You are on page 1of 67

‫إن كنت عاقلا‬

!‫فكيف تكون ملحدًا؟‬

http://aldaleel-inst.com
www.facebook.com/aldaleel.inst
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ................................ 2‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬
.......................... 3 .......... ................................ ................................ ................................
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ................................ 4‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫هويّة الكراس‬

‫ا‬
‫اسم الكراسة‪ :‬إن كنت اعقًل‬
‫ّ‬
‫املؤلف‪ :‬ادلكتور أيمن املرصي‬
‫العليم يف ّ‬
‫مؤسسة ادليلل‬ ‫ّ‬ ‫املراجعة العلميّة‪ :‬املجلس‬
‫ّ‬
‫اللغوي‪ :‬عيل گيم‬ ‫اتلقويم‬
‫تصميم الغًلف‪ :‬حممدحسن آزاداگن‬
‫اإلخراج ّ ّ‬
‫الفن ‪:‬فاضل السوداين‬
‫انلارش‪ّ :‬‬
‫مؤسسة ادليلل لدلراسات وابلحوث العقديّة‬

‫ٌ‬
‫حمفوظة دلى ّ‬
‫مؤسسة ادليلل‬ ‫حقوق الطبع والنرش‬

‫‪http://aldaleel-inst.com‬‬
‫‪www.facebook.com/aldaleel.inst‬‬
‫لكمة املؤسسة ‪.......................... 5 ...................... ................................ ................................‬‬

‫كلمة المؤسسة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫احلمد هلل ّ‬
‫رب العاملني والصًلة والسًلم ىلع خري األنام واملرسلني‬
‫حممد وىلع آهل ّ‬
‫الطيبني الطاهرين‪ ،‬وبعد‪.‬‬ ‫أيب القاسم ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫الفكرية العقديّة من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شخصيية اإلسسيان‬ ‫أهم داعئم‬ ‫تعد املنظومة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البرشي؛ فيه اليت حتدد نظرته العامة للكون وعًلقتيه هيه‪،‬‬ ‫وتمّيه‬
‫ّ‬
‫السلويك وطبيعة تعاطيه مع حميطه ونمط‬ ‫ٌ‬
‫مبارش ىلع مساره‬ ‫وهلا تأثري‬
‫وأما ىلع صيعيد املجتميع‬‫احلياة الّيت يعيشها‪ ،‬هذا ىلع صعيد الفرد‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الفكرية العقديّة تينعكس ىلع مميل العًلقيات هيني‬
‫ّ‬ ‫فإن املنظومة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لالسياسيية واصقتصياديّة‬ ‫أفراد املجتمع‪ ،‬كما أنها حتدد نيو انلظيم‬
‫ّ ّ‬
‫جتماعية) اليت حتكم تلك العًلقات‪.‬‬ ‫واص‬
‫ّ‬
‫الفكرية والعقديّة تتحكم همصري اإلسسيان‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وىلع مهذا فاملنظومة‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ................................ 6‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ا‬
‫كريمية‪ّ ،‬‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫ومميا أن تغرقيه يف‬ ‫واستقرارا وحياة‬ ‫فإما أن تصنع هل سعادة‬
‫ومذصل‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫شقا ٍء وفوىض‬
‫فينبيغ لإلسسان أن يعتن هعقيدتيه‪ ،‬وأن يطمي ّ لسيًلمتها مين‬
‫اصحنراف والتشويه‪ ،‬وأن يبادر ملعاجلة ما يشوبها بسبب الشبهات‪.‬‬
‫ظل الظروف الراهنة الّييت يعيشيها العيالم اإلسيًل ّ‬‫ّ‬
‫فايلوم ويف‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫اعم‪ ،‬وبدلنا العراق بشلك ٍّ‬ ‫بشلك ٍّ‬
‫كبريا‬ ‫خاص‪ ،‬ندرك أن هناك تهديدا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للفكر والعقيدة اإلسًلمية احلقية ومين دوائير فتلفي ٍة‪ ،‬وسستشيعر‬
‫وامللحة بليان معالم العقيدة الصحيحة‪ ،‬ورفيع‬‫ّ‬ ‫حاجة متمعنا ّ‬
‫املاسة‬
‫ّ‬
‫الشبهات اليت ألبست ىلع هعض انلاس عقائدهم‪.‬‬
‫مؤسسية ادليليل للبحيوث وادلراسيات‬ ‫ّ‬ ‫من هنيا جياء مشييرو‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلسيينية املقدسية؛ تلبيية ملهيذه احلاجية‪،‬‬ ‫العقديّة اتلاهعة للعتبية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مسؤويلة اتلصدي دلفع الشبهات‪ ،‬واتلأكييد ىلع‬ ‫ويلحمل ىلع اعتقه‬
‫ّ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واإلماكنيات املتاحة؛ وذلك للمساهمة يف سد‬ ‫العقائد احلقة هالوسائل‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫العقدي اّلي يعاين منه املجتمع‪.‬‬ ‫الفكري‬ ‫الفراغ‬
‫ومن أهرز تلك الوسائل املعتمدة يف مرشوعنا أسلوب ابلحث وفق‬
‫موضوعية‪ ،‬وخبطاب سيلس ّ‬
‫شيي ٍق يتنيامم ميع أمليب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علمي ٍة‬ ‫رؤي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫املوقر يف ّ‬ ‫ّ‬
‫املؤسسة إطًلق‬ ‫العليم‬ ‫رشائح املجتمع‪ ،‬فاكن قرار املجلس‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫الكراسة العقديّة‪ ،‬ويه مؤلفيات ميوجٌة يف شي ها‬ ‫ّ‬ ‫مرشو سلسلة‬
‫لكمة املؤسسة ‪.......................... 7 ...................... ................................ ................................‬‬

‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫موضيواعت حميدد ٍة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وحجمها‪ ،‬كبرية يف مضمونها وأهدافها؛ ملعاجلة‬
‫ّ‬
‫الفعلية‪.‬‬ ‫وحسب احلاجة‬
‫ّ‬
‫وتطور وسيائل اتلواصيل‬ ‫الفكرية والعقديّة‬
‫ّ‬ ‫وبعد انفتاح الساحة‬
‫اصجتمييا ّ وسييهولة اقتنائهييا يف عراقنييا احلبيييب ّ‬
‫وبقييية ادلول‬
‫ّ‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫والشخصييات‬ ‫اإلسًلمية‪ ،‬ونتيجة استغًلل ذلك من هعض اجلهيات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفكرية املنحرفة عن جادة الصواب‪ ،‬يف سرش األفياكر‬ ‫ذات املشاريع‬
‫ّ‬
‫والًلديين‬ ‫ّ‬
‫اإلحليادي‬ ‫ادلين‪ ،‬ومين ّ‬
‫أهمهيا الفكير‬ ‫ّ‬ ‫املعادية لًلعتقاد‬
‫وفصل ادلين عن احلياة‪ ،‬رأت ّ‬
‫املؤسسة طرح مموعي ٍة مين ابلحيوث‬
‫ّ‬
‫ىلع شلك كراريس توضح حقيقة مثل تليك األفياكر واألطروحيات‪،‬‬
‫ا‬
‫الكراسة املوسومة لإن كنيت اعقيًل فكييف تكيون‬‫ّ‬ ‫فاكن منها مهذه‬
‫ا‬
‫ملحدا؟!)‪.‬‬
‫مؤسسة ادليليل هالشيكر اجلٌييل لعضيو املجليس‬ ‫وختاما ّ‬
‫تتوجه ّ‬ ‫ا‬
‫العليم فيها األستاذ ادلكتور لأيمن املرصي)؛ ملا هذهل من جهد ّ‬
‫قي ٍم يف‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫كتاهة مهذا ابلحيث‪ ،‬ونرجيو هل اتلوفييق والسيداد‪ ،‬واحلميد هلل ّ‬
‫رب‬
‫حممد وآهل ّ‬
‫سيدنا ّ‬ ‫ّ‬
‫وصّل اهلل ىلع ّ‬
‫الطيبني الطاهرين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫العاملني‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ................................ 8‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬
‫‪.......................... 9 .......... ................................ ................................ ................................‬‬

‫ّ‬
‫مقدمة‬

‫مهذه الرسالة املخترصة يف حمتواها‪ ،‬العميقة يف معناها‪ ،‬لم أكتبهيا‬


‫ّ‬ ‫ألجل شخص ّ‬
‫مذهب‬
‫ٍ‬ ‫دين أو‬
‫معني‪ ،‬أو جلماع ٍة أو طائف ٍة حمدد ٍة ذات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬
‫خاص‪ ،‬هل كتبتها من أجل اإلسسان مين حييث هيو‬ ‫فكري‬ ‫أو اّتا ٍه‬
‫ٌ‬
‫إسسان‪.‬‬
‫ّ‬
‫اجلسيمانية‪ ،‬أو لقدراتيه‬ ‫واإلسسان إنّما صيار إسسياناا‪ ،‬ص ّ‬
‫لقوتيه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫احلسي ّ‬
‫ّ‬
‫احليوانييية‪ ،‬اليييت يشييار ه فيهييا سييائر‬ ‫واايايليية‪ ،‬ومرائييٌه‬ ‫يية‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫تتفيوق علييه فيهيا؛ هيل صيار‬ ‫احلية اليت قد‬ ‫احليوانات‪ ،‬والاكئنات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العقلية السامية اليت يسيتطيع أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫إسساناا ّ‬
‫احليق‬ ‫يميّي ههيا هيني‬ ‫لقوته‬
‫ّ‬
‫والرش يف األفعال‪ ،‬أو هعبار ٍة أخرى هيني‬ ‫وابلاطل يف اصعتقاد‪ ،‬وااري‬
‫ّ‬
‫انلظريية‪ ،‬واحلسين والقبييح يف األميور‬ ‫ااطإ والصيواب يف األميور‬
‫ّ‬
‫العملية‪.‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................10‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫وقد استطا اإلسسان هعقله أن يستكشف الكثيري مين جوانيب‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويتطور يف لك شؤون حياته املاديّية‪ ،‬يف مأكليه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبييع‪،‬‬ ‫مهذه العالم‬
‫ومرشبه‪ ،‬وملبسه ومسكنه‪ ،‬ووسائل انتقاصته وارتباطاته‪ ،‬يف حيني‬
‫ّ‬
‫ظلت سائر احليوانات ىلع ما يه عليه يف حياتها منذ القدم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫ّ‬
‫احلضياري‬ ‫ولكن ي ولألسف الشديد ي جند يف ظيل مهيذا اتلقيدم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫واملعنوي‪ ،‬حييث‬ ‫الفكري‬ ‫املاد ّي الكبري حالة شديدة من اصحنطاط‬
‫ميّيان‬ ‫أي‬ ‫ّ‬
‫والعشوائية ‪ ،‬هًل ّ‬ ‫تعمها الفوىض‬‫الفكرية ّ‬
‫ّ‬ ‫أصبحت احلالة‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫واارافية‪ ،‬ومايقاهلهيا مين‬ ‫ّ‬
‫املتطرفة‬ ‫ّ‬
‫ادلينية‬ ‫ضاهط‪ ،‬وظهرت األفاكر‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫املاديّيية‪ ،‬هاإلضييافة إ حال ية الضيييا والفسيياد األخييًل ّ‬ ‫األفيياكر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العاملييية‬ ‫ّ‬
‫الطييائو‪ ،‬واحلييروب‬ ‫واتلفكييك اصجتمييا ّ ‪ ،‬واتلنيياحر‬
‫ّ‬
‫واإلقليمية‪.‬‬
‫ّ‬
‫اتلطيور‬ ‫فهذه اصزدواجية اليت تعيشيها متمعاتنيا البرشيية هيني‬ ‫م‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫يد‪ ،‬وهييو‬ ‫ٍء واحي ٍ‬ ‫امليياد ّي واصحنطيياط املعني‬
‫يوي‪ ،‬إنمييا مرجعييه إ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اصزدواجية يف اتلعامل مع العقل‪ ،‬إذ سستعمل العقل يف حياتنا املاديّة‬
‫ّ‬
‫املعنوية‪.‬‬ ‫ونعطله يف حياتنا‬
‫ّ‬ ‫ومبدأ مهذا اتلعطيل يكمن يف أمرين أساسيني‪ّ ،‬‬
‫األول توهم عيدم‬
‫ّ‬
‫الغيبيية‬ ‫ّ‬
‫املعنوية‬ ‫ّ‬
‫موضوعي ٍة للعقل يف املوضواعت‬ ‫ّ‬
‫علمي ٍة‬ ‫وجود قوانني‬
‫مييري املحسوسيية‪ ،‬كمييا يه هل يف املوضييواعت املحسوسيية لفّيييياء‬
‫ّ ٌ‬
‫مقدمة ‪.......................... 11 ............................. ................................ ................................‬‬

