الذي يعود إلى الفترة التي سبقت حكم الموحّدين‬ ‫اختفى ‪ Almohades‬يدلي بها علماء اآلثار المحلّيون‪ّ ،‬‬
‫سرعان ما تظهر ‪» mudéjar‬تماما ً من المدينة‪ ،‬في حين أن التّناقضات الصّارخة فيما تس ّميه جماعة الكتّاب ذاتها الفن «المدجّن‬
‫الذهنية التّحليلية البسيطة‪1‬‬ ‫‪.‬بادية للعيان حتى لطلبة علم اآلثار والهندسة المعمارية اإلسالميّة ذوي ّ‬
‫لقد نجح «المدجّنون» ‪ -‬إن ص ّح أن نستخدم هذه الكلمة لوصفهم ‪ -‬ولألسف في ثني الطّلبة الجا ّدين عن القيام بأبحــاث‬
‫‪ Alcazar of‬في هذا الجـزء من األنــدلس‪ .‬فلن يهتم أي عــالم آثــار بإضــاعة الــوقت على ســبيل المثــال‪ ،‬لدراســة قصــر إشــبيلية‬
‫عندما يعلن المد ّجنون أنه قصر يعود الى القرن الرّابع عشر بنــاه پِـدرو ملـك قشــتالة مســتعينا ً بــ «معمــاريين مسـلمين ‪Seville‬‬
‫ي من األكــاديميين العــرب بأنــه يجــدر أن‬ ‫أن قدم المسلمين األفارقة لم تطأها أصالً‪ .‬كما لم يفكر أ ّ‬‫أفارقة من طُليطلة»‪ ،2‬في حين ّ‬
‫يصرف بعض الوقت لدراسة النّقوش وال ّزخارف الكوفية والقرمطية واألفريقية التي تغطي كامــل المبــنى‪ ،‬منــذ أن نشــر أمــادور‬
‫إن «معمــاريين‬ ‫دي لوس ريوس‪ 3‬دراســته عن القصــر في عــام ‪ .1874‬فأيّــة أهميــة يمكن أن يوليهــا المستشــرقون لكتابــات قيــل ّ‬
‫مسلمين» قاموا بنقشها من أجل تشريف ملك نصراني‪ ،‬بعد قر ٍن من طرد المسلمين من المدينة التي عُثر فيها على هذه النّقــوش؟‬
‫السـنوات الثّمــاني والثّالثين الــتي أعقبت‬ ‫كان من الطّبيعي أن يغضّ الكتّاب المهت ّمون بـ ّ‬
‫ـالفن اإلســالمي النّظــر عن إشــبيلية خالل ّ‬
‫‪.‬نزول لعنة إطالق تسمية «المد ّجن» على إحدى أقدم وأكثر المباني اإلسالميّة أه ّمية في إسپانيا‬
‫وتستند النّظرية بر ّمتها إلى بعض النّقوش التي نسبت بناء القصر إلى پِدرو الطّاغية‪ .4‬وبعض هــذه النّقــوش هي على‬
‫أي حال مضافة‪ ،‬ومن بينها واحد تتضح طبيعته تلك بحيث يصعب تص ّور كيف يمكن إغفال تلك الحقيقة من مجرد نظرة سريعة‬
‫إليه‪ .‬ويكفي أن نالحظ أنه ال يصعب إدخال نقوش على حائط خارجي أو في زخرفة الجصّ ضمن غيرها باستخدام المواد ذاتهــا‪.‬‬
‫في المقابل‪ ،‬ال توجد على اإلطالق أيّة سجالت‪ ،‬سواء في محفوظات القصر أو أيّــة ســجالت معاصــرة أو شــبه معاصــرة أو أيّــة‬
‫وثائق أخرى‪ ،‬عن هذه القطعة من العمل المعماري العظيم وباهظ التّكاليف الذي يفترض أنــه قــام بتنفيــذه حــاكم كــان يعــاني على‬
‫ال ّدوام من صعوبات مالية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬هناك أدلّة موثّقة بــأن ألفونسـو الحـادي عشـر‪ ،‬والـد پِـدرو‪ ،‬أقـام لفــترات طويلــة في‬
‫أن سجاّل ته تذكر في الحقيقة وجود سلّم ملتفٍّ في ذاك القصر‪ ،‬وقد تم بالتّحديـدـ اكتشــاف هــذا ّ‬
‫السـلم ليس قبــل فــترة‬ ‫القصر؛ حيث ّ‬
‫‪.‬طويلة خالل القيام ببعض التّعديالت‬
‫يبدو غريبا ً أن تكون ال تزال هناك ظالل من ال ّشك بشأن حجم مساهمة پِدرو ملك قشــتالة في بنــاء قصــر إشــبيلية‪ .‬إن‬
‫بمحــاريب بعض الكنــائس ‪» Salones de Carlos Quinto‬مقارنة الجناح المعروف حاليـا ً باســم «قاعــات كــارلوس كينتو‬
‫اإلشبيلية القديمة‪ ،‬والتي أضافها ذاك الملك‪ ،‬طبقا ً للمعلومات المستقاة من الحوليّات‪ ،‬كتكفير عن خطاياه‪ ،‬تظهر أن قاعات القصر‬
‫تلك‪ ،‬مثل محاريب الكنائس‪ ،‬تنتمي إلى فترة حكم پِدرو نفسه‪ ،‬وربما قام مهندسه المعماري الخاص نفسه بتصــميمها كلّهـا‪ ،‬نظــراً‬
‫لل ّشبه الكبير في الفكرة والطّراز‪ .‬ولكن بما أننا سنناقش هذه النّقطــة باستفاضــة في مكــان آخــر‪ ،‬فإننــا بالكــاد نمـ ّر على ذكــر هــذه‬
‫‪.‬الوقائع هنا‬
‫فن خاصان بهم‪ .‬فكل الفنون وال ِحـ َرف والعمــارة الــتي يطلــق عليهـا‬ ‫أن مسلمي إسپانيا لم تكن لديهم عمارةٌ أو ّ‬ ‫الحقيقة ّ‬
‫أن عــرب إســپانيا (وليس المســلمون األفارقــة)‬ ‫خطــأ عمــارة وفنـا ً وحرفـا ً «أفريقيــا مســلمة» هي عربيــة في األصــل‪ ،‬نظــراً إلى ّ‬
‫استم ّدوها من اليونان والرّومــان واألقبــاط والفـرس‪ ،‬ويمكن تتبّــع ازدهارهـا وأفولهـا خطـوة خطـوة في إسـپانيا‪ ،‬كمـا يمكن تتبّــع‬
‫ي تاثير لألفارقة‬ ‫‪.‬تطورها في ال ّشام ومصر اللتين كانت بالتّأكيد بعيدتين عن أ ّ‬
‫يصعب في الحقيقة أن نقول إن كانت تسمية «مسلم أفريقي» أو «مدجّن» هي أكثر التّسميات المغلوطة عبثيةً للفنــون‬
‫البيزنطية والقبطية التي تطــورت خالل الحكم اإلســالمي لهــذه البالد‪ .‬وال يتم تنــاول الفن البــيزنطي العــربي الــذي يشــكل مســجد‬
‫قُرطُبة التّجسيد ال ّرئيسي له في إسپانيا‪ ،‬سوى باقتضاب في هذا الكتاب‪ ،‬حيث ت ّمت مناقشــة تاريخــه وتطــوره من قبــل الكثــير من‬
‫مهتم بتاريخ وفن األندلس‪ ،‬ممن يتحلّى بما يكفي من ّ‬
‫الصـبر لقــراءة وتقــييم الحقــائق الــتي‬ ‫ٍ‬ ‫الكتاب األكفاء‪ .‬لكننا نأمل أن يقتنع كل‬
‫أن الحرفيين «المسلمين األفارقة» هم من قاموا بتنفيذه نزوالً عند أوامر أسيادهم‬ ‫نعرضها هنا‪ ،‬بأن الفن «المدجّن» الذي يفترض ّ‬
‫المسيحيين هو‪ ،‬مــع بعض االســتثناءات الــتي يســهل التّعــرف عليهــا‪ ،‬من عمــل فنــانين وحرفــيين أقبــاط‪ ،‬أو تالمــذتهم العــرب أو‬
‫المسيحيين‪ ،‬وقد تم تنفيذه خالل الفترة الطّ ويلة المديدة عندما كان المسيحيون القوط الجنوبيون‪ ،‬أو المولّدون‪ ،5‬أو المتحـ ّدرون من‬
‫أصول مختلطة قوطية ويمنية عربيــة‪ ،‬ومسـلمو القبائــل اليمنيــة‪،‬ـ يعيشــون جنبـا ً إلى جنب بســالم وو ّد‪ ،‬في ظــل حكم المولّــدين أو‬
‫الضـيقة عنـد كـل مفـرق بقايـا‬ ‫الشـرقية الـتي يجـد من يعـبر شـوارعها ّ‬ ‫األمراء اليمانيين الذين سكنوا في قصر إشـبيلية ‪ -‬المدينـة ّ‬
‫ّ‬
‫ال ّزخارف النّباتية التي كان يعشقها المسلمون الذين حكموا تلــك البالد في النصــف األخــير من القــرن الثــاني عشــر‪ ،‬وتفـوّق فنهم‬
‫ّ‬
‫‪.‬على الفن المسيحي المصري الخالص والسّابق عليه‪ ،‬وازدهر هنا في ظ ّل حكم العرب اليمانيين‬
‫الفن اإلسالمي العائــد إلى الفــترات األولى‬ ‫أن (ما يس ّمى) ّ‬ ‫يمض وقت طويل على وصولنا إلى إسپانيا حتى الحظنا ّ‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫في إشبيلية‪ ،‬كان مختلفا بصورة الفت عن الفن اإلسالمي األول في قرطبة‪ .‬لم نجد أحدا قادرا على أن يشرح لنا سبب ذلك‪ ،‬ولقــد‬ ‫ً‬
‫ص ل إلى االستنتاجات المطروحة في هذا الكتاب‪ .‬ورغم اإلعاقة التي واجهناها بسبب‬ ‫تطلب األمر ثماني سنوات من ال ّدراسة لنتو ّ‬
‫جهلنا باللغة العربية‪ ،‬فقد تمكنا مع ذلك‪ ،‬كما نعتقد‪ ،‬من تسليط الضّوء على فــترة غــير مكتشــفة من تــاريخ إســپانيا‪ ،‬ونأمــل أن يتم‬
‫قبول دراساتنا بوصفها عالمات تشير إلى طريق مليء بالمحطات المبهرة للمهت ّمين بدراسة الفترة األولى من التّــاريخ اإلســالمي‬
‫‪.‬والفترة األولى من فن القرون الوسطى في إسپانيا‬
‫صعوبات الكثيرة التي واجهناها كانت تهجئة األسماء العربية‪ ،‬ألن كل مترجم كان يعتمدـ نهجـا ً خاصـا ً بــه‬ ‫ومن بين ال ّ‬
‫والشـائعة في القصــص‬ ‫ّ‬ ‫في هذا المجال‪ .‬وبعد الكثير من التّمعّن‪ ،‬قرّرنا أنه من األفضل أن نعتمدـ التّهجئة األكــثر تــداوالً لألســماء‬
‫أن كتابنا مو ّجه في األساس الى القارىء العــادي وليس إلى األكــاديميين‪ ،‬رغم أنــه‬ ‫ال ّشعبية التي تروى عن مسلمي إسپانيا‪ ،‬طالما ّ‬
‫بالنّسبة ألولئك الذين يتقنون بعض مبادىء اللغــة العربيــة‪ ،‬تبقى التّهجئــة خاطئــة‪ .‬لقــد اضــطررنا لإلشــارة بصــورة متكـرّرة إلى‬
‫األسماء القبلية والعائليــة خالل مناقشـاتنا‪ ،‬واألســماء العربيـة هي في أحســن األحـوال غريبــة وال يســهل التّعـرف عليهـا بالنّســبة‬
‫أن تبسيط التّسميات كلما أمكن أهم من اعتماد ما يمكن ان يكون في أحسن األحوال تهجئة صحيحة‬ ‫للقارىء العادي‪ ،‬لذلك شعرنا ّ‬
‫أن اإلسالم كان منقســما ً إلى عـ ّدة مــذاهب‪ ،‬فقــد حاولنــا تجنّب اإلربــاك من‬ ‫نسبيا ً فحسب‪ .‬وللسّبب عينه‪ ،‬ومع أننا بالطّبع مدركون ّ‬
‫ّ‬
‫صغيرة‪ ،‬ومن خالل تجميع مسلمي إسپانيا بصورة عامة ضمن المذهبين الرّئيســيين‪ :‬الش ـيعة‬ ‫خالل تجنب التّط ّرق إلى المذاهب ال ّ‬
‫الشـيعة ‪،6‬‬‫أن كل العــرب اليمنــيين في إســپانيا كــانوا من ّ‬ ‫وال ُّسنّة‪ .‬فنحن نعتقد‪،‬ـ مع عدد قليل من االستثناءات أو حتى دون استثناء‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫السـنّة‪ .‬قــد يكــون من الخطــأ تقســيم العــرب إلى قســمين بهــذه الطريقــة‪ ،‬ولكن من‬ ‫ضـريّين كــانوا من ُّ‬ ‫في حين أن كــل العــرب ال ُم َ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الضّروري بالنّسبة لدراستنا أن نحدد الطرفين الرّئيسيين اللذين كانت عــداوتهما المســتمرّة مفتاحـا لفهم تــاريخ األنــدلس‪ .7‬وهكــذا‬
‫ّ‬
‫صنّفنا ضمن ال ّشيعة كل من أعلنوا والءهم للخلفاء العبّاسيين‪ 8‬والفاطميين الحاكمين في ال ّشرق‪ ،‬وضمن ال ُّسنّة كل أولئــك الــذين ‪-‬‬
‫من غير البربر واألفارقة ‪ -‬ناصبوا ال ّشيعة العداء في أيّة فترة من الفــترات الــتي نتــولّى دراســتها‪ .‬لم يكن هــدفنا إعطــاء تفاصــيل‬
‫أن مســلمي األنــدلس كــانوا ينقســمون إلى فرقــتين‬ ‫بشأن الخالفات ال ّدينيةـ التي قسمت المســلمين‪ ،‬بقــدر مــا كــان الهــدف أن نظهــر ّ‬
‫والفن في الـ ّدويالت الــتي‬ ‫ّ‬ ‫كبيرتين‪ ،‬بينهما عداء على أساس االنتماء القبلي وال ّدين‪ ،‬واألثر الذي تركته هــذه العــداوة على التّــاريخ‬
‫‪.‬كانت موطنا ً للعرب الشيعة من أصول يمانيّة‬
‫ّ‬
‫لم ينقل وجهة النّظر هذه أي من المترجمين من العربية في أوائل القرن التّاســع عشــر‪ .‬ولكن عنــدما نفكــر في العمــل‬
‫الذي قام به هؤالء ال ّرجال‪ ،‬وخوضهم الجريء في حقبة من التّاريخ األوروپي لم يتطرّق لها أحد من قبل‪ ،‬فإن مـا يثـير إعجابنــا‪،‬‬
‫ليس ما تم أغفاله أو األخطاء التي وقع فيها هؤالء المترجمون‪ ،‬وإنما ما أنجــزوه‪ .‬لقــد كتب زيبولد‪ 9‬على ســبيل المثــال مــع تــوفر‬
‫المصادر العربية لديه‪ ،‬بصورة تثير ال ّشفقة عن «األوقات العصيبة لغزيــري‪ ،10‬وكونـ ِده‪ ،11‬وڠايــانڠوس‪ .»12‬ولكن من بين كــل‬
‫نرى أن أيا ً من ‪» The Encyclopedia of Islam،‬األعمال الوارد ذكرها في مقاله عن األندلس في «الموسوعة اإلسالميّة‬
‫المستشرقين ما عدا كون ِده ودوزي‪ 13‬وڠايانڠوس‪ ،‬لم يس َع حتى إلى تقديم عرض متصل لتاريخ المسلمين اإلسپان من أجــل فائــدة‬
‫للسـالالت‬ ‫القارىء غير القادر على دراسة ذاك التّاريخ في المصادر العربيــة األصـلية‪ .‬هنــاك‪ ،‬وهــذا صــحيح‪ ،‬دراسـات مجـزأة ّ‬
‫والحقب التّاريخية واألحداث‪ ،‬ولكن حتى هذه ال ّدراسات نفسها ليست كثــيرة‪ .‬لكن الطّـالب المهتم بالتّـاريخ اإلســپاني العــربي منــذ‬
‫الغزوة األولى في عام ‪ 711‬وحتى سقوط إشبيلية في عام ‪ ،1248‬ليس لديــه من مرجــع ســوى كتّــاب تلــك «األوقــات العصــيبة»‬
‫ض خم القائم على جمع وترجمة الكتابات العربية المبعثرة عن تلك الحقبة‬ ‫‪.‬الذين تفرغوا للعمل ال ّ‬
‫نحن‪ ،‬اللذان أمضينا ساعات طوال محاولين العثور على كتابات تنسجم وقائعها في سرد بعض هذه األحداث وتكوين‬
‫فكرة عن األسباب الكامنة وراءها‪ ،‬لدينا أسباب تجعلنا ننظر باحترام إلى العمل الــذي قــام بــه هــؤالء المؤرّخــون األوائــل‪ :‬وعلى‬
‫ـإن مثــل هــذه‬‫ال ّرغم من أنه لم يكن لدينا من مف ّر سوى أن نستنتج أنهم جميعهم ارتكبــوا العديـدـ من األخطــاء ولم يراعــوا ال ّدقــة‪ ،‬فـ ّ‬
‫الهفوات قلّما تــؤثر على قيمــة عملهم بالنّســبة للقـارىء الـذي يجهــل العربيــة‪ .‬وربمـا من الممكن أنــه في حالتنـا الخاصــة‪ ،‬م ّكنتنــا‬
‫نواقصنا‪ ،‬على الرّغم من العديدـ من األخطاء التّفصيلية‪ ،‬من عرض جانب من تاريخ األندلس غفـل عنـه البـاحثون الـذين كرسـوا‬
‫‪.‬أنفسهم لشرح النّصوص العربية التي كانوا لقربهم ال ّشديد منها غير قادرين على رؤيها من منظور موضوعي‬
‫أن مؤ ّرخي القرن التّاسع عشر لم يعطوا أيّة أهمية لالنحياز الحتمي للكتّاب العرب‪ ،‬رغم أن ذلك يكتســي أهميــة‬ ‫يبدو ّ‬
‫السـنّي‪ ،‬أن يكتب بطريقــة موضــوعية‬ ‫ضـري ُّ‬ ‫قصوى للكشف عن الوقائع؛ كيف‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬كان يمكن البن حيّــان‪ ،14‬ال ُم َ‬
‫عن ال ّدور التّاريخي الذي لعبه أعداؤه ال ّدينيون والقبليون‪ ،‬العرب ال ّشيعة المنتمون إلى قبائل يمانية؟ لقــد كتب تــاريخ إســپانيا كمــا‬
‫رآه في قُرطُبة المكان األكثر أهمية بالنّسبة لل ّرجال الذين يشــبهونه في انتمــائهم الـ ّديني والقبلي‪ .‬لقــد كــانت الحــرب األهليــة الــتي‬
‫استمرّت لســنوات طويلــة خالل القــرن التّاســع بالنّســبة لــه‪ ،‬على ســبيل المثــال‪ ،‬فتنــة قادهــا «مسـلمون فاسـقون» و«متمـرّدون»‬
‫ضري وال ُّسنّي مثل ابن حيّان‪ ،‬على خطاه وخطى غــيره من الكتــاب‬ ‫و«قطّاع طرق»‪ .‬وكان طبيعيا ً أن يسير أحمد المقّري‪ ،15‬ال ُم َ‬
‫الذين ينتمونـ إلى الفكر نفســه‪ ،‬وبـالطبع كـانت وجهـات نظـرهم تختلــف تمامـا ً عن وجهـات نظــر اليمــانيين‪ ،‬هــؤالء «المسـلمون‬
‫‪.‬الفاسقون» و«المتمرّدون»‪ ،‬الذين كانوا يكنّون لهم كل الكره‬
‫أن روايات المقّري تناقض نفسها بشكل ظاهر‪ .‬فقد كان نهجـه يقـوم على نقـل روايـات عن األحـداث نفسـها كمـا‬ ‫كما ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫يجدها لدى كتاب مختلفين‪ ،‬دون أيّة محاولة للتوفيق بينها عندما تكون متناقضة‪ ،‬مكتفيا بإضافة‪« :‬كذا ذكــر بعضــهم وهكـذا كـان‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪».‬وهللا وحده العليم الخبير الذي أحاط بكل شىء علما ً‬
‫اعتمد كون ِده‪ ،‬الذي نشر كتابه «تاريخ حكم العرب في إسپانيا»‪ 16‬في عــام ‪ ،1820‬النّهج نفســه الــذي اتبعــه المقّــري‪،‬‬
‫ي جهــد للتّوفيــق بين الرّوايــات‬ ‫وإن كان قد جاء بعده بقرنين من ال ّزمن‪ .‬لقد جمع كل المواد التي عــثر عليهــا معـا ً دون أن يبــذل أ ّ‬
‫المتضاربة‪ ،‬ولكن المؤسف بما يخصّ مكانته العلميّة‪ ،‬أنه نادراً ما أشــار إلى مراجعــه‪ ،‬وبخالف المقّــري لم يحــرص على إخالء‬
‫مسؤوليته عما ينقله‪ .‬توفي كون ِده قبل أن تنشر كل أعماله‪ ،‬وهكذا خلت من المالحظات والتّصحيحات التي كان سيضيفها بال شك‬
‫لو أنه عاش‪ .‬ولم يلحظ ڠايانڠوس على ما يبدو سبب اإلرباك الكبير في ســرد كونـ ِده‪ ،‬ودان مــا عـ ّده «جهالً» و«إيمانـا ً ضــعيفاً»‬
‫‪.‬لدى مواطنه واعتبره لدى المقّري نزاهة في الغرض‬
‫ولسوء الحظ‪ ،‬فإن عمل ڠايانڠوس‪ ،‬المجتهد وال ّدؤوب ولكن الذي يخلو من أيّة لمحة من التّبصّر التّاريخي‪ ،‬لقي على‬
‫السـابق‪،‬‬‫الفور قبوالً في إنكلترا وإسپانيا بوصفه عمالً موثوقـاً‪ ،‬وتبنّى مختلــف الكتــاب الــذين اتبعــوه موقفــه النّقــدي من المــترجم ّ‬
‫وظلوا ير ّددونهـ بطريقة تدعو إلى ال َّرهَق‪ ،‬حتى جــاء من وصــف انتــاج كونـ ِده بانــه «كتــاب ذو قيمــة ســردية كبــيرة وإنمــا قيمتــه‬
‫التّ اريخية ضئيلة‪ ،‬ومصدر معظم األخطاء الواردة في األعمال الالحقة»‪ .‬إن كان هناك ما ينقص أعمال كون ِده أكثر من أي شىء‬
‫آخر‪ ،‬فهو القيمة السّردية‪ .‬فاللغة اإلسپانية غالبا ً ما تصبح ركيكة من خالل جهد المترجم للحفاظ على أساليب السّرد العربية‪ .‬لكن‬
‫كون ِده‪ ،‬على األقل‪ ،‬لم يخطىء أبداً ويخلط ما بين العرب واألفارقة‪ ،‬كما فعل الكاتب الذي وصف عمله باستخدام الكلمات الواردة‬
‫‪.‬أعاله‪17‬‬
‫وتكمن قيمــة عمــل كونـ ِده‪ ،‬كمــا علّمتنــا التّجربــة‪ ،‬في أنــه اعتمــد في كثــير من الحـاالت على ســرده للوقـائع نقالً عن‬
‫مصادر يمانية‪ ،‬أو بعبارة أخرى عن مصادر شــيعية‪ ،‬وعليــه نحصـل على نسـخة مختلفــة تمامـا ً عن تلــك الــتي كتبهــا خصــومهم‬
‫ضريين ال ُّسنّة الذين لم يفعلوا غــير أن ينقلــوا وجهــة نظــر قُرطُبــة‪ .‬عالوة على‬ ‫القبليون وال ّدينيون والسّياسيون‪ ،‬من المؤرّخين ال ُم َ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ذلك‪ ،‬راجع كون ِده أعمال مؤرّخين لم يكن ڠايـانڠوس على اطالع عليهم ألنـه لم يكن مسـموحا لـه العمـل في مكتبـة اإلسـكولاير‪.‬‬
‫كانت في حوزة كون ِده مخطوطة واحدة على األقل لم تكن لدى المقّري وال لدى ڠايانڠوس‪ ،‬والــتي يؤ ّكــد القــائمون على المتحــف‬
‫البريطاني أنه ال توجد منها نسخة كاملة معروفة‪ .‬المخطوطة وضعها المــؤرّخ اليمــني ابن أبي الفيّــاض‪ ،‬والــتي كــان جــزء منهــا‬
‫يشـير كونـ ِده في متن عملـه إلى تـاريخ كتبـه ابن أبي الفيّـاض «تُـرجم إلى ‪ Al Abbar.‬ملحقـا ً بنسـخة كونـ ِده من «األبّـار»‪18‬‬
‫العبريّة»‪ .‬ويستشهد سنيور پونس‪ 19‬في حديثه عن ابن أبي الفيّاض بقول دوزي‪ 20‬أنه تم اقتباس هذا الكاتب في كتــاب القرطــاس‬
‫‪ .21‬وهكذا فإن كتاب كون ِده الذي اعتبره ڠايانڠوس «نسخة غير أمينة ومح ّورة عن القرطاس» قد يتض ّمن مقاطع أخــذها الكــاتب‬
‫‪.‬الذي جاء قبله مباشرة عن المؤلف األصلي‬
‫لقد وجدنا مراراً وتكراراً‪ ،‬من خالل مقارنة األسماء والتّواريخ وقبل كل شىء الصّالت القبلية‪ ،‬كما نقلها كون ِده‪ ،‬مــع‬
‫الض ـوء على مــا‬ ‫أن ذكر العالقة القبلية يلقي الكثير من ّ‬ ‫روايات عن األحداث نفسها لمؤلفين آخرين‪ ،‬حيث لم ترد األسماء القبلية‪ّ ،‬‬
‫ضريا ً كان يصف يمنياً‪ ،‬أو العكس‬ ‫أن ُم َ‬ ‫‪.‬ظ ّل غير مفهوم إلى أن أدركنا ّ‬
‫لقد أغفل ال ُّسنّي ابن حيّان ومؤرّخو قُرطُبة بشكل عام وقــدر اإلمكــان‪ ،‬أي اعــتراف بقــوة وأهميــة العناصــر المعاديــة‬
‫لفريقهم‪ .‬الحقيقة أنه حتى القرن العاشر كانت قُرطُبـة موحّـدة‪ ،‬وهـذا ال يعـني دائمـا ً بـأي حـال أنهـا كـانت األقـوى بين الـ ّدويالت‬
‫الخمس التي كانت تنقسم إليها األندلس‪ .‬كانت ال ّدويالت األربع األخرى هي األراضي التي أعيدت إلى أبناء غيطشة (ڤيتيتســا)‪22‬‬
‫وثبتت ملكيتهم لها بأمر من الخليفة الوليد‪،‬ـ و«بالد ثيودومير» التي عــرفت فيمــا بعــد باســم ُمرســية‪ .‬في الــوقت الــذي كــانت هــذه‬
‫اإلمارات تعترف بشكل أو بآخر بالسّلطة االسمية لقُرطُبة‪ ،‬فقد كانت تحيط بها من كل صوب وتشكل باستمرار خطراً عليها‪ .‬ولم‬
‫تكن الحرب األهلية التي انتهى معها القرن التّاســع‪ ،‬كمــا جــاء في عــرض ابن حيّــان‪ ،‬اضــطرابات ســببها قــادة ثــائرون مشــتتون‬
‫يحارب كل منهم على حسابه الخاص‪ ،‬وإنما جهداً مجتمعا ً بذلته ال ّدويالت األندلسية للتّخلص من تلك السّيطرة‪ .‬كانت طُليطلــة في‬
‫السـادس في القـرن الحـادي عشــر‪ ،‬وشــكلت باســتمرار مصــدراً للقالقــل‬ ‫ال ّشمال ذات أغلبية مسيحية حتى سيطر عليهــا ألفونســو ّ‬
‫للصـراع )كاثلونا( ‪ Cazlona‬بالنّسبة لألمويين حتى قبل اندالع الحرب األهلية في عـام ‪ .886‬وشـكلت قشـتيلة‬ ‫وجيـان مركـزاً ّ‬
‫الطّويل الذي خاضه ُع َمر بن حفصون (وهو نصـراني) من ‪ 886‬وحـتى تـولي عبـد الـرّحمن الثـالث الحكم في قُرطبـة‪ .‬وتُـركت‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ُم رسية منذ بداية الحكم اإلسالمي تحت حكم المسيحيين القوط‪ ،‬في حين كانت إشـبيلية ‪ -‬حيث‪ ،‬وبـاعتراف ابن حيّـان نفســه‪ ،‬حكم‬
‫السـلمي‬‫ي من الـ ّدويالت األخــرى‪ ،‬بفضــل التّعــايش ّ‬ ‫بنو حجّ اج أبناء األميرة سارة حفيدة غيطشة كالملوك ‪ -‬أكثر قوة وثراء من أ ّ‬
‫ً‬
‫‪.‬بين القوط والعرب والذي ك ّرسه زواج األميرة سارة تباعا من اثنين من أشراف اليمن‬
‫ال يزال سكان األندلس ‪ -‬أي العا ّمة كما يسميهم كون ِده في تراجمه من العربيــة ‪ -‬وإلى حـ ّد كبــير على مــا كـانوا عليــه‬
‫قبل ألف سنة‪ .‬لقد جلب العرب اليمنيون كل تقاليدهم القبلية وأساليب عيشهم معهم عبر مصر إلى إسپانيا‪ ،‬مع الحرفـيين والفنـانين‬
‫األقباط الذين ارتبطوا بهم على ضـفاف النّيـل‪ .‬ومن بين مـا جلبـوه التّقاليـد وأسـاليب العيش المرتبطـة بـذكرى االزدهـار المـادي‬
‫الذرة والنّبيذ وال ّزيت والكتّان الممتــاز‪ ،‬وغيرهــا من المصــنوعات‪،‬‬ ‫والحضارة التي عرفها اليمن عندما كان مركزاً عالميا ً لتبادل ّ‬
‫الصـندل والبهــارات‬ ‫من سبائك الفضة والبرونز والحديد‪ ،‬التي كان يبادلهــا الفيــنيقيون مقابــل األحجـار الكريمــة والعــاج وخشـب ّ‬
‫والفلفل والقرفة والقطن التي كان يستوردها اليمنيون من الهند‪ ،‬إلى جــانب البخــور والمـ ّر والاّل ذن أو صــبغة الخشــخاش وصــبر‬
‫‪.‬األلوة والمرمر والعقيق اليماني وآللىء مضيق هرمز‪ ،‬من جزيرة العرب نفسها‬
‫نسمع القليل عن التّق ّدم الذي حقّقته قُرطُبة قبل عهد عبد الرّحمن الثّالث‪ .‬فقــد بــدأ عهــدها المتــألق مــع القــرن العاشــر‪،‬‬
‫ي مكان في‬ ‫عندما استعان ح ّكامها وألول مرّة برجال دولة يمنيينـ في مجالسهم‪ .‬شهدت األندلس في تلك الفترة ازدهاراً لم يعرفه أ ّ‬
‫أوروپا في العلوم والفنون واآلداب؛ ف ُشيِّدت مبا ٍن رائعــة‪ ،‬وعـرف النّـاس رخــا ًء وفخامــة في حيــاتهم بصـورة لم يحلم بهــا ســكان‬
‫ي من البلــدان المســيحية في ذاك الــوقت‪ ،‬أو لقـرون تلت‪ .‬ازدهــرت‬ ‫ال ّشمال‪ .‬وتبــوأت النّســاء مكانــة في المجتمــع لم يصــلنها في أ ّ‬
‫ي المصـري‪ .‬وازدهــرت‬ ‫ال ّزراعة بصورة لم تشهدها إسپانيا في ظل الحكم المسـيحي من قبــل بفضــل اعتمـاد وتطـبيق نظــام الـ ّر ّ‬
‫بالذهب وال ّزجاج الجميل في إشـبيلية و ُمرسـية‪ ،‬وحـازت شـهرة وبـات عليهـا طلب في الخـارج‪ .‬زرعت‬ ‫صناعة الخزف المطلي ّ‬
‫الصـابون يعتــبر‬ ‫مختلف أنواع الفاكهة و ُحفظت من أجل ال ّشتاء‪ .‬واستخدمت المواقد الموصولة باألنابيب لتدفئــة المنــازل‪ ،‬وبــات ّ‬
‫أحد أهم احتياجات الحياة‪ .‬لقد عرفت إشبيلية معظم هذه المنتجات والتّجهيزات ووســائل الرّاحــة الحضــارية قبــل أن يعرفهــا أهــل‬
‫السـباق على‬ ‫قُرطُبة‪ ،‬وتفيد ال ّدالئل أنها استُقدمت من مصر عن طريــق عــرب اليمن‪ ،‬وتم تطويرهــا في ظــل مــا يمكن أن نســميه ّ‬
‫ضـريين الــذين‬ ‫التّحضر بين المسلمين ال ّشيعة والنّبالء القوط الذين ارتبطوا بالمصاهرة‪ ،‬وزاد في اتحــادهم عــداؤهم المشــترك لل ُم َ‬
‫ُ‬
‫‪.‬سعوا بال جدوى للسّيطرة على كل البالد انطالقا ً من مركز الحكم في قرطبة‬
‫ُ‬
‫اشتهرت مدينةـ قُرطُبة بقصورها ومسجدها وجسرها وخصوصا ً بعلمائها وأدبائها وبفخامة بالطها بصورة عامــة في‬
‫‪.‬عهد عبد الرّحمن الثّالث وخلفائه‪ ،‬ولكن لم يُذكر شىء عن مراكز صناعية أو مشاغل حرفية فيها‬
‫في المقابل‪ ،‬اشتهرت المـدن والنّـواحي الـتي عـاش فيهـا العـرب اليمـنيون واألقبـاط والمولّـدون والمسـيحيون القـوط‬
‫زراعة التي انتشرت في الفترات المزدهرة للخالفة‪23‬‬ ‫‪.‬بصناعاتها وزراعتها وهناك العديد من الكتب المخصّصة لل ّ‬
‫يمكننا أن نضرب مثاالً على ذلك ال َمريّة التي تقول الحوليّات إنها تجاوزت كــل مــدن العــالم في فــترة مــا في صــناعة‬
‫المقص ـب‪ ،‬والبروكــار ال ّدمشــقي‬ ‫ّ‬ ‫المنتجــات الحريريــة من مختلــف األنــواع بمــا فيهــا الطّــرز‪ 24‬وال ـ ّديباج المطــرز بــالحرير أو‬
‫(ال َّد َمقس)‪ ،‬إلى جانب كل أنواع األواني الحديديـةـ والنّحاسـية وال ّزجاجيـة‪ .‬اشـتهرت جيـان بـدورها بتربيـة دود الحريـر‪ ،‬وبيّاسـة‬
‫بال ّزعفران‪ ،‬و ُمرسية بالحرير والسّجاد‪ ،‬وبلنسية ببساتين الفاكهة والحدائق واألزهــار الــتي كــانت تمأل كــل أرجائهــا بحيث أطلــق‬
‫عليها المسلمون اسم «مطيب األندلس»‪ ،‬وشاطبة التي عرفت صناعة الورق قبل أي مكان آخــر في أوروپــا‪ .‬أمــا إشــبيلية‪ ،‬فكــان‬
‫نبيذها وزيت زيتونها مصدراً رئيسيا ً للثّراء في عهد اليمنيينـ كمـا كانـا في عهـد الرّومـان وكمـا همـا عليـه اليـوم‪ ،‬ولكن في حين‬
‫‪ Guadalquivir‬كانت هذه المنتجات أهم صادراتها على م ّر العصور‪ ،‬فقد امتألت بكل فكاهة األرض في ســهل الــوادي الكبــير‬
‫الذي يجري فيه النّهر الكبير‪ ،‬إلى درجة أنه سار عليه المثل بوصفه المكان الذي يمكن العثــور فيــه على «حليب العصــافير» في‬
‫‪.‬حال طلبه أحدهم‪ .‬وفي كل هذه المناطق‪ ،‬كان اليمنيون العرب والمسيحيون القوط يش ّكلون الغالبية‬
‫أن خالفة قُرطُبة انقسمت في القرن الحادي عشر إلى عــدد من الـ ّدويالت المســتقلّة‪ ،‬كــل منهــا يحكمهــا‬ ‫من المعروف ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ملك صغير‪ ،25‬في حين سعى أتباع األمويين سُدى إلعادة الحكم إلى عرش قرطبة‪ .‬هذه هي الرّواية ال ُّسنية لألحــداث الــتي بــدأت‬
‫مع خلع هشام الثّاني‪ ،‬حفيد عبد الرّحمن الثّالث‪ ،‬عن العرش‪ .‬أما المؤ ّرخون اليمنيون فيق ّدمون رواية أخرى لألحداث‪ .‬لقد واجهنـا‬
‫صعوبة في أن نحصل على رواية منسجمة من االقتباسات المج ّزأة من الكتّاب الذين استند إليهم المؤرّخون لــدى الفريــق اآلخــر‪،‬‬
‫والذين كانوا في الغالب يغفلون ذكر اسم قبيلتهم‪ ،‬لكننا نجحنا‪ ،‬كما نأمل‪ ،‬في جمع ما يكفي من األدلة لكي نبيّن أن الكلمة األخــيرة‬
‫أن الرّواية اليمنيةـ لألحداث ‪ -‬كما هي متوفرة اليوم في التّرجمات ‪ -‬تبيّن أن الرّجــال الــذين كــان‬ ‫عن تلك الحقبة لم تُقل بعد‪ .‬حيث ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ابن حيّان وتالمذته يصـفونهم بــأنهم ملـوك صــغار‪ 26‬أو «ملـوك الطوائـف»‪ ،‬أو أشـخاص غـير ذي قيمـة‪ ،‬هم في الحقيقـة حكـام‬
‫وأمراء حكموا من خالل «الحجابة»‪ 27‬واتخذوا لقب «الحاجب» الذي يحكم باسم هشام الثّاني الذي اعترفوا به إماما ً ووليا ً عليهم‬
‫ي شكل من صنع خيال المؤرّخين اليمنيين‪ ،‬ألن لدينا أدلّة من النّقود التي س ّكها ح ّجــاب‬ ‫حتى سنة ‪- 1057‬ـ ‪ .1058‬لم يكن هذا بأ ّ‬
‫مختلف ال ّد ويالت اليمنية حتى وفاة الخليفة المعزول في قصر إشبيلية كما يقال‪ .‬انهارت الخالفة بسبب المبالغة في العــداء القبلي‪.‬‬
‫لقد خلع العرب السّنة والبربر حفيد عبد الرّحمن الثّالث ألنــه اعتمــد على وزراء ومستشــارين يمنــيين‪،‬ـ وتنــادى اليمــنيونـ لحمايــة‬
‫‪.‬الرّجل الذي قبلوا به أميراً عليهم ألن ج ّده ولد من امرأة تنتسب إليهم من سكان البالد من المولّدين‬
‫وال يمكن أن نرى تحامل ابن حيّان على الفريق اليمني أكثر م ّمـا نجــده في روايتـه ألحـداث الحـرب األهليــة الثّانيـة‪،‬‬
‫حيث يص ّر مراراً وتكراراً على ال ّدوافع ال ّدنيئة ألولئك الذين اعترفوا «بصانع حصر من قلعة ربــاح» بوصــفه الخليفــة المخلــوع‬
‫صـاب المخـادع» وفيمـا إذا لم يكن في نهايـة األمـر‬ ‫والهارب (هشام المؤيّد باهلل)‪ .‬حـتى يبـدو أنـه كـانت لديـه شـكوك بشــأن «النّ ّ‬
‫ال ّشخص الذي كان األمراء والوالة في ال ّدويالت اليمنية يزعمون أنه هو‪ .‬ولكن االعتراف بذلك‪ ،‬كان يعــني االعــتراف بأنــه كـان‬
‫الخليفة الحقيقي لألندلس وإعادة هشام خليفة على عرش قُرطُبة سيعني إعـادة سـلطة اليمنــيين الـذين انقــذوا حياتــه وواظبــوا على‬
‫الشـرعي نجـا من محـاولتي اغتيـال‪ ،‬رغم أن كـل طـامح للحكم‬ ‫والئهم له‪ .‬وهكذا رفض ال ُّسنّة في قُرطُبة االعتراف ّ‬
‫بـأن خليفتهم ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫جعلوه يعتلي العرش كان يثبت أنه أق ّل كفاءة وأق ّل شعبية ممن سبقه‪ ،‬حتى في نهاية المطاف اختار الناس أنفسُهم حاكما أكد والية‬
‫ي من أعدائه الوصول إليه وإيذاءه‪ ،‬وهكــذا‬ ‫ال ّر جل المسن فاقد الحيل المحتجز بأمان خلف جدران قصر إشبيلية حيث ال يستطيع أ ٌّ‬
‫‪.‬عرفت قُرطُبة مج ّدداً بضع سنوات من االزدهار النّسبي‬
‫بعد وفاة هشام وحاميه‪ ،‬المعتضد بن َعبّاد‪ ،‬ش ّكل األمراء اليمنيون تحالفا ً برئاسة ال ُمعت ِمـ دـ بن َعبّــاد أمــير إشــبيلية‪ .‬ولم‬
‫الس ـنّة‪ ،‬حيث‬ ‫يكن دافع بن َعبّاد في حضّ رجال القبائل المؤيدين له على االنضمام إلى الحلف تعظيم شأنه‪ ،‬كما يؤكد المؤرّخــون ُّ‬
‫ال يوجد ما يشير إلى أنه اطلق في أي وقت على نفسه لقب ملك على األمراء الذين تحالفوا معه‪ .‬كان الهدف الرّئيسي لل ُمعت ِمـ دـ بن‬
‫َعبّاد خالل اثنين وعشرين عاما ً من الحكم هو إقناع ال ّدويالت المســلمة بتوحيــد جهــود المقاومــة في مواجهــة تعــديات المســيحيين‬
‫على ثغورهم ال ّشمالية‪ .‬لقد وافق على هذه السّياسة األمراء الذين أعلنوا والءهم لهشام‪ ،‬ورفضها أولئــك الــذين تمـرّدوا عليــه‪ .‬ولم‬
‫السـطان المرابـط يوسـف بن تاشـفين‪ ،‬وإنمـا بســبب المكائــد الــتي‬ ‫يكن سقوط ال ُمعت ِمد‪ ،‬كما هو مسلّم به عموماً‪ ،‬بسبب تحالفه مـع ّ‬
‫ضري عربي وبربري انضويا تحت راية الحلف اليمني تحت ستار الصّداقة‪ ،‬ولم يكفّا أبداً عن حبك ال ّدسائس حتى تحقّق‬ ‫حاكها ُم َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪.‬هدفهما في إشعال الحرب بين الحكام الشيعة األفارقة واألندلس‬
‫أن المقّري ذكر أسـماء قبائـل الفـاعلين الـذين اضـطلعوا بـدور في األحـداث المأسـوية الـتي شـهدتها األنـدلس بين‬ ‫لو ّ‬
‫‪ 1086‬و‪ ،1091‬لكانت أسباب األحداث وتتابعها أكثر وضوحا ً بكثير‪ .‬ولكن على العكس من ذلك‪ ،‬يبدو أنــه كـان يواجـه صـعوبة‬
‫في إخفاء العالقة بين بني جُذام في َس َرقُسطة وبطليوس‪ ،‬وبني أبي عامر في بلنسية‪ ،‬وبني طاهر في ُمرسية‪ ،‬وبــني العــامري في‬
‫دانية‪،‬ـ وبني أبي بكر في ولبة ولبلة‪ ،‬وغيرهم من الح ّكام اليمنــيين‪ ،‬مــع ال ُمعت ِمـ دـ بن َعبّــاد اللَّخمي الــذي ينتمي إلى قبيلــة لَ ْخم مثــل‬
‫زوج األميرة سارة‪ ،‬والذي تزوج امرأة من عائلة بني ح ّجاج الذين حكمـوا إشـبيلية ألكــثر من قــرن نظـراً لكـونهم أحفـاد الملـوك‬
‫‪.‬القوط‬
‫يبدو ذلك مختلفا ً بصورة كبيرة عن الصّورة التي نقلها كتّاب القرن التّاسع عشر بشأن «المــدجّنين» وواقــع العالقــات‬
‫القبلية بين ال ّد ويالت المسلمة في القرن الحادي عشر‪ .‬ولكن المعالم الفنية الـتي ينســبها المـدجّنون إلى پِــدرو عـديم الرّحمـة‪ ،‬ملـك‬
‫إشبيلية‪ ،‬تش ّكل صلة الوصل‪ .‬ففي جميع المحافظات التي كانت مسكونة بأكثرية من العرب اليمنيينـ عندما كان ال ُمعت ِمد ملكـا ً على‬
‫إشبيلية‪ ،‬يمكن بوضوح تمييز ما يسميه هؤالء الكتّاب فنا ً مـدجّنا ً ومـا نسـميه نحن فنـا ً يمنيـا ً أو عربيـا ً ‪ -‬قبطيـاً‪ .‬وبمـا أنـه ال يكفي‬
‫بأن مدرسة الفن هذه تعود في األندلس‪ ،‬ليس إلى القرن الرّابع عشر‪ ،‬وإنما إلى القرن الثّــامن‪ ،‬فــإن البــديل‬ ‫التّأكيد بصورة جازمة ّ‬
‫‪.‬الوحيد هو في وضع األساس التّاريخي الستنتاجاتنا قبل أن نخوض في مناقشة بقاء واستمرارية الفن اإلسالمي في إشبيلية‬
‫إن التّفصيل المح ّدد الذي كان السّبب الرّئيسي في تضليل المدجّنين هو ما نســمية القــوس أو العقــد القبطي ‪ -‬العــربي‪.‬‬
‫ق فينتمي الى العمــارة‬ ‫فحدوة الفرس هي في رأيهم عالمــة على فن العمــارة «األفــريقي المسـلم»‪ ،‬أمــا القــوس المــدبّب أو المســتد ّ‬
‫القُوطيّة‪ .‬وهكذا يمكن تلخيص حجتهم بصورة مقتضبة؛ لم يكن هناك فن مســيحي في أراضــي إشــبيلية قبــل عــام ‪ ،1248‬ألنــه لم‬
‫ق يعثر عليه هنا ال ب ّد أن يكون بني بعد حرب االسترداد اإلســپانية‬ ‫يكن فيها مسيحيون بعد القرن الثّامن‪ ،‬وعليه ّ‬
‫فإن أي عقد مستد ّ‬
‫إن أول ملك مسيحي ورد ذكره بوصفه قام ببنـاء كنيسـة في إشـبيلية (باسـتثناء ألفونسـو ‪( La Reconquista.‬ال ريكونكيستا)‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العاشر‪ ،‬الذي وردت كنيسة سانتا آنا التي بناها في سجالته) هو پِدرو الطاغية‪ ،‬الذي أمره األســقف على مــا يبــدو بــأن يكفــر عن‬
‫بعض خطاياه من خالل ترميم بعض المباني المق ّدسة‪ .‬والكنائس التي ذكرت باعتبارها ذات صلة به تحتوي على أقواس مستدقة‪.‬‬
‫ل كنيسة فيها أقواس مستدقة شبيهة باألقواس المبنية في تلك الكنائس‪ ،‬ال ب ّد أن يكون بناها پِدرو ملك قشتالة‪28‬‬ ‫‪.‬وعليه‪ ،‬فإن ك ّ‬
‫أن بعض العقود المستدقّة في الكنائس التي أوردت الحوليّات أنهــا كــانت مســاجد في‬ ‫يخفي منتقدو هذه المدرسة واقع ّ‬
‫إن پِدرو أعاد بناء بعضها ‪ -‬ليست شبيهة باألقواس القُوطيّة العائدة إلى القرن الرّابع عشر في أي مكــان‬ ‫عام ‪ - 1248‬والتي يقال ّ‬
‫آخر من العالم‪ .‬وبما أنه لم يخطر في بال هؤالء أنه قد تكون هناك عالقة مـا بين الفن اإلسـالمي في إشـبيلية والفن اإلسـالمي في‬
‫مصـر‪ ،‬فـإنهم لم يالحظـوا أن األقـواس المسـتدقّة الـتي ينسـبونها إلى پِـدرو هي في أغلب األحيـان متطابقـة مـع تلـك الـتي بناهـا‬
‫المهندسون القوط الذين عملوا ابتدا ًء من القرن الثّامن وما بعــده في مصــر لــدى مســلمين‪ ،‬مثــل عمــرو بن العــاص وابن طولــون‬
‫والخلفاء الفاطميين‪ .‬هنا أيضاً‪ ،‬علينا ان نغوص في تاريخ اليمانيينـ في إسپانيا لنعرف لماذا استخدموا مهندسينـ اقباط ـا ً ليبنــوا لهم‬
‫ضريين في قُرطُبة اتّبعوا الطّراز البيزنطي ال ّدمشقي‬ ‫‪.‬في إشبيلية‪،‬ـ في حين ّ‬
‫أن ال ُم َ‬
‫الفن المس ّمى خطأ بالفن المد ّجن إلى مصر‪ .‬ولكن الحقيقــة أنــه ال تفصـل ســوى خطــوة‬ ‫وهكذا‪ ،‬قادنا بحثنا عن أصول ّ‬
‫في مقال قرأه أمام المعهد المصري‪« :‬خالل تلك الرّحلة (في ‪ Franz‬واحدة بين األندلس ومصر‪ ،‬ألنه‪ ،‬وكما يقول مسيو فرانتس‬
‫‪.‬جنوب إسپانيا) الحظنا الكثير من األشياء التي تذ ِّك رنا بمصر»‪ ،‬والمقال كله مليء بالمقارنات التي صعقته لش ّدة تشابهها‪29‬‬
‫إن كان بإمكاننا إقناع ق ّرائنا بأنه‪ ،‬من بين الفريقين الكبيرين المتعاديينـ اللذين كان ينقسم إليهمــا مســلمو إســپانيا‪ ،‬كــان‬
‫أحدهما يتطلّع دائما ً إلى مصر بحثا ً عن اإللهام الفني‪ ،‬سيبدو لهم تط ّور الفن اليمني والحضـارة الظّــاهرة فيمــا كــان يعــرف قــديما ً‬
‫باسم مملكة إشبيلية‪،‬ـ حتميـا ً كمــا نــراه نحن‪ .‬ولكن لكي نضــمن تكــوين هــذه القناعــة‪ ،‬ال بـ ّد أن نقــودهم عــبر مــا نخشــى أن يكــون‬
‫ي مستشــرق أن يقــرأ هــذه‬ ‫مسارات مملّة ووقائع جافة‪ ،‬ومن بينها مراجــع ال بـ ّد من ذكرهــا كمــا حصــلنا عليهــا‪ .‬وإذا مــا أوتي أل ّ‬
‫‪«.‬اإلضاءات» التي وضعناها‪ ،‬فنق ّدم له جزيل شكرنا إن أشار إلى أخطائنا‪ ،‬لكي نص ّححها إن تم إصدار الكتاب في طبعة ثانية‬
‫برنهارد وإيلين ويشو‬
‫أسوار القصر الملكي في إشبيلية؛ الكاپيتول ال ّروماني؛ قصر األمراء القوط الغربيين‪ :‬أعيد ترميمهاـ وتجديد‬
‫واجهتها خالل الحكم اإلسالمي‪ .‬بات القصر منذ استرداده عام ‪ 1248‬وحتى يومنا‬
‫‪.‬الحاضر مكان اإلقامة المفضل لملوك وملكات إسپانيا‬
‫إسپانيا العربية‬
‫إضاءات على تاريخها وفنّها‬
‫الفصل األول‬
‫المسيحيةـ في ظل اإلسالم‬
‫لو اعتبرنا ما كتبه بعض كاتبي الحوليّات الكنسية ومن اتّبعوهم صحيحا ً فذلك يعني أن الكنيســة المســيحية عــانت مــع‬
‫أتباعها في ظل االحتالل اإلسالمي إلسپانيا لفترة طويلة من القمع والعذاب المرير‪ .‬ولكن الحقيقة‪ ،‬أنه حتى غزو الموحّدين‪ ،‬حين‬
‫قد تكون البالد شهدت قدراً من االضطهاد‪ ،‬تمتّع المسيحيون بصورة عامة باقصى قدر من التّسامـح‪ ،‬مقابـل شــرط وحيــد هــو أن‬
‫‪.‬يدفعوا الجزية ويمتنعوا عن ازدراء ديانة الفاتحين‬
‫ليتبيّنـ بما ال يدع مجاال لل ّشك أن الهيكلية ‪» España Sagrada‬تكفي نظرة سريعة إلى مجلدات «إسپانيا المق ّدسة‬
‫التّنظيمية لرجال ال ّدين المسيحيين‪ ،‬وشعائر العبادة المسيحية‪ ،‬وحركــات الرّهبنــة المســيحية‪ ،‬اســتمرّت عمليـا ً دون أي تــدخل لمــا‬
‫ّ‬
‫السـنوات الالحقــة‪ ،‬كــانت‬ ‫يربو على مئتي عام بعد الفتح اإلسالمي‪ .‬بعد ذلــك كـانت الحوليّــات ضـئيلة بالمقارنــة‪ ،‬ولكن حــتى في ّ‬
‫األحداث المعزولة تشير إلى استمرار تمتّع المسيحيين بالح ّرية‪ .‬وعليه‪ ،‬وفي إشارة إلى بعض األمثلة ليس إال‪ ،‬فقد وردت أســماء‬
‫قائمة ‪ Alonso de Morgado‬ستة أساقفة من قُرطُبة تولوا مها ّمهم بين ‪ 850‬و‪ 988‬م‪ ،.‬كما يذكر المؤ ّرخ اإلسپاني مورڠادو‬
‫بأسماء ‪ 13‬من أساقفة إشبيلية‪ ،‬تعاقبوا على مناصبهم حتى منتصــف القــرن الثّــاني عشر‪ .30‬ويــذكر في الحوليّــات أن مالقــة كــان‬
‫ماردة في القرن التّاسع‪ ،‬وســبعة أســاقفة في‬ ‫لديها أسقف في عام ‪ ،865‬وآخر في نهاية القرن الحادي عشر‪ .‬وورد ذكر أسقف في ِ‬
‫في عــام ‪ ،931‬ووردت أســماء ‪ 11‬أســقفا ً في ‪ Écija‬ويشير نقش إلى وفاة أســقف في إســتجة ‪ Viseu.‬قلمرية‪ ،‬وتسعة في ڤيزو‬
‫أن أسـاقفة مدينــة صــيدونيا (شــذونة) ولبلة‬ ‫‪ Niebla‬طُليطلة تولوا األسقفية بين ‪ 713‬و‪ .1077‬وقد ذكــر رودريــك ملــك طُليطلــة ّ‬
‫‪.‬ومارتشينا‪ ،‬لجأوا إلى طُليطلة في عام ‪ 1146‬مع دخول الموحّدين إلى إسپانيا‪31‬‬
‫بأن ست كنائس كانت موجودة داخل المدينة وست أخرى خارجها‪ ،‬في منتصــف القــرن التّاســع‪.‬‬ ‫تفيد سجاّل ت قُرطُبة ّ‬
‫ً‬
‫وفي لشبونة‪ ،‬تم تخصيص «أكثر من كنيسة» للعبادة المسيحية‪ .32‬لقد ذكر مورڠادو نقشا يسجل اكتمال بناء كنيســة ســان لوكــار‬
‫ال مايور بين إشبيلية ولبلة في سنة ‪ ،121433‬وهذا هو األكثر أه ّمية ألن الكتابة تثبت أن هذه الكنيسة‪ ،‬التي ال تزال كنيســة البلــدة‬
‫الصّغيرة‪ ،‬بُنيت خالل احتالل المو ّحدين‪ ،‬في الوقت الذي يفترض فيه أن البالد شهدت قدراً من عدم التّسامح‪ .‬وهناك إشارة مه ّمة‬
‫تتح ّدث عن كنيسة في كتاب اإلدريسي‪ ،‬عالم الجغرافيا العربي‪ ،‬الذي وضع كتابه في القرن الثّاني عشر‪ .‬وبما أن المقطع يتض ّمن‬
‫‪.‬بعض التّفاصيل الملفتة التي لم نرها مقتبسة في أي مكان آخر‪ ،‬سنوردها كاملة‪34‬‬
‫تس ّمى الكنيسة كنيسة «الغراب» وهي تبعدـ سبعة أميال عن «طرف الغرب وهو طرف خارج في البحر األعظم» ‪35‬‬
‫‪(:‬المقصود هنا رأس سان ڤيثِنتِه)‪ .‬يصف الكاتب الكنيسة على النّحو التّالي‬
‫هذه الكنيسة من عهد ال ّروم إلى اليوم لم تتغيّر عن حالها‪ ،‬ولها أمـوال يُتصـ ّدق بهـا عليهـا وكرامـات يحملهـا الـرّوم«‬
‫الواردون عليها‪ ،‬وهي في قرطيل خارج في البحر‪ .‬وعلى رأس الكنيســة عشــرة أغربــة ال يعــرف أحــد فقــدها وال عهــد زوالهــا‪،‬‬
‫وقسّيسو الكنيسة يخبرون عن تلك األغربة بغرائب يتهم المخبر بها وال سبيل ألحد من المجتازين بها أن يخرج منهــا حــتى يأكــل‬
‫السـلف وهــو متعــارف دائم‬ ‫من ضيافة الكنيسة ضريبة الزمة وسيرة دائمة ال ينتقلون عنها وال يتح ّولون منها‪ ،‬ورثها الخلف عن ّ‬
‫والكنيسة في ذاتها كنيسة عامرة بالقسيسين والرّهبان وبها أموال م ّدخرة وأحوال واســعة وأكــثر هــذه األمــوال محبّســة عليهــا في‬
‫أقطار الغرب وبالده وينفق منها على الكنيسة وخ ّدامها وجمع من يلــوذ بهــا مــع مــا يكــرم بــه األضــياف الــواردون على الكنيســة‬
‫‪.‬المذكورة قلّوا أم كثروا»‪36‬‬
‫بنيت هذه الكنيسة في حوالي منتصف القرن الثّامن‪ ،‬لكي تضم رُفات القديس ڤيثِنتِـه بعـدـ نقلهـا من بلنسـية‪ .37‬إن بقـاء‬
‫الكنيسة واستمرارها مع كل المباني واألراضي ال ّشاسعة التّابعة لها وأموال الوقف الطّائلة المخصّصــة لهــا‪ ،‬هــو بحــد ذاتــه دليــل‬
‫‪.‬قوي على التّسامح الذي تعامل به المسلمون مع مواطنيهم المسيحيين‬
‫إن ال ّشعائر ال ّدينية القُوطيّة القديمة‪ ،‬التي كانت تمــا َرس عمومـا ً في إســپانيا حــتى العــام ‪ ،108838‬ال تــزال إلى اليــوم‬
‫الشـعائر المســتعربة‬ ‫مســيحي كــان يعيش ســابقا ً بين مســلمي« ‪ mozarabe‬وتعــني كلمة ‪ Oficio mozarabe.‬تعــرف باســم ّ‬
‫فإن اسم هذه ال ّشعائر بحد ذاته دليل على اســتمرار ممارســتها عــبر العصــور ‪moros‬‬ ‫إسپانيا‪ ،‬وكان يختلط بهم»‪ .40 39‬وعليه‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫اإلسالميّة‪ .‬وال تزال هذه ال ّشعائر تمارس في واحدة من كنائس كاتدرائيتي طليطلة وشــلمنقة‪ ،‬وكــذلك كمــا نســتنتج‪ ،‬في كنيســة ال‬
‫‪.‬في بلنسية‪ ،‬التي ال يسمح للنّساء بدخولها دون تغطية رؤوسهن ‪ La Patriarca‬پاترياركا‬
‫الشـعائر المســيحية في فــترة الفتح اإلســالمي‪،‬‬‫لقد ذكر أياال‪ ،41‬أنه تم اإلبقاء في طُليطلة على ســت كنــائس لممارســة ّ‬
‫واستمرّت ال ّشعائر المستعربة تمارس فيها حتى ‪ .1351‬لقد سـبق وذكرنـا عـدداً من األسـاقفة الـذين يتـولّى كـل واحـد منهم إدارة‬
‫قولـه إن ‪ St. Eulogius, St. Eulogio‬عن سـانت أولوخيو ‪ Florez‬أبرشية وعدد من الكنـائس التّابعـة لـه‪ .‬ينقـل فلــوريث‬
‫المسيحيين كانوا في عهده (القرن التّاسع) قادرين على بناء كنائس جديدة‪ ،‬وإن «كانت بسيطة الطّراز»‪ .‬ربما لم يكن في وســعهم‬
‫إن مسيحيي قُرطُبة كانت لهم‬ ‫ضرائب‪ .‬يقول الكاتب نفسه ّ‬ ‫بناء ما هو أفضل‪ ،‬أو أنهم لم يرغبوا في استعراض ثروتهم خوفا ً من ال ّ‬
‫الحرية التّامة في ممارسة شعائرهم ال ّدينيةـ وإنه كانت للمسيحيين كنائسهم ذات األبراج واألجــراس‪ ،‬وإن الكنيســة كــانت تمــارس‬
‫ر تنظيم الجنائز عبر الطّرقات‪42‬‬ ‫‪.‬مختلف شعائرها‪ ،‬وإنه «حتى في الفترات المضطربة»‪ ،‬استم ّ‬
‫لم يواصل القساوسة ممارسة مهامهم والكنائس إحياء شعائرها فحسب‪ ،‬بل ازدهر العديد من األديرة كــذلك‪ .‬وذكــرت‬
‫الحوليّـات ثمانيـة أديـرة على مشـارف قُرطُبـة في القـرن التّاسـع وأسـماء العديـد من رؤسـاء األديـرة في ذلـك الـوقت ومن بينهم‬
‫الذي أهدى في عام ‪ 875‬جرسا ً ال يزال موجوداً في قُرطُبة‪ ،‬إلى كنيسة سان سيباســتيان‪ .‬عاشــت القديســة ‪ Sampson‬سامسون‬
‫‪ St.‬ثالثين عاما ً في ديــر قبــل أن يتم إعــدامها بقطــع رأســها في إشــبيلية في عــام ‪ ،856‬والقــديس تيودومــيرـ ‪ St. Aurea‬أوريا‬
‫شهيد آخــر من شــهداء إشــبيلية كــان عضــوا في ديــر في قرمونــة‪ .‬وأمضــى عبــد الـ ّرحمن‪ ،‬الملقب شــنجول‪ ،‬ابن ‪Theodomir‬‬
‫‪.‬الحاجب المنصور بن أبي عامر‪ ،‬ليلة في دير يدعى دير شوس‪ ،‬قبيل اغتياله‪43‬‬
‫إن الهستيريا ال ّدينية التي تف ّشت في قُرطُبة في منتصف القرن التّاسع هي بال شك السّبب الذي أتاح لنا الحصول على‬
‫قدر أكبر من المعلومات حول وضع الكنيسة في تلــك الفــترة أكــثر من أي وقت آخـر في ظــل الحكم اإلســالمي‪ .‬لقــد نهــل محـرّر‬
‫«إسپانيا المق ّد سة» من الكتابات المسهبة التي تركها ألڤارو وأولوخيو وعمل بكد على استخراج كافة الوقائع وأضاف إليهـا وقـائع‬
‫الضــوء على ظــروف الكنيســة ومكانــة‬ ‫من «حــاالت االستشــهاد» المختلفــة ومن كتابــات معاصــرة أخــرى‪ ،‬وألقى الكثــير من ّ‬
‫‪.‬المسيحيين في تلك الفترة‬
‫باستفاضة عن قانون صادر في عام ‪»، (España Sagrada, x. 265 - 6) 734‬يتح ّدث كتاب «إسپانيا المق ّدسة‬
‫لتنظيم حكم المسيحيين في قلمرية‪ .‬هناك شكوك في صحّة الوثيقة التي اقتُبس عنها هــذا النّص‪ ،‬ولكن المح ـرّر أضــاف واستشــهد‬
‫بمعطيات من مصادر أخرى ستظهر أن القوانين التي تم االستشهاد بها كانت في األساس شبيهة بتلك المطبقة في مناطق أخــرى‪.‬‬
‫بموجب قانون قلمرية هذا كان على المســيحيين أن يــدفعوا جزيــة تفــوق بمـرتين الخـراج الـذي كـان يؤخــذ من المسـلمين‪ .‬كـانت‬
‫من الفضة‪ ،‬واألديرة خمسين‪ ،‬واألبرشيات مئة پيسوس‪ .‬وكان على المسيحيين أن ‪ pesos‬الكنائس تدفع خمسة وعشرين پيسوس‬
‫يقوموا «بإحصاء» مواطنيهم الذين يتعيّن عليهم أن يحترموا القوانين‪ 44‬بما يتماشى مع العادات المسيحية‪ .‬كان يُمنع عليهم دخول‬
‫إن اإلساءة إلى ال ّرسول «كانت أفظع جريمــة يرتكبهــا‬ ‫المساجد أو ذ ّم ال ّرسول تحت طائلة اعتناق اإلسالم أو القتل‪ .‬يقول فلوريث ّ‬
‫شهداء تلك الفترة‪ ،‬وعليه وعلى الرّغم من أنهم كانوا يمجّدون دينهم لم يكن لذلك تــأثير على القضــاة إلى أن تصــدر عنهم كلمــات‬
‫أن اثـنين من «شـهداء» تلـك الفـترة‪ Crónica general ،‬تسىء إلى ذكر مح ّمد أو ذرّيته»‪ .‬ورد في كتاب «التّاريخ العام»‪45‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫روخيليو وسرڤيوديو‪ ،‬دخال إلى مسجد قرطبة ولم يكتفيا «بالتبشير بالعقيــدة» وإنمــا راحــا يناديــان بــذ ّم «النــبي ومــا يقــود أتبا َعــه‬
‫‪.‬إليه»‪ .‬وليس مفاجئا ً أن نعلم أن مثل هذه التّصرّفات كلّفتهما حياتهما‬
‫»وسيجد المهت ّمون بتف ّشي ظاهرة االستشــهاد هــذه القصــة كاملــة مرويــة بالتّفصــيل في كتــاب دوزي «تــاريخ ال ُمــور‬
‫لقد بذل الح ّكام المسلمون واألكثر تعقالً من المسيحيين قصـارى جهــدهم للحيلولـة دون قيـام ‪Geschichte der Mauren46.‬‬
‫أســقف إشــبيلية في ‪ Recafred‬هؤالء المتعصبين بإلقاء أنفسهم إلى التّهلكة من خالل تع ُّمدـ إهانة ديانة الفاتحين‪ .‬وكــان ريكافريد‬
‫الشـهادة عنـدما لم يسـ َع‬ ‫حوالي الفترة بين ‪- 851‬ـ ‪ ،862‬متميّزاً بحكمته في معالجة هذه القضـايا‪ .‬فقـد منـع المسـيحيين من طلب ّ‬
‫ح ّكامهم إلى دفعهم إلى التّخلّي عن عقيدتهم‪ ،‬حتى أنه سجن «عدداً من الكهنة» الذين عصوا أوامره‪ .‬لقد عيّنه عبد الرّحمن الثّـاني‬
‫الشـىء نفســه في قُرطُبــة» حيث قــام هنــاك بســجن عــدد من المســيحيين‬ ‫«رئيس أساقفة األندلس وهذا يجعله قادراً على أن يفعــل ّ‬
‫‪.‬وبينهم القديس أولوخيو وأسقف قُرطُبة‪ ،‬وذلك دون شك لكي يمنعهم من أن يأتوا بأفعال تؤذيهم ‪47‬‬
‫وإذا ص ّح ما ذكره مورڠادو‪ ،‬فقد كان ح ّكام قُرطُبة المسلمون يعيّنون األساقفة المسيحيين‪ .‬يؤكد ذلك مقطع في كتــاب‬
‫إلى ح ّد أنه عندما قام ڤالنتيوس‪ ،‬أسقف قُرطُبة‪ ،‬بتعيين كـاهن في تلـك المدينـة رغم مـرور فـترة )‪«» (xi. 311‬إسپانيا المق ّدسة‬
‫قصيرة فقط على صدور قرار عن «مجلس األساقفة» بحرمانه كنسياً‪ ،‬حصل الكونت (القومس) سرڤاندوس‪ ،‬سيد المسـيحيين‪،48‬‬
‫‪.‬من «ملك المور» على مرسوم بتنحية ڤالنتيوس وتعيين أسقف آخر مكانه‬
‫يبدو أن قومس المسيحيين كان شخصاً ذا نفـوذ ويتمتّـع بسـلطات واسـعة‪ ،‬وإن كنـا لم نوفّـق في العثـور على مراجـع‬
‫تتحـ ّدث عن وظائفــه وصــالحياته المحـ ّددة‪ .‬هنــاك رسـالة من ألڤـارو موجّهـة إلى «اللّـورد رومـانو المعظّم‪ ،‬األســمى بين عمــوم‬
‫في منصب قومس المســيحيين‪ ،‬طبيبـا ً وصــديقا ً أللڤــارو‪ .‬وتــد ّل ‪ Servandus‬الكاثوليك»‪ .49‬كان رومانو هذا‪ ،‬سلف سرڤاندوس‬
‫عبارات التّبجيل واأللقاب المبالغ بها التي يخاطبه بها ألڤارو على ال ّرغم من صداقتهما ومن أنه لم يعد يشغل منصبا ً رسمياً‪ ،‬على‬
‫األهمية القصــوى لــذلك المنصــب‪ .‬في هــذه الرّسـالة‪ ،‬يطلب ألڤــارو من رومــانو التّــد ّخل في دعــوى قضــائية رفعهــا ضــده بعض‬
‫إن رومـانو قـادر‪ ،‬لـو أراد‪ ،‬أن يـدحض مـا صـبّه ابن القاضـي ڠراسيوسـو في أذني الحـاكم‪ .‬كـان فيليكس ابن‬ ‫المسيحيين‪ ،‬قـائالً ّ‬
‫ّ‬
‫القاضي أحد الم ّدعين في تلك ال ّدعوى التي لم يحكم فيها بالطبع والده‪ ،‬وإال لما استدعى األمــر أن يخــاطب القــومس ســرڤاندوس‪.‬‬
‫ربما كانت تحال قضـايا بســيطة أمـام القاضـي‪ ،‬أمـا تلــك األكــثر أهميـة‪ ،‬فكـانت تعــرض على القـومس‪ .‬وســيبقى في ذاكرتنــا أن‬
‫المنصب نفسه مذكور في تشريعات قلمرية‪ .‬ومن بين أولئك القوامس ذكر الكتّاب اإلسپان أســماء أربعــة‪ :‬رومــانو‪ ،‬ســرڤاندوس‪،‬‬
‫الــذي حكم بعــد ‪ Guisinde،‬أدولفــوس الــذي أهــدى كنيســة ســان أسيســلو في قُرطُبــة مكتبــة‪،‬ـ وڠيفريــدوس وزوجتــه ڠيســين ِده‬
‫قـاض خـاص بهم وتشـريعاتهم‬ ‫ٍ‬ ‫سرڤاندوس‪ .50‬يقول أياال‪ ،‬المؤرّخ المعاصر لپِدرو ملك قشتالة‪ ،‬إن مســيحيي طُليطلــة كـان لـديهم‬
‫‪.‬الخاصة في ظل الحكم اإلسالمي‪51‬‬
‫ولقد وجدنا لدى الكتّاب العرب أمثلة عديدة على استخدام لقب القومس‪ .‬وأول من منحه الحــاكم المســلم المنصــب هــو‬
‫السـنيور كــوديرا نقالً عن ابن حيّــان إن أرطبــاس كــان كبــير‬ ‫أرطباس ابن غيطشة‪( 52‬انظر الصّفحة ‪ 57‬طبعة األصل)‪ .‬ويقــول ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬المسيحيين وجابي الجزية التي يدفعونها‪ .‬وهذا بال شك يشمل المسيحيين الذين يعيشون ضمن األراضي التابعة ألرطباس‬
‫كان القومس أبو سعيد ينتمي إلى عائلة أرطبــاس‪ .‬والقــومس الح ّجــاج وابنــه ســرڤاندوس الــذي فـ ّر في عــام ‪ 889‬من‬
‫قُرطُبة وانضم إلى ُع َمر بن حفصون‪ ،‬هو‪ ،‬بالنّظر إلى اسم أبيه‪ ،‬من ذ ّريّة األميرة سارة‪ ،‬حفيــدة غيطشــة (انظــر شـجرة العائلــة)‪.‬‬
‫‪.‬كما يأتي المؤ ّر خ دوزي على ذكر ألفونسو‪ ،‬سلف ابن حفصون‪ ،‬الذي كان ابن خلدون يلقبه القومس‬
‫ال ّدالئل التي تمكنا من جمعها ضئيلة‪ ،‬لكنها توحي بأن ‪ «Comes».‬وكلمة القومس العربية تأتي بال شك من الالتينية‬
‫‪.‬الح ّك ام العرب كانوا يمنحونه إلى كبار وجهاء العائالت المتحدرين من آخر ملك قوطي شرعي‪53‬‬
‫ورد ذكر قاضي المسيحيين في رسالة ألڤارو المذكورة آنفاً‪ ،‬كما أورد المقّري اسما ً آخر هو وليد بن خيران‪ ،‬بوصفه‬
‫كان حاضراً في حفل استقبال رسمي أقامه الخليفــة الحكم في عــام ‪ 962‬على شـرف أوردونيــو ملــك ليــون‪ .54‬وفي النّص نفســه‪،‬‬
‫ورد أن عبيد هللا بن قاسم‪ ،‬أسقف قُرطُبة‪ ،‬تولّى هذا المنصب‪ .‬ويالحظ ڠايانڠوس إنه لمن المثير للفضول أن يحمل أسقف‪ ،‬ســواء‬
‫كان عبيد هللا أو قاسم‪ ،‬هذا االسم العربي األصيل‪ ،‬رغم أن ذلك‪ ،‬كما يقول‪ ،‬ليس المثال الوحيد من نوعــه في تــاريخ إســپانيا إبــان‬
‫‪.‬الحكم اإلسالمي‪55‬‬
‫يتولّى منصبا ً رسمياً‪ .‬وقد أشار أولوخيو إلى أحد هؤالء الـ ‪» Exceptor‬كان هناك كذلك شخص يدعى «إكسيپتور‬
‫بوصفه رجالً ثرياً‪ ،‬اختار كيال يخسر لقبه وحقّه في ال ّدخول إلى البالط‪ ،‬أن يتن ّكر لنصرانيته‪ .56‬وكان يشار إليــه ‪Exceptores‬‬
‫الضـرائب»‪ .‬هنـاك كـاتب آخـر معاصــر ‪ "publicae rei Exceptor"،‬بعبارة‬ ‫التي يعتقد فلوريث أنها تعني «أمين أو مــدير ّ‬
‫السـابق نفســه)‪ .‬ويقــول دوكــانج‬ ‫وصف الرّجل الذي تحــدث عنــه أولوخيــو بوصــفه «متعاقــداً» أو «جــابي ضــرائب» (المصــدر ّ‬
‫إن كلمة ‪Ducange‬‬ ‫تعني كاتب العدل‪ .‬وربما يكون هذا الموظّف الرّسمي جمع بين منصبه ككاتب عدل وجاب "‪ّ "Exceptor‬‬
‫‪.‬للضّرائب‪ .‬أ ّما دوزي‪ 57‬فيس ّميه الكاتب‪ ،‬أو السّكرتير‪ ،‬ويستقي اسمه من مصادر عربية‬
‫الض ـريبة من خالل البقــاء‬‫كانت الضّرائب تُجمع شهريا ً من المسيحيين‪ ،‬وكان بإمكانهم على ما يبدو التّهرّب من دفع ّ‬
‫في منازلهم‪ .‬يقول فلوريث إن إولئك الذين كان الفقر أوالمرض يمنعهم من الخروج‪ ،‬فيبقــون في منــازلهم‪ ،‬كــانوا « ُمعفين من أ ّ‬
‫ي‬
‫‪.‬ابتزاز»‪58‬‬
‫مع أفول القرن التّاسع‪ ،‬لم يُكتب في الحوليّات سوى القليل عن الكنيسة في إسپانيا المسلمة‪ ،‬ويزعم كــاتب «الحوليّـات‬
‫الشـك‪ ،‬أوالً‪ ،‬فيمـا إذا كـانت الكنيسـة ‪ Crónica general،‬العامة»‪59‬‬ ‫أن االضطهاد كان سبب انحاللهـا‪ .‬لكن ذلـك يـدعو الى ّ‬ ‫ّ‬
‫المسيحية انهارت فعالً‪ ،‬وثانياً‪ ،‬ما إذا كان هناك أي شكل فعلي من االضــطهاد في األســاس‪ .‬يقــول دوزي إنــه في إشــبيلية‪ ،‬ومنــذ‬
‫عهد عبد الرّحمن الثّاني (‪- 822‬ـ ‪ ،)852‬كان اإلقبال كبيراً على اعتناق اإلسالم بحيث استدعى األمر بنــاء مســجد جديــد كبــير‪،‬‬
‫ي من‬ ‫وإن األمر نفسه حصل في إلبيرة في الفترة نفسها تقريبا ً‪ .60‬لكن الحقيقة أنه لم تكن هناك حاجة إلى بناء مساجد جديــدة في أ ّ‬ ‫ّ‬
‫‪.‬المدينتينـ إلى ما بعد أكثر من مئة عام من الغزو‪ ،‬م ّما يفترض أن حاالت اعتناق اإلسالم كانت باألحرى معدودة‬
‫إن ما شهد انحالالً على وجه التّأكيد بعدـ القرن التّاسع هو استخدام اللغة الالتينيةـ بين المسيحيين الذين كــانوا يعيشــون‬ ‫ّ‬
‫على وفـاق تــام مــع جــيرانهم المســلمين‪ ،‬فيأخــذون عنهم عـاداتهم وأســماءهم ومصـطلحاتهم‪ ،‬وفـوق كــل شــىء‪ ،‬لغتهم‪ ،‬المحكيــة‬
‫والمكتوبة على ح ّد سواء‪ .‬ويشكو ألڤــارو من إدمــان معاصــريه وإقبــالهم على ال ّدراســات اإلســالميّة في منتصــف القــرن التّاســع‪.‬‬
‫ويقول «إخواني في ال ّدين يسعدون بقـراءة تـاريخ وأدب العــرب‪ ،‬إنهم يدرســون كتابــات علمــاء الفقــه والفالسـفة المســلمين‪ ،‬ليس‬
‫صحيحة بخط أنيق‪ .‬أنّى لنا أن نجد اليوم رجالً من العامة ال يــزال‬ ‫لدحضها وبرهان عدم صحتها‪ ،‬وإنما ليتعلّموا الكتابة العربية ال ّ‬
‫يقرأ التّفسيرات الالتينية للكتابات المق ّدسة؟ و َمن من بينهم هناك يدرس عن اإلنجيــل والرّســل والتّالميــذ؟‪ ..‬لقــد نســي المســيحيون‬
‫لغتهم نفسها‪ ،‬ومن بين ألف منهم‪ ،‬ال يمكن للمرء أن يجد فرداً واحداً قادراً على كتابة رسال ٍة صحيحة بالالتينية لصديق»‪ .‬ويقــول‬
‫صادرة عن المجامع الكنسية اإلسپانية‬ ‫ضروري إعداد نسخة عربية من القوانين الكنسية ال ّ‬ ‫ڠيبون إنه في عام ‪« ،1039‬كان من ال ّ‬
‫‪.‬لتكون في متناول األساقفة ورجال ال ّدين في الممالك المسلمة»‪61‬‬
‫أن ألڤــارو ال يشــكو من أن مواطنيــه تن ّكــروا لعقيــدتهم وإنمــا يشــير إلى لغتهم فقــط‪ .‬ال ب ـ ّد أن‬
‫والجــدير بالمالحظــة ّ‬
‫األبرشيات األندلسية كانت تشهد فترة ازدهار حتى يكون بوسع ألڤارو أن يتحـ ّدث عن «آالف» من أخوانــه في الـ ّدين‪ ،‬حــتى وإن‬
‫الشـمال على وجــه التّأكيــد‪ .‬وكمــا‬ ‫أفسحنا في المجال للمبالغة‪ .‬ولم يكن مسيحيو األندلس يتلقّون في ذلــك الــوقت أيّــة إمــدادات من ّ‬
‫‪.‬سنرى الحقاً‪ ،‬ففي نهاية القرن الحادي عشر‪ ،‬أشار الكتّاب العرب في كتاباتهم إلى «آالف المسيحيين» في غرناطة‬
‫لم تتــوفر معلومـات دقيقـة عن األعــداد الكبــيرة المفترضــة لمن يتحوّلـون عن المسـيحية إلى اإلسـالم ال من مصـادر‬
‫مسيحية وال مسلمة ‪ -‬أو أنها لو ُوجدت‪ ،‬فإننا لم نتم ّكن من العثور عليها‪ .‬ولكن المعلومات المتوفّرة أصـالً بشــأن وجــود األســاقفة‬
‫والكنائس حتى فترة متأخرة في القرن الثّاني عشر‪ ،‬تبرهن على أن المسيحيين الذين ظلّــوا مخلصــين لعقيــدتهم‪ ،‬نعمــوا بالتّســامح‬
‫ال ّديني على مر العصور‪ .‬ويؤكد ذلك ما يروى عن التّكريم الذي حظي به الموفدون المسيحيون القادمون من شمال إسپانيا عندما‬
‫‪.‬جاؤوا‪ ،‬كما فعلوا في أكثر من مناسبة‪ ،‬في طلب نقل ُرفات القديسين وال ّشهداء المدفونين في األراضي المسلمة‬
‫السـمين أُرســل إلى قُرطُبــة ليطلب من عبــد ‪ Crónica general‬وهكذا نقرأ في «الحوليّات العامة»‪62‬‬ ‫ّ‬
‫أن سانچو ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الرّحمن الثالث نقل عظام القديس سان پياليـو؛ ونظـرا لثقتـه التامـة في حصـوله عليهـا بـدأ مسـبقا ببنـاء ديـر في ليـون السـتقبال‬ ‫ّ‬
‫الرُّ فات‪ .‬وبالمثل‪ ،‬في عام ‪ ،1063‬أرسل ملك قشتالة فرناندو األول‪ ،‬أســقفين إلى ال ُمعت ِمــد بن َعبّــاد ملــك إشــبيلية في طلب رُفــات‬
‫القديس سان خوستو‪ ،‬أحد الق ّديسين شفيعي تلـك المدينـة الـذي استشـهد في القـرن الثّـالث ألنـه أهـان صـورة ديانـا‪ ،‬كمـا جـاء في‬
‫الحوليّات‪ .63‬فأبلغ ال ُمعت ِمد األسقفين بأنه ال يعرف لألسف أين يمكن العثور على رُفــات القــديس ولكن بإمكانهمــا نقــل الرُّ فــات إن‬
‫عثروا عليها‪ .‬وفي حين كان اإلسقفان يف ّك ران بما يجدر بهما أن يفعال‪ ،‬ظهر لهما القديس سان إيسيدورو‪ ،‬شفيع إشبيلية‪ ،‬وأبلغهما‬
‫من يكون ومكان دفنه‪ ،‬واقترح عليهما أن يأخذا رُفاته بدالً من رُفات سان خوســتو‪ .‬فقامــا بنبش رُفاتــه حيث أشــار لهمــا‪ ،‬وعنــدما‬
‫الذخائر المق ّدسة‪ ،‬غطّاه ال ُمعت ِمـ دـ بغطــاء رائــع من الحريــر المطـرّز والمشــغول‪ ،‬وألقى فيــه خطبــة وداع‪ .64‬لم‬
‫ُوضعت في وعاء ّ‬
‫ي من الكتّــاب العــرب الــذين تم ّكنــا من‬ ‫نتمكن من العثور على أيّة سجالت تتعلق بنقل ُرفات سان پياليو أو سان إيسيدورو لــدى أ ّ‬
‫أن دوزي‪ ،‬الذي أورد قصــة ســان إيســيدورو كاملــة‪ ،‬اعتمــد في نقلهــا على المراجــع اإلســپانية فقــط‪.‬‬ ‫االطالع على كتاباتهم‪ ،‬كما ّ‬
‫‪.‬وعلى األرجح لم يُعر العرب أهمية كبيرة للحدثين‪65‬‬
‫يتح ّدث الفصل العاشر باستفاضة عن تعامالت الوزير األكــبر أو الحــاجب المنصــور مــع المســيحيين من أهــل بيتــه‪،‬‬
‫ومدى احترامه ألماكن العبادة المسيحية وما ق ّدمه لها من عطايا‪ .‬ويتح ّدث الفصالن الحادي عشر والخامس عشر عن زواجه من‬
‫أميرة مسيحية وزواج ألفونسو السّادس ملك قشتالة من ابنة ال ُمعت ِمد بن َعبّاد ملك إشبيلية‪ .‬ويتم التّطرق إلى األســالف المســيحيين‬
‫‪.‬لعبد الرّحمن الثّالث في الصّفحة ‪( 79‬طبعة األصل)‬
‫الشـديد أو‬‫يقودنا هذا إلى نهاية القرن الحادي عشر دون أن نعثر على أيّــة أدلــة على وجــود أي نــوع من االضــطهاد ّ‬
‫‪.‬ال ّدائم‬
‫وتشير بعض المقاطع لدى المقّري والتي تتحدث عن العام ‪ 1122‬إلى استمرار وجــود طائفــة مســيحية قويــة في قلب‬
‫‪.‬البالد المسلمة‬
‫كان ألفونسو األول ملك آراغون قد بدأ حملة مظفرة عبر األراضي الخاضعة للحكم اإلسالمي‪ ،‬وقام بأعمال تخــريب‬
‫ي من المدن الرّئيسية على مــا‬ ‫ومناوشة ومضايقات من محافظة إلى أخرى على مدى ستة أشهر متواصلة‪ ،‬دون أن ينتهكـ منعة أ ّ‬
‫إن المو ّحــدين أو النّصــارى الــذيين يعيشــون في نــواحي‬ ‫يبدو‪ .‬ويواصل المقّري سرده لهذه الغزوة بقوله‪« :66‬لقد قيــل فيمــا ســبق ّ‬
‫غرناطة كانوا السّبب ال ّرئيسي في غزوة األذفونش ألنهم لم يكتفوا بحضّه على التّوغل عميقا ً في أراضي المسلمين ويعدوه بتقديم‬
‫كل عون ومساعدة في مقدورهم‪ ،‬وأنما ق ّدموا لجيشه كل ما يلزمه‪ ،‬وأرشدوه‪ ،‬وأنضــوى عــدد منهم تحت رايتــه‪ .‬ولكن الخونــة لم‬
‫يفلتوا من العقاب الذي يستحقون‪ .‬وبطلب من عدد من أشراف قُرطُبة وإشبيلبية وغيرهمــا‪ ،‬عــبر القاضــي الجليــل أبــو الوليــد ابن‬
‫إلى أفريقيا واجتمع بالسّلطان علي‪ 67‬شارحا ً له خطورة أحوال مســلمي األنــدلس الــذين كــان )‪ Averroes‬واسمه الالتيني( رشد‬
‫عليهم أن يقاتلوا األعداء في الخارج ويواجهوا الجواسيس في ال ّداخل‪ .‬وناشده أن يعالج هذا ال ّشر بأن يأمر بنقل المســيحيين الــذين‬
‫يقطنون في نواحي غرناطة والمناطق التي سيطر عليها ألفونسو الحقاً؛ ونزوال عند طلبه أصدر أمير المسلمين األمر الالزم وتم‬
‫‪.‬ترحيل اآلالف من أهل الغدر ونقلهم إلى مكناس وسال وغيرهما من مدن غرب أفريقيا»‪68‬‬
‫تقول الحوليّات الالتينيةـ للملك ألفونسو السّابع التي ينسبها مح ّرر «إسپانيا المق ّدسة» إلى كاتب معاصــر‪ ،‬إنــه في عــام‬
‫‪ 1138‬عبر السّلطان المرابط تاشفين بن علي بن يوسف‪ ،‬من إسپانيا إلى المغرب‪ ،‬آخــذاً معــه عــدداً كبــيرا من المســيحيين الــذين‬
‫‪«.‬كانوا قد عاشوا ردحا ً من ال ّدهر في إسپانيا»‪ ،‬وفي عام ‪ 1124‬ذكر أن أعداداً كبيرة من مستعربي مالقة رحلوا إلى المغرب‪69‬‬
‫في حوالي العام ‪ ،1150‬عــاد الكثــير من مســيحيي المغــرب إلى إســپانيا‪ .‬وتقــول الحوليّــات نفســها إن «آالف الجنــود‬
‫المسيحيين‪ ،‬مع أسقفهم والعديدـ من رجال ال ّدين التّابعين لهم‪ ،‬م ّمن كانوا من أهل بيت السّلطان علي وابنه تاشفين‪ ،‬اجتازوا البحــر‬
‫وقدموا إلى طُليطلة»‪ .‬ويقول السّنيور كوديرا الذي اقتبس هذا المقطع أنهم كانوا مدفوعين لل ّرحيل بسبب اضطهاد الموحّدين لهم‪.‬‬
‫وأيّا ً كانت عليه الحال‪ ،‬يشير هذا االمر إلى أن وجود طائفة من المسحيين مع أسقفهم والعديـدـ من رجــال الـ ّدين في القــرن الثّــاني‬
‫عشر في المغرب‪ ،‬تحت حكم المرابطين‪ ،‬لهو دليل آخر على التّسامح الذي كان يعامل بــه المســلمون وخصوصـا ً أتبــاع المــذهب‬
‫أصحاب تلك العقيدة ‪70‬‬
‫َ‬ ‫‪.‬ال ّشيعي‪،‬‬
‫ومج ّدداً‪ ،‬انتفض مسيحيّو غرناطة في عام ‪ 1162‬في وجــه المو ّحــدين بالتّنســيق مــع الملــك اليمــاني ابن َمــردنيش ‪،71‬‬
‫الذي كان واليا ً حينها على قسم كبير من شرق األندلس‪ .‬أرسل ابن َمردنيش ألفين من الخيالة المسيحيين من ُمرسية ‪ -‬الــتي كــانت‬
‫تضم دولة ثيودوميرـ أو تُدمير‪،‬ـ التي يحكمها المسيحيون القوط بموجب معاهدة وقّعوها مع عبد العزيز بن موسى في عام ‪- 714‬‬
‫لمساعدة المنتفضين وتمكنوا من ابقاء غرناطة تحت سيطرتهم لبضعة أشهر‪ .‬وعليه‪ ،‬ورغم األعــداد الــتي تم ترحيلهــا في عــامي‬
‫‪ 1122‬و‪ ،1138‬فمن الواضح أن أعداداً كثيرة كانت ال تزال تعيش هناك‪ .72‬ونجد أن اآلالف من المسيحيين كانوا يعيشون داخل‬
‫حدود مناطق الحكم اإلسالمي بعد أربعة قرون من الغزو اإلسـالمي‪ ،‬وبمـا أنهم لم يكونـوا بـالطّبع من ذرّيـة أولئـك القـوط الـذين‬
‫كانوا في حرب مستم ّرة مع المسلمين تحت حكم پياليو وخلفائه‪ ،‬فال ب ّد أن يكونوا أبناء وأحفاد القوط الــذين بقــوا في األنــدلس في‬
‫عام ‪ ،711‬بموجب المعاهدة الموقعة مع الخليفة الوليد‪ 73‬في دمشق والتي كان عليهم بموجبها أن يدفعوا الجزيــة للخليفــة على أن‬
‫‪.‬يولّى عليهم أمراء من ساللتهم ومن أبناء دينهم‬
‫في القــرون األولى من الحكم اإلســالمي‪ ،‬لم يكن هــؤالء القــوط على اتصــال مــع أتبــاع رودريڠــو (رودريــك) ‪74‬‬
‫المهزومين‪ ،‬ويمكننا أن نفهم حالة انعدام الثّقة التي كانت يمكن أن تنشأ بين الفريقين‪ .‬كان جيش رودريڠو تحت قيادة رجال ال ّدين‬
‫الشـرعية‪ .‬ا ّمـا القــوط الــذين تحـالفوا مــع موسـى بن‬ ‫الفاسدين الذين تنسب إليهم المكائد الغتصاب عرش غيطشــة وســاللة الملــك ّ‬
‫صيْر ووقعوا معاهدة مع الخليفة األموي فهم الذين بقوا مخلصين لعائلة الملـك غيطشــة بعـد وفاتـه‪ .‬لم يكن الفريـق األول يحظى‬ ‫نُ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بتأييد قوي في صفوف الجيش أو بين الناس‪ ،‬ولهذا السّبب‪ ،‬باإلضافة إلى التحالف بين موسى واألمراء الثالثة الورثة الشــرعيين‬
‫للملك‪ ،‬رضخ جنوب وغرب إسپانيا بكامله بسرعة كبيرة للغزاة الفاتحين‪ ،‬أو عقد حلفـا ً سـلميا ً معهم‪ .‬لقـد كـان حتميـا ً أن يتـوارث‬
‫‪.‬أبناء الفريقين المتعارضين تماما ً في البداية العداء بينهما وأن يطغى انعدام الثّقة والرّيبة على عالقاتهما لبضعة أجيال‬
‫ولكن مع بداية القرن الثّاني عشر‪ ،‬كان الوقت كفيالً بأن يجعل هــذه العـداوة تضــمحلّ‪ .‬فباسـتثناء اختالفهم في الـ ّدين‪،‬‬
‫وفي بعض األحيان اختالف أسماء عائالتهم‪ ،‬كــان قــوط الجنــوب والغــرب بحلــول ذلــك الــوقت قــد انــدمجوا تمامـا ً مــع جــيرانهم‬
‫وأصدقائهم اليمانيين‪ ،‬عبر أربعة قرون من المصاهرة والتّحالفات الهجومية وال ّدفاعية ضد أعــدائهم المشــتركين‪ .‬ولــذلك نجــد ّ‬
‫أن‬
‫والشـرق‪ ،‬عنــدما‬ ‫ّ‬ ‫هذه ال ّدويالت والمدن القُوطيّة ‪ -‬اليمانية كأنت أول من تعامل أو رضخ للغزاة المســيحيين القــادمين من ّ‬
‫الشـمال‬
‫اجتاح المو ّحدون أو المغاربة‪ ،‬الذين يختلفون في انتمائهم ال ّديني وأصولهم القبليّة عن القــوط والعــرب اليمــانيّين على حـ ّد ســواء‪،‬‬
‫‪.‬البالد وسعوا إلى فرض عقيدتهم المتز ّمتة على مسلمي األندلس‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬ورغم أن األمر يش ّكل استطراداً وخروجا ً عن الموضوع على نحو ما‪ ،‬ســيكون مفيــداً أن نســتعرض‬
‫‪.‬مصير المسيحيين اإلسپان الذين تم ترحيلهم إلى المغرب في عام ‪1122‬‬
‫معلومات مه ّمة عنهم‪ .‬لقد أرسل سان فرانثيس في عــام ‪ 1219‬خمســة من رهبانــه ‪ Zúñiga‬يورد المؤرّخ ثونيڠا‪75‬‬
‫ّ‬
‫إلى إشبيلية التي كانت حينها عاصمة حكم الموحّدين في إسپانيا‪ .‬ب ّشر الرّهبان بال ّدين المسيحي فسُجنوا في الــبرج الــذهبي (تــورِّه‬
‫السـنة الــتي تلتهــا‪ .‬وفي ســنة ‪ ،1237‬قـرّر ڠريڠوريــوس التّاسع‪« ،76‬وقــد‬ ‫دل أورو) ثم أرسلوا إلى المغرب حيث استشهدوا في ّ‬
‫أدرك حالة الفقر والفاقة التي يعانيها أولئك الكاثوليك»‪ ،‬أن يرسل إليهم أسقفاً‪ .‬وكان خليفة هذا األســقف موجــوداً في إشــبيلية بعــد‬
‫‪.‬وقت قصير من االستيالء عليها‪ ،‬وعاد إلى أبرشيّته حامالً رسائل توصية من البابا إينوسنت الرّابع‪ 77‬إلى سلطان المغرب‪78‬‬
‫وفي عام ‪ ،1386‬أوفد المسيحيون المقيمــون في المغــرب بعثــة إلى خــوان األول ملــك قشــتالة ‪ 79‬يطلبــون منــه القيــام‬
‫‪:‬بمساع حميدة لدى سلطان المغرب لكي يأذن لهم بالمجىء للعيش في إشبيلية‪ .‬وقد سرد ثونيڠا ما حدث كما يلي‬
‫ثت عنهم في مكـان آخـر‪ ،‬بعض العـائالت المعروفـة«‬ ‫كان بين المسيحيين المقيمين في مملكة المغـرب‪ ،‬والـذين تحـ ّد ُ‬
‫التي تحمل لقب آل فارفانِ س‪ ،‬والذين كانوا يفخرون بانتمائهم إلى ساللة القوط‪ .‬كانوا يرغبون في المجىء إلى إســپانيا‪ ،‬ويرجــون‬
‫بالذهاب] وأن تستقبلهم إشبيلية كمواطنين‪ :‬وهذه السّنة أرسلوا فرداً‬ ‫الملك أن يقبل بهم وأن يطلب من ملك المغرب [أن يسمح لهم ّ‬
‫منهم يدعى سانچو رودري ِڠث الذي حمل لدى عودته ردأً إيجابيا ً من المدينــة‪ .‬الرّســالة موجــودة في نص مطبــوع‪ ،‬وتقــول إحــدى‬
‫‪:‬فقراتها‬
‫أن قـريبكم سـانچو رودري ِڠث«‬ ‫نرغب أن نراكم في هذه المدينةـ فيمـا يرضـي هللا وسـيدنا الملــك‪ ،‬نريــدكم أن تعرفـوا ّ‬
‫زارنا وتح ّدث إلينا في بعض األمور‪ ،‬وقد فهمنا منها رغبته ورغبتكم‪ ،‬ولقد استقبلناه أفضــل اســتقبال‪ ،‬ولــذلك فلتطمئنّــوا وتعلمــوا‬
‫أنه إن كانت مشيئة هللا أن تأتوا إلى هذه المدينة‪،‬ـ فستلقون منا أحسن تــرحيب‪ ،‬وســنفعل من أجلكم مــا يرضــي هللا وســيدنا الملــك‪،‬‬
‫‪».‬وليحفظكم هللا في تمام الصّحة‬
‫تحمل هذه الرّسالة تاريخ الثّامن من أكتوبر (عــام ‪ )1386‬وتوقيــع ســلطات البلديــة‪ ،‬وخمســة من أفــراد طبقــة النّبالء‬
‫‪» Veintiquatros.‬وكبار الموظفين التي كانت تس ّمى «مجموعة األربعة والعشرين‬
‫ضروري من سلطان المغرب أبي الحسن‪ ،‬وحصل عليه‪ ،‬كما جاء في رســالة نقلهــا‬ ‫تو ّجه خوان األول بطلب اإلذن ال ّ‬
‫‪»:‬ثونيڠا وتض ّمنت «مق ّدمة طويلة‪ ،‬كما جرت عليه العادة لدى المغاربة‬
‫ها أنا ذا أرسل لكم أولئــك الــذين أرســلتم في طلبهم‪ ،‬من ينتســبون إليكم بربــاط النّســب العظيم‪ ،‬والــذين كــانوا منكم‪«:‬‬
‫هــؤالء هم المســيحيون الخمســون من آل فارفــانِس من ســاللة القــوط العريقــة في مملكتكم‪ ،‬ليحفظهم هللا‪ ،‬على حســن صــنيعهم‬
‫وبسالتهم وعملهم ال ّدؤوب وذكائهم وهنائهم ووالئهم‪ ،‬فإن رغبتم أن يكونوا عونا ً لكم لجنيتم من ذلك خيراً‪ ،‬وها هم أوالء يمضون‬
‫وهم ينشدون رحمتكم إلى الممالك التي ملكها أجدادهم القوط الصّالحون‪ ،‬رحمــة هللا عليهم‪ ،‬وهــا أنــا ذا أرســلهم إليكم نــزوالً عنــد‬
‫‪».‬مشيئتكم‪ ،‬وهللا هو المعين‬
‫ويضيف ثونيڠا‪« :‬هذا ما جاء في التّرجمة التي نقلت في حينه عن الرّسـالة المكتوبـة في األصـل بالعربيــة»‪« .‬كـانوا‬
‫في اإلجمال خمسين عائلة استق ّرت في إشبيلية‪ ،‬واحتفظ كبار أعيانهم بهذه ال ّرسالة وبامتيازاتهم‪ ،‬والتي توجد نسخ أصلية منهــا تم‬
‫‪.‬تدقيقها للتّحقّق من أصولهم النّبيلة‪ .‬ذهب بعضهم الحقا ً ينشد لقاء الملك الذي كان قدومهم عليه مأسويا ً‬
‫كان في الكاال دي هيناريس (قلعة النّهر)‪ ،‬إلى حيث جاء هؤالء الفرسان ينشدون تقبيـل يـده‪ ،‬وعنـدما سـمع عن ‪«...‬‬
‫ِم راسهم وخبرتهم الواسعة في مجال الفروسية‪ ،‬خرج على ظهر الحصان إلى الرّيف لكي يتفرّج عليهم وهم يتمرّنون‪ ،‬وبعد وقت‬
‫قصير‪ ،‬ورغبة منه في أن يعرض عليهم مهارته جرى بفرسه في حقل محروث فتعثرت الفرس‪ ،‬وكــان ســقوطه عنهــا من القــوة‬
‫بحيث مات الملك‪ .‬كان موته مفاجئا ً بحيث أن أحداً لم يسمع صرخته األخــيرة‪ .‬وحصــل ذلــك الحــادث المأســاوي والمؤســف يــوم‬
‫‪».‬األحد‪ ،‬الموافق التّاسع من أكتوبر [‪]1390‬‬
‫في عام ‪ ،1394‬منح إنريكه الثّالث‪ ،‬ملك قشتالة‪ ،‬آل فارفانِس االمتياز الــذي وعـدهم بــه والـده قبـل موتــه المفـاجىء‪،‬‬
‫فأعاد إليهم ألقابهم النّبيلة‪ ،‬وتم تثبيت ذلك في عهد الملوك الذين تتابعوا على الحكم حتى الملكــة خوانـا‪ ،‬والــدة كـارلوس الخـامس‪.‬‬
‫استقروا في إشبيلية ‪» Caballeros Farfanes de los Godos.‬لقد وصفتهم الوثائق المذكورة بأنهم «فرسان فرفانِس القوط‬
‫حيث أصبحوا من أصحاب األمالك وأسّسوا كنائس وأماكن للعبادة‪ .‬وعندما كتب ثونيڠا في عام ‪ ،1680‬كــان أحــد محــاريبهم في‬
‫كنيسة أبرشية سان مارتين وقد نقشت شعاراتهم على أفريز بوابتها الحديديةـ وثالثة ضفادع خضراء في إطار مذهب‪ .‬كان لــديهم‬
‫مندوب هو بمثابة متح ّد ث باسم العائلة كلها ومكلف بصيانة امتيازاتهم‪ .‬ولم ينجز بناء كنيسة «ساللة فارفانِس» حتى مطلع القرن‬
‫هف (خزنة المق ّدسات)‪80‬‬ ‫‪.‬التّاسع عشر‪ ،‬حين تم إنشاء مم ّر عبرها إلى ال َمو ِ‬
‫وعليه‪ ،‬يبدو أن الكنيسة المسيحية كانت حاضرة بقوة وبصورة مســتمرّة بنــاء على المعلومــات الــتي ت ّم جمعهــا‪ ،‬ليس‬
‫فقط في ظ ّل الحكم اإلسالمي إلسپانيا‪ ،‬وإنما كــذلك في المغــرب لحــوالي مئــة وخمســين ســنة بعــد زوال الحكم اإلســالمي في كــل‬
‫إسپانيا ما عدا في مملكة غرناطة‪ .‬هذه الحقيقة وحدها تـبرهن أنـه لم يكن هنـاك وجـود لإلضـطهاد أو أنـه كـان ضـئيالً إن ُوجــد‪،‬‬
‫فحتى العقيدة األكثر رسوخا ً كانت بالكاد ستبقى وتستم ّر على مدى خمســمئة أو ســتمئة عــام لــو أنهــا واجهت محــاوالت مســتمرّة‬
‫‪.‬للقضاء عليها‬
‫لقد ورد ذكر أسقفية المغرب بصورة متك ّررة في الحوليّات الكنسية حتى العام ‪ .1560‬ويبــدو أن آخــر من حمــل لقب‬
‫األسقف كان دون ســانچو دي تروخيــو (ترجالــة)‪ ،‬كــاهن كاتدرائيــة إشــبيلية‪ ،‬والعضــو في ديــوان «العمــل المقـ ّدس»‪ .81‬وكـانت‬
‫األسقفية اعتباراً من ‪ 1248‬على صلة وثيقة بإشبيلية‪ ،‬حيث كانت ال ّرواتب تدفع من أموال الوقف التّابعة لهذه األبرشية‪ .‬لقــد ورد‬
‫التي أصبحت فيمــا بعــد كلّيّــة( ‪ San Telmo‬ذكر دون سانچو دي تروخيو بوصفه يملك عقود صكوك ملكية أبرشية سان تلمو‬
‫وأراضي تو ِّره بالنكا (البرج األبيض) في إقليم ال ّش َرف‪ .‬من غير الواضح في أيّة فترة منع ســلطان المغــرب حملــة لقب )بحرية‬
‫األسقف في تلك البالد من ممارسة شعائرهم فيها‪ ،‬ولكن األدلّة المتوفرة تشير إلى أنهم كانوا يمارسون ذلك حــتى عــام ‪.141282‬‬
‫ويعود تاريخ النّيابة األسقفية القائمة حاليا ً في المغرب إلى فترة بناء المستعمرات اإلسپانية في شمال أفريقيا في القــرنين ّ‬
‫الس ـادس‬
‫‪.‬عشر والسّابع عشر‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الجص والطّالء‬
‫ّ‬ ‫جزء من ال ّزخرفة في قصر إشبيلية‪ .‬كان إلى حين اكتشافه قبل بضع سنوات مغطّى بطبقةـ من‬
‫‪.‬الجيري ويجري ترميمهـ اليوم‪ .‬وهو جزء م ّما تبقى من قصر المعتضد بن َعبّاد ( ‪)1069 - 1042‬‬
‫الفصل الثّاني‬
‫أبناء غيطشة (ڤيتيتسا)‬
‫أن المؤ ّرخين‪ ،‬اإلسپان منهم واألجانب‪ ،‬لم يتتبعوا تاريخ أبناء الملك القوطي غيطشــة الــذي حكم قبــل رودريڠــو‬ ‫يبدو ّ‬
‫فـإن المغـامرات أو األحـداث الخطــيرة الــتي‬ ‫مباشرة‪ ،‬ومات بعد فترة قصـيرة من الغـزو اإلسـالمي في عـام ‪ .71183‬ومــع ذلـك ّ‬
‫تع ّرض لها هؤالء األمراء وذرّيتهم وما آل إليه مصيرهم ال تش ّكل فحسب فصالً رومنسيا ً في تاريخ إسـپانيا‪ ،‬وإنمـا كـان لهـا أثـر‬
‫‪.‬كبير على األحداث التي شهدتها القرون الثّالثة األولى للحكم اإلسالمي في شبه الجزيرة اإلسپانية‬
‫لقد ظل غيطشة‪ ،‬آخر الملوك القوط ال ّشرعيين‪ ،‬والثني عشر قرنا يحمل لقب «الخبيث»‪ .‬يمكننا أن نأخذ وجهــة نظــر‬
‫تمثّل نموذجا ً لوجهات نظر المؤ ّرخين الكنسيين عن هذا الملك‪ ،‬وذلك في الوصف الذي ق ّدمــه عنــه األب اليسـوعي ماريانــا الــذي‬
‫إن غيطشة بدأ حكمه بأسلوب حميد‪ ،‬فأعاد إلى كل من نفاهم أبوه ألقــابهم‬ ‫سن متق ّدمة في العام ‪ .1623‬فيقول هذا الكاتب ّ‬ ‫توفي في ّ‬
‫الصـعب‬‫وأراضيهم‪ ،‬وأحرق كل األوراق والسّجالت الحافلة بمعصياتهم حتى ال يبقى أي أثر لهــا‪ .‬ولكن‪ ،‬يضــيف ماريانــا‪« :‬من ّ‬
‫كبح جموح ال ّشباب والسّلطة بالمنطق والفضيلة واالعتدال»‪ .‬ويخبرنا الكاتب أن غيطشة كان مولعا ً بالنّساء‪ ،‬وكان يعامل خليالته‬
‫وكأنّهن زوجات شرعيات له‪ .‬و«لكي يج ّمل حالة الفوضى هذه ويب ّررها‪ ،‬ارتكب جريمة أشنع بأن أصدر قانونا ً أبــاح بــه للجميــع‬
‫صا ً لرجال الكنيسة المكرّسين لخدمــة هللا‪ ،‬لكي يــتزوّجوا‪ ،‬قــانون بغيض مقيت‪ ،‬لكنــه‬ ‫أن يفعلوا ال ّشىء نفسه‪ ،‬وأصدر تصريحا ً خا ّ‬
‫أشاع البهجة لدى األكثرية‪ ..‬كما أصدر قانونا ً يرفض االنصياع لألب المق ّدس‪ ،‬كان من شأنه أن يزيل أيّــة موانــع أو أقنعــة ويفتح‬
‫الطّ ريق على مصراعيه أمام دمار المملكة التي كانت حتى ذلك الوقت تنعم باالزدهار بفضل طاعتها لروما»‪ .‬وعالوة على ذلــك‬
‫‪.‬فإنه و«خالفا ً ألحكام القوانين المعمول بها منذ القدم»‪ ،‬سمح لليهود بالعودة إلى إسپانيا‪84‬‬
‫يوحي هذا التّشريع‪ ،‬إن ص ّح‪ ،‬أن غيطشة هو واضعه‪ ،‬أنه وبعيداً عن أن يكون في صورة الفاسق الماجن التي اشتهر‬
‫بها‪ ،‬فقد كان غيطشة حاكما ً متسامحا ً ومتنوّراً حاول أن يختـبر مــا يشـاع عن انعــدام أخالق رجـال الـ ّدين من خالل إلـزامهم بـأن‬
‫يتزوجوا‪ ،85‬كما أ ّكد استقاللية الكنيسة اإلسپانية‪ ،‬في حين أن إعادة اليهود ربما كانت على األرجح من أجــل المصــلحة التّجاريــة‬
‫الضـمنية الــتي تركهـا كتّــاب عاشـوا بعـد القــرن الثّــامن‬ ‫للبالد‪ .‬نحن لألسف نعتمدـ فيما نعرفه عن تشريع غيطشة على التّلميحات ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬بكثير بسبب ضياع قرارات سينودوس أو مجلس طُليطلة الثامن عشر‪ ،‬التي صدرت خاللها تشريعاته‪86‬‬
‫ي أساس تاريخي لما يرويه ماريانا عن طريقة تعامل غيطشة مع الكهنـة ومـع رومـا‪ ،‬فقـد كـانت هـذه‬ ‫إن كان هناك أ ّ‬
‫وحدها كافية لكي يتآمر رجال ال ّدين ويغيّروا تعاقب الخالفة ويعطوا العرش لرجل يخدم مصالحهم بصورة أفضل‪ .‬وتشير جملــة‬
‫أن هذا هو ما حصل‪ ،‬إلى ح ّد أن رودريڠو اجتاح المملكــة بإيعــاز من المجلس‪ .87‬ولكن من غــير‬ ‫أوردها إيسيدورو پاثنسيس إلى ّ‬
‫ُ‬
‫ولكن أذا تذكرنا سلطة الكنيســة الهائلــة على ال ّدولــة في المملكــة القوطيّــة‪ ،‬فلن نكــون ‪ Senate،‬الواضح ما الذي يعنيهـ بالمجلس‬
‫أن المــدوّن‬‫أن مــا يعنيــه إيســيدورو بــالمجلس هــو مجلس األســاقفة‪ .88‬علينــا كــذلك أن نتــذ ّكر ّ‬ ‫بعيــدين عن المنطــق إذا افترضــنا ّ‬
‫رودريڠو‪ ،‬بوصفه كبير أساقفة طُليطلة‪ ،‬كان قادراً على الوصول إلى محفوظات الكاتدرائية الــتي كــان يمكن في ذلــك الــوقت أن‬
‫تحتوي‪ ،‬إن لم تكن تحتوي على ذلك في أيامنا هذه‪ ،‬على بعض الوثائق الخاصّة بقانون غيطشة‪ ،‬وعليه فإنّه قد يكون هناك أساس‬
‫ضروري الموافقة على تفسيره لها‬ ‫‪.‬واقعي للمعلومات التي أوردها وإن كان من غير ال ّ‬
‫وصف الكتّاب المسيحيون ال ّدور الذي اضطلع به أبناء غيطشة خالل الغزو اإلسـالمي بأنـه خيانـة‪ ،‬ولكن المـؤرّخين‬
‫‪.‬العرب رسموا صورة مختلفة له‪ ،‬ونقلوا روايات عن أحداث ع ّدة مرتبطة بهذه ال ّشخصيات الملكية‬
‫يقول ابن القُوطيّة‪« 89‬إن آخر ملــوك القــوط باالنــدلس غيطشــة‪ ،‬تــوفي عن ثالثــة أوالد‪ ،‬أكــبرهم أل ُمنــد‪،‬ـ ثم رُ ُملــة‪ ،‬ثم‬
‫ك أبيهم بطُليطلة‪ ،‬وانحــرف لُــذريق (رودريڠــو)‪،‬‬ ‫أرطباش (أرطباس)‪ ،90‬وكانوا صغاراً عند وفاة أبيهم‪ ،‬فضبطت عليهم أمهم ُمل َ‬
‫‪.‬وكان قائداً لملك أبيهم‪ ،‬بمن يطيف به من رجال الحرب‪ ،‬فاحتل قُرطُبة»‪91‬‬
‫ينقل المقّري وقائع األحداث عن ع ّدة كتّــاب رووهــا مباشــرة قبــل الفتح اإلســالمي‪ ،‬ولكن ذلــك النّصّ الــذي كتبــه ابن‬
‫أن ابن القُوطيّة )‪، (Vol. I., p. 513‬القُوطيّة وترجمه ڠايانڠوس في مالحظته‬ ‫في كتابه عن المقّري‪ ،‬هو األكثر وضوحاً‪ .‬وبما ّ‬
‫فإن ما يكتبهـ يكتسب للوهلة األولى مصــداقية‬ ‫كان سليالً مباشراً لغيطشة كونه من ساللة أبناء حفيدته األميرة سارة أميرة إشبيلية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫أكبر من أي كاتب آخر‪ ،‬بشأن ال ّدور الذي اضطلع به األمراء القوط إبّان الفتح اإلسالمي‪ ،‬وإن كان ينبغي لنــا أن نتــذكر ّ‬
‫أن كتابــه‬
‫‪.‬يعود إلى قرنين بعد األحداث وأنّه ال ب ّد اعتمد بشكل ما على كتّاب سابقين‪ ،‬حتى فيما يتعلّق بأحداث مرتبطة بأجداده أنفسهم‬
‫بعد سرد ومناقشة نظريات وروايات مختلفة تتعلّق باألسباب المباشرة التي دفعت المسلمين إلى غــزو إســپانيا‪ ،‬يقــول‬
‫المقّري إنه في الوقت الذي كان رودريڠو يقيم به في قُرطُبة‪ ،‬دعا أبناء غيطشة لالنضمام إليه في محاربة العدو المشــترك‪ ،‬وأنهم‬
‫عسكروا بقواتهم «على ضفّة نهرها قبالة القصر‪ ،‬ولم يطمئنوا إلى ال ّدخول على لُذريق أخذاً بالحزم‪ ،‬إلى أن استتبّ جهاز لُــذريق‬
‫وخرج‪ ،‬فانض ّموا إليه ومضوا معه وهم مرصدون لمكروهه»‪ .‬لكن المقّري يضيف نقالً عن كتّــاب آخــرين‪ ،‬أن أوالد غيطشــة لم‬
‫يستجيبوا لنداء رودريڠو الذي اغتصب إرثهم‪ ،‬وأنهم على العكس من ذلك انضـ ّموا إلى طـارق بن زيـاد بكــل قـوّاتهم‪ .‬وال يجــزم‬
‫المقّري بصحّة أي من هذه الرّوايات‪« ،‬وهللا أعلم» كمــا يقــول‪ .‬إذ أن الكثــير من الغمــوض‪ ،‬كمــا يقــول المقّــري‪ ،‬يكتنــف كتابــات‬
‫جلوا أحداث األيام األولى للفتح اإلسالمي‪92‬‬ ‫‪.‬المؤرّخين الذين س ّ‬
‫أن الحوليّات المسيحية أغفلت تمامـا ً مصـير أبنــاء غيطشــة‪ .‬ولــوال التّفاصـيل الـتي أوردهـا الكتـاب العـرب عن‬
‫ّ‬ ‫يبدو ّ‬
‫ي حــال‪ ،‬بــات من الممكن‬ ‫أن الملك القوطي خلف وراءه أوالداً‪ .‬ولحســن الحــظ‪ ،‬على أ ّ‬ ‫حياتهم‪ ،‬لكان من الصّعب علينا أن نعرف ّ‬
‫تتبّع سيرتهم لبضعة أجيال بأسمائهم العربية‪ ،‬ونقترح أن نستعرض كيف حكموا عل مدى قــرنين كــاملين كملــوك على أراضــيهم‬
‫وممتلكاتهم‪ ،‬بفضل الثّروة التي ورثوها واكتسبوها‪ ،‬وإخالص قسم كبير من أبناء البالد لهم‪ ،‬والتّقدير الذي حملــه لهم أصــدقاؤهم‬
‫‪.‬المسلمون ومعارفهم‬
‫أن أبناء غيطشة‪ ،‬أو رسلهم وموفديهم‪ ،‬طلبــوا مســاعدة المســلمين الســتعادة أمالكهم‪ .‬يؤكــد «الــذهبي‬ ‫يبدو من المؤ ّكد ّ‬
‫وأفضل الكتّاب العرب» ذلك‪ ،93‬وهو أمر لم يؤكده رودريڠو الطّليطلي ولوكاس ابن توي فحسب‪ ،‬لما ألعمالهما من وزن‪ ،‬وإنما‬
‫إن أبنــاء غيطشــة أرســلوا في طلب المســاعدة من المســلمين‬ ‫‪ Saracens94‬كــذلك مؤلــف «الســجل السّيباســتياني» الــذي يقــول ّ‬
‫‪ Chronicon Albedense95.‬وأحضروهم إلى إسپانيا في سفن‪ ،‬وهو ما يؤ ّكده كذلك سج ّل‬
‫في روايته لألحداث التي سبقت الواقعة مباشرة يقول المقّري‪« :‬قــالوا وعســكر لُــذريق في نحــو مئــة ألــف ذوي عــدد‬
‫وع ّدة (‪ )...‬وأقبل نحوهم لُذريق في جموع العجم وملوكها وفرسانها‪ ،‬فتالقوا فيما بينهم وقال بعضهم لبعض‪ :‬إن هــذا ابن الخبيثــة‬
‫قد غلب على سلطاننا وليس من أهله وإنما كان من أتباعنا‪ ،‬فلسنا نعدم من ســيرته خبــاالً في أمرنــا‪ ،‬وهــؤالء القــوم الطّــارقون ال‬
‫حاجة لهم في استيطان بلدنا وإنّما مرادهم أن يمألوا ايديهم من الغنائم‪ ،‬ثم يخرجوا عنّـا‪ ،‬فهل ّم فلننهـزم بـابن الخبيثـة إذا نحن لقينـا‬
‫‪.‬القوم لعلهم يكفوننا إياه‪ ،‬فإذا انصرفوا عنا أقعدنا في ُملكنا من يستحقه‪ ،‬فأجمعوا على ذلك‪ ،‬والقضاء يبرم ما ارتأوه‬
‫وكان لُذريق ولّى ميمنته أحد أبناء غطيشة‪ ،‬وميسرته اآلخر فكانا رأسـي الـذين أداروا عليـه الهزيمـة‪ ،‬وأ ّداهمـا إلى«‬
‫ك والدهما إليهما‬ ‫‪.‬ذلك طمع رجوع ُمل ِ‬
‫أن لُذريق كــان تابع ـا ً«‬
‫وقيل‪ :‬لما تقابل الجيشان أجمع أوالد غطيشة على الغدر بلُذريق‪ ،‬وأرسلوا إلى طارق يعلمونه ّ‬
‫وخادما ً ألبيهم فغلبهم على سلطانه بعد مهلكه وأنهم غير تاركي حقهم لديه‪ ،‬ويسألونه األمان على أن يميلوا إليــه عنــد اللقــاء فيمن‬
‫يتبعهم‪ ،‬وأن يسلّم إليهم ضياع والدهم باألندلس كلها‪ ،‬وكانت ثالثة آالف ضيعة نفائس مختارة‪ ،‬وهي التي س ّميت بعدـ ذلــك صــفايا‬
‫الملوك‪ ،‬فأجابهم إلى ذلك وعاقدهم عليه‪ ،‬فالتقى الفريقان من الغد‪ ،‬فانحاز األوالد إلى طارق‪ ،‬فكان ذلك أقوى أسباب الفتح‪ ،‬وكان‬
‫االلتقاء على وادي ل ّكة من كورة شذونة‪ ،‬فهزم هللا الطّاغية لُذريق وجموعه‪ ،‬ونصـر المسـلمين نصـراً الكفـاء لـه‪ ،‬ورمى لُـذريق‬
‫‪.‬نفسه في وادي ل ّكة وقد أثقلته الجراح‪ ،‬فلم يُعلم له خبر ولم يوجد»‪96‬‬
‫من غير المعقول أن يكون رودريڠو‪ ،‬الذي قام على وجه التّأكيد بإزاحة أبناء غيطشة عن عــرش أبيهم وانــتزع منهم‬
‫ميراثهم‪ ،‬قد وثق بهم لكي يتولّوا مراكـز قياديــة مه ّمـة في جيشــه في تلــك المعركـة الحاســمة‪ .‬باإلضـافة إلى ذلـك‪ّ ،‬‬
‫فـإن المسـاحة‬
‫ال ّشاسعة من األراضي التي استعادوها‪ ،‬والمسجّلة بكامل تفاصيلها‪ ،‬من الصّعب أن تكــون ُمنحت لهم مقابــل خــدمات ق ـ ّدموها في‬
‫معركة واحدة خاضها ثالثـة شـبّان بالكـاد بلغـوا الحُلم وبـاتوا قـادرين على ركـوب خيلهم‪ .97‬ولكن إن كـان الغـزو بأكملـه نتيجـة‬
‫معاهدة وقعّها األمراء ومؤيّدوهم مع طارق بن زياد أو موسى بن نُصير‪ ،‬على أسـاس أن تُعـاد إليهم أمالكم‪ ،‬اعتبــاراً لمـا لهم من‬
‫نفوذ على أتباعهم‪ ،‬تصبح المسألة واضحة‪ .‬وما يدعم وجهة نظرنا هذه‪ ،‬وكما سنرى‪ ،‬أن ك ّل جنــوب غــرب األنــدلس عمليـا ً حــذا‬
‫حذوهم في الخضوع أو التّحالف مع الغزاة في األيام األولى من الغزو‪ .‬يبدو في الواقع وكأن كــل ســكان ذلــك الجــزء من إســپانيا‬
‫كان مخلصا ً لساللة غيطشة ومستع ّداً للقبول بالظّروف الجديدة فيما آلت إليه األمور‪ ،‬حيث لم تصدر المعارضــة ســوى عن فرقــة‬
‫‪.‬صغيرة مؤيدة لرودريڠو‬
‫غالبا ً ما تُعزى المقاومة الضّعيفة الــتي أبــدتها منــاطق جنــوب غــرب إســپانيا أمــام الفتح اإلســالمي إلى رخــاء العيش‬
‫والمناخ المعتدل لألندلس التي استنزفت طاقة القوط‪ .‬ولكن تلك الفرضية تتهاوى أمام ما نعرفه عن المقاومــة العنيـدة الـتي أبــدتها‬
‫بعض المدن المعزولة ‪ -‬مثل ماردة ‪ -‬حيث كان فريق رودريڠو هو المسيطر‪ ،‬والنّضال الطّويل الذي استم ّر والذي سنتطرّق إليه‬
‫كما كانت وظلّت تسمى إشبيلية واألقاليم المحيطة بها لقرون الحقة‪ .‬في حين ‪ la tierra de Sevilla،‬الحقا على أرض إشبيلية‬
‫أنه في حال كان استنتاجنا بقيام تحالف مع طارق بن زياد وموســى بن نُصــير صــحيحاً‪ ،‬يصــبح استســالم المــدن ذوات األســوار‬
‫‪.‬المحصنة مثل إشبيلية وقرمونة مع قليل من المقاومة أو دون مقاومة على االطالق‪ ،‬مفهوما ً‬
‫إن مجمل التّعامل مع عائلة غيطشة‪ ،‬ليس من جانب الغزاة فحسب‪ ،‬وإنمــا كــذلك الخليفــة األمــوي في دمشــق‪ ،‬يظهــر‬ ‫ّ‬
‫األهمية التي أُوليت للنّوايا الحسنة التي أبداها هـؤالء األمـراء‪ .‬ففي فـترة الفتح اإلسـالمي وفيمـا بعـد‪ ،‬عنـدما زار أحفـاد غيطشـة‬
‫قصر الخليفة األموي الوليد بن عبد الملك في دمشق‪ ،‬أعيد االعتراف بمكانة العائلة الرّفيعة‪ ،‬واستقبِل أبناؤها كضــيوف مك ـرّمين‬
‫‪.‬وليس كأعداء مهزومين‬
‫أن قيام غيطشة بهدم أسوار أكثر المدن تحصينا ً أسهم في تسهيل مه ّمــة‬ ‫يخبرنا رودريڠو الطّليطلي ولوكاس ابن توي ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الفاتحين المسلمين‪ .‬ولكن الكتّاب المسلمين لم يشيروا بتاتا إلى تخريب تلك الحصون‪ ،‬وإن صــدقت ســجالت القــرن الثــالث عشــر‬
‫فقد كان ينبغي أن تكون األسوار المه ّدمة ظاهرةً للعيان في جميع االتجاهات إبّان الغزو الذي حصل بعد خمس سنوات تقريبا ً من‬
‫تنفيذ أمر الهدم وفق الحوليّات‪ .‬على العكس من ذلك‪ ،‬لقد أشار الكتّاب العرب باستمرار إلى المدن المس ـوّرة الــتي استســلمت بعــد‬
‫توقيع معاهدات معها أمام التّق ّدم الكبـير للفـاتحين‪ ،‬وأعربـوا عن اإلعجـاب الـذي أثارتـه في اذهـانهم عظمـة ومنعـة تلـك المبـاني‬
‫‪.‬المهيبةـ والطّرق والجسور التي تركها ال ّرومان‪ ،‬والتي أمر القادة المسلمون على الفور بإصالح ما خرب منها‬
‫وبعد هزيمتهم في المعركة التي دارت عند بحيرة الڠونا دي ال خاندا ‪ ،98‬انسحبت فلول جيش رودريڠو‪ 99‬إلى مدينة‬
‫أسيدو التي تعرف حاليا ً باسم مدينةـ صيدونيا‪ ،100‬في محافظة قادس والتي تشرف على السّهول الواقعة تحتها من ارتفــاع شــاهق‬
‫‪:‬يجعل أيّة محاولة لمهاجمتها صعبة جداً‪ .101‬وكتب المقّري عما حدث حينها على ال ّشكل التّالي‬
‫وتسامع النّاس من أهل بـ ّر العــدوة بــالفتح على طــارق باالنــدلس وســعة الغنــائم فيهــا‪ ،‬فـأقبلوا نحــوه من كــل وجــه‪«،‬‬
‫وخرقوا البحر على كل ما قدروا عليه من مركب وقشر‪ ،‬فلحقوا بطارق‪ ،‬وارتفع أهل األنـدلس عنـد ذلـك إلى الحصـون والقالع‪،‬‬
‫وتهاربوا من السّهل ولحقوا بالجبال‪ ،‬ثم أقبل طارق حتى نزل بأهل مدينة شذونة‪ ،‬فامتنعوا عليه‪ ،‬فش ّد الحُصر عليهم حــتى نهكهم‬
‫وأضرّهم‪ ،‬فتهيأ له فت ُحها عنوة‪ ،‬فحاز منها غنائم‪ ،‬ثم مضى منها إلى مورور [وربما مورون]‪ ،‬ثم عطف إلى قرمونة فم ـ ّر بعينــه‬
‫المنسوبة إليه‪ ،‬ثم مال على إشبيلية فصالحه أهلها على الجزية‪ ،‬ثم نازل أهل إستجة وهم في قوة ومعهم فل عسكر لُذريق‪ .‬فقــاتلوا‬
‫ق المسلمون فيما بعد ذلك‬ ‫إن هللا تعالى أظهر المسلمين عليهم فانكسروا‪ ،‬ولم يل َ‬ ‫قتاالً شديداً حتى كثر القتل والجراح بالمسلمين‪ ،‬ثم ّ‬
‫‪.‬حربا ً مثلها»‪102‬‬
‫‪ (p. 276):‬يكتسب ذكر جيش رودريڠو هنا أهمية كما هي الحال بالنّسبة للجملة التّالية‬
‫وقذف هللا ال ّرعب في قلوب الكفرة لما رأوا طارقا ً يوغل في البالد‪ ،‬وكــانوا يحســبونه راغبـا ً في المغنم عــامالً على«‬
‫السـهول إلى المعاقــل‪ ،‬وصــعد ذوو القــوة منهم إلى دار مملكتهم طُليطلــة»‪ 103‬بهــدف‬ ‫فسـقط في أيــديهم‪،‬ـ وتطــايروا عن ّ‬
‫القفــول‪ُ ،‬‬
‫صمود والمقاومة داخل أسوارها‬ ‫‪.‬ال ّ‬
‫‪.‬يتعيّن علينا اآلن أن نعود إلى األمراء القوط‬
‫بعد معركة بحيرة ال خاندا مباشرة‪ ،‬طلبوا من طارق أن يسلّمهم رسالة إلى قائده موسى بن نُصــير في شــمال أفريقيــا‬
‫يشرح فيها االتفاق الذي عاهدهم عليه؛ فأجابهم طارق بما طلبوا لكن موسى بن نُصير لم يشأ أن يتح ّمل مســؤولية اتخــاذ القــرار‪،‬‬
‫ضياع والدهم وعقد لكــل‬ ‫فأرسلهم إلى الخليفة أمير المؤمنين في ال ّشام‪« ،‬فل ّما وصلوا إلى الوليد أكرمهم وانفذ لهم عهد طارق في ِ‬
‫أن الخليفة عامل أوالد غيطشة بسخاء‪ ،105‬وكان يمكن أن يوصف تعاملــه معهم بأنــه مبــالغ‬ ‫واحد منهم سجالً»‪ .104‬يبدو من ذلك ّ‬
‫الشـكوك‪ .‬فقــد كــان األمــراء‬ ‫أن عدم اكتراث الوليد لهم كــان ســيثير ّ‬ ‫به لو أنهم جاؤوا ضارعين متوسّلين عطف فاتح بالدهم‪ .‬كما ّ‬
‫ً‬
‫أن الخليفــة كــان مــدركا لهــذا‬ ‫القوط في موقع يجعلهم قادرين على إثارة البلبلة إن لم يعلنوا والءهم لقادة األندلس الجدد‪ ،‬وال شــك ّ‬
‫الواقع‪ .‬لقد كان مسيحيّو إشبيلية قد ثاروا على الحامية الصّغيرة التي تركها موســى بن نُصــير هنــاك‪ ،‬وقتلــوا ثالثينـ من رجالهــا‪،‬‬
‫ماردة‪106‬‬ ‫‪.‬وأرغموا الباقين على االلتحاق بالجيش الذي كان يحاصر ِ‬
‫لم يكن قد وصل البالد عد ٌد كبير من المسلمين وكانوا مو ّزعين في مناطق ع ّدة‪ ،‬وعليه فلو أن ال ّشكوك انتــابت القــوط‬
‫كالسـاعين إلى الحصـول على‬ ‫ّ‬ ‫بـأن األمـراء ّ‬
‫السـاعين الســتعادة أمالكهم إنمــا عوملـوا‬ ‫الرّاغبين في السّلم في جنوب غـرب البالد ّ‬
‫‪.‬عطايا‪ ،‬لكان الوضع أكثر خطورة م ّما نقله الكتاب العرب‬
‫بأن الخليفة الوليد فعل قُصارى جهده إلرضاء األمراء‪ .‬فهو لم يص ّدق فقــط على‬ ‫وأيّا ً كانت حقيقة األمر‪ ،‬فما من شك ّ‬
‫االتفاق الذي عقدوه مع طارق بن زياد‪ ،‬بل أعطى كالً منهم وثيقة إضافية تضمن لهم ولــذريتهم من بعــدهم ملكيــة كــل األراضــي‬
‫‪.‬المذكورة في المعاهدة وتحميهم من تعرضهم للسّلب من جانب العرب الوافدين لإلقامة فيها‬
‫ضـياع والــدهم أجمــع‪ ،‬واقتســموها على موافقــة منهم‪ ،‬فصـار‬ ‫وعن ذلــك كتب المقّــري‪« :‬فقـ ّدموا األنــدلس‪ ،‬وحــازوا ِ‬
‫ً‬
‫لكبيرهم أل ُمندـ ألف ضيعة في غرب األندلس فسكن من أجلها إشبيلية مقتربا منها‪ ،‬وصار ألرطباش [أرطباس] ألف ضيعة‪ ،‬وهـو‬
‫تِلوه في السّن‪ ،‬وضياعه في موسطة األندلس‪ ،‬فسكن من أجلها قُرطُبة‪ ،‬وصار لثالثهم وقلة [ ُر ُملة] ألف ضيعة في شرقي األندلس‬
‫وجهة الثّغر‪ ،‬فسكن من إجلها مدينة طُليطلة‪ ،‬فكانوا على هذه الحال صدر ال ّدولة العربية‪ ،‬إلى أن هلك أل ُمند كبيرهم‪ ،‬وخلّف ابنتـه‬
‫‪.‬سارة المعروفة بالقُوطيّة وابنين صغيرين»‪107‬‬
‫ولم تنت ِه معاملة المسلمين ألبناء غيطشة عند هذا األمر‪ ،‬ففور االستيالء على طُليطلة‪ ،‬تم تعيينـ األسقف أوباس‪ ،‬أخي‬
‫غيطشة‪ ،‬حاكما ً على المدينةـ‪ ،108‬في حين عاد موسى بن نُصير إلى دمشق بأمر من الخليفة‪ ،‬وواصل طــارق بن زيــاد حملتــه في‬
‫بـأن طـارق بن زيـاد وموسـى بن نُصـير قامـا بغـزو إسـپانيا كحليفين ألبنـاء الملـك‬ ‫شمال إسپانيا‪ .‬ونحن نق ّر بأن كـل هـذا يظهـر ّ‬
‫بأن الهدف األول من الغزو كان إعادة ملكهم إليهم بوصفهم الوارثين ال ّشرعيين لغيطشة‪ .‬لقد‬ ‫ال ّشرعي‪ ،‬الذين حُملوا على االعتقاد ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫جاءت المقاومة ال ّرئيسية من أنصار رودريڠو (لذريق) مغتصب العرش‪ .‬لكن المؤ ّرخين العرب‪ ،‬سواء فعلوا ذلك عمــدا أم بغــير‬
‫قصد‪ ،‬أخفوا الوقائع وموّهوا السّبب الحقيقي للغزو لكي ينسبوا المجد كله ألبناء أ ّمتهم‪ .‬وهي رؤية لدور المؤرّخ ال تنســجم ســوى‬
‫‪.‬مع األفكار السّائدة في ذلك الوقت‪109‬‬
*   *   *
‫‪.‬بوابة إشبيلية في قرمونة‪ :‬أعمال رومانية مع إضافات إسالميّة‬
‫الفصل الثّالث‬
‫الساللة المولّدين الملكيّة‬
‫الشـرعيين والــتي ورد ذكرهــا كثــيراً في تــاريخ األنــدلس في القــرن‬ ‫تتع ّددـ العائالت المتح ّدرة من آخــر ملــوك القــوط ّ‬
‫التّاسع‪ ،‬بحيث أننا عملنا على رسم شجرة عائلـة لكــل منهـا انطالقـا ً من الجـ ّد األول في الجـداول الملحقــة بهـذا الكتـاب‪ .‬وأوردنــا‬
‫المراجع التي استندنا إليها في رسم تسلسل كل شخص‪ ،‬وأضفنا استفساراً بالقرب من أسماء أولئك الــذين افترضــنا أنهم من أبنــاء‬
‫الذ ّر ية في غياب سجالت ومراجع تدعم ذلك‪ ،‬أو أننا لم نتمكن من العثور عليها‪ .‬نأمل أن يجد القارىء بمساعدة هذه الجداول‬ ‫تلك ّ‬
‫صعوبة أق ّل في تتبع العالقات المعقّدة للمولّدين (ذوي األصل أو النّسب المختلـط) مــع اإلسـپان من جهـة‪ ،‬ومــع العـرب من جهـة‬
‫‪.‬ثانية‪ ،‬خالل فترة متشابكة ومعقّدة من الحرب األهلية‬
‫إن ُر ُملــة حصـل على ألـف مزرعــة (ضـيعة) في الثّغـر‪ ،‬واختــار العيش في‬ ‫يقول المقّري (مراجعة الفصل ّ‬
‫السـابق) ّ‬
‫‪.‬طليطلة لالعتناء بها ومتابعتها‬ ‫ُ‬
‫خالل فترة حكم األمويين لقُرطُبــة‪ُ ،‬عــرفت األراضــي التّابعــة لطُليطلــة باســم الثّغــر األدنى‪ ،‬في حين ّ‬
‫أن تلــك التّابعــة‬
‫آلراغون سميت الثّغر األعلى‪ .110‬وبين أراضي ُر ُملـة في منطقـة طُليطلـة وتلـك الـتي كـان يملكهـا أخـوه أرطبـاس‪ ،‬في «وسـط‬
‫األندلس» يمتد جبل ال ّشارات (سييرّا مورينا) ويم ّر عبره الطّريق ال ّرئيسي إن لم يكن الوحيد المستخدم حاليا ً للسّكك الحديديّةـ كما‬
‫‪ Despeñaperros‬يعبره الطّريق السّريع من الجنوب باتجاه طُليطلة ومدريد‪ .‬يعرف هذا الممر أو الوادي باسم ديسپينياپيرّوس‬
‫بوصـفها واحـدة من مـدن أورتانيـا الرّاقيـة‪ Strabo ،‬ويقع بالقرب من بقايا كاستولو الرّومانية والتي كتب عنهـا سـترابو ‪pass‬‬
‫وفي اإلســپانية ‪ Kashtalah112‬لقد أصبح اسم كاستولو في العربية كشطالى ‪ Baetica111.‬بالقرب من الحدود ال ّشرقية لباطقة‬
‫ولم يبق من مدينةـ كاثلونا اليــوم سـوى مزرعــة تعــرف بــذاك اإلســم‪ .‬وتوجــد في داخــل المزرعــة بقايـا آثــار ‪ Cazlona.‬كاثلونا‬
‫رومانية بينها ح ّمامات ومد ّرج روماني‪ ،‬ويقطع النّهر جسر حجري نُقشت أسفله كتابات رومانية يمكن قراءتهــا من على مــركب‬
‫فوق النّهر‪ .‬وعلى تلة مرتفعة قليال‪ ،‬على بعدـ أقل من مئة متر‪ 113‬خارج األسوار ال ّرومانية‪ ،‬توجد بقايا القلعـة اإلســالميّة المنيعــة‬
‫‪.‬التي ذكرها دوزي وغيره من الكتّاب‪114‬‬
‫أن الغزو تم‪ ،‬كما نعتقد‪ ،‬في الظّاهر أو في الحقيقة بهدف رئيسي هــو إعــادة ملــك غيطشــة إلى أبنائــه‪ ،‬يمكننــا أن‬ ‫ولو ّ‬
‫نفهم خشية موسى بن نُصير من القالقل التي كان يمكن أن تنشأ عن اندفاع طارق بن زياد في طُليطلة‪ ،‬التي كان أهلهــا يــتر ّددون‬
‫بين والئهم لرودريڠو وأبناء الملك غيطشة‪ ،‬حيث كان من شأن التّعامل بحكمة ودپلوماسية أن يحقّق مزيداً من االنتصــارات دون‬
‫بأن موسى بن نُصير حاول وقف تق ّدم طارق بن زياد السّريع ألنه كـان يغـار‬ ‫سفك لل ّدماء‪ .‬يبدو هذا األمر أكثر ترجيحا ً من القول ّ‬
‫ألن موسى بن نُصير كان قائداً عسكريا َ ورجل دولة ذا مكانة عالية لكي يخشــى من أن يحـ ّل القائــد الــبربري مكانــه‪.‬‬ ‫من نجاحه‪ّ ،‬‬
‫‪.‬لكن وإثر وفاة الخليفة الوليد المبكرة قام خليفته وأخوه سليمان‪ 115‬بعزل موسى بن نُصير‪ ،‬فلم تعد حنكته السّياسية تجديه نفعا ً‬
‫حكم أل ُمند المناطق التي ُمنحت له في إقليم إشبيلية‪ ،‬واستق ّر أرطباس في كاثلونا أو جيان‪ ،‬و ُر ُملــة مــع عمــه المطــران‬
‫أوباس في طُليطلة‪ .‬لقد كانوا جميعهم رجاالً عظاما ً وهم ال شك كان يمكن أن يش ّكلوا خصوما ً مرهـوبي الجـانب للحكم اإلسـالمي‬
‫لو ق ّر روا االتحاد في مواجهته‪ .‬ولكن الخليفة الوليد‪ ،‬أو وزيره موسى بن نُصير‪ ،‬أدركا بال شك ما سيصــيب حكمهم ونفــوذهم من‬
‫الـوهن بعـد قسـمة منـاطق نفـوذ القـوط إلى ثالثـة أقسـام وتـرتيب األمـور بحيث أن األخـوة الثّالثـة‪ ،‬وفي حين تم االعـتراف بهم‬
‫كأمراء‪ ،‬كانوا مرغمين على التّخلّي عن المطالبة بالعرش‪ .‬كـانت غايـة الخليفـة الـذي ضـمن لهم اسـتعادة أمالكهم أن يتقاسـموها‬
‫أن كالً من االمراء حصل على «ألف ضيعة» ال أكثر وال أقل‪ .‬وهذه القسمة المتساوية‬ ‫جميعهم وبالتّساوي‪ .‬وجاء في وثيقة العهد ّ‬
‫أن أكــبرهم حصــل‬ ‫ي من الثّالثة أن يطالب بالسّيادة على أخويه‪ ،‬وهو ما كــان يمكن أن يحــدث لــو ّ‬ ‫ذاتها تجعل من الصّعب على أ ّ‬
‫‪.‬على حصة األسد من األمالك‬
‫بالصـدفة‪ .‬ولــو أنــه أتيح لموســى بن نُصــير أن يكمــل سياســة‬ ‫ّ‬ ‫لم يكن أمر قسمة األمالك على األخوة الثّالثة محكومـا ً‬
‫المصالحة التي اعتمدها‪ ،‬لكان جيالن من المصـاهرة كفيلين بجعــل الـ ّدويالت القُوطيّــة متراسـا ً حصــينا ً للمســلمين في وجــه تقـ ّدم‬
‫مسيحيي ال ّشمال الذين‪ ،‬تبعا ً للمعلومات المتوفرة‪ ،‬كان يقـودهم في الفـترات األولى هـاربون من فلـول جيش رودريڠـو المعـادون‬
‫للمسلمين وألبناء غيطشة على ح ّد سواء‪ .‬ولكن خطط موسى بن نُصير والخليفـة الوليـد الحكيمــة لم يكتب لهـا االســتمرار‪ ،‬ونجـد‬
‫اليوم أن المولّدين‪ ،‬وهم مختلطو النّسب‪ ،‬وكثيرون منهم من أحفاد األمراء الثّالثــة‪ ،‬يقــودون حربـا ً أهليــة في األنــدلس‪ .‬لقــد كــانت‬
‫‪.‬حربا ً ضروسا ً امت ّدت لفترات طويلة بحيث ه ّددت مراراً بإطاحة الخالفة األموية‬
‫تولّى األمير أل ُمند‪ ،‬كما ذكر سابقاً‪ ،‬على ألف مزرعة في الجنوب الغربي‪ ،‬في قلب األراضي المسلمة‪ ،‬وتمتّع بسيادته‬
‫‪.‬على أمالكه حتى مماته قبل سنة ‪ ،745‬استناداً إلى االستنتاج المنطقي لألدلة المتوفرة‬
‫بعد وفاة أل ُمند‪ ،‬استولى أخوه أرطباس على أمالكه وليس المسلمون كما يمكن للبعض أن يتوقّعوا‪ .‬هذا مــا يقولــه على‬
‫يشـذ عن طبـاع أرطبـاس كمـا وصـفه ابن القُوطيّـة نفسـه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫األقل المؤلفون العرب‪ ،‬ومن بينهم ابن القُوطيّة‪ ،‬وإن كان هذا ّ‬
‫السـلوك‬
‫يورد پونس‪ 116‬هذه المعلومات نقالً عن ترجمة غير منشورة لتاريخ ابن القُوطيّة أعدها خوليان ريبيرا‪ ،‬وتســتحق أن تــترجم إلى‬
‫‪.‬اإلنكليزية نظراً لقلة المعلومات المتوفّرة عن األمراء القوط وأسلوب عيشهم‬
‫أن عبــد الـرّحمن بن معاوية‪ 117‬أمــر بمصــادرة المــدن الواقعــة‬ ‫ونقل پونس عن ترجمة ابن القُوطيّة مقطعـا ً ورد فيــه ّ‬
‫تحت سلطة أرطباس وذلك ألن قلبه امتأل بالحسد عندما رأى‪ ،‬خالل خروجه في رحلة معه‪ ،‬بالقرب من مقر إقامته «عــدداً غــير‬
‫قليل من الهدايا» التي اعتاد النّاس أن يق ّدموها له في كل محطّة من محطاته خالل زيارته للقرى التّابعة له‪ .‬لقد صــودرت أرضــه‬
‫واعطيت إلى أبناء أخي عبـد الـرّحمن‪ ،‬وبـات أرطبـاس معـدماً‪ .‬فـذهب إلى قُرطُبـة وطلب من الحـاجب ابن بُخت أن يسـتأذن لـه‬
‫‪.‬األمير ليراه‪118‬‬
‫‪:‬قصد أرطباس «قُرطُبة‪ ،‬وأتى إلى الحاجب ابن بُخت‪ ،‬فقال له‬
‫استأذن لي على األمير‪ ،‬أبقاه هللا‪ ،‬وإني أتيتـه ألتـو ّدع منـه‪ ،‬فـدخل الحـاجب واسـتأذن لـه‪ ،‬فأدخلـه عبـد الـرّحمن بن«‬
‫معاوية إلى نفسه‪ ،‬فنظر إليه في هيئة رثّة‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أرطباش‪ ،‬ما بلغ بك هاهنا؟ فقــال لــه‪ :‬أنت بلّغتــني هاهنــا‪ .‬حُلتَ بيــني وبين‬
‫ضياعي‪ ،‬وخالفت عهود أجدادك ف ّي بال ذنب يوجب ذلك عل ّي‪ ،‬فقال له‪ :‬وما هذا التّوديع الذي تريد أن تتــو ّدع مــني؟ أظنــك تريــد‬
‫التّوجه إلى رومة؟‪ 119‬قال‪ :‬ال ولكنه بلغني أنك تريد التّوجه إلى ال ّشام‪ ،‬قال له‪ :‬ومن يتركني أرجع إليها وبالسّيف أُخرجت عنهــا؟‬
‫قال له أرطباش‪ :‬فهذا الموضع الذي أنت فيه تُريد أن توطِّد لولدك بعدك أم تأخذ منه ما أعطيتُك بنفسي؟‪ 120‬قــال لــه‪ :‬ال وهللا‪ ،‬مــا‬
‫‪».‬أريد إال أن أوطّده لنفسي ولولدي‬
‫وهنا قال أرطباس‪ ،‬دون مداورة أو استطراد‪ ،‬كل ما كان النّاس يأخذونه على عبــد الـرّحمن‪ ،‬فسـ ّر عبــد الـرّحمن من‬
‫كالمه وأبدى له امتنانه‪ ،‬وأمر بإعادة عشرين ضيعة من ضياعه إليه‪ ،‬وكساه بأجمل الثّياب‪ ،‬وح ّمله بالهدايا‪ ،‬وواّل ه القُماسة‪ ،‬فكان‬
‫‪.‬أول من يتولّى منصب القومس في إسپانيا‪122 121‬‬
‫إن «هللا حفـظ ارطبـاش في‬ ‫أن ابن القُوطيّة نقل عن استاذه ال ّشيخ الموقر مح ّمد بن ُع َمر ابن لُبابة‪ ،‬قولـه ّ‬‫ويتابع پونس ّ‬
‫فقره‪ ،‬ألنّه كان رجالً من خيرة ال ّرجال»‪ ،‬وسرد قصة طويلة رواها عنه ابن لُبابة الذي سمعها من أقرانـه حـول تعامـل أرطبـاس‬
‫حزم البوّابين»‪123‬‬ ‫‪.‬مع عشرة من األشراف ال ّشاميين‪،‬ـ ومن بينهم «ميمون العابد‪ ،‬ج ّد بني َ‬
‫أن أرطبــاش كــان‬ ‫كتب ابن القُوطيّة‪« :‬وحكى ال ّشيخ [مح ّمد بن ُع َمر] بن لُبابة‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬ع ّمن أدركــه من ّ‬
‫الشـيوخ‪ّ :‬‬
‫من عقالء ال ّرجال في أمر دنياه‪ ،‬وأنه دخل عليه عشرةُ من ال ّشاميين‪ ،‬فيهم‪ :‬أبو عثمان‪ ،‬وعبد هللا بن خالد‪ ،‬وأبو عبدة ويوسف بن‬
‫صميل بن حاتم‪ ،‬فسلموا وجلسوا على الكراسي المحيطة بكرســيه‪ ،‬فلمــا أخــذوا مقاعــدهم‪ ،‬وحيّــا بعضــهم بعضـاً‪ ،‬دخــل‬ ‫بُخت‪ ،‬وال ّ‬
‫الشـاميين‪ ،‬فلمــا رآه أرطبــاش داخالً قـام إليــه والتزمــه وجعــل يقــوده إلى‬ ‫ميمون العابد‪،‬ـ ج ّد بني َحزم الب ّوابين‪ ،‬وهو أحد المــوالي ّ‬
‫بالذهب والفضة‪ ،‬فأبى الرّجل الصّالح الجلوس عليــه‪ ،‬وقــال لــه‪ :‬ال يحـ ّل لي هــذا‪ ،‬وجلس في‬ ‫كرسيّه الذي قام منه‪ ،‬وكان مص ّمداً ّ‬
‫أن ثواءنـا ال يطــول فيــه‪ ،‬ولم‬ ‫األرض فجلس معه ثم قال له‪ :‬ما جاء بمثلك إلى مثلي؟ فقال له ميمون‪ :‬قـدمنا إلى هــذا البلـد وظننــا ّ‬
‫نستعد لل ُمقام‪ ،‬فحدث من االضطراب على موالينا بالمشرق ما نتوهّم أنا ال نعود إلى موضعنا منه‪ ،‬وقد وسّع هللا عليــك‪ ،‬فأريــد أن‬
‫تعطيني ضيعة من ضياعك أعتمرها بيدي‪ ،‬وأؤ ّدي لك الحق منها‪ ،‬وآخذ الحق‪ ،‬فقال له أرطباش‪ :‬ال وهللا‪ ،‬ما أرضــى أن أعطيــك‬
‫ضيعةً مناصفةً‪ ،‬ودعا بوكيل له‪ ،‬فقال له‪ :‬ادفع إليه المج ّشر (المرعى) الذي على وادي َشوش‪ ،‬وما فيه من البقــر والغنم والعبيــد‪،‬‬
‫حزم ملكه»‪124‬‬ ‫‪.‬وادفع اليه القلعة بجيان‪ ،‬وهي المعروفة بقلعة َ‬
‫وبعد مغادرة ميمون‪ ،‬الم األشراف ال ّشاميّون أرطباس على تصرفه السّخي مع «شخص معــدم فقــير» مقابــل إهمالــه‬
‫تمس ـكهم بعقيــدتهم‪ .‬فبعــد أن‬‫أن المسيحيين ما كانوا يخشون في ذلك الوقت إظهــار ّ‬ ‫لهم‪ .‬وكان رد أرطباس عليهم ملفتا ألنه يظهر ّ‬
‫ُ‬
‫ك ولو أخذك لم تنكرْ عل ّي ب َّر من بررت»‪ ،‬ثم يضــيف «وقــد َروينــا عن‬ ‫ْ‬
‫أن أدبهم لم يأخذ َ‬ ‫إن «أهل ديانتك يخبروننا ّ‬‫يقول للصّميل ّ‬
‫‪.‬المسيح‪ ،‬صلّى هللا عليه وسلم‪ ،‬أنه قال‪َ :‬من أكرم هللا من عباده وجبت كرامتُه على جميع خلقه»‪125‬‬
‫ورغم أن ترجمة شربونو البن القُوطيّــة تســرد األحــداث نفســها الــتي أوردهــا پــونس‪ ،‬فإنهــا تختلــف عنهــا في بعض‬
‫إن «الهدايا العديدة» التي مألت صدر عبد الرّحمن بن معاوية حسداً‪ ،‬كانت ُمهــداة من أتبــاع أرطبــاس‪ّ ،‬‬
‫وإن‬ ‫التّفاصيل‪ .‬فهو يقول ّ‬
‫مصادرة أمالك أرطباس أرغمته على اللجوء إلى أبناء أخويه‪ .‬وهذا أكثر ترجيحا ً مما ُذكر بشأن أبنــاء أخــوة عبــد ال ـرّحمن فيمــا‬
‫أورده پونس‪ .‬فعبد الرّحمن كان األخير في ساللته‪ ،‬ما عدا بعض أبنـاء عمومتـه‪ ،‬إذ قتـل العبّاسـيون كـل أفـراد عائلتـه قبـل فـترة‬
‫‪.‬قصيرة‪126‬‬
‫إن عبد ال ّرحمن أعاد إلى أرطباس عشرين «إقطاعية» بدالً من عشــرين «قريــة» كمــا يــورد پــونس‪.‬‬ ‫ويقول شربونو ّ‬
‫‪.‬واإلقطاعية يمكن أن تض ّم عدة قرى‪ ،‬وهذا يشرح استعادة األمير سريعا ً لثروته ونفوذه‬
‫ونجد في ترجمة وقائع زيارة األشراف ال ّشاميين بعض المقاطع الموحية التي اغفلها پونس وڠايــانڠوس ووردت في‬
‫صميل بن حاتم الم أرطباس واعتبره غير جدير بعــرش أبيــه ألنــه يفعــل الخــير في غــير أهله‬ ‫رواية المقّري الذي نقل كيف أن ال ّ‬
‫‪127.‬‬
‫وفي روايته لتلك الواقعة‪ ،‬يقول ابن القُوطيّة في كتاب «افتتاح األندلس»‪« :‬فشكر (ميمون) وقام‪ ،‬وعاد أرطبــاش إلى‬
‫الصـميل‪ :‬يــا أرطبــاش‪ ،‬مــا يعجــزك من‬ ‫بالذهب والفضة]‪ ،‬فقال لــه ّ‬ ‫مقعده [أو عرشه كما يبدو من األص ّح أن نسمي كرسيا ً ملبَّسا ً ّ‬
‫سلطان أبيك إال نفاد الطّ يبة‪ ،‬أدخل عليك وأنا سيد العرب باألندلس‪ ،‬ويدخل أصحابي هؤالء معي وهم سادات المــوالي باألنــدلس‪،‬‬
‫فال تُ ِزدنا من الكرامة على القعود على العيدان‪ ،‬ويدخل هذا ال ّس َّوال فتصير من إكرامه إلى حيث صرت‪ ،‬فقال له أرطباش‪ :‬يا أبــا‬
‫الصـميل أ ّميـا ً ال يقــرأ وال يكتب‬
‫يأخذك‪ ،‬ولو أخذك لم تنكر عل ّي بِ ِّر من بــررت‪ ،‬وكــان ّ‬ ‫ْ‬ ‫جوشن‪ ،‬أهل ديانتك يخبروننا ّ‬
‫أن أدبهم لم‬
‫‪ - 128‬إنكم أكرمكم هللا إنما تكرمون لدنياكم وسلطانكم‪ ،‬وهذا الـذي أكرمتــه إنمــا أكرمتــه هلل عـ ّز وجـل‪ ،‬وقــد َروينـا عن المســيح‪،‬‬
‫‪».‬صلّى هللا عليه وسلم‪ ،‬أنه قال‪ :‬من أكرم هللا من عباده وجبت كرامتُه على جميع خلقه‬
‫ينبغي هنا اإلشارة إلى أن الصّميل كان جاهالً ال يعرف القــراءة وال الكتابــة‪ .‬ويضــيف ابن القُوطيّــة ّ‬
‫أن َوقــع مــا قالــه‬
‫‪».‬أرطباس على الصّميل كان شديداً‪ ،‬فصمت‪« ،‬فكأنّما ألق َمهُ حجراً‬
‫وهنا تدخل من جاؤوا مع الصّميل «فقال لـه القــوم‪ :‬دع هــذا‪ ،‬وانظـر فيمــا قصـدنا لــه‪ ،‬حاجتنـا وحاجـة الرّجـل الــذي‬
‫قصدك وأكرمته واحدة‪ .‬فقال‪ :‬أنتم ملوك‪ ،‬وليس يرضيكم إال الكثير‪ ،‬ووهبهم مئة ضيعة‪ ،‬صار منها لكل واحد منهم عشر ضــياع‬
‫زيتون بالمدوّر للصّميل بن حاتم»‪130 129‬‬ ‫‪.‬منها‪ :‬طُرش ألبي عثمان‪ ،‬والقُنتين لعبد هللا بن خالد‪ ،‬وعُقبة ال ّ‬
‫‪ El - Fennetin‬تشير هذه القصة إلى مدى اتساع أمالك أرطبــاس‪ ،‬فــرغم عــدم قــدرتنا على تحديــد مكــان القُنــتين‬
‫فإن نظرة سريعة إلى الخارطة تظهر المسافة ال ّشاسعة بين طُرش والمد ّور وجيان ونهر ‪ Okbet az - Zitun،‬وعُقبة ال ّزيتون‬ ‫ّ‬
‫‪.‬وادي شوش‬
‫‪.‬وتجدر اإلشارة إلى نقطتين أو ثالث في رواية هذه األحداث‬
‫يتح ّدث أرطباس خالل مقابلته مع عبد ال ّرحمن بن معاوية عن «العهود» الــتي أبرمهــا أجــداد عبــد الـرّحمن معــه‪ّ .‬‬
‫إن‬
‫الســبب‬‫استخدام الكتّاب المسلمين لكلمة «العهود» بالطّريقة نفسها لإلشارة إلى إعادة أمالك غيطشة إلى أبنائه‪ ،‬يدعم حجتنا بشأن ّ‬
‫ال ّرئيسي وراء الغزو وموقف األمراء في ذلك الوقت‪ .‬ويؤكد ذلك أيضا ً قول أرطبــاس لعبــد الـرّحمن «أم تأخــذ منــه مــا أعطيتُــك‬
‫بنفسي؟»‪ .‬ورغم فقره‪ ،‬ال ب ّد أن أرطباس كان يشــغل مكانـة عليـا بين بـني قومــه‪ .‬فهــو كمـا يقــول پــونس‪« ،‬قـال دون مــداورة أو‬
‫‪.‬استطراد‪ ،‬كل ما كان النّاس يأخذونه» على عبد ال ّرحمن‪ .‬لقد فعل كما يفعل شخص لديه الحق في أن يتح ّدث عن األمر‬
‫في إســپانيا‪ .‬وباإلضــافة ‪ Count‬وأخيراً‪ ،‬فقد واّل ه عبد ال ّرحمن مرتبة القماسة‪ ،‬ليكون أول من يشغل منصب قومس‬
‫إلى ذلك يذكر ابن حيّان أن أرطباس‪« ،‬قُمس إسپانيا‪ ،‬وسيّد النّصارى‪ ،‬وجامع الجزية» هو الــذي اقــترح أن تقيم القــوات العربيــة‬
‫التي تم استقدامها في حوالي العام ‪ 740‬للمساعدة في إخماد ثورة البربر‪ ،‬على اراضي ال ّدولة‪ .‬وهذا دليل آخر‪ ،‬ليس على أهميتــه‬
‫‪.‬في البالد‪ ،‬وإنما على العالقات الودية بينه وبين من يفترض أنهم غزوا بالده‪131‬‬
‫إن بطل هذه األحداث قام بسلب ممتلكات أبناء أخيه اليتامى‪ ،‬ولكن إن كان‬ ‫ليس من السّهل تصديق الرّواية التي تقول ّ‬
‫ك أن سارة وأخويها حرموا ظلما ً من ميراثهم بعد وفاة أبيهم أل ُمند‪ .‬لقد عملت على استعادة تلــك األمالك‬ ‫ذلك ما حصل‪ ،‬فما من ش ّ‬
‫من أبي الخطار‪ ،‬حاكم األندلس‪ ،‬ولكن دون جدوى‪ ،‬وعندها قامت بإعــداد ســفينة في إشــبيلية وركبتهــا مــع أخويهــا وأبحــرت إلى‬
‫ال ّش ام قاصدة باب الخليفة نفسه لتطلب منه إنصافها وأخويها‪ .‬يعتقد أن هذه ال ّزيارة حصلت في حوالي العام ‪ ،745‬ألن أبا الخطار‬
‫لم يحكم باألندلس سوى في عامي ‪ 745‬و‪ ،746‬وعليه فمن الواضح أن األمراء القوط تولّوا بأنفســهم إدارة أمالكهم لثالثين عامـا ً‬
‫‪.‬على األقل بعد الفتح اإلسالمي‪132‬‬
‫وصــلت سـارة وأخواهـا إلى دمشــق بســالم‪ ،‬وأحســن الخليفـة األمــوي هشـام بن عبــد الملــك اسـتقبالهم‪ .‬فأخبرتـه عن‬
‫مصابها‪ ،‬وطلبت منه أن ينصفها لما حصل لها مع ع ّمها‪ ،‬ويصــد َر أوامــره إلى حـاكم األنــدلس لكي يعيــد إليهــا وإلى أخويهــا كــل‬
‫‪».‬األراضي التي ورثوها عن أبيهم‪« ،‬كما ورد في عهد التّنازل الذي عقده طارق بن زياد مع أبيها‪ ،‬وأ ّكده سلفه‪ ،‬الخليفة الوليد‬
‫ُس َّر الخليفة بمقابلة سارة‪ ،‬وأعجبته جرأتها كثيرا‪ ،‬فأحسن معاملتها‪ ،‬واستقبلها في مجلسه‪ ،‬وعندما أبدت رغبتهـا في«‬
‫ال ّرحيل‪ ،‬أعطاها كتابا ً إلى والي شرق أفريقيا [كان يمانياً] وأمـره بإصـالح مـا أصـابها من ضـرر على أيـدي ع ّمهـا أرطبــاس»‪.‬‬
‫‪.‬وكانت النّتيجة أن استعادت سارة وأخواها كامل أمالكهم وحقوقهم‬
‫وعندما كانت سارة في مجلس الخليفة هشام‪« ،‬رأت عنده حفيده عبد الرّحمن بن معاوية ال ـ ّداخل بع ـ ُد إلى األنــدلس»‪.‬‬
‫وقبل مغادرتها ال ّشام‪ ،‬زوّجها الخليفة من عيســى بن مــزاحم‪ ،‬الــذي جــاء معهــا إلى األنــدلس حيث وقــف إلى جانبهــا لكي تســتعيد‬
‫الشـرف المؤثــل والرّياســة في إشــبيلية»‬ ‫أمالكها من عمها أرطباس‪ .‬وأنجبت سارة منه ولــدين‪ ،‬همــا إبــراهيم وإسـحق‪« ،‬فأدركــا ّ‬
‫‪.‬موطنهما‪ ،‬واشتهرا وناال التّقدير واالحترام النتسابهما إلى أ ّمهما سارة القُوطيّة ابنة آخر ملوك القوط في األندلس‪133‬‬
‫وفي زوج سارة األول عيسى «في السّنة التي ُملِّك فيها عبد الرّحمن األندلس» (‪ 756‬م)‪ ،‬فتزوجت بعد فترة وجيزة‬ ‫تُ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫من عُمير بن سعيد اللخمي‪ .134‬يقول المقري إن سارة لطالما لقيت التكــريم والحفــاوة في بالط عبــد الـرّحمن األول في االنــدلس‪.‬‬
‫ويعزو المقّري ذلك إلى أنها التقته في بالط الخليفة هشام عندما كان أصغر أحفاده‪ ،‬دون أن يتنبأ له أحد بأنــه ســيولى ال ُملــك‪ .‬لكن‬
‫األرجح على ما يبدو أن إكرام عبد ال ّرحمن لها كان ألسباب سياسية‪ .‬لقد كان عرشه قــوي البنيــان‪ ،‬وال بـ ّد أنــه كــان يــرى أن من‬
‫مصلحته أن يضمن والء سارة وأبنائها وأتباعها لما لهم من نفوذ قوي‪ ،‬ولكونهم يجمعـون بين عنصـرين من عناصـر الخصـومة‬
‫ألن العبّاسـيين‬ ‫بالنّسبة له ‪ -‬القوط والعرب اليمانيون‪ .‬لقد كان العرب اليمـانيون هم الــذين يشـ ّكلون خطـورة عليــه بشـكل خـاص‪ّ ،‬‬
‫صبي‪ ،‬شيخ اليمانية في غرب األندلس الــذي أعلن والءه لخالفتهم فأرســلوا لــه رايــة ســوداء‬ ‫صبّاح اليَح ُ‬‫كانوا على اتصال بأبي ال ّ‬
‫‪(.‬لواء آل البيت) على رأس قناة رمح‪135‬‬
‫يقول المقّري نقالً عن أحد المراجع أنه «لما َملَك [عبد الرّحمن بن معاويــة] األنــدلس» [والحقيقــة أنــه ال هــو وال إي‬
‫ممن خلفوه فعلوا ذلك حتى تولى عبد الـرّحمن الثّــالث] «وفــدت إليــه ســارة فــاعترف بــذمامها وأكرمهــا‪ ،‬وأذن لهــا بالـ ّدخول إلى‬
‫قصره متى جاءت إلى قُرطُبة فيجدد تكرمتها وال يحجب عياله منها»‪ .136‬ويقول المقّــري إن سـارة كــانت تفــد إلى عبــد الـرّحمن‬
‫بوصفها مسيحية تعيش في نطــاق األراضــي الخاضــعة لســيادته‪ .137‬لكن هــذه الرّوايــة تتنــاقض على نحــو مــا مــع مــا أورده ابن‬
‫القُوطيّة بشأن التّفاوض من أجل زواجها الثّاني الذي استخدم عبد ال ّرحمن نفوذه التمامه‪ .‬فقــد تنــافس للـ ّزواج من ســارة خصــمان‬
‫هما «حيوة بن مالمس الملحجي [الحضرمي] وعُمير بن سعيد اللَّخمي‪ ،‬فعُنى ثعلبة بن عبيـدـ الجــذامي [يمــاني] ب ُع َمــير بن ســعيد‬
‫عند عبد الرّحمن بن معاوية فأنكحـه إياهـا»‪ .138‬فلــو أن مكانــة سـارة غــير ذات أهميـة كبـيرة بحيث تضـع نفسـها في حمى عبـد‬
‫السـابق وأحــد كبــار‬ ‫الرّحمن فقط لكونها نصــرانية‪ ،‬لمــا احتــاج الـرّاغب بــال ّزواج منهــا أن يســعى لــدى الجــذامي حــاكم األنــدلس ّ‬
‫‪.‬األشراف لكي يتدخل لدى األمير لكي يزوّجه منها‬
‫الصـديق والنّــد‪ .‬فقــد منحهــا‬‫وفي الحقيقة‪ ،‬تشير المراجع إلى أن عبد ال ّرحمن كان يعامل سارة طـوال الــوقت معاملــة ّ‬
‫امتيازاً ال يحظى به سوى كبار القوم في ال ّدخول إلى قصره في أي وقت تشاء‪ .‬ويقول المقّري إن عبد الـرّحمن كــان يكـرّم سـارة‬
‫ويستضيفها في كل مرة تجىء فيها إلى قُرطُبة وإنه كان يأذن لها بزيارة حريمه ورؤية زوجاته وبناته غــير محجبــات‪ .‬وتنم هــذه‬
‫السـنية آداب‬ ‫المعاملة التي خص بها عبد الرّحمن سارة عن ثقة عظيمة‪ ،‬فحـتى يومنــا هـذا‪ ،‬ال تــزال تحكم بيــوت كبـار العـائالت ّ‬
‫سلوكية صارمة حيث يتطلب األمر إرسال وصيف قبل ساعات إلعالن زيــارة امــرأة ألخـرى‪ ،‬حــتى وإن كــانت تربطهمــا صــلة‬
‫‪.‬قربى‪139‬‬
‫السـهل أن‬ ‫ما كان عبد ال ّرحمن سيخص امرأة مسيحية بهذا التّكــريم لمجــرد أنــه تعـرّف عليهــا في صــغره‪ .‬ولكن من ّ‬
‫نرى أن األمير الملسم الذي كانت المخاطر تحيق بواليته‪،‬ـ أدرك األهمية الكبيرة التي سيؤمنها لــه قربــه من أمــيرة تعامــل كملكــة‬
‫تحديداً في ذلك الجزء من المجتمع المختلط المسيحي المسلم الذي يمتلك القدرة‪ ،‬في حال امتُهن‪ ،‬على قلب الحكم الذي كان يسعى‬
‫‪.‬إلى تثبيت نفسه عليه‬
‫عندما سمع يوسف الفهري‪ ،‬والي األنــدلس‪ ،140‬بقــدوم األمـير األمـوي إلى إسـپانيا‪ ،‬وكـان قـرب طُليطلـة‪« ،‬فاصـبح‬
‫للصـميل‪ :‬مــا الـرّأي؟ فقــال بــادرْ هُ‬ ‫وليس في عسكره سوى غلمانه وخاصته وقوم الصّميل قيس وأتباعه‪ ،‬فأقبل إلى طُليطلة وقــال ّ‬
‫ضر]‪ ،‬فقال له يوســف‪:‬‬ ‫السّاعة قبل أن يغلظ أمره‪ ،‬فإني لست آمن عليك هؤالء اليمانية [أن يذهبوا إليه] لحنقهم علينا [نحن بني ُم َ‬
‫أتقول ذلك‪ ،‬ومع َمن نسير إليه وأنت ترى النّاس قــد ذهبــوا عنــا وقــد انفضــنا من المــال‪ ،‬وأنضــينا الظّهــر‪ ،‬ونهكتنــا المجاعــة في‬
‫ب إلينــا‪ .‬فقــال‬ ‫سفرتنا هذه‪ ،‬ولكن نسير إلى قُرطُبة فنستأنف االستعدادـ له‪ ،‬بعد أن ننظر في أمره ويتبين لنا خبره‪ ،‬فلعله دون ما ُكتِ َ‬
‫أشرت به عليك‪ ،‬وليس غيره‪ ،‬وسوف تتبين غلطك فيما تنكبه‪،‬ـ ومضوا إلى قُرطُبة»‪142 141‬‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬الصّميل‪ :‬الرّأي ما‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وهذا ما حدث‪ ،‬وسرعان ما ظهر أنه ليس بوسعهم االعتماد على ذلك القـدر البسـيط من التأييـد نظـرا للعـداوة القبليـة‬
‫‪.‬وال ّدينيةـ بين الجانبين‬
‫صميل‪ ،‬انتظر لمقاتلة عبد الرّحمن بالقرب من قُرطُبة حيث حقّق األمــير‬ ‫وبدالً من أن يأخذ يوسف الفهري بنصيحة ال ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪.‬األموي نصرا كبيرا ‪143‬‬
‫وحارب العرب اليمانية إلى جانب عبد ال ّرحمن‪ ،‬ولكن يبدو أن والءهم لم يكن خالصا ً له‪ ،‬فبعدـ هزيمة يوسف‪ ،‬اقترح‬
‫صبي حاكم إشبيلية االنقالب على عبد الرّحمن‪ ،‬قائال «يا معشر يمن‪ ،‬هل لكم إلى فتحين في‬ ‫عليهم رئيسهم أبو الصّباح يحيى اليَح ُ‬
‫صميل‪ ،‬فلنقتل هذا الفتى المقدامة ابن معاوية فيصير األمر لنا‪ ،‬ونقـدِّم علينــا رجالً منــا‪ ،‬ونحــل عنــه‬ ‫يوم؟ قد فرغنا من يوسف وال ّ‬
‫ضر]‪ ،‬فلم يجبه أحد لذلك‪ ،‬وبلغ الخبر عبد الرّحمن فأسرَّها في نفسه إلى أن اغتاله بعد عام‪ ،‬فقتله»‪144‬‬ ‫ضرية [بني ُم َ‬‫‪.‬هذه ال ُم َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫السـلطة في قرطبــة‪ ،‬فمــا من شــك أن العــداوة‬ ‫وأيا ً كانت ال ّرواية الحقيقية لطريقة استحواذ عبد الـرّحمن الـداخل على ّ‬
‫ّ‬
‫ضـرية‪ ،‬ويبــدو مــع ذلــك أن‬ ‫كانت على أشدها حينها‪ ،‬كما كانت عليه قبل هجرة ال ّرسول‪ ،‬بين العرب اليمانية ومختلف القبائــل ال ُم َ‬
‫ّ‬
‫أشراف إشبيلية اليمانيين خضعوا لتأثير قوي لكي ينحازوا في أرض المعركة إلى عدوهم القبلي ابن قريش‪ .‬الطرف الوحيد الذي‬
‫كان في موقع التّأثير على اليمانيين هي األميرة القُوطيّة التي يعود الفضل في كل ما تملكه إلى جد عبد الرّحمن‪ ،‬الخليفة هشام بن‬
‫عبد الملك‪ .‬ويمكن بسهولة تفسير العالقات المتينة التي كانت تربطها بعبد ال ّرحمن بعد توليه الحكم واستقراره في قُرطُبــة‪ ،‬لــو أن‬
‫عبد الرّحمن كان مدينا ً لها وللرجل الذي خطب يدها لما ق ّدموه لــه من دعم في األيــام األولى لوصــوله إلى األنــدلس‪ .‬وال شــك أن‬
‫ضيافة العربية كا لها أثر عليها‪ ،‬فقد كانت ضيفة كريمــة على عائلتــه‪ ،‬وأكلت من خــبزهم وملحهم‪ ،‬مــع زوجهــا األول في‬ ‫تقاليد ال ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬الشام‬
‫لقد أتينا على ذكر ابن مالمس الحضرمي بوصفه أحد الذين خطبوا يد سارة بعد أن تــرملت في عــام ‪ .756‬ويبــدو أن‬
‫عبد الرّحمن كان راغبا ً في اال يفسد تدخله لصالح خصم الحضرمي الود بينهما‪ ،‬ففي حوالي العام ‪ ،760‬زار األمــير مــنزل أحــد‬
‫السـخي مخافــة أن يهينــه»‪.‬‬ ‫أفراد العائلة في إشبيلية والذي «ق ّدمه هدية لألمير بكل مــا فيــه‪ ،‬وقبــل األمــير عبــد الـرّحمن عرضــه ّ‬
‫ويضيف كون ِده أن ابن مالمس هذا توفي بعد ذلك بفترة قصــيرة‪ ،‬وأن عبــد الـرّحمن رثــاه بأبيــات شــعرية رائعــة أثــنى فيهــا على‬
‫‪.‬ضيافته وشهامته وكرمه‪145‬‬
‫أن مضيف عبد ال ّرحمن بن معاوية في إشبيلية كان ابن مالمس الذي ذكر المقّــري أنــه جــاء مــع‬ ‫ال يوجد أي شك في ّ‬
‫موسى بن نُصير إلى األندلس في سنة ‪ ،712‬في حين أن طالب يد األميرة سارة كان أخاه األصغر أو أحد أبناء عائلته المقــربين‪.‬‬
‫فبعد وفاة األب‪ ،‬ثار حيـوة بن مالمس الحضـرمي (يقــول المقّـري سـنة ‪ 772‬م) في [أراضـي] إشـبيلية مـع سـوريين من حمص‬
‫صبَّاح الــذي ‪Emesa146‬‬ ‫صبي رئيس لبلة‪ ،‬الذي نعتقد أنه ابن أبي ال ّ‬ ‫ممن استقروا فيها حديثاً‪ ،‬بدعم من عبد الغفار بن حميد اليَح ُ‬
‫‪.‬قتله األمير عبد الرّحمن‬
‫ومن بين الذين خرجوا مع عبد ال ّرحمن لقتالهم ثالثة من يمانيي إشبيلية هم ملهب الكلبي‪ ،‬وابن الحجّاج وابنه‪ .147‬وال‬
‫ب ّد أن بني ح ّجاج كانوا على صلة قرابة بعُمير بن سعيد اللَّخمي‪ ،‬الـ ّزوج الثّــاني لســارة‪ ،‬حيث أن فرعـا ً من أبنائهــا يحملــون ذلــك‬
‫‪.‬االسم‪ ،‬وسيرد اسمهم كثيراً فيما بعد‬
‫يورد المقّري بين عامي ‪ 758‬و‪ ،779‬ثماني ثورات مختلفة ضد عبد ال ّرحمن‪ ،‬شارك في معظمها يوسف الفهــري أو‬
‫أصحابه ومؤيدوه‪ ،‬وفي بعضها بشكل أو بآخر عرب يمانية‪ .‬وبمـا أن الفهـريين واليمـانيين ينتمـون إلى قبائـل مختلفـة ومتعاديـة‪،‬‬
‫يبدو من غـير المقنـع التّفسـير الـذي يقترحـه ڠايـانڠوس بــأن معظم هــذه الثّـورات كـانت نتيجـة العـداوات المتأصــلة بين القبائــل‬
‫ضر‪ ،‬وانضمام بعض اليمانيينـ إلى الفهريين ضد األمير األموي‪،‬‬ ‫ضرية واليمانية‪ .148‬فأالمويون والفهريون كانوا من قبائل ُم َ‬ ‫ال ُم َ‬
‫‪.‬يثبت أن تلك الثورات التي امتدت لسنوات طويلة كانت ألسباب سياسية وليس قبلية‬ ‫ّ‬
‫ونحن نرى أن أشراف إشبيلية الذين رحبوا باألمير األموي كانوا المسيحيين وكــذلك اليمــانيين الــذين تــأثروا بموقــف‬
‫سارة من خالل زوجيها العربيين‪ .‬لم نجد أي معلومات عن القبيلة التي كان ينتمي إليها عيسى بن مزاحم الذي زوّجها به الخليفــة‬
‫هشام في دمشق‪ .‬ويبدو من الصّعب أن يكون شاميّا ً حيث كان أبناؤه مندمجين تماما ً باليمانيين من أهل إشــبيلية على مــدى أجيــال‬
‫متعاقبة‪ ،‬وهم إ ّما اعتنقوا المذهب ال ّشيعي أو بقوا على ال ّديانة المسيحية ألجدادهم الملــوك‪ ،‬كمــا فعــل كثــيرون منهم‪ .‬ولكن مــا من‬
‫شك بالنّسبة لعُمير بن سعيد اللَّخمي الذي كان ينتمي إلى خصوم عبد الرّحمن القبلــيين والـ ّدينيين‪،‬ـ أنّــه كــان يفــترض في األحــوال‬
‫‪.‬الطّبيعية أن يقاتل إلى جانب بني عشيرته‬
‫ولكن‪ ،‬وكما رأينا في المقاطع التي أوردناها سابقا‪ ،‬فقد انض ّم أفراد من عائلته إلى األمير األموي عندما خرج إلخماد‬
‫إن ال ّدافع وراء والء اللَّخميين أسياد إشبيلية هذا عائــد إلى امتنــانهم لمــا أبــداه عبــد الـرّحمن من كــرم‬
‫ثورة قادها يمانيون‪ .‬قد يقال ّ‬
‫أن العالقات ال ّشخصية لعبت دوراً في تصرّف ذاك الجيل‪ .‬وكان ينبغي أن يم ّر ‪ 130‬عاما ً‬ ‫إزاء األميرة القُوطيّة‪ .‬وما من شك في ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حتى نجد بعضا ً من أحفاد سارة مشاركين في الفتن والثورات التي قامت ضد الحكم في قرطبة‪ .‬فمنذ وصول عبد الــرّحمن األول‬
‫ُ‬
‫إلى األندلس في عام ‪ 756‬وحتى تولّي األمير عبد هللا الحكم في عام ‪ ،888‬لم يرد بتاتا ً ذكر هذه العــائالت في الرّوايــات المتعلّقــة‬
‫باإلضطرابات المتف ّرقة ‪ -‬التي كانت سرعان ما يت ّم إخمادها ‪ -‬في إشبيلية بإيعاز من أشخاص يعبّرون عن استيائهم على درجات‬
‫‪.‬متفاوتة في األهمية‬
‫وإن كانت األميرة سارة وزوجها وقعا‪ ،‬كما نعتقد‪ ،‬عهداً على الحياد مع عبد الرّحمن األول‪ ،‬في الــوقت نفســه ووفــق‬
‫ال ّشروط نفسها التي حصل عليها مسيحيو كشطالى (راجعة صفحة ‪ 67‬طبعة األصل)‪ ،‬فهي سياسة تُحسب لهم‪ .‬وأيا ً كانت حقيقــة‬
‫فإن النّتيجة كانت مفيـدة بشـكل خـاص لضـمان ازدهـار وتقـ ّدم األراضـي الـتي حكمهـا القـوط ‪ -‬اليمـانيون الـذين قـويت‬ ‫األمور‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫‪.‬عزيمتهم بعد مئة عام من ذلك التاريخ‬
‫كان عبد الرّحمن يتبع سياسة التّسامح مع من يعبّرون عن استيائهم منه‪ ،‬فما إن يظهروا رغبــة للتّوبــة يقــوم بتعــيينهم‬
‫في مناصب عليا في ال ّدولة‪ .‬وصحيح أنه ليس من السّهل على ال ّدوام تتبّع الخدمات واالمتيازات التي أغدقها على اليمانيين‪ ،‬حيث‬
‫أن ابن حيّان والمقّري الذي خلفه في القرن السّابع عشر وهما من ال ُّسنّة‪ ،‬كانا يتجنّبان اإلشارة إلى أسماء القبائل التي ينتمي إليهــا‬ ‫ّ‬
‫الفاعلون الذين ترد أسماؤهم‪ ،‬إال عندما يضطرّون لذلك‪ ،‬عندما يتعلّق األمــر باالمتيــازات واأللقــاب الــتي أعطيت ّ‬
‫للش ـيعة‪ .‬ولكن‬
‫يمكننا العثور ضمن المراجع على إشارات إلى حقيقة ما حدث ‪ -‬على سبيل المثال‪ ،‬في سرد المقّري لالضطرابات الــتي قــام بهــا‬
‫للذبح وتُركت جثثهم في ميدان المعركــة‪ ،‬فإنــه يضــيف‪،‬‬ ‫ابن مالمس وأصحابه‪ .‬فرغم أنه يورد أنّهم هُزموا ش ّر هزيمة وتع ّرضوا ّ‬
‫أن «عدداً ليس قليالً من المؤ ّرخين قالوا إنهم نجوا من القتل وأن عبد ال ّرحمن عاد وعفا عنهم بعد م ّدة»‪ .‬ويروي المقّري نقال عن‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫«ابن حيّان أن عبد ال ّرحمن لما أذعن له يوسف صاحب األندلس واستق ّر ملكه استحضر الوفود الى قرطبة‪ ،‬فانثالوا عليــه‪ ،‬ووالى‬ ‫ّ‬
‫القعود لهم في قصره عدة أيام في مجالس يكلم فيها رؤساءهم ووجوههم بكالم سـرَّهم وطيّب نفوســهم‪ .‬مــع أنــه كســاهم وأطعمهم‬
‫‪.‬ووصلهم‪ ،‬فانصرفوا عنه محبورين مغتبطين‪ ،‬يتدارسون كالمه ويتهافتون بشكره ويتهانَون بنعمة هللا تعالى عليهم فيه»‪149‬‬
‫كم كنا نتمنّى لو أن ابن حيّان أورد ولو بعض أسماء «الوالة وال ّرؤساء» الذين‪ ،‬وقد جاؤوا يعلنــون والءهم‪ ،‬يفـترض‬
‫أنهم من الفريق اآلخر‪ ،‬كما كان سيفعل لو أنهم كانوا من فريقه هو‪ .‬لكن مؤ ّرخ بالط األمويين لم يف ّكــر في أهميــة تســجيل أســماء‬
‫‪.‬أعداء أميره‪ ،‬حتى عندما كان يشملهم بعفوه‬
‫وهناك واقعة ت ّم سردها عن األمير عبد ال ّرحمن تشير إلى مبلغ عدلـه وإنصـافه وتصــميمه على معاقبـة أولئــك الـذين‬
‫‪.‬سلكوا سلوكا ً مشوباً‪ ،‬حتى وإن كانوا من أقرب المقربين له‬
‫صباح‪ ،‬شيخ العرب اليمانية على عبد ال ّرحمن‪ ،‬كان بين األسباب التي تعلّل بها أن األمــير لم‬ ‫يبدو أنّه عندما ثار أبو ال ّ‬
‫يف بعه ٍد ضمنه له الوزير عبد هللا بن خالد نيابة عن عبد الرّحمن قبــل وصـوله إلى إســپانيا (وربمــا لم يكن عبــد الـرّحمن عارفـا ً‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صبّاح‪ ،‬عزل بعد ال ّرحمن صهره عبد هللا بن خالد «صاحبه الثاني في المؤازرة والقيــام بالدولــة»‪،‬‬ ‫بذلك األمر)‪ .‬وبعد مقتل أبي ال ّ‬
‫‪ .‬عن منصبه‪ ،‬والذي لم يعد يرد ذكره في البالط «وأقسم ال يشتغل بشغل سلطان حياته‪ ،‬فمات منفرداً عن السّلطان»‪150‬‬
‫ويورد المقّري هذه الواقعة ضمن وقائع أخرى داللة على قلّة وفاء عبد ال ّرحمن ألولئك الذين ساعدوه في تــولّي حكم‬
‫‪.‬األندلس وبناء ال ّدولة‪ .‬ولكن هذه الوقائع يمكن أن يُنظر إليها بوصفها دليالً على تصميمه على معاقبة كل من يأتي عمالً شائنا ً‬
‫أن عبــد الـرّحمن كـان «راجح الحلم‪،‬‬ ‫ويسرد المقّري عن ابن حيّان قولــه نقالً عن مـؤرّخ من الغـرب لم يـذكر اسـمه ّ‬
‫فاسح العلم‪ ،‬ثاقب الفهم‪ ،‬كثير الحزم‪ ،‬نافذ العزم‪ ،‬بريئا ً من العجز‪ ،‬سريع النّهضة‪ ،‬متصل الحركة ال يخلــد إلى راحــة‪ ،‬وال يســكن‬
‫إلى دعة‪ ،‬وال يَ ِكل األمور إلى غيره‪ ،‬ثم ال ينفرد في إبرامها برأيه‪ ،‬شجاعا ً مقداماً‪ ،‬بعيدـ الغور شــديد الحـ ّدة قليــل الطّمأنينــة بليغـا ً‬
‫مفوّها ً شاعراً محسنا ً سمحا ً سخيا ً طلق اللسان‪ ،‬وكان يلبس البياض ويعت ُّم به ويؤثره‪ ،151‬وكان قد أعطي هيبــة من وليّــه وعــدوه‪،‬‬
‫وكان يحضر الجنائز ويصلّي عليها ويصلّي بالنّاس إذا كان حاضــراً الجمــع واألعيــاد‪ ،‬ويخطب على المنــبر‪ ،‬ويعــود المرضــى‪،‬‬
‫أن األمير عبد الرّحمن أمــر‬ ‫ويكثر مباشرة النّاس والمشي بينهم» وكان يخطب بعسكره ويرفع اللواء بساعده‪ .‬ويضيف ابن حيّان ّ‬
‫بأن يسمح بال ّدخول إليه لكل من لديه شكوى‪ ،‬فيقول عنه «كان ال ّداخل يقعد للعا ّمة ويسمع منهم وينظر بنفسه فيما بينهم‪ ،‬ويتوصّل‬
‫ضعيف منهم إلى رفع ظالمته إليه دون مشقة‪ ،‬وكان من عادته أن يأكــل معــه من أصــحابه من‬ ‫إليه من أراده من النّاس‪ ،‬فيصل ال ّ‬
‫اّل‬
‫‪.‬أدرك وقت طعامه‪ ،‬ومن وافق ذلك من ط ب الحوائج أكل معه»‪152‬‬
‫ُج ّل ما يأخذه المقّري على عبد الـرّحمن هـو مـا ذكرنـاه آنفـا ً من عـدم وفائـه ألولئـك الـذين سـاعدوه في وصـوله إلى‬
‫العرش وبناء دولته‪ .‬ولكنه يسرد في هذا اإلطار واقعتين باإلضافة إلى ما حدث مـع صـهره عبـد هللا بن خالـد‪ ،‬في حين أن هنـاك‬
‫أن استقباله لمن حملوا السّالح في وجهه‪ ،‬سواء‬ ‫صفح‪ .‬والحقيقة ّ‬ ‫العديدـ من القصص التي تروى عن طيبة قلبه واستعداده للعفو وال ّ‬
‫صلح‪ ،‬يظهر مدى قدرته على كبت مشاعره ال ّشخصية حتى ال تقــف عــثرة‬ ‫ضريين‪ ،‬عندما راسلوه في طلب ال ّ‬ ‫من اليمانيين أو ال ُم َ‬
‫ّ‬
‫‪.‬في وجه سياسة متسامحة ومنفتحة تجاه أعدائه وهو النهج الذي سار عليه طوال حياته‬
‫أن عبد الـ ّرحمن األول ظـ ّل طـوال حياتـه وفيـا ً للعهـد الـذي قطعـه الخليفـة‬ ‫وأيّا ً كانت ميوله ال ّشخصية‪ ،‬فمن الواضح ّ‬
‫الوليد فيما يخصّ األميرة سارة‪ .‬أ ّما بشأن أرطباس‪ ،‬فتبدو ال ّرواية التي وردت عن مصادرة أمالكه منه غير مقنعة ومناقضة لكل‬
‫ما نعرفه عن شخصية عبد ال ّرحمن بحيث أننا نميل إلى التّعامل معها بوصفها ُمختلقة‪ ،‬وإن كانت رواية الوقــائع المتعلقــة بإعــادة‬
‫بعض أمالكه إليه تبدو حقيقية‪ .‬وما كان يمكن أن يعمد كاتب مسلم إلى اختالق مثل هــذه الرّوايــة‪ ،‬أو البن حيّــان على األرجح أن‬
‫أن األمر لم يفتضح بحيث مــا كــان‬ ‫يشير إلى العهد الذي قطعه طارق بن زياد ألبناء غيطشة‪ ،‬نظرا لعالقة سارة مع اليمانيين‪ ،‬لو ّ‬
‫يمكن إغفاله‪ .‬وربما كان األمر بر ّمته مكيدةـ حاكها بعض أعداء القوط‪ ،‬وما قام به عبد ال ّرحمن لدى اكتشافه أنه تعرّض للتّضــليل‬
‫‪.‬كان نتيجة ال ّدوافع نفسها التي جعلته يعزل صهره الوزير ابن خالد‬
‫‪:‬يورد كون ِده فقرة توضيحية تتعلّق بموضوع العهود التي ابرمت في عهد عبد الرّحمن األول‪ ،‬فيقول‬
‫اغتبط األمير عبد الرّحمن كثيراً ألنبــاء انتصــاره [على يوســف الفهــري] آمالً في أن تضــع وفــاة هــذا القائــد نهايــة«‬
‫على الخراج أو الجزيــة ‪ Castilla‬لمحاوالت فريقه الخائبة‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬اتفق األمير عبد الرّحمن مع مسيحيي قشتالة‪153‬‬
‫صت رسالة األمان والحماية التي منحها لهم على ما يلي‬ ‫‪:‬التي سيؤ ّدونها له‪ ،‬ون ّ‬
‫‪،‬بسم هللا الرّحمن الرّحيم«‬
‫كتاب أمان ورحمة عقده األمـير األكـرم الملـك المعظم عبـد الـ ّرحمن للبطارقـة والرّهبـان ومن تبعهم من سـائر أهـل‬
‫أن عهـده ال يُنسـخ مـا أقـاموا على )‪ (Castela, sic‬قشتالة‬ ‫وأعمالها ما داموا على الطّاعة في أداء ما تح ّملوه فأشهد على نفسـه ّ‬
‫ضة وعشرة آالف رأس من خيار الخيل ومثلها من البغال مع ذلــك‬ ‫الذهب وعشرة آالف رطل من الف ّ‬ ‫تأدية عشرة آالف أوقية من ّ‬
‫ألف درع وألف سيف ومن ال ّرماح مثلها في كل عام على خمس سنين‪ُ .‬حرّر في مدينةـ قُرطُبة في اليوم الثّالث من صفر من ســنة‬
‫‪142.‬هـ» (يونيو‪154)758 ،‬‬
‫و ‪ Castilla‬وتجدر اإلشارة إلى أن كون ِده‪ ،‬ورغم أنه كان مدركا ً تماماً‪ ،‬كمــا تشــير مالحظتــه‪ ،‬للخلــط الحاصــل بين‬
‫من جانب الكاتب الذي ترجم له‪ ،‬فقد قام بنقل المعاهدة كما هي‪ .‬ونحن ممتنّون للنّقل األمين الذي قام به ‪ Castulo،‬و ‪Castela‬‬
‫هذا الكاتب ال ّدقيق لوثيقة مه ّمة تشكل دليالً على ثراء وقوة المسيحيين الذين حكمهم أبناء غيطشة في القــرن الثّــامن‪ .‬من الواضــح‬
‫أن الوثيقة ال تعني مسيحيي جيليقية إذ ال توجد سجالت تشير إلى أن فرويلة بن أذفونش ملك الجاللقــة (بن الفـونس) أدى الجزيـة‬ ‫ّ‬
‫فإن الم ّرة الوحيدة التي أتى فيها المقّري على ذكر فرويلة أ ّكد على انتصاراته على المسلمين‬ ‫لعبد الرّحمن‪ .‬على العكس من ذلك‪ّ ،‬‬
‫‪» Crónica‬واشــتداد عزيمتــه واســتفحال ســلطانه‪ .155‬وبالمثــل ال توجــد أيّــة إشــارة إلى دفــع الجزيــة في «الحوليّــات العامة‬
‫أن كون ِده‪ ،‬أو الكاتب الذي كان يترجم له‪ ،‬أخطآ عندما أ ّرخ تلك المعاهدة في السّنة الــتي قُتِــل فيهــا ‪general.‬‬ ‫لكننا نعتقد مع ذلك ّ‬
‫أن المعاهــدة‬ ‫ً‬
‫بأن مسيحيي كاثلونــا (كشــطالى) قـ ّدموا لــه الـ ّدعم‪ ،‬ويبــدو األكــثر ترجيحـا ّ‬
‫الفهري‪ .‬فلم نعثر على أي سجالت تقول ّ‬
‫‪ُ .‬وقّعت مباشرة بعد سيطرة األمويين على عرش قُرطُبة‬
‫لل ّداللة على مدينة كشطالى‪ "Castella" .‬المعاهدة في ترجمتها الالتينية حيث يستخدم اسم )‪ (ii, 104‬ق ّدم الغزيري‬
‫‪.‬التي أع ّدها هذا الكاتب ‪ Bibliotheca Arabico - Hispana‬وربما أخذ كون ِده نسخته من المجموعة العربية اإلسپانية‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الفصل ال ّرابع‬
‫األندلس في القرن التّاسع‬
‫واصل الخلفاء المباشرون لعبد ال ّرحمن األول على عرش قُرطُبة نهجه في توطيد عالقاتهم مــع المســيحيين والعــرب‬
‫أن عبد الرّحمن الثّاني‬ ‫اليمانية على المستوى ال ّشخصي‪ .‬وتمتلىء كتابات المؤ ّرخين بما يشير إلى تعيينهم في مناصب عليا‪ ،‬حتى ّ‬
‫عيّن أحد أبناء اللَّخميين في منصب قاضي قُرطُبة‪ ،‬وكان أخصّ المقرّبين منــه النّصــراني عُبيــد هللا بن قرلمــان ابن بــدر الـ ّداخل‪.‬‬
‫الشـمال‪ ،‬وقـام بإصــالح األســوار‬ ‫وكان على عالقة جيــدة بأهـل إشـبيلية الـتي هبّ لنجــدتها وأمـ ّدها بـالعون عنــدما هاجمهــا أهـل ّ‬
‫‪.‬والمسجد من األضرار التي لحقت بها‪156‬‬
‫كانت سياسة المصالحة ناجحة بحيث بقيت إشبيلية حتى سنة ‪ 888‬موالية لح ّكام قُرطُبة‪ .‬ولكن مع وفاة األمير المنــذر‬
‫‪ 157‬في ذلك العام‪ ،‬حصل تغيّر جذري في العالقات بين الجانبين‪ ،‬على ال ّرغم من أنه ال يوجد ما يشير إلى السّبب الرّئيسي وراء‬
‫هذا التّحوّل‪ ،‬عدا عن قيام خليفته األمير عبد هللا بعزل قاضي قُرطُبة اللَّخمي ما إن تولّى الحكم‪ .158‬أورد ابن حيّان الواقعة دونمــا‬
‫أن البالد دخلت في حـرب أهليـة بشـكل‬ ‫تعليـق‪ .‬وورد بعـدها أن «اضـطربت عليـه نـواحي األنـدلس بـالثّوار والمتغلـبين»‪ ،‬وبـدا ّ‬
‫مفاجىء‪ ،‬ومنذ ذلك العام وحــتى وفاتــه في عــام ‪ ،912‬ظــل في حالــة خالف مســتمرّة مــع العــائالت اليمانيــة من المولّــدين الــذين‬
‫‪.‬ينتسبون بأصلهم إلى األميرة سارة وزوجيها المسلمين‬
‫وكان كبير اليمانيين حينها عبد هللا بن حجّاج اللَّخمي‪ ،‬حاكم إشبيلية وقرمونة‪ ،‬الذي كان يحكم مثل ملــك على إشــبيلية‬
‫‪ .159‬ويروي ابن حيّان أنه في العام ‪ 888‬كان ابن ح ّجاج قد ضبط إشبيلية ومنّعها وجعلها أشبه بإمارة‪ ،‬رغم أنه كان يعــترف من‬
‫النّاحية ال ّشكلية بوالية األمير عبد هللا بن مح ّمد عليه‪ .‬ويضيف ابن حيّان أنه كان لدى بن ح ّجاج جيش من الحرس يضـ ّم خمسـمئة‬
‫من الخيالة كانوا يرتدون أثوابا ً فاخرة مو ّشاة تعرف بالطّرز‪ ،‬وقد طُ ّرزت أسماؤه وألقابه على حوافها‪ ،‬وهو امتياز كان مقتصــراً‬
‫على الملوك وذرّيتهم‪ ،‬وعيّن القضاة والموظفين العموميين في أنحاء البالد التّابعة له‪ ،‬وكــان محبّـا ً للعلــوم وبالطــه مفتوحـا ً أمــام‬
‫زائرين‪160‬‬ ‫‪.‬ال ّشعراء ال ّ‬
‫ويتوسّع دوزي في سرد ما أوجزه ابن حيّان‪ ،‬اعتماداً على ما يبدو على ما كتبه ابن القُوطيّة الذين تربطه بابن حجّاج‬
‫‪.‬عالقة قربى‬
‫ي‬‫ويقول إنه منذ عهد القوط الغربيين‪،‬ـ كانت إشبيلية مركــز العلم والحضــارة الرّومانيــة‪ ،‬ولم يحــدث دخــول العــرب أ ّ‬
‫تغيير يذكر على الوضع االجتماعي للمدينةـ التي كانت موطنا ً لنبالء القوط وكبرى عائالتهم الثّرية‪ .161‬اتخذت األميرة ســارة من‬
‫إشبيلية مق ّراً لها منذـ عودتها من دمشق مع زوجها األول عيســى بن مــزاحم‪ ،‬وورث أوالدهــا منــه ومن زوجهــا الثّـاني عُمــير بن‬
‫سعيد اللَّخمي أمالكها وألقابها‪ ،‬كما حازوا على احــترام وتقــدير أهــل إشــبيلية‪ .‬وكــان بنــو حجّـاج في ذلــك الـوقت على رأس تلــك‬
‫‪.‬العائالت المتحدة‬
‫أن‬‫كان عبد هللا بن حجّاج وأخـوه إبـراهيم من الجيـل الثّـالث أو الرّابـع من أحفـاد سـارة من زوجهـا الثّـاني‪ ،‬في حين ّ‬
‫كاتب تاريخهم ابن القُوطيّة كان ينتمي إلى جيــل بعـدهما من أحفادهـا من زوجهـا األول‪ .‬وســيكون من المنصـف االفــتراض بـأن‬
‫التّط ّور والحضارة التي عرفتها إشبيلية في نهاية القرن التّاسع نجما عن التّزاوج والمصــاهرة بين نبالء القــوط والعــرب اليمانيــة‬
‫الذين عرفوا بدورهم قرونا ً من االزدهار والرّقي في اليمن السّعيد‪ 162‬قبل أن يحتـ ّل الفــرس بالدهم ويرغمــوهم على الهجــرة من‬
‫يمنهم الحبيب إلى «قفار» مصر كما كانوا يس ّمونها‪ .163‬وفي الواقع‪ ،‬وإلى أن تولّى عبد الرّحمن الثّـالث الحكم‪ ،‬الـذي كـان يسـيل‬
‫في عروقه دم يماني مسيحي‪ ،‬وبمعنى آخــر من المولّــدين من ناحيــة األم‪ ،‬كــانت إشــبيلية بال شــك متفوّقــة على قُرطُبــة في بعض‬
‫‪.‬المناحي وال سيما في عهد بني حجّ اج واألمير عبد هللا الذي عاصروه‬
‫ويختلف ابن حيّان وابن القُوطيّة‪ ،‬كما نقل عنهما دوزي‪ ،‬في تحديــد تــواريخ حكم عبــد هللا بن ح ّجــاج وأخيــه إبــراهيم‬
‫اللذين حكما إشبيلية بين تولّي عبد هللا األموي الحكم في قُرطُبة في عام ‪ 888‬وتولّي حفيده عبــد الـرّحمن الثّــالث‪ 164‬وخالفتــه لــه‬
‫أن عبد هللا بن ح ّجاج كان قد توفي في العام ‪ ،895‬حيث يشير العديــد‬ ‫ي حال ّ‬‫على العرش في عام ‪ .912‬يمكننا أن نفترض على أ ّ‬
‫من المراجع إلى تولّي أخيه األصغر إبراهيم كأمير أو ملك على إشبيلية في تلك السّنة‪ ،‬والــتي تم بعــدها توقيــع هدنــة في الحــرب‬
‫ضارية بين ال ّشوام والبربر من جهــة‪ ،‬واليمــانيين والمولّــدين من جهــة ثانيــة‪ .‬وعليــه ســنعتمد على وصــف دوزي لبالط‬ ‫األهلية ال ّ‬
‫‪.‬إبراهيم في تلك الفترة والذي ينطبق على والية أخيه المتوفى حديثا ً‬
‫شهدت قرمونة حربا ً شرسة (سترد تفاصيلها الحقا)‪ ،‬وقع خاللها عبد هللا بن حجّاج كما روى مؤرّخــو بالط قُرطُبــة‪،‬‬
‫في األسر وقام ال ُمط ِّرف ابن األمير عبد هللا بخنقه بعد أن هزمه وأباد جيشه‪ .‬ولكن ذلك لم يضـعف مكانـة خليفتـه الـذي تـولّى في‬
‫السّنة ذاتها الحكم كأمير مستق ّل يدفع الخراج إلى سلطان قُرطُبة‪ ،‬ويمارس سلطات مطلقة داخل حدوده‪ .‬كان إلبراهيم جيش ينفــق‬
‫عليه كما ينفق السّلطان على جيشه‪ ،‬ويقوم بتعيينـ كل موظفي إمارته من القضاة والوالة وحتى أصغر العــاملين لديــه (كمــا روى‬
‫‪.‬ابن حيّان ع ّما كان يفعله أخوه في سنة ‪)891‬‬
‫كان حكم إبراهيم بن ح ّجاج يحمل كل مزايا النّظام الملكي المتوارث‪ ،‬بدءاً من الحـرس األمـيري الـذي يعـ ّد خمسـمئة‬
‫خيال‪ ،‬إلى األثواب الملكية المو ّش اة والمطرزة على حوافها أسماء األمير وألقابه بخيوط ذهبية‪ .‬لقد كان أميراً وتاجراً‪ ،‬واسع العلم‬
‫محبّا ً للعلوم وراعيا ً لها‪ .‬وغالبا ً ما كانت تصله على متن السّفينة الواحدة هدايا من ح ّكام بالد المشرق وأقمشة من مشاغل النّســيج‬
‫في مصر وعلماء من الجزيرة العربية وقيان بارعات في الغناء من بغداد‪ .‬وقد اشتُهرت من بينهن جارية تدعى قمر‪ 165‬وصــلت‬
‫أخبار جمالها الرّائع وفصاحتها وبراعتها في تــأليف األلحــان إلى إبــراهيم فــدفع فيهــا مبلغـا ً طـائالً‪ ،‬وأحضـرها إلى قصـره‪ .‬كمــا‬
‫استقدم ابن حجّاج أبا مح ّمد العُذري البدوي أحد علماء اللغة بالحجـاز‪ .‬فكانــا مفخـرة بالط إشـبيلية في ذلـك ال ّزمـان‪ .‬واشـتهر عن‬
‫‪:‬العُذري أنه كان يوبخ ك ّل من يسمعه ينطق بجملة غير صحيحة أو كلمة في غير محلها‪ ،‬فيصرخ بهم قائالً‬
‫ماذا فعلتم باللغة يا أهل الحضر؟‬
‫‪.‬كان أبو مح ّمد العُذري ضليعا ً بكل ما يتعلّق بفصاحة اللغة وجمال التّعبير‬
‫أ ّما قمر‪ ،‬فقد جمعت إلى جانب موهبتها بصوغ األلحان وفصاحتها في اللغة والتّعبير والبيان‪ ،‬األدب والظّرف وعـ ّزة‬
‫النّفس‪ .‬وقد قالت في أحد أشعارها المرتجلة إنها تفضل أن تكون امرأة عالمة حتى لو كان مصــيرها النّــار‪ ،‬على أن تكــون امــرأة‬
‫الشـاعرات والملحّنــات والعالمــات في قُرطُبــة‪ ،‬لكن‬ ‫جاهلــة نصــيبها الجنّة‪ .166‬لقــد ذاع في القــرن العاشــر صــيت العشــرات من ّ‬