‫ّ‬
‫واجتماعيي ٍة‬ ‫ّ‬
‫سياسيي ٍة‬ ‫يارات‬ ‫قيوى ّ‬
‫وتي‬ ‫ّ‬
‫والرياضيات‪ ،‬واثلاين هو وجود ا‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكونيية‪ ،‬وتدخليه يف حياتنيا‬ ‫تعارض اعتماد العقل يف هناء رؤيتنيا‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫اصجتماعييية؛ خوفييا ميين نهضيية الشييعوب‪ ،‬وأن تفقييد مصيياحلها‬
‫ّ‬
‫العقليية‬ ‫ّ‬
‫والسياسية‪ ،‬وهيمنتها ىلع انلاس يف ظل الرقاهة‬ ‫ّ‬
‫اصجتماعية‬
‫الشعوب‪ ،‬والقضاء ىلع‬ ‫العادلة‪ ،‬حيث ترى مصاحلها يف تغييب و‬
‫إسسانيّتها و رامتها؛ لتسري خلفها مغمضة العينني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومن الظواهر الغريبة وااطرية اليت ظهرت وتفشت هني الشيباب‬
‫ّ‬
‫اصزدواجية‪ ،‬يه ظاهرة اإلحلياد‪ ،‬الي‬ ‫ّ‬ ‫يف عرصنا احلارض نتيجة مهذه‬
‫ّ‬
‫اإلليه ملهذا الكون‪ ،‬ىلع خًلف اعتقاد األملبية‬ ‫ّ‬ ‫تنكرت لوجود املبدإ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفكري‬ ‫وماكن‪ ،‬وانتهٌت فرصة اتلدين‬ ‫ٍ‬ ‫زمان‬
‫ٍ‬ ‫الساحقة للناس يف لك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ادلين اّلي أساء لدلين‬ ‫ّ‬ ‫اتلطرف‬ ‫واثلقايف عند أكرث انلاس‪ ،‬وتفش ّيي‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واصجتماعييية‬ ‫انلفسييية‬ ‫أكييرث ميين أعدائييه‪ ،‬واسييتغلت املشييالك‬
‫واصقتصاديّة دلى أكرث الشباب؛ لي تنفيذ إ عقيوهلم ونفوسيهم‪،‬‬
‫وتفرض عليهم همختلف احليل والوسائل القيم واملبادئ اإلحلاديّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اداعء مهذا ّ‬‫ّ‬ ‫ّا‬
‫اإلحليادي شيعار العقيل‬ ‫اتلييار‬ ‫وما زاد الطني هلة هو‬
‫وأن العقل السليم هو ّاّلي يسوقنا إ اإلحلاد‪ّ ،‬‬
‫فمسيت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والعقًلنية‪،‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫هيادئ هعييدا عين‬
‫ٍ‬ ‫ٍّ‬
‫مينطٍّ‬ ‫احلاجة بليان زيف مهذا اصداعء هأسلوب‬
‫ّ‬
‫ادلينية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫املذهبية أو األحاكم املسبقة‬ ‫ا ّ‬
‫تلعصبات‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................12‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬
‫فاكن املوضو اّلي نبحث عنه يف مهذه الرسالة هو وضيع ظياهرة‬
‫ّا‬ ‫ا‬
‫فكرية يف مّيان العقل السليم؛ ليىى ميدى‬ ‫اإلحلاد هوصفها ظاهرة‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫العقليية الييت ييدعون اصنتسياب إيلهيا‪ ،‬حييث‬ ‫مطاهقتها لألحاكم‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الاهياين املبتين ىلع‬ ‫سنبني أن العقل السيليم ‪ -‬ونعين هيه العقيل‬
‫ّ‬
‫الفطرية الصادقة ‪ -‬يسوق اإلسسيان هطبعيه لإليميان‬ ‫املبادئ ّ‬
‫األو ّيلة‬
‫اإلحليادي ليالف ا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تماميا العقيل السيليم‪،‬‬ ‫هاهلل تعا ‪ ،‬وأن الفكير‬
‫ّ‬
‫انلظريية عين‬ ‫ّ‬
‫الكونيية‬ ‫ّ‬
‫اااصية‪ ،‬ورؤيتيه‬ ‫ّ‬
‫وسنبني حقيقته وقوانينه‬
‫ثم ّ‬
‫نتعرض بليان‬ ‫ّ‬
‫األخًلقية‪ّ ،‬‬ ‫اإلسسان واملبدإ واملعاد‪ ،‬ورؤيته العمل ّية‬
‫ّ‬
‫يتبيني‬ ‫ّ‬
‫والعملية يف احليياة؛ لي‬ ‫ّ‬
‫انلظرية‬ ‫منهج تفكري امللحد ورؤيته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫عقًلنيية‬ ‫املغيرر ههيم ‪ -‬أن‬ ‫سواء الشباب امليؤمن امليّدد أم‬ ‫لللك ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫ٌّ ّ ٌ‬ ‫ٌّ‬
‫مٌيفية‪ ،‬وأن مقتضييى العقيل‬ ‫عقًلنية وهمية‬ ‫اإلحلاد يه يف الواقع‬
‫اإلسسانية هو اإليمان خبالق مهذا الكون احلكيم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السليم‪ ،‬والفطرة‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫املعريف العق ّ‬
‫يل ‪.......................... 13 ................................ ................................‬‬ ‫أوص‪ :‬املنهج‬

‫ي العقليّ‬
‫أ ّولًا‪ :‬المنهج المعرف ّ‬

‫‪ .1‬اإلنسان والعقل‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫تتجّل يف كونه ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حرا طليقا يفعل ما تشتهيه‬ ‫إسسانية اإلسسان ص‬ ‫إن‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫فاحلر ّية ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫يصور نلا ذلك املاديّون وامللحدون‪،‬‬
‫نفسه‪ ،‬كما حياول أن ّ‬
‫ٌ‬ ‫ورشطا رض ًّ‬
‫ا‬ ‫أمرا ًّ‬
‫ومن نت ا‬
‫ورييا يف تكاميل اإلسسيان ‪ -‬شيأن‬ ‫مهما ‪،‬‬
‫ا‬ ‫يشّك فيه اإلسسان مع سائر احليوانيات الّييت تنشيد ّ‬
‫احلر ّيية أيضيا‪،‬‬
‫احلقيقيية‪ ،‬مين ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫اتلأميل‬ ‫ّ‬ ‫ولكن تتجّل إسسيانيّته يف ظهيور عقًلنيّتيه‬
‫ّ‬
‫واتلفكر واتلدهّر يف رؤيته للحياة ونظرته للواقع قبيل ّ‬
‫تبين اعتقياده‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وترصفاته قبل صدورها عنيه؛ مين‬ ‫والّوي يف أفعاهل‬ ‫هها‪ ،‬ويف اتلأين‬
‫ييد‬‫يتحق أن يكييون سي ّ‬ ‫أجييل أن يتاكمييل يف ااط اإلسسي ّ‬
‫يانية‪ ،‬ويسي ّ‬

‫الاكئنات‪.‬‬

‫ّ‬
‫العقلية‬ ‫ّ‬
‫الصحة‬ ‫‪ .2‬معالم‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫جيٌء‬ ‫هعد أن هينا أن حقيقة اإلسسيان هعقليه‪ ،‬صمسيمه‪ ،‬وأنيه‬
‫ّ‬
‫صيتجٌأ من وجوده‪ ،‬فيكون حاهل كحال سائر أعضاء ابلدن يف كونه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصحة واملرض‪ ،‬وبما أنه أداة اإلسسان الوحيدة للتفكيري‪،‬‬ ‫يف معرض‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................14‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫صحة اتلفكري‪ ،‬ومرضه يف سقم تفكريه‪ ،‬فعلينا أن‬‫صحته يف ّ‬


‫فتكون ّ‬
‫وأهم ّيتيه يف حيياة اإلسسيان‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّا‬
‫ثيم‬ ‫أوص عن حقيقة اتلفكيري‪،‬‬ ‫نبحث‬
‫ّ‬
‫الطبيعية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫نتعرض بليان قوانينه‬

‫تعريف التفكير‪:‬‬
‫ّ‬
‫عملية‬ ‫عرف إدوارد دي هونو أحد أهرز علماء اتلفكري املعااين‬ ‫ّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫مدروس للخاة هغية الوصول إ اهلدف‪،‬‬ ‫اتلفكري هأنها «استكشاف‬
‫ّ‬ ‫وهو ّ‬
‫إما حتقيق الفهم أو احلكيم ىلع األشيياء‪ ،‬أو حيل املشيوت أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلخطيييط واايياذ القييرارات»ل‪ ،)1‬أي ابلحييث امليينظم للمعلومييات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تلصور األشياء أو اتلصديق هها؛ حلل املشالك املختلفة الييت‬ ‫اّلهنية‬
‫تواجهنا يف احلياة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عملية اتلفكيري هالوجيدان‬ ‫وحنن إذا أردنا أن نغوص أكرث وحنلل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واتلأمل العق ّ‬
‫يل‪ ،‬جند أنها حر ة اّلهين مين املعلوميات احليارضة يف‬
‫ّ‬
‫واتلعيرف عليهيا‪ ،‬فييه يف الواقيع‬ ‫أذهاننا صستكشاف املجهيوصت‬
‫ٌ‬
‫حر ة من املعلوم إ املجهول صكتساب املعرفة اجلديدة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫وبناء عليه فإنه يصبح من الواضح أن املعلومات اليت ينطلق منها‬

‫ّ‬
‫العليم‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫ل‪ )1‬دوارد دي هونو‪ ،‬اتلفكري وابلحث‬
‫ّ‬
‫الفلسو يف حياة اإلسسان ‪.......................... 15 .......... ................................‬‬
‫ّّ‬
‫أهمية اتلفكري‬
‫ّ‬
‫اّلهن يف تفكريه يه حجر األساس اّلي نبن عليه تفكرينا للوصول‬
‫ّ‬ ‫فإن ّ‬ ‫ّ‬
‫صحة انلتائج أو سقمها اليت نصيل‬ ‫إ انلتائج املطلوبة‪ ،‬وباتلايل‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صيحة تليك املعلوميات األويلية الييت‬ ‫إيلها تعتمد هصور ٍة لك ّي ٍة ىلع‬
‫ننطلق منها‪ ،‬أو سقمها‪.‬‬
‫وينقسييم اتلفكييري مسييب موضييواعته إ تفكييري ّ‬
‫حسييي ٍّي يف‬ ‫ٍ‬
‫املعلومييات املحسوسيية‪ ،‬يسييتعني فيييه العقييل هي ّ‬
‫ياحلس واتلجربيية‪،‬‬
‫يل ّ‬
‫مر ٍد يف املعلومات‬ ‫تفكري عق ٍّ‬ ‫ّ‬
‫الفّييايئ‪ ،‬وم‬ ‫ّ‬
‫الريايض أو‬ ‫تلفكري‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫امليتيافّييٍّ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الفلسيو أو‬ ‫سسميه هياتلفكري‬‫مري املحسوسة‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تفكيري عقييل‬ ‫اإلسسياين؛ ألنيه‬ ‫يمثل حقيقة اتلفكيري العقي ّ‬
‫يل‬ ‫اّلي‬
‫ّ‬
‫معرفي ٍة أخرى‪.‬‬ ‫أدوات‬ ‫خالص‪ ،‬ومستقل عن ّ‬
‫أي‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬

‫ي في حياة اإلنسان‬
‫ميّة التفكير الفلسف ّ‬
‫أه ّ‬
‫ّ‬
‫عملييية اتلفكييري الفلسي ّ‬
‫يو يف حييياة‬ ‫أهم ّييية‬
‫ص لييىلع ىلع أحييد ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفكرية لإلسسان‪ ،‬والييت‬ ‫اإلسسان؛ إذ إنه يتودل من خًلهلا املنظومة‬
‫ّ‬
‫الكونية عن فلسفة الكون واحلياة‪ ،‬واهليدف‬ ‫ّ‬
‫انلظرية‬ ‫ّ‬
‫تتضمن رؤيته‬
‫من وجود اإلسسان يف مهذا العالم‪ ،‬ومصريه هعد املوت‪ ،‬وما هو طرييق‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫العملية عين‬ ‫تتضمن تلك املنظومة أيضا رؤيته‬ ‫ااري والسعادة‪ ،‬كما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صجتماعيية الييت ينيبيغ أن ييتحّل ههيا‬‫األخًلقيية وا‬ ‫القيم واملبادئ‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................16‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ا‬ ‫ّ‬
‫اإلسسان ويلزتم هها يف سلو ه وأفعاهل‪ ،‬والييت تينعكس مبيارشة ىلع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ايلومية )‪ ،(life style‬وباتلايل فيإن اتلفكيري الصيحيح‬ ‫نمط حياته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلقيقيية‪ ،‬ىلع‬ ‫الواقعية والسيعادة‬ ‫يؤدي إ الفكر الصحيح والرؤية‬
‫ّ‬
‫خًلف ما إذا ن اتلفكري خاطئاا‪ ،‬فإنيه لليب ىلع صياحبه احليرية‬
‫واتلعاسة والشقاء‪.‬‬

‫قواعد التفكير الصحيح‪:‬‬


‫ّ‬
‫عندما نت م عن قوانني الفكر أو اتلفكري‪ ،‬فنعن ههيا القيوانني‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫تصيوره وحكميه ىلع‬ ‫العامة الييت يعتميد عليهيا العقيل يف‬ ‫العقلية‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ٌ‬
‫سواء نت تلك األشياء حمسوسة أو ميري حمسوسي ٍة؛ إذ إن‬ ‫األشياء‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫العقل واحد وقانونه واحد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فعقل اإلسسان ّ‬
‫كأي جٌ ٍء من أجٌاء وجيوده‪ ،‬مثيل امليو والقليب‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبيعية الييت يعميل ىلع‬ ‫الفّييولوجية‬ ‫والكبد وال يتني‪ ،‬هل وظائفه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصيح ّية‪ ،‬ولتيل عمليه هاختًلهليا‪ ،‬فيصياب‬ ‫مقتضاها يف حاتليه‬
‫هاملرض العق ّ‬
‫يل‪.‬‬
‫ّ‬
‫الطبيعية كسائر أعضاء جسم اإلسسان‪ ،‬هيل‬ ‫إذن فللعقل قوانينه‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫ٍء يف اعلم الطبيعة‪ ،‬ول ّ‬ ‫ّ‬
‫كن الفارق هو أن عمل العقيل أثنياء‬ ‫كأي‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫تلك‬ ‫اتلفكري هو فعل اختياري لإلسسان العاقل‪ ،‬همعىن أنه قد يرا‬
‫قواعد اتلفكري الصحيح‪.......................... 17 ................................. ................................ :‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هإرادته‬ ‫الطبيعية أو صيراعيها‪ ،‬مثل اإلسسان اّلي قد يرا‬ ‫القوانني‬
‫تنيياول الغييذاء املناسييب ملعدتييه وطبيعتييه‪ ،‬فيصي ّ‬
‫يح‪ ،‬أو ص يييرا ‪،‬‬
‫فيمرض‪.‬‬
‫ّ‬
‫ابليولوجيية ألعضياء‬ ‫و ما اكتشف األطبياء هاتلجربية القيوانني‬
‫ّ‬
‫للصحة‬ ‫ا‬
‫معيارا‬ ‫الطب ّية‪ ،‬وأصبحت‬
‫ودونوها يف كتبهم ّ‬ ‫جسم اإلسسان‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الطبيعيية‬ ‫ّ‬
‫العقليية‬ ‫ّ‬
‫اجلسمية‪ ،‬فقد اكتشف احلكماء تليك القيوانني‬
‫ّ‬
‫للصحة‬ ‫ا‬
‫معيارا‬ ‫ّ‬
‫املنطقية؛ تلصبح‬ ‫يل‪ّ ،‬‬
‫ودونوها يف كتبهم‬ ‫هاتلحليل العق ّ‬
‫ّ‬
‫العقلية‪.‬‬
‫ههذه القوانني لألسف الشيديد‪ ،‬وسييع‬ ‫ّ‬
‫عوام انلاس م‬ ‫كن جهل‬‫ول م ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سواء من املنتسبني إ ادلين أو من املاديّني املنتسيبني‬
‫ٌ‬ ‫ااواص منهم‬
‫ّ‬
‫الفطريية؛ مين أجيل تعطييل‬ ‫إ العلم للتشكيك يف مهذه القيوانني‬
‫ّ‬
‫عقول انلاس واهليمنة عليهم بش ّ الطرق والوسيائل املضيللة‪ ،‬هعيد‬
‫أعٌ ما دليهم من العقول‪ ،‬حيث يسهل انقييادهم إيلهيم هعيد‬ ‫سلبهم ّ‬
‫فيتمكنون من العبث هاملجتمعات البشيي ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫رية كميا حيليوا هليم‬ ‫ذلك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫ّ‬
‫تميرد‬ ‫العقلية‪ ...‬لك مهذا أدى إ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املنطقية والرقاهة‬ ‫هعيدا عن القوانني‬
‫ّ‬
‫اإلسسانية‪ ،‬وهجرانهيا‪ ،‬واسيتبدال‬ ‫ّ‬
‫الفطرية‬ ‫انلاس ىلع تلك القوانني‬
‫ّ‬
‫اصجتماعييية‬ ‫ّ‬
‫الوهمييية ههييا‪ ،‬واألعييراف‬ ‫مريهييا ميين العقائييد‬
‫ّ‬
‫الشخصية واارافات‪.‬‬ ‫واصستحسانات‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................18‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن املقام ص يسع هنا للبيان اتلفصي ّ‬
‫العقلية‬ ‫يل تللك القواعد‬ ‫وبما‬
‫ّّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلمجايل ملبادئها ال ية‪:‬‬ ‫املنطقية‪ ،‬نكتو فقط هابليان‬
‫ّ‬
‫حنن إذا قمنا هتحليل املعلومات املوجودة دلينا جند أنها تتفاوت يف‬
‫ٌ‬
‫الوضوح واإلههام هالنسبة إ عقونلا‪ ،‬فهناك مفاهيم واضيحة عنيد‬
‫ّ‬
‫لك العقييول ص حتتيياج إ مييا ّ‬
‫يبينهييا‪ ،‬مثييل مفهييوم اّلات والوجييود‬
‫والعدم‪ ،‬والضيرورة واصسيتحالة والوجيوب واإلمياكن و‪ ،...‬وهنياك‬
‫يوضييحها نلييا‪ ،‬مث يل مفهييوم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫اّلرة‬ ‫مفيياهيم مبهميية حتتيياج إ ميين‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫والاوتون‪ ،‬والطاقة‪ ،‬وانلفس والروح واإلهل‪ ،‬كما أن هنياك قضيايا‬
‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬
‫تصيور معانيهيا‪ ،‬وص حتتياج إ‬ ‫تلقايئ هعيد‬ ‫هنحو‬
‫ٍ‬ ‫يصدق هها العقل‬
‫ّ‬
‫ديلل ييدل عليهيا لوضيوحها عنيد العقيل‪ ،‬مثيل امتنيا اجتميا‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫انلقيضني‪ ،‬همعىن امتنا اجتما اإلثبات وانلو‪ ،‬كأن حنكيم هيأن‬
‫ّ‬
‫مهذا اجلسم أسود وليس أسود يف الوقت نفسه‪ ،‬أو اجتما الضدين‪،‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫كأن حنكم هأن مهذا اجلسم أهيض وأسود يف الوقيت نفسيه‪ ،‬أو أن لك‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ٍء‬ ‫ٍء هو نفسه‪ ،‬مثل أن اإلسسان إسسان‪ ،‬أو رضورة احتياج لك‬
‫املسيب هأصيل‬ ‫ّ‬ ‫سبب لرجه من الوجود إ العيدم‪ ،‬وهيو‬ ‫حادث إ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫م‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫العل ّية‪ ،‬وأن اللك أعظم من جٌئه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫م‬
‫وهناك ىلع العكس من ذلك قضايا ومسيائل ممضية حتتياج إ‬
‫وأن ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اّلرة‬ ‫ات‪،‬‬‫ديلل يثبت صحتها‪ ،‬مثل أن اجلسيم يّ يب مين ذر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قواعد اتلفكري الصحيح‪.......................... 19 ................................. ................................ :‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫تتحيول‬ ‫ونيّونات‪ ،‬أو أن الطاقة‬
‫ٍ‬ ‫وبروتونات‬
‫ٍ‬ ‫إلكّونات‬
‫ٍ‬ ‫تتكون من‬
‫ا‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ومصيم اما‬ ‫تتحول إ طاق ٍة‪ ،‬أو أن هناك إل اهيا خالقيا‬ ‫ّ‬ ‫إ ماد ٍة‪ ،‬واملادة‬
‫م‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫ملهذا الكون‪ ،‬أو أن هناك حياة هعد املوت‪ ،‬ومري ذليك مين القضيايا‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫ديلل يدل عليها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إ‬ ‫تفتقر‬ ‫يت‬ ‫مري ابلدهية ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫املينطٍّ الصيحيح‪،‬‬ ‫فإن قانون اتلفكري العق ّ‬
‫يل‬ ‫وبناء ىلع ما هيّنا‪،‬‬
‫ا‬