‫ّ‬
‫أن عادة توظيف نســاء متعلمــات في البالط ظهــرت‬ ‫المؤ ّرخين لم يذكروهن قبل حكم عبد الرّحمن الثّالث‪ .‬ويمكن عليه أن نستنتج ّ‬
‫‪.‬في قُرطُبة بتأثير من أو اقتدا ًء بح ّكام إشبيلية اليمانيين ‪167‬‬
‫ـاف في قُرطُبــة ّ‬
‫ألن عبــد هللا بن‬ ‫أن شاعراً ساخراً يدعى القلفــاط‪ 168‬كــان عــاجزاً عن الحصــول على أجــر كـ ٍ‬ ‫ويروى ّ‬
‫مح ّمد لم يكن يغدق على مثله من ال ّشعراء‪ ،‬فقصد إشبيلية وتال على مسامع إبراهيم بن ح ّجــاج أبياتـا ً تســخر من وزراء ومــوظفي‬
‫‪:‬البالط في قُرطُبة‪ .‬تركه ابن حجّاج يكمل قصيدته ثم قال له‬
‫أوتظن أن رجالً مثلي يمكن أن يغتبط لسماع مثل هذا الكالم ال ُمبتذل؟‬
‫‪.‬فعاد القلفاط خالي اليدين إلى قُرطُبة‬
‫أن رجالً مثل إبراهيم من حجّاج‪ ،‬كما يــرد وصــفه هنــا‪ ،‬مســتع ّد ألن يكــافح حــتى ال تســقط بالده‬ ‫من السّهل أن ندرك ّ‬
‫تحت حكم سىء اإلدارة متعطّش لسفك ال ّدماء مثــل حكم عبــد هللا بن أُميّــة أو حـتى ابنـه ال ُمطـرِّف الــذي كـان قائـد جيش قُرطُبـة‪،‬‬
‫‪.‬والوجه اآلخر ال ّشرير لعبد هللا‪ ،‬أو ال ّشيطان النّابغة‪ ،‬طوال فترة حكمه‬
‫كانت المعتقدات ال ّدينية ألهل إشبيلية ‪ -‬من اليمانيينـ أو المولّدين ‪ -‬تنبذ سفك ال ّدماء بال تمييز‪،‬ـ وبشــكل خــاص‪ ،‬تكبي ـدـ‬
‫غير المقاتلين ويالت الحروب‪ .‬كان العرب اليمانية‪ ،‬مع بعض االستثناءات‪ ،‬من أتباع عل ّي‪ ،‬ابن عم ال ّرسول وزوج ابنته فاطمة‪،‬‬
‫الذي أ ّدى قتله على يد السّفيانيين‪( 169‬الذين خــرجت منهم ســاللة الخلفــاء األمــويين) في النّهايــة إلى انقســام اإلســالم إلى مــذهبين‬
‫ّ‬
‫والشـيعة‬ ‫متعاديين‪:‬ـ ال ُّسنّة المؤيّدين لمقتل علي والذين واظبوا على مدى أربعين سنة بعد مقتله على لعن اسمه في صلواتهم علنـاً‪،‬‬
‫الذين اعتبروه شهيداً واتّشحوا في مناطق ع ّدة بالسّواد ورفعوا راية سوداء رمــزاً على حــدادهم المتواصــل عليــه‪ ،‬وواظبــوا على‬
‫‪.‬إحياء ذكراه في كل مكان بوصفه إمامهم ووليّهم‬
‫ّ‬
‫والشـاميين والـبربر الـذين دانــوا‬ ‫ومن هنا يمكن فهم العداوة المتأ ّ‬
‫صلة بين العائالت اليمانية الـتي أقـامت في إشــبيلية‪،‬‬
‫بالوالء لألمويين في قُرطُبة‪ .‬وكانت الخالفات بينهما كبيرة إلى درجة يصعب التوفيق بينها ســواء في أســلوب عيشــهم وتفكــيرهم‬
‫ّ‬
‫وفوق كل شىء‪ ،‬مبادئهم ومفاهيهم المتعلقة بالحرب والقتال‪ .‬كان ال ّشيعة يتبعونـ في هذا المضــمار «وصــايا» أبي بكر‪ ،170‬الــتي‬
‫تبنّاها واقتدى بها عل ّي بن أبي طالب الذي خلفه بعد ذلك في الخالفة قبل ان يتم اغتياله‪ .‬من الطّبيعي أال يــذكر ابن حيّــان وأقرانــه‬
‫ي شىء أو ربما القليل في رواياتهم ع ّما كــان يسـ ّمى «نهج علي بن أبي طــالب»‪ ،‬ولكن كونـ ِده‪ ،‬الــذي كتب‬ ‫من المؤرّخين ال ُّسنّة أ ّ‬
‫هنا ‪ -‬ربما دون أن يدري ‪ -‬من وجهة نظر اليمانيين‪،‬ـ يشير إلى ذلك النّهج مراراً بكلمات بســيطة‪ .‬كمــا نجــد صــدى «لنهج علي»‬
‫في مقاطع من ابن سعيد وابن غالب وغيرهما من ال ّشيعة‪ ،‬ليس فقط في كتاب كون ِده وإنمــا في روايــات نقلهــا كتّــاب أخــرون‪ ،‬في‬
‫حين بات واضحا ً فيما بعد أن ح ّكام آخر ساللة يمانية عريقة‪ ،‬ساللة بني نصر الذين حكمــوا غرناطــة‪ ،‬بنــوا مملكتهم على أســاس‬
‫‪.‬تبنّي ذاك النّهج‬
‫يورد كون ِده نســخة كاملــة من «الوصــايا» في القســم األول من ســرده التّــاريخي‪ .171‬ومن هنــا يمكننــا أن نطّلــع على‬
‫‪:‬أجزاء مدهشة من وصايا أبي بكر إلى قادته وعسكره عندما أرسلهم لمقاتلة الرّوم في ال ّشام‬
‫‪:‬قال أبو بكر لقادته‬
‫إيّاكم واتّباع الهوى (‪ )..‬واستعملوا العقل وباعدوا عنكم الظّلم والجور واعدلوا مع الجميع‪ ،‬فإنـه ال أفلح قـوم ظلمـوا«‬
‫‪.‬وال نُصروا على عدوهم (‪172»)..‬‬
‫‪:‬وأوصى عسكره بقوله‬
‫وال تخالفوا أمراءكم (‪ )..‬وأذا لقيتم القوم فال تولّوهم األدبار ومن يولّهم يومئذ دبره اال متحرفا ً لقتال او متحيّــزاً إلى«‬
‫الذهاب للمعركـة‪ ،‬وال تـدعوا كــثرة أعـداد أعـدائكم تخيفكم‪.‬‬ ‫فئة فقد باء بغضب من هللا [ومأواه جهنّم وبئس المصير]‪ ،‬وال تخافوا ّ‬
‫وإذا نَصركم هللا على عدوكم فال تعملوا سيوفكم في من خضعوا لكم وال تمثّلوا فيهم‪ ،‬وال تقتلوا طفالً صـغيراً أو شـيخا ً كبـيراً وال‬
‫امرأة‪ .‬واذا ما سرتم في أراضي أعدائكم‪ ،‬فال تعقروا نخالً وال تحرقوه‪ ،‬وال تقطعوا شجرة مثمرة‪ ،‬وال تفسدوا أو تحرقوا حقولهم‬
‫أو مساكنهم‪ ،‬وال تذبحوا شاة وال بقرة وال بعيراً إال لمأكلة‪ .‬وال تهدموا شيئا ً بال طائل‪ ،‬واسكنوا المــدن والقالع‪ ،‬وال تهــدموا منهــا‬
‫سوى ما يمكن أن يتّخذه أعداؤكم حصونا ً لهم‪ .‬وارحموا المغلوبين والمقهورين‪ ،‬يرحمكم هللا‪ .‬وال تتساهلوا مع كل فخور متجبّــر‪،‬‬
‫ومن ال يُذعن لشروطكم‪ .‬ولتكن عهودكم بيّنة وتجنّبوا ال ّزيف والخداع في معاملــة أعــدائكم‪ ،‬وال تخونــوا وال تغــدرو إذا عاهــدتم‪،‬‬
‫وال تنقضوا إذا صالحتم‪ .‬وسوف تمرّون بأقوام قد فرَّغوا أنفسهم في الصّوامع رهبانا ً فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم لــه‪ ،‬وال تهــدموا‬
‫‪.‬صوامعهم‪ .‬ولكن اقتلوا من أعدائكم من يشهرون السّالح في وجهكم غير مذعنينـ لشروطكم»‪173‬‬
‫ومن ضمن الصّيغ العديـدةـ األخـرى لوصـايا أبي بكـر لقادتـه وجنــده هنــاك فقــرة أخـرى بعـد تلــك الـتي تتحـ ّدث عن‬
‫ال ّرهبان‪ ،‬وهي تتحدث عن رتبة أخرى من رجال ال ّدين يمكن التّع ّرف عليهم ألنهم «قد حلقوا أوساط رؤوســهم»‪ .‬هــؤالء يوصــي‬
‫أبو بكر بقتلهم دون أن يعرض عليهم االستسالم‪ .‬ويبدو أن هذه الفقرة تشير إلى رجال ال ّدين العلمانيين‪ ،‬لكننــا نشــك فيمــا إذا كــان‬
‫أبو بكر نفسه أصدر مثل هذا األمر الذي يبدو وكأنه إضافة ذات طابع طائفي ت ّمت في زمن الحق‪ ،‬كما أنه ال ينسجم مع مبــادىء‬
‫‪.‬الرّأفة وال ّرحمة التي تقوم عليها «الوصايا» التي تدعو عموما ً إلى التّسامح واإلنصاف‬
‫يتّضح الموقف الذي كان يتّخذه السّنة من النّهج الذي اتّبعه ال ّشيعة والتزموا به من خالل توجيــه ال ُمطـ ِّرف البن أخيــه‬
‫عبد الرّحمن الثّالث‪ ،‬خالل خروجه لقتال ابن حفصون في عام ‪ ،917‬بأن يستأصــل شــأفة الثّــائرين دون أن تأخــذه بهم «رأفــة أو‬
‫ألن المسامحة واللّين في رأيــه مبــادىء يســاء فهمها‪ ،174‬مشــيراً كمــا يقــول كونـ ِده في مالحظتــه‪ ،‬إلى أقــوال علي بن أبي‬ ‫شفقة» ّ‬
‫طالب ووصاياه التي ح ّرمت «قتل الهاربين خارج ميدان القتال كمــا حـرّمت محاصــرة المــدن حصــاراً شــديداً ألكــثر من بضــعة‬
‫‪.‬أيام»‪ ،‬وهو ما يوحي بأن عبد ال ّرحمن كان قد أمر بالتزام هذه المبادىء‬
‫هذه الواقعة وحـدها كافيـة لكي تـبيّن لنـا شـدة االختالف بين أتبـاع المـذهبين في المبـادىء األساسـية الـتي يتّبعونهـا‪،‬‬
‫ّ‬
‫والشـفقة الــتي يســاء‬ ‫ويساعد في فهم النّزاع المستديم بين حاكم كانت سياسته تقــوم على «عــدم إيالء أ ّ‬
‫ي اعتبــار لمبــادىء الرّأفــة‬
‫صارم بتلك الوصايا‬ ‫‪.‬فهمها» وأولئك الذين كان مذهبهم يدعوهم إلى االلتزام ال ّ‬
‫أن الخالف المبــدئي البــارز بين المــذهبين في طريقــة خوضــهما للقتــال‪ ،‬يوضــح‬ ‫ويمكننا أن نالحظ بصورة عرضيّة ّ‬
‫ويفسـر الكثــير من الرّوايــات المتضــاربة عن أعمــال قتــل وحشــية‬ ‫ّ‬ ‫بشكل كبير ما كان غير مفهوم في تاريخ اإلسالم في إســپانيا‪،‬‬
‫‪.‬وسفك دماء جنبا ً إلى جنب مع قصص تعبّر عن سمات الشهامة والمروءة والسّخاء جديرة بأرقى الحضارات‬
‫ّ‬
‫الذمـة من غـير‬ ‫الصـفح على المغلـوبين والرّأفـة في معاملـة غـير المقـاتلين وأهـل ّ‬ ‫لقد ورد الكثـير من الرّوايـات عن ّ‬
‫ّ‬
‫الح َكم المستنصــر وحفيــده هشــام الثــاني‬ ‫ّ‬
‫المسلمين‪ ،‬وعن مراعاة مصالح ال ّزارعين والفالحين في عهد عبد الرّحمن الثالث وابنــه َ‬
‫ابن ال َح َكم (أو باألحرى حاجبه ال ّشهير المنصور بن أبي عامر وهو من اليمانيين)ـ وال ُمعت ِمدـ بن َعبّاد ملك إشــبيلية‪ ،‬والــذين كــانت‬
‫أن آخر ثالثة خلفاء على عرش قُرطُبة عملوا بتلك المبادىء تي ّمنا ً بأجدادهم ح ّكــام‬ ‫ك ّ‬‫تسيل في عروقهم جميعم دماء يمانية‪ .‬وال ش ّ‬
‫ً‬
‫ي من الح ّكام األمويين من قبل مشاعر التعاطف هذه وهذه السّمات‪ .‬وشكلت هذه المبـادىء أساسـا ألكـثر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إشبيلية‪ ،‬حيث لم يُظهر أ ّ‬
‫ي وقت من‬ ‫أساليب الحكم نجاحـا ً في إســپانيا المســلمة والــتي تجلّت فــترات اعتمادهــا في تــألّق الحكم‪ ،‬حيث لم تكن األنــدلس في أ ّ‬
‫األوقات في مثل تلك القوة والثّراء والرّخاء والرّضا كما كانت في عهد هؤالء الح ّكــام الــذين ســاروا جميعهم بصــورة أو بــأخرى‬
‫‪.‬على نهج عل ّي واهتدوا به‬
‫بعد فترة قصيرة من تولّي عبد هللا بن مح ّمد عرش قُرطُبة في عام ‪ ،888‬كان ابنه مح ّمد واليا ً على إشبيلية‪ ،‬رغم أنــه‬
‫ي تفســير لمــا يعنيـهـ هــذا‬ ‫من غير الواضح إن كان والده هو الذي عيّنه في هذا المنصــب أم ع ّمــه المنــذر قبــل وفاتــه‪ .‬وال يوجــد أ ّ‬
‫المنصب على مدينةـ كان بني حجّاج يحكمون فيها كالملوك كمـا يقـول ابن حيّـان‪ .175‬ولكن قـد يشـير ذلـك إلى أن األمـراء الـذين‬
‫غالبا ً ما كان يذكر أنهم عيّنوا ح ّكاما ً على هذه المدينةـ أو تلك والتي نعرف أنه يسكنها ويحكمها أشراف ينتمون إلى الفريق اآلخــر‬
‫في ال ّدولة‪ ،‬كانوا في الحقيقة موظفين ال يفعلون سوى تمثيل أمير قُرطُبة فيمـا يتعلّـق بجمـع الجبايـة من األمـراء المولّـدين‪ .‬وكمـا‬
‫شرحنا من قبل‪ ،‬فقد كانت معظم مناطق جنوب غرب األندلس يحكمها أمراء ينتســبون إلى الملــك غيطشــة‪ ،‬بصــورة أو بــأخرى‪،‬‬
‫والذين كانت تربطهم عالقات مو ّدة وصداقة بالعائالت ال ّشيعية إن لم تكن عالقات مصاهرة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يسرد المؤرّخــون الكثــير‬
‫من الرّوايات التي تتح ّدث عن الخالفات بين «الناس» والح ّكام الذين عيّنهم األمير عبد هللا‪ ،‬مع التّميــيز عمومـاً‪ ،‬وإن لم يكن على‬
‫ال ّدوام‪ ،‬بين كبار القوم‪ ،‬أو األشراف والنّبالء‪ ،‬الذين كانوا يؤيدون أولئك الح ّكام‪ ،‬والسّكان الذين يعيشون في تلك المناطق‪ .‬وبــذلك‬
‫ـإن عامــة النّــاس كــانوا بصــورة عامــة ال‬ ‫نعني أنه وعلى ال ّرغم من أن الحاكم وحاشيته كان يمكن أن يكونوا موالين لألمــويين‪ ،‬فـ ّ‬
‫‪.‬يحبّونهم وغالبا ما يعصونهم‬
‫تبدو ال ّروايات التي أوردها مختلف الكتّاب عن ال ّدور الذي اضطلع به األمير مح ّمــد في األحــداث الــتي أعقبت تــولي‬
‫ي من‬ ‫والـده للعــرش‪ ،‬وخصوصـا ً أعمالــه في إشــبيلية‪ ،‬متناقضـة إلى درجــة كبـيرة بحيث ال يمكن تكـوين صـورة منســجمة من أ ّ‬
‫الكتّاب‪ ،‬وعلى األخصّ من ابن حيّان أو ڠايانڠوس‪ .‬ولكن من خالل تجميع اإلشارات المتفرّقة إلى األسماء واألمــاكن والتّــواريخ‬
‫في فقرات أُخذت من كتّاب مختلفين‪ ،‬تم ّكنا من استخالص شرح مقنع لألسباب والنّتــائج الــتي أ ّدت إلى النّهايــة المأســاوية لألمــير‬
‫كاف عليــه‪ ،‬بغضّ النّظــر عن ال ـ ّدور الكبــير‬ ‫ٍ‬ ‫ال ّشاب الذي يبدو أن أبن حيّان وغيره من المؤرّخين ال ُّسنّة تعم ّدوا عدم تسليط ضوء‬
‫‪.‬الذي اضطلع به ابنه في تسطير تاريخ أ ّمتهم‬
‫أن مح ّمداً عُـرف بسـعة علمـه وحلمـه وشـجاعته‪ ،‬فقـد كـانت عالقتـه متـوتّرة بأبيـه وبـأفراد عائلتـه‬ ‫وعلى الرّغم من ّ‬
‫‪.‬الباقين‪ ،‬وذلك على ما يبدو بسبب حبّه لفتاة نصرانية تدعى ماريّا تزوّجها في الفترة ما بين ‪ 888‬و‪890176‬‬
‫ـإن األمــر كــان ســيولّد‬
‫من السّهل أن نفهم أنه إن كان األمير مح ّمد ابن امرأة مسيحيّة وأحب وتزوج امرأة مسيحيّة‪ ،‬فـ ّ‬
‫أن ماريّا زوجــة مح ّمــد كــانت تنتمي إلى عائلــة األمــيرة‬ ‫حساسية ويخلق توتراً مع أفراد عائلته ال ُّسنّة المتش ّددين‪ .‬وما من شك في ّ‬
‫ّ‬
‫سارة‪ ،‬ألنه وبعد نحو خمسين سنة من ذلك الوقت‪ ،‬عثرنا على رواية تتح ّدث عن تعامل ابنه عبد الـرّحمن الثــالث مــع «ابن خالــه‬
‫أحمد ابن إسحق» المتح ّدر من عائلة مسيحية وأحد أحفــاد األمــيرة ســارة من زوجهــا األول‪ .‬ونحن نميــل إلى التّفكــير بــأن ماريّــا‬
‫كانت ابنة أو ابنة أخي «الملك» عبد هللا بن حجّاج نفسه‪ ،‬نظراً لحرص المقّري على حذف اسم أبيها‪ ،‬واإلشارة إليهــا باســم ُمزنــة‬
‫‪.‬فقط‪177‬‬
‫عندما بلغ األمير مح ّمد إشبيلية‪ ،‬كانت المدينة في حال اضطراب نتيجة خالف بين المولّدين وأتباع عبد هللا‪ ،‬لن نذكر‬
‫تفاصيله‪ .‬وكان الطّرفان المتخاصــمان قــد وجّهــا خطابـات تشــرح موقفيهمــا من القضــية إلى سـلطان قُرطُبــة الــذي كلّــف مح ّمــداً‬
‫بتهدئتهما‪ .‬وبعد ان استمع إلى الطّرفين‪ ،‬أرسل يطلب من السّلطان تأجيل اتخاذ قرار حول القضية‪ ،‬وبأنها ستتضح له مع وصول‬
‫ال ّرسل الذين خرجوا إليه‪ ،‬نظراً لكونها قضيّة معقدة وتتطلّب النّظر فيها بتمعُّن‪ .‬لكن عبد هللا‪ ،‬وتحت تــأثير ال ُمطــرِّف‪ ،‬الــذي كــان‬
‫دائما ً يتبنّى موقفا ً معاديا ً ألخيه‪ ،‬تجاهل آراء ابنه األكبر ال بل تعامل معها بوصفها دليالً على عــدم إخالصــه‪ ،‬وقـد قـ ّدم لــه مح ّمـد‬
‫‪.‬سببا ً لذلك عندما سمح البن غالب‪ ،‬أحد األطراف المعنيين‪،‬ـ بالعودة مؤقتا ً إلى قلعته التي كان األمويون يسعون الى انتزاعها منه‬
‫اغتبط المولّدون أمام سماحة األمير ال ّشاب ومعاملته الطّيبة لصديقهم والــتي اعتبروهــا دليالً على تعاطفــه معهم‪ .‬لكن‬
‫عبد هللا استشاط غيظا ً وأمر باعتقال ابن غالب وقتله‪ ،‬كما أرسل فرداً آخر من العائلة المالكة‪ ،‬يدعى أُميّة‪ ،‬ليحـ ّل محــل مح ّمــد في‬
‫‪.‬منصب حاكم إشبيلية‪ .‬عندئ ٍذ قرّر األمير مح ّمد ترك كل شىء والعيش بين المولّدين واليمانيين الذين بقي معهم حتى مماته‪178‬‬
‫أن أخويه القاسم واألصبغ‪ ،‬وكذلك ابنه مح ّمد‪ ،‬انض ّموا إلى قادة التّمرّد في أليسانة وأســتبة‬ ‫عندما سمع األمير عبد هللا ّ‬
‫وأن عدداً من وزرائــه وأفــراد شــعبه الــذين كــانوا يظهــرون والءهم لــه رفضــوا‬ ‫والبيرة ورية‪ ،‬ومرتفعات سي ّرانيا دي ال روندا‪ّ ،‬‬
‫اشــت ّد بــه القلــق من أن يرفــع ابنــه مح ّمــد لــواء التّمـرّد في إقليم شـريش ‪ Jaen،‬االذعان ألوامره في شن الحرب على أهل جيـان‬
‫ّ‬
‫المفضـل لـدى أعمامـه القاسـم واألصـبغ حـاكمي هـاتين ‪( Jerez‬خيريث)‬ ‫ّ‬ ‫ومدينةـ صيدونيا (شـذونة) أيضـاً‪ .‬فمح ّمـد كـان دائمـا ً‬
‫المدينتين‪ .‬ولذلك أرسل ال ُمط ِّرف إلى إشبيلية أمال في أن يستمع أخوه مح ّمد إلى نصيحته فيطيّب خاطره ويسترضي كبرياءه‪ ،‬في‬
‫‪.‬حين توجّه هو لمحاصرة طُليطلة معقل النّصارى الذين كانوا لسنوات يرفضون االنصياع للحكم اإلسالمي‬
‫ولكن مح ّمداً‪ ،‬الذي كان صـاحب مظلمـة ال تـتيح لـه االسـتجابة لرغبـة والـده في استرضـائه‪ ،‬رفض عقـد صـلح مـع‬
‫ال ُمطرِّ ف أو حتى التّفاوض معه‪ .‬فكتب ال ُمط ِّرف إلى عبد هللا يقول له إنه لم يسمح لـه بـدخول إشـبيلية وإن مح ّمـداً رفض اإلجابـة‬
‫‪.‬على خطاباته‪ .‬وربما كانت تجربة مح ّمد كافية لتجعله يعرف أنه ال يمكنهـ االعتماد على أخيه كوسيط‬
‫وانض ّم الكثير من الثّوار إليه وراحوا يحضّونه على مهاجمة قُرطُبـة‪ ،‬وكـان حلفـاؤه قـد ثـاروا في كامـل أقليم جيـان‪،‬‬
‫حيث أراضي أحفاد أرطباس‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬بدا الوضع خطيراً لل ُمط ِّرف الذي كان على ما يبدو جنديا ً كفــوءاً فأشــار على األمــير‬
‫‪.‬عبد هللا أن يدع ضباطه يشرفون على حصار طُليطلة ويعود فوراً إلى قُرطُبة‬
‫ـن الحــرب على مح ّمــد إلخراجــه من إشــبيلية‬ ‫لشن حملة مع ال ُمط ِّرف تتض ّمن شـ ّ‬ ‫أسرع عبد هللا في العودة وأع ّد خطة ّ‬
‫وأسره‪ ،‬والعمل في هذه الحين على تهدئة الثّورات في البالد من خالل معاقبــة الثّــوار‪ .‬ولم يكن عبــد هللا أو ال ُمطــرِّ ف يتخيّالن ّ‬
‫أن‬
‫‪.‬األمر سيستغرق أكثر من ربع قرن ليتحقّق لهما ما أراداه‪179‬‬
‫كان مح ّمد خالل السّنوات الخمس التّالية أحد قادة المولّــدين‪ ،‬إن لم يكن كبــير قــادتهم‪ .‬وفي حين خــاض ابن حفصــون‬
‫ُ‬
‫حربا ً مستم ّرة في المناطق المحيطـة بقلعتــه بشــتر‪ ،‬خـاض مح ّمــد وأمـير إشــبيلية عبـد هللا بن حجّـاج‪ ،‬حربهمــا على قُرطبـة دون‬
‫صعوبات في مناطق إشبيلية ولبلة وقرمونة‪ .‬خاض ال ُمط ِّرف معارك كثيرة ضد أخيه في شــذونة وشــريش وأســتبة وقرمونــة في‬
‫‪.‬حين كان ابن حجّاج يدافع عن إشبيلية مع خيالته الخمسمئة‬
‫أن الحــرب األهليــة الطّويلــة امتـ ّدت‪ ،‬وكــانت مقتصــرة‬ ‫يمكن من خالل إلقــاء نظــرة ســريعة على الخارطــة أن نــرى ّ‬
‫صة على األراضي التي ملكها األمراء القوط في القرن الثّامن‪ ،‬وحلفــاؤهم اليمــانيون‪ ،‬وهي حقيقــة تــدلّ‪ ،‬مهمــا رغب‬ ‫بصورة خا ّ‬
‫ُ‬
‫‪.‬ابن حيّان أن يس ّميها‪ ،‬على جهد مديد وتصميم على عزل ساللة قُرطبة لصالح حاكم من ذ ّريّة غيطشة‬
‫ق زوجتــه فيــه‪،‬‬ ‫ومن المستحيل معرفة إن كان المولّدون حينها يرغبون في تولية مح ّمد نفسه على العرش‪ ،‬نظــراً لحـ ّ‬
‫الشـاب‪ ،‬بعـد أن قاتـل طـوال خمس سـنوات جنبـا ً إلى‬ ‫فمثل هذه الخطة‪ ،‬إن ُوجدت‪ُ ،‬وئِدت في المهد بسبب الوفاة المبكـرة لألمـير ّ‬
‫إن ذلــك حصــل في العــام ‪،)891‬‬ ‫جنب مع أصدقائه من أهل إشبيلية‪ .‬وخالل هذه السّنوات الخمس ولد ابنه الوحيــد (يقــول دوزي ّ‬
‫وهو الذي أصبح فيما بعد الخليفة عظيم ال ّشأن عبد الـرّحمن الثّــالث‪ .180‬كــان عبــد الـرّحمن في الحاديــة والعشــرين عنــدما تــولى‬
‫‪.‬العرش في عام ‪ 912‬بعد وفاة ج ّده‪ .‬أ ّما أبوه فعاش في إشبيلية من ‪ 888‬أو ‪ 889‬وحتى ‪895181‬‬
‫في عام ‪ ،895‬عندما عاد األمير عبد هللا إلى قُرطُبة من طُليطلة‪ ،‬أرســل خيّالتــه لتعزيــز الجيش الــذي قــاده ال ُمطــرِّ ف‬
‫لمطاردة المتمرّدين‪.‬ـ ويقول كون ِده إن ال ُمط ِّرف تمكن من السّيطرة على إشبيلية وقرمونة‪ ،‬لكن رواية ابن حيّان ال تتفق معه‪ .‬يقول‬
‫إن ال ُمط ِّرف توقف في موقــع يــدعى طلبــيرة‪ ،‬على ضـفاف نهــر وادي الـرّحى‬ ‫على بعــد نحــو ثالثــة ‪ Guadaira182،‬ابن حيّان ّ‬
‫كيلومترات من إشبيلية‪ ،‬ومن هناك اتجه إلى قرمونة حيث‪ ،‬وإن كــان لم يــذكر ابن حيّــان ذلــك‪ ،‬حصــلت معركــة أصــيب خاللهــا‬
‫‪.‬مح ّمد وع ّمه القاسم ووقعا في األسر‪183‬‬
‫ُمنيت قوات المولّدين خالل هذه المعركة بهزيمة ساحقة بعد معارك ضارية‪ .‬وخاض األمير مح ّمد الحرب ببسالة كما‬
‫فعل خيّالته وجنده‪ ،‬ولكن حصانه قتل تحته‪ ،‬أما هو ف ُحمل وقد «اثخنته الجراح حتى شلّته عن الحركة» ألى حيث أخيه ال ُمطرِّ ف‪.‬‬
‫كما اقتيد ع ّمه القاسم‪ ،‬وهو في حالة شبيهة بحالته‪ ،‬إلى ال ُمط ِّرف الذي أمر بحراسة األميرين الجريحين ومداواة جراحهما‪ .‬تعافى‬
‫القاسم وسُمعت أخباره مج ّدداً في إشبيلية بعد بضع سنوات‪ .‬أ ّما مح ّمد فتوفي في السّجن عن ثمانية وعشرين عاماً‪ .‬ويقول البعض‬
‫إنّه مات مسموما ً بأمر من أخيه‪ ،‬ويقول آخرون بأمر من أبيه‪ ،‬ويقال أيضا ً إنه مات متأثراً بجراحه ولشـ ّدة يأســه‪ .‬والـرّأي ّ‬
‫السـائد‬
‫أنه قتل‪ ،‬واالسم الذي أعطي البنه يشير إلى ذلك‪ .‬كــان يطلــق على ابنــه عبــد الـرّحمن ابن الرّابعــة حينهــا في البالط «ابن مح ّمــد‬
‫‪.‬المقتول»‪184‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫األندلس في القرن التّاسع (تت ّمة)‬
‫وقعت هذه األحداث في العام ‪ .895‬ويخبرنـا ابن حيّـان أن ال ُمطـ ِّرف عـاد إلى إشـبيلية بعــد الحملــة الــتي دار خاللهـا‬
‫معركة قرمونة‪ ،‬و«أمر بإحضار القادة األسرى‪ ،‬خلدون بن ح ّجاج وخالد بن عثمان بن خلدون وعبد الملك أمير شذونة وأتباعهم‬
‫إليه‪ .‬وبعد ذلك بثالثة أيام أمر بخنقهم جميعاً»‪ .‬غير أن كون ِده يعيد تاريخ إعدام إبراهيم بن حجّاج إلى سنة ‪ ،911185 - 910‬بعد‬
‫أن ابن حيّان (أو ناسخه) ز ّل قلمه وكتب إبراهيم عوضا ً عن عبــد هللا‪ ،‬ســتكون األحــداث‬ ‫مناوشات لم يح ّدد موقعها‪ .‬ولو افترضنا ّ‬
‫‪.‬الالحقة أكثر اتفاقا ً مع المنطق‬
‫لم يذكر ابن حيّان شيئا ً عن مصير األمــير عبــد الـرّحمن بعــد مــوت أبيــه مح ّمــد‪ .‬ونعتقــد أنّــه عــاش على األرجح في‬
‫وأن اسم «ابن المقتول» كـان يُطلـق عليـه في بالط إبـراهيم بن حجّـاج الـذي خلـف‬ ‫إشبيلية في حماية أقرباء والدته لعدة سنوات‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫أخاه عبد هللا في عام ‪ ،895‬بناء على فرضيتنا‪ .‬ما كان ليجرؤ أحد أن يطلق على الطفل مثل هذا اللقب على أسماع السّلطان عبــد‬
‫أن أباه كان يعتبر هناك شــهيداً‬ ‫هللا أو ابنه ال ُمط ِّرف الذي قتل مح ّمد على يديه‪،‬ـ في حين أنه كان سيعتبر لقبا ً مشرفا ً في إشبيلية بما ّ‬
‫لدعوة المولّدين واليمانيينـ الــذين كـان ابن حجّـاج «ملكهم»‪ .‬وبـالطبع مـا كــان سيسـجّل تلــك القصـة غــير مـؤ ّرخ ينتمي إلى ذاك‬
‫‪.‬الفريق‬
‫ق في تحديد تاريخ مقتل إبراهيم بن حجّاج في وقت متــأخر‪ ،‬بعــد عـ ّدة ســنوات من التّــاريخ‬ ‫أن كون ِده مح ّ‬
‫إن افترضنا ّ‬
‫أن ابن ح ّجاج الذي قتله ال ُمط ِّرف لم يكن إبراهيم وإنما عبد هللا‪ ،‬تصبح روايتــه لألحــداث أقــرب إلى‬ ‫الذي ح ّدده ابن حيّان‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫السـيطرة على‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ي كاتب آخر سوى القليل من المعلومات التي تشير إلى نجـاح فريـق قرطبـة في ّ‬ ‫الفهم‪ ،‬حيث لم يع ِط ابن حيّان أو أ ّ‬
‫أن بني حجّاج استمرّوا يحكمونها‬ ‫‪.‬إشبيلية فعالً أو قمع الثّورة فيها‪ ،‬في حين توجد أدلّة قوية على ّ‬
‫يقول كون ِده إنّه في العام ‪ ،902‬وبدالً من أن يعمل السّلطان عبد هللا بمشورة «المتش ّددين» الذين حضّوه على االنتهاء‬
‫من ابن حفصون وإعالن الحرب على النّصارى‪ ،‬قام بإرسال قائده عبيدـ هللا ابن الجمري للتّفــاوض مــع ألفونســو الثّــالث‪ 186‬ملــك‬
‫ـن «حربـا ً ال هــوادة فيهــا» على الثّــائرين الــذين‬ ‫وإن ابن الجمري نجح في عقــد صــلح معــه والموافقــة على أن يشـ ّ‬ ‫جليقية وليون‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫يقتربون من حدود مملكته‪ .187‬يبدو أن البديل لالتفاق مع ألفونسو كــان عقــد صــلح مــع ابن حفصــون‪ .‬ويقــول كونـ ِده اســتنادا إلى‬
‫الصـلح هــذه أغضــبت «ال ّزاهــدين الــورعين من مســلمي‬ ‫المراجع التي نقل عنها المعلومات الواردة في فصله هذا إن مفاوضــات ّ‬
‫األندلس» إلى ح ّد أنهم في بعض المدن باتوا يغفلون ذكر اسم األمير عبد هللا في خطبة الجمعــة أو في صـلواتهم اليوميــة‪ ،‬ألنــه لم‬
‫يعد في نظرهم مؤتمنا ً على حقوق المسلمين‪ .‬لكن االيحاء الوارد آنفا ً بــأن الخالف كــان دينيـا ً وليس سياســيا ً يتنــاقض مــع الجملــة‬
‫السـنّة‪ ،‬أو‬‫ي وقت من األوقات من «ال ّزاهدين الورعين أو الملتزمين بفــروض الـ ّدين» في نظــر ُّ‬ ‫التّالية‪ .‬فاليمانيون لم يكونوا في أ ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫صالة‪ .‬على العكس من ذلك‪ ،‬فغالبا ما وصفهم الكتاب الشوام بــأنهم‬ ‫كما كان عليه رجال ال ّدين الذين أغفلوا ذكر اسم عبد هللا في ال ّ‬
‫ال يتقيّدون أو يهملون اتّباع تعاليم اإلسالم المتش ّددة بحذافيرها‪ .‬وهكذا عندما نعلم أن هذه «الجرأة التي ما بعدها جرأة» في إهانــة‬
‫وأن القاسـم وهـو أخـو عبـد هللا شـجع على التّعبــيرعن هــذه‬ ‫حاكم قُرطُبة علنا ً حدثت في إشـبيلية‪،‬ـ عاصـمة اليمــانيين والمولّــدين‪ّ ،‬‬
‫أن أسباب االضطرابات سياسية وليست دينية‬ ‫‪«.‬اآلراء الصّفيقة»‪ ،‬ألدركنا ّ‬
‫أن عبد هللا كان يرغب في إصالح ذات البين مع القاســم وكســب والئــه من خالل تعيينـهـ حاكمـا ً‬ ‫ورد في فصل سابق ّ‬
‫ّ‬
‫على إشبيلية بعد معركة قرمونة التي هُزم فيها مع ابن أخيه مح ّمد‪ ،‬ولكن ال ُمطرِّف عارض رغبــة أبيــه‪ ،‬وهكــذا «طــوى النســيان‬
‫أن عبد هللا تح ّدى ربمــا لمــرة واحــدة ال ُمطــرِّف وتصـرّف‬ ‫أن القاسم نجح في الهرب أو ّ‬ ‫القاسم كما لو أنه كان في السّجن»‪ .‬يظهر ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪.‬خالفا لمشورته‪ ،‬ألنه اعتبارا من العام ‪ 902‬استعاد القاسم نفوذه بين أهل إشبيلية‬ ‫ً‬
‫عندما تناهت أخبار إشبيلية إلى أسماع عبد هللا أرسل أحد وزرائه‪ ،‬متن ّكراً على مــا يبــدو‪ ،‬الســتطالع األمــور‪ .‬وعــاد‬
‫الصـلوات‪ ،‬كــانوا‬ ‫الذكاء‪ ،‬ليؤ ّكد للملك صحّة ما نقـل إليـه‪ ،‬ويقــول لـه إنـه بـدالً من ذكــر اسـمه في ّ‬ ‫الوزير‪ ،‬الذي كان شجاعا ً حا ّد ّ‬
‫أن القاسم كان يقول في العلن إنه ال ينبغي تأدية ال ّزكاة‬ ‫إلى عبد هللا‪ ،‬ألنــه لم ‪ azaque‬يذكرون اسم «خليفة ال ّشرق»‪ 188‬في حين ّ‬
‫الس ـم لــه في‬‫يكن مسلما ً تقيا ً وال مؤمناً‪ ،‬وإنه كان يستخدم ال َخراج في غير صالح المسلمين‪ .189‬وهكذا أمر عبــد هللا بســجنه ودَسِّ ّ‬
‫‪.‬السّجن‪190‬‬
‫األرجح أن المعاهدة التي وقعها عبد هللا مع ألفونسو الثّالث ضد ابن حفصون كانت السّبب الحقيقي الذي أغضب أهل‬
‫إشبيلية اليمانيين والمولّدين ودفعهم إلى إهانة حاكم قُرطُبة‪ .‬لقد كــان حليفهم ابن حفصــون (مراجعــة الفصــل التّــالي) ورغم كونــه‬
‫‪.‬مسيحيا ً على عالقة وطيدة مع الكثير من العائالت ذات األصل اليماني‬
‫ولكن بعد هذه األزمة‪ ،‬دخلت العالقات بين بني حجّ اج وعبد هللا وبصورة مفاجئة مرحلة جديدة‪ .‬يقول دوزي إن عبــد‬
‫هللا أصبح صديقا ً البن ح ّجاج‪ ،‬وبما أن إشبيلية كانت موئل التّم ّرد‪ ،‬ما إن أزاح العداوة الــتي كــان يكنهــا لـه زعيم الثّــائرين عليــه‪،‬‬
‫سرعان ما انصاعت لبلة وكل بؤر العصيان حتى الجزيرة لحاكم قُرطُبة‪ .‬ويق ّدم دوزي شرحا ً مستفيضا ً لهذا التّغيّر‪ ،‬لكننا سنكتفي‬
‫جاج أسيراً لديه‪ ،‬ودفع األب إلى اإلذعان من خالل إعادته إليه‪191‬‬ ‫‪.‬اختصاراً بالقول إن عبد هللا احتجز ابن بن ح ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫يخبرنا كون ِده أنه في العام ‪ ،911 - 910‬باغت ال ُمط ِّرف جيش المولدين الذين وافقوا حقنا لدمائهم على تسليمه قائدهم‬
‫جاج الذي قام ال ُمطرِّف بقطع رأسه‪192‬‬ ‫‪.‬إبراهيم بن ح ّ‬
‫في هذه السّنة ذاتها‪ ،‬كما يقول كون ِده‪ ،‬يكتشف قائد الجيش عُبيدـ هللا بن جمري الذي حقّق العديد من االنتصـارات على‬
‫الثّوار‪ ،‬أن ال ُمط ِّرف يعمل على إقناع أبيـه بتنحيتـهـ من منصـبه كقائـد للجيش ووالي مقاطعـة مـاردة متعلّالً بتق ّدمـه في ّ‬
‫السـن م ّمـا‬
‫يستدعي أن يرتاح بعد أن أنهكته الحرب األخيرة التي خاضها‪ .‬يرفض األمــير عبــد هللا األخــذ بطلب ال ُمطــرِّ ف الــذي يصـ ّر على‬
‫فضـل أن يحفــظ كرامتــه‬ ‫ذلك والسّبب أنـه كـان يريـد أن يحصـل على منصــب ابن جمـري لنفسـه‪ .‬عنــدما علم ابن جمـري بـذلك ّ‬
‫ويستقيل من منصبه لصالح ال ُمطرِّ ف بحجة أنه يرغب في أن يستأذن لفترة طويلة ألداء فريضة الح ّج في م ّكة‪ .‬ولكن يبدو أن ابن‬
‫الصـقالبة وهم من «األجـانب ّ‬
‫الشـرقيين‬ ‫جمري تخلّى عن فكرة الحج‪ ،‬ألنه عندما عاد إلى قُرطُبـة عيّنـه عبـد هللا رئيسـا ً لحراســه ّ‬
‫الذين كانوا يلقون كل احترام لكياستهم وبسالتهم وإخالصهم الالمتناهي‪ .‬كانوا يتولّون حراسة القصر من ال ّداخل‪ ،‬ويحملون ســيفا ً‬
‫‪».‬يستخدم باليدين وترسا ً ودبّوسا ً‬
‫في غياب ال ُمطرِّ ف وانشغاله بقمع الثّائرين على الحكم‪ ،‬وكان يقطع رؤوس كل من تقع يده عليهم أو يطعنهم برمحه‪،‬‬
‫فيرهبه أصدقاؤه قبل أعدائه بسبب قسوته وش ّدة انضباطه العسكري‪ ،‬اغتنم ابن جمري الفرصة لالنتقام من هذا األمــير وق ـ ّدم إلى‬
‫الملك عبد هللا حفيده الذي يفترض أن يصبح بصورة طبيعية وليا ً للعهد لو نال عطف عبد هللا وحبّه‪ .‬أعلن ابن جمري نفسه حاميا ً‬
‫لعبد الرّحمن الصّغير ابن مح ّمد المقتول‪ ،‬وبذل ما في وسعه ليكسب قلب الملك وتعاطف ال ّشيوخ والوالة والــوزراء وغــيرهم من‬
‫للصـغير خشــية‬‫األعيان واألشراف النّافذين لمصلحة الصّبي الصّغير‪ .‬حرص عبد هللا على كبت كل مــا يمكن أن يــد ّل على حبّــه ّ‬
‫إغضاب ابنه ال ُمط ِّرف‪ ،‬ولكنه كان يستمع في مجلسه الخاص وبكثير من ال ّرضا لكلمات الثّناء على حفيده الـذي جعلت منـه رقتــه‬
‫‪.‬ودماثته وطباعه المحبّبة مصدراً للفرح والبهجة في بالط قُرطُبة‪193‬‬
‫يوضح المقطع التّالي (المأخوذ عن كاتب شيعي بالطّبع) كم كان عبد هللا يهاب ابنه الذي كان يعتقد كثــيرون أنــه كــان‬
‫أن غـيرة‬ ‫مص ّمما ً على تولّي الحكم من بعده‪ ،‬كما يفترض أن تسير عليه طبيعة األمور لو أن مح ّمـداً وابنـه توفّيـا‪ .‬كمــا يشـير إلى ّ‬
‫‪.‬ال ُمط ِّرف هي التي فرضت حتى ذلك الحين إبقاء عبد الرّحمن الصّغير بعيداًـ عن األنظار‬
‫لنعُد اآلن إلى قصة دوزي عن «ابن» بن ح ّجاج في ضوء حرص عبد هللا على إخفــاء حبّــه لحفيــده المولّــد «حــتى ال‬
‫‪:‬يسبّب إي إزعاج» لل ُمطرِّ ف‪ .‬يسرد دوزي باستفاضة وقائع اخماد االضطرابات في إشبيلية‪ ،‬وهو ما يمكن اختصاره فيما يلي‬
‫في العام ‪ ،899‬اطّلع إبراهيم بن حجّاج على خطاب كتبــه خالــد بن خلــدون لألمــير عبــد هللا‪ ،‬وفهم من خاللــه أن ابن‬
‫خلدون يتآمر عليه‪ .‬الم خالداً وأخاه ُك َريْب على خيانتهما له‪ .‬هاجمه خالد وجرحه لكنه نجح في طلب المســاعدة وقتلهمــا‪ .‬اعتبــاراً‬
‫أن عليــه أن يـبرّر فعلتــه لألمــير‬ ‫من ذيّاك الحين‪ ،‬أصبح إبراهيم بن ح ّجاج وحده أميراً على أراضي إشبيلية‪ ،‬ولكن بما أنــه شــعر ّ‬
‫وأن األخوين كانا يحضّانه باســتمرار‬ ‫الذي كان ال يزال يحتجز ابنه‪ ،194‬كتب إليه ليشرح له أنه ما كان بوسعه أن يفعل غير ذلك ّ‬
‫السـلطان واليـا ً على إشـبيلية فسـيتح ّمل‬ ‫على التّمرّد‪ ،‬وأنه لم يكن في طويته مؤيداً في يوم من األيام آلرائهما وأنـه في حـال عيّنـه ّ‬
‫السـلطان على عرضــه وأرســل‬ ‫كامل مصاريف الخدمات العمومية وسيؤ ّدي له إضافة إلى ذلك سبعة آالف دوقية كل سنة‪ .‬وافق ّ‬
‫‪«.‬رجالً يدعى قاسم» إلى إشبيلية ليقوم مقام مساعد له‪ ،‬لكن إبراهيم سرعان ما جعل قاسما ً يفهم أنه في ِغنى عن خدماته‬
‫ت أبداً على ذكــر‬‫أن ابن ح ّجاج‪ ،‬الذي أذل نفسه كما هو وارد لكي يُنعم عليه عبد هللا بعطاياه‪ ،‬لم يأ ِ‬ ‫يبدو بالطّبع غريبا ً ّ‬
‫استعادة ابنه من بينها‪ ،‬في الوقت الذي عرض شروطا ً متهاونة من أجل تعيينهـ حاكما ً على مقاطعة كان في األصل يحكمها وحــده‬
‫‪.‬كما رأينا سابقا ً‬
‫أن ابن حجّــاج طلب‬ ‫بعد ضمان تعيينهـ حاكما ً إلشبيلية وتخلّصه من ذاك الرّجل الذي يــدعى «قاســم»‪ ،‬يخبرنــا دوزي ّ‬
‫أن إبـراهيم غـامر للحصـول على مـراده‬ ‫استعادة ابنه‪ ،‬لقد طلب ذلـك عـدة مـرّات‪ ،‬لكن عبـد هللا أصـ ّر على رفض إعادتـه‪ ،‬رغم ّ‬
‫‪.‬بالتّهديدـ بعدم دفع الخراج له‪ ،‬وبالتّحالف مع ُع َمر بن حفصون‬
‫وجاء تهديد إبراهيم بنتيجة غريبة هي التّوقيع على عهد صلح بين ابن حفصون واألمير عبــد هللا‪ ،‬وليس بين إبــراهيم‬
‫‪.‬واألمير‪ ،‬أو إبراهيم وابن حفصون‪ ،‬كما كان يمكن لنا أن نتوقع‬
‫لكن الهدنة لم تستم ّر طويال‪ ،‬إذ عقدت في عام ‪ 901‬ونُقضت في عام ‪ ،902‬عنــدما هــاجم ابن حفصــون جنــد قُرطُبــة‬
‫تحت قيادة ابن جمري وهزمهم‪ .‬وما إن بلغت مسامع عبد هللا أنباء هذه االنتكاسة‪ ،‬حتى أمر بقتل ثالثــة من رهــائن ابن حفصــون‬
‫‪.‬المحتجزين لديه‪ ،‬أما الرّابع فأعفي عنه بعدـ أن أقسم الوالء للسّلطان‬
‫أن ابن حجّاج كان مؤيّــداً البن حفصــون في«‬ ‫ثم جاء دور عبد الرّحمن ابن إبراهيم بن حجّاج»‪ ،‬األمر الذي يفترض ّ‬
‫الصـلح الــذي‬ ‫للسـلطان ‪ -‬جعلــه جــزءاً من ّ‬ ‫أن تحالف ابن حجّاج مع ابن حفصون ‪ -‬الذي عقده تحــديا ً ّ‬ ‫ذلك الحين‪ ،‬إال إذا افترضنا ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫‪.‬عقد قبل سنة من ذلك بين عبد هللا وابن حفصون‪ .‬سنرى فيما بعد أنه يصعب أحيانا التوفيق بين روايات دوزي نفسها‬
‫كان عبد هللا قد أمر بإخراج عبد ال ّرحمن وقتله عندما تد ّخل وصيفه بدر الذي كان على عالقة و ّديّــة مــع ابن ح ّجــاج‪،‬‬
‫‪.‬وقال للملك الغاضب كالما ً منطقيا ً ه ّدأ من ثورته‬
‫الصـبي‪ ،‬ســيتعيّن عليــه ليس فقــط‬ ‫بأن ابن حجّاج تعهّد باإلذعــان لـه مــا إن يعــود إليــه ابنــه‪ .‬فـإن قُتــل ّ‬
‫ذ ّكر بدر الملك ّ‬
‫مواجهة ابن حفصون الذي لن يغفر أبداً‪ ،‬لكونه إسپانياً‪ ،‬قتل رهائنه‪ ،‬وإنما عداوة حاكم إشبيلية إلى األبد‪ .‬لقد كــان عربي ـا ً ولم تكن‬
‫قد ضاعت تماما ً فرصة استمالته إلى جانب األمير إن بقي الوضع على ما هو عليه اآلن‪ ،‬أما في حــال قُتــل الفــتى عبــد الـرّحمن‪،‬‬
‫‪.‬فسيُعقد بين ابن حفصون وابن ح ّجاج حلف دائم على العداء المديدـ للسّلطان‬
‫تر ّدد عبد هللا عندما عرض عليه وصيفه المسألة من هذا الجانب‪ .‬فتابع بــدر مؤكــداً لــه أنــه قـادر على ضــمان طاعــة‬
‫أشراف إشبيلية ما إن يطلق سراح ابن إبراهيم بن ح ّجاج‪ ،‬وهكذا أعيد عبد ال ّرحمن إلى والده بعـد أن أمضـى سـت سـنوات بعيـداً‬
‫‪.‬عن إشبيلية ‪195‬‬
‫أن الفتى وقع في يــد عبــد هللا في حــوالي‬ ‫أن هذه األحداث وقعت فعالً‪ ،‬كما يقول دوزي‪ ،‬في سنة ‪ ،902‬فهذا يعني ّ‬ ‫لو ّ‬
‫‪.‬سنة ‪ ،895‬وهي السّنة التي هُزم فيها ابنه األمير مح ّمد وتوفي‬
‫بعدها‪ ،‬يقول دوزي‪ ،‬إنه وخالل السّنوات التّسع األخيرة من حكم عبد هللا‪ ،‬هــدأت أحــوال إشــبيلية وواظب ابن حجّــاج‬
‫وألن اصطالح الحال بين إشبيلية وقُرطُبة كان نتيجــة لحســن‬ ‫ّ‬ ‫على توريد الجباية بانتظام دونما حاجة إلى إرسال الجند في طلبها‪.‬‬
‫نصيحة بدر الصّقلبي‪ ،‬رقّاه عبد هللا إلى مرتبة الوزارة وال ّشورى ووضع ثقتــه فيــه حــتى أصــبح رئيسـا ً للــوزراء بالفعــل‪ ،‬وإن لم‬
‫‪.‬يحمل ذلك اللقب‪196‬‬
‫ت ذكر عبد الرّحمن هذا بعــدها حــتى عـام ‪ .913‬وكـان إبـراهيم قــد تــوفّي خالل تلـك الفـترة‪ ،‬وخلفــه كمـا يقـول‬ ‫لم يأ ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دوزي‪ ،‬ابنه عبد الرّحمن على ما هو عمليا ً عرش إشبيلية‪ .‬وفي السّنة التي تولى فيها عبد الرّحمن الثالث حكم قُرطبــة خلفـا ً لجـ ّده‬
‫رحمن اآلخر (ابن حجّاج) وتولّى مكانه أخوه مح ّمد الذي اعلن الوالء للسّلطان الجديد ‪197‬‬ ‫‪.‬عبد هللا‪ ،‬أو حواليها‪ ،‬توفّي عبد ال ّ‬
‫وبدالً من التّوفيق بين مختلف الصّيغ التي ق ّدمها دوزي لتلك األحداث‪ ،‬سنقوم بسرد تلك التي اســتنتجناها من كتابــات‬
‫أن عبد الرّحمن‬ ‫دوزي عن الرّهينة عبد الرّحمن‪ ،‬ومن رواية كون ِده عن فترة شباب عبد الرّحمن الثّالث‪ ،‬على أساس أننا نفترض ّ‬
‫الشـديد التّعقيــد بين‬‫بن حجّاج وعبد الرّحمن الثّالث‪ ،‬هما ال ّشخص نفسه ‪ -‬وتحديداً ابن األمير مح ّمــد وزوجتــه ماريّــا‪ ،‬وأن الخلــط ّ‬
‫السـنّة‬
‫مختلف ال ّروايات المتعلقة بال ّرهائن وباالعدامات التي ذهب ضحيتها عدد من أفراد بــني ح ّجــاج نــاجم عن تكتّم المــؤرّخين ُّ‬
‫أن من واجبهم السّياسي إن لم يكن ال ّديني‪ ،‬التّعتيم على تلك الفترة الطّويلــة بمــا شــهدته من‬ ‫عن الحقيقة‪ ،‬وهم الذين كانوا يعتبرون ّ‬
‫أن بإمكاننـا القـول إنهـا أكـثر قابليـة للتّصـديق من أيّـة‬ ‫الهزائم والخزي والعار‪ .‬نحن ال ن ّدعي بأن قصتنا هي الحقيقية‪ ،‬لكننا نعتقد ّ‬
‫‪.‬رواية أخرى لألحداث نفسها‬
‫عندما توفي االمير مح ّمد في عام ‪ ،895‬كان طفله مع أ ّمه في إشبيلية‪ .‬كان السّلطان عبــد هللا‪ ،‬الــذي أحبّ ابنــه البكــر‬
‫الصـغير اليــتيم تحت جناحــه‪ ،‬لكن ال ُمطــرِّ ف الــذي لم‬ ‫حبّا ً ج ّماً‪ ،‬على الرّغم من كل ما جرى بينهما‪ ،‬راغبا ً في أن يحتضن حفيــده ّ‬
‫يكن يرغب في رؤية الوريث الطّبيعي للعرش يربّى في رعاية ج ّده‪ ،‬ردعه عن ذلك‪ .‬لقد كان بنو ح ّجاج في ذك الوقت مفجوعين‬
‫ال بموت قائدهم ال ّشاب فحسب‪ ،‬وإنما كذلك بمقتل أميرهم عبــد هللا بن ح ّجــاج الــذي أُســر مــع األمــير مح ّمــد في قرمونــة‪ ،‬وكــذلك‬
‫األمير القاسم وخالد ابن خلــدون وغيرهمــا من قـادة اليمانيــة والمولّــدين‪ .‬كـان ال ُمطـرِّف يحتجــز عبــد هللا بن حجّـاج رهينــة لكنــه‬
‫‪.‬سرعان ما قتله خنقاً‪ ،‬ألسباب لم يذكرها ابن حيّان الذي نقل الواقعة‬
‫يمض وقت طويل قبل أن يتعافى أهل إشبيلية من هزيمتهم‪ ،‬ففي العام نفسه عقد إبراهيم بن حجّاج‪ ،‬أخــو عبــد هللا‬ ‫ِ‬ ‫ولم‬
‫للضـغط على األمـير‬ ‫ووريثه‪ ،‬صلحا مع السّلطان عبد هللا مقابل واليته وحده على أراضيه وممتلكاته؛ والوسـيلة الـتي اسـتخدمها ّ‬ ‫ً‬
‫عبد هللا لتعيينه واليا ً على إشبيلية‪ ،198‬هي وصايته على طفل األمير مح ّمد‪ .‬أ ّما ال ّشروط الــتي وضــعها الملــك عبــد هللا لالســتجابة‬
‫لطلبات إبراهيم والتي فرضت في السّر لتجنّب اعتراض ال ُمطرِّف‪ ،‬وبالتّالي‪ ،‬لم يطّلع عليها الكتاب ال ُّسنّة الذين اعتمــد عليهم ابن‬
‫‪.‬حيّان‪ ،‬وإن كانت معروفة في تلك الفترة بالنّسبة ألشراف إشبيلية ومؤ ّرخيهم‪ ،‬فنوردها في الفقرة التّالية‬
‫لقد اشترط عبد هللا إيالء عناية فائقة لتنشئة األمير الصّغير منذ فطامه‪ ،‬وذلك تقريبا ً في الفترة التي تــوفي فيهــا والــده‪.‬‬
‫طلب إحضار أشهر المدرسين لتدريسه ما يتناسب مع سنّه ومكانته‪ ،‬وأن يُقرأ له القرآن وأن يحفظ تعاليمه عن ظهر قلب‪ .‬وما إن‬
‫بلغ الثّامنة‪ ،‬طلب أن يُدرّس ال ُّسنّة والحديث‪ ،‬والنّحو وال ّشعر واألمثال العربيــة وسـير األمــراء وعلـوم إدارة الحكم‪ ،‬وكـل مـا هــو‬
‫متصل بالحكمة البشرية‪ .‬كما طلب تعليمه الفروســية على يــد أمهــر الفرســان لتدريبــه على التّح ّكم بفرســه في أصــعب المواقــف‪،‬‬
‫وعلى استخدام القوس والسّهام والرّمح وجعله خبيراً بكل أنــواع األســلحة واســتراتيجيات الحــرب‪ .‬كــان ينبغي باختصــار تعليمــه‬
‫‪.‬وتدريبه وإعداده ليصبح ملكا ً‪199‬‬
‫الس ـلطان‪ ،‬وبــات ابن‬ ‫الص ـلح بينــه وبين ّ‬‫وافق إبراهيم على تعليم الطّفل عبد ال ّرحمن وإعداده بمثل ما أراده ج ّده فعقد ّ‬
‫أن بــني ح ّجــاج نفّــذوا‬‫حجّاج مستقاّل ً في مقاطعته يحكمها وكأنه ملك عليها‪ ،‬كما كان أخوه من قبله‪ .‬وقد جاء التّاريخ بعــدها ليثبت ّ‬
‫تلك ال ّشروط بجدارة نظراً للنّجاح منقطع النّظير الذي حقّقه تلميذهم عندما أصــبح رجــل دولــة‪ ،‬تأسيسـا ً على مــا تعلّمــه من علــوم‬
‫‪.‬وفنون على أيدي أساتذته في إشبيلية‬
‫السـلطان وألفونسـو الثّـالث ملـك ليــون‬ ‫استتبّت األمور بين إشبيلية وقُرطُبة حتى ‪ 901‬أو ‪ ،902‬عندما عُقد حلف بين ّ‬
‫في مواجهة ابن حفصون صديق عائالت المولّدين وكبيرهم إبراهيم بن حجّ اج‪ .‬أثار هذا الحلف شعوراً باالستياء لــدى حلفــاء ابن‬
‫صلوات‪ ،‬كما هو العرف لكونه إمامهم ووليهم‪ .‬وأثناء المعركــة الــتي‬ ‫حفصون إلى ح ّد أن اسم عبد هللا لم يعد يُذكر في الخطب وال ّ‬
‫تلت ذلك بين ابن حفصون وأهل إشبيلية من جهة في مواجهة جند عبد هللا‪ ،‬فاجأت فرقة من طليعة جيش ال ُمط ـ ِّرف مجموعــة من‬
‫المولّدين من أمراء بالط إشبيلية‪ ،‬وعندما ه ّددهم بقتلهم‪ ،‬قاموا بتسليمه‪ ،‬ليس إبــراهيم‪ ،‬وإنمــا الطّفـل عبــد الـرّحمن الـذي كـان في‬
‫‪.‬الثّامنة من عمره‪ ،‬ليكون رهينة لديه فداء لهم‪200‬‬
‫في تلك السّنة نفسها‪ ،‬عزل ال ُمط ِّرف ابن جمري بصورة تعسّفيّة عن منصبه كحــاكم لمدينــة مــاردة وقائــداً للجيش في‬
‫تلك المقاطعة‪ ،‬رغم أنه كان مخلصا ً له حتى ذلك الحين وإن كان ال يوافقه في أساليبه ال ّدامية في قمع التّمرّد‪ .‬ولكن ال ُمطرِّف كان‬
‫مستا ًء منه على االرجح بسبب تعاطفه مع ابن أخيه المتوفى مح ّمد‪ .‬عاد ابن جمري عندئ ٍذ إلى قُرطُبة حيث عيّنه عبد هللا‪ ،‬الذي لم‬
‫‪.‬يكن متفقا ً بالطّبع مع ابنه بهذا ال ّشأن‪ ،‬رئيسا ً لحرسه الخاص وكان نطاق صالحيته داخل القصر الملكي‬
‫عندها ق ّدم ابن جمري نفسه بوصفه حاميا ً لألمير الصّغير عبد الـرّحمن‪ ،‬واســتفاد من مكانتــه في القصــر لكي يكســب‬
‫ثقة السّلطان فيستمع إليـه‪ .‬لقــد اسـتفاد من الظّـروف المحيطـة بــه ونجح في أن يكسـب تعــاطف ال الملـك عبـد هللا فحسـب‪ ،‬وإنّمـا‬
‫الوزراء وكل أشراف البالط مع األمير الذي في حمايته‪ .‬وسرعان ما أصــبحت دماثــة عبــد الـرّحمن وخصــاله وطباعــه الــودودة‬
‫مصدر فرح وبهجة في بالط قُرطُبة‪ .‬لكن عبد هللا لم يكن يظهر حبّه في العلن مخافة إثارة استياء ال ُمطـ ِّرف وإن كــان في مجلســه‬
‫‪.‬الخاص يُطربُ لسماع كلمات الثّناء على حفيده‪201‬‬
‫ولكن إبراهيم بن ح ّجاج الذي أسعده بال شك ال ّرضا الذي حاز عليه األمير ال ّشاب لدى ج ّده الذي كان من الطّبيعي أن‬ ‫ّ‬
‫السـكان‬‫يكون وريثه إن سارت األمور على ما يرام‪ ،‬لم يكن يثق بنوايا ال ُمطرِّ ف ووعوده‪ ،‬فهو لطالما أبدى عدم اكتراثــه بحقــوق ّ‬
‫من غير المقاتلين وال ّرهائن‪ .‬لذلك بذل جهوداً كثيرة الستعادة عبد الرّحمن الذي يبدو أنّه كان يعرّف عنــه بوصــفه ابنــه خشــية أن‬
‫يذهب ضحية لغيرة ال ُمطـ ِّرف في حــال الكشــف عن هويّتــه الحقيقيــة‪ .‬لكن عبــد هللا كــان يــرفض التّجــاوب مــع طلب ابن ح ّجــاج‪.‬‬
‫‪.‬ويوضح ما يسرده كون ِده عن زيادة تعلّقه بالفتى سبب عدم تخلّيه عنه‬
‫عندما اقترب موعد عودة ال ُمط ِّرف من حملته على مــاردة‪ ،‬انتقــل إبــراهيم من الطّلب وااللتمــاس إلى التّهديــد‪ ،‬نظــراً‬
‫لتزايد قلقه على مصير الفتى‪ .‬فه ّدد بالتّحالف مع ابن حفصون ضد جيش قُرطُبة‪ ،‬وبالتّوقف عن دفع الخــراج وقيمتــه ســبعة آالف‬
‫صغير عندما ارتهن‪ ،‬إن لم يعد عبد الرّحمن سليما ً معافى إلى إشبيلية‬ ‫‪.‬دوقية سنويا ً والتي كانت ثمنا ً للحفاظ على حياة نسيبه ال ّ‬
‫في هذا الوقت الحرج‪ ،‬عاد ال ُمط ِّرف إلى قُرطُبة ليطّلع على الفور ليس فقــط على المفاوضــات الجاريــة مــع إشــبيلية‪،‬‬
‫‪.‬وإنما كذلك على هويّة الفتى الذي كان ابن جمري حريصا ً على حمايته ورعاية مصالحه‬
‫يمكننا أن نكمل القصة من هنا كما كتبها دوزي‪ ،‬ألننا عندما نقرأ «األمير عبد الرّحمن» بــدالً من «عبــد ال ـرّحمن بن‬
‫‪.‬حجّاج»‪ ،‬و«ال ُمط ِّرف» بدال من «عبد هللا»‪ ،‬تنجلي أمامنا ال ّدوافع الكثيرة وراء محاولة قتل الفتى‬
‫أن األمور سارت على هذا النّحو‪ ،‬فربما كان قتل رهائنه مــبرّراً‪ .‬ولكن‬ ‫أن ابن حفصون انتهك عقد الصّلح‪ ،‬ولو ّ‬ ‫يبدو ّ‬
‫أُخذ رهينة ابن ح ّجاج بجريرة المجموعة‪ ،‬في حين أنه لم يفعل سوى التّهديدـ بالتّمرّد إن لم يُ َعــد الفــتى إليــه‪ ،‬يفــترض ّ‬
‫أن المــرتهن‬
‫أن ابن ح ّجــاج‬ ‫شخص يرغب في قتله من أصدر األمر بقتــل الرّهــائن‪ .‬فــاألمر صــدر بــأن يُقتــل عبــد الـ ّرحمن على الفــور‪ ،‬رغم ّ‬
‫‪.‬عرض اإلذعان لحاكم قُرطُبة ما إن يعود الفتى إلى وصايته‬
‫الصـقلبي بـدر وطلب مقابلـة‬ ‫عندما بدا أن األمر قد قُض َي وكان عبـد الـرّحمن على وشـك أن يُقتـل‪ ،‬تـدخل الوصـيف ّ‬
‫فـإن العـداوة مـع أهـل إشـبيلية سـتمت ّد إلى مـا ال‬‫الملك عبد هللا‪ ،‬وتوسّل إليه لكي يأمر بمنع قتله‪ ،‬وحجّته أنه لو قتل عبـد الـرّحمن ّ‬
‫‪.‬نهاية‪ ،‬في حين أنهم مستع ّدون إلعالن الطّاعة إن عاد الفتى إليهم‬
‫لقد كان عبد هللا على األرجح غير مطّلع على نوايا ال ُمط ِّرف ‪ -‬فما من شك أنــه كــان في ذلــك الحين على علم بأصــل‬
‫الفتى ‪ -‬وعليه‪ ،‬لم يكتف بأن يأخذ بمشورة بدر‪ ،‬وإنما كافأه وق ّدمه فأصبح وزيراً‪ ،‬ثم تع ّززت ثقته به حتى بات في مرتبة الحاجب‬
‫‪.‬أو رئيس الوزراء وإن لم يسبغ عليه ذاك اللقب‬
‫صلح حتى مماته‪ ،‬ال شك في ذلك ألن الفتى عبــد ال ـرّحمن‬ ‫أعلن بنو حجّ اج على اإلثر الطّاعة للسّلطان وعقدوا معه ال ّ‬
‫‪.‬عاش في بالط قُرطُبة حيث شكل صلة الوصل بين أقربائه من الجانبين‪ ،‬الذين برغم خالفاتهم السّياسية‪ ،‬قد اتفقوا على حبّهم له‬
‫أن عبد هللا واتته الجرأة ليعلن حبّه لحفيده بعــد أن كــاد يفرّقــه عنــه المــوت‪ ،‬حيث يســرد المؤرّخــون أنّــه‬
‫من الواضح ّ‬
‫عندما كان عبد ال ّرحمن في الحادية عشرة من عمره كان يلعب بحرّيــة في حــدائق القصــر مــع بــاقي األوالد في مثــل عمــره‪ ،‬في‬
‫حين كان ج ّده يراقبه منتشيا ً من الغبطة‪ .‬وفي إحدى هذه الم ّرات هبط الليل دون أن يلحظ عبد هللا ذلك‪ ،‬وعنــدما نبّهــه وزيــره ابن‬
‫‪.‬جمري إلى تأ ّخر الوقت‪ ،‬ارتجل أبياتا ً يشرح فيها انشغاله بعبد ال ّرحمن الذي أسره بسحره واستحوذ على حواسه‬
‫في العام ‪ ،911‬توفيت والدة االمير عبــد هللا الـتي أحبّهـا وأجلّهـا طـوال حياتــه‪ ،‬فـاغت ّم وأعلن الحـداد على وفاتهـا‪ .‬ثم‬
‫الضـريح الجميـل الـذي بنـاه لهـا داخـل‬ ‫ثان لـه بـالقرب من ّ‬‫أصابته حالة اكتئاب وبات على قناعة بدن ّو أجله‪ ،‬فأمر بتشييد ضريح ٍ‬
‫‪.‬القصر في حديقة تس ّمى الرُّ صافة‬
‫وفي مطلع العام ‪ ،913‬ومع شعوره باقتراب أجله‪ ،‬استدعى عبد هللا وزراءه والوالة ليعلن أمــامهم تعــيين حفيــده عبــد‬
‫‪.‬ال ّرحمن خليفة له على العرش‪ ،‬وأوصى ال ُمطرِّ ف برعايته وحمايته كما لو كان من صُلبه‬
‫كان إبراهيم بن حجّاج قد توفّي خالل سنوات الهدنة التّسع و َخلَفَه ابنه مح ّمد‪ .‬وكان مح ّمد هذا‪ ،‬حاكم إشــبيلية‪،‬ـ من بين‬
‫الس ـابق على حكم ج ـ ّده‬ ‫أول ال ّزعماء واألشراف اليمانيين والمولّدين الذين أعلنوا الطّاعة لحاكم قُرطُبة المولّد‪ ،‬بعد أن تمرّدوا في ّ‬
‫ي في تاريخ األنــدلس‪ 202‬رغم أننــا نجــد‬ ‫عبد هللا‪ .‬توفي مح ّمد حاكم إشبيلية في عام ‪ 915‬ولم يعد بنو حجّاج يضطلعون بدور قياد ّ‬
‫‪.‬أن واحدة من بنات تلك العائلة (سواء بالوالدة أو التّبني) تقاسم عرش إشبيلية‪ ،‬بعد مئة وخمسين سنة من هذا التّاريخ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ها نحن قد عرضنا هذه الرّواية عن تــاريخ هــؤالء األمــراء والمبنيّــة على الحــدس بغضّ النظــر عن قيمتهــا‪ ،‬ونــترك‬
‫بأن المعارك المستمرّة التي ألقت ظالالً كثيفة على فـترة اسـتمرّت‬ ‫للقراء أن يستخلصوا استنتاجاتهم‪ .‬أ ّما بشأن نظريتنا التي تقول ّ‬
‫اثنتين وعشرين عاما ً من حكم عبد هللا كانت نتيجة لسياسة ال ُمط ِّرف وليس األمير عبد هللا‪ ،‬فقد وجدنا من يؤيدها وهو كاتب غــير‬
‫‪:‬معروف االسم نقل عنه كون ِده‪ .‬فقد كتب هذا المؤلف في وصف عبد هللا‬
‫كان ملكا ً صالحاً‪ ،‬احتفظ برباطة جأشه رغم االضطرابات والقالقل التي ع ّمت كل ناحية من نواحي إسپانيا‪ ،‬وقائــداً«‬
‫ً‬
‫السـلفيون باعتبــاره مســلما غــير‬ ‫الش ـيوخ ّ‬ ‫مقداما ً على رأس جنوده في المعارك‪ ،‬وسياسيا ً موثوقا ً في صيانته لعهوده‪ ،‬ولهذه عاداه ّ‬
‫‪.‬ورع‪ ،‬ألنه لم يواصل الحرب على النّصارى»‪203‬‬
‫ألن حروب عبد هللا مع مسيحيي ال ّشمال كانت قليلــة‪ .‬ويبــدو‬ ‫إن النّصارى المشار إليهم هنا ال ب ّد أن يكونوا المولّدين‪،‬ـ ّ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫أن المقصود هو اإلشارة الى الصّلح المعقود مع بني ح ّجاج خالل العقد األخير من حكمه‪ ،‬وأن ابنــه ال ُمط ـرِّف كــان على األرجح‬ ‫ّ‬
‫وأن ال ُمط ِّرف كان يسعى إلى إبــادة أولئــك الــذين حمــوا عبــد الـرّحمن‬ ‫بين «السّلفيين» المتز ّمتين الذين و ّجهوا إليه اللوم‪ ،‬ال سيما ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬الصّغير‪ ،‬المق ّدر له أن يخلف عبد هللا على العرش‪ ،‬على الرّغم من كل جهود ع ّمه للتخلص منه‬
‫نجــد في كتــاب «أخبــار مجموعــة» بعض المالحظـات الــتي لم يُشـر إليهــا في مواضــع أخـرى تتعلّــق بحكم عبــد هللا‬
‫المضطرب‪ .‬فعندما تولّى العرش‪ ،‬انتفض العساكر الذين كانوا تحت إمرة أخيه المنذر في بُبشتر وتفرّقــوا‪ ،‬وذهبت كــل فرقــة إلى‬
‫المنطقة أو القبيلة التي تنتمي إليها متجاهلة أوامر األمير بالبقاء في مرابضهم‪ ،‬فاضط ّر إلى الفرار خشية أن يهاجمه عــدوّه ُع َمــر‬
‫ضبّاط في قُرطُبة‪ ،‬ونفد المال بعد أن ق ّل الخراج والجبايات مع اشتداد الثّورات في كــل نــواحي‬ ‫بن حفصون‪ .‬وانقسمت صفوف ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األندلس‪ .‬عمل عبد هللا على االقتصاد وتوفير المال في كل المجاالت‪ ،‬وحتى في مرتبات جنوده‪ ،‬وخدمه‪ .‬والتزم التقوى وإظهــار‬
‫‪.‬التّنسّك‪ .‬ليس مفاجئا ً والحالة هذه أن تع ّم االضطرابات البالد ‪204‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫سادس‬ ‫الفصل ال ّ‬
‫ُع َمر ملك طُليطلة‬
‫ي ذكــر مباشــر‬ ‫عدا عن األخبار الواردة ع ّما كان بين أرطباس وعبد ال ّرحمن األول‪ ،‬وهو ما أوردناه سابقاً‪ ،‬ال نجــد أ ّ‬
‫ي من فروع ساللة ملوك القوط‪ ،‬باستثناء ساللة األميرة سارة‪ ،‬حتى تولّي المنذر الحكم (‪- 886‬ـ ‪ .)888‬ولكن على الرّغم من‬ ‫أل ّ‬
‫ً‬
‫ي ذكر لهم في الحوليّات الباقية من تلك الحقبة‪ ،‬يبدو أنهم تكاثروا بمـرور الـوقت وازدادوا عـددا وثـرا ًء‪ ،‬ألننـا‬ ‫عدم العثور على أ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عندما نلتقي بهم مجددا سنجد كبيرهم وقد قويت شوكته ووقف في وجه أمير قرطبة بكل قوته‪ ،‬في حين كان يحكم مثل ملــك على‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪.‬شعبه‪ ،‬كما كانت الحال مع قريبه البعيدـ إبراهيم بن حجّاج في إشبيلية في الوقت نفسه‬
‫الشـهير الــذي وضــع نصــب عينيــه وكــاد ينجح في تحقيــق ذلــك‪،‬‬ ‫هذا ال ّرجل القوي لم يكن ســوى ُع َمــر بن حفصــون ّ‬
‫استعادة مجد القوط وإعالء شأنهم وضمان غلبتهم في االندلس‪ ،‬في حين كان الملوك النّصارى في جليقيــة وناڤــارو يكــافحون من‬
‫‪.‬أجل التّخلّص من نير المسلمين في شمال شبه الجزيرة‬
‫شكل ُع َمر بن حفصون وساللته ما ّدة للنّقــاش والبحث‪ ،‬ولم يكن مفاجئــأ أن يعمــد ابن حيّــان وغــيره م ّمن ينتمــون إلى‬
‫المدرسة نفسها إلى تدوين كل األفعال والسّلوكيات التي من شأنها االستخفاف واالنتقاص من كرامة الرّجل الــذي كــاد أن يقـوّض‬
‫‪.‬الحكم اإلسالمي في إسپانيا‪ .‬لقد ذهب أحد الكتاب بالفعل إلى ح ّد القول إنه كان من برابرة المغرب‬
‫لكن ابن خلدون وابن ِعذاري وابن الخطيب‪ ،‬يعيدون كلّهم أصله إلى رجل يدعى ألفونس الذي يطلق عليــه ابن حيّــان‬
‫وصار لوقلة ألف ضــيعة بشــرق« ‪ Romulus:‬لقب «الكونت» أو «النّبيل»‪ ،‬في حين يقول ابن القُوطيّة إنه كان من ذرّية ُر ُملة‬
‫‪.‬األندلس وكان آثر سكنى طُليطلة ومن نسله‪ :‬حفص بن ألبر‪ ،‬قاضي العجم»‪205‬‬
‫أن أسماء ابن وحفيــد وابن حفيــد ألفــونس‬ ‫يسرد دوزي تفاصيل مختلفة عن أسالف ُع َمر المباشرين‪ .‬ويتّضح من ذلك ّ‬
‫كانت قوطية أو التينيةـ رغم أن النّاسخين شوّهوها إلى ح ّد كبير‪ .‬كان اسم والد ُع َمر حفص (وهو ابن ألبر القاضي كما ورد لــدى‬
‫ابن القُوطيّة)‪ ،‬لكنه كان «محبوبـا ً جـداً ويحظى بتقـدير كبـير لـدى جيرانـه بحيث أنهم بـدالً من أن يـدعوه حفص‪ ،‬كـانوا يسـ ّمونه‬
‫إن سـم جـ ّده كـان جعفر‬ ‫‪ Arius.‬واسـم جـ ّد أبيـه أريـوس ‪ Giafar‬حفصون‪ ،‬وهي إضافة توازي لقب النّبالة»‪ .‬ويقول كون ِده‪ّ 206‬‬
‫ولكن هناك أسبابا ً تدفعنا إلى التشكيك في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويح ّدد دوزي موقع ممتلكات العائلة «التي كانت بحوزتهم منذ مئة سنة»‪ ،‬بجوار مالقة‪،‬‬
‫‪.‬مدى دقة روايته حول ذياع صيت ُع َمر وشهرته‬
‫ي موضـع أنـه لم يكن مسـيحياً‪ ،‬ويقـول إنـه في عـام‬ ‫ال يذكر ابن حيّان سوى القليل عن نسب ُع َمر لكنه ال يـذكر في أ ّ‬
‫ـأن الكنيســة‬‫‪ ،893‬حاول «الكلب الكافر» منع ال ُمط ِّرف من هدم كنيسة بناها أبوه بالقرب من قلعته بشتر‪ .207‬ويمكننا االفتراض بـ ّ‬
‫وأن الحادثة وحدها تكفي لل ّداللة على أنهم كانوا قوما ً يتمتعون بمكانة عالية وسمعة عريقــة‪ ،‬لكن‬ ‫كانت مبنيةـ فوق أراضي العائلة ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫‪.‬ذلك يتناقض مع كل ما قيل من أن ع َمر لم يكن يقد ر أباه أو األعمال التي جعلت والده يكسب احترام جيرانه‬
‫يسرد دوزي باختصار وقائع السّنوات األولى ل ُع َمر فيقول إنه كان فتى مشاكسـاً‪ .‬فقــد قتــل أحــد جيرانــه خالل عــراك‬
‫معه‪ ،‬ولكي ينجيَه من حبل المشنقة‪ ،‬هرب به والده من أراضي العائلة إلى مرتفعات سـيرّانيا دي ال رونـدا (رُنـدة)‪ .‬هنـاك تحـوّل‬
‫ال ّشاب ُع َم ر إلى قاطع طريق‪ ،‬حتى أحيل إلى القضاء وكان جزاؤه الجلد بالسّوط‪ ،‬وطرد والده له من المنزل‪ .‬تـرك ُع َمــر إســپانيا‬
‫وتو ّجه إلى تهرت (تيارت)‪ ،‬في شمال أفريقيا‪ ،‬لكنه عاد بعض بضعة أسابيع بعد ان تع ّرف عليه شيخ لم يسبق أن التقى بــه وتنبّــأ‬
‫له بأنه سيملك «ملكا ً عظيما»‪ .208‬استق ّر ُع َمر في بشتر أو بُبَشتر التي يقول دوزي إنها قريبة من أنتقيرة (انظــر ص ‪ 106‬طبعــة‬
‫األصل)‪ ،‬وتم ّكن من جمع شباب في مثل عمره وانبرى إلى السّرقة وقطع الطّرق في حوالي العام ‪ 880‬أو ‪ .881‬كــانت عملياتــه‬
‫ناجحة جداً حتى أنه تمكن خالل فترة قصيرة جداً من إزاحة حاكم المنطقة الذي كان قد هاجمه‪ .‬لكنه اضط ّر بعدها بــوقت قصــير‬
‫إلى اإلذعان والتّوجّه مع كامل عصابته إلى قُرطُبة‪ ،‬حيث ألحقه السّلطان بالحشم في خدمته‪« ،‬بعـد أن اعـترف بــه كقائــد متميّـز‪،‬‬
‫‪».‬وبرجاله كجنود أكفياء‬
‫بعدها بقليل‪ ،‬في سنة ‪ ،883‬خرج ُع َمر مع جيش السّلطان في حملة على ليــون‪ ،‬ولكن لــدى عودتــه تشــاجر مــع والي‬
‫قُرطُبة وعاد مع رجاله إلى بُبَشتر «ليعود إلى حياة المغامرة والح ّرية في األحراج»‪ .‬هاجم قلعة ببشتر الــتي ُعـ ّززت تحصــيناتها‬
‫وكان يحرسها جنود األمير عبد هللا وأرغم الحامية على الهرب بسرعة كبيرة حتى أنهم تركوا وراءهم خليلة قائدهم الــتي تــزوّج‬
‫‪.‬بها ُع َمر (‪)884‬‬
‫يقول دوزي إنه «منــذ تلــك اللحظــة‪ ،‬لم يعــد زعيم عصــابة من اللصـوص‪ ،‬وإنمــا زعيم كــل اإلســپان في الجنــوب»‪،‬‬
‫ي خطـوة‬ ‫والذين جمعهم من حوله بعد أن وعدهم بتحريرهم من نير المســلمين‪ .‬خالل ســنتين‪ ،‬لم يتخــذ مح ّمــد‪ ،‬سـلطان قُرطُبــة‪ ،‬أ ّ‬
‫جدية في مواجهته‪ ،‬ولكنه ُمن َي في العام ‪ 886‬بهزيمة نكراء وأصيب خالل حملة قادها المنذر ولي عهد قُرطُبــة‪ .‬ولكن في ســاعة‬
‫النّصر اضط ّر المنذر للعودة إلى قُرطُبة إثر وفاة أخيه‪ .‬دعا ُع َمر قادة العديدـ من القالع لالنضمام إليه و«منذ ذلــك الحين‪ ،‬أصــبح‬
‫‪».‬فعليا ً َملك الجنوب‬
‫يعتمد دوزي في روايته للوقائع على ما رواه المؤ ّرخ المغربي ابن ِعذاري الذي كتب في القرن التّاسع‪ .‬تبدو الرّوايــة‬
‫في الظّاهر غير قابلة للتّصديق‪ .‬فهي ال تق ّدم شرحا ً مقبوالً حول كيفية نجاح شاب خارج على القــانون مــع مجموعــة صــغيرة من‬
‫اللصوص‪ ،‬خالل أربع سنوات في أن يصبح سيّد اإلســپان في الجنــوب‪ ،‬وبعــدها بســنتين ملكـا ً عليهم عمليـاً‪ .‬ال يشــير دوزي إلى‬
‫انتساب ُع َمر إلى ُر ُملة الذي كان سيكون كافيا ً لكي يقبل إسپانيو الجنــوب بــه قائــداً عليهم‪ ،‬وال يتوقــع أن يكــون لــدى ابن ِعــذاري‬
‫‪.‬الذي كتب عن الوقائع بعد أربعمئة سنة من حدوثها‪ ،‬معلومات كافية عن مدى القرابة التي تجمع ُع َمر بأهل تلك النّواحي‬
‫إن استيالء «اللصّ » على قلعة بُبَشتر أو بشتر‪« ،‬هي واحدة من‬ ‫تختلف رواية كون ِده ألحداث الفترة االولى فهو يقول ّ‬
‫ال ّروايات التي راجت في إسپانيا حول بداية تمرّده»‪ .‬ثم يكمل بقوله إنه عندما اضط ّر للفرار من األنــدلس «مــع أفــراد عصــابته»‬
‫إلى حدود أفرنكة (فرنسا)‪ ،‬نزل في قلعة روضة اليهود (التي باتت تعــرف اليــوم باســم الرّوضــة‪ ،‬بــالقرب من َس َرقُســطة)‪ ،‬حيث‬
‫الردة ومسيحيو جبال أفرنكة‪ .‬بعد معركة ظافرة‪ ،‬ســيطر مح ّمــد على الرّوضــة وأخرجــه منهــا فلجــأ إلى «جبــال‬ ‫انض ّم إليه حاكم ِ‬
‫وفي العام ‪ Huesca). 876‬شمالي وشقة ‪ Sobrarbe،‬سلسلة جبال سييرّا دي سوبراربِه( ‪» the mountains of Arbe‬أربِه‬
‫‪-‬ـ ‪ ،877‬بعد أن كان ابن حفصون قد احتمى لدى مسيحيي أفرنكة (يبدو أنه لم يُسـمع شـيء من أخبـاره بين ‪ 864‬وهــذا التّـاريخ)‬
‫( ‪« Segre‬عرض عليهم الوالء ودفع الجباية‪ ،‬ثم قادهم إلى القالع الحدودية واحت ّل بمساعدتهم القالع المنتشــرة على نهــر شــقر‬
‫وأعلنوه ملكا ً عليهم‪ ،‬ودفع لهم الخراج وباع المــدن إلى أعــداء اإلســالم»‪ .‬ولكن المنــذر‪ 209‬هزمــه في عــام )أحد روافد نهر إبره‬
‫الردة وإفراغة( ‪ .882‬وفي عام ‪ 883‬نزل من جبـال جاقة‬ ‫وغــزا ناحيــة بُرجــة القريبــة من )‪ (Idrisi, p. 11)210‬بــالقرب من ِ‬
‫الردة‪« ،‬فس ّموه ملكا ً على تلك النواحي» وهزم قوة أرسلها المنذر إلخضاعه‪211‬‬
‫ّ‬ ‫‪ِ .‬‬
‫مع موت مح ّمد في عام ‪ ،886‬خرج ابن حفصون «مج ّدداً من معاقله الجبلية» وسيطر على َس َرقُسطة ووشــقة وتق ـ ّدم‬
‫باتجاه طُليطلة وقام بتحصين القالع على نهر تاجة‪ ،‬باإلضافة إلى أقليش ووبذة واألركن وقوينكة‪ 212‬وتمكن بفضل خطة حربيّــة‬
‫‪.‬محكمة من دخول طُليطلة‪213‬‬
‫ال يق ّدم المقّري ما يساعد على فهم الوقائع‪ .‬فهو يشير إلى المعركة التي قادها المنذر وهُزم فيها ابن حفصون في عــام‬
‫ً‬
‫إن الهدف من هذه الحملة كان في األساس السّير إلى َس َرقُسطة‪ .‬وعـاث جنـود المنـذر خرابـا في نـواحي‬ ‫‪ .881‬ويقول ڠايانڠوس ّ‬
‫تلك المدينةـ واجتاحوا حصن ال ّروضة‪ .‬ومن هناك اتجه الجيش إلى برجة ومن ثم إلى الردة وفي النّهاية وصلوا إلى منطقة تدعى‬
‫‪.‬ومنها اقتحموا قشتالة وألبة‪: Makkari, ii. 25) 214‬في محافظة وشقة حالياً‪ ،‬والتي كانت بربشتر أقوى قالعها( برطانية‬
‫عظم شأن ُع َمر بن حفصون في عام ‪ 886‬مع تولّي المنذر الحكم في قُرطُبة‪ .‬ولم تدم والية المنذر طويالً‪ ،‬وقد قضى‬
‫معظمها في الحرب مع ابن حفصون‪ ،‬وهو «من أصل نصراني‪ ،‬ثار في حياة مح ّمد أبي المنذر‪ ،‬وعُرف عنه مكــره وغــدره كمــا‬
‫بيّنت وقائع ذاك ال ّزمان‪ ...‬خاض المنذر عدة معارك ضارية مع هذا ال ّرجل‪ ،‬وبعد أن هزمه في عدة معارك جانبية‪ ،‬ذهب المنـذر‬
‫‪.‬ضحيّة استبساله وشجاعته‪ ،‬وقُتل في مناوشة بالقرب من يبشتر في عام ‪ ،888‬بعد أن حكم بالكاد سنتين» ‪215‬‬
‫نكمل أن نتح ّدث قليالً عن الوضــع في بشــتر أو ببشــتر‪ ،‬حيث كــانت تلــك القلعــة الحصــينة دائمـا ً تقريبـا ً‬
‫َ‬ ‫علينا قبل أن‬
‫‪.‬مركزا لعمليات ابن حفصون‬ ‫ً‬
‫وحصــنا ً منيع ـا ً بــالقرب من ملقــة باســم بُبشــتر ‪ Yobashter،‬يــذكر الحميــدي قلعــة في إقليم ريــة اســمها يُبشــتر‬
‫هما على االرجح القلعة نفسها‪ .216‬ويذكر كل من كون ِده وابن حيّان موقعا باالسم نفسه في إقليم ِريــة‪ ،‬لكن كون ـ ِده ‪Bobashter،‬‬
‫تابع لبني إدريس أصحاب مالقة‪ ،‬يبدو أنه المكان الوارد ذكره في المقتطفات المأخوذة ‪ Yebaster‬يذكر كذلك موقعا باسم يبَستر‬
‫بأن هذه القلعة في إقليم رية وعاصمته مالقة‪ ،‬هي قلعة بشــتر الــتي‬ ‫من الحميدي والتي نقلها عنه المقّري‪ .‬وڠايانڠوس على قناعة ّ‬
‫ّ‬
‫تحصن فيها ابن حفصون‪ .‬ولكن ال يمكننا اليوم العثور على بشتر وال يُبشتر على الخارطة؛ غير أن ڠايـانڠوس يـذكر اسـم قريـة‬
‫‪.‬في ال ّشرقية التّابعة لمالقة‪ ،‬يعتقد أنها بشتر التي ذكرها العرب‪» Abistar، 217‬تدعى «أبشتر‬
‫أن بشــتر كــانت في موقــع قلعــة ‪ Recherches218،‬لقــد بحث كونـ ِده هــذ المســألة باستفاضــة في كتابه‬ ‫وخلص إلى ّ‬
‫مدينةـ )‪ (p. 10‬ويذكر اإلدريسي ‪ Municipium Singiliense Barbastrense.‬رومانية‪ ،‬على بعدـ ميل غرب أنتقيرة اسمها‬
‫في إقليم رية‪ ،‬وهي منطقة يُعتقد أنها تض ّم الموقع الذي ح ّدده دوزي‪ .‬ويتطابق )‪ Bobastero‬في التّرجمة اإلسپانية( باسم بُبشتر‬
‫هذا الموقع بشكل أو بآخر مع سرد ابن حيّـان المقتضـب لبعض الغـزوات الـتي اسـتهدفت ابن حفصـون‪ .‬وعليـه‪ ،‬في سـنة ‪،891‬‬
‫‪ .‬حارب األمير عبد هللا ابن حفصون في حصن بالي بالقرب من قبرة‪ ،‬وهزمه وطارده حتى أرشذونة وبشتر‪219‬‬
‫بيلتش ـس‬
‫ِ‬ ‫ولكن يقــول كون ـ ِده في مالحظاتــه على كتــاب الجغرافيــا لإلدريســي‪ّ ،‬‬
‫إن بشــتر هي مــا يعــرف اليــوم ببلــدة‬
‫رافــدي نهــر الــوادي األحمــر في شــمال مقاطعــة جيــان‪ .‬لكن ‪ Guarizaz‬وڠواريثــاث ‪ Guadalen‬بين ڠــوادالين ‪Vilches،‬‬
‫ألن إقليم ريــة لم يكن في أي وقت يمتـ ّد إلى أبعــد ممــا يشــكل اليــوم محافظــة مالقة‪ .220‬لكن الموقــع‬ ‫إن هذا خطأ ّ‬ ‫ڠايانڠوس يقول ّ‬
‫ينطبق على ما نقل من وقائع عن معركة أخرى‪ ،‬يجعلها موقع أنتقــيرة غــير مفهومــة‪ .‬يقــول ابن حيّـان إنــه في عــام ‪ ،897‬خـرج‬
‫الجيش من قُرطُبة الخضاع «الثّائر» على الحكم‪ .‬وبعد تحديدـ الطّريق الخارجي الذي سلكه الجند مروراً عبر طريفة والجزيــرة‪،‬‬
‫وقـادتهم ‪ Pineira‬باإلضافة إلى أماكن ع ّدة ال يمكننا تتبّع أثرهـا‪ ،‬يتـابع ابن حيّـان بقولـه‪« :‬عندئـ ٍـذ عـاد الجيش إلى قصـر بنـيرة‬
‫المسيرة التّالية إلى وادي بني عبد ال ّرحمن‪ ..‬قبالة بشتر‪ .‬بعد محاصرة الثّائر في حصنه‪ ،‬وإلحــاق اإلذى وتخــريب النّــواحي الــتي‬
‫‪.‬وجيان إلى قُرطُبة‪ Alpujarras 221‬أذعنت له‪ ،‬عاد الجيش عبر البشرات‬
‫للذهاب من أنتقيرة أو نواحيها إلى قُرطُبة عبر جيـان القيــام بــدورة كبــيرة‪ ،‬وهــو ليس ضــروريا ً عنــدما‬ ‫يتطلّب األمر ّ‬
‫بيلتش ـس إلى قُرطُبــة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يكون الجيش عائداً إلى قواعده بعد أن أنجز مهماته‪ .‬أما جيان فبالكاد تبعدـ عن الطّريق المباشر المؤدي من‬
‫ّ‬
‫‪.‬وربما كان من الضّروري أن يم ّر الجيش بتلك المدينة لغرض عسكري‪ ،‬كالتموّن‬
‫أما البشرات التي يتك ّرر ذكرها خالل هذه الحروب‪ ،‬فيفترض أنها سلسلة الجبــال الــتي تحمــل ذاك االســم على الخــط‬
‫السّاحلي بين مالقة وال َمريّة‪ ،‬ولكن اإلدريسي يح ّدد بوضوح أن البشرات إقليم وعاصمته جيان‪ .‬غير أنه ال يح ّدد كمــا هي القاعــدة‬
‫‪.‬موقعه ال ّدقيق على الخارطة واتجاهه‪ ،‬مكتفيا ً بالقول إن إقليم فرميرة الذي توجد فيه بيّاسة‪ ،‬محا ٍذ للبشرات الكثير الحصون‬
‫األثرية التي كانت في أيام ُع َمر بن حفصون قلعة منيعة يملكها ابن ‪ Cazlona‬وتقع بيلت ِشس بالقرب من بقايا كاثلونا‬
‫ّ‬
‫السـيطرة التامــة لــزعيم‬ ‫ال ّشعلية‪ ،‬نسيب ابن حفصون بالمصاهرة‪ .‬وعليه كان المم ّر عبر جبــال ســييرّا مورينــا إلى طُليطلــة تحت ّ‬
‫الذمة والمولّدين خالل االضطرابات‪ ،‬طالما كان هو وصحبه يسيطرون على القلعتين‬ ‫‪.‬النّصارى أهل ّ‬
‫بيلتشس بلدة صغيرة تسمى وادي ال ّر ّمان قد يكون اسمها في الواقــع مــأخوذ من وادي بــني عبــد‬ ‫ِ‬ ‫وال تزال بالقرب من‬
‫بيلتشس هي بشتر التي كانت يتحصّن فيها ابن حفصون‪222‬‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫‪.‬ال ّرحمن الذي ذكره ابن حيّان‪ ،‬إن وافقنا على ما يقوله كون ِده بأن‬
‫ابنة ابن حفصون (انظر فيما بعد)‪،‬ـ تقول األخبار الــتي في حوزتنــا إنهــا ُولــدت داخــل ‪ Argentia،‬في حياة أرخنتيا‬
‫«مدينة» بشتر‪ .‬لكن من الصّعب إطالق صفة مدينةـ على القلعة المعلّقة على رأس أكثر الصّخور التي يصعب تســلقها لوعورتهــا‬
‫ي أثــر‪ ،‬إال‬ ‫أن اإلدريسي يتح ّدث عن بلدة ببشتر في محافظة رية‪ ،‬ولكن لم يبق من هذه البلــدة أ ّ‬ ‫‪ -‬كما يصف دوزي بشتر‪ .‬صحيح ّ‬
‫إن بشــتر هي‬ ‫إذا كانت «أبشتر في ال ّشرقية التّابعة لمالقة» كما يقول ڠايانڠوس‪ ،‬والتي ال يتّفــق وصــف موقعهــا مــع قــول دوزي ّ‬
‫بيلتشس ‪ Roman Singilis.‬سنجل الرّومانية‬ ‫ِ‬ ‫‪ Vilches.‬والبديل هو ما اقترحه كون ِده بأنها‬
‫ي من المواقــع الــتي حـ ّددها دوزي وڠايــانڠوس أو كونـ ِده‪،‬‬ ‫من غير الممكن التّوفيق بين كــل مــا ورد عن بشــتر في أ ّ‬
‫والح ّل الوحيد ال ُمرضي في هذه الحال هو أن نفترض وجود مكانين يحمالن االســم نفســه أو اســمين متشــابهن‪ ،‬واحــد في الموقــع‬
‫أن بيلت ِشس بشتر كانت «المدينة»ـ‬ ‫الحالي لبيلت ِشس والثّاني‪ ،‬كما يقول دوزي‪ ،‬بالقرب من انتقيرة‪ .‬في هذه الحال يمكننا االفتراض ّ‬
‫الصـخرية الـتي كـان يلجـأ إليهـا ويحتمي فيهـا‬ ‫التي ولدت فيها أرخنتيا والتي كان أبوها «ملكاً» عليها وأنتقـيرة بشـتر هي القلعـة ّ‬
‫صعاب‪ .‬عدا عن أن هذا االفتراض يجعلنا غير قادرين على ح ّل مشكلة تحديد مكان بشتر نفسها‬ ‫‪.‬عندما تشت ّد عليه ال ّ‬
‫وبشأن حياة أرخنتيا ابنة ابن حفصون‪ ،‬تقول الرّوايات إنها ولــدت من أصــل نبيــل في مدينــة ببشــتر‪ .‬فقــد كــان أبوهــا‬
‫اختارت أرخنتيا أن تصبح راهبة وطلبت من أبيهــا أن يحــول القلعــة إلى ‪ Colomba.‬صموئيل ملكا ً وكانت أ ّمها تدعى كولومبا‬
‫السـن باســم صــموئيل وإن بشــتر بــاتت مركــزاً‬ ‫دير لها‪ .223‬يقول دوزي وهو يسرد القصّة إن ابن حفصــون ُع ِّمد بعـدـ تق ّدمــه في ّ‬
‫للتّز ّمت المتش ّددـ كالذي استحوذ على رهبان قُرطُبــة قبــل ذلــك بســتين عامـا ً‪ .224‬وتجــدر اإلشــارة إلى أنــه في فــترة متــأخرة مثــل‬
‫منتصف القرن العاشر كان المؤرّخون المسيحيون وكذلك الكتّــاب المســلمون يســتخدمون صــفة الملــك عنــدما يكتبــون عن حــاكم‬
‫ي وقت من األوقــات‪ ،‬ســواء من خالل االهتمــام‬ ‫بشتر‪ .‬ولكن كل األخبار المنقولة عن ابن حفصون تؤكــد أنــه لم يكن مســلما ً في أ ّ‬
‫الذي أواله للكنيسة التي بناها أبوه أو تقديمه لدى وفاته كزعيم للنّصارى في األندلس‪ ،‬في حين كانت قلعته ملجأ للمسيحيين طوال‬
‫فترة الحرب األهلية‪ .‬ويمكننا أن نسوق مثاالً على ذلك القومس سرڤاندوس أو شربيل ابن القـومس حجّـاج‪ ،‬الـذي ورد ذكــره (في‬
‫ص ‪ 24‬من طبة األصل)‪ .‬خشية على حياته في قُرطُبة‪ ،‬هرب سرڤاندوس في عام ‪ 889‬والتجأ إلى ُع َمــر الــذي عيّنــه قائــداً على‬
‫فرقة من جنده‪ .‬ويورد دوزي مقاطع طويلة عن سرڤاندوس هــذا اســتقاها بصــورة أساســية من كتابــات األب اإلســپاني سامســون‬
‫رئيس ال ّرهبان‪ ،‬الذي لم يدخر أيا ً من المفردات التي يمكن أن تصف ألوان العذاب وسوء المعاملــة الــتي عاناهــا مســيحيو قُرطُبــة‬
‫على أيدي سرڤاندوس في فترة تف ّشي اإلقدام على ال ّشهادة بين النّصارى نُصـرة للـ ّدين‪ ،‬والـتي كـان خاللهـا يتبـوّأ منصـبا ً رسـميا ُ‬
‫عاليا ً بوصفه قومس المسيحيين‪ .‬ولكن قد يكون من المشكوك فيه أن يكون سرڤاندوس قومس المســيحيين‪ ،‬كمــا يقــول لنــا دوزي‪،‬‬
‫ال ّرجل الذي سيهرب بعد قرابة أربعين عاما ً من ذلك التّاريخ من قُرطُبة ليحتمي بابن حفصون‪ .‬فلو كان هو عينه‪ ،‬ال بـ ّد أنّــه كــان‬
‫إن األمير عبد هللا أعدمه معه‪ ،‬كان قد تجاوز مئة عـام‪ .‬وأيـا ً كـانت حقيقـة األمــر‪،‬‬ ‫شيخا ً مسنّاً‪ ،‬وأن أباه‪ ،‬القومس ح ّجاج الذي قيل ّ‬
‫أن هناك رجالً مسيحيا ً يدعى سرڤاندوس أو شربيل التجأ إلى ابن حفصون عندما ه ّدده مســلمو قُرطُبــة بالقتــل‪ .‬وفي‬ ‫يبدو واضحا ً ّ‬
‫ً‬
‫‪.‬مقطع آخر‪ ،‬يقول ابن حيّان إن ال ّد خيل كان ابن القومس سرڤاندوس‪ ،‬وهو أمر يبدو أكثر ترجيحا ‪225‬‬
‫تلقي كتابات دوزي عن تلك الفترة ضوءاً جانبيـا ً مه ّمـ ا ً نقالً عن ابن حيّـان بشـأن مـا كــان عليـه الوضـع في األنـدلس‬
‫ُ‬
‫أن السّلطان لم يكن يتمتّــع بأيّــة ســلطة خــارج قُرطبــة‬ ‫عندما انض ّم سرڤاندوس إلى ُع َمر بن حفصون‪ .‬فهو يذكر بصورة عرضية ّ‬
‫ّ‬
‫وأن ابن حفصون كان قد سيطر على كــل القالع المنيعـةـ الواقعــة إلى الجنــوب من نهــر الــوادي الكبــير‪ ،226‬وأن عبــد هللا لم يعــد‬ ‫ّ‬
‫وأن كل األندلس كان تخضع عمليا ً لنفوذ ُع َمر بن حفصون‬ ‫‪.‬يعرض على أحد منصب حاكم إلبيرة أو جيان الخاليين من أيّة قيمة‪ّ ،‬‬
‫لم تهدأ االضطرابات طوال السّنوات األربع والعشرين لحكم عبد هللا‪ ،‬ولطالمــا وصــف الكتّــاب األنــدلس بأنّهــا كــانت‬
‫ضريين‪ ،‬والبربر واإلسپان‪ ،‬وكــل‬ ‫حينها مم ّزقة تتنازعها مختلف األطراف المتحاربة‪ ،‬بين عرب إسپانيا وال ّشوام‪ ،‬واليمانيين وال ُم َ‬
‫أن أحد ال ّزعماء األقل أهمية قتل بأيدي أولئك الذين كانوا‪ ،‬أو كان يفترض‬ ‫يقاتل لحسابه‪ .‬ولكن على ال ّرغم من أنه ما من شك في ّ‬
‫وصـل إلى نتيجــة واضــحة حـول ســبب القتــل من خالل مقارنــة‬ ‫أن يكونوا أصدقاءه‪ ،‬فذلك يثبت عموما ً ‪ -‬عنــدما يكــون ممكنــا التّ ّ‬
‫ً‬
‫أن ال ّدافع كان الغدر أو وجود شكوك بتدبيرـ مكيدة مع العدو المشترك‪ ،‬وليس شجارا ســببه طمــوح شخصــي‬ ‫االسماء والتّواريخ ‪ّ -‬‬
‫أن أبرز نقــاط القــوة تكمن في‬ ‫فإن مسار األحداث يثبت أن المسيحيين والمولّدين واليمانيينـ أدركوا ّ‬ ‫أو ته ّجم شخصي‪ .‬وفي الواقع ّ‬
‫الصـغار الــذين يحــارب كــل منهم لحســابه في وجــه‬ ‫توحيد صفوفهم‪ .‬حيث كان من الصّعب أن يصمد عــدد من األشــراف النّبالء ّ‬
‫‪.‬حاكم قرطبة القوي كل هذه السّنوات‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويلخص ڠايانڠوس في ترجمته لتاريخ ابن حيّان حول الحرب األهلية‪ ،‬التّصنيفات المختلفة لل ّشخصيات الـتي ذكرهـا‬
‫ّ‬
‫‪.‬ذلك المؤ ّرخ والذين كانوا ينضوون تحت راية المولدين‬
‫الذ ّمة»‪ ،‬م ّم ن يدفعون الجزية‪ ،‬وهناك «العجم»‪ ،‬وهم «المسيحيون الذين لم يعلنوا الطّاعة بتاتاً»‬ ‫هناك في البدء «أهل ّ‬
‫ّ‬
‫للوالة المسلمين‪ .‬لم يتم تسجيل أيّة حركة تدفّق للمسيحيين من ال ّشمال إلى األندلس بين عـامي ‪ 711‬و‪ ،888‬عنـدما تـولى عبـد هللا‬
‫فإن هؤالء هم أحفاد المسيحيين القوط الذين بقوا على ديانتهم لقرابة مئتي عام فيما تعوّدنــا على اعتبــاره قلب البالد‬ ‫الحكم‪ .‬وعليه ّ‬
‫‪.‬المسلمة‬
‫ثم هناك «المرت ّدون»‪ ،‬وهم المسلمون الذين ارت ّدوا عن دينهم‪ ،‬وهم فئة يثير وجودها االستغراب‪ ،‬باعتبار أن اإلسالم‬
‫كان دين الفاتحين‪ .‬وهناك أخيراً «المسالِمة» وهم المسيحيون الــذين اعتنقــوا اإلســالم والــذين‪ ،‬إن صــدق ڠايــانڠوس‪ ،‬ربمــا كــان‬
‫إخالصهم لبني جلدتهم أقوى من تمسّكهم بـديانتهمـ‪« .227‬كـانت كـل هــذه الفــرق المختلفـة ترفــع رايــة المولّـدين»‪ ،‬بــالرّغم من ّ‬
‫أن‬
‫المولّدين‪ ،‬طبقا لــدوزي وڠايــانڠوس‪ ،‬كــانوا مــرذولين ومحتقـرين ويعــاملون بوصـفهم منبــوذينـ من العـرب المعــت ّزين بأصــلهم‪،‬‬
‫‪.‬الختالط نسبهم‬
‫يبدو الوضع غير قابل للتّصور كما يصفه ابن حيّان وڠايانڠوس‪ .‬ال يح ّدد الكاتبان عدد أو حجم مختلــف المجموعـات‬
‫التي جاء ذكرها‪ ،‬ولكن يمكن أن نفترض بثقة أن المرت ّدين عن اإلسالم ما كان يمكن في أي وقت أن يكونوا كثيري العــدد‪،‬ـ إال إذا‬
‫كان المولّدون يتمتعتون بقــوة كبــيرة بحيث يــدفعون النّــاس العــاديين إلى االنضــواء في حمــاهم من خالل اعتنــاق المســيحية‪ .‬أ ّمــا‬
‫ال ُمسالِمة‪ ،‬وإن كانوا بالفعل من المسيحيين الذين اعتنقوا اإلسالم‪ ،‬فيبــدوـ من المســتحيل علينــا أن نفهم لمــاذا التحقــوا بفريــق حيث‬
‫‪.‬ينظر قادتهم إليهم بعين ال ّشك بسبب تغيير ديانتهم في حين أنهم كانوا سيلقون كل ترحيب لدى قوات قُرطُبة المترنّحة‬
‫أن القسم األكبر من القوات المنضوية تحت راية المولّدين (وعلينا أال ننسنى أن عبــد الـرّحمن الثّــالث نفســه‪،‬‬ ‫األرجح ّ‬
‫الذ ّمة هم المسيحيون الــذين‬ ‫الذ ّمة والعجم‪ .‬وأهل ّ‬ ‫وأباه مح ّمد في الظّاهر كذلك‪ ،‬كانا من ضمن هذه الفئة) كان ينتمي إلى فئتي أهل ّ‬
‫كانوا يدفعون الجزية منذ ‪ 711‬بهدف االحتفـاظ بحقــوقهم وامتيــازاتهم‪ ،‬وبـدينهم وأمالكهم‪ ،‬وفقـا ً للعهــد الــذي عقــدوه مــع الخليفـة‬
‫الوليد؛ والعجم هم «المسيحيون غير المذعنين»‪  .228‬كما ال يتوقّع أن يكون عــدد المرتـ ّدين والمســالِمة ذا أهميــة‪ ،‬بمــا أنهم كــانوا‬
‫‪.‬منبوذين‪ ،‬كل من أبناء دينه‬
‫ي من الفئــات ّ‬
‫السـابق‬ ‫السـنّة‪ ،‬ولم يتم تصــنيفهم ضــمن أ ّ‬‫أ ّما «المارقون» من المسلمين والذين ذكرهم مختلف الكتّــاب ُّ‬
‫ذكرها‪ ،‬فهم على األرجح ال ّشيعة أو اليمانيون المرتبطون عن طريق المصاهرة بالمولّدين‪،‬ـ إنما المخلصون لــدينهم‪ ،‬والــذين قاتــل‬
‫عدد كبير منهم تحت راية ابن حفصون وكذلك مع االمير مح ّمد‪ .‬وكما سنرى هنا‪ ،‬فإن هؤالء «العــرب األشــراف» كمــا يسـ ّميهم‬
‫الكتّاب غير ال ُّسنّة‪ ،‬كانوا يتميّزون بتسامحهم وسعة أفقهم في تعاملهم مع المسيحيين‪ .‬لقد عامل األمويون مسيحيي قُرطُبــة معاملــة‬
‫تفش ـي‬‫حسنة‪ ،‬مع بعض االستثناءات‪ ،‬حتى أنهم كانوا يبادرون إلى ال ّدفاع عنهم في وجه المتز ّمتينـ من بينهم كما حصل في فــترة ّ‬
‫والضـرورة أحيانـاً‪ ،‬كــانت‬ ‫ّ‬ ‫حركة طالبي ال ّشهادة كما أوردنا سالفاً‪ .‬ولكن في حالة األمويين‪ ،‬يبدو من المرجّح أن الظّروف غالباً‪،‬‬
‫أن اليمانيين ملــوك إشــبيلية في القــرن الحـادي عشـر كـانوا أسـياداً على‬ ‫تفرض عليهم معاملة المسيحيين معاملة كريمة‪ ،‬في حين ّ‬
‫مقاطعاتهم الواسعة وما كانوا بحاجة إلى مثل ذلك ال ّدافع إلرغامهم على التّعامل بكياسة ولطف مع المســيحيين في بالطهم‪ .‬وكمــا‬
‫فإن سلوك ال ُمعت ِمد‪،‬ـ ملك إشبيلية اليماني في القرن الحادي عشـر‪ ،‬والعالقـات بين فرنانـدو الثّـالث فـاتح إشـبيلية والملـوك‬ ‫سنرى‪ّ ،‬‬
‫أن اليمـانيينـ كفئـة كـانوا رجـاالً َسـ َمت مقاصـدهم ووسـعت‬ ‫اليمانيين في غرناطة ولبلـة وبيّاسـة في القـرن الثّـالث عشـر‪ ،‬تظهـر ّ‬
‫‪.‬بصيرتهم فيما تعلق بمسؤولياتهم وواجباتهم إزاء رعاياهم ورعايا حلفائهم‬ ‫ّ‬
‫ي حال أن تكون صفة «المولّدين» أطلقت في القرن التّاسع على أحفاد األمــيرة ســارة وحــدهم‪،‬‬ ‫يبدو لنا أنه يستحيل بأ ّ‬
‫والذين كانوا قد توالدوا وكثر عددهم في ذلك الوقت‪ .‬ولم تتم اإلشارة وال لمرة على سبيل المثــال إلى ُع َمــر بن حفصــون بوصــفه‬
‫من المولّدين‪ ،‬تبعا ً للوثائق التي عثرنا عليها‪ ،‬في حين كان يُطلق على مسيحيي طُليطلــة صــفة «المســتعربين»‪ ،‬وهي صــفة يبــدو‬
‫أن صــفة «المولّــدين»‬ ‫أنها لم تستخدم بتاتا ً لل ّداللة على سكان أراضي إشبيلية‪ ،‬سواء من القوط أو م ّمن اختلط نســبهم‪ .‬لقــد وجــدنا ّ‬
‫استخدمت ع ّدة مرات لل ّداللة على أفراد عائالت تفرّعت من زواج سارة من عُمير بن سعيد‪ ،‬ليس فقط داخل وحول إشبيلية ولكن‬
‫أيضا ً في لبلة والغرب‪ ،‬واألسماء المشـار إليهـا كـان أصـحابها دائمـا ً من قـادة الفريـق المعـارض لقُرطُبـة‪ ،‬ومن أصـحاب القالع‬
‫أن أبناء النّساء المسيحيات‬ ‫والحصون‪ .‬فإن كانت هذه هي الحال‪ ،‬تكون األميرة القُوطيّة سارة مؤسّسة لطبقة من الح ّكام‪ ،‬في حين ّ‬
‫أن هذه المسألة تستحق عناية الباحثين‬ ‫األخريات اللواتي تز ّوجن من مسلمين سرعان ما يتم استيعابهم ضمن فريق أبيهم‪ .‬يبدو لنا ّ‬
‫‪.‬العرب‬
‫ال نعرف من كانت والدة ُع َمر بن حفصون‪ .‬ولكن يبدو مرجّحا ً أن آل حفص كانوا مــرتبطين عن طريــق المصــاهرة‬
‫‪.‬ببعض العائالت اليمانية‪ ،‬وإال كان سيكون من الصّعب أن يبقى هؤالء على والئهم ل ُع َمر بن حفصون بعد وفاة األمير مح ّمد‬
‫بين عام ‪ ،886‬عندما توفي السّلطان مح ّمد و‪ 912‬عندما تولّى عبد الرّحمن الثّالث الحكم‪ ،‬كان ابن حفصون في قتــال‬
‫مستم ّر مع قُرطُبة‪ ،‬نتيجة لظروف وأسباب عديدة‪،‬ـ مع انحيازه في اإلجمال‪ ،‬طبقا ً لما وصــل من أخبــاره‪ ،‬إلى جــانب المســيحيين‪.‬‬
‫الصـلح وأرســل رهــائن إلى‬ ‫يقول ابن حيّان إنه في سنة ‪ُ ،901‬وضعت أوزار الحرب لفترة قصيرة‪ ،‬عندما عرض ابن حفصــون ّ‬
‫قُرطُبة‪ .‬ويقول ابن حيّان إنه في السّنة التي تلتها‪ ،‬نقض ابن حفصون الهدنة‪،‬ـ وكانت النّتيجة قتل ثالثة من مرتهنيه‪ .229‬وفي ســنة‬
‫الس ـلطان وأمــر بــاإلفراج عنــه ارتمى‬ ‫‪ ،905‬سُجن شاعر يدعى سليمان ألنه كتب أبياتا ً ساخرة من األمير عبد هللا‪ .‬فل ّما عفا عنــه ّ‬
‫السـجن حـتى ال يخـبر‬ ‫الشـاعر من فـوره إلى ّ‬ ‫أن ابن حفصون مختبىء في قُرطُبة‪ .‬أُعيـد ّ‬ ‫على األرض وأخبره ووجهه على قدمه ّ‬
‫ّ‬
‫أصحاب ُع َمر أنه أفشى س ّر وجوده‪ ،‬ولكن هؤالء الذين خَ بِروا الشاعر ومكائده‪ ،‬أخطروا ُع َمر ونصحوه باالختفــاء عن األنظــار‪.‬‬
‫عاجل الوزراء بتوقيف العديد من المشكوك بإخالصهم‪ ،‬وتعرّض بعضهم للتّعذيب‪ .‬ولكن كل ما أمكن معرفتــه أن ُع َمــر كــان في‬
‫ر منها متنكراً في ثياب شحّاذ‪ ،‬يتسوّل الصّدقة من منزل لمنزل‪230‬‬ ‫‪.‬قُرطُبة على وجه التّأكيد‪ ،‬وأنه ف ّ‬
‫السـيطرة على حصـن بالي‬ ‫قلعــة أڠيالر( لقد قويت شوكة ابن حفصون وامت ّد نفوذه لفترة طويلة حـتى أنـه تمكن من ّ‬
‫رغم أنه على مسافة يوم واحد من قُرطُبة‪ .‬كان خيّالته منتشرين حول العاصمة وفي كل يوم‪ ،‬في )‪ Poley‬جبل پولي ‪Aguilar،‬‬
‫صباح والمساء‪ ،‬كانوا يتق ّدمون حتى بقايا شقندة‪ 231‬وف ّج أو مم ّر المائدة‪ ،‬دون أن يلقوا أيّة مقاومة‪ .‬واستفحلت األمور إلى درجة‬ ‫ال ّ‬
‫الصـورة [التّمثـال] الـتي على‬ ‫أن أحد خيالة ابن حفصون تق ّدم حتى الف ّج المطل على قُرطُبة‪ ،‬وعبر الجسر «ودفع رمحه فأصاب ّ‬
‫باب القنطرة ثم ك ّر راجعا ً إلى أصحابه»‪ .232‬كان ينبغي االنتظار خمسـا ً وعشــرين ســنة‪ ،‬وفــق المصــدر نفســه‪ ،‬لكي يتمكنـ قائــد‬
‫جيش قُرطُبة أبي عبدة (ابن جمري)‪ 233‬من إخراج ُع َمر بن حفصون من حصن بالي‪ .‬وابن جمري هو الذي نصّب نفسه حاميــا ً‬
‫‪.‬لألمير عبد الرّحمن قبل أن تُعرف هويته في بالط قُرطُبة‪234‬‬
‫‪:‬ويروي دوزي نهاية الفتن والثّورات ونهاية ابن حفصون على ال ّشكل التّالي‬
‫عقد عبد الرّحمن الثّالث فور تولّيه العرش العزم على مهاجمة الخارجين عليه في معاقلهم‪ ،‬في سيرّانيا دي ريخيو أو‬
‫رية‪ ،‬حيث حيث لم يعــد لإلســالم تقرييـا ً وجــود‪ .‬وكــان يتوقّــع أن يبــدي كثــير من النّصــارى مــا يكفي من الثّقــة في عدالــة حكمــه‬
‫فيختارون بمحض إرادتهم ال ّدخول في طاعته‪ .235‬ولم تخب توقعاته‪ ،‬فقد تقـ ّدم العديــد من أمــراء القالع في ســيرّانيا بطلب العفــو‬
‫‪.‬وكان في حماية ابن حفصون‪ Tolox 236‬وحصلوا عليه‪ ،‬ما عدا من بينهم أمير طُلُش‬
‫بعد ثالثة أعوام من ذلك‪ ،‬في عـام ‪ ،917‬تــوفي ابن حفصــون دون أن يتم ّكن أحــد من اقتحــام حصــنه‪ ،‬وخلّــف وراءه‬
‫أن أحــداً منهم لم يــرث حنكــة أبيهم أو شــجاعته‪ .‬دخــل ســليمان في‬ ‫أربعة أبناء هم جعفر وسليمان وعبد الـرّحمن وحفص‪ .‬ويبــدو ّ‬
‫طاعة الخليفة في السّنة التي أعقبت وفاة والده‪ ،‬ولكن يبدو أنه ثار بعدها ببضع سنوات وقتل في عام ‪ .927‬أ ّما عبد الرّحمن الذي‬
‫إن جعفر قُتل بأيــدي جنــده بعــد‬ ‫كان مولعا ً باألدب أكثر من ميله للحرب‪ ،‬فذهب إلى قُرطُبة ليعيش حياة طلبة العلم‪ .‬ويقول دوزي ّ‬
‫‪.‬أن أعلن رغبته في اعتناق اإلسالم‪ .‬وحوصر حفص في بُبشتر التي سقطت في عام ‪ ،928‬ثم دخل في خدمة عبد الرّحمن‬
‫وسرعان ما خمدت الثّورات في البالد‪ .‬واستســلمت بعض المــدن والقالع الثّــائرة على الفــور‪ ،‬وغيرهــا بعــد حصــار‬
‫‪.‬قصير‪ ،‬ثم جعل سقوط طُليطلة في عام ‪ 932‬من عبد الرّحمن حاكما ً بال منازع على عموم األندلس‪237‬‬
‫يضيف كون ِده كعادته بعض التّفاصيل‪ .‬فلدى تولّيه العــرش قـرّر عبــد الـرّحمن الخــروج بجنــده إلى طُليطلــة‪ .‬وخشــية‬
‫مواجهة الجيش الكثير العدد‪،‬ـ انسحب ابن حفصون إلى شرق إسپانيا بغية جلب تعزيزات‪ ،‬تاركا ً ابنه جعفر لل ّدفاع عن طُليطلة‪ .‬لم‬
‫يبق ال ُمطرِّ ف‪ ،‬الذي كان يقود الجيش‪ ،‬ليحاصر طُليطلة وإنما سار للقاء ابن حفصون فهزم قواته في سهل واســع ليس بعيــداًـ على‬
‫ما يبدو من طُليطلة‪ .‬انسحب ابن حفصون إلى حصن قونكة (هل هي قونكة معقل اليمــانيين؟)‪ 238‬وحصــون أخــرى في المنطقــة‪.‬‬
‫صُدم عبد ال ّر حمن لمرأى ميدان المعركة‪« ،‬فلما رأى حجم دماء المسلمين التي أريقت‪ ،‬وكأنه لم يعد لإلســالم أعــداء في إســپانيا‪،‬‬
‫‪».‬وكأنه لم يعد على الحدود دماء تستدعي الثّأر‪ ،‬أمر بإيالء الجرحى من الجيشين العناية نفسها‬
‫في العام ‪ ،917‬فتحت َس َرقُسـطة‪ ،‬حيث كـان البن حفصـون جمـع من المؤيّـدين‪ ،‬أبوابهـا أمـام عبـد الـرّحمن‪ ،‬وأثنـاء‬
‫صلح‪ .‬فأجابه الخليفة أنه لن يتعامل مع من يخرج عن طاعته‪ ،‬ومنح ابن حفصــون مهلــة‬ ‫وجوده فيها‪ ،‬خاطبه ابن حفصون طلبا ً لل ّ‬
‫شهر للخضوع بال شروط‪ ،‬مضيفا ً أنه لم يصلب ال ّرسل على األعواد ألنهم رسل‪ .‬وتبدو هذه اإلجابــة متناقضــة إلى درجــة كبــيرة‬
‫مع موقف عبد الرّحمن المعهود من أعدائه التّائبين‪ ،‬حتى أننا ال نتر ّدد إطالقـا ً في أن ننســبها إلى ع ّمــه ال ُمطـ ِّرف الــذي رافقــه في‬
‫‪.‬حملته وبقي في َس َرقُسطة ليواصل الحرب على الحدود‬
‫في عام ‪ ،918‬استسلمت جيان وغيرها من المدن المنيعة في البشرات‪ ،‬ومــات ابن حفصــون‪ ،‬كمــا يقــول كون ـ ِده‪ ،‬في‬
‫‪.‬وشقة‪239‬‬
‫في عام ‪ 925‬أو ‪ ،926‬صدر األمر لبدء الهجوم على طُليطلة‪ ،‬حيث كان جعفر بن ُع َمر بن حفصون متحصّناً‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك بثالث سنوات بدأ الحصار فعلياً‪ .‬نصح جعفر الذي أدرك عقم المقاومة السّكان باالستسالم‪ ،‬وتق ـرّر أن يحــاول مــا بين ثالثــة‬
‫إلى أربعة آالف من المدافعين عن المدينة كسر الحصار والخروج من المدينة‪ ،‬ثم تفتح األبواب‪ .‬تم ذلك‪ ،‬وهرب جعفر مع جنده‪،‬‬
‫‪.‬في حين استسلمت المدينة وعامل عبد الرّحمن أهلها بالحسنى (‪240)927‬‬
‫استنجد جعفر بمسيحيي جليقية وامتدت رقعة المعارك حتى دار بعضها في جنــوب طلبــيرة‪ ،‬حيث انتصــرت جيــوش‬
‫‪.‬عبد الرّحمن في النّهاية‪ .‬لم يرد بعد ذلك ذكر لجعفر وعائلة بني حفصون‪241‬‬
‫يجدر هنا أن نضيف تفصيالً آخر حول حملة إخماد الثّورات في األندلس‪ .‬فعلى إثر تولي عبــد الـرّحمن الملــك‪ ،‬أعلن‬
‫شعلية الذي ز ّوج ابنته من جعفر بن حفصون وكان ملكا ً على كاثلونا‪ ،‬الطّاعة وعيّن واليا ً على جيان‪242‬‬ ‫‪.‬عبيدـ هللا بن ال ّ‬
‫ت مـا بين سـنة ‪ 924‬و‪ ،933‬وفي مواجهـة عبــد الـرّحمن النّاصـر لبعض الثّـوار‬ ‫كل ما نجده لدى المقّري أنـه في وق ٍ‬
‫إن في ذلـك على األرجح إشـارة إلى جعفـر ابن حفصـون الـذي كـان في تلـك الفـترة‬ ‫«استم ّد بالنّصارى»‪ .243‬ويقول ڠايـانڠوس ّ‬
‫متحص ـنا ً في طُليطلة‪ .244‬ولكن المقّــري ال يــذكر ســوى القليــل عموم ـا عن المقاومــة العنيــدة الــتي أبــداها ابن حفصــون‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تقريب ـا ً‬
‫‪.‬والمولّدون في مواجهة حكم قُرطُبة‬
‫مع سقوط طُليطلة وإخماد الثّورات في عموم البالد‪ ،‬نفقــد كــل أثــر ألبنــاء ابن حفصــون‪ ،‬البطــل اإلســپاني الــذي هـ ّز‬
‫عرش قُرطُبة وكان قاب قوسين من أن يزيح الفاتحين ويعيدـ حكم السّاللة القُوطيّة إلى إسپانيا‪ .‬لقد أعطى بنــو ســعيد وبنــو مســلمة‬
‫وبنو حجّاج المتف ّرعون من المصاهرة ما بين القوط واليمانيين‪،‬ـ للعالم رجاالً محبّين لآلداب‪ ،‬كا أعطوا رجاالً أشداء في الحــرب‪.‬‬
‫شـن الحـروب اختفى أثـرهم من‬ ‫اعتمد بنو حفصون في تفوّقهم على كفاءتهم العسكرية وحــدها‪ ،‬وعنــدما لم يعــودوا قــادرين على ّ‬
‫أن استســالم إســپانيا في عــام ‪ 711‬كــان نتيجــة‬ ‫صفحات التّاريخ‪ .‬ولكن سيرتهم تُظهر بوضوح‪ ،‬كمــا تظهــر ســيرة أحفــاد ســارة‪ّ ،‬‬
‫أن أحفاد ال ّرجال الذين استســلموا في بدايــة القــرن‬‫أسباب أخرى غير اضمحالل ال ّروح القتالية القديمة لدى القوط‪ ،‬فقد تبيّن الحقا ً ّ‬
‫الثّامن دون مقاومة أمام الفاتحين‪ ،‬كانوا قادرين‪ ،‬رغم مئتي عام أخرى من التّأثيرات المفترضة ألجواء األنــدلس والــتي تضــعف‬
‫‪.‬ال ّروح القتالية‪ ،‬أن يبدوا مقاومة طويلة وعنيدة وكانوا على قاب قوسين من النّصر في مواجهة حاكميهم‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫سابع‬
‫الفصل ال ّ‬
‫تأثير األقباط في إسپانيا‬
‫أن االندماج بين التّقاليد الثّقافية والحضارية الرّومانية ‪ -‬القُوطيّة واليمانية أسهمت في جعل إشبيلية في‬ ‫سبق أن ذكرنا ّ‬
‫أن مصــدراً ثالثـا ً لعب دوراً مــؤثّراً هنــا‪ ،‬ولكن أغفلــه حــتى‬‫مكانة متق ّدمة على قُرطُبة قبل تولّي عبد الرّحمن الثّــالث الحكم‪ .‬غــير ّ‬
‫الطّلبة المدركون تماما ً ألهمية هذه الفئة في بلد آخر تحت الحكم اإلسالمي‪ .‬إنه التّــأثير المصــري‪ ،‬وبمعــنى آخــر التّــأثير القبطي‪،‬‬
‫أن انعكاسه على العالقات بين اإلسالم ومصر كان حتميا ً في األندلس في المناطق الخاضعة لحكم العرب اليمانية‬ ‫‪.‬الذي سيتبيّن ّ‬
‫يقول ڠيبون‪ 245‬إنه عندما فتح عمرو بن العاص‪ ،‬قائد الجيوش اإلسالميّة في عهد الخليفة ُع َمــر بن الخطــاب مصــر‪،‬‬
‫استقبل األقباطُ المسلمين كمخلّصين وليس كأعداء‪ .‬لكن ال ّدكتور (ألفرد) بتلر يق ّدم في «الفتح العربي لمصر» فكــرة مخالفــة حيث‬
‫يظهــر أن زعيم األقبــاط المفــترض‪ ،‬البطــرك المقــوقس كــيرس‪ ،‬الحــاكم البــيزنطي لمصــر إبّــان الفتح اإلســالمي‪ ،‬خــان األقبــاط‬
‫المسيحيين لمصلحة الفاتحين‪ .‬ولكن بتلر‪ ،‬مثل ڠيبون‪ ،‬يوضح أنـه بعــد استســالمهم لعمــرو بن العــاص‪ُ ،‬سـمح لألقبــاط بممارسـة‬
‫شعائرهم ال ّدينية بحرّية وفق شروط ح ّددها الفاتحون‪ ،‬ثم يقــول لنــا إنــه «في ظـ ّل األجــواء الجديــدة من الحرّيــة ال ّدينيــة‪ ،‬انتعشــت‬
‫الكنيسة القبطية وســرعان مــا تم ّكنت من إثبــات ادعائهــا بأنهــا كنيســة األمــة»‪ .246‬وتصــف الكتابــات القبطيــة «زمنـا ً من األمـان‬
‫إن النّــاس «كــانوا فــرحين مثــل عجـول‬ ‫والطّمأنينة بعد االضطهادات والمظالم التي قام بتمثيلها المــارقون (اليونــان)»‪ ،‬ويقولــون ّ‬
‫حديثة الوالدة ُح ّل وثاقها وأصبحت حرّة لرضاعة حليب أمها»‪ .247‬وفي خطبته بمناســبة عيــد الفصــح في ســنة ‪ 644‬للميالد‪ ،‬في‬
‫المسجد الذي سيحمل اسمه‪ ،‬يقول عمرو بن العاص‪« :‬حدثني ُع َمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول هللا صلّى هللا عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫فـإن لكم منهم صــهراً و ِذ ّمــة ورحمـاً‪ ،‬فكفـوا أيـديكم وعفّـوا فـروجكم‬ ‫«إن هللا سيفتح عليكم بعدي مصر‪ ،‬فاستوصوا بقبطها خــيراً ّ‬
‫‪.‬وغضّوا أبصاركم»‪248»...‬‬
‫وفي حديث آخر‪ ،‬أن الرّسول (صلّى هللا عليه وسلّم) أوصى المسلمين عند وفاته بقوله ثالث مرات‪« :‬انكم ســتقدمون‬
‫على قوم جُع ٌد رؤوسُهم فاستوصوا بهم خيراً‪ ،‬فإنهم قوة لكم وإبالغ الى عــدوّكم‪ ،‬بــإذن هللا»‪ ،‬وشــرح الرّســول كالمــه قــائالً‪« :‬هللا‬
‫هللا‪ ،‬في قبط مصر إنكم ستظهرون عليهم‪ ،‬ويكونون لكم عـ ّدة‪ ،‬وأعوانـا ً في ســبيل هللا (‪ )...‬النهم في ربــاط الى يــوم القيامــة»‪249‬‬
‫‪250.‬‬
‫لقد كان لدى ال ّرسول نفسه جارية مصرية اشتهرت باسم مارية القبطية‪ ،‬تلقّاها هديــة من مصـر مـع أختهـا قبــل الفتح‬
‫ّ‬
‫الـذهب الخـالص‪ ،‬وزيت وعســل‪ ،‬وقمـاش من الكتـان‬ ‫‪ .251‬ومعهما تم إرسال خادمتينـ وخص ّي وإنـاء من األلباســتر وســبيكة من ّ‬
‫‪.‬المصري األبيض النّاعم‪ ،‬باإلضافة إلى فرس وبغلة وحمار‪ ،‬وكلّها من أجود األصناف واألنواع‬
‫ويعلّــق ڠيبــون بلهجــة تن ّم عن التبــاس حــول العالقــة بين الرّســول وماريــة القبطيــة الــتي كــانت وراء نــزول المالك‬
‫جبرائيل باآلية التي تحلّل دخوله بها‪ .252‬وفي الرّواية ملمس إنساني فقد باتت مارية محبّبة لدى ال ّرسول إلنجابها ولداً ذكراً س ّماه‬
‫رسول دون وريث ذكر‪253‬‬ ‫‪.‬إبراهيم والذي تركت وفاته مع إتمامه شهره الخامس عشر‪ ،‬ال ّ‬
‫أن المسـلمين عنـدما اسـتقرّوا في مصـر‪ ،‬سـرعان مـا اتّبعـوا خطى النّـبي فـتزوّجوا أو اتخـذوا نسـاء‬
‫ّ‬ ‫ما من شـك في ّ‬
‫قبطيات خليالت لهم‪ .‬لقد فعل قادتهم ذلك بالتّأكيد‪ ،‬حيث يــذكر المقريـزي أن أخـا الخليفــة هـارون الرّشــيد عنـدما كـان واليـا ً على‬
‫مصر في أواخر القرن الثّ امن‪ ،‬أعاد إلى األقباط االمتيازات التي ضمنها لهم عمرو بن العاص‪ ،‬بفضل ما كان لخليلته القبطية من‬
‫‪.‬تأثير على ذاك األمير‪254‬‬
‫أ ّما فيما يتعلق بإراحتهم من مشاغل هذه ال ّدنيا‪ ،‬وهو ما وعد به مح ّمد أتباعه إن هم أحسـنوا معاملـة األقبـاط‪ ،‬فيتضـح‬
‫معنى ذلك عندما نرى ال ّدور الذي لعبه مسيحيو مصر في االقتصاد ال ّداخلي بالنّسبة لل ّدولــة المســلمة مــا إن اســتقرت األمــور بين‬
‫صناعية والفنية التي ازدهرت في مصر في القرن السّابع مدى أه ّميــة‬ ‫الفريقين بعد الفتح‪ .‬وتؤكد المعلومات المتعلقة بالنّشاطات ال ّ‬
‫المصريين للمقاتلين المسلمين‪ ،‬والذين ‪ -‬باستثناء العــرب اليمانيــة ‪ -‬لم تكن لــديهم خــبرة بالفخامــة والرّاحــة المنزليــة‪ .‬لقــد كشـفت‬
‫وآخرون عن أدلّة مادية تثبت أن المؤرّخين لم ‪ A. Gayet‬األبحاث وأعمال التّنقيب التي قام بها عالم اآلثار الفرنسي ألبير ڠاييه‬
‫يبالغوا في وصفهم لروعة حياكة األقمشة والمشغوالت اليدوية الــتي ُعــثر عليهــا في أضــرحة األقبــاط والمســلمين‪ ،‬والــتي كــانت‬
‫أن تصميمها قد يكون متأثراً بتصاميم فارس وبيزنطة‬ ‫‪.‬جميعها تحمل ختم صانعيها المصريين رغم ّ‬
‫ق ربما من أ ّ‬
‫ي‬ ‫ازدهرت صناعة النّسيج على نطاق واسع مع تشكيالت واسعة من األقمشة‪ .‬صنع المصريون كتّانا ً أر ّ‬
‫قماش حاكته أنوال مصر القديمة‪ ،‬وشاع استخدام الحرير‪ ،‬وغالبـا ً مــا ُزيّنت المالبس الكتّانيــة والحريريــة بتطـاريز جميلـة‪ .‬عــثر‬
‫صليبيين تعود إلى القرن الثّالث عشــر‪ ،‬على مشــغوالت ال ـ ّدنتيال‬ ‫ألبير ڠاييه في قبور العرب والمصريين‪ ،‬وفي دمياط في قبور لل ّ‬
‫والتّطريز بطريقة النّسل والتّشبيك والتّخريم‪ ،‬وأغطية مخ ّدات من ال ّدنتيال‪ ،‬وجوارب محاكة‪ ،‬ومالبس صوفية ناعمة‪ .‬لقد استرشد‬
‫أن تطـوّر صـناعة األقشـمة‬ ‫مص ّممو تلك المالبس باألساليب الحرفية المميّزة للفنون القبطية بكل مؤثراتها‪ .‬ويالحظ ال ّدكتور بتلر ّ‬
‫المصرية ابتدا ًء من أواخر القرن الخامس وحتى بداية القرن العاشـر‪ ،‬إنمـا «تعكس مثـل مـرآة التّغـيرات السّياسـية الـتي شـهدتها‬
‫‪» Costume en Égypte du 3me‬البالد»‪ .‬ويقيم ألبير ڠاييه في كتابه «المالبس في مصر من القرن الثّالث إلى الثّالث عشر‬
‫الشـاش والنّســيج المقصــب‪ ،‬والحريــر ‪au 13me siècle‬‬ ‫المقارنة نفسها امتداداً حتى فترة الحروب الصّليبية‪ .‬كــانت منتجــات ّ‬
‫الفضـة‪ ،‬والبســط‬ ‫ّ‬ ‫المخطّط والمخمل وال ّدمقس أو القماش الصّقيل ال ّدمشقي المطرز‪ ،‬والمالبس المذهبة والقماش الموشـى بخيــوط‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجدارية المطرّزة‪ ،255‬والجلد المشغول والسّجاد والبسط والسّتائر كلها تحمل أسماء المناطق التي تصنع فيها في مصــر‪ ،‬وإن لم‬
‫تكن صناعة األقمشة هي فقـط مـا تميّــز بــه هــذا البلـد خالل القــرون الوسـطى‪ .‬ففي مجـال صــياغة المجـوهرات‪ ،‬وطالء المينــا‪،‬‬
‫والصـدف أو‬ ‫ّ‬ ‫والخزف المطلي والمصقول‪ ،‬وصناعة ال ّزجاج‪ ،‬والمعادن‪ ،‬والحفر في الخشب والعاج‪ ،‬والتّطعيم بالخشــب والعــاج‬
‫عرق اللؤلؤ والمعادن الثّمينــة‪،‬ـ وفي النّحت والرّســم والعمــارة ‪ -‬باختصــار «في كــل مجــال من مجــاالت التّصــميم والبنــاء‪ ،‬كــان‬
‫‪.‬األقباط هم الذين حافظوا على التّقاليد الفنية حيّة في البالد»‪256‬‬
‫كان العــرب اليمانيــة معتــادين على معظم‪ ،‬إن لم يكن جميــع‪ ،‬مظــاهر الرّاحــة والفخامــة هــذه الــتي تشـ ّكل جــزءاً من‬
‫تقاليدهم إن لم يكن من حياتهم؛ فلم يعرف اليمن في عهد مصــر القديمــة حضــارة راقيــة فحســب‪ ،‬وإنمــا خالل االحتالل الفارســي‬
‫جلب ملوك كسرى معهم أجود المنتجات ال ّراقية والفاخرة وخصوصـا ً إلى العاصــمة صـنعاء‪ ،‬بحيث بلغت مسـتوى من الـرّق ّي لم‬
‫يصله أي مكان آخر في العالم في ذلك الوقت‪ .‬كان اليمنيونـ الذين اعتنق عدد كبير منهم المسيحية قبــل ظهـور اإلســالم‪ ،‬يؤمنــون‬
‫الشــعائر‬‫جميعهم تقريبا ً بالطّ بيعة الواحدة للمسيح (المونوفيزية) مثل األقباط‪ ،‬ويوحي وصف الكاتدرائية التي بنيت من أجل إقامة ّ‬
‫السـادس‪ ،‬ولكن‬ ‫بأن الكثير من معالمها توجد اليوم في الكنائس القبطية في مصــر‪ .‬بــنيت الكنيســة في القــرن ّ‬ ‫المسيحية في صنعاء ّ‬
‫ً‬
‫مثل الكنائس المصرية اليوم‪ ،‬كان المذبحـ مفصوال عن صحن الكنيسة بساتر خشبي‪ ،‬في حين ثبّتت فوق األبواب ألــواح وصــفائح‬
‫صفائح في صنعاء من األبنــوس المطعّم بالعــاج والـ ّـذهب والفضــة واألحجــار الكريمــة‪ ،‬في‬ ‫من المعدن‪ .‬كان السّاتر واللوحات وال ّ‬
‫حين حرم الفقر الكنائس القبطيّة من مثل هذا التّرف‪ .‬ولكن الخشب المطعّم بالعاج‪ ،‬كما في كنيسة القديس سرجيوس وفي الكنيسة‬
‫المعلّقة‪ ،257‬يظهر ما كان الحرفيون المصريون قادرين على فعله باستخدام مهاراتهم اليدوية فحسب‪ ،‬عندما كــانوا عــاجزين عن‬
‫الذهب أو الجواهر لتزيين أماكن عبادتهم‬ ‫‪.‬الحصول على ّ‬
‫الذهب مزيّنة في الوسط بالياقوت األحمر على ألواح األبــواب‪ ،‬وفي الكنيســة‬ ‫في صنعاء‪ ،‬تم تثبيت صلبان بارزة من ّ‬
‫المعلّقة تم ثبيت صلبان غائرة في األعمدة التي حُ فرت عليها صور بارزة للرُّ سل‪ .‬وح ّل محل طبقــات المينــا الملونــة في صــنعاء‪،‬‬
‫العاج المطعّم داخل طبقات أخرى من العاج والمل ّون باألحمر أو األسود لتشكيل رسوم رائعة متداخلة‪ .‬وكانت كاتدرائيــة صــنعاء‬
‫بازيليكية الطّراز‪ ،‬حيث تفصل أعمدة سامقة‪ ،‬صحن الكنيسة عن األروقة‪ .‬وبنيت الكنائس القبطية كذلك على الطّراز البازيليكي‪،‬‬
‫حيث تفصل أعمــدة طويلــة ليس من الرّخــام وإنمــا من مــواد البنــاء‪ ،‬صــحن الكنيســة عن الجنــاحين الجــانبيين‪ .‬وفي الحقيقــة فــإن‬
‫االرتفـاع الكبــير هــو أول مـا يالحظــه المــرء في الكنـائس القبطيــة‪ .‬كـانت جــدران كاتدرائيــة صـنعاء مزينــة بالرّســوم ولوحـات‬
‫بالذهب وألوان أخرى‪ ،‬وفي بعض الكنائس القبطية التي قام السّيد ڠاييه بنبشها في مصر‪ ،‬وجــدت بقايــا رســوم‬ ‫الفسيفساء الملونة ّ‬
‫ـإن كـل مـا يمكن أن نعرفــه عن الكاتدرائيـة‬ ‫السـقف‪ .‬باختصـار‪ ،‬فـ ّ‬ ‫ّ‬
‫وغيرهـا من ال ّزخـارف الـتي تغطي الجـدران من األرض إلى ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المسيحية للعرب اليمانية يبدو أنه وجد بشكل أو بآخر بدرجة أكثر تواضعا نسبيا في الكنائس القبطية في مصـر ابتـدا ًء من القـرن‬
‫‪.‬ال ّرابع إلى القرن الحادي عشر‪ ،‬في حين يمكن مشاهدة بعض التّشابه حتى في الكنائس القائمة اليوم‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬حافظت المجتمعات العربية المسيحية على تماسكها بعــد الفتح اإلســالمي لفلســطين‪ ،‬وكــان هنــاك‬
‫‪.‬مطران للعرب المسيحيين حتى القرن الثّامن‪258‬‬
‫لقد كان الرّسول يف ّكر على األرجح في هذه الرّوابط ال ّدينية عنــدما تحـ ّدث عن األقبــاط بوصـفهم «إخـوة» للملســمين‪.‬‬
‫ومن غير المر ّجح أن يكون العرب اليمانية الذين كانوا حتى وقت قريب مسيحيين يؤمنون بالطّبيعــة الواحــدة للمســيح مثــل أقبــاط‬
‫مصر‪ ،‬قد نسوا كل ما له عالقة باألواصر ال ّدينيةـ خالل السّنوات القليلة التي تبعت اعتنــاقهم لإلســالم‪ .‬وعليــه‪ ،‬كــان من الطّــبيعي‬
‫جداً أن تتصادق هذه الفئة من الفاتحين المسلمين مع أ ّمة كـان يــربطهم بهــا مثــل هـذا التّعــاطف القـوي‪ ،‬وليس مفاجئـا ً أن نجــد أن‬
‫األقباط سرعان ما شغلوا عدداً من المناصب الرّسمية‪ ،‬وأنهم ظلّـوا ولفــترة طويلــة يــديرون كافــة شـؤون ال ّدولــة عمليـاً‪ .‬لقـد أخــذ‬
‫ال ّرسول بال شك كافة الظّروف في الحسبان‪ ،‬وكان يرغب في استرضاء اليمانيين ‪ -‬الذين اعتنقــوا الـ ّدين الجديــد حــديثا ً وربمــا لم‬
‫تكن قناعتهم راسخة بعد ‪ -‬عندما أوصى بمعاملة األقباط بالحسنى‪ ،‬والذين كانت تربطهم بتلك القبائـل العربيـة أواصـر وثيقـة من‬
‫‪.‬خالل التّقاليد ال ّدينيةـ المشتركة‬
‫لقد أعملنا التّفكير قليالً في العالقات بين األقباط والعرب اليمانية في مصر قبل الفتح اإلســالمي إلســپانيا‪ ،‬ألننــا نــرى‬
‫ضروريا ً أن نشرح لماذا كان التّأثير القبطي قويا ً لهذه ال ّدرجة في جنوب غرب األنـدلس وغيرهـا من المنـاطق الــتي اســتق ّر فيهــا‬
‫اليمانيون‪ ،‬منذ بداية القرن الثّامن وامتداداً إلى نهاية القرن الحادي عشر‪ ،‬عندما ُخلع آخـر أمــراء اليمانيــة في إشــبيلية وتــوفي في‬
‫‪.‬السّجن في أفريقيا‬
‫ضريين بشأن أصله‪ ،‬من قبيلة يمانية‪ .‬حتى أعداؤه يعترفون‬ ‫كان موسى بن نُصير‪ ،‬الذي تتضارب روايات الكتّاب ال ُم َ‬
‫بذلك وإن كانوا يعرّفون عنه باعتباره كان عبداً أو رقيقا ً كفله زعيم يماني‪ .‬كان موســى بن نُصــير إبّــان الفتح اإلســالمي إلســپانيا‬
‫واليا ً على أفريقيا‪ .‬وقد عيّنه في ذاك المنصب والي مصـر عبــد العزيــز بن مــروان‪ ،‬أخـو الخليفــة عبــد الملــك بن مــروان‪ .‬وكــان‬
‫موسى بن نُصير قد لجأ إلى عبد العزيز بن مروان عندما نشــأ خالف بينــه وبين الخليفــة‪ .‬كــانت مه ّمــة موســى بن نُصــير األولى‬
‫أن القوات التي ســارت إلى أفريقيــا كــانت‬ ‫تتمثّل في استكمال الحملة التي بدأها سلفه حسّان (بن النّعمان) إلخضاع أفريقيا‪ .‬ويبدو ّ‬
‫تض ّم عدداً كبيراً من الجند المصريين‪ .‬في سنة ‪ ،702‬عندما تم تكليــف موسـى بن نُصــير بهمــة إخضـاع الــبربر‪ ،‬رافقــه ابنــه في‬
‫أن الجيش المصــري كـان كلــه أو بمعظمــه من األقبــاط الــذين لم‬ ‫«مق ّدمة الجيش المصري»‪ ،‬ورغم أنه ال حاجة بنا ألن نفــترض ّ‬
‫يكونوا شعبا ً محارباً‪ ،‬فمن المؤكد عمليا ً أن يصطحب الجيش من مصر معه عدداً من األقباط كخدم وأتباع للعسكر‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬
‫هناك قصّة عن موسى في مخطوطة لم يُعرف كاتبها يعيدها ڠايانڠوس إلى العقــد األول من القــرن التّاســع‪ ،‬ومترجمــة في كتابــه‬
‫«السـفن المصـرية» إلى ســردينيا خالفـا ً ألوامـر موســى‪ ،‬وفي‬ ‫ّ‬ ‫عن المقّري‪ .‬تقول القصّة إنه في ســنة ‪ 703‬أو حواليهــا‪ ،‬أبحــرت‬
‫مع مجموعة من الرّجال من مصــر» وعيّنــه موســى بن« ‪ Abdullah Ibn Marrah‬حوالي سنة ‪ 708‬وصل عبد هللا بن مرّة‬
‫‪.‬نُصير «قائداً للبحرية»‪259‬‬
‫لم تكن للمسلمين األوئل خبرة بالبحر‪ .‬وفي الحقيقة يقول ابن خلــدون إن الخليفــة ُع َمــر منعهم من الخــوض في البحــر‬
‫ألنه لم تكن لديهم خبرة به وألنهم كانوا غير مؤهّلين لالبحار‪ ،‬وإن هذا المنع استم ّر إلى أن تولّى معاوية الخالفة (‪- 661‬ـ ‪)679‬‬
‫عندها بدأ المسلمون في استقطاب ب ّح ارة وقباطنة أجانب حتى امتلكوا ما يكفي من الخبرة والمعرفة لبناء السّفن واإلبحار بهــا من‬
‫السـفن في‬ ‫تلقاء أنفسهم‪ .‬بعد هذا حقّقوا تق ّدما ً سريعاً‪ ،‬وخالل القـرن األول للهجـرة لم يكونـوا قـد امتلكـوا فحسـب عـدداً كبـيراً من ّ‬
‫مرافىء ال ّشام واإلسكندرية‪،‬ـ وإنما في تونس على السّاحل األفريقي الذي فتحــوه للتّـوّ‪ ،‬وحيث قــام موســى بإنشــاء حــوض ّ‬
‫للسـفن‬
‫‪.‬وبنى أسطوالً كبيراً‪260‬‬
‫أن موســى بن نُصــير اعتمـدـ على مصــر في‬ ‫تبيّن اإلشارات المتع ّددة إلى األســطول المصــري والب ّحـ ارة المصــريين ّ‬
‫أن عمــرو بن العــاص كـان قــد أبــاد فلــول اليونــان والرّومـان أو أرغمهم على الفــرار‪ ،‬وبـات األقبــاط‬ ‫تشكيل قوته البحرية‪ .‬وبما ّ‬
‫أن األقباط ش ّكلوا ب ّحارة هذا األسطول المصري مع تنامي عدد العرب‬ ‫بأغلبيّتهم تحت حماية المسلمين‪ ،‬ال يسعنا سوى أن نستنتج ّ‬
‫المؤهّلين لقيادة سفنهم‪ .‬عندما يتح ّدث الكتاب العرب عن المصــريين‪ ،‬ال بـ ّد أنهم كــانوا يشــيرون إلى األقبــاط الــذين لم يكن يوجــد‬
‫فإن تكرار ذكرهم مع ذكر موسى بن نُصير يثبت على ما يبدو أن تلك الحملة ض ّمت عدداً كبــيراً‬ ‫حينها مصريون غيرهم‪ :‬وعليه ّ‬
‫من أبناء تلك الملّة‪ ،‬كان مفيداً‪ ،‬إن لم يكن ضرورياً‪ ،‬للمسلمين في شمال أفريقيا في ذلك الــوقت‪ ،‬كمــا يمكن في الحقيقــة أن نتوقــع‬
‫‪.‬من خالل أعمال أسالف موسى بن نُصير‬
‫إن الحامية التي وضعها موسى في طنجة تحت إمرة ابنه مروان بعــد فتحــه لتلــك المدينــة في عــام ‪،705‬‬ ‫يقول كون ِده ّ‬
‫كانت تض ّم عشرة آالف رجل‪« ،‬جميعهم من العــرب والمصـريين»‪ .261‬يتهم ڠايــانڠوس كونـ ِده بأنــه كــان يخلـط مــا بين «قبائــل‬
‫ضـر»‪ ،262‬ولكن النّص التّـالي المـأخوذ من كتـاب «أخبـار مجموعـة»‪ ،‬يشـير بوضـوح إلى مصـر‪ ،‬رغم أن‬ ‫مصر» و«قبائـل ُم َ‬
‫ضر‬ ‫‪.‬المح ّرر اإلسپاني كتب في مالحظته أنه يمكن قراءة الكلمة على أنها ُم َ‬
‫أن الفهــريين قــاتلوا‬‫ضريّون هم المقصودين؛ وعلى ال ـرّغم من ّ‬ ‫من غير المرجّح وفق النّص الوارد أدناه أن يكون ال ُم َ‬
‫ضرية عموما ً ال ّدخول في طاعته‪ .263‬وعندما وصل إلقامـة ملكـه‬ ‫عبد الرّحمن ال ّداخل بشراسة حتى النّهاية‪ ،‬فقد أعلنت القبائل ال ُم َ‬
‫في إسپانيا‪ ،‬كـان هنـاك‪ ،‬طبقـا ً لمؤلـف «أخبـار مجموعـة»‪« 264‬جُنـد» من المصـريين في باجـة‪ ،‬ثـاروا تحت قيـادة أمـير يمـاني‬
‫معارض لحكم األمويين‪ .265‬ولدى توزيع القبائل واألفواج والفرق في البالد بعد اضطرابات ‪ ،742‬استق ّر الجنــد المصــريون في‬
‫‪.‬وباجة وفي أراضي تُدمير‪ Ocsonoba 266‬أكشونبة‬
‫لقد وجدنا تأثير المصريين في تصاميم النّسيج وطريقة نسجه أقوى في الغرب وفي جوار باجة (حالي ـا ً في الپرتغــال)‬
‫مقارنة مع معظم نواحي األندلس األخرى‪ ،‬ما عدا في إشبيلية‪ .‬والتّأثير كبير بالفعل إلى درجة أننا عرفنا مسافرين قــادمين لت ـوّهم‬
‫من مصر قادرين على تمييز قطعة من ال ّدنتيال القديمة من أكشونبة بوصفها ذات تصميم «مصري خالص»‪ .‬كانت تُــدمير جــزءاً‬
‫مما أصبحت اليوم محافظة ُمرسية‪ ،‬وقد اشـتهرت في ظـ ّل الحكم اإلسـالمي بصــناعة الحريــر الـذي ذاع صـيته في كــل إســپانيا‪،‬‬
‫‪.‬وكانت المشغوالت الحريرية من الجودة بحيث كانت تص ّدر بكميات كبيرة إلى مصر وبالد ال ّشرق‬
‫أن الكتّاب العرب الذين تح ّدثوا عن أبناء «مصر» و«جُند مصر» كانوا يعنــون بــذلك‬ ‫وعليه نعتقد أنه ما من شك في ّ‬
‫األقباط الذين جاؤوا تحت راية موسى بن نُصير وغيره من القادة‪ .‬ويتحـ ّدث كونـ ِده في مقـاطع أخــرى عن الخالفــات بين القبائــل‬
‫واألحالف من «اليمانية وأهل مصر وال ّشوام وبــني العبــدري»‪ ،267‬ونتيجــة لــذلك اختــار «أشــراف العــرب القحطــانيون وبعض‬
‫ضرية‪ ،‬وهكذا يكون لــدينا في هــذه‬ ‫إن أشياخ العبدري‪ ،268‬كانوا قبيلة ُم َ‬ ‫المصريين» حاكما ً باالتفاق فيما بينهم‪ .‬ويقول ڠايانڠوس ّ‬
‫بأن المصريين كانوا جماعة مختلفــة عن‬ ‫ضريون وشوام إلى جانب المصريين‪ ،269‬وال يوجد بديل غير القبول ّ‬ ‫الفقرة يمانيون و ُم َ‬
‫‪.‬الثالث الباقية‬‫ّ‬
‫بعد مئتي عام من الفتح اإلسالمي‪ ،‬يذكر عبد الرّحمن الثّالث األقباط باالسم في خطاب كتبه ألحد أنســبائه في إشــبيلية‬
‫أن الخليفــة أراد التّلميح إلى أن عائلــة قريبــه تنتمي إلى الفئــة‬ ‫(انظــر ص ‪ 148‬طبعــة األصــل)‪ .‬وال يتضــح من خالل التّرجمــة ّ‬
‫المحتَقَرة‪ ،‬رغم أن مالحظته بشأن والدة أحمد بن إسحاق توحي بذلك‪ .‬لكن األبيات التي اقتبسها ما كان سيكون لهــا أي معــنى لــو‬
‫السـاحرة»‪ 270‬ذو داللــة‪ ،‬نظــراً‬ ‫أن نعت والدة أحمــد بــ «حمدونــة ّ‬ ‫لم يكن هناك أقباط يعيشون في البالد في ذلك الوقت‪ ،‬في حين ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬لقوى السّحر التي زعم المصريون امتالكها على مر التاريخ‬
‫في سنة ‪ ،997‬في عهد المنصور‪ ،‬يقـول نقالً عن )‪، Santiago‬سانتياڠو( في رواية المقّري لغزوة شانت ياقُب‪271‬‬
‫أبي حيّان‪ ،‬إن كنيستها كانت لدى النّصارى «بمنزلة الكعبة عندنا‪ ،‬وللكعبة المثل األعلى‪ ،‬فيها يحلفون وإليها يح ّجــون من أقصــى‬
‫نسـاكهم لـه من أقاصـي بالدهم ومن بالد القبـط والنّوبـة‬ ‫بالد رومة وما وراءها»‪ ،‬وفيهـا ضـريح القـديس يعقـوب الـذي «يقصـد ّ‬
‫أن المسـيحيين أالقبـاط ُسـ ّموا باليعاقبـة نسـبة إلى يعقـوب الـبرادعي‪ ،‬الـذي قـام بإنعـاش أو إحيـاء‬ ‫وغيرهما»‪ .272‬سنتذكر الحقـا ً ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكنيسة بعد أن كادت تتالشى بســبب االضــطهاد‪ .‬ويقــول ڠيبــون إن ســيرة هــذا الرّجــل غامضــة‪ ،‬وإن «اليعاقبــة أنفســهم اشــتقوا‬
‫فإن الكنيسة المكرّســة للقـديس يعقـوب الرّسـول ال بـ ّد أن تحـ ّل‬ ‫باألحرى اسمهم وأصلهم من القديس يعقوب الرّسول»‪ .273‬وهكذا ّ‬
‫‪.‬بمكانة مق ّدسة لدى األقباط‬
‫الصـعب أن يح ّج أهــل النّوبــة وأقبـاط مصــر من بالدهم إلى شــمال إســپانيا‪ ،‬ولكن ليس مســتحيالً أن يُســمح‬
‫يبــدو من ّ‬
‫لألقباط المسيحيين المقيمين في األندلس والعبيد المسيحيين أو المقاتلين الذين تم إحضـارهم إلى إســپانيا من النّوبــة‪ ،‬بــالحج إليهــا‪،‬‬
‫بتقدير عا ٍل‪ ،‬وخصوصا ً من قبل الحاجب المنصــور‪ ،‬فـاتح شــنت يــاقُب (راجــع ص‬ ‫ٍ‬ ‫حيث كان أبناء دينهم يحظون في ذلك الوقت‬
‫‪ 174.‬طبعة األصل)‪274‬‬
‫الشـرق على التّجـارة في إسـپانيا‪ .‬وفي سـنة ‪ 955‬أو حواليهـا‪ ،‬أمـر‬ ‫خالل عهد عبد الرّحمن الثّـالث‪ ،‬أثّـرت الفتن في ّ‬
‫السـفينة اشــتبكت في أول رحلــة لهــا مــع ســفينة‬ ‫الخليفة ببناء سفينة كبيرة في إشبيلية لغرض التّجــارة مــع مصــر وصــقلية‪ .‬ولكن ّ‬
‫أفريقيــة تنقــل رســائل من معـ ّز ال ّدولــة والي بغــدادـ إلى والي صــقلية‪ ،‬بــالقرب من الجزيــرة‪ .‬وخــرج األندلســيون منتصــرين من‬
‫المواجهة فاســتولوا على ســفينة معـ ّز ال ّدولــة بكــل حمولتهــا‪ ،‬وواصــلوا رحلتهم إلى اإلســكندرية حيث بــاعوا بضــائعهم‪ ،‬وح ّملــوا‬
‫سفينتهم بمنتجات مصرية‪ ،‬ثم استع ّدوا لالبحار عائدين إلى إسپانيا‪ .‬ولكن عندما بلغ معز ال ّدولة ما حدث‪ ،‬أرســل ســفنا ً حربيــة من‬
‫الصـغيرة في‬ ‫مينائي مصر وصقلية استولت على سفينة إشبيلية في ميناء ال َمريّة وعلى حمولتها‪ ،‬وقـامت بحـرق بعض المـراكب ّ‬
‫الميناء‪ ،‬ثم ف ّر ت راضية بانتقامها وغنائمها‪ .‬عرض الحاجب أحمد بن سعيد (ليس هناك ذكر لنسبه‪ ،‬لكن اسمه يوحي بأنــه قــوطي‬
‫بشن حملة على التّ ّجار الذين يتاجرون في المغرب تحت حمايــة معــز‬ ‫يماني‪ ،‬راجع شجرة العائلة) على عبد ال ّرحمن االنتقام وبدأ ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬ال ّدولة‪ ،‬فكانت النتيجة جمع ما يكفي من الغنائم إلرضاء الخليفة والجيش‪275‬‬
‫كان أحمد معز ال ّدولة حديث نعمة استولى على حكم بغدادـ عن طريق المكائد‪ ،‬إن لم يكن بالقوة‪ ،‬وفــرض نفســه واليـا ً‬
‫على العبّاسيين الذين وهنت خالفتهم وكانوا يحكمــون العــراق باالســم ليس إال‪ ،‬وحـوّل سـلطة أمــير المؤمــنين إلى مجـرّد طيــف‪.‬‬
‫حاول استبدال اسم الخليفة العبّاسي في خطبة الصّالة ليُذكر بدالً منه أبو تميم الفــاطمي‪ ،‬ولم يمنعــه ســوى اعــتراض أبنــاء فريقــه‬
‫أنفسهم‪ .‬عيّن رجاله في مناصب الحكم في العراق‪ ،‬بحيث جعل الخالفة في الواقع‪ ،‬إن لم يكن باالسم‪ ،‬مجرّدة من كــل نقــاط قوتها‬
‫‪276.‬‬
‫أن عبد الرّحمن كان يتاجر قبلهــا مــع مصــر بســالم‪ ،‬بمــا ّ‬
‫أن ســفينته‬ ‫تكمن أه ّمية الحادث بالنّسبة لنا في أنه يكشف لنا ّ‬
‫ّ‬
‫تع ّرضت لهجوم مباغت من قبل السّفينة المرسلة من معز ال ّدولة‪ ،‬والتي كانت تحمل رسائل إلى حكومــة صــقلية يعلن فيهــا توليــه‬
‫‪.‬الحكم‬
‫بـأن األقبـاط أتـوا إلى األنـدلس بأعـداد كافيـة لكي‬‫هنـاك في اإلجمـال ك ّم كـاف من األدلّـة المباشـرة وغـير المباشـرة ّ‬
‫يضطلعوا وإلى ح ّد كبير بال ّدور نفسه في االقتصاد المحلّي لل ّدولة المسلمة كما فعلوا في مصر‪ ،‬في حين عُثر على أدلّة ال تُدحض‬
‫‪.‬حول تأثير األقباط في الفن والعمارة األندلسية‪ ،‬حيثما ساد العرب اليمانية‬
‫وتظهر أكثر األدلة الملحوظة على هذا التّأثير في الكنائس التي يقول كتّاب القرنين السّادس عشر والسّابع عشر إنهــا‬
‫كانت «في السّابق مساجد»‪ .‬هناك عدد كبير من هذه الكنائس داخل إشبيلية وفي نواحيها‪ ،‬وفي محــافظتي قـادس وولبــة وبعضــها‬
‫يفسـر كيــف كــانت هــذه الكنــائس‬ ‫في ُمرسية وغيرها‪ ،‬والتي لم يُعد بناؤها بشكل كامل منذ تأسيسها في الظّــاهر‪ .‬وليس هنــاك مــا ّ‬
‫أن العديدـ منها يعود إلى ما قبــل القــرن الثّـامن‪ .‬وفي‬ ‫مساجد في السّابق‪ ،‬وهي بالطّبع لم تُبنَ في االصل من أجل تلك الغاية‪ ،‬حيث ّ‬
‫هذه الكنائس ‪ -‬ومن بينها واحدة مكرّسة لق ّديس قديم العهد لم يعدـ مدرجا ً على التّقويم اإلسپاني ‪ -‬يظهر أثر الفن والتّقليد المصــري‬
‫ي مكان آخر‪ .‬فجميع هذه الكنائس بُنيت على الطّراز البازيليكي‪ ،‬وبعضها ذات طراز قديم جــداً‪ ،‬ولكن وبالطريقــة‬ ‫جليّا ً أكثر من أ ّ‬
‫نفسها‪ ،‬ت ّم إعالء السّقف في جميع تلك الكنائس تقريباً‪ ،‬وأحيانا ً إلى درجة كبيرة‪ ،‬من خالل إضافة عقـود مدبّبـةـ إلى األعمـدة الـتي‬
‫السـيد ڠاييــه في قسـم «العمــارة» في كتابــه‬ ‫تفصل صحن الكنيسة عن األجنحة‪ .‬ويبدو حبّ األقباط للمباني العالية جليا ً في رسوم ّ‬
‫ّ‬
‫«الفن القبطي»‪ .‬وتُظهر الكنائس البازيكلية في إشبيلية أن من قاموا بإعادة بناء الكنائس القديمة اشــتركوا في إيثــارهم لهــذا النمــط‬
‫المعماري‪ .‬ويظهر تأثير العمارة العربيّة من جهة ثانية في األسقف‪ .‬فهي دائما مغطّاة بـالبالط القيشـاني‪ ،‬على الطّــراز المســتخدم‬
‫في هذا الجزء من إسپانيا منذ العصر الرّوماني إن لم يكن منذ ما قبل التّــاريخ‪ .‬وهي ليســت مســقوفة أو مقبّبــة في الـ ّداخل‪ ،‬وإنمــا‬
‫السـقوف الخشــبية‬ ‫تُترك العوارض الخشبية ظاهرة‪ .‬وهذه العوارض مزيّنــة بزخــارف وتشــكيالت هندســية يتميّــز بهــا فن تبطين ّ‬
‫الذي يقوم على تقطيع الخشب وخرطه أو حفره وثقبه وتعشــيقه وتطعيمــه‪ ،‬فيعطي أشــكاالً ‪ artesonado‬العربي (أرتيسونادو)‬
‫‪.‬هندسية رائعة‪ .‬ويمكن مشاهدة أمثلة رائعة على هذا الفن في بعض أقدم الكنائس في المناطق الرّيفية القريبة من إشبيلية‬
‫وإلى النّمط البازيليكي األساسي‪ ،‬المتميّز بالعقود أو األقواس المستدقة ال ّرؤوس التي تعلو األعمدة القديمة المصنوعة‬
‫من مــواد البنــاء‪ ،‬وال ّزخــارف الخشــبية العربيــة تحت األســقف المغطــاة بــالبالط القيشــاني‪ ،‬ت ّمت إضــافة عنصــر آخــر في معظم‬
‫الحاالت‪ .‬ويتمثل هذا العنصر بثالثة أبواب في اتجاه الغرب وال ّشمال والجنوب‪ ،‬مزخرفة بطريقة جميلة فيما يمكن أن يســ ّمى في‬
‫أماكن أخرى بالنّحت اللّومباردي‪ ،‬وبعقود مستدقّة‪ .‬بعض هذه األقواس (على سبيل المثال في كلية سان ميڠيل‪ ،‬التي تعتبر رمــزاً‬
‫أثريا ً للكاتدرائية القُوطيّــة في مراحلهـا األولى) وإن كـانت مســتدقّة تقريبـا ً مثـل األقـواس القُوطيّــة‪ ،‬ينقصــها التّباعــد المميّـز للفن‬
‫أن الفتحة مقطوعة على شكل مربع في الجدار‪ .‬وهناك أقواس أخرى متباعدة فوق أعمدة صــغيرة يختلــف عــددها‬ ‫القوطي‪ ،‬حيث ّ‬
‫ّ‬
‫من واحد إلى سبعة‪ ،‬ولكنها تبدو بارزة من الجدار‪ ،‬وليست مبنيّة داخله كما في الفن القوطي الشـمالي‪ .‬ولوصـل هــذا الـبروز مـع‬
‫الجدار في األعلى‪ ،‬يتم تركيب إفريز عميق‪ ،‬تدعمه كقاعدة‪ ،‬في حالة إشبيلية‪ ،‬رؤوس أسود‪ ،‬وفي الكنائس الرّيفية مجرد طنــوف‬
‫شرقية بشكل أو بآخر‪277‬‬ ‫‪.‬ناتئة‪ ،‬كلها مستوحاة من العمارة ال ّ‬
‫إن لم يكن واضحا ً من النّظرة األولى أن هذه األروقة أضيفت في وقت متأخر للبناء الرّئيسي‪ ،‬فيمكن إثبــات ذلــك من‬
‫ضخمة حيث بنيت أقواس نضوية مع أفاريز وطنوف فوق البوابات الرّومانية‬ ‫خالل المقارنة مع بوابات قرمونة ورُندة وشذونة ال ّ‬
‫الصـعب في بعض الحـاالت تخمين الـوقت الممتـ ّـد بين بنــاء‬ ‫في أسوار المدينة‪ .‬ويختلف تاريخ بناء األروقة المقوســنة‪ ،‬وليس من ّ‬
‫أحدها واآلخر‪ .‬ولكن اإلضافة الواضحة للبناء األساسي هي نفسها في كـل مكــان‪ ،‬وهي ليسـت بصـورة أساســية تلـك العائــدة إلى‬
‫القرن الثّالث عشر القوطي والتي نراها على سبيل المثال في كنيسـة القـديس جيـل والقديسـة آنـا في إشـبيلية‪ ،‬والـتي نعـرف أنهـا‬
‫جرت في عهد ألفونسو العاشر‪ ،‬في عام ‪ 1261‬و‪ .1282‬فالتّق ّدم في األسلوب والتّصميم واضح تماما ً بحيث يش ّكل بحد ذاته إثباتا ً‬
‫أن الظّــروف الــتي ســادت لســنوات عـ ّدة بعــد حــرب االســترداد‬ ‫أن العمل الذي قام به ألفونسو تم في وقت متأ ّخر جداً‪ ،‬رغم ّ‬ ‫على ّ‬
‫أن الحرفيين كانوا مسلمين أو مستعربين من أبناء المنطقة‬ ‫ً‬
‫‪.‬تجعل من المؤكد عمليا ّ‬
‫نجد في الطّرف الغربي من هذه الكنائس البازيليكية نوافــذ حجريــة محفــورة على الطّــراز العــربي األكــثر بدائيــة في‬
‫صالة الجانبية أضرحة أو مزارات ال ّرجال العظام الملحقة بالمســاجد الــتي بــنيت في‬ ‫بعض األحيان‪ .‬وتشبه المحاريب أو أماكن ال ّ‬
‫صدر اإلسالم في مصر‪ .‬وبمحض الصّدفة‪ ،‬كشف حريــق عرضــي عن زخــارف عربيــة ال تــزال في حالــة ممتــازة تحت ســقف‬
‫مصنوع من الجصّ ومغطّى بماء الكلس في كنيسة سانتا مارينا في إشــبيلة‪ .‬ويمكن تميــيز المحــاريب هــذه من خالل القبــاب ذات‬
‫السّتة عشر عقداً والمرتكزة على شكل ثُماني األضالع يرتكز بدوره على مضلع ربــاعي ال ّزوايــا‪ ،‬وفي أعلى القبــة منــور يفيض‬
‫أن األمثلـة األقـدم لمثـل هـذا الطّـراز‬ ‫ضوء‪ .‬هذه الخاصّية المميّزة ال يمكن أن يكون منشؤها في مكـان آخـر غـير مصـر‪ ،‬بمـا ّ‬ ‫بال ّ‬
‫المعماري موجودة في دير إخميم القبطي المبنى في سنة ‪ 550‬للميالد‪ .278‬نجد هذه المحـاريب ذات القبــاب المتعـ ّددة األضـلع في‬
‫إشبيلية دائما ً في الطّرف ال ّشرقي ألروقة الكنيسة‪ .‬وبُني محــراب‪ ،‬ويســمى كــذلك «مشــرقيّة»‪ ،‬في كــل جــانب من الـرّواق بحيث‬
‫الصـروح اإلســالميّة‬ ‫يكونان متقابلين‪ .‬وتم تصميم المناور العلوية بحيث ينير الضّوء ال ّداخل عبرها الصّور التي تـزيّن اآلن هـذه ّ‬
‫ّ‬
‫الش ـمالي في النّوافــذ الطويلــة ذوات‬ ‫السّابقة‪ .‬نجد في األقبية أو الحنايا نصف ال ّدائرية في كل هذه الكنائس تقريبا ً أثر الفن القوطي ّ‬
‫العقود المستدقّة واألسقف المقبّبة ال ّرشيقة التي سادت في القرنين الثّالث عشر وال ّرابع عشر هنا كما في دول أوروپية أخرى‪ .‬هنا‬
‫أن مدوّني الحوليّات في‬ ‫نقف على أرض صلبة من اليقين‪ ،‬حيث نجد سجاّل ت لإلضافات األخيرة في الكثير من الحاالت‪ .‬صحيح ّ‬
‫القرن الرّابع عشر غالبا ً ما كانوا يعطون ألنفسـهم حريـة القـول‪ ،‬كمـا فعـل أسـالفهم المسـلمون من قبلهم‪ ،‬إن هـذا المبـنى أو ذاك‬
‫«أعيد بناؤه» من قبل هذا ال ّش خص أو ذاك‪ ،‬ولكنهم في هذه الحاالت كانوا يشيرون فقط إلى الحنية‪ ،‬ألنها وحدها تعود إلى الفــترة‬
‫المعنيّة‪ .‬إنــه لمن المثــير لالســتغراب أن نــرى‪ ،‬على ســبيل المثــال في كنيســة ســان أنــدريس في إشــبيلية والــتي تشــتمل على كــل‬
‫الخصائص التي تم التّطرق إليها أعاله‪ ،‬تيجان عمدان عليها صورة رأس اإللهة الفرعونيــة حتحــور ترتكــز عليهــا قبّــة بــنيت في‬
‫القرن الرّابع عشر‪ ،‬ونقوش تمثل أزهــار لــوتس تقليديــة على طنــف النّوافــذ الطّويلــة الرّشــيقة في الحنيــة‪ ،‬وقــد تم توســيع الحنيــة‬
‫الذهب واللون األحمر‬ ‫وتعديلها في القرن الرّابع عشر‪ ،‬ولكن لم يُعد بناؤها‪ .‬وعندما نرى ستاراً خلفيا ً مزخرفا ً جميالً‪ ،‬مطليا ً بماء ّ‬
‫في وسط الحنية القُوطيّة بحيث يحجب نصفها‪ ،‬في حين تش ّوه الجدران البازيليكية القديمة لوحات رديئة من أواخـر القـرن الثّـامن‬
‫صة الكنيسة في إسپانيا‪ ،‬ويمكننا أن نقول عن هذه المباني‪ ،‬كمــا يقــول الـ ّدكتور بتلــر‬ ‫عشر متنافرة مع المكان‪ ،‬عندها تكتمل حقاً ق ّ‬
‫‪».‬عن األقمشة المصرية‪ :‬إنها «تعكس التّغيرات السّياسية التي عرفتها االبالد مثل المرآة‬
‫لم يكن هناك خط فاصل بين المدرستين القبطية والعربية في مصر فيما يتعلّق بالتّصميم الهندسي والفنّي حتى ســقوط‬
‫ال ّدولة الفاطمية‪ .279‬لم يف ّرق األقباط بين المساجد الــتي تعاقــدوا لبنائهــا وبين كنائســهم‪ ،‬حيث وظّفــوا األفكــار نفســها في المسـاجد‬
‫والكنائس على ح ّد سواء‪ .‬وعليه يمكننا أن نجــد في الفن القبطي العـربي والقبطي المســيحي في مصـر‪ ،‬صـليبا ً في وســط تصــميم‬
‫صورة الهيروغليفية للفــظ «أون»‬ ‫هندسي‪ ،‬وميدالية كبيرة متع ّددة األضالع يحيط بها إطار يتض ّمن رسم األرنب الغامض وهو ال ّ‬
‫‪ 280.‬وهو رمز أوزيريس إله العالم اآلخر عند الفراعنة‪ ،‬وهكذا دواليك‪281‬‬
‫يتك ـرّر هــذا المــزج بين الرّمــوز والتّصــاميم الهندســية بصــورة ملفتــة في إشــبيلية وبعض المنــاطق المجــاورة لهــا‪،‬‬
‫مصر في القـرن الثّـامن‪ .‬وباإلضـافة إلى ‪ Jond‬وخصوصا ً في ولبة (أكشونبة التي ذكرت في أخبار مجموعة) حيث استقر جند‬
‫ذلك‪ ،‬نجد أن هذه التّصاميم تستخدم هنا حتى في زمننا الحاضر على مشغوالت مماثلة لتلك التي ع ّددها المقريزي بوصفها كــانت‬
‫رائجة في البالط الفاطمي‪ ،‬مثل الكتّان النّاعم وال ّشاش الموسلين ال ّشفاف‪ ،‬والحرير الفاخر‪ .‬كما أن طرق شغلها هي بالتّحديد تلــك‬
‫التي استخدمت لتزيين وزخرفة المالبس التي عثر عليها السّيد ڠاييه في القبور القبطية والعربية‪ ،‬والتي تعــود إلى الفــترة مــا بين‬
‫القرن الثّالث والقرن الثّالث عشر ‪ -‬أقمشة الحريـر والكتـان والموسـلين المطـرزة بطريقـة نسـل الخيـط‪ ،‬والتّطريـز على الـ ّدنتيال‬
‫وال تزال ‪» malla.‬وباتت تعرف اليوم باسم «مايَّا ‪» red de pez‬المشبّكة‪ ،‬والتي كان يطلق عليها هنا سابقا اسم «شبكة السّمك‬
‫هاتان الطّريقتان تستخدمان اليوم في األندلس لصنع مشغوالت راقية وصعبة التّنفيذ؛ وحتى في األوقات الحاضرة يمكننا أن نجــد‬
‫وغيرها من التّصـاميم الهندسـيةـ ورسـوم الحيوانـات الرّمزيـة‪ ،‬الـتي تقـوم ‪» kha282‬رموزاً مثل الصّليب المعقوف ورمز «خا‬
‫الفالحات بتطريزها لغايــاتهن الخاصــة‪ .‬لقــد رأينــا مثــاالً على هــذه المشــغوالت على الكتــان المغــزول والمنســوج منزليـاً‪ ،‬وعلي‬
‫رسومات تذ ّك ر برمز «خا»‪ ،‬الذي يتم تشكيله من خالل سحب الخيوط ليظهر رسم امرأة تنتهي أطراف يــديها بــدالً من األصــابع‬
‫بصليب‪ 283‬تحديداً كما في صورة «خا» على مصباح في المتحف المصري في القاهرة‪ .‬لقد جاء هــذا الرّســم من قريــة نائيــة في‬
‫حيث لم يكن أحد يعرف شيئا ً عن المصريين أو الرّموز القبطية قبل مئة عام‪ Sierra de Huelva) .‬سييرّا دي ويلبا( جبال ولبة‬
‫ولكن الرّسوم التّقليدية تحفظ بعناية وتنتقل من جيـل آلخـر حــتى في القـرن العشـرين بحيث يمكننــا أن نفهم ســبب بقـاء مثـل هـذه‬
‫رض بعد ذلك لتأثير فني آخر من شأنه أن يغيّرها‪284‬‬ ‫‪.‬األفكار في مناطق نائية لم تتع ّ‬
‫سنتناول الحقا ً صناعة الخزف والخشب والعاج والحفر والحل ّي وال ّدروع والمفروشــات القبطيــة القوطيّــة أو القبطيــة‬
‫ُ‬
‫أن إشــبيية كـانت أكـثر تقـ ّدما ً‬ ‫العربية‪ ،‬ألننا ابتعدنا كثيراً عن تاريخ األندلس في ظل الحكم اإلسالمي‪ .‬ولكن نأمل أن نكون قد بيّنّا ّ‬
‫من قُرطُبة قبل تولّي عبد الرّحمن الثّالث‪ ،‬وذلك بفضل الفن والثّقافة التي عرفتها نتيجــة التّفاعــل واالختالط بين العناصــر الثالثــة‬
‫ّ‬
‫التي اجتمعت فيها‪ .‬هناك في البدء‪ ،‬التّقاليد ال ّرومانية التي حافظ عليها األمراء القوط الـذين كـانت إشـبيلية عاصـمتهم ومركـزهم‪.‬‬
‫وثانياً‪ ،‬التّقاليد وثقافة التّ رف والفخامة التي حافظ عليها العرب اليمانية الذين اتخذوا إشبيلية عاصمة لهم تقريبا ً طوال فــترة الحكم‬
‫اإلسالمي في إسپانيا‪ .‬وثالثاً‪ ،‬التّقاليد والفنون والحرف والصّناعت المصرية التي رعاهــا العــرب اليمــانيون هنــا كمــا في مصــر‪،‬‬
‫‪.‬والتي لم يعق تطورها حظر تصوير المشاهد الحياتية كما فعل ال ُّسنّة في قُرطُبة‬
‫وفي حين ال تــذكر المصــادر المتــوافرة حاليـا ً أنــه تم اســتخدام فنــانين يونــايين في إشــبيلية (كمــا تفيــد الحوليّــات أنهم‬
‫أن هناك تأثيراً مسيحيا ً ماثالً بقــوة في كافــة الفنــون في إشــبيلية‬ ‫استُخدموا في قُرطُبة‪ ،‬في مناسبتين على األقل)‪ ،‬فم ّما ال ريب فيه ّ‬
‫في الفترة األولى من الحكم اإلسالمي‪ .‬ومن المستحيل أن يكون الفضل في ذلك للقــوط الــذين عاشــوا‪ ،‬على أي حــال بســالم وود‪،‬‬
‫إلى جانب المسلمين في جنوب إسپانيا‪ ،‬ألنهم لو كانوا تركوا تأثيراً دائما ً على الفن األندلسي خالل خمسة قرون لم يكن ممكنــا ً أن‬
‫ي تأثير مسيحي إلى هنــا من الخــارج‪ ،‬الســتم ّر الفن والعمــارة في إشــبيلية في ظــل الحكم اإلســالمي على الطّــراز‬ ‫يدخل خاللها أ ّ‬
‫ّ‬
‫ال ّروماني كما كان لدى وصولهم‪ .‬ويمكن أن نلمس مدى قوة التقاليد الرّومانية حينها واســتمرارها في مدينــة صــيدونيا (شــذونة)‪،‬‬
‫حيث ال تزال توجد صومعة على الطّراز القوطي الغربي‪ .285‬هذا المبنى الصّغير بأعمدته الضّخمة غــير المتناســبة مــع حجمــه‪،‬‬
‫وسقفه المنخفض األسطواني ال ّشكل‪ ،‬يختلف كل االختالف عن كنائس إشبيلية البازيليكية‪ .‬وليس هذا ال ـ ّدير الوحيــد من نوعــه في‬
‫بترميمهــا في القــرن ‪ Guzmán‬هذه النّاحية من إسپانيا‪ ،‬ففي پويرتو دي سانتا ماريّا‪ ،‬يوجد تحت القلعة التي قام آل غوثمان‪286‬‬
‫الرّابع عشر‪ ،‬كنيسة أخرى مماثلة‪ ،‬تتميّز بأعمدتها الرّومانية‪ ،‬من الواضح أنها أُخذت عن مبنى في الجوار‪ .‬األعمدة هنا تغــوص‬
‫عميقا ً في األرض‪ ،‬دون قواعد وال تيجان‪ ،‬أ ّما األقواس أو العقود فتبدو خارجة من صبّة غير متقنة‪ .‬وباإلضافة إلى أنــه ال توجــد‬
‫الص ـفحة ‪( 385‬طبعــة األصــل) أن‬ ‫للعمدان تيجان‪ ،‬فليس لها طبليّة‪ .‬يفترض پياليو كينتيرو إي أتوري في المقال المشار إليه في ّ‬
‫المستعربين بنوا الكنيسة قبل احتالل الموحّدين للمدينة‪،‬ـ ونحن نتفق معه‪ ،‬ففي حين يعكس البناء األوّلي التّــأثير الرّومــاني‪ ،‬هنــاك‬
‫الصـغيرة مسـحة‬ ‫عقود على الطّراز القبطي وأقواس نضويّة تفترض بوضوح أنهــا إضـافات على البنـاء األصــلي‪ .‬وفي الكنيسـة ّ‬
‫مثيرة للفضول تذ ّكر بمسجد قُرطُبة الكبير‪ .‬فهي ليست بازيليكية في ال ّشكل‪ ،‬وهو أمر صعب لو أنها من األساس ص ـ ّممت لتكــون‬
‫أساسا ً للقلعة التي بنيت فوقها‪ .‬ينفتح المدخل على أقواس مستعرضـة من يمين ويسـار صـحن الكنيسـة‪ ،‬في حين يتسـاوى ارتفـاع‬
‫صحن المحوري‬ ‫‪.‬السّقف المقبب المنخفض جداً في أنحاء المبنى‪ ،‬فهو ليس مرتفعا ً كما هي العادة فوق ال ّ‬
‫وإذا تخيّلنا مسجد قُرطُبة كما كان عندما كان المسلمون يتقاسمونه في البدء مع المسيحيين‪ ،‬قبل إضــافة صـ ّ‬
‫ـف عُلــوي‬
‫أن‬‫من األقواس في عهد عبد الرّحمن الثّاني لتوسيع المكان مع قدوم أعداد كبيرة من النّاس إلى قُرطُبة في عهده‪ ،‬يمكننا أن نــرى ّ‬
‫صغيرة هو نفس مخطط المسجد ولكن مصغراً‪ .‬وتع ّزز األقواس النّضــوية في أجنحــة‬ ‫المخطّط األساسي لهذه الكنيسة المسيحية ال ّ‬
‫الكنيسة هذا االنطباع‪ .‬وفي وسط المساحة أمام المذبح المرتفع الذي يحاط عادة في الكنائس بضوء خافت قاتم إلشاعة جو ديــني‪،‬‬
‫السـابع‬ ‫يسقط ضوء ال ّشمس ساطعا ً من المنور المفضّل لـدى الموحّـدين‪،‬ـ على األعمـدة الرّومانيـة وال ّزخـارف العائـدة إلى القـرن ّ‬
‫عشر على هيكل المذبح المه ّدم (ال توجد مقاعد للرّهبان وال ّشمامسة والكورس) مشيراً إلى حقيقة األســطورة المحلّيــة القائلــة بـ ّ‬
‫ـأن‬
‫المسيحيين خبأوا صورة العذراء مريم التي عثر عليها ألفونسو العاشر في خندق الحصن‪ ،‬ألن المغاربــة اســتولوا على كنيســتهم‪.‬‬
‫ك أنهم هم الذين قاموا ببناء األجنحة‪ ،‬للحصول على شكل مربّع أو مستطيل يتالءم مع إقامة ال ّشعائر‪ ،‬وهــذا مــا أضــفى على‬ ‫ال ش ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪.‬الكنيسة الصّغيرة لمسة من مسجد قرطبة الكبير‬
‫يكشف المزيد من البحث في القـرى النّائيـة عن آثـار أخـرى مماثلـة من العهـد القـوطي الغـربي لم يكن معظم علمـاء‬
‫‪.‬اآلثار يتوقعون وجودها‬
‫أن معظم الكنائس المسيحية في األندلس ظلّت بعيدة عن أي تدخل‪ ،‬ســواء كــان إيجابيـا ً أو ســلبياً‪ ،‬طــوال‬ ‫من الواضح ّ‬
‫فترة الحكم اإلسالمي‪ ،‬وحتى الوقت الذي انتصر فيه سان فرناندو على الموحّدين وأعاد كل الكنــائس الــتي اســتخدمت ألغــراض‬
‫أخرى إلى العبادة المسيحية‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬يبدو واضحا ً أنه حيث جــرت أعمــال إصــالح أو تــرميم أو إعــادة بنــاء‪ ،‬قبــل غــزو‬
‫الموحّدين‪ ،‬استُ ْخ ِد َم فنانون أقباط أو تالمذتهم في الكنائس المسيحية‪ ،‬كما استعان المسلمون ال ّشيعة في مصر بالمعمــاريين األقبــاط‬
‫أن تأثيراً غير التّأثير البـيزنطي سـاد في‬ ‫ق ّ‬ ‫إلصالح أو بناء المباني التي كيّفوها لتناسب أغراضهم‪ .‬ويثبت استخدام القوس المستد ّ‬
‫هذه المنطقة كما في كل مكان ساد فيه العرب اليمانية‪ .‬وال يقتصر الطّــراز القبطي على المبــاني في األعمــال العربيــة األولى في‬
‫الشـرفات ذات‬ ‫جنوب غرب األندلس‪ ،‬إذ يمكن العثـور عليـه كـذلك في أعمـال القصـارة وال ّزخرفـة بـالجصّ وكـذلك في حـواجز ّ‬
‫المنســوخة‪ ،‬باســتخدام البالط المقطّــع‪ ،‬عن أســوار الحصــون العربيــة‪ .‬أ ّمــا األســوار الــتي بــنيت في عهــد ‪ almenas‬الفتحــات‬
‫الشـرافة (الجــدار الحجــري بين فتحــتين) ذات الـرّأس‬ ‫المو ّحدين‪ ،‬فكانت ذات شكل مختلف‪ .‬ومن الملفت أن نالحظ كيــف شــكلت ّ‬
‫أن األعمال التي قــام بهــا‬ ‫المستدق في الفترة األولى نمط ال ّزخرفة الذي أُطلق عليه خطأ تسمية المد ّجن في هذه المنطقة‪ ،‬في حين ّ‬
‫‪.‬األفارقة المغاربة في فترة الحقة دائما ً ما تكون أق ّل ابداعا ً‬
‫ق لألسف حاليا ً سوى القليل من األقمشة‪ ،‬والحل ّي والمصاغ وال ّزجاج أو الخزف الــذي يقــول ابن ســعيد إنــه بلــغ‬ ‫لم يتب َّ‬
‫مستويات راقية من الكمال في إشبيلية و ُمرسية وغيرها في عهد اليمــانيين خالل القــرن الحــادي عشــر عنــدما اكتســبت المدرســة‬
‫أن العــرب اليمانيــة اكتســبوا بحلــول ذلــك الــوقت مــا يكفي من‬ ‫الفنّية القبطية شهرة واسعة سواء في إسپانيا أو مصر‪ .‬من المؤكــد ّ‬
‫الخبرة والمهارات في مجاالت االنتاج تلك تضاهي معلّميهم المصريين‪ ،‬ويبدو أن المهــارة الحرفيــة الرّاقيــة لم تكن تقتصــر على‬
‫صـنعت من‬ ‫أن أحد األمثلة األكثر شهرة هي قطعة مصاغ من القرن الحادي عشر عليها كتابة تؤكد أنّهــا ُ‬ ‫طبقة الصّناعيين‪،‬ـ حيث ّ‬
‫‪.‬قِبل أمير يماني لج ّده ال ُمعت ِمد أمير إشبيلية‪287‬‬
‫ساعد المستشارون اليمانيون في حكم إشبيلية حتى في فترة حكم المو ّحدين‪ ،‬ويمكن أن نعزو إلى تأثيرهم على الح ّكام‬
‫الموحّدين الطّابع العربي الذي تغلّب على الطّابع المغربي في برج الخيرالدا ال ّشهير في إشبيلية‪ .‬فالتّشابه بين تصــاميم ال ّزخــارف‬
‫في البرج وتلك الموجودة على القسم األسفل من واجهة قصر إشبيلية (والذي ير ّجح أن يكون من بقايا القصر الــذي بنــاه ال ُمعت ِمــد‬
‫بن َعبّاد)‪ ،‬ال ب ّد أن يثير انتباه المهت ّمينـ بدراسة الموضوع‪ ،‬حيث أن التّناقض جل ّي تماما ً بين هذا العمل المتميّز والجزء المغــربي‬
‫في واجهة القصر‪ .‬لقد تعرّضت ال ّز خارف العربية على الواجهة لتشويه كبير من خالل إضافة دروع ملوك قشتالة وليون األولين‬
‫‪(.‬السّابقين لپِدرو األول‪ ،‬باني القصر المفترض)‪ ،‬ولكن الخطوط العريضة تنتمي إلى المدرسة ذاتها‬
‫إن التّشويه الذي أحدثه الفنانون مع ّدو شارات النّبالة لدى الملوك المسيحيين على هذه ال ّزخرفـة البديعـة يعطينـا فكـرة‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫عن اختفاء معظم األعمـال الفنيـة القبطيــة اليمانيـة والقبطيــة القُوطيّـة الــتي عُـثر عليهــا في إشـبيلية وغيرهـا عنــدما أخـرج منهــا‬
‫الموحّدون‪ .‬ويمكن الحكم على مدى رق ّي وروعة وغنى وأناقة ال ّزجــاج والمفروشــات والمفــارش وغيرهــا من المشــغوالت الــتي‬
‫نسبها القشتاليون ألنفسهم‪ ،‬من خالل اإلضاءات التي سلّطت على أعمال ألفونســو العاشــر‪ ،‬حيث نقلت وقــائع الحيــاة المنزليــة في‬
‫تلك الفترة بأمانة ومع إعطاء الكثير من االنتباه إلى التّفاصيل التي لم تتجاوزهــا حصــر بــايو الجدارية‪ .288‬ويظهــر من رداء دفن‬
‫الصـنع والتّصــميم‪ .‬تم‬ ‫يفضـلون األقمشــة عربيــة ّ‬ ‫ّ‬ ‫سان فرناندو الذي حفظت قطعة منه في متحف مدريد‪ّ ،‬‬
‫أن ســكان قشــتالة كــانوا‬
‫الشـطرنج بــاألحمر واألبيض وقــد حيكت عليــه بمهــارة حصــون وقالع صــغيرة وأســود‬ ‫تصميم الرّداء على شكل مربّعات رقعة ّ‬
‫قبطية المعالم تذكرنا بتلك المحفورة في المشغوالت الخشبية في جامع األزهر‪ ،‬وكــذلك باألســد الــذي على َرنــك (شــارة) بَ ْيپَــرس‬
‫البُندُقداري‪ ،289‬كما أشار لنا السّيد ألبير ڠاييه في رسالة خاصة تتعلّق باألسود «القبطية» في إشبيلية‪ .‬ويوجد في كتــاب ألفونســو‬
‫«كتاب ال ّشطرنج» صورة للملك نفسه يرتدي ردا ًء آخر مماثالً‪ ،‬كما توجد كتابات عربية على قطــع من أثــواب أبنائــه المحفوظــة‬
‫في متحف مدريد‪،‬ـ حيكت في القماش مــع أســمائهم ‪ -‬وهــو مثــال قــد يكــون فريــداً في اســتخدام الطّــرز لزخرفــة األثــواب الملكيــة‬
‫‪.‬المسيحية‬
‫أن مسيحيي قشتالة كانوا يقدرّون تماما ً مظاهر الفخامة والجمال التي طبعت حياة المسلمين في إشبيلية في‬ ‫ك في ّ‬ ‫ال ش ّ‬
‫القرن الثّالث عشر‪ ،‬وكان ولعهم بها كبيراً جداً‪ ،‬بحيث أن ملوكهم بــدأوا بعــد وقت غــير طويــل في إصــدار تشــريعات تمنعهم من‬
‫أن قطــع ال ّزجــاج‬ ‫فإن األُلفة تولد االحتقار‪ ،‬ولم يخطر ببال أحــد ّ‬ ‫االنغماس بإسراف في هذه األمور‪ .‬ولكن‪ ،‬وكما هي الحال دائماً‪ّ ،‬‬
‫السـيطرة عليهــا‬‫والفضة والخزف والمشغوالت المطرزة والمحاكة التي كانت تزيّن المســاجد والقصــور في المنــاطق الــتي تمت ّ‬
‫كانت تستحق من الغزاة أن يحتفظوا بها بعناية مثلها مثل الحجارة الجميلــة المفرّغــة والمنقوشــة وال ّزخرفــة بــالجص‪ ،‬في واجهــة‬
‫قصر إشبيلية‪ .‬خالل تسع سنوات من البحث والتّقصي تم ّكنا‪ ،‬مــع ذلــك‪ ،‬من العثــور على مــا نعتقــد أنــه أفضــل مثــال تقريبـا ً على‬
‫السّجاد المستخدم في إشبيلية قبل حرب االسترداد‪ ،‬ولم نفقد األمل في أنه ال يزال ممكنا ً العثور على بعض بقايا الحرير وال ّدمقس‬
‫‪.‬وال ّديباج في كنائس القرى النّائية حيث ال يتم التّعامل معها بوصفها أكثر من مجرّد خرق بالية‬
‫في كاتدرائية ‪ Paño de la Monteria‬هناك استثناء وحيد يتمثل في القطعة ال ّرائعة المعروفة باسم سجادة الصّيد‬
‫أن ثلثها تقريبا ً انتزع منها‪ ،‬باإلضافة إلى اإلطار الذي كان يمكن أن يكون حجمه كبيراً وربما يتض ّمن كتابة‪ّ ،‬‬
‫فــإن‬ ‫إشبيلية‪ .‬ورغم ّ‬
‫السـبب الـذي جعـل القـائمين على الكاتدرائيـة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ما بقي منها ثقيل جدا بحيث ال يقدر رجل واحد على حملـه‪ .‬ونفـترض أن هـذا هـو ّ‬
‫يرفضون تماما ً عرض السّجادة على ال ّدارسين‪ .‬لقد قيل لنا إننا كنا األجانب الوحيدين الذين سمح لهم حــتى اآلن بدراســتها‪ ،‬ونحن‬
‫‪.‬ندين بذلك للُطف رئيس الكاتدرائية وكبير ال ّشمامسة وتعاطفهما واهتمامهما بدراستنا للفن األندلسي‬
‫صنعت السّجادة من المخمل األحمر ذي الوبر القصــير القاســي‪ ،‬وليس فيهــا بوصــة واحــدة خاليــة‪ ،‬فقــد تم تطريزهــا‬
‫تطاردُهــا حيوانــات أخــرى ذات شــكل‬ ‫ِ‬ ‫طارد حيوانات غريبة غير واقعية أو‬ ‫بخيوط متقاربة جداً لتشكيل لوحة صيد خيالية حيث تُ ِ‬
‫وهيئة غير طبيعية‪ .‬صوّرت الحيوانــات دائمـا ً في أزواج‪ ،‬ويبــدو العديـدـ منهــا راكبـا على ظهــر اآلخــر لتنهش بشراســة متفاوتــة‬
‫ً‬
‫أعضاء بعضها‪ .‬هذه الفكرة الفريدة التي تشتهر بها األقمشة السّاسانية‪ ،‬تتك ّرر بنسبة كبيرة في القطــع القليلــة األثريــة المتبقّيــة من‬
‫المشغوالت الفنّية العائدة إلى تلك الفترة‪ .‬فهي موجودة على نافورة المنصور المصنوعة في إشــبيلية ســنة ‪ 988‬م‪ ،‬ولكن في هــذه‬
‫‪ .‬الحالة على شكل نسور ممسكة بثعالب بمخالبها‪ :‬في تابوت عبد الملك بن المنصور الذي يعود إلى عام ‪1005‬‬
‫صيد‪ ،‬تبدو أجنحة الحيوانات في الحالــة األخــيرة فريــدة‪ ،‬شــبيهة كثــيراً بأســد پــيزا‬ ‫وكما ذكرنا سابقا بالنّسبة لسجادة ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الس ـيد ڠاييــه إنــه ينتمي إلى الفن الفــاطمي العائــد للقــرن العاشر‪ .290‬يقــول المقريــزي إن تصــوير‬ ‫المجنّح‪ ،‬وهــو أســلوب يقــول ّ‬
‫يظن أنها حقيقية‪ ،‬ولكن ال أحد م ّمن رأوا‬ ‫الحيوانات في الفن الفاطمي كان قريبا ً جداً من الحقيقة بحيث أن النّاظر إليها عن بعد قد ّ‬
‫الشـبيهة بـأوراق نبــات أو أزهـار‪ ،‬يمكن أن‬ ‫تلك المخلوقات الخيالية‪ ،‬ذوات األجنحة التي قد تكون على شـكل ثعــابين‪ ،‬أو الــذيول ّ‬
‫يوافقه الرّأي‪ .‬أما بالنّسبة ألصل رسم الحيوانين ال ّراكب أحدهما على اآلخر‪ ،‬فيمكننا أن نجــد ذلــك أيضـا ً في مصــر‪ .‬يــورد ّ‬
‫السـيد‬
‫صورة طير‪ ،‬يفترض أنه يمامة‪ ،‬واقفا ً وقد أنشب‬ ‫ڠاييه صورة لمجموعة قبطية رمزية في المتحف المصري بالقاهرة‪ .‬يبدو في ال ّ‬
‫براثنه في ثعلب‪ ،‬وقرد وغزال وأسدان في األسفل‪ ،‬وكلّها بين ذراعي صليب وحولها كمية كبيرة من أوراق الشـجر‪ .‬لقـد حُفـرت‬
‫ّ‬
‫أن العمل األخير أكثر اتقانـاً‪ ،‬فــإن الرّســم نفســه ال يختلــف‬ ‫صورة قبل قرون عدة من تاريخ تشييد نافورة المنصور‪ ،‬ورغم ّ‬ ‫هذه ال ّ‬
‫السـابق في اليمن ‪ -‬وأن األســود تحمــل رؤوس نســور كمــا في‬ ‫ّ‬
‫أن الطير في نافورة إشبيلية نسر ‪ -‬الرّمــز الوثــني ّ‬‫كثيراً‪ ،‬عدا عن ّ‬
‫پيزا‪ ،‬ولها أجنحة مثل أجنحة التّنانين في سجادة الصّيد في إشبيلية‪ .‬نعتقد أن هـذه الرّسـوم مسـتوحاة من بالد الفُـرس عــبر اليمن‪،‬‬
‫قبل اإلسالم‪ .‬وتبدو األسود في المجموعة القبطية شبيهة إلى ح ّد كبير باألسود المحاكة على رداء دفن سان فرناندو‪ .‬وكما إلثبـات‬
‫مدى تكرار هذه الفكرة‪ ،‬نجد سجادة رائعة نُسجت في القرن الخامس عشر‪ ،‬أيضا ً في كاتدرائية إشــبيلية‪ ،‬تحمــل الحــرفين األولين‬
‫إلسمي الملكين الكاثوليكيينـ إيزابيل‪ 291‬وفرناندو‪ ،292‬والتي تعتبر تقليداً للمجموعات السّاســانية لكنهــا نســخة محدثــة ذات مالمح‬
‫صيد وتابوت عبد الملك‪ ،‬ولكنها محاطة بزوج من الثّيران المتصــارعة كتلــك‬ ‫تقليدية‪،‬ـ بالطّريقة نفسها التي تم تقليدها في سجادة ال ّ‬
‫التي نراها اليوم على صور بطاقات إشبيلية البريدية‪.‬ـ لقد وجدنا الفكرة نفسها في مشغوالت عربية أخرى تعود لفــترة سـابقة على‬
‫الصـالت الوثيقـة في الرّمزيــة‬ ‫القرن الثّاني عشــر‪ ،‬لكن المسـاحة ال تــتيح سـرد المزيـد من التّفاصــيل هنـا‪ .‬لقـد بينّــا‪ ،‬كمـا نأمـل‪ّ ،‬‬
‫واألسلوب بين مختلـف تلــك األعمـال الفنيــة‪ ،‬المتباعــدة بشـكل كبــير عن بعضــها في الـ ّزمن وعن المدرســة القبطيــة العربيـة في‬
‫‪.‬الفُسطاط‪ ،‬والتي اىنبثقت منها مدرسة إشبيلية‬
‫نقترح في المستقبل أن نورد رسوما ً لتلك التّصاميم وغيرها لكي نبيّن استمرار التّــأثير الفارســي المصــري على الفن‬
‫في األندلس‪ .‬لقد قيل ما يكفي حتى اآلن كما نأمل‪ ،‬إلثبات أن هذا التّأثير كان موجوداً وترك عالمــة راســخة ال تمحى في األفكـار‬
‫الفنية في المناطق التي تف ّوق فيها األقباط بفضل مهاراتهم وخبرتهم في فن ال ّزخرفة والعمــارة لــدى اليمــانيين والقــوط والمولّــدين‬
‫‪.‬الذين اتخذوا من إشبيلية عاصمة لهم‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫‪.‬أ ‪ -‬كنيسة القديس جرجس القبطية‪ ،‬مصر‪ ،‬القرن ّ‬
‫الرابع‬
‫‪.‬ب ‪ -‬مسجد ابن طولون‪ ،‬مصر‪ ،‬القرن ّ‬
‫الرابع‬

‫‪.‬عمارة مستقدقّة قديمة في مصر‬


‫كونڤنتو دي ال لوث (الرقم ‪ .)1‬العقود القبطيةـ العربية في الباحة الوسطى‪ ،‬وفي األعلى رواق من‬
‫‪.‬القناطر يعود إلى القرن الخامس عشر‬
‫الفصل الثّامن‬
‫المسيحيون والمولّدون في عهد عبد ال ّرحمن الثّالث‬
‫لم يكن عبد الرّحمن قد أت ّم الثّانية والعشرين عندما تولّى الحكم‪ .‬كان أشــقر وعينــاه زرقــاوان‪ ،‬كمــا هــو متوقــع لكــون‬
‫أجداده من القوط‪ ،‬ووسيما ً مثل األمراء‪ .‬ولكن جاذبيّته كانت تكمن‪ ،‬أكثر من حُسنه الجسدي‪ ،‬في طيبة قلبه وعفّة خلقه‪ .‬كان ذكيــا ً‬
‫ومتعلّماً‪ ،‬ومتعقالً وحصيفا ً إلى أقصى حد‪ .‬لقد كانت خصاله الحميــدة معروفــة للجميــع‪ ،‬ولــذلك ع ّم الفــرح بين النّــاس لــدى تولّيــه‬
‫‪.‬العرش‪ ،‬وقرئت الخطبة باسمه في المساجد الرّئيسية‬
‫كان ع ّمه ال ُمط ِّرف‪ ،‬الذي بات يظهر له عطفا ً أبوياً‪ ،‬أول من أعلن له الطّاعــة‪ ،‬وتلقّى عبــد الـرّحمن قســمه بكثــير من‬
‫الحب والتّقدير‪ ،‬ما جعل أعين الحاضرين تدمع‪ .293‬ربما تذكر هؤالء الذين دمعت أعينهم كيف تسبّب ال ُمط ِّرف نفسه بموت والــد‬
‫أن ال ُمطرِّف كــان مخلصـا ً للعهــد الــذي قطعــه‬ ‫الملك ال ّشاب قبل نحو ثمانية عشر عاماً‪ .‬ولكن أيا ً كانت األمور‪ ،‬يمكننا أن نفترض ّ‬
‫‪.‬ذاك اليوم‪ ،‬ألننا سنرى الحقا ً كيف خرج للقتال إلى جانب ابن أخيه في أكثر من مناسبة‬
‫أن العداوة الــتي امتــدت لســنوات طويلــة بين إشــبيلية وقُرطُبــة تــراجعت‬ ‫من أهم ما يميّز حكم أعظم الخلفاء األمويين ّ‬
‫على الفور‪ .‬ويعزو دوزي ذلك إلى ضعف الثّوار المولّدين واليمانيين بسبب التّق ّدم في العمــر أو الوفــاة‪ ،‬والواقــع أن أهــل إشــبيلية‬
‫الذين توفي كبيرهم إبراهيم بن حجّاج وخلفــه ابنــه مح ّمــد قبــل تــولّي عبــد الـرّحمن الثّـالث العــرش‪ ،‬قبلــوا بالحــاكم الجديــد دونمــا‬
‫الضـعف أصــاب‬ ‫أن ّ‬ ‫اعتراض‪ ،‬كما أننا ال نجد مــا يشــير إلى تجـ ّدد االضــطرابات هنــا خالل فــترة حكمــه المديــدة‪ .‬ولكن ال يبــدو ّ‬
‫أن ُع َمــر بن حفصـون‪ ،‬الــذي بـات‬ ‫المولّدين والمسيحيين خالل خمسـة وعشـرين عامـا ً من المعــارك واالضـطرابات‪ ،‬ألننـا نجــد ّ‬
‫زعيمهم المعترف به‪ ،‬أكثر إصراراً من ذي قبل على بناء مملكة لشعبه‪ .‬كانت الهدنة مع إشبيلية تكتســي طابعـا ً شخصــيا ً بالنّســبة‬
‫‪.‬لعبد الرّحمن‬
‫فور وفاة األمير عبد هللا‪ ،‬أعلن مح ّمد بن حجّ اج الطّاعة لألمير الجديد‪ ،‬وسرعان ما حذا حذوه ال ّزعماء اليمــانيون‪ .‬ال‬
‫أن عبد ال ّرحمن بذل قصارى جهــده لتســهيل إعالن عهــود الــوالء هــذه لمن ابتعــدوا عن جـ ّده‪ .‬فهــو لم يـ ّدخر وســيلة لمــداواة‬ ‫شك ّ‬
‫ّ‬
‫العداوات القديمـةـ والخالفــات‪ ،‬وإنهــاء حــاالت الثــأر بين بعض العــائالت‪ ،‬فكســب بفضــل طيبتــه وحصــافته قلــوب الكثــيرين من‬
‫الضـرائب الــتي فرضــها ســلفه‪،‬‬ ‫أصحاب المظالم‪ :‬لقد عمل عل تحسين سُبل عيش رعاياه كافة عبر إلغــاء العديـدـ من المغــارم أو ّ‬
‫وبفضل حرصــه على عدالــة القضـاء ونزاهتـه‪ ،‬وعلى تشـجيع ال ّزراعــة والتّجـارة‪ ،‬أرسـى األسـس الـتي حقّقت االزدهــار لبالده‬
‫‪.‬ووضعت قبل وفاته قُرطُبة في صدارة األمم المتحضّرة في ذاك الوقت‪294‬‬
‫كيف كان من الممكن القيام بهذا كل وإنجازه كما يبدو تقريبا ً فور تولّي عبد الرّحمن الحكم لوال عالقــة القرابــة وال ـ ّدم‬
‫التي تربط األمير ال ّشاب برعاياه اليمانيين والمولّدين؟‪ 295‬ولكن ال يمكن أن يطرأ على الفور تغيير جذري على الموقــف الفكــري‬
‫ألن شابا ً وسيما ً ولطيفا ً تولّى الحكم خلفا ً لرجل عجــوز‪ ،‬مهمــا تــدنّت شــعبية األخــير‪ .‬ال بـ ّد أن والــدة عبــد الـرّحمن‬
‫لقبيلة أو فرقة ّ‬
‫المسيحية ماريّا هي التي سعت وراء تحقيق هذه المعجزة‪ .‬ولكن الحوليّات ال تـذكر إن كـانت حيّـة أم متوفـاة عنـدما تـولّى الحكم‪.‬‬
‫ألن اسم والدة الخليفة ‪ -‬التي تحظى دائمـا ً بــأعلى مــراتب التّقــدير واإلجالل ‪ -‬ورد لــدى إعالن توليــه‪.‬‬ ‫وربما كانت ال تزال حية‪ّ ،‬‬
‫والعادة أن يشار إلى وفاة الوالدة لو أنها توفيت قبل تنصيبه‪ .‬ولكن كون ِده‪ 296‬هو الكاتب الوحيد الــذي يــذكر ماريّــا‪ ،‬وال يقــول لنــا‬
‫أكثر مما سبق أن أوردنا‪ .‬فلو كانت ال تزال حية‪ ،‬يمكننا أن نتخيّل كيف وظّفت نفوذها لدى ابنها وكذلك لدى أقربائهــا في إشــبيلية‬
‫أن عبد الـرّحمن أحســن معاملــة عائلتهــا كــرمى لهــا‪ ،‬إن لم يكن تقــديراً لهم‪ ،‬طــوال‬ ‫لتحقيق سالم دائم‪ .‬وتؤ ّكد الكثير من األحداث ّ‬
‫‪.‬سنوات حكمه‬
‫فمن بين أول ما قام به إعادة تعيينـ يماني قاضيا ً على قُرطُبة‪ ،‬بعد أن جرّده ج ّده من لقبـه‪ ،‬وإعـادة تعـيين ابن جمـري‬
‫سن متق ّدمة قائداً للجيش‪ ،‬بعد أن عزله عبد هللا من هذا المنصب‪ .297‬لقد حرص عبد ال ّرحمن طوال فترة حكمه على فتح‬ ‫وهو في ّ‬
‫ي ثائر يبدي رغبة في إعالن الوالء‪ ،‬ثم عرض منصب عليــه تحت إمرتــه‪ .‬وعلى هــذا األســاس من التّعــاطف‬ ‫ذراعيه الستقبال أ ّ‬
‫يكتف بإصدار أوامر بمراعاة المسيحيين ومعــاملتهم بالحُســنى‪ ،‬بــل أنــه أبــدى ذات مــرة رغبــة في‬ ‫ِ‬ ‫تعامل مع أتباع ديانة أمه‪ ،‬فلم‬
‫‪.‬تعيينـ رجل والداه نصرانيان في منصب قاضي قُرطُبة‪ ،‬ولم يثنه عن ذلك سوى معارضة الفقهاء‪298‬‬
‫كانت عالقاته مع بني إسحاق‪ 299‬حميمة إلى درجة الوقوع على مــا يبـدو تحت تـأثير أقرانـه من تلـك العائلــة‪ ،‬وبهــذا‬
‫صدد يروي دوزي قصة مثيرة للفضول‪ .‬لكن دوزي أغفل النّسب القوطي لبني إسحاق الذين ورد أنهم من أصل مسيحي‪ ،‬وألنه‬ ‫ال ّ‬
‫أن عبد ال ّرحمن اعترف به كأحد أبناء أخواله‪ ،‬فقد ُوصــف أحمــد بن إســحاق‪ ،‬بطــل القصــة‪ ،‬بأنــه «ســليل األمــراء»‬ ‫من المحتمل ّ‬
‫ّ‬
‫مفترضا ً أنه لكونه أحد أقرباء الخليفة فال بد أن يكون فردا من العائلة األموية الحاكمة‪ .‬لقـد كـانت صـلة القرابـة بــالطبع من جهـة‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫والدة عبد ال ّرحمن المسيحية ماريّا‪ ،‬واستحق أحمد بن إسحاق نســبه الملكي من ناحيــة أجــداده القــوط وليس من بــني أُميّــة‪ .‬ويبــدو‬
‫عليه أنه حتى سنة ‪ ،937‬وهو تاريخ حصول الواقعة التي سترد الحقاً‪ ،‬كان ال يزال معترفا ً بالنّسب الملكي لذ ّريّة ســارة‪ ،‬ألننــا ال‬
‫‪.‬يمكن أن نفترض أن يطلق دوزي لقب «سليل األمراء» على أحد إن لم يجد أساسا ً لذلك لدى الكاتب الذي نقل عنه‬
‫ففي عام ‪ 915‬أو ‪ ،916‬عيّن عبد الرّحمن كبير بني إسحاق وزيراً‪ ،‬ثم نجد أحمــد بن إســحاق‪ ،‬ابن الــوزير (المتــوفّى‬
‫الشـمالية‪ ،‬ومكلفـا ً‬ ‫الشـمال‪ ،‬وحاكمـا ً للمنــاطق الحدوديــة ّ‬ ‫عندما حصلت الواقعة) قائداً للخيالة في الحملة على القبائل المسيحية في ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بمحاصرة َس َرقُسطة (كان واليها [مح ّمد بن هاشم] التّجيبي قد ثار وتعامل مع ملـك ليــون)‪ ،‬في حين ُعيِّن أخـوه أميّـة حاكمـا على‬
‫شنترين‪ .‬يقول لنا دوزي إنه في عام ‪ 937‬بلغت الجرأة من أحمد بن إسحاق مبلغا ً دفعه إلى أن يطلب من الخليفــة أمــير المؤمــنين‬
‫تعيينهـ وليّا ً للعهد‪ ،‬ثم نجد أنه أُعدم بعد وقت قصير‪ ،‬بعــد انكشــاف أمــره في تــدبير المكائــد بهــدف تحقيــق مطامعــه‪ .‬يــورد دوزي‬
‫الضـوء على‬ ‫ترجمة طويلة لخطاب كتبه عبد الرّحمن إلى أحمد رداً على طلبه تعيينه وليا ً للعهد‪،‬ـ وهو يكتســب أه ّميــة كونــه يلقي ّ‬
‫‪.‬عادات تلك األيام‬
‫أن أحمد أثار غضب عبد الرّحمن قبل ذلك بفترة قصيرة من خالل رغبتــه في اســتخدام القــوة في الحصــار على‬ ‫يبدو ّ‬
‫‪َ .‬س َرقُسطة‬
‫‪:‬وجاء في الخطاب الذي كتبه عبد الرّحمن‬
‫أ ّما بعد فإنا كنا نرى االستحماد إليك استصالحا ً لك‪ ،‬فأبى الطّبع الغريزي إال ما اسـتحكم منـه فيـك‪ ..‬إال أن اسـتحوذ«‬
‫أخسـهم حـاالً‬‫عليك الفقر يصلحك‪ ،‬والغنى يُطغيك‪،‬ـ إذ لم تكن عرفته وال تعوّدته‪،‬ـ أوليس كان أبوك فارسا ً من فرسان ابن حجّـاج‪ّ ،‬‬
‫عنده‪ ،‬وأنت يومئذـ ن ّخاس الحمير بإشبيلية‪ ،‬فأقبلتم إلينا‪ ،‬فآويناكم ونصرناكم‪ ،‬وشرّفناك وم ّولناك‪ ،‬واستوزرنا أباك‪ ،‬وقلّدناك أعنــة‬
‫ّ‬
‫ي َح َسـب أو‬ ‫الخيل أجمع‪ ،‬وف ّوضنا إليك أمر ثغرنا األعظم‪ ،‬فتهاونت بالتّنفيذ لنا وقلّة المباالة بنا‪ ،‬ثم مع هذا‪ :‬التّر ُّش ُح للخالفــة‪ ،‬فبــأ ّ‬
‫ي نَ َسب‬ ‫!أ ّ‬
‫‪:‬وفيكم قال القائل‬
‫أنتم ُخثار ُ‬
‫الخثا ِر‬ ‫ش‬ ‫وليس َخ ٌّز َ‬
‫كخ ْي ِ‬
‫ش‬‫إن كنتم من قُري ِ‬ ‫تز ّوجوا في قُري ِ‬
‫ش‬
‫أو كنتم قب َ‬
‫ط ِمص ٍر‬ ‫ش‬
‫فذا التّعاطي ألي ِ‬
‫أليست كانت أ ّمك حمدونة السّاحرة‪ ،‬وأبـوك المجـذوم‪ ،‬وجـ ُّدك بـواب حـوثرة بن عبّـاس‪ ،‬يفتـ ُل الحبـال في أسـطوانة‪،‬‬
‫ويخيط ال َح ْلفاء على باب داره‪ ،‬فلعنك هللا ولعن من أنشبنا في االستخدام بك‪ ،‬فيا مأبون ويا مجــذوم‪ ،‬ويــا ابن الكلب والكلبــة‪ ،‬أقبِــلْ‬
‫‪.‬صاغراً»‪300‬‬
‫بعد هذه الرّسالة شديدة اللّهجة‪ ،‬بدأ أحمد وأخوه أُميّة بتدبيرـ مكيدة غرضها التّحالف مع رُذمير (راميرو) ملــك ليــون‪،‬‬
‫بهدف اإلطاحة بعبد ال ّر حمن وتسليم إسپانيا إلى الخلفاء الفاطميين الحاكمين على مصر‪ .‬ما إن اكتشف عبد ال ّرحمن المكيدة‪ ،‬حتى‬
‫الشـيعة‪ ،‬أو اســتناداً إلى روايــة أخــرى الرتكابــه‬
‫نفى أحمد من بالطه‪ ،‬ثم سُجن ألنه واصل التّآمر عليه‪ ،‬وحوكم وأدين لكونه من ّ‬
‫‪«.‬جرما» ضد الحق العام‪301‬‬ ‫ً‬
‫‪.‬أيا كانت حقيقة األمر‪ ،‬فقد اختفى أحمد اآلن من التّاريخ‪ ،‬وعلينا أن نتتبّع مصير تلك العائلة فيما حدث ألخيه أُميّة‬
‫ما إن سمع أُميّة بن إسحاق بما وقع من أمر أخيه حتى غادر شنترين‪ 302‬وهرب مع ثلة من أتباعه إلى بالط رُذمير«‬
‫الثّاني‪ ،‬ملك الجاللقة‪ ،‬وانض ّم إليه ود ّل جيشه على عورات المســلمين على حــدودهم‪ ،‬وممـرّاتهم‪ ،‬وطــرق العبــور الــتي يمكن من‬
‫خاللها مهاجمة أرض اإلسالم‪ .‬مع ذلك‪ ،‬وفي يوم كان أُميّة‪ ،‬الذي كان محكما ً سيطرته طوال الوقت على شنترين‪ ،‬يمارس هواية‬
‫الصّيد‪ ،‬انتفض أحد أُجرائه الذي كان قد كلّفه بحماية الحصن‪ ،‬واستحكم بالموقع‪ ،‬وأغلق البوّابات دون أُميّة‪ ،‬وأرســل رســوالً إلى‬
‫عبد ال ّرحمن يطلعه على ما كان منه‪ ،‬بينما ف ّر أُميّة مج ّدداً إلى حليفه ملك جليقية الذي استقبله أحسن استقبال وعيّنه وزيراً‪ .‬وكــان‬
‫‪.‬هذا سبب غزوة عبد الرّحمن»‪303‬‬
‫أن هناك خطأ ما‪ ،‬فأُميّة ما كان بوسعه أن يتحرّك جيئة وذهابا ً بين شنترين وبالط رُذمير في ليــون‪ ،‬كمــا تــوحي‬ ‫يبدو ّ‬
‫ال ّرواية‪ .‬وربما لم يذهب إلى هناك على اإلطالق إلى أن تم ّكن فريق عبد الـرّحمن‪ ،‬من خالل تـدبير خطـة عسـكرية محكمـة‪ ،‬من‬
‫‪.‬إغالق المدينةـ دونه‬
‫الحدث الثّاني في الرّواية يتعلق بمعركة سمورة‪ .304‬ويقول المقّري «إن عبد الرّحمن غزا في أزيد من مئــة ألــف من‬
‫النّاس‪ ،‬فنزل على دار مملكة الجاللقة‪ ،‬وهي مدينةـ سمورة»‪ .‬وعندما حاصر عبد الرّحمن ســمورة هب رُذمــير (رامــيرو الثّــاني)‬
‫لنجدتها وعسكر في الجوار‪« .‬وكانت الوقعة بينه وبين رُذمير ملك الجاللقــة في شــوال ســنة ‪( 327‬يوليــو أو أغســطس‪ 939 ،‬م)‬
‫الشـهر بثالثـة أيـام‪ ،‬فكـانت للمسـلمين عليهم‪ ،‬ثم ثـابوا بعـد أن حوصـروا وأُلجئـوا إلى المدينـة»‪،‬‬ ‫بعد الكسوف الذي كان في هـذا ّ‬
‫صرين الحقوهم بسيوفهم‪ ،‬وعبروا الخندق وصــاروا داخــل أســوار المدينــة‪ .‬وفي‬ ‫ونفّذت حامية سمورة هجوما ً مبا ِغتا‪ ،‬لكن المحا ِ‬
‫ً‬
‫‪.‬حين كان المسلمون يستع ّدون للتّق ّدم‪ ،‬فاجأهم النّ صارى «فقتلوا من المسلمين بعد أن عبروا الخندق خمسين ألفاً»‪305‬‬
‫السـالفة‪ ،‬وبين األســوار فصــيالن وخنــادق‬ ‫كان على مدينةـ سمورة «سبعة أسوار من أعجب البنيان قد أحكمه الملوك ّ‬
‫ومياه واسعة‪ ،306‬وافتتح (المسلمون) منها سـورين» وعنـدما وصـلوا إلى الثّــالث‪ ،‬هـاجمهم النّصـارى من كــل جنب بكــل عـزم‪،‬‬
‫«فقتلوا ممن أدركهم اإلحصاء وممن عُرف أربعين ألفاً‪ ،‬وقيل خمسين ألفاً»‪ ،‬تم إغــراقهم في الخنــادق‪« .‬كــانت تلــك شــر هزيمــة‬
‫أن الملــك رُذمــير طــارد مــا تبقّى من‬ ‫مني بها أخواننا في األندلس‪ ،‬سواء من الجاللقة أو الباسك‪ ،‬وكان النّصر ســيكون أكمــل لــو ّ‬
‫‪».‬جيش عبد ال ّر حمن‪ ،‬الذين ما كان سيواجه صعوبة في القضاء عليهم‪ ،‬لما استحوذ عليهم من ذعر‬
‫إن الذي منع رُذمير من طلب من نجا من المسلمين أُميّــة بن إســحاق‪ ،‬وخوَّفــه الكمين‪،‬ـ ور ّغبــه فيمــا كــان في«‬ ‫وقيل‪ّ :‬‬
‫‪.‬عسكر المسلمين من األموال والع ّدة والخزائن‪ ،‬ولوال ذلك ألتى على جميع المسلمين‪307 »..‬‬
‫‪» Crónica general،‬يورد كون ِده‪ ،‬الذي يح ّدد تاريخ الحصار في سنة ‪ ،938‬متفقـا ً بــذلك مــع «الحوليّــات العامة‬
‫بأن ال ُمط ِّرف قاد‬‫سرداً مطوالً للمعارك يتفق في جوهره مع رواية المقّري‪ .308‬والوقائع الوحيدة المه ّمة اإلضافية في روايته تفيد ّ‬
‫وأن أُميّة بن إسحاق وأتباعه كانوا يرتدون دروعا ً مصفّحة مثل النصارى‪309‬‬
‫ّ‬ ‫‪.‬طالئع قوات المسلمين‪ّ ،‬‬
‫ضئيل الذي تركته على مشاعر عبد ال ّرحمن وعطفه تجاه أقربائــه من‬ ‫قد يكون العنصر األهم في هذه القضية األثر ال ّ‬
‫الصـمود أمــام‬ ‫ُ‬
‫أن مهــارات أميّــة بن إســحاق العســكرية وحــدها هي الــتي م ّكنت رُذمــير من ّ‬ ‫بني إسحاق‪ .‬هناك اتفاق عموما ً على ّ‬
‫الخليفة‪ :‬ولكن «أُميّة استأمن بعـد ذلــك إلى عبــد الـرّحمن»‪ ،‬وتـرك بالط رُذمــير‪ ،‬وتو ّجــه بكـل ثقــة إلى قرطبـة حيث «قبلــه عبـد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رحمن أحسن قبول»‪310‬‬ ‫‪.‬ال ّ‬
‫إن عودة أُميّة إلى طاعة األمير حصل بعد ذلك بسـنة‪ ،‬أي في عـام ‪ ،940‬بعـد‬ ‫ويضيف كون ِده بعض التّفاصيل‪ ،‬بقوله ّ‬
‫بأيدي ‪ San Esteban de Gormaz)311‬سان إستيبان دي ڠورماث( غزوة أخرى انتهت بسقوط س ّمورة وحصن شنت اشتبين‬
‫المسلمين‪ .‬أختلف أُميّة بن إسحاق مع رُذمير الذي فقد الثّقة به (وهو ربما ليس مفاجئاً)‪ ،‬فخاطب عبد الرّحمن طالبا ً منــه أن يعيــده‬
‫‪.‬إلى خدمته‪ ،‬معتذراً عن سلوكه السّابق قائالً إنه انقاد وراء ال ّدفاع عن شرفه ثاراً لمقتل أخيه‬
‫ّ‬
‫وتوسـل أن يُتــاح لــه تقــديم خدماتــه ليثبت والءه‬ ‫إن أُميّة «بات اآلن مقتنعا ً بأن أحمد لم يُقتل ظُلماً‪،‬‬
‫وكتب كون ِده يقول ّ‬
‫ويبرهن على أنه مسلم صالح‪ .‬ولم يقبل عبد ال ّرحمن اعتذاره فحسب‪ ،‬بل أعاده إلى خدمته وأعاد له مكانتــه كـوزير وقائــد للجيش‬
‫‪.‬على الثّغور»‪312‬‬
‫كان فرد آخر من بني إسحاق‪ ،‬هو يحيى بن إسحاق‪ ،‬أحد أطباء عبد الرّحمن‪ .‬كان ماهراً وضليعا ً في علوم العقــاقير‪،‬‬
‫ً‬
‫أن أباه كان نصرانيا ‪313‬‬ ‫‪.‬عيّنه عبد الرّحمن وزيراً وح ّكمه على بطليوس‪ .‬ويضيف ابن أبي أصيبعة الذي أورد هذه التّفاصيل ّ‬
‫ومن ساللة األميرة سارة م ّمن أبدى عبد الرّحمن تجـاههم عطفـا ً خاصـا ً إســماعيل بن بــدر بن ســعيد المكنّى أبـا بكــر‬
‫والذي جعله واليا ً على إشبيلية في حوالي سنة ‪ .940‬كانت عائلة أبي بكر من المولّدين‪ ،‬وأول من برز منهم زدلف الذي كان أبوه‬
‫ـوض إلى‬ ‫نصرانياً‪ .‬كان ذاك يحيى بن زدلف الذي بنى حصنا ً منيعا ً ذا بوابات حديدية في شنتمرية الغرب‪ ،‬في إقليم أكشــونبة‪ .‬وفـ ِّ‬
‫ابنه بكر حُكم مدينةـ شلب في الغرب‪ ،‬ولكنه واصل مع ذلك مساندة المسيحيين والمولّدين حتى وفاته في بدايــة حكم عبــد الـرّحمن‬
‫الثّالث‪ .314‬كان بنو سعيد األحفاد المباشرين البن سارة األوحد من زوجها الثّاني‪ ،‬جلباب أو حبيب بن عُمير بن سعيد‪ ،‬مثلهم مثل‬
‫بن َعبّــاد بن سـعيد اللَّخمي إمـام ‪ Karis‬بني حجّاج وبني مسلمة وبني جُرج‪ .‬وال ب ّد أن تسري دماء ملوك القوط في دماء قـريش‬
‫السـنّة لم يلمح إلى‬ ‫أن أيـا ً من الكتــاب ُّ‬
‫الصـيت‪ ،‬رغم ّ‬ ‫جامع إشبيلية الكبير‪ ،‬والج ّد األكبر لساللة بني َعبّاد أصـحاب إشــبيلية ذائعي ّ‬
‫‪.‬ذلك‬
‫السـاللة ذات‬ ‫أن انتساب هذه العائلــة للملــوك القــوط هــو أحــد األســباب الــتي جعلت هــذه ّ‬ ‫ويبدو أنه ال مجال لل ّشك في ّ‬
‫الصـلة الـتي تربـط أ ّمـه بهم‪ .‬وقـد يكـون بوسـعنا أن‬ ‫النّسب المختلط تحتل مكانة عالية في نظر عبد الرّحمن‪ ،‬بصرف النظـر عن ّ‬
‫ّ‬
‫أن العالقة ال ّشخصية التي ربطتهم بابن أمـير بـني أُميّـة الـذي تـوفي وهـو يقـود جيش إشـبيلية وزوجتـه القُوطيّـة‬ ‫نؤ ّكد دون تر ّدد ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المسيحية التي تزوّجها في إشبيلية‪ ،‬كانت السّبب الحقيقي وراء تالشي العداوة التي كان يكنها اليمانيون والمولدون تجاه الحكم في‬
‫‪.‬قُرطُبة‪ ،‬عندما اعتلى ابن مح ّمد وماريّا‪ ،‬حفيد النّصراني إنييقا‪ ،‬عرش أعداء بني جلدتهم‪315‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الباب الغربي لكنيسة سان خوان دي ال پالما‪ .‬بناؤه ُمستعربي في األصل‪ :‬يقول نقش ال يزال‬
‫موجوداً إن ال ّ‬
‫سيدة الكبرى اعتماد زوجة ال ُمعت ِمد بن َعبّاد أضافته في عام ‪ 1086‬من أجل ابنها‬
‫سابع عشر‬
‫الرشيد قاضي إشبيلية الذي يقع ديوان قصره قبالته مع طابق عُلوي أضيف في القرن ال ّ‬
‫‪ّ .‬‬
‫الفصل التّاسع‬
‫األمراء الذين خلفوا عبد ال ّرحمن الثّالث‬
‫‪:‬يلخص المقّري طباع عبد الرّحمن بقوله‬
‫ض ـرب«‬ ‫قال مؤرّخو ذاك ال ّزمان إنه ما عرفت ال ّدنيا نموذجا ً من الح ّكام يماثله أو يشابهه في رقّة طبعه وسعة علمه‪ُ .‬‬
‫المثل بدماثته ولين عريكته وكرمه وحبّه لإلصالح والعدل‪ .‬فاق كل أسالفه في شجاعته في المنازلــة‪ ،‬وفي خشــوعه وخشــية هللا‪،‬‬
‫وغيرها من الفضائل التي جعلت منه حاكما ً كفوءاً محبوبـا ً من رعايــاه‪ .‬كــان محبـا ً للعلم وراعيـا ً مكرِّمـا ً للعلمــاء‪ ،‬فكــان يحبّ أن‬
‫ق عمله في إدارة ملكه في المجالس األدبية الــتي كــان يحضــرها‬ ‫يحادثهم ويجالسهم‪ ،‬ويصرف تلك السّاعات التي يختلسها من شا ّ‬
‫شعراء والعلماء في بالطه‪ .‬وتحفل تلك الفترة بقصص عن حبّه للعدل وتقديره ألهل العلم»‪316‬‬ ‫‪.‬كل من ب ّز من ال ّ‬
‫كاف لكي يقترن‬‫ٍ‬ ‫أن عبد الرّحمن كان حاكما ً اجتمعت فيه أنبل صفات المسيحيين والمسلمين‪ .‬وهذا وحده‬ ‫من الواضح ّ‬
‫السـالم داخــل حــدود بلــد تنازعتــه الفتن بين أتبــاع الـ ّديانات المتعارضــة‪ .‬ليس‬ ‫حكمه بأروع آيــات المجــد‪ ،‬ولكي ينجح في إحالل ّ‬
‫ضروريا ً البحث عن تفسير الضمحالل روح القتال‪ ،‬وتراجع العداوة الناجمة عن العصبية القبلية‪ .‬فالوحدة التي حققها هذا الحاكم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العظيم عائدة ألسباب شخصية‪ .‬ولقد استم ّر ت طوال فترة والية ابنه على العرش وإدارته لشؤون الحكم على خطى أبيه مسترشداً‬
‫بسياسة أساسها العدل والسّخاء‪ ،‬وفي ظل حاجب قوي حكم باسم حفيده‪ .‬ولكن العــداوة القديمـةـ المتعـ ّـذر إخمادهــا اشــتعلت مجـ ّدداً‬
‫ضابطة‪ ،‬واضطرمت بضراوة أكبر من أي وقت مضى بعد ذلك بخمسـين عامـاً‪ ،‬ولم تهــدأ حـتى عنـدما‬ ‫عندما انزاحت تلك اليد ال ّ‬
‫‪.‬قطعت أوصال األمبراطورية التي بناها عبد الرّحمن فوق ما بدا أنّه أساس متين‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫كان ابنه ال َح َكم المستنصــر باهلل‪ ،‬الــذي تــولّى الحكم بعــده شــبيها ً بــه‪ ،‬أمــيراً حكيمـا ً وعـاقالً ومتنــوراً‪ ،‬عــادالً وكريمـا ً‬
‫السـنّة يحظى بتأييــد الفقهــاء المتشـ ّددين‪،‬ـ في حين أســهمت ســعة‬ ‫ومتبصّراً‪ .‬جعله التزامه الصّارم بفروض ال ّدين وتطبيقه لتعــاليم ُّ‬
‫معرفته وولعه بـاألدب‪ ،‬باإلضـافة إلى نســبه‪ ،‬في اكتسـابه تقــدير أهـل العلم اليمــانيين الــذين ازدهــرت العلــوم األدبيــة بين كـبرى‬
‫عائالتهم منذـ فترة طويلة‪ .‬لقد تفوّق ال َح َكم على كـل من سـبقه من الح ّكـام األندلسـيين في حبّـه للعلم وتكريمـه للعلمـاء‪ ،‬ويقـال إنـه‬
‫«جمع من الكتب ما ال يح ّد وال يوصف كثرة ونفاسة» وإنه «أقام للعلماء سوقا ً نافقة» وكان يرســل ت ّجــاراً لشــراء الكتب من كــل‬
‫األقطار المسلمة وبيعها فيها‪ ،‬فاجتمعت في األندلس خزائن من الكتب لم تكن ألحد من قبله وال بعده‪ .‬لقد ر ّكز المؤرّخون العــرب‬
‫في الحقيقة كثيراً على هذا الجانب من حكمه بحيث أننا كان يمكن أن نشكك في وجود رغبة لصرف االنتبــاه عن صــفات أخــرى‬
‫أقل استحقاقا ً للثّناء‪ ،‬لو أننا لم نتبيّن أنه نجح في تسيير شؤون البالد وإشاعة الطّمأنينة واالزدهار‪ ،‬فاقتصــرت حمالتــه العســكرية‬
‫‪.‬على ص ّد هجمات مسيحيي ال ّشمال‬
‫ال بل إنه نجح في إبرام عقود صلح مع هؤالء المسيحيين اســتمرّت فــترات طويلــة من حكمــه‪ ،‬فكــان يســتقبل الوفــود‬
‫والسّفراء من ملوك جليقية وقشتالة وناڤار وبرشلونة وطَرَّكونة‪ ،‬ويُبرهن في كل عمل يأتيه أنه‪ ،‬مثل أبيه‪ ،‬يفضــل التّفــاوض على‬
‫‪.‬القوة‬
‫ويظهر حسّه السّليم في موقفه من شرب الخمر الذي كــان قــد أصــبح شــائعا ً في األنــدلس‪ ،‬بســبب تســامح أو تغاضــي‬
‫األمراء السّابقين‪ ،‬كما يقول المقّري‪ .‬وربما كان الهدف من هذ المالحظة اإلشارة إلى تعاطف عبد الـرّحمن الثّــالث مــع اليمــانيين‬
‫‪.‬الذين لم يتظاهروا قط بالتزامهم بتعاليم ال ُّسنّة في هذا األمر‪ ،‬وال في مجال تحريم تصوير أو نحت الحيوانات واألشخاص‬
‫واألمر على هذه الحال‪ ،‬رغب الحكم في إبطال النّبيــذ في مملكتـه ووقـف انتشـاره ومضـاره‪ ،‬ولهـذا أمـر باستئصـال‬
‫إن واحداً من أعقل مستشاريه شرح له أن مثل هذه العمل سيض ـ ّر بمصــالح‬ ‫شجر العنب من كل أنحاء المملكة‪ .‬ولكن المقّري قال ّ‬
‫ّ‬
‫إن من اعتــادوا على شــرب الخمــر يمكن أن يشــتروها من بالد النصــارى ‪-‬‬ ‫زارعي الكرمة‪ ،‬وكانوا من الفقراء‪ .‬وقــال لــه أيضـا ً ّ‬
‫حيث ال يوجد تحريم لشرب الخمرة واإلدمان عليهــا ‪ -‬أو يقومــوا بصــنعها من التّين أو غيرهـا من الفاكهــة الــتي يمكن اســتخراج‬
‫بأن تصرّفه لن يكون ظالما ً فحســب وإنمــا غــير عملي‪ ،‬قـرّر إلغــاء األمــر‪،‬‬ ‫الح َكم منطقيا ً وبعد تفكير ّ‬‫الكحول منها‪ .‬وبعد أن اقتنع َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وسمح بزراعة ما يكفي من دوالي العنب لتأمين احتياجات البالد سواء من العنب المقطوف الطـازج أو الـزبيب‪ ،‬وصـنع عصـير‬
‫شرع‪317‬‬ ‫‪.‬العنب وغيرها من المشروبات المفيدة التي يجيزها ال ّ‬
‫يورد كون ِد ه تفاصيل أخرى لشرح أسباب هذا القرار‪« .‬بسبب العادات السّيئة واالنحراف عن المقبول التي حملها إلى‬
‫أن عامــة النّــاس وحــتى الفقهــاء‬ ‫إسپانيا أهل العراق وغيرهم من ال ّداخلين عليها‪ ،‬بات شرب الخمرة ح ّراً ويعتبر مشــروعا ً بحيث ّ‬
‫كانوا يشربونها‪ ،‬وكان مسموحا ً شربها في األعراس وغيرها من المناسبات بحرّية فاضحة‪ .‬جمع الخليفة ال َح َكم الذي كــان ورع ـا ً‬
‫وعفيفا ً وعالما ً بتفسير القرآن‪ ،‬العلماء والفقهاء وسألهم عن سبب انتشار «المفاســد» في إســپانيا حيث لم تكن تنتشــر فقــط الخمــرة‬
‫الصـهباء ‪ ghamat‬الحمراء ال ُك َميْت‬ ‫المصـنوع من التّمـر والتّين وغيرهـا من ‪ nebid‬كـذلك‪ ،‬والنّبيذـ ‪ sabha‬وإنما البيضاء أو ّ‬
‫بأن مسلمي إسپانيا يمكنهم‬ ‫المشروبات القوية ال ُمس ِكرة‪ .‬فأجابه الفقهاء والعلماء أنه منذ عهد األمير مح ّمد بات مقبوالً الرّأي القائل ّ‬
‫ألن الخمر يق ّوي بأس الجند ويش ّد من عــزيمتهم في ميــدان المعركــة‪،‬‬ ‫شرب الخمر طالما أنهم في حرب دائمة مع أعداء اإلسالم‪ّ ،‬‬
‫وهكذا بات استخدامه على الحدود والثّغـور مشـروعا ً بهـدف تعزيــز الـرّوح القتاليـة‪ .‬رفض األمــير هــذه اآلراء‪ ،‬وبســبب بغضــه‬
‫‪.‬للخمر أمر باقتالع كل دوالي العنب في إسپانيا‪ ،‬ما عدا الثّلث» الذي سمح ببقائه لألسباب الواردة آنفا ً‪318‬‬
‫كان من الطّبيعي في عهد حاكم بمثل معرفته وسعة علمه أن يرعى ال َح َكم المستنصر باهلل كتَّاب ـا ً ذاعت شــهرتهم ومن‬
‫‪.‬بينهم العديدـ من اليمانيين والمولّدين‬
‫ضوء على العادات والتّقاليد السّائدة في ذلك الوقت‪ ،‬والتي لم يعرف عنها الكثير‬ ‫‪.‬يسرد كون ِده نوادر تلقي بعض ال ّ‬
‫ومن تلك النّوادر أن «عالما ً يدعى ابن َسفران ال ّشيباني‪ 319‬كان يعيش في قُرطُبة على ضفّة النّهــر قــرب النّبــع‪ ،‬وفي‬
‫الشـيباني‬‫يوم فوجىء القاضي الذي كان ما ّراً بجانب بيته على فرسه بعاصفة ممطرة‪ ،‬فتوقف واقتاد حصــانه الى فنــاء‪ 320‬مــنزل ّ‬
‫الذي خرج وأل ّح على القاضي كي يتر ّجل عن حصانه ويدخل‪ .‬وبعد أن جلس الضّيف على مقعد أكارم الضّيوف وتبادل الرّجالن‬
‫‪:‬المجامالت‪ ،‬قال ال ّشيباني‬
‫ي في بيتي فتاة من هذه المدينة‪ ،‬لديها أجمل صوت سمعته أذن إنسان‪ .‬إن كان يسرّك يمكن أن تنشد آيات من كتاب‬ ‫لد ّ‬
‫‪.‬هللا‪ ،‬أو بعض األبيات‬
‫‪».‬أجابه القاضي‪« :‬ال ب ّد أنّي جئت في ساعة سعد‬
‫الشـيباني أن تقـرأ‪ ،‬ثم غنّت عـ ّدة أبيـات‪ُ .‬‬
‫فسـرّ«‬ ‫ظهرت الفتاة‪ ،‬فكـانت أجمـل من وقعت عليـه عينـا بشـر‪ .‬طلب منهـا ّ‬
‫القاضي سروراً عظيماً‪ ،‬ودون أن يراه أحد‪ ،‬أخرج كيسا ً ووضعه تحت مقعده‪ .‬عندما توقف المطر‪ ،‬شكر ال ّشيباني وغادر‪ .‬رافقه‬
‫ش يباني لوداعه‪ ،‬وعندما عاد وجد الكيس وبه عشرون قطعة ذهب تحت مجلس أكارم الضّيوف»‪321‬‬ ‫‪.‬ال ّ‬
‫ويحكى عن أحمد بن سعيد األنصاري الطّليطلي‪ ،322‬وهو فقيه واسع العلم من طُليطلة‪ ،‬واسع الثّراء جليل‪ ،‬أنه «كان‬
‫يجمع في منزله ما يربو على أربعين من أصحابه المــولعين بـاآلداب‪ ،‬ليس من طُليطلــة وحــدها‪ ،‬ولكن كــذلك من قلعــة ربّــاح‪323‬‬
‫بالسـجاد والوسـائد ‪Calatrava‬‬ ‫وغيرها‪ .‬ففي أشهر نوفمبر وديسـمبر وينـاير كـانوا يلتقـون في قاعـة فسـيحة أرضـها مفروشـة ّ‬
‫صوف‪ ،‬وجدرانها مكسوّة بال ُحصر المشغولة والمزخرفة والسّتائر المط ّرزة‪ .‬وفي وسط الغرفة كــانون‬ ‫المصنوعة من الحرير وال ّ‬
‫واسع مستدير بارتفاع رجل ُملىء بالفحم المشتعل‪ ،‬يجلس الجميع حوله على مســافة تــريحهم‪ .‬وفي حين كــانوا يقــرأون آيــات من‬
‫القرآن أو ينشدون أبياتا ً ويناقشونها‪ ،‬كانو يطيّبون بالمســك وغـيره من الـرّوائح ال ّزكيـة‪ ،‬ويُــرشّ عليهم مـاء الـورد‪ .‬ثم تقـ ّدم إليهم‬
‫مائدة عامرة بلحم الجديان أو الخراف النّدي‪ ،‬ومختلف األطباق المطبوخة بزيت ال ّزيتون‪ ،‬ثم يتبعها اللّبن الرّائب وقشــدة الحليب‪،‬‬
‫الشـتاء القصـيرة كـانوا يمضـون معظم اليـوم قـرب المائـدة‪.‬‬ ‫وال ّزبد وأصناف الحلويات والتّمر وغيرها من الفاكهـة‪ .‬وخالل أيـام ّ‬
‫وكانت هذه اللقاءت تستم ّر حتى نهاية يناير وتتك ّرر كل سنة‪ .‬لم يكن في المدينة من هو أحسن ضيافة من هذا الفقيه وإن كان فيها‬
‫أثرياء غيره‪ .‬عيّنه الملك كبير قضاة المدينة‪ ،‬فتسبّب قاضي النّاحية نفسها بقتله حسداً وغــيرة‪ .‬دخــل القاتــل إلى منزلــه حيث كــان‬
‫‪:‬معروفا ً ووجد ابن سعيد يقرأ المصحف‪ .‬قال له ابن سعيد‬
‫أعرف لماذا أتيت‪ .‬افعل ما أُمرتَ به‪ .‬سبحان هللا الذي في السّماوات‪ ،‬ال يخفى عليه شىء‪ ،‬يرى ويبصــر كـل شـىء«‬
‫‪».‬وهو بكل شىء عليم‬
‫‪.‬فخنقه القاتل وزعم أنه مات ميتة طبيعية»‪324‬‬
‫الح َكم بـذل كـل مــا في وسـعه‬ ‫أن َ‬‫ظلت العداوة خامدة بين اليمانيين وال ّشوام خالل والية ال َح َكم المستنصر باهلل‪ ،‬ويبدو ّ‬
‫ضرية كانوا كثيرين في قُرطُبة‪ ،‬فمن أبــرز العلمــاء‬ ‫أن العرب ال ُم َ‬ ‫لكي يظهر المقدار نفسه من التّعاطف مع أبناء السّاللتين‪ ،‬فرغم ّ‬
‫ّ‬
‫الذين استقدمهم لتعليم ابنه الوحيد‪ ،‬الذي عُرف الحقا ً باسم هشام الثاني‪ ،‬أبو بكر مح ّمد بن الحسن ال ّزبيدي‪ ،‬وهو من عائلــة يمانيــة‬
‫معروفة في إشبيلية‪ .‬كان عاّل مة عصره في النّحو واللغة‪ ،‬وقد كلفه الخليفة بتدريس األمير الصّغير اللغة العربية وعلومهــا‪ .‬عيّنــه‬
‫الحكم «صاحبا ً لل ّشرطة» في قُرطُبــة‪ ،‬وعنــدما تــولّى هشــام الثّــاني الحكم قــام بنفســه‪ ،‬او كلّــف حاجبــه (رئيس الــوزراء) بتعــيينـ‬
‫زبيدي قاضيا ً على إشبيلية‪ ،‬ومنحه ألقابا ً رفيعة أخرى‪325‬‬ ‫‪.‬ال ّ‬
‫السـلم والحفــاظ عليــه مــع النّصــارى خالل القســم األكــبر من‬ ‫كان الحكم يحب السّالم‪ ،‬فلم يترك حيلة أو وســيلة لعقــد ّ‬
‫ّ‬
‫واليته‪ ،‬على ال ّرغم من استعداء بعض الوالة له في المـدن الحدوديـة‪،‬ـ على الثغـور‪ .‬يقـال إن الـ ّدروس الـتي أعطاهـا البنـه هشـام‬
‫‪:‬كانت دائما ً تختتم بهذه الكلمات‬
‫ال تخرج للغزو بغير ضرورة‪ ،‬واحفظ السّلم ففيه هناؤك وهناء شــعبك‪ ،‬وال تســت ّل ســيفك إال في وجــه الظّــالم‪ .‬فأيّــة«‬
‫متعة في غزو المدن وهدمها‪ ،‬وتخريب ال ّدول ونشر الخراب والموت في حــدود األرض؟ احفــظ رعيتــك في ســلم وفي عــدل وال‬
‫زائف مغرور‪ ،‬وليكن عدلك مثل بحيرة صـافيا ً نقيـا ً على الـ ّدوام‪ ،‬واعتــدل فيمــا يصـبو إليــه خيالــك‪ ،‬واكتم شـهواتك‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يغرنَّك قو ٌل‬
‫ي القدير‪ ،‬فتصفو سريرتك وتلقى ربّك راضيا ً متى حان أجلك»‪326‬‬ ‫‪.‬وليكن اتّكالُك على هللا العل ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫تميّزت هذه الفترة من تاريخ إسپانيا المسلمة بازدهــار وثــراء طائــل‪ ،‬ورغم أن جــزءا من هــذه الثــروة كــان مصــدره‬
‫ـإن المنتجــات ال ّزراعيــة كــانت المصــدر الرّئيســي الزدهــار البالد‬ ‫والفضـة‪ ،327‬وإلى حـ ّد مــا الحجــارة الكريمــة‪ ،‬فـ ّ‬
‫ّ‬ ‫الذهب‬‫مناجم ّ‬
‫وثرواتها‪ .‬وجرى خالل عهد الحكم تطوير أنظمة الرّي ال ّرائعة التي ال نزال نرى آثارهــا إلى اليــوم‪ ،‬في تالل غرناطــة و ُمرســية‬
‫وبلنسية وآراغون‪ ،‬حيث تم بناء خ ّزانات للمياه لهذا الغــرض‪ ،‬و ُزرعت كــل أنــواع الفاكهــة والخضــار المالئمــة لمنــاخ المنطقــة‪.‬‬
‫وأنفق ال َح َكم أمواالً طائلة على بناء المساجد والمساكن للفقراء والمستشفيات والمدارس كما أضاف الح ّمامــات والنّــزل والنّوافــير‬
‫‪.‬واألسواق في الكثير من المدن التّابعة له‪328‬‬
‫قبل سنتين من وفاته‪ ،‬رقّى ال َح َكم المستنصر باهلل قاضي قُرطُبة اليماني مح ّمد بن أبي عامر واستوزره‪ ،‬م ّما أثار كمــا‬
‫يتضح استياء المؤرّخين ال ُّسنّة الذين كرّس بعضهم ‪ -‬ابن حيّان على سبيل المثال ‪ -‬حيّزا كبيراً لما قالوا إنها مكائد دبّرهــا الــوزير‬
‫‪«.‬لالستبداد» بالسّلطة‪ ،‬بحيث كانوا بالكاد قادرين على تقديره كرجل دولة متميّز‬
‫كان مح ّمد بن أبي عامر «من رجال اليمنيةـ من قبيلة معافر‪ ،‬دخل جده عبد الملك إلى األنــدلس مــع طــارق بن زيــاد‪،‬‬
‫‪.‬وكان عظيما ً في قومه‪ ،‬وكان له في الفتح أثر»‪ ،‬واشتهر ابن أبي عامر الحقا ً باسم «المنصور» في العالم قاطبة‬
‫يؤ ّكد المقّري أن مح ّمد بن أبي عامر‪ ،‬أو المنصور وهو االسم الذي اشتُهر به‪ ،‬حصــل على ألقابــه وارتقى إلى مقامــه‬
‫صـبح أم األمــير هشـام المؤيــد الــتي «استحســنته ونبّهت عليــه الحكم ورغبت في‬ ‫في بالط قُرطُبة بفضل خدمة أ ّداهــا إلى ّ‬
‫السـيدة ُ‬
‫تشريفه بالخدمة‪ ،‬فوالّه قضاء بعض المواضع فظهرت منه نجابة‪ ،‬فترقّى إلى ال ّزكاة والمــواريث بإشــبيلية وتم ّكن في قلب ّ‬
‫السـيدة‬
‫بما استمالها به من التّحف والخدمة ما لم يتمكنـ لغيره»‪ .329‬إن ضــعف احتمــال أن يبــدي رجـل شــرقي غيــور عطفـا ً على شــاب‬
‫وسيم جمعته بزوجته صلة حميمة غير مقبولة‪ ،‬واضح جداً بحيث أنه ال يستوجب التّعليق‪ .‬كما أنــه ليســت هنــاك حاجــة إلضــاعة‬
‫الوقت على فرضيّة الكاتب نفسه بأن موهبة المنصور في التّنجيم وقراءة الطّالع كانت من األسباب الرّئيسية التي جعلتــه يكتســب‬
‫الش ـاب اليمــني االســتثنائية‬ ‫حظوة لدى الخليفة‪ .‬فالحكم‪ ،‬وهو رجل ذكي وحاذق‪ ،‬كان قادراً من تلقاء نفسه على أن يتوسّم قــدرات ّ‬
‫‪.‬الواعدة‪ ،‬ويمكن أن نفترض بأمان أنه رقّاه تدريجا ً إلى مراتب رفيعه ألنه لم يجد شخصا ً آخر أفضل منه للقيام بذلك‬
‫كان هشام الثّاني مجرد طفل عندما توفّي والده‪ ،‬وال شك ّ‬
‫أن ال َح َكم قـ ّدر أنــه لن يكتب البنــه االحتفــاظ بالخالفــة مــا لم‬
‫الضـروري التّخلّص من‬ ‫إن المــوالين للخليفــة وجــدوا من ّ‬‫يكن بجانبه رجل كفوء يتــولّى إدارة الحكم من بعــده‪ .‬ويقــال في الواقــع ّ‬
‫الشـرعي نظــراً لسـنّه‬ ‫يفضـلونه على الــوريث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ُمغيرة أخي المستنصر باهلل‪ ،‬قبل مبايعة هشام لوجود فريق قوي في قُرطُبة كانوا‬
‫الح َكم‪،‬‬
‫وخبرته‪ ،‬وعلى األرجح ألنه لم يكن يحابي اليمنيين‪.‬ـ ويُتَهم المنصور بأنه قتل ال ُمغيرة بيديه االثنــتين بعــد يــومين من وفــاة َ‬
‫وبأنه من بعدها «سما البن أبي عامر في التّغلب على هشام لمكانه في الس ّّن‪ ،‬وثاب له بــرأي في االســتبداد‪،‬ـ فمكــر بأهــل ال ّدولــة‪،‬‬
‫وضرب بين رجالها‪ ،‬وقتــل بعضـا ً ببعض»‪ .330‬ويــذكر المقّــري العديـدـ من األمثلــة ‪ -‬الــتي تعجــز عن توفــير إدانــة ‪ -‬عن مكــره‬
‫ك في سـعيها للنّيـل من «تسـلّطه» على هشـام‪ .‬ولكن يبـدو‬ ‫ووحشيته ليس إزاء األفـراد فحسـب‪ ،‬وإنمـا عـائالت بكاملهـا كـان يشـ ّ‬
‫واضحا ً أنه كان على المنصور أن يواجه لبعض الوقت كل المعارضين لواليـة هشـام في البالط‪ ،‬ولـو أننـا عرفنـا وجهي القصـة‬
‫لوجدنا على األرجح أنه كان لديه سبب وجيه بوصفه خادما ً مخلصا ً للعرش‪ ،‬التخاذ تدابير قاسية ضد من وصفهم ابن حيّان بأنهم‬
‫‪.‬ضحايا أبرياء لما يعتمر في صدره من ضغينة ال أساس لها‪331‬‬
‫وبعد أن تخلّص‪ ،‬كما يقول المقّري‪ ،‬من كل من وقف في طريق خططه الطّموحة‪ ،‬استب ّد المنصــور بــالحكم‪« ،‬فتغلّب‬
‫وح َجره‪ ،‬واستولى على ال ّدولة (‪ )..‬وقعد على سرير الملك‪ ،‬وأمر أن يُحيّا بتحية الملوك‪ ،‬وتَس ّمى بالحاجب المنصـور‪،‬‬ ‫على هشام َ‬
‫ونفذت الكتب والمخاطبات واألوامر باسمه‪ ،‬وأمر بال ّدعاء له على المنابر باسمه عقب ال ّدعاء للخليفــة»‪ .‬ومحــا المنصــور رُســو َم‬
‫وشارات الخالفة بالجملة‪ ،‬ولم يبق لهشام المؤيد ســوى اســمه المســكوك على القطــع النّقديــة والمشــغول على حــوافي الطّــرز‪ ،‬أو‬
‫المالبس الملكية‪ .‬ولكن الكاتب يقول كذلك إن المنصور ذهب إلى ح ّد التّنعم بهذه الميزات مـع هشـام ألنـه أمـر بكتابـة اسـمه «في‬
‫‪.‬السّكة والطّرز»‪332‬‬
‫صـبح‪ 333‬بحجــر هشــام وحجبــه داخــل جنــاح الحــريم ألغراضــهم المبيّتــة‪،‬ـ‬ ‫الشـاب ُ‬ ‫واتُّهم المنصــور ووالــدة الخليفــة ّ‬
‫ومعاملته بوصفه ضعيف العقل‪ ،‬حتى بات أقرب إلى الغباء‪ .‬ولكن عندما نتذ ّكر الطّفل الذي كان عليه عندما توفي والــده في ســنة‬
‫‪( 976‬يقول المقّري إنه كان في التّاسعة من عمره فقط) وعندما نأخذ في االعتبار العديـدـ من اإلشــارات إلى المكائــد الــتي حيكت‬
‫‪.‬ضد تولّيه الحكم‪ ،‬نرى أن الحاجب وأ ّمه الملكة كانت لديهما كل األسباب التي تجعلهما يحرصان على إحاطته بحراسة دقيقة‬
‫بسـام (الـذي يتبــع دوزي كـذلك على مــا يبـدو روايتــه لألحــداث الــتي أعقبت وفـاة الحكم على‬ ‫وينقل المقّري عن ابن ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الفور)‪ 334‬أن فائق وخصيّا آخر من الصّقالبة تآمرا إلزاحة الطفل هشــام وتوليــة ع ّمــه ال ُمغــيرة على العــرش‪ .‬وزعم المصــحفي‪،‬‬
‫حاجب الخليفة المتوفى‪ ،‬أنه جزء من المؤامرة ثم أرسل على الفور المنصور مــع عــدد من الجنــد لقتــل ال ُمغــيرة‪ ،‬وإحبــاط الخطة‬
‫أن ما نقله المقّري عن وجود عالقة قربى ما بين أم هشام وفائق‪ ،‬رئيس الخصــيان‪ ،‬ليس‬ ‫‪ .335‬ويفترض هذا‪ ،‬في حال كان دقيقاً‪ّ ،‬‬
‫صعب أن يتآمر فائق لصالح رجل بالغ إلزاحة ابن اختــه الطّفــل الــذي يمكن أن يتوقــع أن يحافــظ خالل توليــه‬ ‫صحيحا ً ألنه من ال ّ‬
‫‪.‬صوريا ً للعه ًد‪،‬ـ على سلطاته ويع ّززها‬
‫صقالبة من القصر إثر وفاة ال َح َكم‪ ،‬وعيّن خالل فترة المكائد الطّويلــة الــتي‬ ‫إن المنصور طرد الحرس ال ّ‬ ‫يقول المقّري ّ‬
‫أعقبت ذلك‪ ،‬قائداً شـيعيا ً مولـوداً في الح ّي األندلســي في مدينــة فـاس‪ ،‬وعليــه يُعـرف باسـم «األندلسـي» لتنفيــذ خططـه وإسـكات‬
‫‪.‬المعارضين لسلطته‪336‬‬
‫يورد كون ِده تفسيراً طبيعيا ً وأكثر إنسانية يتعلّق بحجب هشام في هذه الفترة‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أنه يقتبس‪ ،‬في أكــثر‬
‫‪.‬من مكان في سرده لحكم هشام‪ ،‬عن المؤ ّرخ اليمني ابن أبي الفيّاض الذي لم يطّلع المقّري وال ڠايانڠوس أو دوزي على مؤلفه‬
‫وجاء في روايته أنه عندما انتهت مراسم تشييع الحكم‪ ،‬بويع ولده هشام خليفة وعمره عشــر ســنوات وبضــعة أشــهر‪.‬‬
‫«الشـفَق» أو ‪ Sobeya.‬كان الوليد الوحيد للحكم وكانت أ ّمه السّلطانة صبح‬ ‫َّ‬ ‫ويقول كون ِده في مالحظته إن اإلسم يعني باإلسپانية‬
‫‪.‬و«أورورا» هو االسم الذي يطلقه عليها دوزي باستمرار ‪«» Aurora،‬ضوء الفجر‬
‫لقد شغف ال َح َكم بالملكة األم لتعقُّ لها وحسن تقديرها وجمالها‪ ،‬فباتت أثيرة لديه‪ ،‬وعلى مدى عشر سنوات (واضــح أن‬
‫ذلك يتطابق مع انجابها ولداً ذكراً للخليفة الذي لم يكن لديه وريث) كان يأخذ برأيها في عظائم األمور وصغائرها‪ ،‬ويشــركها في‬
‫تدبير شؤون الخالفة سواء في القصر أو في البالط والمدن والنّواحي‪ ،‬فكانت حتى اقتراحاتهــا البســيطة مســتجابة دون تــأخير أو‬
‫تبرير‪ .‬كان مح ّمد بن أبي عامر كاتب السّلطانة‪ ،‬فاكتسب بفضل كياسته ونجابته وشـجاعته وشـ ّدة حصـافته احـترام وثقـة الخليفـة‬
‫‪.‬والملكة‪ ،‬وكذلك احترام وتقدير الوالة والوزراء والح ّكام‬
‫صـبح ابن أبي عــامر كاتبهــا وكبــير‬ ‫ولم يكن قــد مضــى وقت طويــل على وصــوله إلى قُرطُبــة عنــدما عيّنت الملكــة ُ‬
‫سن ابنهـا‪ ،‬كلّفت المنصــور الحقـا ً بـإدارة شـؤون ال ُملـك‪ ،‬وعيّنتـه كبــير الحجّـاب‪ ،‬ليكـون الوصـ ّي على‬ ‫وصفائها‪ ،‬ونظراً لصغر ّ‬
‫الخليفة والوزير األول المكلّف شؤون ال ُح كم والجيش‪ .‬لقد حاز هذا االختيار على رضا الجميع ما عدا الحاجب السّابق المصـحفي‬
‫‪.‬الذي اعتبره تقليالً من شأنه‪ ،‬وبيّت مع أبنائه الضّغينة على المنصور‬
‫وملذاته البريئة‪ ،‬فلم يخرج‬ ‫ّ‬ ‫في هذه األثناء‪ ،‬لم يكن هشام‪ ،‬كما هو متوقّع لطفل في مثل صغر سنه‪ ،‬يف ّكر سوى بألعابه‬
‫قط من قصوره أو جنائنه الغنّاء‪ ،‬أو سعى إلى أي نوع آخر من التّســلية غــير مــا وجــده فيهــا‪ ،‬في حين كــان أصــحابه من صــغار‬
‫الوصفاء في مثل عمره وعاشوا معه بعيداًـ عن األعين‪ ،‬ولم يسمح لهم التّواصل مع أحد‪ .337‬لقد كانت مثــل هــذه التّــدابير الحــذرة‬
‫صغير أو قتله‪ ،‬كما كانت عليه الحال على ما يبدو‬ ‫‪.‬طبيعية في حال كانت هناك مكائد تحاك باستمرار إلزاحة الخليفة ال ّ‬
‫ولكننا نعتقد أن التّفسير الحقيقي لحجب هشام عن األعين‪ ،‬والذي استم ّر حتى وفاة المنصور بعد ذلك بستة وعشــرين‬
‫أن الوصايا الــتي كــان والــده يوصــيه‬ ‫ضرورة الموجبة ألخفاء كونه يعاني من ضعف ذهني‪ .‬صحيح ّ‬ ‫عاماً‪ ،‬كان الرّغبة‪ ،‬وربما ال ّ‬
‫بأن النّصيحة كانت‬ ‫بها (كما ورد في الصّفحة ‪ 160‬طبعة األصل) ال تشير إلى أن التّلميذ كان يعاني من بالهة‪ ،‬إال إن كان القول ّ‬
‫أن ذاكرة هشام كانت ضعيفة‪ .‬ولكن حتى وإن كــان بامكاننــا أن نثــق ضــمنيا ً بروايــة مــؤرّخ واحــد‪ ،‬لم‬ ‫تر ّدد عليه باستمرار يعني ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫يوثقها آخرون‪ ،‬فهذا ال يعني أن األمير الذي بدا نموّه طبيعيا حتى سن العاشرة‪ ،‬واصــل نمــوه عنــدما بلــغ ســن المراهقــة‪ .‬ويقــول‬
‫‪» que no tenia mas voluntad que la de sus siervos،‬كون ِده‪ 338‬إنه «لم تكن لديه رغبات تختلف عن رغبات خدمه‬
‫‪.‬في إشارة إلى فترة االضطرابات في سنة ‪1009‬‬
‫سن العشرين على وجه التّأكيد (تختلف المراجع بشأن عمــره‬ ‫بعد أكثر من عشر سنوات على مبايعته‪،‬ـ عندما كان في ّ‬
‫ال ّدقيق عندما توفي والده) كانت الملكة األم ال تزال تتصرّف كوصيّة عليه‪ ،‬إن كـان يمكننــا أن نحكم من خالل كتابــة على خـ ّزان‬
‫ظل قائما حتى سنة ‪ ،1820‬تشير إلى أنه بني «بأمر من السّيدة الكــبرى والــدة أمــير المؤمــنين‪ ،‬هشــام المؤيَّد ‪ Écija،‬في إستجة‬
‫ح َكم»‪ ،‬وتحمل تاريخ ‪ 377‬هـ‪987( .‬م)‪339‬‬ ‫‪.‬باهلل بن ال َ‬
‫هناك دالئل تشير إلى االحتفاء بوالدة ولي العهد في أعمال أمرت بإنجازها في مساجد س ّميت باسمها‪ .340‬ولكننا نش ّ‬
‫ك‬
‫في أن تحمل أشغال عامة مه ّمة مثل القناة والخ ّزان المشــار إليهمــا هنــا اســم األم لوكــان الخليفــة قــادراً على تــولّي شــؤون ال ُملــك‬
‫‪.‬بنفسه‬
‫إن ال ّزبيــدي وصــف هشــام المؤيَّد بأنــه «كــان في صــباه في غايــة ال ُحــذق والـ ّـذكاء»‪،‬‬ ‫ينقــل دوزي عن المقّــري قولــه ّ‬
‫‪.‬واستناداً إلى ذلك يقول إن أ ّمه والمنصور تع ّمداـ العمل على إضعاف عقله بعد أن أصبح الخليفة‬
‫الذهنية‪ .‬ولكن رغم أنه كان‬ ‫كان يمكن أن يكون لشهادة ال ّزبيدي وزن أكبر لو أننا وجدنا أدلة أخرى على صحّة هشام ّ‬
‫يمكن أن يكون طفالً سريع البديهة (وليست هناك حاجة لموهبة كبيرة لجعل ولي العهد يظهر ذكيا ً في عيــون أفـراد حاشـية أبيــه)‬
‫فإنه يبدو بال شك ‪ -‬بقـدر مـا يمكن الحُكم من خالل المعلومـات المتـوفرة من التّرجمـات ‪ -‬أنـه كـان يعـاني من قصـور في شـبابه‬
‫أن أباه كان يبلغ من العمر حوالي اثنين وخمسين عاما ً عندما ولد هشــام‪ ،‬وأنــه لم يكن لديــه أطفــال آخــرون‬ ‫وبلوغه‪ .‬عندما نتذكر ّ‬
‫أن الطّفل ربما كــان يعــاني من قصــور ذهــني‪.‬‬ ‫سواء من زوجاته أو محظياته األخريات‪ ،‬يصبح من الممكن أن نأخذ في الحسبان ّ‬
‫‪.‬أما هشام نفسه‪ ،‬فلم ينجب على اإلطالق‬
‫ولكن أيا ً كانت أسباب قصور الخليفة‪ ،‬فقد كان حكمه‪ ،‬بفضل هذا القصور ذاته‪ ،‬مزدهراً ومجيداً مثلــه مثــل حكم جـ ّده‬
‫‪.‬عبد الرّحمن الثّالث‪ ،‬طالما تولّى الحاجب اليمني أمور ال ُملك بفضل حكمة أ ّمه التي اختارته ليكون وزيره األول عند وفاة والده‬
‫الش ـعبية الــتي تــروى عن األنــدلس اطّلــع على الغــزوات الــتي قادهــا المنصــور‬ ‫وال ب ـ ّد أن كــل من قــرأ الحكايــات ّ‬
‫الضــوء‬‫وانتصاراته الظّافرة‪ ،‬ولن نك ّرر ما هو معروف على نطاق واسع‪ ،‬ولكن بدالً من ذلك سنروي بعض القصص التي تلقي ّ‬
‫‪.‬على جانب آخر من شخصيته‬
‫يروي كون ِد ه نادرة ملفتة تشير إلى صرامته في تطبيق العدالة وتجاهله لل ّروابط العائلية المؤثرة‪ ،‬والـتي لم نجـدها في‬
‫‪.‬كتابات غيره‬
‫والقصّة أن شابا ً في السّابعة عشرة من عمره يدعى مروان بن عبد الرّحمن بن مروان وحفيــد عبــد الـرّحمن الثّــالث‪،‬‬
‫كان يحبّ جارية يملكها والده‪ .‬كان االثنان قد نشأا معا ً منذ الصّغر ومع الوقت اشت ّد تعلقهما ببعضهما‪ .‬ولكن والــد مــروان‪ ،‬الــذي‬
‫‪.‬لم يكن على علم باألمر‪ ،‬فصل بين اإلثنين عندما بدا له أن الوقت حان لذلك‪ ،‬لكن تفريقهما لم يفعل سوى أن زاد في شغفهما‬
‫في إحدى الليالي‪ ،‬دخل ال ّشاب المته ّور الذي لم يعد قادراً على كبح جماح شوقه‪ ،‬سـ ّراً إلى الحديقــة الــتي تتســلّى فيهــا‬
‫‪:‬جواري والده‪ ،‬وهناك‪ ،‬رأى الفتاة العذراء من خلف شجيرات اآلس‪ .‬فقال لها‬
‫‪.‬ليس هنا وقت للكالم‪ ،‬علينا أن نفعل بسرعة ما علينا فعله‬
‫ومن لهفتها عليه وحرصها على إرضائه‪ ،‬تبعتهـ الفتاة خــارج الحديقــة وهربـا ً معــا من المكــان‪ ،‬ليلتقيــا عنــد البوابــات‬
‫‪.‬الخارجية بوالد مروان‪ ،‬عبد الرّحمن‬
‫لم يتع ّر ف مروان‪ ،‬الذي أعماه شوقه وانفعاله‪ ،‬إلى أبيه‪ ،‬ولم يتوقف ليتذكر أن ال ّرجل الذي حاول إيقافــه في مثــل هــذا‬
‫‪.‬المكان وهذا الوقت ال يمكن إال أن يكون والده‪ ،‬فاست ّل سيفه وطعنه به‬
‫هرع الخدم عندما سمعوا صرخة عبد الرّحمن‪ ،‬فلم يفلح مروان في اختراقهم‪ .‬وســقطت الجاريــة بين ذراعيــه مغمي ـا ً‬
‫‪.‬عليها‪ ،‬وما إن استدار ليمسك بها‪ ،‬حتى تم تجريده من سيفه‪ ،‬واعتقاله‬
‫في غياب المنصور‪ ،‬درس القضاة القضية بأمر من الملكة‪ ،‬وق ّرروا‪ ،‬آخذين في االعتبار كون مروان ال يــزال شــاباً‪،‬‬
‫‪.‬الحكم عليه بالسّجن بقدر سنوات عمره‪ .‬وص ّدقت الملكة األم والخليفة الحكم‬
‫أن الحاجب المنصور لم يكن يتعامل مع هشام بوصفه ال يتمتع بأيّة مسؤولية‬ ‫‪.‬ثم تأتي التّفاصيل التي تشير إلى ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫عندما عاد المنصور من الغزوة التي اضطرّته للتغيب عن قرطبة‪ ،‬وسمع بما حدث‪ ،‬قال للخليفة إنه حكم في القضــية‬
‫أن‬‫من وجهة نظر ال ّشاب العاشق‪ ،‬وليس من وجهة نظر األب المسؤول عن عائلة‪ .‬ومعــنى هــذه المالحظــة‪ ،‬إن كـان لهـا معــنى‪ّ ،‬‬
‫الحاجب كان ينتظر من هشام أن يحكم بال تحيّــز‪ ،‬حــتى وإن كــان المــذنب شــابا ً من عائلتــه‪ .‬ويصــعب من خالل ذلــك اعتبــار أن‬
‫أن الملكــة األم أمــرت بإحالــة القضــية‬ ‫المنصور كان ينظر إلى هشام باعتباره ضعيف العقل‪ .‬من ناحية ثانية‪ ،‬تجدر اإلشــارة إلى ّ‬
‫‪.‬إلى القضاء وص ّدقت هي والخليفة على الحكم‪341‬‬
‫أن هشاماً‪ ،‬إن لم يكن بالفعل ضعيف العقل‪ ،‬فقد كان يتأثر بســهولة باألشـخاص المقـرّبين منــه وال‬ ‫يبدو بصورة عا ّمة ّ‬
‫يملك القدرة على اتخاذ القرار وال ال ّشجاعة لمواجهة األخطار والمصاعب‪ .‬وإن كانت هذه هي الحال ‪ -‬وهو ما يشير إليه ســلوكه‬
‫العام بعد وفاة المنصور ‪ -‬تصبح رغبة أ ّمه وحاجبه في إبقائه محتجبا ً وإخفــاء نواقصــه عن أعين المتربصــين بــه من أعدائــه في‬
‫‪.‬ال ّدولة‪ ،‬مبرّرة تماما ً‬
‫في محاولة لتكوين فكرة منسجمة عن األشـخاص واألحـداث الـتي أورد المؤرّخـون روايـات شـديدة التّنـاقض عنهم‪،‬‬
‫ً‬
‫يصبح من المسموح االفتراض بأنه عندما تكون هناك روايتان عن سلوك شخص‪ ،‬فاألرجح أن تكون الرّواية األكثر انسجاما مع‬
‫شخصيته عموما ً هي األصدق‪ .‬وفيما يتعلّق بالمنصور‪ ،‬تشير كل ال ّدالئل إلى أنه لم يكن رجل دولة فحســب‪ ،‬وإنمــا حاكمـا ً عــادالً‬
‫جوّاداً‪ ،‬ويمكننا بنا ًء عليه أن نخلص إلى القول إنه ما كان ليعامل ابن ال ّرجل الذي يدين له بكل شىء‪ ،‬بالوحشية التي أسبغها عليه‬
‫‪.‬أعداء ساللته‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫‪،‬مدخل إلى أحد أجنحة قصر إشبيلية المعروف تقليدياًـ باسم جناح نوم الملك والملكةـ المسلمين‬
‫سائد في القصور‬ ‫وهو يفضي إلى باحة جناح الحريم‪ .‬ال ّزخرفة المعتمدة هنا هي على الطّراز ال ّ‬
‫اإلسالميّةـ في مصر في أواخر القرن الثّاني عشر والقرن الثّالث عشر‪ .‬وال يزال قسم من البالط‬
‫الموحدي يوسف أبو يعقوب في أعوام‬
‫ّ‬ ‫سلطان‬
‫القديم على حاله‪ .‬وأحد األجنحة أعدّه ال ّ‬
‫صفحة ‪ 275‬طبعة األصل) ‪1171 - 1175‬‬
‫‪.‬الستقبال عروسه اليمنية‪ ،‬األميرة دانية (راجع ال ّ‬
‫الفصل العاشر‬
‫المنصور والنّصارى‬
‫تعامل المنصور بتسامح وانفتاح مع المسيحيين‪ ،‬كأفراد ومجتمع‪ ،‬على الرّغم من أنه كان يجنّد الحمالت في مواجهــة‬
‫‪.‬النّصارى الذين يغزون الثّغور المسلمة وكان يقود هذه الحمالت بنفسه تكراراً‬
‫يعترف الكتّاب المسيحيون أنفسهم بذلك‪ ،‬وقبل سرد بعض األمثلة من المؤرّخين العــرب‪ ،‬ســننقل بعض األمثلــة الــتي‬
‫‪.‬تبيّن مدى االحترام والتّقدير الذي خصَّ به هذا اليمني عظيم ال ّشأن المسيحيين كما رووها هم أنفسهم‬
‫في سرد لقصة حصار ليون في عام ‪ ،984‬يقال إن «كياسة المنصور وحســن معاملتــه للجميــع‪ ،‬والعــروض ّ‬
‫السـخية‬
‫التي ق ّدمها لهم‪ ،‬دفعت العديد من «المسيحيين الضّالين» إلى التّخلّي عن قضيتهم ذاتها وااللتحاق بصـفوفه دون أن يشـعرهم ذلـك‬
‫‪.‬بالخزي»‪342‬‬
‫إن المنصور احت ّل ليون وأعمل السّيف في سكانها وحاول هدم تحصــيناتها‬ ‫يقول المقّري في سرده لوقائع هذه الغزوة ّ‬
‫‪.‬لكنه تراجع بسبب سماكة الجدران والوقت الذي يمكن أن يستغرقه ذلك‪343‬‬
‫عندما يختلف المؤ ّرخون المسيحيون والمســلمون كــل هــذا االختالف بشــأن معاملــة المســلمين للمســيحيين‪ ،‬نعتقــد أن‬
‫باالمكان االعتماد بال تر ّدد على ما يرويه المسيحيون طالما‪ ،‬وكما في هذه الحالة‪ ،‬يشهدون على حسن المعاملـة الـتي لقيهـا أبنـاء‬
‫دينهم‪ .‬وال يحتاج أحد م ّمن قرأوا الحوليّات اإلسپانية عن االحتالل المسلم إلسپانيا ألن نذ ِّكره بأنها لم تكن متسـاهلة مـع الفـاتحين‪.‬‬
‫‪.‬يرسم أحد كتّاب «إسپانيا المق ّدسة» صورة ملفتة عن السّذاجة السّائدة في عصره (سنة ‪ )1753‬راينا من الجدير بنا ترجمتها‬
‫الشـهداء القديســين‪ ،‬القــديس‬‫فخالل إحدى غزواته الظّافرة‪ ،‬رغب المنصور في أن يدخل على صــهوة جــواده كنيســة ّ‬
‫ضلة إلقامة األعراس وفي اليوم الذي كــان فيــه المنصــور على وشــك ارتكــاب‬ ‫كالوديو وغيره‪ ،‬في ليون‪ .‬كانت من الكنائس المف ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فعلته وانتهاك حرمة الكنيسة‪ ،‬كان ما ال يقل عن اثني عشر نبيال مسيحيا مع اثنتي عشرة عروسـا‪ ،‬قـد ذهبـوا إليهـا لعقـد قـرانهم‪.‬‬
‫عندما أُبلغ المنصور باألمر‪ ،‬تو ّجه إلى باب الكنيسة وقد سوّلت له همجيته أن ينهب الكنيسـة ويأسـر العرسـان والعـرائس الجـدد‪.‬‬
‫الكنيسة هوى حصانه فجأة ميتاً‪ .‬دفع ذلك المنصــور إلى ‪ atrio‬ولكن معجزة حالت دون ارتكابه خطّته اآلثمة‪ .‬فعلى عتبة مدخل‬
‫السّؤال عما يحدث داخل الكنيسة (مع أن المنصور‪ ،‬تبعـا ً للكـاتب‪ ،‬جـاء إلى هنـاك ألنــه كــان يعـرف بعقــد قــران اثــني عشـر من‬
‫األزواج) وبهرته تقوى أهل ليون وبدالً من أن يمضي في تنفيذ نواياه ال ّشريرة‪ ،‬ق ّدم العطايا إلى القديســين الــذين ُكرّسـت الكنيسـة‬
‫‪.‬لهم‬
‫السـجل في كتــاب ســجالت الكنيســة‬ ‫ألن الكاتب يقول إنه رأى ّ‬‫يبدو أن المنصور ق ّدم بالفعل العطايا إلى تلك الكنيسة‪ّ ،‬‬
‫وكانت هديته عبارة عن حصيرة جدارية مشغولة تحمل شــارته‪ ،‬وعشــرة أثــواب للكهنــة من ‪ Leccionario antiguo،‬القديم‬
‫‪.‬أرقى األقمشة‪« ،‬ال تزال إلى اليوم محفوظة في برج كنيسة سان كالوديو»‪344‬‬
‫أ ّما ال ّروايات المتعلقة باحتالل المنصور لشنت ياقُب فمتناقضة كالعادة‪ .‬إذ يخبرنا ابن حيّــان أنــه «كــان النّــزول بعــده‬
‫على مدينةـ شنت ياقُب البائسة‪ ،‬وذلك يوم األربعاء لليلتين خلتا من شعبان‪ ،‬فوجدها المســلمون خاليــة من أهلهــا‪ ،‬فحــاز المســلمون‬
‫غنائمها‪ ،‬وهدموا مصانعها وأسوارها وكنيستها‪ ،‬وعفّوا آثارها‪ ،‬وو ّكل المنصور بقبر ياقُب من يحفظه ويدفع األذى عنه‪ ،‬وكــانت‬
‫‪.‬مصانعها بديعة محكمة فغودرت هشيماً‪ ،‬كأن لم تَ ْغنَ باألمس»‪345‬‬
‫‪:‬لكن رواية ماريانا تختلف كثيراً عن رواية ابن حيّان‪ ،‬إذ يقول وكأنه يصف جريمة‬
‫كانت األوضاع بائســة‪ ،‬والمهانــة الــتي لحقت بال ّديانــة المســيحية فظيعــة‪ .‬لقــد عـانت ڠاليثيــا (جليقيــة) األمـرّين من«‬
‫هجمات وأسلحة الهمجيين‪ :‬لقد ذهبوا إلى ح ّد احتالل مدينة كومپوستياّل وهدم أحد جدران كنيسة سانتياڠو وتســويته بــاألرض‪ .‬لم‬
‫إن أحد تالمذة عيســى بن مــريم‬ ‫يلمسوا ضريح ال ّرسول‪ :‬وسبب ذلك غير معروف‪ ..‬حتى أن المنصور نفسه‪ ..‬عندما قال له رجل ّ‬
‫أن شنت‬ ‫ً‬
‫الكف عن غزو المكان) ‪ .346‬وهذا ال يعني بتاتا ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالكف عن تلك األفعال»‪( ،‬ويعني بذلك على ما يبدو‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مدفون هناك‪ ،‬أمر‬
‫‪.‬ياقب هدمت عن آخرها ولم يبق فيها حجر على حجر‬ ‫ُ‬
‫حتى ابن حيّان نفسه عندما قال «وو ّكل المنصور بقبر ياقُب من يحفظه ويدفع األذى عنــه»‪ ،‬أقـ ّر بــأن ابن أبي عــامر‬
‫إن‬‫ضريح الذي جرت التّقاليد على أن رُفـات القـديس يعقـوب مدفونـة فيــه‪ .‬وقـالوا كــذلك ّ‬ ‫كان حريصا ً على التّعامل باحترام مع ال ّ‬
‫«المسلمين وجدوا شنت ياقُب خالية من أهلها إال شيخا ً من الرّهبان جالسا ً على القبر‪ ،‬فسأله المنصور عن مقامه وعمــا يفعلــه في‬
‫بالكف عنه وعدم إيذائه»‪347‬‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬ذلك المكان‪ ،‬فقال‪ :‬أونّس يعقوب‪ .‬فأمر‬
‫أن المنصور استمال إلى صـفوفه العديـدـ من «المسـيحيين ّ‬
‫الضـالين»‬ ‫وبالعودة إلى ما ورد في «إسپانيا المق ّدسة» من ّ‬
‫‪:‬الذين قاتلوا تحت راياته ضد أبناء دينهم‪ ،‬من المفيد أن نشير إلى المعلومات التّالية التي يوردها ابن حيّان فيقول‬
‫المتمسـكين بالطّاعــة في رجــالهم‪ ،‬وعلى أتم احتفــالهم‪«،‬‬‫ّ‬ ‫فل ّما وصل إلى مدينةـ غليسية وافاه عــد ٌد عظيم من القــوامس‬
‫فصاروا في عسكر المسلمين‪ ،‬وركبوا في المغاورة سبيلهم»‪ ،‬واجتــازوا جميعهم حــدود بالد المســيحيين‪ .348‬كمــا يتطـرّق دوزي‬
‫إلى «الوطنيين الفاسدين‪ ،‬المحتاجين‪ ،‬محبّي المال» بين المسيحيين اإلسپان‪ ،‬الذين فرّوا من جيوش قشــتالة وليــون وناڤــار طمعـا ً‬
‫الذهب الذي عرضه المنصور عليهم‪349‬‬ ‫‪.‬في ّ‬
‫يخبرنا ابن حيّان أنه في طريق عودته «انكفأ المنصور عن باب شنت ياقُب وقد بلغ غاية لم يبلغها مسلم قبله‪ ،‬فجعــل‬
‫بالكف عنها‪ ،‬وم ّر مجتازاً [مناطقهم] حتى‬ ‫ّ‬ ‫في طريقه القصد (‪ )...‬حتى وقع في عمل القوامس المعاهدين الذين في عسكره‪ ،‬فأمر‬
‫أن بليقيــة هــذه هي «ڤــايّيكوس‬ ‫»خــرج إلى حصــن بليقيــة» الــذي كــان قــد هــدم تحصــيناته في وقت ســابق‪ .‬ويقــترح ڠايــانڠوس ّ‬
‫بالتّالي فهي ال تبعد كثيراً عن قورية‪ ،‬من حيث دخــل المنصــور ‪ Ciudad Rodrigo،‬القريبة من مدينة رودريڠو ‪Vallecos‬‬
‫أرض أعدائه في مسته ّل حملته‪ .‬جمع المنصور القوامس المسيحيين الذين شاركوا في الحملة‪ ،‬و«أجــازهم بجملتهم على أقــدارهم‬
‫[تبعا ً ألهمية ومكانة كل منهم]‪ ،‬وكساهم وكسا رجالهم وصــرفهم إلى بالدهم‪ ،‬وكتب بــالفتح من بليقيــة‪ ،‬وكــان مبلــغ مــا كســاه في‬
‫غزاته هذه لملوك الرّوم ولمن َح ُسـنَ غنـاؤه من المسـلمين [األمـراء النّصـارى وغـيرهم ممن ناصـروا المسـلمين] ألفين ومئـتين‬
‫وخمسا ً وثمانين ُشقّة من صنوف الخ ّز [الحرير] الطّرازي‪ ،‬وواحداً وعشرين كسا ًء من صــوف البحــر [جلــد الفقمــة]‪ ،‬وكســاءين‬
‫عنبريين‪ ،‬وأحد عشر سقالطونا ً [قماش من الصّوف النّــاعم القرمــزي الــذي كــان النّبالء قــادرين على الحصــول عليــه]‪ ،‬وخمس‬
‫عشرة مريّشا ً [وهي كلمة لم يتمكن ڠايانڠوس من ترجمتها]‪ ،‬وســبعة أنمــاط ديبــاج [كســوة خيــل من الحريــر المطــرز]‪ ،‬وثــوبي‬
‫ديباج رومي [ثوبان من النّوع نفسه مصنوعان في اليونان]‪ ،‬وفروي فنك [فراء ثعلب الصّحراء]‪ ،‬ووافى جميع العســكر قُرطُبــة‬
‫‪.‬غانماً‪ ،‬وعظمت النّعمة والمنّة على المسلمين»‪350‬‬
‫لم نتم ّكن من العثور في أي مكــان على معلومــات تفيــدنا في معرفــة من يكــون هــؤالء النّبالء واألمــراء المســيحيون‪.‬‬
‫الشـمال من إســتريمادورا‪ .‬ومن‬ ‫أن مناطقهم التي اجتازهــا جيش المنصــور في ســالم‪ ،‬تمتـ ّـد إلى الجنــوب من ليــون أو إلى ّ‬
‫ويبدو ّ‬
‫ُ‬
‫الممكن أن يكون هؤالء من أحفــاد المســيحيين الــذين اســتقرّوا‪ ،‬في عهــد ُر ُملــة ابن غيطشــة‪ ،‬في نــواحي طليطلــة وعاشــوا هنــاك‬
‫مستقلّين عمليا ً لحوالي مئتي عام‪ ،‬حتى دخلوا في طاعة عبــد الـرّحمن الثّــالث‪ ،‬قبــل حــوالي خمســين عامـا ً من غــزوة المنصــور‪.‬‬
‫وسنتذكر أنه عندما فتحت طُليطلة بواباتها لجيش عبد الرّحمن‪ ،‬ف ّر جعفر [بن ُع َمــر بن] حفصــون مــع أالف من أتباعــه‪ ،‬دون أن‬
‫فضـلوا التّحــالف مــع المســلمين على‬ ‫تُعرف وجهته‪ .‬فإن كان بين هؤالء النّبالء أحفــاد ُر ُملــة أو بــني حفصــون‪ ،‬فمن الممكن أنهم ّ‬
‫الذوبان ضمن قوات ال ّشمال المتنامية‪،‬ـ والتي كانت ال تزال تسير على نهج رودريك (لُذريق)‪ .‬ولكن األمـر ال يعـدو كونـه مجـرّد‬ ‫ّ‬
‫‪.‬تخمين‬
‫ملــك نصــارى الجبــال»« )‪، Sancho‬ڠارثيّا ابن ســانچو( في سنة ‪ 995‬أو ‪ ،996‬أسر المنصور غرسيّة بن شانجة‬
‫‪ 351‬الذي كانت مصابا ً بجروح خطيرة وتوفي بعد ذلك ببضعة أيام على الرّغم من كــل العنايــة الــتي أواله إياهــا المنصــور‪ .‬أمــر‬
‫المنصور بإعداد تابوت مزيّن بالنّقوش وال ّزخارف ُسجّي جثمان الملــك بداخلــه و ُغطي بقمــاش رائــع بـاللونين األحمــر القرمــزي‬
‫والذهبي‪ ،‬وطُيِّب بأجود أنواع العطور‪ ،‬إلرساله إلى أهله‪ .‬وعنــدما وصــل عــدد من فرســان جيش غرســية الفتــداء جثمــان ملكهم‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬بالهدايا‪ ،‬سلمه المنصور لهم رافضا ً هداياهم‪352‬‬
‫وفي سنة ‪ ،997‬عندما كتب عبد الملك‪ ،‬ابن المنصور‪ ،‬إلى أبيه يخبره عن نجاحه في غزوته في المغــرب‪ ،‬حيث فتح‬
‫مدينة فاس‪ ،‬لم يقف جود المنصور عند التّص ّدق على المتس ّولين وتخفيف ديون الكثير من الفقراء األمناء‪ ،‬بل أفرج عن خمســمئة‬
‫‪.‬أسير وثالثمئة من الجواري النّصارى‪ ،‬تعبيراً عن امتنانه وشكره هلل على نعمته ورحمته‪353‬‬
‫إن المنصور كان يتحيّز دائما ً للمسيحي ‪ the Monk of Silos‬يقول دوزي استناداً إلى «راهب دير سيلوس»‪354‬‬ ‫ّ‬
‫أن يوم األحد كان يوم راحة في بيت‬ ‫عندما ينشأ خالف بين مسيحي ومسلم‪ .‬ويخبرنا المقّري‪ ،‬نقالً عن تاريخ لم يس ّمه للمنصور‪ّ ،‬‬
‫والسـبب في ذلــك‪ ،‬كمــا يقــول‬‫ّ‬ ‫المنصــور حيث كــان ينعم أهــل الــبيت في ذاك اليــوم ببعض الرّاحــة ويُعفَــون من بعض أعمــالهم‪،‬‬
‫أن العاملين في منزله كانوا من العبيد والجواري المسيحيين‪355‬‬ ‫‪.‬ڠايانڠوس‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫القصـة المتكـرّرة الــتي تقــول إنــه‬ ‫ّ‬
‫إن اعتراف الجميع بحسن معاملة المنصور للمسيحيين‪ ،‬يلقي الكثير من الشك على‬ ‫ّ‬
‫أرغم األسرى المسيحيين في شنت ياقُب على أن يحملوا أجراس كنيستهم من تلــك المدينــة إلى قُرطُبــة على ظهــورهم‪ .‬وتــتراجع‬
‫مصداقية تلك القصة كذلك من خالل قول ابن حيّان إن جميع سكان شنت ياقُب أخلوهــا قبــل وصــول المنصــور‪( .‬راجــع مــا ورد‬
‫أعاله ص ‪ 171‬طبعة األصل) ومن غير المحتمل أن يكون ذاك الرّجل المتميّز بتسامحه وسعة إدراكه إلى درجة احترام ضريح‬
‫قديس مسيحي‪ ،‬وتقدير احتياجات خدمه المسيحيين للرّاحة وللتعبّد‪،‬ـ أن يكون قد أعمل السّيف بالنّساء واألطفال النّصــارى‪ ،‬ونهب‬
‫أن ابن حيّــان ينســب‬ ‫بيوتهم وهدم كنائسهم كما يروي ابن حيّان عن المنصور‪ .‬والتّفسير األكثر قابلية للتّصديق بشأن تلك القصة‪ّ ،‬‬
‫‪.‬للمنصور ال ّشيعي األفعال التي كان سيقوم بها هو نفسه لو كان في مكانه‬
‫ويروي المؤ ّرخون الكثير من النّوادر والقصص التي تدلّل على مدى سخاء المنصور وجوده وذكائه وحسّه لل ّدعابــة‪.‬‬
‫وسنترك الكثير منها ألنها خارجة عن موضوعنا‪ .‬ولكن ال يســعنا مــع ذلــك أن نقــاوم اإلغــراء إلظهــار الجــانب المــرح في حيــاة‬
‫‪.‬الحاجب العظيم‪ ،‬من خالل ترجمة مقاطع من كون ِده لنادرة غير معروفة كثيراً عن المنصور‬
‫كان هناك رجل من أهل األدب واللغة يدعى أبــا العالء‪ ،356‬قــدم إلى األنــدلس من بغــداد وقصــد قُرطُبــة ودخــل على‬
‫ألن الحاجب بن أبي عامر كان مولعا ً باألدب وواسع العلم كمــا كــان الخليفــة الحكم المستنصــر باهلل‪.‬‬ ‫المنصور فأجزل له العطاء‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫أكرمه المنصور ومنحه من المال الذي يدخره لرعاية العلم واألدب‪ ،‬ولكن أبا العالء كان مسرفا في معيشته‪ ،‬ولم يكن المال الذي‬
‫‪.‬يحصل عليه من الحاجب كافيا ً لسد حاجاته‬
‫بان لشدة رقّته ثوبه ال ّداخلي ‪ deshilado‬في يوم‪ ،‬دخل أبو العالء على المنصور وهو يلبس قميصا ً مخرّما ً رثا ً‪357‬‬
‫‪:‬من تحته‪ .‬الحظ المنصور ذلك فسأله‬
‫ما هذا يا أبا العالء؟‬
‫‪:‬فأجابه بصوت متواضع مثير لل ّشفقة‬
‫بقميص أحسن منه‪ ،‬ولهذا لبسته اليوم‬ ‫ٍ‬ ‫‪.‬كان هذا هدية من سيّدنا‪ ،‬حفظه هللا وأنعم عليه‪ .‬ما عندي‬
‫‪:‬فأجابه المنصور‬
‫‪.‬حسنا ً فعلت‪ ،‬ولكي ال تبقى متمسكا ً به‪ ،‬سنرسل لك في الغد قمصانا ً أخرى تستبدلها به‪ ،‬فنصلح األمر كما ينبغي‬
‫وفي يوم آخر‪ ،‬دخل صاعد أبو العالء على الحاجب فوجد المنصور يقرأ في كتاب وصــله من عامــل لــه (حــاكم) في‬
‫‪:‬بعض الجهات يتح ّد ث فيه عن قلب األرض وتزبيلها قبل زراعتها‪ ،‬فنادى المنصور على أبي العالء وسأله‬
‫هل رأيت أو وصل إليك من الكتب القوالبة وال ّزوالبة لمبرمان ابن يزيد؟‬
‫‪.‬إي وهللا ببغدادـ في نسخة ألبي بكر ابن دريد‪ 358‬بخط ككراع النّمل‪ ،‬في جوانبها [عالمات الوضاع]‬
‫‪:‬فأجابه المنصور‬
‫‪ .‬أما تستحي أبا العالء من هذا الكذب؟ هذا كتاب عاملي ببلد كذا واسمه كذا يذكر فيه كذا‪359‬‬
‫‪.‬فجعل صاعد يحلف له أنه ما كذب‪ ،‬ولكنه أمر وافق‬
‫أن المنصور‪ ،‬وبعيداً عن شعوره بالمهانة‪ ،‬كان يحب تدبيرـ المقالب لألديب النّصّاب‬ ‫‪.‬ال شك ّ‬
‫ً‬
‫‪.‬ونحن مدينون كذلك لكون ِده في وصف ضيافة قائد ُمرسية ألبي المنصور خالل إحدى حمالته‪ ،‬نقال عن ابن حيّان‬
‫السـخي بتلبيـة احتياجـات الـوزير ومرافقيـه وخدمـه‪ .‬لم يسـتقبلهم في منزلـه‪،‬‬ ‫فعلى مدى ثالثة عشر يوما ً تكفّل القائـد ّ‬
‫ولكنه كان يرسل لهم كل يوم إلى النّزل‪ 360‬ك ّميات وافرة من الخبز واللحم والفاكهة من ماله‪ ،‬أ ّما المنصور نفســه ورجالــه‪ ،‬فكــان‬
‫‪.‬يق ّدم لهم كل يوم أصنافا ً من أطايب الطّعام والحلوى المحفوظة والفاكهة من أجود األصناف‬
‫أن القائد ق ّدم كل تلك العطايا دون مقابل‪ ،‬شكره باســم الخليفــة‪ ،‬وعنــدما عــاد إلى قُرطُبــة اقــترح‬ ‫عندما علم المنصور ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫‪.‬على هشام أن يعفي القائد وعائلته من كل المغارم والضّرائب اعتبارا من ذلك التاريخ‪ ،‬وكان له ذلك‬
‫وفي رواية أخرى لتلك القصّة ينقلها كون ِده كذلك‪ ،‬يقال إن القائد أضاف على كل الطّيبات وأسباب الرّاحــة‪ ،‬ح ّمامــات‬
‫ّ‬
‫رة مغطاة بمفارش جميلة من الحرير الموشى بالذهب‪361‬‬ ‫‪.‬يومية بماء الورد‪ ،‬وأس ّ‬
‫صة ملفتة عن االحتفال بزواج ابن المنصور البكر عبد الملــك في ربيــع ســنة ‪ 986‬من حبيبــة‪،‬‬ ‫كما وصلتنا تفاصيل ق ّ‬
‫ابنة المنصــور نفســه‪ .‬لم يكن زواج رجـل بابنــة أختــه ‪ Boriha‬ابنة عبد هللا ابن أبي عامر (من عائلة المنصور) وزوجته بُريهة‬
‫امراً غير مألوف بين مسلمي إسپانيا في ذلك الوقت ‪ ،362‬وفي الواقع في مجتمع حيث كان يمكن أن يكون لرجل واحد ‪ -‬أو لرجل‬
‫السـهل دائمـا ً العثــور على عــروس ال تربطهــا بزوجهــا صــلة‬ ‫في مصاف الملك ‪ -‬مئة طفل من زيجات مختلفة‪ ،‬ربما لم يكن من ّ‬
‫السـادس عشــر‪ ،‬واعتبـاره‬ ‫قرابة‪ .‬لقد كان تحريم زواج القربى في مجتمع تتشابك العالقات بين أفـراده بصـورة معقــدة في القـرن ّ‬
‫ِسفاحا ً واألطفال المولودين منه غير شرعيين‪ ،‬واحداً من الفصول الكثيرة القاسية لالضطهاد الذي عاناه الموريسكيون على أيدي‬
‫‪.‬محاكم التّفتيش‬
‫أُقيم العرس في جنائن ال َمريّة القريبة من قصر ال ّزاهرة بعد أن أذن الخليفة هشــام لحاجبــه بإقامــة العــرس في حــدائق‬
‫القصر‪ .‬وحضر االحتفاالت والوالئم كافّة أشراف وأعيان قُرطُبة على شرف العروســين‪ ،‬وتخلّلت العــرس احتفــاالت عارمــة ع ّم‬
‫صاخب ال ّشوارع‬ ‫‪.‬خاللها المرح ال ّ‬
‫سارت العروس الجميلة في موكب مظفّر عبر ال ّشوارع ال ّرئيسية تحيط بها كل العذارى المقرّبات من العائلــة‪ ،‬وفي«‬
‫مق ّدمة الموكب وخلفه سار القاضي وال ّشهود وكبار رجال ال ّدولة وال ّشيوخ وأشراف المدينة‪ .‬ووقفت الفتيــات العــذراوات يحرســن‬
‫والذهب‪ ،‬حــتى تمكن العــريس مــع هبــوط الليــل برفقــة صــحبه من‬ ‫مدخل جناح العروس طوال النّهار مسلّحات بعصي من العاج ّ‬
‫‪.‬أبناء أشراف عائلته‪ ،‬وفي حماية حرابهم المذهبة‪،‬ـ من دخول الجناح عنوة بال ّرغم من مقاومة العذارى المستميتة‬
‫الصـافية‪ ،‬صــدحت«‬ ‫ازدانت الجنائن باألنوار‪ ،‬ومن كل المــداخل والنّوافــير والمــراكب الطّافيــة فــوق ميــاه بحيراتهـا ّ‬
‫موسيقى عذبة‪ ،‬وأنشد المغنّون أغاني تمتدح خصال العروس والعريس‪ .‬استم ّر العزف والغناء حتى مطلع الفجر‪ ،‬واستم ّر المرح‬
‫‪.‬واالحتفاالت طوال اليوم التّالي‬
‫أجزل المنصور العطاء بهذه المناسبة فأهدى حرّاسه قطعا ً من السّالح وكســوة‪ ،‬وو ّزع الحســنات إلى فقــراء ال ّزوايا«‬
‫الذي يرعــاه وزوّجهن‪ ،‬وكــان كريمـا ً في مكافــأة ‪ ،363 Aljama364‬ودفع مهر فتيات فقيرات من دور األيتام في المسجد والحي‬
‫كل من أثنى على ابنه وحفيدته‪ .‬فلم تشهد قُرطُبة أياما ً في مثل روعــة تلــك األيــام‪ ،‬أو عرسـا ً بمثــل عظمــة عــرس عبــد الملــك بن‬
‫‪.‬المنصور»‪365‬‬
‫وفي الختام سندع المقّري يل ّخص خصـال المنصــور وأفضــاله‪ ،‬فيجــري قلمــه بحرّيــة متناســيا ً أنــه شــيعي وأدرك في‬
‫‪.‬النّهاية أنه يستحق التّمجيد والثّناء‬
‫ومن أخبار المنصور‪« ،‬أنّه خطّ بيده مصحفا ً كان يحمله معه في أسفاره يدرس فيه‪ ،‬ويتبرَّك به‪ .‬ومن قوّة رجائــه أنّــه‬
‫اعتنى بجمع ما علــق بوجهــه ومالبســه من الغبــار في غزواتــه ومــواطن جهـاده في بالد المشـركين‪ ،‬فكــان الخــدم يأخذونــه عنــه‬
‫بالمناديل في كل منزل من منازله‪ ،‬حتى اجتمع له منه صرّة ضخمة‪ ،‬عهد بتصييرها في حُنوطه ‪ ،366‬وكان يحملها حيث سار مع‬
‫أكفانه‪ ،‬توقّعا ً لحلول منيّته‪،‬ـ وقد كان اتخذ األكفان من أطيب مكسبه من الضّيعة الموروثة عن أبيه وغــزل بناتــه‪ ،‬وكـان يســأل هللا‬
‫تعالى أن يتوفّاه في طريق الجهاد‪ ،‬فكان كذلك‪ .‬وكان متّسما ً بصحّة باطنه‪ ،‬واعترافــه بذنبــه‪،‬ـ وخوفــه من ربّــه‪ ،‬وكــثرة جهــاده‪...،‬‬
‫وأعماله المجيدة وأخباره ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪ -‬تحتمل مجلدات‪ ،‬فلنمسك العنان‪( ..‬وكان) إذا ُذ ّكر باهلل ذكر‪ ،‬وإذا ُخـ ِّوف من عقــاره‬
‫ّ‬
‫الخاصـة‬ ‫ازدجر‪ ،‬ولم يزل متن ّزها ً عن كل ما يفتتن به الملوك سوى الخمر‪ ،‬لكنّــه أقلــع عنهـا قبــل موتـه بسـنتين‪ .‬وكــان عدلـه في‬
‫‪.‬والعامة وبسطُ الحق على األقرب فاألقرب من خاصّته وحاشيته أمراً مضروبا ً به المثل»‪367‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الفصل الحادي عشر‬
‫قصة هشام الثّاني‬
‫ضريين من جهة واليمانيين والنّصارى من جهة ثانية‪ ،‬بعــد أن ظلّت خامــدة‬ ‫سرعان ما اشتعلت العدواة القبليّة بين ال ُم َ‬
‫لحوالي مئـة عـام في عهـد الخليفـة النّاصـر عبـد الـرّحمن الثّـالث‪ ،‬ومن خلفـوه في الحكم‪ ،‬بعـد وقت قصـير من وفـاة المنصـور‪،‬‬
‫‪.‬الحاجب اليمني الذي عظم شأنه‪ ،‬وارتفاع يده الضّابطة عن عرش األندلس‬
‫‪.‬وهكذا انقلبت الظّروف التي سادت في البدء رأسا ً على عقب‬
‫انتفض اليمانيون والمولّدون في العام ‪ 886‬على حكم األمويين الذين تفصلهم عنهم عداوة قبلية ومذهبيــة‪ .‬فــاألمويون‬
‫ضريون من ال ُّسنّة‪ .‬واستم ّرت ثورة اليمانيين حتى اعتلى العرش أمير ينتســب إلى القبيلــتين‪،‬ـ فــأذعنوا لــه على الفــور‪ .‬ولكن في‬ ‫ُم َ‬
‫ضريون هم من ثاروا على حاكم من ساللتهم‪ ،‬هو آخر أمراء قُرطُبة من ساللة بني قــريش‪ ،‬وهبَّ اليمــانيون‬ ‫ُ َ‬‫م‬ ‫ال‬ ‫كان‬ ‫‪،‬‬‫‪1009‬‬ ‫سنة‬
‫ضريين هم من أزاحوا حفيد عبــد ال ـرّحمن الثّــالث عن‬ ‫وأحفاد المولّدين في المقابل لحمايته وتأييده‪ .‬ويُذكر بوضوح أن العرب ال ُم َ‬
‫العرش‪ ،‬بسبب غيرتهم من اليمانيين‪.‬ـ وهكذا نحن أمام مشهد فريد نجد فيه القبائل التي توارثت العــداء تحافــظ على والئهــا لحــاكم‬
‫ألن أباه وج ّده أحسنا معاملتها‪ ،‬في حين أنكره أهله وفعلوا كل ما في وســعهم‬ ‫تجمعه بها صلة قُربى تعود إلى ثالثة أجيال مضت‪ّ ،‬‬
‫‪.‬لقتله‬
‫توفي المنصور في أغسطس ‪ ،1002‬وعندما بلغ األمر إلى الخليفة استدعى عــدداً من عامليــه لينعي إليهم النّبــأ‪ ،‬لكن‬
‫حزنه عليـه كـان عظيمـا ً فعجـز عن أن ينبس بكلمـة واحـدة‪ ،‬ووقـف صـامتاً‪ ،‬يحـاول جاهـداً أن ينقـل إلى أهـل قصـره ووزرائـه‬
‫‪.‬المصاب الحزين‬
‫كان عبد الملك‪ ،‬أكبر أبناء المنصور في قُرطُبة عندما بلغه أمر وفاة أبيه‪ ،‬فعاد إلى مدينة سالم ليجـد أن المنصـور قـد‬
‫دُفن في قصره هناك‪ .‬وبعد بضعة أيام‪ ،‬عاد إلى قُرطُبة‪ ،‬وارتــدت القِيــان‪ ،‬أو الجـواري المغنيـات‪ ،‬في حـريم المنصـور األكيــاس‬
‫الخشنة المنسوجة من شعر الخيل أو الجمال‪ ،‬بعد أن كن يرتدين المالبس المصنوعة من الحرير وال ّديباج‪ 368‬الــتي نعمن بهــا في‬
‫‪.‬عهده‬
‫السـجل بواليــة الحجابــة»‪ .‬ولكن‬ ‫وعامل الخليفة هشام عبد الملــك المظفّــر «على عــادة أبيــه‪ ،‬وخلــع عليــه‪ ،‬وكتب لــه ّ‬
‫صقالبة ثاروا على األمر و«اضطربوا‪ ،‬فق ّوم (عبد الملك) المائل وأصلح الفاسد‪ ،‬وجــرت األمــور على ّ‬
‫الس ـداد‪،‬‬ ‫خصيان القصر ال ّ‬
‫ّ‬
‫وانشرحت الصّدور بما شرع فيه من عمارة البالد‪ ،‬فكــان أســعد مولــود ولــد في األنــدلس»‪ .369‬وجــرى عبــد الملــك المظفــر أبــو‬
‫بالسـابع‪ ،‬تشــبيها ً بســابع‬
‫مروان «على سُنن أبيه في السّياسة والغزو‪ ،‬وكانت أيّامــه أعيــاداً دامت مـ ّدة ســبع ســنين وكــانت تسـ ّمى ّ‬
‫‪.‬العروس‪ ،‬ولم يزل مثل اسمه مظفّراً إلى أن مات سنة تسع وتسعين وثالثمئة في المحرّم‪ ،‬وقيل‪ :‬سنة ثمان وتسعين»‪370‬‬
‫لســوء حــظ هشــام واألنــدلس‪ ،‬تــوفي عبــد الملــك شــاباً‪ ،‬بعــد واحــدة من غزواتــه الظّــافرة الــتي خاضــها في مواجهــة‬
‫النّصارى‪ ،‬وتولى أخوه األصغر عبد ال ّرحمن‪ ،‬الحجابة بعده‪ .‬لكن عبد الرّحمن لم يكن قادراً على مواجهة العداوة المتناميــة الــتي‬
‫ضريون ال ُّسنّة لساللة بني عامر‬ ‫‪.‬يكنّها ال ُم َ‬
‫أن هشاما ً الذي لم يُــرزق بولــد سـ ّمى عبــد‬ ‫لقد كان السّبب المباشر للعصيان الذي أ ّدى إلى سقوط الخالفة في قُرطُبة‪ّ ،‬‬
‫الرّحمن ال ّشاب وليا ً للعهد‪ .‬ولنا أن نتخيّل مدى ما أثاره هذا اإلعالن من نقمة لدى معارضي حكم بــني عــامر‪ .‬لقــد ظـ ّل الحكم في‬
‫ضر‪ .‬أ ّما اآلن فالحكم يكــاد أن يــؤول بالوراثــة إلى يمــني من‬ ‫قُرطُبة لمئتين وخمسين عاما ً في أيدي بني أُميّة القرشيين من أبناء ُم َ‬
‫‪.‬آل قحطان‪ ،‬وليس ذلك فحسب‪ ،‬وإنّما إلى رجل ليس سليل نسب عربي أصيل‪371‬‬
‫ويورد المقّري نقالً عن أحد كتاب تلك األيام نصّ العهد الذي ولّى به هشــام المؤيَّد عبــد الـرّحمن شــنجول ‪ -‬لقــد كــان‬
‫لقبه شنجول وهو تصغير السم شانجة (سانچو)‪ ،‬اسم جدِّه ألمه‪ .‬وبعد تعداد صفاته وحميد خصاله التي تؤهّله لتــولّي الخالفــة من‬
‫بعده‪ ،‬يقول الخليفة في العهد الذي س ّمى فيه «المأمون أبي ال ُمط ِّرف عبد ال ّرحمن بن المنصور» وليا ً لعهده‪« ،‬ومن كان المنصور‬
‫أن أمير المؤمنين ‪ -‬أيّده هللا ‪ -‬بمــا‬ ‫أباه‪ ،‬والمظفّر أخاه‪ ،‬فال غرو أن يبلغ من سبل الب ّر مداه‪ ،‬ويحوي من خالل الخير ما حواه؛ مع ّ‬
‫طالع من مكنون العلم‪ ،‬ووعاه من مخزون األثـر‪ ،‬يـرى أن يكـون ول ّي عهـده القحطـاني الـذي حـ ّدث عنـه عبـد هللا بن عمـرو بن‬
‫أن النّبي صلّى هللا عليه وسلّم قال‪« :‬ال تقوم السّاعة حتى يخرج رجــل من قحطــان يســوق النّــاس بعصــاه»»‬ ‫العاص وأبو هريرة ّ‬
‫‪372.‬‬
‫بسـام وابن خلــدون والنّــويري‪ ،‬ولكن المثــير للتّســاؤل ّ‬
‫أن‬ ‫إن نصّ العهــد ورد في كتابــات المقّــري وابن ّ‬ ‫يقــول دوزي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪:‬الحديث الذي أورده عن الرّسول يختلف ع ّما أورده المقري‪ ،‬حيث جاء على الشكل التالي‬
‫‪.‬وال تقوم السّاعة حتى يحمل رجل من قحطان صولجان» ال ُملك‪«373‬‬
‫أن تسمية عبد ال ّرحمن شنجول وليا ّ للعهد هو الــذي قــاد إلى انهيــار دولــة العــامريين‪ ،‬لكن‬ ‫ويتفق دوزي والمقّري في ّ‬
‫‪.‬المؤ ّرخين يوردان أفكاراً مختلفة عن أسباب الكراهية التي ووجّه بها ول ّي العهد الجديد‬
‫يقول المقّري إنه عندما س ّمي عبد الرّحمن وليّا ً للعهد‪« ،‬نقم عليه أهــل ال ّدولــة (‪ )..‬وكــان أســرع النّــاس كراهـةً لــذلك‬
‫وتمشـت من‬ ‫ّ‬ ‫ضـرية إلى اليمنيــة‪،‬ـ فــاجتمعوا لشــأنهم‪،‬‬ ‫صوا بأمره‪ ،‬وأسفوا من تحويل األمر جملــة من ال ُم َ‬ ‫األمويون والقرشيون‪ ،‬فغ ّ‬
‫ّ‬
‫بعض إلى بعض رجاالتهم‪ ،‬وأجمعوا أمرهم في غيبة من المذكور ببالدـ الجاللقة في غزاة من صوائفه‪ ،‬ووثبوا بصاحب الشرطة‬
‫فقتلوه بمقعده من باب قصر الخالفة بقُرطُبة سنة تسع وتسعين وثالثمئة‪،‬ـ وخلعوا هشاما ً المؤيَّد وبايعوا» أحد أحفاد عبــد ال ـرّحمن‬
‫أن شنجول لم يكن يق ّدر رجال ال ّدين بسبب أصــله‪ ،‬وألنــه‬ ‫الثّالث‪ .374‬أ ّما دوزي فيعزو انهيار دولة العامريين بصورة رئيسية إلى ّ‬
‫‪.‬كان يكثر من شرب الخمرة وقيل إنه لم يكن ملتزما ً بأمور ال ّدين‪375‬‬
‫ضريين ثاروا عليه قبل اإلعالن عن تسميته وليا ً للعهد‬ ‫‪.‬أ ّما كون ِده فيقول ّ‬
‫إن ال ُم َ‬
‫ّ‬
‫لم يكن لدى الملك هشام ابن يتولى الخالفة من بعده في ملكه‪ ،‬مع أنه لم يكن في سـن متقدمـة تجعلــه يفقــد األمــل في«‬
‫إنجاب ولد‪ .376‬بادر الحاجب عبد ال ّرحمن من دون أن يضع في اعتباره هذا األمر أو يحسب حساب أقرباء الملــك‪ ،‬منــدفعا ً وراء‬
‫غروره األحمق فحسب‪ ،‬وواضعا ً ثقته في تأييد سواد النّاس الذين أحبّوه وباركوه إلخالصهم األعمى لذكرى أبيه‪ ،‬واقترح وأقنــع‬
‫الملك بتسميته وليا ً للعهد‪ ،‬على أن يبقى هذا اإلعالن ط ّي الكتمان إلى ما بعد عودتـه من أولى غزواتـه على النّصـارى الـتي كـان‬
‫السـر في قاعــات القصــر‪ ،‬فقــد انكشــف األمــر وأثــار‬ ‫أن الحديث عن هذه األمور كان يجــري في ّ‬ ‫يأمل أن يعود منها ظافراً‪ .‬ومع ّ‬
‫ّ‬
‫استياء وحقد عموم بني مروان‪ ،‬وال سيّما أحد أبناء عمومة الملك هشام واسمه مح ّمــد بن عبـد الجبــار بن عبـد الـرّحمن الناصـر‪،‬‬
‫وهو شاب في مقتبل العمر‪ ،‬حميد الخصال‪ ،‬كان ينتظر أن تؤول إليه الخالفة طالما لم يكن للملك هشام أبناء»‪ .377‬خرج شــنجول‬
‫يمض وقت على مغادرته قُرطُبة حتى بلغه أن أعداءه استولوا عـل القصـر‪ ،‬واحتجـزوا الخليفــة هشـام وخلعــوه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫في غزوته‪ ،‬ولم‬
‫أن األمور كانت قد خرجت‬ ‫وأزاحوه هو عن رتبة الحجابة‪ .‬فأسرع عائداً أمالً في أن يؤ ّدي ظهوره إلى إنهاء العصيان لكنه وجد ّ‬
‫‪.‬تماما ً عن سيطرته‪ .‬ووقعت معركة شرسة ووقع‪ ،‬وقد أُصيب إصابة بالغة‪ ،‬في أيدي خصمه مح ّمد‪ ،‬الذي أمر بصلبه‬
‫تم األمر في الحال‪ ،‬وانتهى عبد ال ّرحمن ابن المنصور المعظّم‪ ،‬وأخو عبد الملك المظفّر‪ ،‬مصلوبا ً على خشبة‪ .‬ومع«‬
‫ذلك‪ ،‬ال يزال من يثق في سواد النّاس الجاحدين المتقلّبين‪ ...‬وهو الـذي كـان إلى أيـام قليلـة‪ ،‬محبوبـا ً مباركـا ً من النّـاس‪ ،‬بـات في‬
‫لحظة ملعوناً‪ ،‬فصودرت أمالكه ولم يعد اسمه يذكر إال بعبارات االحتقار‪ ،‬ولم يجــرؤ صــحبه على الظّهــور في العلن خشــية من‬
‫‪.‬حالة االضطراب العا ّمة»‪378‬‬
‫إن نصـرانيا ً يــدعى الكـونت ابن‬ ‫هناك روايات أخـرى عن مقتــل شـنجول ال نـرى ضـرورة لنقلهــا‪ .‬ويقــول النّـويري ّ‬
‫ّ‬
‫كان يرافقه في خروجه للحرب‪ ،‬وإن هذا الكونت أشار على شنجول عندما بلغته أخبار الثورة عليــه ‪ Ibn Aumas‬عومس‪379‬‬
‫أن يحتمي لديه‪ ،‬في مقاطعته‪ ،‬حتى تهدأ العاصفة‪ .‬لكن شنجول رفض ذلك لثقته بحبّ أهل قُرطُبة لــه‪ ،‬فرافقــه الكــونت حــتى ديــر‬
‫وصـلب على خشــبة‬ ‫يسمى دير شوس‪ ،‬حيث أســرهما رجــال مح ّمــد وقتلوهمــا‪ .‬حُمــل جثمــان شــنجول الى قُرطُبــة حيث ُعــرض ُ‬
‫‪:‬وبالقرب منه رئيس حرسه الذي أُمر بأن يصيح في النّاس قائالً‬
‫‪.‬هذا شنجول المأبون‪ ،‬لعنة هللا عليه وعل ّي!»‪«380‬‬
‫إن الخليفة مح ّمد الذي تلقّب بالمهدي باهلل‪ ،‬بعد أن استتبّ له األمــر وأصــبحت مقاليــد األمــور في يديــه‪،‬ـ‬ ‫يقول المقّري ّ‬
‫حجز هشام في قصره وأسبغ على نفسه لقب الخليفة واإلمام‪ .‬وكان أوّل ما فعلــه أن أســر وقتــل كــل من وقـع تحت يـده من القـادة‬
‫الموالين للعامريين‪ .‬وأضاف النّويري أنه أحرق قصـر ال ّزاهـرة الـذي بنـاه المنصـور خـارج قُرطُبـة‪ ،‬وأمـر بنهب وهـدم منـازل‬
‫‪.‬أنصار بني عامر األثرياء وسلبهم فجمع منهم غنائم كبيرة‪381‬‬
‫وهكذا وبعد حوالي ثالثة وثالثين عاما ً من العزلة الهادئة في ظ ّل حكم حاجبيه اليمنيينـ المنصور وعبــد الملــك‪ ،‬وجــد‬
‫‪.‬هشام تعيس الحظ نفسه فجأة في خطر‪ ،‬ليس بأن يفقد ملكه فحسب‪ ،‬وإنما كذلك حياته‬
‫أن واحداً من الح ّجاب القائمين على خدمة هشام‪ ،‬ويدعى واضح العامري‪ ،‬هو الذي أنقذ حياتــه‪ .‬فعنــدما‬ ‫يخبرنا كون ِده ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫أن قتل الخليفة لن يجدي نفعا‪ ،‬وأنه لكونه يعيش منعزال وفي حراســة شــديدة‪،‬ـ‬ ‫ص ّمم المهدي على قتله‪ ،‬ثناه واضح عن ذلك بحجة ّ‬
‫بأن هشاما ً يمكن أن يعيش بأمــان ووعــده بــأن يوكلــه‬ ‫فال خوف أن يؤذي مصالح من اغتصب منه الخالفة‪ .‬وأقنع واضح المهدي ّ‬
‫‪.‬لعناية من هو جدير بالثّقة‪382‬‬
‫إن‬‫ضـع في سـرير الملـك‪ ،‬وقيـل للنّـاس ّ‬ ‫ق و ُو ِ‬ ‫جيء عندها برجل يشبه هشام في هيئته‪ ،‬وفي مثل عمره وطولـه‪ ،‬ف ُخنِـ َ‬
‫هشاما ً أصيب بمرض عُضال‪ ،‬وإنه أمر بأن يولّى مح ّمــد المهــدي باهلل وليـا ً لعهــده‪ .‬ثم دُفن هشــام المزعــوم في احتفــال َمهيب في‬
‫‪.‬الباحة األولى للقصر‪ ،‬واستتبّ ال ُملك للمهدي باهلل وحده‪383‬‬
‫إن من قام باستبدال هشام ليس واضحا ً أو أصدقاء هشام‪ ،‬وإنما المهدي الــذي‬ ‫ويورد دوزي الوقائع عينها‪ ،‬لكنه يقول ّ‬
‫خشي أن يحتشد حوله المؤيّدون‪ ،‬ولذلك ص ّمم ليس على قتله وإنّما على أن يُزعم أنه مات‪ .‬لم يكن بديل هشام إنسانا ً بائسا ً ضُرب‬
‫‪.‬على رأسه لهذا الغرض‪ ،‬وإنما كان نصرانيا ً يشبهه وقد مات للتّوّ؛ أ ّما هشام الحقيقي فبقي سجين قصر أحد وزراء المهدي‪384‬‬
‫ع ّمت الفوضى مدينةـ قُرطُبة‪ ،‬وظهر في الميدان طامح آخر لتولّي الخالفة هو سليمان أحد أحفاد عبد الرّحمن الثّالث‪.‬‬
‫يمض وقت‬ ‫ِ‬ ‫ونهب سليمان والمهدي والبربر قُرطُبة‪ ،‬وأعملوا سيوفهم في أهلهــا‪ ،‬واجتــاحوا القــرى والنّــواحي المحيطــة بهــا‪ .‬ولم‬
‫طويل حتى قُتِ َل المهدي‪ ،‬وبعد ذلك بثالث سنوات لقي سليمان المصير نفسه على أيدي أحد قادته الذي قُتل بدوره بأيــدي وصــفاء‬
‫‪.‬صقالبة م ّمن خدموا سابقا ً في بالط بني أُميّة‬
‫واســتمرّت حالــة الفوضــى ســنوات عــدة تعرّضــت خاللهــا قُرطُبــة للنّهب أكــثر من مـرّة‪ ،‬بمــا يســتتبع ذلــك من قتــل‬
‫واغتصاب وسبي وتدمير‪ ،‬وكان ال ّشيعة على ال ّدوام أول ضحايا ثورات العنف هذه‪ .‬و ُد ّمرت مدينـةـ ال ّزهــراء‪ ،‬الحاضــرة البديعـةـ‬
‫التي بناها عبد الرّحمن الثّالث بالقرب من قُرطُبة‪ ،‬ولقيت مدينة ال ّزاهرة القريبة منها المصير نفسه‪ ،‬وهي التي بنى فيها المنصور‬
‫وأنصاره األثرياء قصوراً وبيوتا ً ريفية‪ .‬ويذكر المقّري شاعراً شهيراً صادف وجوده في قُرطُبة عندما تعرّضت للنّهب‪ :‬لقد قتلــه‬
‫السـر دون إقامــة مراســم الـ ّدفن‪.‬‬ ‫البربر‪ ،‬وبعد أن ظـ ّل جثمانــه لثالثــة أيــام ملقى في الباحــة المفتوحــة لمنزلــه‪ ،‬ووري الثّــرى في ّ‬
‫لف في كفن أبيض‪ ،‬وهي أكبر إهانة يمكن أن تُلحــق بــالميت في أعين‬ ‫أن الجثة ألقيت في القبر دون أن تُغسل أو تُ ّ‬ ‫ويضيف كون ِده ّ‬
‫‪.‬المسلمين‬
‫ظ ّل هشام طوال هذه الفترة ســالما ً على مــا يبــدو في حجــزه‪ .‬وفي إحــدى المــرات‪ ،‬في ســنة ‪ ،1010‬أخرجــه واضــح‬
‫وأجلسه على العرش وألبسه ال ّشارات الملكية‪ ،‬فما إن علم المهدي بما يجــري حــتى أســرع إلى غرفــة العــرش وحــاول أن يجلس‬
‫أن واضحا ً كان قادراً لبعض الوقت على إبقاء هشــام ممســكا ً بزمــام األمــور‪ ،‬ولكن‬ ‫بجوار الخليفة‪ ،‬لكنه سُحب خارجا ً وقُتل‪ .‬وبدا ّ‬
‫ّ‬
‫ك للدماء‪ ،‬وسلب لمنــازل النــاس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫في سنة ‪ ،1013‬دخل سليمان وحلفاؤه البربر على قرطبة‪ ،‬وكما يقول المقري «واستتبع ذلك سف ٌ‬
‫وهتك لحرماتها‪ ،‬ولحق بيوت قُرطُبة معرَّة في نســائهم وأبنــائهم‪ ،‬وانقلبت حـال أثريــاؤهم من الغــنى إلى الفقـر‪ ،‬وهُــدمت مبــانيهم‬
‫‪».‬وسوّيت باألرض‬
‫ال نجد في كل سجالت تاريخ إسپانيا المسلمة أيّة حقبة سلك فيها اليمانيون سلوكا ً يقترب من هذه الوحشية التي تعامل‬
‫ُ‬
‫ضريون‪ .‬كما لم تظهر وحشــيتهم هــذه في مناســبة واحــدة فحســب‪ ،‬فقُرطبــة‬ ‫بها العسكر الذين يقودهم هؤالء األمراء واألعيان ال ُم َ‬
‫والسـبي‬‫ّ‬ ‫تعرضت للنّهب والسّلب على أيدي كل طامع في العرش‪ ،‬كل بدوره‪ ،‬وكان يرافـق ذلـك على الـدوام اعمـال االغتصـاب‬
‫ّ‬
‫يمت بصلة لقواعد السّلوك العسكرية‪385‬‬ ‫‪.‬والقتل‪ ،‬مع تجاهل تام لكل ما ّ‬
‫ولم يُعرف ما آل إليه مصير هشام المؤيَّد‪ .‬ففي سنة ‪ 1016‬هُزم سليمان المســتعين باهلل على يــد علي بن حمــود الــذي‬
‫أن المؤيد مات‪ ،‬وعندها أمر علي بنبش القبر وفحص الجثة‪ .‬فكان ذلــك ولم يجــد‬ ‫أسره‪ .‬وعندما سأله علي عما فعله بهشام‪ ،‬أجاب ّ‬
‫على جثته آثار عنف‪ .386‬وما من شك في أن الجثة التي فُحصت كانت للبديل الذي دُفن على أنه هشام في ســنة ‪ .1009‬وبمــا أنــه‬
‫‪.‬كان قد م ّر على دفنه سبع سنوات‪ ،‬فلم يكن من الممكن التّعرف على صاحبها الحقيقي‬
‫إن عليّا ً بن حمود سأل والـد سـليمان عمـا فعلــه بهشـام‪ ،‬وإن‬ ‫ويورد كون ِده رواية مختلفة قليالً عن هذه الحادثة‪،‬ـ فيقول ّ‬
‫ق غرفــة أو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األخير أنكر معرفته بما ح ّل به‪ .‬فقتل علي سليمان وأباه وأخاه‪ ،‬وأمر بالبحث عن هشام في كل أنحاء قرطبة‪« ،‬فلم تبـ َ‬
‫قبّة في قصور المدينة وبيوتها إال وفُتّشت»‪ ،‬ولكن لم يُعثر لهشام على أثـر‪ ،‬فـأُعلنت وفاتـه على النّـاس‪« ،‬فـراح العامـة يتنـاقلون‬
‫‪.‬الحكايات واألقاويل»‪387‬‬
‫‪:‬ويروي دوزي قصّة مصير هشام المؤيّد على النّحو التّالي‬
‫هرب المؤيد من قُرطُبة بعد أن دخلها سليمان وهام في بالد ال ّشرق ووصــل إلى القــدس وتعلّم صــنعة الحُصــر وأقــام‬
‫فيها سنين‪ ،‬ولم يرجع إلى األندلس إال في سنة ‪ ،1033‬فشوهد في مالقــة وال َمريّــة‪ ،‬وفي ســنة ‪ 1035‬ذهب إلى قلعــة ربــاح‪ ،‬وبقي‬
‫‪.‬فيها‪388‬‬
‫صة‪ ،‬وإن لم يكن لها (في رأيه) أساس‪ .‬والحقيقة‪ ،‬كما يقــول‪ ،‬أنــه كــان في‬ ‫يقول دوزي إن عامة النّاس ص ّدقوا هذه الق ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قلعة رباح في ذلك الوقت صانع للحُصر يدعى خَ لف‪ ،‬شديد الشبيه بهشام‪ .‬ومن كثرة ما سمع الرّجل عن شدة الشبه بينهما‪ ،‬صــار‬
‫إن خَ لَفا ً هذا لم‬
‫يقول للنّاس إنه الخليفة‪ ،‬فص ّدقه أبناء مدينتهـ ال بل ثاروا على واليهم إسماعيل بن ذي النّون تأييداً له‪ .‬ويجدر القول ّ‬
‫يكن من أهل قلعة رباح‪ ،‬وهو ما أسهم كما يقول دوزي‪ ،‬في أن يتقبّله أهل المدينة على أنّه هشـام الغـائب‪ ،‬الــذي اختفى أثـره‪ .‬ولم‬
‫‪.‬يُذكر كم من الوقت عاش في المدينة‪ ،‬وال من أين أتى‬
‫يمكننا أن نتعامل مع قصة هيمان هشام في بالد ال ّشرق‪ ،‬في آسيا‪ ،‬دون تر ّدد على أنها خرافة‪ ،‬ولكن قصة هروبه من‬
‫قُرطُبة خالل فترة القالقل واالضطرابات التي استمرّت لفــترة طويلـة ولجوئـه إلى قلعـة ربـاح‪ ،‬ليسـت بعيــدة االحتمـال‪ .‬ففي هــذ‬
‫المدينةـ ونواحيها استق ّر قوم من العرب من قبيلة جُذام الــذين كــانوا حلفــاء مقـرّبين من جهــة النّســب من قبيلــة َمعــافِر الــتي كــانت‬
‫ينتسب إليها المنصور بن أبي عامر‪ .‬وبالتّالي فقد كانوا راغبين في تقديم الملجأ للحاكم الذي كان سبب سقوطه المباشر حبّه لبــني‬
‫عامر وتفويض أمر ملكه لهم‪ .‬ويتفق جميع المؤرّخين الذين تم ّكنّا من مراجعة أعمالهم‪ ،‬على نقل روايات تقــول إنــه كــان مختبئـا ً‬
‫‪.‬في قلعة رباح‬
‫أن هشاما ً عاش منذ صغره في عزلة‬ ‫وتبدو قصّة صانع ال ُحصر في الظّاهر غير قابلة للتّصديق‪ .‬ويجدر بنا أن نتذكرـ ّ‬
‫تامة‪ ،‬فلم يظهر في العلن إال نادراً‪ ،‬وأن السّواد األعظم من سكان قُرطُبة أنفسهم ما كانوا يعرفون هيئته أوســماته‪ .389‬فكيــف إذن‬
‫يمكن لسكان حضرة قلعة رباح وفالحيها أن يتع ّر فوا على الخليفة الذي لم يروه في حياتهم من قبل‪ ،‬بعد وصوله غير المتوقع إلى‬
‫مدينتهم؟ وال يوجد ما يشير إلى المكان الذي جاء منه صانع ال ُحصر الغريب هذا‪ ،‬أو من كان أول من انتبه إلى ال ّشبه الكبير بينــه‬
‫وبين الخليفة الذي لم تكن قسمات وجهه معروفة خارج قُرطُبة‪ .‬وال يق ّدم دوزي تفسيراً يشرح السّبب الذي جعل مواطنيه في قلعة‬
‫رباح يص ّدقون أنه هشام‪ ،‬فيما عدا أنه لم يكن من سكانها‪ .‬وكيف يمكن لصانع ُحصر متواضع‪ ،‬أن يستميل سكان مدينـةـ بأكملهــا‪،‬‬
‫أن صانع‬ ‫بمج ّرد االعتماد على قوة اإلصرار والتّوكيد‪ ،‬بحيث يثورون على واليهم من أجل نصرته؟ وحده االنطالق من فرضية ّ‬
‫‪.‬ال ُحصر في قلعة رباح كان حقا ً الخليفة المفقود‪ ،‬من شأنه أن يجعل القصّة قابلة للتّصديق في الح ّد األدنى‬
‫ولكن قبل أن نكمل هذه القصة‪ ،‬علينا أن نخوض في تاريخ العائلة الـتي قـ ّدمت لـه الملجـأ بعـد طـرده من قلعـة ربـاح‬
‫‪.‬عندما حاصر الوالي ابن ذي النّون المدينة‪،‬ـ أو عندما اختار ربما‪ ،‬أن يغادر لكي يجنّب أنصاره ويالت حصار نهايته محتومة‬
‫لقد كان لبني َعبّاد صلة وثيقة بالسّنوات األخيرة من حياة هشام الثّاني سيئ الحظ‪ ،‬وقد أصبحوا أســياداً على أكــثر من‬
‫نصف أراضي إسپانيا المسلمة بعد سقوط الخالفة في قُرطُبة‪ ،‬وجعلوا من عاصمتهم إشبيلية مركـزاً حضـاريا ً في القـرن الحـادي‬
‫‪.‬عشر‪ ،‬في مثل عظمة قُرطُبة في القرن العاشر‬
‫إن أول من وصلت إلينا أخباره من تلك العائلة ‪ -‬باستثناء ج ّدهم األكبر عطّاف الذي دخل إلى األنـدلس في سـنة ‪741‬‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬هو قريش‪ 390‬الذي‪ ،‬كما يقول ابن الخطيب‪ ،‬كان قائد الفرقة الوسطى في حرس هشام قبل أن يُ َعيّنــه الخليفــة إمام ـا ً على مســجد‬
‫‪.‬إشبيلية الكبير‪ .‬ثم أصبح ابنه إسماعيل في عهد هشام قاضي إشبيلية وإمامها‪391‬‬
‫كان بنو َعبّاد يفتخرون بانتسابهم إلى ِح ْميَر‪ ،‬مثل باقي أألسر المنتسبة إلى قبيلة لَ ْخم‪ .‬وإلى جانب نَ َسبه العريــق‪ ،‬كــان‬
‫إسماعيل يتمتع بمزايا عديدة رفعت من شأنه ومقامـه مقارنـة مـع أقرانـه‪ .‬فقـد كـان واسـع الثّـراء واسـتطاع الحفـاظ على مكانتـه‬
‫وسلطاته في األندلس قبل وبعد االضطرابات والفتن التي أعقبت خلع هشام عن اإلمامة في سنة ‪ ،1009‬وعاش حياة ترف وأبّهة‬
‫صة في إسپانيا رجل في مثل مكانته هذه‪ .‬كان يملك قطعانا ً كبيرة من الماشـية من كـل نـوع‪،‬‬ ‫شبيهة بحياة الملوك‪ .‬لم يكن بين الخا ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ولديه حاشية كبيرة من الخدم‪ ،‬وكان سمحا واسع البصيرة جوادا‪ .‬كـان منزلـه ملتجـأ للبـارزين من الفرسـان المنفــيين من قرطبـة‬
‫خالل الفتن‪ ،392‬وجعلته صراحته وتسامحه‪ ،‬باإلضافة إلى حكمته ودهائه‪ ،‬وما ظهـر من صـفاء سـريرته‪ ،‬يتملّــك قلـوب الجميــع‬
‫‪.‬م ّما أعانه على تحقيق مطامحه في تقوية منزلته وإعالء مكانته‪393‬‬
‫عندما توفي إسماعيل خلفه ابنــه مح ّمــد (أبــو القاسـم) الــذي سـار على خطى أبيــه فـأبقى منزلــه مفتوحـا ً لمن واجهــوا‬
‫الح َكم أستاذاً لهشام عندما كان صــغيراً‪.‬‬ ‫الزبيدي‪ ،‬الذي عيّنه َ‬ ‫صعوبات في قُرطُبة‪ ،‬ومن بين من وفّر لهم ال ّرعاية اللغوي أبو بكر ُّ‬
‫وعيّن القاسم بن حمود‪ ،‬وهو أخو علي بن حمود الذي قتل سليمان انتقاما ً منه على قتلـه المزعـوم لهشـام‪ ،‬مح ّمـد بن َعبّـاد قاضـيا ً‬
‫على إشبيلية‪ ،‬وعُرفانا ً له على صنيعه هذا‪ ،‬استقبل مح ّمد بن َعبّــاد القاســم في قصــره عنــدما اضــطر للهــرب من قُرطُبــة‪ .‬وخالل‬
‫حكم يحيى بن علي بن ح ّمود‪ ،‬ابن أخي القاسم في قُرطُبة‪ ،‬بقي القاسم في إشبيلية إلى حيث لحق به عبيده السّود‪ ،‬وكذلك كل القادة‬
‫البربر واألندلسيين المعارضين البن أخيه‪ .‬كان ذلك في سـنة ‪ ،1019‬وبقي القاسـم في إشــبيلية حـتى سـنة ‪ 1023‬عنـدما اضــط ّر‬
‫‪.‬يحيى إلى مغادرة قُرطُبة‪ ،‬فعاد إليها ع ّمه‪394‬‬
‫استم ّر القتال بين القاسم وابن أخيه بعد ذلك للظّفــر بقُرطُبــة‪ ،‬ثم ظهــر طــامح آخــر في إعــادة الخالفــة لألمــويين‪ .‬لكن‬
‫ي من أفــراد ســاللة بــني أُميّــة الــذين اضــطرّوا‬‫مساعيه لم تنجح وأمر القاسم بإجراء بحث دقيق في كل األنحاء التي يملكها عن أ ّ‬
‫‪.‬خوفا ً من بطشه إلى الهروب إلى الرّيف واالحتماء في مزراع وبيوت ريفيّة وتخفوا تحت أسماء مستعارة‪395‬‬
‫ّ‬
‫‪.‬بوسعنا اآلن أن نعود الستكمال قصّة هشام الثّاني كما رواها ابن حيّان‬
‫من أكثر القصص شيوعا ً عن أبي القاسم (مح ّمد بن َعبّاد) أنه التفت إلى أتباع بني مروان م ّمن بقوا على قيد الحياة‪«،‬‬
‫ثم بلغته رسالة عن ذاك الرّجل الذي يُقال إنه يشبه هشام بن ال َح َكم في هيئته‪ ،‬والذي لم يعد يخفي قصة هربه وإفالتــه من ســليمان‬
‫الذي طغا عليه‪ ،‬واختبائه سنينا ً طويلة في ال ّشرق‪ ،‬وإنه قد عاد اآلن إلى إسپانيا‪ .‬ووجدت هـذه القصــة طريقهـا إلى قلـوب النّـاس‪،‬‬
‫ألن قاتله سليمان لم يُخرج جثمانــه على النّــاس‪ ،‬كمــا‬ ‫فقد جرى الحديث عن هذا ال ّرجل (هشام) من قبل وأحاطت بوفاته ال ّشكوك‪ّ ،‬‬
‫أن سليمان كان ينظر بازدراء إلى أولئك الــذين كــان‬ ‫جرت العادة بين أتباع الملوك‪ ،‬عندما يخلعونهم عن العرش‪ .‬وتفسير هذا إ ّما ّ‬
‫ي أن شخصـاً آخـر قُتــل بــدالً من هشـام‪ ،‬وأنــه هــرب‪ ،‬كمــا كتب‬ ‫أن خطأ ً حصــل بمشــيئة هللا (أ ّ‬
‫قد سيطر على أشرافهم بالقوة‪ ،‬أو ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫دوزي في مالحظته)‪ ..‬أعلن بعض من أتباعه أن هشاما قد مات‪ ،‬ولكن سرت في الوقت نفسه أقاويل عن هذه الواقعــة بعيــدةـ كــل‬
‫البعد عن الحقيقة‪ ،‬تداولتها النّساء والخصيان في قصر قُرطُبــة‪ .‬لقـد أقنعت هــذه (الحكايــات) بعض كبـار الوصـفاء القـائمين على‬
‫‪....‬خدمة المروانيين والذين أ ّكدوا أنه هرب سالما ً وق ّرروا أنه ال يزال حيّا ً‬
‫وواصلت قصة شبيه هشام انتشارها في قلوب النّاس كما تنتشر النّار في الهشيم؛ تف ّكر ابن َعبّاد في هذه األمور الــتي‬
‫قيلت عن هذا ال ّرجل‪ ،‬وبناء عليه دبّر خطّة‪ :‬فأق ّل مــا يمكن أن يحصــل لــه أنــه ســيتم ّكن من التّخلّص من حُكم ابن حمــود البغيض‬
‫أن هشاما ً جاءه؛ وجمع كل النّساء الباقيــات في إشــبيلية م ّمن كن في القصـر‬ ‫وحضّ ال ّرجال على إعالن الثّورة عليه‪ .‬وهكذا أعلن ّ‬
‫أو ضمن الحريم‪ ،‬واللواتي تعرّفن على ذاك ال ّرجل وشهدن بأنه كان هشاما ً ذاته؛ فقد ألمح ابن َعبّاد لمن هن مح ـ ّل ثقــة عنــده بمــا‬
‫كن راغبــات في إرضــائه‪.‬‬ ‫ينبغي عليهن قوله عنه (هشام)؛ وهكذا تم األمر‪ ،‬ولم تكن بهن رغبــة لمعارضــته‪ ،‬ال بــل على العكس ّ‬
‫وهكذا أوجد ابن َعبّاد سببا ً للحرب التي كان يسعى إلى تأجيجهــا على ابن حمــود‪ .‬وأخفى هشــاما ً ذاك عن أعين النّــاس لكنــه بعث‬
‫ويحضـهم على بــذل كــل غــا ٍل ونفيس من أجــل الخليفــة المختفي عن‬ ‫ّ‬ ‫خطابــات إلى األشــراف وكبــار األمــراء يخــبرهم بوجــوده‬
‫ّ‬
‫األنظار‪ ،‬من خالل تحرير العبيدـ وإطعام اليتامى واالعداد في السّر لخوض الحرب باسمه‪ .‬هبّ كثيرون في إسپانيا بال تــردد من‬
‫أجل تحقيق هذه الغاية‪ :‬لقد رغب أهل قُرطُبة في تعيينـهـ إمامـا ً على كـل أهـالي (إسـپانيا) وأرسـلوا رسـالً للتّأكـد مـا إذا كـان ذاك‬
‫الرّجل حقا ً هشام؛ ثم أصدرت شهادات ثقة بشأنه‪ ،‬فنشر ابن ِج ْهـ َور وآخــرون شـهادات في هــذه المســألة مــع أنهم كــانوا يعرفــون‬
‫الحقيقة حق معرفة‪ ...‬ولكن ابن جهور سرعان ما تراجع واعترف بأنه أدلى بشهادة زور‪ ،‬وهو ما ظ ّل عليه لما تبقّى من عمره»‬
‫‪396.‬‬
‫إن ابن حيّان والمؤرّخ ابن َحــ زم‪،‬‬ ‫يقول دوزي الذي ينقل هذه القصة عن ابن حيّان وابن بسّام وابن األثير والنّويري‪ّ ،‬‬
‫لطالما عارضا هذه ال ّرواية بوصفها خدعة باطلة شكالً ومضموناً‪« ،‬مع أنه كان سيكون من مصلحتهم االعــتراف بــذاك المسـ ّمى‬
‫ـل عليــه الخدعــة‬ ‫بأن أبا ال َحزم ابن جهور (والد الكاتب) الذي كان حينها «رئيس جمهورية قُرطُبة»‪ 397‬لم تنطـ ِ‬ ‫هشاماً»‪ .‬ويضيف ّ‬
‫والصـقالبة تحت رايــة حــاكم واحــد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لكنه «رأى استحالة معارضة رغبة األهالي؛ فقد كان مدركا ً ألهمية توحيد صــفوف العــرب‬
‫ّ‬
‫وخشي دخول البربر إلى قُرطُبة‪ ،‬فلم يعارض رغبة أهل مدينتهـ ووافق على إسباغ مظاهر الخالفة على هشام الثــاني من جديــد»‬
‫‪398.‬‬
‫‪:‬أ ّما رواية المقّري فجاءت على ال ّشكل التّالي‬
‫عندما لم يعد هناك [في سنة ‪ ]1031‬أحد من بني أُميّة يصلح ألن يتولّى ال ُملك‪ ،‬اجتمع العلماء وعلية القوم من أهــل«‬
‫الحزم جهور بن مح ّمد الذي اشتُهر بالحنكة ورجاحة العقل‪ ،‬وكان قد تــولّى الــوزارة في‬ ‫قُرطُبة واتفقوا على أن يولّوا األمر ألبي َ‬
‫عهد بني أُميّة في عهد بني عامر [المنصور وابنه]‪ .‬لم يتخذ ابن جهور في البداية لقبا ً آخر غير لقب وزيــر بــني أميّــة‪ .‬ال بــل إنــه‬
‫ُ‬
‫أن هشاما ً المؤيَّد باهلل كان ال يزال حياً‪ ،‬وذلك على ما يبدو من أجل كسب طاعة ملوك الطّوائف في األنــدلس؛‬ ‫ذهب إلى أن يزعم ّ‬
‫صالة باسمه على جميع منابر المساجد‪ ،‬وكتب إلى القاضي ابن َعبّاد ملك إشـبيلية‪ ،‬وإلى المنــذر ملــك َس َرقُسـطة‪،‬‬ ‫وأمر بأن تقام ال ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وابن ذي النّون ملك طليطلة‪ ،‬يــدعوهم إلى مبايعــة هشــام‪ ،‬واالعــتراف بقرطبــة عاصــمة لألنــدلس؛ فلم يســتجب لطلبــه أيٌّ منهم‪،‬‬
‫أن هشاما ً مات‪ ،‬واستولى على سلطان ال ُملك»‪399‬‬ ‫أن خطته لم تسفر عن النّتيجة المرجوّة‪ ،‬أعلن ّ‬ ‫‪.‬وعليه‪ ،‬ول ّما أدرك ّ‬
‫وعن مزايا الحكم في عهد ابن جهور‪ ،‬يقول الحميدي‪ 400‬الــذي كتب في حــوالي ســنة ‪ ،1068‬إن مــا يجــدر ذكــره ّ‬
‫أن‬
‫السـلطان‬ ‫والسـتر على العاصــمة [قُرطُبــة]‪ ،‬ومــع أنــه كــان يــدير الحكم بتــدبير ّ‬
‫ّ‬ ‫«ابن جهور‪ ،‬وإن تولّى أمر الحكم وأسدل األمان‬
‫الحاكم بأمره‪ ،‬فلم ينتقل إلى رتبة اإلمارة ظاهراً‪ ،‬ولم يسبغ على نفسه مظاهر الخالفــة‪ ،‬بــل دبّرهــا تــدبيراً لم يُسـبَق إليــه‪ ،‬وجعــل‬
‫ق يُتفق عليه فيسلّم إليه كل أمور الحكم والسّلطة‪ .‬وهكذا أمر بأن تبقى قصور بني أُميّــة‬ ‫نفسه ممسكا ً للموضع إلى أن يجىء مستح ّ‬
‫على حالها كما كانت في عهد ح ّكامها السّابقين‪ ،‬ورتّب الب ّوابين والحشم على أبواب تلك القصور على ما كانت عليه أيـام ال ّدولــة‪،‬‬
‫‪».‬ولم يتحوّل من داره إليها‬
‫‪:‬وبعد الحديث عن ِحكمة ابن جهور وبراعته في إدارة شؤون الحكم‪ ،‬يضيف الحميدي هذه الفقرة‪ ،‬التي تقول‬
‫في هذه األثناء‪ ،‬تم ّكن هشام المعت ّد باهلل [يُس ّمى كذلك هشام الثّالث] الذي كـان معتقالً‪ ،‬من الهــرب ولحــق بـابن هــود«‬
‫الردة‪ ،‬فأقام هنالك إلى أن مات سنة سبع وعشرين وأربعمئة (‪ 1035‬م)‪ ،‬وال عقب له‪ ،‬وانقطعت دولة بني مروان جملــة‪ ،‬إال‬ ‫في ِ‬
‫أن أهل إشبيلية ومن كان على رأيهم من أهل تلك البالد‪ ،‬لما ضيّق عليهم يحيى بن علي الحسني الحصار‪ ،‬وخافوا أمره‪ ،‬أظهروا‬ ‫ّ‬
‫أن هشاما ً ابن ال َح َكم المؤيّد ح ّي‪ ،‬وأنهم ظفروا به فبايعوه‪ ،‬وأظهروا دعوته‪ ،‬وتبعهم أكثر أهـل األنـدلس‪ .‬ولكن ذلـك كلـه كــان من‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫تدبير ابن َعبّاد ملك إشبيلية‪ ،‬كما بيّنا في موضع آخر‪ .‬وبقي األمر كــذلك إلى حــدود الخمســين وأربــع مئــة (‪ 1058‬م)‪ ،‬فــإن أهــل‬
‫[إشبيلية] أنفسهم الذين بايعوا هشام‪ ،‬أظهروا موت المؤيّد الذي ذكروا أنه وصل إليهم‪ ،‬وحصــل عنــدهم‪ ،‬وانقطعت ال ُخطبــة لبــني‬
‫أُميّة على منابر المساجد من جميع أقطار األندلس من حينئذ وإلى اآلن»‪401.‬‬
‫لقد نقلنا ال ّروايات المختلفة التي تتح ّدث عن ظهور هشام بعد اختفائه‪ ،‬وربما بالتّفصــيل الممـلّ‪ ،‬ألننــا أردنــا أن نضــع‬
‫‪.‬أمام القارىء كل المواد التي يمكن باالستناد إليها تكوين رأي‬
‫أن ابن َعبّاد الذي أظهر هشاما ً للنّاس‪ ،‬كان يمنياً‪ ،‬وأن ابن جهور‪ ،‬الذي كان ‪ -‬كمــا‬ ‫النقطة األولى الجديرة بالمالحظة ّ‬
‫أن كــل المــؤرّخين‬ ‫يقول ابن حيّان ‪ -‬أول من اعترف به ثم سحب اعترافــه‪ ،‬كــان وزيــراً في خدمــة الحـاجب المنصــور؛ في حين ّ‬
‫ضريين أو ال ُّسنّة‪ .‬كان هشام بالكاد يع ّد أمويا ً في نظــرهم‪ ،‬فقــد كــان حضــور حاجبــه العظيم‬ ‫الذين تم االستناد إليهم ينتمون إلى ال ُم َ‬
‫طاغيا ً عليه‪ ،‬وكان ارتباطه بساللة حاجبه ارتباطا ً وثيقا ً إلى درجة أن سقوط دولة بني عامر كان من نتيجته أن ُخلع عن الخالفــة‬
‫‪.‬بال انتظار‬
‫أن ابن حيّان والمؤرّخ ابن َحزم رفضا االعتراف بهشام المزعوم‪ ،‬مــع أنهمــا كانــا معنــيينـ أن‬ ‫يش ّدد دوزي على واقع ّ‬
‫يفعال‪ .‬ونحن ال نرى كيف يمكن لذلك أن يكون من مصلحتهما‪ ،‬كما أنه بالتّأكيــد ســيكون مخالفـا ً لمبادئهمــا أن يقـرّا بإمامــة رجــل‬
‫وهو‪ ،‬وإن كان من العائلة الحاكمة‪ ،‬كان على ارتباط وثيق باليمنيين خالل فترة حكمه‪ ،‬كما يعــود الفضــل في ظهــوره مجـ ّدداً إلى‬
‫ضـريين تع ّمــدوا إغـراق البالد في الفوضـى بســبب بُغضـهم لحُكم اليمنــيين الــذين بلغت‬ ‫تلك السّاللة الممقوتة‪ .‬عندما نتذ ّكر ّ‬
‫أن ال ُم َ‬
‫إسپانيا المسلمة في عهدهم أعلى مراتب المجد‪ ،‬سندرك كم كان ال ّشعور بالوحدة ضعيفاً‪ ،‬وكم كانت الغيرة الوطنية ضئيلة مقارنة‬
‫مع العصبيّة القبلية‪ ،‬وبالتّالي كم كان يستحيل على الكتّاب ال ُّسنّة مثل ابن حيّان والحميدي والمقّري أن يوردوا روايـات خاليــة من‬
‫ث عاصروها‬ ‫‪.‬التّحيّز وخصوصا ً ألحدا ٍ‬
‫يُعتبَر ابن حيّان الذي عاصر كل الفتن واالضطرابات في القرن الحادي عشــر ( ُولــد في عــام ‪ 987‬أو ‪ ،988‬وتــوفي‬
‫في عام ‪ ،)1076‬مرجعا ً موثوقا ً وصاحب الكلمة األخيرة بالنّسبة ألحداث عصره؛ ولكن فيما يتعلّق بمضمون مــا كتبــه‪ ،‬فال شــك‬
‫أنه اعتمد على معلومات حصل عليها بطريقة غير مباشرة من مصادر أخرى بالنّســبة لكــل مــا كتبــه عن بــني َعبّــاد وهشــام بعــد‬
‫اختفاء األخير في سنة ‪ ،1013‬وهناك بعض ال ّشك في أنه لم يكن شديد ال ّدقة في التّحقّــق من صــحة التّقــارير الــتي كــانت تصــله‪،‬‬
‫نظراً ألنها تتض ّمن تشويها ً لصورة ال ّرجال واألسر التي كان يشعر بكراهية تجاههــا‪ .‬أ ّمــا بالنّســبة للحميــدي‪ ،‬فـ ّ‬
‫ـإن مــا نقلــه بشــأن‬
‫إعالن ابن جهور عن وفاة هشام بعد أن إعلن مبايعته له إثر رفض باقي ملوك الطّوائف مجاراته في ال ّدعوة له‪ ،‬يتناقض ليس مع‬
‫أن ّ‬
‫الصـالة‬ ‫الوقائع فحسب (ألننا وكما سنرى‪ ،‬فقد لقيت دعوته لمبايعة هشام قبوالً واسعاً) ولكن مــع مــا نقلــه الحميــدي نفســه من ّ‬
‫ّ‬
‫ظلت تقام باسم هشام في المساجد حتى سنة ‪ .1058‬وقد توفّي ابن جهور نفسه في سنة ‪ ،1043‬وخلفه ابنــه ابــو الوليــد‪« ،‬وتــولى‬
‫‪.‬األمر بعده على هذا التّدبير في شؤون الحكم‪ ،‬إلى إن مات»‪402‬‬
‫أ ّما المؤ ّرخ اآلخر الذي يعتبر دوزي رفضه لالعتراف بهشام نهائيا ً فهو ابن َحزم‪ .‬ويقول عنه ّ‬
‫الس ـنيور پــونس‪« :‬لــو‬
‫أن رجالً في مثل وقار ابن َحزم اعترف بالم ّدعي‪ ،‬لكن حذا حذوه العديد من مؤيّدي الخلفاء ال ّشرعيين‪ ،‬وكان يمكن لــذلك الفريــق‬
‫أن يع ّزز قوته من خالل التّحالـف مع ابن َعبّاد؛ ولكن ابن َحزم كان على قدر كبير من النّزاهة لكي يربـط اسمـه بتلــك الخديعـــة‪،‬ـ‬
‫‪».‬حتـى وإن كانـت ستعـود عليه وعلى قومه بالفائدة‬
‫ولكن بني َحزم‪ ،‬وكما يقول الكاتب نفسه‪ ،‬كانوا من ع ّمال بــني أُميّــة‪ ،‬وهــذا الرّجــل نفســه كــان وزيــراً في عهــد عبــد‬
‫ال ّرحمن الخامس‪ ،‬سادس المطالبين بعرش قُرطُبة والذي ظهر بين سنتي ‪ 1009‬و‪ .1024‬لقد كانت عائلة بــني َحـ زم تلــك قُوطيّــة‬
‫النّسب وكان ج ّد المؤ ّرخ أول من اعتنق اإلسالم فيهم‪ .‬كان والده أبو ال َحزم بن جهور كما ذكرنا سابقا ً وزيراً للمنصور وابنه عبد‬
‫الملك المظفّر‪ ،‬وبالتّالي كانت مصلحته‪ ،‬إن لم يكن نسبه‪ ،‬تفترض به أن يكون حليفـا ً لليمنــيين‪ .‬ولكن ابن َحـ زم نفســه لم يكن يقبــل‬
‫مثل هذا االنتماء‪ ،‬بعد أن تبرّأ من عائلته‪ ،‬وبوصفه عامالً لدى بني أُميّة ووزيراً لدى أحــد الطّــامحين إلى الخالفــة‪ ،‬فمن ّ‬
‫الص ـعب‬
‫أن يكون لديه استعدا ٌـد لالعتراف بالخليفة الذي كان ظهوره سيخدم إلى ح ّد كبير وير ّجح كفة ملك إشبيلية اليمني‪ .‬أ ّما بشأن مكانته‬
‫إن أهل قُرطُبة خلعوا ســيده عبــد الـرّحمن الخــامس (المســتظهر باهلل)‬ ‫وتبجيله الذي يعوّل عليه السّنيور پونس‪ ،‬فربما يكفي القول ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ألنه «أنشغل عن أمور الحكم وكان يقضي وقته مع العلماء والشعراء‪ ،‬مندفعا وراء أهوائه الوضيعة»‪ .‬وأبو مح ّمد ابن َحزم م ّمن‬
‫بالذكر من بين هؤالء ال ّشعراء واألدباء‪ ،‬و«لقد اشتُهر بالرّد على العلماء» من مختلــف المــذاهب ال ّدينيــة بطريقــة ســاخرة‬ ‫ُخصّوا ّ‬
‫مثيرة للجدل دون أن يتر ّد د في تسفيه آرائهم‪ .‬ولقد أكسبته آراؤه الجدلية في نهاية األمر عداوة الفقهاء المتز ّمتين مــا اضــطرّه إلى‬
‫‪.‬الهرب للنّجاة بحياته‪403‬‬
‫أن شهادات ابن حيّان وابن َحزم‪ ،‬ال ّرجلين الوحيدين اللذان ذكر اسماهما بوصفهما اعترضا على اعتبــار‬ ‫وهكذا نرى ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ال ّر جل الذي احتمى بقلعة رباح هو هشام المفقود‪ ،‬ليست جديرة بالثقة في قضية تتعلق بحسن نيّة أعدائهما‪ ،‬أي اليمنيين‪.‬ـ من جهــة‬
‫ثانية‪ ،‬لدينا «الشهادة الثّابتة» لرُسل قُرطُبة التي نقلها ابن حيّان‪ ،‬ونساء حريمه اللواتي تعرّفن عليه‪ ،‬واعتراف ح ّكــام كافــة الـ ّدول‬
‫‪.‬اليمنية في إسپانيا به إماما ً عليهم‬
‫لهن قوله‪ ،‬ولكن كيف يمكن تفســير‬ ‫أن ابن َعبّاد أخبرهن بما ينبغي ّ‬ ‫ويُضعف ابن حيّان شهادة النّساء من خالل تأكيده ّ‬
‫وجــود هــؤالء النّســاء في إشــبيلية بعــد عشــرين عام ـا ً من اختفــاء الهشــام من قُرطُبــة؟ وال يشــير ابن حيّــان إلى أنهن د ّجــاالت‪،‬‬
‫أحضرهن ابن َعبّاد لتأدية دور مح ّدد‪ :‬ال بل على العكس فهو يقول إن ابن َعبّاد «جمــع كــل النّســاء الباقيــات في إشــبيلية ممن كن‬
‫في القصر أو ضمن الحريم»‪ .‬التّفسير الوحيد لذلك أن هـؤالء النّسـاء‪ ،‬عنـدما فـ ّر هشـام من قُرطُبــة‪ ،‬هـربن كـذلك ‪ -‬بال شــك في‬
‫‪.‬حماية بعض من الموالين لبني عامر ‪ -‬ولجأن إلى المدينة في كنف ال ّرجل المعروف بوالئه لمسعى الخليفة‬
‫وقد تكون هناك عالقة أخرى أوثق صلة بين بني َعبّاد أصحاب إشبيلية وحفيــد الخليفــة عبــد الـرّحمن الثّـالث المولّــد‪.‬‬
‫أن جـدهم األول كـان بدرجــة أو بــأخرى على صـلة قرابـة‬ ‫الصـفحة ‪ 158‬طبعــة األصـل) ّ‬ ‫فبنو َعبّاد من قبيلة لَ ْخم‪ ،‬ويبدو (راجع ّ‬
‫باليمني ال ّزوج الثّاني لألميرة سارة‪ .‬لقد كان عبد الرّحمن الثالث‪ ،‬كما نعـرف‪ ،‬على صـلة قرابـة ببـني إسـحاق الـذين كـان أبـوهم‬
‫ّ‬
‫النّصراني سليل إسحاق ابن سارة‪ ،‬وبالتّالي قد تكون هناك صالت قربى ونسب حقيقيــة بين هشــام من خالل أ ّم جدتــه النّصــرانية‬
‫السـابق‪ ،‬ذا قيمـة كبـيرة‪ ،‬سـواء من زوجهـا المسـلم األول أو‬ ‫ومح ّمد بن َعبّاد‪ .404‬وكان االنتساب لألميرة سارة‪ ،‬وكما أشـرنا في ّ‬
‫أن ابن القُوطيّة حمل االسم مثل وسام شرف خالل القرن الذي سبق القرن الذي نكتب عنه‬ ‫‪.‬الثّاني‪ ،‬بحيث ّ‬
‫ـإن ذلــك سيشـ ّكل ســببا ً قويـا ً لحمايتــه إن‬
‫فإن كانت هناك صلة قرابة فعليّة‪ ،‬مهما كانت بعيدة‪،‬ـ بين هشام وبني َعبّاد‪ ،‬فـ ّ‬
‫كان حقاً ال ّرجل المقصود‪ ،‬في حين يضعف ذلك احتمال أن يهينوا عائلتهم واليمنيينـ بصورة عامة بأن يطلبوا منهم تأييد د ّجــال لم‬
‫‪.‬يكن حتى شريف النّسب‬
‫واصل بنو َعبّاد حماية هشام المسكين المغلوب على أمره بعد تق ّدمه في السّن ولسنوات عديدة‪ ،‬وواصــلوا االعــتراف‬
‫‪.‬به خليفة لهم وإمامهم‪ ،‬وظلّوا يخطبون باسمه من على منابر المساجد‪ .‬ولم يكونوا وحدهم من أخلص له‬
‫يقول ابن حيّان إنه «ومع انه كان محتجبا ً في الظّل عن أعين الجميع ولم يكن يظهر ال على الحاشية وال على النّاس‪،‬‬
‫‪.‬فقد كان أمراء شرق إسپانيا يعترفون بسلطانه» (كانت كل المناطق الغربية الجنوبية تحت حكم بني َعبّاد)‬
‫لو كان ذلــك الرّجـل هشـاما ً الحقيقي‪ ،‬فليس مســتغربا ً أن يخشـى ضـوء النّهــار وأال يــرغب غـير أن يعيش في عزلـة‬
‫هادئة‪ ،‬بعد أن اعتاد منذ طفولته على حياة العزلة التّا ّمة‪ ،‬وصدمته ور ّوعته األحداث التي سبقت هروبه من قُرطُبة‪ .‬ولكنه لو كان‬
‫دجّاالً أظهره بنو َعبّاد لغاية في نفسهم‪ ،‬كما يقول ابن حيّان‪ ،‬فلماذا سيتخذ هو أو هم نمط حياة مثيراً لل ّشكوك بكــل تأكيــد؟ فلم يكن‬
‫لديهم دافع لحجب رجل شديد ال ّشبه بهشام قبله النّاس بوصفه هشاماً‪ ،‬وليس نساء قصــره فحســب وإنمــا الرّســل الــذين جــاؤوا من‬
‫ألن ذلــك ســيخدم خططهم‪،‬‬ ‫قُرطُبة‪ .‬ال بل على العكس من ذلك‪ ،‬فكلّما ظهر ال ّدجّال أكثر على النّاس‪ ،‬كلما كان ذلك سيبدو أفضل‪ّ ،‬‬
‫وإن كاان ذلك لمجرّد جعل النّاس يعتـادون على فكـرة وجـوده بينهم ليس إال‪ .‬لقـد كـان قلّـة في قُرطُبـة معتـادين في األصـل على‬
‫‪.‬ظهوره‪ .405‬أ ّما في إشبيلية‪ ،‬فلم يشاهده أحد على وجه التّأكيد في تلك المدينة إلى حين هروبه من قلعة رباح خوفا ً على حياته‬
‫إن ما نُقل عن نمط الحياة التي اتبعها هشام‪ ،‬حتى في قمة مجده كخليفة على بالد عرفت كل أسباب العظمــة في عهــد‬ ‫ّ‬
‫المنصور‪ ،‬يفترض أنه كان يعاني من مرض عصبي مزمن كان يدفعه إلى أن ينأى بنفسه عن عيون النّاس‪ .‬وربمــا حصــلت أول‬
‫إن محاوالت التّخلّص منه كــثرت لــدى وفــاة أبيــه‬ ‫محاولة (غير مس ّجلة) الغتياله عندما كان ال يزال طفالً صغيراً‪ .‬ويقول دوزي ّ‬
‫ّ‬
‫أن رئيسهم وأولهم كان ع ّمه الذي كـان من الطـبيعي أن يكـون لديـه إذن بــدخول‬ ‫أن المتآمرين عليه ‪ -‬وعلينا أن نتذ ّكر ّ‬ ‫الح َكم‪ .‬فلو ّ‬
‫َ‬
‫ي شكل من أشكال العنف الجسدي‪ ،‬فمن المحتمل أن يكون ذلك قد س ـبّب لــه أذى‬ ‫القصر ‪ -‬ذهبوا إلى ح ّد ترويع األمير الصّغير بأ ّ‬
‫الصـفحة ‪187‬‬ ‫إن واضحا ً كان عليه أن يخرجه من عزلته في إحدى المناسبات ويجلسه على عرشــه (راجــع ّ‬ ‫مستديماً‪ .‬لقد قيل لنا ّ‬
‫ي رجل طبيعي كان سيشق طريقه خارجا ً في اللحظة التي ترفع فيه القيود المفروضة على تحرّكاته‪.‬‬ ‫طبعة األصل) في حين أن أ ّ‬
‫قيل لنا إنه كان مبتعداًـ عن أعين النّاس في حياة والده‪ .‬ويعود تاريخ عزلة األمير ‪ -‬الخليفة الصّارمة داخـل جــدران قصـره‪ ،‬حيث‬
‫لم يكن أحد يدخل عليه ليراه إال بنا ًء على إذن خاص من أ ّمه أو حاجبه‪ ،‬إلى المؤامرة المخيفــة الــتي كلّفت كبــير المتــآمرين عليــه‬
‫‪.‬ع ّمه ال ُمغيرة حياته‬
‫أن هشام الطّفل تعرّض للتّخويف إلى درجة إصابته بحالة من الحياء العصبي المزمن‪ ،‬والــتي كــان من‬ ‫ولو افترضنا ّ‬
‫السـنوات‬ ‫شأن العزلة التي عاش فيها أن تفاقمها بدالً من أن تخفّفهــا‪ ،‬فسيســهل أن نتخيّــل الحالــة الــتي انتهى إليهــا بســبب أحــداث ّ‬
‫والسـلب‪ ،‬والــتي ال شـك أنــه‬ ‫ّ‬ ‫إن األهوال النّاجمة عن تعرّض قُرطُبـة بصــورة متالحقـة للنّهب‬ ‫العشرين التي أعقبت قتل شنجول‪ّ .‬‬
‫عايشها‪ ،‬والتّهديدات التي تلقّاها من س ّجانيه المتعاقبين‪ ،‬واحتجازه المتك ّرر‪ ،‬وهروبه إلى قلعــة ربــاح واختبائــه فيهــا مـدة طويلــة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وأخيراً قيام ملك طُليطلة بمهاجمة مخبئه‪ ،‬كانت كافية لتسحق آخر ما تبقى من جرأة كان يمكن أن يملكها‪ ،‬واألرجح أنــه مــا كــان‬
‫‪.‬يمكن لبني َعبّاد مهما بذلوا وحاولوا أن يجعلوه يخرج من عزلته داخل القصر‪ ،‬ما إن وجد نفسه داخل أسواره الواقية‬
‫السـابقة‪ .‬ولكن ال يوجـد مـا هـو أقـل‬ ‫مثل هذا التّصرّف‪ ،‬لو كان الرّجل هشاماً‪ ،‬يتفق تمامـا ً مــع مـا نعرفــه عن حياتـه ّ‬
‫احتماالً من أن يرفض دجّال ا ّدعى أنه الخليفة بدافع من الغرور والمطمح وعن طيب خاطر كل أسباب األبّهة والمظــاهر البرّاقــة‬
‫التي كان يمكنه أن يستحوذ عليها وينعم بها ما إن تنطلي حيلته على النّاس‪ ،‬من أجل أن ينعزل في قصر بني َعبّاد وبالتّــالي يزيــد‬
‫‪.‬من صعوبة اقناع المتش ّككين بأنه حقا ً هشام‬
‫لقد بقي «الدجال» كما يس ّميه ابن حيّان ودوزي‪ ،‬في إشبيلية حتى ســنة ‪ ،1059‬عنــدما‪ ،‬وطبقـا ً لمــا يقولــه ابن حيّـان‪،‬‬
‫الح َكم في‬‫الصـالة باسـم اإلمــام هشـام بن َ‬ ‫«جاءنا ال ّرسل عدة مرات‪ ،‬نحن أهل قُرطُبـة‪ ،‬يبلغوننـا أنـه ال ينبغي بعـد اليـوم أن تتلى ّ‬
‫ّ‬
‫ي من ممتلكاته‪ ،‬فقد توفي من كان اسمه يذكر على ال ّدوام في الخطبة منذ أن تــولى مح ّمــد بن َعبّــاد شــؤون المملكــة‬ ‫المساجد في أ ّ‬
‫أن هشاما ً‬ ‫أن المعتضد (ابن وخليفة مح ّمد بن َعبّاد) جمع شيوخ إشبيلية وأشرافها وأعلن عليهم ّ‬ ‫وحتى نهاية هذه السّنة»‪ .‬ويضيف ّ‬
‫توفي قبل وقت نتيجة شلل أصابه‪ ،‬ولكن‪ ،‬وبما أنه كان حينها في إحدى غزواته‪ ،‬فقد أشار عليه «أمراء إسپانيا» (أي أولئك الذين‬
‫السـالم‪ ،‬فقـد اقتضـى األمـر إعالن الحقيقـة على‬ ‫اعترفوا بهشام خليفة) أال يعلن موته وأال يقيم مراسم دفن عامة‪ .‬واآلن‪ ،‬وقد ح ّل ّ‬
‫‪.‬النّاس‪406‬‬
‫صالة كانت تتلى باسم هشام في المساجد «منذ أن تولّى مح ّمــد بن َعبّــاد المملكــة»‪ .‬وإن كــان‬ ‫يقول ابن حيّان هنا ّ‬
‫إن ال ّ‬
‫ّ‬
‫يمكن االعتماد على ابن حيّان في سرد هذه الواقعة‪ ،‬وإن كان يعني بتوليه المملكة عندما خلف مح ّمد أباه إسماعيل‪ ،‬فإن ذكر اســم‬
‫ألن مح ّمداً خلف أباه في ســنة ‪ .1023‬ومن شــأن هــذا أن يقـوّي نظريتنــا‬ ‫هشام في الخطبة سابق لظهوره بنحو اثنتي عشرة سنة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫بأن بني َعبّاد لم يغفلوا أبدا عنه وإنما انتظروا الوقت المناسب إلعالن وجوده على الناس‬ ‫‪.‬القائلة ّ‬
‫أن الصّالة ظلّت تتلى باســم هشــام حــتى ســنة ‪ 1058‬أو ‪.1059‬‬ ‫أيّا ً كان األمر‪ ،‬فنحن نعرف من ابن حيّان والحميدي ّ‬
‫لقد خلف المعتضد أباه مح ّمد بن َعبّاد في سنة ‪ ،1042‬والمؤكد أنه عندما اعتلى العرش‪ ،‬إن لم يكن قبــل ذلــك‪ ،‬كــانت سـلطة بــني‬
‫َعبّاد شديدة ال ّرسوخ والقوة ومـا كـانوا بحاجـة إلى هيبـة أو دعم يمكن أن يحصـلوا عليـه من أن يصـبحوا وزراء لـدى خليفــة في‬
‫الخاصـة خليفـةً‬‫ّ‬ ‫الظّل‪ ،‬محتجب عن العيون داخل جدران قصرهم‪ .‬وحتى وإن كان مح ّمد قد أظهر على النّــاس خدمـةً ألغراضــه‬
‫مزيفاً‪ ،‬ولم يف ّكر فيما بعدـ أنه من المناسب التّملّص منه‪ ،‬فلم يكن هناك من سبب حتى وا ٍه يجعــل المعتضــد يواصــل تلــك الخديعــة‪.‬‬
‫كان يمكنه وبكل سهولة تدبير قتل ال ّرجل أو حجزه وإعالن موته‪ .‬فلماذا تح ّمل مشقة االحتفــاظ بصــانع الحُصــر هــذا المتنكــر في‬
‫هيئة ملك في أحضان عائلته عندما لم يعد ينفعه؟ وبعيداً عن انكــار الـ ّدجال المزعــوم أو التّخلّص منــه‪ ،‬خلــف المعتضــد أبــاه بعــد‬
‫وفاته واتّخذ لنفسه «لقب حاجب» أو رئيس وزراء هشام‪ ،407‬وعندما نعى وفاته إلى أشراف إشبيلية‪« ،‬قيل إنه خطب في الــوقت‬
‫نفسه إلى أمراء إسپانيا الذين بايعوا هشاما ً هذا الذي كان محتجزاً مثــل رهينــة‪ ،‬ليعلن لهم وفاتــه ويــدعوهم إلى اختيــار إمــام آخــر‬
‫‪.‬مكانه»‪408‬‬
‫المسن المسكين الضّعيف الذي اعترف بإمامته عليه‪ .‬ودفن‬ ‫ّ‬ ‫لقد تعامل المعتضد إلى النّهاية باحترام وتقدير مع الرّجل‬
‫ســيراً« ‪ tailesan‬هشاما ً في مراسم تليق بملك‪ ،‬وتبع بنفسه موكب الجنازة سائراً على قدميه خلف النّعش وقد خلع طيلسـانه‪409‬‬
‫‪.‬عل عادة حجّاب الخلفاء»‪410‬‬
‫ينبغي أن تحسم مسألة ما إذا كان «صانع الحُصر من قلعة ربـاح» الخليفــة المفقـود أم د ّجــاالً ســوقياً‪ ،‬إن كـان الحســم‬
‫‪.‬ممكناً‪ ،‬على أساس الموازنة بين االحتماالت‪ .‬ويمكننا أن نل ّخص القضية باختصار لمصلحته‬
‫أن أهل قُرطُبة لم يعرفوا ما ح ّل به‪ ،‬فقد قيل هناك إنه قتل وبعث مراراً ‪ .411‬السّؤال هو في معرفة إن كان‬ ‫من المؤ ّكد ّ‬
‫السـابق لـدى‬ ‫اليمنيون أصدقاء بني عامر عرفـوا أم لم يعرفـوا منـذ البدايـة أنـه كـان ال يـزال حيّـاً‪ .‬لقـد أعلن ابن جهـور‪ ،‬العامـل ّ‬
‫المنصور‪ ،‬منذ توليه الحكم في قُرطُبة أنه يحكم بوصفه نائبا ً لحاكم أعلى مرتبة منه‪ ،‬وهو ما فعله ابنـه من بعـده وهـو الـذي أعلن‬
‫بنفسه مبايعة هشام‪ ،‬كما يقول المقّري‪ .‬وعندما أخرج ابن َعبّاد هشاما ً المزعوم على النّاس‪ ،‬تعرّف عليه رُسل جـاؤوا من قُرطُبـة‬
‫لهذا الغرض‪ ،‬والنّساء اللواتي بقين من حريمه‪ ،‬في حين استم ّر بنو َعبّاد‪ ،‬األب ومن بعده ابنه‪ ،‬يحكمون باسمه إلى مماتــه‪ ،‬حــتى‬
‫عندما لم تكن مكانتهم ستتعزز عندما يحكمون أو يزعمون أنهم يحكمون باسمه‪ .‬وليس لدينا ما يعــارض هــذا ســوى تأكيــدات ابن‬
‫حيّان وغيره من الكتّاب ال ُّسنّة الذين قادهم تحيّزهم العصبي بصورة دائمة إلى تشويه صورة اليمنيين بكل وسيلة ممكنة‪ .‬فلو كــان‬
‫الرّجل دجّاالً الستعصى فهم سلوك ابن َعبّاد وابن جهور وغيرهم من األمراء الذين اعترفوا به خليفة لهم‪ .‬أ ّما إذا كــان من ناحيــة‬
‫فإن اعترافهم به واحترامهم له حـتى يـوم وفاتــه‪ ،‬كــان طبيعيـا ً تمامـاً‪ ،‬بــالنّظر إلى إخالص اليمنــيين وحبّهم‬ ‫ثانية ال ّرجل الحقيقي‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪.‬لساللته منذ أن اعتلى ج ّده عبد الرّحمن الثالث المولد عرش قرطبة‪412‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الموحدين في قصر إشبيلية وقد ُر ّكبت فوقه وبطريقة مختلفةـ وأقل اتقانا ً وابداعا ً شارتا‬
‫ّ‬ ‫تفاصيل سقف من عهد‬
‫قشتالة وليون اللتان كان يحملهما فرناندو الثّالث في عام ‪ ،1248‬وبينهما الدّرع الذي منحه إلى‬
‫صديقه وحليفه األحمر ملك غرناطة (الصفحة ‪ 346‬طبعة األصل) على شكل شريط يخرج من‬
‫‪.‬أفواه التّنانينـ والثّعابين‪ ،‬وقد أصبح فيماـ بعد شعار رتبة فرسان ال باندا (الفرقة)‬
‫الفصل الثّاني عشر‬
‫بنو َعبّاد في مملكتهم‬
‫إن الفكرة ال ّشائعة عن ابن َعبّاد الملقب بالمعتضد باهلل‪ ،‬الثّاني في ساللة بــني َعبّــاد ح ّكــام إشــبيلية‪ ،‬في العــالم هي أنــه‬ ‫ّ‬
‫ويتلذذ بتزيين حديقـة قصـره بجمـاجم أعدائـه الـتي كـان يعلّقهـا على أعـواد على شـكل‬ ‫ّ‬ ‫همجي متوحش كان يحتفظ برؤوس قتاله‬
‫ي من روايــاتهم مـع‬ ‫القصـة الــتي يرويهــا كـل مــؤرّخ ُسـنّي‪ ،‬وإن لم تتّفـق أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫نباتات أو أزهار‪ .‬ولم نتم ّكنـ من معرفــة مصـدر هــذه‬
‫إن الجماجم ُحوّلت إلى أُصص جميلة موشاة بالذهب ومرصّعة باليـاقوت والز ُمـ رّد والعقيــق‪ .‬ويقـول آخـر‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األخرى‪ .‬فيقول أحدهم ّ‬
‫إنها كانت تمأل حديقة أو خزانة واسعة مسيّجة كبيرة أمـام بوابـات القصر‪ .413‬ويقـول ثـالث إنهـا كـانت محفوظـة في خـزائن في‬
‫جـرار محكمـة اإلغالق‪ .‬وهنـاك من ينسـب هـذه الهوايـة الفريـدة في إقامـة حديقـة مملـوءة بالجمـاجم المرفوعـة على أعـواد إلى‬
‫‪.‬مغتصب عرش قُرطُبة مح ّمد المهدي الذي توفي في سنة ‪ 1010‬قبل أن يولد حاكم إشبيلية المعتضد‬
‫أن بني َعبّاد‪ ،‬مثلهم مثـل كـل أسـالفهم ومعاصـريهم و َمن خلفـوهم‪ ،‬تلقـوا أحيانـا ً رؤوس أعـدائهم بعـد‬ ‫ما من شك في ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تحنيطها بالكافور على شكل تذكارات للنصر‪ .‬كانت هذه الهدايا تقدم باســتمرار إلى األمــراء الظــافرين‪ .‬وهكــذا أهــدي رأس عبــد‬
‫العزيز المحنّط بالكافور في حضور أبيه موسى إلى الخليفة سليمان في بداية القرن الثّامن‪ ،‬وأهدى پِدرو ملك قشتالة صديقه ملــك‬
‫غرناطة ال ّشرعي رأس مغتصب العرش المعروف باسم الملك األحمر محنّطا ً في الكــافور في النّصــف الثّــاني من القــرن الرّابــع‬
‫عشر‪ ،‬وبين هاتين الهديتينـ كثير غيرهما خالل الفترة الفاصلة بينهما والممتـ ّدة على ‪ 650‬عامــا‪ .‬وهكــذا فلــو قبــل المعتضــد ملــك‬
‫إشــبيلية الــذي حكم من ســنة ‪ 1042‬إلى ‪ 1069‬رؤوس ـا ً محنطــة من أصــدقائه‪ ،‬فال ينبغي وصــفه بــالمتوحّش الهمجي ألنــه كــان‬
‫‪.‬يتص ّرف بما تمليه عادات عصره‬
‫أن أيّا ً من أشراف بني َعبّاد‪ ،‬سواء من الــوالة أو الح ّجــاب أو‬ ‫ي شىء يد ّل على ّ‬ ‫وعدا عن هذه ا لقصة‪ ،‬لم نعثر على أ ّ‬
‫ّ‬
‫الملوك الذين حكموا إشبيلية لحوالي ثالثة أربــاع القـرن‪ ،‬كـانوا يتصـرّفون بطريقـة مختلفـة عن أبنـاء ملتهم ودينهم في معــاملتهم‬
‫‪.‬اإلنسانية والطّيبة لمن خضعوا لسلطانهم‬
‫لقد أشرنا فيما سبق إلى النّهج أو الوصايا التي كانت تش ّكل أساسا ً لشخصية وسلوك ال ّشيعة (راجع الصّفحة ‪ 75‬طبعة‬
‫األصل)؛ وبيّنا الخصال التي اشتُهر بها مؤسّس ساللة بني َعبّاد‪ ،‬وكيف حافظ ابنه وحفيده مح ّمد ال ُمعت ِمدـ و َعبّــاد المعتضــد اللــذان‬
‫ضيافة واإلخالص في معاملتهما لهشام الثّاني عندما التجأ إليهم واحتمى‬ ‫خلفاه في الحكم بانتظام على التّقاليد العائلية والقبلية في ال ّ‬
‫‪.‬بهم‬
‫لم يُكتب سوى القليل عن الحياة الخاصّة للمعتضد‪ .‬فالكتّاب ال ُّسنّة يؤ ّكدون أنه كان متوحّشا ً متعطّش ـا ً لل ـ ّدماء‪ ،‬لكنهم لم‬
‫ي دليل على ذلك‪ ،‬فيما عدا قصّة ال ّرؤوس‪ .‬لقد علمنا أنه كان شديد التّعلّق بعائلته‪ ،‬وكان مولعا ً بقراءة الطّــالع‪ .‬كمــا يقــول‬ ‫يق ّدموا أ ّ‬
‫ّ‬
‫لنا ابن حيّان إنه كانت لديه حتى في حياة أبيه سبعون جارية في حريمه‪ ،‬وأن عــددهن ازداد إلى ثمانمئــة بمــوت أبيــه مح ّمــد‪ .‬لقــد‬
‫اعتبر الكاتب ذلك دليالً على شهوانية مبالغ بها‪ ،‬لكن امتالك سبعين جارية كان امراً شائعا ً في ذلك العصر حتى لدى رجــال أق ـ ّل‬
‫مكانة من المعتضد‪ .‬أ ّما زيادة العدد إلى ثمانمئة عند توليه الملك فهو على األرجح من صــنع خيـال ابن حيّـان الــذي لم تطـأ قدمــه‬
‫الشـائعات الــتي كــان يروّجهــا‬ ‫يوما ً قصر بني َعبّاد‪ ،‬هذا لو أنه زار إشبيلية أصالً‪ ،‬وهو إنمــا لم يفعــل على األرجح ســوى ترديــد ّ‬
‫أصدقاؤه في قُرطُبة والذين كانوا يعملون على تشويه كل أفعال أمراء إشبيلية بهدف اإلســاءة إلى ســمعتهم‪ .‬وأيّـا كــان عــددـ نســاء‬
‫ً‬
‫‪.‬قصر إشبيلية خالل حكم المعتضد‪ ،‬فيمكننا أن نحذف منه عدداً كبيراً من نساء الخليفة هشام الذي عاش فيه وكأنه في قصره‬
‫وعلى ال ّرغم من تصوير حريمه بهذه الضّخامة‪ ،‬فقد ُوصف المعتضد بأنه كان متعلقا ً بشــغف بزوجتــه األمــيرة دانيــة‬
‫أن الكتّاب ال ُّسنّة قالوا إنه تزوّجها فقط ألسباب سياسية‪ ،‬فإنه لم يتخـذ غيرهـا زوجـة لهـا‪ .‬وعنـدما ُولـد‬ ‫ابنة مجاهد العامري‪ ،‬ومع ّ‬
‫ابنه ال ُمعت ِمد‪ ،‬جعل أبوه مح ّمد المنجمين يقرأون طالعه‪ ،‬فأنبأوه أنه سيعيش في عظمة ورخاء ولكن نهايتــه ســتكون بائســة ‪ -‬وهي‬
‫‪.‬نبوءة قلّما غابت عن ذهنه عندما صار رجالً‪414‬‬
‫اشتُهر المعتضد بسعة علمه‪ ،‬مثل أبناء ساللته‪ ،‬ونظمه لل ّشعر وإن كان ابنه قد تفوّق عليه في ذلــك‪ .‬ويصــف المقّــري‬
‫والشـعراء وحبّهم وشــغفهم‬ ‫ّ‬ ‫األبّهة والعظمة التي أحاط بها ملوك إشــبيلية هــؤالء بالطهم وســخاءهم الالمحــدود في إكــرام األدبــاء‬
‫‪.‬بالعلم‪415‬‬
‫أن ما ع ّجل بموته وأدنى أجله‪ ،‬كما يقول كون ِده‪ ،‬حزنه على موت إحدى بناته‬ ‫‪.‬وكان من عظم حبّ المعتضد ألوالده ّ‬
‫أن ابنة لملك إشبيلية‪ ،416‬وكانت فائقة الحســن والجمــال‪ ،‬أصــابتها ح ّمى فمــاتت في ريعــان«‬ ‫حدث [في سنة ‪ّ ]1068‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صباها بين ذراعي والدها الذي كان مولعا بها‪ ،‬وكانت أثيرة لديه‪ .‬لقد بلغ األلم والحزن من المعتضــد مبلغـا حــتى أصــابته الح ّمى‬
‫منشـطة فبــدا عليــه التّحســن‪ .‬لكنــه رغب في مشــاهدة مراســم‬ ‫وأعيته‪ ،‬وأصابه خمول فخشي أطباؤه على حياته‪ ،‬وأعطوه عقاقير ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ال ّدفن المهيبة التي أع ّدت البنته الصّغيرة‪ :‬لقد حمــل كبــار وزراء القصــر النعش وأمــر المعتضــد بــأن تــدفن األمــيرة عنــد مــدخل‬
‫القصر‪ .‬كان الوقت نهاية شهر مارس وعلى الرّغم من تحـذير األطبـاء‪ ،‬جلس المعتضــد بـالقرب من نافـذة ليتـابع الـ ّدفن‪ ،‬فـازداد‬
‫اعتالالً‪ .‬وسرعان ما تدهورت حالته‪ ،‬حتى لم يعد من أمل في شفائه‪ ،‬وبعد أسبوع من وفاة ابنته‪ ،‬قضــى هللا بتخليصــه من آالمــه‪،‬‬
‫فاشت ّدت الح ّمى عليه وفقد قدرته على النُّطق‪ ،‬وانتقل الى رحمته تعالى في منتصف الليل‪ .‬في تلك السّاعة عال النّواح من قصــره‪،‬‬
‫‪».‬وتر ّدد صدى نحيب عبيده وأهله في أرجاء المدينة‬
‫بويع ابنه ال ُمعت ِمد في اليوم التّالي‪ ،‬وأُعلن ملكا ً وطاف على ظهر حصانه عبر شــوارع المدينــة يرافقــه كبــار وزرائــه‬
‫وقادة جيشه الذين أسبغوا عليه ألقابا ً تب ّشر بحسن الطّالع‪ .‬ثم أمــر بــأن يُــدفن أبــوه في احتفــال مهيب إلى جــانب أختــه‪ ،‬عنــد بوابــة‬
‫ر حموا على المعتضد طالبين من هللا أن يغفر له هللا ذنوبه وخطاياه»‪417‬‬ ‫‪.‬القصر‪« ،‬في مساء ذلك اليوم بعدـ أن ت ّ‬
‫قصـة الجمــاجم والـرّؤوس‪ ،‬فقــد ُعـ ّدت دليالً‬ ‫صة المعتضد وسفكه لدماء أمراء رُندة البربر‪ ،418‬ومثل ّ‬ ‫يروي دوزي ق ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬قاطعا على وحشيته المطلقة‪ .‬وهي كالتالي‬ ‫ً‬
‫كــان بربــر الجنــوب في ســنة ‪ 1052‬في حالــة صــلح مــع المعتضــد وقــد اعــترفوا بســلطانه على تلــك النّــواحي‪« ،‬أو‬
‫باألحرى إمامة ذاك المس ّمى هشام الثّاني»‪ .‬ق ّرر المعتضد أن يـزورهم بشــكل مفـاجىء وفي نيّتـه أن يخلعهم كلهم ويسـتولي على‬
‫دويالتهم‪ .‬وهكذا‪ ،‬ذهب برفقـة اثـنين فقـط من عامليـه‪ ،‬لزيـارة أبي نـور ابن أبي قـرة‪ ،‬صـاحب رُنـدة‪ ،‬ومح ّمـد بن نـوح صـاحب‬
‫مورور‪ ،‬دون أن يلمح إلى ما يضمره لهما‪ .‬ويعلّق دوزي على التّصرّف المته ّور للمعتضد «الذي كان يعرف مــدى كــره الــبربر‬
‫ي كان‪ ،‬فإنه من جانبه كان يثق في استقامة اآلخــرين‪ .‬وإن صــح هــذا‬ ‫له»‪ ،‬ويشرح ذلك بقوله إنه على الرّغم من عدم إخالصه أل ّ‬
‫التفسير‪ ،‬فإن ُج ّل ما يسعنا قوله إنها الم ّرة األولى التي نسمع فيها عن رجل شيمته الغدر يأتمن اآلخرين إلى هذا الح ّد‪ .‬لقــد أحســن‬
‫أن السّكان العرب توّاقون للثّورة على ح ّكامهم البربر‪ ،‬ونجح‪ ،‬كما يقول دوزي‪ ،‬في تــأليب‬ ‫األميران استقباله‪ ،‬ووجد في المدينتينـ ّ‬
‫‪.‬العديدـ من قادة العسكر البرابرة من دون أن يثير شكوك أسيادهم‬
‫أقام حاكم ُرندة ابن أبي قرة وليمة على شرف المعتضد الذي أبدى بعد تنـاول الطّعـام رغبـة في أن يسـتريح‪ .‬فأخـذوه‬
‫إلى أريكة في غرفة الطّعام على ما يبدو‪ ،‬وأثناء نومه (كما ُخيِّل لهم) راح مضيفوه يتشاورون في أمر قتله‪ .‬فقال بعضهم إنهم لــو‬
‫َب األندلس كله ما كانوا سينجحون في إحضاره إلى معقلهم رغما ً عن إرادته‪ ،‬واآلن وقــد جــاء إلى هنــا من تلقــاء نفســه‪،‬‬ ‫بذلوا َذه َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فاألجدى التخلص منه واالنتهــاء من أمــره‪ .‬وقــالوا «عنــدما يمــوت هــذا الشـيطان‪ ،‬لن يكــون هنــاك من ينازعنــا ال ُملــك على هــذه‬
‫‪».‬البالد‬
‫لكن صوتا ً واحداً تح ّدث في صالح المعتضد‪ .‬كان ذلك ُمعاذ بن أبي قرة‪ ،‬وهو شاب من أقرباء صاحب رُندة‪ ،‬ذ ّكــرهم‬
‫وأن العار سيلحق بهم إلى أبد اآلبدين بين القبائل إن هم قتلوا ضيفا ً نزل بهم مستأمناً‪ ،‬ووثــق بشــرفهم‪.‬‬ ‫بأن واجبهم إكرام ضيفهم‪ّ ،‬‬
‫فاقتنعوا بكالمه‪ ،‬وغادر المعتضد في اليوم التّالي دون أن يعرفوا باكتشــافه ألمــر المكيــدة الــتي كــانوا يــدبّرونها‪ ،‬أو شــعوره بأنــه‬
‫‪َ .‬مدين لل ّشاب ُمعاذ‬
‫ولكنه انتقم منهم بعد ستة أشهر‪ .‬ويروي دوزي أنه دعا حاكمي مورور ورُندة لزيارتــه في إشــبيلية لــير ّد لهمــا حســن‬
‫ضيافتهما‪ ،‬ودعا كذلك عبدون بن خزرون البربري صــاحب حصــني أركش وشــريش‪ .‬لبّى الثّالثــة الـ ّدعوة ولــدى وصــولهم مــع‬
‫حاشيتهم‪ ،‬عرض عليهم المعتضد دخول الح ّمام‪ .‬دخل ستّون منهم بمن فيهم أمراؤهم الح ّمام‪ ،‬فما أن أصبحوا كلهم في داخلــه وقــد‬
‫اطمأنوا إليه‪ ،‬أمر المعتضــد بإيصـاد األبــواب وإغالق ممـرّات التّهوئــة‪ ،‬وتشــغيل البخــار‪ .‬ولم ين ُج منهم سـوى ُمعــاذ الــذي منعــه‬
‫المعتضد من دخول الح ّمام مع الباقين‪ .‬وأخبره الملك بما حدث في رُندة وعن امتنانه لمــا فعلــه‪ .‬وكافــأ المعتضــد ُمعــاذ بــأن وهبــه‬
‫قصراً في إشبيلية والعديد من الهدايا الثّمينة‪،‬ـ وعيّنه قائداً في عسكره وجعل له أجراً معتبراً‪ ،‬وكان يُجلسه في مجلس ال ّشرف كلما‬
‫‪.‬اجتمع بوزرائه لمناقشة شؤون ال ّدولة‬
‫يتح ّدث القرطبي عن «قائد عسكري ُمحنّك اسمه ُمعاذ بن أبي قُرّة» تولّى قيادة القوات التي أرسلها ابن َعبّاد لمساعدة‬
‫أن هــذه الحملــة تعــود كمــا أرّخهــا كونـ ِده إلى ســنة ‪ ،1068‬وإن كــان هــذا التّــاريخ‬ ‫ابن هود في إحدى حروبه مع آراغون‪ .‬ويبدو ّ‬
‫أن الحملــة‬ ‫صحيحاً‪ ،‬فقد يكون ُمعاذ هذا هو ال ّرجل الذي ذكره دوزي في قصّته‪ :‬من جهة ثانية‪ ،‬تُلمح روايـة القرطــبي ضـمنا إلى ّ‬
‫ً‬
‫‪.‬جرت بُعيد سنة ‪1033‬‬
‫لقد نقل دوزي القصّة (على ما يبدو) عن ابن بسّام والنّويري‪ ،‬ولم يُشر إليها ال المقّــري وال كونـ ِده‪ ،‬وطريقــة ســردها‬
‫ّ‬
‫‪.‬تطرح بعض التساؤالت‬
‫فالبربر‪ ،‬وإن تكلّموا العربية أصالً‪ ،‬فقد كــانوا يتحـ ّدثون بهــا بوصــفها لغــة مكتســبة‪ .‬ولم يكن العــرب يفهمــون لغتهم‪،‬‬
‫ولذلك فإنّه من غير المرجح أن يكون المعتضد‪ ،‬سليل النّسب العربي األصيل‪ ،‬قد كلّف نفسه عناء تعلّم لغة كان العــرب ينظــرون‬
‫بـأن الـبربر تحـ ّدثوا بلغـة أجنبيـة‬ ‫إليها بوصفها لغة همجية غير جديرة بأن يأخذ بها رجل متعلّم‪ .‬ومن غير المطـروح االفـتراض ّ‬
‫وهم يدبّرون مكيدة فيما بينهم للغدر بالمعتضد‪ .‬فكيف كان يمكن إذن للمعتصد أن يعلم بما كانوا يــدبّرون؟ وإذا تركنــا هــذا جانبـاً‪،‬‬
‫أن عربيا ً يمنيـا ً أغفـل تمامـاً‪ ،‬كمــا قيــل ّ‬
‫إن المعتضــد فعــل‪ ،‬كــل تقاليــده القبليّــة المتعلقــة بقداســة إكـرام‬ ‫فإنه من المستحيل تصديق ّ‬
‫الضّيف‪ ،‬وقبل بأن تلحقه مع ّرة الغدر بضيوفه‪ ،‬وهو أم ٌر أحجم حتى البربر عن تحمل ِوزره‪ .‬صحيح أنه عندما قتلهم‪ ،‬كمــا تقــول‬
‫القصة‪ ،‬ما كانوا قد تناولوا خبزاً على مائدته بعد‪ ،‬ولكن حتى في هذه الحال‪ ،‬فإننا نتر ّدد منطقيا ً في تصديق تلك القصة‪ ،‬في غياب‬
‫‪.‬دليل أفضل م ّما تق ّدم‬
‫يورد دوزي وصفا ً ملفتا ً للح ّمام في دار المعتضد‪ ،‬ألنه يطابق بصورة مدهشة مــا هــو معــروف في أيامنــا هــذه باســم‬
‫في قصر إشبيلية‪ .‬أ ّما التّفاصيل التي تختلف بينه وبين ح ّمــام المعتضــد فتعــود إلى القــرن »‪« Maria Padilla‬ح ّمام ماريّا پاديّا‬
‫السّادس عشر عندما‪ ،‬وكما يخبرنا رودريڠو كارو‪ ،‬أُدخلت عدة تغييرات جذريــة إلى الحديقــة في جـانبي المبــنى‪ ،‬بسـقفها المقبّب‬
‫السـقف‪ ،‬وأزيــل بســتان البرتقــال الــذي كــان إلى ذلــك الحين تحت‬ ‫وال َمناور‪ ،‬بحيث ت ّم إعالء مستوى األرضية إلى مستوى أعلى ّ‬
‫وأن األرضــية االصــطناعية‬ ‫مستوى األرض تقريبا ً خارج مبنى الح ّمام‪ .‬ولكن حــتى اآلن‪ ،‬ورغم ّ‬
‫أن خــزان المــاء الكبــير فــارغ‪ّ ،‬‬
‫المضافة فوقه تخفي المسكن التّاريخي‪ ،‬يمكن للنّاظر الفضولي أن يرى خلف سياج الحناء األضواء أو فتحات التهوئة على طول‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ال َعقد‪ ،‬وفي حال تفحّص المم ّرات التي تبدأ من هناك وتم ّر تحت القصر على ضــوء مصــباح‪ ،‬ســيجد بقايــا مواســير التّدفئــة الــتي‬
‫‪.‬استُخدمت‪ ،‬كما قال دوزي‪ ،‬لخنق ستين من البربر قبل ثمانمئة وخمسين سنة خلت‬
‫وعلى ال ّرغم من سفك دماء أمراء وقادة البربر‪ ،‬كان على المعتضد أن يخوض معارك شرســة قبــل أن يســتولي على‬
‫رُندة‪ .‬ولكنه أصبح في النّهاية سيد تلك النّاحية وبنى لنفسه فيها قصراً بديعا ً أسكن فيه قســما ً من عائلتــه لكي يكــون جــاهزاً عنــدما‬
‫يزوره‪ .‬وعنـدما اسـو ّدت األيـام فيمـا بعـد في وجـه سـاللته‪ ،‬دافـع حفيـده الرّاضـي أو الرّاضـي باهلل ببسـالة عن رُنـدة أمـام جيش‬
‫برمح بعد أن استسلم له‪ ،‬مستهينا ً بالعـدل‪ ،‬وناقضـا ً عهـد األمـان ‪ Kasur‬أحد قادة المرابطين‪ ،‬و ‪Kasur419‬‬ ‫ٍ‬ ‫هذا هو الذي طعنه‬
‫‪.‬الذي عقده معه مقابل استسالمه‪420‬‬
‫لم يكن ال ُمعت ِمد‪،‬ـ ابن المعتضد‪ ،‬قد تجاوز التّاسعة والعشرين عنــدما خلــف أبــاه على عــرش إشــبيلية‪ .‬كــان شــجاعا ً في‬
‫غير تهوّر‪ ،‬ومتعقّالً يعيش حياة رائعة في ع ّز ورخاء ولكنه حليم سخي مع القائمين على خدمته المخلصين له‪ ،‬وهكذا أسر قلوب‬
‫الجميع‪ ،‬وكان سلوكه واحداً معتدالً ومنضبطا ً في الع ّز وفي ساعات النّصر‪ .‬لم يكن شديد التّديّن‪ ،‬وكــان يشــرب الخمــر وال سـيّما‬
‫لدى خروجه للغزو‪ ،‬ويسمح ألتباعه أن يفعلوا ال ّشىء عينه أثناء القتــال‪ .‬كــان شــاعراً ُمجيــداً مبــدعاً‪ ،‬وبـ ّز في ذلــك صــديقه ُمعـ ّز‬
‫إن خصاله كانت من الكمال بحيث أنه لم يبق أح ٌد إال مدح أوصــافه‪ ،‬وذلــك مــع‬ ‫ال ّدولة‪ ،‬ملك ال َمريّة‪ .421‬يقول عنه عبد الجبّار‪ّ 422‬‬
‫ق إنصافه‪423‬‬ ‫‪.‬كثرته ال يفي بح ّ‬
‫قصـة رومانسـيّة‪ .‬فقـد كـان سـائراً ذات مسـاء على ضـفّة نهـر الـوادي الكبـير‬ ‫تـزوّج ال ُمعت ِمـ دـ في المـرة األولى بعـد ّ‬
‫ّ‬
‫مع جمع من أهل المدينةـ والجميع مستمتع بالنسائم العليلة‪ ،‬وبرفقته ابن ع ّمار‪ 424‬أقرب أصدقائه‪ ،‬وهــو شــاعر ‪Guadalquivir‬‬
‫مثله‪ ،‬وراح كالهما يرتجل أبياتـا ً عن ميـاه النّهـر المتموّجـة‪ ،‬وفجـأة قـالت جاريـة مـارّة بالمكـان بيتـا ً مقفّى ين ّم عن شـ ّدة ذكائهـا‪،‬‬
‫فأثارت دهشة األمير وإعجابه‪ .‬وإلى ذلك كانت الفتاة بارعة الجمال‪ ،‬وعندما سأل ال ُمعت ِمد عنها (كما يقول ابن الخطيب) وعــرف‬
‫شبيه به‪425‬‬ ‫ق من اسمه‪ ،‬وال ّ‬ ‫‪.‬أنها جارية‪ ،‬اشتراها من سيدها وأعتقها وتز ّوجها وجعل اسمها اعتماد‪ ،‬المشت ّ‬
‫كانت اعتماد تُعرف باسم الرُّ ميكية نسبة إلى رُميك بن ح ّجاج اإلشبيلي الذي باعهـا لل ُمعت ِمـد‪.‬ـ يقــول دوزي إنهــا كـانت‬
‫أن ال ُمعت ِمــد تزوّجهــا بـدالً من أن يتخـذها‬
‫ّ‬ ‫جارية تعمل في سوق الحمير‪ ،‬ولكن ال المقّري وال كونـ ِده ألمحـا إلى ذلـك‪ ،‬وبنـاء على ّ‬
‫محظية‪ ،‬نتوقع أنها كانت من أقربائه ولم تكن جارية لـدى ابن حجّـاج الـذي يظهــر من اسـمه أنــه كـان مولّــدا شـريف النّسب ‪.426‬‬
‫فأفراد عائلة بني ح ّجاج الذين اشتهروا في القرن التّاسع كانوا ال يزالون يعيشون في إشبيلية‪ .‬ويذكر دوزي رجالً من بني حجّــاج‬
‫اصطفاه مح ّمد بن َعبّاد من بين آخرين ليكون صاحبه قبل سنة ‪ 1027‬عندما «ف ّوضه أشراف إشــبيلية لتــولي الملــك» ورفض أن‬
‫‪.‬ينفرد به‪427‬‬
‫لبثت اعتماد أثيرة لدى ملك إشبيلية طوال حياته‪ ،‬فكان يعاملها بكل حبّ وشغف‪ ،‬وقد بادلته حبّه ذاك ورافقتــه عنــدما‬
‫ُخلع عن ملكه ونُفي‪ ،‬ودُفنت إلى جواره‪ .‬ومن األخبار المأثورة عن هذا الولــه أنـه زرع لهـا أشـجار اللــوز على جبـل في قُرطُبــة‬
‫ألنها رأت يوما ً عاصفة ثلجية على جبل ال ّشارات (ســييرّا مورينــا) فاســتحوذ على مخيّلتهــا ورغبت أن تكـرّر التّجربــة‪ .‬وبمــا أن‬
‫الشـاعر أن يــزرع لهـا اللــوز حــتى إذا نـوّر بــدت أشـجاره وكأنهــا‬ ‫الثّلج ال يهطل كثيراً في جنوب غرب األندلس‪ ،‬فقد ف ّكر الملك ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬مح ّملة بنُدف الثلج‬
‫ومن أعماله التي تشهد على حرص الملك على إرضاء محبوبته‪ ،‬والذي يبــدو لنــا أقــل رومانســية من صــنع عاصــفة‬
‫أن اعتماد رأت ذات يوم‪ ،‬في مكان غير بعيدـ من قصرها في إشبيلية‪ ،‬فاّل حات يبعن الحليب يمشــين‬ ‫ثلجية من بتالت زهر اللوز‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ي مثل هؤالء النساء‬ ‫‪».‬في الطين حتى كاحلهن‪ .‬فقالت لزوجها لدى عودتها «أشتهي أن أفعل أنا وجوار ّ‬ ‫ّ‬
‫عندها‪ ،‬أمر ال ُمعت ِمدـ أن تغطّى أرضية إحدى غرف القصر بالعنبر والمســك والكــافور ومــاء الــورد‪ُ ،‬‬
‫وصـيّر المــزيج‬
‫طيناً‪ .‬ثم جعل لها ق َربا ً وحباالً من إبريسم‪ ،‬وهو أجود أنواع الحرير‪ ،‬وخرجت اعتمــاد وجواريهــا حــامالت القِــرب على ذراعهن‬
‫‪.‬وخضن جذالت في ذلك الطّين الرّومانسي‬
‫أن الملك والملكة تبادال ذات يوم كالما ً قاسيا ً في ساعة غضب‪ ،‬جرح كبرياء الملكة اعتماد‪ ،‬فقــالت لــه «وهللا‬ ‫ويُروى ّ‬
‫ّ‬
‫ك خيراً»‪ ،‬فقــال لهـا‪« :‬وال يــوم الطين؟»‪ ،‬تــذكيراً لهــا بــذاك اليــوم الــذي «أنفــق فيــه من األمــوال مـا ال يعلمــه إالّ هللا‬
‫ما رأيت من َ‬
‫‪ .‬تعالى»‪ ،‬من أجل إرضاء أبسط أهوائها‪« ،‬فاستحيت وسكتت» اعتماد (التي كانت سليمة الفطرة‪ ،‬بال شك)‪428‬‬
‫شكل التّالي‪429‬‬ ‫‪:‬ويختتم المقّري أخبار ال ُمعت ِمد على ال ّ‬
‫وأخبار األندلس زاخرة بمدح هذا الملك‪ .‬وقـد قـال ابن القطّـاع في حـق ال ُمعت ِمـد‪،‬ـ إنـه أنـدى ملـوك األنـدلس راحـة‪«،‬‬
‫الشـعراء‪ ،‬وقِبلــة اآلمــال‪ ،‬ومـألف‬ ‫وأرحبهم ساحة‪ ،‬وأعظمهم ثماداً‪ ،‬وأرفعهم عماداً‪ ،‬ولذلك كانت حضرته ملقى ال ِّرحال‪ ،‬وموســم ّ‬
‫الشـعراء‪ ،‬وأفاضــل األدبــاء‪ ،‬مــا كــان يجتمــع ببابــه‪ ،‬وتشــتمل عليــه‬ ‫الفضالء‪ ،‬حتى أنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك من أعيــان ّ‬
‫‪.‬حاشيتا جنابه»‪430‬‬
‫لقد كان هو نفسه شاعراً مبدعاً‪ ،‬كما يظهر من األبيات العديدةـ ال ّرائعة التي وردت في مؤلفات الفتح وابن الحجــري«‬
‫وابن سعيد‪ ،‬وخصوصا ً ابن اللّبّانة‪ .‬والكاتب األخير‪ ،‬الذي كان أحد وزراء ال ُمعت ِمد وزار ذاك األمــير في ســجنه [في أفريقيــا بعــد‬
‫‪...‬خلعه سنة ‪ ]1091‬ألّف ديوانا ً جمع فيه كل أبياته وكذلك تلك التي كتبها أبوه وج ّده‬
‫ويقول ابن بسّام‪ ،‬إنه «لم يكن مثله شاعر في رقّة روحه‪ ،‬والمشاعر المتدفقة عــبر أبياتــه‪ :‬لل ُمعت ِمـ دـ شــعر‪ ،‬كمــا انشــق‬
‫الكمام عن ال ّزهر‪ ،‬لو صار مثله م ّمن جعل ال ّشعر صناعة‪ ،‬واتخذه بضــاعة‪ ،‬لكــان رائقـا ً معجبـاً‪ ،‬ونــادراً ُمســتغرباً‪ )...( ،‬وعــزم‬
‫ال ُمعت ِمد على إرسال حظاياه من قُرطُبة إلى إشبيلية‪ ،‬فخرج معهن يشيّعهن فسايرهن من أول الليل إلى الصّبح‪ ،‬فــودعهن ورجــع‪،‬‬
‫‪:‬وهو يرتجل أبياتا ً منها‪431‬‬
‫سايرتهم واللّيل عقد ثوبه‬ ‫حتى تبدّى للنّواظر معلما‬
‫فوقفتُ ثم مودِّعا ً وتسلَّ َمتْ‬ ‫منّي ي ُد اإلصباح تلك األنجما‬
‫وفي في أغمات‪ )..( 432‬نودي في‬ ‫إن من «األمور الغربية النّادرة المرتبطة بال ُمعت ِمد‪،‬ـ أنه عندما تُ َ‬‫ويتابع المقّري قوله ّ‬
‫صالة على الغريب‪ ،‬كما لو أنه كان مجرّد مغامر‪ ،‬دونمــا اعتبــار لعراقــة نســبه‪ ،‬واتّســاع ملكــه‪ ،‬وانتظــام‬ ‫الصّالة على جنازته‪ ،‬ال ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سلكه‪ ،‬وروعة وعظمة بالطه؛ أو حكمه على إشبيلية وأنحائها‪ ،‬وقرطبة وزهرائها‪ ،‬وهكــذا شــأن الـ ّدنيا في تدريســها نحــو نــدبتها‬
‫إن آثار ذاك السّلطان الالمــع‪ ،‬إلى اآلن بــالغرب‬ ‫وإغرائها»‪« .433‬وأخبار ال ُمعت ِمد رحمه هللا تعالى تحتمل مجلدات‪ ..‬ويكفي القول ّ‬
‫زرت أنا قبر ال ُمعت ِمدـ والرّميكية أم أوالده‪ ،‬حين كنت بمـرّاكش‬ ‫ُ‬ ‫وإن قبره في أغمات معروف يقصده المسافرون‪ ..‬وقد‬ ‫مخلّدات‪ّ ،..‬‬
‫ظن معرفته له‪ ،‬حتى هداني إليه شــيخ‬ ‫وسألت عنه من تُ ّ‬
‫ُ‬ ‫المحروسة عام عشرة وألف (‪ 1601‬م)‪ ،‬و َع ِم َي علي أم ُر القبر المذكور‪،‬‬
‫‪.‬طعن في السّن‪ ،‬وقال لي‪ :‬هذا قبر ملك من ملوك األندلس‪ ،‬وقبر حظيّته التي كان قلبه بحبّها خفّاقا ً غير مطمئن»‪434‬‬
‫ومن الغريب القول إن نُصبا ً لتلك التي «كان قلبه بحبّها خفاقاً» ال يزال موجـوداً إلى اليــوم في إشـبيلية‪ ،‬رغم أن حبّ‬
‫ال ُمعت ِمدـ ال ّدافق ونهايته المأسوية ليسا معروفين حتى لدى واحــد من ألــف م ّمن يعيشــون اليــوم في المدينــة الــتي حكمهــا قبــل نحــو‬
‫‪.‬ثمانمئة عام‬
‫وهو من األسماء التي عرفت بهــا( "‪» "Saida Cubra‬كتابة تشير إلى «السّيدة الكبرى )‪ (ii. 169‬ويذكر كون ِده‬
‫على مسجد شيّدته في سنة ‪ .1085‬وظلّت الكتابة إلى ما يقرب من القرن الثّامن عشر على ذاك المسجد الذي صار اليوم )اعتماد‬
‫كنيسة سان خوان دي ال پالمـا‪ ،‬عنـدما نقلت إلى متحـف إشـبيلية بنتيجـة تـرميم جـزء من المبـنى القـديم‪ .‬ومفـاد ذلـك أن «السـيدة‬
‫الكبرى‪ ،‬أم الرّشيد بن ال ُمعت ِمــد‪ ،‬طلبت إضــافة هــذه المئذنــة إلى مســجدها في ســنة ‪ .435»1085‬وغالبـا ً مــا كــان الكتّــاب القــدماء‬
‫أن الملكـة لم‬‫والمعاصرون يشيرون إليها باعتبارها من اآلثار «المغربية األفريقيـة» الباقيـة في إشـبيلية‪ ،‬بغضّ النّظـر عن واقـع ّ‬
‫‪.‬تكن مغربية أفريقية وإنما ملكة عربية‪ ،‬سُلبت عرشها و ُخلعت عنه وأُسرت في سجن مغربي إلى مماتها‬
‫الشـهير‪ ،‬الـذي كـان‬ ‫نُفيت اعتماد مع زوجها‪ ،‬لكنها سرعان ما أُصيبت بالمرض‪ .‬فأسرع الطّبيب ابن ُزهـر اإلشـبيلي ّ‬
‫طبيب قصر إشبيلية‪ ،‬وكانت له أمالك في المغرب‪ ،‬إلى أغمات تلبيةً لطلب ال ُمعت ِمد‪ ،‬لكن طبابته لم تُج ِد نفعـا ً وتــوفيت اعتمــاد في‬
‫لهن وألبيهن‪ .‬ومــع‬ ‫السّجن‪ .‬وكانت بناتها يسرن حافيات القدمين ويؤ ّدين كل األعمال المنزلية‪ ،‬ويغزلن الكتّان لكسب لقمــة العيش ّ‬
‫شاعر ابن اللّبّانة قادراً على أن ينشد عندما زارهم‪436‬‬ ‫‪:‬هذا‪ ،‬كان ال ّ‬
‫انفض يديك من الدّنيا وساكنها‬ ‫فاألرض قد أقفرت والنّاس قد مــاتوا‬
‫ها‬
‫وقل لعالمها األرض ّي قد كتمت‬ ‫ي أغماتُ‬
‫سريرة العالم العلو ّ‬
‫طوت مظلتها ال بل مذلّتها‬ ‫من لم تزل فوقه للع ّز راياتُ‬
‫بنبل لفاجعة ال يســتحقّونها‪ ،‬يشـ ّع من محيّــا األمــراء الــذين كــان لحبّهم‬ ‫فعلى ال ّرغم من فقرهم وبؤسهم‪ ،‬كان احتمالهم ٍ‬
‫‪.‬لبعضهم دو ٌر كبير في حياتهم‬
‫يمض وقت طويل قبل أن يلحق ال ُمعت ِمدـ بزوجته إلى القبر‪ .‬وقد مات أسيراً في عام ‪ ،1095‬بعد أربع ســنوات فقــط‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫‪:‬من مغادرته إشبيلية‪ .‬وقد كتب ابن األبّار عنه بعد نحو مئة وخمسين عاما ً من وفاته يقول‪437‬‬
‫‪.‬ورُزق من النّاس ُحبّا ً ورحمة فهم يبكونه إلى اليوم»‪«438‬‬
‫أن آخر ملوك بني َعبّاد كــان رجالً موصــوفا ً بكرمــه‬ ‫وتدلّل األخبار التي نقلها عنه أعداؤه أو أصدقاؤه على ح ّد سواء ّ‬
‫‪.‬وسم ّو مشاعره‬
‫أن الوزير ابن ع ّمار الذي أُودع السّجن لخيانته ال ُمعت ِمد‪،‬ـ أرسل إلى سيده أبياتا ً يخــاطب فيهــا ع ّزتــه‬ ‫ومن تلك األخبار ّ‬
‫‪:‬ورفعة شأنه وجاللته ويستعطفه أن يصفح عنه‪ ،‬فقال ال ُمعت ِمد في ذلك‬
‫والذكاء«‬ ‫‪».‬أما لئن سلبه هللا المروءة والوفاء‪ ،‬لما أعدمه الفطنة ّ‬
‫وحتى في اللحظة األخيرة‪ ،‬كاد ابن ع ّمار أن ينجح في استعطافه للعفــو عنــه‪ ،‬فال ُمعت ِمــد لم يكن قــادراً على نســيان مــا‬
‫ق ّدمه له من صنائع‪ ،‬وعندما أدخلوه على ال ُمعت ِمد وارتمى ال ّشاعر على رجليه وتعلّق بركبيته‪،‬ـ قال له ال ُمعت ِمد «قوالً تض ّمن العفــو‬
‫أن ال ُمعت ِمدـ عفا عنه‪ .‬تسلّم الرّشيد‬
‫تعريضا ً ال تصريحاً»‪ .‬ومن سوء حظ الخائن‪ ،‬أنه كتب على الفور إلى األمير الرّشيد‪ 439‬يخبره ّ‬
‫الخطاب وفي حضرته رجال كانت بينهم وبين ابن ع ّمار ضغينة قديمة‪،‬ـ وأوصلوا إلى الملك أمر خطابه إلى الرّشيد‪ .‬عندها ســأل‬
‫ال ُمعت ِمد ابن ع ّمار إن كان قد أبلغ أحداً بمــا دار بينهمــا‪ .‬فــأنكر ابن ع ّمــار أن يكــون قــد تحــدث عن األمــر‪ .‬فســأله الملــك «من بين‬
‫‪».‬الورقتين اللتين استدعيتهما‪ ،‬كتبت في إحداهما القصيدة‪ ،‬فما فعلت باألخرى؟‬
‫‪».‬فقال ابن ع ّمار‪« ،‬لقد كتبت عليها مسوّدة القصيدة‬
‫‪».‬فقال له ال ُمعت ِمد‪،‬ـ «أرني إذن تلك المسوّدة‬
‫‪.‬فلم يجد عندها الخائن جواباً‪ ،‬فاستب ّـد الغضب فجأة بال ُمعت ِمد‪ ،‬وأمسك بطبرزين (فأس) وضربه به فقتله‬
‫أن ال ُمعت ِمد ندم عندما عاد إلى رشده وأدرك مــا فعلــه‪ ،‬فــأمر‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬وعلى الرّغم من اقتناعه بخيانة ال ّشاعر‪ ،‬يبدو ّ‬
‫‪.‬بغسله وتكفينه وصلّى عليه ودفنه في القصر المبارك‪ ،‬قصر ال ُمعت ِمد في إشبيلية‪440‬‬
‫صفح عنه إلى أن تملّــك‬ ‫ق عليه أن يرفض ال ّ‬ ‫أن صديقه أراد به شراً‪ ،‬وش ّ‬ ‫ق عليه أن يص ّدق ّ‬ ‫أن رجالً ش ّ‬
‫يمكننا أن نفهم ّ‬
‫‪.‬منه الغضب‪ ،‬تع ّرض للخيانة مرة تلو األخرى من رجال أق ّل مروءة منه؛ وبالفعل لم يكن ابن ع ّمار الحالة الوحيدة‬
‫يقول الم ّراكشي عن أبي القاسم مح ّمد بن َعبّاد ال ُمعت ِمد على هللا‪« :‬وكــان ال ُمعت ِمــد هــذا يشـبّه بهــارون الواثــق باهلل من‬
‫ملوك بني العبّاس ذكاء نفس وغزارة أدب‪ ،‬وكان شعره كأنّه الحلل المنتشرة‪ ،‬واجتمع له من ال ّشعراء وأهــل األدب مــا لم يجتمــع‬
‫لملك قبله من ملوك األندلس‪ ،‬وكان مقتصراً من العلوم على علم األدب وما يتعلّق به وينض ّم إليه‪ ،‬وكان فيه مع هذا من الفضــائل‬
‫الذاتية ما ال يُحصى كال ّشجاعة والسّخاء والحياء والنّزاهة الى ما يناسب هذه األخالق ال ّشريفة‪ ،‬وفي الجملة فال أعلم خصلة تُحمد‬ ‫ّ‬
‫في رجل إال وقد وهبه هللا منها أوفر قسم وضرب له فيها بأوفى سهم‪ ،‬وإذا ُع َّدت حسنات األندلس من لدن فتحهـا إلى هـذا الـوقت‬
‫‪(.‬سنة ‪ 1224‬م) فال ُمعت ِمد أحدها بل أكبرها»‪441‬‬
‫أن حصار المرابطين إلشبيلية بـدأ بمكيــدة دبّرتهـا مجموعـة من المتـألّبين على حكم ال ُمعت ِمـد الـذي ل ّمـا بلغـه مـا‬ ‫يبدو ّ‬
‫يع ّدون له من أفعال وما يبتغونه‪،‬ـ وثبت له ما يضمرونه من ش ّر‪ ،‬أشار عليه البعض بأن «يكشف عورتهم ويسفك دمهم وينال من‬
‫أن نسبه النّبيل‪ ،‬وحكمته وسم ّو خصاله منعته من األخذ بذلك الرّأي‪ ،‬بمثــل مــا منعتــه‬ ‫عرض نسائهم‪ ،‬ويكشف وجوه بناتهم‪ ،‬غير ّ‬
‫ّ‬
‫صدق إيمانه الذي أكرم عليه هللا به»‪ .‬فلم ينتقم منهم وهربــوا من المدينــة‪.‬ـ وبعــد مـدة قصــيرة ثــاروا عليــه «بنصــرة‬ ‫عنه حنكته و ِ‬
‫‪.‬بعض البؤساء م ّمن ضلّوا عن هللا سواء السّبيل»‪442‬‬
‫ترف على جسده وال درقــة‬ ‫ّ‬ ‫يتابع الم ّراكشي ويروي ما فعله ال ُمعت ِمدـ بقوله‪« :‬فبرز هو من قصره وسيفه بيده وغاللته‬
‫السـالح‪ ،‬فرمــاه‬ ‫له وال درع عليه‪ ،‬فلقي على باب من أبواب المدينة يس ّمى باب الفرج فارسا ً من ال ّداخلين مشــهور النّجــدة شــاكي ّ‬
‫الفارس برمح قصير أنابيب القناة‪ ،‬طويل شفرة السّنان فالتوى الرّمح بغاللته وخرج تحت إبطه وعصــمه هللا منــه ودفعــه بفضــله‬
‫ر صريعاً»‪443‬‬ ‫‪.‬عنه‪ ،‬وصبّ هو سيفه على عاتق الفارس فشقّه إلى أضالعه فخ َّ‬
‫‪:‬تلك كانت على ما يبدو بداية الهجوم األخير على إشبيلية‪ ،‬إذ يتابع المرّاكشي سرد الواقعة بقوله‬
‫أن الخناق قد تنفس‪ .‬فل ّما كان عصــر ذلــك«‬ ‫وظن أهل إشبيلية ّ‬‫ّ‬ ‫وانهزمت تلك الجموع ونزل المتسنّمون لألسوار عنها‬
‫اليوم عاودهم القوم فظهر على البلد من واديه ويئس من ســكنى ناديـــه وبلــغ فيـــه األمـــل حاســـده [أي حاســـد ال ُمعت ِمــد]ـ وشــانيه‪،‬‬
‫‪.‬وشبّت النّ ـار فـي شوانيـه فانقطـع عنها األمل والقول وذهبت القوة من أيدي أهلها والحول»‪444‬‬
‫أن الثّورة داخل المدينة جرت باالتفاق مع ال ُمــرابطين‪ ،‬فالمرّاكشــي يــورد اآلن أســماء قـوّاد يوســف بن تاشــفين‬ ‫ال ب ّد ّ‬
‫أن الغمــوض والفوضــى ســادت لبضــعة أيــام‪،‬‬ ‫الذين اقتحموا المدينةـ من الب ّر ومن ناحية النّهر تباعا ً‪ .445‬ومع ذلــك يتــابع شــارحا ً ّ‬
‫فيقــول‪« :‬والتــوت الحـال أيامـا ً يســيرة الى أن ورد األمـير سـير بن أبي بكـر بن تاشـفين وهـو ابن أخي أمــير المسـلمين بعسـاكر‬
‫السـبل ســياحة‬‫متظاهرة وحشود من الرّعية وافرة‪ ،‬والنّاس في خالل هذه األيام قد خامرهم الجزع وخالط قلوبهم الهلــع يقطعــون ّ‬
‫ويعبرون النّهر سباحة ويتولّجون مجاري األقذار ويترامون من شرفات األسوار حرصاً على الحياة‪ ،‬والموفون [لل ُمعت ِمد]ـ بالعهد‬
‫السـنة المـذكورة [‪ 1091‬م]‬ ‫المقيمون على صريح الو ّد ثابتون‪ ،‬إلى أن كان يوم األحد إلحدى وعشـرين ليلـة خلت من رجب من ّ‬
‫وهذا يوم الكائنة العظمى والطّا ّمـة الكـبرى‪ ،‬فيـه ُح َّم األمـر الواقـع واتسـع الخـرق على الرّاقـع‪ ،‬ودُخـل البلـد من واديـه وأصـيب‬
‫حاضرُه وباديه بعدـ أن ج َّد الفريقان في القتال واجتهدت الفئتان في النّزال‪ ،‬وظهر من دفاع ال ُمعت ِمد ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬وبأسه وتراميــه‬
‫على الموت بنفسه ما ال مزيد عليه وال تنا ٍه لخلق إليه‪ ،‬وفي ذلك يقول ال ُمعت ِمد بعدـ ما نزل بالعــدوة أســيراً حســيراً» في ســجنه في‬
‫‪:‬مرّاكش بأفريقيا‬
‫ل ّما تماسكت الدّمو ُع‬ ‫صدي ُع‬
‫القلب ال ّ‬
‫ُ‬ ‫وتنبّه‬
‫قالوا الخضو ُع سياسةٌ‬ ‫فليب ُد من َك لهم خضو ُع‬
‫طعم ُ‬
‫الخضو‬ ‫ُّ‬
‫وألذ من ِ‬ ‫س ُّم النَّقي ُع‬
‫ع على فمي ال ُّ‬
‫ِ‬
‫إنْ تَستلب عنّي الدُّنا‬ ‫ُملكي وتُسلمني الجمو ُع‬
‫ضلوعه‬ ‫فالقلب بين ُ‬
‫ُ‬ ‫الضلو ُع‬
‫القلب ُّ‬
‫َ‬ ‫لم تُسلم‬
‫لم أُستَلَ ْب شرفَ الطّبا‬ ‫أيسلب الشّرفُ ال ّرفي ُع؟‬
‫ُ‬ ‫ع‬
‫ِ‬
‫قد ُرمتُ يوم نِزالِهم‬ ‫أاّل تح ّ‬
‫صنني الدّرو ُع‬
‫وبرزتُ ليس سوى القميـ‬ ‫ص عن الحشا شي ٌء دَفو ُع‬
‫ـ ِ‬
‫وبذلتُ نفسي كي تسيـ‬ ‫ـ َل إذا يسي ُل بها النَّجي ُع‬
‫أجلي ّ‬
‫تأخ َر لم يكنْ‬ ‫َ‬ ‫والخشو ُع‬‫ُ‬ ‫ي ُذلِّي‬
‫بهوا َ‬
‫سرتُ ق ُّ‬
‫ط إلى القتا‬ ‫ما ِ‬ ‫الرجو ُع‬