‫كهيذه إلثبيات‬ ‫هو أن نبدأ تفكرينيا هاصعتمياد ىلع قضيايا واضيح ٍة م‬


‫ّ‬
‫سسيميه هياتلفكري‬ ‫القضايا مري الواضحة عند العقل‪ ،‬م‬
‫وهيذا هيو ميا‬
‫الاهاين‪ ،‬وهو املقصود هنا يف مهذه الرسالة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العق ّ‬
‫يل‬
‫أما أن نبدأ من مفاهيم ممضة هالنسبة نلا‪ ،‬أو نعتمد ىلع قضيايا‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫عرفي ٍة مأنوس ٍة دلينيا‪ ،‬أو نير ن إ‬ ‫احلس ّية‪ ،‬أو آراء‬
‫مناسبة ألوهامنا ّ‬
‫ٍ‬
‫آراء أكاهرنا من اآلهاء أو رجال ادلين أو العلماء املشهورين املوثوقني‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وحنيب أن نصيدق ههيا؛‬ ‫عندنا‪ ،‬أو ننطلق مين مبيادئ سستحسينها‬
‫ّ‬
‫ادلنيوية ‪ -‬كما يفعل‬ ‫صسسجامها مع أهوائنا‪ ،‬أو انطباقها مع مصاحلنا‬
‫ّ‬ ‫أكرث انلاس ‪ -‬م‬
‫فهذا لن يقودنا إص إ ااطإ واحلرية والضًلل‪.‬‬
‫ّ‬
‫كيفيية‬ ‫فصل احلكماء منذ قيديم الٌميان يف كتيب املنطيق‬ ‫وقد ّ‬
‫ّ‬
‫واضيح ومينظ ٍم‬
‫ٍ‬ ‫هنحو‬
‫ٍ‬ ‫اصنتقاصت الصحيحة من املعلوم إ املجهول‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫وموضو ٍّ ‪ ،‬ميث يكون منارة للباحثني‪ ،‬وهداية للمسّشدين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫الغربيون يف العرص‬ ‫ولكن ولألسف الشديد‪ ،‬فقد سىع املفكرون‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................20‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫احلديث‪ ،‬وما ّ‬
‫يسمونه عرص اتلنوير من أمثال هيكيون وليوك وهييوم‬
‫ّ‬
‫املنطقية‪ ،‬وراسل وويتجنشتاين ومريهم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الوضعية‬ ‫واكنط‪ ،‬وأصحاب‬
‫ّ‬
‫والواقعيية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫املنطقية الواضحة‬ ‫ّ‬
‫العقلية‬ ‫إ التشكيك يف مهذه القوانني‬
‫وم إثبات عجٌ العقل عن ااوض يف اعلم ميا وراء الطبيعية‪ّ ،‬‬
‫مميا‬
‫ّ‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫أدى إ إمًلق هاب الفلسفة اإلهل ّية‪ ،‬وشييو الشيك والسفسيطة‪،‬‬
‫ا‬
‫مناخيا ًّ‬ ‫ّ‬
‫املاديّة املحضة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫اعميا لي تّعير‬ ‫مميا أوجيد‬ ‫واتلفكرات‬
‫األفاكر اإلحلاديّة يف عرص اتلنوير وما هعده‪ ،‬هعد ضيا املنهج العق ّ‬
‫يل‬
‫ّ‬
‫واايايلة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الوهمية‬ ‫ّ‬
‫الاهاين القويم‪ ،‬وأهدهل هاألحاكم‬

‫ثانيًا‪ :‬الرؤية الكونيّة العقليّة‬


‫ّ‬
‫اتلفسيريية‬ ‫ّ‬
‫العقليية‪ ،‬يه انلظيرة‬ ‫مقصودنا من الرؤيية الكونيية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العامة للكون واحلياة‪ ،‬اليت تتعلق مقيقة اإلسسان ومبدئه ومنتهاه‪،‬‬
‫ّ‬
‫الاهاين القويم‪.‬‬ ‫والغاية من احلياة‪ ،‬ىلع أساس املنهج العق ّ‬
‫يل‬
‫وحنيين ص يسييعنا يف مهييذه الرسييالة القصييرية أن سسييتعرض مجيييع‬
‫ّ ّ‬
‫الفلسفية اليت أثبتها احلكماء هعقوهلم القويمية املسيتنرية‪،‬‬ ‫املباحث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫الفلسيفية‬ ‫العقليية‬ ‫ولكن سنقتصير ىلع اإلشارة إ هعض القواعيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اليت يضيي ّر اجلهيل ههيا‪ ،‬وييؤدي إمفاهليا إ اإلحلياد أو اصحنيراف‬
‫ّ‬
‫الفكري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬الرؤية الكونية العقلية ‪.......................... 21 ............................ ................................‬‬

‫ّ‬
‫قانون العل ّية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حادث يف الوجود ‪ -‬همعىن أنيه‬
‫ٍ‬ ‫ٍء‬ ‫أن ّ‬
‫أي‬ ‫يشري قانون العل ّية إ‬
‫ثم ن ‪ -‬يستحيل أن لرج من العدم إ الوجود هنفسه‪ ،‬هل‬ ‫لم يكن ّ‬
‫ويعد مهذا القانون‬ ‫يفتقر إ سبب مريه خلرجه من العدم إ الوجود‪ .‬خ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من األصول العقليية ابلدهيية كميا سيبق وأن أرشنيا؛ ألن إنكياره‬
‫إن وجود احلادث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا ّ‬
‫إميا‬ ‫يستلٌم اجتما انلقيضني مبارشة؛ ألننا نقول‬
‫ومميا‬‫أن يكون قد أخرجه مريه من العدم إ الوجود‪ ،‬وهو املطلوب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫تلقائييا‪ ،‬واحليال أن العيدم ص‬ ‫أن يكون قد خرج وجوده من العيدم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتضمن الوجود‪ ،‬أو يكون قد أخرج نفسه من كتم العدم‪ ،‬واحلال أنه‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫معدوم وفاقد للوجود‪ ،‬وفاقد اليشء ص يعطيه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولك من أنكر قانون العل ّية من أمثال دافيد هيوم ‪ -‬كما سييأ ‪-‬‬
‫ّ‬
‫أو مريه من املياديّني وامللحيدين كريتشيارد دو ييز ل‪ )1‬أو سيتيفني‬
‫ا‬ ‫م‬
‫هو نجل‪ ،)2‬فهو جلهلهم همعناه وحقيقته؛ وّللك نراهم يعيشون حالة‬
‫ّ‬
‫والفكريية‬ ‫ّ‬
‫العلميية‬ ‫اتلخبط واتلناقض‪ ،‬حيث جندهم يف موثهم‬ ‫ّ‬ ‫من‬
‫يبحثون عن علل الظواهر الطبيعية وأسباهها‪ ،‬أو أسباب سشأة الكون‬
‫ّ‬
‫وتطوره‪ ،‬مع إنكارهم ألصل العل ّية!‬
‫ّ‬

‫م‬
‫ل‪ )1‬ريتشارد دو يز‪ ،‬وهم اإلهل‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫ل‪ )2‬ستيفن هو نج‪ ،‬اتلصميم العظيم‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................22‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬
‫السنخية‪:‬‬ ‫قانون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وهو فر قانون العل ّية‪ ،‬فكما أن أصل وجود املعلول من علتيه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫خصوصييات علتيه‪ ،‬ومص‬ ‫اّلاتيية تكيون مين‬ ‫خصوصياته‬ ‫فكذلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫استلٌم خروج الوجود من العدم‪ ،‬م‬
‫تسيوغ‬ ‫ااصوصية يه الييت‬ ‫وهذه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ني من علتيه الفاعلية هل دون ميريه مين‬ ‫معلول مع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتصحح صدور‬
‫ا‬ ‫ٍء من ّ‬ ‫ومص لصدر ّ‬ ‫ّ‬
‫أي ءٍ‪ ،‬فنحن مثًل إذا رأينيا‬ ‫أي‬ ‫املعلوصت‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫كبري هين‬ ‫ٌ‬ ‫فلسفيا مثل لالشفاء)‪ ،‬عرفنا أن صاحبه فيلسوف‬ ‫كتاهاا‬
‫ممين يمليك ملكية العليم‬ ‫ألن مهذه الفلسيفة ص تصيدر ّإص ّ‬ ‫ّ‬
‫سينا؛‬
‫ّ‬
‫أدهيات شكسبري يعرف هكل‬ ‫واصجتهاد يف الفلسفة‪ ،‬و مذلك من قرأ ّ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ ا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫حاسيوبا‬ ‫سييارة فياخرة أو‬ ‫وقدير‪ ،‬ومذا رأينيا‬ ‫كبري‬ ‫أديب‬ ‫بساط ٍة أنه‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ ا‬
‫عظيما قد قام هتصميمهما‪.‬‬ ‫مهندسا‬ ‫معقدا‪ ،‬علمنا أن هلما‬
‫ّ‬
‫وااًلصيية أن الفلسييفة ص اييرج ميين األديييب‪ ،‬وص العكييس‪،‬‬
‫وهيذا‬ ‫والعلم ص لرج من اجلهل‪ ،‬وانلظام ص لرج من اليًل نظيام‪ ،‬م‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫إسسان حيّم عقله ويصدقه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أمر يف مية الوضوح عند لك‬
‫الفاعليية‬‫ّ‬ ‫قانون امتنا تسلسل العليل‪ :‬همعيىن تسلسيل العليل‬
‫ا‬
‫هنحو تكون متمعة مع هعضها ابلعض يف الوجيود‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫املوجدة لألشياء‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ا‬
‫فمثًل من املحال أن نقول أن لأ) معلول ليي لب) يف وجيوده‪ ،‬ولب)‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬الرؤية الكونية العقلية ‪.......................... 23 ............................ ................................‬‬