‫ِل وكان من أملي ُّ‬
‫شي ُم األُلى أنا ِمنهمو‬
‫ِ‬ ‫!واألص ُل تتب ُعه الفُرو ُع‬
‫ويتابع الم ّراكشي في وصف ما ح ّل بأهل إشبيلية قائالً‪« :‬و ُشنّت الغارة في البلد ولم يترك البربر ألحد من أهلها سبداً‬
‫وال لبداً‪ .‬وانتُهبت قصور ال ُمعت ِمدـ نهبا ً قبيحـا ً وأُ ِخـ َذ هــو قبضـا ً باليــد و ُجبِـ َر على مخاطبــة ابنيــه المعتـ ّـد باهلل والرّاضــي باهلل وكانــا‬
‫بمعقلين من معاقل األندلس المشهورة لو شاءا أن يمتنعا بهما لم يصل أحد إليهما‪ ،‬أحد الحصنين يسمى رُندة واآلخر مارتلة فكتب‬
‫ٌ‬
‫مسترهن بثبوتهما‪ ،‬فأنفــا‬ ‫إليهما ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬وكتبت إليهما السّيدة الكبرى أمهما‪ ،‬مستعطفين مسترحمين ُمعلِ َميْن ّ‬
‫أن د َم الك ِّل منهم‬
‫الذ ِّل وأبيا وضع أيديهما في يد أحد من النّاس بعد أبيهما‪ ،‬ثم عطفتهمـا عواطـف الرّحمـة ونظـرا في حقـوق أبويهمـا المقترنـة‬ ‫من ّ‬
‫بحق هللا عز وجل‪ ،‬فتمسّك ك ٌّل منهما بدينه ونبذ دنياه ونزال عن الحصنين بعد عهود مبرمة ومواثيق محكمة‪ .‬فا ّما المعت ّـد باهلل ّ‬
‫فإن‬
‫القائد الواصل إليه قبض عند نزوله على كل ما كان يملكه‪ ،‬وأ ّما ال ّراضي باهلل فعند خروجه من قصره قُتِ َل غيل ـةً وأُخفِ َي جســده»‬
‫‪446.‬‬
‫الشـعراء‬‫لم يتخ َّل ال ُمعت ِمدـ حتى آخر لحظة في حياته عن ع ّزة نفسه وشـيم قومــه‪ ،‬فنظم أبياتـا ً يتحـ ّدث فيهــا عن بعض ّ‬
‫رضوا له متوسّلين الحصول على عطاياه في أغمات‪ ،‬يقول فيها‪447‬‬ ‫‪:‬الذين تع ّ‬
‫شعرا ُء طنجةَ كلّهم والمغر ِ‬
‫ب‬ ‫ب‬‫ب أبع َد مذه ِ‬ ‫ذهبوا من اإلغرا ِ‬
‫سألوا العسي َر من األسي ِر وإنه‬ ‫ب‬
‫فاعجب واعج ِ‬
‫ْ‬ ‫ق‬
‫بسؤالهم ألح ُّ‬
‫لوال الحيا ُء و ِع ّزةٌ لَ ْخميّةٌ‬ ‫ب‬
‫الحشا ساواه ُم في المطل ِ‬
‫ط َّي َ‬
‫سئِ َل النَّدى يُجز ْل وإن‬
‫قد كان إن ُ‬ ‫ب‬‫اركب يرك ِ‬
‫ْ‬ ‫ص ُ‬
‫ريخ ببابه‬ ‫نادى ال ّ‬
‫ال عجب في ّ‬
‫أن أتباع ال ُمعت ِمد وحاشيته‪ ،‬انتحبوا ولبسوا الحــداد وهم يتــابعون مليكهم وعائلتــه يرحلــون‪ .‬ويصــف ابن‬
‫ّ‬
‫‪:‬اللبّانة هذا المشهد في مرثيّة كتبها بعد وفاة ال ُمعت ِمد‪،‬ـ تقول‬
‫نسيتُ إال غداة النّهر كونه ُم‬ ‫في المنشآت كأموات بألحا ِد‬
‫والناس قد مألوا العبرين واعتبروا‬ ‫من لؤلؤ طافيات فوق أزبا ِد‬
‫ُحطّ القناع فلم تُست َْر مخدرةٌ‬ ‫أبرا ِد‪448‬‬ ‫و ُم ِّزقَتْ أوجهٌ تمزي َ‬
‫ق‬
‫تف ّرقوا جيرة من بعد ما نشأوا‬ ‫أهالً بأه ٍل وأوالداً بأوال ِد‬
‫فضجت ك ُّل صارخ ٍة‬
‫َّ‬ ‫حان الوداع‬ ‫وصارخ من ُمفدا ٍة ومن فادي‬
‫ٍ‬
‫سارت سفائنُهم والنَّوح يتب ُعها‬ ‫كأنها إب ٌل يحدو بها الحادي‬
‫دمــــع وكم‬
‫ٍ‬ ‫كم ســــال في المــــاء من‬ ‫تلك القطائ ُع من قطعات أكبا ِد‬
‫حملت‬
‫‪:‬ويقول كذلك‬
‫عريسة دخلتها النّائبات على‬ ‫وآسا ِد‪449‬‬ ‫أساود لهم فيها‬
‫وكعبة كانت اآلمال تع ُمرها‬ ‫فاليوم ال عاكف فيها وال با ِد‬
‫رماح الخط ثقفها‬
‫ُ‬ ‫ماح‬
‫تلك ال ِّر ُ‬ ‫خطب ال ّزمان ثقافا ً غير معتا ِد‬
‫‪.......‬‬
‫نور ونور فهذا بعد نعمته‬ ‫ذوى وذاك خبا من بعد إيقا ِد‬
‫يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ‬ ‫في ض ّم رحلك واجمع فضلة ال َّزا ِد‬
‫ويا مؤمل واديهم ليسكنه‬ ‫بالوادي‬
‫ِ‬ ‫خفَّ القطين وجفَّ ال ّزر ُع‬
‫ضلّت سبيل النّدى بابن المسير ِ‬
‫فس ْر‬ ‫بغير قص ٍد فما يهديك من هادي‪450‬‬
‫إن ملكا ً مبدعا ً في تعبيره عن مشاعره وملهما ً لآلخرين‪ ،‬كما جاء في أخبار ال ُمعت ِمـ دـ بن َعبّــاد‪ ،‬ال بـ ّد أنــه كــان يتحلّى‬
‫ّ‬
‫بطباع جعلته قريبا ً من قلوب النّــاس بقــدر مــا كــانت تســمو مكانتــه‪ .‬وال يقــال إال في عــدد قليــل من الملــوك‪ ،‬بعــد أن رقــدوا لمئــة‬
‫إن «الناس ال يزالون يبكونهـ إلى اليوم»‪451‬‬ ‫‪.‬وخمسين سنة في قبر حقير مهمل‪ّ ،‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫تفصيل من رداء دفن فرناندو الثّالث (سنة ‪ )1252‬محفوظ في متحف اآلثار في مدريد‪ ،‬وقد‬
‫حيكت عليه أُسود وقالع مثل دروع قصر إشبيلية‪ .‬وفي كتاب الشّطرنج أللفونسو العاشر يظهر‬
‫‪.‬الملك مرتديا ً ردا ًء مماثالً‬
‫الفصل الثّالث عشر‬
‫المرابطون‬
‫أصل المرابطين هو من أكثر ما تختلف اآلراء بشأنه من بين عدد من المسائل المرتبطة بتاريخ اإلســالم في إســپانيا‪.‬‬
‫يقــول بعض الكتّــاب إنهم في األصــل من األفارقــة الهمج المتوحّشــين أو من الــبربر الطّــامحين بصــورة رئيســية إلى النّيــل من‬
‫«أشراف العرب» الذين كانوا على احتكاك بهم‪ :‬ويقول آخرون إنّهم من أصول عربية‪ .‬ويؤكــد البعض أنهم كــانوا من المتز ّمــتين‬
‫وأن الهدف من غزواتهم كان نشر دينهم‪ ،‬في حين يخبرنا آخرون أنهم كانوا قوما ً طيبين اتسموا بــالرّفق وانصــب اهتمــامهم على‬
‫‪.‬تطوير ثقافتهم أكثر من التّد ّخل في شؤون جيرانهم‬
‫الش ـيعي‬ ‫تبرز من بين كل هذه اآلراء المتناقضة بعض الوقائع‪ ،‬ومنها أن المرابطين كقوم كانوا ينتمــون إلى المــذهب ّ‬
‫الشـرق على منــابر المســاجد في المنــاطق الــتي يحكمونهــا‪،‬‬ ‫من اإلسالم‪ ،‬وكانوا يخطبون باســم الخلفــاء العبّاســيين الحــاكمين في ّ‬
‫ويلبسون األسود كما يفعل أشد أتباع اإلمام علي بن إبي طالب إخالصا ً‪ .452‬وأيّا كان أصل القبائل الكثيرة التي اتحــدت في نهايــة‬
‫ً‬
‫المطاف تحت راية يوسف بن تاشفين‪ ،‬فقد كان هو نفسه ينتسب إلى العرب اليمانية‪ ،‬وقد قال عنه ال ّشاعر عبــد الجليــل في إحــدى‬
‫قصائده إنه «نمي في ِح ْميَر»‪ .‬ويرد البيت في قصيدة كتبها ال ّشاعر للسّلطان المرابط ويقول فيها إن قبيلتي يوسف وال ُمعت ِمـ دـ على‬
‫خم‪453‬‬ ‫‪.‬هللا كانتا موحّدتين مثل وشائج السّيوف‪ ،‬وذلك ألن يوسف ينتمي إلى ِح ْميَر‪ ،‬وال ُمعت ِمدـ إلى لَ ْ‬
‫‪:‬وبذلك يؤكد ال ّشاعر ما يورده كون ِده في تفصيله لتسلسل نسب المرابطين على ال ّشكل التّالي‬
‫يرجع أصلهم إلى قبيلة أخرى أكثر عراقــة هي قبيلــة لمتونــة‪ ،‬نســبة إلى رجــل يــدعى لمتو‪ 454‬تربطــه صــلة قرابــة«‬
‫برجل يدعى جدالة‪ ،‬وثالث يدعى مصطفى‪ ،455‬وإليهم جميعهم تنتسب قبائل تحمل األسماء نفسها‪ .‬كان الثّالثة جميعهم يتفاخرون‬
‫السـعيد‪...‬‬‫بانتسابهم إلى قبيلة أخرى أكثر عراقة ونبالً هي قبيلة صنهاجة التي تنتســب بــدورها إلى ِح ْميَــر أحــد أقــدم ملــوك اليمن ّ‬
‫ص ناهجة اليمن وارتحلوا إلى البادية بعد حروب اضطرتهم للهرب حتى ال يختلطــوا مــع الــبرابرة والهــاربين في أفريقيــا‪.‬‬ ‫غادر ال ّ‬
‫ولكونهم فقراء‪ ،‬فقد كانوا يستخدمون ردا ًء بسيطا ً يتدثرون به كالعباءة‪ ،‬ومن هذا الـرّداء المسـ ّمى لمـط يقـول البعض إنهم اشـتقوا‬
‫جدِّهم األول الذي اكتسبوه منه في زمن غير معروف»‪456‬‬ ‫‪.‬اسمهم‪ ،‬مع أنه يظهر أنهم يدينون به إلى َ‬
‫إن اسمهم مشتق من استخدامهم تروسا ً مغطّاة بجلد اللمط الذي ترجمه ڠايانڠوس على أنه فرس النهر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يقول المقّري ّ‬
‫ي مرجــع آخــر‬ ‫إن اللمط هو نوع من الظّباء‪ .457‬وال توجد أيّة إشارة إلى هــذه التّــروس أو الـ ّدرق في أ ّ‬ ‫ولكنه يقول في مكان آخر ّ‬
‫‪.‬عن المرابطين‪458‬‬
‫يخبرنا لونورمان أنه عندما كتب في سنة ‪ ،1869‬كانت قبيلــة بــني الم الكبــيرة ال تــزال تســكن إحــدى النّــواحي الــتي‬
‫وهو اسم تم تعريبه قبل زمن طويل إلى بني قحطان ‪ -‬والــتي كــانت ال تــزال تحمــل اســم ملكهم ‪ Joktan -‬استوطنها بنو يقطان‬
‫ِح ْميَر الذي أسّسها في القرن األول قبل المسيح‪ .‬نزل بنو الم فيما يس ّميه المؤلف «مهد بني قحطان» ويشمل بالد مؤاب‪( 459‬التي‬
‫حكمهــا الملــك ميشــع الــوارد ذكــره في الكتب القديمــة)‪ ،‬والحجــاز‪ ،‬وحضــرموت‪ ،‬واليمن ‪ .460‬وعليــه يبــدو األكــثر ترجيح ـا ً ّ‬
‫أن‬
‫‪.‬اللمتونيينـ األفارقة اشتقّوا اسمهم من أجدادهم في اليمن السّعيد وليس من تروسهم المصنوعة من جلد فرس النّهر أو الظّباء‬
‫مــا يشــير إلى تقاليــد المــرابطين وعــاداتهم‪ ،‬فال ‪ Encyclopedia of Islam‬وال يوجــد في الموســوعة اإلســالميّة‬
‫‪.‬تتط ّرق سوى إلى ديانتهم وغزواتهم‪ .‬ولذلك سنورد بعض التّفاصيل المأخوذة عن كون ِده‬
‫أول األخبار التي تصلنا عن المرابطين هي تلك المرتبطة بيحــيى بن إبــراهيم زعيم قبيلــة صــنهاجة الــذي نجح‪ ،‬بعــد‬
‫الح ّج إلى مكة في مطلع القرن الحادي عشر‪ ،‬في إقناع أحد األدبـاء بــالعودة معـه لتعليم أبنــاء قبيلتــه أمــور الـ ّدين ومـا يُـدرّس في‬
‫المدارس‪ .‬كان ذاك عبد هللا بن ياسين الجزولي‪ ،‬الفقيه الذي درس لسبع ســنوات في األنــدلس والــذي لم يُــذكر أصــله ال في كتــاب‬
‫كون ِده وال في الموسوعة اإلسالميّة‪ .‬أنشأ الجزولي رباطا ً أو صومعة أو زاوية‪ 461‬على جزيرة في نهر النّيجر أو السّنغال‪ ،‬بــدعم‬
‫من بعض األتباع ومن بينهم اثنان من أشراف لمتونة هما يحيى بن ُع َمر وأخوه أبو بكر وهما‪ ،‬كما يقول كون ِده‪ ،‬من قبيلة تنتســب‬
‫ألن بــني لمتونــة «لم يكونــوا على درجــة كبــيرة من الهمجيــة‬ ‫إلى ِح ْميَــر؛ وســرعان مــا جمــع حولــه عــدداً كبــيراً من المنتســبين‪ّ ،‬‬
‫وال ّشراسة‪ ،‬وإنّما راغبين في تعلّم اآلداب وأصول ال ّدين ألنهم كانوا بطبيعتهم طيّبين عطــوفين‪ ،‬على ال ـرّغم من بســاطة تقاليــدهم‬
‫‪».‬البدائية‬
‫تختلف رواية كون ِده هنا عن تلك الــواردة في الموســوعة ألنــه يعطي وزنـا ً أكــبر لرغبــة هــؤالء القــوم في التّحضــر‪،‬‬
‫والسـلطة الــتي كــان يتمتــع‬ ‫ّ‬ ‫وبدرجة أق ّل للعامل ال ّديني‪ .‬لكن المصدرين يتفقان مع ذلك بشأن التّبجيل الذي كان يحظى به المدرّس‬
‫بها لدى كبار القوم الذين «انضـ ّم ســبعون منهم إلى مدرســته على الفــور»‪ .‬جمــع ابن ياســين نحــو ألــف من المقــاتلين والقــادة في‬
‫‪ Almoravides.‬رباطه وأطلق عليهم اسم المرابطين‪ ،‬وهي الكلمة التي تحوّلت في اإلسپانية إلى‬
‫عندما مات يحيى بن ُع َمر أثناء القتال‪ ،‬عيّن ابن ياسين أخاه أبا بكر مكانه‪ ،‬لكن ياسين قتل هو اآلخر بعد م ّدة قصيرة‬
‫في معركة مع قبيلة من البربر الذين أراد ض ّمهم إلى عقيدته بقوة السّيف‪ .‬فتولّى أبو بكر الذي كان مجرّد زعيم صــوري بالنّســبة‬
‫‪.‬لقائد بارع مثل ياسين‪ ،‬القيادة بكل ِجدِّية وعز َم على تقوية البالد وتطويرها في ال ّداخل‪ ،‬وكذلك توسيع حدودها في الخارج‬
‫ازداد عدد أتباع أبي بكر بصورة كبيرة مع وصول أنــاس من الباديــة‪ ،‬وبحلــول ســنة ‪« 1068‬كــانت أعــدادهم تــزداد‬
‫باطّراد وبصورة كبيرة حتى صار المهاجرون يضغطون على السّكان األصــليين ولم يكن في البالد متســع لهم؛ ولم يكن ّ‬
‫الس ـكان‬
‫األصليون يتفقون مع الغرباء»‪ .‬لهذا السّبب‪ ،‬ونزوالً عند طلب قومه أسّس أبو بكر مرّاكش‪ .‬لقد حصل ذلك‪ ،‬كما يقول كونــ ِده في‬
‫بأن أقربــاءه من قبيلــة لمتونــة في وضــع صــعب‬ ‫سنة ‪ .1070‬ولكن أثناء انشغال أبي بكر في بناء عاصمته الجديدة‪ ،‬وصلته أنباء ّ‬
‫ويخشون أن يقدم جيران يعادونهم على تدمير بالدهم إن لم يهبّ لنجدتهم‪ .‬فعيّن أبو بكــر ابن ع ّمــه يوســف بن تاشــفين الــذي كــان‬
‫‪.‬مثله سليل «نسب ِح ْميَر األصيل» ليقوم بدور الوص ّي في غيابه‪ ،‬وأسرع لمساعدة عائلته‬
‫أن يوسف يسيطر تماما ً على الوضع وقد شهدت المملكة إزدهاراً واســعا ً بفضــله‪ .‬ومن غــير‬ ‫عندما عاد بعد عام وجد ّ‬
‫المعروف إن كان أبو بكر تخلّى طواعية عن ال ُم لك‪ ،‬أم أن يوسف عزله‪ .‬وواصل يوسف تسيير األمور وعاد أبو بكر إلى مسـكنه‬
‫‪.‬األصلي في البادية ومات في السّودان في حوالي سنة ‪1088462 - 1087‬‬
‫كان لدى يوسف بن تاشفين كل شغف اليمنيينـ بالبناء‪ ،‬وسرعان ما عظم شأن العاصمة الجديدة م ـرّاكش في رعايتــه‪.‬‬
‫ولم يكن المرابطون قد وجدوا أول ما نزلوا فيها سوى وا ٍد وسط غابة ال يعيش فيها غير األسود والنّمور والماعز البرّي والنّعــام‬
‫وما إلى هناك‪ ،‬لكن طبيعة المكان كانت غنية بمواردها من المياه العذبة الباردة والمرعى الوفير والموقع المالئم‪ .‬كان أبو بكر قد‬
‫بدأ بتخطيط الطّرق والسّاحات واألماكن العامة قبل أن يستدعيه أهلــه‪ ،‬وعنــدما تــولّى يوســف بن تاشــفين زمــام الحكم‪ ،‬قــام ببنــاء‬
‫أسوار حول المدينةـ ومسجد وأضاف حصنا ً لتخزين السّالح والمال والكنوز‪ .‬وعمل يوسف إلى جانب باقي العمال بيديهـ في بنــاء‬
‫المسجد فكان «قدوة للجميع في حماسه وتواضعه‪ .‬رحم هللا من شيّد هذا البنيــان»‪ .‬ويختتم المؤلـف الـذي نقـل عنــه كونـ ِده القصــة‬
‫بقوله «هذه اآلن حضرة مرّاكش ال ّشريفة في موقع مبهج‪ ،‬وفــير المــروج والفاكهــة والميــاه‪ ،‬فأينمــا حُفــرت بــئ ٌر على عمــق قليــل‬
‫‪ُ .‬وجدت مياه عذبة نقية»‪463‬‬
‫جمع يوسف الذي انتهى إليه حكم بالد األندلس وكل نواحي غرب أفريقيا بين مزايا كرم النّفس وصحّة البــدن‪ ،‬وكــان‬
‫متعقّالً في حكم قومه‪ ،‬ماهراً مقداما ً في الحرب‪ ،‬حريصا ً على ال ّدوام على تـأمين وحمايـة ُملكـه‪ ،‬شـديد العنايــة بحـدوده وثغــوره‪،‬‬
‫ُمحبا ً للقتال‪ ،‬فكان يخوض الحرب بذكاء ثاقب وحسن طالع‪ ،‬وكان إلى ذلك متسامحاً‪ ،‬حازما ً ومتقشفاً‪ .‬ولم يكن يوسف بن تاشفين‬
‫يهتم بملبسه وزينته وإنما شديد االعتنــاء بنظافتــه‪ ،‬متعفّفـا ً في طلب الملـ ّـذات معتــدالً‪ ،‬كيِّسـا ً في أســلوبه وحديثــه؛ـ لقــد أثبت بشـتّى‬
‫الطّرق جدارته لتولّي المه ّمة العظيمة التي خلقه هللا من أجلها وق ّدر له أن يتوالهــا‪ ،‬وهي أن يفتح ممتلكــات واســعة من العــالم من‬
‫الشـعير ولحم اإلبــل وغــيره من‬ ‫أجل نُصرة اإلسالم‪ .‬كان لباسه من الصّوف فلم يلبس شيئا ً غيره؛ وأكله من الخبز المصــنوع من ّ‬
‫ال ّشديد من الحيوان‪ ،‬ولكن بكميــات صــغيرة‪ ،‬لم يســمعه أحــد يشــكو مــرة من مــذاق طعامــه‪ ،‬أو كميتــه وال نوعــه؛ فكــان في ذلــك‬
‫‪.‬منتظماً‪ .‬لم يُعرف في حياته علّ ة ما عدا تلك التي أرسلها هللا له عندما استدعاه لينال أجره وثوابه في الحياة اآلخرة‬
‫حكم ابن تاشفين بالعدل‪ ،‬ومع أنه حرص على أن يكون شديد العدل‪ ،‬فقد كان لطيفا ً متسامحا ً مع رعيّته‪ .‬وقّــع مواثيــق‬
‫صلح مع الكفرة الذين استولى على بالدهم‪ ،‬فكانت الجزية التي دفعوها بموجب تلك المواثيق كبيرة جداً حيث أنه بعد وفاتــه عــثر‬
‫الذهب‪ .464‬لقد كان يوسف بن تاشفين حا ّد الـ ّـذكاء‪،‬‬ ‫في خزائنه على ثالثمئة ألف ربع من الفضة‪ ،‬وخمسة آالف وأربعين ربعا ً من ّ‬
‫طلق المحيّا وإنما متواضعا ً خجوالً‪ .‬ويقول كاتب سيرته الذي يُستشف من معرفته بتفاصيل حياة يوسف اليومية إنه كان معاصراً‬
‫‪».‬له‪« :‬لقد اجتمعت فيه كل الخصال الحميدة‬
‫إن يوسف اشترى عدداً كبيراً من العبيدـ الذين ابتاعهم من ت ّجار كانوا يتاجرون مع غينيا في مدين ـةـ تــدعى ڠــازا‬ ‫يقال ّ‬
‫صحراء‪ ،‬وإن هؤالء الزنوج كانوا فيما سبق مسيحيين ولكن من خالل احتكــاكهم بــالبربر أو بســبب ويالت ‪Gasza،‬‬ ‫ّ‬ ‫في عمق ال ّ‬
‫الحرب وأهوالها‪ ،‬أو لسبب آخر غير معروف؛ لم يحــافظوا على ديــانتهم‪ .465‬أُرســل هــؤالء ال ّزنــوج إلى ســواحل األنــدلس حيث‬
‫ت ّمت مبادلتهم مع أسرى نصرانيين قايضهم األندلسيون‪ .‬حرص يوسف على تعليم ال ّشبان األندلسيين أصول ال ّشريعة‪ ،‬وتزويــدهم‬
‫بالخيل والسّالح‪ ،‬وتدريبهم على فنون القتال وركوب الخيل‪ ،‬وجعـل مئـتينـ وخمسـين من خـيرة وأمهـر الرّجـال منهم في حرسـه‬
‫زنوج المدرّبين‪466‬‬ ‫‪.‬الخاص‪ .‬وباإلضافة إلى هذا الجيش األندلسي‪ ،‬كان لديه حرس يتألف من ألفين من ال ّ‬
‫الذهب والفضّة‪ .‬ولبس النّــاس في‬ ‫بالذهب‪ ،‬ومقابض سيوفه من ّ‬ ‫الذهب‪ ،‬وكانت خيوله مجلّلة ّ‬ ‫ك بن تاشفين عملة من ّ‬ ‫س ّ‬
‫بالطه أثوابا ً من الكتّان وجلد الجديان ال ّرقيق‪ ،‬إلى جانب شاالت أو بطانيات الصّوف النّاعم القرمزي واألبيض الــذي يميّــز قبيلــة‬
‫الص ـندل ذا الرّائحــة‬ ‫لمتونة‪ .‬كما عرف قومه كيف يصنعون نوعا ً من القماش النّاعم الواقي من الماء والمطر‪ ،‬واستخدموا خشب ّ‬
‫ً‬
‫الذكية‪،‬ـ والمسك والكافور والعنبر وقط ال ّزباد‪ .‬وكانت كل هذه المواد ووسائل التّرف الرّاقيــة تلقى رواج ـا في م ـرّاكش في‬ ‫الحلوة ّ‬
‫مرحلة مبكرة من حكم المرابطين‪ ،‬فقد ُذكر العديد منها بين الهدايا التي تلقّاها أبو بكر عنــدما حُمــل على التّنــازل عن الملــك البن‬
‫أخيه‪ .467‬يصعب أن تتالءم مظاهر التّرف والرّفاهية هذه مــع رجــل همجي‪ ،‬أو يــدل الوصــف العــام لشخصــية يوســف وأســلوب‬
‫حياته ونمط تفكيره على أنه كان متدينا ً متز ّمتاً‪ .‬صحيح أنه قيل إنه سـاعد في بنــاء مسـجد بيديـه‪ ،‬ولكن عبــد الـ ّرحمن األول ملـك‬
‫‪.‬قُرطُبة‪ ،‬فعل ال ّشىء نفسه من قبل‪ ،‬ومن المؤكد أن التّز ّمت ال ّديني لم يكن من صفات ذلك األمير البارزة‬
‫الشـمال‪ ،‬وشـملت كـل المغـرب ومدينـةـ فـاس‪.‬‬ ‫امت ّدت مملكة يوسف بن تاشفين قبل وفاته من الجزائـر إلى طنجـة في ّ‬
‫‪.‬ويلقي كون ِده فيما يورده عن تطويره لمدينة فاس‪ ،‬ضوءا مه ّما ً على أسباب وسرعة تق ّدم حضارة المرابطين‬
‫كان أول ما فعله يوسف هو هدم حائـط كـان يفصـل «الح ّي األندلسـي» عن حي أهـل قـيروان داخـل المدينـة‪،‬ـ ثم قـام‬
‫‪.‬بتوسيع فاس وتطويرها في كافة االتجاهات‪ ،‬وجعل أهلها يشاركون في العمل‪ .468‬كان ذلك في سنة ‪1070‬‬
‫كان هؤالء األندلسيون قد تركوا بصماتهم على المدينـةـ قبـل أن يحكمهـا يوسـف بن تاشـفين بـوقت طويـل‪ .‬وال تـزال‬
‫مبان قديمة تحمل كتابات بالخط الكـوفي المميّـز الـذي شـاع اسـتخدامه في األنـدلس في القـرنين العاشـر والحـادي‬ ‫ٍ‬ ‫توجد في فاس‬
‫عشر‪ .‬وير ّجح أن هذه الكتابات تعود إلى أيام المنصور‪ ،‬عنــدما كــانت فــاس تابعــة لقُرطُبــة‪ ،‬كمــا بــنى عبــد الملــك بن المنصــور‪،‬‬
‫بوصفه ممثالً للخالفة‪ ،‬مسجداً فيها‪ .‬ويوجد في كتاب كونـ ِده رســم مطبــوع لكتابــة من هــذا المســجد تحمــل تــاريخ ‪ 985‬م‪375( .‬‬
‫مبان أندلسية تعود إلى القرنين العاشر والحادي عشــر ولكتابــات‬ ‫ٍ‬ ‫هجرية)‪ .469‬وهي مطابقة لكتابات منقوشة بالطّريقة نفسها على‬
‫في قصر إشبيلية‪ ،‬وعلى قطع فنية وقطع منحوتة محفوظة في متاحف ع ّدة تحمــل تــواريخ عائــدة لتلــك الحقبــة‪ .‬وعلى الـرّغم من‬
‫مرور سنوات طويلة على تحرر فاس من السّيادة اإلسپانية‪ ،‬فقد وجــد يوسـف جاليــة من األندلســيين في المدينــة في ســنة ‪،1070‬‬
‫وكان عددهم كبيراً بما يكفي ليشكلوا حيّا ً خاصا ً بهم‪ ،‬ولديهم من مهارات البناء مــا يكفي بالنّســبة إليــه لكي يهــدم الجــدار الفاصــل‬
‫‪.‬لكي يختلطوا مع باقي السّكان ويشاركوا في العمل الذي بدأه من أجل تحسين المكان‬
‫فكيف جاء األندلسيون لإلقامة في فاس بهذه األعداد الكبيرة؟ لم تكن هناك حركــة اســتعمار في عهــد المنصــور الــذي‬
‫ر م ّدة قصيرة‪470‬‬ ‫‪.‬كان احتالله للبلد ألسباب عسكرية محضة واستم ّ‬
‫ويأتينا الجواب من ابن غالب‪ ،‬الكاتب الذي عاش في القرن الحادي عشر والذي ذكره واستشــهد بــه كثــيراً ابن ســعيد‬
‫‪.‬الذي نقل عنه المقّري بدوره مقاطع طويلة في فصوله المتعلقة باالقتصاد المحلّي في إسپانيا تحت الحكم اإلسالمي‬
‫إن الفضل في الثّــراء الــذي تعرفــه أفريقيــا‬‫يقول ابن غالب‪ ،‬الذي توفّي على ما يبدو في سنة ‪ ،1044471‬يمكن القول ّ‬
‫اليوم ومكانتها واتساع تجارتها‪ ،‬يعود إلى األندلسيينـ الذين استقرّوا فيها‪« .‬فل ّما نفذ قضــاء هللا تعــالى على أهــل األنــدلس بخــروج‬
‫أكثرهم عنها في هذه الفتنة األخيرة ال ُمبيرة [يعني بذلك الحرب الــتي بــدأت بعــزل هشــام الثّــاني] لجــأ آالف من ســكانها من كافــة‬
‫الشـواطىء‪ ،472‬وتفرّقـوا ببالد المغـرب األقصـى من بـ ّر العـدوة مـع بالد إفريقيـة‪ ،‬واسـتقروا حيثمـا‬ ‫الطّبقات والصّنائع إلى تلك ّ‬
‫وجدوا ال ّراحة أو العمل‪ .‬واتخذ الع ّمال وأهـل الرّيـف األشـغال الـتي اعتـادوا عليهـا في األنـدلس (‪ )..‬أ ّمـا أهـل الباديـة فمـالوا في‬
‫البوادي إلى ما اعتادوه‪ ،‬وداخلوا أهلها وشاركوهم فيها فاستنبطوا الميــاه‪ ،‬وغرســوا األشــجار‪ ،‬وأحــدثوا األرحي الطّاحنــة بالمــاء‬
‫وغير ذلك‪ ،‬وعلّموا الفالحين األفارقة أشياء لم يكونوا يعلمونها وال رأوها‪ ،‬فشرفت بالدهم وصلحت أمورهم وكثرت مســتغاّل تهم‬
‫‪.....‬وعمتهم الخيرات‬
‫وأ ّم ا أهل الحواضر [من األندلسيين] فمالوا إلى الحواضر واســتوطنوها‪ ،‬ولكــونهم على درجــة من العلم وضــليعين«‬
‫في كافة فروع العلم واألدب‪ ،‬فقد بــرزوا وعُرفــوا في البالط‪ ،‬أو في المــدن الرّئيســية حيث اســتقرّوا‪ .‬أ ّمــا أهــل األدب فكــان منهم‬
‫الوزراء والكتّاب والع ّمال و ُجباة األموال والمستعملون في أمور المملكة‪ ،‬وال يُستعمل بلدي ما ُوجد أندلســي‪ ،‬فلم يعــد في أفريقيــا‬
‫‪.‬ناحية ال يكون فيها بعض من كبار العاملين من األندلسيين‬
‫الصـنائع في«‬ ‫ولكن الفائدة األكبر التي جنتها أفريقيا من تدفّق من ه ّجروا باتجاه شــواطئها‪ ،‬كــانت من العمــال وأهــل ّ‬
‫شتّى مجاالتهم‪ .‬ومن المعروف أنه قبل وصول األندلسيينـ كان الكثير من الحرف المزدهرة اليوم [يعني النصف األول من القرن‬
‫ّ‬
‫صنائع المهاجرين فاقوا أهل البالد‪ ،‬في شــغلهم وحــذقهم‪ .‬فعلى ســبيل المثــال‪،‬‬ ‫الحادي عشر] بالكاد تُعرف في أفريقيا‪ّ ،‬‬
‫وأن أهل ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كانوا متى دخلوا في تشييدـ مبنى‪ ،‬عملوه في أقرب م ّدة‪ ،‬وأفرغــوا فيــه من أنــواع الحــذق والتجويــد مــا يميلــون بــه النفــوس إليهم‪،‬‬
‫الذكر لهم‪ ،‬قال‪ :‬وال يدفع هذا عنهم إال جاهل أو ُمبطل»‪473‬‬ ‫‪.‬ويصير ّ‬
‫لم يق ّدر المرابطون ويستفيدوا فحسب من حضارة ومهارة المهـاجرين األندلسـيينـ الــذين لجـأوا إلى أفريقيــا هربـا ً من‬
‫أن الح ّكـام المــرابطين كـانوا يقـ ّدرون الثّقافـة اليمنيــة واســتوزروا‬
‫تجاوزات ال ُّسنّة وعساكر بربر إســپانيا‪ ،‬ولكن هنـاك أدلـة على ّ‬
‫شعراء وأدباء يمنيين في مجلسهم وحضرتهم‪ .‬ومن بين أعيان الكتّاب الذين عملوا لــدى يوســف بن تاشــفين‪ ،‬أبــو بكــر المعــروف‬
‫بابن القصيرة كاتب ال ُمعت ِمدـ على هللا‪ .‬كما عمل كاتبا ً لدى علي‪ ،‬ابن يوسف وخليفته‪ ،‬الوزير أبو مح ّمد عبد المجيد بن عبــدون ابن‬
‫أن الح ّكـام المـرابطين احتفظـوا بمـا يكفي‬ ‫مدينة يابرة‪ ،‬ال ّشاعر ذائع الصّيت وأحد أبناء ال ُمعت ِمد كما يقول كون ِده‪ .474‬من الواضـح ّ‬
‫من غرائزهم القبلية وتقاليدهم لكي يتمكنوا ويرغبوا في االستفادة من مك ّونات الحضارة اليمنية األندلسية التي عرفوها في مدينــة‬
‫‪.‬فاس وغيرها‬
‫أن العملــة الــتي سـ ّكها المرابطــون كــانت رائعــة التّصــميم والتّنفيــذ‬
‫وقبــل أن ننهي هــذا الموضــوع علينــا أن نضــيف ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومنتشرة بكميات كبيرة قبل أن يغزو يوسف إسپانيا‪ .‬ويشير السّنيور كوديرا إلى ذلك بوصفه أمرا جديرا بالمالحظة ويشرحه من‬
‫وأن تحســين العملــة لم يكن تطــوراً‬ ‫فن النّقش على ّ‬
‫الذهب كان في ذلك الوقت متقنا ً لــدى جميــع األمم الكبــيرة‪ّ ،‬‬ ‫أن ّ‬‫خالل افتراض ّ‬
‫ّ‬
‫أن السّنيور كوديرا لم يطلع على ما قاله ابن‬ ‫عارضا ً أو معزوالً وإنما متماشيا ً مع منهج ثابت صادر عن سلطة مركزية‪ .‬ويحتمل ّ‬
‫ّ‬
‫غالب عن تأثير األندلسيين الذي كان شديد القوة في تلك الفترة في أفريقيا‪ ،‬وإال ما كان سيصعب عليه فهم كيــف تعلم المرابطــون‬
‫صنع القطع النّ قدية الجميلة‪ .‬وهو يلفت االنتباه إلى االزدهار المادي الذي تعكسه تلك القطع النّقدية ّ‬
‫الذهبية منها والفضّية‪ .‬والقطــع‬
‫الذهبية المسكوكة بمثل هذه الجودة‪ ،‬ويبدو أنه‬ ‫الذهبية ملفتة بشكل خاص نظراً لتوحيد وزنها‪ .‬ولم تكن قطع النّقد األندلسية ّ‬ ‫النّقدية ّ‬
‫تم في عهد ابن تاشفين اعتماد قوانين تفرض االلتزام بوزن موحّد‪ .‬أ ّما بالنّسبة للمعامالت التّجارية األقل أهمية‪ ،‬فقسم المرابطـون‬
‫ال ّد رهم إلى أنصاف وأرباع وأثمان وجزء من ستة عشر‪ ،‬وهو أمر يبدو كذلك مستحدثاً‪ ،‬مع أن بني األفطس آخر ملوك بطليوس‬
‫‪.‬سعوا إلى إصدار مثل هذه القطع النّقدية الصّغيرة‬
‫ك العملة النّقدية كذلك على نمط آخر من النّقش‪ ،‬هو تحديداً النّقش على الحجر‪.‬‬ ‫وينسحب المستوى الفني الرّفيع في س ّ‬
‫هنا لم تعد الكتابة الكوفية القديمة مستخدمة‪ ،‬ليح ّل محلها الخط الجميل المتصل‪ ،‬في حين كانت الكتابــة نفســها محاطــة بإطــار من‬
‫ال ّزخرفة البديعةـ الرّشيقة‪ .475‬ويمكن رؤية بعض من الخطوط الجميلة التي يشير إليها السّنيور كوديرا في قصر إشــبيلية‪ ،‬وعــادة‬
‫الصـارم‪ ،‬والنّمــط المزخــرف األفـريقي الــذي كـان‬
‫ما تكون داخل اإلطار المنقوش للب ّوابات الكبيرة‪ ،‬ما بين الخط الكوفي البسيط ّ‬
‫ً‬
‫‪.‬أثيرا لدى الموحّدين‪476‬‬
‫هذا ما كان من أمر الملك والنّاس الذين دُعوا لنجدة مسلمي إسپانيا في ســنة ‪ 1086‬في مواجهــة انتهاكــات النّصــارى‬
‫لحصونهم‪ .‬وسنبحث في فصل الحق العالقات ال ّداخلية بين مسلمي إسپانيا واألســباب الــتي جعلتهم يقـرّرون اتخــاذ خطــوة كــانت‬
‫‪.‬نتيجتها النّهائية أنهم فقدوا استقاللهم‪477‬‬
‫الفصل ال ّرابع عشر‬
‫األندلس في القرن الحادي عشر‬
‫نورد فيما يلي لمحة موجزة عن الظّروف السّياسية السّائدة في القرن الحادي عشر عندما توحّدت ال ّدول التي يحكمها‬
‫رجال من أصل يمني أو عا ِملوهم في إطار اتحاد فضفاض تحت إمامة الخليفة هشام الثّاني حتى مماته في ســنة ‪ .1058‬واســتم ّر‬
‫‪.‬هذا االتحاد قائما ً تحت حكم بني َعبّاد ملوك إشبيلية‬
‫ك العملــة باســم‬‫بطليوس‪ :‬تولى الحكم في بطليوس في سنة ‪ 1009‬سابور الذي أعتقته عائلة المنصور بن عامر‪ ،‬وس ّ‬
‫‪ Badajoz.‬الحاجب (حاجب هشام الثّاني)‪ .‬عثر على شاهدة قبره في سنة ‪ 1881‬أثناء هدم منزل في شـارع أبريـل في بطليـوس‬
‫وتحمل ال ّشاهدة اسم سابور الحاجب وتاريخ وفاتـه سـنة ‪ .1022478‬وخلفــه في الحكم بنــو األفطس من قبيلــة تُجيب‪ ،‬الـذين سـ ّكوا‬
‫بدورهم العملة بوصفهم ُح ّجاب الخليفة هشام‪ .‬كان بنو األفطس من العلماء واألدباء وظلوا على مــا يبــدو مخلصــين حــتى النّهايــة‬
‫‪.‬لتحالفهم مع ال ُمعت ِمدـ واعترافهم بوصايته عليهم بعد وفاة هشام‬
‫انضمت دويالت صغيرة إلى بطليوس‪ ،‬أو الغرب كمــا كــانت تسـ ّمى وهي لبلــة وشــنتمرية الغــرب وشــلطيش وولبــة‬
‫وجبل العيون وأكشونبة وشلب والتي بقي العديدـ منها ولقـرون تحت حكم عـائالت نصـرانية أو من المولّـدين م ّمن هم على صـلة‬
‫مع أحفاد األميرة سارة‪ .‬وكانت كل هذه ال ّدويالت تدين بالطّاعة للخليفة هشام وبعده لل ُمعت ِمدـ على هللا الذي تـزوّج ابنـة أمـير لبلــة‪.‬‬
‫ويشير الكتّاب المسيحيون والمسلمون على السّواء إلى بقاء الكنائس واألديرة في هذه النّاحية وال يزال يمكن مشاهدة هذه المبــاني‬
‫‪.‬المستعربة في أنحاء البالد‬
‫الشـمال عنــدما‬‫س َرقُسطة‪ :‬حكمت عائلة من بني تُجيب هذه ال ّدويلة ‪ -‬وهي أبعد ناحيــة اســتوطنها العــرب إلى أقصــى ّ‬ ‫َ‬
‫الس ـنة‪ ،‬تــولّى بنــو‬
‫حصل الغزو‪ ،‬وكانوا يمنيينـ بصورة رئيسية ‪ -‬حتى ‪ ،1044‬وس ّكوا المال باسم ح ّجاب الخليفة هشام‪ .‬وفي تلك ّ‬
‫هود على تلك ال ّدويلة‪ ،‬وهم من قبيلة جُذام‪ .‬وس ّكوا هم أيضا العملة باســم ح ّجــاب هشــام حــتى ســنة ‪ .1082‬ولم نعــثر على تفســير‬
‫لماذا استم ّر وا يفعلون ذلك لسنوات عديدة بعد وفاته‪ ،‬ولكنه أم ٌر ال خالف فيه‪ ،‬حيث توجد نقود باسمهم تحمل ذلك التّــاريخ‪ .‬وحكم‬
‫ك العملة باسم ح ّجاب هشام‪ .‬وكان سكان‬ ‫أفراد من بني هود كذلك على دويالت أق ّل شأنا ً مثل قلعة أيوب وتَطيْلة‪ ،‬حيث تم كذلك س ّ‬
‫قلعة أيوب ودورقة‪ ،‬و ُوشقة من اليمنيين‪ ،‬وحكمها في الفترات األولى بنو تُجيب الذين تحالفوا عموما ً مــع غــيرهم من اليمنــيينـ أو‬
‫مع المسيحيين القوط في مواجهة ح ّكام قُرطُبة ال ُّسنّة خالل الفتنـة األولى‪ .‬هنــاك بعض أوجـه التّشـابه المذهلـة بين مـا وصــلنا من‬
‫رقُسطة وذاك العائد إلى الفترة نفسها في إشبيلية‪479‬‬ ‫‪.‬الفن العربي العائد إلى الفترات األولى في َس َ‬
‫دانية وجــزر البليــار‪ :‬كانتا تحت حكم بــني العــامري‪ ،‬من أحفــاد رجــل أعتقــه ابن المنصــور األصــغر عبــد الـرّحمن‬
‫ي خليفــة‪ .‬تــزوّج‬ ‫(شنجول)‪ .‬وظلوا يس ّكون العملة حتى سنة ‪ 1075‬بصـفتهم حجّـاب هشــام‪ ،‬ومن ثم بوصــفهم حجّابـا ً دون ذكــر أ ّ‬
‫المعتضد ملك إشبيلية إحدى بنات مجاهد العامري‪ ،‬مؤسّس هذه السّاللة‪ .‬وتزوّجت بنت أخرى له من عبــد العزيــز حـاكم بلنســية‪،‬‬
‫ابن عبد ال ّرحمن (شنجول)‪ .‬وعليه كان ملك إشبيلية وأمير بلنسية في الجيل التّالي أبناء خاالت من ال ّدرجة األولى‪ ،‬وقد عاضــدوا‬
‫بعضهم بعضا ً حتى النّهاية‪ .‬في سنة ‪ ،1065‬تمكن المــأمون بن ذي النّــون حــاكم طُليطلــة من إزاحــة عبــد الملــك بن عبــد العزيــز‬
‫واالستيالء على أمالكه‪ .‬ولكن بعد اثنتي عشرة سنة‪ ،‬ثار أهل بلنسية عليه وأعادوا توكيل بني عــامر‪ ،‬فولّــوا منهم عبــد الملــك بن‬
‫أبي بكر‪ .‬ولسوء حظه‪ ،‬تحالف أبو بكر مع يحيى بن المأمون بن ذي النّون‪ ،‬وتزوّج ابنتــه بهــدف ترســيخ هــذا التّحــالف‪ .‬وعنــدما‬
‫‪.‬استسلمت طُليطلة أللفونسو السّادس في سنة ‪ ،1085‬ذهب يحيى إلى بلنسية وبمساعدة ألفونسو استولى على ُملك صهره‪480‬‬
‫بلنسية‪ :‬كانت تحت حكم بني أبي عامر‪ ،‬وهي ساللة أسّسها حفيد المنصور عبــد العزيــز بن عبــد الـرّحمن شــنجول‪.‬‬
‫ك أحد أبناء تلك العائلة العملــة باســم‬ ‫وحملت العملة التي س ّكوها اسم هشام بوصفه إماما ً للمسلمين إلى مماته‪ .‬وفي وقت الحق‪ ،‬س ّ‬
‫‪.‬حاجب الخليفة العبّاسي عبد هللا‪481‬‬
‫صغيرة غير ذات األهمية‪ ،‬كانت لها عملتها الخاصة الــتي حملت أســماء ح ّكامهــا بوصــفهم‬ ‫حتى طرطوشة‪ ،‬ال ّدويلة ال ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬حجّاب هشام الثاني‬
‫‪.‬وكانت لدى الردة عملة تحمل اسم الخليفة هشام‬
‫أ ّما قُرطُبة فحكمها بنو جهور من سنة ‪ 1031‬بوصفهم حجّاب هاشم الثّاني إلى أن حاصر البربر المدينة ســنة ‪1058‬‬
‫(سنة وفاة هشام)‪ ،‬فاستنجد ابن جهور بالمعتضد ملك إشـبيلية وسـلّمه مقاليـد الحكم في المدينـة‪.‬ـ فشـ ّكلت قُرطُبـة منـذ ذلـك الـوقت‬
‫‪.‬واحدة من دويالت االتحاد تحت حكم اليمنيين‪ .‬ولم يُعثر على عملة تعود إلى تلك الحقبة‬
‫وحكمت ُمرسية ساللة بني طاهر اليمنية من ‪ 1038‬إلى ‪ ،1069‬بوصفهم ح ّجاب هشام الثّاني‪ .‬ولم يُعــثر على عملــة‬
‫ضري ابن رشيق ووزير ال ُمعت ِمد وصديقه الخــائن ابن ع ّمــار‪ .‬كــان‬ ‫مسكوكة باسمهم‪ .‬وأطيح ببني طاهر من الحكم بمكيدة بين ال ُم َ‬
‫ُ‬
‫ال ُمعت ِمد قد أرسل ابن ع ّمار لتفقّد الوضع بعد قالقل اتّهم فيها بنو طاهر جورا بمساندة بربر طليطلة على حساب اتحاد ال ـ ّدويالت‪،‬‬
‫ً‬
‫لكنه خطّط مع ابن رشيق لالستيالء على ُمرسية لحسابهما‪ .‬استدعى ال ُمعت ِمد ابن ع ّمار ليستطلعه على ما آلت إليه األمور‪ ،‬ورغم‬
‫أن بني طاهر استسلموا له لدى عودته تحت انطباع أنه يتص ّرف لحساب ال ُمعت ِمد الذي كانوا له مخلصين‪ ،‬فقد كان ابن رشــيق قـد‬ ‫ّ‬
‫اتخذ في هذه األثناء تدابير لخلع ابن ع ّمار‪ .‬وعندما اقتنع ال ُمعت ِمدـ بخيانة ابن ع ّمار أمر بسجنه وقتله‪ ،‬وسعى إلى إعادة بني طاهر‬
‫لكن ابن رشــيق رفض إعـادة الحكم المغتصــب وبقي حاكمـا ً على ُمرســية‬ ‫إلى ال ُملك‪ ،‬بنا ًء على طلب بني أبي عامر ح ّكام بلنسية‪ّ .‬‬
‫حتى وقت قصير قبل احتالل المرابطين لالندلس‪ ،‬وشغل نفسه في هذه األثناء في تدبير المكائد لل ُمعت ِمدـ مع معتصــم بن صــمادح‪.‬‬
‫يتساءل دوزي في الجدول الذي أع ّده لح ّكام ال ّدويالت إن كان ال ُمعت ِمد أو ابن رشيق حكما ُمرسية في ذلــك الــوقت‪ .‬ويقــول كونـ ِده‬
‫إن‬‫إن ابن رشيق حكم في الظّاهر باسم ال ُمعت ِمد‪،‬ـ ولكن من دون أن يدفع ال َخراج أو يعترف بسلطته بــأي حـال‪ .‬ويقــول المرّاكشــي ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ال ُمعت ِمدـ نجح أخيراً في اســتمالة ابن رشــيق بعــد أول حملــة (أو الحملــة الثانيــة) للمــرابطين (راجــع صــفحة ‪- 251‬ـ ‪ 252‬طبعــة‬
‫إن بني طاهر كانوا قد استعادوا ُملكهم في ذلك الوقت‬ ‫‪.‬األصل)‪ .‬ويقول دوزي ّ‬
‫حكم ال َمريّة من ‪ 1010‬إلى ‪ 1038‬على التّوالي رجالن أعتقهما المنصور‪ ،‬وقُتل ثانيهما غيلة في معركة تحالف فيهــا‬
‫ّ‬
‫مع معتصم بن صمادح الذي خانه‪ .‬وتولّى حينها ابن صمادح‪ ،‬الــذي يبــدو أنــه من الــبربر‪ ،‬الحكم‪ ،‬ورغم تحالفــه في الظــاهر مــع‬
‫ال ُمعت ِم د واالتحاد اليمني‪ ،‬فقد كان يتآمر مع ابن رشيق على حساب إشبيلية وال ّدويالت األخــرى المواليــة لل ُمعت ِمــد‪.‬ـ ولم يُعــثر على‬
‫‪.‬عملة تعود إلى تلك الفترة‬
‫ي من المصادر التي راجعناها على معلومات تشير بوضوح إلى أصل بني صمادح ح ّكام ال َمريّة‪ ،‬ولكن‬ ‫لم نعثر في أ ّ‬
‫اإلطراء الذي حظي به البربر في ال ّشعر الذي قيل في مدح المعتصم‪ ،‬الثّاني في السّاللة‪ ،‬يفــترض أنهم من الــبربر‪ .‬من المحتمــل‬
‫ألن المقّري في مل ّخصــه ألمــراء القــرن الحــادي عشــر أســهب في وصــف خصــال المعتصــم‬ ‫ي حال أن يكونوا من السّنة‪ّ ،‬‬ ‫على أ ّ‬
‫الحميدة‪ ،‬بوصفه «حاكما عاقال ومتبصّراً» في حين أهمل التّعليق على األمراء ذوي األصل اليمني‪ .‬تزوّج المعتصم من ابنة عبد‬
‫العزيز حاكم بلنسية‪ ،‬وبذلك أصبح من أقرباء ال ُمعت ِمد بالمصاهرة‪ .‬كان يبدي في الظّاهر مو ّدته لحــاكم إشــبيلية‪ ،‬ويعمــل في ّ‬
‫السـ ّر‬
‫على خلعه‪ ،‬بعد أن بدأ يوغر صدر يوسف بن تاشفين على ال ُمعت ِمـ دـ ويحرّضــه عليــه حــتى قبــل زيارتــه األولى لالنــدلس‪ .‬ويقــول‬
‫ولكن ال ُمعت ِمد وحــتى النّهايــة‪ ،‬إ ّمـا لم تسـاوره شــكوك أو‬
‫ّ‬ ‫إن ابن صُ مادح كان قديم الحسد لل ُمعت ِمد وهذا سبب خيانته له‪.‬‬ ‫المرّاكشي ّ‬
‫‪.‬اختار تجاهل غدر المعتصم به‬
‫استولى المعتضد بن َعبّاد على بعض ال ّدويالت الصّغيرة التي ال تتع ّدى كونها مدنا ً محصّنة أو حصونا ً مع األراضي‬
‫المحيطة بها مباشرة‪ ،‬من ح ّكامها البربر الذين اغتصبوا الحكم فيها أثنــاء الفتنــة الــتي أعقبت خلــع هشــام الثّــاني في ســنة ‪.1009‬‬
‫وكان من أبرز هذه الحصــون الجزيــرة وقرمونــة ومــورور وأر ُكش ورُنــدة‪ .‬وكــان ســكان هــذه المــدن في غــالبيتهم من اليمنــيين‬
‫ويبغضون حكم البربر‪ .‬وبعد سنة ‪ ،1058‬بقوا على إخالصهم لبني َعبّاد‪ .‬وبما أنه تم االستيالء على هذه المدن بعد قتــال‪ ،‬فقــد تم‬
‫ضمها لتصبح من نواحي إشبيلية‪ .‬أ ّما باقي ال ّدويالت المذكورة فلم تتبع في يوم من األيـام أو تخضـع لحكم إشــبيلية‪ ،‬وإنمــا ارتبــط‬
‫‪.‬ح ّكامها بال ُمعت ِمد بوصفه رأس اتحاد تلك ال ّدويالت التي انضوت تحت رايته كوسيلة لل ّدفاع عن أنفسها في وجه قشتالة وآراغون‬
‫حكم البربر طُليطلة وغرناطة ومالقة‪ ،‬وكانوا في حالة حرب دائمة مع ال ّدويالت اليمنية ونجحــوا من حين آلخــر في‬
‫االستيالء على إحدى ال ّد ويالت أو األخرى لفترات تطول أو تقصر‪ .‬ولكن في أول مناسبة‪ ،‬ثار النّاس عليهم وق ّدموا على أنفســهم‬
‫‪.‬ح ّكاما ً من بينهم‬
‫تجر أيّة محاولة لض ّم ال ّدويالت البربرية لالتحاد‪.‬‬ ‫ظلت طُليطلة وغرناطة معزولتين ومستقلّتين حتى سنة ‪ ،1085‬فلم ِ‬
‫ي دور في تاريخ‬ ‫ثم أرغم مسيحيو طُليطلة أهل المدينةـ المسلمين على االستسالم أللفونسو السّادس ولم تعد تلك المدينة تضطلع بأ ّ‬
‫أن آخر أمرائها‬ ‫األندلس المسلمة‪ .‬وبعد فترة قصيرة‪ ،‬اصطلحت األمور بين غرناطة وال ُمعت ِمد على أساس إقامة حلف و ّدي‪ ،‬وبدا ّ‬
‫بأن إعالن الوالء لبني َعبّاد هو أفضل‬ ‫البربر‪ ،‬عبد هللا بن زهر‪ ،‬انض ّم إلى اتحاد ال ّدويالت الذي يتز ّعمه ال ُمعت ِمدـ وهو على قناعة ّ‬
‫خياراته السّياسية‪ .‬وقبل سنوات ع ّدة من ذلك‪ ،‬كان اختفى البربر الذين حكموا ال ّدويالت األقل شأناً‪ .‬وكان غالبيّــة ســكان غرناطــة‬
‫‪.‬من أصل يمني أو نصراني‬
‫الصـغيرة الــتي‬ ‫والسـنّة بين سـ ّكانها من أيّ من الـ ّدويالت األخـرى ّ‬ ‫ُّ‬ ‫أن مالقة كانت تضـ ّم عــدداً أكـبر من الــبربر‬
‫يبدو ّ‬
‫ض ّمها بنو َعبّاد أو انضوت تحت لواء االتحاد؛ وحتى في وقت متأخر سنة ‪ ،1273‬نجد هذه المدينة وقد ثارت على ملك غرناطة‬
‫ي شـكل في مـؤامرات المعتصــم وابن‬ ‫أن أهـل غرناطــة شـاركوا بـأ ّ‬ ‫اليمني مح ّمد بن نصر‪ .‬وال توجد أدلّة مباشرة مـع ذلـك على ّ‬
‫‪.‬رشيق في بالط يوسف بن تاشفين‬
‫ي وقت‪ .‬تلـك كـانت‬ ‫ي دور مه ّم في أ ّ‬
‫ويذكر دوزي وآخرون دولة أخـرى حكمهـا الـبربر‪ ،‬لكن يبـدو أنـه لم يكن لهـا أ ّ‬
‫سهلة التي حكمها بنو رزين من ‪ 1011‬إلى ‪ .1090‬كانت أراضــيهم ممتـ ّدة بين حــدود ُمرســية وبلنســية حينهــا‪ .‬واليــوم تعــرف‬ ‫ال ّ‬
‫الصـغيرة في اسـم عاصـمتها الـذي يـبيّن أن‬ ‫عاصمتها‪ ،‬شنتمرية بني رزين‪ ،‬باسم ألبَراثين‪ .‬تكمن األهميـة الرّئيسـية لهـذه ال ّدولـة ّ‬
‫السـنيور پــونس سـانتا ‪ Santa Maria.‬المسيحيين كان عددهم كبيراً بما يكفي للحفاظ على اسمها القــوطي‪ ،‬شــنتمرية‬ ‫ويسـ ّميها ّ‬
‫‪.‬ماريّا ِدل ليڤانتِه‪ ،‬أي سانتا ماريّا المشرق‪482‬‬
‫فإن ما نكتشفه من خالل تراجم الكتّاب العرب المتوفّرة لدينا‪ ،‬أن ريبة يوسف بن تاشفين إزاء ال ُمعت ِمـ دـ والــتي‬ ‫وعليه‪ّ ،‬‬
‫السـنّي وأمـير ال َمريّــة الـبربري وحــدهما‪ ،‬أ ّمـا سـائر‬ ‫قادت المـرابطين إلى احتالل كــل األنـدلس‪ ،‬كـانت من صــنع حـاكم ُمرسـية ُّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ال ّدويالت في ذلك الوقت‪ ،‬فهي إ ّما كانت على والئها لالتحاد اليمني أو خاضعة أصال لحكم النصارى‪ .‬واالتهمات الــتي كثــيرا مــا‬
‫يتم ترديدها بحق ال ُمعت ِمد‪ ،‬في أنّه استولى على هذه ال ّدويالت بالقوة‪ ،‬إنما تفنّدها‪ ،‬في اعتقادنا‪ ،‬عالقاته ال ّشخصــية والقبليّــة معهــا‪،‬‬
‫‪.‬عدا عن عدم وجود أيّة سجالت عن تنظيم غزوات خالل فترة حكمه أفضت إلى مثل هذه الفتوحات‬
‫توصـلنا إلى القســم األكــبر من‬ ‫ّ‬ ‫وسيكون من اإلطالة واإلسهاب المم ّل سرد وقائع تفصيلية تؤيّد ما أوردنــاه للتّـوّ‪ .‬وقــد‬
‫المعلومــات من خالل مقارنــة جــداول األنســاب في نهايــة ترجمــة ڠايــانڠوس للمقّــري وفي كتــاب دوزي «تــاريخ المــور» ‪483‬‬
‫»مع إفادات لهؤالء الكتاب ضمن النّص ولدى كون ِده‪ ،‬وكتاب «بنو َعبّاد» لدوزي‪ ،‬و«دراسات ‪Geschichte der Mauren‬‬
‫»للسـنيور پـونس‪ ،‬و«تـاريخ الموحّـدين ‪» Historiadores y geografos‬لكوديرا‪ ،‬و«مؤرّخـون وجغرافيـون ‪Estudios‬‬ ‫ّ‬
‫لسيمونِه‪ ،‬والجغرافيا ‪» Historia de los Mozarebes‬للمرّاكشي‪ ،‬و«تاريخ المستعربين ‪Histoire des Almohades‬‬
‫ك العملة‪ ،‬كما ورد في مق ّدمة العمل‪ ،‬من «قطع العملــة والمجتمعــات اآلســيوية‬ ‫»لإلدريسي‪ .484‬وحصلنا على المعلومات حول س ّ‬
‫‪ Longworth - Dames.‬للسّيد لونڠوورث دايمز ‪Numismatic and Asiatic Societies‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫‪.‬دير النّور (كونڤنتو دي ال لوث) (رقم ‪ .)2‬العقود القبطيّةـ العربيّة المستدقّة للباحة الدّاخلية الكبيرة‬
‫الفصل الخامس عشر‬
‫إسپانيا والمرابطون‬
‫شكل ال ّزحف السّريع ألهل قشــتالة في نهايــة ســنة ‪ ،1085‬خطــراً جســيما ً وداهمـا ً على كــل نــواحي إســپانيا المســلمة‬
‫ـن لبعض الــوقت هجمــات‬ ‫(األندلس)‪ .‬فقد ضرب ألفونسو السّادس حصاراً فعليا ً على مدينة طُليطلة في مطلع تلك السّنة بعد أن شـ ّ‬
‫ً‬
‫على النّواحي المحيطة بها‪ ،‬وبمساعدة من المسيحيين القوط (المستعربين) داخل األسوار‪ ،485‬دخلها ظافرا في نهاية شــهر مــايو‪.‬‬
‫لم تطل مقاومة يحيى البربري آخر ح ّكام بني ذي النّون الذي كان قد استولى على المدينة بعد سـقوط الخالفـة [في قُرطُبــة] وبقي‬
‫في الحكم حتى ذلك الوقت‪ ،‬وإنما اشترط الستسالمه أن يسـاعده ألفونسـو لالسـتيالء على مملكـة بلنسـية الـتي كـانت وعلى مـدى‬
‫الشـرط بال تــر ّدد وأرسـل ألڤـار فـانييث‬ ‫عشرين عاما ً موضع خالف بين بني ذي النّون وبني أبي عامر‪ .‬وافق ألفونسو على هــذا ّ‬
‫وألن يحــيى كــان عـاجزاً عن ‪Alvar Fañez‬‬ ‫ّ‬ ‫بجمع كاف من العساكر ليفرض يحيى بالقوة على أهل بلنسية غير الرّاغبين بــه‪.‬‬
‫دفع أتعابهم‪ ،‬أعطاهم أرضا ً في المقابل‪ ،‬فاستقرّوا عليها واغتنـوا من خالل اإلغـارة على النّــواحي المحيطــة‪ .‬وفي الـوقت نفســه‪،‬‬
‫القريبــة من لورقــة‪ ،‬وراحــوا يغــيرون ‪ Aledo،‬كانت َس َرقُسطة تحت الحصار وتحصّنت فرقة من عساكر قشتالة في قلعــة أليط‬
‫على ال َمريّة‪ .486‬وهكذا‪ ،‬في نهاية ‪ 1085‬لم يكن ألفونسو قد استق ّر في طُليطلــة فحســب وإنمــا في موقــع يؤهّلــه ألن يضـ ّم بلنســية‬
‫ي وقت يشاء‬ ‫‪.‬وربما َس َرقُسطة‪ ،‬في أ ّ‬
‫وباإلضافة إلى تق ّدمه باتجاه ال ّش رق‪ ،‬كان ألفونسو يدفع قواته كذلك باتجاه الجنوب والغرب‪ .‬ويقول المقّري إنه مــا إن‬
‫إصـبحت طُليطلــة في يــده حـتى راح يتو ّغـل ويغــير على أراضـي ملـوك إشـبيلية وبطليــوس‪« ،‬وأخـذ يجـوس من خالل الـ ّديار‪،‬‬
‫الصـغار أن‬ ‫ويستفتح المعاقل والحصون»‪ ،‬ومع اشتداد وطأة ملك الفرنج على المسلمين اتفق هــؤالء الملــوك وعــدد من األمــراء ّ‬
‫‪.‬يدفعوا له «شيئا ً معلوما ً كل سنة»‪ ،‬بدالً من أن تبقى أراضيهم وممتلكاتهم تحت رحمة نقمته المد ّمرة‪487‬‬
‫لم يكن لدى مسلمي إسپانيا من القوة التي تتيح لهم التّص ّدي لتقـ ّدم النّصــارى الثّــابت والمخيــف‪ .‬حــتى إشــبيلية‪ ،‬أقــوى‬
‫ممالك األندلس‪ ،‬كانت أضعف من أن تقاوم ألفونسو بمفردها‪ ،‬وقد باءت جهود ال ُمعت ِمد المستمرّة لل ّم شمل كل اإلمارات الصّغيرة‬
‫من أجل ال ّدفاع عن النّفس بالفشل بسبب الحسد المتأصّل بين ح ّكامها‪ .‬ولم يعد لدى مسلمي إسپانيا بعـدـ أن صــاروا وحــدهم ســوى‬
‫أن عليهم مغــادرة البالد‪ ،‬ويقتبس‬ ‫خيارين ليس إال‪ ،‬كما يقول دوزي‪ :‬االستســالم أللفونســو أو النّفي‪ .‬ورأى كثــيرون منهم بالفعــل ّ‬
‫رحيل‪ ،‬ألن البقاء ليس سوى ضرب من الحماقة‪488‬‬ ‫‪.‬دوزي سطراً من قصيدة لشاعر ينصح أهل األندلس بال ّ‬
‫الضـيق وقلــة الحيلــة‪ ،‬لم يعــد لــدى أهــل األنــدلس من خيــار ســوى االســتغاثة بمســلمي‬‫وهكذا وعلى ما كانوا منه من ّ‬
‫أفريقيا؛ ولكن هذا الخيار كان محفوفا ً بمخــاطر جســام‪ .‬فيوســف بن تاشــفين قــد يكــون قــادراً بالفعــل على كبح جمــاح ألفونســو أو‬
‫تدميره‪ ،‬لكنه قادر كذلك على أخذ األندلس‪ ،‬كما أخذ القسم األعظم من شمال أفريقيا‪ .‬لقد كان ال ُمعت ِمد وأمراء الممالــك األقــل شـأنا ً‬
‫جميعهم واعين تماما ً لهذا الخطر‪ ،‬ولكن بدا لهم أنه أهون ال ّشرور‪ ،‬وفعلوا ما بوسعهم لضمان حريتهم عندما أخــذوا على يوســف‬
‫‪.‬تعهداً بأنه لن يجرّدهم من ممتلكاتهم وأراضيهم‪489‬‬
‫أن حياة ال ُمعت ِمدـ نفسه في خطر من ألفونسو بسـبب بعض‬ ‫باإلضافة إلى الخطر العام المحدق بكل إسپانيا المسلمة‪ ،‬بدا ّ‬
‫صعوبات في دفع الجزية له‪ .‬ويورد المقّري روايات مسهبة تتعلّــق بهــذا الحــادث‪ ،‬اســتناداً إلى كتّــاب عاشــوا في القــرن الثّــالث‬ ‫ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫عشر (وربما) الرّابع عشر تباعا‪ ،‬ويالحظ «وتختلف رواية ابن اللبّانة عما تق ّدم»‪ .‬ومن المؤسـف أنـه لم يــورد روايــة ابن اللبّانـة‬
‫السـبب الــذي جعــل المقّــري يحجم عن نقلهـا‪ .‬والتّفاصــيل الــتي‬ ‫الذي كان معاصراً لل ُمعت ِمدـ وصديقه‪ .‬والحقيقة األخــيرة قــد تكــون ّ‬
‫ي حال ليست لها عواقب مه ّمة؛ عدا عن أنها تظهــر وجــود اختالف نوعـا ً مــا‪ّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫يوردها غير دقيقة على األرجح‪ ،‬وهي على أ ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬ذلك كان أحد األسباب التي أثرت على ال ُمعت ِمد عندما اتخذ قراره لالستنجاد بالمرابطين‬
‫بأن ال ُمعت ِمدـ كان وراء فكرة طلب المساعدة من يوسف بن تاشفين؛ وأخبر بذلك أمــراء غرناطــة‬ ‫وتفيد كافة الرّوايات ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ Ibn Zagut‬وبطليوس الذين بعثوا برسلهم لحضور اجتماع دعاهم إليه في إشبيلية وحضره كــذلك قاضــي قرطبــة وابن زقــوت‬
‫حاكم مالقة الذي عيّنه ال ُمعت ِمد‪،‬ـ ووزير ال ُمعت ِمد نفسه‪ ،‬ابن زيدون‪ .‬وتق ّرر في هذا األجتماع طلب المســاعدة من يوســف‪ ،‬والوحيــد‬
‫الذي خرج عن االجماع هو حاكم مالقة الذي أشار إلى مــدى خطــورة مثــل هــذه الخطــوة على اســتقاللية البالد‪ ،‬وأشـار عليهم أن‬
‫األحرى بهم أن يتناسوا خالفاتهم ويتّحدوا كمسلمين صالحين في مواجهة ألفونسو‪ ،‬عندها تصبح قوتهم ال تقهر‪ .‬لكن هــذا التّفكــير‬
‫الحكيم‪ ،‬كما يقول الكاتب الذي نقل عنـه دوزي وقـائع األحـداث‪ ،‬قوبـل باسـتهجان‪ ،‬واعتـبر اآلخـرون ابن زقـوت مسـلما ً مارقـاً‪،‬‬
‫إن ال ُمعت ِمدـ حمل بنفسه خطاب ال ّدعوة إلى ابن تاشفين‪490‬‬ ‫‪.‬يستحق القتل‪ .‬وتقول بعض المصادر ّ‬
‫نزل يوسف بالجزيرة في يونيو ‪ ،1086‬وتنازل حـاكم تلـك المدينــة الرّاضـي باهلل‪ ،‬ابن ال ُمعت ِمــد‪ ،‬عنهــا البن تاشـفين‪،‬‬
‫فأصلح تحصيناتها‪ ،‬ثم توجّه إلى إشبيلية حيث انض ّم إليه أمراء األندلس وعساكرهم‪ ،‬ثم انتقل إلى ساحة المعركة الكبرى‪ .‬ويقــول‬
‫إن ال ُمعت ِمدـ تولّى قيادة كل قوات األندلس‬ ‫‪. (.ii. 130).‬كون ِده ّ‬
‫إن الجيشــين عســكرا على‬ ‫كون ِده هو المصدر الوحيد الذي وجــدنا لديــه معلومــات تشــير إلى موقــع المعركــة‪ .‬ويقــول ّ‬
‫في األيكة والسّهول التي« )أحد روافد نهر يانة ‪ Guadajra‬قد يكون نهر( ‪» Nahr - Hagir‬الضّفتين المتقابلتين لنهر «هاجر‬
‫‪» (.ii. 134)491.‬تسمى ال ّزالقة‪ ،‬على بعد أربعة فراسخ من بطليوس‬
‫جرت المعركة في ‪ 23‬أكتوبر من عام ‪ ،1086‬وكــانت نتيجتهــا هزيمــة ســاحقة أللفونســو (األذفــونش)‪ .‬ولكن نتيجــة‬
‫ّ‬
‫وألن ال ُمعت ِمـ دـ وأهـل‬ ‫ألن أمراء األندلس‪ ،‬كمـا يقـول كونـ ِده‪ ،‬لم يثبتـوا أو يبلـوا بالء حسـنا‪،‬‬ ‫المعركة بدت في البدء غير محسومة ّ‬
‫إن يوسـف فــوجىء بهجــوم جيش النّصـارى‪ّ ،‬‬
‫وإن ال ُمعت ِمــد‬ ‫إشبيلية هم وحدهم الذين قاتلوا ببسالة؛ وهذا ما يؤ ّكده المرّاكشي بقوله ّ‬
‫خرة الجيش مع أصحابه «أغنى ذلك اليوم غنا ًء لم يُشهد ألحد قبله»‪492‬‬ ‫‪.‬الذي كان في مؤ ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫وبعد انتصار يوسف بن تاشفين وال ُمعت ِمدـ في معركة ال ّزالقة‪ ،‬توجّها معـا إلى إشـبيلية الـتي بقي فيهـا يوسـف مـدة في‬
‫الح ْميَري ما جرى خالل تلك ال ّزيارة بقوله‬ ‫‪:‬ضيافته‪ .‬ويروي المقّري نقالً عن ِ‬
‫فل ّما انتهى ابن تاشفين إلى إشبيلية مدينة ال ُمعت ِمد ‪ -‬وهي من أحسن المدن وأجلّها منظراً ‪ -‬أمعن يوســف النظــر فيهــا«‬
‫ّ‬
‫وفي محلها‪ ،‬وهي على نهر عظيم مستبحر تجري فيه السّفن بالبضائع جالبة من ب ّر المغرب وحاملــة إليــه‪ ،‬وفي غربيّهــا رُســتاق‬
‫بشـ َرف إشــبيلية‪ ...‬وفي‬ ‫ضياع كلها تين وعنب وزيتون‪ ،‬وهذا هــو المســمى َ‬ ‫عظيم مسيرة عشرين فرسخا ً يشتمل على آالف من ال ّ‬
‫جانب المدينة قصور ال ُمعت ِمدـ وأبيــه المعتضــد في غايـة الحسـن والبهـاء‪ ،‬وفيهــا أنـواع مـا يُحتــاج إليـه من المطعـوم والمشــروب‬
‫والملبوس والمشروف وغير ذلك‪ ،‬فأنزل ال ُمعت ِمد يوسف بن تاشفين في أحـدها‪ ،‬وتـولّى من إكرامــه وخدمتـه مـا أوسـع شــكر ابن‬
‫‪.‬تاشفين له»‪493‬‬
‫إن ابن تاشــفين‬ ‫لقد بدا يوسف وتاشفين وال ُمعت ِمد حتى تلك اللحظة على أحسن حال وفي وئام تــام‪ ،‬ويقــول المرّاكشــي ّ‬
‫جال في األندلس كما رغب وكان «في خالل ذلك كله يظهر إعظام ال ُمعت ِمـ دـ وإجاللـه ويقـول مصـرِّحا ً إنمـا نحن في ضـيافة هـذا‬
‫رجل وتحت أمره وواقفون عند ما يح ّده»‪ ،‬وإنه لن يبقى في إسپانيا أطول م ّما يرغب له مضيفه‪494.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ولكن في هذا الوقت‪ ،‬كان هناك من يوغر صدر بن تاشفين على ال ُمعت ِمدـ وهو أبــو يحــيى مح ّمــد بن معن بن صــمادح‬
‫المعتصم‪ ،‬صاحب ال َمريّة‪ ،‬والذي كان «قديم الحسد لل ُمعت ِمد كثــير النّفاسـة عليــه‪ ،‬ولم يكن في ملـوك الجزيـرة من يناوئــه غــيره‪..‬‬
‫[وكان] أكبر أسباب تقريب أمير المسلمين [يوسف بن تاشفين] إياه ثناء ال ُمعت ِمد عليه عند أمير المسلمين ووصفه إيــاه عنــده بكــل‬
‫فضل‪ ....‬ولما اشت ّد تم ُّكن المعتصم من أمير المسلمين بدا له أن يســعى في تغيــير قلبــه على ال ُمعت ِمــد وإفســاد مــا بينهمــا‪ ...‬فشــرع‬
‫شهر»‪495‬‬ ‫‪.‬المعتصم فيما أراده من ذلك ولم يدر أنه ساقطٌ في البئر التي َحفر‪ ،‬وقتي ٌل بالسّالح الذي َ‬
‫إن ال ُمعت ِمد يعيش عيشة إسراف وترف‪ ،‬وال يفكر سوى في نعيمــه‪،‬ـ وإنــه أخــذ أمــواالً طائلــة‬ ‫وقيل ليوسف بن تاشفين ّ‬
‫من رعيّته بالظّلم لينفقه على ملذاتــه المحرّمــة وتسـاليه التافهــة‪ ،‬وإنــه بــدال من أن يــولي اهتمامــه لضــبط بالده وحفظهـا وصــون‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫رعيته‪ ،‬لم يكن يفكر سوى في إشباع رغباته الخالصة‪ .‬وقيل له كذلك إن أصحابه وأنصاره وكبار وزرائه والعــاملين في بالطــه‪،‬‬
‫وبدالً من أن يحذوا حذوه في حماقته‪ ،‬كانوا غير راضين عن سلوكه وغير مسرورين بما يفعلــه؛ وباختصــار‪ ،‬لم تُــترك ح ّجــة إال‬
‫الصـارم والمتقشــف‪ ،‬الــذي كــان معروفـا ً باقتصــاده وبســاطة عاداتــه‬ ‫وسيقت للحطّ من قدر ملك إشبيلية في نظــر القائــد المرابــط ّ‬
‫إن يوسف نفسه و ّجه طواعية انتقادات لسلوك ال ُمعت ِمد بهــذه العبــارات على مســامع حاشــيته‪ ،‬ولكن‬ ‫الح ْميَري ّ‬
‫وانكاره لذاته‪ .‬يقول ِ‬
‫إن «العديدـ من أصحاب يوسف كانوا ينبّهونهـ كل يوم إلى هذه األمور‬ ‫‪».‬هذا القول يتناقض مع جملة في الفقرة نفسها تقول ّ‬
‫من ناحية ثانية‪ ،‬كان هناك من نبّه ال ُمعت ِمد إلى ضرورة عدم الوثوق بضيفه‪ ،‬الذي قيل له إنه كان «طامعا ً في ملكك»‬
‫إن «[عليك] أن تجمع أمرك على قبض ضيفك‬ ‫وإنه يو ّد «الحلول لما أنت فيه من خصب الجناب»‪ .‬ونصح هؤالء ال ُمعت ِمد بقولهم ّ‬
‫هذا واعتقاله في قصرك‪ ،‬وتجزم أنك ال تطلقه حتى يأمر كل من بجزيرة األندلس من عسكره [من األفارقــة] أن يرجــع من حيث‬
‫‪.‬جاء»‪ 496‬إلى البادية‬
‫ي من الرّجلين أو كليهما بشأن حقيقة مــا نُقــل اليهمــا م ّمن يحيطــون بهمــا‬ ‫ليس غريبا ً أن يعتري ال ّشك والرّيبة صدر أ ّ‬
‫من أهل الغدر السّاعين إلى تأليب كل منهما على اآلخر؛ حيث لم يتوقف أصحاب المكائد عن إسداء النّصح‪ ،‬وإنما قــاموا بتكــرار‬
‫ما قيل على مسامع من كان ضحية لالفتراء‪ ،‬وكأن تلك الكلمات صدرت على لسان هذا الملــك أو ذاك‪ .‬وفيمــا يلي مثــال على مــا‬
‫‪:‬كان يفعله أصحاب المكائد‬
‫‪:‬ذات يوم وال ُمعت ِمدـ غارق في تفكيره‪ ،‬تشاجر أحد ندمائه مع رجل غريب كان يسدي إليه نصائح توغر قلبه‪ ،‬فقال«‬
‫‪».‬ما كان [ألمير] مثل ال ُمعت ِمد على هللا ‪ -‬وهو إمام أهل المكرمات ‪ -‬م ّمن يعامل بالحيف‪ ،‬ويغدر بالضّيف«‬
‫فقال ال ّر جل [الذي لم يرد اسمه]‪« :‬ال بأس‪ ،‬إنما الغدر أخذ الحق من يد صاحبه‪ ،‬ال دفع الرّجل عن نفســه المحــذور«‬
‫‪»».‬إذا ضاق به‬
‫‪»».‬فقال ذلك النّديم‪« :‬ضيم مع وفاء‪ ،‬خير من حزم مع جفاء«‬
‫أن هــذه األخبـار بلغت‬‫وصرف ال ُمعت ِمد النّاصح ال ّزائـف بعــد أن شـكره على نصـحه و«وصــله بصـلة»‪ .‬ولكن يبـدو ّ‬
‫يوسف بن تاشفين «فأصبح غادياً‪ ،‬فق ّدم له ال ُمعت ِمدـ الهدايا السّنيّة والتّحف الفاخرة‪ ،‬فقبلها ثم رحل» في اليوم نفسه بعد أن اســتأذنه‬
‫‪497.‬‬
‫ي ثمن‪ .‬فقــد عارضــوا‬ ‫لقد كان سلوك األمراء ال ُّسنّة والبربر ثابتا ً على ال ّدوام؛ كان هدفهم األوحد هو بوار ال ُمعت ِمــد بــأ ّ‬
‫ك في أن يؤ ّدي ترك ال ُمعت ِمدـ وحيداً بال سند إلى سقوطه سريعا ً أمام ألفونسو‪ .‬قد يكــون تص ـرّفهم في‬ ‫استدعاء يوسف‪ ،‬آملين بال ش ّ‬
‫فإن سعيهم إلى إنزال الهزيمة بال ُمعت ِمدـ ويوسف كان يتّسم بالغــدر على أقـ ّل تقــدير‪ .‬ولكنهم وبعــد‬ ‫ال ّزالقة نابعا ً من جُبنهم‪ ،‬وبالمثل ّ‬
‫فشل محاوالتهم‪ ،‬عقدوا العزم على تقويض العالقة الجيدة التي نشأت في البـدء بين يوسـف وال ُمعت ِمـد‪ ،‬وقــد نجحـوا في ذلــك أيّمــا‬
‫نجاح‪ .‬والمثير لل ّدهشة أنهم أعموا عيونهم عن واقع بديهي وهو أن سقوط ال ُمعت ِمد ال ب ّد أن يجلب معه سقوطهم هم أنفســهم‪ ،‬وكمــا‬
‫‪.‬رأينا فقد أثار ذلك استغراب المرّاكشي‬
‫‪.‬عاد يوسف إلى المغرب بعد فترة وجيزة من معركة الزّاّل قة‪ ،498‬ولكنه استدعي بعد ذلك بعامين‬
‫الشـرقية كــانت تعــاني من ضــعف كبــير‪ ،‬وكــانت حاميــة الفونســو‬ ‫والسّبب في اســتدعائه للمــرة الثّانيــة أن الـ ّدويالت ّ‬
‫مصدراً للقالقل لكل تلك النّواحي وتشكل خطراً جاثما ً على صدر ال َمريّة و ُمرســية ولورقــة‪ Aledo، .‬المتمركزة في حصن أليط‬
‫ضرية استقرّت في تلك النّاحية قبل نحو أربعمئــة وخمســين ســنة واســتولت‬ ‫كان يحكم ُمرسية ابن رشيق‪ ،‬وهو من عائلة عربية ُم َ‬
‫عن طريق المكائد على تلـك ال ّدويلـة وال زالت‪ .‬ولم يكن مضـى وقت طويـل على تقـديم حـاكم لورقـة الـتي يقـع حصـن أليـط في‬
‫نواحيها نفسه عامالً لدى ال ُمعت ِمد يدفعه إلى ذلك طمعه في مساندته له في مواجهة النّصارى المتمركزين في أليط‪ .‬وكانت ال َمريّــة‬
‫تحت حكم المعتصم البربري‪ .‬سافر ال ُمعت ِمدـ بنفسه إلى المغرب ليشرح الوضع ليوسف الذي عبر البحــر في عــام ‪ 1088‬واجتمــع‬
‫السـر‪ ،‬وهــو‬ ‫بملوك االندلس بالقرب من أليط‪ .‬وإلى هذا اللقاء‪ ،‬جاء المعتصم‪ ،‬الصّديق المخلص لل ُمعت ِمــد في الظّــاهر وعــدوّه في ّ‬
‫يرتدي بُرنسا ً أسود كذاك الذي يرتديه يوسف‪ .‬ومـا كــان من ال ُمعت ِمـ دـ إال أن سـخر من تغيــيره لطريقـة لبســه فقـال إنـه كـان يبـدو‬
‫ألن أصحابه في ال َمريّة أعتادوا أن يلبسوا األبيض‪ .‬لقــد كـان لهــذه الحادثــة البســيطة أثـ ٌر على الوضـع‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫كغراب بين الحمائم‪ّ ،‬‬
‫أن المعتصــم ويوســف ينتميــان إلى مــذهبينـ متعارضــين‪ ،‬ولكن‬ ‫ال ّشيعة عادة ما يلبسون السّواد وال ُّسنة البياض‪ .‬كان من الواضــح ّ‬
‫ّ‬
‫شيعي‪499‬‬ ‫‪.‬ذلك كان مؤشراً إلى أن المعتصم مستعد للتّخلي عن وسم مذهبه لكي يفوز برضا السّلطان ال ّ‬
‫حاكم غرناطــة ‪ Ibn Zeyr‬وسرعان ما برز الخالف ما بين ال ُمعت ِمد وابن رشيق‪ .‬كان يوسف وال ُمعت ِمد وابن زيري‬
‫متفقين على أنّه من األفضل للمسلمين أن يهاجموا النّصارى على حدودهم ألن حصن أليط كان منيعا ً وحصـاره سـيكون مضـيعة‬
‫للوقت‪ .‬لكن ابن رشيق عارض هذه الفكرة ورغب في محاصرة الحصن‪ .‬واحتدم النّقاش حول هــذه المســألة حــتى أن ابن رشــيق‬
‫شهر سيفه في وجه ال ُمعت ِمدـ الذي اتهمه بأنه ينتصر لفكــرة محاصـرة الحصــن لمــا فيــه مصــلحة النّصـارى وبأنــه عقــد اتفاقـا مــع‬
‫أن ذات الـبين أُصـلحت بين المتخاصـمين‪ ،‬ويقـول المرّاكشـي إنـه وبفضـل‬ ‫ألفونسو‪ ،500‬فاعتُقل ابن رشيق وأودع السّجن‪ .‬ويبدو ّ‬
‫مساعي يوسف الحميدة‪ ،‬وافق ابن رشيق بعدها على إعادة ُمرسية إلى بني طاهر‪ ،‬وهم أحق بحكمهــا‪ ،‬في مقابــل مبلــغ من المــال‬
‫‪.‬وتعيينه حاكما ً على ناحية من نواحي إشبيلية‪501‬‬
‫السـجن‬‫ولكن وفي هذه األثنـاء‪ ،‬نجمت عن الخالف مــع ابن رشـيق اضــطرابات جســيمة‪ .‬فلـدى رؤيـة قائــدهم يــودع ّ‬
‫انسحب قادة قوات ُم رسية من الميدان بعسكرهم‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك وحسب وإنما عسكروا على الطّريــق المؤ ّديــة إلى حصــن أليــط‬
‫المحاصـرين‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وراحوا يعترضون مرور االمدادات إلى المعسكر ويسلبون التّجّـار كــل مــا يحملونــه‪ .‬وتسـبّبوا بــذلك بمجاعــة بين‬
‫‪.‬وعندما بلغ األمر ألفونسو تو ّجه برتل من قواته إلى أليط‪ ،‬مستنفراً حلفاءه في كل ناحية طلبا ً للعون‬
‫إن يوسف لم يغامر بانتظار وصول ألفونسو بسبب االنقسامات في صفوفه وانسحب باتجاه لورقة يرافــق‬ ‫يقول كون ِده ّ‬
‫إن يوسف ذهب إلى لورقة‪ ،‬ومع أنه ال يذكر سوى تفقــده للعســكر هنــاك‪ ،‬فأنــه ال‬ ‫ال ُمعت ِمد وقواته أويتبعه‪ .‬ويقول المرّاكشي كذلك ّ‬
‫و ُج ّل ما يذكره عن تلك الفترة يؤ ّكد في خطوطه العريضة مــا يرويــه ‪ Aledo،‬يق ّدم أيّة معلومات حول ما حصل في حصن أليط‬
‫لنا كون ِده‪ .‬بلغ ألفونسو أليط وحرّر المدافعين النّصارى‪ ،‬لكنه لم يس َع إلى السّيطرة على الموقع الــذي كــان في قلب بالد المســلمين‬
‫‪502.‬‬
‫الضـوء على حقبــة‬‫قبل أن نواصل سرد قصّة بن يوســف وال ُمعت ِمـ دـ الــتي انتهت بنفيــه وســجنه‪ ،‬علينــا أن نلقي بعض ّ‬
‫مه ّمة من حكم المعمتدـ والتي ال يوجد عنها سوى القليل جداً من المعلومات‪ ،‬ولكنها كانت‪ ،‬إن ص ّح حدسنا‪ ،‬ذات تــأثير كبــير على‬
‫مصيره‪ .‬إنهــا فــترة تحالفــه مــع ألفونســو‪ .‬لم يــذكر المؤرّخــون العــرب شــيئا ً عن ذلــك‪ ،‬والرّوايــات المنقولــة في الحوليّــات العامة‬
‫مرتبكة إلى ح ّد كبير في سردها لتسلسل األحداث‪ ،‬ومن الصّعب التّوفيق بينهــا وبين األحـداث الـتي نقلهـا ‪Crónica general‬‬
‫المؤ ّرخون العرب والمتصــلة بحيــاة ال ُمعت ِمــد‪.‬ـ ولكن‪ ،‬في خضــم االلتبــاس واالرتبــاك‪ ،‬تــبرز واقعــة أو اثنتــان‪ ،‬ينبغي أخــذهما في‬
‫‪.‬االعتبار‬
‫‪:‬في الحوليّات الخاصة بألفونسو السّادس‪ ،‬نعثر على المقاطع التّالية‬
‫كانت تربط الملك ألفونسو صداقة عميقة بابن َعبّاد ملك إشبيلية الذي كان حماه وج ّد األمـير دون سـانچو ابن الملـك«‬
‫ألفونسو‪ ،‬وقد اتفقا معا ً على أن يصبحا ملكين على كل مسلمي إسپانيا‪ ..‬الذين كانوا يكنّون حقداً أعمى على ال ُمعت ِمـ دـ ملــك إشــبيلية‬
‫‪.‬بقولهم إنه وإن كان مسلما ً في العلن‪ ،‬فإنّه كان في السّر نصرانيا ً وعد ّواً للنّبي مح ّمد»‪503‬‬
‫ويتبع هذا المقطع سرد لكيف أوصى ال ُمعت ِمدـ ألفونسو بالتّحالف مــع المــرابطين‪ ،‬ووصــف لتفاصــيل مجــيئهم‪ .‬وتقــول‬
‫إن ملك المغرب كان مسروراً بصداقة ألفونسو وإنه أرسل إليه أحد قــادة جيشــه الــذي ثــار وأعلن اســتقالله‪ .‬وعنــدها ثــار‬ ‫الرّواية ّ‬
‫مسلمو إسپانيا رافضين دفع الجزية والخضوع أللفونسو‪ .504‬سعى ملــك إشــبيلية إلعــادتهم إلى رشــدهم‪ ،‬وعنــدها تشــاجروا معــه‬
‫‪.‬وقتلوه باعتباره نصرانيا ً في السّر‪505‬‬
‫يستحيل التّوفيق ما بين الرّواية اإلسپانية وال ّروايات العربية‪ ،‬على قدر ما نعرفه حتى اآلن منها‪ ،‬وبالطبع فـ ّ‬
‫ـإن القــول‬
‫بأن األمراء قتلوا ال ُمعت ِمدـ ليس صحيحا ً على اإلطالق‪ .‬ولكن هناك قدراً من الصّحة في المزاعم التي تحـ ّدثت عن وجـود عالقـات‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪ (ii.‬من نوع ما بين ال ُمعت ِمدـ وألفونسو على شكل «عهود ســرية» تم التفــاوض عليهــا بينهمــا بوســاطة ابن ع ّمــار‪ ،‬يرويهــا كونـ ِده‬
‫أن ما نقله يعود إلى سنة سابقة‪ .‬كما تؤيّد هذه الرّواية ما نقله كتّاب آخرون بشأن الموقف العدائي الذي اتخذه ‪62)،‬‬ ‫وإن كان يبدو ّ‬
‫‪.‬أمراء األندلس منه‬
‫لكن الواقعة التي ال تُدحض وبالغة األهمية المذكورة في الحوليّات هي أن ألفونسو تزوج ابنة ال ُمعت ِمدـ زايدة‪ .‬وهذا مــا‬
‫ي من المؤ ّرخين العرب الذين اطّلعنـا على كتابـاتهم‪ ،‬مـا عـدا إشـارة مبهمـة وردت لـدى كونـ ِده ‪ ،506‬وعلينـا أن نـزوّر‬ ‫لم يذكره أ ّ‬
‫‪.‬الحوليّات لكي نحصل على هذه المعلومة‬
‫إن ولي‬ ‫يناقش ساندوڤال‪ ،‬كاتب سجالت ألفونسو السّادس‪ ،‬تـاريخ الـ ّزواج ويميـل إلى اعتمـاد سـنة ‪ 1097‬ألنـه يقـال ّ‬
‫أن هــذا خطـأ‬ ‫العهد سانچو المولود من ذاك ال ّزواج‪ ،‬كان في الحادية عشرة من عمره عندما قتل في معركة أقليش‪ .‬ونحن نعـرف ّ‬
‫ألن ال ُمعت ِمدـ كان قد ُجـ رّد من ملكــه ونفي في عــام ‪ .1091‬ولكن يســتحيل بنــا ًء على المعلومــات الــواردة في الحوليّــات الوصــول‬
‫بصورة أكيدة إلى التّاريخ الصّحيح لل ّزواج‪ .‬فقد تزوج ألفونســو سـت مـرات‪ ،‬وينبغي الحصـول على تـواريخ زيجاتــه من تواقيـع‬
‫أن زايــدة ع ّمــدت عنــدما تــزوجت منــه باســم‬ ‫زوجاته العرضية على الهدايا واالمتيازات التي منحها لهن‪ .‬وما يزيد من االرتبــاك ّ‬
‫إيزابيل والتي تقول شاهدة قبرها إنها توفيت في ســنة ‪ 1107‬وكــانت ابنــة لــويس‪ ،‬ملــك فرنسا‪ .507‬ولكن كاتبـا ً ســابقا ً اقتبس عنــه‬
‫أن هذا القول يدحضه ليس فقــط‬ ‫ماريانا ح ّل تلك المشكلة العويصة بقوله إن زايدة لم تكن زوجته على اإلطالق وإنما خليلته؛ غير ّ‬
‫االحتمال المستبعد تمامـا ً بــأن يكــون ال ُمعت ِمـ دـ قبــل البنتــه مثــل هــذه المكانة‪ ،508‬والمهــر الــذي منحهــا إيــاه‪ ،‬ولكن كــذلك الشـاهدة‬
‫ّ‬
‫الشـاهدة تــاريخ وفاتهــا‪.‬‬ ‫الموضوعة على قبرها والتي تذكر بوضوح أنها كانت زوجــة ألفونسو‪ .509‬ولألســف لم يُــذكر على تلــك ّ‬
‫ضريح الموجود في الكنيسة الملكية في سان إيسيدورو في ليونة‬ ‫‪.‬ولكن الكاتب يورد وصفا ً تفصيليا ً دقيقا ً لل ّ‬
‫وقعت معركة أقليش في سنة ‪1108‬؛ كان سانچو في ذلك الحين‪ ،‬كما ورد في الحوليّات الملكيــة‪ ،‬في الحاديــة عشــرة‬
‫«على أبعد تقدير»‪ .‬لكن توقيع ول ّي العهـد ُمرفـق بمنحـة وهبهـا لـه والـده في سـنة ‪ 1103‬عنـدما كـان بالكـاد في السّادسـة‪ ،‬وفـق‬
‫‪.‬الحوليّات عينها‪510‬‬
‫الــتي تزوّجهــا على مــا ‪ Constance of Burgundy‬كانت زوجة ألفونسو الثّانية كونستانس ابنــة دوق بورڠونيا‬
‫ألن توقيعها كملكة مرفق بوثيقة تعود الى نهاية تلك السّنة‪ ،‬وكانت حيّة في أبريــل ‪ 1087‬عنــدما ورد اســمها‬ ‫يبدو في سنة ‪ّ 1077‬‬
‫إلى جانب اسم زوجها على منحــة من االمتيــازات الى رجــال الـ ّدين في أســترقة‪ .‬لم يــرد اســمها بعــد ذلــك في الحوليّــات‪ .‬ويقــول‬
‫السـنة تــزوج ألفونســو من بيرتا‬ ‫ساندوڤال الـذي قـام بجمعهـا إنهـا تـوفيت في ســنة ‪ 1092‬لكنـه ال يـورد مـا يؤيــد ذلـك؛ في تلــك ّ‬
‫التي قيل إنها فرنسية األصل‪ .511‬توفيت كونستانس على األرجح في سنة ‪ ،1087‬وتزوج ألفونسو عندها زايدة‪ .‬وبنا ًء ‪Bertha،‬‬
‫عليه يكون عمر ابنها سانچو تسعة عشر أو عشرين عامـا ً عنــدما حصـلت واقعــة أقليش‪ ،‬أو أربعــة عشـر أو خمســة عشــر عامـا ً‬
‫أن هذه التّواريخ تتفــق مــع مــا ورد‬ ‫عندما وقّع على منحة والده‪ ،‬وذلك أكثر احتماالً من األعمار الواردة في الحوليّات؛ وفي حين ّ‬
‫بأن المفاوضات إلتمام ال ّزواج بدأت «بعد االستيالء على طُليطلة‬ ‫وال يورد الكــاتب وصـفاً ألحــداث ‪» (p. 294).‬في الحوليّات ّ‬
‫ُ‬
‫‪.‬سنة ‪ ،1097‬التّاريخ الذي يح ّدده لحصول ال ّزواج‪ ،‬بوصفه حصل «بعد االستيالء على طليطلة» في عام ‪1085‬‬
‫ـن ألفونســو الحــرب على ال ُمعت ِمــد وغــزا أراضــيه‪ .‬ولكن‬ ‫وعليه تخبرنا الحوليّات‪ ،‬أنه بعد االستيالء على طُليطلــة‪ ،‬شـ ّ‬
‫ال ُمعت ِمدـ كان راغبا ً في مصادقته‪ ،‬و«أكثر منه كذلك ابنته» التي تعلّقت بــه عاطفيــا بنــاء على األخبــار المنقولــة عن صــيته الـ ّـذائع‬
‫ومفاتنه‪ .‬وبموافقة والدها‪ ،‬أرسلت كلمة إلى ألفونسو تبلغه أنها تو ّد رؤيته‪ ،‬وأنها راغبة في ال ّزواج منــه بعــد وفــاة زوجتــه‪ ،‬وأنهــا‬
‫راغبة في أن تمنحه البلدات والحصون التي تملكها‪ .‬وتم ترتيب لقاء في أوكانية؛ ووقع اإلثنان في الحب منــذ أن وقعت عينــا كــل‬
‫منهما على اآلخر‪ ،‬وتم ترتيب ال ّزواج‪ُ .‬ع ِّمدت زايدة وجلبت معها مهـراً بلــدات وحصـون قونقـة ووبـذة وأوكانيــا وأقليش ومـورة‬
‫وڤاليرا وكونسويقرا واألرك وكركويل‪« ،‬والعديدـ من المواقع األخرى ذات األهميـة الكبـيرة بالنّســبة للفتوحـات الــتي كـان الملـك‬
‫الشـرق من محافظــة ‪ Cuenca‬يعتزم القيام بها»‪ .‬ويقع معظم هذه البلدات والحصون حاليا ً فيما يعرف اليوم بمحافظة قونكة‬ ‫إلى ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬طليطلة وأسهمت في تقوية النواحي التي يسيطر عليها ألفونسو وم ّدها باتجاه حدود آراغون وبلنسية‪512‬‬ ‫ُ‬
‫أن الرّغبــة في‬‫أن طفالً واحداً ولد من هذا ال ّزواج‪ ،‬لكنه كان ذكراً ولم يكن لدى ألفونســو ســوى بنــات‪ .‬وال شــك ّ‬ ‫يبدو ّ‬
‫‪.‬إنجاب ولي للعهد كان وراء زيجات ألفونسو المتع ّددة‬
‫إن ال ُمعت ِمدـ عقد عهداً سريا ً مـع ألفونسـو قبـل وقت قصـير من سـقوط طُليطلـة كـانت نتيجتـه )‪ (ii. 62‬ويقول كون ِده‬ ‫ّ‬
‫المباشرة أن هاجم ألفونسو األراضي التّابعة لتلك المدينة‪« ،‬بهدف المض ّي قُدُما ً في تحقيق خطــط ابن َعبّــاد»‪ .‬وفيمــا بعــد‪« ،‬ول ّمــا‬
‫أن‬‫يكتف بفتح مدينة طُليطلة وإنما‪ ..‬كان يستولي على المــدن والحصــون من دون مقاومــة‪ ،‬ف ّكــر في ّ‬ ‫ِ‬ ‫رأى ابن َعبّاد أن ألفونسو لم‬
‫عليه أن يضع حداً لهذه الفتوحات خشية من اتســاع ســلطانه‪ .‬فكتب إليــه يطلب منــه أن يعــزف عن احتالل المــدن التّابعــة لمملكــة‬
‫طُليطلة وأن يكتفي بتلك المدينة‪،‬ـ وأن ينفّذ ما عرضه عندما عقدا التّحالف بينهما‪ .‬أجاب الملك ألفونسو بأنــه مســتع ّد لمســاعدته في‬
‫األندلس بإرسال نخبة من قوات الخيّالة ولكي يثبت له أنه يقيم وزنا ً التفاقهما أرسل لــه خمســمئة من الخيّالــة ليغــزو بهم أراضــي‬
‫غرناطة»‪ ،‬وشرح له أن البلدات التي احتلها هي ُملك له ولصديقه وحليفه ملك بلنســية‪ .513‬يــروي كونـ ِده أن هــذه الواقعــة حــدثت‬
‫مباشرة قبل روايته (أو إحدى رواياته‪ ،‬وهمــا اثنتــان) المتعلقــة باللقــاء الــذي عقــده األمــراء والــوالة ونتج عنــه دعــوة يوســف بن‬
‫‪.‬تاشفين‬
‫وتكمن أهمية روايات كون ِده هذه في أنها تؤ ّكد اإلشارات المرتبكة الواردة في الحوليّات بشأن قيام حلف بين ألفونســو‬
‫‪.‬وال ُمعت ِمد‪،‬ـ وإن كان من غير األكيد متى حصل ذلك‬
‫ويبدو أنّه ليس مستبعداً‪،‬ـ مع ذلك‪ّ ،‬‬
‫أن هذا الحلف قــام بعــد معركــة ال ّزالقــة‪ .‬ويتفــق ذلــك مــع التّــاريخ الــذي افترضــناه‬
‫ّ‬
‫أن هناك سببا جيدا لــه يتمثـل في الخـوف الـذي أثارتـه تلــك المعركـة في صـفوف الطـرفين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لزواج ملك قشتالة من زايدة‪ ،‬ويبدو ّ‬
‫فال ُمعت ِمدـ الذي كان يخشى على نفسه من تد ّخل األفارقة‪ ،‬ربما زادت مخاوفه تلك بسبب النّتيجة المباشرة الســتنجاده بــالمرابطين‪:‬‬
‫فألفونسو خرج مهزوما ً من معركة ال ّزالقة في الــوقت الحــالي‪ ،‬ولم يكن هنــاك مــا يــردع يوســف من االســتيالء على كــل إســپانيا‬
‫ي دعم‪ ،‬وتفيد الحوليّات أنه طلب مساعدة دوق بورڠونيا وأمراء فرنسا‪،‬‬ ‫المسلمة لو شاء‪ .‬أ ّما ألفونسو فكان يبحث من جانبه عن أ ّ‬
‫راً عبر أراضيه إلى فرنسا‪514‬‬ ‫‪.‬وقال لهم إن لم يق ّدموا له العون فقد يتوصل إلى اتفاق مع يوسف ويعطيه مم ّ‬
‫أن العالقات الوثيقة بين ال ُمعت ِمدـ وألفونسو ساهمت في توسيع شقّة الخالف بين يوسف وملــك إشــبيلية والــتي‬ ‫ك ّ‬
‫وال ش ّ‬
‫كانت قد بدأت تظهر نتيجةً للمكائد التي دبّرها المعتصم وغيره من أعــداء ال ُمعت ِمــد‪.‬ـ وعــاد يوســف للمــرة الثّالثــة في عــام ‪،1090‬‬
‫شـن الحـرب على الكفّـار»‪ .‬وبهــذه المناســبة يقــول المقّــري إنــه «لم‬ ‫دون أن ينتظر استدعاءه هذه المرة‪ .‬جاء بمبادرة منه «بغيــة ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ينض ّم إليه أي من أمراء األندلس على ال ّرغم من أنه طلب منهم ذلك‪ ،‬األمر الذي أغضب يوسف كثــيرا فق ـرّر معــاقبتهم على قلــة‬
‫اكتراثهم وتجريدهم م ّما يملكونه»‪ .‬استولى يوسف على غرناطة ثم عاد إلى أفريقيا تاركا ً أحــد ق ـوّاده ســير بن أبي بكــر ليواصــل‬
‫‪:‬الحرب‪ .‬أبلغه سير أنه ال يلقى العون من ملوك األندلس فكتب إليه يوسف يبلغه باآلتي‬
‫أصدر إليهم األمر بمرافقتك إلى بالد العدو (أراضي النّصارى) فإن أطاعوا‪ ،‬كان ذلك األمر حســناً‪ ،‬وإن رفضــوا‪«،‬‬
‫ّ‬
‫حاصر مدنهم وهاجمهم واحداً بعد اآلخر ود ّمرهم بال رحمة‪ .‬عليك أن تبدأ بأولئك األمــراء الــذين تقــع ممــالكهم على الثغــور مــع‬
‫‪.‬العدو‪ ،‬ولكن ال تهاجم ال ُمعت ِمد حتى تصبح سائر بالد األندلس طوعا لك»‪515‬‬
‫ال يق ّدم الكاتب سببا ً للتّغيّر الذي طرأ على موقف يوسف بن تاشفين من ال ُمعت ِمدـ على هللا الذي كانت تربطه بــه عالقــة‬
‫بأن ال ُمعت ِمدـ قد عقد عهداً مع ألفونسو‪ ،‬فقد كان ذلك بال شك ســببا ً كافي ـا إلزاحتــه‬
‫ً‬ ‫مو ّدة إلى قبل عامين‪ ،‬ولكن لو أنه كان على علم ّ‬
‫عن ملكه‪ .‬ولكن من الممكن كذلك أن يكون سير قد أفرط أو استبق أوامره‪ ،‬ألننا نجد الرّواية التّاليــة لــدى القرطــبي كمــا ترجمهــا‬
‫‪:‬عنه ڠايانڠوس‬
‫أرسل األمير (يوسف) عندها سير إلى إشبيلية وقد أمره بأن ينتزع ال ُملك من أيدي ال ُمعت ِمدـ على أن يضــمن ســالمته«‬
‫أن األمـير لم يصـدر مثـل هـذه‬ ‫إن استطاع‪ ،‬وبأن يقتل كل من يعارضه سواء من أهل المدينة أو العساكر‪ .‬ويـزعم بعض الكتّـاب ّ‬
‫األوامر حيث أنه كان قد أقسم لل ُمعت ِمدـ عالنية في إحدى المناسبات بأنه لن ينزع ملكه إال إذ رغب العلماء والقضاة وقادة العســكر‬
‫‪.‬وكبار أهل المدينة أن يفعل ذلك»‪516‬‬
‫وأن الهجـوم بـات وشـيكا ً على إشـبيلية‪،‬‬ ‫للشـك في أنـه عنـدما أيقن ال ُمعت ِمـ دـ أن يوسـف انقلب عليـه ّ‬ ‫يبدو أنه ال مجـال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫استنجد بألفونسو‪ ،‬وأن ألفونسو أرسل إليه العسكر‪ .‬لكن القائد سير التقى بالقشتاليين وأوقفهم فلم يتمكنوا من التقدم أكثر من حصن‬ ‫ّ‬
‫إن إشبيلية تعرّضت للهجــوم من الــب ّر ومن وادي النّهــر وش ـبّت‬ ‫المدور (المودوڤار دل ريو) بالقرب من قُرطُبة‪ .‬يقول المرّاكشي ّ‬
‫النّار في «شوانيها»‪ ،517‬ولم يعد الثّبات فيها ممكناً‪ .‬ومع ذلك «التوت الحال أياما يسيرة إلى أن ورد األمير سير بن أبي بكــر بن‬
‫ً‬
‫ك ّ‬
‫أن‬ ‫تاشفين وهو ابن اخي أمير المسلمين بعساكر متظاهرة وحشود من الرّعيّة وافرة»‪ ،518‬فاشــت ّد الحصــار على المدينــة‪ .‬ال شـ ّ‬
‫ك الحصـار عن المدينــة‪ .‬يتحـ ّدث‬ ‫حالة الغموض المؤقتة تلك كانت ناجمة عن التّساؤل ع ّما إذا كانت ق ّوات ألفونسو ستتمكن من فـ ّ‬
‫كون ِده عن كرم ألفونسـو «المثـير لالسـتغراب» في هبّتـه لنجـدة ال ُمعت ِمـد‪،‬ـ ولكن تحالفـه مـع ابن َعبّـاد وعالقـة المصـاهرة بينهمـا‬
‫السـريع‬ ‫يش ّكالن سببا ً كافيا ً لذلك‪ ،‬هذا عدا عن مصلحته ال ّشخصية التي تدفعه الغتنام أيّة وسيلة ممكنة لمواجهــة تقـ ّدم المــرابطين ّ‬
‫‪.‬ومقاتلتهم‪519‬‬
*   *   *
‫سادس عشر‬ ‫الفصل ال ّ‬
‫بنو هود وابن َمردنيش‬
‫في سنة ‪ ،1106‬كان يوسف بن تاشفين يحتضر وقد بلغ المئة عام‪ ،‬وكانت وصيّته األخيرة البنه أن يتخذ من إشــبيلية‬
‫وأن عليه أال يتع ّر ض لقبيلة مصمودة والقبائل األخرى في جنوب المغرب‪ ،‬وأن يعقد صلحا ً مــع بــني‬ ‫مق ّراً لبالطه وليس قُرطُبة‪ّ ،‬‬
‫رقسطة‪520‬‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬هود‪ ،‬سالطين َس َ‬
‫ويتفق مع ذلك مـع ما يـورده كونـ ِده فـي الجوهـر عـن وصيّـــة يوســـف وهـــو علـــى فـــراش المـــوت‪ ،‬ويضــيف أنــه‬
‫أن والــدة علي بن يوســف كــانت‬ ‫أوصـى ابنه أن ال يخـوض الحرب بغيـر ضـرورة (راجـع نهج علي‪ ،‬الصّفحة ‪ .)75‬ويضيـــف ّ‬
‫‪.‬أما كاتبـه فهـو أبو مح ّمـد‪ ،‬أحـد أبنـاء ال ُمعت ِمـد ملك إشبيليـة‪ Comaica 521‬نصرانية تدعـى كومايكا‬
‫غالبا ً ما يوصف يوسف بن تاشفين بالمتز ّمت الذي كان ج ّل تفكيره ينصبّ على إعالء شأن عقيدته وترسيخها‪ ،‬ولكن‬
‫وصيته البنه على فراش الموت قلّما تؤ ّكد هذه ال ّرؤية عن شخصيته‪ .‬لقد كان اختيار إشبيلية عاصمة‪ ،‬على ما نظن‪ ،‬عائدا لقيمتها‬
‫ً‬
‫كميناء نهري داخل البالد وأه ّميتها ألنها كانت بحكم األمر الواقع عاصمة األنــدلس على مــدى قــرن تقريبـاً‪ ،‬ولحقيقــة أن سـ ّكانها‬
‫كانوا من ال ّشيعة‪ ،‬من أبناء المذهب نفسه الذي يتبعه المرابطــون‪ .522‬وسـرعان مــا وجــدت مخــاوف يوســف من قبائــل مصــمودة‬
‫وسائر القبائل األخرى في الجنــوب تــبريراً لهـا‪ ،‬عنــدما تمكن هـؤالء الــبربر األفارقــة الــذين كـانوا شــديدي التّـز ّمت مقارنــة مـع‬
‫‪.‬المرابطين‪ ،‬من انتزاع كل ممتلكاتهم في أفريقيا وإسپانيا على السّواء‬
‫السـلم معهم كـانت نابعـة من معرفتـه بمـدى القـوة الـتي تتمتـعـ بهـا‬ ‫أن وصيّة يوسف لعقـد ّ‬ ‫أ ّما بنو هود‪ ،‬فمن الواضح ّ‬
‫السّاللة اليمنية الوحيدة الباقية في األندلس والتي كانت على االرجح قادرة‪ ،‬في حال معاداتهـا للمـرابطين‪ ،‬أن تجمــع تحت رايتهــا‬
‫فـإن ذكـراه ظلّت‬ ‫أن ال ُمعت ِمدـ كـان قـد تـوفي وانتهى أمـره‪ّ ،‬‬ ‫كل جموع السّكان المتعلّقين بانتمائهم القبلي وبالمذهب ال ّشيعي‪ .‬ورغم ّ‬
‫أن بني أبي عــامر‪ ،‬وبــني العــامري وبــني طــاهر وبــني األفطس وســائر األشــراف اليمنــيينـ هُزمــوا‬ ‫حيّة في أذهان شعبه‪ .‬ورغم ّ‬
‫وجرّدوا من ممتلكاتم فقد كان النّاس ال يزالون مخلصين لهم‪ ،‬وكل ما كانوا يحتاجونه وجود قائد ليهبّوا في وجــه القــادمين الجــدد‬
‫اال في حال تولّى هؤالء ال ُملك بصورة سلمية من خالل التّحالف مع أصحابه األصليين‪ .‬كانت َس َرقُسطة حالة متميّزة وحافظ بنــو‬
‫‪.‬هود على عالقات جيدة مع بني تاشفين حتى سنة ‪1126‬‬
‫السـنة‪ ،‬كــان عبــد الملــك بن هــود مهـ ّدداً بهجــوم يشــنه عليــه المرابطـون على أسـاس عجــزه عن الـ ّدفاع عن‬‫في تلك ّ‬
‫ّ‬
‫رقسطة بعد أن استولى عليها نصارى الشمال في سنة ‪ ،1118‬بعد حصار طويل‪523‬‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬عاصمته َس َ‬
‫السـابق هــو خشــيتهم من أن يــؤ ّدي خضــوع ابن هــود‬ ‫ويبدو أن السّبب الحقيقي وراء إغــارة المــرابطين على حليفهم ّ‬
‫أن علي بن يوســف نســي تحــذير والــده من عــدم‬ ‫أللفونسو األول ملك آراغون إلى اإلضرار بقضيّة المسلمين في إســپانيا‪ .‬ويبــدو ّ‬
‫ّ‬
‫ألن قوتهم تكمن في كونهم على عالقـات جيـدة مـع النصـارى‪ .‬احتفـظ ابن هـود بعـدـ‬ ‫إعطاء أيّة ذريعة لبني هود لل ّشعور بالتّهديدـ ّ‬
‫سقوط عاصمته بالقسم األكبر من أراضيه من خالل التّخلّي عن عدد من الحصون الحدودية بفضل التّوقيـع على عهـد صـلح مـع‬
‫‪.‬المحتلين‬
‫عندما بلغه ما يدبّر له علي بن يوسف‪ ،‬كتب لـه خطابـا ً مطـ ّوالً يـذ ّكره فيـه بالعهـد الـذي وقّعـه أبـوه يوسـف مـع أبيـه‬
‫المستعين‪،‬ـ والذي نصّ على أن يحتفظ األخير بمملكته‪،‬ـ ويلمح إلى أن ما وصل واليه في المغرب بشأن تعامله مع النّصارى قد تم‬
‫‪:‬تحريفه‬
‫معاذ هللا أن نفضّ ما اتصل بيننا من مو ّدة وأن نجلب على أنفســنا األذى فنــدع أعــداءنا يشــمتون بنــا؛ وكمــا حافظنــا«‬
‫حتى اآلن في العلن وفي ال ّس ّر على الصّداقة التي تجمع بين طليعة قومنــا‪ ،‬فال تــدع نوايــا المستشــارين المغرضــة أو جهلهم ســببا ً‬
‫‪...‬لقطع ما اتصل بيننا من وئام‬
‫إن هللا هو ال َحكم وهو المنتقم من كل من ابتغى بنا ش ّراً وزرع ال ّشقاق والخالف فيما بيننــا؛ـ وأعــود وأقــول ّ‬
‫إن هللا هــو‬ ‫ّ‬
‫‪».‬ال َحكم العدل وإليه الحُكم‬
‫رقُسطة‪524‬‬ ‫‪.‬وبنا ًء عليه‪ ،‬غيّر علي بن يوسف رأيه وأمر قائده بعدم التّعرّض لممتلكات ملك َس َ‬
‫ال يأتي المقّري على ذكر هذه الحقبة‪ ،‬ولكن عدم قيامه بذلك ليس مسـتغربا ً ألن مـا نقلـه عن بـني هـود مختصـر وقـد‬
‫صصه من عمله للحديث عن المرابطين‪ .‬يبدو وكأن‬ ‫خصّص له أقل حيّز ممكن‪ ،‬كما هي في الحقيقة الحال بالنّسبة للجزء الذي خ ّ‬
‫ّ‬
‫هؤالء القوم‪ ،‬سواء كانوا من «قطعان المتو ّحشين القادمين من صحارى أفريقيا»‪ ،‬أو من النّخبة المتعلمة ذات األصــول اليمانيــة‪،‬‬
‫السـنّة في القــرن‬ ‫ومن المذهب ال ّشيعي على وجه التّأكيد‪ ،‬ما كانوا يحظــون سـوى بقليــل من االهتمـام لــدى مـؤرّخ أهــل األنـدلس ُّ‬
‫السّابع عشر‪ .‬وهو لم يكن بالطّبع ليجد صعوبة في الكشف عن أصولهم أو أيّة تفاصيل تتعلّــق بصــعود نجمهم أو أفولــه ســواء في‬
‫‪.‬أفريقيا أو إسپانيا‬
‫أن أثر بني هود زال من التّاريخ سنة ‪ 1146‬بوفاة أحمــد بن عبـد الملــك الــذي أُخــذت منــه مدينــة‬ ‫يفترض المؤرّخون ّ‬
‫ّ‬
‫َس َرقُسطة‪ .‬ويقال إنه بعد ثالث سنوات من وفاة أبيه تخلى للنّصارى عن جميـع الحصـون الـتي كـانت ال تـزال معـه على الحـدود‬
‫أن ڠايانڠوس لم يذهب في شجرة العائلة التي رسمها لساللة بني هود أبعد من سنة ‪ .1146525‬لكن تلك لم‬ ‫ال ّشرقية لألندلس‪ ،‬كما ّ‬
‫تكن نهاية بني هود ألنهم اعتلوا السّلطة مج ّدداً بعد تسعين سنة من ذلــك التّــاريخ‪ ،‬وفي فــترة متق ّدمــة حــتى ‪ 1255‬نجــد مح ّمــد بن‬
‫‪.‬مح ّمد بن هود‪ ،‬ملك ُمرسية‪ ،‬يشهد على منحة باعتباره من ع ّمال ألفونسو العاشر‪526‬‬
‫يمت بصلة إلى موضوعنا‪،‬‬ ‫وسنتجاوز انقالب المو ّحدين على المرابطين واستحواذهم على ملكهم في أفريقيا كونه ال ّ‬
‫وكذلك الثّورات المتع ّددةـ التي قام بها أمراء أق ّل أهميــة في االنـدلس‪ ،‬ونخـوض في أحـوال اليمــانيين لــدى هزيمــة ألفونســو األول‬
‫ووفاته في سنة ‪ 1134‬والتي أ ّدت بصورة مفاجئة إلى بروز أحد اليمانيين وذيوع شهرته ليصــبح خالل وقت قصــير حاكمـا ً على‬
‫‪.‬جميع الممالك تقريبا ً في شرق األندلس والتي كانت ضمن االتحاد الموالي لهشام الثّاني وال ُمعت ِمد‬
‫‪.‬إنه مح ّمد بن سعد الجُذامي‪ ،‬المعروف باسم ابن َمردنيش‬
‫أن بعض ال ّدماء النّصرانية كانت تسري في عروق ابن َمردنيش‪ .‬كان نصارى ال ّشمال يطلقون عليــه‬ ‫يبدو من المؤ ّكد ّ‬
‫وجرت محاوالت عدة إلثبات أنه كان هو نفسه مسيحياً‪ ،‬ولكننا لم نعــثر على شــىء ‪ Lobo،‬أو لوبو‪ Lope 527‬اسم الملك لوپِه‬
‫إن اســم‬ ‫في تاريخه يمكن أن يشرح لماذا قام البابا بعد مئة سنة من وفاته بتسميته «الملك لوپِه الممجّدة ذكــراه»‪ .528‬يقــول دوزي ّ‬
‫َمردنيش مشتق من اسم مارتينيث‪ .‬لكن السّنيور كوديرا يقول إنه ال يقبل بهذا التّفسير ألسباب تتعلــق بالكتابــة اإلمالئيــة في اللغــة‬
‫بأن اسم َمــردنيش ليس اســما ً عربيـا ً لكنــه يقــترح اســم مردونيــوس كأصــل لــه بــدالً من مــارتينيث‪.‬‬‫العربية‪ .‬وهو يتفق مع دوزي ّ‬
‫ويقترح السّنيور كوديرا إن َمردنيش قد يكون من أحفاد البيزنطيين القادمينـ من قرطاجة‪ ،‬ويورد لتأييد وجهـة نظـره مـا قيـل عن‬
‫الصـفات الجســمانية لبنــات أســرة‬ ‫أن بناته كان شعرهن أشقر وعيونهن زرق‪ .529‬لكن السّنيور كوديرا ال يؤكد ما هو منقول عن ّ‬
‫ً‬
‫َم ردنيش‪ ،‬ولكننا نفترض أنهن ورثنها كذلك من أصلهن القوطي‪ ،‬والذي هو أقرب من األصول البيزنطية البعيدة‪ .‬وأيا كانت عليه‬
‫إن ابن َمردنيش كــان ُجــذامياً‪ ،‬في حين يقــول المقّــري إنــه نصــراني األصل‪.530‬‬ ‫فإن المؤ ّرخ ابن الخطيب يقول بوضوح ّ‬ ‫الحال‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫صعب أن يرتكب ابن الخطيب‪ ،‬اليماني هو نفسه‪ ،‬خطأ في تحديـدـ أصـل نسـب حـاكم بمثـل هـذه الشـهرة‪ ،‬األمـر الـذي‬ ‫يبدو من ال ّ‬
‫يرجّح أن يكون ارتكبه المقّري الذي كتب بعده بثالثة قرون ولم يكن على اطالع على المصادر اليمنيــة‪ .‬وعليــه ســنعتمد على ّ‬
‫أن‬
‫ابن َمردنيش الذي أصبح ملك كل ممالك ال ّشرق اليمانية‪ ،‬ينتسب إلى قبيلة جُذام مثل جاره ابن هود ملــك َس َرقُســطة‪ .‬أ ّمــا عالقاتــه‬
‫ال ّشخصية مع القوط المسيحيين‪ ،‬فسيبقى ذلك سؤاالً مفتوحا ً إلى أن نحصل على المزيــد من المعلومــات عن تلــك الفــترة والــتي لم‬
‫‪.‬تُكشف بعد للعالم‬
‫كان سعد‪ ،531‬والد ابن َمردنيش قائداً اشتهر ببسالته وحنكته‪ ،‬وكان العنصر الرّئيسي في هزيمة ألفونســو األول ملــك‬
‫آراغون ووفاته في عام ‪ .1133‬عندما ضرب ألفونسو حصاراً حول أفراغة‪ ،‬قاوم سعد‪ ،‬حاكمها في ذلك الــوقت‪ ،‬مقاومــة شــديدة‬
‫فكسب الوقت إلى حين وصول القائد المرابط ابن غانية‪ 532‬لنجدته واالشتباك مع قوات ألفونسو‪ .‬لقد تد ّرب ابن سعد‪ ،‬الذي نعرفه‬
‫فذاً‪ .‬صــاهر ابن ســعد بن‬ ‫باسم ابن سعد بن َمردنيش‪ ،‬على استخدام السّالح منذ صغره‪ ،‬فلما بلغ الثّامنة عشرة كان قد أصبح قائداً ّ‬
‫َمردنيش أمير ُمرسية ابن عيّاض‪ 533‬الذي عيّنه حاكما ً على بلنسية؛ ولما توفي ابن عيــاض خلفــه ابن َمــردنيش ليصــبح أمــيراً أو‬
‫‪.‬ملكا ً على ُمرسية‪534‬‬
‫الشـاب مح ّمــد بن ســعد بن َمــردنيش على ابنــه عنــدما طُلب منــه أن يعيّن‬ ‫ضل القائد ّ‬
‫إن ابن عياض ف ّ‬ ‫يقول المرّاكشي ّ‬
‫خليفة من بعده على ملكه‪ .‬ويوضح الم ّر اكشي «فلما حضرته الوفاة اجتمع إليه الجند وأعيان البالد فقالوا له إلى من تســند أمورنــا‬
‫وبمن تشير علينا؟ وكان له ولد فأشاروا به عليه‪ ،‬فقال‪ :‬إنه ال يصلح ألني سمعت أنه يشرب الخمر ويغفل عن الصّالة‪ ،‬فــإن كــان‬
‫ل هللا أن ينفع به المسلمين!»‪535‬‬ ‫‪.‬وال ب ّد فق ّدموا عليكم هذا ‪ -‬وأشار إلى مح ّمد بن سعد ‪ -‬فإنه ظاهر النّجدة كثير الغناء ولع ّ‬
‫فاســتمرّت واليــة ابن سـعد على البالد إلى أن مـات في شــهور ســنة ‪ »568‬الموافقــة ‪ 1172‬ميالديـة‪ ،‬كمــا يضــيف«‬
‫‪.‬المرّاكشي‪536‬‬
‫يمض وقت طويل حتى أصبح ابن َمردنيش حاكمـا ً على جيــان وبيّاســة‪ ،‬وبســطة‪ ،‬ووادي آش‪ ،‬وقرمونــة‪ ،‬أي كــل‬ ‫ِ‬ ‫لم‬
‫ّ‬
‫المدن التي كانت تسعى إلى نيل استقاللها‪ ،‬وكلها أو معظمها‪ ،‬كما تفيد المعلومات المتوفرة‪ ،‬ثارت خلف قادة من أصل يماني‪.537‬‬
‫وخالل وقت قصير صار ابن َمردنيش ملكا ً على القسم األكبر من شرق األندلس وضـرب حصـاراً على إشـبيلية وقُرطُبـة‪ ،‬وكـاد‬
‫ينجح في إخضاعهما إن لم ينجح فعالً في ذلك‪ .538‬ومن خالل ما ذكره ثونيڠا عن ملوك بيّاسة و ُمرسية وغيرهمـا‪ ،‬خالل روايتـه‬
‫أن ابن َمردنيش لم يجرد ح ّكـام تلـك الـ ّدويالت المختلفـة من ألقـابهم وأمالكهم‪ ،‬وإنمـا‬ ‫الستيالء فرناندو الثّالث على األندلس‪ ،‬نعلم ّ‬
‫‪.‬واصل النّهج الذي درج عليه اليمانيون في توحيدهم تحت رايته‪ ،‬وهو ما يفسر تق ّدمه السّريع في توسيع سلطاته وممتلكاته‬
‫وكانت إحدى زوجات ابن َمردنيش ابنة إبراهيم بن مفرّج‪ ،‬الذي اشتهر باسم ابن هَ ُم َشـك‪ ،‬وكــان من أصــل نصــراني‬
‫والتحق ج ّده ألبيه ببني هود في َس َرقُسطة‪ .‬فقد ابن مفرّج إحدى أذنيــه خالل القتـال‪ ،‬وعنــدما التقــاه النّصــارى في الميــدان أطلقــوا‬
‫أو صاحب األذن الواحــدة‪ .‬وهكــذا بــات إبــراهيم معروفـا ً لــدى العــرب باســم ‪ Ha Meshak‬عليه من باب السّخرية اسم هَ ُم َشك‬
‫فإن كلمة‬ ‫تعني «بلسان النّصارى» الرّجل الذي قُطعت إحدى أذنيه؛ )المشك( ‪ al mushk‬هَ ُم َشك‪ ،‬ألنه وكما يقول ابن الخطيب‪ّ ،‬‬
‫‪.‬وانتقل االسم منه إلى ذرّيته‪539‬‬
‫بـاغت ابن هَ ُم َشـك خالل فـترة تحالفـه مـع صـهره ابن َمـردنيش غرناطـة وانتزعهـا من الموحّـدين في سـنة ‪،1162‬‬
‫بالتّواطؤ مع النّصارى واليهود الذين يعيشون داخل المدينة‪.‬ـ فقد دخل ابن هَ ُم َشك س ّراً من بوابة فتحها لــه أنصــاره واســتولى على‬
‫غرناطة دون صعوبة إلى حين وصول تعزيزات كبيرة من األفارقة من المغرب‪ .‬لم يربك ظهور الجيش كثير العــدد ابن هَ ُم َش ـك‬
‫الذي اندفع خارج أسوار غرناطـة وهـزم المو ّحــدين وذبح منهم أعـداداً كبـيرة بعـد أن علقـوا بين الخنـادق واألقنيــة المنتشــرة في‬
‫الممت ّد أمام المدينة‪،‬ـ م ّما أعاق هروبهم‪ .‬واستغرق األمر بضعة أشهر قبــل أن يتم ّكن ح ّكــام األنــدلس االســميون من ‪ vega‬السّهل‬
‫السـلطان المو ّحــد وبعــد معركــة ال يختلــف بشــأنها‬ ‫إخراج حليف ابن َمردنيش القوي من غرناطة‪ .‬وأُرسل جيش كبير بقيادة ابناء ّ‬
‫أحد تقريباً‪ ،‬جرت في السّهل بين جحافل األفارقة وقوات ابن َمردنيش وابن هَ ُم َشك‪ ،‬كان القدر إلى جانب الموحّدين‪،‬ـ وهــرب ابن‬
‫‪َ .‬مردنيش إلى ُمرسية‬
‫بعد فترة من تلــك المعركــة‪ ،‬طلّــق ابن َمــردنيش زوجتــه‪ ،‬وفي النّهايــة‪ ،‬وإن لم يحــدث ذلــك على الفــور‪ ،‬تشــاجر ابن‬
‫هَ ُم َشك معه وانضم إلى الموحّدين‪ .‬وخدم لديهم ض ّد صهره لبضع سنوات‪ ،‬ولكن في سنة ‪ 1175‬طلب أن ينسحب إلى أفريقيا مــع‬
‫‪.‬عائلته وتوفي فيها بعد فترة قصيرة‪540‬‬
‫يكتب كون ِده في هذه الفترة بصورة متك ّررة عن قوات ابن َمردنيش والمـرابطين وكأنهـا تشـ ّكل كاّل ً واحـداً؛ والحقيقـة‬
‫أنهما كانتا كذلك على ما يبدو في فترة غزو المو ّحدين‪ .‬يمكننا أن نأخذ على سبيل المثال استيالء ابن هَ ُم َشك على غرناطــة‪ ،‬حيث‬
‫يقول كون ِده‪« :‬استولى المرابطون على مدينة غرناطة‪ ..‬وولّى ابن َمردنيش نفســه على المدينـةـ بمسـاعدة قريبــه ابن هَ ُم َشـك ملــك‬
‫‪.‬شقورة وحاكم ُمرسية‪ ،‬المتحالف مع النّصارى»‪541‬‬
‫أ ّما بالنّسبة إلشبيلية‪ ،‬فلم ننجح في الحصول على أيّة معلومات مح ّددة بشأن ما اشتهر عن استيالء ابن َمــردنيش على‬
‫موحيا ً إلى أنه كان متعاطفاً‪ ،‬كما هو على ال ّدوام‪ ،‬مع الح ّكام ‪ (p. 181)،‬المدينة‪،‬ـ لكن الم ّراكشي يقول إنه بقي مخلصا ً للمرابطين‬
‫أن ابن َمردنيش نجح تقريبا ً في احتالل إشبيلية وقُرطُبة اللتين أخذهما على حين غـرّة‪ ،‬وكــذلك غرناطــة‪،‬‬ ‫ال ّشيعة؛ ويورد المقّري ّ‬
‫أن المرابطين‪ 542‬وال ّشيعة العرب كــانوا يقــاتلون جنبـا ً إلى جنب مــع ابن َمــردنيش في المــدن الثّالث‪ .‬ويقــول كــوديرا‬ ‫وهذا يعني ّ‬
‫إن هذه األحداث دارت بين عامي ‪ 1162‬و‪ ،1163‬لو أنها‪ ،‬كما نفترض‪ ،‬ش ّكلت جزءاً من حملة واحدة‪543‬‬ ‫‪.‬وكون ِده ّ‬
‫ويــورد المقّــري وكونـ ِده وكــوديرا على ســبيل المثــال المــدن التاليــة بوصـفها أهم المراكــز الــتي خســرها المو ّحــدون‬
‫ّ‬
‫الظّافرون في القرن الثّاني عشر‪ :‬بلنسية‪ُ ،‬مرسية (لم يعد يشار إلى تدمير بوصـفها حكومـة منفصـلة‪ ،‬وعليـه يفـترض أنهـا بـاتت‬
‫اآلن أخيراً ملحقة ب ُمرسية)‪ ،‬و َس َرقُسطة‪ ،‬وال َمريّة‪ ،‬ودانية‪ ،‬وغرناطة‪ ،‬وجيان‪ ،‬وبيّاسة‪ ،‬وبسطة‪ ،‬ووادي آش‪ ،‬ومارتلة‪ ،‬وقرمونة‪،‬‬
‫والغرب‪ ،‬وشلب‪ ،‬ولبلة‪ ،‬وال ّرابطة‪ ،‬وشلطيش‪ ،‬وبالطبع إشبيلية‪ .‬وهي أسماء معروفة بالنّسبة لق ّرائنا ألنه ال يوجد من بينها واحــدة‬
‫لم يرد ذكرها خالل الحروب األهلية سواء في القرن التّاسع أو الحادي عشر‪ ،‬أو كليهما‪ ،‬وبوصفها كانت موالية لقضية اليمــانيين‬
‫‪.‬أو المولّدين في مواجهة الفريق ال ُّسنّي أو البربر‬
‫ومن بين القادة واألمراء اليمانيين‪ ،‬بـ ّز أولئــك الــذين ينتمــون إلى قبيلــتي ُجــذام ولَ ْخم‪ .‬فهاتـان القبيلــتين وفقـا ً ألصــول‬
‫أن العالقة المتينة بينهما تعود إلى التّاريخ الغابر‪ ،‬فقد تش ـبّث أبناؤهمــا‬ ‫السّالالت الذي يورده المقّري‪ ،‬تفرّعت عن أخوين‪ ،‬ورغم ّ‬
‫بعالقاتهم الوثيقة حتى النّهاية كما فعلوا منذ البداية‪ .‬وعليه‪ ،‬اعترف بنو جُذام بوالية ال ُمعت ِمدـ اللَّ ْخمي عندما كان حاكما ً على القســم‬
‫األكبر من إسپانيا المسلمة‪ .‬وعندما نجح ابن َمردنيش‪ ،‬الجُذامي‪ ،‬في بسط سلطاته على ال ّدويالت ال ّشرقية وتأسيس مملكة لهــا من‬
‫‪.‬القوة ما كان لمملكة ال ُمعت ِمد في الغرب‪ ،‬أظهر اللَّخميون في إشبيلية ونواحيها والءهم له‬
‫كانت سياسة ابن َم ردنيش تقوم في خطوطها العريضة على تلك التي اعتمدها كل رجال ال ّدولــة اليمـانيين العظـام من‬
‫ّ‬
‫قبله‪ .‬كان هدفه إقامة دولة مو ّحدة (فدرالية) ضمن حدود البالد المسلمة وعقد عهود حياد أو التّحــالف مــع النّصــارى في الشـمال‪.‬‬
‫بأن تجارتهم ومبادالتهم التّجاريــة‬ ‫وكانت كل ثورة من الثّورات المتعاقبة تجعل األمر بالنّسبة لل ّشيعة التّوّاقين للسّلم أكثر وضوحا ً ّ‬
‫ّ‬
‫صلوا إلى ح ّل وسط مـع النّصـارى‪ .‬كــان المو ّحــدون ال يزالـون قلــة‬ ‫وصناعاتهم وزراعتهم ستتعرّض للتّدمير بال طائل إن لم يتو ّ‬
‫ّ‬
‫وقدرتهم على الوصول إلى إسپانيا فقط عبر البحر ربما جعلت المقاومة المشتركة من جانب االندلسيين ممكنــة‪.‬ـ ولكن النصــارى‬
‫شن الحرب على المســلمين اإلســپان بــات يعتــبر بمثابــة حــرب‬ ‫فإن ّ‬‫كانت لديهم‪ ،‬إذا جاز التّعبير‪ ،‬كل أوروپا خلفهم‪ ،‬وكما نعرف ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪.‬مق ّدسة تكاد ترقى إلى مصاف الحروب الصّليبية في الشرق‪ ،‬قبل وقت طويل من استيالء فرناندو الثالث على إشبيلية‬
‫وهكذا عقد ابن َمردنيش عهـوداً مـع كـل النّصـارى على حـدوده‪ ،‬ال بـل إنـه أرسـل هـدايا من الحريـر المصـنوع في‬
‫والذهب والخيول والجمال إلى هنري الثّاني ملك إنكلترا الذي تلقّى منه هدايا في المقابـل‪ .‬ووقّــع كـل من كــونت برشـلونة‬ ‫ُمرسية ّ‬
‫وملك قتشالة وجمهوريتي پيزا وجنوة معاهدات معــه‪ .‬ونصّ اتفــاق وقّــع مــع الجمهوريــتين في ســنة ‪ 1149‬على أال يتــدخل أهــل‬
‫جنوة بأمور رعايا ابن َمردنيش في طرطوشة وال َمريّة‪ ،‬ومقابل ذلك يتعهّدـ ابن َمردنيش بـدفع عشـرة آالف دينـار مـرابطي خالل‬
‫أن ابن َمردنيش باإلضافة إلى ذلــك «قـ ّدم ألهــل جنــوة المقيمين‬ ‫سنتين‪ .‬لقد كانت تلك العهود بالطّبع محض تجارية الطّابع‪ ،‬حيث ّ‬
‫في بلنسية ودانية فندقا ً أو نزالً للتّجارة ومنع غيرهم من اإلقامة فيه»‪ .‬ويبدو أنه رغب في غرس فضيلة النّظافة الــتي اشــتهر بهــا‬
‫‪.‬المسلمون‪ ،‬والتي لم تكن في ذلك الوقت منتشرة بين النّصارى‪ ،‬ألنه رتّب لتجّار جنوة زيارة للح ّمام مرة في األسبوع مجانا ً‪544‬‬
‫وابتدا ًء من سنة ‪ 1148‬كان ابن َم ردنيش يدفع الجزية ألسياده ملوك قشتالة وبرشلونة عن أمالكه في ُمرسية وبلنسية‬
‫وحتى سنة ‪ 1168‬عندما ج ّدد ألفونسو الثّاني ملك آراغون العهد لم ّدة سنتين عندما خلف [أبـاه األمـير] بـيرنڠر كـونت برشـلونة‪.‬‬
‫الذهب الخالص‪ ،‬كما يالحظ السّنيور كوديرا‪ ،‬والتي يمكن رؤية نماذج منها ضــمن‬ ‫الذهب‪ ،‬من ّ‬ ‫وكانت الجزية مئة ألف مثقال من ّ‬
‫العديد من مجموعات العملة‪ .‬ولكنه ال يوضح ما إن دفع ابن َمردنيش هذا المبلغ لكــل واحــد من الملكــيين النّصــرانيين‪ ،‬أم نصــف‬
‫المبلغ لكل منهما‪ .‬وفي سنة ‪ ،1154‬توجّه ابن َمردنيش مع ألفونسو الثّامن ملك قشتالة لنجدة ال َمريّة عندما حاصــرها المو ّحــدون‪.‬‬
‫ك الحصار‪ .‬وكانت تلك آخــر حملــة مشــتركة‬ ‫وخرج ألفونسو ومعه ‪ 12‬ألف رجل وابن َمردنيش ستة آالف‪ ،‬ولكنهما عجزا عن ف ّ‬
‫‪.‬لهما‪ ،‬ألن ألفونسو مات بعدها بثالث سنوات‪545‬‬
‫لن نمضي في سرد السّجل الطّويل للمعارك واألعمال البطولية الــتي قــام بهــا ابن َمــردنيش‪ .‬ومن الواضــح أنــه ُمــني‬
‫بالكثير من الهزائم‪ ،‬وبعضها كان خطيراً‪ ،‬وما كان يمكن أن يكون األمر في الحقيقة مختلفا ً عن ذلك‪ ،‬نظراً لما كان يحيط بــه من‬
‫بأن هذه المدينةـ أو تلك وغيرهما من المدن التّابعة له‪ ،‬كانت تتع ّرض للحصار بال طائــل‪ ،‬بحيث أنــه‬ ‫أعداء‪ .‬ولكننا نقرأ باستمرار ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫يصعب علينا أن نقبل تقدير السّنيور كوديرا بشأن تضاؤل قوته عندما خطفــه المــوت مبكــرا وهــو في التاســعة واألربعين‪ ،‬في أو‬
‫‪.‬حوالي سنة ‪1172‬‬
‫إن معنوياته انهارت عندما أيقن اســتحالة االحتفــاظ بملكــه في‬ ‫وبختلف المؤ ّرخون بشأن سبب وفاته؛ إذ يقول بعضهم ّ‬
‫ي جبان رعديد‪،‬ـ أصيب بالسّقم ومات خوفـا ً‬ ‫وجه الموحّدين بعدـ أن تحالف حموه مع العدو؛ ويقول آخرون إن ابن َمردنيش‪ ،‬مثل أ ّ‬
‫إن أ ّمــه قتلتــه ألنهــا خشــيت من تصـرّفه العــنيف وأعطتــه‬ ‫عندما سمع بقدوم سلطان مو ّحد جديد إلى إسپانيا‪ .‬ويقول آخرون كذلك ّ‬
‫السّم ألنه شجب بقسوة سلوكها إزاء خدمها وأسرتها وكبار أعيان ال ّدولة‪ .546‬غير أن المرّاكشي يقول إنه مات ميتة طبيعيــة‪ ،‬وإن‬
‫ّ‬
‫كان مات في شبابه‪ .‬لقد ُمني بهزيمة قاسية في الجالب‪ ،‬على بعد أربعــة أميــال من ُمرســية‪ ،‬وانســحب إلى عاصــمته وقــاوم فيهــا‬
‫الحصار حتى وافته المنيّة وحالت دون إتمام عمله‪ .‬وبقيت وفاتــه ط ّي الكتمــان إلى حين وصــول أخيــه أبي الح ّجــاج الــذي أسـرع‬
‫إن أبــا الح ّجــاج ثــار على أخيــه وأعلن‬ ‫السـنيور كــوديرا ّ‬‫قادما ً من دويلة بلنسية التي كان واليا ً عليها باسم ابن َمردنيش‪ .547‬يقــول ّ‬
‫نفسه واليا ً على بلنسية‪ ،‬لكن ما يرويه الم ّراكشي يتناقض مع ذلك‪ .‬وينبغي في هذه األثناء‪ ،‬أن يكون ُرفِع الحصار عن ُمرسية‪ ،‬إذ‬
‫‪.‬يبدو أن أبا الح ّجاج لم يواجه صعوبة في الوصول إلى عائلته داخل المدينة‬
‫الش ـمال حــتى طرطوشــة والردة‬ ‫كانت ُمرسية وبلنسية وال َمريّة موالية البن َمردنيش طوال الوقت‪ ،‬وامت ّد حكمــه إلى ّ‬
‫وأفراغة‪ ،‬وكلها مدن قوية غاية في األهمية كمواقع أمامية على حدود إسپانيا المسلمة‪ .‬وكانت تتبع لسلطاته في الغرب العديـدـ من‬
‫المدن فيما كان في وقت من األوقات ضمن أمالك األمير أرطباس‪ ،‬وامت ّدت حدوده في بعض األحيــان إلى قُرطُبــة وإشــبيلية‪ ،‬إن‬
‫لم تكن المدينتان مشمولتين بسلطاته‪ .‬أ ّما في الجنوب الغربي‪ ،‬فلم تكن لدى مدينتي الغرب ولبلــة وغيرهمــا من الـ ّدويالت والمــدن‬
‫األقل أه ّمية التي يسكنها اليمانيون وأحفاد المولّدين‪ ،‬سوى فرصة قليلة إلعالن تأييده في بسط سلطاته‪ ،‬حيث كانت إشبيلية مركز‬
‫حكم المو ّحدين خالل معظم الفترة التي كانت فيها األندلس خاضعة لسلطانهم؛ لكن ورود ذكر مقاومة الثّــورات بصــورة متقطعــة‬
‫أن قـوّة قــاهرة هي الــتي كــانت تمنعهم من االنضــواء تحت رايــة ابن َمــردنيش وليس رغبتهم في‬ ‫في ذلك الجزء من البالد‪ ،‬يبيّن ّ‬
‫‪.‬ذلك‬
‫هناك العديدـ من اإلشارات إلى تحالفاته مع النّصارى‪ .‬فقد هبّ ملك قشتالة لنجدته لدى حصار ال َمريّة‪ ،‬وأرسل «حاكم‬
‫برشلونة» له العون في عام ‪ .1151‬وفي معركته األخيرة مع المو ّحــدين في الجالب‪ ،‬كــان النّصـارى يشـكلون القسـم األكـبر من‬
‫‪.‬جيشه‪548‬‬
‫وبدافع من بُغضه للموحّدين‪ ،‬قبل شروط ألفونســو الثّــامن ملــك قشــتالة والــتي‬
‫ٍ‬ ‫إن آخر ملوك بني هود‪،‬‬ ‫يقول القرطبي ّ‬
‫تض ّمنت التّخلّي عن حصن ال ّروضة أو روضة اليهود في آراغون وكل المدن الحدودية التّابعة لبــني هــود مقابــل الحصــول على‬
‫«أراض أوسع وأفضل في قشتالة»‪ ،‬وكان هدف ألفونسو من المقايضة أن يبسط سلطاته على المدن الحدودية‪ .‬ويتطابق ذلــك مــع‬ ‫ٍ‬
‫والذي يقول وفقا ً للسّنيور كوديرا‪ 549‬إنه في ســنة ‪ 1149‬اســتولى النّصــارى على ‪» Kartas‬ما ذكره مؤلف «روض القرطاس‬
‫ال َمريّة وطرطوشة والردة وإفراغة وشنترين‪ ،‬وشنتمرية (يفترض أنها شنتمرية بني رزين‪ ،‬أو البراثين)‪ .‬كما يتفــق مــع مــا قالــه‬
‫بأن آخر ملوك بني هود تحالف مع ألفونسو وتنازل له عن كل حصونه على الحدود ال ّشرقية لألندلس‪ ،‬أو إسپانيا المسلمة‬ ‫‪.‬كون ِده ّ‬
‫لكن كل هذه المعلومات ال توضح كيــف تم ّكن ابن َمـردنيش من بســط سـلطاته على معظم إن لم يكن كـل هــذه المـدن‬
‫خالل فترة حكمه‪ ،‬بموافقة من‪ ،‬أو بوصفه ممثالً للنّصارى الذين تنازل لهم بنو هود عنهــا‪ .‬أ ّمــا ال َمريّــة‪ ،‬فــإن صـ ّح أن المو ّحــدين‬
‫أن ابن ع ّمه مح ّمد بن ســعد‬ ‫نجحوا في السّيطرة عليها في وقت من األوقات‪ ،‬فال ب ّد أن ابن َمردنيش استعادها بعد فترة وجيزة‪ ،‬إذ ّ‬
‫السـنيور كـوديرا معلومـات تشـير إلى أن بلنسـية كـانت كـذلك تابعـة لـه في سـنة‬ ‫كان يحكمها باسـمه في سـنة ‪ .1168550‬يقتبس ّ‬
‫إن أبا الح ّجاج يوسف بن سعد حاصر بلنسية‪ ،‬ولدى استيالئه على المدينة قرأ اسم الخليفة العبّاسي في‬ ‫‪ .1169‬ويقول ابن خلدون ّ‬
‫أن ابن َمــردنيش درج على االعــتراف ّ‬
‫بالسـلطة العليــا للعبّاســيين على العملــة‬ ‫ي حال بجديد‪ ،‬ألنه يبدو ّ‬ ‫الخطبة‪ .‬لم يكن هذا على أ ّ‬
‫‪.‬التي س ّكها‪551‬‬
‫أن أبناء مح ّمــد بن ســعد بن َمــردنيش أســلموا األمــر إلى المو ّحــدين بوصــفهم حلفـاءهم أو‬‫يتفق جميع المؤرّخين على ّ‬
‫أولياءهم‪ ،‬في أو حوالي ســنة ‪ ،1172‬لكنهم اختلفــوا في الطّريقــة الــتي أعلنــوا بهــا الطّاعــة لهم‪ .‬وســنعتمد هنــا روايــة المرّاكشــي‬
‫‪.‬باعتباره كان معاصراً لتلك األحداث‬
‫إن أبا عبد هللا مح ّمد بن سعد حين حضرته الوفاة جمع بنيه (‪ )....‬فكــان فيمــا أوصــاهم بــه أن‬ ‫ويقول المرّاكشي «قيل ّ‬
‫قــال‪ :‬يــا بَــن ّي إنّي أرى أمــر هــؤالء القــوم قــد انتشــر وأتبــاعهم قــد كــثروا ودخلت البالد في طــاعتهم وإني أظن أنــه ال طاقــة لكم‬
‫بمقاومتهم فسلّموا إليهم األمر اختياراً منكم تحظوا بذلك عندهم قبل أن ينزل بكم ما نزل بغيركم‪ ،‬وقد سمعتم ما فعلوا بالبالد الــتي‬
‫ي األمرين كان»‪552.‬‬ ‫دخلوها عنوة‪ ،‬ففعلوا ما أمرهم به فاهلل أعلم أ ّ‬
‫تبدو هذه ال ّرواية لنا معقولة‪ ،‬إذ أنه وبغضّ النّظر عن عظمة قــوتهم المتزايــدة باضــطراد‪ ،‬فمن المؤكــد ّ‬
‫أن المو ّحــدين‬
‫كانوا قادرين قبل وفاة ابن َمردنيش على انتزاع ملكه منه‪ .‬لكن ال ب ّد أن أوالده كانوا ال يزالون فتياناً‪ ،‬وربما خاف أال يكون لديهم‬
‫‪.‬ما يكفي من القوة لخوض المعركة‬
‫ويؤيّد كون ِده ما رواه المرّاكشي ويؤ ّكد عليه بقوله إنه بعد وفاة ابن َمردنيش «ملــك شــرق إســپانيا‪ ،‬وبلنســية و ُمرســية‬
‫والعديدـ غيرها من المدن‪،‬ـ التجأ أبناؤه إلى الملك يوسف أبي يعقوب‪ ،‬ملك أفريقيا‪ ،‬وسلّموه كل أراضيهم خشية أال يكونوا قــادرين‬
‫على االحتفاظ بها‪ ،‬ألنهم كانوا يواجهون حربا ً ضروس شنّها عليهم النّصارى من جهة‪ ،553‬وكان الموحّدون األفارقــة ينــاكفونهم‬
‫من الجهة األخرى‪ .‬وقد أعطاه القدر (ليوسف أبي يعقوب) بالم ّجان ما لم يكن يأمل أن يحصل عليه بالقوة؛ فأعطى أبناء ســعد بن‬
‫َمردنيش ألقابا ً ومدنا ً جديدة وتز ّوج واحدة من أخوات هؤالء األمراء»‪ .‬وبعد صفحتين من ذلك يضــيف كونـ ِده فقــرة مــأخوذة عن‬
‫‪:‬كاتب آخر تقول‬
‫السـالم والطّمأنينـة لــدى مسـلمي إســپانيا‪ ،‬تــزوّج األمــير«‬‫في سنة ‪- 1174( 570‬ـ ‪ ،)1175‬ورغبة منه في إحالل ّ‬
‫يوسف أبي يعقوب ابنة سعد بن َمردنيش الجميلة‪ ،‬اخت ملك دانية وشاطبة وقسم كبـير من شـرق إسـپانيا؛ والسـتقبالها وتشـريفها‬
‫‪ ،554.‬وهو منزل يعجز أي لسان عن وصف جماله وعظمته»‪)555‬المهرجانة( ‪» miherghana‬أمر ببناء «المهرگانه‬
‫وهكذا وبعد أن سلّموا‪ ،‬وفقا ً لمصدر آخـر‪« ،‬كـل ممتلكـاتهم» إلى يوسـف‪ ،‬كـان أخـو العـروس ال يـزال «ملـك دانيـة‬
‫أن بني َمــردنيش لم يُجـرَّدوا من ممتلكــاتهم على اإلطالق‪ ،‬وإنمــا أعلنــوا‬ ‫وشاطبة وقسم كبير من شرق إسپانيا»‪ .‬من الواضح هنا ّ‬
‫‪.‬والءهم ومبايعتهم لصهرهم وفق شروطهم عمالً بوصية أبيهم‬
‫إن زواج ابنة ابن َمردنيش من أبي يعقوب الذي يورده كون ِده يؤ ّكده غــيره من الكتّــاب‪ .‬فالمرّاكشــي يــذكر اثنــتين من‬ ‫ّ‬
‫بناته تز ّوج إحداهما يوسف أبو يعقوب‪ ،‬وتزوّج األخرى خليفته «أمـير المؤمـنينـ أبـو يوسـف يعقـوب بن يوسـف»‪ .556‬ويخبرنـا‬
‫أن األمير يوسف ولّى يوسف ع ّم العروس على بلنسية‪« ،‬التي كان لسنوات طويلة من قبل واليا ً عليهــا نيابــة عن‬ ‫السّنيور كوديرا ّ‬
‫‪.‬أخيه الملك لوبو»‪557‬‬
‫ونجــد أنــه في ســنة ‪ ،1224‬كــان أحــد أبنــاء ســاللة بــني َمــردنيش يــدافع عن بلنســية في مواجهــة المو ّحــدين إلى أن‬
‫استسلمت المدينة للنّصارى في سنة ‪ .1238‬وبما أننا لن نجد ذكراً لبني َمردنيش فيما بعد هذا التّاريخ‪ ،‬يمكن أن نفترض أنه كــان‬
‫‪.‬استسالما ً غير مشروط‪ ،‬وإال لكنا توقّعنا العثور على ابن َمردنيش هذا من بين األمراء التّابعين لسان فرناندو مثل جاره ابن هود‬
‫وأصبح االبن الثّاني من بين أبناء ابن َمردنيش الثّمانية أميراالً في أسطول المو ّحدين وقاد حملة على لشبونة في ســنة‬
‫‪1179558.‬‬
‫أن المعلومات المتوفرة هنا تبقى ناقصة وغير مترابطة من النّاحية السّردية‪ ،‬فإننا نعتقــد أنهــا تثبت ّ‬
‫أن اليمــانيين‬ ‫ومع ّ‬
‫السـابقة بوصــفهم في‬ ‫ّ‬
‫والقوط المسيحيين في إسپانيا المسلمة اضطلعوا بــدور مهم في القــرن الثــاني عشــر كمــا فعلــوا في القــرون ّ‬
‫أن التّحــالف مــع النّصــارى كــان‬ ‫الواقع الطّرف الذي كان يتمتع في األندلس بمــا يكفي من القــوة والحنكــة السّياســية لكي يــدركوا ّ‬
‫أن ابن َمــردنيش عــاش لفــترة أطــول لبقيت ال مملكــة غرناطــة وحــدها‬ ‫الطّريق اآلمن الوحيد لكي يتفادوا اإلبادة على أيديهم‪ .‬ولو ّ‬
‫وإنما كافة دويالت ال ّشرق إن لم يكن كذلك تلك الواقعة في الجنوب والجنوب الغربي‪ ،‬لمئتينـ وخمسين سنة أخرى؛ فسياســته هي‬
‫َصـر أن يبــني لنفســه مملكــة حصــينة بمــا يكفي لكي تبقى مســتقلّة بمفردهــا حــتى ســنة‬ ‫بالتّحديدـ تلك التي أتاحت البن األحمر بن ن ْ‬
‫‪1492.‬‬
‫لم يُنشر سوى القليل عن مصــائر اليمــانيين خالل الرّبــع األخــير من القــرن الثّــاني عشــر‪ .‬ولكن من الواضــح أنهم لم‬
‫ي اتجاه‪ .‬ومن بين األسماء التي يوردها كون ِده على صلة بمعركة حصــن األرك‬ ‫يؤيّدوا طوعا ً الحمالت التي شنّها الموحّدون في أ ّ‬
‫في عام ‪ ،1195‬والتي هزم فيها ألفونسو التّاسع ملك قشتالة هزيمة نكراء‪ ،‬ال يوجد اسم واحد يشير إلى كونه من نسب يماني ‪.559‬‬
‫إلى هـروب ‪ Las Navas‬كما أنه ينسب من جهة أخرى الهزيمة النّكراء التي مني بها الموحّـدون األفارقـة في معركـة العقـاب‬
‫ضريين‪ ،‬الذين لم يكونوا كثيري العديد في أ ّ‬
‫ي‬ ‫األندلسيين الذين كانوا في ذلك الوقت كلهم تقريبا ً من ال ّشيعة‪ ،‬إذ يبدو ّ‬
‫أن العرب ال ُم َ‬
‫وقت من األوقات‪ ،‬كانوا قد اختفوا في ذلك الوقت من إسپانيا واختلط المرابطون الذين لم يف ّروا إلى بالدهم األصلية مع اليمــانيين‬
‫‪.‬في شبه الجزيرة اإلسپانية‬
‫أ ّما العُذر المق ّدم لهربهم في خض ّم المعركة فهي المعاملة الوحشية التي تلقاها أحد أصحابهم‪ ،‬وهو أبو الح ّجاج يوسف‬
‫بن قادس الذي أرغم بعد أن دافع بشهامة عن حصن قلعة رباح من أجل أوليائه الموحّدين‪،‬ـ على االستســالم للنّصــارى‪ .‬وكــان قــد‬
‫أرسل إلى «أمير المؤمنين» (أبي عبد هللا النّاصر) الكثير من نـداءات النّجـدة للحصــول على تعزيـزات‪ ،‬لكن وبتــدبير من وزيــر‬
‫ذاك السّلطان‪ ،560‬لم تصل خطاباته إلى مقصدها‪ .‬وعندما وصل أبو الحجّاج المهــزوم إلى معســكر المو ّحــدين مــع حميــه‪ ،‬صــدر‬
‫أمر باعتقال القائدين؛ـ ثم بعد أن ذاقا أنواع العذاب في سجنهما‪ ،‬أخرجا وتم طعنهما بالرّمــاح من دون أن يُســمح لهمــا بــأن يتكلمــا‬
‫‪.‬ليدفعا عن نفسيهما تهمة الخيانة في استسالم قلعة رباح‬
‫وكانت النّتيجة أن احت ّج أمراء األندلس عالنية‪ ،‬وبعد أن لقيا معاملة غــير الئقــة مســتهجنة من جــانب وزيــر أبي عبــد‬
‫هللا‪ ،‬الذي كان على ما يبدو راغبا ً في تأجيج العصيان‪ ،‬ق ّرر القادة األندلسيون وعسـاكرهم من النّخبـة المختـارة‪ ،‬أن يحوّلـوا سـير‬
‫‪.‬خيلهم ويغادروا الميدان مسرعين في خض ّم المعركة التي حمي وطيسها مع النّصارى‪561‬‬
‫أن البالد على شــفا الثّــورة‪ ،‬واصــل‬‫أن أبا عبد هللا هذا كان تعيس الحظ منذ والدته‪ ،‬فعلى الرّغم من تحــذيره من ّ‬ ‫يبدو ّ‬
‫‪.‬في تأجيج غضب مسلمي إسپانيا ضده‬
‫لقد استب ّد الغضب بالملك النّاصــر وألقى بالالئمـة في تلـك الهزيمــة‪ ،‬ال على براعـة النّصـارى وقــوتهم‪ ،‬وإنّمـا على«‬
‫انهزام القادة األندلسيين‪ ،‬وعليه عندما بلغ إشبيلية‪ ،‬انتقم منهم شر انتقام‪ ،‬فقطع رؤوس بعض كبار القادة وجرّد آخرين من ألقابهم‬
‫ومناصبهم‪ .‬ومن خالل إشباعه الجائر لرغبته في الثّأر منهم‪ ،‬أشاع شعوراً كبيراً بالمهانة بين أمراء األندلس وأعيانهــا‪ ،‬فكــان من‬
‫الطّبيعي أن يرغبوا في االنتقام‪ .‬وهكـذا‪ ،‬عنـدما حـانت الفرصـة‪ ،‬كـان هـؤالء األشـراف كثـيرو العـدد مسـتعدينـ أحسـن اسـتعدادـ‬
‫‪.‬ليظهروا قوة تأثير سخطهم المبرّر»‪562‬‬
‫ويعزو الم ّراكشي هزيمة وقعة العقاب إلى انهزام قوات الموحّدين أنفسهم‪ ،‬وليس إلى انســحاب القــادة األندلســيين من‬
‫ميدان المعركة‪ .‬ويقول إنهم منذ عهد أبي يوسف يعقوب كانوا يتسلّمون عطاءاتهم بصورة منتظمة كل أربعة أشــهر في حين أنهم‬
‫كانوا يتأ ّخرون في قبض أجرهم في عهد خليفته أبي عبد هللا‪ ،‬وخصوصا ً خالل هذه الحملة‪ ،‬وقــد ح ّملــوا الــوزراء مســؤولية ذلــك‬
‫وخرجوا إلى المعركة «وهم كارهون‪ ،‬فبلغني عن جماعة منهم أنهم لم يسلموا ســيفا ً وال شــرّعوا رمحـا ً وال أخــذوا في شــيء من‬
‫‪.‬أهبة القتال بل انهزموا ألول حملة اإلفرنج عليهم قاصدين لذلك»‪563‬‬
‫ويتفق ما يرويه الم ّراكشي مع ما رواه كون ِده بشأن عودة األمـير إلى إشـبيلية بعـد معركـة العقـاب وبقائـه فيهـا لفـترة‬
‫‪.‬قصيرة‪ ،‬وإن كان ال يذكر ما حصل بشأن قتل أشرافها‪564‬‬
‫أن قوات الموحّدين كانت تشعر بالسّخط مثل أمراء األندلس وإن اختلفت أسبابها‪ .‬ويورد المرّاكشي بعض‬ ‫وعليه نجد ّ‬
‫ّ‬
‫المعلومات المه ّمة بشأن قوات المو ّحدين هذه لما لها من أثر على المقاومة الطويلة التي أبدتها فيما بعد أمـام قــوات ســان فرنانــدو‬
‫‪.‬في إشبيلية وحواليها‪ ،‬عندما تراجعت سلطة المو ّحدين في سائر األنحاء األخرى‪ .‬وسيتم إيراد تفاصيل ذلك في الفصل التّالي‬
‫أن المو ّحدين لم يكن من قومهم في إسپانيا غير القوات التي كــانت تعســكر في حاميــات مختلــف المــدن‪ ،‬والــذين‬ ‫يبدو ّ‬
‫ّ‬
‫كان جموع الن اس ينظرون إليهم طوال فترة احتاللهم للبالد باعتبارهم أعداء لهم‪ .‬لقد كانت معتقداتهم ال ّدينيةـ وحـدها كفيلـة بإثـارة‬
‫هذا الموقف العدائي لهم‪ ،‬فعلى ال ّرغم من أنهم كانوا يتبعون نوعا ً خاصا ً من «اإلصالح» ويش ّكلون مدرسة خاصّة بهم‪ ،‬فقد كانوا‬
‫سنّة والجماعة‪ ،‬وأنّى حكموا كانوا يحذفون اسم الخليفة العبّاسي من الخطبة‪565‬‬ ‫‪.‬يتبعون مذهب أهل ال ّ‬
‫عندما غدر العساكر بح ّكامهم‪ ،‬باتت النّهاية تلوح في األفق؛ وما كــان يمكن لحــاكم يمــني أن يفـوّت الفرصــة المتاحــة‬
‫‪.‬لكي يثور على األفارقة المتوحّشين والمستب ّدين‬
‫أن بني هود كانوا قد أصبحوا تابعين للنّصــارى في عــام ‪- 1145‬ـ ‪ ،1146‬ثم بــاتت أمالكهم تابعــة‬ ‫وعلى الرّغم من ّ‬
‫إلدارة بني َمردنيش فيما بعد‪،‬ـ لم تكن تلك السّاللة قد زالت‪ ،‬وكنتيجــة لمعركــة العقــاب‪« ،‬عنــدما أتيحت الفرصــة لفــارس شــريف‬
‫النّسب من ساللة ملوك َس َرقُسطة لالنتقام من المو ّحدين واستعادة حقوق ساللته الغابرة‪ ،‬وبفضل بالغته وسخائه ومثــابرة أتباعــه‬
‫‪.‬وأنصاره‪ ،‬جمع عدداً كبيراً من األشراف البواسل الذين بايعوه واعلنوا استعدادهم للتّضحية بأنفسهم في سبيله»‪566‬‬
‫قصـة طويلــة ومضــجرة عن تنبــؤ أحــد المنجّمين بصــعود ابن هـود‪ 567‬وتولّيــه‬ ‫ويؤ ّكد المقّري روايــة كونـ ِده مضــيفا ّ‬
‫ّ‬
‫للسّلطة‪ ،‬وهو ما لسنا بحاجة إلى التّوقــف عنـده ومناقشــته‪ .‬الجـزء المهم في روايـة المقـري هـو قائمـة المـدن الـتي بـايعت القائــد‬
‫ال ُجذامي على الفور‪ .‬هذه المدن هي ‪ -‬وسيعرف قرّاؤنا ما حـ ّل بعــد ذلــك ‪ُ -‬مرســية ودانيــة وشــاطبة وغرناطــة ومالقــة وال َمريّــة‪،‬‬
‫‪.‬اللواتي تبعتها بعد فترة قصيرة قُرطُبة وجيان وغيرها من المدن التي لم يذكرها المقّري‪568‬‬
‫‪.‬ثم يرد مقطع غاية في األهمية ألنه يظهر كيف ثار أهل األندلس على العقيدة التي فرضها الموحّدون على البالد‬
‫جاء في كتــاب المقّــري أنــه «عنــدما رأى ابن هــود ّ‬
‫أن أمــره اســتفحل في األنــدلس‪ ،‬لم يــتر ّدد في أن يتخــذ لقب أمــير‬
‫ً‬
‫المؤمنينـ وفي أن يبعث رسوالً إلى الخليفة العبّاســي المستنصــر باهلل صـاحب بغــداد‪ ،‬يطلب منـه مرســوما بواليتــه على األنـدلس‬
‫إن الرُّ ســل عــادوا إلى األنــدلس ســنة ‪- 1233( 631‬‬ ‫لجهته‪ ،‬وبأن يخطب باسمه من على منــابر المســاجد‪ .‬ويقــول ابن الخطيب ّ‬
‫‪ )1234‬ومعهم ر ٌّد من الخليفة الذي أجاب طلبه‪ ،‬وخطابٌ يولّي ابن هود على كل الواليات والبالد التي يحكمها‪ ،‬ويسوّغه كل مــا‬
‫يفتتحه من ممالك‪ .‬وكان ابن هود حينها في حاضرة غرناطة فأمر بأن تُقرأ خطابات الخليفة على النّــاس‪ ،‬فكــان ذلــك في المســجد‬
‫الكبير‪ .‬وحضر ابن هود نفسه االحتفال ووقف وهو يرتدي الخلعة السّوداء [رداء العبّاسيين] ويمسك بيده راية سـوداء»‪ .569‬وفي‬
‫بالذكر أنه وقبل سنوات من ذلك ف ّكر ابن هود بضـرورة «تطهـير» مسـاجد الموحّـدين وطلى‬ ‫اتصال مع هذه الواقعة‪ ،‬من الجدير ّ‬
‫‪.‬األسلحة والرّايات باألسود‪570‬‬
‫نفوذ سياسي في األندلس في تلك الفترة وما كـان يمكنهم أن يقـ ّدموا البن هــود مســاعدات ماديــة من‬ ‫لم يكن للعبّاسيين ٌ‬
‫الشـيعي كـان فعالً ديــني الطّـابع فحسـب الهـدف منــه‬ ‫أن اإلعالن عن مبايعتـه للخليفــة ّ‬
‫ي نوع كـان‪ .‬وبنــا ًء عليــه‪ ،‬فمن الواضـح ّ‬
‫أ ّ‬
‫السـيف على األنـدلس فكـانوا يخطبـون باسـم اإلمـام المهـدي في‬ ‫االحتجاج بصورة علنيّة على العقيدة التي فرضها األفارقة بقـوة ّ‬
‫الصـالة من على‬ ‫المساجد‪ ،‬من أول اإلمبراطورية إلى آخرها‪ .‬واستعادة العبّاسيين للمكانة التي كــانوا يشــغلونها ألجيــال عـ ّدة في ّ‬
‫منابر المساجد في المناطق التي حكمها اليمانيون كان بمثابة نداء النّفير لقوات أهل العقيدة ال ّشيعية في إســپانيا‪ ،‬وربمــا كــان على‬
‫‪.‬االرجح السّبب في تحقيق ابن هود النّجاح الفوري في فرض سلطاته على الممالك اليمانية آنفة ّ‬
‫الذكر‬
‫وبدا لفترة من ال ّزمن وكأنه قادر على ترسيخ حكم ملكي يمني قوي‪ ،‬ولو أنه كــان يتمتــع بمزيــد من الحنكــة السّياســية‬
‫وبقدر أقل من الميول الحربية‪ ،‬فلربما تم ّكن من توحيد أتباع عقيدته تحت لوائه‪ .‬ولكنه كان مقاتالً‪ ،‬ال أكثر وال أقــل‪ ،‬وليس رجــل‬
‫دولة على شاكلة ابن َمردنيش وال ُمعت ِمد بن َعبّاد اللذين كانا أقرب إلى النّجاح في ظ ّل ظروف أكثر صعوبة بكثــير‪ .‬انفــرطت قــوة‬
‫المو ّحدين بعد هزيمة وقعة العقاب ولم يعد أهل المدن المعزولة يشعرون باألمان‪ ،‬والتي كــان أمــراء ووالة المو ّحــدين يحكمونهــا‬
‫كاف للتّحالف مع الملك اليماني‬ ‫ٍ‬ ‫أن الملك فرناندو النّصراني ملك قشتالة كان على استعداد‬ ‫بالقوة رغما عن إرادة أهلها‪ .‬واألرجح ّ‬
‫بهدف تحقيق مبتغاه في إخراج المغاربة من البالد‪،‬ـ كما فعل فيما بعــد مــع ابن األحمــر في غرناطــة‪ .‬وحــتى في إشــبيلية حاضــرة‬
‫المو ّحدين‪ ،‬كان أهل المدينة يكرهونهم إلى ح ّد أنهم ثاروا عليهم من تلقاء أنفسهم وق ّدموا على أنفسهم أحد بــني هــود لتــولّي الحكم‬
‫‪571.‬‬
‫كان كل شىء في صالحه‪ ،‬لكنه فشل في أن يكون بمستوى التّحديات‪ ،‬وفي سنة ‪ 1237‬قتله أحد قــوّاده في حين أرغم‬
‫ابنه على القبول بوالية ابن األحمر ملك غرناطة‪ .‬وسعى أفراد آخرون من بني هود لبعض الوقت للصّمود في ُمرســية وال َمريّــة‪،‬‬
‫ك له دون أن يتع ـرّض‬ ‫ولكن في عام ‪ - 1242‬ـ ‪ 1243‬استسلموا إلى فرناندو ملك قشتالة؛ وزار ابنه ألفونسو «األرض وكأنها ُمل ٌ‬
‫لساكنيها‪ ،‬وكان يوم دخوله إلى ُمرسية يوما ً سادت فيه بهجةٌ عظيمة‪ .‬ومن خالل تعامله بالحُسنى تمكن من تهدئة وإخضاع العديدـ‬
‫‪.‬من النّواحي األخرى التي لم تكن في البداية راغبة في إعالن خضوعها»‪572‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫نموذج للعمارة المستدقّة في إشبيلية‪ .‬كنيسة سان رومان‪ .‬نمط ُمستعربي‪ّ ،‬‬
‫الصحن لم يتغيّر منذ حرب‬
‫‪.‬االسترداد سنة ‪1248‬‬
‫سابع عشر‬ ‫الفصل ال ّ‬
‫سان فرناندو وابن األحمر‬
‫تورد األدلّة السّياحية روايات مختلفة حول صعود وأفول ساللة بني نصر (النّصريون) في غرناطــة‪ ،‬وحــول عالقــة‬
‫الس ـياح للحصــول‬ ‫أن الكتّاب الذين يســتندـ إليهم ّ‬ ‫ابن األحمر‪ ،‬مؤسّس هذه األسرة الحاكمة‪ ،‬بسان فرناندو ملك قشتالة‪ ،‬ولكننا نعتقد ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫على معلوماتهم التّاريخية حول قصر الحمراء ال يذكرون أن ابن األحمر لم يكن «أفريقيا» وإنما عربيا يمني ـا ينتســب إلى قبيلــتي‬
‫‪.‬األنصار والخزرج‪573‬‬
‫والصـراعات ال ّداخليــة‬ ‫ّ‬ ‫في عام ‪ 1232‬م‪ ،‬وفيما كانت األندلس تعاني األمـرّين بســبب هجمــات المســيحيين من ناحيــة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫السـاطع في أفــق مظلم‪ ،‬وقـ ّدر‬ ‫النّاجمة عن بُغض السّكان للموحّدين‪ ،‬برز مح ّمد بن نصر األنصاري المعــروف بــاألحمر كــالنجم ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬لهذا الرّجل أن يؤسّس مملكة استم ّرت مئتين وخمسين عاما ً بعدما خضعت سائر أنحاء األندلس للهيمنة المسيحية‬
‫أغار ابن األحمر على مدينةـ جيان واستولى عليها في السّنة ذاتها (‪1232‬م)‪ ،‬بعد أن ارتأى أداء عمل متميّــز بالنّيابــة‬
‫عن ع ّمه يحيى الذي انشأه ليكون مفخرة في حمل السّالح‪ .‬أصيب ع ّمه أثناء حصــار المدينـةـ إصــابةً خطــيرةً وقبــل وفاتــه بعــدها‬
‫‪.‬بفترة قصيرة متأثرا بجروحه‪ ،‬جعل ابن أخيه وريثا ً لكل ممتلكاته ومناصبه‬
‫أخفى ابن األحمر خبر ممات ع ّمه عن أنصاره إلى أن ضمن سيطرته باسم ع ّمه على مدينتي وادي آش وبسطة‪ ،‬فلما‬
‫استتبّ له األمر ووجد قبــوال من ســكانها‪ ،‬أعلن وفـاة يحــيى وبويـع ملكـا ً على أرجونــة وجيـان ووادي آش وبسـطة‪ ،‬وكمــا يـورد‬
‫‪.‬المقّري على شريش أيضا ً‪574‬‬
‫يعيد ابن الخطيب والدة ابن األحمر إلى عام ‪ 1195‬م في أرجونة من إقليم قُرطُبة حيث ورث أراضي شاســعة تــولّى‬
‫زراعتها بنفسه على ما يعرف من عادات اليمنيين في هذا المجـال‪ .‬كـان ابن األحمـر قائـداً مقـداما ً مــاهراً‪ ،‬يتميّــز عن أقرانــه من‬
‫الصـفة األخــيرة لــدى الحــديث عن أشــراف‬ ‫ال ّشباب األندلسيين بشجاعته وكياسته‪ ،‬ولكم هو ملفت كيف تتكـرّر اإلشــارة إلى هــذه ّ‬
‫‪.‬اليمنيين‬
‫بويع ابن األحمر ملكا ً في أرجونة مباشرة بعد سيطرته على جيان‪ ،‬ولكن يختلف المؤ ّرخون حول السّبب الــذي دفعــه‬
‫إن السّبب يعود إلى ظلم تع ّرض له من قبل حاكم تلك المنطقة دفعه إلى الثّورة على سلطته‬ ‫‪.‬إلى القيام بذلك‪ ،‬فيقول بعضهم ّ‬
‫بعد أن ضمن ابن األحمر مبايعة سكان جيان له ســيطر على غرناطــة‪ ،‬ودخــل بعــدها إلى إشــبيلية وبقي فيهــا شــهراً‪.‬‬
‫أن العامــة من ســكان إشــبيلية دعــوه لنصــرتهم في‬ ‫واألرجح على ما يبدو استناداً إلى ال ّروايات المختلفة التي نقلها مختلف الكتّاب ّ‬
‫‪.‬سعيهم للتّخلص من نير الموحّدين‬
‫كما أنه ليس من السّهل فهم العالقة بين ابن األحمر وابن هود الذي كان سيداً على جزء كبير من األندلس عندما برز‬
‫نجم ابن نصر‪ ،‬أو لماذا كان ال ّرجالن على خصومة دائمة برغم كونهما يمنيين‪ ،‬لكن ما هو أكيد أن قُرطُبة وإشبيلية عادتا وأعلنتا‬
‫أن ابن األحمر استولى على قُرطُبة وإشــبيلية بين عــامي‬ ‫الطّاعة البن هود بعد أن خضعتا لحكم ابن األحمر‪ .‬ويذكر ابن الخطيب ّ‬
‫‪ 1231‬م و‪ 1232‬م وأنه ألحق بابن هود هزيمة ساحقة في إقليم إلبيرة قرب غرناطة بعد ذلك بخمس ســنوات‪ ،‬وهــذا يوصـلنا إلى‬
‫‪ .‬خضوع ابن هود عقب ذلك أللفونسو أمير قشتالة الذي أصبح فيما بعد الملك ألفونسو العاشر‪575‬‬
‫صب نفسه سلطانا على األندلس عام ‪ 1231‬م‪ ،‬وخضعت له جيان وشريش (؟) في‬ ‫إن ابن األحمر ن ّ‬‫يقول ابن خلدون ّ‬
‫ً‬
‫أن ابن الخطيب يذكر بوضوح أنه لم يُبايع ملكا على غرناطة قبل عام ‪ 1238‬م‪ ،‬وهي المدينة الــتي دخلهــا كملــك‬ ‫العام التّالي‪ .‬بيد ّ‬
‫‪.‬في مايو من ذلك العام‬
‫ويقول الكاتب «وصل ابن األحمر إلى غرناطة في المساء وعسكر خارج أسوارها‪ .‬ودخل المدينةـ في الصّباح التّالي‬
‫مع بزوغ الفجر وسار إلى القلعة وقت المغيب‪ .‬يروي أبو مح ّمد البَسطي (من بسطة) الذي رأى ابن األحمر يجول في المدينةـ ّ‬
‫أن‬
‫مقلّمـا ً من النّــوع المسـ ّمى «ملحــف»‪ 576‬أكمامــه مفتوحــة من الجــانبين‪ .‬وبوصـوله إلى بوّابــة ‪ tunic‬األخــير كــان يرتــدي ردا ًء‬
‫المؤذن في األنحــاء داعيـا ً النّــاس إلى صــالة المغــرب‪ ،‬فــأوقف ابن األحمــر مســيره ودخــل مباشــرة إلى‬ ‫ّ‬ ‫«القصبة» تعالى صوت‬
‫‪.‬المحراب وقرأ السّورة األولى من القرآن ومن ثم ذهب إلى قلعة باديس يتق ّدمه رجال يحملون المشاعل»‪577‬‬
‫صـب بـدوره سـلطانا ً‬ ‫أرسل ابن األحمر إلى الخليفة العبّاسي معلنا ً مبايعته له‪ ،‬تماما كما فعل ابن هود في اليوم الذي نُ ّ‬
‫‪.‬على األندلس وغرناطة‪« .‬في بداية حكمه أمر ابن األحمر بأن يُخطب للمستنصر العبّاسي خليفة بغداد في مناطق سلطانه»‪578‬‬
‫بعد أن ثبّت موقعه على عرش غرناطة‪ ،‬عمل ابن األحمر على تحصين حدوده وإصالح أسوار قالعه‪ .‬وشيّد األبنيــة‬
‫الجميلة في غرناطة بما في ذلــك المستشــفيات للمرضــى والـ ّدور للعجــزة وللــزوّار‪ ،‬والمعاهــد والمــدارس واألفــران والح ّمامــات‬
‫‪.‬والمسالخ والمحال التّجارية واألهراءات أو مخازن الحبوب جيدة البنيان لتخزين المؤن‬
‫واضط ّر من اجل تنفيذ هذه المشاريع إلى فرض ضرائب مختلفة بصورة مؤقتة وإنما أزيد من تلك المنصوص عليها‬
‫في اإلسالم‪ ،‬لكن عندما رأى النّاس حسن تدبير وإدارة مؤسّسات حكمه وكيف أنــه وظّــف كــل األمــوال الــتي جمعهــا منهم ألجــل‬
‫‪.‬المنفعة العامة‪ ،‬لم يعترضوا على دفع هذه الرّسوم الجديدة‬
‫تتغذى من مياه األنهار التي تنبع من الجبل وتعبر المدينة‪ ،‬كما عمل على تطوير وتوســعة‬ ‫وابتنى نوافير عا ّمة جميلة ّ‬
‫السـهل‪ .‬وحـرص على توفــير كــل أساســيات الحيــاة بكــثرة وبأســعار رخيصــة‪ .‬وبنــا ًء عليــه‪ ،‬من غــير‬‫ي الموجــودة في ّ‬ ‫أقنية الـ ّر ّ‬
‫‪.‬المستغرب أن تصبع زيادة الضّرائب أمراً ضروريا ً‬
‫كـانت حياتــه ال ّشخصـية نموذجـا للحـاكم القــدوة‪ .‬ودأب على حضـور مجـالس شـيوخه وقضـاته‪ ،‬وكـان يفتح مجلســه‬
‫الستقبال الفقراء واألغنياء مرتين أسبوعياً‪ ،‬ويزور المدارس والمستشفيات والمعاهـد مسـتعلما ً بنفسـه عن الخـدمات الـتي يقـدمها‬
‫ّ‬
‫األطباء‪ ،‬وسائالً المرضى أنفسهم كيف يتم االعتناء بهم‪ .‬ولم تكن إدارته لداره الخاصة أق ّل إثارة لإلعجاب‪ ،‬حيث كــان لديـه عـدد‬
‫‪.‬قليل من النّساء في حريمه وكان قلّما يزورهن‪ ،‬غير أنه كان حريصا ً على أن يوفر لهن كل ما يحتجن إليه‬
‫وكانت هؤالء النّساء من بنات أشـراف القـوم‪ ،‬وكـان يحنـو عليهن ويحـرص على رضـاهن وعلى إشـاعة الـو ّد فيمـا‬
‫‪.‬بينهن موظفا ً لذلك لباقته وحسن خصاله‬
‫تقرّب ابن األحمر من أمــراء أفريقيــا وبــنى عالقــات صــداقة معهم‪ ،‬كمــا بعث الرّســل إلى ملــك تــونس [أبي زكريــا]‬
‫أن اسمه كان «يوڠومارسان» ‪579‬‬ ‫فهل كان أوڠو دي لوزينيان كونت ال( ‪ Yugomarsan‬الحفصي وإلى نصراني ذكر كون ِده ّ‬
‫‪.‬وكذلك إلى بني َمرين الذين كانوا في صراع مع الموحّدين‪ Hugo of Lusignan, Count of La Marche) 580‬مارت ِشه؟‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫نصل اآلن إلى ما نعتقد أنها واحدة من أهم الفترات التّاريخية وأكثرها غنى باألحداث في مجمل تاريخ إســپانيا‪ ،‬وهي‬
‫العالقات بين ملك غرناطة الحكيم والمحبوب وفرناندو الثّالث ملك قشتالة‪ ،‬الذي سـتعرفه األجيـال الالحقــة باالسـم الــذي اســتحقهّ‬
‫‪».‬نظراً للحب الذي كان شعبه يكنه له‪ ،‬وهو «سان فرناندو‬
‫إذا ما وضعنا جانبا ً المديح المبالغ الذي أغدق به المؤ ّرخون الكهنوتيون على هذا العاهل‪ ،‬وخفّفنا قــدر المســتطاع من‬
‫بأن فرناندو الثّالث ملك قشــتالة كــان بصــدق واحــداً من‬ ‫األوصاف الوردية للمؤ ّرخين الكنسيين‪ ،‬فإنه ال يبقى مع ذلك مجال لل ّشك ّ‬
‫أولئك البشر األقرب إلى المالئكة والذين يظهرون على األرض في فترات زمنية متباعدة ويتركون العالم أفضل حــاالً م ّمــا كــان‬
‫الذكرى األولى لوفاتـه بعـد عـام واحــد من رحيلـه‪ ،‬أطلـق‬ ‫عليه‪ .‬لم تطوّبه الكنيسة قديسا ً إال بعد أربعمئة عام من مماته‪ ،‬ولكن في ّ‬
‫رعاياه من المسيحيين والمســلمين على حـ ّد ســواء عليــه االســم الــذي ال زال يكنّى بــه في إســپانيا حــتى يومنــا هــذا وهــو «الملــك‬
‫‪.‬المق ّدس»‪ ،‬وباتوا يق ّدسونه ويتلون آيات الخشوع عند ضريحه‬
‫يصوّر الكتّاب المشهورون خضوع ابن األحمر لسان فرناندو عموما ً باعتباره دليالً على أفــول ســلطة «المســلمين»‪،‬‬
‫‪.‬لكن في هذه المرحلة‪ ،‬كما هي الحال في كل مرحلة من تاريخ حكم اليمنيين‪ ،‬هناك رواية أخرى‬
‫عمد المؤ ّرخون ال ُّسنّة كما هو متوقّع إلى إدانة تحالف ابن األحمر مع الملك النّصراني‪ ،‬وتع ّمدوا أن يشيروا إليه بأقـل‬
‫َصـر في صـفحتين‪ ،‬مجمالً ذكـر ملـك غرناطـة مـع‬ ‫قدر ممكن‪ .‬وبالفعل‪ ،‬يختصر المقّـري كـل فـترة حكم وازدهـار سـاللة بـني ن ْ‬
‫‪.‬مختلف الثّوار الذين فشلوا في مواجهة هيمنة المو ّحدين‪ ،‬كما لو أن ابن األحمر لم يكن أعلى منهم شأنا ً‬
‫وكــذلك فقــد حــاول المؤرّخــون المســيحيون تجنّب ذكــر التّحــالف بين ابن األحمــر وســان فرنانــدو قــدر المســتطاع‪،‬‬
‫‪.‬العتقادهم بأنه يحطّ من شأن العاهل المسيحي‬
‫فيما يسرده ‪ Ortiz de Zúñiga‬ولكن لحسن الحظ‪ ،‬يتّفق المؤرّخ المعتمدـ كمرجع لتاريخ إشبيلية أورتيث دي ثونيڠا‬
‫عن األوضاع السّياسية في األندلس خالل حكم سان فرناندو‪ ،‬مع كون ِده فيمــا يــورده في مجلّــده عن «ملــوك غرناطــة»‪ ،‬في إيالء‬
‫صداقة التي نشأت بين ابن األحمر وفرناندو ع ّما كتبه الكتّاب اآلخرون من خارج إسپانيا‬ ‫‪.‬أهمية أكبر لل ّ‬
‫ويمكننا من خالل ما كتبـه االثنــان معـا ً أن نســتخلص سـرداً مقنعـا ً ومنصـفا ً للسّياســة الــتي اتبعهـا الملكــان المســيحي‬
‫‪.‬واليمني في مسعاهما المشترك إلحالل السّالم واالزدهار في المناطق التّابعة لهما‬
‫وكما أسلفنا‪ ،‬انصبّ اهتمام ابن األحمر على تحقيق االزدهار المادي لشعبه من خالل ترشيد الحكم في بالده أكثر من‬
‫أن مقاومة‬ ‫توسيع مملكته عن طريق القوة‪ ،‬وحافظ بالتّالي على المبادىء التّقليدية لقومه‪ .‬كان يتحلّى بما يكفي من البصيرة ليدرك ّ‬
‫إسپانيا المسيحية بكل ما لديها من قوة ال يمكن أن تؤ ّدي سوى إلى نتيجة واحــدة‪ ،‬وبالتّــالي ســعى إلى تجنّب ّ‬
‫الصـدام مــع فرنانــدو‬
‫‪.‬قدر المستطاع‬
‫يوسـعون نطـاق سـيطرتهم‬ ‫ولكن ال ّر جلين لم يكونا غير متكافئين كما يبدو للوهلة األولى‪ .‬صحيح أن االقشتاليين كانوا ّ‬
‫ّ‬
‫توسـع مســتم ّر أن يحقــق أكــثر من االحتالل‬ ‫بشــكل تــدريجي عــبر إخضــاع منــاطق جديــدة‪ ،‬ولكن يســتحيل عمليـا ً على ملــك في ّ‬
‫ألن القشــتاليين لم يكن‬‫العسكري للمدن التي يخضعها جنده‪ .‬ولم يكن بوسع فرناندو أن يوطّن المسيحيين في ال ّدول التي يغزوهــا‪ّ ،‬‬
‫لديهم أعداد كافية من السّكان لذلك‪ ،‬ويشير تباكي المؤرّخين المعاصرين على البلــدات والقــرى األندلســية المهجــورة في القــرنين‬
‫‪.‬الثّالث عشر وال ّرابع عشر بوضوح إلى أنه لم يكن هناك من يح ّل محل المسلمين في حال طردهم منها‬
‫أدرك سان فرناندو الذي كان يجمع بين صفات رجل ال ّدولة والمتديّنـ الورع تمامـا ً هــذا الوضــع‪ ،‬ألنــه رأى من جهــة‬
‫ألن نبله ما كان يسمح له بارتكاب أعمال وحشية بال طائل‪ .‬كــان مســتعداً على الـ ّدوام ألن يعقــد‬ ‫أنه السّبيل األمثل ومن جهة ثانية ّ‬
‫‪.‬مع العدو مواثيق استسالم يتبعها إبرام حلف بدال من أن يسيطر على ال ّدويالت والمدن المسلمة بالقوة وحدها‬
‫أن عــدداً من األمــراء‬ ‫إن ابنه ألفونسو العاشر «كان لديه طموح نبيل ألن يجعل الملوك أتباعا ً له» ومن المؤ ّكد ّ‬ ‫ويُقال ّ‬
‫أن هذه السّياسة اتّبعها والــده من قبلــه وبصــورة منهجيــة عنــدما‬ ‫المسلمين أقسموا الوالء له‪ ،‬بيد أن ما ليس معروفا ً بصورة عامة ّ‬
‫كانت الطّرق السّائدة أق ّل انفتاحا ً بكثير مقارنة مع ما أصـبحت عليـه األمـور بعـد سـقوط إشـبيلية الـذي أدى إلى تجريـد المقـاتلين‬
‫ّ‬
‫‪.‬األفارقة المسلمين من آخر معاقلهم الحصينة‬
‫كان من السّهل على ألفونسو الذي ورث الممالك ال ّشاسعة التي افتتحها سان فرناندو أن يفرض شروطه على ما تبقّى‬
‫‪.‬من أمراء المسلمين‪ ،‬ولكن األمر كان مختلفا ً بالنّسبة ألبيه‬
‫عندما تولّى فرناندو العرش وهو في الثّامنة عشرة عـام ‪ 1216‬م‪ ،‬كـانت قشـتالة وليـون منقسـمتين وفي حالـة حـرب‬
‫وأن معظم األندلس كان بشــكل أو بــآخر خاضــعا ً لحكم ابن‬ ‫مستم ّرة‪ ،‬ولم يكن بإمكانه االعتماد على صداقة ملك آراغون‪ ،‬خاصّة ّ‬
‫ي وقت‬ ‫هود الذي زعزع إلى ح ّد كبير الحكم االسمي الذي كان الموحّدون ال يزالون ي ّدعون ملكــه‪ ،‬وكــان مســتعداً للتّحــالف في أ ّ‬
‫‪.‬مع آراغون ضد قشتالة أو ليون أو كليهما معا ً‬
‫عندما توفي فرناندو عام ‪ 1252‬م‪ ،‬أي بعد ‪ 36‬عاما على توليه الحكم‪ ،‬كانت قشتالة وليون موحّدتينـ ولم تنقســما بعــد‬
‫ذلك أبداً‪ .‬كانت ابنة ملك آراغون زوجة ولي عهد فرناندو‪ ،‬وكانت كل األندلس باستثناء مملكة غرناطــة وبعض المــدن المتنــاثرة‬
‫‪.‬التي كانت بيد قادة الموحّدين‪،‬ـ قد خضعت له‬
‫واحتفظ أمراء بيّاسة وشرق األندلس بممالكهم بوصفهم ع ّماالً لدى ملــك قشــتالة‪ ،‬ولم يكن ابن األحمــر ملــك غرناطــة‬
‫‪.‬تابعا ً لفرناندو فحسب‪ ،‬بل كان حيلفه الوفي وصديقه الحميم‬
‫أن األخير لم يكن قد واجه حــتى‬ ‫في عام ‪ 1248‬م‪ ،‬أصبح التّوسّع المستم ّر لملك قشتالة مصدر قلق البن األحمر‪ ،‬مع ّ‬
‫ذلك التّاريخ أيّة هزيمة على يد فرناندو‪ .‬وحتى في ذلك الحين‪ ،‬بدا أنه لم يكن راغبا ً في استخدام القوة في مواجهــة التّعـ ّديات على‬
‫ـأن اختبــار القــوة‬ ‫حدوده‪ ،‬ولكنه قام في تلك السّنة بتعزيز جميع حاميات حصونه الحدودية‪ ،‬موليا ً إياها عناية خاصــة‪ ،‬ألنــه تنبــأ بـ ّ‬
‫‪.‬كان أمراً حتميا ً‬
‫في أحد األيام‪ ،‬غادرت قافلة من غرناطة تض ّم ‪ 1500‬دابّة نقـل مح ّملـة باألسـلحة والطّعـام يرافقهـا ‪ 500‬من الخيالـة‬
‫‪.‬باتجاه جيان التي كانت من ضمن المدن التي شملتها تعزيزات ابن األحمر‬
‫عرف المسيحيون بأمر القافلة فكمنوا على الطّريق الذي كان عليها ان تسلكه بعددـ كبير من العسكر‪ .‬واكتشــف بعض‬
‫المقاتلين الكمين الذي نُصـب لهم‪ ،‬وبعـد أن أخــبروا قــادتهم بــاألمر تمكنـوا من االنســحاب بنجـاح عائــدين إلى حاضـرتهم‪ .‬إال ّ‬
‫أن‬
‫ألن بعض التّواقين للمغامرة اعتــبروا أن واجبهم يقتضــي مواصــلة‬ ‫صوابية هذا القرار بقيت مثار جدل بين أعضاء القافلة لفترة‪ّ ،‬‬
‫‪.‬الطّريق مهما كان الثمن‪ ،‬وأنه لمن العار أال يخاطروا بخوض معركة من أجل الملك‬ ‫ّ‬
‫أن ابن األحمر بارك القرار المتعقّل بالعودة إلى غرناطة‪ ،‬والذي تغلب في النّهايــة وأثــنى في الــوقت نفســه على‬ ‫غير ّ‬
‫‪.‬بسالة ال ّش بان الذين كانوا على استعداد للقتال من أجل الوصول إلى وجهتهم‬
‫ألن ما كان يخشاه ابن األحمر وقع‪ ،‬حيث فرض المسيحيون حصــاراً على‬ ‫لم تعد القرارات المتأنّية ذات فائدة بعدها‪ّ ،‬‬
‫جيان بعد خيبة األمل التي تعرّضوا لهــا لعــدم تم ّكنهم من االســتيالء على القافلــة‪ .‬لكنهم أدركــوا صـعوبة مهمتهم ألن واليهــا كــان‬
‫‪.‬مقاتالً مقداماً‪ ،‬وبدا أن الحصار سيطول‬
‫ولكن القوات القشتالية كثيرة العدد اجتاحت اإلقليم ود ّمرت المزارع وكروم العنب وبساتين ال ّزيتون‪ ،‬وسرقت قطعان‬
‫‪.‬الماشية ونهبت القرى‪ ،‬وقتلت وأسرت ال ّرجال والنّساء واألطفال‬
‫أدرك ابن األحمر أن الوقت ‪ Íllora،‬بعد ن احت ّل المسيحيون قلعة بني سعيد ‪ 581‬ودمروا وأحرقوا بلدة يورا (إيّورا)‬
‫ألن جيشه كان يتألف في األساس من متطـوّعين تم تجنيــدهم على عجــل وينتمــون إلى‬ ‫قد حان للمعركة مع أنه لم يكن راغبا ً بها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫طبقات المزارعين والصّناع والحرفيين التي كانت تمثل أغلبية السّكان في المناطق التي سيطر عليهــا اليمــنيون حــديثا‪ ،‬وجُلهم لم‬
‫‪.‬يكن معتاداً على هول الحروب واستخدام السّالح‪582‬‬
‫وقعت معركة حامية الوطيس في حصن مرية بلش على بعد اثني عشر ميالً عن غرناطة‪ ،‬وهي النّقطــة الــتي وصــل‬
‫ّ‬
‫إليهـا سـان فرنانـدو‪ ،‬واضـط ّر ابن األحمـر إلى االنسـحاب من المعركـة بعـد أن ارتبـك رجالـه الـذين كـانوا يفتقـدون الى النظـام‬
‫والتّدريب وهربوا من الميدان‪ ،‬وهو ما أحدث حالة من الفوضى وأثّر على القلّة من المقــاتلين األكفــاء‪ .‬وخســر الجيش العديـدـ من‬
‫‪.‬الرّجال أثناء انسحابه‪583‬‬
‫وتبع هذا الحظ العاثر هطول أمطار غزيرة وعواصف هوجاء‪ .‬وحــدهم من يعيشــون في األنــدلس يمكنهم أن يقـ ّدروا‬
‫تأثير الطّ قس العاصف حتى على أبسط أمور الحياة في ذلك الجزء من إسپانيا‪ .‬كانت تمضي شهور ع ّدة كل عام دون نقطة مطــر‬
‫بالســيول‬‫أن قسما ً كبيراً من النّاس ال يملكون مالبس تقيهم المطر الخفيف‪ .‬وفي غضون ساعات امتألت الطّرقات ّ‬ ‫واحدة‪ ،‬لدرجة ّ‬
‫السـهول المسـطّحة‬ ‫الموحلة التي تصل حتى الرّكبة‪ ،‬وتحوّلت األقنية الجافـة إلى تيّـارات جارفـة‪ .‬هـذا مـا كـانت عليـه الحـال في ّ‬
‫المحيطة بإشبيلية‪ ،‬ومثل ذلك وأكثر في منطقة غرناطــة الجبليــة‪ .‬وال تــزال ماثلـةً في ذاكــرة األندلســيين العاصــفة المفاجئــة الــتي‬
‫ضربت في العاشر من أكتوبر ‪ 1906‬م وأ ّدت إلى فيضـان نهـر وادي المقص الـذي غمـرت مياهـه في غضـون سـاعات أجـزاء‬
‫السـيّئ الـذي اسـتم ّر مـ ّدة على‬ ‫كبيرة من مالقة حتى ارتفاع ‪ 12‬إلى ‪ 13‬قدماً‪ .‬من هنا‪ ،‬يمكننا أن نتخيّل األثـر الـذي تركـه الطّقس ّ‬
‫الحملة العسكرية في سهول غرناطة في ســنة ‪ 1243‬مــع جيش من المــزارعين األندلســيينـ غــير المعتــادينـ على الحــرب‪ ،‬الــذين‬
‫‪.‬وجدوا أنفسهم فجأة يعيشون حياة العسكر التّعسة في بلد تغمره السّيول‬
‫ضروري إطالق أوصاف الضّعف وال ّدعة على المسلمين‪ ،‬كما يفعل الكتّـاب المعاصـرون في شـرحهم‬ ‫ولم يكن من ال ّ‬
‫‪.‬للخاتمة المهينة التي آلت إليها المعركة‬
‫بأن ك ّل أ ّمة غزت جنوب إسپانيا فقدت عزيمتها بسبب الطّقس السّيئ ورفاهية الحياة في األنــدلس‪ ،‬يعــود‬ ‫إن االنطباع ّ‬ ‫ّ‬
‫منشؤه على األرجح إلى إشارة الكتاب المسلمين والمسيحيين بشكل مستم ّر إلى تأجيل أو إلغــاء الحمالت العســكرية بســبب رداءة‬
‫الطّ قس‪ .‬لماذا عرف المشرقيون أو أهل شمال أفريقيا الذين ولد أسالفهم في ظـروف مناخيــة تــؤ ّدي في الحــد األدنى إلى الخمــول‬
‫الشـعوب الــتي تســكن القسـم‬ ‫إن ّ‬ ‫المتوسـط؟ ّ‬
‫ّ‬ ‫كما هي الحال في جنوب إسپانيا‪ ،‬تغييراً جذريا ً بعدـ جيل أو جيلين لمجرّد أنهم عــبروا‬
‫ال ّش مالي من الكرة األرضية المعتادة والمهيئة لمواجهة األمطار والبرد والرّياح‪ ،‬ليس لديها تصـوّر عمـا يعنيــه ذلــك بالنّسـبة لبلـد‬
‫‪.‬شبه استوائي حيث يندر نسبيا ً أن تجتمع هذه الظّروف‬
‫أن الظّ روف المناخية التي نشهدها اليوم كانت سائدة على نطاق أوسع في العصــور الوســطى؛ وبغضّ النّظــر‬ ‫ك ّ‬‫ال ش ّ‬
‫بأن األندلسيينـ كانوا سريعي التّأثر بالمناخ السّيء‪ ،‬ال يوجــد دليــل ملمــوس على أنهم‬ ‫عن االفتراض غير المباشر‪ ،‬كما ورد آنفاً‪ّ ،‬‬
‫ـأن الثــورات الــتي حصـلت في المناســبات المــذكورة ونقلت‬ ‫ّ‬ ‫كانوا أق ّل رجولة في فترة دون سواها‪ ،‬وال نجد كذلك ما يؤيد القول بـ ّ‬
‫‪.‬السّلطة االسمية لأل ّمة من قوم آلخر‪ ،‬كانت بأي حال من األحوال نتيجة للضّعف الجسدي للطّرف المهزوم‬
‫الصـحيح ألنهم‪ ،‬وعلى الـرّغم من حالــة الفوضــى الــتي‬ ‫فـإن العكس هــو ّ‬‫وفي حالة جيش غرناطة بقيادة ابن األحمر‪ّ ،‬‬
‫السـاللة اليمنيــة قويـة بمـا يكفي‬ ‫سادت صفوفهم وأرغمتهم على االنسحاب من المواجهة األولى مع سان فرناندو‪ ،‬فقد كـانت هـذه ّ‬
‫‪.‬لكي تحافظ على استقالليتها لعشرة أو اثني عشر جيالً قادما ً‬
‫أن العاصفة التي ضربت عام ‪ 1244‬م وأ ّدت الى ضعضعة مقاومة جيش غرناطة ذي المالبس اله ّشة‪ ،‬لم تلحق‬ ‫يبدو ّ‬
‫ضرراً بجيش قشتالة المدجّج بال ّدروع والذي واصل حصار جيان بعزم ال ينقطع‪ ،‬ولم تعرف حاميــة المدينــة المحاصــرة الرّاحــة‬
‫‪.‬ليل نهار‬
‫المحاصـر والـذين كـان أغلبهم من المـزارعين‬ ‫َ‬ ‫ومع طول م ّدة الحصار‪ ،‬كـان ابن األحمـر يتـألم لمعانـاة أفـراد شـعبه‬
‫والتّ ّجار الخائفين من قرع طبول الحرب‪ ،‬فق ّرر أن يتنازل عن كبريائـه كجنــدي وملــك وأن يـذ ّل نفســه أمـام المسـيحيين من أجـل‬
‫خالص أولئك الذي أقسم أن يحميهم ويدافع عنهم‪ .‬وعلينا ان نأخذ بعين االعتبار‪ ،‬أنه كمسلم ملــتزم بتعــاليم دينــه أن يحمي النّســاء‬
‫واألطفال والعجزة وكل الع ّزل من غير المقاتلين‪ ،‬ألنهم أكثر من يعاني من غارات القــوات القشــتالية‪ .‬من جهــة ثانيــة‪ ،‬ال بـ ّد أنــه‬
‫بأن فرناندو يشاركه القناعات نفسها بشأن هذه المسائل‪ ،‬وإاّل لما تصـرّف على هــذا النّحــو‪ .‬وبالفعــل‬ ‫كانت لدى ابن األحمر قناعة ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫فإن المؤرّخ الذي استقى منه كون ِده معلوماته عن اللقاء األول بين الملكين وإن كان ســرده لــه مــوجزا‪ ،‬يشــير إلى أن ابن األحمــر‬ ‫ّ‬
‫كان لديه أساس يستند إليه ليراهن على أنه سيحظى باستقبال الئق لدى فرناندو الذي كان معروفا ً عنه أنه لم يكن يتعامــل معاملــة‬
‫‪.‬العدو ال ّدنيء مع األمراء الخاضعين لسلطته‬
‫ك الحصـار حـتى‬ ‫يذكر كون ِده أن «ابن األحمر الذي كان مـدركا ً قـرار وتصـميم الملـك فرذلنـد الـذي أقسـم أنـه لن يفـ ّ‬
‫يُخضع المدينة‪،‬ـ حمل معه حال غريباً‪ ،‬وذهب وكلّه ثقة إلى معسكر ملك النّصارى واستجار بشرفه طالبا ً األمان‪ ،584‬وعرّفــه عن‬
‫‪».‬نفسه وقال له إنّه يضع نفسه مع كل ما يملك تحت تصرفه‪ ،‬وقبّل يده دليالً على الطّاعة‬
‫والسـخاء‪ ،‬فاحتضــنه ونـاداه صــديقه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يرتض أن يتفوّق عليه ابن األحمر في األمانــة‬‫ِ‬ ‫أثبت فرناندو أنّه أهل للثّقة «ولم‬
‫ً‬
‫‪.‬وقال إنه لن يقبل بأن يأخذ منه ما هو له‪ ،‬ورضي أن يقبل به كتابع له فحسب على أن يبقى سيدا على كل أراضيه ومدنه» ‪585‬‬
‫الـذوق ّ‬
‫الشـعبي‬ ‫ألن المتوقــع أن يستســيغها ّ‬ ‫تسترع انتباه الكتاب اإلنكليز‪ّ ،‬‬ ‫أن هذه الحقبة ال ّدرامية لم‬‫الغريب في األمر ّ‬
‫ِ‬
‫ألن كون ِده هو من نقلها‪ ،‬بيد أن هناك ما يؤكــد صــحتها في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في التّاريخ اإلسپاني‪ .‬وربما اطلعوا عليها واعتبروها ال تستحق الذكر ّ‬
‫السـماء»‪ ،‬بــل من خالل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫إن «ســان فرنانــدو تلقى عونـا من ّ‬ ‫أكثر من مناسبة‪ ،‬ليس فقط فيمــا رواه ثونيڠــا عن الحــدث حيث يقــول ّ‬
‫‪.‬العديد من األحداث التي تلتها خالل حصار إشبيلية والتي ذكرها العديد من المؤ ّرخين اإلشبيليين والمسيحيين‬
‫تض ّمنت بنود المعاهدة التي تم االتفاق عليها دفع «ك ّمية معيّنة»ـ من الـ ّـذهب قيســت بالمثقــال كــل ســنة وتوفــير «عــددـ‬
‫معيّن» من الخيّالة ألداء مه ّمة يتم تحديدها‪،‬ـ وأخيراً نصّت المعاهدة على أن يحضــر ابن األحمــر مجــالس فرنانــدو عنــدما يُــدعى‬
‫إليها‪ .‬ولم يكن الهدف من هذا البند في الميثاق االنتقاص من شأن ابن األحمر بل على العكس‪ ،‬كانت أعظم مجاملــة يمكن تقــديمها‬
‫ألن هذه المجالس كانت تتألف من كبار النّبالء وكبار األشراف األغنياء‬ ‫ليس هذا فحسب‪ «Ricos Omes»586 ،‬في تلك األيام‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫إن دعوة فرناندو البن األحمر لحضور مداوالت المجلس دليل على أنه اعتبر رأي المسلمين في الحكم مه ّما بالنســبة للمملكــة‬ ‫بل ّ‬
‫التي غدا عدد المسلمين فيها بقدر عدد المسيحيين‪ .‬ألنه‪ ،‬وكما سنرى الحقا‪ ،‬كان ملك قشتالة مدركا ً لصعوبة المه ّمة الــتي تنتظــره‬
‫‪.‬قبل أن يتم ّكنـ من إخضاع ما تبقى من األندلس لسيطرته‬
‫أن أحد شروط االستسالم كان تعهّد فرناندو بأن يعيدـ جيان البن األحمر عندما يطلب ذلك‪ ،‬وذكر فرناندو وهو‬ ‫ويبدو ّ‬
‫‪.‬على فراش الموت هذا الوعد البنه ألفونسو مش ّدداً عليه أن يحفظه‪587‬‬
‫أن المؤرّخين لم يدركوا أهمية التّحــالف بين الـرّجلين القــويين حينهــا كمــا أغفــل الرّوائيــون روعــة‬
‫من الغريب كيف ّ‬
‫اللقاء في الخيمة الملكيّة في جيان‪ .‬ومن المحتمل أن تكون الوثــائق المتعلّقــة بــه مدفونــة في أرشــيف المدينــة ولكننــا لم نتمكن من‬
‫ي منشور حول المسالة حتى اآلن‬ ‫‪.‬العثور على أ ّ‬
‫ما إن أُبرم الحلف حتى ُعيّنت حامية مسيحية على جيان وأصبحت المدينة خاضعة لحكم قادة فرنانــدو كضــمانة على‬
‫‪.‬صدق نوايا ابن األحمر‬
‫تم التّوقيع على المعاهدة في المعسكر القائم قبالة جيان في أبريل من العام ‪ 1246‬وفقا لثونيڠا‪ .588‬وعــاد ابن األحمــر‬
‫إلى غرناطة وقد واظب فرنانـدو على معاملتـه بكـل تقـدير حـتى رحيلـه‪ .‬اصـطحب ابن األحمـر حـاكم جيـان معـه‪ ،‬وكافـأه على‬
‫‪.‬صموده ودفاعه عن المدينةـ بتعيينه قائدا لخيّالته‬
‫بعد فترة قصيرة من استسالم جيان‪ ،‬أبدى فرناندو رغبة قوية في مواصلة التّق ّدم فوراً نحو إشبيلية‪ ،‬لكن مستشاريه لم‬
‫أن البعض كــان من رأيــه أن يهــاجم الجيش معقــل المو ّحــدين فــوراً‪ ،‬في حين رأى آخــرون‬ ‫يجمعوا على تأييــد اقتراحــه‪ .‬صــحيح ّ‬
‫ّ‬
‫ضرورة إخضاع كل النّواحي المجاورة لها أوال‪ ،‬وباألخصّ المرافئ التي كــانت تصــلها المــؤن والــذخيرة من أفريقيــا لنقلهــا إلى‬
‫إشـبيلية‪ .‬واعتـبر أصـحاب هـذا الـرّأي أنـه بمجـرّد قطـع اإلمـدادات الخارجيـة عن إشـبيلية سـتُرغم المدينـة عـاجال أم آجال على‬
‫ألن عدد السّكان الكبير الموجــود فيهــا سيســتهلك المــؤن‬ ‫االستسالم‪ ،‬إما من دون مقاومة أو في أسوأ الحاالت بعد حصار قصير‪ّ ،‬‬
‫‪.‬المتوافرة بداخلها بسرعة عندما تنقطع اإلمدادات الخارجية‪589‬‬
‫ولكم بدا أصحاب الرّأي الثّاني أكثر حكمة من أولئك الفرسان الذين حاولوا إرضاء الملك عبر اتّباع رغبتــه بــالهجوم‬
‫على المدينة‪،‬ـ عندما اضط ّر جيش المسيحيين لالنسحاب أمام بسالة المقــاومين وصــمود المحاصــرين‪ .‬ولكن وقبــل ســرد تفاصــيل‬
‫الهجوم على إشبيلية‪ ،‬ال ب ّد من العودة بضع سنوات إلى الوراء لنعرف لماذا قاومت هذه المدينةـ التي كــانت لعصــور قلعــة منيعــة‬
‫‪.‬لليمنيين‪ ،‬لثمانية عشرة شهراً ملكا ً مسيحيا ً يدعمه حاكم ذو نسب يمني مثل العديد من س ّكانها‬
‫كانت مدن بلنسية و ُمرسية وبيّاسة وبسطة ووادي اش وجيان وغرناطة وسواها من المدن القوية التي يحكمها رجــال‬
‫‪.‬من أصول يمنية قد اخضعت لسلطة فرناندو الثّالث‪ ،‬باستثناء إشبيلية‬
‫ظلت إشبيلية حاضرة وبالط المو ّحدين لسنوات طوال لكن قوتهم فيها تزعزعت‪ ،‬كمــا في كــل النّــواحي األخــرى في‬
‫الرّبع األول من القرن الثّالث عشر حيث أزيح عاملوهم وموالوهم واحداً بعد اآلخر وأُرغمــوا على الـ ّـذهاب إلى مكــان آخــر‪ .‬فمــا‬
‫الذي م ّكن إشبيلية من أن تستعصي على جيش المسيحيين عندما هاجمها؟‬
‫الجواب على ذلك نجده فيما ذكره المرّاكشي بصورة عرضية‪ 590‬بأن الحــاكم األول للمو ّحــدين أنشــأ ميليشــيا [جُنــداً]‬
‫‪.‬من الفرسان في ضواحي إشبيلية‬
‫عن أول مرّة عبر فيهــا ســلطان المو ّحــدين عبــد المــؤمن بن علي إلى إســپانيا كتب المرّاكشــي‪« :‬وقــد كــان حين أراد‬
‫العبور إلى جزيرة األندلس استنفر أهل المغرب عامة‪ ،‬فكان فيمن استنفره العرب الذين كـانوا ببالد يحـيى بن العزيـز وهم قبائـل‬
‫من هالل بن عامر خرجوا إلى البالد حين خلّى بنو عبيد بينهم وبين الطّريق إلى المغرب فعاثوا في القيروان عيث ـا ً شــديداً أوجب‬
‫خرابها إلى اليوم ود ّو خوا مملكة بني زيري بن مناد»‪ .‬وكانت هذه القبائل العربية اعتادت على أن تدفع جزيــة مقــدارها «نصــف‬
‫غلّة البالد من تَمرها» وقمحها‪ ،‬ولكن عندما «ملك البالد أبو مح ّمد عبد المؤمن ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬أزال ذلك من أيديهم وصيّرهم جنداً‬
‫‪.‬له وأقطع رؤساءهم بعض تلك البالد» بوصفهم تابعين له‬
‫وعندما أراد أن يعبر بجيشه إلى شبه جزيـرة األنـدلس في إسـپانيا «كتب إليهم رسـالة يسـتنفرهم إلى الغــزو بجزيــرة‬
‫األندلس فاستجاب له منهم جمع ضخم‪ ،‬فلما أراد االنفصــال عن الجزيــرة» والعــودة إلى أفريقيــا «رتّبهم فيهــا فجعــل بعضــهم في‬
‫نواحي قُرطُ بة وبعضهم في نواحي إشبيلية مما يلي مدينة شريش وأعمالها فهم بها باقون إلى وقتنا هذا ‪ -‬وهو سنة ‪1224( 621‬‬
‫ق كثير وزاد فيهم أبو يعقوب وأبو يوسـف [خليفـة عبـد المـؤمن وابنـه من بعـده] حـتى‬ ‫م) وقد انتشر من نسلهم بتلك المواضع خل ٌ‬
‫كثروا هنالك‪ .‬فبالجزيرة اليوم من العرب من زغبة ورياح و ُجشم بن بكر وغيرهم نحو من خمسـة آالف فـارس سـوى ال َّرجّالـة»‬
‫حدين إلشبيلية وشريش وغيرهما من الحصون المنيعة التي يمكن أن يصلوها على عجل‪591‬‬ ‫‪.‬في خدمة الوالة المو ّ‬
‫ضوء على موقع كل طرف في المدينةـ في ذلك الوقت‬ ‫‪.‬ويلقي ابن خلدون ال ّ‬
‫كان في حوالي العام ‪ 1233‬م رجالن (يمنيان) صاحبا نفوذ من مواطني إشبيلية‪ ،‬احــدهما يــدعى أبــا مــروان البــاجي‬
‫الشـهير أبي بكــر بن الجـ ّد‪ .‬ورث الـرّجالن اللــذان كــان ألســالفهما حُظــوة لــدى‬ ‫‪ ،592‬والثّاني أبا عمرو بن الجـ ّد‪ ،‬ســليل الـرّاوي ّ‬
‫الخلفاء‪ ،‬الكثير من األراضي ونفوذاً ال يستهان بهما‪ .‬وكانا وقورين يحظيان بتقدير عظيم من أهل إشــبيلية الــذين كــانوا غالبـا ً مــا‬
‫يستشـيرونهما ويسـألون رأيهمـا في كـ ّل أمـر طـارىء‪ .‬ولم يقتصـر االحـترام والتّقـدير على العا ّمـة من النّـاس‪ ،‬بـل كـان الح ّكـام‬
‫أن كل األمراء والسّادة من بني عبد المؤمن الذين تعاقبوا على حكم األندلس عيّنوهم (أسـالف البـاجي‬ ‫الموحّدون يجلّونهما‪ ،‬حيث ّ‬
‫‪.‬وابن الج ّد اللذين نتحدث عنهما) في مناصب هامة‪ ،‬وحفظوا لهم مكانا في مجالسهم‬
‫بعد وفاة الخليفة الموحّدي المستنصر‪ ،‬دبّت الفوضى في البالد عندما استق ّل أمراء ساللة الموحّدين كل في ناحيــة‪ .‬ثم‬
‫الشـرقية (صــفحة ‪ 275‬و ‪ 279‬طبعــة األصــل) في حين بــرز ابن األحمــر‬ ‫رفع ابن َمردنيش وابن هود رايــة الثّــورة في اإلقــاليم ّ‬
‫‪.‬غربا ً‬
‫في نوفمبر من العام ‪ 1228‬م‪ ،‬أحكم ابن هود الذي تغلّب على الموحّدين المنقســمين فيمــا بينهم في كــل مكــان نــازلهم‬
‫فيه‪ ،‬سيطرته على إشبيلية لكن أهل المدينةـ طردوا أخاه الذي عيّنه واليا ً عليها بعد ثالث سنوات وانتفضوا عليه‪ .‬وعقب ذلــك ق ـ ّدم‬
‫‪.‬أهل إشبيلة وجارتها قرمونة المنيعةـ ال ّشريف اليمني الباجي واليا ً عليهم‪ .‬وتحالف الباجي بدوره مع ابن األحمر ملك غرناطة‬
‫ز ّوج ابن األحمر إحدى بناته للباجي ووعده بم ّـد يد العون له في مواجهة ابن هود إن أعلن والءه لــه‪ ،‬وهــو مــا وافــق‬
‫‪.‬الباجي على فعله‪ ،‬ودخل ابن األحمر إشبيلية بوصفه سيداً عليها عام ‪ 1234‬م‪593‬‬
‫ال يتضح ما حصل في إشبيلية بعد ذلك‪ ،‬فالكتّاب على اختالفهم ينقلــون روايــات متناقضــة ومبهمــة وليس من الممكن‬
‫‪.‬استخالص رواية منسجمة منها‬
‫إن ابن األحمر هاجم الباجي من دون سبب ظاهر وقتله خــارج أســوار المدينــة‪.‬ـ ال‬ ‫يقول ابن خلدون على سبيل المثال ّ‬
‫ي دافـع باسـتثناء‬ ‫ب ّد أن مثل هذا التّص ّرف‪ ،‬في حال كان الباجي صـهره‪ ،594‬كـان وراءه حُكمـا ً دافـ ٌع قـوي‪ ،‬ولكن لم يـرد ذكـر أل ّ‬
‫‪.‬اإلشارة إلى طموح ابن األحمر في التّوسع‬
‫للقضـاء على البــاجي‪ .‬وابن أشــقيلولة يمــني من ‪ Escaliola‬ووفقا ً لهذه الرّواية‪ ،‬كلّف ابن األحمر علي بن أشـقيلولة‬
‫أن ابن اشقيلولة هذا كان صــهر ابن األحمــر ويســتد ّل على‬ ‫قبيلة تُجيب تماما ً مثل ابن الج ّد صديق الباجي في حكومة إشبيلية‪ .‬كما ّ‬
‫ً‬
‫أن أ ّمه كانت أختا ألحد أبناء ابن األحمر‪ .‬وعليــه‪ ،‬وفي حـال صـحّت‬ ‫ذلك من الكتابة على شاهد قبر ابن أشقيلولة في غرناطة من ّ‬
‫أن هذا الفعل أغضب العائلة كما سائر أقرباء ابن األحمر اليمنيين‬ ‫‪.‬رواية ابن خلدون‪ ،‬ال شك ّ‬
‫أن ابن خلدون الذي عاش في القرن ال ّرابع عشر‪ ،‬خلط ما بين حدثين في تلك الفــترة المضــطربة‪ ،‬فنســب‬ ‫أغلب الظّن ّ‬
‫حدون أو ابن هود الذي بذل على ما يبدو جهوداً كبيرةً الستعادة إشبيلية‪595‬‬ ‫‪.‬إلى ابن األحمر فعالً ارتكبه المو ّ‬
‫أن ابن الج ّد كـان يمسـك بزمـام األمـور عمليـا ً إن لم‬ ‫وعلى ال ّرغم من االضطرابات التي شابت السّنوات التّالية‪ ،‬يبدو ّ‬
‫يكن اسميا ً في إشبيلية بعد موت رفيقه الباجي‪ ،‬حيث أننا نجد أنه عيّن في سنة ‪ 1238‬مح ّمد بن السّيد أبي عمران‪ ،‬وهو شــاب من‬
‫أسرة المو ّحدين الحاكمة‪ ،‬في منصب هام في الحكومة وأبقى على هذا ال ّشاب على عرشه المهت ّز حتى عام ‪ 1242‬م‪ .‬ويظهــر ابن‬
‫‪.‬الج ّد مجدداً في العام ‪ 1245‬بوصفه الحاكم ال ُمطلق على إشبيلية‬
‫بعد ذلك‪ ،‬ووفقا ً البن خلدون‪ ،‬تصالح ابن الج ّد مع سان فرناندو وعقـد حلفـا ً معـه‪ ،‬ولكي يسترضـي الملـك المسـيحي‪،‬‬
‫رف ڠايانڠوس المغاور ‪ almogavares.‬سرّح من عسكره أفضل المغاورين‪596‬‬ ‫بأنه «جندي يُعيّن على ‪ Al - mughawar‬يع ّ‬
‫الجبهة الحدودية»‪،‬ـ وم ّما ال شك فيه أنهم كانوا الجند أو الميليشيا التي أنشـأها عبــد المــؤمن في ضـواحي إشــبيلية‪ .‬لم يعــد بإمكــان‬
‫المو ّحــدين إبقــاء فــرق مكرّســة لحمايــة حــدودهم المتب ّدلــة واآلخــذة بــالتّراجع‪ ،‬مــع أن الجنــد حصــلوا على األرجح على تســمية‬
‫‪«.‬المغاورين» ألنهم كانوا منتشرين على الثّغور في شريش دي ال فرنتيرة وجوارها‪597‬‬
‫كان المغاورون ال يزالون يش ّكلون قوة كبيرة عندما أُعلن ابن الجد حاكما ً على إشبيلية عام ‪ .1245‬ومن ّ‬
‫الصـعب لنــا‬
‫أن نفهم كيف «س ّرحهم من صفوف جيشه» إذا كــانوا رجــاال يمكنــه االعتمــاد عليهم‪ ،‬ألننــا ال نســتطيع أن نتخيّــل أنــه عمــد بملء‬
‫إرادته إلى تجريد دولته الضّعيفة من أيّــة عناصــر دفاعيــة‪ .‬ولــذلك نعتــبر أنــه على الـرّغم من كــونهم من أصــول عربيــة‪ ،‬كــانت‬
‫أن أســبابا ً‬‫ك ّ‬‫الميليشيات األفريقية تعتنق مذهبا ً يتعارض مع مذهبه‪،‬ـ ونتيجة لذلك رفضت أن توضع تحت إمرة حاكم يمــني‪ .‬ال ش ـ ّ‬
‫وجيهة دفعت ابن الج ّد ليعتمد المسار الذي انتهجه ولكن األمر لم يكن في صـالح ّ‬
‫السـالم في المدينــة؛ـ كــانت تلــك الميليشــيا أقـوى‬
‫ّ‬
‫لدى مدوّني الحوليّات المســيحية ‪ -‬وهكــذا كــان ‪ - Axataf‬بكثير من ابن الج ّد‪ ،‬فثاروا عليه وقتلوه بتحريض من قائدهم ال َّسقاف‬
‫على إشبيلية أن تخوض مجدداً الحرب مــع المســيحيين‪ .‬ولكن المدينــة خضــعت هــذه المــرة إلمــرة مجلس مؤلــف من ســتة أفــراد‬
‫أغلبهم من أصول أفريقية‪ ،‬وكان العربي الوحيد بينهم على ما يبدو يحيى ابن خلدون ج ّد المؤرّخ الذي نقلت عنه هذه الرّواية ‪،598‬‬
‫وكان واحد آخر منهم يمثل السّاللة األفريقية الجديدة لبني حفص والتي وضعت ح ّداً لهيمنة الموحّدين في تلك القارّة‪ ،‬وكــان بينهم‬
‫‪.‬كذلك القائد الموحّدي ال َّسقّاف نفسه‬
‫الطرف الوحيد الذي لم يكن ممثّالً في هذا المجلس ذي الخليط المتنوع كان أهل المدينةـ أنفسهم‪ ،‬وهم اليمــنيون الــذين‬
‫يشكلون األكثرية العظمى من السّكان‪ .‬ولكن لم يكن بوسعهم أن يفعلوا شـيئا ً بعـد مقتـل األمـيرين اللـذين اختاروهمـا لتـولّي زمـام‬
‫‪.‬أمرهم ولم يكن على ما يبدو من بديل يح ّل مكانهما‬
‫أن عالقة القربى المباشرة للمؤ ّرخ بأحد أعضاء المجلس من شــأنها أن تعطي وزنـا ً كبــيراً لروايتــه ألحــداث تلــك‬ ‫مع ّ‬
‫فإن تفسيرنا للتّناقاضات واالختالفات التي تشوبها هو كونه ولد بعد تسعين عاما ً من سقوط إشــبيلية وأنــه على مــا يبــدو لم‬ ‫الفترة‪ّ ،‬‬
‫‪.‬يزر إسپانيا قط‬
‫وهناك مالحظة مثيرة لالهمام لدى ابن خلدون قد تكون أو ال تكون مستندة إلى وقائع‪ ،‬ولكننا لم نجد بعد مــا يع ّززهــا‬
‫الس ـقّاف واتخــذ من ذلــك ذريعــة‬ ‫شن هجومه ثاراً لمقتل حليفه ابن الج ّد على يد َّ‬‫إن سان فرناندو ّ‬ ‫في الكتابات المسيحية‪ .‬فهو يقول ّ‬
‫ليعلن الحرب على الموحّدين‪،‬ـ واحت ّل قرمونة ومرشانة ومن ثم فرض حصــاراً على إشــبيلية‪ .‬بعث إليــه أهلهــا يعرضــون ّ‬
‫السـلم‪،‬‬
‫‪.‬لكنه «استعلى عليهم وأبى» وكانت تلك بداية الحصار الذي استم ّر زهاء عامين‬
‫أن هذه ال ّرواية تنطوي على قدر من الحقيقــة‪ ،‬غــير أنــه من الواضــح ّ‬
‫أن‬ ‫لنا أن نستد ّل مع ازدياد معرفتنا بتلك الحقبة ّ‬
‫المؤرّخ اعتمد فقط على ال ّروايات المنقولة شفاها ً في هذا الجزء من عملـه‪ ،‬ألنـه ال يشــير وال مـرّة واحــدة إلى أي مرجــع سـابق‪.‬‬
‫ومن المر ّجح أنه ربط األحداث مستنداً إلى السّرد الذي نقله ج ّده ألفراد عائلته‪ .‬كما أنه من المســتحيل أن يكــون قــد حصـل عليهــا‬
‫ألن يحيى بن خلدون كان سيكون عمره على األقل مئة عام عنــدما ولــد حفيــده عــام ‪ .1332‬ولــذلك فــاألرجح ّ‬
‫أن‬ ‫من ج ّده مباشرة ّ‬
‫العديد من األخطاء تشوب السّرد ال ّزمني‪ ،‬فجميعنا ندرك كم هو صعب إعادة سرد القصة نفسها مرتين باستخدام الكلمات عينهــا؛‬
‫أن فصول ابن خلدون عن سقوط إشبيلية زاخرة باألسماء والتّواريخ‪599‬‬ ‫‪.‬كما ّ‬
‫أن حــاكم إشــبيلية المو ّحــدي أرغم البيّاســي (أمــير بيّاســة) و«حليفــه ملــك النّصــارى» على‬
‫ويــروي المــؤرّخ نفســه ّ‬
‫ّ‬
‫االنسحاب بعد مهاجمتهما لتلك المدينة‪ .‬كان أمير بيّاسة قد أقســم والء الطاعــة لسـان فرنانــدو قبــل العــام ‪ 1227‬م‪ .600‬كمــا يــذكر‬
‫أن ابن األحمر دخل إشــبيلية كسـيّد لهــا في عــام ‪ 1233‬أو ‪ 1234‬وكــان معــه كتيبــة من النّصــارى تحت إمرته‪ 601‬ومن‬ ‫المؤرّخ ّ‬
‫الممكن أن يكون هؤالء من أحفاد القوط المسـيحيين في غرناطـة‪ ،‬والـذين سـمعنا سـابقا ً عنهم‪ ،‬أو قـد يكونـون من العسـكر الـذين‬
‫أرسلهم فرنانادو لمؤازرة حلفائه اليمنيين في إشبيلية ض ّد المو ّحدين الذين يدعمهم المغاورون أو الميليشيا‪ .‬وفي حال كانت تربــط‬
‫سان فرناندو عالقات صداقة مع أمراء اليمنيينـ الذين كانوا يسعون جاهدين لطــرد المو ّحــدين من األنــدلس قبــل عشــرة أعــوام أو‬
‫اثني عشر عاما ً من حصار إشبيلية األخير ‪ -‬كما يمكن أن نستنتج م ّما تشير إليه هذه التّلميحــات المجــتزأة ‪ -‬يمكننــا أن نفهم لمــاذا‬
‫‪.‬كان ابن األحمر يضع ثقته في ملك النّصارى ليقبل مساعدته عندما دارت الحرب في بالده ذاتها‬
‫لم يُبذل سوى جهد ضئيل حتى يومنا هذا إلزالة التّناقضات والغمــوض والتّوفيــق مـا بين الرّوايــات المتعلّقـة بالحملـة‬
‫المسيحية للسّيطرة على األندلس كما نقلها المؤ ّرخون الذين ينتمون إلى القبائل المعارضة لليمنــيين‪،‬ـ ولــذلك فقــد أُســيء تمامـا ً فهم‬
‫الحلف الذي قام ما بين ابن األحمر وسان فرناندو‪ .‬وعلى ال ّرغم من معرفتنا المحدودة بتفاصيل األحداث‪ ،‬فهناك أم ـ ٌر واحــد على‬
‫أن العهود الموقّعة بين ح ّكام غرناطة اليمنــيينـ وملــوك‬ ‫األقل نراه واضحا ً عبر الضّباب المخيّم عليها على مدى قرون عدة‪ ،‬وهو ّ‬
‫قشتالة المسيحيين لم يكن مبنيا ً فحسب على االحترام المتبادل بل على المصلحة المشتركة أيضــا‪ّ ،‬‬
‫ألن المو ّحــدين الــذين أقســم ابن‬
‫‪.‬األحمر على مقاتلتهم عندما استدعاه سان فرناندو لذلك‪ ،‬كانوا يمثّلون عدواً مشتركا ً لكليهما‪602‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الفصل الثّامن عشر‬
‫والموحدون في إشبيلية‬
‫ّ‬ ‫اليمانيون‬
‫كتب ســان فرنانــدو إلى ابن األحمــر ‪ Jaén،‬في عام ‪ ،1245‬وبعد مرور ثمانية أشهر على اجتماع الملكين في جيان‬
‫ليعلمه برغبته ببدء الحملــة على إشــبيلية وعبّــر عن أملــه في أن يرافقــه ابن األحمــر في هــذه الحملــة العســكرية ضـ ّد «أعــدائهما‬
‫‪».‬المشتركين‬
‫)‪ (todos dispuestos‬كان ملك غرناطة‪ ،‬استناداً إلى كون ِده‪ ،‬والفرسان الخمسمئة الذين أخذهم معه راغــبين تمامـا ً‬
‫في االشتراك في الحملة‪ ،‬وفي وقت ُمب ّكر من خريف عام ‪ 1245‬اجتمع الحليفان على الطّريق الممت ّدة من قُرطُبة إلى قلعة جابر‪،‬‬
‫‪.‬وهي قلعة عربية عظيمة ترتفع أطاللها فوق نهر وادي ال ّرحى وتبعد حوالي تسعة أميال عن إشبيلية‬
‫شهدت القلعة الكثير من المعارك خالل الحروب األهلية في القرن التّاسع‪ .‬وأُطلق عليها لقب «مفتاح إشبيلية» وكانت‬
‫بالتّ أكيد ذات أهمية إستراتيجية عظيمة في القرون الوسطى‪ .‬ال يحتاج المرء سوى أن يرى القلعة ليدرك مدى أهميتهــا‪ .‬فهي تجثم‬
‫عاليا ً فوق الطّريق الرّومانية الممت ّدة من قُرطُبة إلى إشبيلية بانحدار عمودي من ارتفاع يبلــغ حــوالي ‪ 200‬قــدم باتجــاه النّهــر من‬
‫جهتين‪ ،‬ولها بوّابتان تؤ ّديان إلى الحصن‪ ،‬إحداهما محميّة بخندق مــائي عميــق‪ ،‬ويمكن الوصــول إلى األخــرى عــبر ممـ ّر ضــيق‬
‫بالذات على منعطف مباغت ومنحدر حا ّد قبلهــا مباشــرة بحيث يســتطيع‬ ‫يمتدـ مسافة ربع ميل أسفل األسوار‪ ،‬بينما تشرف البوابة ّ‬
‫‪.‬أن يص ّد رجالن يقفان في الممر المؤدي إلى البرج هجوما ً ينطلق من تلك الجهة‬
‫من الصّعب تص ّور حصول أية محاولة هجوم من هذه الجهة‪ ،‬ألنـه بعــد البوابــة يمتـ ّد سـور بصـورة عموديــة تقريبـا ً‬
‫باتجاه األسفل إلى النّهر وبذلك ال تتوفر إمكانية الفـرار لعـدو مهـزوم‪ .‬يحمي سـور ٍ‬
‫ثـان بمنحـدر حـا ّد مماثـل الممـ ّر المـؤ ّدي إلى‬
‫الحصن الخارجي الموجود على الضّفة األخرى من منعطف النّهر‪ .‬وبين االثنين تقع على ضـفة النّهـر المطحنـة الرّومانيـة الـتي‬
‫الس ـيطرة على‬ ‫تؤ ّدي أدراجها ومم ّراتها تحت األرضية إلى أهراءات اكتُشفت تحت الحصن ال ّداخلي‪ ،‬والتي م ّكنت المــدافعين من ّ‬
‫إمداد غير محدود من الماء‪ .‬ويمكن أن تضاف إلى هذه المزايا األسوار الخارجية القوية الضّخمة التي ال تزال بقايــا عديــدة منهــا‬
‫ماثلة‪ ،‬وموقعها المشرف من فوق ربوة يرى منها إلى الغرب سهل إشبيلية مع المدينة الــتي تظهــر في البعيــد من خالل فتحــة في‬
‫والشـرق‪.‬‬‫ّ‬ ‫التّالل يقطعها النّهر والطّرق المؤ ّدية إلى المدن المجــاورة‪ ،‬أطريــرة وأشــونة وقرمونــة‪ ،‬على بعــد أميــال إلى الجنــوب‬
‫ُصـنت بطريقـة مالئمــة أن تكتسـب حــتى في زمننـا الحاضـر قيمـة إسـتراتيجية‪ ،‬وال بـ ّد أنهــا كـانت قلعـة‬ ‫يمكن لهذه القلعـة لــو ح ّ‬
‫يستعصي إخضاعها في القرن الثّالث عشر لو أخلص حرّاسها في ال ّدفاع عنها‪ .‬ولقد أمر الخليفــة المو ّحــدي أبــو يعقــوب‪ ،‬اســتناداً‬
‫‪.‬إلى ابن خلدون‪ ،‬بإصالح القلعة التي بقيت مه ّدمة منذ الحروب األهلية التي اندلعت في القرن التّاسع‪603‬‬
‫على مــدى ألفي عــام أو مــا يقــرب من ذلــك‪ ،‬ظلّت الطّريــق العريضــة الممتـ ّدة عــبر الممـ ّر األســفل من التّالل ونجــد‬
‫الذرة وتشتهر بانتاجيتها المتفوقة بحيث لم يتم تسميدها بتاتا ً منذ الحقبة اإليبيرية ‪ -‬إلرسال الخــبز‬ ‫الكورس الغني ‪ -‬منطقة زراعة ّ‬
‫من القلعة إلى إشبيلية بشكل يومي‪ .‬شيء ما في المكونات الكيميائيةـ للمياه المتدفّقــة من المغــاور والممــرات تحت األرضــية لتمأل‬
‫قناة جر الماء ال ّر ومانية المعروفة باسم قناة قرمونة يضفي نكهة مستساغة على الخبز المصنوع في القلعة‪ .‬وتستخدم هذه الينــابيع‬
‫التي ال تنضب كذلك لتشغيل العديد من طواحين المياه التي كانت تطحن القمح لصنع الخبز‪ .‬وهكذا تعيش القلعــة من خبزهــا كمــا‬
‫‪.‬تعيش إشبيلية عليه؛ وعندما توقف إمداد الخبز إلى المدينةـ عام ‪ 1245‬ع ّجل ذلك بدرجة كبيرة في استسالم إشبيلية‬
‫على ال ّرغم من األهمية الهائلة للقلعة بالنّسبة لح ّكام إشبيلية وواقع ان المدافعينـ عنها «كان بامكانهم أن يقــاوموا لم ـ ّدة‬
‫صمود في وجه الجيش الموحّد لسان فرناندو وابن األحمــر‪.‬‬ ‫طويلة بفضل مهارتهم وطبيعة المكان» فإنهم لم يبذلوا جهداً حاسما ً لل ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫يتفق كون ِده وثونيڠا حول هذا األمر‪ ،‬حتى أن ثونيڠا يعبّر عن حيرته إزاء استسالمهم السّريع‪ .‬لكن يبدو األمر طبيعيا بالنسبة لنــا‪.‬‬
‫كان هؤالء النّاس من اليمانيين وكانت تلك فرصة سانحة لإلطاحة بقائــدهم أو حــاكمهم المو ّحــدي لصـالح نصــراني متحــالف مــع‬
‫واحد من أبناء قــومهم‪ .‬فقبلــوا بنصــيحة ابن األحمــر بعــد مقاومــة بســيطة أو من دون خــوض معــارك بالخضــوع لســان فرنانــدو‬
‫والحصول على كافة مزايا التّابعية بدالً من معانـاة بـؤس الحصـار‪ .‬واستسـلموا فـوراً إلى ملـك غرناطـة الـذي أعطى القلعـة إلى‬
‫‪.‬فرناندو ‪604‬‬
‫قسّم سان فرناندو جيشه عندئذ إلى فرقتين‪،‬ـ وفي حين أنه بقي في القلعــة يعــزز التّحصــينات ويــزود المكــان بــالمؤن‪،‬‬
‫الشـ َرف‪ ،‬وأرســل الفرقــة األخــرى‬ ‫أرسل فرقة بقيادة ابن ملك مولينا وال ّرئيس األعلى لرتبة سانتياڠو العســكرية الســتنزاف إقليم َّ‬
‫بقيادة الـرّئيس األعلى لرتبـة قلعـة ربـاح وملـك غرناطـة الحتالل النّـواحي المحيطـة بمدينـة شـريش‪ .‬وكـان جنـد الموحّـدين‪ ،‬أو‬
‫أن وقف إمدادات الخــبز من القلعــة ش ـ ّكل‬ ‫الميليشيا المشار إليها في الفصل السّابق‪ ،‬يتولّون كما يبدو حماية اإلقليمين كليهما‪ .‬ومع ّ‬
‫خسارة جسيمة‪ ،‬لم يش ّكل ذلك ضغطا ً على إشبيلية على اإلطالق طالما بقيت تملك منفذاً ح ّراً إلى السّهل العظيم الممت ّد من حصــن‬
‫‪ Niebla،‬على نهــر الــوادي الكبــير المــؤ ّدي إلى لبلة )‪ San Juan de Aznalfarache‬سان خوان دي حصن الفرج( الفرج‬
‫بالذات‪ .‬كان الموحّـدون ال يزالـون يسـيطرون على هـذا الجـزء‬ ‫وهي مدينةـ مس ّورة كانت في ذلك الوقت في مثل منعة قلعة جابر ّ‬
‫من البالد متخذين من لبلة قاعدة لهم في جهة‪ ،‬وشريش في الجهة األخرى‪ .‬لم تكن توجد (وال تزال) أيّة جسور فوق نهر الــوادي‬
‫الكبير أقرب من قُرطُبة باستثناء جسر المراكب في إشبيلية‪ ،‬كما ال يوجـد أي مجـرى مـائي منخفض أسـفل المدينـة‪ ،‬لـذلك كـانت‬
‫‪.‬ال َّش َرف في ذلك الوقت آمنة كما لو كانت القلعة غير محتلة‬
‫في هذه األثناء كان المو ّحدون يحشدون قواتهم في إشبيلية‪ .‬رفض أهل قرمونة وقســطنطينة اللــتين تُركتــا تحت إمــرة‬
‫ضبّاط ثانويين إطاعتهم وأرغموا قادتهم على بعث رُســل إلى ســان فرنانــدو عارضــين أن يصــبحوا أتباعـا ً لــه شــرط ان يصــون‬
‫بأن تحذوا حــذو ســكان قرمونــة وقســطنطينة ‪ Guillena‬مزارعهم ويبقي عليهم ممتلكاتهم‪ .‬أقنع ابن األحمر سكان لورة وغليانة‬
‫‪.‬ولكن لم يتم ذلك إال بعد ان أُلحقت هزيمة كبيرة بالمسيحيين في قطنيانة تبعتها على الفور حملة انتقام وحشية‬
‫على بعــد عشــرة ‪ Guadalquivir‬قطنيانة مدينةـ جبلية في موقع مشرف فوق س ّد روماني على نهر الــوادي الكبــير‬
‫أميال أو ما يقارب ذلك صعوداً من إشبيلية‪ ،‬وكانت هذه المدينةـ في ذلك الوقت شديدة الحصانة‪ .‬حفر النّهر لنفسه هنا قنــاة عميقــة‬
‫وضيّقة بين ضفّة طينية عالية من جهة ونتوء صخري تتربّع فوقه قطنيانة من الجهة األخرى‪ .‬لكن يوجد على بعدـ مسافة قصـيرة‬
‫الشـتاء مشـ ّكلة ســبخات‬ ‫أسفل السّد (ال تــزال آثـاره ظـاهرة إلى اليــوم) منعطــف عظيم في النّهــر حيث تفيض الميـاه خالل فصــل ّ‬
‫ومستنقعات على امتداد ع ّدة فدادين تتخلّلها أقنية وحفر عميقة بما يكفي إلغراق حصــان‪ .‬وقــع المســيحيون هنــا في شــرك بســبب‬
‫أن المســيحيين في محنــة وعــاملوهم‬ ‫انقضـت عليهم حاميــة قطنيانــة عنــدما الحــظ أفرادهــا ّ‬ ‫ّ‬ ‫جهلهم للمنطقة وعدم وجود مرشدين‪.‬‬
‫ألن الفرسان المدججين بال ّدروع والسّالح كانوا عاجزين عن الخروج من المستنقع‪ .‬هـرعت قـوات المشـاة إلنقـاذهم فكـان‬ ‫بقسوة ّ‬
‫السـخيفة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على ســكان مدينـةـ قطنيانــة التراجــع إلى قلعتهم‪ .‬حاصــر المســيحيون عندئــذ المدينـةـ وقــد تملكهم الغضــب إزاء المحنــة ّ‬
‫‪.‬والمأساوية التي وقعوا فيها ثم اقتحموها وذهب سكانها التّعساء ضحيّة مذبحة مريعة‪605‬‬
‫حزن ابن األحمر كثيراً عندما علم بما حصل نظراً لشعوره بأنه كان في مقدوره لو كان مع المسيحيين أن يتفادى كل‬
‫هذه الخسائر البشرية‪ ،‬فذهب فوراً للتّشاور مع فرناندو كي يمنع هـدر الـ ّدماء بال طائـل في المسـتقبل‪ .‬وافـق الملكـان اللـذان كانـا‬
‫السـكان غــير المقــاتلين‪ ،‬على وجــوب إصــدار األوامــر إلى أفــراد القــوات بــأن‬ ‫دائما ً متفقين في الرّأي عندما يتعلّق األمر بصالح ّ‬
‫يلجأوا إلى اإلقناع والمسايرة في بادئ األمـر مـع كـل مدينـةـ وقلعـة يصـلون إليهـا‪ ،‬وأمـرا باسـتخدام القـوة فقـط عنـدما ال يوافـق‬
‫المسلمون على االستسالم أو يرفضون إعمــال المنطــق‪ .‬واتفقــا كــذلك على عــدم التّعـرّض للمسـنّين والنّســاء واألطفــال تحت أ ّ‬
‫ي‬
‫ي شخص آخر يستســلم دون سـالح خالل عمليــات االنتقـام العنيفـة‪ .‬عنـد ذلـك كتب ابن األحمـر رسـائل‬ ‫ظرف من الظّروف أو أ ّ‬
‫بالشـروط المقترحــة ويوصــيهم باالستســالم من دون‬ ‫حملها فرسانه إلى مختلف المــدن الواقعــة في نطــاق المعــارك ليخــبر أهلهــا ّ‬
‫مقاومة‪ .‬نجحت هذه الطّريقة في حقن الكثير من ال ّدماء وهي تشهد مج ّدداً كم كان اليمانيون قوما ً مسالمين بالفعــل وكم كــانوا على‬
‫‪.‬استعداد لقبول التّبعية بدالً من الحرب‬
‫الشـمال من إشــبيلية أول مدينــة تســتجيب‬‫كانت غليانة التي تقع على نهر ولبة إلى الجنوب الغـربي من قطنيانــة وإلى ّ‬
‫لتوصية ابن األحمر‪ ،‬وقاد فرناندو بنفسه قواتــه إلى داخــل المدينــة‪،‬ـ ومن هنــاك تو ّجــه إلى جرينــة وهي مدينـةـ أخــرى من المــدن‬
‫العديدة المتناثرة حول سفح جبل ولبة‪ ،‬حيث ال زالت بقايا أسوار قوية شاهدة على منعة تحصيناتها في القرون الوسطى‪ .‬هنــا بــدا‬
‫أن الموقع كان ذا أهميــة ضــئيلة‪ ،‬ولم يوافقــوا على‬ ‫أن الموحّدين حشدوا قوة كبيراً نظراً ألنهم أبدوا مقاومة عنيفة على الرّغم من ّ‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫شروط االستسالم إلى ان أصبحت الحامية بأكملها مه ّددة بالهالك‪ .‬لم تُج ِد المساعي الحميدة التي بذلها ابن األحمر نفعا في جرينة‬
‫‪.‬مع أنها كانت فعّالة بدرجة مؤثرة في غليانة التي تبعدـ مسافة فرسخ واحد عن جرينة‬
‫ألن سـان فرنانـدو رجــع إلى غليانـة حيث‬ ‫من الواضح أنه بدا من غير المستحسن مواصلة ال ّزحــف في ذلــك االتجـاه ّ‬
‫ّ‬
‫أصيب بمرض شديد أرغمه على البقاء في المدينة لفترة زمنية‪ .‬لقد كان من دون شك قد بدأ يعاني من المرض الباطني الذي أدى‬
‫ـأن أجلــه قــد اقــترب أســهمت في اســتجابته بانــدفاع لرغبــات ابن األحمــر في‬ ‫أن معرفته بـ ّ‬
‫إلى وفاته بعد بضع سنين؛ ومن الجائز ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫اعتماد ال ّرأفة خالل الحملة‪ .‬لم يكن من األمور االعتيادية في ذلك الزمن أن يقبل فاتح مسيحي نصيحة رجل يعتنق دينا آخــر كمــا‬
‫أن فرناندو فعل‪ ،‬ســواء كتبهــا مســيحيون أو مســلمون‪ .‬كمــا لم يبـ ِد فرنانــدو أو يســمح‬ ‫تظهر الحوليّات الواردة حول هذه األحداث ّ‬
‫لمستشاريه بإبداء أدنى شك في حسن نوايا ابن األحمر‪ .‬قـامت صـداقتهما على اإلعجـاب واالحـترام المتبـادلين ومن الواضـح أن‬
‫فرناندو‪ ،‬ذلك ال ّرجل الحكيم بين أفراد جيله‪ ،‬ق ّدر المزية الهائلة المتمثلة بالنّسبة له فيما يتمتع به الملك اليماني من نفــوذ بين أبنــاء‬
‫‪.‬قومه ودينه طوال السّنتين اللتين قاتال خاللهما جنبا ً إلى جنب‬
‫يتضح لنا من خالل قراءتنا بين السّطور أنه لم يُطلب بتاتا ً من ابن األحمر أن يشارك في معــارك فعليّــة ضــد منــاطق‬
‫يعيش فيها سكان مسالمون من قومه‪ .‬نسمع عنه في قلعة جابر وقرمونة وغليانة وغيرها من المدن التي استسلمت من دون قتــال‬
‫‪ -‬ولكن لم يرد اسمه في األخبار الواردة عن حصار جرينة وال يبدو أنه كان موجوداً في قطنيانة‪ .‬ولكنه أُرســل إلى شــريش الــتي‬
‫السـقّاف من إشــبيلية لقيــادة القــوات‬‫كان يتمركز فيها أعداؤه‪ ،‬ثم جاء ذكره في معركــة قلعــة النّهــر الــتي جاءهــا القائــد المو ّحــدي ّ‬
‫المدافعة نظراً لكون هذه المدينةـ الواقعة على ضفّة النّهر كانت البوّابة الــتي تـدخل عبرهــا اإلمـدادات الغذائيــة القادمـة من الجبـل‬
‫‪.‬الستهالكها في العاصمة إلى حيث كانت تُرسل على متن المراكب ال ّشراعية‬
‫كان ال ّسقّاف يلحق الهزائم بالمســيحيين هنــا خــارج األســوار حين وصــل الغرنــاطيون في الــوقت المناســب‪ .‬وبفضــل‬
‫مناورة سريعة نشر ابن األحمر سالح الفرسان بين الموحّدين والقلعة‪ ،‬ثم هــاجمهم بثبــات بحيث أجــبرهم على االلتفــاف والفــرار‬
‫أن الملــك المســيحي‬ ‫إلى إشبيلية‪ .‬بعد ذلك أقنع ابن األحمر من دون صعوبة سكان المدينة باالستسالم إلى سان فرناندو مؤ ّكداً لهم ّ‬
‫‪.‬سوف يحميهم ويحرسهم‪ .‬وبذلك ظفرت قشتالة بهذه القلعة بفضل تد ّخل الملك اليماني‬
‫ـأن األدمــيرال رامــون بونيفــاث‬‫‪ Ramon‬عندما كــان فرنانــدو في قلعــة النّهــر بعــد االستســالم‪ ،‬وصــلته أنبــاء تفيــد بـ ّ‬
‫السـفن ‪Bonifaz‬‬ ‫كان قد وصل إلى مصبّ نهـر الـوادي الكبـير مـع أسـطوله المكـوّن من ثالث عشـرة سـفينة كبـيرة وعـدد من ّ‬
‫األصغر حجماً‪ ،‬وأنه اشتبك مع العدو هناك وأصبح اآلن مسيطراً على مشارف إشبيلية من جهة البحــر‪ .‬تمكنت قــوة أرســلت من‬
‫قلعة جابر من التّغلب على قوة من المو ّحدين أرسلت لمساعدة سفنهم بين مستنقعات لبريخـا‪ ،‬وشـجّع هــذا النّجـاح المـزدوج سـان‬
‫‪.‬فرناندو فق ّرر غزو إشبيلية دون مزيد من التّأخير‬
‫في ‪ 20‬أغسطس من سنة ‪ ،1247‬نصبت القوات المسيحية خيمها خارج المدينة وقريبا ً جداً منها‪ ،‬بحيث كانت الخيام‬
‫الملكية موجودة على ما يعرف في اليوم الحاضر باسم مرج سان سيباستيان الذي كان يقـام عليـه معـرض إشـبيلية الكبـير‪ .‬يقـول‬
‫إن الجيش كان محدود العدد إلى ح ّد كبير وإن كان تدريبهـ متقناً‪ .‬لكن الثّقة المبالغ بها التي كــان يبــديها الملــك ومستشــاروه‬ ‫ثونيڠا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصـعب اكتشـاف الحقـائق الدقيقـة ألن المـؤرّخين‬ ‫كانت السّبب في حصول «علل يسـتحيل مـداواتها»‪ .‬ويضـيف ثونيڠـا أنـه من ّ‬
‫صمت حيالها‪ ،‬ولكن من المعروف أنه سرعان ما تك ّشف أنه ال ب ّد من االنسـحاب من مــرج سـان سيباسـتيان إلى تَ ْبلَـدة‪،‬‬ ‫التزموا ال ّ‬
‫ال ّزاوية التي يشكلها التقاء نهر وادي الرّحى بالوادي الكبير حيث كـان يجــري وقت كتابـة هـذا الكتــاب حفـر قنـاة جديـدة عظيمـة‬
‫والسـماح للبــواخر ‪ San Juan de Aznalfarache‬لتجنّب عبور المنعطف الضّحل للنّهر عند سان خوان دي حصن الفــرج‬ ‫ّ‬
‫‪.‬العابرة للمحيط بال ّدخول إلى ميناء إشبيلية عندما يرتفع الم ّد‬
‫احت ّل سالح البحرية بقيادة بونيفاث في ذلك الوقت ضفّتي النّهر حتى ســان خــوان‪ ،‬ومن المحتمــل أن ّ‬
‫السـفن الحربيــة‬
‫‪ Dos‬تمركــزت بــالقرب من تَ ْبلَــدة‪ .‬بــات المســيحيون اآلن يســيطرون على الطّريــق الممتــ ّدة من إشــبيلية إلى دوس إرمانــاس‬
‫وأطريرة كما على الطّريق الممت ّدة من قلعة جابر وقرمونة وعلى الطّريق المتجهة إلى الجبل في )حصن األختين( ‪Hermanas‬‬
‫ال ّشمال وبمحاذاة النّهر صعوداً من إشبيلية حتى مدينةـ قُرطُبة‪ .‬وهكذا أصبحت المدينة تعتمــد بالكامــل على إمــداداتها الغذائيــة من‬
‫ال َّش َر ف حيث كانت قوات الميليشيا تحرس قوافل اإلمدادات القادمة يوميا ً إلى المدينـةـ دون صـعوبة عـبر جسـر الـ ّزوارق‪ .‬كـانت‬
‫أن غالبيــة المــزارعين‬ ‫تحرس الجسر قلعة طريانة القوية التي ثُبّتت داخل جدرانها السّالسل التي تربط الـ ّزوارق ســوية‪ .‬صـحيح ّ‬
‫‪.‬والفاّل حين كانوا يعارضون المو ّح دين‪ ،‬ولكنهم كانوا هم الحاكمين ولم يكن هؤالء القوم المسالمون يجرؤون على رفض طلباتهم‬
‫كانت المنطقة الرّيفية بكاملها الممت ّدة من إشبيلية حتى لبلة وال تــزال غنيّــة بالمزروعــات‪ ،‬كمــا كــانت لبلــة وال تــزال‬
‫بأيدي الموحّدين تحت حكم مح ّمد الذي نعتقد انه كان مح ّمد بن عمران الذي نصّبه ابن الج ّد واليا ً على إشــبيلية وأطيح بــه بعــد ان‬
‫أن مح ّمد ابن السّيد أبي عمران قُتل مع حاميه ابن الج ّد في إشبيلية‪ ،‬أ ّما مح ّمد ملــك‬ ‫اغتال ال َّسقّاف ابن الج ّد‪ .606‬لم تذكر الحوليّات ّ‬
‫لبلة فكان على وجه التّأكيد من الموحّدين‪،‬ـ ولقد ف ّر كما نعتقد خالل ثورة عام ‪ 1242‬مــع والدتــه الــتي كــانت على مــا يبــدو امــرأة‬
‫أن مح ّمــداً هـاجم المغــاوير‪ ،‬ولــذلك يمكن القــول إنهم دعمــوه بعــد وفــاة الملــك‬ ‫قديرة وأرسى حكمه في لبلة‪ .‬لم يــذكر ابن خلــدون ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اليماني من أجل تأمين قاعدة لعملياتهم على رأس ال َّش َرف نظرا لألهمية الهائلة بالنســبة إلشــبيلية في إبقــاء تلــك الطريــق مفتوحــة‬
‫ّ‬
‫‪.‬للوصول إلى المدينة‪607‬‬
‫تقع مدينة لبلة مثل قلعة جابر على تلّة شديدة االنحدار تعلو منعطفا ً حاداً من النّهر األحمر ‪ -‬وهو جدول هادئ مياهــه‬
‫السـهل إلى‬ ‫بلون غريب برونزي مائل إلى ال ُخضرة تنبع من مناجم النّحاس‪ .‬تشرف المدينة المس ّورة على الطّريــق الممتـ ّدة عــبر ّ‬
‫إشبيلية من جهة وتشرف من الجهة األخرى على مم ّر صخري يتعرّج النّهر عبره حتى الوصــول إلى البحــر أســفل مينــاء ولبــة‪.‬‬
‫ليس وضعها قويا ً من الوجهة الحربية كما هي الحــال بالنّســبة للقلعــة‪ ،‬ولكن من الواضــح أنهــا أبــدت مقاومــة شرســة في القـرون‬
‫الوسطى نظراً ألن سور المدينة الذي ال يزال كامالً تقريبا ً يمت ّد نحو األسفل حتى طرف النّهر بحيث أنه كان من الصّعوبة بمكان‬
‫لعدو أن يقطع المياه عنها عدا من خالل تحويــل مجــرى الجــدول؛ وهــو فعـ ٌل لم نقــرأ أنــه مــورس إال نــادراً أو على اإلطالق في‬
‫‪.‬األندلس‬
‫أن سان فرناندو ترك الموقع وشأنه‪ ،‬إذ ال يوجد ما يشير إلى تنفيــذ هجــوم على لبلـة في عهـده‪ ،‬وعنــدما حاصـر‬ ‫يبدو ّ‬
‫الملك ألفونسو العاشر المدينة بمساعدة ابن األحمر بعد تسع سنوات من ســقوط إشــبيلية لم يتمكن الحليفــان من إخضــاعها إال بعــد‬
‫‪.‬انقضاء عشرة أشهر‬
‫كانت مدن جبل العيون وسربا ومورة وفــارو وعـ ّدة مــدن أخــرى وكامــل إقليم الغــرب تقريبـا ً ال تــزال تحت ســيطرة‬
‫‪.‬الموحّدين وأميرهم مح ّمد‪ ،‬واستسلمت جميعها إلى المسيحيين سوية مع مدينة لبلة عام ‪1257608‬‬
‫في بداية الحصار‪ ،‬حتى قبل أن يعسكر فرناندو أمام مدينة إشبيلية على ما يبدو‪ ،‬عبر َسيّد إقليش إلى ّ‬
‫الض ـفة الغربيــة‬
‫من النّهر مع ‪ 280‬فارسا ً «من بين رهبان وعلمانيين» ونصب خيمة أمام حصن الفــرج حيث صــمد بصــعوبة في موقعــه إلى أن‬
‫ضفة الغربية طوال فترة الحصار تشتبك مع حاميــة حصــن الفــرج وقلعــة‬ ‫أرسل إليه فرناندو بتعزيزات‪ .‬بقيت هذه القوات على ال ّ‬
‫ي تأثير على قلعة طريانـة الــتي صـمدت حـتى بعـدـ تحطيم جسـر الـ ّزوارق ولم‬ ‫طريانة‪ .609‬ولم يتم ّكن المحاصرون من إحداث أ ّ‬
‫‪.‬تستسلم إال مع استسالم المدينة‬
‫في هذا الوقت تقريياً‪ ،‬جاء رئيس كهنة سانتياڠو‪ ،‬مقتديا ً بغــيره من رجـال الـ ّدين المحـاربين‪ ،‬للمسـاعدة في الحصـار‬
‫ّ‬
‫على رأس فرقة من فرسان جليقية‪ .‬خيّمت الفرقة بالقرب من تغـرت‪ ،‬وهـو جـدول ميـاه راكـدة يتعـرّج خـارج األسـوار الشـرقية‬
‫‪ Muelle Mineral،‬أسفل ما يعرف اآلن برصيف «مويِّه مينرال»‪ Guadalquivir 610‬للمدينة ويصبّ في نهر الوادي الكبير‬
‫لكن ال ّرائحة البغيضة المنبعثة من مياه الجدول اآلسنة س ّممت رئيس الكهنة وكافّة رجاله‪ .‬عنــدما أدرك المســلمون الـ ّداء الــذي أل ّم‬
‫راع وعندما‬ ‫بهم خرجوا من معقلهم وهاجموهم‪ .‬وانتقاما ً لما أصابهم دبّر عدد من الفرسان ف ّخا ً بأن أطلقوا قطيعا ً من األغنام دون ٍ‬
‫حاول المو ّح دون اإلمساك باألغنام قتلت فرقة رئيس الكهنة خمسمئة رجل منهم؛ على األقل هذا ما يقوله ثونيڠا‪ ،‬لكن من دون أن‬
‫أن الرّائحة المنبعثةـ من مياه جدول تغرت اآلسن أ ّدت إلى اعتالل فرسان جليقيــة‪،‬‬ ‫يسند قصته إلى مرجع موثوق‪ .‬ويمكن تصديق ّ‬
‫إن المسـلمين خـاطروا بحيــاة‬ ‫فإلى اليوم ال يزال كـل من يخيّم على ضـفّة هــذا الجــدول معرّضـا ً للتّسـ ّمم‪ .‬ولكننــا نشــكك في قولـه ّ‬
‫خمسمئة رجل من حاميتهم اللتقاط بضعة خراف؛ ألنه ونظراً لندرة المؤن لدى الفريقين ال بـ ّد أنهم أدركــوا أنّــه من غــير الممكن‬
‫ترك قطيع أغنام يـرعى دون حراسـة ان لم يكن وراء ذلـك غـرض معيّن‪ .‬لم يتعـافَ رئيس الكهنـة من مرضـه‪ ،‬وعنـدما سـاءت‬
‫شمال‪611‬‬ ‫‪.‬حالته الصّحية تماما ً أعاده سان فرناندو إلى ال ّ‬
‫إن فرناندو نصب خيامـه في مـرج سـان سيباسـتيان خـارج أسـوار المدينـة مباشـرة‪ .‬لكن‬ ‫يقول ثونيڠا‪ ،‬كما ورد آنفاً‪ّ ،‬‬
‫ال يشير إلى ذلك بل يخبرنــا بأنــه ذهب إلى تَ ْبلَــدة حيث عـ ّزز تحصــيناته إلى ‪» Primera Crónica‬كتاب «الحوليّات األوليّة‬
‫أقصى ح ّد ممكن‪،‬ـ نظراً لقلة عدد فرقته‪ .‬من المحتمل أن فرناندو عسكر لفــترة قصـيرة خـارج األسـوار ولكن ال يوجـد أدنى شـك‬
‫بأنه خيم هناك أوالً‪ .‬يقول كتاب الحوليّات إن فرناندو انتقل إلى تَ ْبلَــدة «بعــد ان أنهكتــه مناوشــات المســلمين حيث كــان»‪ .‬حــرص‬
‫الملك ألفونسو العاشر الذي أشرف على كتابة «الحوليّات األوليّة العامة» على التّقليـل قـدر اإلمكـان من أه ّميـة االنتكاسـات الـتي‬
‫‪ُ .‬مني بها والده انطالقا ً من واجبه البنوي تجاهه‬
‫كان على سان فرناندو أن يستدعي ابنه من آراغون التي قصدها لعقد قرانه على األميرة ڤيوالنتِه ابنــة خاي ِمــه األول‪،‬‬
‫أن األمير عاد على غير رغبة منــه فقــد اصــطحب معــه جيشـا ً من ُمرســية الــتي كــان أميرهــا ابن هــود تابعـا ً‬ ‫ملك آراغون‪ .‬ومع ّ‬
‫ً‬
‫‪.‬لفرناندو‪ ،‬وعددا كبيرا من جنود آراغون الذين أرسلهم حموه‬‫ً‬
‫أن األمــور لم تكن‬ ‫كانت التّعزيزات ضرورية من دون شك‪ ،‬ألننا من خالل قراءتنا ما بين السّطور يمكننا أن نالحظ ّ‬
‫ّ‬
‫صرين‪ ،‬وإن كان المؤ ّرخون المسيحيون يحاولون أن يؤ ّكدوا عكس ذلك‪ .‬كان عمل المكلفين بتأمين‬ ‫تسير بشكل جيد بالنّسبة للمحا ِ‬
‫الطّعام والمؤن للجيش محفوفا ً بالمخاطر‪ ،‬ولكنه بالتّأكيد عمل ال يمكن إهماله حــتى ليــوم واحــد‪ .‬بــرزت شــهرة الفــارس ڠارســي‬
‫للمرة األولى عنـدما كـان يرافـق إحـدى فـرق البحث عن الطّعـام ونجح في ‪ Garci Perez de Vargas‬پيريث دي ڤارڠاس‬
‫التّغلب بمفرده على «سبعة من األفارقة» بسيفه العظيم المحفــوظ اآلن في مكتبـةـ كولومبــوس في إشــبيلية‪،‬ـ وقــد نقش عليــه بفخــر‬
‫«بهذا السّيف وبفضل ڠارسي پيريث تمت السّيطرة على إشبيلية»‪ .‬لكن ثونيڠا وكتاب الحوليّات يوضــحان وإن عن غــير قصــد‪،‬‬
‫أنه ال ڠارسي پيريث وال رفاقه خرجوا على ال ّدوام ظافرين من مثل هذه المواجهات ألنه في أكــثر من مناســبة قُتــل كامــل أفــراد‬
‫‪.‬فرقة الحراسة‬
‫نفّذ الموحّدون هجمات متك ّررة من البر والنّهر‪ ،‬حــتى أنهم حــاولوا إحــراق ســفن مســيحية بواســطة «طــوف مشــتعل‬
‫مهول»‪ ،‬وتطلّب إلحباط محاولتهم أن يستخدم األميرال بونيفاث كامل مهارته وشجاعته‪ .‬يبــدو أن بونيفــاث أرســى أســطوله عنــد‬
‫كما يبدو أيضـا ً أنــه إثــر محاولــة حــرق ‪ San Juan de Aznalfarache،‬أعلى النّهر قريبا ً من سان خوان دي حصن الفرج‬
‫‪.‬سفنه‪ ،‬ثَبّت فرناندو زوجا ً قويا ً من جذوع األشجار أو وتدين كبيرين في عرض النّهر لمنع العبور‬
‫األمر الوحيد المؤكد هو أن المسيحيين لم يظفروا أو يسيطروا على النّهر دون قتال عــنيف للغايــة‪ .‬وفي نهايــة األمــر‬
‫«السـمرة‬‫ّ‬ ‫وبعــد ذلــك ال يُــذكر شــيء عن ‪» Zambras612‬استولى بونيفاث بالقوة على بعض السّفن الحربية التي عــرفت باســم‬
‫المواجهات التي دارت على نهر الوادي الكبير حتى تحطيم جسر الـ ّزوارق الـذي أذن ببـدء الفصـل األخـير من ملحمـة المقاومـة‬
‫‪.‬المديدة‬
‫حصلت معظم المواجهات البرية على ضفتي نهر وادي ال ّرحى‪ .‬خرج المسلمون عبر بوابة القصر واجتازوا الجســر‬
‫المقام فوق نهــر الـوادي على بعـد ميلين من إشـبيلية‪ .‬في زمن ثونيڠـا كـانت بقايــا التّحصـينات‪ 613‬الـتي أقيمت على هـذا الجسـر‬
‫واضحة للعيان ويبدو أنـه كـان باإلمكـان اجتيـاز النّهـر فقـط من هـذه النّقطـة‪ ،‬إذ من خالل تـرك الموحّـدين لحـارس واحـداً عنـد‬
‫‪.‬مشارف الجسر كانوا يستطيعون دائما ً العودة إلى المدينة بسالم بعد قيامهم بهجوم على معسكر المسيحيين‬
‫أن المؤ ّرخين في بالط غرناطة الذين اعتمد كون ِده عليهم في سرد أحداث الحصار (ال توجــد تفاصــيل‬ ‫علينا أال ننسى ّ‬
‫عن الحصار لدى المقّري) كانوا مهت ّمينـ بقدر اهتمام مؤلف كتاب الحوليّات المتعلقة بعهد ألفونسو بالتّقليل من شأن الهــزائم الــتي‬
‫‪.‬لحقت بملكهم ابن األحمر‪ ،‬وعليه لم نحصل على مساعدة من الكتّاب المسلمين هناك تمكننا من التّثبّت من الحقائق‬
‫أن المسيحيين تعقبوا المسلمين حتى بوابات أسوار إشبيلية بعد أن أجبروهم على الفرار‬ ‫تؤكد الحوليّات بصورة عا ّمة ّ‬
‫في أن يجعال من ‪ Lorenzo Suarez‬إثــر هجمــاتهم المتك ـرّرة‪ .‬وفي أحــد األيــام رغب ڠارســي پــيريث ولورنثــو ســواريث‬
‫«الكافرين» المتجاسرين عليهم عبرة‪ ،‬فكمنا في مكان س ّري وأنذر لورنثو رجاله بأنه عندما يف ّر المسلمون «كالعادة» عليهم عدم‬
‫تعقّبهم فوق الجسر لمـا يمكن ان يـترتب عن هـذا العمـل من أخطـار‪ .‬وقـع المسـلمون في الفخ وفـرّوا بصـورة عشـوائية تـاركين‬
‫‪.‬الميدان مغطّى بقتالهم‬
‫تبعا ً لألوامر‪ ،‬توقف المسيحيون عن مالحقتهم عند طرف الجسر ولكن ڠارسي پــيريث لم يفعــل ذلـك‪ .‬متناسـيا ً مــا تم‬
‫‪:‬االتفاق عليه مع لورنثو‪ ،‬اندفع عبر الجسر وحيداً‪ .‬عند ذلك قال لورنثو لرجاله‬
‫أيها السّادة لقد خدعنا ڠارسي پيريث دي ڤارڠاس‪ ،‬انظروا كيف يخوض بين المسلمين‪ .‬سـوف يــدخلنا إلى موضـع«‬
‫‪».‬حيث يتوجب علينا ان نستخدم كل ما أوتينا من قوة‬
‫انطلق الجميع لمساعدة المغامر الجسور وبعد ان قتلوا «أكثر من ثالثة آالف»‪ 614‬تعقّبوا المســلمين المنهــزمين حــتى‬
‫‪.‬بوّابات القصر‬
‫بأن ڠارســي پــيريث كــان أكــثر جســارة منــه»‬ ‫يورد في كتاب الحوليّات أنه في «ذلك اليوم اعترف لورنثو سواريث ّ‬
‫‪.‬وكانت النّتيجة أن تراجعت وتيرة الهجمات التي تقوم بها حامية القصر‪615‬‬
‫لكن لم يوافق سـان فرنانــدو على هـذه االستعراضـات الطّائشــة من جـانب فرسـانه‪ ،‬وفي إحـدى المـرات أمـر بإلقـاء‬
‫القبض على ڠارسي پيريث ولورنثو سواريث ألنهما كادا أن يتسبّبا بكارثة خطيرة عنــدما ركبــا بمفردهمــا ليطرقــا على بوابــات‬
‫إشبيلية بعقب حربتيهما‪ ،‬العمل الذي أ ّدى إلى خروج قوة كبيرة لالصطدام بهما‪ ،‬م ّما اضط ّر الجيش بأكمله عمليـا ً للتّحــرك لنجــدة‬
‫المغام َريْن‪ .‬صفح فرناندو عنهما ولكنه جعلهما أضحوكة من خالل طرح السّؤال حول َمن منهما ق ّدم دليالً أعظم من اآلخــر على‬
‫استبساله؛ هل هـو من خـاطر أوالً بحياتــه‪ ،‬أو من بقي لمـ ّدة أطــول عنــد البوابــة‪ ،‬أم ذاك الــذي تمالـك نفسـه وبقي هادئـا ً بـدالً من‬
‫أن كتــاب‬ ‫استفزاز الطّرف اآلخر للهجوم‪ .‬طُــرح األمــر للتّصــويت ولكننــا ال نعلم َم ْن ِمن االثــنين حصــل على أعلى تقــدير‪ ،‬كمــا ّ‬
‫الحوليّات ال يشير إلى اسم الفارس الذي تمالك نفسه وكبح جماح حماسته العسكرية بدالً من اســتثارة العــدو للهجــوم على المخيّم‪.‬‬
‫ألن ثونيڠا نفسه يق ّدم‬ ‫يخبرنا ثونيڠا اسمه باالستناد إلى مصدر آخر‪ .‬تش ّكل هذه القصة مؤشراً إلى أن سان فرناندو ُولد قبل زمانه ّ‬
‫ً‬
‫‪.‬شبه اعتذار عن وجهة نظر الملك فيما كان يُعتبر استبساال آنذاك‬
‫ي تقـ ّدم‪ ،‬وبــدا‬‫المحاصـرون أ ّ‬
‫ِ‬ ‫على ال ّرغم من ذلك ‪ -‬وربما في الحقيقة نتيجة ‪ -‬لهــذه المفـاخرات العسـكرية‪ ،‬لم يحقّــق‬
‫أن إشبيلية كانت وستبقى منيعة طالمــا كــان أهلهـا قــادرين على الوصــول إلى المنــاطق ال ّزراعيــة الخصــبة في‬ ‫على المدى البعيدـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صعوبة بمكان قطع اإلمدادات عنها من تلك الناحية ألن قلعة طريانة كانت محصّنة ضد أي هجــوم كمــا‬ ‫ال َّش َرف‪ .‬ولكن كان من ال ّ‬
‫‪.‬أن حاميتها نفّذت هجمات ع ّدة وواصلت ال ّدفاع عن كل جزء منها بعزيمة ال تك ّل‬
‫مع طول م ّد ة الحصار‪ ،‬بعد حوالي تسعة أشهر على تطويق المدينة‪ ،‬اقترح ابن األحمر على فرناندو أنــه ســيكون من‬
‫الشـ َرف الــذي تعتمــد عليــه بالكامــل لتــأمين‬ ‫األفضل تدمير جسر الـ ّزوارق لحرمــان الحاميــة من وســيلتها الوحيــدة للوصــول إلى َّ‬
‫إمداداتها الغذائية‪ .‬كانت خطّته تقــوم على إعـداد سـفن مشـتعلة لحـرق الـ ّزوارق وسـفينتينـ كبـيرتين لكسـر السّالســل الــتي تربـط‬
‫زوارق سوية وترك النّهر يجرفها عندما تكون الرّيح والتّيار مواتيين‪616‬‬ ‫‪.‬ال ّ‬
‫ال يذكر كتاب الحوليّات وال ثونيڠا السّفن المشتعلة‪ ،‬ومن المحتمل أن يكون الكاتب الذي استند إليه كون ِده قد خلط بين‬
‫تحطيم الجسر والهجوم السّابق بواسطة سفن مشتعلة على أسطول فرنانـدو‪ ،‬مـع أنـه من المحتمـل جـداً أن يكـون ابن األحمـر قـد‬
‫أن هذه الخدعة الحربية كانت مألوفــة لــدى مســلمي األنــدلس في ذلــك الــوقت‪ .‬يقــول ثونيڠــا إن‬ ‫اقترح استعمالها ألن من الواضح ّ‬
‫الملك اقترح الخطّة على بونيفاث وعلى خبراء آخرين في قيادة البحرية‪ ،‬ولكنه ال يذكر شيئا ً حول استعمال سفن مشــتعلة‪ .‬لم يكن‬
‫ألهل قشتالة خــبرة في فنــون الحــرب البحريــة‪ ،‬وبالفعــل لم يكن موقــع بالدهم يــتيح لهم اتقانهــا‪ ،‬وكــانت أول إشــارة إلى أســطول‬
‫لمحاصرة إشبيلية‪ .‬أ ّما المسلمون‪ ،‬فكانوا ‪ Santander‬قشتالي قصّة السّفن الثّالث عشرة التي أمر فرناندو بصنعها في سانتاندير‬
‫أن‬‫في المقابل على دراية باستخدام النّار اإلغريقية التي أشار إليها كتاب الحوليّــات باعتبارهــا مصــدر رعب للمســيحيين مضــيفا ً ّ‬
‫‪.‬هذه النّار تس ّمى باللغة العربية «نار القطران»‪617‬‬
‫من المحتمل جداً أنه لم يُؤخذ بنصيحة ابن األحمر‪ ،‬نظـراً لعـدم تـوفر سـفن لـدى المحاصـرين يسـتطيعون االسـتغناء‬
‫عنها‪ ،‬كما لم يكن سان فرناندو في ذلك الوقت يسيطر على أي ميناء في الجنــوب‪ ،‬وكمـا رأينــا كـان على بونيفـاث ان يـذهب إلى‬
‫‪.‬ال ّشمال لشراء السّفن‬
‫كان جسر ال ّزوارق الذي بناه الموحّدون في مكان أعلى على النّهر من موقـع الجسـر الـذي د ّمـره المرابطـون عنـدما‬
‫السـابق ماثلــة عنــدما‬ ‫حاصروا إشبيلية وأطاحوا بحكم ال ُمعت ِمد في العام ‪ .1091‬كانت ال تزال بقايا السّالسل المستعملة في الجسر ّ‬
‫‪.‬كتب ثونيڠا مؤلّفه‪ ،‬وكانت مثبتة في أساسات األسوار العظيمة قريبا ً من برج الذهب وقبالته‬
‫ّ‬
‫نُفّذت المحاولة في ‪ 3‬مايو من العام ‪ .1249‬تم إعداد سفينتينـ كبــيرتين ُعـ ّززت عوارضــهما بصــفائح حديديــة ونقلتــا‬
‫السـفينتان صــعوداً مــع ارتفـاع المـ ّد‬ ‫لمسافة أسفل مجرى النّهر مع طواقمهما على متنهمــا وتحت إمـرة بونيفــاث نفســه‪ .‬تحــركت ّ‬
‫السـفينة األولى الجسـر بقــوة ووجّهت‬ ‫تدفعهما ريح قوية عبر عاصـفة من المقــذوفات المنطلقـة من ضـفتي النّهـر كليهمــا‪ .‬هـ ّزت ّ‬
‫السّفينة الثّ انية التي كان على متنها بونيفاث «ضربة عنيفة جعلتها تعبره إلى الجانب اآلخر» وسط صيحات النّصر الصّادرة عن‬
‫‪.‬المسيحيين والعويل المرير للعرب‪618‬‬
‫كان يفترض أن يصبح انتهاء الحصار وشيكا ً بعد هذا النّجاح‪ ،‬ولكننا نشك في أن الجســر ُد ّمــر تمامـا ً كمــا يــوحي لنــا‬
‫‪.‬كتاب الحوليّات‪ ،‬نظراً ألن المدينةـ صمدت ألكثر من ستة أشهر بعدها‬
‫الشـهيرتين‬‫السـفينتين ّ‬ ‫على كل حال لم يكن لدى ثونيڠا أدنى شك في النّتيجة المرضية للمحاولة‪ ،‬ويقــول في كتابــه إن ّ‬
‫السـفينة على‬‫أن مدينــة ســانتاندير «نقشــت رســم ّ‬ ‫«كانتا أكثر استحقاقا ً بتخليد ذكراهما من سفينة آرڠو اإلغريقيــة»‪ .619‬ويخبرنــا ّ‬
‫شعارها ألنها كانت فخورة لكونها صنعت في مينائها‪ .‬ونقشت كاتدرائية إشبيلية رسم السّفينة عينها على أول ختم للمجمع الكنسي‬
‫مع صورة السّيدة مريم في الكوثل [أي مؤخرة السّفينة]‪ ،‬والصّليب المق ّدس على ال ّشراع»‪ .‬هذا القول صحيح بال شك ألنــه يــورد‬
‫نقشا ً خشبيا ً للختم يعود إلى العام ‪ 1256‬محفوظا ً في أرشيف مدينة إشــبيلية‪ .‬ولكن ثونيڠــا ال يشــرح لمــاذا اعتُــبرت ســفينة واحــدة‬
‫أن سفينتين استعملتا في تدمير الجسر‬ ‫‪.‬جديرة بتخليد ذكراها في حين يذكر لنا بوضوح ّ‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الفصل التّاسع عشر‬
‫سقوط إشبيلية‬
‫كان تدمير جسر ال ّزوارق أول تق ّدم ملموس يحــرزه المســيحيون‪ ،‬ولكنهم كــانوا مــا يزالــون بعيــدين جــداً عن النّصــر‬
‫‪.‬النّهائي‬
‫إن الجنود كانوا ُمرهقين بسبب نقص المؤن وقساوة الطّقس وبدأوا يتململــون بصـورة تنــذر باألسـوأ مــع‬ ‫يقول ثونيڠا ّ‬
‫ّ‬
‫تأ ّخر دفع رواتبهم بسبب النقص في التمويل‪ ،‬رغم أنــه جــرى تخفيض قيمــة النقــود تحت وعــد بــدفع فــارق القيمــة المخفضــة من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حساب الخزينة بعد أن يتم التّغلب على الصّعوبات الماليـة‪ .....‬حـزن الملـك من هـذا التّـذ ُّمر العـام ولكنـه عـ ّزز وضـعه الـرّوحي‬
‫صيام‪ ،‬واالنضباط وارتداء قمصان من الوبر الخشن»‪620‬‬ ‫‪.‬بتخصيص وقت أكبر للصّلوات التي رافقها بال ّ‬
‫صرين بين الفينة واألخرى‪ .‬يقول كون ِده إنهم «دخلــوا إلى ڠــولِس‬ ‫وكان تحقيق انتصارات ثانوية يرفع معنوات المحا ِ‬
‫‪.‬وأحرقوا ح ّي بن الفوفار ونهبوا ح ّي باب ماكارينا»‪Goles 621‬‬
‫المحاصـرون أوالً اقتحامهــا‬
‫ِ‬ ‫فور تدمير جسر المراكب‪ ،‬هـاجم سـان فرنانــدو قلعــة طريانــة من الــبر والبحــر‪ .‬حـاول‬
‫كاف من السّاللم والمعاول‪ .‬ثم حاولوا تفجيرها لكنهم لم ينجحــوا‪ .‬بعــد ذلــك فــرض‬ ‫ٍ‬ ‫بهجوم عاصف‪ ،‬ولكنهم فشلوا لعدم توفّر عدد‬
‫المحاصـرين خســائر شــديدة من‬‫ِ‬ ‫صـنعت على عجــل‪ ،‬لكن ذلــك لم يــؤ ِّد إال إلى تكبيــد‬ ‫سان فرناندو الحصار عليها مستخدما ً آالت ُ‬
‫الســهام ذات الــرّؤوس المربّعة ‪ ballestas‬آالت المنجــنيق القويــة أو أقــواس النّشــاب‬ ‫إن ّ‬ ‫الــتي اســتعملتها الحاميــة؛ ويقــال ّ‬
‫ي تقـ ّدم قبــل ‪cuadrillos622‬‬ ‫التي كانوا يطلقونها كانت تخترق الفارس المدرع وتنغــرز في األرض‪ ،‬وال يبــدو أنــه تم تحقيــق أ ّ‬
‫محاص ـرين‬
‫َ‬ ‫إن المسلمين بــاتوا عنــدها‬ ‫قدوم تعزيزات إضافية من قُرطُبة نصبت خيامها قريبا ً من األسوار‪ .‬يقول كتاب الحوليّات ّ‬
‫ولم يعد بإمكانهم الخروج من المدينةـ وال ّدخول إليها إال عبر النّهر‪ ،‬على متن زورق او ســباحة معرِّ ضــين أنفســهم لخطــر جســيم‪.‬‬
‫صرين إلى طريانــة او إدخــال مــؤن‬ ‫صرون لم يتمكنوا من منع عبور المحا َ‬ ‫مع ذلك وعلى ال ّرغم من كافة الجهود التي بذلها المحا ِ‬
‫‪.‬إلى المدينة ‪623‬‬
‫وخــوان دي پينيــدا وقــد ‪ Peraza‬لم يدوّن كتّاب الحوليّات تفاصيل معجزتين حصلتا أثناء الحصار بل رواهما پيراثا‬
‫‪.‬أوردهما ثونيڠا‪ .‬سوف نك ّرر سردهما هنا ألنه حتى هذا اليوم ال تزال توجد نُصب تذكارية لهما في إشبيلية‬
‫صغيرة الواقعة على الضّفة اليمنى من النّهــر هــاجم عــدة‬ ‫فبعد أن سيطر رئيس رتبة سانتياڠو‪ 624‬على مدينة جلبال ال ّ‬
‫مرات قلعة طريانة التي كانت قوية بحيث أنها ظلّت مستعصية حتى نهاية الحصار‪« .‬من هنا‪ 625‬هاجم مسلمي سييرّا مورينا من‬
‫أجل تحطيم كبريائهم‪ .‬في أحد األيام عندما بدأ ضوء النّهار يتضاءل وينحسر عن أرض المعركة مع إسدال الليل ظاللــه بســرعة‬
‫مسهّالً فرار العدو‪ ،‬وكما فعل يوشع‪ ،626‬جعل ال ّشمس تستوي في السّماء متو ّسالً العــذراء بكلماتــه المشــهورة‪« :‬يــا قديســة مــريم‬
‫أوقفي نهارك!» فأجابت ال ّرحمة اإللهية طلبه وبقي ضوء النّهار يشع بصورة عجائبية إلى أن حقّق انتصاره‪ ،‬بينمــا ســاعده ســان‬
‫فرناندو بصلواته بالتّضرع إلى السّماء فكان فعل ذلك أقوى من أكثر الجيوش استبساالً‪ .‬إنها معجــزة تؤ ّكــد صــحتها كنيســة ســانتا‬
‫‪.‬التي شيّدها هذا الرّئيس نفسه فيما بعد»‪ Tentudia 627‬ماريّا دي تِنتوديا‬
‫ألن لهــا تــأثيراً مباشــراً على تــاريخ إشــبيلية تحت حكم اليمــانيين‪،‬ـ فهي‬ ‫كــان للمعجــزة الثّانيــة أســاس واقعي‪ ،‬ونظــراً ّ‬
‫‪.‬تستحق مناقشتها مع بعض اإلطالة‬
‫أن أحفاد األميرة سارة‪ ،‬األشراف والنّبالء ذوو النّسب المختلط‪ ،‬القوطي واليماني‪ ،‬حكموا إشــبيلية‬ ‫لقد بيّنا سابقا ً كيف ّ‬
‫ألجيال عديدة‪ ،‬وكم كانت واسعة الحرية الممنوحة لذ ّرية المسيحيين القوط الذين شكلوا جزءاً كبـيراً من سـكان أرض إشـبيلية في‬
‫أن المرابطين اضطهدوا مسيحيي‬ ‫ي دليل يؤكد ّ‬ ‫القرن الثّامن وما بعده‪ .‬استم ّرت هذه الحرية قائمة على ما يبدو نظراً لعدم وجود أ ّ‬
‫بـنيت عـام ‪ San Lucar la Mayor‬إشبيلية أو أن الموحّدين تدخلوا بحزم في شـؤونهم‪ .‬يكفي أن كنيســة سـانلوكار ال مـايور‬
‫وأن دير النّور المبني على الطّراز المستعربي في قرية المغــر لم يع ّكــر وجــوده شــىء‬ ‫‪( 1214‬انظر الصّفحة ‪ 18‬طبعة األصل) ّ‬
‫ّ‬
‫حتى حرب االسترداد التي خاضها المسيحيون (انظر الملحق)‪ ،‬وهذا بحد ذاته كدليل يؤكد أن الموحّدين لم يعاملوا المسيحيين في‬
‫‪.‬هذا اإلقليم بتعصّب مفرط‬
‫صحيح أنه لم يــرد ذكــر واضــح في كتــاب الحوليّــات للكنــائس الــتي كـانت موجــودة في إشــبيلية عنــدما احتلّهــا ســان‬
‫فرناندو؛ لكن يشير سيمونِه (انظر الملحق) إلى أنه كان يوجد ما ال يق ّل عن ست كنائس في القرن الثّاني عشر وال تــزال جميعهــا‬
‫قائمة في إشبيلية مع أبرشياتها‪ .‬كما توجد أساطير عديدة حول الحماية العجائبية لصور القديسين واأليقونات الــتي يوجــد بال شــك‬
‫أساس واقعي لها‪ .‬نشأت هذه األساطير على وجه الخصوص حول بعض اللوحات الجدارية التي كان ال ب ّد لها أن تثير قبــل وقت‬
‫‪.‬طويل اهتمام الطّالب األجانب ال ّد ارسين للفن المسيحي في المراحل المبكرة‪ ،‬لو كان وجودها في إشبيلية معروفا ً بصورة عامة‬
‫اللوحة الجدارية التي تُشـ ِّكل بحـد ذاتهـا موضـوع األسـطورة الـتي سنسـردها‪ ،‬رغم تخريبهـا بفعـل عمليـات التّجديـدـ‬
‫ي طالب يفحصها بأنها قديمة العهــد‪ .‬لكن بمــا أن الكنيســة الــتي تحتويهــا مقفلــة وال‬ ‫وإعادة الطّالء العديدة‪ ،‬يمكن فوراً ان يعرف أ ّ‬
‫‪.‬تشير األدلّة السّياحية بتاتا ً إلى أهميتها‪ ،‬يبدي عدد قليل من هواة فن العصور الوسطى اهتماما ً بالنّظر إليها‬
‫‪:‬بعد هذه المق ّدمة نق ّدم سرد ثونيڠا للحدث المعني‬
‫كان منذ زمن القوط في الجامع الكبير صورة زيتيّة لسيدتنا العذراء أكبر من الحجم الطّبيعي‪ ،‬عادة اتبعتهـا الكنيسـة«‬
‫ص ورة قدرات تفوق قدرات البشر‪ .‬حالت العناية اإللهية دون المسلمين وإزالتها رغم‬ ‫أن لل ّشخص الماثل في ال ّ‬
‫البدائية للتّأكيد على ّ‬
‫أنهم حاولوا تنفيذ ذلك؛ فقد بقيت هذه الصّورة رغما ً عنهم أكــثر جمــاالً ورونقـاً؛ لــذلك ولعــدم قــدرتهم على تــدميرها أخفوهــا عن‬
‫األنظار ببناء جدار آخر أمامها‪ 628‬لكن المؤمنين القاطنين في إشبيلية لم ينسوها أبداً وكانوا يق ّدســونها حــتى من دون رؤيتهــا إلى‬
‫ان أصبحت قبل بضع سنوات من فتح إشبيلية مرئية يشع منها النّور وهو أمر رأى فيه األفارقة نذيراً لهالكهم‪ ،‬ولم يعــد بوســعهم‬
‫‪.‬إخفاؤها‪ ،‬وفي كل مرة خاطروا بالنّظر اليها كانت تجبرهم على ال ّركوع أمامها تلبية لدافع يعجزون عن مقاومته‬
‫صورة العظيمة‪ ،‬ومدفوعا ً برغبة قوية في الخشوع أمامها دخل إلى إشــبيلية في إحــدى«‬ ‫سمع سان فرناندو عن هذه ال ّ‬
‫ّ‬
‫الليالي للبحث عنها‪ ،‬وبعد ان غمرته النّشوة فقد الوعي وهو غارق في تأملها؛ وبعد أن صلى وخشع أمامهــا عــاد ترافقــه حراســة‬
‫إلهية ليغادر من بوابة شريش‪ 629‬حين سقط سيفه وتعثّر بـه‪ ،‬عندئـذـ اسـتعاد وعيـه وأدرك أين هـو والنّعمـة اإللهيـة الـتي أُغـدقت‬
‫الــذي كــان أحــد أقــرب ‪ Don Rodrigo Gonzalez Giron‬عليه‪ .‬استفقده في هذه اللحظة دون رودريڠو ڠونثالِث خــيرون‬
‫شقيقا أخلص ‪ Juan Fernandez de Mendoza‬وخوان فرنان ِدث دي ِمندوثا ‪ Fernan Yañez‬مساعديه‪ ،‬وفرنان يانييث‬
‫أصدقائه الذين اصابهم القلق وانطلقوا للبحث عنه‪ ....‬دخل هؤالء السّادة مــع آخــرين إلى إشــبيلية للبحث عنــه واشــتبكوا في قتــال‬
‫عنيف قرب الجامع مع المسلمين ثم غادروا المدينةـ بعد أن حالفهم حظ يوازي جسارتهم‪« .‬نحن نعرف»‪ ،‬يقول ثونيڠـا «أنـه عنـد‬
‫احتالل غرناطة أقدم فرناندو ِدل پولڠار على فعل جسور مماثل‪ .‬ويختتم ثونيڠا مستنتجا ً «الصورة هي تلك التي ال تزال موجودة‬
‫‪.‬في الكنيسة المق ّدسة [كاتدرائية إشبيلية] تحت عنوان ال أنتيڠوا [القديمة]» ‪630‬‬
‫قصـة هــذا الـ ّدخول «العجــائبي» لســان فرنانــدو إلى المدينــة المحاصــرة تحت جنح الظّالم وحـادث تعثّــره بســيفه‬
‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫والمعركة بجوار المسجد هي بالتّأكيد قصّة عملية تسلّل سرّية سهّلها اليمــانيون أو المســيحيون المولّــدون داخــل األســوار والــذين‬
‫كان يمكنهم الوصول إلى الصّورة المخفيّة التي عرضوا على الملك المسيحي مشاهدتها كعربون لحســن نوايـاهم بهـدف التّعجيــل‬
‫أن وصــول فرســانه‬ ‫باستسالم الحاضرة‪ .‬يمكن للمرء أن يفهم أه ّمية مشاهدة هذه الصّورة القديمة بالنّسبة للملــك الــورع‪ ،‬في حين ّ‬
‫في الوقت المناسب لحظة سقط سيفه على األرض ونبّهت صلصلته الحامية قد يكون جزءاً من الخطة المتفق عليها سلفاً‪ .‬وتفصل‬
‫أن جدرانها هدمت قبل م ّدة طويلــة وبــني في موقــع البوابــة قصــر نبيــل إشــبيلي)‬ ‫بين بوابة شريش (التي ال تزال تس ّمى كذلك مع ّ‬
‫والكاتدرائية (التي كانت قد ح ّولت إلى مسجد قبل وقت غير طويل) مسافة قصيرة‪ ،‬وإذا كانت فرقة حراسة فرناندو قويــة بالفعــل‬
‫‪.‬فقد كان من السّهل عليهم التّسلّل إلى هذه المسافة بعدـ أن فتح البوابة أصدقاؤه المسيحيون في ال ّداخل قبل أن تُنذر الحامية‪631‬‬
‫يقول ثونيڠا إنه في فترة سابقة من الحصار اتصـل عـدد من سـكان المدينـة بـاألمير ألفونسـو من خالل فقيـه أو عـالم‬
‫كان قد وصل حديثا ً من أفريقيا لتفقّد مساجد األندلس ‪« -‬التي يع ّدونها مق ّدسة حسب مفهــومهم»‪» Orias ،‬أسماه ثونيڠا «أُرياس‬
‫صـ ّمم لقتــل ابن الملـك او أســره رهينــة‪ .‬عــرض «أريـاس المســلم» على‬ ‫يقول ثونيڠا ‪ -‬حمل اقتراحا ً وصفه المــؤرّخ بأنـه شـرك ُ‬
‫ألفونسو نيابة عن عدد من «قادة المسلمين» أن يسلّموه برجين يستطيع بعد أن يصـبحا تحت سـيطرته أن يحتـ ّل المدينـة بسـرعة‪.‬‬
‫«خشي األمير الحكيم من هذا االقتراح الغادر ورغم أنهم توسلوا إليــه بــأن يــذهب بنفســه‪ ،‬أرســل دون پِــدرو دي ڠوســمان‪...632‬‬
‫‪.‬الذي نجا من الفخ ولم يقتل من مرافقيه سوى فارس واحد»‪633‬‬
‫من غير الممكن استناداً إلى المواد المتوفرة لدينا معرفة حقيقة هذه «المؤامرة» ولم يكن بالطّبع لدى ثونيڠا أيّة فكــرة‬
‫بانه يوجد فرق بين المغاربــة األفارقــة أي المو ّحــدين والعــرب والمولّــدين في المدينـةـ المحاصــرة‪ .‬ولكن من المحتمــل ان الحــذر‬
‫ال ّشديد الذي أبداه ألفونسو حيال المســألة لم يكن في محلّــه‪ ،‬ولــو أنــه ذهب بنفســه بــدالً من إقالق العــالم وفريقــه بإرســال رجــل ال‬
‫‪.‬يعرفونه لربما حصل على برجيه وأكثر‬
‫ولد في سبتة عام ‪ 1260‬كاتب أصبح فيما بعد إماما ً وخطيبـا ً في الجـامع الكبــير في غرناطــة وكـان يفـترض أنـه من‬
‫ساللة يمانية ويعتنق المذهب ال ّشيعي‪ .‬عُرف هذا الكاتب باسم ابن رُشيد تصغيراً السم رُشد التي ترجمها پونس (ص ‪ )317‬على‬
‫أنها تعني «ال ُمرشد»‪ .‬فإذا كان والده رُشد كما يوحي االســم بــذلك خطيبـا ً كــذلك‪ ،‬فمن المحتمــل أن يكــون هــو نفســه الفقيــه العــالم‬
‫الذي أشار إليه ثونيڠا‪ ،‬وفي هذه الحالة يصبح االتصال محتمالً بين شيعة ‪ Ar - Rosh‬أو ‪«» Orias - Ar - Roshd‬أُرياس‬
‫إشبيلية وال ّشيعة من أتباع ابن األحمر في المعسكر المسيحي‪ .‬كان «ابن رُشيد» بالتّأكيد رجالً ذا شأن في إشبيلية ألنــه «مــع عــدد‬
‫‪.‬آخر من كبار مسلمي إشبيلية» قام بدور رئيسي في المحادثات التي سبقت استسالم المدينة ‪634‬‬
‫نسمع عن أُرياس مرة أخرى من ثونيڠا الذي يقول «نقالً عن مــذكرة قديمــة» إنــه بعــد االستســالم رحــل َّ‬
‫السـقّاف من‬
‫إشبيلية إلى أفريقيا‪« ،‬حيث كان اسمه مكروها ً طوال حياته وأصبح مكروها ُ أكثر بسبب لعنات الفقيه أُرياس»‪ .635‬لو كان أرياس‬
‫او ابن رُشد قادراً على إبرام اتفاق صلح مع فرنانـدو على أسـاس إقامـة حلـف مـع اليمـانيين بـدالً من االستسـالم الكامـل للمدينـة‬
‫ألمكننا أن نتصـوّر أن يلعن المو ّحــدي أبنــاء قومــه بعــد أن أ ّدى تصــميمه العنيـدـ على القتــال حــتى النّهايــة إلى خســارة المسـلمين‬
‫‪.‬إلشبيلية‬
‫أن سان فرناندو لم يكن لديه شعور كبير بالثّقة في فرص الظّفــر بالمدينــة في النّهايــة من اســتعداده‬ ‫يمكن أن نستوحي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صرون‪ ،‬وكانت بالتأكيد متساهلة إلى ح ّد كبير بالنسبة إلى مدين ـةـ هُــزمت بعــد‬ ‫للموافقة على شروط االستسالم التي اقترحها المحا َ‬
‫مقاومة دامت سنة وربع السّنة‪ .‬بالتّ أكيد يختلف المسار الكامل لحصار واستسالم إشبيلية بصورة كبيرة عن سقوط مدن أخرى بيدـ‬
‫المسيحيين في تلك الفترة‪ ،‬حيث كان يتم التّعامل بحزم وبطش مع كل من يبدي مقاومة فاعلــة ومديــدة‪.‬ـ كمــا ال نســتطيع أن نعــزو‬
‫أن الملك المسيحي كــان يقــدر نصــائحه‪.‬‬ ‫تص ّر ف سان فرناندو في هذه القضية بالكامل إلى تأثير ابن األحمر‪ ،‬مع أن من الواضح ّ‬
‫للسـالم والعملـيين الـذين يشـ ّكلون‬ ‫أن االستسالم النّهائي فُرض على المو ّحدين في الحامية بواسطة اليمانيين المحبّين ّ‬ ‫من المحتمل ّ‬
‫أن الحصار لم يُفرض من األصل‪ ،‬فمن األســلم‬ ‫غالبية السّكان‪ .‬فلو كان قائدهم المختار ابن الج ّد على قيد الحياة لكان من المحتمل ّ‬
‫االفتراض بأنه لو عاد األمر إلى اليمانيين وحدهم‪ ،‬لكانوا تحالفوا مـع سـان فرنانـدو كمـا فعـل ابن األحمـر‪ ،‬ولكـانت إشـبيلية مـع‬
‫ال َّش َرف والغرب قبلت أن تدفع الجزية كما فعلت غرناطـة إلى ملـوك قشــتالة‪ ،‬بصـفتهم سـادتها لســنوات عديــدة قبــل أن يصـبحوا‬
‫‪.‬حاكميها الفعليين‬
‫‪:‬ننتقل اآلن إلى وصف المشهد األخير للحصار الطّويل حسب ما أورده كتاب الحوليّات‬
‫استب ّد الغضب بالملك ألنه لم ينجح ال بواسطة اآلالت الحربية وال المعارك وال بأيّة طريقة أخــرى في احتالل قلعــة«‬
‫طريانة أو منع عبور المسلمين إليها ومنها‪ .‬حاول أن يمركز بعضا ً من العسكر في أرنال‪ 636‬بغية منع المرور عبر النّهــر ولكنــه‬
‫السـفن‬ ‫طُرد من الموقع‪ .‬في أحد األيام عندما عبر أُريــاس وعــدد من قـادة الحاميــة النّهـر إلى طريانــة‪ ،‬حـرّك بونيفـاث عـدداً من ّ‬
‫وتمكن من قطع الطّريق عليهم‪ .‬وجدت حامية طريانة‪ ،‬بعد أن حوصرت من الجهتين من دون أمــل في الحصــول على مســاعدة‪،‬‬
‫نفسها مضطرّة إلى التّفاوض وطلب اللقاء مع فرنانـدو‪ .‬وبعـد ان قابـل أفـراد الحاميـة فرنانـدو ذهبـوا إلى إشـبيلية‪ ،‬حيث عـرض‬
‫سقّاف شروطه‪637‬‬ ‫‪.‬ال َّ‬
‫نصّت االقتراحات األولى التي ق ّدمتها الحامية على تسليم قصر إشبيلية إلى سان فرنانــدو‪ ،‬ودفــع كامــل الجزيــة الــتي‬
‫السـقّاف عليــه ثلث‬‫كانت المدينة تدفعها إلى «أمير المؤمنين عندما كان واليـا ً عليهــا»‪ .‬رفض فرنانــدو هــذه االقتراحـات فعــرض َّ‬
‫المدينةـ مع قصر إشبيلية وكافة حقوق الملكية‪ .‬رفض فرناندو أيضا ً هذا العرض ثم اقترحوا إعطاءه نصـف المدينــة بعــد تقســيمها‬
‫إلى قسمين يفصل جدار بين منطقة المسلمين ومنطقة المسيحيين؛ نصح بعض أفراد حاشية ســان فرنانــدو الملــك بقبــول العــرض‬
‫ولكنه امتنع‪ ،‬ثم وبعد طول تفاوض وافق ال َّسقّاف على إخالء المدينة على أن يعطي الملك له وللرئيس «ابن شــعيب» اإلذن لهمــا‬
‫بالذ هاب إلى لبلة‪ ،‬أو حصن الفرج أو سانلوكار‪638‬‬ ‫‪.‬بعد دفع الجزية ّ‬
‫وضع المسلمون شروطا ً لتسليم أسلحتهم وممتلكاتهم وافق عليها سان فرنانــدو الــذي اســتولى على قصــر إشــبيلية في‬
‫‪ 23‬نوفمبر ‪ . 1248‬ولكنه لم يدخل إلى المدينة بصورة رسمية ألن المسلمين طلبوا إعطاءهم مهلة شهر واحد لبيع ممتلكاتهم التي‬
‫ال يستطيعون حملها معهم‪ .‬في النّهاية دخل سان فرناندو المدينة في ‪ 22‬ديسمبر ‪ 1248‬يوم االحتفال بذكرى نقــل رُفــات القــديس‬
‫‪.‬سان إيسيدورو [من إشبيلية إلى ليون]‬
‫أن الملك ق ّدم ألولئك السّكان الذين رغبوا في الرّحيــل بحــراً‪ ،‬خمس ســفن وثمانيــة قــواديس ‪639‬‬ ‫يورد كتاب الحوليّات ّ‬
‫وق ّدم إلى الذين وصلوا عن طريق الب ّر حيوانات ركوب وحرّاساً‪ .‬وذهب العديدـ منهم إلى شريش (التي كانت في أيدي الموحّدين)‬
‫‪.‬يرافقهم سيد قلعة رباح‪640‬‬
‫صرين من مــرض أودى بحيــاة كثــيرين منهم‪ ،‬ومن ريح‪« ،‬ســاخنة‬ ‫يذكر كتاب الحوليّات بصورة خاصة معاناة المحا ِ‬
‫ّ‬
‫إن «جميع ال ّرجال كانوا يقطرون ماء طوال اليــوم‪ ،‬في الظــل وخارجــه‪ ،‬كمــا لــو أنهم كــانوا في‬ ‫وكأنها قادمة من جهنم»؛ ويقول ّ‬
‫‪.‬الح ّمام»‪ .641‬ال ب ّد أن ذلك كان ما نعرفه اليوم باسم صبا الرّيح ال ّشرقية‬
‫المحاصر‪ ،‬كمـا يــورد كتــاب الحوليّــات‪ ،‬أشـبه بمدينــة عظيمـة نبيلـة تتخلّلهـا شـوارع وسـاحات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كان معسكر الجيش‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والصـرافين وآخــر لتجــار التوابــل والعطــارين لــبيع األدويــة الــتي يحتــاج إليهــا المرضــى‬ ‫خصــص فيــه شــارع لت ّجـ ار المالبس‬
‫والسـلع وكــان الرّجـال‬ ‫ّ‬ ‫والجرحى؛ وشارع آخر للج ّزارين وبائعي السّمك وإلى ما هنالك‪ .‬كــانت توجــد وفــرة عظيمــة في الطّعــام‬
‫يجلسون أمام سلعهم مع زوجاتهم وأوالدهم‪« ،‬كما لو كانوا سيبقون هناك إلى األبد»‪،‬ـ نظراً ألن الملك وعد بعدم رفع الحصار إال‬
‫‪.‬بعد ان يستولي على المدينة‪،‬ـ وهذا التّأكيد على احتالل المدينةـ جعل كثيرين يتدفقون من كل صوب‪642‬‬
‫يصف كتاب الحوليّــات منعــة وعظمــة أســوار إشــبيلية وجمــال وكلفــة بــرج الـ ّـذهب‪ ،‬وذاك الــذي يعــرف اليــوم باســم‬
‫ّ‬
‫«السـفن‬ ‫الخيرالدا‪« .‬هل يوجد من يستطيع ان يقول كم كلّف بناء هذا البرج الملك الذي أمر بإنشائه؟» يواصـل الكـاتب فيقـول ّ‬
‫إن‬
‫كانت تأتي عبر النّهر كل يوم إلى داخــل األسـوار حاملــة البضـائع من كافــة أنحــاء العــالم‪ :‬من طنجــة‪ ،‬وســبتة‪ ،‬وتــونس‪ ،‬وبوجيا‬
‫واإلسكندرية‪ ،‬وجنوة‪ ،‬والپرتغال‪ ،‬وإنكلترا‪ ،‬وپــيزا‪ ،‬ولومبــاردي‪ ،‬وبورديــل (هــل كــانت بــوردو؟) وبــايون‪ ،‬وصــقلية‪Bugia، ،‬‬
‫‪».‬وڠسقونيا‪ ،‬وقطالونيا‪ ،‬وآراغون وحتى من فرنسا والعديد من األماكن األخرى عبر البحر من بالد المسيحيين والمسلمين‬
‫أن «المدينـةـ كـانت من ‪ alquerias‬كان في ال َّش َرف مئة ألف مزرعـة أو ضـيعة أو قرية‬ ‫ويضـيف كتـاب الحوليّـات ّ‬
‫أن االستيالء عليها ما كان سيتم خالل تلك الفترة القصيرة لوال العناية االلهية»‪643‬‬ ‫‪.‬العظمة بحيث ّ‬
‫ّ‬
‫يضيف كون ِده تفصيالً واحداً أو تفصيلين‪ .‬فيقول‪« :‬سـلم الـوالي أبـو الحسن‪ 644‬مفـاتيح المدينــة في ‪ 12‬شــعبان‪646 ،‬‬
‫(نوفمبر ‪ )1248‬وفي اليوم ذاته ركب سفينة وتو ّجه عبر البحر إلى أفريقيا‪« .‬احت ّل الملك فرناندو قصر إشــبيلية واحت ـ ّل ضــباطه‬
‫حصون المدينة والجوار‪ .‬بدأ المسلمون فوراً بمغادرة هــذه المدينــة المكتظّــة ّ‬
‫بالسـكان وقَبِــل الكثــيرون حمايــة الملــك ابن األحمــر‬
‫وذهبوا إلى نواحي غرناطة‪ ،‬وذهب آخرون إلى شريش ومدن أخرى وإلى الغرب‪ ،‬وعبر عدد قليل منهم إلى سبتة مع المو ّحــدين‬
‫‪ .645‬وهكذا انتهت إمبراطورية هؤالء األمراء (الموحّدين) في إشبيلية وخسر المســلمون تلــك المدينــة الرّائعــة وامتألت أبراجهــا‬
‫وجوامعها بالصّلبان والتّماثيل وجرى انتهاك حرمة قبور المسلمين المؤمنين»‪ .646‬القبور المشار اليها هنا ليست قبــور اليمــانيين‬
‫الذين كانوا يدفنون بصورة عامة أمام أبواب قصورهم‪ ،‬أو إذا كانوا من الفقراء في المقبرة العامة خارج األســوار‪ .‬واإلشـارة هي‬
‫إلى تقليد أُدخل منذ حوالي القرن الثّاني عشر من مصر ويقوم على إنشاء ضريح لصيق الجامع ليكون بمثابة قبر ومسجد خــاص‬
‫السـابق في القــرن الثّــالث عشــر‬ ‫للرّجل المه ّم الذي أنشأه‪ .‬كان لمعظم الكنائس في إشبيلية التي ذكرت على أنها كانت مســاجد في ّ‬
‫‪.‬أضرحة إلى ال ّشمال وإلى الجنوب من صحن الكنيسة باتجاه ما يعرف اآلن بالمذبح وغالبا ً على الجانبين‬
‫إن المســيحيين دنّســوها عنــدما حوّلــوا المسـاجد إلى أمـاكن عبــادة مســيحية عــام‬ ‫كانت تلك دون شك القبور التي قيــل ّ‬
‫ي ســبب يــدفعهم إلى ارتكــاب أعمــال‬ ‫ي دليل يؤكد أن المسيحيين انتهكوا حرمة مقابر المسلمين لعــدم وجــود أ ّ‬ ‫‪ .1248‬وال يوجد أ ّ‬
‫التّدنيس هذه‪ ،‬بل على العكس توجد إشارات تــد ّل على أنهم اســتخدموا هــذه المقـابر واسـتمرّوا في اســتعمالها لقـرون طويلـة بعــد‬
‫‪.‬االستراداد‬
‫دخل فرناندو منتصراً إلى إشبيلية في ‪ 22‬ديسمبر يوم ذكرى نقل ُرفات سان إيسيدورو إلى ليون (انظر الصّفحة ‪27‬‬
‫بشـر ســان فرنانــدو بانتصــاره؛ وحـوّل الملــك الــورع مســيرة‬ ‫أن هذا القديس ّ‬ ‫إن االعتقاد السّائد هو ّ‬
‫طبعة األصل)‪ .‬ويقول ثونيڠا ّ‬
‫النّصر إلى موكب ديني‪ .‬ويقول ثونيڠا في وصف هذا الموكب‪« :‬سارت قطعات الجيش أوالً وفــق نظــام عســكري تلـوّح برايــات‬
‫المنتصرين وتم ّزق رايات المنهزمين‪ .647‬وعـ ّزز التّعبـير عن الفـرح العـام صـوت آالف اآلالت الموسـيقية العسـكرية‪ .‬سـار في‬
‫وكبار األثرياء وقادة الجيش أصحاب األوسمة العســكرية وعــدد كبــير ‪ infanzones،‬مق ّدمة الموكب القادة الرّئيسيون‪ ،‬والنّبالء‬
‫الصـورة الطّــاهرة‬ ‫من الكهنة‪ ،‬المدنيون العلمانيون والنّظاميون‪ ،‬يرافقون مع رؤساء الكهنة والمطارنة عرشا ً نقاالً وضعت عليــه ّ‬
‫الصـورة الــتي كــان يملكهــا‬ ‫الصـورة هي ّ‬ ‫لسيدتنا مريم»‪ .‬ويواصل ثونيڠا كالمه بالقول‪« :‬لن أخاطر في التّأكيد ما إذا كانت هــذه ّ‬
‫الصـورة الــتي ‪ Sede،‬الملوك أم المطرانية‬ ‫ألن االحتمالين كليهما متساويان‪ ،‬ولكن االحتمال المقبول بشكل عام هــو أنهــا كـانت ّ‬ ‫ّ‬
‫الصـورة الــتي كـانت لـدى‬ ‫ـإن ّ‬ ‫كانت لدى الملوك والتي يمكننا أن نشاهدها معروضة بشكل مهيب في الكنيسة الملكيـة‪ .‬مـع ذلــك فـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المطارنة‪ ،‬صورة القديسة الرّاعية أو الحارسة لكاتــدرائيتنا فكــانت موضــوعة على المــذبح الرّئيســي وظلت مقدســة لمـدة طويلــة‬
‫أن من غير الممكن اعتبارها ذات أهمية من ال ّدرجة الثّانية‬ ‫‪.‬بحيث كان يبدو ّ‬
‫في آخر الموكب سار سان فرناندو‪ ،‬وزوجته‪ 648‬وأوالده‪ ،‬وشقيقه ومختلف رجـال البالط»‪ .‬مـ ّر المـوكب بين بـرج«‬
‫الذهب والنّهر إلى بوابة ڠولِس‬ ‫أي الب ّوابة الملكية) ثم توقف في موقــع ‪ Puerta Eeal)،‬التي تسمى اليوم پويرتا لاير( ‪ّ Goles‬‬
‫‪.‬الستالم مفاتيح المدينةـ من ال َّسقّاف ‪ Arenal‬أرينال‬
‫عندما وصل الملك إلى الجامع الكبير الذي كان قد جرى تطهيره «من رجس الكفّار» تال واحــد أو أكــثر من رؤســاء‬
‫‪» Santa Maria de la‬الكهنة القداس و«بذلك عاد هذا الهيكل إلى العبادة المسيحية‪ 649‬وحمل اسم ســانتا ماريّــا دي ال ِسـي ِده‬
‫صورة المذكورة آنفا ً المس ّماة دي ال ِسي ِده‪ ،‬المصنوعة بالكامل من الفضّة والموضوعة ‪Sede.‬‬ ‫ترك سان فرناندو في هذا المعبد ال ّ‬
‫الشـرقي من المســجد‪.‬‬ ‫فوق المذبح األكبر‪ .‬ووضعت صورة عذراء الملوك فيما كان يُعرف في السّابق بالكنيسة الملكيّة في القســم ّ‬
‫صليب على أعلى البرج المرتفع للجامع‪650‬‬ ‫‪.‬وفي الوقت نفسه رُفعت الرّاية الملكيّة ذات ال ّ‬
‫وصورة عذراء الملوك الموجودة في الكنيسة الملكية تعود دون شك وباتفاق كافة المراجع المسؤولة إلى الفـترة الـتي‬
‫الصـورة بــالحجم الطّــبيعي ‪ -‬على مــا‬ ‫الفضـية ‪ّ -‬‬ ‫ّ‬ ‫ح ّددت لها هنا‪ ،‬ويؤكد وجود ال ّزنابق الفرنسية كجزء من التّصميم على األحذيــة‬
‫‪.‬يبدو االعتقاد المتداول بأنها كانت هدية إلى سان فرناندو من ابن ع ّمه سان لويس ملك فرنسا‬
‫إن «المغاربة» في إشــبيلية عرفــوا قبــل‬ ‫فيما يخصّ هذا الحدث‪ ،‬أورد مح ّرر كتاب ثونيڠا نبوءة مثيرة للفضول تقول ّ‬
‫إن الملكين الكاثوليكيين عــثرا على تلــك النّبــوءة في دار المحفوظــات في غرناطــة‬ ‫م ّدة بخسارتهم القريبة المحتومة للمدينة‪.‬ـ وقيل ّ‬
‫‪.‬عندما فتحوها‬
‫‪ Abenhud‬ومن تفاصيل هذه النّبوءة أنه عندما سيطر الموحّدون على األنــدلس‪ ،‬ثــار فــارس شــاب يــدعى ابن هــود‬
‫القــاطنين في تلــك المنــاطق‪» Alarabes ،651‬كان أغنى وأقوى رجل في مملكة ُمرسية وانتصر عليهم وأخضع كافة «العــرب‬
‫و«بغية تعزيز دعائم مملكته قتل بالسّيف كافّة الموحّدين م ّدعيا ً بأنهم يمارسون شعائر ويتبعــون خرافــات‪ ،‬وأنهم يــزدرون الـ ّـذات‬
‫االلهية بخطاياهم ورذائلهم‪ .‬أمر كهنته بتنظيف وغسل مســاجدهم بالمــاء وبــأن يصــبغوا باألســود الـ ّدروع والرّايــات الــتي تحمــل‬
‫كانوا يعتبرونه نبيـا ً عظيمـا ً ينــوح [حرفيـا ً يولــول )‪ (hechichero‬شعارات المو ّحدين‪ .‬وبعد أن تم تنفيذ ذلك إذا بساحر مغربي‬
‫بـأن مملكـة المسـلمين في إسـپانيا‬‫بش ّدة] عندما رأى تلك الـ ّدروع مصــبوغة باألسـود‪ ،‬وبعــد أن جمــع أشـراف المغاربــة أخـبرهم ّ‬
‫أوشكت على نهايتها‪ ،‬وأنه انتقاما ً لمقتل المو ّحدين سوف يموت الملك ابن هود ش ّر ميتة؛ وأنــه في يــوم مماتــه ستســقط كافــة هــذه‬
‫ال ّدروع والرّايات السّوداء أرضا ً ولن يظهر بعدـ ذلك أبداً ملك ُمسلم في إشبيلية‪ .‬بعد ذلك توفي ابن هود الذي أسكره صــديق حميم‬
‫له في حفلة أُنس في ال َمريّة‪ ،‬وعندما فقد وعيه أغرقه في خزان مملوء بالماء‪ .‬وفي اليوم نفســه ســقطت إلى األرض تلــك الـ ّدروع‬
‫ي ملك بعد ابن هود‪،‬‬ ‫أن خسارة المدينة باتت أكيدة؛ ولم يبرز أ ّ‬ ‫وال ّرايات في جامع إشبيلية‪ ،‬واعتبر المسلمون المغاربة (األفارقة) ّ‬
‫سقّاف الذي كان في إشبيلية عندما فتحها الملك القديس لم يكن ملكا ً بل قائداً»‪652‬‬ ‫‪.‬نظراً ّ‬
‫ألن ال َّ‬
‫ّ‬
‫وقصّة قيام ابن هود بصبغ ال ّرايات باألسود وموته التالي صحيحة في خطوطها العريضــة‪ ،‬ولكن األرجح أن القصــة‬
‫الصـفحة ‪280‬‬ ‫مأخوذة عن ال ّرواية المسيحية لألحداث‪ ،‬ألنه من غير الممكن ألي مسلم ان يخلط ما بين ُمرســية وإشــبيلية (انظــر ّ‬
‫‪.‬طبعة األصل)‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الفصل العشرون‬
‫وفاة سان فرناندو‬
‫راض» بســبب االنتصـارات الـتي حقّقهـا‬ ‫ٍ‬ ‫عاد ابن األحمر إلى غرناطة بعد استسـالم إشـبيلية «حزينـا ً أكـثر م ّمــا هـو‬
‫توسـع هــذه االنتصــارات إلى إنتهــاء الحكم اإلســالمي في‬ ‫المسيحيون ألنه لم يتوقف عن التّكهّن بأنه عاجالً أم آجالً سوف يــؤدي ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬إسپانيا؛ ولكن ذلك لم يقلل من محبّته وإعجابه بملك المسيحيين‬
‫ك ّرس جهوده خالل الفترة القصيرة الخالية من المعارك إلى تشجيع الصّناعات والتّجــارة في مملكتــه ومنح إعفــاءات‬
‫من الضّرائب‪ ،‬وق ّدم جوائز إلى أفضل المزارعين ومـربّي الخيـول وصـانعي الـ ّدروع والحـائكين وصـانعي عـ ّدة الخيـل‪ .‬وهكـذا‬
‫خاصـة‬‫ّ‬ ‫ازدهرت هذه الفنون في مملكته وتضاعفت خصوبة األرض الخصبة بطبيعتها بفضـل االعتنـاء بال ّزراعـة‪ .‬وأولى عنايـة‬
‫شام‪653‬‬ ‫‪.‬لرعاية تربية دودة الق ّز وصناعة الحرير حتى ب ّزت صناعة األقمشة الحريرية المنتجة في غرناطة مثيالتها في ال ّ‬
‫الذهب والفضة ومعادن أخرى وباشر ببناء قصر الحمــراء ‪ّ -‬‬
‫ألن القلعــة‬ ‫ك النّقود واستثمر في مناجم ّ‬ ‫وحسّن عملية س ّ‬
‫كانت موجودة منذ قرون ‪ -‬وأشـرف بنفسـه على األعمـال‪ ،‬وكـان يرافـق بصـورة متكـرّرة المهندسـينـ المعمـاريين ويتواجـد بين‬
‫‪.‬العمال‪ .‬كانت هوايته الرّئيسية مطالعة كتب التّاريخ والبستنة‬
‫كان معظم‪ ،‬إن لم يكن كافة وزرائه وقضاته‪ ،‬وغيرهم من اليمانيين وكان من بينهم شخص من ساللة بني أبي عــامر‬
‫شرقية من األندلس‪654‬‬ ‫‪.‬حكم لم ّدة طويلة في المقاطعات ال ّ‬
‫وهكذا كرّس األحمر أوقاته‪ ،‬مثل كافة الح ّكام اليمانيين العظام الذين سبقوه‪ ،‬لتعزيز مملكتــه‪ ،‬وذلــك من خالل تشــجيع‬
‫صناعات المعروفة في تلك األوقات داخل حدود بالده بدالً من محاولة توسيعها من خالل الحروب المتواصلة‬ ‫وتطوير الفنون وال ّ‬
‫‪.‬مع جيرانه‪655‬‬
‫أثناء ذلك كان فرناندو منهمكا ً في تأمين استقرار إشبيلية وإخضاع النّواحي المجاورة لها‪ .‬يقول كتــاب الحوليّــات إنــه‬
‫الن قلعــة‬ ‫احت ّل شريش ومدينة (صيدونيا)‪ ،‬والقلعة (ال ب ّد أن تكون هذه قلعة بني سعيد‪ ،‬التي عُرفت بعد ذلــك باســم ال لاير نظــراً ّ‬
‫وپويرتـو دي سـانتا ماريّـا (بوابـة شـنتمرية) وقـادس‪ ،‬و«سـالوكار ‪ Bejer،‬النّهـر وقلعـة جـابر كانتـا تحت سـيطرته)‪ ،‬وبيخـير‬
‫وأركش‪ ،‬ولبريخا‪ ،‬وروطة‪ ،‬وطربشانة‪« .‬سيطر على كل شيء من البحر هنا‪ ،‬تارة ‪ Salucar d’Alpechyn،‬دالپيشين»‪656‬‬
‫ق أمامــه أعــداء‬ ‫صلح»‪ ،‬باستثناء لبلة وحصــن الفــرج الــتي استســلمت الحقـاً‪ .‬ثم «عنــدما لم يبـ َ‬ ‫من خالل القتال وتارة من خالل ال ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫في أفريقيا‪« .‬خطط مسيحية وبارعة (‪ Morisma )..‬للتغلب عليهم في إسپانيا» صنع عددا من السّفن لتنفيذ حملة على المسلمين‬
‫‪.‬حالت وفاته دون قيامه بها»‪ ،‬كما يقول ثونيڠا‪657‬‬
‫حلّت سنة ‪ 1252‬تصحبها استعدادات عظيمة لتنفيذ حملة بحرية‪ ،‬ولكن قضي على هذه الحملة في مهــدها وع ّم القلــق‬
‫أن نهايته باتت قريبة‪ .‬أوهنت قوته أنــواء الحــروب‬ ‫نظراً الصابة سان فرناندو بمرض االستسقاء الخطير‪ ،‬وبات واضحا ً للجميع ّ‬
‫الصـحي ومســتع ّداً‬ ‫وحياته المتقشفة ولم يُج ِد تملّق رجال بالطه نحوه في إخفاء خطورة مرضــه‪ .‬كــان هــو نفســه مــدركا ً لوضــعه ّ‬
‫‪.‬للموت وق ّدم مثاالً يحتذى في الصّبر واإلذعان لمشيئة هللا‬
‫كتب وصيته وترك ماالً وفـيراً لكاتدرائيـة إشـبيلية‪ ،‬و ُحفظت الوثيقـة في أرشـيف الكاتدرائيـة لسـنوات عديـدة إلى أن‬
‫طلب الملك فيليپ الثّاني من الكاتدرائية ان تطلعه على الوصية بح ّجة أنه نسي محتوياتها وأخذها معه إلى مدريد من حيث لم تعد‬
‫‪.‬أبداً‪ .‬ولم يستطع ثونيڠا إخفاء سخطه لدى وصفه لهذه السّرقة رغم إجالله ال ّشديد للملك‬
‫عندما شعر فرناندو بدن ّو أجله‪ ،‬رغب في تلقّي المسحة األخيرة من الكنيسة‪ .‬وعندما اقترب منه مطــران شــقوبية مــع‬
‫قربان المناولة يرافقه كافة أعضاء البالط رمى الملك نفسـه من سـريره أمـام جميـع الحاضـرين وطلب من مسـاعديه ان يضـعوا‬
‫حبل مشنقة حول عنقه رمزاً لمجرم شعر بانه ماثل أمام ربّه واستعد لقبـول سـ ّر المســحة األخــيرة‪ .‬ابتـدا ًء من تلـك اللحظــة تخلّى‬
‫الملك عن كل شارات ورموز جاللته‪ .‬ثم طلب حضور زوجته وأوالده لتوديعهم‪ .‬أعطــاهم مســتندات تزيــد إرثهم‪ ،‬وأوصــى ابنــه‬
‫‪.‬األكبر برعاية أشقائه الصّغار وألقى عليه درسا ً حكيما ً لو اتبعه لنجح بالفعل في أن يكون حكيما ً حقا ً‪658‬‬
‫الش ـمعة الموقــدة‪ ،‬رمــز اإليمــان‪ ،‬ثم طلب بتواضــع من أولئــك«‬ ‫واآلن وقــد شــعر بــاقتراب اللحظــة األخــيرة طلب ّ‬
‫الحاضرين أن يسامحوه نيابة عن رعاياه‪ ،‬عن األخطاء التي ارتكبها خالل فترة حكمه لهم‪ .‬فأجهش الحاضــرون بالبكــاء»‪ .‬غــاب‬
‫الملك عن الوعي كما لو كانت النّهايـة ولكنـه عـاد وتكلّم من جديـد طالبـا ً من الحاضـرين إنشـاد التّرتيلـة تي ِديُـوم وعنـدما كـانوا‬
‫‪.‬ينشدونها أسلم روحه الرّاضية إلى هللا»‪660 659‬‬
‫إن النّــاس‬ ‫توفي الملك في ‪ 30‬مايو في سن ال ّرابعة والخمسين‪ ،‬في السّنة الخامسة والثّالثين من حكمه‪ ،‬ويقول ثونيڠــا ّ‬
‫‪ .‬طوبوه على الفور‪ ،‬على طريقتهم‪ ،‬بالهتاف عالمة الموافقة وأطلقوا عليه لقب الق ّديس وخشعوا له‪661‬‬
‫إن «من غير المعروف‪ ..‬الغرفة التي توفي فيها والتي كــانت‬ ‫توفي سان فرناندو في قصر إشبيلية‪ ،‬ولكن ثونيڠا يقول ّ‬
‫ستك ّرس بعد وفاته ككنيسة أو أنها كانت إحدى الغرف التي د ّمرها پِدرو الطّاغية [بطــرس الطّاغيــة] عنــد بنــاء قصــره الجديــد»‪.‬‬
‫ألن قصر ال ُمعت ِمدـ بن َعبّاد ال يزال قائما ً كمــا تركــه‪،‬‬ ‫بأن االفتراض األخير كان واهيا ً ال أساس له من الصّحة نظراً ّ‬ ‫نأمل أن نبيّن ّ‬
‫روايات المقبولة تقليديا ً إلى موقع الغرفة حيث توفي فرناندو‪662‬‬ ‫‪.‬وتشير ال ّ‬
‫ابنــة ألفونســو التّاســع ‪ Berengaria‬كان دم النّورمانديين يجري في عروق سان فرناندو‪ ،‬وكــانت والدتــه بيرنڠاريا‬
‫ملك قشتالة وإليانور ابنة الملك هنري الثّاني ملك إنكلترا‪ .‬تزوجت األميرة بيرنڠاريا ألفونســو التّاســع ملــك ليــون وبــذلك تو ّحــدت‬
‫‪.‬هاتان ال ّدولتان تحت ُملك ابنها فرناندو الثّالث‬
‫لم يتم اكتشاف مكان والدته حتى نهاية القرن الثّامن عشر؛ فمع أنه كان من المعروف أنه لم يولد في عاصـمة مملكـة‬
‫ي واحــد من المــؤرّخين المبكــرين مكــان والدتــه‪ ،‬ولكن محـرّر النّسـخة الثّانيــة لكتــاب ثونيڠا‬ ‫»‪ «Anales‬والده ليون‪ ،‬لم يــذكر أ ّ‬
‫ّ‬
‫‪:‬المنشورة عام ‪ 1795‬يسرد القصة التالية حول هذا الموضوع‬
‫الــذي ‪ Don Diego Alejandro de Galvez‬في عام ‪ 1755‬صادف أن م ّر دون دييڠوـ أليخاندرو دي ڠالڤيث‬
‫ّ‬
‫قرب سمورة يعــرف باســم ‪ Cistercian‬كان يسافر عبر إسپانيا وفرنسا وألمانيا والبالد الواطئة بدير للرّهبان البيض المتقشفين‬
‫في عُمق الغابة‪ .‬وبعد الق ّداس دعي دون دييڠوـ لتناول طعام الفطور مـع ‪)،‬دير وادي الجنّة( ‪ Val - Paraiso‬دير ڤال پاراييسو‬
‫بأن ضــيفه إشــبيلي ينتمي إلى كاتدرائيــة تلــك المدينــة‪ ،‬أنــه مــع ّ‬
‫أن‬ ‫رئيس ال ّدير وأثناء تناول الفطور ذكر رئيس ال ّدير‪ ،‬عندما علم ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإن لديره مجدا ممــاثال ألنــه بُــني في المكــان الــذي ولــد فيــه ســان فرنانــدو‪.‬‬ ‫إشبيلية لها المجد في أن تحتضن رُفات سان فرناندو ّ‬
‫‪ Peleas de‬وانطلق ليؤ ّكد بأن ال ّدير بناه في األصل «اإلمبراطور» ألفونسو (السّادس) قريبا ً من مكان يســمى پيليــاس دي آرّيبا‬
‫وأن سان فرناندو‪ ،‬رغبة منه في إفادة ال ّدير وترك نصــب تــذكاري في مكــان والدتــه‪ ،‬بــنى الـ ّدير حيث هــو في الــوقت ‪Arriba‬‬
‫‪.‬الحاضر في المكان الذي ولد فيه وأوقف له عقارات مختلفة باإلضافة إلى الملكية التي ورثها من مؤسّس ال ّدير‬
‫أن كافة المستندات المتعلّقة بهذينـ ال ّديرين توجد في أرشيف ال ّدير‪ ،‬وأعرب السّنيور ڠـالڤيث عن‬ ‫أضاف رئيس ال ّدير ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫السـنة التاليــة كتب تقريــرا شــامال عن اكتشــافه‪ ،‬ونــزوال عنــد طلب‬ ‫عميق أسفه من عدم توفر وقت كاف له لالطالع عليها‪ .‬وفي ّ‬
‫أمين المكتبة الملكية لفرناندو السّادس الذي أل ّح عليه في ذلك‪ ،‬اضط ّر إلرساله إلى مدريد‪ .‬لم يُنشر التّقرير‪ ،‬وفي عام ‪ 1795‬قــال‬
‫‪.‬إسپينوثا إنه من المستحيل العثور على هذه المخطوطة‪663‬‬
‫أن سان فرناردو ولد في غابــة‪ ،‬ولكن نظــراً لعــدم التّحقّــق مطلقـا ً‬ ‫بأن ال ّروايات المقبولة تقليديا ً لطالما أكدت ّ‬
‫ويضيف ّ‬
‫السـنيور ڠـالڤيث أبــداً يتوقــع أن يــتيح لــه توقّفــه‬
‫من ص ّحة ذلك خالل القرون الخمسة التي م ّرت على وفاة سان فرنانــدو‪ ،‬لم يكن ّ‬
‫‪.‬العرضي خالل رحلته األوروپية تحقيق مثل هذا االكتشاف‬
‫إن الطّريقة التي تسلّمت مدريدـ بموجبها مستندات تاريخية ذات أهمية مثل تقرير ڠالڤيث هذا ووصــية ســان فرنانــدو‬ ‫ّ‬
‫ومن ثم إضاعتها‪ ،‬لهي نموذج على األساليب التي اتبعها المسؤولون اإلسپان في اعتماد المركزية وجلب كل شيء إلى العاصــمة‬
‫‪.‬ومن ثم عدم االكتراث واإلهمال اللذين ينتج عنهما خسارة أو تدمير ما تسلّمته من المستندات‬
‫ي سرد مفصّل لجنازة سـان فرنانــدو‪ .‬أ ّمــا ثونيڠــا‪ ،‬الــذي فحص كافــة الحوليّـات‬ ‫والمستغرب كذلك عدم العثور على أ ّ‬
‫ّ‬
‫الصـغيرة التابعــة‬ ‫الموجودة بشكل شامل للغاية‪ ،‬فيخبرنا فقط بأنه جرى دفن جثمان الملك في األول من يونيو في الكنيسة الملكيــة ّ‬
‫وأن نعشه وضع عند أقدام صورة السّيدة العائدة للملوك تنفيذاً لرغبته‪ .‬ونُقشت على الضّريح الضّخم عبــارات‬ ‫لكاتدرائية إشبيلية‪ّ ،‬‬
‫‪.‬باللغات العبرية والعربية واإلسپانية والالتينية‪664‬‬
‫ك أنــه جــرى تحنيطــه‪ ،‬نظــراً ألنــه ال‬‫إن جثمان سان فرناندو حُفظ بصورة عجائبيــة من التّعفُّن‪ .‬وال شـ ّ‬ ‫ويقول ثونيڠا ّ‬
‫‪.‬يزال إلى اليوم يحتفظ بمعالم بشرية‬
‫ف فيه جثمان الملك بايدي صنّاع مسـلمين‪ .‬وكـان عبـارة عن معطـف من الحريــر المنسـوج على‬ ‫صُنع الرّداء الذي لُ ّ‬
‫شكل مربّعات حمر وبيض على شكل رقعة شطرنج من األسود والقالع‪ .665‬وقسم من هذا القماش محفوظ في متحــف اآلثــار في‬
‫مدريدـ إلى حيث أُرسل بأمر من الملك كارلوس الثّاني عندما فتح التّابوت خالل إعادة بناء الكنيسة الملكية الصّغيرة‪ .‬أُلبست الجثة‬
‫رداء جديداً في القرن السّابع عشر وال يزال هذا ال ّرداء عليها‪ ،‬ووضعت في تابوت فضّي حيث ترقد حتى يومنا الحاضر‪ .‬اختفى‬
‫خاتم سُحب من يد المتوفى كما اختفت وأتلفت في المتاحف الملكية في العاصمة ذخائر أخرى أرسلت مع أجزاء الرّداء مثلها مثل‬
‫الـذخيرة الثّمينـةـ للنّســيج المصـنوع في القــرن الثّــالث عشـر من‬ ‫العديد من الكنوز الفنّية األخرى‪ .‬لكن قبــل بضـع ســنوات أنقـذت ّ‬
‫وهو كاتب معروف متخصّص بالفن اإلشــبيلي‪ ،‬في رزمــة مرميــة ‪ Señor Gestoso،‬النّسيان عندما وجدها السّنيور ِخستوسو‬
‫كنفاية في زاوية مظلمة‪ .‬ب ّددت الكتابة التي وجدت على غالف الرّزمة كل شــك بــأن هــذه القطعــة هي كــل مــا تبقى من المعطــف‬
‫‪.‬الذي كان سان فرناندو يشتمل به عندما دُفن‬
‫لم يدفن سان فرناندو فحسب في عباءة حريرية من صنع إسالمي‪ ،‬بل كان في حياته يرتدي بين الحين واآلخر لباســا ً‬
‫مسلماً‪ .‬وجد السّنيور ِخستوسو خالل جمعه المواد لكتابة رسالته حول فنون صناعة النّسـيج المسـيحية في إشـبيلية الرّايـة القديمـة‬
‫بأن سان فرناندو هو الذي أسّسها‪ ،‬وأنها تملك راية ق ّدمها لها الملــك نفســه‪ Sastres .‬ألخوية عُرفت باسم أخوية الخياطين‬ ‫تزعم ّ‬
‫ّ‬
‫وجد السّنيور ِخستوسو البقايا الممزقة من راية هذه األخوية في القرن السّادس عشر في «درج الخرق» في غرفة مالبس الكهنــة‬
‫في كنيسة سان أل ِدفونسو‪ ،‬بين المالبس القديمة التي تم التّخلّص منها من جيل إلى جيل‪ .‬ووجد تحت رسم مطرّز للملــك كــارلوس‬
‫الخامس وسط ال ّراية صورة مطرزة أخرى لسان فرناندو‪ .‬فحصنا هذه ال ّراية بدقة كبيرة عبر الغطاء ال ّزجاجي الــذي يحميهــا ولم‬
‫الصـورة‬‫الصـورة الــتي تمثــل الملــك كــارلوس الخــامس هي ّ‬ ‫صورة التي غطتها في القرن السّادس عشــر ّ‬ ‫ي شك بأن ال ّ‬ ‫يعد لدينا أ ّ‬
‫األصلية للملك سان فرناندو‪ .‬يضع الملك في هذا الرّسم على رأسه عمامة إســالميّة ويرتــدي عبــاءة مـداّل ة‪ ،‬ولكن قســمات الوجــه‬
‫‪.‬بالية تماما ً باستثناء لحيته المستدقة‪666‬‬
‫كانت األخوية تُدعى في األصل سان ماتيو دي لوس مينيسترالِس (الحرفيين) دي ســيڤيّا‪ ،‬وتقــول الرّوايــات المتناقلــة‬
‫إن سان فرناندو منح هذه األخوية شرف عضويته وق ّدم لها صورته‪ .‬وإخالصا ً لذكرى عالقة الملك بها‪ ،‬احتفظت األخوية طــوال‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجودها بشرف حراسة جثمان الملك لدى عرضه أمام الناس‪ .‬كان حقها الثابت واضحا لدرجة أنه عندما حاولت أخويات أخــرى‬
‫الس ـلطات‬‫أكثر ثرا ًء ونفوذاً إزاحة الخياطين واالستحواذ لنفسها على شرف حراسة النّعش‪ ،‬رفعت أخوية الخياطين قضيتها أمــام ّ‬
‫‪.‬الكنسية وربحتها بموجب الوثائق التي تملكها والتي تُثبت أصل ا ّدعائها‪667‬‬
‫أن أعضــاءها وقفــوا جنبـا ً إلى جنب‬ ‫أن األخوية حرست النّعش منذ البداية‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك فال بـ ّد ّ‬ ‫يُفترض إذن ّ‬
‫‪.‬مع مسلمي غرناطة الذين جاؤوا لإلعراب عن إجاللهم للملك المتوفى إلسپانيا المسيحية‬
‫أعلن ابن األحمر حال تلقيه نبأ وفاة فرناندو الحداد العام في أنحاء مملكته‪،‬ـ وبعث برسل للتّعبير عن حزنه إلى الملــك‬
‫صلح والحلف المعقودة مع الملك ال ّراحل والده وفق ال ّشروط نفسها‪« .‬فوافــق الملــك‬ ‫ألفونسو مع رسائل يقترح فيها تجديدـ عهود ال ّ‬
‫‪.‬ألفونسو على االقتراح وشكر ابن األحمر على مجاملته»‪668‬‬
‫الصـغيرة‪ ،‬ألننـا نجــد أنــه بعــد انقضـاء ثمــاني‬ ‫قام ابن األحمر بأكثر من التّعبير عن إعجابه م ّما توحي به هذه الفقــرة ّ‬
‫‪.‬سنوات كان ابن األحمر ال يزال يرسل ممثلين عنه لتكريم صديقه الرّاحل في ذكرى وفاته‬
‫في ‪ 30‬مايو ‪ ،1260‬كان الملك ألفونسو في إشبيلية لحضور حفل تأبين في ذكرى وفاة والــده ســان فرنانــدو‪ ،‬ونظــراً‬
‫إلعالن قداسته‪ ،‬كان االحتفال يقوم على تمجيد ذكراه أكثر منه احتفاالً تأبينيا ً بالصّالة لراحة نفسه‪ ...‬استم ّرت االحتفاالت بقداسته‬
‫الصـناع والحرفيــون عن العمــل‪ .‬أقيمت في الكاتدرائيــة‬ ‫ي متجــر أبوابــه وتوقّــف ّ‬
‫طوال النّهار وامت ّدت إلى المساء حيث لم يفتح أ ّ‬
‫المقاطعة حاملة راياتها بحيث بدا حضور الق ّداس زيارة ‪ comarca‬منصّة رائعة ُوضع عليها التّابوت‪ .‬وحضرت وفود من مدن‬
‫أن بعض الوفود جلبت معها شموعا ً ضخمة ظلت مشــتعلة طــوال اليــوم‪ .‬وأرســل ابن األحمــر‪ ،‬ملــك‬ ‫تبرُّ ك أكثر منه جنازة‪ .‬حتى ّ‬
‫غرناطة‪ ،‬الذي ربطته صداقة حميمة بالملك الق ّديس عدداً من األشراف المسلمين ومئة من العسكر الرّاجلين حاملين عــدداً كبــيراً‬
‫‪.‬من ال ّشموع البيضاء وضعوها حول النّار المشتعلة تكريما ً لذكرى الملك الرّاحل‬
‫يقول ثونيڠا‪« :‬شهدت تلك األيام أعظم الحشود وأجمل احتفاالت الفرح التي عرفتهــا إشــبيلية‪ .‬احتفـل فرسـان إشــبيلية‬
‫هــو الــذي أتى بفضـل التّقـوى )!‪! (Santo‬بعرض مواكب عسكرية‪ ،‬وال ّشعب بال ّرقصات والجميع يهتفون فرحين قديس! قديس‬
‫‪ .‬والعبادة بالمعجزات التي تالشت تفاصيلها بمرور الوقت‪ ،‬ولكن المؤكد أن معجزات حصلت بالفعل»‪669‬‬
‫أن معظم ســكان إشـبيلية كـانوا ال يزالــون من المسـلمين في ذلــك الـوقت‪ 670‬في حين لم يكن في المــدن‬ ‫عندما نتـذكرـ ّ‬
‫ي من سكان قشتالة على اإلطالق فيما عدا الجيوش التي كانت في خدمة الثّري النّبيل (ريكو أو ِمه) الحاكم عليها‪ ،‬نجد‬ ‫المجاورة أ ٌّ‬
‫أن هذا الوصف لالحتفاالت العا ّمة التي جرت في ذكــرى وفــاة الملــك المســيحي الــذي غــزا البالد يقـ ّدم صــورة بليغــة لألوضــاع‬ ‫ّ‬
‫السّياسية السّائدة في ذلك الوقت‪ .‬فبدالً من اعتبار الملك الذي طرد الح ّكام الموحّدين عدواً‪ ،‬أجلّه مسلمو إشــبيلية وخشــعوا لــذكراه‬
‫‪.‬كق ّديس‬
‫لو لم يصلنا سوى ما كتبه المؤرّخون المسيحيون حــول مشــاعر حلفائــه وأتباعــه المســلمين‪ ،‬لكــان بإمكاننــا أن نعــزو‬
‫بعضا ً من الحب الذي شاع بين النّاس لسان فرناندو إلى المبالغة الطّبيعيـةـ للكتــاب الــورعين‪ .‬ولكن في كــل مــرة ورد ذكــره لــدى‬
‫أن‬‫الشـك إلى واقــع ّ‬ ‫الكتاب العرب فيما أشار إليه كون ِده يؤكد الوقائع كما أوردها الكتّــاب المســيحيون‪ .‬ويســتحيل النّظــر بعين من ّ‬
‫السّكان الذين انتصر عليهم سان فرناندو هم الذين طوّبوه قديسـا ً بفضـل المعاملــة المنصـفة والكريمـة الـتي عامـل بهــا أتبـاع دين‬
‫مختلف عن دينه استسلموا دون إراقة دماء من خالل وساطة ابن األحمر‪ .‬كان هؤالء‪ ،‬مــع بعض االســتثناءات‪ ،‬كامــل ســكان مــا‬
‫يُعرف اآلن بمقاطعة إشبيلية وجزءاً من قادس‪ ،‬وهم أحفاد اليمانيينـ والقوط المسيحيين الذين اعترفوا طوال أجيال عديــدة بســلطة‬
‫‪.‬ذرّية غيطشة‬
‫حتى تاريخ وفاة سان فرناندو‪ ،‬كانت كل المناطق التي حكمتها تباعـا ً األمــيرة ســارة وذريتهــا من ســاللة بــني ح ّجــاج‬
‫وبني قومهم من بني َعبّاد ملوك إشبيلية‪،‬ـ قد رضيت بحكم أول ملك مسيحي يحكم إشبيلية منذ وفاة غيطشة‪ .‬كانت المــدن الوحيــدة‬
‫المه ّم ة التي ال تزال غير خاضعة له هي شريش ولبلة وتيخادا التي كان ال يزال الموحّدون يسيطرون عليها‪ .‬ترك ســان فرنانــدو‬
‫أرض إشبيلية في سالم وازدهار؛ فال عجب إذا مجّد هؤالء الفاّل حون والعمال اسم الملك المسيحي الذي حرّرهم من ظلم طغـاتهم‬
‫‪.‬المو ّحدين‪ ،‬بعد أن أمضوا سنوات عديدة خاضعين لمسلمي أفريقيا‪ ،‬أعداؤهم في ال ّدين واالنتماء القبلي‬
‫ضي الذي يحوي رُفاته‬ ‫انقضت ستة قرون ونيّف منذ أن لحق سان فرناندو بأجداده‪ ،‬ولكن في كل سنة يُفتح النّعش الف ّ‬
‫الذهب ويُعرض وجه قديسهم على شعبه كما عــرض عليهم في ذكــرى وفاتــه في كــل ســنة‬ ‫وتزاح جانبا ً السّتائر المطرزة بخيوط ّ‬
‫‪.‬منذ أن مات‬
‫أن المملكة التي أقامها ابن األحمر ُد ّمرت وتج ّرع رعاياه االضطهاد والنّفي من البالد قبل قرون عديدة ولم يعــد‬ ‫ومع ّ‬
‫أن غرناطة ما زالت ممثلـة في االحتفـال من خالل فرقـة المشـاة الـتي تحمـل‬ ‫ّ‬
‫هناك ح ّراس شرف مسلمون على النعش‪ ،‬فالغريب ّ‬
‫الصـغيرة عنــدما يُفتح النّعش ليمـ ّر أمامــه النّــاس وينظــروا إلى رُفــات ســان‬
‫اسمها وتحظى بشرف الحراسة في الكنيســة الملكيــة ّ‬
‫فرناندو‪ .‬ومخافــة أن يطــوي النّســيان عالقتهم بسـقوط اإلســالم في إســپانيا‪ ،‬يجـري االحتفــال بــذكرى احتالل غرناطــة من خالل‬
‫‪.‬القفّازات التي يرتديها العسكر‪ ،‬وهي خضراء بلون راية الرّسول‬
‫ولكن احتفاالت مهرجان سان فرناندو المستمرّة منذ ثالثين جيالً ال تتمحور حول االنتصار على إشــبيلية وال هزيمــة‬
‫«الكفّار»؛ بل هو السّالم الذي منح للفقراء والمحتاجين والعدالة غير المنحازة التي جعلت السّالم ممكناً‪ ،‬الذي يعــاد اســتذكاره في‬
‫شعائر الصّالة في مزار القــديس المحــارب «األكــثر إخالصـا ً واألجــود كرمـاً‪ ،‬هــو الــذي مــا كــان يخشــى غــير هللا وإليــه كـرّس‬
‫‪.‬ابتهاالته»‪ ،‬هو الذي أدخل النّاس في ملكوت هللا ال بالقوة وإنما بالقدوة الصّالحة‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الفصل الحادي والعشرون‬
‫اإلسالم تحت حكم المسيحيين‬
‫ي تميــيز بين‬‫إن أكثر ما يميّز السّياسة التي اتّبعها فرناندو بعد استسالم إشــبيلية كــانت إصـراره على عــدم ممارســة أ ّ‬
‫ّ‬
‫أتباع ال ّديانتين‪ .‬باإلضافة إلى ابن األحمر ملك غرناطة الذي ش ّكلت قواتـه جـزءاً من جيش فرنانــدو‪ ،‬كـان ملـوك ُمرســية وبيّاسـة‬
‫ي من الفرسان المسيحيين‬ ‫وبلنسية تابعين أو حلفاء له‪ ،‬ويبدو أنهم شاركوا في حصار إشبيلية ‪ 671‬وورد اسم ابن األحمر قبل اسم أ ّ‬
‫أن الملك سعى بكــل جهــد للحكم‬ ‫في سجل المك ّر مين لقاء خدماته؛ ومنذ تلك اللحظة حتى وفاة سان فرناندو بعد أربع سنوات يبدو ّ‬
‫‪.‬بالعدل بين أتباعه الجدد‪ ،‬ليس كمكافأة للخدمات التي ق ّدموها في الميدان فحسب بل في كافة التّفاصيل المشتركة للحياة اليومية‬
‫إن الملك منحــه‬ ‫منح سان فرناندو الملك ابن األحمر رتبة فارس يوم دخوله إلى إشبيلية‪ ،‬ويقول ثونيڠا في هذا السّياق ّ‬
‫أفاع‪ ،‬مكافأة له على والئه وخدماته»‪ .‬ينبثــق الوشــاح‬ ‫شعاراً «وشاحا ً بلون النّبالة األحمر وعلى أطرافه رؤوس تنانين أو رؤوس ٍ‬
‫أفاع‪ ،‬وتجدر المالحظة هنا أنه في ترجمة إسپانية لماريانا‬ ‫إشارة إلى رسم على الخشب يمثّل سيفا ً )‪ (ii. 625‬من أفواه تنانين أو ٍ‬
‫ضمن مستودع األسلحة الملكي في مدريد يقال إنه كان ُملكا ً آلخر ملوك بني نصر في غرناطة‪ .‬ويتكوّن مقبض السّيف من رأس‬
‫‪.‬تنّين بلسانين متدلّيين إلى الخارج‪672‬‬
‫يؤ ّكد كون ِده الوصف الذي أعطاه ثونيڠا لشعار النّبالة الذي منحه الملــك فرنانــدو إلى ابن األحمــر‪ ،‬لكن دون أن يــذكر‬
‫‪:‬أن فرناندو منحه رتبة فارس كما هو متوقع فيما نقله عن كاتب عربي‪ .‬يقول الكاتب‬
‫اتّخذ (ابن األحمر) شعار النّبالة المك ّون من وشاح فضي مائل بلون أزرق ُكتب عليه بــأحرف ذهبيـةـ «ال غــالب إال«‬
‫ألن رعيّة ابن األحمر كانوا يحيّونه بلقب «الغالب»‪ ،‬فكان يرد عليهم بقوله‪« :‬ال غالب إاّل هللا»‪ .‬وكــان طرفــا الوشــاح‬ ‫هللا» نظراً ّ‬
‫يخرجان من أفواه تنانين‪ .‬استعمل خلفاء ابن األحمر هذا ال ّشعار دائما ً رغم أنهم غيّروا ألوان ال ّدرع الذي كان في العادة أحمــر أو‬
‫‪.‬أزرق أو أخضر‪ ،‬كما غيروا ألوان الوشاح‪ ،‬ولكن كافة التّغييرات حملت شعار ابن األحمر»‪673‬‬
‫أن غالبية السّكان كانوا من المسلمين‪ ،‬أو على األقل الطّبقة العاملة من بينهم‪ ،‬باستثناء المحــاربين‪ ،‬وكبــار‬ ‫ال شك في ّ‬
‫أثرياء النّبالء‪ ،‬والنّبالء‪ ،‬والكنهة وأعضاء األخويات والرّهبانيات ال ّدينيةـ الذين ُوهبوا المنازل واألراضـي الـتي بقيت خاويـة بعـد‬
‫أن كتــاب‬ ‫أن هجر أهلها غرناطة وشريش وغيرها من المدن‪ ،‬أو تلك التي تركهــا المو ّحــدون الــذين رحلــوا إلى أفريقيــا‪ .‬صــحيح ّ‬
‫المحاص ـر (راجــع ّ‬
‫الص ـفحة‬ ‫ِ‬ ‫الحوليّات يتح ّدث عن أعداد أتباع المعسكرات‪ ،‬من التّجّار وغيرهم م ّمن كانوا موجودين مــع الجيش‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ 328‬طبعة األصل)؛ لكن من الواضح أنّه ال يمكن لهؤالء الذين كانوا يقومون على خدمة الجيش الذي لم يكن جيشا ج ـرّارا بــأ ّ‬
‫ي‬
‫‪.‬حال‪ ،‬أن يسهموا في إعمار وملء مدينة كبيرة‪ ،‬عدا عن الضّواحي والسّهول المزروعة بكثافة والمناطق الرّيفية المحيطة بها‬
‫ولكن ابنه وبعض أفراد حاشيته بيّنوا له‬‫ّ‬ ‫ف ّكر الملك في أوائل الخمسينيات من القرن الثّالث عشر ّ‬
‫بالذهاب إلى قشتالة‪،‬‬
‫أن سان فرناندو لم يكن يرغب في التّخلّي عن خطته ولكنه اقتنع في نهاية األمر‪ ،‬حســب مــا يؤكــد‬ ‫مخاطر مغادرة المدينة‪ .‬ويبدو ّ‬
‫كتوما ً ولكنه كان مرحا ً بحيث كــان الملــك )ق ّشة( ‪ Paja‬ثونيڠا‪ ،‬بتأثير من مه ّرج الملك‪ .‬كان هذا المهرّج‪ ،‬الذي عُرف باسم پاخا‬
‫يُ َس ّر ويستأنسه بحديثه‪ .‬وبينما كان سان فرناندو ال يزال متر ّدداً حول السّير إلى قشتاله‪ ،‬دعاه المهـرّج پاخــا إلى حفلــة ســمر على‬
‫أن الحفلة الــتي أراد أن يقـ ّدمها لــه‬ ‫ق ّمة البرج (الخيرالدا)‪ .‬قَبِل سان فرناندو ال ّدعوة وعندما وصال إلى أعلى البرج أخبره المهرّج ّ‬
‫كانت المنظر الرّائع للمدينةـ التي احتلّها الملك‪ ،‬واألسوار المهيبةـ المزيّنــة برايـات األثريـاء النّبالء المكلفين حراسـتها‪ .‬ولكنـه بيّن‬
‫أيضا ً للملك الجزء الكبير من األحياء التي ُمنحت إلى المسيحيين التي كانت خالية من السّكان‪ ،‬وأشار إلى مــدى اكتظــاظ األحيــاء‬
‫التي يقطنها المسلمون‪ .‬أ ّكد المهرج انه في الموقعين كليهما تظ ّل المخاطر التي ال يمكن تجنّبها ماثلة في حال قرّر الملــك مغــادرة‬
‫المدينة‪ ،‬كما يظل أيضا ً قائما ً حتى خطر خسارة المدينةـ مج ّدداً‪ .‬استمع فرناندو إلى أقــوال مهرّجــه ووافــق‪ .‬وأنهى ثونيڠــا روايتــه‬
‫رجو األمراء في كل زمن»‪674‬‬ ‫‪.‬بالقول‪« :‬هذا ما ينبغي أن يكون عليه مه ّ‬
‫تكمن أهمية القصة في أنها أشارت إلى العدد الضّئيل من السّكان المسيحيين بعد انقضاء سنة على استســالم إشــبيلية‪،‬‬
‫‪.‬كما أنها أظهرت كم كانت حصيفة سياسة فرناندو في عدم التّمييز ض ّد أتباعه من المسلمين أو وضع عراقيل في وجههم‬
‫أن االمتيازات ‪ Fueros‬في عام ‪ ،1250‬منح فرناندو إلى مدينة إشبيلية االمتيازات‬ ‫المعطاة لطُليطلة‪ ،‬ولكن في حين ّ‬
‫ُ‬
‫ُمنحت االمتيــازات في إشــبيلية إلى «كافــة ‪ُ Francos،‬منحت في طليطلــة إلى «المســتعربين والقشــتاليين والرّجــال األحــرار‬
‫وكما يقول ثونيڠا‪ُ « .‬منحت المكرمة إلى كافة سكان إشبيلية من األشراف والمواطنين والتّجّار ‪» Todos los vecinos.‬السّكان‬
‫ي تحفّــظ من‬ ‫والب ّحارة والع ّم ال بصورة مشتركة‪ ،‬كل الحقوق واإلعفاءات واالستثناءات والسّلطات التي تتمتع بها طُليطلة‪ ،‬دون أ ّ‬
‫ي نوع وبإضافة امتيازات أخرى»‪ .‬شجّعت المكرمة تربية الخيــل وأعطت امتيــازات مه ّمــة إلى «من تــربطهم عالقــة بــالبحر»‬ ‫أ ّ‬
‫الذين أعفوا من الخدمة العسكرية مقابل االنخراط في الخدمة البحرية‪ ،‬والذين ُخصّصت لهم محــاكم خاصــة وصــدرت من أجلهم‬
‫‪.‬قوانين خاصة‪675‬‬
‫لم يحسن سان فرناندو وابنه معاملة المسلمين فحسب‪ ،‬بل عــامال اليهــود بالمثــل‪ .‬فاســتم ّر هــؤالء في العيش في الحي‬
‫اليهودي الكبير الذي سكنوه في السّابق وأعطيت لهم ثالثة مساجد لتحويلها إلى معابد لهم ( ُكنُس)‪ .‬واستم ّروا في دفع الجزية الـتي‬
‫كانوا يق ّدمونها إلى الملوك المسلمين‪ ،‬وكانوا يلقون معاملة جيدة من قبــل أمنــاء الخزينــة والمحاســبين اليهــود‪ ،‬خـ ّدام الملــك الــذين‬
‫والسـوق األمثــل لتجــارتهم»‪ .‬ســمح مرســوم ملكي آخــر‬ ‫ّ‬ ‫رافقوه من قشتالة‪« ،‬واستقرّوا في هذه المدينةـ لكونها الميناء العام للكون‬
‫لسكان إشبيلية بشراء عقارات من المسلمين ولكنه منع القيام بأيّة محاوالت إلجبارهم على الــبيع حيث بــدأت تظهــر دالئــل تشــير‬
‫‪.‬إلى مثل هذه الممارسات‪676‬‬
‫ر ر اإلشارة في مختلف مستندات المنح واالمتيازات إلى ضريبة تسمى «ألموشاريفاثڠو» ‪677‬‬ ‫‪ Almojarifazgo‬تتك ّ‬
‫التي كانت ضريبة استيراد وتصدير تفرض على السّلع‪ ،‬وكان المسلمون في األندلس فرضوها على السّكان وأبقاها سان فرناندو‬
‫صص فرناندو للكاتدرائية عُشر إجمالي تلك الضّريبة التي تُجمع من إشــبيلية وحوّلهــا ألفونســو‬ ‫سارية المفعول كما وجدها‪ .678‬خ ّ‬
‫ُ‬
‫فيما بعدـ إلى دفعة سنوية بقيمة ‪ 5300‬دينار رابطي‪ .679‬تط ّورت ضريبة الموشاريڤاثڠو فيما بعد إلى رسوم جمركية‪ .‬وكتب على‬
‫أول دار للجمارك بنيت في إشبيلية عــام ‪ 1587‬نقش يقــول‪ :‬بنت إشــبيلية دار الجمــارك هــذه لخدمــة جاللتــه بعــد أن تــولّت جمــع‬
‫‪.‬ضرائب الموشاريڤاثڠوس»‪680‬‬
‫ســج ّل ال ِمنَح والهبــات من المنــازل واألراضــي الــتي منحهــا( ‪» Repartimiento‬في مق ّدمة كتابــه «ريپــارتيميينتو‬
‫على قيمة السّجل لكونه يحتوي «بيانات عن ‪ Argote de Molina‬يعلّق أرڠوتِه دي مولينا )فرناندو وابنه بعد احتالل إشبيلية‬
‫كافة ممالك قشتالة وليون ‪ hijosdalgo‬جميع األمراء أبناء الملك‪ ،‬واألسياد العظام‪ ،‬الكونتات‪ ،‬األثرياء النّبالء‪ ،‬والسّادة‪ ،‬ونبالء‬
‫الفرنسيين‪ ،‬وفرسان أراغون‪ ،‬وناڤارو‪ ،‬والپرتغال‪ ،‬وإيطاليا والفرسان المسلمين الذين كــانوا موجــودين ‪ caballeros‬والفرسان‬
‫أن هــؤالء الفرسـان المســلمين الــذين‬ ‫وقت احتالل إشبيلية‪ ،‬وأسماء المستوطنين والمنح المق ّدمة إليهم» وإلى آخره‪ .‬يخبرنا ثونيڠــا ّ‬
‫ُمنحوا أمالكا ً في إشبيلية كان قسم منهم أولئك الذين ظلّوا في المدينة‪ ،‬والقسم اآلخر الذين كانوا يعيشون مع ملك غرناطة وسكنوا‬
‫حيث بقوا فيه حتى ت ّم طردهم» (في القرن السّابع عشر) ‪ Moreria‬وموريريا ‪ Aduarejo‬في الح ّي المعروف باسم أدواريخو‬
‫‪681.‬‬
‫ُمنح ابن ملك بيّاسة (انظر أعاله) منزالً في أبرشية سانتياڠو‪ .‬وبعد سقوط لبلة عـام ‪ 1257‬حصـل حـاكم تلـك ال ّدولـة‬
‫تي ّمنا ً ‪ Algarbejo‬س ّميت الغربي )‪ alqueria‬الصّغيرة (انظر الصّفحة ‪ 310‬طبعة األصل) على مزرعة أو ضيعة في الرّيف‬
‫الواقع قرب إشبيلية الذي أُطلق عليه اســم بســتان ‪ Ben Alhoar682‬ابن الحفار ‪ huerta‬بممتلكاته السّابقة في الغرب‪ ،‬وبستان‬
‫الملك سوية مع حقوق مح ّددة في ضريبة ال ّزيت من ال َّش َرف وفي الجزية التي يدفعها اليهود‪ .683‬وأصبحت هذه األرض التي تقــع‬
‫أويرتــا ديــل َري( مباشرة خارج خط أسوار المدينةـ القديمة جزءاً من أراضي قصر إشبيلية‪ ،‬وال زالت تعرف باسم بســتان الملك‬
‫‪huerta del rey).‬‬
‫حصل ملك غرناطة على ما يبدو على أحد أجمل منازل إشبيلية‪ ،‬ألننا نقرأ بأنه في حــوالي عــام ‪ 1251‬أُرســل ســفير‬
‫من المغرب لتهنئة فرناندو بانتصاراته‪ ،‬وبُغية تكريم السّفير أقامه ضيفا ً على ملك غرناطة الذي كان في إشــبيلية في ذلــك الــوقت‬
‫إن ابن األحمر كان طوال حياتــه‬ ‫‪ .684‬ال يذكر كون ِده هذا السّفير وال استضافة السّفير من قِبل ابن األحمر ولكن المقّري‪ 685‬يقول ّ‬
‫أن ّ‬
‫السـفير‬ ‫تربطه عالقات صداقة وعلى اتصال دائم مع بني َمرين الذين بعثوا الرّسول للتّهنئــة‪ .‬تفــترض قصــة ثونيڠــا المرتبكــة ّ‬
‫كان من الموحّدين‪ ،‬ولكن هل يُعقل أن يهنئ المو ّحدون فرناندو على انتصاراته بعد أن طردهم من آخر أمالكهم اإلسپانية؟‬
‫المنشور في كتاب ثونيڠا‪ 686‬وردت بعض األسماء التي يبدو أنها من أصــل "‪ "Repartimiento‬في مل ّخص سجل‬
‫ابن َعبّاد؟ والذي يفترض ثونيڠا أنه كان واحداً من ‪، Aznar، Tafur، Torcat، "Venavet":‬األركن ‪ Alarcon:‬عربي مثل‬
‫السـجل قــد‬‫أن البحث المع ّمــق في كامــل ّ‬ ‫«أشهر الرّجال العشرة» الذين جــرى تعــيينهم كقضــاة وتكليفهم مهامـا ً محـ ّددة‪ .‬وال شــك ّ‬
‫ّ‬
‫أسماء »‪ «Repartimiento‬يكشف عن المزيد من هذه األسماء‪ .‬ثونيڠا يذكر فقط أصحاب الشأن والمكانة الرّفيعة‪ .‬ويذكر سجل‬
‫‪.‬أشخاص أدنى منزلة يحملون أسماء عربية ُمنحوا قطعا ً أصغر مساحة من األراضي‪687‬‬
‫توجد مالحظة مثيرة لالهتمام لدى ثونيڠا حول استعمال كلمة «تابع» في ذلك الــوقت‪ .‬واألثريــاء النّبالء الــذين كــانوا‬
‫ّ‬
‫أطلقوا على هؤالء اسم «تابعين» واعتبروا أنهم تابعون لقوّاتهم الخاصّة ‪ Infanzones‬يدفعون األجر إلى رجال الحرس النبالء‬
‫وأطلق أيضـا ً على أفـراد مسـاندة الملـك لقب تـابعي الملك ‪ .688‬كـان رجـال الحـرس ‪» mesnada‬أو فريق حراستهم «المساندة‬
‫يفسـر ذلــك واقــع أنــه على األقــل في حالــة ‪ Hijosdalgo‬النّبالء طبقة من النّبالء‬ ‫الذين يتمتعون بسلطات محدودة في مناطقهم‪ّ .‬‬
‫‪.‬واحدة (في عام ‪ )1255‬شهد ڤيكونتا بيارن وليموج على منحة وهبها ألفونسو بوصفهما «تابعي الملك»‪689‬‬
‫يعطي ثونيڠا تفاصيل وثيقة منحة أخرى شهد عليها هــذان النّــبيالن ولكن ليس بصــفتهما تــابعين‪ .690‬ونظــراً ألنــه تم‬
‫توقيع هذه الوثيقة قبل أن يصبح ألفونسو إمبراطوراً‪ ،‬لم يوقّعا بالتّأكيد عليها كتابعين لإلمبراطورية (في حال كــانت منحــة النبالــة‬
‫ّ‬
‫إمبراطورية) كما لم يكن هذان الڤيكونتان االثنان خاضعين أو تابعين وفق المفهوم االعتيادي للكلمــة‪ .‬فــاالفتراض إذن هــو أنهمــا‬
‫ش ّكال جزءاً من حرس ال ّشرف التّابع لإلمبراطور‪ .‬وملوك غرناطة ولبلة وبيّاسة المسلمون الثّالثة الذين غالبـا ً مــا نجــد توقيعــاتهم‬
‫كشهود على الوثائق الموقعة من قبل الملك ألفونسو‪ ،‬كانوا بال شك تابعين له وفق المفهوم االعتيادي للكلمــة مــع أن من المحتمــل‬
‫‪.‬انهم كانوا جزءاً من حرس ال ّشرف أيضا ً‬
‫كان اإلمداد الوفير للمياه‪ ،‬لل ّري كما لالستعمال المنزلي‪ ،‬مسألة تحت ّل األولوية بالنّسبة للمســلمين كمــا نعلم‪ .‬ولقــد قـ ّدر‬
‫فرناندو الثّالث وألفونسو العاشر وسانچو ال ّرابع ملوك قشتالة الثّالثة األوائل الذين حكموا إشبيلية فضيلة النّظافة بطريقة لم يفعلها‬
‫‪.‬بعض خلفائهم‪ ،‬واتخذوا جميعا ً إجراءات للمحافظة على إمداد المياه‬
‫تلقّى مجلس مقاطعة إشبيلية منحة دائمــة في ملكيــة المطـاحن المقامـة على نهـر الـرّحى مـع كافــة مبانيهـا‪ ،‬وحقوقهـا‬
‫إلى «قصــور الملــك في قصــر إشــبيلية»‪ Caños ،‬ومرافقها مقابل تزويد المياه من القناة االصطناعية المعروفــة باســم كــانيوس‬
‫وإلى بركتي مياه في إشبيلية»‪ .‬كان على مجلس مقاطعــة إشــبيلية ان يحافــظ ‪ Huerta de Ben Alhofar‬وبستان ابن الحفار‬
‫ويصون أقنية المياه وقساطل المدينةـ وكاتدرائية سانتا ماريّا وكذلك قساطل المياه المؤ ّدية إلى قصر إشبيلية‪ .‬وباإلضافة إلى ملكية‬
‫‪ .‬المطاحن‪ ،‬التي كانت ذات قيمة عظيمة‪ ،‬استلم المجلس ألف دينار مرابطي سنويا ً مقابل القيام بهذه المهمات‪691‬‬
‫كان يتم ج ّر المياه إلى إشبيلية من قلعة جابر عبر قناة اصطناعية رومانية لتزويد معظم المنــازل الكبــيرة القديمــة في‬
‫إشبيلية إ ّما عبر منحة أصيلة من التّاج أو عبر شرائها الحقاً‪ ،‬وهي باتت تُشـ ِّكل اليــوم جــزءاً من الملكيــة المطلقــة للعقــار‪ .‬وهكــذا‬
‫جعلت حقوق المياه هذه‪ ،‬القديمة وشديدة التّعقيد‪،‬ـ من الصّعب بمكان على المجلس اإلشــراف على إمــدادات الميــاه كاملــة من قنــاة‬
‫‪«.‬كانيوس» الستعمالها في المدينة كما كان يتم اقتراحه تكراراً بهدف جعل إمداد المياه إلى إشبيلية كافيا ً لس ّد االحتياجات الرّاهنة‬
‫ي وقت من األوقــات المه ّمــات المطلوبــة منــه‬ ‫لم ينفّذ المجلس‪ ،‬بقدر ما تتيح المعلومات المتوفرة المجــال للحكم‪ ،‬في أ ّ‬
‫بموجب االتفاق القاضي بإبقاء شبكة األنابيب في حالة صالحة لالستعمال‪ .‬واألنابيب ال ّرصاصية والفخارية التي تنقل المــاء عــبر‬
‫رسـبات على مــدى قــرون‪ ،‬فضـاق قطرهـا إلى نصـف او حـتى ربـع حجمـه‬ ‫المدينة تض ّررت إلى درجة كبــيرة بســبب تـراكم التّ ّ‬
‫األصلي‪ .‬كما كانت توجد نقاط تسرّب عديدة على طول قناة ج ّر الماء باإلضافة إلى ثقب كبــير فيهــا بــالقرب من إشــبيلية تتسـرّب‬
‫ي كــان تحديــدها‪ .‬ونتيجــة لهــذا اإلهمــال الـ ّدائم تعــاني إشــبيلية من‬ ‫منه يوميا ً آالف الغالونات التي تذهب هدراً منذ م ّدة ال يمكن أل ّ‬
‫نقص المياه في الوقت الرّاهن على الرّغم من اإلمدادـ الالحق الذي أ ّمنته شركة المياه اإلنكليزية‪ .‬وللمقارنة كانت قنــاة ج ـ ّر الميــاه‬
‫بالسـكان فحســب‪ ،‬بــل وأيضـا ً احتياجــات ح ّمامــات‬ ‫خالل العهود اإلسالميّة كافية لتلبية ليس االحتياجات المنزليــة لمدينــة مكتظــة ّ‬
‫عديدةـ موزعة في المدينةـ ال شك أنها كانت كبيرة في الحجم واأله ّمية نظراً لكونها موضوع منح خاصة كما ورد في سجل المنح‬
‫‪«Repartimiento».‬‬
‫‪» Don‬كان يملك ثالثة من هذه الح ّمامات‪ ،‬سويّة مع عدد كبير من األمالك األخرى‪ ،‬رجل واحد يسمى «دُون سُليما‬
‫ورد اسم هذا ال ّشخص تكراراً في سجل ال ِمنح ولكنّه لم يُذكر ال في كتب ثونيڠا وال في كتـاب الحوليّـات‪ .‬وشــغل هـذا ‪Zulema.‬‬
‫ال ّرجل منصب مفوض الملك‪ .‬وث ّمة رسالة من فرناندو إلى دون سُليما يتوجّه إليه فيها بقوله «مفوّضي الخاص دُون ُســليما»‪،692‬‬
‫ويبلغه أنه منح كنيسة طُليطلة ألف دينار مرابطي من الجزية السّنوية التي يدفعها ملك غرناطة ويأمر دُون سُليما‪ ،‬الــذي عليــه أن‬
‫يجمع اإليجارات‪ ،‬أن يدفع هذا المبلغ إلى سلطات طُليطلة أو إلى ممثليهم‪ .693‬كان دون ُسـليما يهوديـا ً كمــا أخبرنــا دُون أنطونيــو‬
‫الذي يجري بحثا ً خاصا ً حول تلك الفترة‪ ،‬كما كــان رجــل األعمــال الرّئيســي في ‪ Don Antonio Ballesteros‬بايّيستيروس‬
‫‪.‬بالط سان فرناندو‬
‫ُمنحت الح ّم امات الملكية إلى خوانا دي پونتيو‪ ،‬أرملة سان فرناندو‪ .‬ال يذكر ثونيڠا عدد هــذه الح ّمامــات ولكنــه يشــير‬
‫أن ح ّمامين منها كانا ال يزاالن يحتفظان بشكلهما األصلي ويُستعمالن بصورة اعتيادية عندما ألّف كتابه‪ .‬كان أحــد الح ّمــامين‬ ‫إلى ّ‬
‫في أبرشية سان خوان دي ال پالما (المبنى الذي أضافته الملكة اعتماد في عام ‪ ،1086‬انظر الصّفحة ‪ 217‬طبعة األصــل) وكــان‬
‫مبنيا ً كما تقول التّقاليد في ال ّشارع الذي ال يزال يس ّمى شارع القصور‪ .‬ويوجد الح ّمام اآلخر في أبرشــية ســان أل ِدفونســو‪ .‬وجــرى‬
‫تحويل الح ّمام الثّالث في زمن ثونيڠا إلى دير لراهبات رهبنة تدعى باسم يسوع‪ .‬كان هذا الح ّمــام في الح ّي المعــروف باســم ســان‬
‫شارع الذي بُني فيه ال يزال يحمــل اسـم «شـارع ح ّمامـات الملكــة المسـلمة» ‪694‬‬ ‫‪ calle de los‬ڤيسنتِه وإلى فترة قريبة كان ال ّ‬
‫وبالفعل حتى يومنا الحاضر‪ ،‬ومع أنه أعيد تسميته رسميا ً باسم شارع المركيز دي تابالنتيس‪ ،‬ال ‪baños de la reina mora.‬‬
‫كانت هناك ح ّمامات ملكية أخرى ‪ calle de los Baños.‬يزال يس ّميه عامة ال ّشعب‪ ،‬أغنياء كانوا ام فقراء‪ ،‬شارع الح ّمامات‬
‫‪.‬ولكن هذه الح ّمامات الثّالثة هي الوحيدة التي وردت تفاصيل عنها‪695‬‬
‫منح ألفونسو ح ّماما ً في سان سلڤادور إلى أبرشية إشبيلية‪ ،‬و ُذكر أنه منح ح ّماما ً آخر إلى كاتدارئية مقاطعة ريــانثويال‬
‫الســابق ملكــا ً لألمــير دون فادري ِكه ‪Rianzuela‬‬ ‫‪ Don‬الرّيفيــة مــع مرافــق متنوعــة والطّاحونــة «والــتي كــانت جميعهــا في ّ‬
‫‪.‬أحد أبناء الملك ألفونسو الحادي عشر‪Fadrique» 696‬‬
‫السـادس عشـر بعض هـذه الح ّمامـات ويقـول‪« :‬توجـد في‬ ‫يذكر ألونسو مورڠادو الذي ألّـف كتابـا ً في أواخـر القـرن ّ‬
‫الغرف الواسعة حيث يستح ّم النّاس أنابيب تجري فيها مياه ساخنة وباردة يســتعملها المســتح ّمون مــع مــرهم يُعطى لهم لالنتعــاش‬
‫الن هــذه العــادة ســائدة هنــاك منــذ‬‫وتنظيف أبدانهم‪ ،‬وليس من المستغرب في إشبيلية أن تذهب سيدات إلى الح ّمام بصورة علنيّة‪ّ ،‬‬
‫‪.‬األزل»‪697‬‬
‫يقيم مجلس المدينةـ في كل صيف على ضفتي النّهر ح ّمامات عا ّمة الســتعمال الفقــراء‪ ،‬ويحـ ّدد أوقــات اســتعمالها من‬
‫السـادس عشـر‪ .‬تقـول‬ ‫قبل ال ّرجال والنّساء على التّوالي‪ ،‬كما كان يُتّبــع في الح ّمامــات العامـة الــتي وصـفها مورڠــادو في القـرن ّ‬
‫إن تاريخ إنشاء هذه الح ّمامات يعود إلى زمن غابر‪ ،‬وبالتّأكيـد لم تُبنَ ح ّمامـات منـذ محـاكم التفـتيش وال‬
‫ّ‬ ‫ال ّروايات المتناقلة تقليديا ً ّ‬
‫‪.‬نشعر بأي تر ّدد في التّأكيد بأنها إرث من عهد الحكم اإلسالمي‬
‫نأمل في المستقبل أن نشير إلى النّظافة البدنية التي تميّز بها سكان األندلس‪ ،‬وما يثير ال ّدهشة فعالً استمرار الحــرص‬
‫ش خصية طوال قرون طويلة رغم معارضة الكنيسة واالضطهاد الذي مارسته محاكم التّفتيش ضد المسلمين‪698‬‬ ‫‪.‬على النّظافة ال ّ‬
‫لم ينظّم سان فرناندو توزيع مياه ال ّشرب وحقوق الح ّمامات بدرجة دقيقة فحسب‪ ،‬بل إنه تبنى األنظمة اإلسالميّة فيمــا‬
‫يخصّ تنظيف أو جرف قاع نهر الوادي الكبير وغيره من جداول المياه‪ ،‬وش ّدد على ذلك في حال ق ّرر المسيحيون اســتخدام هــذه‬
‫األنهر للتّجارة‪ .‬فرضت ضريبة على المراكب «التي تقوم من إشبيلية برحالت بحرية من وإلى قُرطُبة» كمــا ورد ذكــر الرّســوم‬
‫الملكية المفروضة على «التّحميل» المتو ّجبة على المراكب المبحرة عبر نهر وادي ل ّكه إلى شريش‪ .‬ومنذ قرون عديدة لبثت هذه‬
‫الممرات المائية القيّمة مغلقة أمام الجميع باستثناء زوارق التّجذيف‪ ،‬وذلك بسبب تراكم الطّمي في مجاريها نتيجــة اإلهمــال‪ .‬وفي‬
‫عهد الحكم اإلسالمي كان يتم تأجير الطّواحين العاملة بالمياه المقامة في أعلى مجرى النّهر فوق إشــبيلية بشــرط إكــراء الجــداول‬
‫شرط عينه‪699‬‬ ‫‪.‬المائية التي تز ّو د المطاحن بالمياه؛ ومنح الملوك المسيحيون األوائل عقود أيجار تخضع لهذا ال ّ‬
‫أن سان فرناندو هدف من خالل كافــة القــوانين الــتي أصــدرها إلى أن يقســط بالعــدل بين كافــة رعايــاه بصــورة‬ ‫يبدو ّ‬
‫ونصـت هــذه القــوانين على وجــوب أن‬ ‫ّ‬ ‫ألن المسلمين كانوا ُمعفين من دفع ضرائب معيّنة‪،‬‬ ‫متساوية من دون التّمييز لجهة ال ّدين‪،‬ـ ّ‬
‫‪.‬يدفع المسلمون فقط ما كانوا يدفعونه إلى «أمير المؤمنين»ـ قبل االستسالم‬
‫الشـروط الـتي وضـعها والـده «النّبيـل األكـرم‪ ،‬صـاحب‬ ‫وكان الملك ألفونسو العاشر‪ ،‬عند تجديد امتيازات عقد يعيـدـ ّ‬
‫الحضرة السّامية‪ ،‬والمقام األشرف‪ ،‬الذي أغدق هللا عليه بالنّعم‪ ،‬الملك دون فرناندو» ويفرض على كل المعنيينـ باألمر المحافظة‬
‫‪:‬على القانون‬
‫وال يدعوا أيّا ً كان أن يتجاسر على أن يمسّ امتيازاتي هذه أو ينتهكـ شروطها أو يقلّل من شأنها بأيّة طريقــة كــانت‪«.‬‬
‫فمن يأتي أو يرغب في أن يأتي بمثل هذا الفعل سوف يح ّل عليه غضب هللا ج ّل جالله وسوف ينزل مع يهوذا الخائن إلى الــ َّد َرك‬
‫األسفل من الجحيم‪ ،‬وإلى ذلك سوف يح ّل عليه غضبي‪ ،‬ويدفع لي غرامة ألف ليرة ذهبا ً ويــدفع لهم [للمتضـرّرين] ضــعفي قيمــة‬
‫وألن حقــوقي هــذه ينبغي أن تبقى أكــثر حزمـا ً وإلزامـا ً‬ ‫ّ‬ ‫األضرار التي لحقت بهم‪ ،‬ونظراً ألني صاحب االمتياز في منحتي هــذه‪،‬‬
‫الذهبي»‪700‬‬ ‫‪.‬وقائمة إلى األبد‪ ،‬بنا ًء عليه آمر بأن يُختم مستند المنحة بختمي ّ‬
‫ثم يوقّع الملك المستندـ ويطلب من ثالثة أمراء من ذوي النّسب الملكي‪ ،‬وثالثة رؤساء كهنــة وثالثــة ملــوك مســلمين‪،‬‬
‫واثنينـ من الڤيكونتات الفرنسيين وعشرين أسقفا ً منتخبين‪،‬ـ والسّادة العظام لرتبتينـ عسكريتين وخمسة وثالثين فارسا ً وثريّـا ً نــبيالً‬
‫‪.‬من أرفع ال ّشخصيات في ال ّدولة أن يوقّعوا كشهود على المستند‬
‫أن منزلــة المســلمين المنهــزمين من أرض إشــبيلية كــانت محفوظــة مثلهم مثــل مواطــنيهم‬ ‫وهكــذا‪ ،‬كــان واضــحا ً ّ‬
‫المسيحيين‪ ،‬طالما كان سان فرناندو والملك الحكيم ألفونسو يقسطان بالعدل بينهم‪ .‬فلو واظب خلفاؤهمــا على التّعامــل بهــذا القــدر‬
‫من السّخاء والحنكة السّياسية في تــدبير شـؤون ال ّدولــة مــع هــؤالء القـادمينـ على البالد من أقــوام غريبــة‪ ،‬لكـان من المحتمــل أن‬
‫‪.‬تحتفظ إسپانيا طوال هذه القرون بمكانتها التي شغلتها حينها بوصفها أعظم دولة متن ّورة واألكثر ازدهاراً في أوروپا‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الفصل الثّاني والعشرون‬
‫مصر والكنيسة في إشبيلية‬
‫تابعنا في الفصل السّابع تـأثير األقبـاط على الفنــون والحـرف في إشــبيلية‪ ،‬وســنتناول في هـذا الفصـل بعض األمـور‬
‫المتعلّقة بعقيدة خاصة بالكنيسة الكاثوليكية التي تطبع وتتّصل بصورة وثيقــة بالحيــاة اليوميــة لســكان إشــبيلية‪ ،‬والــتي‪ ،‬ونأمــل أن‬
‫الحبَــل‬‫نكون على صواب‪ ،‬تحمل معالم معيّنة يمكن إرجاع أصولها بصورة مباشرة بنحو أو آخر‪ ،‬إلى التّأثير القبطي‪ .‬إنها عقيدة َ‬
‫‪.‬بال َدنَس للعذراء مريم مع رمزها الملفت الطّاغي في الفن المحلّي المتعلّق بصناعة «شارات النّبالة» للعذراء مريم‬
‫‪:‬يقول السّيد تشامبرلين في كتابه «أسس القرن التّاسع عشر» ما يلي‬
‫بأن هللا عندما تجسَّد بشراً ُولد من عــذراء‪ ،‬ولكن عبــادة «والــدة اإللــه»‪ 701‬نُقلت من«‬
‫إنها فكرة قديمة تلك التي تقول ّ‬
‫صلة العضوية المباشرة بين عبادة المسيحيين لـ «والدة اإلله»‬ ‫مصر‪ ....‬ال يوجد في تاريخ العقائد األسطورية إثبات أوضح من ال ّ‬
‫وعبادة إيزيس‪ .‬ففي األزمان السّابقة تقيّد ال ّدين السّائد في زمن الفوضى الذي استوطن في مصر بدرجة متزايدة بعبادة «ابن هللا»‬
‫في هــذا الموضــوع يقــول‪« :‬تــرك هــذا ‪ - Flinders Petrie‬حورس وأمه إيزيس‪ .‬كتب عالم المصريات ال ّشهير فلِ ْندرز پِــتري‬
‫التّقليد ال ّديني تأثيراً عميقا ً على تطور ال ّدين المسيحي‪ .‬حـتى أنـه يمكننــا أن نقـول بأنـه لــو لم توجـد مصـر لكـان من غــير الممكن‬
‫ظهور مادونّا (السيدة العذراء)‪ .‬ملكت إيزيس سلطة عظيمة على الرّومان إبّان حكم األباطرة األوائل‪ .‬كانت عبادة إيـزيس ســائدة‬
‫ومنتشرة‪ ،‬وعندما َوجدت لها مكانا ً في الحركة العظيمة األخرى للجليليّين‪،‬ـ حيث كان يمكن لروح العصر والقناعــة األخالقيــة أن‬
‫يسيرا جنبا ً إلى جنب‪ ،‬عندها بات انتصارها أكيداً وأصبحت بوصــفها «والــدة اإللــه» ال ّشخصــية المســيطرة في إيطاليــا منــذ ذلــك‬
‫‪.‬الحين»‪702‬‬
‫تجسـد المســيح‪ ،‬وكلّفهم هــذا اإلنكــار عقــوداً من االضــطهاد من جــانب الكنيســة‬
‫أنكر األقباط العقيدة األرثوذكسية في ّ‬
‫البيزنطية‪ ،‬ألنه بالنّظر إلى الطّبيعة ال ّروحانية للمصريين‪ ،‬كان إسباغ صفات بشرية ضــعيفة على اإللــه يمثــل احتقــارا لأللوهيــة‪.‬‬
‫ً‬
‫الشـارقة وابن اإللــه أوزيــريس كلّي القــدرة‪ ،‬شــمس منتصــف النّهــار‬ ‫كان «ابن هللا»‪ 703‬بالنّسبة إليهم هو حورس ورمزه ال ّشمس ّ‬
‫ومصدر كل حياة؛ وإيزيس األم األزليّة الـتي سـكب فيهـا خيم‪ ،‬الـرّوح القـدس‪ ،‬سـائل أوزيـريس اإللهي لكي تخلـق حيـاة جديـدة‪.‬‬
‫تمحورت كامل ال ّرمزية المصرية‪ ،‬مهما اختلفت األسماء المعبِّرة عنها‪ ،‬حول هذه ال ّشخصيات األربع الــتي كــان كــل واحــد منهــا‬
‫السـهل أن يقبــل المصــريون العقيــدة‬ ‫مستقالً بالكامل في عمله ولكنه يش ّكل جـزءاً ال يتجــزأ من الثّالث اآلخــرى‪ .‬وهكــذا كـان من ّ‬
‫المسيحية المتمحورة حول فكرة «الثّالوث» و«والــدة اإللــه» ّ‬
‫ألن األمــر لم يتعـ َّد بالنّســبة لهم أكــثر من إطالق أســماء جديــدة على‬
‫‪.‬آلهتهم‪ .‬ثم برز االنقسام حول طبيعة المسيح‪ ،‬وكما يقول ڠيبون‪ :‬لقد ح ّول االضطهاد طائفة إلى أُ َّمة‬
‫الصـلب لــدى األقبــاط مثــل‬‫لم يص ّور األقباط مطلقا ً المسيح الميت؛ وكما يقول ال ّدكتور بَتلر كان الحديث عن صــورة ّ‬
‫«الصـور المنقوشــة»‬ ‫ّ‬ ‫أن األقباط التزموا بدقّة بعقيــدة تحــريم‬
‫الحديث عن شيء لم يُعثر عليه أبداً‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬ال يمكن إثبات ّ‬
‫نظراً لوجود صور طيور وحيوانـات وأشـخاص منقوشـة على العديــد من شـواهد القبــور القبطيـة وعلى ألـواح خشـب األرز في‬
‫الكنيسة المعلّقة في القاهرة (محفوظة اآلن في المتحف البريطاني)‪ ،‬وتصاميم ال حصر لهــا تمثــل رجــاالً ونســا ًء وحيوانــات على‬
‫‪.‬أقمشة محاكة ومطرّزة عُثر عليها في مقابر األقباط‬
‫صيّة واحدة تثـير ال ّدهشـة وجـدت في كافـة أعمـال الفن المرتبـط بعقيـدة الطّبيعـة الواحـدة للمسـيح‪.‬‬ ‫تجدر مالحظة خا ّ‬
‫ّ‬
‫صية بدائية في مراحل وجودها المبكر‪ ،‬فقد مثلت بدرجة ال تتغيّر فكرة السّعادة والرّضا وليس فكرة العذاب‬ ‫ومهما كانت هذه الخا ّ‬
‫والحزن على اإلطالق‪ .‬لقد تع ّمد القبطي أن يغضّ البصر عن كل ما يوحي بالعذاب في العقيدة المســيحية ور ّكــز تفكــيره على مــا‬
‫‪.‬هو جميل وإلهي‬
‫صور واللوحات الــتي تفيــد الرّوايــات‬ ‫نادرة للغاية هي الصّور والرّسوم التي تُظهر المسيح بشراً من بين العديدـ من ال ّ‬
‫المتناقلة وكذلك األسلوب الفني أننا يمكن أن نعزوها إلى المسيحيين الذين حافظوا على دينهم في إشبيلية قبل أن يســتعيدها الملــك‬
‫الذهاب إلى شمال إسپانيا للعثور على صلبا ٍن ورسوم زيتية أو منحوتات من القرون الوسطى تمثّل المسيح‬ ‫المسيحي‪ .‬يتعيّن علينا ّ‬
‫الميت‪ .‬وما تبقى من األعمال الفنيـة المبكــرة في إشــبيلية (وهي على نـدرتها‪ ،‬أكــبر عـدداً ممــا يعتقـد عمومـاً) يمثــل األم والطّفـل‬
‫وحيدين؛ـ فهناك حرص شديد على تجنّب أي تلميح إلى العذاب أو الحزن‪ ،‬وتغيب تماما ً مثل هذه التّلميحات من التّماثيل التي عُثر‬
‫‪.‬عليها في الكنائس واألديرة القبطية التي يرجع تاريخ إنشائها إلى القرن الثّالث امتداداً حتى نهاية القرن الثّالث عشر‬
‫أوردنا في السّابق قصّة ال ّرؤية األسطورية العجائبية لسان فرناندو للّوحة الجدارية التي عرفت باسم «عــذراء دي ال‬
‫أنتيڠوا» أي القديمة‪ .‬وتوجد كذلك صور أخرى قديمة العهــد في إشــبيلية نأمــل مناقشــتها والتّحـ ّدث عنهــا بشــكل شــامل في كتــاب‬
‫الحق‪ .‬أ ّما بالنّسبة للكتاب الحالي فال يسعنا القول سوى إنه على ال ّرغم من تكرار إعادة طالء لوحــة عــذراء أنــتيڠوا بحيث فقــدت‬
‫الكثير من سماتها األصلية‪ ،‬تحمل صورة أخرى للعذراء تعرف باسم عذراء دل كورال ال شك أنها رُســمت قبـل مـ ّدة ال تقـ ّل عن‬
‫مئة عام من رسم صورة عذراء أنتيڠوا‪ ،‬بصمة مصرية من دون شك‪ .‬فالعينان مصريتان وغطاء الـرّأس مصـري والفم هـو الفم‬
‫ي شــخص حــاول أن يرســم خطــوط ّ‬
‫الشـفاه‬ ‫الذي يمكن للمرء أن يالحظه لدى النّساء القبطيات في يومنا الحاضر ‪ -‬فم ال يمكن أل ّ‬
‫ّ‬
‫صورة التي هي أكبر بكثير من الواقع ووضعية الطفل الملتصق بقــوة‬ ‫ّ‬
‫فيظن أنه فم يوناني أو التيني‪ .‬طول ال ّ‬ ‫المكتنزة أن يخطىء‬
‫ي شــىء األقمشــة اليونانيــة‪ .‬تطغى‬ ‫بصدر والدته قد يذ ّكران بخصائص الفن البيزنطي‪ ،‬ولكن األقمشة كغطــاء الـرّأس ال تشــبه بــأ ّ‬
‫‪.‬روح مصر القديمة على لوحة عذراء دل كورال كما تش ّع األمومة األبديةـ إليزيس من تلك العينينـ البيضاويتين المصريتين‬
‫إن العثور على لوحة عذراء دل كورال (التي يستحيل الحصول على نسخة منها) في كنيسة قيــل إنــه تم تحويلهـا إلى‬ ‫ّ‬
‫الص ـور المماثلــة‪،‬‬‫جامع قبل وقت غير طويل من استرداد إشبيلية‪ ،‬يُع ّد حدثا ً «عجائبياً»‪ .‬تتشابه الرّوايات التّقليدية المتعلقة بكافــة ّ‬
‫صور التي قيل إنه عُثر عليها خالل القرنين الثّالث عشر وال ّرابع عشر إشارت تد ّل إلى تاريخ أبكر من تاريخ إعادة‬ ‫وتحمل كل ال ّ‬
‫ُ‬
‫صور القبطية ‪ -‬القوطيّــة للعــذراء‬ ‫ّ‬
‫ي شك حول هذه النقطة‪ ،‬فإنه سرعان ما يزول عند مقارنة ال ّ‬ ‫فتح إشبيلية‪ .‬وفي حال كان هناك أ ّ‬
‫‪.‬مع صورتين ق ّدمهما سان فرناندو إلى كاتدرائية إشبيلية بين عامي ‪ 1248‬و‪ 1254‬وال يمكن التّشكيك في أصالتهما‬
‫يش ّكل رسم العينين مزيّة أخرى مه ّمة يصعب أن تفشل في إقنــاع المشـاهد باألصـل المصــري لهــذه المدرسـة الفنّيـة‪.‬‬
‫وسواء أكان ال ّرسم على الخشب أو الحجر أو بال ّزيت أو التّطريز‪ ،‬فقد رسمت العينان كاملتين من الجهة األمامية أيـا ً كــان وضــع‬
‫الرّأس‪ .‬وال يمكن فعليا ً قبل القرن الثّالث عشر رؤية عينين مرسومتين بشكل جانبي‪ ،‬ونالحظ بالتّأكيد هذا التّذكير بمصر القديمــة‬
‫على حجر ضريح قديم نُحت بشكل نافر قليالً ثم طُلي عثر عليــه في إقليم َس َرقُســطة الــتي كــانت معقالً للعــرب اليمــانيينـ والقــوط‬
‫ر أس أن تاريخ نحت هذا الحجر ال يعود إلى ما قبل الفتح اإلسالمي‪704‬‬ ‫‪.‬لقرون عديدة‪ .‬وتظهر استدارة غطاء ال ّ‬
‫لو استم ّرت الكنيسة القُوطيّة في إشبيلية تمارس شعائرها دون انقطاع في وقت أبكر‪ ،‬لكان من غير الممكن الشك في‬
‫ّ‬
‫مصدر هذه اللوحات‪ .‬والخالف المرير الذي استم ّر خالل الثّالثين أو األربعين سنة الماضية بين «المــدجّنين» و«التّقليــديين» في‬
‫للقصـة الحقيقيـة للفتح اإلسـالمي‪ .‬كـان لـدى التّقليـديين كامـل الحـق في‬ ‫ّ‬ ‫إشبيلية حول هـذه النّقطـة نتج من جهـل الفـريقين كليهمـا‬
‫ً‬
‫صور على أنها تعود إلى الكنيسة القُوطيّة في إشبيلية في حين كــان المــدجّنون على حــق تمامـا وبصــورة متســاوية في‬ ‫تصنيف ال ّ‬
‫‪.‬تأكيد أنه من غير الممكن على اإلطالق عزو مثل هذا العمل إلى الكنيسة القُوطيّة في القرن السّابع‪705‬‬
‫ال يوجد في أي مكان آخر في إسپانيا مثل هذا العدد من صور العذراء المرسـومة أو المنحوتـة من القـرون الوسـطى‬
‫كما هي الحال في إشبيلية‪ ،‬بالمقارنة مع العددـ اإلجمالي لصور كافة القديسين اآلخرين‪ .‬لكن مهما اختلــف الخــبراء في الفن حــول‬
‫فإن واقع أنها ســبب كــل هــذا الجــدال يثبت إلى حـ ّد بعيــد أنهــا ال تعــود إلى تــاريخ حــرب‬ ‫مرجعية هذه الرّسوم ال ّزيتية والتّماثيل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االسترداد أو ما بعده كما يؤكد المدجّنون‪ .‬وال يوجد بالطبع أي وزن ولو حتى صغير لما يقوله التقليديون بــأن تــاريخ صــنع مثــل‬
‫هذا العدد الكبير والملحوظ من صور العذراء‪ ،‬التي يتض ّرع إليها سكان إشبيلية بتقوى فوق العادة م ّر دون أن يسجّل في أرشــيف‬
‫المدينةـ وأرشيفات الكنائس لو أنها لم تكن موجودة قبل تاريخ االسترداد‪ .‬وم ّما يجدر ذكره هو أن تاريخ أقــدم رسـم زيــتي إشــبيلي‬
‫معروف للمسيح المصلوب يعـود إلى القـرن الرّابـع عشـر‪ ،‬وهنـاك رسـم وحيــد يعــود إلى ذلــك التّـاريخ وهـو موجـود في كتـاب‬
‫‪.‬الصّلوات العائد لمجلس الكاتدرائية‪706‬‬
‫ظ ّل سان فرناندو متعبّداً متح ّمسا ً للعذراء طوال حياته وكما يخبرنا ابنه في إحــدى األناشــيد (كانتيڠــاس) الــتي كتبهــا‪،‬‬
‫وضع سان فرناندو صورة العذراء في المسجد وفــوق بوّابــة كــل مدينـةـ اســتولى عليهــا من المســلمين ‪ .707‬كــانت كنيســة إشــبيلية‬
‫‪» (La tierra de Maria‬متفوّقة دائما ً في عبادتها‪ .‬وس ّميت المنطقة المحتلة حديثا ً وال تزال تعرف باسم «أرض األم المباركة‬
‫وأصبح «ال ّس ّر العذب لل َحبَل بالد نس» أو كما يسميه عامة النّاس «ال ّسرّ»‪ ،‬موضوع عبادة متّقدة لدرجــة أنّــه دفــع )‪santisima‬‬
‫الذات‪ .‬وهكذا في عــام ‪ ،1618‬عــرض زنجيــان يــدعيان دومينڠـوـ‬ ‫في سنوات الحقة أناسا ً للقيام بأعمال غريبة تعبيراً عن نُكران ّ‬
‫دي مولينا وپِدرو دي مورينو على التّوالي وآخر مجهول االسم في عام ‪ 1653‬بيع نفسبهما في المزاد العلني بغيــة تســديدـ رســوم‬
‫الصـعوبة بمكــان تصـوّر تضــحية أكمــل من‬ ‫إقامة القداديس خالل احتفاالت ال َحبَل بال دنس‪ .‬وأيِّا ً يكن الحكم على هذا الـ ّدافع فمن ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬التضحية بالذات على مذبح العقيدة‪708‬‬ ‫ّ‬
‫كانت االحتفاالت بعيدـ ال َحبَل بال دنس دائما ً األكــثر شــعبية بين االحتفـاالت ال ّدينيـةـ المتعـ ّددةـ الــتي تقيمهـا الكنيســة في‬
‫«السـرّ»‪ .‬كــانت إشــبيلية أول مدينـةـ تطلب من البابــا أن يعلن‬ ‫ّ‬ ‫إشبيلية‪ .‬وال توجد أيّة كنيسة في المدينة ال تحتوي على مذبح يم ّجــد‬
‫عقيدة ال َحبَل بال دنس‪ ،‬واشتركت بحماس في الجدل المط ّول الذي قام بين الفرنسيسكان الذين يؤكدون الــوالدة العجائبيــة للعــذراء‬
‫ـأن اإلعالن النّهــائي الــذي‬ ‫نفسها وبين ال ّدومينيكان الذين ينكرون ذلك؛ وذلك بدرجة دفعت مؤرّخي كنيسة إشــبيلية إلى اال ّدعــاء بـ ّ‬
‫أصدره البابا صدر بسبب إصـرار هـذه المدينـة‪ .‬وفي عـام ‪ 1613‬ألقى كـاهن دوميـنيكي في إشـبيلية عظـة يطعن فيهـا باالعتقـاد‬
‫ال ّشعبي م ّما اثار الغضب ال ّشديد لدى كل سكان المدينةـ الذين قاموا بمظاهرات ترأسها كاهن فرنسيسكاني يرفــع الرّايــة المعروفــة‬
‫باسم «بال دنس»‪ .709‬كانت المظاهرات تنطلق كل يــوم وتضـ ّم آالف األشـخاص‪ ،‬وكـان هـدفهم طلب الغفـران من العــذراء على‬
‫‪«».‬اإلهانات» التي ُو ّجهت إليها من قبل أولئك الذين يرفضون اإليمان بعقيدة «ال ّس ّر‬
‫للعذراء عن اإلهانات الـتي ُوجّهت إليهـا تحصـل من وقت آلخـر‪ .‬وقبـل ‪ desagravio‬ال زالت تضحيات التّعويض‬
‫فترة غير بعيدة في مارس ‪ ،1911‬نُظّمت مسيرات عبر كافّة البالد لمتعبّدي العذراء هي بمثابــة عمليــات احتجــاج على عبــارات‬
‫غير موقّرة تلفظها نائب في البرلمان في هجومه على الرّهبانيات ال ّدينية‪ُ .‬ح ِملت صورة العذراء بالحجم الكامل التي وهبهــا ســان‬
‫الصـغيرة إلى المــذبح العــالي‪ ،‬وســط‬ ‫فرناندو إلى الكاتدرائية والمعروفة باسم عذراء الملوك في موكب سار من الكنيســة الملكيــة ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬صلوات حشد كبير من الرّجال والنساء من كافة طبقات المجتمع‬
‫في عام ‪ 1615‬كتب رجل من إشـبيلية يـدعى ميڠيـل ِدل سـيد أبياتـا ً لحّنهـا كـاهن يـدعى برنـاردو ِدل تـورو لقصـيدة‬
‫ّ‬
‫‪:‬الزمتها كالتالي‬
‫‪:‬فليهتف العالم كله عاليا ً«‬
‫أيتها الملكة المختارة‬
‫‪».‬لقد حُبل بك دون خطيئة أصلية‬
‫‪"Todo el mundo en general,‬‬
‫‪‘A voces Reina escogida‬‬
‫‪Diga que sois concebida‬‬
‫" ’‪Sin pecado original.‬‬
‫لقيت التّرتيلة وعلى وجه الخصوص الزمتها شعبيّة هائلة فور صدورها في إشــبيلية‪ ،‬ولم تــتراجع هــذه ّ‬
‫الشـعبية منــذ‬
‫أن األجواء التي ســادت وقت انتشــار القصــيدة لم تعش طــويالً في ذاكــرة النّــاس‪ ،‬إذ‬ ‫ذلك التّاريخ وحتى يومنا الحاضر‪ .‬لكن يبدو ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جرى تكييف الالزمة مع عددـ ال يحصى من التراتيل المختلفة المق ّدمة للعذراء خالل السّنوات الثالثمئة التي اســتم ّر أداء الترتيلــة‬
‫أن المواهب ال ّشعرية للمؤلف المحترم ميڠيل لم تكن متكافئة مع تقواه‬ ‫‪.‬بها‪ .‬ويمكن أن نالحظ ّ‬
‫كانت قد جرت العادة في ذلك الوقت في إشبيلية أن يضــع مناصــرو الــوالدة العجائبيــة للعــذراء الحــرفين األوّلين من‬
‫على واجهات منازلهم وتم تبنّ ي هذين الحرفين كشعار للحزب الفرنسيسكاني في الجدل القائم‪ ،‬وأُدخل في كافة ‪ A.M‬اسمها‪710‬‬
‫أنواع التّصاميم الفنية في القرنين السّادس عشر والسّابع عشر بدرجة أنه يؤ ّرخ بالفعل لتطوّرات معيّنة‪ ،‬وعلى وجــه الخصــوص‬
‫‪.‬فيما نس ّميه اآلن «شغل اإلبرة» (التّطريز) وصناعة الخزف‬
‫وأصبح الح ّراس الليليون في إشبيلية الذين كانوا يعلنون حتى وقت قــريب ســاعات الليــل يستشــهدون بمــريم العــذراء‬
‫‪:‬التي حُبل بها بال دنس بالصّياح‬
‫"‪"Ave Maria Purisima, la una ha dado y sereno‬‬
‫الصـياح اســتم ّد الحـرّاس«‬‫السّالم عليك يا مريم يا أطهر النّساء‪ .‬لقد دقّت السّاعة الواحــدة والليلــة هادئــة»‪ .‬ومن هــذا ّ‬
‫ّ‬
‫‪» Sereno.‬الليليون لقبهم الشعبي «سيرينو‬
‫الحبَل بال دنس في صلواته ويقول «مبــارك ال َحبَــل بال دنس بمــريم‬ ‫يتم تعليم كل طفل حالما يبدأ بالكالم بأن يذكر س ّر َ‬
‫وتحمل الغالبية العظمى من نساء ‪» Bendita sea la immaculada Concepcion de la Virgen Maria.‬العذراء‬
‫إشبيلية أسماء تدل على إحدى صفات مريم العذراء‪ ،‬مثل مرسيدس (مريم الرّحمة)‪ ،‬ودولوريس (مــريم اآلالم)‪ ،‬وأمپــارو (مــريم‬
‫المغيثة)‪ ،‬وروزاريو (مريم الورديّة‪ ،‬السُّبحة) وپيالر (مريم الوطيدة) وهكذا‪ .‬وربما كان األكثر إثارة للفضول من بين العديد من‬
‫التّقاليد المحلّية النّابعة من عبارة «ال ّسرّ» هو التّشفّع بطهارة مريم عند تبديل المالبس ال ّداخلية‪ .‬ويقوم بذلك الرّجال والنّساء حيث‬
‫‪.‬كان ارتداء مالبس داخلية نظيفة يرمز إلى البياض الصّافي للرّوح المستغرقة في تأ ّمل والدة مريم بال خطيئة أصليّة‬
‫يفوق في إشبيلية عدد المذابح المقامة في الكنائس تكريما ً للعذراء مريم ما هو موجــود في أيّــة مدينـةـ أخــرى في مثــل‬
‫حجمها‪ .‬ويحمل ما بين ثالثين وأربعين كاهنا ً صور العذراء خالل األسبوع المق ّدس ويطوفون بها في مواكب حاشـدة‪ ،‬بينمـا يبقى‬
‫‪.‬عدد كبير من صور العذراء ثابتا ً داخل الكنائس الصّغيرة المك ّرسة لعبادتها في كنائس األبرشيات وكنائس األديرة‬
‫‪.‬ونلفت االنتباه اآلن إلى الخاصّية المميّزة في التّاريخ الفني لهذه العقيدة اإلشبيلية التي تبدو وثيقة الصّلة بمصر‬
‫منذ البدايات األولى للمسيحية‪ ،‬نجد هنا التّصميم المعروف باسم «شعار نبالة العذراء» الــذي يظهــر على شــكل جـرّة‬
‫أو إناء تبرز منه نبتة تحمل زهرة موضوعة بصورة متناسقة على الجــانبين كليهمــا‪ .‬في منــاطق أخــرى‪ ،‬في الفن اإليطـالي على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬يمسك المالك جبرائيــل بال ّزنبقــة أو توضــع هـذه ال ّزنبقــة في إنــاء بجـانب مـريم‪ .‬لقـد تم التّعامــل مـع ذلـك باعتبــاره‬
‫‪.‬وببساطة تعبيراً شاعريا ً عن طهارة العذراء التي ب ّشرها المالك بوالدة المخلّص [يسوع]‬
‫ولكن في إشبيلية تعبّر هذه ال ّرمزية عن طهارة الحمل بالعذراء نفسها‪ ،‬وتأكيداً لذلك يوجد في كنيسة دير ســانتا كالرا‬
‫نقش قليل البروز يش ّكل جزءاً من اللوحة التي تزيّن المذبحـ العالي وفيها رسم القديسة حنّة (آنّا) والقديس يواكيم ‪ 711‬وقد انبثق من‬
‫صدر كل منهما ساق نبتة يتحد طرفاهما على شكل زهرة تشبه زنبقة الماء وبــداخلها تجلس العــذراء مــريم‪ .‬ولقــد جــدنا تصــميما ً‬
‫‪.‬مشابها ً في أكثر من كنيسة في المناطق الرّيفية من والية إشبيلية‬
‫‪ Jarra،‬نعثر باستمرار منذ فترة حكم فرناندو وإيزابيل‪ 712‬وما بعدها على التّصــميم المعــروف باســم جــرّة العــذراء‬
‫لكن تاريخ هذا التّصميم يعود إلى وقت أبكر‪ ،‬ويؤكد ذلك واقع أنه بحلول نهاية القرن الخامس عشر بــاتت األزهــار تشـ ّكل رمــزاً‬
‫بـأن تـاريخ الرّمـز يعـود إلى فـترة أقـدم‬ ‫أن هناك إثباتـا ً تاريخيـا ً يؤكـد ّ‬
‫ي نوع نباتي معروف‪ .‬كما ّ‬ ‫عرفيا ً لدرجة أنها لم تعد تشبه أ ّ‬
‫بكثير من فترة حكم فرناندو وإيزابيل‪ .‬تذكر كتب التّاريخ أنه في عام ‪ 1403‬انشأ فرناندو ملك أنتقيرة الذي أصبح فيمــا بعــد ملــك‬
‫آراغون رتبة من الفرسان تكريما ً لعذراء دي ال أنتيڠوا من مدينةـ إشبيلية عُرف فيما بعــد باســم أخويــة جـرّة السّوســن أو اال ّزنبق‬
‫وتبنّى رهبان إشبيلية شعار األخوية تكريما ً لصورة عذراء ‪La Orden de la Jarra de Azucenas or de los Lirios‬‬
‫‪.‬أنتيڠوا‪713‬‬
‫تُشاهد جرّة ال ّزنابق في أمكنة عديــدة من كاتدرائيــة إشــبيلية؛ في رســوم نــافرة كبــيرة في األرضــية الرّخاميــة لجنــاح‬
‫دي الس( »الكنيسـة مباشـرة أسـفل المـذبح العـالي‪ ،‬وفي صـورة مصـنوعة من الحديـد المطـاوع فـوق بوابـة كنيسـة «العـذارى‬
‫السـادس عشـر ومنحت األمـوال لتخصــيص بائنـات (مهـور) إلى الفتيـات )‪ doncellas‬دونثيّــاس‬ ‫الـتي بُــنيت في أوائـل القــرن ّ‬
‫الفقيرات‪ .‬يوجد فوق هذه البوابة صورة مصنوعة من الحديدـ تمثّل البشــارة مــع جــرّة ال ّزنــابق بين المالك والعــذراء‪ .‬كمــا تظهــر‬
‫الج ّرة بشكل أو بآخر على كافة المشغوالت المخرّمة الجميلة التي تزيّن األثواب الكهنوتية العائدة إلى القرن السّابع عشر‪ ،‬والــتي‬
‫‪.‬كانت تستعمل في الكاتدرائية خالل االحتفاالت ال ّدينية الكبيرة‬
‫لماذا تُعاد هذه ال ّرمزية في إشبيلية إلى ال َحبَل بال دنس‪ ،‬بينما في أمكنة أخرى ت ّم إدخال ال ّزنابق فقط كتكملة رائعة في‬
‫الرّسوم التي تمثل البشارة؟‬
‫في مصر تسيطر زنبقة النّيل التي يس ّميها ال ّشعراء إن لم يكن علماء النّبات زهرة اللّوتُس‪ ،‬على كل أنواع ال ّزخارف‪.‬‬
‫ْ‬
‫إنهــا «كــانت منتشــرة بشــكل واســع بحيث اعتبرهــا البعض مصــدر كافــة ‪ Flinders Petrie‬يقــول الپروفســور فلِنــدرز پِــتري‬
‫ال ّزخارف»‪ .714‬كانت زهرة اللّوتُس (النّيلوفر) في مصر القديمة أحد رموز خيم‪ ،‬عنصر الحياة‪ ،‬الذي أخصب أوزيــريس العــالم‬
‫بواسطته‪ .‬لذلك كانت توضع زهرة اللّوتُس فــوق المــذابح المصـرية حيث ترتفــع بتالتهــا المســتدقة كمــا ترتفــع ألســنة اللهب نحــو‬
‫‪.‬المعبود؛ وهكذا‪ ،‬تم تبنّيها باعتبارها «مصباح المذبح» رمزاً للنّار األبدية التي يعيد أوزيريس تجديدـ العالم بواسطتها‪715‬‬
‫األرجح أن تبنّي اللّوتُس أو زنبقة المــاء كشــعار لــروح الخصــب كــان وراء االعتقــاد الــذي ســاد قــديما ً في األنــدلس‪،‬‬
‫والقائل بأن المرأة التي تأكل جذور ال ّزنبق تحمــل بصــورة عجائبيــة‪ .‬لــذلك تقــول التّقاليــد إنــه تم تبنّي ال ّزنبــق كرمــز لمــريم‪ ،‬األم‬
‫العذراء المولودة هي نفسها دون فعل بشري‪ .716‬ولكن كيف أمكن ظهور هذا التّقليد المصري األساسي حول ال ّزنبــق وخيم إن لم‬
‫يكن األقباط هم الذين جلبوا إلى هنا معتقداتهم المصرية القديمة تحت غشاء رقيق من األسماء المسيحية؟‬
‫ليس هذا المكان المناسب لشرح كيف تحوّلت اللّوتُس‪ ،‬مصباح المذبح لدى المصريين‪ ،‬بصــورة تدريجيــة في النّســيج‬
‫العرفي‪ ،‬إلى جرّة ال ّزنابق التي برزت في القرن الخامس عشر‪ ،‬ومن ثم إلى أشكال أزهار ال تشبه أيّة زهرة في الوجود‪ :‬نأمل أن‬
‫نوفّر في المستقبل تصاميم تبين هذا التّحوّل من اللّوتُس‪ ،‬التي تزيّن تــاج [الملكــة الفرعونيــة] نفــرت إلى الرّســوم الموجــودة على‬
‫المشغوالت الحرفية األندلسية في اليوم الحاضر‪ .‬ولكن بإمكاننا أن نذكر كمثال على االستمرارية المذهلة لهذا التّقليــد أننــا ســمعنا‬
‫قبل فترة وجيزة عن شكل من ال ّزهور يعود إلى القرن الثّامن عشر أطلق عليه نبيل إشبيلي اسم لوتُس‪ .‬أخبرنـا هـذا النّبيـل عنـدما‬
‫استفسرنا منه األمر أنه ليست لديه أيّة فكرة على اإلطالق حول السّبب الذي دفعه إلطالق ذلك االسم‪ .‬كانت ال ّزهرة مختلفة تماما ً‬
‫‪.‬لوتُس في نماذجه ال ّشرقية ‪ Fischbach‬عن أيّة زهرة حقيقية‪ ،‬ولكنّها بالتّأكيد شكل مع ّدل من ال ّزهرة التي س ّماها فيشباخ‬
‫أن شعار النّبالة للعذراء كرمز لوالدتها بال وصمة الخطيئة غريب عن هــذا الجــزء من‬ ‫وقد نكون مخطئين لو اعتقدنا ّ‬
‫أن‬ ‫إسپانيا‪ ،‬ألننا لم نتمكنـ من االطالع في إشبيلية على أعمال حول صنع األيقونـات والرّمـوز المسـيحية‪ .‬ولكننـا نفـترض بأمـان ّ‬
‫ي من المراجــع‬ ‫األصل المصري لتصميم الجرّة في أعمــال التّطريــز والنّســيج غــير معــترف بــه بصــورة عامــة‪ ،‬حيث ال يــأتي أ ّ‬
‫المقبولة التي تم ّكنا من الرجوع إليها على ذكره باعتباره من أصل مصري؛ في حين طُرح أصله للنّقاش‪ ،‬وهناك إقرار باعتبــاره‬
‫غير معروف‪ .‬والتّشابه القوي بين تصميم مشغوالت اإلبرة المخرمة لمدينةـ آنتڤيرپن البلجيكية [أنڤــير بالفرنسـيّة] الــتي اشــتهرت‬
‫منذ القرن السّابع عشر‪ ،‬بفرعي هذا التّصميم المتباعدين‪ ،‬وبين جـرّة العــذراء في القــرنين ‪» Potten Kant‬باسم «پوتن كانت‬
‫أن الفكـرة األولى دخلت إلى البالد الواطئـة‬ ‫والسـادس عشـر الـتي تتكـرّر في إشـبيلية‪ ،‬يبـدو دليالً واضـحا ً يؤ ّكـد ّ‬
‫ّ‬ ‫الخـامس عشـر‬
‫أن تصــميم «پــوتن كــانت» هــو‬ ‫أن بعض المراجــع اعتــبرت ّ‬ ‫(هولندا) عندما كانت تحت سيطرة إسپانيا‪ .‬تذكر اآلنسة شــارپ‪ّ 717‬‬
‫ي‬ ‫«امتدادـ لتصميم أبكر يشمل صورة العذراء والبشارة»‪ .‬ولكنها تضــيف بأنـه «ال يعـرف مـا إذا كـان قـد شـوهد على اإلطالق أ ّ‬
‫تركيب أكبر حجماً»‪ .‬إنه بالتّأكيد كما تقترحه اآلنسة شارب تصميم تقليدي يتعلق بالعــذراء ولكنــه يحتـ ّل في إشــبيلية موقعـا ً أكــثر‬
‫‪.‬أهمية بكثير كرمز لوالدة مريم العجائبية نفسها من كونه تصميما ً ثانويا ً في صور البشارة‬
‫الصـغيرة كنبــات بـرّي‬ ‫الصـفراء ّ‬ ‫ال تنتشر زنبقة النّيل على نطاق واسع في هذا الجزء من األندلس‪ .‬تنمو زنبقة الماء ّ‬
‫أن زنبقــة المــاء البيضــاء‬ ‫ولكن بصورة محدودة في نهر وادي ال ّرحى الذي يبعد مسافة ميلين أو ثالثة عن إشــبيلية‪ ،‬ولكننــا نعتقــد ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هذه ليست من نباتات المنطقة األصلية‪ ،‬كما أنها ال تزرع في أي من بساتينها‪ .‬لذلك ال يمكننا ان نعزو االستعمال التقليدي للزهرة‬
‫بـأن معناهـا األصـلي واضـح في أذهـان أولئـك الـذين ينسـخون‬ ‫في التّصاميم إلى أيّة تأثيرات محلّية‪ ،‬كمـا يجب عـدم االفـتراض ّ‬
‫ّ‬
‫أ ّما ل َم هي كذلك‪ ،‬فهم ‪ la flor).‬ال فلور( »الخطوط الخارجية الجميلة لشمعة المذبح المصريّة‪ .‬إنها بالنسبة لهم مجرد «الزهرة‬
‫ألن آبــاءهم وأمهــاتهم‬‫ال يسألون‪ .‬إنهم يستخدمون «ال ّزهرة» ‪ -‬الــتي هي اليــوم مجـرّد زهــرة بحكم العــادة ليس إال ‪ -‬في أعمــالهم ّ‬
‫فعلوا ذلك من قبلهم‪ .‬ويتمسّك فالحو األندلس بقوة بالتّقاليد التي يكنّون احتراما ً كبيراً لها‪ .‬وهم مثــل المصــريين في شـ ّدة تكــريمهم‬
‫‪.‬للموتى‬
‫يظن ق ّراؤنا‪ ،‬الذين يملك عدد قليل منهم أيّة معرفة وثيقــة بالتّصــميم التّقليــدي اإلشــبيلي‪ ،‬بأنّنــا ميّــاالن إلى التّركــيز‬
‫قد ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على فكرة اللوتُس أو زنبقة النيل؛ ولكن الذين شاهدوا مجموعتنا من نماذج تصاميم اللوتُس؛ «شجرة اللـوتُس»‪ ،‬ولـوتس «شـمعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المذبح»ـ التي تع ّد بالمئات من مختلف األشكال‪ ،‬سيندهشون كما دُهشــنا أمــام اســتمرار التّقليــد المــذهل‪ .‬فــاألمر ال يتعلّــق بتصــميم‬
‫إن «الزهــرة» تشـ ّكل ‪ %95‬من‬ ‫واحد بين أنماط عديدة من تصاميم األزهار‪ ،‬التّقليدية وغير التّقليدية؛ فمن غير المبالغ بــه القــول ّ‬
‫كافّة أنماط ال ّزهور المستخدمة في إقليم إشبيلية وولبة وقادس وفي إقليم الغرب‪ ،‬بغضّ النّظر عن المــادة الــتي اسـتخدمت للتعبــير‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫عن هذا التّصميم في األعمال الحديثة والقديمة على ح ّد سواء‪ .‬كانت دائما ً اللّوتُس المصرية في أنقى أشكالها وليس اليونانية على‬
‫اإلطالق‪ ،‬والحقيقة األغرب في هذا النّسخ المتواصل لهذا الرّمـز القـديم للحيـاة هي أننـا نجـده في أعمـال ‪ -‬كمثـل قطـع األثـاث ‪-‬‬
‫صُنعت قبل خمسين أو مئة سنة‪ ،‬مرسوما ً بطريقة ممتازة في خطوطه الخارجية ولكنّه مقلوبٌ رأسا ً على عقب‪ ،‬األمر الذي يثبت‬
‫أن تقليــداً يســتم ّر في الوجــود في‬ ‫أنه لم تكن لدى الفنان أيّة فكرة حول ما يمثّله ال ّشكل الذي صنعه بكل طيب خاطر‪ .‬نشك فيما لو ّ‬
‫ي بلد آخر على هذا النّحو‪ ،‬باستثناء مصر‪ ،‬حيث كما بدأنا حديثنا بالقول‪ ،‬تشكل زهرة اللّوتُس على مــا يبــدو أســاس كــل الفنــون‬ ‫أ ّ‬
‫‪.‬ال ّزخرفية تقريبا ً‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫الفصل الثّالث والعشرون‬
‫صناعات األندلس تحت الحكم اإلسالمي‬
‫نختم هذا الكتاب بتقديم قائمة بالمدن الكبيرة والصّغيرة التي استق ّر فيها اليمانيون والمصريون في القــرن الثّــامن ومــا‬
‫بعده‪ ،‬أو التي بقي فيها سكانها المسيحيون بموجب معاهدة أو حلف عقدوه مع المســلمين؛ وقــد أشـار الكتّــاب المســلمون إليهــا لمـا‬
‫‪.‬اشتهرت به من الحرف والصّناعات‪718‬‬
‫لم تــرد في حــاالت ع ـ ّدة أســماء القبائــل أو العــائالت‪ ،‬ولم يتم في كثــير من الحــاالت اإلشــارة إلى صــناعات بعينهــا‬
‫أن اليمــانيين‬‫مورســت في أمــاكن ثانويــة قطنهــا يمــانيون أو مولّــدون؛ لكن األبحــاث الالحقــة ســوف تعـ ّزز بالتّأكيــد األدلّــة على ّ‬
‫صنّاع والحرفيين والميكانيكيين الـذين لم ينتجـوا‬ ‫والمصريين والمسيحيين القوط الذين عاشوا في ظل الحكم اإلسالمي كانوا من ال ّ‬
‫الشـرق‪،‬‬ ‫الكماليات التي استخدمت في بالط قُرطُبة فحسب‪ ،‬وإنما كذلك السّلع التي ش ّكلت أساسا ً لحركــة التّصــدير المزدهــرة إلى ّ‬
‫‪.‬وكانت مصدر ثراء كبير إلمارة قُرطُبة في عهد الخليفة عبد الرّحمن الثّالث‬
‫‪ :719‬قبيلة يَحصُب‪ .‬من أمالك األميرة سارة‪ .‬الصّناعات‪ :‬الخبز)قلعة يَحصُب( ‪ Alcala de Guadaira‬قلعة جابر‬
‫‪.‬الذي كان يستهلكه أهل إشبيلية منذـ العهود ال ّرومانية‪ .‬زراعة األزهار واألشجار المثمرة (البستنة)‬
‫‪).‬كما ورد في الحوليّات العائدة للقرن الثّالث عشر ‪ Alcala de Aben Zaide‬قلعة بني سعيد‪ .‬هي( ‪:‬الكاال ال لاير‬
‫‪.‬بنو سعيد هم أحفاد األميرة سارة‬
‫السـابع عشــر‬ ‫الجزيرة‪ :‬حمداني‪ .‬معافري‪ .‬قلعة طرش‪ ،‬جزء من أمالك المنصور كانت هنا‪ .‬وكان ال يزال في القرن ّ‬
‫‪.‬برج قائم يبدو أنه كان تابعا ً لقلعة طرش التي كانت ملكا للمنصور‬
‫ً‬
‫والية تدمير‪،‬ـ احتفظ بها المسيحيون بموجب معاهدة موقعة مع عبد العزيز‪ ،‬ابن موسى بن نُصير ‪ Alicante:‬القنت‬
‫عام ‪ .714‬كانت دائما ً مسيحية ويمانية‪ .‬الصّناعات‪ :‬ال ُحصر (حصائر القصب) التي ال تزال تصنع في مختلف المناطق التي كان‬
‫الذي اســتعمله القــوط‪ Esteras .‬يقطنها عدد كبير من المسيحيين تحت الحكم اإلسالمي‪ .‬واحتفظت هذه الصّناعة باالسم الالتيني‬
‫‪.‬زراعة الفاكهة‪ ،‬وعلى وجه الخصوص زراعة الكرمة إلعداد ال ّزبيب‬
‫أن قائداً بربريا ً استولى على الحكم فيهــا في‬ ‫ال َمريّة‪ :‬قبائل ُجذام واألنصار من بين قبائل أخرى‪ .‬كانت دائما يمانية مع ّ‬
‫القرن الحادي عشر واستم ّر يحكمها لسنوات عديدة‪ .‬الصّناعات‪ :‬بناء السّفن (اشتهر هنا حوض لبناء السّفن منذ القرن العاشــر إن‬
‫بالسـ ّكر‪ ،‬زراعـة األزهـار‬ ‫لم يكن قبل ذلك)‪ ،‬ال ّديباج‪ ،‬حرير ال ّدمقس‪ ،‬الطّـرز‪ ،‬أواني ال ّزجـاج‪ ،‬الحديــد‪ ،‬النّحـاس‪ ،‬الثّمـار المغلّفــة ّ‬
‫إن تجّاراً مسيحيين أقاموا مصـانع هنــا تحت حكم األمــراء اليمــانيينـ‬ ‫واألشجار المثمرة‪ .‬يقول ال ّشقندي الذي كتب قبل عام ‪ّ 1231‬‬
‫الذين كانوا يتاجرون على نطاق واسع مع إيطاليا‪( .‬انظر الصّفحة ‪ ،270‬المعـامالت التّجاريـة بين ابن َمـردنيش وبـيزا وجنـوة)‪.‬‬
‫إلى أنسـجة حريريــة )الصّفحة ‪ ،409‬الهــامش ‪» (Arquelogia Sagrada‬يشير السّنيور ڠوديول في كتابه «اآلثار المق ّدسة‬
‫عربية الطّراز تماما ً عرفت بأسماء‪ :‬نسيج ذهبي إسپاني‪ ،‬حرير إسپاني‪ ،‬وحرير موشح إسپاني‪ 720‬كما وجدها في سجالت الجرد‬
‫الكاتالونية القديمة‪ .‬هذه األقمشة أنتجت على األرجح في المشاغل المسيحية اإلسپانية الــتي أقيمت في ال َمريّــة وغيرهــا من المــدن‬
‫‪.‬التي كانت تحت حكم ابن َمردنيش في القرن الثّاني عشر‬
‫بطليوس‪ :‬قبائل من حضرموت‪ ،‬تُجيب‪ .‬بني مسلمة‪ ،‬من أحفاد األميرة سارة تفرعت منهم ساللة أمــراء بــني األفطس‬
‫صناعات‪ :‬زراعة األشجار المثمرة‪ ،‬المشغوالت الخشبية والخزفية الرّائعة‬ ‫‪.‬في القرن الحادي عشر‪ .‬ال ّ‬
‫بيّاسة‪ :‬مســيحية‪ ،‬جـزء من أمالك األمــير أرطبــاس (أرطبـاش)‪ .‬العديــد من اليمــانيين الــذين لم تــذكر أســماء قبــائلهم‪.‬‬
‫‪.‬الصّناعة‪ :‬ال ّزعفران‬
‫صناعات‪ :‬زراعة األزهار واألشجار المثمرة‪ ،‬الصّناعات الخزفية الرّائعة‬ ‫‪.‬جزر الباليار‪ :‬قبيلة جُذام‪ .‬ال ّ‬
‫باجة‪ :‬هي اآلن جزء من الپرتغال‪ ،‬ولكنها كانت في السّابق مشــتملة ضــمن حــدود ألنــدلس الــتي امتـ ّدت شــماالً حــتى‬
‫الصـناعات‪ :‬دباغـة الجلـود‪ ،‬صـناعة المشـغوالت القطنيـة‪،‬‬ ‫حصـب‪ّ .‬‬ ‫قلنبرية‪ .‬استوطنها المصريون واليمـانيون ومن بينهم قبيلـة يَ ُ‬
‫ضة‪ .‬ال زالت تنتج في مختلف أنحاء هذه المقاطعة مشغوالت ال ّدنتيال أو الوسـائد المخرّمــة والمشــغوالت المطـرّزة ذات‬ ‫مناجم الف ّ‬
‫‪.‬التصاميم القبطية العربية الواضحة‬ ‫ّ‬
‫في هــذه الواليـة هي مركــز صـناعة الوسـائد المخرّمـة ‪ Almagro‬قلعة رباح (إقليم)‪ :‬قبيلــة جُـذام‪ .‬مدينــة ألمـاڠرو‬
‫المتوارثة على مدى العصور القديمة دون معرفة منشئها‪ .‬النّماذج المبكرة المعروفة تقلّد تقنية تخريم الوسائد التي عُثر عليهــا في‬
‫‪.‬قبور أنطينوپوليس القديمة ‪721‬‬
‫شنترة‪ :‬قبيلة لَ ْخم‪ .‬الصّناعات‪ :‬البستنة‪ .‬ســجل إنتــاج بطيخ بحجم هائــل هنــا خالل القــرن الحــادي عشــر‪ .‬يعــود أصــل‬
‫ّ‬
‫‪.‬اإلسپانية‪ sandia 722‬اسمها إلى العربية «البطيخ السّندي» أو «سنديالي» ومنه اشتقت كلمة‬
‫الصـوفي‪ .‬كــانت المدينــة في القــرن الحــادي عشــر تابعــة‬ ‫السـجاد ّ‬ ‫الصـناعات‪ّ :‬‬
‫قونكة‪ :‬لم يعرف بعدـ تاريخها المبكر‪ّ .‬‬
‫السـادس‪ .‬بــنيت فيهــا الحقـا ً‬ ‫لساللة اللَّخميين الحاكمة في إشبيلية و ُمنحت كجزء من بائنة األميرة زايدة عند زواجهــا من ألفونســو ّ‬
‫مدرسة متق ّدمة لتعليم النّقش في العاج‪ .‬وتنتمي تصاميم أقدم النّماذج الموجودة فيهــا إلى النّمــط القــوطي العــربي‪ .‬يوجــد أحــد هــذه‬
‫النّماذج في متحف ساوث كنزنڠتون ويوجد نموذج آخر في كاتدرائية پامپلونة‪ .‬طالبت الكونتيسة ماري دى آلُنســون [فرنســا] في‬
‫عام ‪ 1373‬بملكية قونكة باعتبارها سليلة فرناندو دي ال ثِر ِده ابن ألفونسو العاشر ملك قشتالة‪ .‬أسّست صناعة لل ّدنتيال في أوريّاك‬
‫في القرن ال ّرابع عشر‪ .‬وليس بوسعنا القول ما إذا كانت أوريّــاك جــزءاً من أمالك الكــونت دى آلُنســون ]في فرنسا[ ‪Aurillac‬‬
‫(شقيق الملك فيليپ السّادس‪ ،‬ملك فرنسا) في تلك الفترة ولكن يجب أن نذكر ان اسم قونكة ارتبط بقطبــة أوريّــاك األنيقــة وقطبــة‬
‫إسپانيا باهظة الكلفة في القرن السّابع عشـر قبـل وقت قصـير من إنشـاء كولبـير لمصـنعه الـذي اشـتهر بقطبـة آلُنسـون‪ .‬يقـال إن‬
‫ّ‬
‫محتض ـرة وكــان‬ ‫ألن قونكة كانت في ذلك الوقت مدينةـ‬ ‫أوريّاك أرسلت مد ّرسين في المشغوالت المخرّمة إلى قونكة‪ ،‬ولكن نظراً ّ‬
‫أن األرجح‪ ،‬نظــراً‬ ‫مركزها يتراجع باستمرار منذ ذلك الوقت حتى لم تعد اليــوم أكــثر من مجــرد قريــة‪ ،‬يبــدو لنــا بنــا ًء على ذلــك ّ‬
‫أن قونكة هي التي أرسلت مد ّرسين لتعليم شغل التّخريم ولم يُرسل هؤالء إليهــا‪( .‬ســوف نتنــاول هــذا‬ ‫الرتباطها بكونتيسة آلُنسون ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬الموضوع في بحثنا حول قطبة إسپانيا‪ ،‬المجلد الثاني)‬
‫الصـناعات‪ :‬الخـزف المصـقول أو المـزجّج‪ .‬قـد تعـود صــناعة التّـزجيج‬ ‫دانية‪:‬ـ يمانيـة ومسـيحية (أراضـي تــدمير)‪ّ .‬‬
‫القزحي األلوان للخزف في إشبيلية إلى تاريخ زواج ال ُمعت ِمد بن َعبّـاد من ابنـة مجاهـد العـامري‪ ،‬أمـير دانيـة وجـزر الباليـار في‬
‫‪.‬حوالي العام ‪ 1048‬مع أن هذه الصّناعة وجدت هنا على م ّر التّاريخ الممعن في القدم‬
‫‪.‬إلبيرة‪ :‬يهود ويمانيون‪ .‬الصّناعات‪ :‬البستنة‬
‫ذحج‪ .‬الصّناعات‪ :‬زراعة األزهار واألشــجار‬ ‫غرناطة‪ :‬معظم سكانها من المسيحيين‪ .‬قبائل من حضرموت‪ ،‬األزد‪َ ،‬م ِ‬
‫‪.‬المثمرة‪ ،‬والحرير‪ ،‬وكثير غيرها‬
‫ابن السّليم‪( :‬محافظة صيدونيا (شذونة) واليوم إقليم قادس)‪ .‬يمانية‪ .‬صناعتها‪ :‬المالبس الصّوفية التي ال تــزال تُحــاك‬
‫‪.‬باليد هنا‬
‫‪.‬يابسة‪ :‬جزر الباليار‪ .‬يمانية‪ .‬صناعة الملح‬
‫جيان‪ :‬إحدى المدن ال ّرئيسية ضمن أمالك األمير أرطباس‪ .‬مسيحية‪ ،‬مصرية ويمانيــة‪ .‬بلغت تربيــة دود الق ـ ّز أو دود‬
‫‪.‬الحرير فيها شهرة متناهية‪ ،‬بحيث أطلق عليها المسلمون اسم «جيان الحرير»‪723‬‬
‫‪.‬شاطبة‪ :‬إقليم تدمير‪ .‬مسيحية ويمانية‪ .‬الصّناعات‪ :‬صناعة نسيج الكتّان وورق الكتّان‬
‫لشبونة وشنترين‪ :‬يمانية ولكن لم تُذكر القبيلة التي عاشت فيها‪ .‬لكن يُستنتج من مختلف ال ّدالئل أن قبيلة لَ ْخم حكمتهــا‪.‬‬
‫الذهب والعسل‬ ‫‪.‬الصّناعات‪ّ :‬‬
‫لورقة (والية تدمير)‪ :‬مسيحية ويمانية‪ .‬الصّناعة‪ :‬مناجم الاّل زورد‪ .‬كان الحجر الكريم يُقطع ويُصقل حال اســتخراجه‬
‫ّ‬
‫‪.‬لتصديره إلى الشرق‬
‫مالقة‪ :‬قبيلة األزد‪ .‬الصّناعات‪ :‬مناجم (لم يُذكر المعدن المستخرج منها)‪ ،‬الحرير‪ ،‬ال ّديباج‪ ،‬الطّرز‪ ،‬الخزف المــذهب‪،‬‬
‫ّ‬
‫‪.‬ال ّزعفران‪ ،‬ال ّزبيب والتّين الذي تميّز بنوعيته وذاعت شهرته في الشرق بأكمله‬
‫صناعات‪ :‬الخزف المصنوع من صلصــال أســود خــاص ال‬ ‫مدينة صيدونيا (شذونة)‪ :‬مسيحية ويمانية عبر التّاريخ‪ .‬ال ّ‬
‫صلصال في المدينة‪ ،‬وال يزال يستخرج ويصنّع يدويا ً هنــا‪ .‬وال تــزال حُصــر القصــب تصــنع هنــا من قبــل‬ ‫يزال يوجد في حفر ال ّ‬
‫ّ‬
‫‪.‬الغجر (مصريون) الذين يقطنون المنطقة‪ ،‬بتصاميم عربية ماثلة فيها بقوة أكثر من أيّة تصاميم أخرى شاهدناها‪ .‬الزراعة‬
‫السـجاد‪ ،‬حُصــر القصــب‪ ،‬و«صــناعات‬ ‫الصـناعات‪ :‬األقمشــة الحريريــة‪ّ ،‬‬ ‫ُمرسية‪( .‬والية تدمير)‪ :‬مســيحية ويمانيــة‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫‪.‬أخرى عديدة ال نستطيع حصرها» (ال ّشقندي‪ .‬كتب في أوائل القرن الثالث عشر)‪ .‬البستنة وعلى وجه الخصوص أشجار الفاكهة‬
‫شلطيش (اليوم إقليم ولبة)‪ :‬ح ّكام مولّدون من القرن التّاسع حتى القرن الثّــالث عشــر‪ .‬البكريــون‪ .724‬ال تــزال الـرّوح‬
‫القبطية والعربية ماثلة في التّصاميم التّقليدية في كافة أنحاء هذه الوالية‪ ،‬كما هي السّحنة التّوتونية بين النّاس‪ .‬الصّناعات‪ :‬السّمك‬
‫‪.‬المملح للبيع في سوق إشبيلية التي كانت تستهلك منه كميات كبيرة‪ .‬الخزف بأشكال رومانية‬
‫سانتا ماريّا دي أوكسونوبا (شـنتمرية دي أكشـونبة)‪( :‬بين ولبـة وفـارو‪ .‬اختفت هـذه المدينــة ولكن يوجـد في الموقــع‬
‫‪.‬اليوم رأس سانتا ماريّا)‪ .‬استوطنها المصريون واليمانيون في القرن الثّامن (انظر شلطيش)‬
‫إشبيلية‪ :‬قبائل حضرموت‪ ،‬هوازن‪ ،‬خوالن‪ ،‬مراد‪ ،‬لَ ْخم‪ .‬بقي المسيحيون في إشبيلية والمناطق المحيطة بهــا من دون‬
‫أن يتع ّر ضوا لمضايقات بعد الفتح اإلسالمي‪ .‬كانت حاضرة بالط األميرة سارة حفيدة ڤيتيتسا (غيطشة) بعـدـ وفــاة والــدها األمــير‬
‫‪.‬أل ُمند‬
‫العائالت المتحدّرة من األميرة القُوطيّة‬
‫سارة ‪ -‬عيسى بن مزاحم (ال ّزوج األول)‬
‫بنو إسحاق ‪ -‬بنو إبراهيم‬
‫مارية والدة عبد الرّحمن الثّالث‬
‫احمد بن إسحاق ‪ -‬أُميّة بن إسحاق‬
‫أبو بكر بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم (ابن القُوطيّة)‬
‫سارة ‪ -‬عُمير بن سعيد اللَّخمي (ال ّزوج الثّاني)‬
‫جلباب أو حبيب‬
‫بنو حجّاج‪ ،‬ح ّكام إشبيلية حتى عام ‪913‬‬
‫بنو سعيد‪ ،‬بنو مسلمة‬
‫‪.‬مؤسّسو ساللة بني األفطس التي حكمت بطليوس في القرن الحادي عشر‬