‫ٌ‬
‫معلولة لي لد)‪ ،‬م‬ ‫ٌ‬
‫وهكذا دون نهايي ٍة تنيتيه‬ ‫معلولة لي لج)‪ ،‬ولج) لي‬
‫عندها سلسلة العلل واملعلوصت‪.‬‬
‫ٍء أن يكيون‬ ‫هيان وجه اصمتنا ‪ :‬أنّنا إذا اشيّطنا لوجيود ّ‬
‫أي‬
‫ا‬
‫معلوص لغريه‪ ،‬استحال م‬ ‫مرشوطا ا‬
‫ا‬
‫ههذا الرشط أن ييدخل‬ ‫دائما هكونه‬
‫ٍء إ الوجود‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أي‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫فمثًل ىلع سبيل اتلقريب‪ ،‬لو اشّطنا ىلع مموع ٍة من انلياس أص‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫يدخل أحد منهم إ ابليت إص إذا ن مسبوقا هغيريه‪ ،‬فلين ييدخل‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫أحد‪ ،‬فإذا وجدنا انلاس قد دخلوا ابليت‪ ،‬فنعلم أن واحدا مينهم ‪-‬‬
‫ثم دخل اآلخرون‬ ‫األول ‪ -‬قد خالف مهذا الرشط ودخل هنفسه‪ّ ،‬‬ ‫وهو ّ‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫وراءه هعد حتقق الرشط‪ .‬وما حنن فيه كذلك‪ ،‬فنفهم أن هناك موجودا‬
‫ّ‬ ‫ّا‬
‫ٌء‪ ،‬وهيو العلية األو‬ ‫أوص قد دخل الوجود دون أن يكيون قبليه‬
‫ملهذا العالم‪ّ ،‬‬
‫ثم صدر عنه سائر املوجودات هالّتيب‪.‬‬

‫ّ‬
‫القوة والفعل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الفلسفية ّ‬
‫ّ‬
‫اهلامية يه ميا اكتشيفه احلكمياء مين أن‬ ‫من املسائل‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫اليشء ّ‬
‫هالقوة أو موجود هالفعل‪.‬‬ ‫إما موجود‬
‫ّ‬
‫شيأنية الوجيود‪ ،‬أي وجيود اسيتعداده يف‬ ‫ّ‬
‫هالقوة هو‬ ‫ومعىن الوجود‬
‫ّ‬
‫املادة القاهلية هل‪ ،‬كوجيود الشيجرة يف ابليذرة‪ ،‬أو وجيود الطيائر يف‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................24‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ابليضة‪.‬‬
‫ّ‬
‫اصسيتعدادي‪ ،‬وهيو‬ ‫وهذا اصستعداد ّ‬
‫يسميه احلكمياء هياإلماكن‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مقتىض قانون العل ّية‪ ،‬حيث يمثل مهذا اصستعداد العلة املاديّة لوجود‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫خصوصيية اليشيء‬ ‫السنخية‪ ،‬إذ يمثل‬ ‫اليشء‪ ،‬وأيضا مقتىض قانون‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫اااصة هه؛ وّلليك جنيد‬ ‫هويته الوجوديّة‬
‫واستعداده اّلا ّ تلحصيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن شجرة اتلفاح ص ارج إص من هيذرتها‪ ،‬ص مين هيذرة الاتقيال‪،‬‬
‫ا‬
‫وطائر احلمام من هيضته ص من هيضة الغراب مثًل‪.‬‬
‫ّ‬
‫الطبيعييية‪ ،‬واتلمييايٌ‬ ‫فاتلمييايٌ انلييو ّ املوجييود هييني األنييوا‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشخصي ّي هني أفراد لك نو ٍ إنما هو معلول صختًلف اصستعدادات‬
‫ّ‬
‫الشخصية‪.‬‬ ‫هويتها‬‫اااصة هها‪ ،‬املستلٌم اختًلف حقائقها أو ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫اصسيتعدادي لييس إص‬ ‫واألمر اجلدير هاّلكر هنا أن مهذا اصماكن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫قاهًل ّ ا‬
‫هفاعيل هل كميا يتيوهم املياديّون‬ ‫ٍ‬ ‫وليس‬ ‫‪،‬‬‫اااص‬ ‫للوجود‬ ‫ا‬‫وممّي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حيثية اصستعداد والقبول يه حيثيية الفقيدان‪ ،‬ص‬ ‫وامللحدون؛ ألن‬
‫الوجييدان‪ ،‬وفاقييد الش يييء ص يعطيييه‪ ،‬فالشييجرة أو الطييائر مييري‬
‫ٌ‬
‫واضيح هالترشييح‬ ‫موجودين يف ابلذرة أو ابليضة هالرضورة‪ ،‬وهو ٌ‬
‫أمر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القطعية‪ ،‬وباتلايل فإن حصوهلما للبذرة أو ابليضة‬ ‫احلس ّية‬
‫واملشاهدة ّ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إنما يكون مين علية وجودهميا املغيايرة هلميا‪ ،‬ويه العلية اإلهل ّيية‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سيتبني هعد ذلك‪.‬‬ ‫العقلية كما‬ ‫هالرضورة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬الرؤية الكونية العقلية ‪.......................... 25 ............................ ................................‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬


‫الفّيييائيون مين سشيوء العيالم‬ ‫وبناء عليه‪ ،‬فلك ما يبحث عنيه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتطوره‪ ،‬من أمثال داروين ودو يز وستيفن هو نج ومريهم‪ ،‬إنما هو‬
‫واتلطيور‪ ،‬ص هعلّتيه ّ‬
‫ولم ّيتيه الوجوديّية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هكيفيية النشيوء‬
‫ّ‬
‫مث يتعلق‬
‫ٌ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تفياعًلت‬
‫ٍ‬ ‫جينيي ٍة أو‬ ‫طفيرات‬
‫ٍ‬ ‫الفاعلة‪ ،‬ولك ماحاولوا توجيهيه مين‬
‫ّ‬
‫كهرومغناطيسي ٍة‪ ،‬تلاير حصول اليشيء مين‬ ‫موجات‬ ‫ّ‬
‫كيميائي ٍة‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬
‫ّ ٌ‬ ‫ّ ّ‬
‫الًل ء‪ ،‬فهو ص يسمن وص يغن من جو ٍ ؛ ألنها لكها يه معيدات‬
‫ّ‬ ‫ّ ٌ‬
‫إلعداد القاهل‪ ،‬ومقيدمات إلفاضية الشيييء مين علتيه الفاعلية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫وليست هنفسها فاعلة وموجدة لليشء؛ ألن فاقد الشييء صيعطيه‪،‬‬
‫ّا‬ ‫م‬
‫جيدا‪.‬‬ ‫فافهم ذلك‬

‫الممكن والواجب‪:‬‬
‫هأي وصف ن‪ّ ،‬‬
‫إما أن يكون مهذا الوصيف‬ ‫ٍء ّ‬ ‫إن اتّصاف ّ‬
‫أي‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫من ّ‬
‫ذاتياته اثلاهتة هل‪ ،‬فهو واجب اثلبوت هل‪ ،‬مثل اتصياف ابليياض‬
‫ّ‬
‫األهيضية‪ ،‬أي أهيض هالضييرورة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫هاألهيضية‪ ،‬فنقول ابلياض واجب‬
‫ّ‬
‫أو اتصاف اجلسم هاصمتيداد‪ ،‬فنقيول اجلسيم واجيب اصمتيداد‪ ،‬أو‬
‫اإلحراق للنار‪ ،‬فنقول انلار واجبة اإلحراق‪ ،‬م‬
‫وهذا الوصيف اّلا ّ ص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حيتاج إ عل ٍة ثلبوته ملوضوعه؛ ألن نفس موضوعه هو علية ثبوتيه‬
‫نلفسه‪.‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................26‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ا‬ ‫و ّ‬
‫مما أن يكون الوصف اعرضا مريباا ىلع املوضو ‪ ،‬فيكون ممكن‬
‫ّ‬
‫اثلبوت هل‪ ،‬مثل اتصاف املاء هاحلرارة‪ ،‬فنقول املاء حار هاإلماكن‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ابليديه‬ ‫اتصاف اجلسم هاحلر ة‪ ،‬فنقول اجلسم ممكن احلر ة‪ ،‬ومين‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫ّ‬
‫العرضيية تفتقير إ علي ٍة‬ ‫أن اتصاف األشياء همثل مهيذه األوصياف‬
‫ٍّ ّ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خارجي ٍة؛ م‬
‫عريض معليل‪ ،‬فاملياء حيتياج إ‬ ‫ولهذا يقول احلكماء لك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫مثًل يلكون ًّ‬
‫يلحركيه مين‬ ‫حمير ٍك‬ ‫حارا‪ ،‬أو اجلسيم حيتياج إ‬ ‫انلار‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ ا‬
‫جلاذهية‪ ،‬أو إراديًّا إلسسان‪.‬‬ ‫طبيعيا‬ ‫ٌ‬
‫سواء ن حمر‬ ‫خارج‪،‬‬‫ٍ‬
‫ّ‬
‫املنطقيية يف مباحيث‬ ‫وقد استفاد الفًلسيفة مين مهيذه القاعيدة‬
‫الوجود‪ ،‬حيث نظروا يف اتّصاف األشياء هيالوجود‪ّ ،‬‬
‫فقسيموا األشيياء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العريض هالوجود‪ ،‬إ واجبة الوجود وممكنية‬ ‫مسب اتصافها اّلا ّ أو‬
‫الوجود‪.‬‬
‫ّ‬
‫فالواجب الوجود هو الشييء اّلي يكيون الوجيود ًّ‬
‫ذاتييا هل‪ ،‬فيًل‬
‫حيتاج إ مريه يلعطيه الوجود‪ ،‬وقد جعلوا مصداقه ابلاري ‪ -‬تعيا‬
‫‪ -‬مبدأ سائر املوجودات كما سيأ هيانه‪.‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأما املمكن الوجود فهو الشييء اّلي يكون الوجيود اعرضيا ىلع‬
‫ّ‬
‫ا‬
‫معيىن ميري الوجيود‪،‬‬ ‫ذاته كسيائر اّلوات يف مهيذا العيالم‪ ،‬إذ إن هل‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ا‬
‫معدوما‪ ،‬هل هو‬ ‫سواء ن موجودا أو‬ ‫فاإلسسان مثًل إسسان يف نفسه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫معىن مستقل عن الوجيود‪ ،‬فيالوجود اعرض ىلع ذاتيه‪ ،‬فيحتياج إ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬الرؤية الكونية العقلية ‪.......................... 27 ............................ ................................‬‬