‫بنو جُرج‬ ‫مسيحيون ملكوا ع ّدة قالع حصينة في الحرب األهلية في القرن ‪Beni Jurz, or Jorj.‬‬
‫خورخه في‬
‫ِ‬ ‫سان‬ ‫قلعة‬ ‫تسمية‬ ‫جرت‬ ‫التّاسع (مار جرجس واحد من الق ّديسين األقباط األكثر شهرة بين النّاس)‪ ،‬ومن المحتمل أنه‬
‫‪.‬طريانة نسبة إليهم‪ ،‬وكانت تحمل هذا االسم قبل حرب االسترداد‬
‫أن أحفاد األميرة سارة الذين اعتنقوا اإلسالم اتخذوا كذلك أسماء عربية‪ .‬أ ّما الذين احتفظــوا بــدينـ ج ـ ّدتهم فيمكن‬
‫يبدو ّ‬
‫تتبّعهم من خالل أسمائهم المسيحية‪ .‬كان بنو حجّ اج ذوي شأن في إشبيلية حتى ال ّربع األخير من القرن الحادي عشــر‪ ،‬وال يظهــر‬
‫‪.‬اسم هذه السّاللة خالل احتالل المرابطين ولكن ربما تكشف أبحاث الحقة أدلة تؤ ّكد أنهم بقوا فيها‬
‫أن هــذه ّ‬
‫السـاللة المتفرعــة من األســرة المالكــة‬ ‫يظهر االستمرار في استعمال اسم قلعة بــني ســعيد حــتى عــام ‪ّ 1263‬‬
‫القُوطيّة ‪ -‬اليمانية كانت ال تزال موجودة في اإلقليم حيث كانوا يملكون أراضي وعقارات قبل قرنين منذ ذلك التّاريخ على األقل‪.‬‬
‫الذي يتض ّمن سجاّل ً للمنح الملكيـة للقـرن ‪» Repartimiento‬في كتاب «ريپارتيميينتو )ابن َعبّاد( »‪ «Venabet‬كما أن ذكر‬
‫أن أحفاد بني َعبّاد كانوا يحظون بمعاملة ذوي ال ّشأن في إشبيلية في ذلك الوقت‬ ‫‪.‬الثّالث عشر يبيّن ّ‬
‫وصناعات إشبيلية التي ذكرها مختلف الكتّاب العرب‪ :‬بناء السّفن والهندسة المعمارية (إشــبيلية هي المدينــة الوحيــدة‬
‫التي يتغنّى الكتّاب العرب على اختالف عصورهم بروعتها وجمال أبنيتها بوجه عام‪ ،‬وكــان المو ّحــدون وغــيرهم من ّ‬
‫الس ـالالت‬
‫المســلمة الــتي حكمت المغــرب‪ ،‬يســتقدمون المهندســين من إشــبيلية)‪ ،‬األقمشــة الحريريــة‪ ،‬اآلالت الموســيقية‪ ،‬وزراعــة مختلــف‬
‫المرصـعة باألحجـار الكريمـة والـتي يوجـد نمـوذج منهـا في المتحـف‬ ‫ّ‬ ‫األزهار واألشجار المثمـرة‪ .‬اشـتهرت بصـياغة الجـواهر‬
‫الوطني في مدريد يشير إلى أنه صُنع لل ُمعت ِمد بن َعبّاد من قبل (حفيده) ابن السَّراج‪ .‬وال تــزال قطــع األثــاث المطعّمــة تصــنع في‬
‫الشـرقيون الــذين يــزورون إشــبيلية ويعتبرونهــا تســتحق‬ ‫إشبيلية وفق التّصاميم التّقليدية‪.‬ـ ومن بين المنتجات التي يذكرها الكتّــاب ّ‬
‫الثّناء بشكل خاص؛ الخمور وال ّزيوت وال ّز يتون والبرتقال والليمون‪ ،‬والليمون األخضر‪ ،‬ونوع نادر من التّين يُسمى «القوطي»‪،‬‬
‫‪.‬والخضار على أنواعها ومن ضمنها الخيار والملفوف‬
‫وكانوا يربّــون ويجمعــون القرمز‪ 725‬على نطـاق واســع‪ ،‬كمــا زرعــوا شـجرة الطّقســوس الــتي تصــنع من أغصــانها‬
‫ي مكان في العالم»‪ .‬ولطالما امتُدحت فاكهتها المجفّفة ومطبخهــا‪ .‬كــانت مشــغوالت‬ ‫األقواس‪« ،‬التي كانت تنبت هنا بوفرة تفوق أ ّ‬
‫القصب والخيزران (وال تزال) حرفة العديد من الغجر (المصريين) في طريانة التي كان قسم كبير من سكانها منهم‪ .‬أ ّما صناعة‬
‫‪.‬الخزف فيها فموغلة في القدم‬
‫طُليطلة‪ :‬عاصمة ممتلكات األمير رُملة (رومولـو) االبن األصـغر لغيطشـة (ڤيتيتســا)‪ .‬كــان معظم سـكانها مســيحيين‬
‫طوال فترة الحكم اإلسالمي إلى أن استعادها ألفونسو السّادس عام ‪ 1085‬استجابة للنّداءات العاجلة التي وجّهها إليه المســيحيون‪.‬‬
‫عُرف هؤالء بالمستعربين‪ ،‬وكانوا مثل المسيحيين القوط في أراضي إشبيلية التي كــان يملكهــا شــقيق رومولــو األكــبر‪ .‬اســتقرّت‬
‫ضرية التي كــان يوجــد لهــا فــرع هنــا وبصــورة‬ ‫قبيلة األزد اليمانية في طُليطلة مع المسيحيين في حين استق ّر أبناء قبيلة كنانة ال ُم َ‬
‫رئيسية في النّواحي الواقعة خارج حدود المدينة‪ .‬اشتهرت طُليطلة على م ّر العصــور بصــناعة الـ ّدروع والمصــنوعات المعدنيـةـ‬
‫‪.‬ال ُمكفّتة‪ ،‬وهي حرفة فنيّة ال تزال حيّة إلى اليوم‪726‬‬
‫‪.‬أبذة‪ :‬يمانيون‪ ،‬لم يذكر اسم القبيلة‪ .‬الصّناعات‪ :‬زراعة الكرمة‬
‫بلنسية‪ :‬ال يرد ذكر خاص للقبائل التي استوطنت هنا‪ ،‬ولكنها كنت قبائل يمانية بصورة رئيســية وكــان لبلنســية ح ّكــام‬
‫يمــانيون على الـ ّدوام مـا لم يسـتو ِل المعسـكر المعـارض مؤقتـا ً على الحكم‪ .‬اشــتهرت المدينــة على مـ ّر العصـور بفنـون البسـتنة‬
‫وباألخص زراعة األزهار‪ .‬أطلـق الكتّـاب العـرب على المدينـة اسـم « ُمطيب األنـدلس»‪ 727‬و«حزمـة العشـب العطـرة»‪ .‬وكـان‬
‫يزرع فيها ال ّزعفران ونوع متميّز من ال ُك ّمثرى (اإلجاص)‪ .‬كتب ال ّشقندي في القرن الثّالث عشر أن بلنسية كانت جنّــة المس ـرّات‬
‫وأن اإلزعاج الوحيد كان «رقص البراغيث فيها‪ ...‬على غناء البعوض»‪ .728‬ال تزال بلنسية مشهورة بالبســتنة وأزهارهــا ذائعــة‬ ‫ّ‬
‫‪.‬الصّيت‪ ،‬وال تزال الك ّمثرى «حلوة المطعم ذكية ال ّرائحة» تزرع فيها وتصدر إلى كافة مناطق جنوب إسپانيا‬
‫َس َرقُسطة‪ :‬تق ّدمت قبائل هَ ْمدان‪ ،‬وتُجيب والخزرج على هذه المدينة منذ الفتح اإلســالمي‪ .‬واشــتهرت بصــناعة الملح‪،‬‬
‫الذي ال يزال الغذاء الرّئيسي للفالحين عبر كافــة ‪ garbanzos‬والبستنة بصورة عامة‪ ،‬والفاكهة المحفوظة والح ّمص المصري‬
‫‪.‬مناطق األندلس‬
‫أن أيّـا ً منهــا اشـتهرت بصـناعة‬ ‫ضرية غالبية في عدد قليل من المدن‪ ،‬وال يذكر الكتّــاب العــرب ّ‬ ‫ش ّكل أبناء القبائل ال ُم َ‬
‫ّ‬
‫ضرية في بعض األماكن المذكورة أعاله‪ ،‬ولكنها كانت دائما ً أقلية فيها‪ .‬ولم يشر الكتّــاب العــرب‬ ‫معيّنة‪ .‬عاشت بالتّأكيد عائالت ُم َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫للفضـة والــذهب في قرطبــة‪ ،‬على‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والصـياغة التخريميــة اليدويــة الدقيقــة‬ ‫ّ‬ ‫إلى صناعة الجلود والحل ّي الفضّية المرصّعة باأللماس‬
‫‪.‬ال ّرغم من أنها أصبحت مشهورة تحت الحكم المسيحي‬
‫ذكرت أماكن أخرى عديدةـ ع ّم رتها قبائل وعائالت ذات أصل يماني‪ ،‬ولكننا اكتفينا في هذه القائمة بذكر تلك التي لهــا‬
‫عالقة بالفنون والحرف والصّناعات‪ .‬ومع أن الطّرد النّهائي للمورسكيين في القرن السّابع عشــر ولّــد ركــوداً واضــمحالالً لكافــة‬
‫صناعات التي اشتهرت بها األندلس في السّابق‪ ،‬لم يندثر تماما ً سوى عدد قليل من الفنون والحــرف القبطيــة أو‬ ‫أشكال الحرف وال ّ‬
‫ّ‬
‫العربية فيها؛ فحتى اآلن وفي حال ُوجد طلب على مثل هذه المنتجات فإنــه قلمــا توجــد صــناعة ال يمكن إعــادة إحيائهــا من خالل‬
‫استخدام ال ّرجال والنّساء الذين أتقنوا في شبابهم هذه الحرف المحلّية لتــدريب غــيرهم على أدائهــا‪ .‬وال تــزال تُصــنع في غرناطــة‬
‫والس ـالل ذات التّصــاميم العربيــة‪ .‬وتعتم ـدـ مدينــة غراثليما‬ ‫ّ‬ ‫وإشــبيلية منتجــات يدويــة ّ‬
‫الص ـنع كأشــرطة الحريــر وأقمشــة الكتــان‬
‫صوفية المنسوجة يدويا ً والتي تشتهر بأنهــا ال يعتريهــا ‪Grazalema -‬‬ ‫ابن السّليم ‪ -‬في نصف مدخولها على صناعة المالبس ال ّ‬
‫‪.‬البلى‬
‫تصنع أنواع الحلــوى العربيــة والبقالوة باتبــاع الوصــفات العربيــة التّقليديـةـ في مدينــة شــذونة وجبــل العيــون؛ وتنتج‬
‫مشغوالت جلدية مدموغة في إشبيلية حيث ال تزال تشاهد مشغوالت مطرزة بصورة رائعة بين الحين واآلخر؛ وال تــزال حرفــة‬
‫التي اشتهر بها العــرب تشــكل جــزءاً ‪ alicatado‬والبالط القيشاني الملوّن المقطوع باليد ‪ artesonado‬حفر وتعشيق الخشب‬
‫من صنعة معلّمي النّجارة والبنّائين المهـرة في مقاطعـة إشـبيلية‪ .‬وتصـنع األواني الخزفيـة باليـد في كـل قريـة يوجـد فيهـا حفـرة‬
‫صلصال؛ وتوجد ال ُحصر حيث يوجد مجتمع من الغجر‪ .‬وال تـزال تشـاهد في كـل مـنزل الوسـائد المخرمـة‪ ،‬والـ ّدنتيال المشـبّكة‪،‬‬
‫والمط ّر زات التي جلبها األقباط وأوصلوها إلى ذروة اإلتقان‪ ،‬األمر الذي حض الملوك على إصدار المرسوم تلو اآلخــر لتحــريم‬
‫صنعها باعتبارها ســلعا ً كماليــة غــير ضـرورية اعتبــاراً من القــرن الخــامس عشــر‪ .‬وال يمكن العثــور على هــذه المشــغوالت في‬
‫ألن كل امرأة تصنع الكثير من كل نوع منها بحيث ال يحتاج أو يرغب أح ٌد في شرائها‬ ‫‪.‬السّوق‪ّ ،‬‬
‫وفي واحدة أو اثنتين من المدن الكبرى‪ ،‬أصبحت المشغوالت «اإلنكليزيـة» المخرّمـة المكونـة من جـدائل مصـنوعة‬
‫على اآلالت منتشرة لدى الطّبقة الموسرة‪ .‬ولكن ال تزال النّساء عمومـاً‪ ،‬بنــات الطّبقــات الميســورة أو البســيطات‪ ،‬يفضــلن صــنع‬
‫المشغوالت التّقليدية المخرمة والمطرزة التي تعتمد على قطبــة «الميـة»‪ ،‬والتّشـبيك‪ ،‬والتّطريـز المن ّمـق بطريقــة النّسـل‪ ،‬وشـغل‬
‫وال ّدنتياّل المطرّزة ‪» soles, ruedas y randas‬اإلبرة بتفانينه المختلفة التي تحمل أسماء «ال ّشموس» والعجالت» و«ال ّشبكات‬
‫‪.‬على الوسائد وفق تصاميم عربية ومصرية‬
‫لسوء الحظ لم يعد اإلسپان األثرياء يشترون هذه المنتجات‪ ،‬ويفضّلون شراء السّلع األجنبيــة المصــنوعة بــاآلالت في‬
‫ّ‬
‫‪.‬مختلف فروع االقتصاد المحلي‬
‫يستورد البالط المطبوع بكلفة كبيرة من فرنســا رغم الـرّخص والجمــال الممــيز لبالط الـ ّزلّيج الل ّمــاع‬
‫َ‬ ‫أو ‪azulejos‬‬
‫ّ‬
‫المعشـقة الغـائرة‬ ‫السـقوف الرّائعــة المصـنوعة من األلـواح الخشــبية‬‫الخزف القيشاني المقطّع والمصنوع باليد محلّيـاً؛ هنـا تُهـدم ّ‬
‫والمفعمة‪ ،‬لتوضع مكانها نسخ من الجصّ لزخارف شبه كالسيكية إيطالية؛ ويتم التّخلّي عن الجلود الجميلة المطرزة والمدموغــة‬
‫وال ّديباج المحلّي الغني بتفاصيله ال ّدقيقة من أجل األطلس السّاتان الجديد أو البلش القطيفــة في تنجيــد األثــاث في المنــازل الفخمــة‬
‫والقصور؛ وحلّت قطع األثاث التي تشكل تقليداً ألثاث «لويس الخامس عشــر» محــل الخــزائن والكراســي والطّــاوالت اإلســپانية‬
‫السـابق تحتـ ّل مركــزاً مشـرّفا ً في‬ ‫المتميّزة المصنوعة من خشب األرز والماهوڠاني المطعّم بالخشــب البرتقــالي الــتي كــانت في ّ‬
‫‪.‬منازل الملوك‬
‫خالل جيل واحد أو جيلين من اآلن ستصبح كل هذه الفنون والحرف مندثرة لعــدم تـوفّر سـوق لهـا‪ ،‬ولكن حــتى ذلــك‬
‫الحين يمكن أن ينتعش الطّلب لــو لقي تقــديراً لــدى األثريــاء‪ .‬يقــوم مــدير وأمين عــام كليــة الفنــون في إشــبيلية ّ‬
‫الس ـيد پيتــالوڠو‬
‫على التّوالي في الوقت ال ّراهن بعمل شهم إلحياء وتطوير صناعة بالط ال ّزلّيج والقيشاني ‪ Mattoni‬والسّيد ماتّوني ‪Pitalugo‬‬
‫في المدينة؛ـ ولكن اإلنتاج المدهش الذي يحقّقه طالب الكلية ال يلقى سوى اهتمام محــدود من أثريــاء المدينــة‪ .‬تبــنى ســنويا ً منــازل‬
‫فسيحة جديدة هنا بماليين الپيسيتات‪ 729‬ولكن ‪ -‬وعلى ال ّرغم من أن أهل الفكر األميركيين يعتبرون حرفيي إشبيلية مؤهّلين جيــداً‬
‫للعمل كمد ّرسين في الكليات الفنّية األميركية ‪ -‬يضط ّر أولئك الذين يحافظون على التّقاليد القبطية العربية إلى قضــاء عمــرهم في‬
‫تركيب منتجات مصانع لندن وپاريس أو نيويورك بدالً من أن يستم ّروا في إنتاج القطع اليدوية الجميلـة الــتي بقيت حيّــة بفضــلهم‬
‫‪.‬طوال ألف عام‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫ملحق‬
‫مالحظات على الفصل األول‬
‫أنه )أسس القرن التّاسع عشر( "‪ "Foundations of the Ninetheeth Century‬يالحظ تشامبرلين في كتابه‬
‫«في إسپانيا كان القوط الغربيون هم الذين يش ّكلون عنصر الحياة»‪ .730‬وتتجلّى حيوية هــذا العــرق في أنهم حــافظوا وعلى مــدى‬
‫قرابة سبعمئة عام على ديانتهم وتقاليــدهم وحــتى على أســماء عــائالتهم بين قــوم غربــاء يتبعــون عقيــدة هي في موقــع عــداء مــع‬
‫الصـالحين» بــالعودة إلى إشــبيلية‪ ،‬احتفظــوا‬ ‫عقيدتهم‪ .‬ومنذ عام ‪ 711‬إلى ‪ ،1390‬عندما سُمح كمــا رأينــا ألبنــاء وأحفـاد «القــوط ّ‬
‫بأسمائهم ليس فقــط في أرضــهم األصــلية وإنمــا كــذلك في المغــرب‪ ،‬عنــدما اضــطرّتهم الحــرب واالضــطهاد إلى تــرك األنــدلس‬
‫لالحتماء بالح ّكام المسلمين الذين وبعــد نحــو ثالثمئــة عــام من ذلــك أشــادوا وأثنــوا عليهم لــدى ملــك قشــتالة مســتخدمين عبــارات‬
‫‪.‬المجاملة الواردة في الصّفحة ‪( 33‬طبعة األصل)‬
‫لقد أسيء فهم تاريخ األندلس منذ لحظة وصول موسى بن نُصير وحتى ســقوط دولــة المو ّحــدين في إشــبيلية في عــام‬
‫‪ 1248‬بصورة كبيرة‪ ،‬فلم يتم االعتراف بال ّدور الذي اضطلع به المجتمع القـوطي‪ .‬ويقـال إنّـه خالل احتالل القـوط الــذي اســتمرّ‬
‫لثالثة قرون إلسپانيا‪ ،‬قبل الفتح اإلسالمي‪« ،‬غرقوا في مستنقع ال ّشهوانية نفسه الذي كان سببا ً في خراب الرّومان»‪« ...‬وأبــاحوا‬
‫ز وا إن لم يتفوقوا على الوثنيين في فنون المكر والخبث»‪731‬‬ ‫‪.‬الفساد على نطاق واسع» و«ب ّ‬
‫أن القوط تبنّوا إبّان وصولهم إلى إسپانيا الثّقافة الرّومانية بشكل تام كمـا فعـل العـرب من بعـدهم‪ .‬ويقـول دوزي‬ ‫يبدو ّ‬
‫ً‬
‫إنه «منذ زمن القوط الغربيين‪،‬ـ كانت إشبيلية مهدا للعلوم والحضارة الرّومانية‪ ،‬ومعقالً ألشرف العائالت وأكثرها ثرا ًء؛ وبالكــاد‬
‫غيّر الفتح اإلسالمي شيئا ً في الظّروف اإلجتماعية»‪ .732‬لقد اعتمدوا العمارة الرّومانية في بنـاء المنـازل وكأنهـا جـز ٌء منهم وقـد‬
‫كانت سائدة في إشبيلية منــذ وقت طويــل‪ ،‬وحرصــوا على اإلقليم وعلى إصــالح الطّــرق الرّومانيــة وأقنيــة جـ ّر المــاء والجســور‬
‫والحصون‪ .‬لقد عبّر المؤ ّر خون العرب عن إعجابهم بالمدن الحصينة التي شاهدوها في جنوب غرب األندلس‪ ،‬مثل قرمونة على‬
‫سبيل المثال في إقليم إشبيلية‪« ،‬التي على ال ّر غم من منعتها بفضل موقعها وأسوارها القديمة استسلمت إسوة بإشبيلية وغيرها من‬
‫مدن األندلس»‪ .‬قابل موسى وقواته أثناء سيرهم من ماردة إلى طُليطلة «جسوراً رائعة» لم يروا مثيالً لها من قبــل‪« ،‬ألنهــا بــدت‬
‫‪».‬وكأنها ليست من عمل اإلنس وإنما من عمل الجن ال ُمن َزلين‬
‫ومن بين المـدن المنيعـةـ الـتي استسـلمت لموسـى بن نُصـير لبلـة الـتي ال تـزال محاطـة تمامـا ً بأسـوارها الرّومانيـة‪،‬‬
‫وأكشونبة ومارتلة وباجة التي ال تزال آثار أسوارها وبوّابتها ال ّرومانية ماثلة للعيان‪ .‬وال شك أن استســالم هــذه األمــاكن من دون‬
‫قتال عائد إلى تحالف موسى مع األمراء القوط حيث أن قوة هذه الحصون لم ترد فقــط في كتب المــؤرّخين الــذين سـجّلوا أحــداث‬
‫الغزو‪ ،‬وإنما أ ّكدتها المقاومة التي أبداها بعضها في وقت الحق‪ .‬فعندما أصبحت لبلة فيمــا بعــد مقــر قيــادة المو ّحــدين بعــد سـقوط‬
‫‪.‬إشبيلية في عام ‪ ،1248‬قاومت حصار جيش قشتالة بكل قوته عدة شهور بفضل قوة ومنعة أسوارها‬
‫المدينة الوحيدة التي واجه فيها موسى مقاومة هي ماردة التي هــرب إليهــا أنصــار لُــذريق (رودريــك) وكــانت تعيش‬
‫‪:‬فيها أرملته‪ .‬وقد تطابقت النّتائج التي توصلت إليها الحفريات الحديثة مع الوصف الذي نقله كون ِده عن المدينة‬
‫أن كل فنون وقوة البشر اجتمعت لتشــييد هــذه المدينــة‪،‬ـ إنــه«‬ ‫عندما رأى موسى تلك المدينة قال لقادة عسكره‪« :‬يبدو ّ‬
‫لسعيد الحظ من يفوز بها»‪ .‬وأرسل يــدعو المدينـةـ لإلذعــان وفــق شــروطه المعتــادة؛ لكن ســكانها الــواثقين من أســوارهم العاليــة‬
‫ال ّشامخة‪ ،‬ر ّدوا على خطابه باستخفاف»‪ .‬وعندما ُج ّوعت ماردة بعد طول حصار واستسلمت‪ ،‬ودخلهــا موســى‪« ،‬وقــف مشــدوها ً‬
‫أمام عظمتها وروعة مبانيها»‪ .733‬يورد المقّري أقل بكثير م ّما يورده كون ِده عن حصار المدينــة‪ ،‬لكنــه يالحــظ أن «هــذه المدينـةـ‬
‫ـان فائقــة الوصــف‪ ،‬وغيرهـا من المبــاني‬ ‫فسيحة تمت ّـد أراضيها لمساحات شاسعة‪ ،‬وفيها آثــار قصــور وكنــائس جليلــة القــدر‪ ،‬ومبـ ٍ‬
‫‪.‬العامة»‪734‬‬
‫وتجري حاليا ً حفريات في مواقع «القصور والكنائس وغيرها من المبـاني العامـة‪ ،‬وهي ليسـت فحسـب بـذلك البهـاء‬
‫الذي تغنّى به العرب‪ ،‬وإنما تثبت أن القوط وبعيداً عن أن يهدموا أو حتى يهملوا اإلنجازات المعمارية التي حقّقها أسالفهم‪ ،‬بذلوا‬
‫وغيرها من اآلثار المكتشفة في اآلونة األخيرة‪ ،‬تبدو رائعة وفي حالة جيدة ‪ Vesta‬جهدهم للحفاظ عليها؛ فالمد ّرج‪ ،‬ومعبد ڤيستا‬
‫ن معروفة تعود إلى الحقبة ذاتها‪735‬‬ ‫‪.‬مثلها مثل أيّة مبا ٍ‬
‫الصـفحات ‪- 136‬‬ ‫بأن المباني البسيطة مثل معبـدـ شــنت يــاقُب في شــذونة (مراجعــة ّ‬ ‫لقد تكوّنت لدينا قناعة شخصية ّ‬
‫‪ 137‬طبعة األصل) ال ينبغي النّظر إليها‪ ،‬كما يبدو أن الحال كانت عليه حتى اآلن‪ ،‬بوصــفها مثــاالً يقـ ّدم صــورة عادلــة للعمــارة‬
‫القُوطيّة الغربية‪ .‬حيث ال يمكن في أي بلد من البلدان أن يُعثر على أرقى المنجزات الفنية لشعب من ال ّشعوب أو حقبــة معيّنــة في‬
‫بأن مثل هذه اآلثــار في المنــاطق القُوطيّــة في إســپانيا تمثّــل أرقى مــا‬ ‫القرى النّائية أو المعابد الجبلية‪ .‬فلماذ ينبغي إذن االفتراض ّ‬
‫بلغه قوط إسپانيا في إبداعهم؟‬
‫صـنّف باعتبــاره ينتمي إلى فــترة متــأخرة من‬ ‫أن قســما ً كبــيراً م ّمــا ُ‬
‫نحن نميل لالعتقاد بأنه مع مرور الــوقت ســيتبيّن ّ‬
‫ّ‬
‫العمارة ال ّرومانية في إسپانيا هو في الحقيقة قوطي غربي‪ .‬فلو كان رومانيا ً حقاً لكـان بعضـه في حالـة متق ّدمـة من التّحلـل‪ .‬ولكن‬
‫أن هذا الفن يحمــل خصــائص مثــيرة لالهتمــام‪ .‬ولســنا‬ ‫وبالنظر إلى كونه عمالً انتجته أ ّمة حديثة خرجت لت ّوها من الوحشية‪ ،‬نجد ّ‬
‫الضـوء على أه ّميتــه إال من خالل اســتعراض‬ ‫هنا في مجال الخوض في تفاصيل النّمط الذي في ذهننــا‪ ،‬والــذي ال يمكن أن نلقي ّ‬
‫صور‪ ،‬ولكننا نأمل أن يتسنّى لنا الخوض في هذا األمر باستفاضة في المستقبل‬ ‫‪.‬العديدـ من ال ّ‬
‫ق المعروف باسم القوس القوطي إلى العرب‪ ،‬و«قد أدخل عليــه المســيحيون تحســينات»‪.‬‬ ‫نسب ِرن‪ 736‬القوس المستد ّ‬
‫أن مصــطلح قــوطي‬ ‫الشـرق‪ ،‬على الـرّغم من ّ‬ ‫ق جــاء من ّ‬ ‫أن القــوس المســتد ّ‬ ‫‪ Gothic‬ونعتقد أنه بات اليوم مقبوالً بصورة عامــة ّ‬
‫المستخدم لإلشارة إلى الطّراز المعماري الذي يش ّكل فيه هذا القوس خاصّية رئيسية‪ ،‬لم يحظ يومـا بشــرح يفي بــالغرض‪ .‬وعليــه‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بأن االسم نشأ من الطّراز المعماري الذي ط ّوره المسيحيون القوط في جنوب إسپانيا بتأثير من األقباط‪.‬‬ ‫فإننا نخاطر بأن نفترض ّ‬
‫ي وقت من األوقات‪ ،‬وال تزال صفة «قوطي‬ ‫ُ‬
‫مستخدمة ‪» gótico‬لم تندثر تقاليد العمارة القوطيّة في جنوب غرب األندلس في أ ّ‬
‫ي شــىء عن‬ ‫هنــا بمعــنى مختلــف ع ّمــا تعني ـهـ في أمــاكن أخــرى‪ .‬فــالفالحون األ ّميّــون في الجبــال والــذين ال يعرفــون بــالطّبع أ ّ‬
‫المصطلحات والحقبات المختلفة للفن األوربي‪ ،‬يستخدمون تلك الصّفة لوصف المبــاني والمنحوتــات الــتي تعــود إلى فــترة ســابقة‬
‫‪.‬بكثير عن أي شىء يمكن نعته بالـ «قوطي» بالمعنى ال ّشائع للكلمة‬
‫بأن مصطلح «قوطي» استخدم بطريقة ساخرة من قبل المهندسينـ المعماريين اإليطاليين المثقّفين لوصــف‬ ‫إن التّلميح ّ‬
‫ّ‬
‫العمارة القديمة المسننة قد يكون له في الحقيقة منشؤه‪ ،‬حتى وإن كان يعود لتاريخ سابق ع ّما هو منســوب لــه‪ .‬فالفرســان الغربــاء‬ ‫ّ‬
‫الذين كانوا يرافقون جيش قشتالة في الحروب التي خاضها فرناندو الثّالث وابنه ألفونسو العاشــر في القــرن الثّــالث عشــر‪ ،‬ربمــا‬
‫فاجأتهم فظاظة الكنائس المسيحية البازيليكية التي رأوها في إشبيلية والتي بما أنها كانت كنائس للقوط‪ ،‬فقد كــان من الطّــبيعي أن‬
‫‪.‬توصف لهم باعتبارها قوطية‬
‫وعلى امتداد مئة سنة على األقل قبل حرب االسترداد‪ ،‬شهدت العمارة المستدقّة في إشـبيلية والنّـواحي المجـاورة لهـا‬
‫الشـبيه بحــدوة الفـرس وأعمـال الجصّ‬ ‫تراجعا ً مقارنة مع مع ّدل انتشارها المتوقع بصورة طبيعية‪ ،‬نظرا لعشـق المو ّحــدين للعقـد ّ‬
‫المفرّغ المخ ّرم التي كانت منتشرة حينها في البلدان اإلسالميّة في ال ّشرق‪ .‬ويمكن دراسة التّأثير المد ِّمر لهذه المدرســة المعماريــة‬
‫أن بناءها أُنجز في ســنة ‪ .1214‬هنــا‬ ‫الذ وق القبطي القوطي في قضاء إشبيلية في كنيسة سانلوكار ال مايور والتي يشار إلى ّ‬ ‫على ّ‬
‫الصـرفة لتكـون النّتيجـة‬ ‫تمتزج العقود التي ميّزت العمارة المغربية األفريقية وال ّزخرفة المغربية األفريقية مع األعمـال القُوطيّـة ّ‬
‫مزيجا ً محيّراً وصفه مسلمو األندلس والمدجّنون على أنه «طراز معمــاري غــريب صــنعه الفنــانون المغاربــة من أجــل أســيادهم‬
‫أن كل كاتدرائيـة وكنيسـة‬ ‫ضل لدى إسپان األندلس بعد االسترداد‪ ،‬حيث ّ‬ ‫النّصارى بعد حرب االسترداد»‪ .‬لم يكن هذا الطّراز المف ّ‬
‫وحصن مسـجّلة على أنهــا بُـنيت أو أعيــد بناؤهـا بين القـرن الثّــالث عشـر والقـرن الخـامس عشـر تتفــق مـع الطّـراز المعمــاري‬
‫‪«.‬القوطي» الذي كان سائداً حينها في أوروپا‬
‫منذ منتصف القرن الثّالث عشر وحتى بداية القرن السّادس عشر‪ ،‬ال نجد شــيئا ً غــير األعمــال القُوطيّــة‪ ،‬وليس هنــاك‬
‫ي مكان في نـواحي إشـبيلية‪ .‬وقـد بُـني حينهـا قصـران شـهيران أو أعـادت‬ ‫ي مبنى ذو أهمية بُني على الطّراز «المغربي» في إ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫السـادس ‪ Riberas‬عائلة ريبيراس‬ ‫بناءهما في إشبيلية‪ ،‬وهي واحدة من كبرى العائالت التي عاشت في تلك المدينة في القــرنين ّ‬
‫المعــروف اليــوم باسـم قصـر دوق ألڤا ‪ Casa de las Dueñas،‬عشر والسّابع عشر‪ .‬وأحدهما هـو كاسـا دي الس دوينيـاس‬
‫والذي باعه المالكون األصليون إلى عائلة ريبيراس لكي يجمعوا المال لدفع الفدية وإنقاذ كبيرهم‪ ،‬خوان دي ڤينيدا‪ ،‬الذي ‪Alva،‬‬
‫سقط في يد القراصنة المغاربة‪ .‬وقامت عائلة ريبـيراس بـترميم القصـر وإعـادة تزيينـه‪ .‬والثّـاني هـو مـا يسـمى مـنزل پيالطس‪،‬‬
‫ويملكه اليوم دوق مدينة سالم‪ ،‬أحد أحفاد عائلة ريبيراس‪ .‬وتش ّكل ال ّزخارف الموجودة في هذين المنزلين نسخة من الطّراز الــذي‬
‫أن منزل دوق ألڤا يحتوي على أثار تعود إلى فترة أقدم وهي‬ ‫نشره المو ّحدون وكالهما يعودان الى الحقبة نفسها‪ ،‬على الرّغم من ّ‬
‫بال شك ما تبقى من فــترة الحكم اإلســالمي‪ .‬ولكنهمــا قلّمــا يمكن أن يشـ ّكال مثــاال لألذواق الفنّيــة لعائلــة واحــدة‪ .‬المبــاني األخــرى‬
‫الرّائعة التي تق ّدمها األدلّة السّياحية بوصفها «تنتمي الى الفن المد ّجن» أو «الموديخار» تعــود إلى فــترة احتالل المو ّحــدين أو مــا‬
‫أن القصــر الرّائــع العائــد‬ ‫قبلها‪ ،‬على ال ّرغم من أنه أضيفت في بعض الحاالت زخارف وكتابات تنتمي إلى فترة الحقــة‪ .‬ويــرجّح ّ‬
‫لدوقات مدينةـ صيدونيا (شذونة) والذي تح ّول الجزء الباقي منه اليوم إلى متجر أقمشة بالجملة‪ ،‬أعيدت زخرفته في أواخر القــرن‬
‫ال ّرابع عشر أو بداية القرن الخامس عشــر‪ ،‬باتّبــاع الطّــراز اإلســالمي المغــربي القــديم‪ ،‬لكنــه ال يــزال يحتفــظ ببعض قطــع بالط‬
‫للسـمك ‪ alicatado‬الفسيفساء‬ ‫في الطّابق السّفلي‪ .‬لقــد كــان واحــداً من القصــور الرّومانيــة القُوطيّــة الغربيــة وتوجــد فيــه بركــة ّ‬
‫‪.‬ونافورة رومانية عليها كتابات التينيةـ في الحديقة‬
‫ق بصورة عامة بالفن «المغربي ‪ -‬األفريقي» في إشبيلية‪ ،‬ويبــدو أنــه‬ ‫لم تكن هناك على اإلطالق ميول راسخة أو تعلُّ ٌ‬
‫ألن المجمـع الكنسـي رغب في تغيـير الطّـابع‬ ‫أن إعـادة بنـاء الكاتدرائيـة‪ ،‬الـتي بـدأت في عـام ‪ ،1401‬تقـرّرت ّ‬ ‫من الممكن جـداً ّ‬
‫اإلسالمي للمسجد الذي تم تحويله إلى كنيسة‪ ،‬أكثر منه كون المبنى في حالة سيئة‪ .‬حيث أنه ما كان يمكن لمبنى بُــني قبــل قــرنين‬
‫أن العمارة القُوطيّة كــانت هي االتجــاه ّ‬
‫السـائد في‬ ‫بقليل من ذلك الوقت (‪- 1175‬ـ ‪ )1181‬أن يكون قد تحوّل إلى خراب‪ .737‬بما ّ‬
‫تلك الحقبة‪ ،‬يسـهل أن نفهم ّ‬
‫الشـعور بالمهانـة الـذي شـعر بـه رجـال الكنيسـة اإلشـبيلية إزاء أقـواس حـدوة الحصـان وال ّزخـارف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المخرّمة الخا ّ‬
‫صة بالمسلمين‪ ،‬وكيف أن ذوقهم الفني وأفكارهم الدينيةـ المسبقة دفعتهم إلى التخلص من كل ما يذكر بالحكم السّابق‬
‫‪.‬لل ّديانة المعادية لهم‬
‫والرسوم‪ ،‬الخ باإلضافةـ إلى تلك الواردة أسماؤها في النّص‬
‫الكنائسـ ّ‬
‫باعتبارهاـ وجدت خالل الحكم اإلسالمي‬
‫كان مسكن األساقفة «في ظل االستعباد» وكان يسكنه المسيحيون في فترة ‪ - Compas de San Miguel‬إشبيلية‬
‫حرب االسترداد‪ .‬وتخليداً لذكرى المطارنة‪ ،‬أهداه سان فرناندو للكاتدرائية‪ .‬وال يــزال اليـوم يســتخدم كسـكن لرجـال الـدين األقــل‬
‫ّ‬
‫‪ Colegio de San Miguel.‬مرتبة وفيه مق ّر مدرسة التّرتيل التّابعة للكاتدرائية‪ ،‬وال يزال يعرف باسم مدرسة سان ميڠيل‬
‫كان المسيحيون يستخدمون كنيسة سان نيكوالس الحالية للعبادة في ظل الحكم اإلسالمي‪ ،‬وكانت تعــرف باســم ســانتا‬
‫ماريّا سوتيرّانيا أو «كهف» سانتا ماريّا‪ .‬وربما عرفت بهذا االسم لما فيها من سراديب أو قبـاب (رومانيـة على األرجح) ذكرهـا‬
‫‪.‬في القرن السّادس عشر ‪ Abad Gordillo‬أباد غورديّو‬
‫السـادس عشـر كتابــة تحمــل تـاريخ ‪ 607‬أو ‪ 670‬ميالدي ‪ -‬تبعـا ً لمــرجعين‬ ‫كانت توجد في سانتا ماريّا حــتى القــرن ّ‬
‫ي يــوم لســانتا ماريّــا (الــتي كرّســت كنيســة أخــرى‬‫صص القائمة الطّويلة في قائمة المهرجانات اإلسپانية اليــوم أ ّ‬ ‫مختلفين‪ .‬وال تخ ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قديمة باسمها في قُرطبة)‪ .‬وتنتمي هذه الكنيسة مثل سان نيكوالس والعديد غيرها في إشــبيلية إلى الطــراز البــازيليكي مــع أعمــدة‬
‫وتيجــان رومانيــة‪ ،‬وتوجــد فيهــا إضــافات من العمــارة اإلســالميّة في األســقف والمحــاريب الجانبيــة‪ .‬وزيّنت الواجهــة الغربيــة‬
‫برسومات تنتمي إلى القرن الحادي عشر مستوحاة من الفن المصري‪ ،‬بما فيها «خـا» على شــكل صــورة أنــثى تســند رفّـا ً تجلس‬
‫‪.‬عليه العذراء والطّفل يسوع في وضعية شائعة في منحوتات إيزيس وحورس‬
‫كان سان لورنثو‪ ،‬قبل حرب االسترداد‪ ،‬ديراً ومستشفى مك ّرسة للقديسة بربـارة (سـانتا بربـارة)‪ .‬ويوجــد فيــه الرّسـم‬
‫‪.‬الجداري المعروف باسم عذراء روكامادور وينسبه المختصّون إلى فترة ال تتع ّدى القرن الثّاني عشر‪738‬‬
‫‪.‬ألفونسو العاشر وجدنا اإلشارات التّالية إلى الكنائس األولى‪ ،‬الخ ‪ Cántigas‬وفي أناشيد‬
‫كانت هناك كنيسة قديمة في ُمرسية «في مكان مق ّدس بالنّسبة للمسلمين» رفض ملكهم (الذي لم يــذكر اســمه) هــدمها‬
‫‪» Mariame.‬خشية انتقام «مريم‬
‫وترمــز ‪ Amaria Alcanatir‬مرفأ سانتا ماريّا‪ ،‬قبالة قادس‪ ،‬كان المسلمون يس ّمونها القنــاطر‪ ،‬وعامريــة القنــاطر‬
‫ال بـ ّد أنهـا تحريـف ‪ Amaria‬القناطر إلى الجسر ال ّروماني الذي ال تزال بقاياه ماثلة إلى اليوم في النّهر عند انحسـار المـ ّد‪ّ ،‬‬
‫لكن‬
‫عن االسم القوطي‪ .‬أمر ألفونسو العاشر في امتياز مس ّجل في إشبيلية بتسمية المكان باســم «إل ڠــران پويرتــو دي ســانتا ماريّــا»‬
‫ألن المسيحيين المقيمين فيها قبل استســالم المكــان‬ ‫(مرفأ سانتا ماريّا الكبير)‪ ،‬ونجد في األناشيد مشاعر عدم ارتياح بين الجانبين ّ‬
‫وعنــدما ‪ Alcanate.‬أللفونسو أصرّوا على تسميته سانتا ماريّا‪ ،‬في حين رغب الموحّدون من سكان شريش أن تسـ ّمى القنــاطر‬
‫استولى ألفونسو على المدينةـ ُعثِ َر على صورة للعذراء في خندق مائي حول حصن القديس مرقس‪ ،‬فأمر الملك على الفور بالبدء‬
‫صورة التي نسبت إليها قوى عجائبية إلهية في األناشيد‪( .739‬للحصول على وصف لهذه الكنيسة البدائيـة‬ ‫ببناء كنيسة تحفظ فيها ال ّ‬
‫تحت هذا الحصن‪ ،‬انظر ص ‪ 137‬طبعة األصل)‪ .‬باتت اليوم كنيسة ال ّرعية‪ .‬ربما كانت المسجد ال ّرئيسي أو الوحيد وتم تحويلهــا‬
‫ألن فيها مميّزات تختلف عن الكنــائس العائــدة للقـرن الثّــالث عشـر‬ ‫إلى مكان عبادة للمسيحيين‪ ،‬ولم يأمر ألفونسو العاشر ببنائها‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫في هذه المدينة أو غيرها‪ .‬وتشبه الواجهة الغربية المبنية في القرن الخـامس عشـر كثـيرا واجهـة كاتدرائيــة إشــبيلية ولكن بأبعـاد‬
‫بأن االثنتين من عمل مهندس واحد‪ .‬وال توجـد أوجُـ هُ شـبه بين هـذه الكنيسـة وكنيسـة القديسـة آنّـا في طريانـة‪،‬‬ ‫أصغر م ّما يوحي ّ‬
‫ً‬
‫والتي أدخل عليها ألفونسو تعديالت في سنة ‪ .1282‬وال يزال رسم العذراء الذي عُثر عليه في خندق الحصن محفوظا هنــا باســم‬
‫‪«.‬پاترونا»‪ ،‬أو شفيعة المدينة‪.‬ـ وهي صورة صغيرة وقد غدت سوداء لقدمها‬
‫كانت )في أقصى جنوب الپرتغال( ‪)،‬الغرب( ‪ Algarve‬في اإلقليم المعروفة اليوم باسم آلڠاربِه ‪ Faro،‬وفي فارو‬
‫ولكن «المسلمين األفارقة» (المو ّحــدون) رموهــا ‪» Moros.‬توجد صورة للعذراء على ال ّشاطىء «في زمن المسلمين األفارقة‬
‫صورة‪ ،‬فصار بعدها الصّيد وفيراً؛ كما تقول األناشيد‬ ‫‪.‬في البحر‪ ،‬ولم يصطد أحد سمكة واحدة بعدها إلى أن استعاد المسيحيون ال ّ‬
‫ّ‬
‫أن شنتمرية أكشونبة كانت هي نفسـها شـنتمرية الغـرب‪ ،‬حيث كـان الكتـاب المسـلمون والمسـيحيون يشـيرون‬ ‫ويبدو ّ‬
‫إن هذه المدينة كانت تقع في مكان ما قــريب من شـلب‪ ،‬على شـاطىء البحــر‪« .‬ومدينــة‬ ‫إليهما بصورة متك ّررة‪ .‬ويقول اإلدريسي ّ‬
‫شنت مارية على معظم البحر األعظم‪ ،‬والسّور منها يصعد ماء البحر فيه إذا كان ال َم ّد‪ .‬وهي مدينة متوسّطة القدر حسنة الــرتيب‬
‫يوجد اآلن رأس سانتا ماريّا بــالقرب من ‪». (Idrisi, p. 16).‬لها مسجد جامع ومنبر وجماعة‪ ،‬وبها المراكب واردة وصادرة‬
‫أن هذا هــو المكــان المــذكور في األناشــيد‪ ،‬على الـرّغم‬ ‫فارو‪ .‬لقد اختفى الكثير من المعالم التي ذكرها اإلدريسي ولكن يبدو أكيداً ّ‬
‫‪.‬من أنه‪ ،‬ونظراً لصعوبة الوصول إليها‪ ،‬لم نتمكنـ من زيارتها بأنفسنا لنكوّن فكرة نهائية‬
‫في قلعة النّهر على الوادي الكبير‪ ،‬بـالقرب من إشـبيلية‪ ،‬توجـد كنيسـة بازيليكيـة قديمـة بهـا عقـود مسـتدقّة مبنيـة في‬
‫األصل وليست مضافة إليها في فترة الحقة مثل العديد من الكنائس األولى في إشبيلية‪ .‬وال تزال تحتفظ بالكتابة التي تكرّسها منــذ‬
‫‪.‬البدء للقديس ڠريڠوريوس‪ ،‬ومن المعروف أنها ُوجدت بشكلها الحالي منذ ما قبل حرب االسترداد بوقت طويل‬
‫نشعر بقليل من ال ّشك‪ ،‬انطالقا ً من تجربتنا الخاصة‪ ،‬أنه عندما تجرى دراسة معمقة لكل األماكن التي تعتـبر مسـيحية‬
‫ضرورة‪ ،‬تنبش بقايا كنائسها المهدمة‪ ،‬سيثبت ذلــك أن المجتمعــات المســيحية‬ ‫سواء من قبل الكتاب العرب أو المسيحيين‪ ،‬وعند ال ّ‬
‫المشار إليها كانت أكبر وأكثر أهمية م ّما يعتقد في الوقت الحالي‪ .‬ومن غــير الواضـح مـا تعنيـهـ على وجـه ال ّدقـة عبـارة «مسـجد‬
‫في ترجمتها اإلسپانية عن اإلدريسي‪ ،‬ولكن مجرّد أن يكــون قــد َوجــد في «شــانت ماريــة ‪» mezquita catedral‬الكاتدرائية‬
‫الغرب» على مكانين مسيحيين للعبـادة وعلى مسـجد واحـد للمسـلمين‪ ،‬هـو أمـر ملفت‪ ،‬وخصوصـا ً أنـه ُكتب خالل فـترة احتالل‬
‫‪.‬المو ّحدين عندما كان المسيحيون‪ ،‬إن كان هذا قد حدث على اإلطالق‪ ،‬يخضعون لحظر فرضته الطّائفة الحاكمة‬
‫قبل اختتام هذه المالحظة‪ ،‬التي كان ال ب ّد من إيرادها نظرا لألدلّة الحديثة الــتي ظهــرت بعــد كتابــة الجــزء األول من‬
‫كتابنا‪ ،‬علينا أن نضيف بضع كلمات عن ال ّشعائر ال ّدينيةـ التي كانت متّبعة في األندلس‪ ،‬والــتي‪ ،‬على مــا نعتقـد‪ ،‬ليسـت شـائعة في‬
‫ي مكان آخر‬ ‫‪.‬الكنائس الكاثوليكية في أ ّ‬
‫في ‪ matraca‬كان العديد من كنائس إشبيلية وغيرها يستخدم جرسا ً خشبيا ‪ -‬على شــكل خشخيشــة ‪ -‬يســمى مطرقة‬
‫أيام خميس العهد أو خمس الصّعود‪ ،‬عندما ال تقرع األجراس‪ .740‬وهذا في األصل تقليد شرقي وعليه ال يمكن أن يكون قد ظهــر‬
‫‪.‬بعد حرب االسترداد التي قام بها النّصارى‪ ،‬وإنما ال ب ّد أنه يش ّكل استمرارية لطقس أقامه المسيحيون في ظ ّل الحكم اإلسالمي‬
‫يجري في كاتدرائية إشبيلية ‪» Ostentacion de la bandera‬هناك احتفال خاص جداً يعرف باسم «نشر الرّاية‬
‫فــوق كــاهنين منبطحين على وجههمــا فــوق ‪ tafetán‬يوم خميس الصّعود‪ .‬ويتم خاللــه التّلــويح بعلم كبــير أخضــر من التّفتا‪741‬‬
‫ي تفسـير من المراجـع الرّسـمية لهـذا الطّقس الغـريب الـذي يقـول العـاملون في‬ ‫درجات المـذبح‪ .‬من المسـتحيل الحصـول على أ ّ‬
‫إن له عالقة «بآالم السّيد المسيح‬ ‫ونحن ننظر إلى ذلك باعتباره ‪» cosas de la Pasion de nuestro Señor.‬الكاتدرائية ّ‬
‫بقايا طقس إذعان لراية ال ّرسول التي فرضها المو ّحدون على المسيحيين كشرط لإلبقاء على شعائرهم ال ّدينية في الجزء األساسي‬
‫من كاتدرائيتهم‪،‬ـ بعد أن ت ّم تحويل قسم منها‪ ،‬وليس كلها‪ ،‬لتصبح المسجد الرّئيسي لعاصمة األندلس في الرّبــع األخــير من القــرن‬
‫الثّاني عشر‪ .‬توجد في الوقت الحالي أدلّة ال تقبــل الـ ّدحض‪ ،‬تم الكشــف عنهــا حــديثا‪ ،‬بأنــه ُسـمح للرّســم الجــداري لعــذراء دي ال‬
‫الصـغيرة في الجــدار الجنــوبي للمســجد الجديـدـ حيث كــان‬ ‫السـالف) بالبقــاء في كنيســتها ّ‬‫أنتيڠوا (العذراء القديمــة‪ ،‬أو من الـ ّزمن ّ‬
‫المسلمون يتعاملون معها بقدسية مؤسّسة على الخرافات المحاكة حولها حتى العام ‪ 1248‬عندما قام سان فرنانــدو بزيــارة ســرية‬
‫أن الكاتدرائيــة أعيــد بناؤهــا من األســاس في القــرن الخــامس عشــر‪ ،‬لكن مقارنــة‬ ‫للمزار وصلّى فيه خالل حصار إشبيلية‪ .‬يشاع ّ‬
‫أن البنَّائين تركــوا قســما ً على األقــل من هــذا‬
‫التّصميم السّفلي لحائط الجهة الجنوبية مع المراجع المكتوبة والمتناقلة تقليدياً‪ ،‬يؤكــد ّ‬
‫الحائط على ما هو انطالقا ً من دوافع اإلجالل نفسها للكنيسة الصّغيرة وصورة عــذراء دي ال أنــتيڠوا الــتي دفعت المو ّحــدين إلى‬
‫‪.‬عدم المساس بالمزار‬
‫إن شعائر «نشر الرّاية» الغريبة مستمرّة كــذلك في قلعــة جــابر‬ ‫ولكنهــا هنــا تجــري في ‪ّ Alcala de Guadaira،‬‬
‫الصـليب‪ ،‬وتتكـرّر ثالث مــرات على‬ ‫ال ّشارع خالل مسيرة خميس الصّعود تجســيداً للمحطّــات الــتي ســار عليهــا المســيح حــامال ّ‬
‫ً‬
‫الطّريق وصوالً إلى تلّة شديدة االنحدار على بعد نصف ميــل‪ ،‬تعــرف باســم كالڤــاري (الجُلجُلــة) يزورهــا كــل ّ‬
‫السـكان في الليلــة‬
‫السّابقة على صلب المسيح‪ .‬وهناك شعائر أخرى يجري خاللها تحريك الهواء حول الكاهن الذي يقيم القــداس وعناصــر المناولــة‬
‫الصـيف‪ ،‬ويعتقـد أنهـا خاصـة بإشـبيلية وال شــك في أنهــا تعـود إلى مــا قبـل االســترداد‪ .‬قــد يكــون‬ ‫لدى رفع القربان خالل أشــهر ّ‬
‫المسيحيون األقباط أدخلوها إلى ال ّشعائر القُوطيّة عندما جاؤوا إلى هنا من مصر مع العرب‪ ،‬أو قد يكون لها منشأ آخر قبل ذلــك‪.‬‬
‫‪.‬وعلى أي حال‪ ،‬من الواضح أنها انتقلت إلى هنا خالل فترة الحكم اإلسالمي‬
‫مالحظة على الفصل الثّاني‬
‫تحمل ال ّروايات المختلفة عن تحرّكات طارق بن زياد بعدـ سقوط طُليطلــة تناقضـات ال ســبيل إلى التّوفيــق بينهــا‪ .‬لقــد‬
‫درس ڠايانڠوس بعناية فائقة كل األدلة المتوفرة في الفترة التي كتب فيها‪ ،‬وذلك بهدف‪ ،‬إن أمكن‪ ،‬تحديد المدينة التي اســمها ماية‬
‫أن طارق بن زياد عثر على مائدة سليمان ال ّشهيرة‪ .‬يقول ‪ Medinat - al - Meydah‬أو مدينة المائدة‪Maya 742‬‬ ‫حيث يُروى ّ‬
‫أسقف طُليطلة بــاقتراب العــرب‪ ،‬هــرب إلى جليقيــة ‪ Sindered‬بعض الكتاب اإلسپان‪ ،‬وفقا لڠايانڠوس‪ ،‬إنه عندما سمع ِسندريد‬
‫ّ‬
‫إن ِسـندريد ذهب إلى‬ ‫مصطحبا ً معه حل ّي الكنيسة وجواهرها‪ ،‬وإن العديد من سكانها فعلــوا مثلــه‪ .‬ويقــول إيســيدوروس پاثِنســيس ّ‬
‫ولكنه ال يقول شيئا ً ‪» Romana Patria‬إن كان هذا يعني «الوطن الرّوماني "‪ "Romanae patriae sese adventat‬روما‬
‫أن الوضع في ماية ُحسم عندما اكتشفت مصادفة في عام ‪ 1858‬مجموعة الجواهر ّ‬
‫الشـهيرة‬ ‫عن الحل ّي والمجوهرات‪ .‬ولكن يبدو ّ‬
‫في مقاطعـة طُليطلــة‪ .‬والمجموعــة ‪ Guadamur‬بين خرائب كنيسة قوطية غربية مكرّسة للقديسة مريم بالقرب من مدينة قــدمر‬
‫‪.‬محفوظة في متحفي مدريد وكلوني‬
‫في عمل يتعلق بفتح إسپانيا في حوزة ڠايانڠوس ‪ -‬مؤلفه مشكوك في هويته ولكنه معاصر على األرجح ‪ -‬رواية عن‬
‫حملة موسى بن نُصير على طُليطلة‪ .‬فقد وجد في تلك المدينة «قصراً يسمى بيت الملوك‪ ،‬وقد س ّمي كذلك نظراً للعثــور فيــه على‬
‫الذ هب لكل ملك من الملوك الذين حكموا األندلس‪ .‬كان على كل تاج كتابة تفيد باسم الملك الذي كــان لــه‬ ‫أربعة وعشرين تاجا ً من ّ‬
‫وعدد األوالد الذين خلّفهم من بعده‪ ،‬وتاريخ والدته واعتالئه العرش ووفاته؛ فقد كانت بين ح ّكــام األنــدلس القــوط ُسـنّة أن يُحفــظ‬
‫التّ اج الذي لبسه كل واحد منهم خالل حياته‪ ،‬في ذاك القصر بعد مماته‪ .‬وباإلضافة إلى هذه النّفائس‪ ،‬عثر موسى في القصر نفسه‬
‫‪.‬على مائدة سميت باسم سليمان بن داود (عليهما السّالم!) وطاولة أخرى من المرمر»‪743‬‬
‫قبل سنة ‪ ،1885‬كان يبدو وصف حل ّي مثل هذه الحل ّي التي ملكها ملوك القوط في إسپانيا رومانسية مبالغـا ً بهــا‪ ،‬لكن‬
‫أن ما وصفه الكاتب العربي كان بالكاد يتجاوز الحقائق المجرّدة‬ ‫‪.‬كنز قدمر يبين ّ‬
‫اكتشفت الكنز امرأة فقيرة جاهلة ذات يوم عندما انخفض مستوى مياه نهر وادي الرّصاص بعد فيضانها إثر عاصفة‬
‫هوجاء‪ ،‬لتكشف في ضوء النّهار ما كان مدفونا ً بالقرب من مجرى النّهــر ألكــثر من ‪ 11‬قرنــا‪ .‬ونظــراً ألنهمــا لم يكونــا مــدركين‬
‫الصـاغة في‬ ‫لقيمته التّاريخية‪ ،‬لم تفكر هي وزجها سوى في بيع الكــنز الــذي عــثرا عليــه بأســرع مــا يمكن إلى أصــحاب محالت ّ‬
‫طُليطلة‪ ،‬قبل أن تطالب السّلطات به باعتباره من أمالك ال ّدولة‪ .‬وهكذا تم كسر وتذويب العديــد من القطــع المختلفــة الــتي ال تُقـ ّدر‬
‫ي أحد م ّمن في وسعه تقدير قيمتها أن يعرف بشأن العثور عليها‪ .‬هذا ما حصل حقــاً‪،‬‬ ‫قيمتها األثرية بثمن قبل أن يكون في وسع أ ّ‬
‫السـحيق عنــدما‬ ‫أن معلما ً حالفه الحـظ في مدرســة قــدمر االبتدائيــة كــان لديــه من التّعليم مــا يكفي ليتعـرّف على عمرهــا ّ‬ ‫عدا عن ّ‬
‫صادف أن رأى قطعة من الحل ّي في يد من عثر عليها‪ .‬لقد خسر العالم الكثير من خالل فقدان ما هو حتى بمقياس هذه األيام على‬
‫‪.‬األرجح أكمل مجموعة من الحل ّي المسيحية العائدة للقرن السّابع المعروفة حتى اآلن‬
‫لن نمضي في سرد تفاصيل كل ما عُثر عليــه‪ ،‬ولكن المالحظــة الــتي تركهــا المــؤرّخ العــربي المقتبســة آنفـا ً تكتســب‬
‫أن من بين القطع التي عُثر عليها على ضفاف نهر وادي الرّصاص التّيجان التي كتب عليها بحجــارة‬ ‫أهمية خاصة عندما نعرف ّ‬
‫كريمة أسماء ريسيسڤينت‪ ،‬سڤينتيال‪،‬ـ سونّيك‪ ،‬ورئيس ال ّدير ثيودوسيوس‪ ،‬باإلضافة إلى صليب نــذر يحمــل اســم لوســيتيوس‪ .‬لقــد‬
‫‪.‬كانت ضمن اللقية نفائس كنسيّة فقدت أسماء من وهبها للكنيسة‬
‫ويحمل التّاج ال ُمهـدى من ثيودوســيوس الكتابـة التّاليـة الــتي لم يت ّم تشــكيلها بجـواهر متدلّيـةـ كمـا هي الحـال مـع تــاج‬
‫ّ‬
‫‪:‬سڤينتيال‪ ،‬وإنما ُحفرت في الذهب نفسه‬
‫‪Offeret Munusculum Sco Stephano Theodosius Abba‬‬
‫‪.‬ومعناها أنه هدية إلى القديس ستيفانو من رئيس ال ّدير ثيودوسيوس‬
‫‪»: Rex Offeret.‬أ ّما تيجان الملوك فقد كانت تحمل اسم الملك وكلمة «إهداء» إلى جانب كلمة «الملك‬
‫وعليه يبدو أنه كان لدى المؤرّخ العربي سبب جيــد لكي يــورد قصــة تيجــان الملــوك القــوط المهــداة للكنيســة وعليهــا‬
‫أسماؤهم‪ ،‬ونتساءل إن لم يكن المؤ ّر خون العرب الذين كانوا على األرجح ال يعرفون سوى القليل أو ال شــىء من اللغــة الالتينيــة‬
‫أن الكتابات الطّويلـة مثـل تلــك المتعلّقـة بـرئيس الـ ّدير ثيودوســيوس مـا هي إال سـجل مقتضـب لتـاريخ أسـرتهم‪ .‬لم تكن‬ ‫قد ظنوا ّ‬
‫ي حال‪ ،‬هي تلك التي كان الملوك يرتدونها وأعطيت للكنيسة بعد وفاتهم‪ ،‬وإنما وهبوها للكنيسة كنذر في حيــاتهم‪.‬‬ ‫التّيجان‪ ،‬على أ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كان كل ملك قوطي ورع يضيف اثنين من هذه التيجان إلى الكنز الجماعي للبالد‪ :‬التـاج الــذي كـان يلبســه هـو نفسـه وذاك الــذي‬
‫وهبه للكنيسة؛ وهي حقيقة تق ّدم تفسيراً بسيطا ً للعدد الكبير لمثــل هـذه الحل ّي الــتي يقـال إن المسـلمين عـثروا عليهـا عنــدما غـزوا‬
‫‪.‬إسپانيا‪744‬‬
‫على مــا ‪ Wamba،‬يشير خوليان‪ ،‬رئيس أساقفة طُليطلة في ســنة ‪ ،684‬في تاريخــه عن تمـرّد پــاولوس على وامبا‬
‫السـنيور سـنتيناك‬ ‫ولكنـه ‪ Seiior Sentenach‬يبدو إلى بعض من هذه الكنوز ومن بينها تاج ري ّكاريد‪ ،‬في مقطـع اقتبســه عنــه ّ‬
‫‪» (España‬مليء باألخطــاء المطبعيــة بحيث أنــه بالكــاد يمكن فهمــه ونحن ننقلــه هنــا من النّص الــوارد في «إســپانيا المق ّدسة‬
‫؛ بعد أن يلحظ أن پاولوس أضاف إلى استبدادهـ انتهاك حرمة المق ّدسات من خالل ســرقة كنــوز الكنيســة‪sagrada, vi. 554)،‬‬
‫‪:‬يقول خوليان‬
‫‪"Unde factum est, ut vasa argenti quamplurima de thesauris Dominicis rapta, et‬‬
‫‪coronam illam auream, quam divae memoriae Reccaredus Princeps ad corpus beatissimi Felicis‬‬
‫‪obtulerat, quam idem Paulus insano capiti suo imponere ausus est, tota haec in unum collecta‬‬
‫‪studiosius ordinaret (sc. Wamba) secernere, et devotissime prout cuique competebat Ecclesiae‬‬
‫"‪intenderet reformare.‬‬
‫مالحظة على الفصل الخامس‬
‫استخدم كون ِده على األرجح مراجع تتعلّق بحكم عبــد هللا لم يكن المقّــري أو دوزي أو ڠايــانڠوس على اطالع عليهــا‪.‬‬
‫فمجمل الفصول التي استخلصنا منها الرّواية السّابقة كتبت باسلوب ال يحتمل أ ّ‬
‫ي شــك بشــأن كونهــا ترجمــة حرفيــة‪ .‬فڠايــانڠوس‬
‫وفي حين يو ّجه انتقادات استثنائية في ح ّدتها لعمل كون ِده‪ ،‬ويواصل باستمرار لفت االنتباه إلى أخطائه في التّهجئــة والتّرجمــة‪ ،‬ال‬
‫أن معلقا ً على هذه ال ّدرجــة من ال ّدقــة والتّــأني أحجم عن‬ ‫يشير بتاتا ً إلى المقاطع التي نقلنا منها أجزاء كبيرة‪ .‬ال يمكننا أن نفترض ّ‬
‫التّعليق على استخدام كون ِده لعمل كان هو نفسه على اطالع عليه ويتعلّق بمرحلة شديدة التعقيد بحيث أن فهمها «ميــؤوس منــه»‪.‬‬
‫ّ‬
‫فإ ّم ا أن يقتبس عن المؤلف أو يحرص على أن يشرح أن المؤلف ال يستحق النّقل عنه‪ .‬يذكر كون ِده في فصــول أخــرى ابن حيّــان‬
‫وفيها نجد التّناقضات عينها كما في عمل ابن حيّان نفسه‪ .‬ولكننا لم نعثر على قصّة األمــير مح ّمــد وابنــه‪ ،‬وتعلّــق األمــير عبــد هللا‬
‫أن أحداً لم يذهب إلى ح ّد اقتراح أن كون ِده اختلــق قصــته‪ ،‬فإننــا‬ ‫بعبدـ ال ّرحمن في صغره في أي مكان آخر سوى لدى كون ِده‪ ،‬وبما ّ‬
‫نميل إلى االستنتاج بأنه اطّلع على مخطوطة تاريخية لمؤلف شيعي تتض ّمن كـل هــذه التّفاصـيل عن فـترة أحاطهـا مؤرّخــو بالط‬
‫قُرطُبة بستار من التّعتيم‪ .745‬وإذا أخذنا في االعتبار أنه حتى في الــوقت الحــالي ال يــزال العديـدـ من المخطوطــات العربيــة غــير‬
‫‪.‬المحقّقة في مدريدـ وفي قصر اإلسكولاير‪ ،‬فال يمكن استبعاد هذا األمر‬
‫‪:‬وكمثال على أسلوب ابن حيّان في الكتابة عن المولّدين يمكن إيراد ما رواه عن بني خلدون‬
‫في سنة ‪« ،889‬كانت قوة طائفة المولّدين قد قويت‪ ،‬ونصح عبد هللا بعض وزرائه بإطالق سراح القادة العرب [بمن‬
‫فيهم ابن حجّاج] الذين كانوا سجناء في قُرطُبة‪ ،‬وبتعيينهم من جهته‪ .‬وبنا ًء على ذلك أُرسلوا إلى إشبيلية وأُفرج عنهم بعد أن أقسم‬
‫يمض‬
‫ِ‬ ‫كل منهم عالنية بأنهم لن يثوروا ثانية على ول ّي عهدهم‪ ،‬وسيوظفون كل إمكانياتهم للتّقليــل من عــزوة طائفــة المولّــدين‪ .‬لم‬
‫وقت طويل على عودة كل منهم إلى ناحيته حتى أعلنوا مج ّدداً العصيان ورفضوا دفع الخراج‪ .‬ولكن بعد أن نجح األمير عبــد هللا‬
‫من خالل وزيره عبد هللا بن مح ّمد بن أبي عبده [بن الغمري] في التّفريق بينهم‪ ،‬انصرف الثّائرون إلى التّقاتــل فيمــا بينهم إلى أن‬
‫‪.‬أسر ابن حجّاج كالً من خالد وكريب [بن خلدون] وقتلهما‪ ،‬وبهذه الطّريقة استعاد السّلطان سيطرته على إشبيلية»‪746‬‬
‫أن المولّدين كانوا يزدادون ق ّوة‪ ،‬فلماذا سمح عبد هللا لكبير قادتهم بالعودة إلى قومه بدالً من احتجازه رهينة ليكون‬ ‫لو ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ِعبرة لآلخرين؟ نرى من وجهة نظرنا أن كلمة «أسر» هي عبارة ملطفة استخدمها ابن حيّان ليصـف زيـارة ابن حجّـاج لقرطبـة‬ ‫ً‬
‫التي قصدها من إشبيلية ليتعامل مع األمير معاملة الملك للملك‪ .‬وفي موضع آخر يقول ابن حيّان إن ُع َمــر بن حفصــون كــان هــو‬
‫اآلخر ُمرتهنا ً لدى األمير عبد هللا رغما ً عنه‪ ،‬في حين أن رواية أخرى تظهر أنــه كـان حـ ّراً تمامـا ً في تنقالتـه‪ .‬يمكننــا أن نتخيّــل‬
‫كيف أن تابع ومسجل تاريخ األمويين لم يكن ليق ّر بأن مثل هذه اللقاءات كان يمكن أن تحصل مع زعماء منافســين هم من وجهــة‬
‫‪.‬نظره جديرون باالزدراء‪ ،‬وكيف أنه كان يف ّكر أن من واجبه إزاء طائفته أن يح ّرف الوقائع لتضليل األجيال المقبلة‬
‫‪:‬والفقرة الالحقة أق ّل إقناعا ً مما ورد آنفا ً‬
‫كتب إبراهيم»‪ ،‬يتابع ابن حيّان‪« ،‬خطابا ً إلى األمير عبد هللا يعلمه بانتصاره ويطلب منه تعيينه حاكما ً على إشبيلية‪«.‬‬
‫استجاب السّلطان لطلبه شرط أن يق ّدم لقُرطُبة كل سنة سبعة آالف دينار بعد تح ّمل كافة نفقات الحكم في مقاطعته‪ .‬وافــق إبــراهيم‬
‫اسـتدعي قاسـم بطلب من إبـراهيم‪ ،‬واسـتق ّل ذاك القائـد‬ ‫َ‬ ‫وتق ّرر تعيين قاسم بن وليد الكلبي معاونـا ً لـه‪ ،‬ولكن بعــد فـترة من الــوقت‬
‫‪».‬واستفرد بحكم إشبيلية ونواحيها‬
‫إن سلوك إبراهيم الذي يرسل «خطابا ً يعلن فيه انتصاره» إلى السّلطان الذي كان يقاتله والذي أمـر بقتـل أتباعــه لكي‬ ‫ّ‬
‫تستتب األمور ‪ -‬طالما قيل لنا إنه قتل قبلها ال ّشقيقين ُكريب وخالد بن خلدون «ألنهما عارضا الثّورة ودعيا إلى طاعة الملك عبــد‬
‫هللا»‪ - ،747‬ال يُعقل أن يتفق مع سلوك سجين أطلــق ســراحه بشـرط أال يثــور مجـ ّدداً على سـلطة الرّجــل نفســه الــذي يو ّجــه إليــه‬
‫أن طلب ابن حجّاج تعيينهـ حاكما ً مستقالً على إشبيلية ال يعقل أن يصـدر عن قائـد مهـزوم يتوجّـه بطلبـه إلى سـلطان‬ ‫خطابه‪ .‬كما ّ‬
‫ُ‬
‫ُمهان‪ .‬ال يوضح كون ِده‪ ،‬كعادته‪،‬ـ مرجعه فيما ينقله عن تلك الحقبة‪ ،‬ولكنــه ينهيــه بإشــارة مبهمــة إلى خطــأ ارتكب في قُرطبــة من‬
‫خالل االستخدام المجحف لرسائل كتبها إبراهيم بن ح ّجاج إلى ابن خلدون وفيها ذكر لل ّشاعر القلفــاط («وهــو رجــل َمكـرُه كمثــل‬
‫أن المقطع مــأخوذ من المؤلــف الــذي نقــل عنــه دوزي فيمــا يتعلّــق بخيانــة إبــراهيم عــبر‬ ‫دهائه»‪ ،‬راجع الصّفحة ‪ ،)74‬واألرجح ّ‬
‫‪.‬الخطابات التي أرسلها الى ابن خلدون‬
‫مالحظة على الفصل العاشر‬
‫بشأن التّدمير المزعوم لمكتبةـ قُرطُبة‬
‫إن المرجع الرّئيسي لقصـة هـدم المنصـور لمكتبـة قُرطُبـة الكـبرى هـو الكـاتب ابن سـعيد الطّليطلي الـذي تـوفي في‬ ‫ّ‬
‫طُليطلــة في ســنة ‪ 1069‬عن أربعين عامـاً‪ ،‬وعليــه فقــد كتب عن الحادثــة بعــد نحــو ثمــانين او تســعين ســنة من تــاريخ وقوعهــا‬
‫‪:‬المزعوم‪ .‬وجاء في كتابه ما يلي‬
‫بعد الحديث عن بناء المكتبة وتطور العلم في عهد الحكم والذي استم ّر حتى ممات ذاك الخليفة في ســنة ‪ ،976‬يقــول‬
‫‪:‬الكاتب‬
‫ومع ذلك‪ ،‬عندما اغتصب الوزير مح ّمد بن أبي عامر المملكة‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬وأمسك بزمام الخالفة‪ ،‬أخذ منحى«‬
‫مختلفاً‪ ،‬وبهدف استرضاء الفقهاء وغيرهم من أهل ال ّزهد الذين كانوا يعارضــون نشــر العلــوم الفلســفية‪ ،‬أمــر بــالبحث في مكتبــة‬
‫الحكم‪ ،‬وبناء على أوامره أُخذت منها كل كتب الفلسفة والفلــك وغيرهــا من المواضــيع الــتي كتب عنهــا األقــدمون‪ ،‬مــا عــدا كتب‬
‫الطّب والهندسة والرّياضيات‪ ،‬وكــان مصــيرها إ ّمــا الحــرق في ميــادين المدينــة أو إلقائهــا في آبــار القصــر وخ ّزاناتــه‪ ..‬لقــد عــزا‬
‫مؤ ّرخو ذلك العصر ما فعله المنصور إلى رغبته في تدعيم مكانتــه في قلــوب العامــة‪ ،‬وبالتّــالي مواجهــة معارضــة أقـ ّل ألفكــاره‬
‫الطّموحة‪ ،‬وأن يترك وصمة على ذكرى الخليفة الحكم الـذي كــان يسـعى إلى االسـتيالء على عرشـه‪ ..‬وعليـه كـان على كـل من‬
‫درس أو علم العلوم الفلسفية قبل ذلك في العلن‪ ،‬أن يخفي علومه حتى على أقرب أصدقائه خشية أن يشوا به‪ ..‬لقد استم ّر الوضــع‬
‫على هذه الحال إلى حين اندثار ساللة بني أُميّة عندما سقطت إمارات وممتلكات تلك السّاللة القوية وسقطت في أيدي القادة الذين‬
‫‪».‬ثاروا عليهم‬
‫ي شىء من هذا‪ ،‬على ال ّرغم من أنه أفرد مساحة كبيرة لنقل األحــداث الــتي شــهدها حكم المنصــور‬ ‫لم يورد المقّري أ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ورواها بالتّفصيل‪ ،‬وهــو ال يــتردد بــالطبع في التقليــل من شــأن الحـاكم اليمــاني‪ ،‬وال يمكن أن يتسـتر على مــا من شـأنه أن يلطخ‬
‫ّ‬
‫أن خزائن الكتب التي اجتمعت في األنــدلس لم يكن‬ ‫سمعته‪ .‬يقول المقّري نقالً عن ابن خلدون‪ ،‬وهو كذلك من ال ُّسنّة‪ ،‬بعدـ أن يؤكد ّ‬
‫لها مثيل‪« :‬ولم تزل هذه الكتب بقصر قُرطُبة إلى أن بيع أكثرها في حصار البربر‪ ،‬وأمر بإخراجها وبيعهــا الحــاجب واضــح من‬
‫موالي المنصور بن أبي عامر‪ ،‬ونُهب ما بقي منها عند دخول البربر قُرطُبة واقتحامهم إياها عنوة»‪ .‬ويضــيف المقّــري أن «تليــد‬
‫إن «ع ّدة الفهارس التي فيها تسمية الكتب أربع وأربعون فهرسة»‪748‬‬ ‫‪.‬صاحب خزانة الكتب قال للحافظ أبي مح ّمد بن َحزم» ّ‬
‫ولد ابن َحزم‪ ،‬وهو من أصل إسپاني‪ ،‬في قُرطُبة في سنة ‪ ،994‬وعليه فقد كان فتى عندما أخـبره تليـد عن الفهـارس‪.‬‬
‫لكنه أصبح بعدها خادما ً مخلصا ً لألمويين وال يمكن أن نتصوّر أاّل يعبّر عن الغضب والسّخط الذي كان سيتركه ذلك على ذاكرة‬
‫أن المكتبةـ كانت قد ُد ّمرت كما يقول ابن سعيد‬ ‫‪.‬ونفسية واحد من السّاللة شديد التّعلّق بالعلم‪ ،‬لو ّ‬
‫يخصـص صــفحات عـ ّدة ليصــف‬ ‫ّ‬ ‫وال يدحض صمت ابن خلدون وابن َحـ زم فقــط مــزاعم ابن ســعيد‪ ،‬بــل إن المقّــري‬
‫صقالبة الخصيان ال ُخـ ّدام بالقصــر أخــذوا بــأوفر‬ ‫ازدهار األدب والعلوم في قُرطُبة في عهد المنصور‪ .‬ويقول المقّري إنه «حتى ال ّ‬
‫الشـعراء والفقهــاء والخطبــاء والبلغــاء‬ ‫نصيب من األدب» في عهده‪ ،‬وبعد أن يذكر بعض األسماء يضيف‪« :‬وسنمسك عن ذكــر ّ‬
‫ألن عددهم كان أكثر من رمال البحر‪ .‬لقد وفد إلى األندلس في عهده عدد كبير من الرّجال الــذين تميّــزوا‬ ‫الذين ظهروا في أيامه‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪».‬بمواهبهم أو اشتهروا ببراعتهم في مجال من مجاالت العلم أو األدب‪ ،‬وش ّجعهم انفتاح المنصور على اإلقامة في قرطبة‬
‫يورد دوزي قصة تخريب المنصور المتع ّمد للمكتبة كما أوردها ابن ســعيد في األســاس‪ ،‬ونقالً عنــه؛ كمــا يقتبس عن‬
‫المقّري وابن ِعذاري‪ .‬ال يمكننا التّحقّق من اإلشارة إلى المقّري كمصدر ألنه ينقل عن نسخته المحرّرة للنّص العربي‪ ،‬والفقرة ال‬
‫مكان لها في ترجمة ڠايانڠوس‪ .‬كتب ابن ِعذاري في منتصف القرن الثّالث عشر‪ ،‬ووفقا للنّقد الذي يوجّهه دوزي نفســه لــه‪ ،‬كمــا‬
‫‪.‬نقله عنه پونس‪ ،‬فأعماله ينقصها دائما ً تقريبا ً الحكم الصّائب والحدس التّاريخي‬
‫السـلبية‪ ،‬بشــأن زيــف اتّهــام ابن ســعيد للمنصــور‪ ،‬فإنــه ال‬ ‫وبغضّ النّظر عن األدلّة التي بحوزتنا‪ ،‬سواء اإليجابية أو ّ‬
‫أن رجالً بمثل سعة صدره ورحابة أفقه وآرائه‪ ،‬وحرصه على رعاية أهل األدب‪ ،‬أن يرتكب فعالً يتعارض تمام ـا ً مــع كــل‬ ‫يعقل ّ‬
‫ما نعرفه عن شخصيته‪« ،‬السترضاء الفقهاء وغيرهم من أهل ال ّزهد»‪ .‬ويد ّل عزوفه عن شرب الخمر قبل فقط سنتين من وفاتــه‬
‫السـنّة‪ ،‬ألنهم لم يكفّـوا عن قـدح ومهاجمـة مثـل هـذا‬ ‫(راجع الصّفحة ‪ 179‬طبعة األصل) على أنه لم يكن يأبه السترضاء الفقهاء ُّ‬
‫السّلوك أكثر من أي شىء آخر‪ .‬أ ّما رواية ابن سعيد فيفترض‪ ،‬على مــا نظن‪ ،‬أن يطويهــا عــالم النّســيان المليء بالخرافــات الــتي‬
‫‪.‬ليس لها أساس‪749‬‬
‫مالحظة على الفصل ال ّرابع عشر‬
‫فيما يلي قائمة بالتّرتيب األبجدي للمدن والحصون التي كان يحكمها اليمــانيون والمولّــدون أو النّصــارى المســيحيون‬
‫‪.‬خالل الحرب األهلية في القرن التّاسع‪ ،‬مع أسماء المحافظات كما أوردها اإلدريسي في القرن الثّاني عشر وأسمائها الحالية‬
‫‪.‬األماكن التي لم تعد موجودة بجانبها نجمة‬
‫وردت لدى اإلدريسي‪ ،‬ولكن هناك حاليا‬
‫في إسپانيا مدينة تسمى ألش وتكتب‬ ‫‪*Al Ashad.‬‬ ‫ألش*‬
‫)م(‪Elche‬‬