‫ّ‬
‫مريه يف اصتصاف هالوجود‪.‬‬
‫ّ‬
‫الفلسيفية‬ ‫الكمايلة‪ :‬وهو من ّ‬
‫أهم املطاليب‬ ‫ّ‬ ‫املبدأ اإلل م ّ‬
‫يه وصفاته‬
‫عند احلكماء وأرشفها‪.‬‬
‫دة ىلع إثبات وجود املبدإ اإلل م ّ‬
‫ييه‪،‬‬
‫ّ ا‬
‫وقد أقام احلكماء هراهني متعد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والسنخية‪.‬‬ ‫ترجع مجيعها يف حقيقتها إ قانون العل ّية‬

‫برهان النظم‪:‬‬
‫ّ‬
‫الكون‬ ‫أو ما ّ‬
‫يسب هاهان العناية أو الاهان‬
‫ا‬ ‫ّ ا‬ ‫ا‬ ‫ٌّ ّ‬ ‫ّ ٌ‬ ‫ّ‬
‫هيديعا‬ ‫نظاما معقدا‬ ‫ّتريبية)‪ :‬إننا سشاهد‬ ‫لحس ّية‬ ‫املقدمة األو‬
‫ٌ‬ ‫ا ّ ا‬
‫سواء داخل وجيود اإلسسيان نفسيه‪ ،‬أو خارجيه يف‬ ‫مطردا‪،‬‬ ‫منسجما‬
‫اعلم الطبيعة املحيط هيه‪ ،‬أو يف العًلقيات املوجيودة املتبادلية هينهيا‬
‫ا‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫املطرد ص يمكن أن يكون اتّ ًّ‬
‫فاقيا‬ ‫لعقلي ٌة)‪ :‬انلظام ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املقدمة اثلانية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أو ناشئاا من الصدفة العمياء؛ إذ إنّه ا‬
‫والسنخية‬ ‫هناء ىلع قانون العل ّية‬
‫ّ‬ ‫ص لرج انلظام هنحو ّ‬
‫اعقيل‬
‫ٍ‬ ‫مطر ٍد من الًل نظام‪ ،‬هل حيتاج إ منظ ٍم‬ ‫ٍ‬
‫وراء مهذا العالم‪.‬‬
‫ّ‬
‫املنظم العاقيل ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬
‫إميا أن يكيون هيو‬ ‫لعقلية)‪ :‬مهذا‬ ‫املقدمة اثلاثلة‬
‫األول ا‬
‫منعا للتسلسل‪ ،‬وهو املطلوب‪.‬‬ ‫األول‪ ،‬أو ينتيه إ املبدأ ّ‬ ‫املبدأ ّ‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................28‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫برهان اإلمكان‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ّ‬
‫لعقلية)‪ :‬حنن عندما حنلل األشياء يف مهذا العيالم‬ ‫املقدمة األو‬
‫ّ‬
‫ذوات يف نفسها ميري كونهيا موجيودة‪ ،‬وباتليايل‬
‫ٍ‬ ‫هعقونلا‪ ،‬جند أن هلا‬
‫ٌ‬
‫فالوجود اعرض عليها كعروض احلر ية ىلع اجلسيم‪ ،‬وباتليايل فييه‬
‫ّ‬
‫أن الوجود ليس ًّ‬
‫ذاتيا هلا‪.‬‬ ‫ممكنة الوجود‪ ،‬همعىن‬
‫ّ‬ ‫ٌّ‬
‫اعرض ىلع الشييء‪ ،‬حيتياج‬ ‫ٍ‬ ‫وصف‬
‫ٍ‬ ‫لعقلية)‪ :‬لك‬ ‫املقدمة اثلانية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اليشء صتصافه هه إ الغري‪ ،‬كما سبق وأن هيّنا‪ ،‬فاألشياء يف اتصافها‬
‫ارج عنها‪.‬‬
‫سبب مريها خ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫هالوجود حتتاج إ‬
‫ّ‬
‫اااريج اّلي أعطاها الوجيود‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫إميا‬ ‫ّ‬ ‫املقدمة اثلاثلة‪ :‬مهذا السبب‬
‫ذاتيا هل‪ّ ،‬‬
‫ومما أن يكون‬ ‫أن يكون واجب الوجود‪ ،‬همعىن كون الوجود ًّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫أيضا ممكن الوجود حيتاج إ مريه يف الوجود؛ فًل هيد وأن ينيتيه إ‬
‫واجب الوجود هذاته ا‬
‫دفعا للتسلسل املحال‪.‬‬
‫امتياز مهذا الاهان‪ :‬مهذا الاهان يمتاز عين ميريه مين الااهيني‬
‫وصيف‬
‫ٍ‬ ‫حمضيا‪ ،‬ويثبيت املبيدأ اإلل م ّ‬
‫ييه هأفضيل‬
‫ا‬ ‫ًّ‬
‫عقليا‬
‫ا‬
‫هكونه هرهانا‬
‫يتناسب مع شأنه املتعايل‪ ،‬وهو كونه واجب الوجود ّلاته هذاته‪ّ ،‬‬
‫مما‬
‫ّ‬
‫الكمايلة كميا سييأ يف املطليب‬ ‫يسهل األمر يف معرفة سائر صفاته‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫الًلحق؛ ألن معىن كونه كذلك هو أن تكون مجيع صفاته و ماصتيه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬الرؤية الكونية العقلية ‪.......................... 29 ............................ ................................‬‬

‫ّ‬
‫الوجوديّة يه عني ذاته‪ ،‬كما أن وجوده عني ذاته‪.‬‬
‫ههذا الوصيف لواجيب‬ ‫أن معرفة املبدإ اإلل م ّ‬
‫يه م‬ ‫ّ‬
‫مهذا هاإلضافة إ‬
‫حيل الشبهة القديمة اجلديدة الّي طامليا ّ‬
‫تمسيك ههيا‬
‫ّ‬
‫الوجود ّلاته)‬
‫ّ‬
‫املاديّون وامللحدون‪ ،‬من أمثال هرتراند رسيل‪ ،‬وريتشيارد دو ييز‪،‬‬
‫ّ‬
‫وهو أنه إن ن اهلل ‪ -‬تعا ‪ -‬قد خلق العالم‪ ،‬فمن خلق اهللل‪)1‬؟!‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واجلواب هكل بساط ٍة أن السؤال عين علية الوجيود إنميا تكيون‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫لألشياء اليت يعرضيها الوجيود‪ ،‬كميا يف مهيذا العيالم‪ ،‬حييث إن لك‬
‫وأما اليشء ّاّلي يكيون الوجيود ذ ًّ‬
‫اتييا هل‪،‬‬ ‫عريض معلّ ٌل كما ذكرنا‪ّ ،‬‬
‫ٍّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فًل معىن للسؤال عن علة وجوده؛ ألن اّلا ّ ص يعلل‪ ،‬كميا أنيه ص‬
‫ّ‬
‫أهيضية ابلياض أو زوجية األربعة‪.‬‬ ‫معىن ألن سسأل عن سبب‬
‫ا‬
‫هنياء ىلع إثبياتهم للبياري‬ ‫وقد أثبت احلكماء هعقوهلم القويمة ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هكونه واجب الوجود هذاته ‪ -‬أن هل لك الكماصت الوجوديّة من ذاته‪،‬‬
‫من الوحدة‪ ،‬العلم‪ ،‬والقيدرة‪ ،‬واحلكمية‪ ،‬واتليدهري‪ ،‬وباتليايل فهيو‬
‫ّ‬
‫املوجود الاكمل من لك اجلهات‪.‬‬

‫م‬
‫ل‪ )1‬دو يز‪ ،‬وهم اإلهل‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................30‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫حقيقة اإلنسان‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫أهيم املعيارف‬ ‫إن معرفة اإلسسان حقيقة نفسه معرفية تعيد مين‬
‫وأرشفها يف مهذه احلياة؛ إذ إنّها تنعكس ّ‬
‫هقيو ٍة ىلع معرفتيه هفلسيفة‬
‫ّ‬
‫احلقيقيية املنسيجمة ميع‬ ‫وجوده يف مهذا العالم‪ ،‬وتشخيص كماصتيه‬
‫ّ‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫اّلاتية؛ وّللك تسيلط الضيوء ىلع أخًلقيه وسيلو ه ونميط‬ ‫طبيعته‬
‫ّ م‬
‫حياته يف مهذه ادلنيا‪ ،‬وفوق لك ذلك مصريه هعد املوت‪.‬‬
‫ّ ا‬
‫أهم ّية قصوى ملهذه‬ ‫وقد أو الفًلسفة واحلكماء منذ قديم الٌمان‬
‫ّ‬
‫الفلسو‪ ،‬وأثبتوا عن‬ ‫املسألة‪ ،‬ومثوا عنها هاتلفصيل يف علم انلفس‬
‫ّ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مردة عين‬ ‫اإلسسانية‬ ‫عقلي ٍة متعدد ٍة أن انلفس واّلات‬ ‫طريق هراهني‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إدراكية وحر ّية تدهّر هها ابلدن املادي‪ ،‬اّلي هيو‬ ‫ّ‬ ‫قوة‬ ‫املادة‪ ،‬وأن هلا‬
‫م‬
‫اإلسسانية يف مهذه احلياة‪ ،‬وذلك عن طريق‬
‫ّ‬ ‫مرد آل ٍة صستكمال انلفس‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تؤمن ّ‬‫واملو واألعصاب الّيت ّ‬ ‫ّ‬
‫العقلية ‪ -‬اليت يه‬ ‫للقوة‬ ‫اجلوارح اامس‬
‫ّ‬
‫أرشف القوى اإلسسانية ‪ -‬مجيع ميا حتتاجيه مين العليوم واملعيارف‬
‫الرضورية‪ ،‬مهذا هاإلضافة إ تمكني انلفس مين حتصييل الفضيائل‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫اصختيارية‪ ،‬وسيوف‬ ‫األخًلقية املختلفة عن طريق األفعال‬ ‫ّ‬ ‫وامللاكت‬
‫م‬
‫سشري هاختصار إ هعض هذه الااهني هما يتناسب مع ابلحث هنيا‪،‬‬
‫ومن أراد اتلفصيل فلرياجع ميوث عليم انلفيس الفلسيو لكبيار‬
‫ّ ل‪)1‬‬
‫م‬
‫الفًلسفة اإلهليني ‪:‬‬

‫ل‪ )1‬اهن سينا‪ ،‬نفس الشفاء‪ ،‬ص ‪.288‬‬


‫حقيقة اإلسسان‪.......................... 31 .............. ................................ ................................ :‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫ّ‬
‫املجردة عن امليادة‪،‬‬ ‫العامة‬ ‫األول‪ :‬أن إدراك املعاين ال ّية‬
‫الاهان ّ‬

‫حلر ّيية والعدالية‪ ،‬ص يمكين أن يكيون‬ ‫ّ‬ ‫ومري القاهلية لًلنقسيام‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫ّ‬
‫مرد عين‬ ‫موضوعها ماديًّا قاهًل لًلنقسام‪ ،‬إذن فموضوعها املدرك هلا‬
‫ّ م‬
‫املادة كذلك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أن اإلسسييان مي ٌ‬‫ّ‬
‫يدرك ّلاتييه‪ ،‬ودليييه و ٌ مييل‬ ‫الاهييان اثليياين‪:‬‬
‫ّ‬
‫هإدرا ته وانفعاصته املختلفة‪ ،‬ص آللية احلاسيبة الييت تعميل هيًل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫و ‪ ،‬م‬
‫للمجرد مري املاد ّي؛ ألن العلم هو حضيور‬
‫ّ‬ ‫وهذا ص يكون إص‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫املجردة قائمة هنفسها ص هاملادة‪ ،‬فيه حارضة‬ ‫املعلوم للعالم‪ ،‬وانلفس‬
‫ّ‬ ‫هنفسها نلفسها‪ ،‬م‬
‫وهذا معىن العلم هاّلات‪ ،‬وهو األمر اّلي لم يفهمه‬
‫ّ‬
‫املاديّون وامللحدون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العقلية تشتد مع تقدم العمير‪ ،‬إص أن‬ ‫الاهان اثلالث‪ :‬أن القوى‬
‫ّ‬
‫همرض يتلفه‪ ،‬واجلسم يضعف هميرور‬ ‫ٍ‬ ‫يصاب ادلماغ اّلي هو آتلها‬
‫ّ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫العمر‪ ،‬م‬
‫وهذا ديلل ىلع كون العقل مري اجلسيم املياد ّي اّلي يتقيادم‬
‫ويصاب هالشيخوخة‪.‬‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫الاهان الراهع‪ :‬لو ّ‬
‫تصور اإلسسان نفسه قد خوجد دفعية واحيدة يف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫هيواء أو صيوت أو را ية‪ ،‬وهيو مغميض‬ ‫مظلم‪ ،‬لييس فييه‬
‫ٍ‬ ‫فضا ٍء‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................32‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العينني‪ ،‬ومفرج األطيراف‪ ،‬مييث ّ‬


‫حواسيه ااميس‪،‬‬ ‫تتعطيل لك‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫موجيود)‪ّ ،‬‬ ‫م‬
‫مميا ييدنلا‬ ‫فنجده مع ذلك يدرك وجود ذاته‪ ،‬ويقول‪ :‬لأنا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلسسانية للبدن املاد ّي‪.‬‬ ‫ىلع مباينة انلفس‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫يني أن حقيقيية اإلسسييان إنمييا يه هروحييه ونفسييه‬ ‫وميين هنييا يتبي‬
‫ّ‬
‫املجردة‪ ،‬ص مسمه املاد ّي الٌائل‪.‬‬‫ّ‬

‫المعاد‪:‬‬

‫اعقيل يف مهيذا‬ ‫سيان‬ ‫إس‬ ‫أهم املسائل الّييت تشيغل هيال ّ‬


‫أي‬ ‫وهو من ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫إسسان يف مهيذه احليياة‪ ،‬ص‬
‫ٍ‬ ‫احلتيم للك‬ ‫العالم؛ إذ إن املوت هو املصري‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫مؤمن أو ملحد‪ ،‬فيبىق السؤال عين وجيود حييا ٍة هعيد‬ ‫يشك يف ذلك‬
‫املصريية الّيت ص يمكن لإلسسان أن ّ‬
‫يمير‬ ‫ّ‬ ‫املوت أو عدمها من األسئلة‬
‫ًّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حتميا ىلع سيلوك‬ ‫تأثريا‬ ‫عليها مرور الكرام؛ ألن اجلواب عليه يؤثر‬
‫اإلسسان يف مهذا العالم‪ّ ،‬‬
‫وشتان هني حياة من يرى ادلنييا دار امتحيان‬
‫ّ‬
‫حساب وجٌاءٍ‪ ،‬وبني من ص يرى يف املوت‬
‫ٍ‬ ‫ملا هعدها‪ ،‬وأن اآلخرة دار‬
‫ّ‬
‫إص العدم والفناء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫وقد أثبت الفًلسفة وجود املعاد أيضا هااهني متعيدد ٍة سشيري إ‬
‫هعضها‪:‬‬
‫املعاد‪.......................... 33 ............................. ................................ ................................ :‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الاهان األول‪ :‬هو ّ‬


‫املجيرد ص‬ ‫اإلسسانية‪ ،‬وأن املوجود‬ ‫ّترد انلفس‬
‫ّ‬
‫يفىن وص يتحلل‪ ،‬وباتلايل فهو يبىق هعد انفصاهل عن ابلدن هاملوت‪.‬‬
‫ٌ‬
‫الاهان اثلاين‪ :‬لو لم تكن هناك حياة هعيد امليوت‪ ،‬لياكن اايالق‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫وظالما القه؛ إذ إننا سشاهد يف مهيذه احليياة القصيرية تفياوت‬
‫ا‬ ‫اعهثا‬
‫ّ‬
‫الصحة واملرض‪ ،‬والغىن والفقر‪ ،‬واملظالم واملفاسيد‬ ‫أحوال انلاس يف‬
‫املختلفة‪ ،‬فهناك اإلسسان املؤمن الصالح املطيع هلل‪ ،‬وهناك اإلسسيان‬
‫امللحد والعايص‪ ،‬وهناك اإلسسان الصادق وانليافع للنياس‪ ،‬وهنياك‬
‫ٌ‬
‫الاكذب واملخاد والظالم للناس‪ ،‬فلو لم تكن هناك حياة هعد امليوت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يثاب فيها املحسن‪ ،‬ويعاقب فيه املسييء‪ ،‬ويسيّد املظليوم حقيه‪،‬‬
‫ّ‬
‫عوض فيها الفقراء واملرىض ىلع لك ما اعنوه يف مهذه احليياة ادلنييا‪،‬‬ ‫خ‬
‫وي ّ‬
‫ّ‬
‫لاكن لك مهذا الوجود الكبيري واتلصيميم العظييم‪ ،‬والعنايية الفائقية‬
‫هوجود اإلسسان‪ ،‬وتسخري ما يف األرض والسماء حلياته يف مهذا العالم‪،‬‬
‫م ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫ّ‬
‫هٌيل ٍة‪ ،‬ولكنا قد أثبتنا حكمة ااالق‬ ‫مرسحي ٍة تراجيديّ ٍة‬ ‫ّ‬
‫ومرد‬ ‫عبثا‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫وعداتله ولطفه وعنايته‪ ،‬فًل هد أن تكون هناك حياة هعد املوت ينال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فيها اإلسسان لك ما يستحقه ىلع أحواهل وأعماهل يف مهذا احلياة‪.‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................34‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ثالثًا‪ :‬النظام األخالقيّ العقليّ‬


‫ّ‬
‫ٌ‬
‫سواء‬ ‫يل يف مهذه احلياة‪،‬‬
‫إن أخًلق اإلسسان يه مبادئ سلو ه العم ّ‬
‫مع نفسه أو يف تعامله مع اآلخرين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫وجداني ٍة‪ ،‬يه‪:‬‬ ‫عقلي ٍة‬ ‫أصول‬
‫ٍ‬ ‫وفلسفة األخًلق قائمة ىلع ثًلثة‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أن اإلسسان ٌ‬ ‫ّ‬
‫فتار‪ ،‬ص يفعل إص ما يشاء‪.‬‬ ‫ئن‬
‫ٌ‬
‫طالب ا‬ ‫ّ‬
‫دائما للكمال املوجب لسعادته‪.‬‬ ‫أنه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اصختيارية‪.‬‬ ‫أنه يمكنه أن حيصل كماهل املنشود هأفعاهل‬
‫ّ ّ‬ ‫خ ّ‬ ‫م‬
‫اّلاتيية الييت‬ ‫يل حتكمه مبادئ تمثل منطلقاته‬ ‫وهذا السلوك العم ّ‬
‫تعني طبيعة مهذا السلوك ومساراته املختلفة يف مهذه احلياة‪.‬‬‫ّ‬
‫اإلسساين‪ ،‬هيو ميا ّ‬
‫يهمنيا‬ ‫ّ‬ ‫وابلحث حول مبادئ السلوك األخًل ّ‬
‫م‬
‫ّ‬
‫أهيم‬ ‫هاختصيار‬
‫ٍ‬ ‫ويعنينا يف مهذا الفصل؛ ل سستخلص منه هعد ذلك‬
‫مبحث يف فلسفة األخيًلق‪ ،‬وهيو معرفية املعييار الصيحيح للفعيل‬
‫ٍ‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫األخًل ّ ؛ ح ّ نتمكن أن حنكيم ىلع كيون مهيذا الفعيل حسينا أو‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫قبيحا‪ ،‬ومن اجلدير هاّلكر أن معرفة اجلواب الصحيح هل أكا األثير‬
‫يف تعيني مسري اإلسسان ومصريه يف مهذه احلياة ادلنيا وما هعدها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫واملبدأ ّ‬
‫اصختيياري هيو مبيدأ‬ ‫األول من مبادئ الفعيل األخيًل ّ‬
‫ّ‬
‫عليم‪ ،‬وهو معرفة الكمال‪ ،‬أي أن مهذا الفعل فيه كميال لإلسسيان‪،‬‬
‫فإذا أدرك اإلسسان مهذا الكمال‪ ،‬اشتاق إ حفظه أو حتصيله‪ ،‬م‬
‫وهذا‬
‫ثاثلاا‪ :‬انلظام األخًل ّ العق ّ‬
‫يل ‪.......................... 35 ........................... ................................‬‬