‫‪*Alava.‬‬ ‫ألبة*‬

‫‪Albalate, Province of Valencia.‬‬ ‫البالط‪ ،‬إقليم بلنسية‬

‫‪*Al Barr.‬‬ ‫الب ّر*‬


‫‪Alborgelat or Alpujerras,‬‬
‫‪Province‬‬ ‫البرخالت أو البشرات‪ ،‬إقليم الجزيرة‪،‬‬
‫‪Algeciras, Province of Lago,‬‬ ‫‪.‬إقليم البحيرة‪ ،‬حاليا ً قادس‬
‫‪now Cadiz.‬‬
‫وردت لدى المقّري باسم الحامة‪ ،‬حصن‬ ‫‪Alhama la Seca, Province of‬‬
‫الحمة ال سيكا‪ ،‬إقليم ال َمريّة‬
‫الحامة (م)‬ ‫‪Almeria‬‬

‫‪*Al ghalyah.‬‬ ‫القليعة*‬

‫‪*Alhadrah‬‬ ‫الحدره*‬
‫ورد اسم حصن الحنش القريب من ماردة‬
‫في المراجع اإلنكليزية مع تغيير طفيف‬ ‫‪Alanje, Province of Merida‬‬ ‫حصن الحنش‪ ،‬إقليم ماردة‬
‫)م( ‪: Alange‬في كتابته‬
‫اإلدريسي‬ ‫‪*Al foseca‬‬ ‫الفشاط*‬
‫وردت فنتنالة لدى اإلدريسي بوصفها‬
‫ربضا ً قرب مالقة‪ ،‬كما أورد حصن‬
‫فنيانة‪ ،‬ويصعب تحديد أيهما أصحّ حيث‬
‫‪*Al fanatayene‬‬ ‫فنتنالة*‬
‫ال يشير النّص اإلنكليزي إلى الموقع‪ .‬لكن‬
‫‪ Finnilejat‬حصن فنيانة أقرب لفظا إلى‬
‫‪.‬التي وردت الحقا (م)‬

‫‪Alicante, Province of Tudmir,‬‬ ‫لقنت‪ ،‬أليقنت‪ ،‬إقليم تدمير‪ ،‬تسمى اليوم‬


‫‪now Murica‬‬ ‫‪ُ .‬مرسية‬

‫‪*Al havia‬‬ ‫الخابية؟*‬

‫‪*Al kutt‬‬ ‫القط؟*‬

‫‪*Al Kanatt‬‬ ‫القناة*‬


‫أورد الكتاب أنّ هذه القلعة تسمى‬
‫في إقليم جيان‪ .‬يبدو ‪Alcalá la Real‬‬
‫قلعة ابن سعيد أو قلعة بني سعيد عرفت‬
‫على وجه التّأكيد في القرن الثّالث عشر‬ ‫‪Alcala,‬‬ ‫القلعة‬
‫‪ «de la Real».‬أيضا ً باسم‬ ‫‪Kalat Yahssob‬‬ ‫قلعة يَحصُب‬
‫وردت لدى المقّري باسم قلعة بني سعيد‬ ‫‪Alcala de Ibn Said‬‬ ‫قلعة ابن سعيد‪ ،‬قلعة بني سعيد‬
‫وأشار إلى انها كانت تعرف كذلك باسم‬
‫قلعة يَحصُب ألن قوم يَحصُب كانوا‬
‫كثيرين فيها (م)‬
‫)اإلدريسي(‬ ‫‪*Al Isannah‬‬ ‫أليسانة*‬
‫‪*Al Ijjah‬‬ ‫الحجة*‬
‫)اإلدريسي(‬ ‫‪*Asher‬‬ ‫أشر (حصن)*‬

‫‪Badajoz, Province of Castillo,‬‬ ‫بطليوس‪ ،‬إقليم كاستيو‪ ،‬اسمها اآلن إقليم‬


‫‪now Estremadura‬‬ ‫إستريمادورا‬

‫‪Baeza, Povince of Farmera or‬‬ ‫بيّاسة‪ ،‬إقليم فارميرا‪ ،‬أو پاراميرا‪ ،‬اسمها‬
‫‪Paramera, now Jaen‬‬ ‫اآلن جيان‬
‫)وردت لدى اإلدريسي‪ ،‬قريبة من البحر(‬ ‫‪*Balagi‬‬ ‫بلش*‬

‫‪Beja, Province of Al Gharb,‬‬ ‫باجة‪ ،‬إقليم الغرب‪ ،‬اليوم الغاربِه‪،‬‬


‫‪now Algarve, Portugal.‬‬ ‫الپرتغال‬
‫وردت لدى اإلدريسي‪ ،‬الى ال ّشمال من(‬
‫‪*Begrah‬‬ ‫دار البقر*‬
‫)قُرطُبة‬

‫‪*Bejannah‬‬ ‫بجانة‬

‫‪*Birtannieh‬‬ ‫برطانية*‬

‫‪*Beni Tarik‬‬ ‫بني طارق*‬

‫)‪Bishter. (See p. 105 ff.‬‬ ‫بشتر (راجع ال ّ‬


‫صفحة ‪)105‬‬

‫‪Borja, Province of Zaragoza.‬‬ ‫برجة‪ ،‬إقليم َس َرقُسطة‬

‫‪Cabra, Province of Campania,‬‬ ‫قبرة‪ ،‬إقليم الكنبانية التي هي اليوم‬


‫‪now Seville.‬‬ ‫‪.‬إشبيلية‬

‫‪Calatrava, Province of Las‬‬ ‫قلعة رباح‪ ،‬إقليم الكهوف ‪ -‬الس كويڤاس‪،‬‬


‫‪Cuevas, now La Mancha.‬‬ ‫‪.‬اآلن ال مانشا‬
‫االسم األقرب إلى اللفظ لدى المقّري هو‬
‫قلعة َحزم‪ ،‬التي قال إنها كانت ضمن‬
‫‪Callosa, Province of Tudmir,‬‬
‫أمالك األمير أرطباش‪ .‬يورد المقّري‬ ‫‪.‬كالوسا؟‪ ،‬إقليم تدمير‪ ،‬اآلن ُمرسية‬
‫‪now Murcia.‬‬
‫كذلك حصن اللّوز لكن موقعه غير‬
‫واضح‪( .‬م)‬

‫‪Cazlona (Kashtulah, the‬‬


‫قشتيلة‪( ،‬حصن قسطلة‪ ،‬كاستولو‬
‫‪Roman Castulo), Province of‬‬
‫‪.‬ال ّرومانية)‪ ،‬إقليم جيان‬
‫‪Jaen.‬‬
‫‪Ecija, Province of Campania,‬‬
‫‪.‬إستجة‪ ،‬إقليم الكنبانية‪ ،‬اآلن إشبيلية‬
‫‪now Seville.‬‬

‫‪Elvira, Province of Elvira, now‬‬


‫‪.‬إلبيرة‪ ،‬إقليم إلبيرة‪ ،‬اآلن غرناطة‬
‫‪Granada.‬‬

‫‪Estepa, province of Seville.‬‬ ‫‪.‬أستبة‪ ،‬إقليم إشبيلبية‬


‫فنيانة حصن في منطقة بجانة كما ورد‬
‫‪*Finnilejat.‬‬ ‫فنيانة*‬
‫لدى اإلدريسي وهو األقرب لفظا‪( .‬م)‬

‫‪Gibraleon, Province of Ajarafe,‬‬ ‫جبل العيون‪ ،‬إقليم ال َّش َرف‪ ،‬اآلن إقليم‬
‫‪now Province of Huelva.‬‬ ‫‪.‬ولبة‬
‫كانت مدينة رومانية في هذا المكان من‬
‫الزيتون من سهل‬ ‫حيث كان يصدّر زيت ّ‬
‫إلى ‪ Vega de Carmona‬قرمونة‬
‫إيطاليا‪ .‬عُثر خالل الحفريات على أختام‬
‫صانعي الفخار من وادي شوش في‬
‫‪ Monte Testaceo‬مونتي تستاسيو‬
‫بالقرب من روما‪ ،‬وأهم ما فيها الجرار‬
‫‪.‬التي اشتهرت الجزيرة اإليبرية بتصنيعها‬
‫‪George Bonsor, Los Pueblos‬‬ ‫‪Guadajoz, Province of Seville.‬‬ ‫‪.‬وادي شوش‪ ،‬إقليم إشبيلية‬
‫‪antiguos del Guadalquivir,‬‬
‫‪Revista de Archivos‬‬
‫‪Bibliotecas, y Museos, Madrid,‬‬
‫وفي النّصف الثّاني من القرن ‪1902.‬‬
‫الثّامن كان وادي شوش ضمن ممتلكات‬
‫االبن الثّاني ‪ Artebas‬األمير أرطباش‬
‫راجع ص ‪ Witiza. (54‬للملك غيطشة‬
‫‪).‬طبعة األصل‬
‫األقرب إلى االسم لفظا هو نهر وادي‬
‫النّساء في جزيرة طريف على البحر‬
‫‪*Hansah.‬‬ ‫النساء؟؟؟*‬
‫المتوسط الذي أطلق عليه اإلدريسي اسم‬
‫‪.‬البحر ال ّشامي (م)‬
‫على نهـــــــــــر وادي ل ّكه‬
‫الذي سمي خطأ وادي لته ‪Guadalekke‬‬
‫‪*Hisn Amarina, Province‬‬ ‫حصن أمارينا؟؟ إقليم البحيرة‪ ،‬وهي*‬
‫في روايات غزوات طارق ‪Guadalete‬‬
‫‪Lago, now Cadiz.‬‬ ‫‪.‬اليوم قادس‬
‫بن زياد‪ .‬معروف اليوم باســم نهــر بربــاط‬
‫‪R. Barbate.‬‬

‫‪*Hisn Belay‬‬ ‫حصن بالي*‬

‫‪*Hisn Jerishah.‬‬ ‫حصن جريشة*‬


‫لم يرد لدى االدريسي وال المقّري ما‬
‫يوازي اللفظ‪ ،‬ولكن هناك في حضرموت‬ ‫‪*Hisn Harkabah.‬‬ ‫حصن الرّكبة؟؟*‬
‫‪.‬حصن بهذا االسم وقد تتشابه األسماء (م)‬

‫‪Huete, Province de las Sierras,‬‬ ‫‪.‬وبذة‪ ،‬إقليم ال ّشارات‪ ،‬هو اليوم طُليطلة‬
now Toledo.

Jerez, Province Lago, now


‫ اآلن قادس‬،‫ إقليم البحيرة‬،‫شريش‬.
Cadiz.

Jodar, Province of Jaen. ‫ إقليم جيان‬،‫جودر‬.


.‫ حصن بالشّ في إقليم بجانة‬،‫اإلدريسي‬
Jubiles. ‫بالش‬
)‫(م‬

*Karbar. *‫كربر؟؟‬

*Kalsannah. *‫ قلسانة‬،‫قلشانة‬.
*Kora, Province of Lago, now
Cadiz. The Sultan Abdullah’s
‫كان حصان السّلطان عبد هللا األصيل فيها‬
stud,
‫وسرقه مولّدون‬ *‫ اآلن قادس‬،‫ إقليم البحيرة‬،‫كورة‬.
which was kept there, was
‫من أهل لبريخا‬.
looted by Muwallads from
Lebrija.

*Lakmesh. *‫لقمش‬

Lebrija, Province of Seville. ‫ إقليم إشبيلية‬،‫لبريخا‬.

Lerida, Province de las ّ ‫ إقليم‬،‫الردة‬.


‫الردة‬
ِ ‫ وهو اليوم‬،‫الزيتون‬ ِ
Olivarcs, now Lerida

Lorca, Province of Tudmir,


‫ اآلن ُمرسية‬،‫ إقليم تُدمير‬،‫لورقة‬.
now Murcia.

Loja, Province of Elvira, now


‫ اآلن غرناطة‬،‫ إقليم إلبيرة‬،‫لوشة‬.
Granada.

Malaga, Province of Raya, now


‫ اآلن مالقة‬،‫ إقليم رية‬،‫مالقة‬.
Malaga.

*Matalanata. *‫متلناتا‬.

Medina Beni Selim (Medina ‫ إقليم‬،)‫مدينة ابن السّليم (مدينة سالم‬


‫‪Celi), Province of Arnedo, now‬‬
‫‪Soria‬‬ ‫‪.‬أرنيط‪ ،‬اآلن سُريه (قشتالة)‬
‫‪(Castile).  ‬‬

‫‪Medina Sidonia, Province of‬‬ ‫شذونة‪ ،‬مدينة صيدونيا‪ ،‬إقليم البحيرة‪،‬‬


‫‪Lago, now Cadiz.‬‬ ‫‪.‬اآلن قادس‬

‫‪Merida, Province of Castillo,‬‬


‫‪.‬ماردة‪ ،‬إقليم قشتالة‪ ،‬اآلن وادي شوش‬
‫ِ‬
‫‪now Badajoz.‬‬

‫‪Mertola, Province of Al gharb,‬‬ ‫مارتلة‪ ،‬إقليم الغرب‪ ،‬اآلن ألنتيجو‪،‬‬


‫‪now Alemtejo, Portugal.‬‬ ‫‪.‬الپرتغال‪750‬‬
‫ورد لدى اإلدريسي جبل الثّلج جنوب‬
‫‪*Monte Alesa‬‬ ‫جبل الثّلج*‬
‫غرناطة‪( .‬م)‬
‫ورد لدى المقّري (ج ‪ ،4‬ص ‪ )518‬جبل‬ ‫‪*Montefique, on the Guadaira,‬‬ ‫جبل مونتيفيكيو‪ ،‬على نهر وادي*‬
‫منتفريد‪( .‬م)‬ ‫‪Province of Seville.‬‬ ‫‪.‬الرّ حى‪ ،‬إقليم إشبيلية‬
‫منت ليون (المقّري)‪( .‬م)‬ ‫‪Monteleon.‬‬ ‫منتلون‬

‫‪Monte Mayor.‬‬ ‫منت ميور‬

‫‪Mora, or Morad, Province of‬‬


‫مورة أو مراد‪ ،‬إقليم الكنبانية‪ ،‬اآلن‬
‫‪Campania, now Moratalla,‬‬
‫‪.‬مرتلة‪ ،‬إقليم قُرطُبة‬
‫‪Province of Cordova.‬‬

‫‪*Morana.‬‬ ‫مورانا*‬

‫‪Murcia, Province of Tudmir,‬‬


‫‪ُ .‬مرسية‪ ،‬إقليم تدمير‪ ،‬اآلن إقليم ُمرسية‬
‫‪now Province of Murcia.‬‬
‫ورد لدى اإلدريسي حصن مرشانة في‬
‫‪*Murlianah.‬‬ ‫مريانة*‬
‫‪.‬إقليم بجانة‬

‫‪Niebla, Province of Ajarafe,‬‬


‫‪.‬لبلة‪ ،‬إقليم ال َّش َرف‪ ،‬اآلن ولبة‬
‫‪now Huelva.‬‬
‫األقرب إلى االسم لفظا ً ورد لدى‬
‫‪*Nixam.‬‬ ‫الهم*‬
‫‪.‬اإلدريسي في ال َمريّة (م)‬

‫‪*Nokur.‬‬ ‫نكور*‬
‫‪Ocsonoba, Province of Al‬‬
‫أكشونبة وردت لدى المقّري (م)‬ ‫أكشونبة‪ ،‬إقليم الغرب‪ ،‬اليوم ولبة‬
‫‪gharb, now Huelva.‬‬

‫‪Osuna, Province of Osuna, now‬‬


‫أشونة‪ ،‬إقليم أشونة‪ ،‬اليوم إشبيلية‬
‫‪Seville.‬‬
Purchena, Province of Pechina,
‫ اليوم ال َمريّة‬،‫ إقليم بجانة‬،‫برشانة‬.
now Almeria.

Raya, Province of, now


‫ وهو اليوم مالقة‬،‫ إقليم رية‬،‫ريّة‬.
Malaga.

Roda. Said by some authorities


to be Rotalyehud in the district ‫ تقول بعض المراجع أنها روطة‬.‫روطة‬
of Zaragoza. There is a place ‫ وهناك مكان‬.‫اليهود في إقليم َس َرقُسطة‬
named La Roda in the Province ‫يدعى الرّ وضة في إقليم إشبيلية‬.
of Seville.

Santa Maria de Al gharb. This


place, frequently referred to by
‫ هذا الموقع الذي تك ّرر‬.‫شنت مرية الغرب‬
historians, appears to have
‫ذكرهـ لدى المؤ ّرخين كان على ما يبدو في‬
been situated at the Cape of
‫ في‬،‫رأس سانتا ماريّا بالقرب من فارو‬
Santa Maria, near Faro, in the
‫إقليم الغرب الپرتغالي‬.
Portuguese province of
Algarve.

San Esteban, Province of Jaen. ‫ إقليم جيان‬،‫شنت اشتبين‬.

*Sahnah. *‫أليشانة‬

*Santiberia. *‫شنتمرية‬

Silves, Province of Al gharb,


.)‫ وهو اليوم الڠارب (الغرب‬،‫ إقليم‬،‫شلب‬
now Algarve. When Idrisi
‫عندما كتب اإلدريسي كان ال يزال‬
wrote Silves and the
‫يمانيون يعيشون في شلب والمدن‬
neighbouring towns were still
‫المجاورة‬.
populated by Yemenites.
‫لم ترد لدى اإلدريسي وإنما في مراجع‬
*Sonmonton. *‫شمنت‬
)‫أخرى (م‬.
‫لم ترد لدى اإلدريسي وانما في مراجع‬
‫ كترتيب المدارك وتقريب‬،‫أخرى‬ *Talheyrah. *‫طليرة‬
)‫ للقاضي عياض (م‬،‫المسالك‬

Toledo. ‫طُليطلة‬

Torrox, Province of Raya, now


‫ اليوم مالقة‬،‫ إقليم رية‬،‫طرش‬.
Malaga.
‫‪Tudmir, Province of‬‬ ‫تدمير‪ ،‬إقليم تدمير‪( ،‬ثيودومير)‪ ،‬اليوم‬
‫‪(Theodomir), now Murcia.‬‬ ‫ُمرسية‬

‫‪Ucles, Province de las Sierras,‬‬


‫‪.‬إقليش‪ ،‬إقليم ال ّشارات‪ ،‬اليوم قونكة‬
‫‪now Cuenca.‬‬
‫)اإلدريسي(‬ ‫‪*Umm Ja’afer.‬‬ ‫أم جعفر*‬
‫‪*Ward, Province of Lago, now‬‬
‫ذيرد هي األقرب لفظا ً الواردة في «نزهة‬ ‫ذيرد‪ ،‬إقليم البحيرة‪ ،‬اليوم قادس (كانت*‬
‫‪Cadiz. (Ward was near Medina‬‬
‫‪.‬المشتاق» لدى اإلدريسي‬ ‫ذيرد قريبة من مدينة صيدونيا)‬
‫‪Sidonia).‬‬
‫تشمس هي األقرب لفظا لدى اإلدريسي‬
‫‪*Yemes‬‬ ‫تشمس*‬
‫‪(.‬م)‬

‫‪Zaragoza, Province of Arnedo,‬‬


‫‪َ .‬س َرقُسطة‪ ،‬إقليم أرنيط‪ ،‬اليوم َس َرقُسطة‬
‫‪now Zaragoza.‬‬
‫المدن واألقاليم التي وردت بوصفها يحتلّها اليمانيون أو موالية للخليفة المخلوع هشام الثّاني حتى وفاتــه في ســنة‬
‫‪ ،1059‬أو متحالفة مع بني َعبّاد في النّصف الثّاني من القرن الحادي عشر‪ .‬وكانت هذه ال ّشروط الثّالثة تنطبق على بعض المدن‬
‫‪.‬في العديد من الحاالت‬
‫في هذه الفترة‪ ،‬كان العديد من األقاليم الواردة فيما يلي تحت حكم أمـراء مسـتقلّين يـدينونـ بـالوالء إلشـبيلية‪ ،‬لفـترات‬
‫‪.‬تطول أو تقصر‪ ،‬ولكننا استخدمنا عبارة إقليم لتسهيل األمر‪ ،‬متّبعينـ بذلك خطى اإلدريسي‬

‫‪Algeciras.‬‬ ‫‪.‬الجزيرة‬

‫‪Almeria, Province of.‬‬ ‫‪.‬ال َمريّة‪ ،‬إقليم‬

‫‪Al gharb, Province of.‬‬ ‫‪.‬الغرب‪ ،‬إقليم‬


‫أركش وردت لدى‬
‫اإلدريسي‪ ،‬ولكن في مصادر أخرى‬ ‫‪Alarcos‬‬ ‫أركش‪ ،‬حصن‬
‫‪.‬األرك (م)‬

‫‪Belearic Isles.‬‬ ‫‪.‬البليار‪ ،‬جزر‬

‫‪Badajoz, Province of.‬‬ ‫‪.‬بطليوس‪ ،‬إقليم‬

‫‪*Bardania.‬‬ ‫حصن بيندر*‬

‫‪*Bala.‬‬ ‫عبلة*‬
‫األقرب إلى االسم لفظا لدى المقّري‪،‬‬
‫‪*Balaguer.‬‬ ‫بالط الحر*‬
‫وبالط الحر قرب قُرطُبة‪( .‬م)‬
‫‪Baeza, Province of.‬‬ ‫‪.‬بيّاسة‪ ،‬إقليم‬

‫‪Calatrava.‬‬ ‫‪.‬قلعة رباح‬

‫‪Cartagena.‬‬ ‫‪.‬قرطاجنة‬

‫‪Castillon.‬‬ ‫‪.‬كشطالي‬

‫‪Cuenca.‬‬ ‫‪.‬قونكة‬

‫‪Denia, Province of.‬‬ ‫‪.‬دانية‪ ،‬إقليم‬


‫وردت لدى اإلدريسي‬
‫فيما يسمى إقليم مرمرية‪ .‬أوردت‬ ‫‪Gandia.‬‬ ‫‪.‬كتندةـ‬
‫بعض المراجع اسمها غاندية‪( .‬م)‬

‫‪Huelva.‬‬ ‫‪.‬ولبة‬

‫‪Huesca.‬‬ ‫‪.‬وشقة‬

‫‪*Jabora.‬‬ ‫يابورة*‬

‫‪Jaen, Province of.‬‬ ‫‪.‬جيان‪ ،‬إقليم‬

‫‪Jativa.‬‬ ‫‪.‬شاطبة‬
‫لرية في بلنسية‪ ،‬وردت لدى المقّري‬
‫‪Leiria.‬‬ ‫لرية‬
‫‪(.‬م)‬
‫‪.‬األقرب إلى اللفظ لدى اإلدريسي (م)‬ ‫‪*Lenant.‬‬ ‫الفنت*‬

‫‪Lerida, Province of.‬‬ ‫‪.‬الردة‪ ،‬إقليم‬


‫لم أتبين االسم ضمن تعداد األقاليم لدى‬
‫اإلدريسي‪ ،‬لكنه ورد في مراجع عدة‬ ‫‪Lusitania, Province of.‬‬ ‫لشدانية‪ ،‬إقليم‬
‫‪(.‬م)‬

‫‪Martos.‬‬ ‫‪.‬مرتة‬
‫‪Medina Sidonia.‬‬ ‫‪.‬شذونة‪ ،‬مدينة صيدونيا‬

‫‪Merida.‬‬ ‫‪.‬ماردة‬

‫‪*Murbiter.‬‬ ‫‪.‬مرباطر*‬

‫‪Murcia, Province of.‬‬ ‫‪ُ .‬مرسية‪ ،‬إقليم‬

‫‪Niebla, Province of.‬‬ ‫‪.‬لبلة‪ ،‬إقليم‬


‫‪*Osconoba,‬‬
‫‪.‬مراجعة المالحظة السّابقة (م)‬ ‫‪.‬أكشونبة‪ ،‬إقليم‬
‫‪Province of.‬‬

‫‪Rotalyehud.‬‬ ‫‪.‬روطة اليهود‬

‫‪Ronda.‬‬ ‫‪.‬رندة‬

‫‪Saltis, Province of.‬‬ ‫‪.‬شلطيش‪ ،‬إقليم‬

‫‪Santa Maria de Al gharb,‬‬


‫شنت مارية الغرب‪ ،‬إقليم‬
‫‪Province of.‬‬

‫‪Silves, Province of.‬‬ ‫‪.‬شلب‪ ،‬إقليم‬

‫‪Tortosa.‬‬ ‫‪.‬طرطوشة‬

‫‪Valencia, Province of.‬‬ ‫‪.‬بلنسية‪ ،‬إقليم‬


‫إقليم قريب من إقليم القواطم كما ورد‬
‫‪Xelba.‬‬ ‫‪.‬الولجة‬
‫‪.‬لدى اإلدريسي (م)‬

‫‪Zaragoza, Province of.‬‬ ‫‪َ .‬س َرقُسطة‪ ،‬إقليم‬


‫من بين أهم المناطق والنّواحي التي ثارت على الموحّدين في القرن الثّــاني عشــر بقيــادة ملــوك أســرة بــني َمــردنيش‬
‫‪.‬النّصرانية ‪ -‬اليمانية‪ :751‬البسيط وبَيّاسة ودانية وإفراغة‪ 752‬وغرناطة وجيان و ُمرسية وبلنسية‬
‫ومن بين أهم المدن واألقاليم التي ثارت على الموحّدين تحت حكم بني هود النّصرانيين ‪ -‬اليمانيين‪ ،‬كل إقليم الغرب‪،‬‬
‫ّ‬
‫ودانية وغرناطة وجيان وشاطبة ومالقة )‪» (Makkari, ii. 329‬وال َمريّة وبطليوس وقاصرش «وغيرها من مدن تلك الناحية‬
‫وماردة و ُمرسية وإشبيلية و َس َرقُسطة‪ .‬وانتقلت األراضي التي كان يسيطر عليها بنو َمردنيش إلى بــني هــود مــع أفــول نفــوذ بــني‬
‫‪َ .‬مردنيش بسبب تحالفهم مع الموحّدين‬
‫َصـر في غرناطــة‪:‬‬ ‫أسـس ســاللة بــني ن ْ‬ ‫ومن بين أولى المواقــع الــتي خضــعت أو طلبت مســاعدة ابن األحمــر عنــدما ّ‬
‫أرجونة وال َمريّة وغرناطة وجيان وشريش ولورقة ومالقة و ُرندة وإشبيلية‪ .‬وفي أواخر أيامه‪ ،‬تحالف آخــر أمــراء بــني هــود مــع‬
‫‪.‬ابن األحمر‬
‫أن األقــاليم والنّــواحي والمــدن الــتي كــان‬
‫وهكذا عبر مختلف المراحــل التّاريخيــة للحكم اإلســالمي في إســپانيا‪ ،‬نجــد ّ‬
‫يحكمها أحفاد النّصارى القوط المتحالفين مع العــرب اليمــانيين في القــرن الثّـامن‪ ،‬لم تتــوانَ عن التّحـالف مــع القـادة اليمــانيينـ أو‬
‫النّصارى ‪ -‬اليمانيين الذين ثاروا‪ ،‬قرنا ً بعد قرن‪ ،‬وتمرّدوا على حكم األقــوام اتي اختلفت عنهم في الـ ّدين واالنتمــاء القــومي؛ إلى‬
‫أن نجح فرناندو الثّالث في نهاية المطاف‪ ،‬في الرّبع الثّاني من القرن الثّالث عشر‪ ،‬وبمساعدة من حليفه اليماني ابن األحمــر ملــك‬
‫غرناطة‪ ،‬في ضم كل النّواحي النّصرانية ‪ -‬اليمانية الواقعة خارج تخوم مملكة غرناطة الحديثــة التّأســيس‪ ،‬إلى مملكتــه‪،‬ـ بـالطّرق‬
‫‪.‬السّلمية أو غير السّلمية‬
‫مالحظة على الفصل التّاسع عشر‬
‫يأتي سيمونِه على ذكر عدد من من الكنائس المستعربة مثل سانتا مارينا وسان پِدرو‪ ،‬وسان أندريس‪ ،‬وشــنت يــاقُب‪،‬‬
‫وسان لورنثو‪ ،‬وال ماڠدالينا (المجدليّة)‪ ،‬والتي يقول إنها كانت في قُرطُبة؛ لكننا نعتقد‪ ،‬ولألسباب التّالية‪ ،‬أنهــا لم تكن في قُرطُبــة‬
‫أن هناك كنائس مكرسة لسانتا مارينا وسان پِدرو وسان لورنثو في قُرطُبــة‪ ،‬ولكن ال توجــد أيّــة كنيســة‬ ‫وإنما في إشبيلية‪ .‬صحيح ّ‬
‫السـتة الــذين أوردهم ســيمونِه‪ ،‬وتحمــل خمس منهــا‬ ‫باسم القديسين الثّالثة الباقين‪ .‬وتوجد في إشبيلية كنائس مكرسة لكل الق ّديسين ّ‬
‫أن الكنائس السّت لديها تقاليد او سجالت تظهر أنها كانت أماكن للعبادة المسيحية‬ ‫سمات أثرية تعكس تأثير المستعربين‪ ،‬في حين ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خالل‪ ،‬إن لم يكن قبل‪ ،‬حكم المو ّحدين‪ .‬وسيكون من المبالغ به أن نفترض أنه كان في كل من قرطبة وإشــبيلية ســت كنــائس على‬
‫أن ثالثـا ً منهــا اختفت‬ ‫الطّراز المستعربي مكرّسة للق ّديسين السّتة أنفسهم‪ ،‬في حين يتعيّنـ علينــا أن نمضــي قُـدُما ً ونفــترض كــذلك ّ‬
‫ي أثر في قُرطُبة منذ حرب االسترداد‪ ،‬في حين ال تزال الكنائس السّت قائمة في إشبيلية‬ ‫‪.‬تماما ً ولم يبق لها أ ّ‬
‫يــذكر ســيمونِه كــذلك ســجالً لكنيســة «بازيليكــا دي ســانتا ماريّــا» في قُرطُبــة حيث كــان ال يــزال يُســمح للمســيحيين‬
‫بممارسة شعائرهم بحرية في سنة ‪ 1147‬وهي السّنة التي أقيم فيها ق ّداس جنائزي من أجــل «شــهيد» پرتغــالي‪ .‬ولكن هنــا أيضـا ً‬
‫ألن كاتدارئيــة إشــبيلية هي الــتي يقــال إنهــا «أعيــدت» إلى عهــدها األول‬ ‫نعتقد أن المدينة المقصودة هي إشبيلية وليســت قُرطُبــة ّ‬
‫ككنيسة مك ّرسة للعذراء عندما تم استرداد المدينةـ (راجع الصّفحة ‪ ،)133‬في حين أن كاتدرائية قُرطُبة األساسية التي يظهر أنهــا‬
‫‪ (Makkari, i. 218).‬كانت مكرّسة للقديس ڤيثِنتِه‪ ،‬اشتراها عبد ال ّرحمن األول من الطّائفة المسيحية في سنة ‪785‬‬
‫لقد ضاعت سجالت كاتدرائية إشبيلية في النّصف األول من القرن الثّالث عشر عندما أخرج المو ّحــدون آخــر أســقف‬
‫أن المسحيين في إشــبيلية كــانوا‬ ‫ُمنتخب من إشبيلية؛ وال توجد أيّة سجالت منذ ذلك الحين وحتى سنة ‪ .1248‬ولكن من المعروف ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫)‪. (Simonet, pp. 778 - 91‬على ال ّدوام أكثر عددا من مسيحيي قرطبة‬
‫دير سيدة النّور (دي ال لوث) في ال ُمغر‪ ،‬إقليم ولبة‬
‫أن الفن المسيحي الــذي كــان‬ ‫صلنا إليها‪ ،‬وهي ّ‬ ‫عندما كان هذا الكتاب تحت الطّبع‪ ،‬اكتشفنا مبنى يع ّزز النّتيجة التي تو ّ‬
‫ّ‬
‫المحصـن المعــروف باســم‬ ‫حتى اآلن غير معترف به ُوجد في شمال غرب األندلس في ظ ّل الحكم اإلسالمي‪ .‬والمبنى هــو الـ ّدير‬
‫دير النّور (كونڤنتو دي ال لوث) في ال ُمغر‪ ،753‬في قلب شلطيش التي كانت موطنا ً للمولّدين‪،‬ـ وكانت تحكمها ساللة بني أبي بكر‪،‬‬
‫أحفاد األميرة سارة وعُمير بن سعيد اللَّخمي‪ ،‬إلى حين وصول الموحّـدين‪ .‬وتظهـر القلعـة العربيـة الـتي ال تـزال أسـوارها ماثلـة‬
‫‪.‬بالقرب من ال ّدير‪ ،‬األه ّمية التي أوليت لل ّدفاع عن ال ُمغر عندما حكمها المولّدون والمستعربون‬
‫«كالرس‬
‫ِ‬ ‫منهن )‪» (Clarices‬الفقيرة ‪ Clares‬ظل ال ّدير حتى سنة ‪ 1911‬تابعا ألخوية راهبات‬ ‫ّ‬ ‫وطالما بقيت واحدة‬
‫حية‪ ،‬ظل المكان بأكمله مغلقا ً تماما ً أمام العامة‪ .‬ولكن قبل نحو اثـني عشـر شــهراً تــوفيت آخـر عضـوة في الجمعيــة وبـات يــدير‬
‫الحبَـل بال دنس» يعـنى بنشـر التّعليم وال يضـع أيّـة عراقيـل أمـام دخـول‬ ‫المبنى الضّخم اليوم بأكملـه فـرع من طائفـة «راهبـات َ‬
‫السـاعات الـتي أمضـيناها‬ ‫الطّالب لدراسة المكان‪ .‬وعليه كنا نحن أول أجانب نحصل على إذن للدخول بغرض الدراسـة وكـانت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مستعربي (راجع الصّفحة ‪ ribat 227‬بين جدرانه كافية لتثبت أننا عثرنا على واحد من أروع األمثلة التي تد ّل على وجود رباط‬
‫‪.‬طبعة األصل‪ ،‬الحاشية) لم يحظ حتى اآلن باالهتمام الذي يستحقه من الفنّانين والمؤرّخين على ح ّد سواء‬
‫السـؤال المه ّم وهــو مــا إذا كــان الرّبــاط في األصــل بنــا ًء مســيحيا ً‬
‫لقد دفعتنا القلعة ‪ -‬ال ّدير في الحقيقة‪ ،‬إلى أن نطرح ّ‬
‫وليس مسلماً‪ .‬فال ّر ابطة‪ ،‬التي اشتهرت في حوليات كولومبوس‪ ،‬كان يفترض أنها حصلت على اسمها من رباط موحّدي بقي منــه‬
‫تشـفت حــديثا ً جداريّــة مســيحية تحت‬ ‫عقدان (على شكل حدوة فرس)‪ .‬ولكن خالل أعمال التّرميم‪ ،‬المستمرّة منذ ســنوات عـ ّدة‪ ،‬ا ُك ِ‬
‫أن الرّبــاط كــان مســيحيا ً قبــل أن يتملّكــه المو ّحــدون‪ .‬ويوجــد عقــد أو اثنــان على شــكل حــدوة‬
‫األعمال الموريسكية‪ ،‬ليُظهــر ذلــك ّ‬
‫الحصان على الطّراز الموحّدي في دير النــور كــذلك‪ ،‬ولكن فقــط فيمـا يسـ ّميه المحليـون «القسـم الحـديث»‪ .‬لقــد كـان هــذا القسـم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫«كالرس الفقيرة» (وأصبح اليوم فصــوالً لل ّدراســة) وفيــه أعمــدة جميلــة من الرّخـام ذات تيجــان عربيــة مــع‬ ‫ِ‬ ‫مستوصف راهبات‬
‫ّ‬
‫خاصّ ية امتداد البناء بالطوب والمالط المميّزة والتي تال َحظ باستمرار في العمارة اإلسالميّة هنا‪ .‬وللباحة المركزية الفسيحة الــتي‬
‫تبلغ حوالي ‪ 150‬قدما ً مربعة‪ ،‬من جهة ثانية رواق مؤلف من عقود مستدقّة قديمة تتفـرّع عن جــدران تبلــغ ســماكتها ســتة أقــدام‪،‬‬
‫وهي تختلف تماما ً عن أيّة أبنية إسالميّة معروفة في إسپانيا‪ .‬وتوجد في مقصف الطّعام عقود طويلة ومدبّبــة منتظمــة في أزواج‪،‬‬
‫وسقف مقبّب خا ٍل من أيّة زخارف‪ ،‬يتصل بالعقود ال ّزوجية لكن دون أن يتفـرّع منهــا‪ .‬وال ينــير هــذه القاعــة العاليــة ســوى نافــذة‬
‫السـقف؛ وتوجــد نافــذة مربّعــة صــغيرة في‬ ‫مستديرة في كل جهة ال يتجاوز قطرها ثماني عشرة بوصة‪ ،‬وهي مرتفعــة قريبـا ً من ّ‬
‫ّ‬
‫الجهة الغربية أضيفت حديثا ً كما هو ظاهر‪ .‬وبنيت مقاعد بمحاذاة الجدران‪ ،‬ومن عمود لولبي ينبثق منبر عتيق بارز من الطوب‬
‫‪(.‬مطلي بطبقة سميكة من الجير األبيض) نُحتت فيه رؤوس مالئكة مجنّحة‪ ،‬باستخدام تقنيات الفن العربي‬
‫وسرعان ما يلفت انتباه ال ّزائر ضخامة ومتانــة عمــارة الباحــة والمطعم‪ ،‬إذ يبــدوان للنّــاظر وكأنهمــا هنــا منــذ األزل‪.‬‬
‫أن عائلــة پورتوكــارّيروس‬ ‫أضــافته في القــرن ‪ Portocarreros‬ولكن األمر ليس كذلك بالنّسبة لل ّرواق فوق الباحة والذي يبــدو ّ‬
‫من ناحية ‪ Martin Alonso Pinzon‬ال ّرابع عشر أو الخامس عشر؛ وهؤالء هم أجداد رفيق كولومبوس مارتين ألونسو پِنثون‬
‫‪.‬أمه‪754‬‬
‫توجد تسعة تماثيل من األلباستر منحوتة نحتا ً رائعا ً ألفراد من عائلة پورتوكارّيروس في الطّرف ال ّشرقي من كنيســة‬
‫ال ّدير‪ ،‬وقد ورثت عائلة پِنثون التي ال تزال أبرز عائالت ال ُمغر عنهم الحق في دفن أبنائها عند أسفل مذبحـ الكنيسة‪ .‬قــامت عائلــة‬
‫پورتوكارّيروس بإعالء سقف ال ّدير حيث يبدو بوضـوح الخـط الفاصـل عنـد حـدود مـا ت ّمت إضـافته باسـتخدام الطّـوب والمالط‬
‫الحديث فوق الجدران القديمة‪ ،‬وببناء غرف نـوم وسـكن للرّاهبـات المئـة العضـوات في الرّهبنـة‪ ،‬وأدخلت تعـديالتـ كثـيرة على‬
‫الكنيسة من ال ّداخل‪ .‬إنه لمن الاّل فت أن نرى عقوداً قوطية وتيجانا ً من تلــك الفــترة تحملهـا أعمـدة مصـنوعة من المالط تعـود إلى‬
‫‪.‬القرن العاشر أو الحادي عشر‪ ،‬في حين تبرز أجزاء مختلفة من البناء األصلي من الجدران هنا وهناك بصورة غير منتظمة‬
‫مع ذلك‪ ،‬فقد بقي قسم من الكنيسة في الـ ّداخل وفي حـدود معيّنـة على مـا هـو منــذ القـرن الحـادي عشــر‪ .‬إنـه الجـزء‬
‫الخاص بالكورس ‪ -‬جوقة التّرتيل ‪ -‬والذي يظهر من تصميمه ال ّداخلي أنه تم تحويله إلى كنيسة لل ّراهبات في حوالي نهاية القــرن‬
‫والبشــارة والمهــد [ميالد ‪ Guadalupe‬الثّالث عشر من خالل إضافة أبواب عريضة تزينها رســومات تمثــل عــذراء ڠوادالوپِه‬
‫وفي كتــاب ألفونســو العاشـر عن ‪» Cántigas‬السّيد المسيح]‪ .‬وتعــود المالبس إلى تلـك الفـترة كمــا هـو واضــح في «األناشــيد‬
‫أن كل الوجوه ذوات سحنة توتونية جرمانية‪ ،‬كما هي في الحقيقة تقريبا ً كل الرّسومات في "‪ "Book of Chess‬ال ّشطرنج‬ ‫كما ّ‬
‫‪.‬هذا ال ّدير‪ ،‬دون استثناء تمثال للسّيدة العذراء من الخزف أعيد ترميمه في سنة ‪1621‬‬
‫وتكتسي مقاعد غرفة الجوقة األهمية القصوى هنا‪ ،‬حيث تنتهي مساند اليدين برؤوس أسود عتيقة يظهر أحــدها على‬
‫غالف هذا الكتاب‪ .‬وتستند هذه ال ّر ؤوس إلى أعمدة ذوات تيجان عربية‪ ،‬وفوقها كتابات بالخط الكوفي الذي ظل شائعا ً حتى نهاية‬
‫القرن الحادي عشر في هذه المنطقة‪ .‬والكتابات ذوات طابع زخرفي أكثر م ّما هي الحال على سبيل المثال الكتابة العائدة إلى سنة‬
‫‪ 1085‬والتي تشير إلى زوجة وابن ال ُمعت ِمدـ بن َعبّاد (راجع الصّفحة ‪ 217‬طبعــة األصــل) وتتضـ ّمن مالمح من الخـط القـرمطي‬
‫المتصل سهل االنسياب الذي يظهر إلى جانب الخط الكوفي في قصر إشبيلية‪ .‬لقد حالت اإلضاءة الضّعيفة لألسف ‪Karamatic‬‬
‫أن الكتابات المحفورة على مساند المقاعــد تحت رؤوس األســود كــانت قــد تــآكلت و ُمحيت تقريبـا ً بحيث‬ ‫دون التقاط الصّور‪ ،‬كما ّ‬
‫ك‪ .‬كل ما أمكن الحصول عليه هو رسم لل ّشكل الخارجي‪ .‬ولم نعثر على أي كتابات كاملــة‬ ‫يصعب نسخها على الورق بطريقة الح ّ‬
‫ي من الجوانب الثّالثة‪ ،‬حيث كانت الكتابات على الجانب ال ّداخلي مثلّمـة إلى حـ ّد كبـير بسـبب طـول االسـتخدام على مـدى‬ ‫على أ ّ‬
‫ّ‬
‫قرون عديدة‪ .‬لكن مج ّرد وجود كتابة عربية على مقاعد الجوقة في مبنى لم يكن على مدى الدهر سوى كنيسة مسيحية يشهد على‬
‫‪.‬بأن المستعربين نسوا لغتهم لكنهم ظلّوا أوفياء لدينهم )راجع الصّفحة ‪ 26‬طبعة األصل( ‪ Alvarus‬ما قاله ألڤاروس‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫يحتاج وصف كل النقاط المه ّمة في دير النور (كونڤنتو دي ال لوث) فصال طويال وليس مجرّد ملحق مقتضــب بحكم‬ ‫ّ‬
‫ض رورة‪ ،‬وعلينا أن نختصر‪ .‬ويوجد في المساحة الواقعة أمام غرفة التّرتيل والتي تقود إلى داخل الكنيسة من الباحـة المركزيـة‬ ‫ال ّ‬
‫ّ‬
‫الفسيحة قبّة وقُبيبة بنيتا على الط راز العربي ولهما سقف خشبي زخرفته بديعة يتعارض بطريقة مثيرة للفضول مع البالط العائد‬
‫للقرن السّادس عشر‪ .‬وفوق بوابة ثقيلة تستخدم لفصل مصلّى الرّاهبات فتحة مستديرة تضــيء صــحن الكنيســة تزيّنهــا تقاطعــات‬
‫ذوات تصميم هندسي بسيط‪ .‬وتوجد في الحنية نوافــذ طويلــة ضـيّقة تنتهي بعقــود مدبّبــة‪ ،‬لكنهــا مســدودة‪ artesonado ،‬خشبية‬
‫وتفصل بين النّ افذة واألخرى دعامات جدارية ضخمة متصلة بسور أو متراس خارجي بواسطة عقود أو قنـاطر تسـمح بـالمرور‬
‫‪.‬بينها‪ ،‬أي بين حائط الكنيسة والجدار الخارجي‬
‫ولكن أيّا ً منها ال تضاهي هــذه‬
‫ّ‬ ‫لقد رأينا الكثير من الكنائس المحصّنة في جنوب غرب األندلس إبّان الحكم اإلسالمي‪،‬‬
‫ً‬
‫صن وإنما ال يزال هناك سور ارتفاعه عشرون قدما كاملــة يحيــط بــه من ثالث‬ ‫الكنيسة في متانتها‪ ،‬إذ ليس المبنى وحده هو المح ّ‬
‫جهات‪ ،‬أ ّما الجهة الرّابعة فأزيلت ليُتاح الحصول على ساحة عامة‪ .‬فقط من هذه الفجوة في التّحصــينات يمكننــا أن نــرى خطــوط‬
‫الهيكل الخارجي للكنيسة التي كــانت في األصــل متواريــة تمامـا ً عن األنظــار داخــل األســوار‪ .‬وإلى الجهــة ّ‬
‫الشـمالية من المــذبحـ‬
‫العالي‪ ،‬تبلغ سماكة الجدار أكثر من ستة أقدام‪ ،‬وتوصل فتحة شبيهة بنفق ضيق عـبره إلى مـا يبـدو أنـه كـان في الماضـي غرفـة‬
‫أن السّاللم التي كانت تقود إلى المتراس الخــارجي لم تعــد موجــودة‪ ،‬فقــد تم على األرجح سـ ّدها في زمن‬ ‫للحرس على الرّغم من ّ‬
‫‪.‬ليس ببعيد‬
‫وفي الجهة ال ّشمالية من الحنية تتصل المتاريس الخارجية بال ّرواق العلوي للباحة المركزية بمم ّر ضيق عــبر ســماكة‬
‫الجدار‪ .‬ومن على المتراس هنا يمكن رؤية بساتين ال ّدير التي تمتـ ّد على مســافة بضــعة فــدادين‪،‬ـ وفيهــا عــدد من اآلبــار‪ ،‬محاطــة‬
‫ي هجوم‪ .‬ويروى نقالً عن األقــدمينـ أنــه كــان يــزرع في هــذه البســاتين كــل مـا هــو ضــروري‬ ‫باألسوار العالية التي تحميها من أ ّ‬
‫ي شــكل كــان عـدا عن فتحـات‬ ‫لتموين ال ّدير بما فيه القمح لصنع الخبز‪ .‬ولم تكن في األصل في البناء بأكملــه نوافــذ مفتوحـة من أ ّ‬
‫صغيرة في الحائط الجنوبي لغرفة الطّعام؛ وطالما ظ ّل المدخل الوحيــد للـ ّدير تحت الحراســة‪ ،‬فقــد كــان الـدير‬
‫ّ‬ ‫اإلضاءة ال ّدائرية ال ّ‬
‫‪.‬عمليا ً حصينا ً‬
‫في ســنة ‪ ،1257‬أو حواليهــا‪ ،‬هــزم ألفونســو العاشــر أمــير لبلــة‪ ،‬وتبعـا ً لبعض الرّوايــات أصــبح عنــدها يحكم اإلقليم‬
‫المعروف باسم مملكة شلطيش التي تض ّم ال ُمغر‪ ،‬وبلش (بالوس دي ال فرونتيرا)‪ ،‬وجبل العيون‪ ،‬وغيرها من المــدن والقــرى في‬
‫وربمــا هم الــذين ‪ Tenorio‬تلك المنطقة‪ .‬وتشير أقدم السّجالت التي بحوزتنا إلى أن مدينة المغر كانت تحت حكم عائلة تينوريو‬
‫منحوا دير دي ال لوث المستعربي إلى طائفة راهبات سانتا كالرا‪ .‬وفي حوالي ‪ 1335‬انتقلت هذه السّيادة عبر ال ّزواج إلى عائلــة‬
‫پورتوكا ّريروس التي لديها روابط بكل من عائلتي تينوريو وپِنثون‪ .‬ويتميّــز أفــراد عائلــة پِنثــون بســحنتهم التّوتونيــة‪ ،‬فكــل أفــراد‬
‫‪.‬الجيل الحالي منهم والمتفرعين عنهم لديهم عيون رمادية اللون والعديدـ منهم شعر بنّي‬
‫‪ Argote de Molina‬يقول آل تينوريو وكذلك پورتوكارّيروس إنّهم من أصل قوطي‪ ،‬ويزعم آرڠوتِــه دي مولينا‬
‫الــذي يصـفه ‪ Juan Alfonso de Benavides‬أنهما تعقّبا العــائلتين إلى خـوان ألفونســو دي بيناڤيـ ِدس ‪ Pifferer‬وپيفّيرير‬
‫الكاتبان بأنه أحد أحفاد أحد ملوك ليون األوائل‪ .‬وإن كانا يختلفان فيما إذا كان هذا الملك ألفونسو السّابع أو التّاسع؛ فإنّهمــا يتفقــان‬
‫أن مؤسس هاتين العائلتين كان نبيالً من أصل عريق‬ ‫ونعتقد أن هذا النّبيــل كــان ‪ hijo d’algo notorio de sangre.‬على ّ‬
‫‪.‬بالطّبع من أصل قوطي نبيل ولكنه لم يكن متفرّعا ً من رودريك (لُذريق) أو من پياليو األسطوري‪ ،‬وإنما من ڤيتيتسا (غيطشة)‬
‫إن منت ميور (مونتِه مايور)‬ ‫التي هي اليوم مجرد قرية صغيرة يقصدها النّاس لزيارة صـومعتها ‪ّ Montemayor‬‬
‫على بعد نحو ميل من المغر‪ ،‬وردت بوصفها معقالً للمولّدين أثناء الحرب األهلية في القرن التّاسع ‪  ،755‬وعذراء منت ميور هي‬
‫‪.‬الق ّديسة شفيعة المغر‬
‫)أبرشية مستعربة اختفت منـذـ زمن طويل( ‪ Alvaro Pelaez‬في سنة ‪ ،1349‬وهب أسقف شلطيش ألڤارو پياليث‬
‫ّ‬
‫عطيّة إلى دير المغر‪ 756‬وربما استخدمت هذه الهبة لتغيير الكنيسة كمـا ورد أعاله‪ .‬ولكن ال توجـد سـجالت رسـمية متـوفرة عن‬
‫ألن صديقنا رئيس شمامسة إشبيلية‪ ،‬وبعد أن سأل أمين السّجالت في قصر األسقف‪ ،‬أخبرنا أنه ال يُعــرف شــىء هنــاك عن‬ ‫ال ّدير ّ‬
‫للسـجالت الموضـوعة بعنايـة لكـل‬ ‫تأسيس أو تاريخ القصر‪ ،‬وأنه ال يمكن الحصول على أيّـة معلومـات عن الموضـوع‪ .‬ونظـراً ّ‬
‫ـإن غيــاب أيّــة وثيقــة تتعلّــق بــدير النــور تؤكــد أصــله المســتعربي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤسّســة ديني ـةـ تأسســت بع ـدـ االســترداد في عــام ‪ ،1248‬فـ ّ‬
‫‪.‬هذا عدا عن التّاريخ المنقوش على خشبه والمحفور على حجارته ‪Mozarabie،‬‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫‪».‬دير النّور (رقم ‪ .)3‬عقود عربية في «القسم الحديث‬
‫‪».‬دير النّور (الرقم ‪ .)4‬المستوصف العربي ألخوية راهبات «كال ِرس الفقيرة‬
‫مشجرات أنساب‬
‫ّ‬
‫ثبت مراجع المؤلّفين‬
‫مراجع التّحقيق‬
‫أخبار مجموعة في فتح األندلس»‪ ،‬تحقيق إبراهيم اإلبيـاري‪ ،‬دار الكتـاب المصـري ودار الكتـاب اللبنـاني‪ ،‬الطّبعـة«‬
‫‪.‬الثّانية‪1989 ،‬‬
‫‪.‬اإلدريسي‪« :‬نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق»‪ ،‬مطبعة بريل‪ ،‬اليدنـ ‪1863‬‬
‫ّ‬
‫«الـذخيرة في محاسـن أهـل الجزيـرة»‪ ،‬تحقيـق إحسـان عبّـاس‪ ،‬دار الثٌّقافـة‪،‬‬ ‫ابن بسّام ال ّشنتريني‪ ،‬أبـو الحسـن علي‪:‬‬
‫‪.‬بيروت ‪1979‬‬
‫التّميمي المرّاكشي‪ ،‬محيي الـ ّدين أبــو مح ّمــد عبــد الواحــد بن علي‪« :‬المعجب في تلخيص أخبــار المغــرب»‪ ،‬مطبعــة‬
‫‪.‬بريل‪ ،‬اليدن ‪1881‬‬
‫الحميدي‪ ،‬الحافظ أبو عبد هللا محمد بن أبي نصر‪« :‬جذوة المقتبس في ذكر والة األندلس»‪ ،‬الــدار المصــرية للتــأليف‬
‫‪.‬والنّشر‪ ،‬القاهرة ‪1966‬‬
‫الســلطان‬‫ابن خلدون‪« :‬كتاب ال ِعبر وديوان المبتدأ والخبر‪ ،‬في أيّام العرب والعجم والبربر‪ ،‬ومن عاصرهم من ذوي ّ‬
‫‪.‬األكبر»‪ .‬ضبط النّص خليل شحادة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪2000‬‬
‫الذهبي‪ ،‬الحافظ شمس ال ّدين مح ّمد بن أحمد بن عثمان‪« :‬تاريخ اإلسالم»‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عمر عبــد ّ‬
‫الس ـالم تــد ُمري‪ ،‬دار‬ ‫ّ‬
‫‪.‬الكتاب العربي‪ ،‬بيروت ‪1990‬‬
‫الذهبي‪ ،‬الحافظ شمس ال ّدين مح ّمد بن أحمد بن عثمان‪« :‬سير أعالم النّبالء‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط ‪ -‬بشــار عـوّاد‬ ‫ّ‬
‫‪.‬معروف‪ ،‬حسين األسد‪ ،‬مؤسّسة الرّسالة‪ ،‬بيروت ‪1982‬‬
‫العماد األصبهاني‪« :‬خريدة القصر وجريدة العصر»‪ ،‬تحقيــق‪ :‬شــكري فيصــل‪ ،‬أحمــد أمين‪ ،‬إحســان عبّــاس‪ ،‬شــوقي‬
‫ضيف‪ ،‬محمد المرزوقي‪ ،‬مح ّمد العروسي المطوي‪ ،‬محمد بهجــة األثــري‪ ،‬جميــل ســعيد‪ ،‬عــدنان مح ّمــد آل طعمــة‪ .‬مجمــع اللغــة‬
‫‪.‬العربية بدمشق ‪ ،1968 - 1955‬دار الكتب المصرية ‪ ،1951‬الدار التونسية للنشر ‪1986‬‬
‫‪.‬ابن القُوطيّة‪« :‬تاريخ افتتاح األندلس»‪ ،‬تحقيق إبراهيم اإلبياري‪ ،‬دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني‪1989 ،‬‬
‫المقّــري‪« :‬نفح الطّيب من غصــن األنــدلس الـرّطيب»‪ ،‬تحقيــق إحســان عبّــاس‪ ،‬دار صــادر‪ .1988 ،‬ثمانيــة أجــزاء‬
‫‪.‬والفهارس‬
‫*‪*   *   ‬‬
‫محتويات الكتاب‬
‫سلسلة ر ّواد المشرق العربي‬ ‫‪5‬‬

‫هذا الكتاب‬ ‫‪7‬‬

‫نقاط حول الترجمة‬ ‫‪13‬‬

‫مق ّدمة المؤلّفين‬ ‫‪21‬‬

‫إســــپانيا العربيــــة‪ :‬إضــــاءات على‬ ‫‪39‬‬


‫تاريخها وفنّها‬
‫الفصـــل األول‪ :‬المســـيحية في ظـــل‬ ‫‪39‬‬
‫اإلسالم‬
‫الفصــــل الثّــــاني‪ :‬أبنــــاء غيطشــــة‬ ‫‪59‬‬
‫(ڤيتيتسا)‬
‫الفصـــل الثّ ــالث‪ :‬الســاللة المولّــدين‬ ‫‪75‬‬
‫الملكيّة‬
‫الفصــل ال ّرابــع‪ :‬األنــدلس في القــرن‬ ‫‪95‬‬
‫التّاسع‬
‫الفصل الخامس‪ :‬األنــدلس في القــرن‬ ‫‪111‬‬
‫ّ‬
‫التاسع (تت ّمة)‬
‫سادس‪ُ :‬ع َمر ملك طُليطلة‬
‫الفصل ال ّ‬ ‫‪125‬‬

‫الســابع‪ :‬تــأثير األقبــاط في‬


‫الفصــل ّ‬ ‫‪145‬‬
‫إسپانيا‬
‫الفصــــــل الثّــــــامن‪ :‬المســــــيحيون‬ ‫‪173‬‬
‫والمولّدون في عهد عبد الرّحمن الثّالث‬
‫الفصل التّاسع‪ :‬األمراء الــذين خلفـوا‬ ‫‪183‬‬
‫ّ‬
‫عبد الرّحمن الثالث‬
‫الفصــــــل العاشــــــر‪ :‬المنصــــــور‬ ‫‪199‬‬
‫والنّصارى‬
‫الفصــل الحــادي عشــر‪ :‬قصــة هشـام‬ ‫‪211‬‬
‫الثّاني‬
‫الفصــل الثّــاني عشــر‪ :‬بنــو َعبّــاد في‬ ‫‪235‬‬
‫مملكتهم‬
‫الفصل الثّالث عشر‪ :‬المرابطون‬ ‫‪255‬‬

‫الفصــل ال ّرابــع عشــر‪ :‬األنــدلس في‬ ‫‪267‬‬


‫القرن الحادي عشر‬
‫الفصـــل الخـــامس عشـــر‪ :‬إســـپانيا‬ ‫‪275‬‬
‫والمرابطون‬
‫الســادس عشــر‪ :‬بنــو هــود‬
‫الفصــل ّ‬ ‫‪293‬‬
‫وابن َمردنيش‬
‫سابع عشــر‪ :‬ســان فرنانــدو‬
‫الفصل ال ّ‬ ‫‪315‬‬
‫وابن األحمر‬
‫الفصـــل الثّـــامن عشـــر‪ :‬اليمـــانيون‬ ‫‪337‬‬
‫والموحّدون في إشبيلية‬
‫الفصل التّاسع عشر‪ :‬سقوط إشبيلية‬ ‫‪353‬‬

‫الفصل العشرون‪ :‬وفاة سان فرناندو‬ ‫‪369‬‬

‫الفصل الحادي والعشــرون‪ :‬اإلسـالم‬ ‫‪381‬‬


‫تحت حكم المسيحيين‬
‫الفصــل الثّــاني والعشــرون‪ :‬مصــر‬ ‫‪395‬‬
‫والكنيسة في إشبيلية‬
‫الفصل الثّالث والعشرون‪ :‬صناعات‬ ‫‪409‬‬
‫األندلس تحت الحكم اإلسالمي‬

‫ملحــــق‪ :‬مالحظــــات على الفصــــل‬ ‫‪423‬‬


‫األول‬
‫مشجّرات األنساب‬ ‫‪467‬‬

‫ثبت مراجع المؤلّفين‬ ‫‪479‬‬

‫مراجع التّحقيق‬ ‫‪481‬‬


‫*‪*   *   ‬‬
‫‪Notes‬‬
‫]‪[←1‬‬
‫المشتقة من الكلمة العربية «المد ّجن»‪ .‬ويالحظ المؤلفان أنها بحسب القاموس األكاديمي تســتخدم لوصــف المسـلمين الــذين بقــوا ‪ mudéjar‬وردت في النّص األصلي كلمة‬
‫‪.‬على دينهم بعد استسالم المنطقة التي يعيشون فيها كتابعين للملوك النّصارى‪ .‬لكن القاموس ال يعطي لها شرحا ً بوصفها كلمة ذات داللة فنية‬
‫]‪[←2‬‬
‫وهي تسمية ذات أصل يوناني ومعناها أسود‪ ،‬أطلقها الرّ ومان على سكان غرب أفريقيا‪ .‬وفي القــرون الوســطى أطلقت على ‪ Moros:‬وباإلسپانية ‪Moorish، Moors،‬‬
‫ال ّشعوب «السّمراء» في غرب وشمال أفريقيا سواء من البربر أو غيرهم الذين شاركوا مع العرب المسلمين القادمين من ال ّشرق في فتح جنوب إسپانيا واستيطانها‪،‬‬
‫وأشهرهم القائد البربري طارق بن زياد‪ .‬تم الحقـا تعميم اســتخدامها وأطلقت على كـل مسـلم في إســپانيا حــتى لـو كـان إسـپاني األصـل وتحـوّ ل عن المســيحية إلى‬
‫اإلسالم‪ ،‬ثم استخدمت وخصوصا ً من اإلسپان للدّاللة على كل مسلم‪ .‬والحظ الباحثون في بداية القرن العشرين أن هذه التّسمية ليست لها قيمة إثنية‪ ،‬أي ال تدلّ على‬
‫قوم أو شعب محدّد‪ .‬وفي التّ رجمة ستستخدم الكلمة بمعنى «المور» أو المسلمين األفارقة أو المغاربة او بصورة أقل العرب‪ ،‬تبعا ً للسّياق الذي ترد فيه‪ .‬وينبغي عدم‬
‫التي أطلقت على اإلسپان الكاثوليك من أصل مسلم‪ ،‬وتحـوّ لت في وقت الحـق لتصـبح ذات داللـة سـلبيّة لتُطلـق ‪ Morisco‬الخلط بين هذه الكلمة وكلمة موريسكي‬
‫على من يدّعون اعتناق المسيحية في حين يمارسون ال ّشعائر اإلسالميّة في السّرّ‪( .‬م)‬
‫]‪[←3‬‬
‫كان مؤرخا ً وعالم آثار إسپانيا ً متخصّصا ً في الفن واألدب‪( .‬م) ‪ José Amador de los Rios،‬خوسيه أمادور دي لوس ريوس (‪)1818 -1878‬‬
‫]‪[←4‬‬
‫‪: Pedro el Cruel.‬اسمه باإلسپانية‬
‫تقدّمه المراجع العربية باسم بطرس الطّاغية (م)‬
‫]‪[←5‬‬
‫‪.‬المولّدون‪ ،‬هم المسلمون أبناء سكان إسپانيا والپرتغال إبّان العصور الوسطى الذين اعتنقوا االسالم بعد الفتح اإلسالمي وعاشوا في األندلس ‪Muwallads،‬‬
‫]‪[←6‬‬
‫تعميمـ غير صحيح على اإلطالق‪ ،‬ين ّم عن ضعف في معرفة تاريخ األندلس‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←7‬‬
‫تكراراً للدّاللة على األندلس‪( .‬م) ‪ Moslem Spain‬يستخدم المؤلفان عبارة إسپانيا المسلمة‬
‫]‪[←8‬‬
‫يظنّ المؤلفان ك ّما ص ّرحا في كتابهما أنّ الخالفة العبّاسيّة كانت على مذهب اإلماميّة‪ ،‬وهذا بالطبع خطأ‪ ،‬فقد كانت خالفة ُسنّيّة المذهب بال مــراء‪ .‬ويبــدو أنّ اتّخاذهــا شــعار‬
‫ي أبي جعفر المنصور‪ ،‬وطلبها لثأر الحُسين من بني أميّة قد جعلهما يظنّان ذلك‪( .‬أحمد)‬ ‫السّواد منذ تأسيسها على يد ّ‬
‫]‪[←9‬‬
‫كريستيان فريدريش زيبولد‪( .1921 - 1859 ،‬م) ‪ Christian Friedrich Seybold،‬المستشرق األلماني‬
‫]‪[←10‬‬
‫ميخائيل الغَزيري (‪- 1710‬ـ ‪ )1791‬ورد أنه راهب ماروني من حلب‪ ،‬وأنه ولد في طرابلس في شمال لبنان‪ .‬درس في رومــا وســافر إلى إســپانيا في ‪Miguel Casiri‬‬
‫منتصف القرن الثّامن عشر وعمل مترجما ً في المكتبة الملكية في مدريد ثم أصبح أمين مكتبة قصر اإلسكولاير‪( .‬م)‬
‫]‪[←11‬‬
‫خوسيه انطونيو كون ِده (‪ .)1820 - 1766‬من أوائل المستشرقين اإلسپان‪( .‬م) ‪ José Antonio Conde y García‬المستشرق‬
‫]‪[←12‬‬
‫پاسكوال دي ڠايانڠوس (‪ ،)1897 - 1809‬من مواليد إشبيلية‪( .‬م) ‪ Pascual de Gayangos y Arce،‬الباحث والمستشرق اإلسپاني‬
‫]‪[←13‬‬
‫راينهارت پيتر آن دوزي (‪( .)1883 - 1820‬م) ‪ Reinhart Pieter Anne Dozy،‬المستشرق الهولندي من أصل فرنسي‬
‫]‪[←14‬‬
‫كان مؤرخا ً أندلسياً‪ .‬ولد في قرطبة‪( .‬م) ‪ Abu Marwán Hayyán Ibn Jalaf Ibn Hayyan al - Qurtubi،‬ابن حيّان القرطبي (أبو مروان)‪)987 -1075( ،‬‬
‫]‪[←15‬‬
‫ولد في تلمسان‪( .‬م) ‪ Ahmad el - Makkari،.‬أبو العبّاس أحمد بن مح ّمد المقّري التّلمساني المالكي األشعري‪)1591 -1631( ،‬‬
‫]‪[←16‬‬
‫‪:‬كتاب بالغ األهميّة في ثالثة أجزاء نقوم بترجمته لهذه السّسلسلة‪ ،‬وعنوانه باإلسپانيّة‬
‫‪Historia de la dominación de los Árabes en España.‬‬
‫وقد أصدرنا منه حتى اآلن الجزء الثالث‪ ،‬وهو األهم‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←17‬‬
‫لقد ميّز فرناندو الثّالث‪ ،‬ملك قشتالة‪- 1199( ،‬ـ ‪ 1252‬م) بوضوح بين العرب والمور ‪ -‬القادمين من المغرب ‪ -‬وكذلك ابنه ألفونسو العاشر‪ .‬لقد حارب الملكان المســيحيان‬
‫طوال خمسين عاما ً إلى جانب األمراء اليمانيين ضد المو ّحدين‪ ،‬أعداؤهم المشتركين‪ .‬ولكن بعد القضاء على آخر الموحّ دين (المور الحقيقيين) خالل النّصف الثّاني‬
‫‪.‬وهذا ما أثار الكثير من اإلرباك ‪ Moros.‬من القرن الثّالث عشر‪ ،‬بات الكتاب المسيحيون يطلقون على كل المسلمين الباقين في البالد اسم الموروس‬
‫]‪[←18‬‬
‫المقصود المؤرّ خ األندلسي ال ّشهير ابن األبّار القُضاعي صاحب كتاب‪« :‬ال ُحلّة ال ِّسيَراء»‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←19‬‬
‫‪F. Pons Boigues‬‬
‫]‪[←20‬‬
‫‪Cf. Pons., p. 138.‬‬
‫]‪[←21‬‬
‫البن أبي زرع الفاسي (المتوفي في حدود سنة ‪ )726‬ال ّشيخ أبو الحسن علي بن مح ّمد بن أحمد بن ُع َمر بن أبي زرع الفاسي‪ (’The Kartas, Ibn Abi Zar) ،‬القرطاس‬
‫وعنوانه‪« :‬األنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس» ويعرف بكتاب القرطاس‪( .‬م)‬
‫]‪[←22‬‬
‫‪.‬ورد اسمه في كتاب ابن القُوطيّة القرطبي‪ :‬غيطشة‪ ،‬وكان آخر ملوك القوط الغربيين‪ ،‬حكم اعتباراً من عام ‪ 694‬م ‪)،‬ڤيتيتسا( ‪Witiza‬‬
‫]‪[←23‬‬
‫نأمل أن نقدّم في كتاب الحق في المستقبل معلومات وافية عن تلك األماكن مع أسماء القبائل اليمانية الــتي اســتقرّت فيهــا‪ ،‬والمنتجــات الــتي اشــتهروا وال يزالــون في بعض‬
‫الحاالت يُشتهرون بها‪( .‬المؤلفان)‬
‫]‪[←24‬‬
‫‪.‬مالبس مشغولة غنية بال ّزخارف والكتابات المط ّرزة على أطرافها‪ ،‬كانت مخصّ صة في الفترات األولى ألفراد العائلة الحاكمة‬
‫]‪[←25‬‬
‫تُعرف هذه الفترة باسم «عهد ملوك الطّوائف»‪( .‬م)‬
‫]‪[←26‬‬
‫‪.‬وتمت ترجمتها إلى اإلنكليزية بمعنى الملوك الصّ غار‪ ،‬أو أشباه الملوك ‪ reyes de taifa،‬وردت العبارة في اإلسپانية بمعنى ملوك الطّوائف‬
‫أما بالنّسبة للتّرجمة‪ ،‬فسيتم اعتماد «ملوك الطّوائف» الحقاً‪( .‬م)‬
‫]‪[←27‬‬
‫الحجابة هي رتبة الوزارة‪ ،‬وكان الحاجب في األندلس هو أرفع الوزراء شأنا ً عند األمير‪ .‬وتطوّ رت سلطات الحاجب حتى بات يشرف على كل األمور المدنيــة والعســكرية‬
‫كما سيرد ذلك في عهد الحاجب المنصور‪( .‬م)‬
‫]‪[←28‬‬
‫»پدرو ملك قشتالة‪ ،‬ويسمى أحيانا ً «بطرس الطّاغية‬ ‫كان ملك قشتالة من ‪ 1350‬وحتى ‪ .1369‬بعد مماته تم االعتراف بمزاياه وبحث المؤرخون عن ‪ِ Pedro el Cruel،‬‬
‫«پدرو القانوني»‪( .‬م)‬
‫ِ‬ ‫ى‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫يس‬ ‫فبات‬ ‫له‬ ‫جديد‬ ‫لقب‬
‫]‪[←29‬‬
‫‪L’Andalousie et ses monuments arabes, Cairo, 1801.‬‬
‫‪.‬األندلس وآثارها العربية‪ ،‬القاهرة‪1801 ،‬‬
‫]‪[←30‬‬
‫‪Prelados Sevillanos, pp. 217 ff.‬‬
‫]‪[←31‬‬
‫‪España Sagrada, v. 336 - 84, 376 - 7, x. 112 - 4, 217, 272 - 87, 308, xi. 63 - 4, xiv. 76 - 90, 187, 317 - 21.‬‬
‫]‪[←32‬‬
‫‪España Sagrada, v. 327, x. 249 - 60, xiv. 187; cf. Crónica general, vii. 260 - 1.‬‬
‫]‪[←33‬‬
‫‪Prelados Sevillanos, p. 168.‬‬
‫]‪[←34‬‬
‫‪Idrisi, p. 17.‬‬
‫]‪[←35‬‬
‫البحر األعظم هو المحيط األطلسي‪( .‬م)‬
‫]‪[←36‬‬
‫نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق‪ ،‬اإلدريسي‪ ،‬ص ‪( .250‬م)‬
‫]‪[←37‬‬
‫‪España Sagrada, viii, 187 - 9‬‬
‫]‪[←38‬‬
‫‪Mariana, Book IX., chapter xviii.‬‬
‫]‪[←39‬‬
‫‪Dict. Acad., s. v.‬‬
‫]‪[←40‬‬
‫هم المتعرّ بون أو المستعربون المسيحيون الذين عايشوا المسلمين في األندلس‪ ،‬وتبنوا بعضا من تقاليد العرب ولغتهم‪( .‬م) ‪Mozarabs‬‬
‫]‪[←41‬‬
‫‪Cronica del Rey Don Pedro, p. 63.‬‬
‫]‪[←42‬‬
‫‪Inter ipsos sine molestia fidei degimus,‬‬
[←43]
Mariana; Book VII. Chapter xvi. España Sagrada, ix. 294, x. 255 - 60; An - Nuwairi in Makkari, ii. 490.
[←44]
"Que los mantega en Buena ley".
‫ الحرص على تطبيق القانون‬:‫ومعناها‬.
[←45]
Vii. 322
[←46]
Geschichte der Mauren, Vol. I. Pp. 310 ff.
[←47]
Morgado, op. Cit. 221 - 2.
[←48]
The Count of Christians
[←49]
"Serenissimo omnium Catholicorum summo Domino meo Romano," España Sagrada, xi. 151.
[←50]
España Sagrada, x. 364.
[←51]
Cronica del Rey Don Pedro, p. 64.
[←52]
)‫ (م‬.‫ورد اسمه كذلك أرطباش لدى المقّري‬
[←53]
Al Kuttiyyah in Journal Asiatique, 433, 460 - 70, Codera, Estudios criticos, 35 - 6.
Makkari, ii, 415, 451 – 2, Dozy, G. Der M., i. 366 note.
[←54]
‫ال تعترف السّجالت اإلسپانية بأوردونيو هذا باعتباره واحدا من ملوك ليون‬.
Makkari, ii. 162, 465.
[←55]
471 ،‫ الصّ فحة‬.‫المصدر السّابق نفسه‬.
[←56]
España Sagrada, x. 265.
[←57]
G. der M., i. 331.
[←58]
Ut qui ex nobis ad remanentes Doctores imbecillitate corporis praepediente dirigere gressus nequiverit, aut quern inquisitio, vel
census, vel vectigalis quod omni lunari mense pro Christi nomine solvere cogimur, retinuerit: saltim nocturno tempore qui
necessarium duxerit, legat. Presbiter Leovogild in España Sagrada, x. 268 - 9.
[←59]
viii. 375.
[←60]
G. der M., i. 379, 393.
[←61]
Dozy, G. der M., i. 311; Decline and Fall, Chapter li.
‫ جون دانيال‬،‫ وقد كتب عليها «من أجل استخدام أنبل األساقفة‬،1049 ‫»تعود النّسخة المطروحة إلى‬. (‫غزيري‬، Casiri, i. 541).
[←62]
viii. 257.
[←63]
‫ ألنه استخفّ بإلهة الصّ يد الرّ ومانية‬،‫كان خوستو في الثّالثة عشرة من عمرهـ عندما ُج لد وقطع رأسه في ساحة مدينة الكاال (القلعة) في فترة اإلضطهاد الرّ وماني للمسيحيين‬
‫ ديانا‬Diana. (‫)م‬
[←64]
España Sagrada, ix. 206 - 10.
[←65]
‫بين إشبيلية ومدينة إيتاليكا الرّ ومانيـة المطمـورة‪ ،‬مبـني فـوق النّقطـة الـتي ‪ Santiponce،‬جاء في القصص الدّينية القديمة أنّ دير سان إيسيدورو دل كامبو في سانتيبونثِه‬
‫عُثر فيها على ُرفات القديس‪ .‬لقد جعل ڠوزمان إل بوينو الدّير في عام ‪ 1298‬وقفا ً للكنيسة‪ .‬وإل بوينو هو مؤسّس دوقيــة شــذونة (مدينــة صــيدونيا) ووهب الوقــف‬
‫إلى كنيسة قائمة في األصل ومكرّ سة للقدّيس إيسيدورو‪ .‬وبما أنه ال يوجد ما يشير إلى أن هذه الكنيسة بنيت بعد اســتعادة اإلســپان لألنــدلس في عــام ‪ ،1248‬كمــا ال‬
‫توجد إي إشارة الى أنها كانت مسجداً تم تحويله إلى مكان للعبادة المسيحية‪ ،‬فإنّ ما يمكنـ استنتاجه أنّ هناك أساسا ً واقعيا ً للرّ واية التّقليدية القائلة بــأنّ الكنيســة بــنيت‬
‫‪.‬في عهد ال ُمعتمدـ عندما ت ّم العثور على ُرفات القديس‪ .‬وتشبه الكنيسة والدّير في تصميمهما تصميم القالع أكثر مما يشبهان مكانا ً للعبادة‬
‫]‪[←66‬‬
‫المقطع هنا مترجم وليس بحرفيّة نص المقّري‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←67‬‬
‫‪.‬علي بن يوسف ‪ 1143 - 1107‬من ملوك دولة المرابطين‬
‫]‪[←68‬‬
‫‪ii. 306, 307.‬‬
‫]‪[←69‬‬
‫‪España Sagrada, xxiii. 387.‬‬
‫]‪[←70‬‬
‫‪Chron. Adefonsi Imp. In España Sagrada, xxi. C. 64. Codera, Almoravides, p. 119.‬‬
‫]‪[←71‬‬
‫ابن َمردنيش (‪ 1171 - 1124‬م)‪ ،‬هو مح ّمد بن سعد بن مح ّمد بن أحمد بن َمردنيش الجذامي‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬أمير شرق االندلس‪( .‬م)‬
‫]‪[←72‬‬
‫‪Makkari, ii. 316; Codera, Almoravides, 138 - 40, 214; cf. Dozy, G. der M., ii. 388 - 9.‬‬
‫‪.‬استنتج أنه بعد موجة التّرحيل الثّانية‪ ،‬لم يبق سوى عدد قليل منهم في األندلس‬
‫]‪[←73‬‬
‫الخليفة األموي الوليد األول بن عبد الملك‪ 715 - 705( ،‬م)‪ .‬جعل معاوية بن أبي سفيان (‪ 680 - 662‬م)‪ ،‬مؤسّس الخالفة األموية من دمشق عاصمة للخالفة اإلسالميّة‪.‬‬
‫(م)‬
‫]‪[←74‬‬
‫قتــل أثنــاء الفتح األمــوي لألنــدلس في عــام ‪ 711‬أو ‪ Ludhriq. ،712‬رودريك أو رودريڠو باإلسپانية والپرتغالية‪ .‬ورد اسمه في الكتابــات العربيــة لُــذريق ‪Roderick،‬‬
‫يشتهر بأنه «اخر ملوك القوط»‪ .‬كان قبيل الفتح اإلسالمي ملك هسپانيا (شبه الجزيرة اإليبيرية) لفترة وجيزة بين ‪ 710‬و ‪( .712‬م)‬
‫في القشتاليّة مراراً ما يُلفظ ذاالً‪ ،‬كقولهم‪ :‬ڠراناذا‪َ ،‬مدريذ‪ .‬أ ّما الالم فهي إقالب شفوي لفظي مع الرّ اء‪( .‬أحمد) ‪ D‬قلت‪ :‬وسبب تسميّة العرب له لُذريق أنّ حرف‬
‫]‪[←75‬‬
‫وليس‪ :‬ثونييڠا ‪( .‬أحمد) ‪ ñ‬هكذا لفظ اسمه باإلسپانيّة برغم وجود الحرف‬
‫]‪[←76‬‬
‫‪.‬البابا ڠريڠوريوس التّاسع (‪)1241 - 1227‬‬
‫]‪[←77‬‬
‫البابا إينوسنت الرّ ابع (‪)1254 - 1243‬‬
‫]‪[←78‬‬
‫‪Zúñiga, i. 83.‬‬
‫‪.‬زار ابن الخطيب مدينة سال في عام ‪ 1360‬ووجد أن مدينة ال ّرباط مأهولة كلها تقريبا ً بأبناء العائالت التي تم ترحيلها في سنة ‪1122‬‬
‫‪Gayangos in Makkari, ii. 515.‬‬
‫]‪[←79‬‬
‫‪.‬خوان األول ملك قشتالة (‪)1390 - 1358‬‬
‫]‪[←80‬‬
‫‪Zúñiga, ii. 224, 232, 245. Gonzales de Leon, Noticia artistic de Sevilla (1844), I. 106.‬‬
‫]‪[←81‬‬
‫)‪The Holy Office (El Santo Oficio): The Congregation for the Doctrine of the Faith (CDF‬‬
‫)م( ‪ Holy Office of the Inquisition).‬مجمع عقيدة اإليمان هي التّسمية الحديثة لما كان يعرف قديما باسم‪ :‬ديوان العمل المقدّس لمحاكم التّفتيش‬
‫]‪[←82‬‬
‫‪Zúñiga, iv. 16 - 7.‬‬
‫]‪[←83‬‬
‫يقول رودريڠو الطّليطلي‪ ،‬الذي تعود كتاباته إلى النّصف األول من القرن الثّالث عشر‪ ،‬وقد كان سابقا ً للمــؤرّ خ ماريانــا‪ ،‬إن رودريڠــو القــوطي خلــع غيطشــة عن العــرش‪.‬‬
‫السـلطة‪ .‬ويفــترض الكـاتب غـير‬‫ولكن كافة المراجع الموثوقة السّابقة التي تمكنا من مراجعتها تتفــق على مــا يبــدو على أنـه مــات قبـل أن يسـتولي رودريڠــو على ّ‬
‫المعروف الذي يعرف باسم إيسيدورو پاثنسيس والذي تعود كتاباته لحوالي سنة ‪ ،754‬وكان على ذلك معاصراً تقريبا ً لألحداث التي وثقها‪ ،‬أن غيطشة مات قبل أن‬
‫الذي ُكتب في حوالي العــام ‪ ،883‬أن ‪» Chronicon Sebastiani‬يظهر رودريڠو على السّاحة‪ ،‬لكنه ليس جازما في ذلك‪ .‬ويخبرنا كاتب «السجل السّيباستياني‬
‫رودريڠو انتخب ملكا ً عندما مات غيطشة‪ ،‬في حين يقول المقّري‪ ،‬استناداً إلى مصادر عربيــة‪ ،‬وبوضــوح إن خالفــات داخليــة ظهــرت لــدى مــوت غيطشــة عنــدما‬
‫«ق ّرر القوط أن يولّوا على العرش قائداً يدعى رودريڠو»‪ .‬ويبدو على األرجح عموما ً أن رودريڠو لم يخلع غيطشة‪ ،‬كما يقول رودريڠو الطّليطلي‪ ،‬وإنمــا اســتولى‬
‫على العرش عند مماته‪ .،‬ويرى ڠايانڠوس أن رودريڠو خلع غيطشة على أساس االختالف بشأن مدّة الوالية الممنوحــة لــه بين إيســيدورو وسيباســتيان تباعـاً‪ ،‬لكن‬
‫ليس لهذا التّحليل وزن يذكر في ضوء البيانات التي تدحض ذلك والتي د ّونها موثقون عرب وإسپان‪ ،‬واألفكــار المتســاهلة حــول الحاجــة إلى سـجالت دقيقــة والــتي‬
‫‪.‬سادت في ذلك الوقت‬
‫‪(Makkari, i. 254, and Gayangos not, p. 512 - 3; Isidorus Pacensis in España Sagrada, viii. 261 ff; Chronicon Sebastiani in id.‬‬
‫)‪xiii. 478; Rodericus Toletanus in Schott, Hispania illustrata, ii. 62 - 3.‬‬
‫]‪[←84‬‬
‫‪Mariana, Book VI. Chapter xix.‬‬
‫في جليقية (ڠاليثيـا)‪ ،‬الـذي تــوفي في عـام ‪ .1288‬يسـتعرض الكاتبــان ‪ Tuy‬يسير ماريانا في هذه المقاطع على خطى رودريڠو الطّليطلي وربما لوكاس‪ ،‬أسقف توي‬
‫كالهما حكم غيطشة بالتّفصيل لكن أيا ً منهما ال يستشهد بمراجع سابقة موثوقة‪ .‬ومن بين الكتاب المسـيحيين لم يكن سـوى اثـنين معاصـرينـ لغيطشــة‪ :‬إيسـيدوروس‬
‫ولكن على أيّ حال‪ ،‬يقال اليوم إنّ ‪» Chronicon Biclarense.‬المذكور آنفا‪ ،‬والكاتب الذي واصل كتابة «سجالت بيكالرنس ‪ Isidorus Pacensis،‬پاثنسيس‬
‫عيّنـه ولي عهـدهـ وشــريكه في العــرش‪ ،‬وأنـه حكم تقريبـا ً لخمس ‪ Egica‬كتاباتهما كانت نسختين مختلفتين للسّجل نفسه‪ .‬ولكننا نعرف من خاللهما أن [أبـاه] إخيكا‬
‫عشرة سنة‪ ،‬وأعاد االعتبار ألولئك الذين نفاهم والده‪ ،‬وأحرق سجالت سوابقهم‪ .‬ويبدو في الحقيقة وكأن غيطشة‪ ،‬البعيد كل البعــد عن صــورة المــاجن غــير الــورع‬
‫كما صوره الكتّاب الالحقون‪ ،‬أظهر حماسة مفرطة تقريبا ً الحترام المقدّسات‪ ،‬حيث أنه حضّ سندريد‪ ،‬أسقف طُليطلة على اتخاذ تدابير إصالحية اعتبرهــا المــؤرخ‬
‫‪.‬لفترة حكمه متط ّرفة‬
‫‪"Per idem tempus divæ memoriæ Sinderedus urbis regiæ Metropolitanus Episcopus sanctimoniæ studio claret: atque‬‬
‫‪longævos et merito honorabiles viros, quos in suprafata sibi commissa ecclesia reperit, non secundum scientiam zelo‬‬
‫‪sanctitatis stimulat, atque instinctu jam dicti Witizæ Principis eos sub ejus tempore convexare non cessat." (Isodorus‬‬
‫)‪Pacensis in España Sagrada, viii. 290‬‬
‫ولم يذكر هؤالء المؤرخون األوائل شيئا ً عن سلوك غيطشة الفاسق على الصّعيد ال ّشخصي‪ ،‬أو عن سماحه بزواج رجال الدّين‪ ،‬وخالفه مــع رومــا‪ .‬ومن المســتحيل أن‬
‫نعرف إن كان لدى رودريڠو الطّ ليطلي أي إثبات على روايته‪ ،‬أو إن كان‪ ،‬مثله مثل كثيرين من الكتاب الكنسيين‪ ،‬اعتمد على خياله لسرد وقائعه عنــدما لم يحصــل‬
‫‪.‬على شىء من مصادر أخرى‬
‫وجدنا أقدم الكتابات التي تتحدّث عن توصية غيطشة لرجال الدّين بأن يتزوجوا في «السجل السّيباستياني» الذي كتب بعد العام ‪ .866‬وال يذكر هذا الكاتب الخالف مع‬
‫)‪. (.España Sagrada, xiii. 477 - 8‬روما‪ ،‬وال عودة اليهود‬
‫]‪[←85‬‬
‫أو على األرجح في عدم السّعي إلى تطبيق التّحريم الذي فرضه الملك القوطي ريكاريد (‪- 586‬ـ ‪ 601‬م)‪ .‬كان رجال الـدّين القــوط‪ ،‬مثــل الجميــع غــيرهم في ذاك التّــاريخ‬
‫‪.‬ولقرون بعدها‪ ،‬يتزوجون بحرية وفي العلن‬
‫‪Cf. Lea, History of Sacerdotal Celibacy, i. 135, and passim.‬‬
‫]‪[←86‬‬
‫ربما كان لمعاملة الح ّك ام القوط ورجال الكنيسة لليهود أثر كبير في تسهيل نجاح المسلمين‪ .‬فقد خضعوا على مدى نحو مئة عام قبل الفتح اإلسالمي الضطهاد وحشــي‪ .‬وفي‬
‫كل مرة كان يعقد فيها مجلس طُ ليطلة أو سينودوس لكبار المسؤولين الكنسيين واألساقفة ابتداء من السّينودوس الرّابع (‪ 633‬م) كان يتم إصــدار تشــريعات ضـدّهم‪،‬‬
‫»من «الهيئة التّشريعية )‪ (.Book XII. Tit. Ii‬حتى ق ّرر السّينودوس السّابع عشر (‪ )694‬أنه ينبغي استرقاقهم جميعهمـ ومصادرة ممتلكاتهم‪ .‬الكتاب الثّاني عشر‬
‫السـبت‪ ،‬وأن يعقـدوا قـرانهم طبقـا ً ‪Fuero Juzgo‬‬ ‫ملىء بتشريعات مضطهدة‪ .‬كان يمنع على اليهود االحتفال بعيـد الفصـح أو بأعيـادهم التّقليديـة وإجـازات يـوم ّ‬
‫للطّقوس اليهودية‪ ،‬وأن يأكلوا الطّعام الذي يعدّونه وفقا ألحكام شــريعتهم‪ ،‬أو يمارســوا الختــان‪ ،‬وســواء تم تعميــدهم أم ال‪ ،‬لم تكن شــهادتهم مقبولــة ضــد مســيحيين‪.‬‬
‫‪.‬وكانت النّتيجة أنّ اليهود رحّ بوا بالغزاة لدى وصولهم‪ ،‬هذا إن لم يحضّ وهم على المجىء‪ ،‬كما اتُّهموا بأنهم فعلوا في عهد إخيكا‬
‫يقول المقّري إنّ الفاتحين العرب أولوا شؤون قرطبة وغرناطة وإقليم رية الذي يضم مقاطعــة مالقـة‪ ،‬لليهــود بعــد فتحهــا‪ ،‬وأصــبحت هـذه الممارســة شــائعة تقريبـا ً في‬
‫السّنوات الالحقة‪ ،‬ففي كل م ّر ة كان المسلمون يسيطرون على مدينة‪ ،‬كانوا يتركونها في وصاية اليهود‪ ،‬مع عدد قليل من المسلمين‪ ،‬حيث كان باقي الجيش يواصــل‬
‫طريقه لتحقيق فتوحات جديدة‪ .‬ويقول ڠايانڠوس‪ ،‬استناداً إلى ابن خلدون‪ ،‬إن معظمـ القبائل البربرية التي تقطن السّواحل ال ّشمالية ألفريقيـا‪ ،‬كـانت تعتنـق اليهوديــة‪،‬‬
‫وإنه‪ ،‬رغم أن االثني عشر ألف رجل الذين كان يقودهم طارق بن زياد [وهو من البربر (م)] كانوا قد اعتنقوا اإلســالم‪ ،‬فــإنّ هــذا التّحـوّل إلى اإلســالم لم يكن على‬
‫ويقول لوكاس ابن توي إنّ اليهود فتحوا بوابات طُليطلة أمام )‪ (.Makkari, i. 280, 530‬األرجح صادقا ً تماما ً بحيث يؤثر على الفور على تعاطفهم مع بني دينهم‬
‫المسلمين في حين كان المسيحيون يقيمون القدّاس بمناسبة أحد ال ّشعانين في كنيسة سانتا ليوكاديا خارج المدينة‬
‫‪extra urbem (in Schott, iv. 70).‬‬
‫]‪[←87‬‬
‫‪Rudericus tumultuose regnum hortante Senatu invasit.‬‬
‫]‪[←88‬‬
‫عدا عن مكتب السّناتور ال ّروماني‪ ،‬تتعلق بميثاق فرنسي يعود إلى القرن الثّالث عشــر‪ Senatus .‬ال يفيدنا دوكانج كثيراً هنا حيث أن اإلشارة الوحيدة التي يعطيها للمجلس‬
‫سناتورس‬
‫ِ‬ ‫سواء أكانوا أبناء أعضاء مجلس ال ّشيوخ أو األعيان في ‪ nobles‬وفق المصدر نفسه كانت مستخدمة تكرارا لإلشارة إلى النّبالء ‪ Senatores‬لكن عبارة‬
‫المناطق أو الذين مارسوا مهامهمـ بصفتهم أعضاء في المجلس أو قضاة في مدنهم نفسها‪ .‬ويمكن للمختصــين باللغــة الالتينيــة المســتخدمة في العصــور الوســطى أن‬
‫‪ Senate.‬من خالل إشارته إلى المجلس ‪ nobles‬يحكموا أفضل منا إن كان إيسيدورو يقصد النّبالء‬
‫]‪[←89‬‬
‫الكتاب المذكورـ هو «تاريخ افتتاح االندلس» لمؤلفه القرطبي أبي بكر مح ّمد بن ُع َمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسي بن مزاحم ابن القُوطيّة‪( .‬م)‬
‫]‪[←90‬‬
‫‪Almand, Romulo, and Artebas.‬‬
‫]‪[←91‬‬
‫‪Al - Kuttiyyah in J.A., p. 430.‬‬
‫النصّ العربي منقول مع تصحيحات المحقّق من‪ :‬ابن القُوطيّة‪« ،‬تاريخ افتتاح األندلس»‪ ،‬تحقيق إبراهيم اإلبياري‪ ،‬دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبنــاني‪ ،1989 ،‬ص‬
‫‪( .29‬م)‬
‫]‪[←92‬‬
‫‪Makkari, i. 269.‬‬
‫الفقرات الواردة نصا ً من‪ :‬المقّري‪ ،‬نفح الطّيب من غصن األندلس الرّ طيب‪ ،‬تحقيق إحسان عبّاس‪ ،‬دار صادر‪ .1988 ،‬ج ‪ ،1‬ص‪( .257‬م)‬
‫]‪[←93‬‬
‫‪Gayangos in Makkari, i. 528.‬‬
‫]‪[←94‬‬
‫صليبيين‪ ،‬كما كانت تطلق على أفراد القبائل السّورية والعربية في عهدـ األمبراطورية الرّ ومانية‪ .‬وتستخدم عمومـا ً ‪ Saracens‬تعني كلمة‬
‫تاريخيا ً المسلمين الذين حاربوا ال ّ‬
‫بمعنى العرب‪( .‬م)‬
‫]‪[←95‬‬
‫‪Witiza’s sons, "callide cogitantes, missos ad Africam mittunt, Sarracenos in auxilium petunt, eosque navibus advectos Hispaniam‬‬
‫‪intromittunt." Chron. Sebast. In España Sagrada, xiii. 478.‬‬
‫‪.‬وح ّجته أن الهدف من حملة طارق بن زياد لم يكن سوى كسب الغنائم )‪ (Recherches, i. 74 ff.‬لكنّ دوزي بعد دراسة هذا اإلعالن يدحضه‬
‫يقـول لوكــاس إنهمـا كانــا يــدعيان ‪ Tingitania.‬ويقــول إنهمـا قصــدا ريســيال كــونت تينخيتانيا ‪ Eva،‬وإيڤا ‪ Sisibert‬يورد رودريڠو إنهما كانا يسـ ّميان سيسـيبرت‬
‫فارماريوس وإكسپوليو وإنهما قصدا تينخيتانيا لدى الكونت خوليان‪ .‬يقول ابن القُوطيّة‪ ،‬كما ورد آنفاً‪ ،‬إنّ أبناء غيطشة كانوا أل ُمند ورملة وأرطبـاس‪ ،‬وهي األسـماء‬
‫‪ Shithibert.‬التي نقترح أن نعتمدها في هذا الكتاب؛ في حين أنّ مؤلفا ً مغفل االسم وضع كتابا ً عن فتح إسپانيا يقول إنّ أحدهم كان يدعى شيتيبرت‬
‫‪:‬الذي كتب في حوالي سنة ‪ ،883‬نصّ بالالتينية يقول ‪ Chronicon Albedense،‬في سجل‬
‫‪"per filios Vitizani Regis oritur Gothis rixarum discessio: ita ut una pars eorum Regnum dirutum videre desideraren: quorum‬‬
‫"‪etiam favore atque farmalio Sarraceni Spaniam sunt ingressi.‬‬
‫‪ Ducange.‬الالتينية تعني حلفا ً أو عهداً؛ ولكن الكلمة لم ترد لدى دوكانج "‪ "farmalium‬يقول مح ّرر «إسپانيا المقدّسة» إن كلمة‬
‫‪España sagrada, xiii. 478, 459. Schott, ii. 63, iv. 70.‬‬
‫‪Gayangos in Makkari, i. 512 - 3, 523.‬‬
‫]‪[←96‬‬
‫‪i. 270 - 1‬‬
‫‪.‬المقّري‪ ،‬ص ‪258 ،257‬‬
‫]‪[←97‬‬
‫‪Alkuttiyyah in J.A., p. 430.‬‬
‫]‪[←98‬‬
‫تعرف باسم معركة وادي ل ّكه‪ ،‬او موقعة البحيرة‪( .‬م)‬
‫]‪[←99‬‬
‫يس ّميه العرب لُذريق أو رُذريق‪ ،‬كما ورد في المقّري‪( .‬م)‬
‫]‪[←100‬‬
‫س ّماها العرب شذونة‪( .‬م)‬
‫]‪[←101‬‬
‫بأن خيريث (شريش)‪ ،‬وليس مدينة صيدونيا‪ ،‬هي أسيدو الرّ ومانية‪ .‬في )‪ (.España sagrada, x. 20 ff‬وجهة نظر فلوريس )‪ (Recherches, i. 313‬يتبنّى دوزي‬
‫في مكان قريب من پويرتو دي ســانتا ‪ Guadalete)،‬ڠواداليتِه( الفترة التي كتب فيها فلوريس‪ ،‬كان المقبول عموما ً أنّ رودريڠو هُزم على ضفاف نهر وادي ل ّكة‬
‫الشـرق من رأس‬ ‫الصـغير الــذي يصـبّ في البحـر إلى ّ‬‫ماريّا‪ .‬لكن تم التّوصّ ل اآلن إلى أن المعركة حصلت على ضفاف بحــيرة ال خانــدا‪ ،‬بـالقرب من نهــر بربـاط ّ‬
‫وبالقرب من الطّريق ال ّروماني من الجزيرة إلى قادس‪ .‬من غير المعقول أن نتص ّور أنّ فلول جيش رودريڠو المهزوم‪ ،‬الباحثــة ‪ Cape Trafalgar،‬طرف الغار‬
‫عن مالذ‪ ،‬عبرت مدينة شذونة ذات التّالل الوعرة‪ ،‬على بعد اثني عشر أو خمسة عشر ميالً من ميدان المعركة‪ ،‬لالحتماء بمدينة سهلية‪ ،‬تبعد عنها ضعفي المسافة‪.‬‬
‫نعتقد أنه من الصّحيح القول إنّ دوزي لم يزر جنوب إسپانيا‪ ،‬وبذلك فهو غير مطّلع على الطّبيعة الجغرافية للمنطقة‪ .‬هنــاك خمســة طــرق رومانيــة تقــود من مدينــة‬
‫السـمك ‪ Bejer de la Frontera‬صيدونيا في اتجاهات مختلفة‪ ،‬واحدة منها تتجه إلى مدينة بيخير دي ال فرونتيرا‬ ‫على نهر برباط‪ ،‬من حيث كـان يتم اصـطياد ّ‬
‫‪.‬وجلبه كل مساء إلى أسياد المدينة الرّ ومانية‪ ،‬وهي عادة ال تزال تمارس إلى اليوم‬
‫أما مدينة صيدونيا‪ ،‬أو شذونة‪ ،‬فمعلقة على نتوء جبلي في سلسلة جبلية تشكل جزءاً من جبال سيرّ انيا دي روندا وقد يكـون المسـيحيون الــذين هربــوا إليهــا لجـأوا فعليـا ً إلى‬
‫‪.‬الجبال لالحتماء فيها‪ .‬ولكن ال توجد جبال على مسافة عشرة أميال أو أكثر من شريش‬
‫يبيّن ڠايانڠوس من خالل سلسلة من التّ حريفات وذلك بسب الحروف التي يستخدمها عرب األندلس وأفريقيا كيف أن وادي برباط الذي كانوا يسـ ّمونه كـذلك وادي بكـة‪ ،‬قـد‬
‫)‪. (.Makkari, i. 526 - 7‬يكون تغيّر ليصبح اسمه وادي لكة‬
‫]‪[←102‬‬
‫‪Makkari, i. 275.‬‬
‫‪.‬المقاطع العربية مأخوذة بنصّها من المقّري‪ ،‬نفح الطّيب من غصن األندلس ال ّرطيب‪ ،‬تحقيق إحسان عبّاس‪ ،‬دار صادر‪ .1988 ،‬ج‪ ،1‬ص ‪260 - 259‬‬
‫]‪[←103‬‬
‫‪.‬المقّري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪260‬‬
‫]‪[←104‬‬
‫‪Makkari, i. 275.‬‬
‫‪.‬النص المنقول عن المقّري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪266‬‬
‫]‪[←105‬‬
‫‪Ii. 14.‬‬
‫]‪[←106‬‬
‫‪Conde, i. 45 - 6.‬‬
‫‪. (Makkari, i.‬يقول المقّري إنّ المسيحيين قتلوا ثمانين من المسلمين‪ ،‬وإنّ إشبليلية استسلمت بعد معركـة قصـيرة‪ ،‬لكنّ موسـى بن نُصـير واجـه مقاومـة في مـاردة‬
‫‪285).‬‬
‫]‪[←107‬‬
‫‪Makkari, Ii. 14.‬‬
‫ورد في كتاب المقّري أنه بعد وفاة ألمند والد سارة‪« ،‬فبسط أرطباش يده على ضياعهم وضـ ّمها إلى ضــياعه‪ ،‬وذلــك في خالفــة أمــير المؤمــنين هشـام بن عبــد الملــك‪،‬‬
‫صغيرين تريد ال ّشام حتى نزلت بعســقالن من ســاحلها ثم قصــدت بــاب الخليفــة‬ ‫فأنشأت سارة بنت ألمند مركبا ً بإشبيلية حصينا ً كامل العدة‪ ،‬وركبت فيه مع أخويها ال ّ‬
‫هشام بداره بدمشق‪ ،‬فأنهت خبرها‪ ،‬وشكت ظالمتها من ع ّمها واستعدت عليه‪ ،‬واحتجّ ت بالعهدـ المنعقد ألبيها وأخويه على الخليفــة الوليــد بن عبــد الملــك‪ ،‬فأوصــلها‬
‫هشام إلى نفسه‪ ،‬وأعجبته صورتها وحزمها‪ ،‬وكتب إلى حنظلة بن صفوان عامله بإفريقية بانصافها من ع ّمها أرطباش وامضائها وإخويها على ُسـنّة المــيراث فيمــا‬
‫كان في يد والدها مما قاسم فيه أخويه‪ ،‬فأنفذ لها الكتاب بذلك إلى عامله باألندلس أبي الخطار ابن ع ّمه‪ ،‬فتم لها ذلك»‪( .‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪)267 - 266‬‬
‫نصـت على أن يحـافظوا على ‪ Cherbonneau‬يضيف ِشربونّو‬ ‫الصـكوك الـتي أعطاهـا الخليفـة الوليــد لألمـراء ّ‬
‫ّ‬ ‫في ترجمته البن القُوطيّة بعض التّفاصيل‪ ،‬وفيها أنّ‬
‫ّ‬
‫كان اسم ابني ألمند ماتروبال وأوباس‪ ،‬ويقال إنّ األخير مات في ‪» farms.‬كما وردت في نص المقري إلى «مزارع ‪» villages‬الحياد‪ .‬لقد ت ّمت ترجمة «ضياع‬
‫لكن هذا خطأ واضح‪) ،‬صخرة بالي( ‪ Covadonga‬إنه كان األسقف أوباس الذي قتل في كوڤادونڠا )‪ (Makkari, ii. 415‬جليقية (ڠاليثيا)‪ .‬ويقول ڠايانڠوس‬
‫‪.‬فألمند لم يكن سوى طفل في عام ‪ ،711‬ومعركة كوڤادونڠا جرت في عام ‪718‬‬
‫وهو عمل مجهول المؤلف يعود إلى القرن الحادي عشر‪ ،‬ورد أن الخليفة الوليـد اسـتقبل األمــراء ‪» Akhbar Majmua‬في كتاب «أخبار مجموعة في فتح األندلس‬
‫بحفاوة وأنفذ لهم ما عاهدهم عليه طارق بن زياد في استعادة ملك أبيهم‪ ،‬وأعطى كالً منهم ص ّكا ً (هل هي نسخة من المعاهدة؟) وأعطــاهم امتيـاز أال يقفـوا للـدّاخلين‬
‫إلى الغرفة التي يتواجدون فيها [«وجعل لهم أال يقوموا لداخل عليهم»‪ ،‬المقّـري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .]266‬تختلـف هـذه الرّ وايـة ع ّمـا نقلــه ابن القُوطيّـة والعائـد كــذلك إلى‬
‫القرن الحادي عشر‪ .‬حيث ورد في «اخبار مجموعة في فتح األندلس» إنــه عنــدما عــاد األمـراء إلى إسـپانيا «أســياداً على أمالك والــدهم»‪ ،‬فــإنهم «اقتســموها على‬
‫)‪. (Akhbar Majmua, 184 - 5‬موافقة فيما بينهم»‪ .‬في حين يقول ابن القُوطيّة إن القسمة تمت بموجب المعاهدة‬
‫]‪[←108‬‬
‫‪Dozy, G. der M., i. 269.‬‬
‫]‪[←109‬‬
‫وهو من المباني األموية ال ّشهيرة‪ ،‬في الجانب ال ّشرقي من نهر األردن على خط مستقيم من ضفة ‪ Kusair Amra‬هناك أمر ثانوي تجدر اإلشارة أليه وهو أن قصر عمرةـ‬
‫البحر الميت ال ّش مالية‪ ،‬توجد على جدرانه صور لشخصيات تاريخية‪ ،‬منها صورة لرودريڠو (لُذريق) بوصفه واحــداً من أعــداء اإلســالم [الــذي قضــى عليــه القائــد‬
‫‪. (.Encycl. Islam, s./v.‬طارق بن زياد في معركة وادي بكة]‪ .‬وهنــاك أيضــا نقش للقيصــر البــيزنطي وللنّجاشــي ملــك الحبشـة وآخــر لكســرى ملــك الفــرس‬
‫)‪‘Amra‬‬
‫]‪[←110‬‬
‫‪Makkari, i. 47.‬‬
‫]‪[←111‬‬
‫‪Strabo, i. 228, 250.‬‬
‫]‪[←112‬‬
‫أورد اإلدريسي مكانين شبيهين في اللفظ هما حصن قسـطيلة في ّ‬
‫الشـمال (ص ‪ )335‬ورابطـة كشـطالي (باليـاء وليس بـاأللف المقصـورة) المنيعـة في الغـرب (ص ‪،247‬‬
‫‪( .)256‬م)‬
‫]‪[←113‬‬
‫ورد في الكتاب على بعد نحو مئة ياردة والياردة تساوي ‪ 91,44‬سنتمتراً‪( .‬م)‬
‫]‪[←114‬‬
‫‪G. der. M., i. 453.‬‬
‫ـواح ‪ George Bonsor،‬ندين في وصف كاثلونا هذا للسّيد جورج بونسور‬ ‫عالم اآلثار المتميّز الذي ألقت مؤلفاته عن األندلس على مدى ثالثين عاما ً ّ‬
‫الضـوء على نـ ٍ‬
‫‪.‬مظلمة في التّاريخ الرّ وماني ‪ -‬اإليبيري‬
‫]‪[←115‬‬
‫الخليفة األموي سليمان بن عبد الملك‪( .‬م)‬
‫]‪[←116‬‬
‫‪Pons, pp. 86 - 7.‬‬
‫]‪[←117‬‬
‫األمير عبد الرّ حمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك‪ ،‬الملقب بعبد الرّ حمن الدّاخل او صقر قريش‪ ،‬توفي عام ‪( .788‬م)‬
‫]‪[←118‬‬
‫يتابع المؤلفان نقل أحداث تلك الواقعة عن پونس وهي مطابقة لما ورد في كتاب ابن القُوطيّة الوارد في النّص العربي‪( .‬م)‬
‫]‪[←119‬‬
‫‪"Rum." ? Constantinople.‬‬
‫‪.‬ويتساءل مؤلفا الكتاب إن لم يكن المقصود‪ :‬القسطنطينية ‪ "Rum"،‬ورد اسم المدينة في النّص العربي «رومة» وفي اإلنكليزية‬
‫]‪[←120‬‬
‫‪».‬ورد في النّص العربي‪« :‬أم تأخذ منه ما اتُّ ِخذ لك؟‬
‫]‪[←121‬‬
‫ورد في النّص العربي‪« :‬وقال أرطباش فعين هذا العمل أعمل فيه‪ ،‬ثم عرّ فه بأشياء كان النّاس يُنكرونها عليه وبيّنها له‪ ،‬ف ُس ّر بذلك عبد الرّ حمن بن معاويــة‪ ،‬وشــكره عليــه‪،‬‬
‫صرفت إليه‪ ،‬وكساه ووصله‪ ،‬وواّل ه القُماسة‪ ،‬فكان أول قومس باألندلس‬ ‫‪».‬وأمر له بعشرين ضيعة من ضياعه ُ‬
‫]‪[←122‬‬
‫معظمـ المقاطع الواردة مأخوذة بنصّ ها عن ابن القُوطيّة‪ ،‬ص ‪ .58‬مع تعديل في الجمل التي اختلفت فيها التّرجمة عن العربية‪ ،‬وقد تم التّنويه إلى ذلك في مواضعه‪( .‬م)‬
‫]‪[←123‬‬
‫كتب المقّري‪ :‬إنّ ميمون «كان في عداد( ‪ (fakir).‬في مالحظته بشأن هذه الواقعة نقالً عن المقّري أنّ ميمون كان زاهداً متعبّداً )‪ (Makkari, ii. 416‬يصف ڠايانڠوس‬
‫ال ّش اميين‪ ،‬إال أنه كان شديد االنقباض عنهم لزهده وورعه‪ ،‬فلما بصر به أرطباش قام إليه دونهم إعظاماً»‪ .‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪( .267‬م)‬
‫]‪[←124‬‬
‫النّص العربي منقول نصا ً من كتاب‪« :‬تاريخ افتتاح األندلس»‪ ،‬ابن القُوطيّة‪ ،‬تحقيق إبراهيم اإلبياري‪ ،‬ص ‪( .60 - 57‬م)‬
‫]‪[←125‬‬
‫‪.‬ابن القُوطيّة‪ ،‬ص‪60‬‬
‫]‪[←126‬‬
‫ورد في النّص الذي رواه ابن القُوطيّة‪ ،‬ص ‪- 57‬ـ ‪« :58‬ومن أخبار أرطباش‪ :‬أنّ عبد ال ّرحمن بن معاوية أمر بقبض ضياعه التي كانت بيــده‪ ،‬وأوجب ذلــك أنــه نظــر إلى‬
‫قبّته يوما ً في بعض غزواته معه‪ ،‬وحولها من الهدايا غير قليل‪ ،‬إذا كانت الهدايا تتلقاه في كل محطّة من ضياعه فنفس ذلك عليه‪ ،‬فقُبضت منه وصار عند بني أخيــه‬
‫‪ (...)».‬حتى ساءت حاله‪ ،‬فقصد قرطبة‪ ،‬وأتى إلى الحاجب ابن بُخت‪ ،‬فقال له‬
‫]‪[←127‬‬
‫‪Makkari, ii. 52 - 3.‬‬
‫]‪[←128‬‬
‫‪.‬إن كون شريف عربي أ ّميا ً في القرن الثّامن أمر نادر حتى أشار إليه ابن القُوطيّة‬
‫]‪[←129‬‬
‫الزيتون «عقدة ال ّزيتون» ربما يكون ناجما ً عن خطأ مطبعي‪( .‬م)‬
‫ابن القُوطيّة‪ ،‬ص ‪ .60 - 59‬وردت الفنتين في كتاب ابن القُوطيّة «القتتين» وعقبة ّ‬
‫]‪[←130‬‬
‫‪Al - Kuttiyyah in J.A., pp. 468 - 72.‬‬
‫]‪[←131‬‬
‫‪Dozy, Recherches, i. 86.‬‬
‫]‪[←132‬‬
‫فبسط أرطباش يده على ضياعهم وضمها إلى ضياعه‪ ،‬وذلك في خالفة أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك‪ ،‬فأنشأت ســارة بن ألمنــد مركبــا بإشــبيلية حصــينا ً كامــل العــدة‪«،‬‬
‫صغيرين تريد ال ّش ام حتى نزلت بعسقالن من ساحلها ثم قصدت باب الخليفة هشام بداره بدمشق‪ ،‬فأنهت خبرها‪ ،‬وشكت ظالمتها من ع ّمهــا‬ ‫وركبت فيه مع أخويها ال ّ‬
‫واستعدت عليه‪ ،‬واحتجت بالعهد المنعقد ألبيها وأخويه على الخليفة الوليد بن عبد الملك‪ ،‬فأوصلها هشام إلى نفسه‪ ،‬وأعجبته صــورتها وحزمهــا‪ ،‬وكتب إلى حنظلــة‬
‫بن صفوان عامله بإفريقية بانصافها من عمها أرطباش وامضائها وإخويها على ُسنّة الميراث فيما كان في يد والده مما قاسم فيه أخويه‪ ،‬فأنفذ لهــا الكتــاب بــذلك إلى‬
‫‪.‬عامله باألندلس أبي الخطار ابن ع ّمه‪ ،‬فتم لها ذلك»‪ .‬المقّري‪« ،‬نفح الطّيب»‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪266‬‬
‫]‪[←133‬‬
‫‪Makkari, ii. 51.‬‬
‫]‪[←134‬‬
‫‪Ibid., ii. 52, 415; and Al - Kuttiyyah in J.A. p. 434.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن النّسخة العربية التي بين يديكم تعتمد اسم زوج سارة الثّاني كما أورده ابن القُوطيّة والمقّري وهو عُمير بن ســعيد اللَّخمي وليس عبــد ال ـ ّرحمن بن‬
‫‪ُ :‬ع َمر بن سعيد اللَّخمي كما ورد في النّسخة االنكليزية‪( .‬م) وقد ورد االسم لدى المؤلفين على النّحو التّالي‬
‫وأنكحها الخليفة هشام من عيسى بن ُمزاحم فقدم معها األندلس وقبض ضياعها وهو ج ُّد ابن القُوطيّة‪ ،‬وولد له منها ولدان‪ :‬إبراهيم وإسـحاق‪ ،‬ثم تـوفي عنهـا في العـام«‬
‫الذي دخل فيه عبد الرّ حمن بن معاوية األندلس فتنافسها حيوة بن مالمس الملحجي وعُمير بن سعيد اللَّخمي‪ ،‬فعنى ثعلبةُ بن عبيد الجُذامي بعُمير عند عــبر الــرّ حمن‬
‫ابن معاوية فانكحه إيّاها وولدت له‪ :‬حبيب بن عُمير ج ّد بني سيّد وبني حجّ اج وبني مسلمة وبني حجز الجر‪ ،‬وهؤالء أشراف ولد عُمــير بإشــبيلية‪ ،‬إذ كــان لــه أوالد‬
‫‪.‬من غيرها ولم يشرفوا شرف هؤالء»‪( .‬ابن القوطيّة‪ ،‬ص ‪)32‬‬
‫وكانت أيام وفادتها على الخليفة هشام رأت عنده حفيده عبد ال ّرحمن بن معاوية الدّاخل بعد إلى األندلس‪ ،‬وعرفها‪ ،‬فتوسّلت بذلك إليه ل ّما ملــك األنــدلس ووفــدت إليــه‪«،‬‬
‫فاعترف بذمامهاـ وأكرمها‪ ،‬وأذن لها في الدّخول إلى قصره متى جاءت إلى قرطبة فيجدّد تكرمتها وال يحجب عياله منها‪ ،‬وتوفّي زوجها عيسى في السّنة التي ملــك‬
‫)فيها عبد الرّ حمن األندلس‪ ،‬فزوّ جها عبد الرّ حمن من عُمير بن سعيد»‪ .‬المقّري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪267‬‬
‫]‪[←135‬‬
‫‪Akhbar Majmua, 95‬‬
‫]‪[←136‬‬
‫‪.‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪267‬‬
‫]‪[←137‬‬
‫‪Makkari, ii, 51.‬‬
‫]‪[←138‬‬
‫‪.‬ابن القُوطيّة‪ ،‬ص ‪32‬‬
‫]‪[←139‬‬
‫‪Cf. Le Jardin Fermé by Marc Helys, p. 140‬‬
‫]‪[←140‬‬
‫‪.‬كان يوسف الفهري مثل عبد الرّ حمن‪ ،‬من قبيلة قريش‬
‫]‪[←141‬‬
‫‪.‬الصّ ميل هو أحد األشراف ال ّشاميين الذين منحهم أرطباس قسما من أراضيه‬
‫الكلمات الواردة داخل مزدوجين [ ] ُمضافة ليتطابق النّص مع النّسخة اإلنكليزية والمصدر هو المقّري ج ‪ ،3‬ص ‪( .33 - 32‬م)‬
‫]‪[←142‬‬
‫‪Makkari, ii. 67.‬‬
‫]‪[←143‬‬
‫وفي ذلك كتب المقّري أنه لما أقبل عبد ال ّرحمن «إلى قرطبة خرج له يوسـف (‪ )..‬ثم انهـزم أهـل قرطبـة وظفـر عبـد الـرّ حمن الـدّاخل ونُصـر نصـراً ال كفـاء لـه‪ ،‬وانهـزم‬
‫الصّ ميل‪ ،‬وفر إلى شودر من كورة جيان‪ ،‬وفر يوسف إلى جهة ماردة»‪ .‬كان يعرف بعبد ال ّرحمن الدّاخل‪ ،‬النه أول داخل من ملوك بني مروان إلى األندلس‪ ،‬وكان‬
‫أبو جعفر المنصور يسميه «صقر قريش»‪ .‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪( .329‬م)‬
‫]‪[←144‬‬
‫‪Makkari, ii. 72‬‬
‫‪.‬المقّري‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص ‪34‬‬
‫]‪[←145‬‬
‫‪Conde, i. 178 - 9.‬‬
‫]‪[←146‬‬
‫)‪ُ . (.Akhbar Majmua, 92‬ذكر أن عددهم كان قليال‬
‫]‪[←147‬‬
‫‪Akhbar Majmua, 100.‬‬
‫]‪[←148‬‬
‫‪Makkari, ii. 421.‬‬
‫]‪[←149‬‬
‫‪Makkari, ii. 84 - 5, 88.‬‬
‫‪.‬المقاطع العربية مأخوذة نصا ً عن‪ :‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪39‬‬
‫]‪[←150‬‬
‫‪Makkari, ii. 90 - 1.‬‬
‫‪.‬المقطع العربي عن‪ :‬المقّري ج ‪ ،3‬ص ‪44‬‬
‫]‪[←151‬‬
‫‪.‬كان ال ُّسنّة يرتدون البياض‪ ،‬وال ّشيعة السّواد‪ ،‬داللة على حدادهم المستمرّ على مقتل عل ّي بن أبي طالب‬
‫‪.‬قلت‪ :‬وهذا خطأ من المؤلفين‪ ،‬فهم يلبسون الثّواب حداداً على مقتل اإلمام الحُسين‪ ،‬رضي هللا عنه‬
‫]‪[←152‬‬
‫‪Makkari, ii. 88 - 9, 93.‬‬
‫‪.‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪332‬‬
‫]‪[←153‬‬
‫؛ ويقول المؤلفان في مالحظتهما على ما اعتبراه تهجئة خاطئة لالسم‪ :‬لكن]‪ Castile‬وهي التّهجئة اإلسپانية لمدينة قشتالة[ ‪ Castilla‬ورد في النّص االنكليزي اسم المدينة‬
‫الضـفّة األخــرى من نهــر وادي الرّملة‬
‫لم يكن اســمها قشــتالة وإنمــا جليقيــة‪ .‬من ‪ Guadarama‬كون ِده ترك مالحظة تقول إن هناك خطأ ألن المنطقة الواقعــة على ّ‬
‫هي المقصودة‪ .‬لقد تحدث ڠيبون عن هذه المعاهدة التي قرأ ترجمتها لدى ميخائيل غزيري‪ ،‬والحظ االستخدام التّـاريخي الخـاطىء ‪ Castela‬الواضح أن كشطالى‬
‫)‪. (Chapterli, ad fin‬السم قشتالة‬
‫]‪[←154‬‬
‫‪Conde, i. 173 - 4.‬‬
‫صميم والخــير العميم للبطارقــة والرّهبــان ومن تبعهم«‬ ‫كتاب أمان ورحمة وحقن دماء وعصمة عقده األمير األكرم الملك المعظم عبد ال ّرحمن بن معاوية ذو ال ّشرف ال ّ‬
‫من سائر البلدان أهل قشتالة وأعمالها ما داموا على الطّاعة في أداء ما تح ّملــوه‪ .‬فأشــهد على نفســه أن عهــده ال يُنســخ مــا أقــاموا على تأديــة عشــرة آالف أوقيــة من‬
‫ض ة وعشرة آالف رأس من خيار الخيل ومثلها من البغال‪ ،‬مع ذلك ألف درع وألف بيضة من الرّماح الدّردار مثلها في كــل عــام‪.‬‬ ‫ال ّذهب وعشرة آالف رطل من الف ّ‬
‫ومتى ثبت عليهم النّكث بأسير يأسرونه أو مسلم يغدرونه أنتكث ما عوهدوا عليه‪ .‬وكتب لهم هذا األمــان بأيــديهم إلى خمس ســنين أولهــا صـفر عــام اثــنين وأربعين‬
‫‪.‬ومئة»‪ .‬الحافظ شمس الدّين مح ّمد بن أحمد بن عثمان ال ّذهبي‪« ،‬سير اعالم النّبالء»‪ ،‬الجزء الثّامن‪ ،‬ترجمة عبد الرّحمن الدّاخل‬
‫]‪[←155‬‬
‫‪Conde ii. 85.‬‬
‫كتب المقّري‪« :‬عندما ُشغل المسلمون بعبد الرّحمن وتمهيد أمــره‪ ،‬قـوي أمــر الجاللقـة واسـتفحل سـلطانهم‪ ،‬وعمـد فرويلــة بن أذفــونش ملكهمـ الى ثغـور البالد فــأخرج‬
‫ك وبرتقال وسمورة وشلمنقة وقشتالة وشقوبية‪ ،‬وصارت للجاللقة حتى افتتحها المنصور بن أبي عــامر آخــر الدّولــة‬ ‫المسلمين منها وملكها من أيديهم‪ ،‬فملك مدينة لُ َّ‬
‫‪.‬ثم استعادوها بعده فيما استعادوه من بالد االندلس»‪ .‬المقّري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪330‬‬
‫]‪[←156‬‬
‫‪Conde, i. 268; Makkari, ii. 116.‬‬
‫كل األدلّة المتوفرة عن الغزوات المختلفة التي قام بها مسيحيو ال ّشمال على شبه الجزيرة اإلســپانية‪ .‬وكــانت الغـزوة الوحيــدة من ‪ Recherches‬جمع دوزي في كتابه‬
‫بينها التي نجحوا خاللها في الوصول إلى إشبيلية في سنة ‪ - 844‬ـ ‪ ، 845‬عندما قاموا بتدمير األسوار وحاولوا إحراق المسجد لكنهم لم ينجحوا‪ ،‬وذلك وفق ما نقلــه‬
‫‪.‬ابن القُوطيّة الذي جاء قبله‪ .‬ونجح عبد ال ّرحمن في دحر المهاجمين وردّهم على أعقابهم‪ ،‬ثم بنى مسجد إشبيلية الكبير‬
‫]‪[←157‬‬
‫المنذر بن مح ّمد سادس الح ّكام األمويين منذ عبد الرّحمن الدّاخل‪( .‬م)‬
‫]‪[←158‬‬
‫‪Makkari, ii. 459.‬‬
‫والقاضي هو أبو معاوية بن زياد اللَّخمي‪( .‬م)‬
‫]‪[←159‬‬
‫‪.‬لقد دعاه ابن حيّان إبراهيم بن حجّ اج‪ ،‬لكن األدلة المنطقية تشير إلى أنه أطلق عليه خطأ اسم أخيه األصغر‬
‫]‪[←160‬‬
‫‪Makkari, ii. 439.‬‬
‫]‪[←161‬‬
‫‪G. der M. i. 392.‬‬
‫]‪[←162‬‬
‫‪Arabia Felix‬‬
‫]‪[←163‬‬
‫‪Lenormant, Book VII.; cf. Butler, Arab Conquest, pp. 147 - 8.‬‬
‫]‪[←164‬‬
‫‪.‬عبد الرّ حمن النّاصر بن مح ّمد بن عبد هللا‬
‫]‪[←165‬‬
‫من بينهن «ومن النّساء الدّاخالت إلى االندلس من المشرق قمر جارية إبراهيم بن ح ّجاج اللَّخمي صــاحب إشـبيلية‪ ،‬وكـانت من اهـل الفصـاحة والبيــان والمعرفـة بصــوغ«‬
‫‪.‬االلحان وجُلبت اليه من بغداد وجمعت أدبا ً وظرفا ً وروايةً وحفظا ً مع فهم بارع وجمال رائع‪ ،‬وكانت تقول ال ّشعر بفضل أدبها»‪ .‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪141 - 140‬‬
‫]‪[←166‬‬
‫‪Dozy, G. der M. i. 444 - 5.‬‬
‫]‪[←167‬‬
‫وكــذلك المقّــري )‪ (p. 513‬العديد من هؤالء النّساء في بالط عبد ال ّرحمن الثّالث والحكم المستنصــر‪ ،‬كمــا أشــار پــونس إلى أســماء أخــرى )‪ (i. 455, 482‬يذكر كون ِده‬
‫ضرورة من المسـتعربين‪ .‬وحـول مكانــة المـرأة في ‪(Makkari, i. 161, 162).‬‬ ‫وتظهر أسماء الكثير ممن ورد ذكرهم أنهم من اليمانيين‪ ،‬أما الباقون فكانوا بال ّ‬
‫‪:‬اليمن‪ ،‬يمكن مراجعة‬
‫‪Cf. Lenormant, Bk. VI. 347,‬‬
‫]‪[←168‬‬
‫يسرد بعض األعمال التي قام بها القلفاط [مح ّمد بن يحيى‪ ،‬أبو عبد هللا] تجاه إبراهيم توحي بأنه ذهب إلى إشــبيلية بوصــفه )‪ (i. 337‬هذه رواية دوزي للواقعة‪ ،‬لكن كون ِدهـ‬
‫‪.‬جاسوسا ً يعمل لصالح السّلطان‬
‫]‪[←169‬‬
‫السـفيانيّة)‪ ،‬ثم انتزعهــا منهمـ مــروان بن الحكم وتاله بنــوه‬
‫ترد العبارة باألصل‪ :‬المروانيين‪ ،‬وهذا خطأ فمؤسّس الخالفة األمويّة كان معاوية بن أبي سُفيان (السّاللة األمويّة ُّ‬
‫(السّاللة األمويّة المروانيّة)‪ .‬وأ ّما مقتل سيّدنا عل ّي بن أبي طالب ك ّرم هللا وجهه فلم يكن على أيدي بني أميّة بل اغتاله الخــارجي ابن ُملجم‪ ،‬والمؤلفــان يخلطــان بين‬
‫والصـواب أن يُطلــق ذلــك على بعض‬‫ّ‬ ‫حادثة مقتل سيّدنا عل ّي ومقتل سيّدنا ال ُحسين‪ .‬وبعد فمن االفتئات التّعميمـ بأنّ أهل ال ُّسنّة كانوا مؤيّدين لمقتــل ّ‬
‫علي أو الحُســين‪،‬‬
‫السّفيانيين تحديداً‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←170‬‬
‫العبارة من المؤلفين تبدو هكذا غريبة للغاية التستقيم‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←171‬‬
‫‪i. 8 - 10.‬‬
‫]‪[←172‬‬
‫واحذروا‪ ،‬والحذر ينفع (‪ )..‬وايّاكم واتّباع الهوى‪ ،‬فقد أفلح من حفظ من الهوى والطّمع والغضب‪ ،‬وإيّاكم والفخر‪ ،‬وما فخر من خلق من تــراب‪ ،‬ثم الى التّــراب يعــود (‪«)..‬‬
‫الشـام للواقـدي‪ ،‬طبعـة بـيروت‬ ‫واستعملوا العقل وباعدوا عنكمـ الظّلم والجور واعدلوا مع الجميـع‪ ،‬فإنـه ال أفلح قـوم ظلمـوا وال نُصـروا على عـدوهم (‪ .»)..‬فتـوح ّ‬
‫‪ ،1997‬ج ‪ ،1‬ص ‪( .8‬م)‬
‫]‪[←173‬‬
‫تبدأ هذه الخطبة بقول أبي بكر «فتجهَّزوا عباد هللا إلى غزو الرّ وم بال ّشام‪ ،‬فــإني مــؤ ِّمر عليكم أمــراء‪ ،‬وعاقــد لهم عليكم‪ ،‬فــأطيعوا ربكم‪ ،»..‬وقــد ألقاهــا في جيش المســلمين‬
‫بقيادة أسامة بن زيد قبل انطالقه على رأس جيش المسلمين لغزو بالد ال ّشام‪ .‬انظر تاريخ الطّبري وتاريخ اليعقوبي‪( .‬م)‬
‫]‪[←174‬‬
‫‪Conde, i. 367.‬‬
‫]‪[←175‬‬
‫‪Dozy, G. Der M., i. 398, Conde, i. 327; Gayangos in Makkari, ii. 460 - 1.‬‬
‫]‪[←176‬‬
‫‪Conde, i. 327, 358; Casiri, ii. 35.‬‬
‫أنه وجد في «كتاب قديم جداً» في مكتبة سان إيسيدورو في ليون‪» Crónica general ،‬يبدو أن مح ّمداً نفسه كان من المولّدين‪ ،‬حيث يورد مؤلف «السجالت العامة‬
‫كـان ‪ Arista.‬وثيقة توجد نسخة منها في قصر اإلسكولاير‪ ،‬لشجرة عائلة عبد ال ّرحمن الثّالث الذي ينتسب من ناحية أمه إلى ملك ناڤارو (أو الدّوق) إينيڠو أريسـتا‬
‫تزوجت األمير عبد هللا الذي كان زوجها الثّاني‪ ،‬وأنجبت منــه األمــير ‪ Iñiga‬وكانت له ابنة تدعى إنيڠا ‪ Garci Iñiguez‬للدّوق إينيڠو ابن يدعى ڠارثي إيني ِڠث‬
‫إنه في العام ‪ ،861‬غزا األمير مح ّمد (والــد عبــد هللا) أراضــي پامپلونـا وجلب معــه فورتونيــو‪ ،‬أحــد أبنــاء ڠــارثي )‪ (Makkari, ii. 127‬مح ّمد‪ .‬ويقول المقّري‬
‫«السـجالت العامــة» على تأكيــد لمعلوماتــه من مصــدر مســتقل هـو كتــاب‬ ‫ّ‬ ‫إينيڠيس ملك ناڤارو الذي بقي اسيراً لديه طوال عشرين عاما ً في قرطبة‪ .‬وحصل مؤلف‬
‫وفي وثائق قديمة وهو يفترض بناء عليهــا أنــه عنــدما اختطــف فورتونيــو‪ ،‬ذهبت أختــه إينيڠــا معــه‪» History of Arabs .‬رودريڠو الطّليطلي «تاريخ العرب‬
‫‪.‬ويضيف أنه عندما قتل ڠارثي إيني ِڠث في سنة ‪ ،885‬بقي عرش مملكة ناڤارو خاليا ً إلى أن أفرج األمــير عبـد هللا عن نســيبه فورتونيـو‪ ،‬بعـد وفــاة مح ّمـد والمنـذر‬
‫‪(Crónica general, viii. 102 - 4).‬‬
‫]‪[←177‬‬
‫‪Makkari, ii. 145.‬‬
‫قد يكون الباحثون العرب قادرين على معرفة أن كان اسم «مريم» يمكن أن يصبح « ُم زنة» من خالل ارتكاب خطأ في نسخ األسماء‪ .‬ويبدو أن األمر اقتصر على هــذا‬
‫‪.‬التّغيير‬
‫‪Cf. Pons, Escrituras Mozarabes, p. 67 note.‬‬
‫]‪[←178‬‬
‫السـنّة الـذين‬
‫ربما خاف مح ّمد على حياته إن هو عاد ووقع في يد أبيه‪ .‬ويبدو أنه كان قد تزوّ ج حينها‪ ،‬وكان تركه إلشبيلية يعـني افتراقــه عن زوجتـه‪ .‬لم يـترك المؤرخــون ُّ‬
‫كتبوا تاريخ السّاللة األموية معلومات من أي نوع (استناداً إلى التّراجم التي تم ّكنا من الحصول عليها ألعمــالهم) عن إجــراءات واليــة العهــد بعــد أن عــزل األمــير‬
‫‪.‬مح ّم د كحاكم على إشبيلية‪ .‬ويقول ڠايانڠوس إنه لم يعثر على تفاصيل إضافية غير ما ذكرناه هنا‬
‫]‪[←179‬‬
‫‪Conde, I. Chapters Ix. - Ixii.; Gayangos in Makkari, ii. 460 - 1; Dozy, G. der M., i. 398 ff.‬‬
‫]‪[←180‬‬
‫هو عبد الرّ حمن النّاصر بن مح ّمد بن عبد هللا‪ ،‬الذي اشتهر باسم عبد الرّحمن الثّالث‪( .‬م)‬
‫]‪[←181‬‬
‫‪G. der M., i. 449 note.‬‬
‫]‪[←182‬‬
‫معناها باإلسپانية وادي ال ّرحى‪ ،‬وفق قواميس اللغة والجغرافيا‪ .‬واكتسبها النّهر النتشار الطّواحين وكانت تسمى الرّ حى عند األندلسيين على ضــفافه‪ .‬ولم يــرد ‪Guadaira‬‬
‫وورد في بعض المراجع قلعة الغديرة‪( .‬م) ‪ Alcala de Guadaira‬االسم لدى اإلدريسي وال المقّري‪ .‬ولكن القلعة القائمة على هذا النّهر تسمى قلعة جابر‬
‫]‪[←183‬‬
‫‪Conde, i. 338 - 9; Makkari, ii 454.‬‬
‫الواقعة على بعد كيلومترين من إشبيلية في السّهل الواسع الذي يحيط بتلك المدينــة‪ ،‬وفي ‪ Tablada‬المنطقة التي أشار إليها ابن حيّان باسم طربيل ال ب ّد أن تكون تبلدة‬
‫زاوية يش ّكلها التقاء نهر وادي الرّ حى بالوادي الكبير‪ .‬باتت المنطقة اليوم منطقة للنّزهة حيث يتم تنظيم سباقات للخيل ولصيد الحمام‪ ،‬والپولو‪ ،‬والطّــيران‪ ،‬وغيرهـا‬
‫من ال ّرياضات‪ .‬وصل أعداء إشبيلية على مدى التّاريخ مرّ ات عدة حتى تبلدة التي كانت دائما ً منطقة مفتوحة للهجمات لكنهم قلما تمكنوا من االقـتراب أكــثر‪ .‬وصـل‬
‫مسيحيو ال ّشمال إلى تبلدة لكن من المشكوك فيه إن كانوا تمكنوا من الدّخول إلى المدينة‪ ،‬كما أنّ فرناندو الثّالث عسكر في تلك المنطقة م ـدّة ثمانيــة عشــر شــهراً في‬
‫عامي ‪- 1247‬ـ ‪ ،1248‬قبل أن يتم ّك ن من دخول إشبيلية‪ ،‬رغم أنه كانت معه كل قوات مسيحيي إسپانيا‪ .‬ومن الممكن أنّ الكثير من األحداث التي اســتخدم الكتّــاب‬
‫في وصفها عبارة «االستيالء على إشبيلية» نظراً لعدم معرفتهم بتضاريس المنطقة‪ ،‬إنما المقصود منها احتالل تلبدة‪ .‬هذه الفرضــية توضــح الكثــير من التّناقضــات‬
‫‪.‬في رواية األحداث التّاريخية‬
‫]‪[←184‬‬
‫‪Conde, loc. Cit.; cf. Gayangos in Makkari, ii. 460 - 1, and Dozy, G. der M., i. 449, quoting Ibn Adhari.‬‬
‫الشـكل التّــالي‪« :‬وتــولى ابن اميـة حــرب ابن حفصــون‪ ،‬فقــام وقعــد إلى أن قتلــه ُمطــرِّ ف وابنـه‬‫ورد في كتاب ابن القُوطيّة مقطعان عن االمير مح ّمد جاء أحدهما على ّ‬
‫بإشبيلية‪ ،‬وصارت القيادة إلى احمد بن مح ّمد بن أبي عبدة‪ ،‬وكان يومئذ وزيراً وصاحب المدينة‪ .‬وكان سبب قتل ُمطرِّ ف لــه أنــه كــان قــبيح النّيــة في أبيــه عبــد هللا‪،‬‬
‫وكان ينوي خلعه وكان يقول إنه ال يمكنه ذلك مع ابن أمية من عبد هللا‪ ،‬وقد كان عبد هللا يَحذر ذلك عليه‪ ،‬وقد كان قــال ل ُمطــرِّ ف‪ :‬قــد ســوّغتك قتــل أخيــك مح ّمــد إذ‬
‫عاند وخالف‪ ،‬وباهلل لئن أحدثت في ابن أمية حدثاً‪ ،‬ألقتلنك به‪( .‬ابن القُوطيّة‪ ،‬ص ‪( .)116‬م)‬
‫]‪[←185‬‬
‫;‪Conde , i. 350‬‬
‫‪.‬ولكن لالطالع على التّاريخ‪ ،‬انظر المالحظة ص ‪88‬‬
‫‪Ibn Hayyan in Makkari, ii. 454.‬‬
‫]‪[←186‬‬
‫يسمى في الكتب العربية القديمة األذفونش‪( .‬م)‬
‫]‪[←187‬‬
‫‪Conde, i. 344 - 5.‬‬
‫]‪[←188‬‬
‫كان الخليفة العبّاسي‪ ،‬الذي يعتنق المذهب ال ّشيعي ويرجع بأصله إلى أبي العبّاس السّفاح الذي قضى على األمويين‪ ،‬عـدواً ألمـير قرطبـة‪ ،‬مختلفـا ً معـه في الـدّين واالنتمـاء‬
‫‪.‬القبلي‬
‫قلت‪ :‬هذه أيضا ً من أخطاء المؤلفين‪ ،‬فصحيح أنّ بني العبّاس اتّخذوا منذ مبدأ قيام دولتهم على يد أبي العبّاس ال ّسفّاح السّواد شــعاراً‪ ،‬ونــادوا بثــارات آل الــبيت من بــني‬
‫أميّة‪ ،‬ولكنّ الخلفاء العبّاسيين كانوا من أهل ال ُّسنّة‪ ،‬ال مراء في ذلك وال ُمشاحّ ة‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←189‬‬
‫ّ‬
‫‪.‬الزكاة ‪El Azaque -‬‬
‫للدّاللة على الخراج وهي تعني العُشر وكان المسيحيون يدفعونها طواعية أو كضريبة للكنيسة‪( .‬م) ‪ tithe‬استخدم المؤلفان كلمة‬
‫]‪[←190‬‬
‫‪Conde, i. 344 - 6.‬‬
‫‪.‬من غير الواضح كيف أمكن للملك عبد هللا اعتقال القاسم ال سيما وأنه كان ح ّراً في إشبيلية‪ .‬واألرجح أن وزير عبد هللا دبّر مؤامرة للقبض عليه‬
‫]‪[←191‬‬
‫‪G. der M., i. 441 - 7.‬‬
‫]‪[←192‬‬
‫‪Conde, i. 350.‬‬
‫من الواضح أن التّاريخ الذي يورده كون ِده هنا (‪ 298‬هـ‪ ،‬و‪- 910‬ـ ‪ 911‬م) خاطىء‪ ،‬ألننا قرأنا في مراجع أخرى أنه خالل السّنوات التّســع األخــيرة من حكم عبــد هللا‬
‫الزمـني لألحـداث الـتي سـجلها‬ ‫كان في حالة سالم مع بني حجّاج‪ .‬ولكن إن غيّرنا التّاريخ إلى ‪ 289‬هـ (‪ 902‬م) بدالً من ‪ 298‬هـ‪ .‬نحصـل على مـا يشـبه التّسلسـل ّ‬
‫‪.‬مختلف الكتّاب‪ ،‬ولتحقيق ذلك نقوم بتعديل التّاريخ الذي س ّجله كون ِده‬
‫]‪[←193‬‬
‫‪Conde, i. 351 - 2.‬‬
‫]‪[←194‬‬
‫‪.‬يبدو أنها المرة األولى التي يذكر فيها ابن إبراهيم بن حجّ اج الذي عرفنا أنه كان يدعى عبد ال ّرحمن‬
‫]‪[←195‬‬
‫‪Dozy, G. der. M. , i. 438 - 44.‬‬
‫]‪[←196‬‬
‫‪Ibid., i. 447.‬‬
‫]‪[←197‬‬
‫‪Ibid., i. 456.‬‬
‫]‪[←198‬‬
‫‪ (G. der. M. , i. 438 - 9).‬في حين يقول دوزي إنه حصل في سنة ‪ (Makkari, ii. 451) 899‬يحدّد ابن حيّان تاريخ ذلك في سنة ‪889‬‬
‫]‪[←199‬‬
‫‪Conde, i. 355 - 6.‬‬
‫]‪[←200‬‬
‫‪Condem i. 350.‬‬
‫‪.‬كما سيرد الحقاً‪ ،‬نقوم بسرد الرّ وايات عن مختلف الكتاب بتصرّ ف لتقديم قصة متماسكة‬
‫]‪[←201‬‬
‫‪Conde, i. 352.‬‬
‫]‪[←202‬‬
‫‪Dozy, G. der. M. , i. 456, 460.‬‬
‫]‪[←203‬‬
‫‪Conde, i. 358.‬‬
‫‪:‬قلت‪ :‬ولقد رأينا في الجزء الثالث الذي نشرناه من تاريخ كون ِده ال ّشامل عن األندلس بعنوان‬
‫‪J. A. Conde: Historia de la dominación de los Árabes en España.‬‬
‫كيف أنّه قد نقل الكثير من مؤلفات لمؤ ّرخين أندلسيين ضاعت آثارهم‪ ،‬وكان ما نقله محفوظا ً في خزانة ديــر اإلســكولاير‪ ،‬ثم فُقــد‪ .‬واألنكى من ذلــك أنّ كونـ ِده نفســه لم‬
‫يكن يكترث باإلشارة إلى ع ّمنـ كان ينقل في ك ّل م ّرة‪ .‬إال أنّ كتابه يبقى برغم ذلك على جانب عظيم من األهميّــة‪ ،‬وفيمــا يخصّ ســقوط غرناطــة مثالً‪ ،‬يظــلّ بمثابــة‬
‫المصدر األول دون منازع‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←204‬‬
‫‪Akhbar Majmua, 131.‬‬
‫جاء في كتاب «أخبار مجموعة في فتح األندلس»‪« :‬ثم إن األمور تفاقمت في واليته وتفاوتت بعد قرب تداركها فتفرّ قت أجناده وعجز عن نصره قواده‪ ،‬والتزم التّقوى‬
‫وإظهار النّسك وتوفير ما في يده من أموال المسلمين‪ ،‬حياطة عليها ونظراً لهم فيها‪ ،‬وهُلك الجبايات‪ ،‬باشتداد شوكة الثّوار عليه بكل ناحية‪ ،‬فوفّر أعطيــات األجنــاد‬
‫‪.‬وضيّق على من بقي معه منهم واستولى الفساد في كل وجه»‪ .‬أخبار مجموعة‪ ،‬تحقيق إبراهيم اإلبياري‪ ،‬ص ‪133‬‬
‫]‪[←205‬‬
‫‪Dozy, G. der M., i. 366 note; Al - Kuttiyyah in J.A., 432 - 3.‬‬
‫وكــذلك فعـل المقّــري (ج‪ ،1‬ص ‪ )266‬أورده ‪ Romulo, Romulus‬النص العربي منقول عن ابن القُوطيّة‪ ،‬ص ‪ .31‬وابن القُوطيّة أورد االسم وقلـة بــدال من ُر ُملة‬
‫)م( ‪َ Aquila.‬و ِقلَة باعتباره تعريب أكيال‬
‫‪» Hafs Ibn Al -‬يشرح ڠايانڠوس معنى «العجمي» بأنه «نصراني غير خاضـع» لحكم المسـلمين‪ .‬ويبـدو لنـا أنـه من المناســب االفــتراض أن «حفص ابن الـبر‬
‫يخصـه بالـ ّـذكر‪ .‬يطلــق دوزي على ُع َمــر صـفة ‪Borkadi‬‬
‫ّ‬ ‫كما ورد اسمه عنــد ابن القُوطيّــة‪ ،‬هــو والــد ُع َمــر‪ .‬وإال لن نتمكن من فهم لمــاذا اختــار ابن القُوطيّــة أن‬
‫‪« (.Ib. i. 278).‬المرتدّ» ويقول إنّ كلمة «المرتدّ» والمولد كانتا تستخدمان للدّاللة على المعنى نفسه‬
‫]‪[←206‬‬
‫‪Dozy, G. der M., i. 295.‬‬
‫]‪[←207‬‬
‫‪Makkari, ii. 453.‬‬
‫]‪[←208‬‬
‫وأح ّد ال ّشيخ النّظر إليه‪ ،‬وكان ابن حفصون أقضم الثّنيّة‪ ،‬فقال له‪ :‬يا منحوس‪ ،‬تُحارب الفقر باإلبرة‪ ،‬ارجع إلى بلدك فأنت صاحبُ بني أمية‪ ،‬وســيلقون منــك ِغيّـا ً وســتمل ُ‬
‫ك«‬
‫‪ُ .‬ملكا ً عظيماً»‪ .‬ابن القُوطيّة‪ ،‬ص ‪103‬‬
‫]‪[←209‬‬
‫‪.‬يقول كون ِدهـ إنه مات متأثرا بجروحه وإن ابنه واصل الحرب بعده‪ ،‬ولكنه خطأ واضح‬
‫]‪[←210‬‬
‫‪.‬يقابله في النّص العربي لإلدريسي‪ ،‬ص ‪339‬‬
‫]‪[←211‬‬
‫يقول السّنيور كوديرا عن رواية كون ِده عن غزوات ابن حفصون في ال ّشمال إنها «ال تستحق مجرّد ال ّذكر»‪ .‬لكنه يقول إنّ الكتّاب العرب يذكرون‪ ،‬مع الكثير من التّفاصــيل‬
‫‪. (.Esludios, 231 - 2).‬الغامضة‪ ،‬حملة المنذر في عام ‪ ،882‬مع اإلشارة إلى العديد من أماكن المواقع التي أشار إليها كون ِده‬
‫]‪[←212‬‬
‫‪.‬تقع كل هذه البلدات إلى ال ّشرق من طُليطلة فيما يشكل اليوم محافظة قونكة‬
‫]‪[←213‬‬
‫‪Conde, i. 295 - 321.‬‬
‫]‪[←214‬‬
‫‪Makkari, ii. 436, quoting An - Nuwairi.‬‬
‫يذكر المقّري وڠايانڠوس أنّ اجتياح الرّ وضة تم في عام ‪ ،881‬في حين يقول كون ِده إن ذلك تم في عام ‪ ،870‬لكن تواريخه خاطئة في اإلجمال‪ .‬والكلمـة الـتي ترجمهـا‬
‫أي القالع‪( .‬اقتحموا ألبة والقالع)‪ .‬هناك شكوك حول إذا كــانت قشــتالة الحاليــة معروفــة ‪ the Castles‬أي قشتالة‪ ،‬يرجح أن تكون ‪ Castile‬ڠايانڠوس بوصفها‬
‫وقاسى مــع«[ ‪ (ii. 127).‬حينها بذاك االسم لدى الكتاب العرب حتى فترة الحقة‪ .‬وقد ذكر المقّري «القالع» مرتين بعد ذكر ألبة عندما ذكر حمالت األمير مح ّمد‬
‫المخالفين له من أهل بيته وغيرهم حروباً‪ ،‬ثم كانت الدّائرة له‪ .‬وقصد إلى بالد الحرب غازيا ً‪ ،‬وقصد ألبة والقالع‪ ،‬فلقي العدو وظفر بهم‪ ،‬وفتح هللا عليه ســنة خمس‬
‫وسبعين‪ .‬وبعث العساكر إلى جليقية مع يوسف بن بُخت فلقي ملكها برمند‪ ،‬وهزمه وأثخن في العدو‪ .‬وفي سنة ست وسبعين بعث وزيره عبد الملـك بن عبـد الواحـد‬
‫]بن مغيث لغزاة العدو‪ ،‬فبلغ ألبة والقالع‪ ،‬فأنخن في نواحيها‪( .»... ،‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪( )337‬م)‬
‫كون ِده بقسوة شديدة بسبب روايته لمغامرات ابن حفصون في ‪» Decadencia de los Almoravides‬هاجم السّنيور كوديرا في كتابه «اضمحالل دولة المرابطين‬
‫في آراغون‪ ،‬وهكذا ‪ Barbastro‬معقل عمليات ابن حفصون‪ ،‬مع بربشتر ‪ Bobaster or Bishter،‬ال ّشمال‪ .‬ويقول كوديرا إنّ كون ِده خلط ما بين بُبشتر أو بشتر‬
‫نقل كل االحداث إلى بربشتر‪ ،‬وقام بتغيير أسماء األماكن المحيطة بها لتتالءم معها‪ .‬ويقر السّنيور كوديرا بأنّ هذا يش ّكل اتهاما ً متع ّمداً بالتّزوير‪ ،‬ولكنه يصرّ عليه‪،‬‬
‫رغم إقراره باحتمال اعتماد كون ِده على مخطوطات عربية تروي تلك الحروب كما نقلها‪ .‬ولو أن السّنيور كوديرا قرأ كون ِده قبل أن يسوق اتهاماته هــذه‪ ،‬ألدرك أن‬
‫تحصـن هـو وأتباعــه في ‪ Yabaster،‬المرة الوحيدة التي ذكرت فيها يبشتر‬ ‫ّ‬ ‫كما أورد كون ِده تهجئة معقل ابن حفصون‪ ،‬ذكر كذلك بوضوح أنها في االندلس‪« .‬لقــد‬
‫‪»،‬في القلعة التي تعرف هنا باسم قلعة يبشتر‪ ..‬وفي سنة ‪ ،250‬وبعد ارغامه على مغادرة األندلس‪ ،‬توجّـ ه مـع لصوصـه إلى حـدود افرنكة ‪ Adherwera‬أطريرة‬
‫المرة الوحيدة التي ورد فيها ذكر بربشتر في آراغون لدى كون ِده هي في الصّ فحة ‪ ،297‬خالل سرده ألعمال ابن حفصون في هذه النّواحي‪ ،‬حيث ‪(i. 295 - 6,).‬‬
‫يقول إن ابن حفصون عرض على األمير مح ّمد أن يشهر سالحه في وجه أهل أفرنكة‪ ،‬وطلب منه تعيينه حاكمـا ً على وشـقة أو بربتشــر‪ .‬وال يوجــد تفســير للهجــوم‬
‫‪.‬القاسي والظّالم على كون ِدهـ الذي شنّه عليه مواطناه السّنيور كوديرا وڠايانڠوس‬
‫]‪[←215‬‬
‫‪Makkari, ii. 130 - 1.‬‬
‫]‪[←216‬‬
‫‪.‬تتشابه كتابة بِشتر‪ ،‬وبُبشتر ويُبشتر بالعربية‬
‫]‪[←217‬‬
‫‪Conde, i. 295, ii. 16; makkari, ii. 456, 438, App. B., p. xviii.‬‬
‫]‪[←218‬‬
‫‪i. 323 - 7.‬‬
‫]‪[←219‬‬
‫‪Makkari, ii. 451 - 2.‬‬
‫]‪[←220‬‬
‫‪Makkari, ii. 438,‬‬
‫حيث نُقل عن كون ِده‬
‫]‪[←221‬‬
‫‪Makkari, ii. 455.‬‬
‫]‪[←222‬‬
‫يقول دوزي إن هذا النّ هر هو نفسه نهر وادي المقص (وادي الخورس) دونما سبب ظاهر‪ ،‬عدا عن أنه يوجد نهر بهذا االسم بالقرب من الموقع الذي يقــول إن بشــتر قائمــة‬
‫)‪. (.Recherches, loc. cit‬فيه‬
‫الواردة في هذا المقطع؛ لم يرد اسم نهر أو مكان باسم «وادي بني عبـد الـرّ حمن» ال عنـد اإلدريسـي وال المقّـري ولكن اإلدريسـي ‪ Guarraman‬وفيما يتعلق بتسمية‬
‫أورد وادي ال ّرمان بعد حصن المدور على الطّريق إلى قرطبة (ص ‪( .)266‬م)‬
‫]‪[←223‬‬
‫‪Vita b. Virginis Argenteae in España sagrada, x. 564 ff.‬‬
‫‪.‬كاتب هذا الجزء عن حياة أرخنتيا غير معروف لكن المح ّرر يقول إن مختلف األدلة تشير إلى أن النّصوص كتبت في قرطبة في منتصف أو أواخر القرن العاشر‬
‫]‪[←224‬‬
‫‪G. der M., i. 452 - 3.‬‬
‫]‪[←225‬‬
‫‪Dozy, G. der M., i. 414 - 6. Makkari, ii, 451 - 2.‬‬
‫]‪[←226‬‬
‫تؤكد هذه الرّ واية فرضيتنا القائلة بأنّ ابن حفصون كان يسيطر على وسط األندلس‪ .‬فمحافظة رية يصعب وصفها باعتبارها تقع «إلى الجنوب من الوادي الكبــير»‪ .‬ويــذكر‬
‫‪ (Makkari, ii. 494).‬النّويري «جبل ابن حفصون» في نواحي قرطبة‪ ،‬في إقليم غني بالماء والبساتين‬
‫]‪[←227‬‬
‫‪Makkari, ii. 458.‬‬
‫]‪[←228‬‬
‫‪ (p. 101).‬يجب أن نتذكر الحقا ً أن أبا ُع َمر ابن حفصون كان من العجم‪ ،‬كما ورد في كتاب ابن القُوطيّة‬
‫]‪[←229‬‬
‫‪Makkari, ii. 456. See p. 91.‬‬
‫]‪[←230‬‬
‫‪Conde, i. 347.‬‬
‫]‪[←231‬‬
‫هي مدينة رومانية على ضفاف الوادي الكبير قبالة قرطبة كانت قـد تحـ ّولت إلى قريـة صـغيرة إبّـان الفتح اإلسـالمي‪ .‬يقـال إن األمـراء القـوط عسـكروا في الموقـع عنـدما‬
‫استدعاهم رودريڠو (لُذريق) لالنضمام إلى قواته ومحاربة طارق بن زياد‪ ،‬نظراً ألنهم ما كانوا يثقون به لكي يدخلوا إلى قرطبة‪ .‬وفي عهــد عبــد الـ ّرحمن الثّــالث‪،‬‬
‫‪.‬استعادت أهميتها كإحدى ضواحي المدينة‬
‫]‪[←232‬‬
‫أخبار مجموعة‪ ،‬ص ‪ . 133‬ذكر مؤلف أخبار مجموعة أن ابن حفصون كان يسيطر على حصن بالي «وهو على مرحلة من قرطبة»‪( .‬م)‬
‫]‪[←233‬‬
‫أبو العبّاس بن أحمد بن مح ّمد بن أبي عبدة (ابن جمري)‪( .‬م)‬
‫]‪[←234‬‬
‫‪Akhbar Majmua, 131 - 2.‬‬
‫‪.‬وهناك سلسلة تالل تدعى سيرو دي أغيالر بالقرب من قرطبة‬
‫]‪[←235‬‬
‫ينقل دوزي هذه القصة عن الخوشاني‪ ،‬وهو كاتب توفي في عام ‪ 971‬في قرطبة‪ ،‬والتي تش ّكل مثاالً على معاملة عبد الــرّحمن المنصــفة مــع أحـد المســيحيين‪ ،‬وهي جـديرة‬
‫بأن تروى‪ ،‬وإن لم تكن لها أيّة عالقة بابن حفصون‪ .‬يبدو أن شريفا ً نصرانيا ً دخــل في طاعــة عبــد الــرّ حمن في ّ‬
‫السـنة ّ‬
‫السـابقة‪ ،‬كــان يعيش مــع خليلتــه المســلمة في‬
‫للشـريعة أن تقيم مسـلمة تلـك العالقـة مـع‬ ‫قرطبة‪ .‬اشتكت المرأة إلى القاضي لكي يحرّ رهـا من هـذا الوضـع لكونهـا حـرّة النّسـب‪ ،‬وعلى اعتبـار أنـه من المخـالف ّ‬
‫نصراني‪ .‬عندما علم الحاجب بدر بتلك ال ّشكوى‪ ،‬أرسل إلى القاضي يذ ّكره بأنّ المسيحي تنازل باستسالمه وأن كل حجّ ة تساق ضدّه ينبغي أن تدرس بتمعن‪ ،‬وعليه‬
‫دخل في عمل القضــاء ولكن‬ ‫فليس عليه أن يطلق المرأة ح ّر ة‪ .‬ويتضح من خطاب القاضي أنه كان يعتزم أن يستجيب لطلب المرأة‪ ،‬فأجابه بدر بأنه ال يرغب في التّ ّ‬
‫كل ما يطلبه أن تؤخذ في االعتبار حقوق النّصراني التي كفلها له العهد المعقود له وأن يُحفظ حقه‪ ،‬ألنه‪ ،‬كما قال «أنت تعرف أنه لــزام علينــا أن نعامــل النّصــارى‬
‫باإلنصاف وبكثير من المراعاة»‪ .‬يضيف دوزي أنه في إحدى المرّ ات رغب عبد ال ّر حمن في تعيين «مرتد» من أب وأم مسيحيين‪ ،‬في أعلى منصب قضائي‪ ،‬وهو‬
‫)‪. (G. der M., i. 458‬منصب قاضي قرطبة‪ ،‬ولم يعدل عن ذلك إال بصعوبة بعد تدخل الفقهاء‬
‫]‪[←236‬‬
‫قوله إنّ عبد الرّ حمن استولى في تلك الفترة على عدّة سفن البن حفصون كانت مح ّملة بالمؤن من أفريقيا‪)، .‬عريب بن سعيد القُرطبي( ‪ Arib‬يقتبس دوزي هنا عن عريب‬
‫السـاحلية إلى "‪ "Torrox‬تهجئـة خاطئـة لمدينـة طُـرُش "‪ "Tolox‬وهذا يدعو للتّساؤل أين كان ابن حفصون حتى يتمكنـ من بلوغ السّفن‪ ،‬إال إذا كـان اسـم طُلُش‬
‫ّ‬
‫)‪. (.Ib. P. 459‬ال ّشرق قليال من مالقة‬
‫]‪[←237‬‬
‫‪Dozy, G. der M., i. 456, 460 - 3, 467, 469.‬‬
‫]‪[←238‬‬
‫اليمنية‪ .‬وهي مدينة قال اإلدريسي إنها «مدينة صغيرة "‪ "Cuenca‬ويتساءل مؤلفا الكتاب إن كان المقصود مدينة قونكة "‪ "Hisn Conca‬ورد اسم الموقع في اإلنكليزية‬
‫أزلية ولها سور» ص ‪( .258‬م)‬
‫]‪[←239‬‬
‫‪.‬يقول دوزي نقالً عن عريب‪ ،‬إن ابن حفصون توفي في عام ‪ ،917‬ولكنه ال يذكر مكان حدوث ذلك‬
‫]‪[←240‬‬
‫‪.‬يحدّد دوزي سقوط طُليطلة بعد ذلك التّاريخ بخمس سنوات‬
‫]‪[←241‬‬
‫‪Conde, i. 364 - 82.‬‬
‫]‪[←242‬‬
‫‪Conde, i. 364; cf. Ibn Hayyan in Makkari, ii. 439.‬‬
‫]‪[←243‬‬
‫‪.‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪363‬‬
‫]‪[←244‬‬
‫‪Makkari, ii. 135m 462.‬‬
‫]‪[←245‬‬
‫المؤرخ اإلنكليزي إدوارد ڠيبون في كتاب تاريخ سقوط وأفول الدّولة الرّ ومانية‪( .‬م)‬
‫]‪[←246‬‬
‫‪Arab Conquest of Egypt, 439 - 40.‬‬
‫]‪[←247‬‬
‫‪Arab Conquest of Egypt, 445.‬‬
‫]‪[←248‬‬
‫أخرجه ابن عساكر‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←249‬‬
‫‪Ib. 435 - 6 and note 2.‬‬
‫]‪[←250‬‬
‫تت ّمة حديث رسول هللا‪«« :‬إذا فتح هللا عليكم مصر‪ ،‬فاتخذوا منها جنداً كثيفا ً‪ ،‬فذاك الجند خير أجناد أهل االرض»‪ ،‬فقال أبو بكر رضي هللا عنه‪« :‬ول َم يا رسول هللا ؟» قـال‪:‬‬
‫«ألنهم في رباط الى يوم القيامة»»‪( .‬م)‬
‫]‪[←251‬‬
‫أرسلهما المقوقس إلى الرّ سول‪ ،‬وكانت مارية مع أختها سيرين‪( .‬م)‬
‫]‪[←252‬‬
‫بي ِل َم تحرّ م ما أحلّ هللا لك تبتغي مرضاة أزواجك» (اآلية ‪ ،1‬سورة التّحريم)‪ .‬انظر تفسير الواحدي وابن كثير والطّبري والقرطبي وتفسير الجاللين‪( .‬م)«‬
‫يا أيها النّ ُّ‬
‫]‪[←253‬‬
‫‪Decline and Fall, chapter i.‬‬
‫]‪[←254‬‬
‫‪L’Art Arabe, p. 47.‬‬
‫]‪[←255‬‬
‫كان أهل األندلس يس ّمون البسط الجدارية بالحُصر وعنها يقول المقّري في حديثه ع ّما اشتهرت به ُمرسية من صناعات‪« :‬وهي لل َمريّة ومالقة في صنعة الوشي ثالثــة‪ ،‬وقــد‬
‫اختصّ ت بالبسط التّنتلية التي تسفر لبالد المشرق‪ ،‬وبالحُصر التي تغلّف بها الحيطان المبهجة للبصر‪ ،‬إلى غير ذلك مما يطول ذكره»‪( ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪( .)221‬م)‬
‫]‪[←256‬‬
‫‪Butler, Arab Conquest, chapter viii, passim; Gayet, L’Art Arabe, L’Art Copte, and Costume en Égypte, passim.‬‬
‫]‪[←257‬‬
‫‪L’Art Copte, Plates I., III and IV.‬‬
‫]‪[←258‬‬
‫‪Butler, Arab Conquest, 147 - 8, 151, n. 3; Gayet, L’Art Arabe, L’Art Copte, passim.‬‬
‫لم تتالش أمجاد صنعاء أبداً من تقاليد العرب اليمانية وكان شعراؤهم في األندلس‪ ،‬كما في إشبيلية‪ ،‬يتحدّثون عن عاصمتهم السّابقة بوصــفها تجســيداً للجمــال والبهجــة‪.‬‬
‫مــع الحكايــات الــتي تتحـدّث عن بــذخ صــنعاء ‪ Shack‬ومن خالل لفته االنتباه إلى هذه الخاصية في كتابات ابن حمديس الصّ قلي على سبيل المثــال‪ ،‬يتعامــل شــاك‬
‫بوصفها مبالغا ً بها‪ ،‬لكن الدّكتور بتلر وغيره كانوا واضحين في تأكيدهم أن هذه التّقاليد كانت تستند إلى أساس واقعي متين‪ .‬لقد تبع ابن حمديس الصّ قلّي المعتمد بن‬
‫‪َ .‬عبّاد إلى منفاه في أغمات بعد أن نعم مثل ابن اللّبّانة بضيافته في إشبيلية‬
‫]‪[←259‬‬
‫‪Makkari, i. App. E. Ixvi. - Ixviii.‬‬
‫]‪[←260‬‬
‫‪Ibn Khaldun in Makkari, i. App. Xxxiv. Ff. And anon. In id. Ixvi.‬‬
‫]‪[←261‬‬
‫‪Conde, i. 23.‬‬
‫]‪[←262‬‬
‫‪Makkari, ii. 402.‬‬
‫]‪[←263‬‬
‫ضريون ولكنهمـ حاربوا عبد الرّ حمن الدّاخل ألنه أزاح حاكم األندلس يوسف الفهري‬
‫ضريين من قبيلة قريش‪ ،‬الفهريون ُم َ‬
‫‪.‬كان األمويون ُم َ‬
‫]‪[←264‬‬
‫‪Akhbar Majmua, p 95.‬‬
‫]‪[←265‬‬
‫صبي‪ ،‬ويقال‪ :‬حضرمي‪ ،‬بباجة‪ ،‬وسوّ د ودعا إلى طاعة [الخليفة العبّاسي] أبي جعفر‪ ،‬وكان قد بعث إليه بلواء أسود في ســن«‬
‫فل ّما حال الحال ثار عليه العالء بن ُمغيث اليَح ُ‬
‫‪ .‬قناة قد أدخله إهليلجة وطبع عليه‪ ،‬فأخرجه العالء فجعله في رمح‪ ،‬وقام به في جند مصر» (أخبار مجموعة‪ ،‬ص ‪)93‬‬
‫]‪[←266‬‬
‫‪Dozy, G. der M., i. 169; Conde, i. 112.‬‬
‫]‪[←267‬‬
‫‪i. 109, 121.‬‬
‫]‪[←268‬‬
‫‪In Makkari, ii. 402.‬‬
‫]‪[←269‬‬
‫ال ّشوام هنا هم الجند ال ّشوام الذين قدموا مع بلج بن بشر‪ ،‬وتفرّ قوا في البالد بعد ذلك بهدف إحالل السّالم‪ ،‬حيث تم توزيع المجموعات المختلفـة بحيث تفصـل بينهـا مسـافات‬
‫‪.‬واسعة نزوالً عند رأي أرطباس‬
‫]‪[←270‬‬
‫انظر حول ذلك ما يلي أدناه في الفصل الثّامن‪ .‬ولتوضيح ما جاء في رسالة عبد ال ّرحمن الثّالث إلى أحمد بن إسحاق‪ ،‬انظر «أخبار مجموعة»‪ ،‬ص ‪( .139 - 138‬أحمد)‬
‫]‪[←271‬‬
‫وردت لدى المقّري باسم شنت ياقُب ولدى اإلدريسي باسم كنيسة شنت ياقوب‪ ،‬ص ‪( .246‬م)‬
‫]‪[←272‬‬
‫‪Makkari, ii. 195.‬‬
‫‪.‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪415 ،413‬‬
‫]‪[←273‬‬
‫‪Chapter xlvii.‬‬
‫]‪[←274‬‬
‫قلّما يذكر أهل النّ وبة في إشبيلية بعد هذه اإلشارة غير المباشرة إلى وجودهم في األندلس حتى القرنين الرّ ابع عشر والخامس عشر‪ ،‬عندما يقال إنهم كانوا كثيري العدد‪ .‬في‬
‫إشبيلية مع لقب الكــونت الـ ّزنجي‪ .‬وال يــزال يحمــل ‪ Mayoral‬عام ‪ ، 1475‬كان لدى الملكين الكاثوليكيين حاجب زنجي اسمه خوان دي ڤاالدوليد‪ ،‬تم تعيينه عمدة‬
‫الزنوج أخويّة دينيــة تأسّســت في عــام ‪» El Conde Negro 1400‬شارع في المدينة اسم «إل كون ِده ِنڠرو‬ ‫تخليداً له‪ .‬ومن بين المؤسّسات المختلفة التي دعمها ّ‬
‫وكانت ال تزال موجودة سنة ‪ ،1852‬ولديها كنيستها الصّ غيرة داخل كنيسة األبرشية في سان روك [قرطاجنــة الجزيــرة]‪ .‬وفــوق أحــد مــذابح الكنيســة كــانت هنــاك‬
‫وتقول األسـطورة إن هـذه القديسـة تع ّمـدتـ على يـد ‪ Efigenia.‬ملك الحبشة‪ ،‬والثّانية القديسة إيفيڠينيا ‪ San Elesban‬لوحتان قديمتان‪ ،‬واحدة تمثل سان إلِسبان‬
‫القديس متّى عندما كان يب ّشر في الحبشة‪ ،‬وعندما أضرم هيتاكو النّار في الدّير الذي التجأت إليه مع مئــتي بتــول‪ ،‬ظهــر القــديس مــتى وأطفــأ النّــيران‪ .‬كــانت لوحــة‬
‫صورة وبقوّة بأنّ زنوج إشبيلية يعتبرون ‪ (Glorias religiosas de Sevilla, 381 - 99).‬القديسة إيفيڠينيا تمثل هذا الحادث‬ ‫ويوحي اختيار ال ّشخوص في ال ّ‬
‫صعب أن يختاروا رسم ملك من الحبشة وقدّيسة شرقية تــدعى إيفيڠينيــا‪ .‬وهكــذا فهم بــذلك يشـ ّكلون صــلة الوصــل مــع أهــل‬ ‫أنفسهم من أبناء النّوبة‪ ،‬وإال لكان من ال ّ‬
‫النّوبة الذين كانوا يتعبّدون في كنيسة سانتياڠو في القرن العاشــر‪ .‬ال تــزال هنـاك جاليــة من ال ّزنــوج في لبلــة في محافظــة ولبـة‪ ،‬يتميّــزون بشــعرهم الجعــد األســود‬
‫الزنجي‪ ،‬ولكن شفاههم ليست غليظة كشفاه األفارقة السّود‪ .‬وليس لون جلد‬ ‫صافية والبراقة‪ ،‬وازرقاق الجلد تحت أظافرهم والذي نربطه بالعرق ّ‬ ‫وعيونهم الواسعة ال ّ‬
‫وهو تصغير لكلمة «نڠرو» الـتي ‪ Negritos،‬هؤالء ال ّزنوج داكنا ً أكثر من لون المصريين في المنطقة‪ ،‬لكنهم مميّزونـ تماماً‪ .‬يطلق عليهم جيرانهم اسم نڠريتوس‬
‫‪.‬تعني زنجي‪ .‬خالل وجودنا في المدينة لبضع ساعات رأينا على األقل عشرة من األطفال النّڠريتو‬
‫]‪[←275‬‬
‫‪Conde, i. 444 ff.‬‬
‫]‪[←276‬‬
‫‪Makrizi, Hist. Egypt, 80 - 1.‬‬
‫]‪[←277‬‬
‫‪.‬األسد والنّسر كانا من األصنام الوثنية في اليمن‬
‫]‪[←278‬‬
‫‪Gayet, L’Art Copte, p. 82.‬‬
‫]‪[←279‬‬
‫نشير هنا بالطّ بع إلى المدرسة التي انبثقت عن استخدام القادة المسلمين األوائل للفنانين والمعماريينـ األقباط‪ ،‬مثل عمرو بن العاص وعبد العزيز بن مروان‪ ،‬والخليفة الوليد‬
‫بن عبد الملك‪ ،‬وابن طولون وهكذا حتى الفاطميين‪ .‬وحتى في وقت متأخر مثل القرن الرّابـع عشـر‪ ،‬اســتعان الحســن األول [السـلطان حسـن بن النّاصـر مح ّمــد بن‬
‫‪. (.Gayet, L’Art Arabe, pp. 27, 39, 41 - 42, 49 - 50,‬قالوون] بمعماريـ قبطي لتشييد مسجد ومدرسة السّلطان حسن والذي يحمل توقيعه في القاهرة‬
‫)‪121‬‬
‫]‪[←280‬‬
‫وتعني «أن تكون» أو «تعيش»‪( .‬م) ‪ Oun‬أون‬
‫]‪[←281‬‬
‫‪L’Art Arabe, p30.; Costume en Égypte, passim.‬‬
‫]‪[←282‬‬
‫رمز فرعوني معقد‪ ،‬من بين معانيه أنه مصدر قوة الحياة التي تهبها اآللهة‪ ،‬وال ّروح التي تعيش داخل كل انسان‪( .‬م) ‪ Kha‬خا‬
‫]‪[←283‬‬
‫عنخ‪   ‬هو مفتاح الحياة عند المصريين القدماء وهو على شكل مفتاح بذراعين ممدودتينـ تتعامدان وتتصالبان مع الجزء الطّولي‪( .‬م)‬
‫]‪[←284‬‬
‫تنتشــر على نطــاق واسـع في المنـاطق )تصاميم ال ّشمس( "‪ "dibujo de soles‬أو "‪ "el sol‬الرّ موز والتّصاميم التي تمثل ال ّشمس‪ ،‬والتي ال تزال على االرجح تسمى‬
‫المشار إليها‪ .‬سنناقش هذه الموز وغيرها من الرّ موز التي بقيت على مر ال ّزمن باستفاضة في كتاب آخر مستقبالً‪ .‬علينــا‪ ،‬على أيّ حــال‪ ،‬أن نشــير إلى مقبض بــاب‬
‫برونزي في حوزتنا يمثل رأسا ً مصريا ً يخرج منه ثعبانان‪ .‬إنه من صنع إشبيلية في القرن الخامس عشر‪ ،‬لكن ال ّزوار يقولون عندما يرونه ألول مــرة إنــه ال بـ ّد أن‬
‫‪.‬يكون مصريا ً‪ ،‬ويسألون لماذا هو بين مجموعة من المشغوالت األندلسية‬
‫]‪[←285‬‬
‫ال يزال صحن الكنيسة على حالته األولى‪ ،‬مع كتابة قوطية غربية تعود إلى القرن السّابع على واحد من األعمدة الضّ خمة‪ .‬ال يبدو أنـه تم إدخـال تعـديالت على هـذا المبـنى‬
‫حتى القرن السّادس عشر‪ ،‬عندما قام دوقات شذونة (مدينة صيدونيا) من آل غوزمان‪ ،‬بتجديد الجدران عــبر تغطيتهــا بــالخزف القيشــاني من تلــك الفــترة‪ ،‬وتوســيع‬
‫‪.‬خزنة المقدّسات‬
‫]‪[←286‬‬
‫يس ّميهم المؤ ّرخون العرب‪ :‬آل ابن قزمان‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←287‬‬
‫الصـناع‪ ،‬ولن يكــون‬‫السـراج ال يضــاهيه عمــل أيّ من ّ‬
‫انظر خارطة األنساب‪ .‬تقول الكتابة التي ترجمها إلى اإلسپانية األكاديمي فرنان ِدث إي ڠونثالِث إن «عمل مح ّمد بن ّ‬
‫السـالم في‬‫حتى في جنّة َع ْدن َمن يفوق في عمله عمل أبي حسان (عندما يعمله) بأمر من األمير‪ .‬رغب األمير مح ّمد في أن أصـنعه لزوجتـه الثّانيـة‪ ،‬بـدر‪ ،‬بشـرى ّ‬
‫‪.‬وعلبة الجواهر محفوظة في متحف مدريد ‪، i. 67).‬المتحف اإلسپاني لآلثار( ‪َ ».‬ع ْدن‬
‫]‪[←288‬‬
‫‪Bayeux Tapestries‬‬
‫‪).‬في منطقة نورماندي في فرنسا(‬
‫]‪[←289‬‬
‫في األصل‪ :‬البُخاري‪ ،‬وهذا خطأ مضحك‪ ،‬فمن يجهل لقب الملك الظّاهر رُكن الدّين بَيپَرس البُندُقداري‪ ،‬المؤسّس الفعلي لدولة ســالطين المماليــك؟ وكــذلك فم ّمــا شــاع لــدى‬
‫المؤ ّرخين أنّ رنكه كان األسد‪ ،‬بينما الواقع أنّه الفهد‪ ،‬وهو معنى اسمه بالتُّركيّة‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←290‬‬
‫‪L’Art Arabe, p. 189.‬‬
‫]‪[←291‬‬
‫يلفظ في اإلسپانية سينا ً بال ُمطلق‪ S ،‬نضط ّر لكتابة اسم ملكة قشتالة كما هو شائع بالعربيّة هكذا‪ ،‬رغم أنّ الصّ واب في نطقه باإلسپانيّة القشتاليّة‪« :‬إيسابيل»‪ .‬وذلك أنّ حرف‬
‫وال يُلفظ زايا ً أبداً مهما أتى بعده من حروف علّة‪ .‬ال بل حتى قد يأتي مشوبا ً بشين إن تاله حرف ساكن أو بآخر الكلمة‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←292‬‬
‫‪ Y.‬و ‪ F‬الحرفان‬
‫]‪[←293‬‬
‫‪Conde, i. 359.‬‬
‫]‪[←294‬‬
‫‪Dozy, G. der M., i. 456 - 7; Conde, i. 359; Makkari, ii. 134.‬‬
‫]‪[←295‬‬
‫ضر‬
‫ضريين‪ .‬ينتمي األمويون إلى قبيلة قريش وهي من قبائل ُم َ‬
‫‪.‬ينبغي أال تغيب عن ذهننا العداوة التي ال تنطفىء جذوتها بين اليمانيين وال ُم َ‬
‫]‪[←296‬‬
‫‪.‬إنّ صمت الكتّاب ال ُّسنّة وخصوصا ً منهم ابن حيّان بشأن مولد ونشأة أعظم خلفاء األمويين في إسپانيا ملفت جداً إلى الدّرجة التي ال يمكن معها اعتباره عرضيّا ً‬
‫]‪[←297‬‬
‫‪Conde, i. 359 - 60.‬‬
‫]‪[←298‬‬
‫‪Dozy, G. der M., i. 458 - 9.‬‬
‫يضيف دوزي أنه في هذا الوقت كان اإلسالم قد انحسر تقريبا في سلسلة الجبال التي كان يسيطر عليهــا ابن حفصــون‪ ،‬وهنــاك دالئــل أخــرى على أن المســيحية كــانت‬
‫‪.‬أقوى انتشاراً م ّما يُعتقد عموما ً في كل جنوب غرب األندلس‬
‫]‪[←299‬‬
‫‪.‬من ذرّ يّة إسحاق ابن األميرة سارة من زوجها األول‬
‫]‪[←300‬‬
‫النّص العربي مقتبس من «أخبار مجموعة»‪ ،‬ص ‪ . 139 - 138‬ويورد كاتب أخبار مجموعة أن اسم أحمد هو‪ :‬أحمد بن إسحاق القرشي‪( .‬م)‬
‫]‪[←301‬‬
‫‪Dozy, G. der M., ii. 34 - 6; Makkari, ii. 136.‬‬
‫]‪[←302‬‬
‫‪.‬مدينة ومحافظة في غربي الپرتغال (أحمد) )تُلفظ‪ :‬سانتارين( ‪ Santarém‬شنترين‬
‫]‪[←303‬‬
‫‪Makkari, ii. 136.‬‬
‫]‪[←304‬‬
‫يشير إليها المقّري باسم غزوة الخندق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪( .354 - 353‬م)‬
‫]‪[←305‬‬
‫النّص العربي المقتبس من «نفح الطّيب»‪ ،‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪( .355 - 354‬م)‬
‫‪ (Crónica general, viii.‬كمــا ورد في ّ‬
‫السـجالت العامة ‪. (Makkari, ii. 463).‬يقول ڠايانڠوس إن هذه المعركة جرت في سيمانكاس‪ ،‬في ‪ 19‬يوليو ‪ 939‬م‬
‫‪.‬أنها جرت في سيمانكاس في سنة ‪ 938‬م )‪220‬‬
‫]‪[←306‬‬
‫‪.‬يضيف ڠايانڠوس كلمة «الجاللقة» بعد كلمة «الملوك السّالفة» في النّص‪ ،‬لكن هذا يفترض أنه من تخمينه‬
‫كان ألفونسو الثّالث ملك ليون قد احتل سمورة قبل ذلك بعدة سنوات‪ ،‬وفي عام ‪ 893‬قام وفقا ً البن حيّان‪ ،‬بإعادة بنائها وأسكانها وإصالح تحصيناتها‪ ،‬وكان المهندسون‬
‫الذين استعان بهم من طُليطلة‪ .‬كانت طُليطلة في ذلك الوقت‪ ،‬بصورة متك ّررة‪ ،‬إن لم يكن مستمرّ ة‪ ،‬تحت سيطرة ُع َمر بن حفصون‪ ،‬وهــذا مــا يجعــل ألفونسـو قـادراً‬
‫لقد رأينا حصنا ً قديما في األندلس )‪. (Makkari, ii. 453; Conde, i. 319, 342‬على إحضار مهندسينـ من مدينة يفترض أن تكون خاضعة باالسم لقرطبة‬
‫إعيد بناؤه في القرن ال ّرابع عشر وتم ترميمه مؤخراً على الخطوط القديمة‪ ،‬مع خندقين جافين‪ ،‬الواحد فوق اآلخر‪ ،‬وتوجد في قلعة بطليوس ثالثة من هذه الخنادق‪،‬‬
‫ال يزال األدنى بينها يحتوي على منافذ للمياه التي كانت تساق إليه م ّما بات اليوم خزان المدينة‪ .‬نعتقد أنّ نظام التّحصينات هذا وجد قبل الفتح اإلسالمي‪ .‬فلــو كــانت‬
‫ص نة بستة من هذه الخنادق الجافة‪ ،‬التي يعلو الواحد منها فوق اآلخر‪ ،‬والتي تحميها المياه في الخندق األدنى من بينها‪ ،‬يسهّل علينا أن نفهم أنّ المســلمين‬‫سمورة مح ّ‬
‫المحاصـرون بـرميهمـ من اسـتحكاماتهم العلويـة خلــف شــرّافات الخنـادق‬
‫َ‬ ‫وجدوا أنفسهم تحت رحمة المسـيحيين عنـدما تجـاوزوا التّحصــينات الخارجيـة فاسـتقبلهم‬
‫‪.‬المتعاقبة الجافة‬
‫]‪[←307‬‬
‫‪Makkari, ii, 136 - 7.‬‬
‫]‪[←308‬‬
‫‪Conde, i. 419 - 24.‬‬
‫]‪[←309‬‬
‫‪.‬نقل المقّري وكون ِدهـ روايتيهما للحصار عن المسعودي الذي كتب في مصر وتوفي في حوالي عام ‪ 946‬أو ‪947‬‬
‫]‪[←310‬‬
‫‪Makkari, ii. 137.‬‬
‫]‪[←311‬‬
‫‪ Ariza.‬وأريثا )بلد الوليد( ‪ Valladolid‬يبرز هذا الحصن بقلعته وأبراجه العربية رائعا ً بين المناظر الطّبيعية على طريق السّكة الحديدية بين ڤاالدوليد‬
‫]‪[←312‬‬
‫‪Conde, i. 429 - 30.‬‬
‫]‪[←313‬‬
‫‪Makkari, i. 187, 464.‬‬
‫]‪[←314‬‬
‫السـالح من جــانب خصــومهم‬ ‫كان ما يسمى «تفويض» منصب الحاكم في العديد من الحاالت التّعبير الملطف ألمراء قرطبة ال ُّسنّة لالستحواذ على الحكم بالوراثــة أو بقــوة ّ‬
‫‪.‬اليمانيين أو المولّدين‪ .‬ولقد كان األمر كذلك على وجه التّأكيد في حالة بني سعيد‪ ،‬ألننا نجدهم هناك جيالً بعد جيل‪ ،‬وباستمرار في معارضة الح ّكام ال ُّسنّة‬
‫]‪[←315‬‬
‫‪Conde, i. 425; Makkari, ii. 250, 440, 503; Al - Kuttiyyah in j.A.‬‬
‫]‪[←316‬‬
‫‪Makkari, ii. 147.‬‬
‫نقل المقّري عن القاضي منذر بن سعيد البلوطي‪ ،‬قوله في عبد ال ّرحمن الثّالث‪« :‬رفض الدّعة وهي محبوبة‪ ،‬وترك الرّ كون الى الرّ احة وهي مطلوبة‪ ،‬بطوية صــحيحة‬
‫وجـ ّد ظــاهر‪ ،‬وسـيف منصـور تحت عـدل مشــهور‪ ،‬متحمال‬ ‫وعزيمة صريحة وبصيرة ثابتة نافذة ثاقبة وريح هابّـة غالبـة ونصـرة من هللا واجبـة‪ ،‬وسـلطان قـاهر َ‬
‫صب‪ ،‬مستقالً لما ناله في جانب هللا من التّعب‪ ،‬حتى النت األحوال بعد شدّتها وانكسرت شوكة الفتنـة عنـد حــدتها‪ ،‬ولم يبـق لهـا غـارب إال جبـة‪ ،‬وفتح هللا عليكم‬
‫للنّ َ‬
‫بخالفته أبواب الخيرات والبركات‪ .»..‬ج ‪ ،1‬ص ‪( .368‬م)‬
‫]‪[←317‬‬
‫‪Makkari, ii. 171.‬‬
‫]‪[←318‬‬
‫‪Conde, i. 465 - 6.‬‬
‫]‪[←319‬‬
‫‪ (Ibn Safaran El Xeibani).‬لم نتمكنـ من العثور على أي ذكر آخر لهذا ال ّر جل في أي مكان آخر‪ ،‬وليس لدينا سوى اسمه كما نقله كون ِدهـ‬
‫قلت‪ :‬وما أكثر ما ينقل كون ِده عن مخطوطات بادت ونبقى في حيرة م ّما ينقله ويترجمه عنها‪ ،‬وخاصّة أنّ أه ّم كتبه قد طُبعت بعد وفاته عــام ‪ ،1820‬وزاد محرّ رهــا في‬
‫أغالطها ومع ّمياتها‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←320‬‬
‫هو الباحة المفتوحة التي كانت تبنى حولها المنازل في األندلس‪ .‬األرجح أن القاضي لم يدخل إلى الفناء وإنمـا إلى مـدخل الـبيت الـذي يطلـق عليـه اليـوم اسـم ‪ patio‬الفناء‬
‫‪.‬ويكون مفتوحا ً على ال ّشارع خالل النّهار‪ ،‬وحيث يمكنـ للعابرين أن يحتموا‪ .‬ويكون مدخل الفناء عادة مغلقا ً ببوابة حديدية ‪ zaguan،‬األسطوان‬
‫]‪[←321‬‬
‫‪.‬الذي يبدو من اسمه أنه كان نصرانيا ً »‪ Kadi Jonás‬نقلت هذه القصّ ة عن «القاضي خوناس‬
‫قلت‪ :‬ليس بالضّ رورة‪ ،‬فمن الممكنـ أن يكون كون ِده قد قولب االسم عند ترجمته إلى اإلسپانيّة من يونس إلى خوناس‪ .‬وهذا بالضّ بط كمـا جــرى لالسـم العـبري األصــلي‬
‫(يوناه) عندما ت ّمت قولبته إلى اليونانيّة (يوناس)‪ ،‬على اعتبار أنّ االسم المذ ّكر المفرد المرفوع بهذه اللغة ينتهي بسين حكماً‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←322‬‬
‫ومن هذه القبيلة تفـرّعت ســاللة ‪ (Makkari, ii. 25).‬كان األنصار يمانيين استقرّ وا في القرن الثّامن في مختلف أنحاء األندلس وكان عددهم كبيراً في طُليطلة ونواحيها‬
‫‪.‬بني نصر ال ّشهيرة التي حكمت غرناطة في القرن الثّالث عشر‬
‫‪:‬قلت‪ :‬لكنّ المعروف والمشتهر أنّ نسب بني نَصْ ر يعود إلى قبيلة الخزرج‪ ،‬وليس إلى األنصار‪ .‬لكنّ في تاريخ كون ِدهـ باإلسپانيّة ترد كــنى بــني األحمــر ح ّكــام غرناطة‬
‫ولعلّه ترجمها هكذا بالغلط بدالً من‪ :‬النَّصْ ري؟ انظر الجزء الثالث من تاريخ كون ِده الذي نشرناه مؤخراً‪( .‬أحمد) ‪El Ansari‬‬
‫]‪[←323‬‬
‫‪.‬ناحية أخرى معظمـ سكانها من العائالت العربية من اليمن وقبيلة جُذام‬
‫]‪[←324‬‬
‫‪Conde, i. 483 - 5.‬‬
‫]‪[←325‬‬
‫‪Conde, i. 485 - 6; Pons, p. 90.‬‬
‫]‪[←326‬‬
‫‪Conde, i. 486.‬‬
‫]‪[←327‬‬
‫‪.‬ربما كان ال ّذهب يُجمع من بعض األنهر‪ ،‬فال وجود لمناجم ذهب معروفة في إسپانيا‬
‫]‪[←328‬‬
‫‪Makkari, ii. 172; Conde i. 487.‬‬
‫]‪[←329‬‬
‫‪Makkari, ii. 178.‬‬
‫واالقتباس العربي منقول عن المقّري ج ‪ ،1‬ص ‪( .399‬م)‬
‫]‪[←330‬‬
‫المقّري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪( .396‬م)‬
‫]‪[←331‬‬
‫‪Makkari, ii. 175 - 6, 183.‬‬
‫]‪[←332‬‬
‫‪Ib, 187.‬‬
‫يقول ڠايانڠوس إنه رأى قطعا ً معدنية نقش عليها اسم المنصور‪ ،‬وبعضها تحمل إضافة «الحاجب»‪ ،‬وبعضها دون تلك اإلضافة‪( .‬المصدر نفسه ص‪ .)477 .‬قد تكون‬
‫الطّ رز مجرد هدية من هشام ألنه لم يكن غير معتاد أن يهدي الخلفاء مالبس لالحتفاالت ال ّرسمية من خزائنهم إلى من يرغبون في تشريفهم‪ .‬وكان يمكنـ بسهولة أن‬
‫صالحيات الملكية‪ .‬ولكن بعد فترة غير طويلة‪ ،‬بات استخدام الطّرز شــائعا ً‬
‫يتم تضخيم األمر من قبل أشخاص يكنّون العداء للحاجب وتصويره بوصفه تعدّيا ً على ال ّ‬
‫‪.‬بين النّبالء‪ ،‬إن لم يكن في األصل رائجا ً حينها‬
‫]‪[←333‬‬
‫صقلبي فائق رئيس حرس قصر الخليفة الذي ش ّكله عبــد الــرّ حمن الثّــالث‪ ،‬لكن يبــدو األمــر موضــع شك‬‫صبح كانت أخت الخصي ال ّ‬ ‫‪. (Makkari, ii.‬يُقال إن والدة هشام ُ‬
‫)‪175, 186, 477‬‬
‫صبح كانت من البشكنس‪ ،‬من مملكة ناڤار (نبرة) من بالد الباسك‪ .‬ج ‪ ،1‬ص ‪( .603‬م)‬ ‫تجدر اإلشارة إلى أنّ المقّري أورد في مكان آخر أن السّيدة ُ‬
‫]‪[←334‬‬
‫‪G. der M., ii. 84 ff.‬‬
‫]‪[←335‬‬
‫‪Makkari, ii. 176 - 8.‬‬
‫]‪[←336‬‬
‫‪Ibid., ii. 176, 475.‬‬
‫]‪[←337‬‬
‫‪Conde, i, 491 - 493.‬‬
‫]‪[←338‬‬
‫‪Ibid., i. 558.‬‬
‫]‪[←339‬‬
‫‪Ibid., i. 496.‬‬
‫]‪[←340‬‬
‫‪.‬في إشبيلية ‪ San Juan de la Palma‬على سبيل المثال‪ ،‬كنيسة سان خوان دي ال پالما‬
‫]‪[←341‬‬
‫‪Conde, i. 499 - 500.‬‬
‫]‪[←342‬‬
‫‪España sagrada, xxxiv. 303.‬‬
‫]‪[←343‬‬
‫‪Makkari, ii. 189.‬‬
‫‪.‬يقال إن عبد الملك بن المنصور هدم ليون وس ّواها باألرض (المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ).486 ،222‬أما بشأن هدم المدينة فيكفي القول إنّ األسوار الرّ ومانية ال تزال قائمة‬
‫]‪[←344‬‬
‫‪España sagrada, xxxiv. 360.‬‬
‫]‪[←345‬‬
‫‪Makkari, ii. 195‬‬
‫المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪( .416 - 415‬م)‬
‫]‪[←346‬‬
‫‪Mariana, Book VIII., Chap. Viii.‬‬
‫]‪[←347‬‬
‫‪Makkari, ii. 195 - 6.‬‬
‫]‪[←348‬‬
‫‪Makkari, ii. 194.‬‬
‫]‪[←349‬‬
‫‪G. der M., ii. 115.‬‬
‫]‪[←350‬‬
‫‪Makkari, ii. 194 - 6, 480 - 1.‬‬
‫الكلمات الواردة ضمن أقواس هي ال ّشرح الوارد باإلنكليزيـة لمـا أورده المقّـري بالعربيـة‪ ،‬ومالحظـات المـؤلفَين‪ .‬بـاقي النّص العـربي مقتبس عن المقّـري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪ ،416‬بما يتفق مع النّص اإلنكليزي‪( .‬م)‬
‫]‪[←351‬‬
‫ورد لدى المقّري أنّ غرسية هو ابن شانجة ملك البشكنس‪ ،‬ويقصد بها بالد الباسك‪ .‬المقّري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪( .363‬م)‬
‫]‪[←352‬‬
‫‪Conde, i. 532 - 5.‬‬
‫يقول كون ِدهـ في مالحظة دوّ نها على هذا المقطع إنّ المتوفى هو الكونت ڠارثيّا فرنان ِدث ملك قشتالة الذي توفي مع ذلك‪ ،‬تبعا ً لماريانا‪ ،‬بعد ذلك بعشر ســنوات‪ ،‬في عــام‬
‫‪.‬إن ڠارثيّا فرنانديس توفي في عام ‪ ،995‬ويتفق ذلك مع التّاريخ الذي حدّده كون ِده )‪ (Spain, p. 308‬يقول واتس ‪1006. (Lib, VIII. Chapter x).‬‬
‫]‪[←353‬‬
‫‪Conde, i. 539.‬‬
‫]‪[←354‬‬
‫مخطوطات كتبها رهبان يعتقد انهم كانوا يعيشون في دير سان دومينڠوـ دي سيلوس في قشتالة وتقول مصادر أخرى إن الدّير كان في ليون‪( .‬م)‬
‫]‪[←355‬‬
‫‪Dozy, G. Der M., ii. 115; Makkari, ii. 215, 485.‬‬
‫]‪[←356‬‬
‫‪Cf. Makkari, i. 461.‬‬
‫]‪[←357‬‬
‫‪.‬أورد المقّري أن الثّوب كان مرقّعا ً‪ ،‬وأن خادم أبي العالء هو الذي كان يلبسه‪ ،‬وفي رواية أخرى أن أبا العالء لبس القميص تحت ثوبه ثم خلع الثّوب وبان‪ .‬ج ‪ ،3‬ص ‪83‬‬
‫]‪[←358‬‬
‫‪Abu Bakri Ibn Daweid‬‬
‫]‪[←359‬‬
‫‪Conde, i. 525 - 6.‬‬
‫]‪[←360‬‬
‫الــتي تقـدّم ‪ Posada‬االعتيادية الـتي تقـدّم الطّعـام والخدمــة‪ ،‬والنّـزل ‪ Fonda‬ال تزال في إسپانيا إلى اليوم ثالثة أنواع من الفنادق التي استخدمها المسلمون‪ ،‬وهي الفنادق‬
‫‪.‬التي هي عبارة عن مكان يستريح فيه المسافر مع دابته ‪ Parada‬الغرف دون الطّعام‪ ،‬والخانات‬
‫]‪[←361‬‬
‫‪Conde, i. 511 - 3.‬‬
‫]‪[←362‬‬
‫كالم غريب ومستهجن‪ .‬وكانت أ ّم المنصور تس ّمى أيضا ً بُريهة‪ ،‬وهي بُريهة بنت يحيى بن زكرياء التميمي من أهل بيت من أشراف قرطبة يس ّمون ببني برطال‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←363‬‬
‫‪.‬مأوى لمن امتهنوا التّس ّول‪ .‬وكان لكل مسكن كبير خدم يقوم على راحة وانضباط المقيمين فيه ‪ Zawiya‬كانت ال ّزوايا‬
‫]‪[←364‬‬
‫‪.‬يبدو أنها المدارس في الحي التّابع للمسجد الذي كان يرعاه المنصور‬
‫الحي‪( .‬م) ‪Aljama‬‬
‫ّ‬ ‫كلمة إسپانية أصلها عربي من «الجامع» وكذلك «الجماعة» وتعني باإلسپانية‬
‫]‪[←365‬‬
‫‪Conde, i. 519 - 20.‬‬
‫]‪[←366‬‬
‫‪.‬سيرد شرح لهذه العادة الملفتة في كتاب الحق‬
‫]‪[←367‬‬
‫‪Makkari, ii. 220.‬‬
‫‪.‬النص العربي من المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،409‬بشيء من الضّ بط ليتناسب مع التّرجمة‬
‫]‪[←368‬‬
‫والخز»‪ ،‬كما جاء في المقّري (ج ‪ ،3‬ص ‪( .)94‬م)‬
‫ّ‬ ‫حداداً على المنصور‪ ،‬لبست الجواري «المسوح واألكسية بعد الوشي والحبر‬
‫]‪[←369‬‬
‫ت فقط من فتيان القصر‪ ،‬وإنما من أهل قرطبة عموماً‪ ،‬وإنّ الثّورة لم تهدأ إال عندما خرج عبد الملك بنفسه على رأس حرسه وأنزل ســيفه‬ ‫يقول النّويري إنّ المعارضة لم تأ ِ‬
‫‪.‬في المعترضين فذبح منهم أعداداً كبيرة‪ .‬وعلينا أن نقرأ هذا في ضوء العداوة التي كان النّويري يكنها لبني أبي عامر ولكل ما يفعلونه‬
‫]‪[←370‬‬
‫‪Makkari, ii. 221 - 2.‬‬
‫بما أنّ المقّري يقول إنّ المنصور توفي في عام ‪ 1002‬وعبد الملك في عام ‪ 1008‬أو ‪ ،1007‬فال شك أن م ّدةـ السّبع سنين هذه خاطئة‪( .‬المؤلفان)‬
‫النص العربي مقتبس من المقّري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪( .423‬م)‬
‫]‪[←371‬‬
‫كانت والدة عبد الرّ حمن نصرانية بنت ملك يدعى شانجة‪ .‬وقد نقل دوزي عن ابن الخطيب انّ «ملك الرّ وم كان يخشى المنصور إلى درجة أنــه رغب في أن يناســبه فأهــداه‬
‫صالح‬ ‫الز وجة األثيرة لدى المنصور وتفوقت على كل األخريات في التّقوى وال ّ‬
‫يعتقد دوزي أنها ‪». (.Dozy, Recherches, i. 209 - 10).‬ابنته‪ .‬ولقد اصبحت ّ‬
‫صلح عندما تزوج بابنته‪ ،‬في حوالي سنة ‪ ،985‬كمــا يقــول دوزي‪ Sancho Garcia .‬كانت بنت سانچو ڠارثيّا‬ ‫ملك قشتالة‪ ،‬الذي كان المنصور قد عاهده على ال ّ‬
‫[س ّماه الكتاب العرب شانجة بن غارثيّا‪( .‬م)]‬
‫]‪[←372‬‬
‫‪Makkari, ii. 222 - 4‬‬
‫‪.‬النص العربي مقتبس من المقّري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪425‬‬
‫]‪[←373‬‬
‫‪G. der M., ii. 166.‬‬
‫]‪[←374‬‬
‫‪Makkari, ii. 224 - 5‬‬
‫المقّري‪ ،‬ج ‪ .425 ،1‬يكمل المقّري بأنهم بايعوا «مح ّمد بن هشام بن عبد الجبار ابن أمير المؤمنين النّاصر لدين هللا من أعقاب الخلفاء‪ ،‬ولقّبوه المهدي باهلل»‪( .‬م)‬
‫]‪[←375‬‬
‫‪G. der M., ii. 164.‬‬
‫]‪[←376‬‬
‫‪.‬كان هشام حينها في حوالي الثّالثة واألربعين من العمر‬
‫]‪[←377‬‬
‫‪Conde, i. 559 - 60.‬‬
‫]‪[←378‬‬
‫‪Conde, i. 561 - 2.‬‬
‫]‪[←379‬‬
‫إنه الكونت كاريون ‪ Sandoval‬ويقول دوزي نقالً عن ساندوڤال ‪ (Ibn Kumis).‬يفترض ڠايانڠوس أنّ النّاسخ ارتكب خطأ في نقل االسم وأن الصّ حيح هو ابن قومس‬
‫)‪. (G. der M., ii. 171‬أحد حلفائه من ناحية ليون ‪ Gomez،‬من أسرة ڠو ِمث ‪Carrion‬‬
‫وورد في بعض المصادر العربية اسمه «ابن غومش»‪( .‬م)‬
‫]‪[←380‬‬
‫‪Makkari, ii. 489 - 90.‬‬
‫وقيل إنه طيف برأسه ونودي عليه «هذا شنشول المأبون المخذول»‪ّ ،‬‬
‫الذهبي‪« ،‬تاريخ اإلسالم»‪ ،‬الجزء السّابع والعشرون‪ ،‬ص ‪( .389‬م)‬
‫]‪[←381‬‬
‫‪Makkari, ii. 225, 488.‬‬
‫]‪[←382‬‬
‫يقول النّويري إنّ واضحا ً كان عبداً أعتقه المنصور وكان في ذاك الوقت حاكما ً لمدينة سالم‪ .‬ويبدو من المستحيل التّوفيق بين مختلــف الرّ وايــات‪ ،‬ولكن النّقــاط األساســية أنّ‬
‫حياة هشام كانت مصانة في تلك الفترة‪ ،‬وأن واضحاً‪ ،‬وإن كان يظهر للمهدي بعض التّأييد في العلن‪ ،‬فقد كان مخلصا ً لهشام ويعرف مكان اختبائــه‪ ،‬وقــد اغتنم أول‬
‫‪: Makkari, ii. 491, 494).‬النويري في المقّري( فرصة مناسبة إلخراجه‬
‫]‪[←383‬‬
‫‪Conde, i. 563 - 4.‬‬
‫]‪[←384‬‬
‫‪G. der M., ii. 176.‬‬
‫]‪[←385‬‬
‫‪See Dozy, G. der M., ii. 174 ff.; Makkari, ii. 225 ff.; and An - Nuwairi’s account, ib. pp. 491 ff.‬‬
‫]‪[←386‬‬
‫‪An - Nuwairi in Makkari, ii. 497.‬‬
‫]‪[←387‬‬
‫‪Conde, i. 592, 593.‬‬
‫‪ (.G. der M., ii. 197).‬لكن دوزي يروي القصة بطريقة مختلفة نقال عن ابن حيّان‬
‫]‪[←388‬‬
‫‪G. der M., ii. 197, 242 - 5.‬‬
‫]‪[←389‬‬
‫‪Makkari, ii. 27.‬‬
‫]‪[←390‬‬
‫فاالسم الكامل ألبي القاسم مح ّمد بن َعبّاد قاضي إشبيلية الذي ينتسب إليه هو مح ّمد بن إسماعيل بن قريش بن َعبّاد بن ُع َمر بن أسلم بن ‪ Karis, Qarais.‬االسم هو قريش‬
‫عمرو بن عطّاف بن نعيم اللَّخمي (‪ 1042 - 1023‬م) كما يرد في تاريخ ابن خلدون الجزء الثّاني‪( .‬م)‬
‫]‪[←391‬‬
‫‪Makkari, ii. 250, 503; cf. Ibn Khaldun in Makkari, i. App. xxxii. Dozy, G. der    M., ii 237 - 8.‬‬
‫]‪[←392‬‬
‫‪.‬يشار هنا إلى الفتن التي اندلعت مع خلع الخليفة هشام في سنة ‪1009‬‬
‫]‪[←393‬‬
‫وهو ُسنّي كما هو واضح‪ ،‬وجد صعوبة في التّوفيق بين إعجابه بخصال إسماعيل ومزاياه‪ ،‬وعصبيته الـتي تجعلـه )‪ (.Conde, ii. 7‬يبدو أنّ الكاتب الذي نقل عنه كون ِده‬
‫‪.‬يكره اإلشادة بيمني‬
‫]‪[←394‬‬
‫‪.‬يحوي متحف إشبيلية مرثية أحد ضباط القاسم‬
‫]‪[←395‬‬
‫‪Makkari, ii. 238 - 9. Dozy, Abbadites, ii. 32, G. der M., ii. 200; Conde, ii. 7.‬‬
‫]‪[←396‬‬
‫‪Dozy, Abbadites, i. 229 - 32; iii. 82 - 3.‬‬
‫]‪[←397‬‬
‫وتس ّمى «طائفة قرطبة» وتعرف كذلك بـ «الدّولة الجهورية» نسبة إلى بني جهور‪( .‬م)‬
‫]‪[←398‬‬
‫‪Ger. der M., ii. 242 - 5.‬‬
‫‪.‬الجزء الثّاني من مجموعة المقتطفات التي جمعها دوزي عن بني َعبّاد والتي تتض ّمن مقاطع من األثير والنّويري وغيرهما‪ ،‬غير مترجم‬
‫]‪[←399‬‬
‫‪Makkari, ii. 249.‬‬
‫]‪[←400‬‬
‫جذوة المقتبس في ذكر والة األندلس‪ ،‬للحميدي‪( .10 - 9 :1 ،‬م)‬
‫]‪[←401‬‬
‫‪Makkari, ii. App. pp. xvi. - xvii.‬‬
‫]‪[←402‬‬
‫‪Al - Homaidi in Makkari, ii. App. pp. xvi. - xvii.‬‬
‫]‪[←403‬‬
‫حيث ‪ Niebla،‬في لبلة ‪ Montelixam‬على ال ّرغم من أنه نبذ عائلة أبيه وأنكر أي عالقة بهم‪ ،‬فقد التجأ عندما وجــد نفســه في حــال الخطــر واحتمى في جبــل مونــتيليخم‬
‫‪ (Makkari, ii. 242).‬عاش أجداده النّصارى‬
‫]‪[←404‬‬
‫‪.‬إنّ عدد األجيال ما بين األسالف والفرد المعني لم يكن ذات أهمية بالنّسبة للعرب الذين اعتادوا على تتبّع النّسب إلى أصل العائلة في اليمن‬
‫]‪[←405‬‬
‫وهي المنــبر المرتفــع ‪ maksurah‬يخبرنا كون ِده أنه حتى عندما كان يحضر الصّ الة في المسجد في شبابه بالجامع الكبير في أيام األعيــاد‪ ،‬لم يكن هشــام يــترك مقصــورته‬
‫صص للخلفاء خالل إقامة ال ّشعائر إلى أن يكون الجميع قد غادروا المسجد‪ ،‬فكان يخــرج حينهـــا محاطـا ً بحاشــيته وح ّراســه ويعــود إلى‬
‫المحاط بقضبان مذهبة المخ ّ‬
‫)‪. (.i. 509 - 10‬القصر القريب منه وبالكاد يتسنّى للنّاس أن يروه‬
‫]‪[←406‬‬
‫‪Abbadites, i. 277 - 8.‬‬
‫]‪[←407‬‬
‫‪Dozy, Ger. der M., ii. 273.‬‬
‫]‪[←408‬‬
‫‪Ibn Hayyan, in Abbadites, i. 278.‬‬
‫]‪[←409‬‬
‫الطّيلسان‪ ،‬أو التّيلسان‪ ،‬كلمة فارسية األصل ومعناها العباءة السّوداء التي توضع على الكتف‪( .‬م)‬
‫]‪[←410‬‬
‫‪Dozy, Ger. der M., ii. 294; and Dictionnaires des vȇtements, p. 280.‬‬
‫]‪[←411‬‬
‫يورد ابن بسّام نقالً عن ابن حيّان ال ّروايات التّالية التي شاعت في وقت أو آخر عنه‪ :‬لقد قتله المهديـ ودفن في احتفال عام كما لو أنه مات ميتة طبيعية‪ .‬ثم أعـاده إلى الحيـاة‬
‫صقلبي الذي أعلن أن ذلك كان خطة دبّرها مغتصب السّلطة ذاك‪ ،‬وأنّ هشاما ً ال يزال حياً‪ .‬لقد أمر سليمان بخنقــه عنــدما اســتولى على قرطبــة‪ ،‬ودفنــه في‬ ‫واضح ال ّ‬
‫السّر‪ ،‬ولكن بعد سنوات وبعد خلع المعت ّد باهلل (هشام الثّالث) في سنة ‪ ،)1030 - 1029( 420‬ادّعى الوزير جهور أنه كان ال يزال حيا ً وأمر بأن يخطب باسمه في‬
‫كل مساجد قرطبة‪ ...‬وأخيراً‪ ،‬اعلن ابو القاسم قاضي إشبيلية الطّامع إلى توســيع مملكتــه وبســط سـلطته على المزيــد من أراضــي إســپانيا‪ ،‬أنـه عــثر على هشـام في‬
‫)‪» (.Makkari, ii. 503‬زنزانة في قلعة رباح‬
‫]‪[←412‬‬
‫ينقل ابن األثير عن ابن أبي الفيّاض قوله إنّ أهل قلعة رباح اعترفوا بإمامة هشـام عنـدما وصـل إلى بلـدهم‪ ،‬لكنهم اضـطروا إلخراجـه منهـا خوفـا ً من ابن ذي النّـون‪ .‬وفي‬
‫صة موته المفترض وزعم ابن َعبّاد بظهوره‪ ،‬يُالحظ ابن األثير بتهكم سخف االفتراض بأنّ دجاالً بويع كخليفــة وتسـبّب بحــروب داميــة بعــد‬‫معرض اإلشارة إلى ق ّ‬
‫‪.‬ويبدو أن دوزي قلّل من أه ّمية هذا المقطع ‪. (Ibn Al - Athir, 438 - 40).‬عشرين سنة من وفاة هشام الحقيقي‬
‫]‪[←413‬‬
‫ولنذكر كالم ابن اللّبّانة وغيره في حقهم فنقول‪ :‬وصف المعتضدـ رحمه هللا تعالى بما صورته‪ :‬المعتضدـ أبو عمرو َعبّاد رحمه هللا تعالى‪ ،‬لم تخ ُل أيامه في أعدائه من تقييد«‬
‫قدم‪ ،‬وال عطّل سيفه من قبض روح وسفك دم‪ ،‬حتى لقد كـانت في بـاب داره حديقـة ال تثمــر إال رؤوسـاً‪ ،‬وال تنبت إال رئيسـا ً ومرؤوسـاً‪ ،‬فكـان نظــره إليهــا أشــهى‬
‫مقترحاته‪ ،‬وفي التّلفّت إليها استعمل جلّ بكره وروحاته‪ ،‬فبكى وأرق‪ ،‬وشتت وفرق‪ ،‬ولقـد حكي عنـه من أوصـاف التّجبّـر مـا ينبغي أن تصــان عنــه األسـماع‪ ،‬وال‬
‫يتعرّ ض له بتصريح وال إلماع»‪ ،‬المقّري‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪( .242‬م)‬
‫]‪[←414‬‬
‫‪Conde, ii. 24.‬‬
‫]‪[←415‬‬
‫‪Conde, ii. 250.‬‬
‫]‪[←416‬‬
‫ومن الواضح أنّ هذا خطأ‪ ،‬مردّه النّقل عن ابن األبّار في الحلّة ال ِّسيَراء‪« :‬هلكت له ٌ‬
‫بنت أثيرة لديـه»‪ ،‬فظنّـا أنّ اسـمها «أثـيرة»‪: Taira ،‬يورد المؤلفان اسم ابنة المعتضدـ‬
‫الذكور و‪ 20‬من اإلناث‪ ،‬وال سبيل لحصر أسمائهم‪( .‬أحمد)‬ ‫وتورد بعض المصادر أنّ اسمها ريحانة لكنّ هذا غير مؤ ّكد‪ ،‬وكان للمعتضد ‪ 20‬ابنا ً من ّ‬
‫]‪[←417‬‬
‫‪Conde, ii. 47 - 8.‬‬
‫]‪[←418‬‬
‫‪G. der M., ii. 286 ff.‬‬
‫]‪[←419‬‬
‫كذا يرد االسم لدى ويشو‪ ،‬نقالً عن كون ِده‪ ،‬الذي ذكرنا مليّا ً ورود أخطاء لديه‪ ،‬والصّحيح أنّ القائد جرور اللّمتوني المرابط هو الذي قاد جيش المــرابطين الثّــالث إلى رُنــدة‪،‬‬
‫بينما سار سير بن أبي بكر إلى إشبيلية‪ ،‬وأبو عبد هللا بن الحاج إلى قرطبة‪ ،‬وأبو زكريا بن واسندوا إلى ال َمريّة‪ ،‬وبقى يوسف بن تاشــفين فى ســبتة على رأس جيش‬
‫بسـام ‪» Kasur.‬احتياطى‪ .‬ويبدو أنّ كون ِده أشكل عليه في بعض المخطوطات القديمة اسم «جرور» فقرأه «كسور‬ ‫الذخيرة في محاسن أهل الجزيــرة البن ّ‬ ‫راجع‪ّ :‬‬
‫ال ّشنتريني‪ ،‬الحلّة ال ِّسيَراء البن األبّار‪ ،‬اإلحاطة في أخبار غرناطة البن الخطيب‪ ،‬البيان المغرب البن ِعذاري المرّ اكشي‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←420‬‬
‫‪Dozy, G. der M., ii. 290; Conde, ii. 25, 167.‬‬
‫]‪[←421‬‬
‫‪Conde ii. 47 - 9.‬‬
‫‪.‬كون ِد ه مخطىء بشأن االسم‪ :‬فالكاتب الذي اقتبس عنه كان يشير سواء إلى ابن عم المعتمد علي ملك دانية‪ ،‬أو ربما على األرجح إلى المعتصمـ بن صمادح ملك ال َمريّة‬
‫]‪[←422‬‬
‫هو ال ّشاعر عبد الجبار بن أبي بكر بن مح ّمد بن حمديس الصّ قلّي (‪ 527 - 447‬هـ)‪( .‬م)‬
‫]‪[←423‬‬
‫‪Makkari, ii. 252‬‬
‫]‪[←424‬‬
‫‪.‬لقد أصبح الحقا ً من ال ّد أعدائه‬
‫]‪[←425‬‬
‫‪Makkari, ii. 512.‬‬
‫]‪[←426‬‬
‫‪Makkari, ii. 299; Conde, ii. 169.‬‬
‫]‪[←427‬‬
‫‪G. der M., ii. 238.‬‬
‫]‪[←428‬‬
‫‪Makkari, ii. 299; Dozy, G. der M., ii. 318 - 9.‬‬
‫]‪[←429‬‬
‫‪Makkari, ii. 300 - 2.‬‬
‫]‪[←430‬‬
‫‪.‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪372‬‬
‫]‪[←431‬‬
‫المقّري‪ ،‬ج ‪( .373 ،4‬م)‬
‫]‪[←432‬‬
‫أغمات قرية قريبة من م ّراكش‪ ،‬في المغرب‪( .‬م)‬
‫]‪[←433‬‬
‫المقّري‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ُ ( .224‬‬
‫ضبِطَ النّص على النّص اإلنكليزي بال ّرجوع إلى النّص العربي األصلي‪( .‬م)‬
‫]‪[←434‬‬
‫‪.‬المقّري‪ ،‬ج ‪224 ،4‬‬
‫]‪[←435‬‬
‫‪Inscripciones Arabes, p. 106.‬‬
‫]‪[←436‬‬
‫خريدة القصر وجريدة العصر‪ ،‬العماد األصبهاني‪ .‬وفيها يقول األصبهاني إنّ ابن اللّبّانة كتب هذه األبيات بعد وفاة المعتمدـ وليس عندما زاره‪( .‬م)‬
‫]‪[←437‬‬
‫ال ُحلّة ال ِّسيَراء البن األبّار‪( .55 :2 ،‬أحمد)‬
‫]‪[←438‬‬
‫‪Al - Marrakushi, 124; Conde, ii. 170; Dozy, G. der M., ii. 400, 404.‬‬
‫]‪[←439‬‬
‫ذكر الم ّراكشي‪ ،‬وفق النّسخة العربية التي لدينا‪ ،‬أن ابن ع ّمار كتب إلى األمير الرّ اضي باهلل ابن المعتمد‪ ،‬وليس إلى ابنه الرّشيد‪ ،‬ص ‪( .58‬م)‬
‫]‪[←440‬‬
‫‪Al - Marrakushi, 108 - 9.‬‬
‫]‪[←441‬‬
‫‪Al - Marrakushi, 86 - 7.‬‬
‫‪.‬النص العربي مقتبس من «المعجب في تلخيص أخبار المغرب»‪ ،‬ألبي علي الم ّراكشي‬
‫]‪[←442‬‬
‫قال ابن اللّبّانة في كتاب نظم السّلوك في مواعظ الملوك في أخبار الدّولة العبّاسية‪ :‬إنّ طائفة من أصحاب المعتمد خامرت عليه‪ ،‬فـأُعلم باعتقادهـا‪ ،‬و ُكشـف لـه عن مرادهـا‪،‬‬
‫ّ‬
‫خصـه هللا تعــالى بــه من حســن اليقين‪ ،‬وصــحة الـدّين‪ ،‬إلى أن أمكنتهم‬ ‫وحُضّ على هتك حرمها‪ ،‬وأغري بسفك دمها‪ ،‬فأبى ذلك مجده األثيل‪ ،‬ومذهبه الجميل‪ ،‬ومــا‬
‫‪.‬الغ ّرة فانتصروا ببغاث مستنسر‪ ،‬وقاموا بجمع غير مستبصر»‪( ،‬المقّري‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪)216‬‬
‫وكتب المرّ اكشي (ص ‪ )64‬ع ّما حدث قائال‪« :‬وأجمعت على الثّورة بحضرة إشبيلية طائفة‪ ،‬فأُعلِم المعتمدـ بما اعتقدته الطّائفة المذكورة و ُكشــف لــه عن مرادهــا وأُثبت‬
‫غري بتمزيق أديمها وسفك دمها‪ ،‬و ُحضَّ على هتك حريمها وكشف ُحرمها‪ ،‬فأبى له ذلك مجده األثيل ورأيــه األصــيل ومذهبــة الجميــل‪ ،‬ومــا‬ ‫َ‬ ‫عنده سوء اعتقادها وأُ‬
‫السـنة المــذكورة فقـاموا بجيش غــير مستنصــر واستنسـروا‬ ‫حباه هللا به من حسن اليقين وصحة العقل والدّين‪ ،‬الى أن أمكنتهمـ الغ ّرة يوم الثّالثاء منتصــف رجب من ّ‬
‫بغاثا غير مستنسر»‪( .‬م)‬
‫]‪[←443‬‬
‫‪.‬المرّ اكشي‪ ،‬ص ‪64‬‬
‫]‪[←444‬‬
‫)‪. (.ii, 163‬جسر المراكب ما بين إشبيلية وطريانة‪ ،‬الذي كان المعتمد قد أعاد للتّ ّو بناء ما تهدّم منه ‪» galleys‬ال شك أن المقصود «بشوانيه‬
‫]‪[←445‬‬
‫يقول الم ّر اكشي عندما يورد ذكر قادة المرابطين الذين هاجموا إشبيلية‪« :‬وكان الذي ظهر عليها من جهة البرّ رجل من أصحاب يوســف أمــير المســلمين يعــرف بجــدير بن‬
‫واسنو ومن الوادي رجل يعرف بالقائد أبي حمامة مولى بني سجوت»‪( .‬ص ‪( .)64‬م)‬
‫]‪[←446‬‬
‫‪Al - Marrakushi, 119 - 22; cf. Makkari, ii. 298.‬‬
‫النص العربي مقتبس من المرّ اكشي‪ ،‬ص ‪( .66 - 65‬م)‬
‫]‪[←447‬‬
‫‪Al - Marrakushi, 123.‬‬
‫المرّ اكشي‪ ،‬ص ‪( .66‬م)‬
‫]‪[←448‬‬
‫يمزقن وجوههن كما يمكنـ أن يفعلن بثوب ملون‪ ،‬إال بأن نساء ال ّشيعة كن يرتدين األسود عموما ً‬
‫‪.‬ال يمكننا تفسير ما فعلته النّساء وقد نزعن نقابهن ورحن ّ‬
‫]‪[←449‬‬
‫‪ (cf. L’Art Arabe,‬كان لألسد في إشبيلية معنى مزدوجٌ‪ .‬فهو رمز للقوة وقد جعل الفاطميون في مصر النّحاتين ينحتونــه لهم «كرمــز لقــوّ تهم» على أبــواب قصــورهم‬
‫ولذلك فإن وجود رؤوس األسود المنحوتة‪ ،‬والتي تمثل نمط الفن المصــري ‪ (ib, 186).‬لقد كان األسد والباز كذلك من الحيوانات المقدّسة في اليمن قديما ً ‪279).‬‬
‫في الكنائس المستعربة التي بُنيت أو أضيفت في ظل الحكم اإلسالمي في إشبيلية‪ ،‬يفسّر ذلك‪ .‬أما بالنّسبة لألفاعي الــتي يشــير إليهــا ابن اللّبّانــة‪ ،‬فعلينــا أن نتــذكر أنّ‬
‫األفعى هي ال ّرمز الهيروغليفي للملكية في مصر القديمة‪ ،‬لكي نفهم لماذا وضع فنّانو األندلس العرب األقباط رسوما ً تمثل األفعى على مداخل القصور الــتي بنوهــا‪.‬‬
‫‪.‬منه باألفعى ‪ S‬وال تزال الفكرة باقية أينما استق ّر األقباط واليمنيون في هذه المنطقة‪ ،‬على ال ّرغم من أنها تحوّلت منذ م ّدةـ طويلة إلى ما هو أكثر شبها ً بحرف‬
‫]‪[←450‬‬
‫‪Marrakushi, 125‬‬
‫‪.‬المرّ اكشي‪ ،‬ص ‪68‬‬
‫]‪[←451‬‬
‫ليس العرب وحدهم وإنما مسيحيو إشبيلية كذلك بكوا وحزنوا على المعتمدـ ألنه حماهم طوال فترة حكمه وترك لهم ح ّرية ممارسة شعائرهم الدّينيــة‪ .‬وخالل القــرن الحــادي‬
‫عشر بُني عد ٌد من الكنـاس المســتعربة و ُر ّمم بعضـها اآلخـر في كــل نــواحي الجنـوب الغــربي‪ ،‬حـتى أنّ المعتمـدـ وظــف مسـيحيين ضـمن حاشـيته‪ ،‬ومن بينهم ابن‬
‫‪. (.Simonet, 660).‬المرغري‪ ،‬أحد أألثيرين لديه‪ ،‬وكان نصرانيا ً من إشبيلية وشاعراً متميّزاً‬
‫]‪[←452‬‬
‫‪Encyc. of Islam, s./v. "Almoravides" ; Conde, ii. 57; Al - Marrakushi, 79, 232.‬‬
‫]‪[←453‬‬
‫‪Abbadites, i. 116.‬‬
‫‪:‬يقول ال ّشاعر في قصيدته‬
‫نمي في ِح ْميَر ونمتك لَ ْخم‪   ‬وتلك وشائج فيها التحا ُم‬
‫فيوسف يوسف إذ أنت منه‪   ‬كيامن‪ ،‬ال وهي لكما نظا ُم‬
‫‪.‬الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة»‪ ،‬أبو الحسن علي بن بسّام ال ّشنتريني‪ ،‬تحقيق إحسان عبّاس‪ ،‬الدّار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا ‪ -‬تونس‪ .‬ج ‪ ،3‬ص ‪«245‬‬
‫]‪[←454‬‬
‫قد يكون االسم لمطة (م) ‪Lamtu‬‬
‫]‪[←455‬‬
‫كواحد من ال ّرجال الذين انتسبت إليهم تلك القبائل‪ ،‬ولكني لم أجد أي ذكر لشــيخ انتســب إليــه أبنـاء صــنهاجة أو قبيلــة بهــذا االســم ‪ Mustafa‬ورد في النّص االنكليزي اسم‬
‫ضمن القبائل المتفرعة عن صنهاجة في أي مرجع‪ ،‬وإنما هناك قبيلة‪ :‬مسوفة‪ .‬واألرجح أن مسوفة هو األصح‪( .‬م)‬
‫]‪[←456‬‬
‫‪Conde, ii. 73 - 4.‬‬
‫]‪[←457‬‬
‫‪i. 408 note; ii. 273‬‬
‫]‪[←458‬‬
‫الزالقة وخطاب يوسف بن تاشــفين جوابـا ً على طلب المسـاعدة من ملــوك األنـدلس أن «فل ّمــا فــرغ من كتابـه قــرأه على يوسـف بن تاشـفين‬ ‫ورد في رواية المقّري لمعركة ّ‬
‫بلسانه‪ ،‬فاستحسنه‪ ،‬وقرن به ما يصلح لهم من التّحف ودرق اللمط التي ال توجد إال ببالده‪ ،‬وأنفذ ذلك إليهم‪ ،‬فلما وصلهم ذلــك وقــرأوا كتابـه فرحــوا بــه‪ ،‬وعظّمــوه‪،‬‬
‫وسرّ وا بواليته‪ ،‬وتق ّو ت نفوسهم على دفع الفرنج عنهم‪ ،‬وأزمعوا إن رأوا من الفرنج ما يريبهم أنهم يرســلون إلى يوســف بن تاشــفين ليعــبر إليهم‪ ،‬أو يمـدّهم بإعانــة‬
‫منه»‪ .‬ج ‪ ،4‬ص ‪( .356‬م)‬
‫]‪[←459‬‬
‫‪Meshalik, Mesha.‬‬
‫‪].‬ميشع ملك مؤاب لذلك كان األقرب اسم بالد مؤاب شرق نهر األردن (م)‬
‫]‪[←460‬‬
‫‪Iii. 248, 251, 283.‬‬
‫]‪[←461‬‬
‫‪ the Military Orders of the‬إنّ بيوت ال ّر باط كانت صوامع دينية ينزل بها المقاتلون وتشبه إلى ح ّد كبير أخويات الفرسان المسيحية )‪ (i. 619, note‬يقول كون ِدهـ‬
‫من حيث أبحر كولومبوس في رحلته االستكشافية‪ ،‬هو ما تبقى من الرّ باطات التي أنشأها المسلمون ‪ Monastery de la Rabida‬ودير الرّ ابطة ‪Christians.‬‬
‫في كتاب اإلدريسي العربي[ )‪ (p. 14‬على تخوم مملكة لبلة‪ ،‬والتي تفصل الحدود بينها وبين إمارة شلطيش مدينة بالوس دي ال فرنتيرة (بلش)‪ .‬ويذكر اإلدريسي‬
‫وال ‪ (Marrakushi, 270).‬قرب قادس حيث كان يوجد مسجد ذو شأن كبير يؤ ّمه النّاس من كل ناحية ‪ Rabida Rota‬صومعة تدعى رابطة روطة ]ص ‪248‬‬
‫‪.‬تزال المدينة التي يشير إليها تحمل اسم روطة لكن تم اسقاط «رابطة» من االسم‬
‫]‪[←462‬‬
‫‪Encyc. of Islam, s./v. "Almoravides"; Conde, ii. 73 - 81.‬‬
‫]‪[←463‬‬
‫‪Conde, ii. 84 - 5.‬‬
‫]‪[←464‬‬
‫‪.‬أي ‪ 25‬رطال ‪ lbs،‬اإلسپاني يساوي اليوم حوالي ‪ arroba 25‬الرّ بع‬
‫]الخمسة وعشرون رطالً تساوي حوالي ‪ 11‬كيلوغراما‪ .‬والرّ بع المستخدم قديما ً هو ربع قنطار‪ ،‬والقنطار يساوي حوالي ‪ 45‬كيلوغراماً‪( .‬م)[‬
‫]‪[←465‬‬
‫‪.‬سيكون بوسع المطّلعين على التّاريخ القديم لغينيا أن يعرفوا إن كان لهذه الواقعة الغريبة أيّ أساس‬
‫]‪[←466‬‬
‫‪Conde, ii. 82 - 6p cf. Codera, Almoravides, 30 note.‬‬
‫]‪[←467‬‬
‫‪Ibid., ii. 88 - 90.‬‬
‫]‪[←468‬‬
‫‪Ibid., ii. 93.‬‬
‫]‪[←469‬‬
‫‪Conde, i. 517.‬‬
‫]‪[←470‬‬
‫‪Ibid., i. 514 ff., 521 - 2.‬‬
‫]‪[←471‬‬
‫‪Makkari, i. 310, 332.‬‬
‫]‪[←472‬‬
‫‪:‬كان هؤالء شيعة األندلس الذين تع ّرضوا بشكل خاص للنّهب والسّلب والقتل على أيدي جيوش المغتصبين‪ ،‬سواء أكانوا من البربر أو العرب ال ُّسنّة؛ انظر المقّري‬
‫‪cf. Makkari, ii. 225 - 30; An - Nuweair in Makkari, ii. 448, 496, and passim.‬‬
‫]‪[←473‬‬
‫‪Makkari, i. 118 - 9.‬‬
‫نقل المقّري النّص عن ابن غالب كما نقله ابن سعيد‪ .‬والنّص العربي مقتبس من المقّري‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،152‬مع ضبطه مراعاة للنّص اإلنكليزي‪( .‬م)‬
‫]‪[←474‬‬
‫‪Marrakushi, 138 - 9; Conde, ii. 193.‬‬
‫]‪[←475‬‬
‫‪Codera, Almoravides, 218 ff.‬‬
‫]‪[←476‬‬
‫‪.‬كان الخط الكوفي اإلشبيلي هو المستخدم في سك العملة النّقدية في القرن الحادي عشر‪ ،‬ولم يعد يستخدم بعد سقوط المعتمدـ‬
‫]‪[←477‬‬
‫موجوداً في فاس‪ ،‬وال تزال إحدى حاراته تحمل اسم طريانة على اسم حي الخـ ّزافين في إشــبيلية‪ .‬هنــا يقــوم ‪ Barrio de los Andaluces‬كان ال يزال الح ّي األندلسي‬
‫جامع بني إدريس الذين حكموا شمال أفريقيا من فاس إلى بنزرت‪ ،‬بالقرن العاشر‪ .‬في سنة ‪ 973‬أذعن آخر ملوك بني إدريس إلمامة هشام الثّــاني وبــنى المنصــور‬
‫الحي‬
‫ّ‬ ‫‪ (Conde, i. 472, 514 - 6).‬منبراً من األبنوس المحفور غني ال ّزخرفة ‪ Aljama‬محرابا ً لتزيين هذا المسجد‪ ،‬وأهدى‬
‫الحي األندلسـي واالســتيالء على رايــة‬
‫ّ‬ ‫عندما حاصرت القبائل السّاخطة فاس الواقعة تحت الوصاية الفرنسية في مايو من سنة (‪ ،)1912‬كان أول ما ف ّكروا فيه اقتحــام‬
‫بني إدريس ال ّشريفة المحفوظة في المسجد العتيق‪ .‬ونجحوا في ذلك على ال ّرغم من قصف المدفعية الفرنسية‪ ،‬وهدفهم إعالن «الجهــاد» تحت الرّايـة القديمـة لحكــام‬
‫‪.‬مرّ اكش الفاطميين‬
‫كلمة إسپانية مأخوذة من كلمة الجامع أو «الجماعة» العربية وتعني الحي‪( .‬م) ‪Aljama‬‬
‫]‪[←478‬‬
‫لشهر فبراير ‪ ،1909‬الصّ فحة ‪ .48‬يتحدّث الكاتب عن سابور بوصفه «يحتمل أن يكون "‪ "Revista de Archivos‬راجع مقاالً للكاتب أمادور دي لوس ريوس في مجلة‬
‫واحداً من بين العديد من ملوك الطّوائف غير المعروفين في تلك الفترة»‪ .‬ويختلف المقّري وڠايانڠوس بشأن تــاريخ وفاتــه‪ ،‬وال يعطي أيّ منهمــا التّــاريخ المــذكور‬
‫‪.‬على قبره‬
‫الحكَم الثاني ( ‪ 366 - 350‬هـ)‪ ،‬وقت انحالل الدولة‪ .‬وكان سابور‬ ‫قلت‪ :‬كان يلقّ ب بسابور العامري‪ ،‬وكان أحد صبيان فائق الخادم‪ ،‬فتى الخليفة األموي المستنصر باهلل َ‬
‫قد استب ّد سنة ‪400‬هـ بالجزء الغربي من الدّولة‪ ،‬الذي يشمل أرض الثغر األدنى وحاضرته بطليوس وأسفل وادي التّاجــه حيث مــدينتا شــنترين واألشــبونة (لشــبونة‬
‫اليوم)‪ .‬واتخذ سابور لنفسه لقب «حاجب»‪ ،‬كما اعتاد معاصروه من ملوك الطوائف أن يصنعوا‪ ،‬واعتمد في إدارة دولته على وزيـره عبـد هللا بن محمـد بن مسـلمة‬
‫بن األفطس الذي اشتهر بأنه من أهل المعرفة والحكمة‪ ،‬وز ّوج ابنته أحد أبناء ابن األفطس‪ .‬وتوفي سنة ‪ 413‬هــ‪ .‬انظـر‪ :‬الـ ّـذخيرة في محاسـن أهـل الجزيـرة‪ ،‬البن‬
‫الحكَم الثاني ( ‪- 350‬ـ ‪366‬هـ) سابور‬ ‫بسّام ال ّش نتريني‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪( .‬أحمد) سابور العامري أحد صبيان فائق الخادم‪ ،‬فتى الخليفة األموي المستنصر باهلل َ‬
‫الحكَم الثاني (‪366 - 350‬هـ)‬ ‫َ‬ ‫باهلل‬ ‫العامري أحد صبيان فائق الخادم‪ ،‬فتى الخليفة األموي المستنصر‬
‫]‪[←479‬‬
‫‪.‬كان في َس َرقُسطة أسقف من سنة ‪ 1040‬إلى ‪1063‬‬
‫]‪[←480‬‬
‫ارتبط بنو العامري بعالقات صداقة مع النّ صارى في بلدهم‪ .‬وتوجد وثيقة جعل فيها علي بن مجاهد العامري أسقفية برشلونة مسؤولة عن جميع الكنائس في مملكته بما فيها‬
‫أسقفيات جزر البليار ودانية وأوريولة‪ ،‬ويأمر فيها بأن يرسم أسقف برشلونة جميع الكهنة والقساوسة وال ّشمامسة في تلــك األبرشــيات وأن يخضــعوا لســلطته وحــده‬
‫وليس ألحد غيره‪ .‬ولقد اعترف بحق ملك دانية في القيام بذلك أسقف برشلونة وثالثـة أسـاقفة آخـرين م ّمن حضـروا حفـل تكــريس كاتدرائيــة سـانت كـروز وسـانتا‬
‫‪.‬أوالليا في سنة ‪1058‬؛ وكذلك البابا وفقا ً لبعض المراجع‪ .‬ويمكن أن نستنتج من هذا أن علي بن مجاهد اتخذ لقب الملك عندما توفي هشام في تلك السّنة‬
‫]‪[←481‬‬
‫‪.‬لقد حمى بنو أبي عامر النّصارى كذلك ونقرأ عن وجود أسقف في بلنسية في سنة ‪1089‬‬
‫الخليفة العبّاسي هو عبد هللا القائم بأمر هللا ‪1075 - 1031‬م‪( .‬م)‬
‫]‪[←482‬‬
‫وردت لدى المقّري شنتمرية ال ّشرق وشنتمرية الغرب‪( .‬م)‬
‫]‪[←483‬‬
‫باالنكليزية وهي تعني سكان شمال أفريقيا أو المغرب‪( .‬م) ‪ Moors‬باأللمانية تعني ‪Mauren‬‬
‫]‪[←484‬‬
‫نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق‪( .‬م)‬
‫]‪[←485‬‬
‫يتوسـلونه مواصــلة )‪ (Chronicle, xi. 220‬ورد في السّجالت‬‫ّ‬ ‫عن كاهن كان يعيش في طُليطلة في ذلك الوقت أنه في عام ‪ ،1082‬أرسل النّصـارى وفــداً إلى ألفونســو‬
‫‪.‬الحصار‪ ،‬وأرسل يحيى وفداً آخر (من المسيحيين أيضاً) ليطلب منه الكفّ عن ذلك‬
‫]‪[←486‬‬
‫‪Crónica general, xi. 226 - 8; Makkari, ii. 257, 505, Dozy, G. der M., ii. 352 - 3.‬‬
‫‪.‬باإلضافة إلى جداول األنساب‬
‫]‪[←487‬‬
‫‪Makkari, ii. 270.‬‬
‫‪.‬أنّ ألفونسو شن الحرب على المعتمد بعد استيالئه على طُليطلة )‪ (Chronicle, xi. 294‬كما ورد في السّجالت‬
‫]‪[←488‬‬
‫‪G. der M., ii. 353.‬‬
‫صبي المشهور بابن العسّال (المقّري‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪( )351‬م)‬ ‫‪:‬األبيات لل ّشاعر عبد هللا بن فرج اليَح ُ‬
‫الغلط‬
‫ِ‬ ‫س حثّوا مطيَّك ُم‪   ‬فما المقا ُم بها إال من‬
‫أهل أندل ٍ‬
‫يا َ‬
‫الوسط‬
‫ِ‬ ‫ثوب الجزيرة منسوالً من‬ ‫الثوب يُنسل من أطرافه وأرى‪َ    ‬‬
‫ونحن بين عدو ال يفارقنا‪   ‬كيف الحياةُ مع ال َحيّات في َسفَ ِط‬
‫]‪[←489‬‬
‫‪Makkari, ii. 277.‬‬
‫]‪[←490‬‬
‫‪Conde, ii. 72, 97 - 8; Dozy, G. der M., ii. 354; Makkari, ii. 274.‬‬
‫]‪[←491‬‬
‫الصّ ادرة في پاريس عام ‪ ،1906‬موقع ‪» Die Geographische Lage von Zallaka - Sacralias‬يحدّد السّيد زيبولد في ك ّراسته بعنوان «الموقع الجغرافي لل ّزالقة‬
‫‪ Badajoz.‬ال ّزالقة على نهر ڠيريرو على بعد نحو ‪ 15‬كلم شمال شرق بطليوس‬
‫]‪[←492‬‬
‫‪Conde, ii. 146; Marrakushi, 114; Dozy, G. der M., ii. 358, 416.‬‬
‫‪.‬حيث يقول دوزي إنه ال توجد روايات معاصرة لهذه المعركة‪ ،‬وإنّ أقدم ما كتب عنها يعود إلى القرن الثّاني عشر‬
‫االقتباس العربي من المرّ اكشي‪ ،‬ص ‪( .61‬م)‬
‫]‪[←493‬‬
‫‪Makkari, ii. 289.‬‬
‫‪.‬المقّري‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪375‬‬
‫]‪[←494‬‬
‫‪.‬الم ّراكشي‪ ،62 ،‬بما يتفق مع النّص اإلنكليزي‬
‫]‪[←495‬‬
‫‪Marrakushi, 115 - 7; Abbadites, i. 118.‬‬
‫المرّ اكشي‪( .63 - 62 ،‬م)‬
‫]‪[←496‬‬
‫‪Makkari, ii. 289 - 91‬‬
‫االقتباس العربي من المقّري‪،‬ج ‪ ،4‬ص ‪( .376 - 375‬م)‬
‫]‪[←497‬‬
‫‪Makkari, ii. 292; cf. Abbadites, ii. 252 note.‬‬
‫المقّري‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪( .377‬م)‬
‫]‪[←498‬‬
‫‪: Codera, Almoravides, p.2.‬تقول بعض المراجع إنه عاد على الفور نتيجة وفاة ابنه‪ ،‬ولكن هذا األمر غير ذي أهمية بالنّسبة لنا هنا‪ .‬للمراجعة االطالع على‬
‫]‪[←499‬‬
‫‪Dozy, G. der M., ii. 360 - 3; Conde, ii. 157.‬‬
‫فيقول إنه حصل في عام ‪ ،1088‬وإنه )‪ (Almoravides, 226 - 7‬يؤرّ خ دوزي مجىء يوسف بن تاشفين في المرة الثّانية إلى االندلس في سنة ‪1090‬؛ أما كوديرا‬
‫‪.‬جاء للمرة الثّالثة في عام ‪1090‬‬
‫]‪[←500‬‬
‫‪Conde, ii 158 - 9.‬‬
‫ومن بينهم رجل يــدعى ابن لبــون ‪ El Cid‬هناك إدلة إفتراضية على أنّ بعض أعداء المعتمدـ كانوا في هذا الوقت يتعاملون مع السّيد (السيد القنبيطور أو القمبيطور)‬
‫‪. (Dozy, Recherches,‬هو ابن أو أخو رجل يدعى ابن لبون يقول كون ِده إن المعتمد عيّنه حاكما ً على لورقة وتوفي في عام ‪ 1087‬وخلفه أبو الحسن بن اليسع‬
‫‪.‬لكن تاريخ تلك الفترة متشابك وغامض للغاية )‪ii. chap. iii.; Abbadites, i. 100; Conde, ii. 60, 151‬‬
‫]‪[←501‬‬
‫‪P. 112; cf. Dozy, G. der M., Chron. tables.‬‬
‫]‪[←502‬‬
‫‪Conde, ii. 159 - 60.‬‬
‫ينقل الم ّر اكشي أحداث أليط وكأنها حصلت في أول زيارة ليوسف إلى األندلس قبل معركة ال ّزالقة؛ لكنّ هذا خاطىء بال شك‪ ،‬لذلك نقلناها إلى مجيئــه في المــرة الثّانيــة‬
‫ولكن بناء على روايته هنــاك )‪ (Almoravides, 226‬في عام ‪ .1088‬يقول السّنيور كوديرا إنّ يوسف جاء إلى إسپانيا خمس مرات بين عامي ‪ 1086‬و‪1102‬‬
‫اختالفات كبيرة في اآلراء بشأن ما حصل خالل المرة الثّ الثة لمجيئه‪ ،‬حيث يقول بعض المؤلفين إنه في تلك المناسبة استولى على غرناطة ومالقة‪ ،‬ويقــول آخــرون‬
‫إن ذلك حصل في زيارته السّابقة‪ ،‬ويقول آخرون إنه كان في المرة الثّالثة مص ّمماًـ على أن يصبح حاكم األندلس‪ .‬ال حاجة لنا للوقــوف ومناقشـة مختلـف الرّ وايــات‪،‬‬
‫‪.‬فهدفنا الوحيد من لفت االنتباه إليها هو تسجيل االختالفات الكبيرة في مختلف الرّ وايات التي ينقلها الكتّاب المختلفون عن االحداث عينها‬
‫]‪[←503‬‬
‫‪.‬هناك أدلة على أن العالقات بين بني َعبّاد والمستعربين الذين يعيشون في األراضي التّابعة لهم كانت تحكمها المودة على الدّوام‬
‫]‪[←504‬‬
‫‪ (ii, 270; cf. Marrakushi, 113).‬يقول المقّري إنّ كل أمراء األندلس‪ ،‬بمن فيهم المعتمدـ نفسه‪ ،‬كانوا يدفعون الجزية إلى ألفونسو‬
‫]‪[←505‬‬
‫‪Crónica general, xi. 316 ff.‬‬
‫]‪[←506‬‬
‫‪:‬في المقطع المتعلق بالمفاوضات التي كان يجريها ابن عمار‪ ،‬والمذكورة أعاله‪ ،‬يقول‬
‫"‪"sacrificaba Aben Abed á su ambicion pueblos de Muzlimes, y su propria familia‬‬
‫‪.‬ومعناه أنّ ابن َعبّاد خالل تعامله مع ألفونسو‪« ،‬ض ّح ى من أجل طموحه بشعوب المسلمين وحتى بعائلته نفسها»‪ ،‬وهو ما يشير على ما يبدو إلى ال ّزواج والمهر‬
‫]‪[←507‬‬
‫‪Crónica general, xi. 314.‬‬
‫يعتل العرش إال بعد سنة من تاريخ وفاة ابنته المزعوم‬
‫ِ‬ ‫‪.‬وهذا يزيد من اإلرباك‪ ،‬ألن لويس السّادس لم‬
‫]‪[←508‬‬
‫‪.‬المتعلق بما ورد في ال ّشريعة اإلسالميّة عن النّساء الحريرات‪ ،‬ص ‪ Kadi 115‬مراجعة بيانات‬
‫]‪[←509‬‬
‫;‪H.R. Regina Elisabeth, uxor regis Adefonsi, filia Benabet Regis Sevillae, quae prius Zayda, fuit vocata. (Crónica general, xi. 296‬‬
‫)‪Mariana, Book IX. Chap. Xx.‬‬
‫‪».‬الترجمة العربية لتلك الكتابة هي‪« :‬الملكة إليزابيث‪ ،‬زوجة الملك ألفونسو‪ ،‬ابنة بن َعبّاد‪ ،‬ملك إشبيلية‪ ،‬والتي كانت تس ّمى سابقا ً زايدة‬
‫]‪[←510‬‬
‫‪Crónica general, xi. 306, 317 - 8.‬‬
‫]‪[←511‬‬
‫‪Crónica general, 166, 242, 275.‬‬
‫]‪[←512‬‬
‫‪Ibid, xi. 294 - 6.‬‬
‫]‪[←513‬‬
‫‪Conde, ii. 71.‬‬
‫]‪[←514‬‬
‫‪Crónica general, xi. 241.‬‬
‫‪.‬تضيف السّجالت بأنّ القوّ ات باشرت سيرها من فرنسا‪ ،‬وأنّ يوسف خاف انتظارها وغادر المملكة‬
‫]‪[←515‬‬
‫‪Makkari, ii. 294 - 6.‬‬
‫صره وقاتله‪ ،‬وال تنفس عليه‪ ،‬ولتبدأ بمن والى الثّغور‪ ،‬وال تتع ّرض للمعتمــد بن«‬
‫فكتب إليه أن يأمرهم بالنّقلة وال ّرحيل إلى أرض العدوة‪ ،‬فمن فعل فذاك‪ ،‬ومن أبى فحا ِ‬
‫‪َ ».‬عبّاد‪ ،‬إال بعد استيالئك على البالد‬
‫المقّري‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪( .370‬م)‬
‫]‪[←516‬‬
‫‪In Makkari, ii. app. xli.‬‬
‫]‪[←517‬‬
‫‪P. 120.‬‬
‫ي مكــان ‪» galleys‬يبدو من المرجّ ح أن «الشواني‬ ‫التي د ّم رت هي جسر القوارب الذي كان يصل إشبيلية بناحية طريانة وال َّش َرف على ال ّ‬
‫ضفة المقابلة‪ .‬لم نعــثر في أ ّ‬
‫على أيّة معلومات بشأن وجود مثل هذا الجسر‪ ،‬ولكننا نعرف من تاريخ حصار فرناندو الثّالث إلشبيلية أن معظم المؤن كانت تجلب من الضّ فة األخرى للنّهر وأنــه‬
‫الضـرورية بهــذهـ الطّريقــة‪ .‬كــان هنـاك قصــر واحــد على‬‫لمن المستبعد أن يستخدم ملوك بني َعبّاد الذين اسّسوا حضارة متقدّمة العبّارات النّهرية لتأمين نقل المؤن ّ‬
‫األقل من قصور بني َعبّاد على الضّفة اليمنى للنّهر‪ ،‬وتفيد السّجالت المكتوبة أنه في إحدى المناسبات (في سنة ‪ )1063‬عندما كان المعتضد مقيما ً في هذا القصــر‪،‬‬
‫‪» quae‬ثار أحد أبنائه واستولى على بعض النّفائس من قصر أبيه‪ ،‬وقام «بإغراق المراكب المستخدمة لعبور النّهــر والــتي كــانت مصــطفة في النّهــر أمــام القصر‬
‫يخبرنا ثونيڠا أنه كانت هناك سلسلة كبيرة من الجذوع الخشبية )‪. (Abbadites, i. 291 - 5‬وهرب ‪ante palatium in flumine dispositae erant‬‬
‫قــد )‪. (.i. 22‬الموصولة بحلقات حديدية ممتدّة من برج مراقبة تو ِّره دل أورو (برج ال ّذ هب) إلى جدار في الجهة األخرى‪ ،‬وال تزال أساساتها قائمة إلى هذا اليوم‬
‫تكون سلسلة األلواح الخشبية هذه هي ما تبقى من جسر القوارب الذي بناه المعتمدـ ويتفق موقعها مع موقع «المراكب» التي أغرقها األمير الثّــائر‪ ،‬حيث كــان بــرج‬
‫‪.‬ال ّذهب برجا ً للمراقبة خارج القصر‬
‫]‪[←518‬‬
‫المرّ اكشي‪ ،‬ص ‪( .65‬م)‬
‫]‪[←519‬‬
‫‪Conde, ii. 168; Makkari, ii. 297; Al - Marrakushi, 120.‬‬
‫]‪[←520‬‬
‫‪Makkari, ii. 302.‬‬
‫]‪[←521‬‬
‫‪Conde, ii. 192 - 3.‬‬
‫)‪. (Almoravides, 230.‬يقول كوديرا إنّ أ ّمه كانت جارية نصرانية‬
‫]‪[←522‬‬
‫كالم عجيب من المؤلفين فيه خلط فادح‪ ،‬فالمرابطون لم يكونوا من ال ّشيعة‪ ،‬بل كانوا يستندون إلى قــوتهم المتشـبّعة بــروح إســالمية إصــالحية مبنيــة على المــذهب المــالكي‬
‫باعتقاد أشعري ُسنّي‪ ،‬وأطلقوا على دولتهم تسمية معبّرة هي «دولة الرّ باط واإلصالح»‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←523‬‬
‫‪Makkari, ii. 303.‬‬
‫]‪[←524‬‬
‫‪Conde, ii. 241 - 3.‬‬
‫]‪[←525‬‬
‫‪Conde, ii. 267; Makkari, ii. Ixxxvii.‬‬
‫]‪[←526‬‬
‫‪Rodriguez, Memorias para la Vida de Fernando III., p. 397.‬‬
‫]‪[←527‬‬
‫ومعنى هذا االسم باإلسپانيّة‪ّ :‬‬
‫الذئب‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←528‬‬
‫‪Codera, Almoravides, 115.‬‬
‫]‪[←529‬‬
‫‪Ibid. 113, 310 - 1.‬‬
‫]‪[←530‬‬
‫‪Makkari, ii. 314; Al - Khattib, in id. Ii. 519.‬‬
‫]‪[←531‬‬
‫‪.‬لكننا أغفلنا في الكتاب هذا التّمييز في األسماء العربية‪( .‬المؤلفان) ‪ Sa’d،‬كان يجب أن نكتبها ‪Sad‬‬
‫]‪[←532‬‬
‫يحيى بن علي بن يوسف المسوفي‪( .‬م)‬
‫]‪[←533‬‬
‫عبد الرّحمن بن عياض‪( .‬م)‬
‫]‪[←534‬‬
‫‪Al - Khattib in Makkari, ii. 519.‬‬
‫‪.‬إن أحد أبناء أبي عامر حكم ُمرسية قبل ابن عياض )‪ (.Makkari, ii. 334‬يقول المقّري‬
‫]‪[←535‬‬
‫المرّ اكشي‪ ،‬ص ‪( .98‬م)‬
‫]‪[←536‬‬
‫‪Al - Marrakushi, 180 - 1.‬‬
‫تستم ّد رواية المرّ اكشي لتاريخ تلك الفترة قيمتها وروعتها من كونه معاصــراً لألحــداث‪ ،‬وقــد حصـل على روايـة تعـيين ابن عيـاض لخليفتــه من أشـخاص عرفــوا ابن‬
‫‪.‬عيّاض شخصيا ً‬
‫]‪[←537‬‬
‫السـنيور كــوديرا اليقـدّر ‪» Almoravides‬يورد كوديرا في كتابه «المرابطون‬ ‫أسماء على ارتباط بهذه الثّورات تشير إلى أصل يمني أو من المولّدين‪ ،‬وإن كان يبدو أن ّ‬
‫‪.‬أهمية هذه الحقيقة‪ .‬وتؤ ّكد روايات كون ِده عن هذه الثّورات ما يورده السّنيور كوديرا في اإلجمال‬
‫]‪[←538‬‬
‫‪Makkari, ii. 519 - 20.‬‬
‫]‪[←539‬‬
‫‪.‬في فهم التّحوير الغريب لكثير من األسماء القُوطيّة )لغة النّصارى( "‪ "the Christian language‬يفيد ما كتبه ابن الخطيب عن أصول األعالم في‬
‫أو «ها ‪ He aqui el mocho pequeño‬ومعناه )إي موتشيكو( ‪: He mochico‬ويعطي السّنيور كوديرا التّفسير الصّ حيح بال شك‪ ،‬بما معناه أن ما قاله اإلسپان هو‬
‫‪.‬تعني ما ينقص منه طرفه أو نهايته‪ ،‬مثل بقرة نُزع قرناها أو شجرة قُلّمت أغصانها ‪ mocho‬هو ذا الموتشو الصّغير»‪ .‬وكلمة‬
‫]‪[←540‬‬
‫‪Codera, Almoravides, 133 - 44, 147 - 8. Al - Khatib in Makkari, ii. 315 - 6 and 520 - 1.‬‬
‫]‪[←541‬‬
‫‪Conde, ii. 346.‬‬
‫]‪[←542‬‬
‫يظنّ المؤلفان أنّ المرابطين كانوا من ال ّشيعة‪ ،‬وهذا بالطبع خطأ ّ‬
‫جلي‪ ،‬إذ كانوا على المذهب ال ُسنّي المالكي باعتقاد أشعري‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←543‬‬
‫‪Conde, ii. 362 - 4; Codera, Almoravides, 142 - 4, 316 - 8.‬‬
‫]‪[←544‬‬
‫‪Codera, Almoravides, 115, 123.‬‬
‫بمعنى «سج ّل اإليرادات والنّفقات»‪» fondak .‬ترجمت كلمة «فندق ‪ Belot‬ومعناها نزل‪ .‬وفي قاموس بُلو "‪ "meson‬لقد ترجم السّنيور كوديرا كلمة «فندق» بكلمة‬
‫‪.‬يمكن أن نفترض أنّ ما قدّمه ابن َمردنيش لتجار جنوة لم يكن نزالً يبيتون فيه وإنما مكانا ً للتّجارة والمبادالت‬
‫]‪[←545‬‬
‫‪Codera, Almoravides, 120 - 2, 136 - 7.‬‬
‫]‪[←546‬‬
‫‪Makkari, ii. 318; Codera, Almoravides, 151 - 2.‬‬
‫]‪[←547‬‬
‫‪Al - Marrakushi, 215 - 6.‬‬
‫]‪[←548‬‬
‫‪Makkari, ii. 313; Marrakushi, 215.‬‬
‫]‪[←549‬‬
‫‪Almoravides, 126 note.‬‬
‫]‪[←550‬‬
‫‪Codera, Almoravides, 129.‬‬
‫‪.‬نقبل ما نقله السّنيور كوديرا من وقائع أ ّكدها المقّري‪ ،‬ولكننا نشير إلى أنّ ابن َمردنيش نفسه كان يدعى مح ّمد بن سعد بن َمردنيش‬
‫]‪[←551‬‬
‫‪Ibid., 128, 130, 395.‬‬
‫]‪[←552‬‬
‫‪P. 216.‬‬
‫‪.‬الم ّراكشي‪ ،‬ص ‪120‬‬
‫]‪[←553‬‬
‫‪.‬لقد رأينا أنّ األمر لم يكن على هذا المنوال ألن ابن َمردنيش كان متحالفا ً مع كل من قشتالة وآراغون‪ ،‬ولكن األب المحت ّ‬
‫ضر كان يخشى أال يتم تجديد العهود لصالح أبنائه‬
‫]‪[←554‬‬
‫‪miherghana‬‬
‫]‪[←555‬‬
‫‪Conde, ii. 380 - 2.‬‬
‫‪.‬يشكل المبنى جزءا من قصر إشبيلية‬
‫]‪[←556‬‬
‫‪P. 216.‬‬
‫‪.‬الم ّراكشي‪ ،‬ص ‪120‬‬
‫]‪[←557‬‬
‫‪Almoravides, 153.‬‬
‫]‪[←558‬‬
‫‪Makkari, ii. 334 - 5; Ibn Khaldun, in id. App. Ixxvi. - vii.; Codera, Almoravides, 153.‬‬
‫]‪[←559‬‬
‫‪Conde, ii. 401.‬‬
‫]‪[←560‬‬
‫الوزير ابن جامع (م)‬
‫]‪[←561‬‬
‫‪Conde, ii. 420; cf. Al - Marrakushi, 279; and Makkari, ii. app. Ixvii.‬‬
‫]‪[←562‬‬
‫‪Conde, iii. 1.‬‬
‫]‪[←563‬‬
‫المرّ اكشي‪ ،‬ص ‪( .159‬م)‬
‫]‪[←564‬‬
‫‪Al - Marrakushi, 280.‬‬
‫]‪[←565‬‬
‫‪Encyc. Of Islam, art. "Abd Al Mumin," p. 51.‬‬
‫]‪[←566‬‬
‫‪Conde, iii. 4.‬‬
‫]‪[←567‬‬
‫هو المتوكل على هللا مح ّمد بن يوسف بن هود‪( .‬م)‬
‫]‪[←568‬‬
‫‪ii. 327.‬‬
‫]‪[←569‬‬
‫‪Makkari, ii. 327 - 8.‬‬
‫]‪[←570‬‬
‫‪Primera Crônica, p. 721.‬‬
‫]‪[←571‬‬
‫‪Conde, ii. 9; Makkari, ii. App. Ixxix., and p. 530 note 26.‬‬
‫]‪[←572‬‬
‫‪Makkari, ii. 337 - 8 and 530; Conde, iii. 24 - 5.‬‬
‫]‪[←573‬‬
‫‪Makkari, ii, 341‬‬
‫]‪[←574‬‬
‫‪ (See Conde, iii. 11 - 2; Makkari, ii. 339‬نعتقد بأنّ المقّري أخطأ هنا‪ ،‬ألنّ جند الموحّ دين كانوا يحتلون شريش‪ ،‬وهم مقاتلون أشدّاء على عداء مع شيعة األندلس‬
‫‪- 40).‬‬
‫]‪[←575‬‬
‫‪Makkari, ii. 341 - 3, and app. Ixxix.‬‬
‫]‪[←576‬‬
‫و "‪ "milhaf‬التي أورد دوزي كتابتها على شكل "‪ "milaf‬أي تنّورة‪ .‬ال يعطي غايانڠوس ترجمة لكلمة ‪» saya‬تعني «ال ّشاية» وباإلسپانية «سايا "‪ "tunic‬إنّ ترجمة‬
‫‪،Dict.‬قاموس األلبسة( وهي جزء من غطاء الرّ أس للمرأة "‪، "milaffah‬وقال إنها كانت في إسپانيا ترمز إلى حجاب المرأة وأحيانا رداء الخيل "‪"milhaffah‬‬
‫)‪des vêtements, 401 - 3.‬‬
‫]‪[←577‬‬
‫‪.‬ابن الخطيب كما يرد لدى المقّري‪ ،‬الجزء الثّاني‪ .344 ،‬وكان باديس واحداً من أمراء البربر في غرناطة وحكمها بين عامي ‪ 1038‬و‪ 1073‬م‬
‫]‪[←578‬‬
‫‪.‬ابن الخطيب كما يرد لدى المقّري‪ ،‬الجزء الثّاني‪532 ،‬‬
‫]‪[←579‬‬
‫غمض هذا االسم على الكثير من باحثي الغرب‪ ،‬أولهم خوسيه كون ِدهـ وآخرهم هنا برنهارد وإلِن ويشو‪ .‬والواقع أنّه يغمراسن بن زيّان‪ ،‬سلطان إقليم تلمسان في عهد الخليفــة‬
‫المو ّحدي عبد الواحد ال ّرشيد بن المأمون الذي كتب له بالعهد على والية المغــرب األوســط (الجزائــر) بعــد وفــاة أخيــه أبي عـ ّ‬
‫ـزة زيــدان بن زيّــان‪ .‬ويعـ ّد يغمراســن‬
‫المؤسّس الحقيقي للدولة الزيّانية وعاصمتها تلمسان‪ ،‬واسمه كما هو واضح أمازيغي‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←580‬‬
‫ال ّرواية المشكوك في صحتها التي نقلها ابن خلدون )‪ (iii. 26 - 7. Cf. Makkari ii. 340, and gayangos, ib. 352‬يقدّم كون ِده وصفا ً مختصراً لحكم بن األحمر‬
‫السـجالت غــير ّ‬
‫الصـحيحة‬ ‫صلوات العامة‪ ،‬قد تكــون نتيجــة لبعض ّ‬‫عن أنّ ابن األحمر أمر بأن يخطب للحفصي سلطان شرق أفريقيا‪ ،‬وكذلك للخليفة العبّاسي في ال ّ‬
‫‪.‬بشأن البعثة‬
‫]‪[←581‬‬
‫‪.‬تعرف اليوم بالقلعة الملكية‬
‫]‪[←582‬‬
‫‪.‬هذه الفقرة تدعم قولنا بأن السّياسة األساسية التي اعتمدها ابن األحمر قامت على تطوير مملكته بالطّرق السّلمية عوضا عن شنّ الهجمات أو مقاومة العدوان‬
‫]‪[←583‬‬
‫‪Conde, iii. 28 - 9.‬‬
‫]‪[←584‬‬
‫‪Se puso bajo y su fe y amparo‬‬
‫]‪[←585‬‬
‫‪Conde, iii. 29 - 30; cf. Zúñiga, i. 139.‬‬
‫أنه ترتّب على ابن األحمر دفع جزية سنوية بقيمة ‪ 150,000‬دينـار مـرابطي (ص ‪ The primera Crónica General‬يضيف المجلد األول في السّجالت العامة‬
‫‪)746.‬‬
‫]‪[←586‬‬
‫‪.‬كان مرادفا للقب النّبالة ‪ Rico Ome‬كما لو أن لقب ‪ Archives of Seville‬يشار إلى رتبة النّبالء هذه بصورة مستمرة في وثائق إشبيلية‬
‫‪. A History of Aragon and‬ومعنــاه كبــار الرّجــال األثريــاء وهي أعلى طبقــة في النّبالــة وكــان يحــق ألحــد األبنــاء أن يرثه ‪ Ricos Hombres‬اللقب هو‬
‫)م( ‪Catalonia‬‬
‫]‪[←587‬‬
‫‪Pineda, Memorial para la canonizacion del Rey Fernando III., Seville, 1637, p. 118,‬‬
‫يخبرنا السّنيور باليســتروس أنـه وجــد ‪).‬آثار إسپانيا القديمة( ‪ las antigüedades de España.‬پينيدا‪( ،‬نصب تطويب الملك فرناندو الثّالث)‪ ،‬نقال عن مخطوطة‬
‫‪.‬تأكيداً مستقالً لهذه ال ّرواية‬
‫]‪[←588‬‬
‫‪i. 1, 138; cf. Conde, iii. 30, and Makkari, ii. 344.‬‬
‫]‪[←589‬‬
‫‪Zúñiga, i. 4..‬‬
‫]‪[←590‬‬
‫كان (عبد الواحد) المرّ اكشي قادر على التّج ّرد وعدم تبنّي وجهة نظر أ ّ‬
‫ي طرف بما يكفي لينقل لنا صورة غــير منحــازة عن ســاللة الموحّــدين الــذين كتب في عهــدهم عــام‬
‫‪ 1224‬م‪ ،‬دون إغفال كونه (على ما يبدو) شيعيا ً يعيش بين ال ُّسنّة‪ .‬وتعتبر آراؤه الموضوعية عن األشخاص واالحداث في حقبتــه ذات اهميــة كبــيرة للطّالب الــذين‬
‫‪.‬يعتمدونـ على التّرجمة لالطّالع على الوقائع‬
‫]‪[←591‬‬
‫‪Al - Marrakushi, 192 - 193. Cf. article "Amir", Dict. Islam, p. 329.‬‬
‫‪.‬نأمل أن نبيّن في مجلد الحق العالمة المثيرة لالهتمام التي تركها هؤالء العرب األفارقة على الطّ راز اليمني الفني من خالل اآلثار الفنية في شريش وجوارها‬
‫النص المقتبس بالعربية من المرّ اكشي‪ ،‬ص ‪( .107 - 106‬م)‬
‫]‪[←592‬‬
‫‪ (Cf. Gayangos in Makkari, i. 508).‬من قبيلة تجيب‬
‫]‪[←593‬‬
‫‪Makkari, ii. 340,  Ixxviii. - Ixxix‬‬
‫]‪[←594‬‬
‫‪ (quoted in Makkari, loc. cit).‬كما قال ابن خلدون نفسه انه كان‬
‫]‪[←595‬‬
‫‪Makkari, ii. 340, 532.‬‬
‫]‪[←596‬‬
‫‪Makkari, ii. App. Ixxix. - ixxx.‬‬
‫]‪[←597‬‬
‫أي الحدوديــة‪ ،‬شــريش هي الرّ ئيســية بينهــا‪ .‬البلــدات األخــرى هي تشــيكالنا [االســم ‪ de la Frontera‬هناك عدد من البلدات في هذا اإلقليم ال تزال تسمى دي ال فرنتيرة‬
‫األقرب لفظا هي بنشكلة وهو حصن منيع على ضفة البحر‪ ،‬اإلدريسي‪ ،‬ص ‪ ]256‬وأركش ومورور‪ .‬ويبدو أنها كانت جميعها بلدات حدوديــة ترســم حــدود مملكــة‬
‫غرناطة في القرن الثّ الث عشر وكانت القوات المسيحية تعسكر فيها بموجب الحلف الذي عقده ابن األحمر مع سان فرناندو‪ .‬مع ذلك‪ ،‬وقبل سقوط إشــبيلية يبــدو أن‬
‫المغاوير أو جند المو ّحدين هم الذين كانوا يتمركزون فيها‪ ،‬وإن صح ذلــك يصــبح من المفهـوم تعبــير «دي ال فرنتـيرة» أو «عسـاكر الحــدود» الــذي كــان يســتخدم‬
‫‪.‬لإلشارة إليهم أو إلى المو ّحدين المدافعين عن الحصون الحدودية‬
‫]‪[←598‬‬
‫‪.‬يعتبره ڠايانڠوس سليل بني خلدون الذين تآمروا على إبراهيم بن ح ّج اج بهدف تشويه صورته لدى األمير عبد هللا في نهاية القرن التّاسع‪ .‬راجع الصّ فحة ‪ 90‬طبعة األصل‬
‫‪(.Gayangos in Makkari, i. 311 - 2).‬‬
‫]‪[←599‬‬
‫صل لتلك الحقبة الذي استطعنا الحصول )‪ (ii. app. D‬عملياً‪ ،‬النّص أعاله بكامله من الجزء المأخوذ عن ابن خلدون والمترجم عن المقّري‬ ‫وهو السّجل ّ‬
‫الزمني الوحيد المف ّ‬
‫‪.‬عليه‬
‫]‪[←600‬‬
‫‪Op. cit. Makkari, ii. Ixxiv/ Zúñiga, i. 109, 110.‬‬
‫]‪[←601‬‬
‫‪Makkari, ii. 340 - 1, app. Ixxix.‬‬
‫]‪[←602‬‬
‫إنــه عنــدمل غــادر ) َس َرقُســطة‪ ،1905 ،‬ص ‪ Murcia musulmana (272‬في كتابه ُمرســية المســلمة ‪ Mariano Gaspar Ramiro‬يقول ماريانو ڠاسپار راميرو‬
‫‪.‬المأمون‪ ،‬آخر خلفاء المو ّحدين إسپانيا عائدا إلى المغرب عام ‪ 1228‬م‪ ،‬انتفض مسلمو إسپانيا جميعا ً وقاموا بطرد الموحّ دين‪ ،‬أو ذبحهم أينما وجدوهم‬
‫]‪[←603‬‬
‫‪In Makkari, ii. app. Ix.‬‬
‫)نعتقد أن ما ورد هنا خاطىء(‬
‫]‪[←604‬‬
‫‪Los moros de Alcala de Guadera, quando lo sopieron que el rey de Granada yua y, salieron et dieronse a el, et el dio luego el‬‬
‫‪castiello a su sennor el rey don Fernando. Primera Crunica General, p. 748 ; cf. Zúñiga, i. 5, and Rodrigo Caro‬‬
‫‪Antigiledades de Sevilla, fo. 151, v.; who repeat this.‬‬
‫أوردت مختلف المصادر المذكورةـ هنا هذا النّص الذي يفيد بأنّ األفارقة غادروا قلعة جابر وأنّ ملك غرناطة سلّمها إلى سان فرناندو‪( .‬م)‬
‫]‪[←605‬‬
‫‪Zúñiga, i. 5, 9 ; Conde, iii. 31 - 2.‬‬
‫]‪[←606‬‬
‫‪ "Aben Mahfot".‬و "‪ "Aben Amafon‬يسميه )‪ (i. 27, 402‬وثونيڠا ‪» (i. 33)،‬راجع الصّفحة ‪ 298‬طبعة األصل‪ .‬يس ّميه كون ِده «مح ّمد سيد لبلة‬
‫]‪[←607‬‬
‫‪Ibn Khaldun in Makkari, ii. app. Ixxix - Ixxx.‬‬
‫]‪[←608‬‬
‫‪Conde, iii. 41 ff.; Zúñiga, i. 221 ff.‬‬
‫‪.‬كان السّواد األعظم من سكانها من المستعربين واليمانيين‬
‫]‪[←609‬‬
‫‪Prirmera Crónica,750 - 1. Zúñiga, i. 11,‬‬
‫‪.‬يقول ثونيڠا إن سيد أو حاكم سانتياڠو (شنت ياقُب) هو الذي قاد القوة وليس حاكم إقليش‬
‫]‪[←610‬‬
‫معنى االسم في اإلسپانيّة‪ :‬النّبع المعدني‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←611‬‬
‫‪Zúñiga, i. 20. 2 p. 751.‬‬
‫]‪[←612‬‬
‫‪Zúñiga, i. 17.‬‬
‫]‪[←613‬‬
‫‪.‬اختفت هذه التّحصينات اآلن لكن الجسر ال يزال قائما ً‬
‫]‪[←614‬‬
‫لم يكن مؤ ّر خو القرون الوسطى في إسپانيا‪ ،‬سواء من المسيحيين أو المسلمين‪ ،‬يرضون بأقل من «آالف» القتلى في صفوف األعداء في مناسبات كهذه‪ .‬وهذه السّمة ليســت‬
‫‪.‬غائبة تماما ً عن بعض ال ّ‬
‫صحافيين اإلسپان حتى في أيامنا هذه‬
‫]‪[←615‬‬
‫‪Zúñiga, i. 21.‬‬
‫]‪[←616‬‬
‫‪Conde, iii. 33 - 4.‬‬
‫]‪[←617‬‬
‫)‪Et dizenle en arauigo fuego de alquitran. (Primera Crónica, pp. 754, 756.‬‬
‫]‪[←618‬‬
‫‪Primera Crónica, 761.‬‬
‫]‪[←619‬‬
‫الصـوف الـ ّذهبي واســتعادة عرشــه في حمايـة آلهــة ‪ Argo‬سفينة آرڠو‬
‫ومعناها «السّريعة» مرتبطة بأسطورة يونانية تتعلق بمغامرةـ البطل اإلغريقي ياســون لجلب جـ ّزة ّ‬
‫اإلغريق‪( .‬م)‬
‫]‪[←620‬‬
‫‪i. 27 - 8.‬‬
‫]‪[←621‬‬
‫كانت ڠو ِلس في القرن ال ّس ادس عشر ال تزال مجموعة من البساتين خارج أسوار المدينة بين البوابة التي سميت آنذاك بهذا االسم والنّهر‪ .‬كان يملكهـا في زمن )‪(iii. 35.‬‬
‫الــذي يســميه ‪ Ben Alfofar‬ثونيڠا ورثة عائلة كولومبوس‪ .‬أصبحت اآلن ضاحية صناعية على طريق السّكة الحديدية المتوجّ هة إلى مدريد‪ .‬أ ّما ّ‬
‫حي بن الفوفــار‬
‫ويعرف اآلن باسم سان برناردو كما يقول‪ ،‬فيقـع بين مـرج سـان سيباسـتيان وبوابـة ‪ Venahoar‬ويس ّميه ثونيڠا بيناوار ‪ Benaliofar‬كتاب السّجالت بن اليوفار‬
‫‪ (Primera Crónica, p 758; Zúñiga, i. 19).‬ماكارينا‬
‫]‪[←622‬‬
‫‪.‬مقذوف يشبه السّهم‪ ،‬هو السّهم ذو الرّ أس المربع المستخدم في القوس العائد للقرون الوسطى‬
‫]‪[←623‬‬
‫‪Primera Crónica, pp. 761 - 5.‬‬
‫)‪ (.iii. 35‬يذكر كونده أيضا ً الصّ واريخ القوية التي استعملها جنود الحامية‬
‫]‪[←624‬‬
‫إنه كان سيّد أقليش (صفحة ‪ Primera Crónica )753‬يقول كتّاب السّجالت‬
‫]‪[←625‬‬
‫‪.‬يفترض أن المقصود من جلبال؛ إذ لم يتم االستيالء على قلعة طريانة أبداً؛ مراجعة ما ورد أدناه‬
‫]‪[←626‬‬
‫هو النّبي يوشع بن نون الذي خرج ببني إسرائيل من التّيه ودخل بهم أورشليم (بيت المقدّس) وأثناء القتال دخل عليهم المغيب يوم السّبت فنظر إلى ال ّشمس ودعــا ربّــه بــأال‬
‫تغيب‪ ،‬فاستجاب لدعائه وكان له ذلك‪( .‬م)‬
‫]‪[←627‬‬
‫مع أن الكنيسة لم تعد موجودة فال زال موقعها معلما ً بشارع صغير يسمى تندوديا يقع في خراج مدينة إشبيلية بجوار مرج برادو دي سان سيباستيان‪ (i. 11 - 2.)، .‬ثونيڠا‬
‫‪:‬قال رئيس رتبة سانتياڠو مبتهالً إلى السّيدة مريم‬
‫‪.‬ومن هذه العبارة اسم كنيسة سيدة تندوديا )!أيتها العذراء اوقفي نهارك( !‪Santa Maria, deten tu dia‬‬
‫]‪[←628‬‬
‫‪.‬يُظهر هذا القول أنّ األمر يتعلق بلوحة جدارية وهو أمر لم يذكره ثونيڠا في السّابق‬
‫]‪[←629‬‬
‫‪.‬كانت هذه البوابة األقرب للمدينة إلى بوابة القصر التي كانت الحامية بصورة عامة تخرج منها لمهاجمة المعسكر المسيحي‬
‫]‪[←630‬‬
‫‪i. 28 - 9.‬‬
‫]‪[←631‬‬
‫كاف من الرّجال للتّغلب على حراس بوابة شريش وفتحها أمام المحاصرين ولكن الخطة فشلت‬
‫ٍ‬ ‫‪.‬من الممكنـ أنهم كانوا يعتزمون إدخال عدد‬
‫]‪[←632‬‬
‫‪.‬مؤسّس ساللة ڠوسمان العريقة التي يتفرّ ع منها دوقات مدينة صيدونيا وعائالت نبيلة أخرى‬
‫]‪[←633‬‬
‫‪Zúñiga, i. 26 - 7.‬‬
‫]‪[←634‬‬
‫‪Primera Crónica, p. 766.‬‬
‫]‪[←635‬‬
‫‪i. 42‬‬
‫]‪[←636‬‬
‫‪ Paseo de Colon.‬قسم رملي من ضفة النّهر خارج األسوار في جانب المدينة يعرف اآلن باسم باسيو دي كولون‬
‫]‪[←637‬‬
‫‪Primera Crónica, p. 766.‬‬
‫]‪[←638‬‬
‫‪Primera Crónica, 766 - 7; Zúñiga, i. 29 - 30.‬‬
‫يضيف ثونيڠا أن ال َّسقّاف أراد ان يدمر الخيرالدا ولكنّ ألفونسو ر ّد بانه لو نُزعت طوبة واحدة منها فسوف يذبحهم جميعاً‪ .‬ومن الواضح أنّ االقتراح وشــروط الـرّ فض‬
‫‪.‬كلها مفبركة في فترة الحقة‬
‫‪، Makkari,‬مراجعة ابن خلدون في المقّري( هو ابن شعيب وهو أحد أعضاء مجلس إدارة الموحّ دين الذي ت ّم تعيينه بعد اغتيال ابن الج ّد "‪ "Aben Xueb‬ال شك أن‬
‫قرب منبع النّهر‪ ،‬الن ‪ Barrameda‬ليس من الواضح ما إذا كان سان لوكار هو سان لوكار ال مايور في ال َّش َرف أو سان لوكار دي بارّ اميدا ‪ii. App. Ixxx.).‬‬
‫‪.‬لم يذكر متى سقط حصن الفرج ولكن لبلة لم تفتح إال في عام ‪ ،1257‬بعد خمس سنوات من وفاة سان فرناندو ‪ Tejada.‬ثونيڠا يستبدل «سان لوكار» باسم تيخادا‬
‫]‪[←639‬‬
‫سفن شراعية كبيرة‪( .‬م)‬
‫]‪[←640‬‬
‫‪Primera Crónica, 761 - 767; Conde, iii. 36 - 7.‬‬
‫‪.‬يقول كتاب السّجالت إنّ ‪ 120‬ألفا ً ذهبوا إلى سبتة (في خمس سفن وثمانية قواديس!) وإنّ ‪ 300‬ألف ذهبوا إلى شريش‪ .‬وال تحتاج مثل هذه اإلحصائيات إلى تعليق‬
‫]‪[←641‬‬
‫‪P. 767 - 8.‬‬
‫]‪[←642‬‬
‫‪P. 768.‬‬
‫]‪[←643‬‬
‫صفحة ‪ .769‬األماكن المذكورة التي تنهي سرد عملية فتح إشبيلية هي بالتّأكيد المدن التي كانت تتاجر معهـا خالل الحكم المسـلم‪ .‬اسـتمرّت العالقـات التّجاريـة بين إشـبيلية‬
‫والعديد إن لم يكن كافة هذه البلدان حتى نهاية حكم هنري ال ّرابع‪ ،‬شقيق إيزابيل الكاثوليكيــة الــذي ســبقها في حكم البالد‪ .‬حمى هــنري الرّ ابــع وحافــظ على عالقــات‬
‫ودية مع المسلمين والموريسكيين في أراضيه‪ ،‬ورغم أنه كان حاكما ً سيئا ً من نــواحي عـدّة‪ ،‬فال يوجــد أدنى شــك بــأنّ التّجــارة ازدهــرت خالل حكمــه‪ ،‬وعلى وجــه‬
‫‪ Frederick‬الخصوص تجارة األقمشة الحريرية الجميلة التي نشرت صورها تحت عنوان «ال ّشرقيون» في الكتاب العظيم الذي وضعه الرّ احل فريـدريك فيشـباخ‬
‫حول زخارف األقمشة‪ .‬ال تزال توجد آثار من الفن العربي في القـرون الوسـطى‪ ،‬نقشـت عليهـا أسـماء او تـواريخ او كالهمـا تؤكـد أنهـا على صـلة ‪Fischbach‬‬
‫ال ‪» Textile Ornaments‬بإشبيلية‪ .‬والعالقة بين هذه ال ّزخارف وعدّة أشكال اخرى من التّصاميم كما وردت في قسم «الشرقيون» من كتاب «زخارف األقمشة‬
‫تترك أدنى شك بأنّ إشبيلية هي مصدرها‪ .‬ومنذ أن بدأ فرناندو وإيزابيل حربهما التي ال هوادة فيها على المسلمين الـذين كـانوا العمـال الرّ ئيسـيين في كافـة مصـانع‬
‫النّسيج في ذلك الوقت‪ ،‬تراجعت بسرعة صناعات األقمشة الحريريــة وتلــك المصــنوعة من خيــوط الـ ّذهب والفضــة‪ .‬شــعرت إشــبيلية الــتي كــان معظم ســكانها من‬
‫السـادس عشــر‪ ،‬بــدأت‬ ‫الموريسكيين بوطأة تغيير أنظمة الحكم‪ .‬وعلى ال ّرغم من االزدهار الواضح الذي نتج عن تجارتها المتميّــزة مــع العــالم الجديــد خالل القــرن ّ‬
‫مصانعها ومعها االزدهار الحقيقي تتراجع تحت حكم الملكين الكاثوليكيين‪ ،‬واستمرّ هذا التّراجع في الواقع وإن لم يكن في الظّاهر إلى أن طرد الملــك فيليپ الثّــالث‬
‫السـابع عشــر يشــتكي من أنّ‬‫الموريسكيين وتابع الدّمار الذي بدأته الملكة إيزابيل بحجة حماية الدّين‪ .‬من المهم أنّ ثونيڠا الذي ألف كتابه عند حوالي أواخــر القــرن ّ‬
‫حائكي األقمشة الحريرية في إشبيلية يخسرون أعمالهم شيئا ً فشيئا ً مع الميل إلى استيراد أقمشة ارخص ثمنا ً ومن نوعية متدنّية من إيطاليـا ال تقــدر مصــانع إشــبيلية‬
‫والحقيقة أنّ الصّ ناع المهرة أصبحوا قلّة بسبب غياب الع ّم ال المورسكيين المنفيين‪ ،‬إذ اصبح من غير المربح إنتاج المشــغوالت ‪. (iv. 120 - 1)،‬على منافستها‬
‫بالمواصفات التّقليدية المميّزة لمنتجات إشبيلية‪ .‬ال تزال حتى وقتنا الحاضر تحاك مشغوالت على أنــوال يدويــة في إشــبيلية وغرناطــة وفي بعض المنــاطق الرّ يفيــة‬
‫ويتم إنتاج أقمشة رائعة‪ ،‬من األشرطة الحريرية وكتّان الدّمقس بحرفية رائعة ولكن بكميات ضئيلة جداً بسبب تفضيل المواطنين شراء مالبس أرخص ثمنا ً مصنّعة‬
‫‪.‬بآالت أكثر تطوّ راً‬
‫]‪[←644‬‬
‫)‪ (Makkari, ii. app, Ixxx.‬ربما يكون أبو فارس‪ ،‬رئيس مجلس إدارة الموحّدين‬
‫]‪[←645‬‬
‫‪.‬تثبت هذه القصة كم كان عدد السّكان الموحّدين قليالً‬
‫]‪[←646‬‬
‫‪Iii. 36 - 7.‬‬
‫]‪[←647‬‬
‫‪.‬هكذا يقول ثونيڠا‪ ،‬ولكن هذا العمل غير النّبيل غير محتمل على األرجح نظراً للتّقدير الذي خصّ به فرناندو المسلمين في إشبيلية‬
‫]‪[←648‬‬
‫‪ Jeanne de‬التي تزوجت ابنتها إليانور الملك إدوارد األول ملك إنكلترا‪ .‬قلت‪ :‬واسـمها األصـلي بالفرنسـيّة‪ :‬جـانّ ‪ Ponthieu‬وپونتيو ‪ Aumale‬خوانا‪ ،‬كونتيسة أومال‬
‫ل ّما صارت ملكة إسپانيا‪( .‬أحمد) ‪ Juana‬لكنّها صارت تُدعى خوانا ‪Dammartin‬‬
‫]‪[←649‬‬
‫‪.‬انظر الصّ فحة ‪ 398‬طبعة األصل‬
‫]‪[←650‬‬
‫‪Zúñiga, i. 39 - 49.‬‬
‫]‪[←651‬‬
‫‪.‬المقصود بكلمة العرب هنا العرب ال ّشيعة الذين تبعوا ابن هود‪ .‬وال يميّز الكتّاب اإلسپان في غالب األحيان بين العرب والمغاربة األفارقة (المور) أ ّ‬
‫ي الموحّدين‬
‫]‪[←652‬‬
‫‪Zúñiga, i. 48 - 9.‬‬
‫]‪[←653‬‬
‫‪Conde, iii. 37 - 8; cf. Williams, Arts and Crafts, iii. 49, and Gudiol Arqueologia sagrada, 408 note.‬‬
‫]‪[←654‬‬
‫‪Conde, iii. 38 - 9.‬‬
‫]‪[←655‬‬
‫‪.‬انظر وصية الحكم إلى ابنه‪ ،‬ص ‪ 160‬طبعة األصل‬
‫]‪[←656‬‬
‫‪» (.Historia de Sevilla, pt. II. Fol. 2)،‬تاريخ إشبيلية« ‪ Espinoza‬في كتاب إسپينوثا ‪ the Repartimiento‬قسم من سان لوكار (دي با ّراميدا ربما)‪ .‬انظر‬
‫توجد ثالث مدن تحمل اسم سان لوكار في جنوب غرب األندلس‪ :‬سان لوكار دي بارّ اميدا‪ ،‬وسان لوكار ال مايور في مقاطعة إشــبيلية وســان لوكــار دي وادي يانــة‬
‫‪.‬وهو حسب اعتقادنا غير معروف األصل ‪ Solucar‬في إقليم ولبة‪ .‬واالسم هو تحريف السم سولوكار‬
‫]‪[←657‬‬
‫‪Zúñiga, i. 85; Primera Crónica, 770 - 1.‬‬
‫بعض األماكن المشار إليها‪ ،‬في حال كانت أخضعت على يد سان فرناندو‪ ،‬ثارت مجدّداً بعد وقت قصير ألنه جـاء ذكرهــا الحقـا ً على أنّ ابنــه ألفونســو احتلهــا‪ .‬وردت‬
‫الذي كتب في عهد ذلــك الملــك دون ان ‪ Cántigas‬تفاصيل وقائع ضم القناطر أو پويرتو دي سانتا ماريّا (لم تذكر في كتاب السّجالت) باسهاب في كتاب األناشيد‬
‫يتم التّلميح إلى أنها كانت محتلة في األصل‪« .‬لدى عودته من حملة إلى أفريقيا ضد مسـلمي ِسـال‪ ،‬احتـ ّل ألفونسـو «المينـاء اإلسـالمي» القنـاطر‪ ،‬ولشـدّة مـا أبهجـه‬
‫قاض مسلم‬‫ٍ‬ ‫من شـريش وأخـبره بـأنّ )‪ (a Moslem Alguazil‬المنظر الطّ بيعي والهواء المنعش‪ ،‬أبقى سفينته راسية لبضعة أيام هناك‪ .‬أثناء وجوده هناك جاءه‬
‫المسلمين كانوا منزعجين من شخص تجاسر وغيّر االسم إلى پويرتو دي سانتا ماريّا‪ ،‬وأن من المحتمل أن يفضي ذلك إلى اندالع اضطرابات خطـيرة‪ .‬أمـر الملـك‬
‫بتوقيع عقوبات شديدة على الذين تجرأوا على تغيير االسم العربي ولكن بال طائل‪ ،‬لم يكن ممكنا ً إقناع المسيحيين بتسمية الميناء بغير اسم پويرتو دي ســانتا ماريّــا‪.‬‬
‫في نهاية األمر يقول ألفونسو في األنشودة المتعلقة بالحدث‪ ،‬إنّ ملكة السّماوات أقنعت القاضي المسلم بالمجيء ثانية إلى ملــك قشــتالة ليســلّمه طواعيــة ليس المينــاء‬
‫هناك مؤشرات منطقية تفيد بأنّ المسيحيين كانت لهم كنيسة ‪ (Cantiga, cxcvii.).‬بال ّذات وحسب بل كل ذلك السّاحل المطلّ على المحيط من أجل إحالل السّالم‬
‫صغيرة هنا من أيام القوط‪ ،‬حيث ال تزال أجزاء من أعمدة رومانية بُنيت عليها الكنيسة قائمة وفوقها بناء عربي في محراب كنسي مهدّم تحت القلعة المبنيــة حولهــا‬
‫في أوائل القرن ال ّرابع عشر (انظر الصّفحة ‪ 137‬بطبعة األصل)‪ .‬كما توجد صورة قديمة للعذراء مريم في كنيســة األبرشــية وجــدت خالل حــرب االســترداد فيمــا‬
‫يعرف اليوم بالقلعة‪ .‬وتزخر األناشيد بقصص العجائب التي صنعتها «عذراء پويرتو دي سانتا ماريّا»‪ .‬ومن المحتمل أنّ االسم المســيحي للقنــاطر لم يُنس أبــداً وأن‬
‫السـبب في الخنـوع «العجـائبي» للقاضـي المسـلم‪ .‬يبـدو هـذا أكـثر‬ ‫رغبة أحفاد المسيحيين القوط في التّخلّص من نير المو ّحدين في شريش لمصلحة ألفونسو كـانت ّ‬
‫‪.‬احتماالً ألنه واستناداً إلى األنشودة المتعلّ قة بالحدث لم يكن يوجد في ذلك الوقت مسيحيون قشتاليون هناك‪ ،‬ما عدا الذين جاؤوا مع ألفونسو على متن سفنه‬
‫«قاض مسلم» ألن ‪ a Moslem Alguazil‬عبارة[‬ ‫ٍ‬ ‫التي أضيفت إليها ال التّعريف مشتقة من العربية وتعني بالپرتغالية الوزير أو القاضي‪) ،‬ڠازيل( ‪ Guazil‬تعني‬
‫‪].‬الڠاثيل بمعنى القاضي أو الحاكم في الماضي‪( .‬م) ‪ Alguacil‬واستخدمت في اإلسپانية كذلك‬
‫]‪[←658‬‬
‫‪.‬أي الحكيم أو االمتعلّم ‪» El Sabio‬هذا تلميح إلى اللقب الذي أطلق على ألفونسو «إل سابيو‬
‫]‪[←659‬‬
‫;‪Zúñiga, i. 85 - 8‬‬
‫]‪[←660‬‬
‫نسبحك أيها اإلله األعظم»‪( .‬م)« ‪ Te Deum Laudamus‬ترتيلة تي ديوم الوداموس‬
‫]‪[←661‬‬
‫في سرد أحداث المشهد األخير الذي ورد في كتاب السّجالت الذي وضعه ابنه‪ُ ،‬ذكر اسم فرناندو للمرة األولى بالقديس سان فرناندو‪ ،‬بعد أن كــان الكتــاب يشــير إليــه دائمـا ً‬
‫‪.‬بلقب «دون فرناندو» (أي السّيد)‬
‫]‪[←662‬‬
‫عن وفاة سان فرناندو استناداً إلى دراسة معمقـة لإلضـاءة ولمبـاني تلـك الحقبـة‪ .‬ويعطي ‪ Señor Mattoni‬يوجد في قاعة الفن في إشبيلية لوحدة رسمها السّنيور ماتّوني‬
‫‪.‬الرّ سم فكرة ملفتة عن المشهد المؤثر الذي نقله ثونيڠا وكتاب السّجالت‬
‫]‪[←663‬‬
‫‪Zúñiga, i. 91 note.‬‬
‫]‪[←664‬‬
‫‪Zúñiga, i. 140.‬‬
‫]‪[←665‬‬
‫‪» History of Chess.‬أعطى الملك ألفونسو العاشر مراراً أوصافا ً للعباءات المصنوعة وفق هذا النّمط في كتاب األناشيد كما في كتاب «تاريخ لعبة ال ّشطرنج‬
‫]‪[←666‬‬
‫‪Gestoso, Noticia historico - descriptiva de la bandera de la hermandad de los sastres, Seville, 1891.‬‬
‫‪ِ .‬خستوسو‪ ،‬وصف تاريخي لراية أخوية الخياطين‪ ،‬إشبيلية‪1891 ،‬‬
‫]‪[←667‬‬
‫‪Zúñiga, i, 145.‬كتاب ِخستوسو السّابق ال ّذكر‪ ،‬و‬
‫]‪[←668‬‬
‫‪Conde, iii, 39; Primera Crónica, 774.‬‬
‫]‪[←669‬‬
‫‪Zúñiga, i, 233.‬‬
‫]‪[←670‬‬
‫تذكر وثيقة منحة مالية قُدّمتـ إلى الكاتدرائية عام ‪ 1263‬العبارات التّالية‪ :‬ألننا وجدنا أن المدينة النّبيلة إشبيلية أصبحت خالية تقريبا ً من السّكان وباتت مبانيها متهالكة وهُدم‬
‫)‪». (.Zúñiga, i, 260‬العديد من منازلها بسبب أخطاء هؤالء (المسيحيين) الذين أعطيت لهم وبسبب الرّ جال الذين تركوا هذه المنازل خاوية ودونما عناية‬
‫]‪[←671‬‬
‫ڤيسنتِه ڤلـبيس )‪ (see Gayangos in Makkari, ii. 528‬وهو من بني حفص )‪: Seit Abuceit‬يدعوه ثونيڠا( تنصّ ر ملك بلنسية سيد أبو زيد‬ ‫فيما بعد واتخذ اسم ِ‬
‫وعُرف في التّاريخ اإلسپاني على صلة بالظّهور العجائبي لل ّ‬
‫صليب الذي يُك ّرم في كاراباكا‪ .‬إنــه صــليب مــزدوج بأربعــة أذرع تســنده مالئكــة ‪Vicente Velbis‬‬
‫مجنحة‪ ،‬ويشتهر حـتى يومنـا الحاضـر بتحقيـق تـأثير عجـائبي على األمـراض الـتي تصـيب الماشـية‪ّ .‬‬
‫تنصـر ملـك بيّاسـة بـدوره واتخـذ اسـم فرنانـدو عبـد المـون‬
‫‪» Moemorias para la‬يقول مؤلف كتاب «مذكراتـ حياة فرناندو الثّالث ‪ (Zúñiga, i. 50).‬ودفن جثمانه في كاتدرائية إشبيلية ‪Fernando Abdelmon‬‬
‫وولده تلقّيا المعمودية وأعلنا انتماءهما إلى ‪ Zeyt Abenzeit‬الذي يشير إلى مرسوم بابوي صدر تأكيداً لذلك أنّ كاّل ً من زيد بن زيد ‪vida de Fernando III‬‬
‫‪.‬سلك فرسان سانتياڠو الذين منحهمـ االبن كافّة أراضي مملكة ِسال التّابعة له في أفريقيا التي بموجب حقه في الخالفة (صفحة ‪)562‬‬
‫]‪[←672‬‬
‫‪Zúñiga, i.49 - 50; cf. Williams, Arts and Crafts, i. 230.‬‬
‫]‪[←673‬‬
‫‪Conde, iii. 38.‬‬
‫]‪[←674‬‬
‫‪Zúñiga, i. 61.‬‬
‫]‪[←675‬‬
‫توجد مجموعة كاملة من القوانين التي صدرت منذ عهدـ الملك هنري الثّالث حتى بداية القرن التّاسع عش‪،‬ر والتي هدفت إلى تشجيع وتنظيم مهنة )‪(Zúñiga, i. 62 - 7‬‬
‫تملك الدّولة في اليوم الحاضر عدّة مــزارع لخيـول االســتيالد وتحتفــظ بمجموعــة من ‪ (Novicimo Recopilacion, Bk. Tit. 29).‬استيالد وتأصيل الخيل‬
‫الخبراء والمساعدين لرعاية هذه الخيول‪ .‬وتم تطوير نظام مزرعة استيالد الخيول في إسپانيا المسلمة في وقت مبكر من القــرن التّاســع‪ .‬وخالل حكم ال َحكَم األول (‬
‫‪ - 822‬ـ ‪ ) 852‬كانت توجد مزرعة كبيرة للخيول ومدرسة لتدريب الفرسان على ضفاف نهر الوادي الكبير في قرطبة يملكها األمير‪« .‬وكان له ألفا فرس مرتبطــة‬
‫على شاطىء النّهر بإزاء القصــر تجمعهــا داران على رأس كــل دار عشـرة عرفــاء تحت يــد كــل عريــف مئـة فــرس‪ .‬فالعرفـاء يشــرفون عليهــا وتعلـق بين أيـديهم‬
‫وينظرون في تعويض ما تع ّذر منها لتكون مع ّدةـ قائمة لما عسى أن يفجأ من أمر يفزع إليه بها‪ .‬فإذا كانت كانوا كنفَس واحدة»‪ .‬لكن كان يســمح لمــد ّرب واحــد فقــط‬
‫في الحضور أمام األمير عند دعوته له‪ .‬وفي إحدى المرات أتاه الخبر بحصول ثورة في جيان «فدعا بأحد أولئك العُرفاء‪ ،‬فلما مثل بين يديه أسر إليه بــالخروج إلى‬
‫جيان إلى ابن لبيد من وقته في عرافته‪ ،‬وأمره بأاّل يعرِّ ف أحداً وجه طريقه (‪ )..‬فلما مضت ساعة دعــا بثـ ٍ‬
‫ـان من عرفائــه‪ ،‬فسـ َّر إليــه بمثلــه‪ ،‬ودعــا عشــرة فخرجــوا‬
‫‪ (Akhbar‬متتــابعين ال يعلم أحــد منهمـ بقصــد صـاحبه حـتى تسـاقطوا على ابن لبيــد في اليـوم الثّـاني‪( »..‬االقتبــاس العـربي من أخبــار مجموعــة‪- 117 ،‬ـ ‪)118‬‬
‫كما لم يكن أمر استيالد وتربية الخيول محصوراً بالسّلطان وحده‪ ،‬فقد ذكر ابن حيّان في تأريخه للحرب األهلية التي استمرّت ‪Majmua, 116 - 7, and note).‬‬
‫طوال فترة حكم األمير عبد هللا أنه في عام ‪ 889‬قام قائد يماني كان قد بنى لنفسه قلعة قوية في مقاطعة إشبيلية غير بعيدة عن لبريخــا بغــزو جزيــرة مجــاورة (تقــع‬
‫لبريخا قريبا ً من نهر الوادي الكبير) التي كان المنذر‪ ،‬عم السّلطان يحتفظ فيها بمزرعة الستيالد الخيول‪ ،‬وبعد ان قُتل عريف المزرعة نقل كافة الجيــاد واالفــراس‬
‫‪ (Makkari, ii. 449).‬التي عثر عليها إلى قلعة قوية اخرى تبعد عشرة أميال عن إشبيلية‬
‫]‪[←676‬‬
‫‪Zúñiga, i. 194 - 6, 208.‬‬
‫]‪[←677‬‬
‫على جباية الضّ ريبة‪( .‬م) ‪ Almojarife‬الكلمة عربية األصل نسبة إلى ال ُمشرف‬
‫]‪[←678‬‬
‫‪Dict. Of the Academy, s./v.‬‬
‫]‪[←679‬‬
‫‪Zúñiga, i.349 - 50.‬‬
‫]‪[←680‬‬
‫‪Zúñiga, iv. 120.‬‬
‫]‪[←681‬‬
‫‪Zúñiga, i. 195.‬‬
‫المشتقة من الكلمة العربية «ال ّد ّوار» التي تعني مخيما ً "‪ "Aduar‬ولكن كلمة ‪ Dictionary of the Academy،‬ال توجد كلمة «أدواريخو» في قاموس األكاديمية‬
‫او رقعة يخيّم فيها البدو‪ .‬فهل كان األفارقة أو المو ّحدون يطلقون تسمية البدو على اليمانيين؟ التّمييز في االسم يثير الفضول‪ .‬قلت‪ :‬هذا تعميم غير مب ّرر من ويشــو‪،‬‬
‫فالدّوار ال يختصّ بديرة أو مضارب البدو وحدهم‪ ،‬بل يمكن أنّ يعني منطقة مأهولة في ربض يتبع لمدينة‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←682‬‬
‫واالسم الثّاني هو األصح واألقرب إليـه ابن الحفـار وهـو من ‪ Ben Alhofar،‬ثم يعود المؤلفان إليه الحقا ً ويرد باسم ‪ Ben Alhoar‬ورد في هذه الصّ فحة أن االسم هو‬
‫األسماء الواردة لدى المقّري بوصفه خطيبا ً من أصل يمني (ج ‪( .)694 ،2‬م)‬
‫]‪[←683‬‬
‫‪Zúñiga, i. 182, 222; Conde, iii. 42.‬‬
‫]‪[←684‬‬
‫‪Zúñiga, i. 85.‬‬
‫]‪[←685‬‬
‫‪Zúñiga, ii. 344.‬‬
‫]‪[←686‬‬
‫‪Zúñiga, 162 - 88.‬‬
‫]‪[←687‬‬
‫‪Rspinoza, Pt. II. Fo. 14 r.‬‬
‫]‪[←688‬‬
‫‪i. 180.‬‬
‫]‪[←689‬‬
‫‪Memoirias para la vida de Fernando III., P. 397.‬‬
‫]‪[←690‬‬
‫‪Zúñiga, i. 202.‬‬
‫]‪[←691‬‬
‫‪Zúñiga, i. 358 - 9.‬‬
‫]‪[←692‬‬
‫)أحمد( ‪: "vos Don Zulema, mio mandadero".‬باإلسپانيّة‬
‫]‪[←693‬‬
‫‪Memorias, etc., 537 - 8.‬‬
‫]‪[←694‬‬
‫باإلسپانيّة‪ :‬كايّ ِيه دي لوس بانيوس دي ال رينا مورا‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←695‬‬
‫‪Zúñiga, i. 162.‬‬
‫]‪[←696‬‬
‫‪Ib. i. 352 - 3.‬‬
‫‪.‬كان المبنى الذي يعرف اآلن باسم دير سانتا كالرا قصر هذا األمير وال يزال يوجد برج يحمل اسمه في حديقة الدّير‬
‫]‪[←697‬‬
‫‪.‬ص ‪ Palomo، Riadas، 144‬ذكر في كتاب پالومو‬
‫]‪[←698‬‬
‫‪ (.Lea,‬في إحدى المرات تع ّرض بستاني للتّعذيب ألنه غسل جسمه في البستان الــذي يعمـل فيــه؛ وفي عــام ‪ 1566‬حُـ رّم اسـتعمال الحمامــات تحت طائلـة عقوبـات شــديدة‬
‫‪Moriscos, pp. 129, 229).‬‬
‫]‪[←699‬‬
‫‪Zúñiga, i. 200.‬‬
‫]‪[←700‬‬
‫‪Zúñiga, i. 201.‬‬
‫من الجدير بالمالحظة أنّ األختام على مستند منحة قدّمها سان فرناندو كانت مثبتة بأشرطة باللونين األحمر واألصفر‪ ،‬األمر الـذي يؤ ّكـد أن ملـوك قشـتالة تبنّـوا هـذين‬
‫اللونين طوال أكثر من قرنين قبل اكتشاف أمريكا‪ ،‬ونتيجة للمعارك التي دارت في تلك القا ّرة بات يطلق على العلم اإلسپاني اسم «نهــر من الـدّماء بين جــدولين من‬
‫ّ‬
‫‪».‬الذهب‬
‫]‪[←701‬‬
‫نترجم هذه العبارة كمصطلح لغوي في أنطولوجيا األديان‪ ،‬دون أن نق ّر ما جاء فيها‪ ،‬ونعتبرها ال تمسّ اسم الجاللة سبحانه وتعالى وال تتعلّق به‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←702‬‬
‫بشكل الفت‪( .‬أحمد) ‪: Madre di Dio‬بالفعل‪ ،‬ففي الثقافة اإليطاليّة يكثر استعمال عبارة‬
‫]‪[←703‬‬
‫ينطبق على هذه العبارة ما قلناه في الحاشية قبل السّابقة‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←704‬‬
‫نعتقد ان النّقش ‪ Calle Lepanto.‬ابن إشبيلية هذا التّمثال المنحوت ويمكنـ مشاهدته في منزله‪ 9 ،‬شارع ليپانتو ‪ Don Francisco Anaya‬يملك دون فرانثيسكو آنايا‬
‫‪.‬الحجري لعذراء كارمن‪ ،‬الموجود أيضا ً في أشبيلية‪ ،‬يحمل مالمح تدلّ على أنه منتج محسّن من المدرسة الفنية عينها يفصل بينهما ثالثة قرون من التّط ّور‬
‫]‪[←705‬‬
‫التي س ّميت كــذلك ألنّ )جينيستا أو الرّ تم( ‪ Hiniesta‬ش ّكلت صورة قديمة أخرى موضوع نقاش أكثر حدّة م ّما حصل حول أيّة صورة أخرى‪ .‬كانت صورة عذراء إنييستا‬
‫فارسا ً يدعى برنار دي التو عثر عليها داخل غابة من نباتات الرّ تم في كتالونيا عام ‪ .1380‬ال نتردّد أبداً في التّأكيد بأن هذه الرّ واية تستند إلى الواقــع وأن ّ‬
‫الص ـورة‬
‫رسمها قوطي مسيحي عاش في أحدى القرى التي بقيت تقاليد الفن الرّ وماني ‪ -‬القوطي حيّة فيها طوال فترة االحتالل اإلسالمي‪ ،‬كمــا بقيت هــذه التّقاليــد حيّــة حــتى‬
‫يومنا الحاضر في صناعات محلّية معيّنة‪ .‬والقماش المرسوم روماني الطّراز كما فردة الخفّ الوحيدة المرئيــة‪ .‬إمالــة الجســم قليالً إلى الــوراء لموازنــة ثقــل الطّفــل‬
‫الذ راع اليسرى كالسيكية بالكامل‪ ،‬وقد تكون نسخت عن تمثال رومـاني‪ ،‬في حين أن الحـواف المسـتديرة للـرّأس والوجـه‪ ،‬وبسـاطة تعـابير العـذراء وطريقـة‬ ‫على ّ‬
‫ترتيب شعرها توحي بشكل غريب إلى واقعية وصرامة اشتهر بهما التّوتونيون [أللمان]‪ .‬والصّ ورة مصنوعة من قطعة خشــب وقطــع منهــا الـ ّـذراع األيمن (!) في‬
‫السـابق وال زلن حــتى اليــوم يقمن‬ ‫السـيدات الورعــات في إشــبيلية في ّ‬ ‫صب وتعريتها كمــا كــانت ّ‬ ‫تاريخ غير معروف لتسهيل كسوة الصّ ورة بالحرائر والقماش المق ّ‬
‫‪.‬بتزيين صور القديسين الذين يبتهلن إليهم‪ .‬يوجد ال ّر سم في كنيسة سان خوليان البازيليكية‪ ،‬ويمكن رؤيتها منزوعة الغطاء فقط بترخيص من كهنة الرّعية‬
‫]‪[←706‬‬
‫‪Glorias Sevillamas,‬‬ ‫‪pp. 45 - 6.‬‬
‫]‪[←707‬‬
‫‪Zúñiga, i. 303.  ‬‬
‫]‪[←708‬‬
‫‪Glorias Sevillamas, 501 - 2, 531.‬‬
‫]‪[←709‬‬
‫بال دنس»‪ .‬العنوان الكامل هو «راية مريم العذراء كلّية الطّهارة المولودة بال وصمة الخطيئــة األصــلية»‪ .‬وترفــع رايــة «بال دنس» في إشــبيلية خالل مســيرات األســبوع«‬
‫‪.‬المقدّس‬
‫أألسبوع المقدّس هو أسبوع الفصح المقدّس أو أسبوع اآلالم‪( .‬م)‬
‫]‪[←710‬‬
‫الصـلوات المخصّصــة ّ‬
‫للسـيدة مــريم في الكنــائس ‪ Ave Maria‬آڤِه ماريّا‬ ‫وهي عبارة تمجيد السّيدة مريم ومعناها «السّالم عليك يـا مــريم» وهي الكلمــات الــتي تبــدأ بهــا ّ‬
‫الكاثوليكية واألرثوذكسية‪( .‬م)‬
‫]‪[←711‬‬
‫القديسة حنّة هي أم مريم العذراء والقديس يواكيم أبوها‪( .‬م)‬
‫]‪[←712‬‬
‫حقّق زواج أبنـاء العمومـة‪ ،‬فرنانـدو ملـك آراغـون وإيزابيـل ملكـة قشـتالة في عـام ‪ 1469‬وحـدة واسـتقرار مملكتيهمـا‪ .‬ولقـد حـازا على لقب «الملكين الكـاثوليكيّين» بعـد‬
‫سيطرتهما على غرناطة في العام ‪ 1492‬عندما استأنفا حرب االسترداد التي بدأها سان فرناندو قبل أكثر من مئتي عام وأعــاد خاللهــا إشــبيلية إلى الحكم المســيحي‬
‫في عام ‪( .1248‬م)‬
‫]‪[←713‬‬
‫‪» Tradiciones Sevillanas.‬سجالت آراغون‪ ،‬أشير اليه في كتاب سورانو «تقاليد اشبيلية‬
‫]‪[←714‬‬
‫‪Egyptian Decorative Art, p. 61.‬‬
‫]‪[←715‬‬
‫‪Gayet, L’Árt Copte, pp. 73, 104 - 5.‬‬
‫]‪[←716‬‬
‫قد يفترض المرء أنّ هذه ال ّر مزية يمكن اعتبارها إشارة إلى الوالدة العجائبية للمسيح؛ لكن عيد السّيدة العذراء‪ ،‬ورغم كونه عيداً تحتفل به الكنيسة فإنــه ال يحظى باالهتمــام‬
‫الحبَل بال دنس‬
‫‪.‬العام والعبادة التي يحظى بها االحتفال بعيد َ‬
‫]‪[←717‬‬
‫‪Point and Pillow Lace, p. 158.‬‬
‫]‪[←718‬‬
‫‪.‬ال تشمل الصّ ناعات السّائدة في اليوم الحاضر ما لم يكن لها بعض العالقة الظّاهرة مع الفن العربي التّقليدي‬
‫]‪[←719‬‬
‫حصـب في كتب التّـاريخ‪ ،‬نظـراً ألن عـدداً كبــيراً‬ ‫بعد قلعة جابر يورد المؤلفان داخل مزدوجين قلعة يَحصُب‪ ،‬لكن المقّري يورد أن قلعة بني سعيد عرفت كذلك باسم قلعة يَ ُ‬
‫منهمـ عاشوا فيها‪« :‬واألصبحيون من أعيان قرطبة‪ ،‬ومنهم من ينتسب إلى يَحصُب‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬إنّه أخو ذي أصبح وهم كثــير بقلعــة بــني ســعيد‪ ،‬وقـد تعـرف من‬
‫أجلهم في التّواريخ األندلسية بقلعة يَحصُب»‪( ،‬المقّري‪ ،‬الجزء ‪ ،1‬ص ‪ .)297‬ولعلّ هناك خطأ مطبعيا ً وكان ينبغي أن يرد اسم قلعة يَ ُ‬
‫حصـب بعــد قلعــة بــني ســعيد‬
‫في الفقرة التّالية‪( .‬م)‬
‫انظر كوندة إصدار هيئة أبوظبي للسّياحة والثّقافة‪ ،‬ج ‪ 3‬فصل ‪( .21‬أحمد) ‪: Calayaseb،‬قلت‪ :‬كذلك كانت قلعة يَحصُب تُذكر في بعض الحوليّات األندلسيّة باسم‬
‫]‪[←720‬‬
‫‪drap d’aur de Spanya, ceda de Spanya, and ceda girasol de Spanya.‬‬
‫]‪[←721‬‬
‫شيدها األمبراطور اليوناني هادريان في النّصف األول من القرن الثّاني بعد الميالد‪ ،‬على ضفة النّيل ال ّشرقية قــرب مدينــة ملــوي جنــوب القــاهرة ‪ Antinoë‬أنطينوپوليس‬
‫فيما يعرف اليوم باسم ال ّشيخ عبادة‪( .‬م)‬
‫]‪[←722‬‬
‫اإلسپانية تعني البطيخ‪( .‬م) ‪ sandia‬كلمة‬
‫]‪[←723‬‬
‫المقّري‪ ،‬ج ‪ ،.228 ،2‬ج ‪( .217 ،3‬م)‬
‫]‪[←724‬‬
‫يقول المقّري إنّ البكريين الذين نزلوا في شلطيش ولبلة وشنتمرية دي أكشونبة‪ ،‬والذين ورد ذكرهم كثيراً في الحروب التي جــرت في القــرنين التّاســع والحــادي عشــر إلى‬
‫ضرية‪ ،‬ولكن السّنيور پونس يؤ ّكد أنهم كانوا من المولّدين‪ ،‬ويبدو أنهم كانوا من السّاللة الحاكمة ينتسبون إلى األميرة‬
‫جانب اليمانيين والمولّدين ينتسبون إلى قبيلة ُم َ‬
‫ُ‬
‫‪.‬سارة وتربطهم صلة قرابة بأبي بكر أحد أجداد ابن القوطيّة‬
‫]‪[←725‬‬
‫كانت تربى في إشبيلية قبل سقوطها في منتصف القرن الثّالث عشر‪ ،‬وذلك قبل أكثر من قرنين من اكتشاف أمريكا في نهايــة القــرن ‪ Cochineal‬أورد المؤلفان أن حشرة‬
‫الخامس عشر حين اكتشف المستوطنون اإلسپان هذه الحشــرة الــتي موطنهــا األصــلي أمريكــا الجنوبيــة والمكســيك وكــان يســتخدمها األزتــك والمايــا لصــنع اللــون‬
‫صباغ إلى أنحاء العالم‪ .‬أما في األندلس فاستخدم القرمــز لصــنع‬ ‫ص بار الذي تعتاش عليه‪ .‬استثمرها اإلسپان وباتوا يصدرون ال ّ‬ ‫القرمزي بعد جمعها من على نبات ال ّ‬
‫الشـجر»‪ .‬ويقــول المقّــري إنــه اشــتهر في إشــبيلية ولبلــة‬
‫اللون األحمر القاني حيث يورد المقّري نقالً عن ابن البيطــار ان القرمــز «نــوع من ال َمن الــذي يجمــع عن ّ‬
‫وشذونة وبلنسية‪( .‬الجزء ‪ ،1‬ص ‪( )208 ،141‬م)‬
‫]‪[←726‬‬
‫نسبةً إلى مدينة دمشق‪ ،‬وهي تتم بتخشين سطح المعدن عن طريق تحزيــزه بمبــارد دقيقـة‪ ،‬ثم تطريــق خيــوط ذهبيّــة أو ‪ Damasquinados‬وتعرف باسم‪ :‬داماسكينادوس‬
‫ضيّة عليه تثبت في أثالم المبرد وتُش ّكل بها رسوم زخرفيّة بديعة‪ ،‬وتعرف هذه الصّ نعة بفن التّكفيت‪( .‬أحمد)‬
‫ف ّ‬
‫]‪[←727‬‬
‫وأما بلنسية فإنها لكثرة بساتينها تعرف بمطيب األندلس» (المقّري‪( )221 ،3 ،‬م)«‬
‫]‪[←728‬‬
‫‪:‬وذلك في هذين البيتين‬
‫ضاقت بلنسية بي‪   ‬وذاد عنّي غموضي‬
‫البعوض‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫البراغيث فيها‪   ‬على غنا ِء‬ ‫رقص‬
‫لكن المقّري لم ينسب هذه األبيات لشاعر بعينه‪( .‬م) ‪)،‬المقّري‪(180 ،1 ،‬‬
‫]‪[←729‬‬
‫كعملة في إسپانيا منذ عام ‪ 1869‬وحتى ‪ 2002‬عندما قيضت باليورو الذي استُبدل حينها مقابل حوالى ‪ 166‬پيسيتاس‪( .‬م) ‪ peseta‬استخدمت الپيسيتا‬
‫]‪[←730‬‬
‫‪i. Ixvi.‬‬
‫]‪[←731‬‬
‫‪S. Lane Poole, Moors in Spain, pp. 7 - 8.‬‬
‫يعزو هذا الكاتب سقوط المرابطين للسّبب نفسه ‪ -‬أي االنحدار األخالقي النّاجم عن الغنى واألبّهة الدّخيلة‪ ،‬لكنـه في هــذه الحالـة يعطيهم فقـط عشــرين ســنة لكي يفقـدوا‬
‫‪ (pp. 183 - 4).‬عاداتهم العسكرية وحماستهم وشغفهم للقتال‬
‫]‪[←732‬‬
‫‪G. der M., i. 392.‬‬
‫]‪[←733‬‬
‫‪Conde, i. 41, 44.‬‬
‫]‪[←734‬‬
‫‪i. 284.‬‬
‫]‪[←735‬‬
‫الصـروح الرّ ومانيـة»‪ ،‬والـتي كـان المسـيحيون‬ ‫يمكنـ مقارنة ما فعله ثيودوريك‪ ،‬القـوطي ّ‬
‫الشـرقي «الـذي أولى عنايتـه منـذ البـدء التخـاذ تـدابير صـارمة لحمايـة وتـرميم ّ‬
‫‪.‬المتعصّ بونـ التّابعون لروما يبذلون كل جهد لهدمها‬
‫)‪(Chamberlain, Foundations, i. 322.‬‬
‫]‪[←736‬‬
‫)م( ‪ Wren.‬المهندس اإلنكليزي ال ّشهير كريستوفر ِرن‬
‫]‪[←737‬‬
‫‪.‬هذا ما كانت ستكون عليه الحال‪ ،‬لو كانت تلك الكاتدرائية القُوطيّة القديمة التي ‪ -‬كما تبيّن األدلة التي بحوزتنا اليوم ‪ -‬قام الموحّ دون بتوسيعها وزخرفتها‬
‫]‪[←738‬‬
‫‪See Zúñiga, i. 57 - 8, and iii. 262 - 9, and Scrrano, Glorias Sevilanas, 158, 163, 167.‬‬
‫]‪[←739‬‬
‫‪Idrisi, p. 47, Cántigas, Passim. Pelayo Quintero y Atauri, in an article on Mozarabic Churches in Diario de Cadiz, July 30, 1910.‬‬
‫‪.‬پياليو كينتيرو إي أتوري في مقال عن الكنائس المستعربة في يوميات قادس‪ 30 ،‬يوليو‪1910 ،‬‬
‫]‪[←740‬‬
‫خميس العهدـ أو خميس الصّ عود‪ ،‬وهو اليوم الخامس في أسبوع اآلالم الذي يبدأ األحد‪ ،‬يوم ال ّشعانين‪ ،‬ويسبق الفصح‪ ،‬وفيه يتناول المسيح العشاء األخــير مــع تالمذتــه‪ ،‬وفي‬
‫هذا اليوم يصعد إلى السّماء كما تقول التّقاليد المسيحية‪( .‬م)‬
‫]‪[←741‬‬
‫‪.‬قماش قديم من الحرير منشؤه شرقي‬
‫]‪[←742‬‬
‫المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪( .264‬م)‬
‫]‪[←743‬‬
‫‪Makkari, i. App. Ixxii.‬‬
‫]‪[←744‬‬
‫‪:‬للحصول على وصف شامل لكنوز قدمر‪ ،‬يمكن مراجعة‬
‫‪Bosquerjo historic sobre la orfebreria española by N. Sentenach, in the Revista de Archivos for 1908, p. 225, and Williams,‬‬
‫‪Arts and Crafts, i. 15 ff.‬‬
‫]‪[←745‬‬
‫كنت ذكرت في مقدّمتي على ترجمة الجزء الثالث من تاريخ كون ِده النّفيس والمثير للجدل‪ ،‬كم كان اطّلع الرّ جل على نفائس من المخطوطات العربيّة الــتي كــانت في مكتبــة‬
‫دير اإلسكولاير وأبادها الحدثان‪ .‬وعلى الرّغم من أنّه كان ينقل دون اإلشارة إلى مصادره‪ ،‬ويرد في عمله الكثير من التّصحيف لألسماء‪ ،‬فهــو يبقى مصــدراً فريــداً‬
‫على اعتباره ناقالً من أصول ثمينة فُقدت إلى األبد‪ ،‬وال بديل عنها سوى كتابه هو على عاّل ته‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←746‬‬
‫‪Hayyan in Makkari, ii. 450‬‬
‫]‪[←747‬‬
‫‪Conde, i. 337.‬‬
‫]‪[←748‬‬
‫المقّري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪( .394 ،386‬م)‬
‫]‪[←749‬‬
‫‪See Makkari, i. App. c., ii. 169, 199 ff.; Pons, 130, 139, 414 - 5; Dozy, G. der M., ii. 109 - 10.‬‬
‫]‪[←750‬‬
‫وللّغة ‪ o.‬وليس ‪ ou‬وتلفظ‪ :‬آلينتيجو‪ ،‬والواو بلفظ ‪: Alentejo‬ومعناها‪ :‬ما وراء نهر التّاجة (تيجو)‪ ،‬ولكنها باتت تكتب اليوم ‪: Além - Tejo‬كانت تُكتب بالپرتغالية قديما ً‬
‫الپرتغالية مذاهب صعبة في اللفظ ولكنها لغة بديعة وجزلة‪( .‬أحمد)‬
‫]‪[←751‬‬
‫‪.‬إلى ديانة األسر المشار إليها‪ ،‬وإنما إلى كونهم من أصول قوطية ‪ -‬يمانية ‪ Christian - Yemenite‬ال تشير عبارة النّصرانيين اليمانيين‬
‫]‪[←752‬‬
‫وهي إفراغة‪( .‬م) ‪ Fraga‬لكن األرجح أنّ المقصود ‪ Fragar‬وردت في اإلنكليزية‬
‫]‪[←753‬‬
‫‪.‬راجع الصّ ور المقابلة للصّفحات ‪ 398 ،381 ،237 ،132‬من طبعة األصل‬
‫]‪[←754‬‬
‫بفضل منحة خاصة وهبها اإلمبراطور كــارلوس الخـامس إلى ابن مــارتن‪ ،‬تحمــل دروع هـذه العائلــة ثالثــة مــراكب شـراعية مــع ّ‬
‫الشـعار نفسـه الــذي تحملـه دروع أحفـاد‬
‫‪.‬كولومبوس‪ ،‬ولكن مع تغيير في االسم‪ :‬من أجل قشتالة وليون‪ ،‬اكتشف عالما ً جديداً ِپنثون‬
‫‪A Castilla y á Leon, nuevo mundo dió Pinzon.‬‬
‫]‪[←755‬‬
‫‪Makkari, ii. 448.‬‬
‫]‪[←756‬‬
‫‪Zúñiga, ii. 120.‬‬

You might also like