‫ّ‬
‫يمثل املبدأ اثلاين‪ ،‬فإذا اشتاق إيله‪ ،‬ولم يكن هناك ٌ‬
‫مانع مين‬ ‫الشوق‬
‫ّ‬
‫حتصيله‪ ،‬انبعثت إرادتيه اجلديّية تلحرييك العضيًلت حنيو الفعيل‬
‫ّ‬
‫املحصل للكمال املطلوب‪ ،‬أو دفع ما يمنع حصوهل‪ ،‬فياإلرادة تمثيل‬
‫ّ‬
‫اصختياري‪.‬‬ ‫املبدأ اثلالث من مبادئ الفعل‬
‫ّ‬
‫ومن الواضح أن الفعل احلسن ليس ما ييراه اإلسسيان مناسيباا هل‬
‫ّ‬ ‫ٍّ‬
‫شخيص ىلع اإلطًلق‪ ،‬ومص صنتىلع احلسن والقيبح الواقعييان‪،‬‬ ‫هنحو‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫وعمييت الفييوىض وانتفييت احلاجيية إ القييانون واألخييًلق‪ ،‬هييل‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫وبدن‪ ،‬ص ألنه‬
‫ٍ‬ ‫هو ما يكون مناسباا هل يف الواقع هوصفه إسسانا ذا ٍ‬
‫روح‬
‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫حيوان فقط‪ ،‬وأن يكيون ا‬ ‫ٌ‬
‫ضيار لغيريه‬ ‫نافعيا أيضيا أو ص أقيل ميري‬
‫ري؛ ألنّهييم ّ‬
‫يتمتعييون هيياحلقوق نفسييها‬ ‫ميين أفييراد املجتمييع البشيي ّ‬
‫الّيت ّ‬
‫يتمتع هو هها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن اجلدير هياّلكر ‪ -‬و ميا سيبق وأن أرشنيا ‪ -‬فيإن تشيخيص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكمال املناسب لإلسسان يف الواقع إنما يتوقف ىلع تشخيص الرؤيية‬
‫ّ‬
‫الواقعية عن حقيقة اإلسسان‪ ،‬ومبدئه ومنتهياه‪ ،‬والفلسيفة‬ ‫ّ‬
‫الكونية‬
‫ّ ّ‬
‫ّ‬
‫الكونية‬ ‫الوجوديّة للحياة يف مهذا العالم‪ ،‬وبيّنا أن تشكيل مهذه الرؤية‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫املينطٍّ‬ ‫تتحقق إص من خًلل اتلفكيري العقي ّ‬
‫يل‬ ‫الواقعية ص يمكن أن‬
‫ّ‬
‫ابلدهية‪ ،‬ص اتلفكري املبتين ىلع‬ ‫ّ‬
‫الفطرية‬ ‫ّ‬
‫العقلية‬ ‫املبتن ىلع املبادئ‬
‫ّ‬
‫الشخصيية‪ ،‬إذن معييار‬ ‫الظنون واألوهام واألعراف واصستحسانات‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................36‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ا‬ ‫ًّ‬
‫عقًلنييا‪ ،‬أي منطلقيا مين األحياكم‬ ‫احلسن األخًل ّ هو أن يكون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الواقعية‪ ،‬اليت ترا مجيع األهعياد‬ ‫الكونية‬ ‫املنطقية والرؤية‬ ‫العقلية‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واملعنوية؛ ل ص يظليم اإلسسيان نفسيه‪ ،‬و يذلك‬ ‫اإلسسانية املاديّة‬
‫تييرا كميياصت اآلخييرين ومشيياعرهم‪ ،‬ح ي ّ ص يظلييم اإلسسييان‬
‫ّ‬
‫الاهياين يف‬ ‫مريه‪،‬وم هنا نكون قد انتهينا من هييان املينهج العقي ّ‬
‫يل‬
‫ّ‬
‫الكونيية‪ ،‬ونظاميه األخيًل ؛ نلنتقيل هعيدها إ‬ ‫اتلفكري‪ ،‬ورؤيته‬
‫الفكريية ىلع مهيذه املسيتويات‬
‫ّ‬ ‫استكشاف نظر امللحيدين وآرائهيم‬
‫ّ ّ‬
‫اثلًلثة؛ ليىى ميدى مطاهقتهيا للعقيل والعقًلنيية الييت ييدعون‬
‫ا‬
‫اصنتساب إيلها هديًل عن ادلين‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬المنهج المعرفيّ للملحدين‬

‫املتتبع لوم رموز امللحدين من أمثال هيوم‪ ،‬ورسل‪ ،‬وريتشيارد‬ ‫ّ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دو يز‪ ،‬وستيفن هو نج‪ ،‬ييدرك هكيل سيهول ٍة أنهيم ص يؤمنيون إص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هاملنهج ّ ّ‬
‫اتلجرييدي‪،‬‬ ‫اتلجرييب‪ ،‬ويتنكيرون للمينهج العقي ّ‬
‫يل‬ ‫احلّس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هييان فتصيي ٍر‬
‫ٍ‬ ‫يل‪ ،‬ومن هنا حنتاج إ‬ ‫يمثل حقيقة املنهج العق ّ‬ ‫اّلي‬
‫ّ‬
‫نلتعرف من خًلهل ىلع‬ ‫ّ‬
‫املعرفية‬ ‫صًلحية املنهج ّ ّ‬
‫احلّس‪ ،‬وحدوده‬ ‫ّ‬ ‫عن‬
‫ّ‬
‫الاهياين‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الفلسيو‬ ‫ّ‬
‫العليم هاملنهج العقي ّ‬
‫يل‬ ‫مدى ارتباط مهذا املنهج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأنه ص يمكن انفصاهل عنه‪ ،‬كما يتوهم امللحدون‪.‬‬
‫ّ‬
‫املعريف للملحدين ‪.......................... 37 ........................ ................................‬‬
‫ا‬
‫راهعا‪ :‬املنهج‬

‫ّ‬
‫المعرفية‬ ‫ّ‬
‫التجريبي وحدوده‬ ‫ّ‬
‫الحس ّي‬ ‫ّ‬
‫صالحية المنهج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫اتلجيرييب اّلي تعتميد‬ ‫احلسيي ّي‬ ‫إذا أردنا أن حنلل طبيعة املنهج‬
‫هنحيو‬ ‫ّ‬
‫وابليولوجية ومريهيا‬ ‫ّ‬
‫والكيميائية‬ ‫ّ‬
‫الفّييائية‬ ‫عليه ايلوم العلوم‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬
‫صيًلحيته‬ ‫وأسايس‪ ،‬من دون أن يدر وا ‪ -‬لألسف ‪ -‬فلسيفته أو‬ ‫ٍّ‬
‫ّلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أساسيني‪:‬‬ ‫العلمية‪ ،‬فسنجد أنه يقوم ىلع ر نني‬ ‫وحدوده‬
‫الطبيعية‪ ،‬أي تكرار‬ ‫ّ‬ ‫احلس ّية للظواهر‬‫ّ‬ ‫األول‪ :‬هو تكرار املشاهدة‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫ظيروف فتلفي ٍة؛ وذليك مين أجيل‬ ‫ٍ‬ ‫صدور األثر من امليؤثر‪ ،‬حتيت‬
‫ّ‬ ‫استبعاد األسباب اصتّ ّ‬
‫فاقيية ااارجية عين طبيعية امليؤثر‪ ،‬ومحيراز‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اّلاتية هني األثر واملؤثر‪.‬‬ ‫العًلقة‬
‫أن األثر اصتّفيا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يل يف‬‫اثلاين‪ :‬هو اصعتماد ىلع قانون العل ّية العق ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫وبضيم هياتني املقيدمتني إ هعضيهما‬ ‫أكرثييا‪،‬‬ ‫دائميا وص‬ ‫ص يكون‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫ابلعض نصل إ نتيجة أن مهذه الظاهرة معلولة ّلات العلة هاّلات‪،‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫وباتلايل نتمكن من تعميم مهذه انلتيجة يف املستقبل هنحو ٍّ‬
‫ّلك‪ ،‬فمثًل‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا ّا‬ ‫الطب ّية‪ ،‬عندما ّ‬
‫يف اتلجارب ّ‬
‫معينيا يفيّض أنيه يسيكن‬ ‫جنرب دواء‬
‫ظروف فتلفي ٍة ىلع اّلكيور واإلنياث‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫الصدا ‪ ،‬فعندما ّ‬
‫جنربه حتت‬
‫ّ‬
‫وىلع الكبار والصغار‪ ،‬ويف لك األمكنة واألزمنة املختلفة‪ ،‬وجنده قد‬
‫عمل ىلع تسكني الصدا هالفعل ا‬
‫دائما أو يف أكرث األحيان‪ ،‬حنصيل‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................38‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ ّ‬


‫يقين هأن مهذا ادلواء مسيك ٌن ليلك صيدا ٍ يف املسيتقبل‬ ‫ىلع اعتقا ٍد‬
‫ّّ‬ ‫م‬ ‫ا‬
‫دائما أو يف أملب األحيان‪ ،‬وذلك هاصعتماد ىلع قانون العلية العق ّ‬
‫يل‪.‬‬
‫اتلجرييب أو ما ّ‬
‫ّ‬ ‫أن املنهج ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫يسمونه هاملنهج‬ ‫احلّس‬ ‫فمن الواضح إذن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫والوضيعيون‪،‬‬ ‫حس ًّيا حمضا كما يتوهم املياديّون‬
‫منهجا ّ‬ ‫ّ‬
‫العليم‪ ،‬ليس‬
‫ّ‬
‫عقليي ٍة حمضي ٍة‪،‬‬
‫ّ‬
‫حس ّي ٍة‪ ،‬ومقدم ٍة‬
‫مقدمة ّ‬ ‫ّ‬
‫ب من‬ ‫هل هو يف الواقع مر ّ ٌ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫العقليية املحضية‪ ،‬ميا ن‬ ‫ّ‬ ‫ويه أصل العل ّية‪ ،‬ولوص مهيذه القاعيدة‬
‫ّ ٌ‬
‫مسوغ عليم مينطٍّ إلعميام أحياكم اتلجربية املحيدودة إ‬ ‫عندنا‬
‫ّ‬ ‫املستقبل‪ ،‬م‬
‫وهذا هو منهج احلكماء‪ ،‬وليس األمر كما تيوهم علمياء‬
‫ّ‬
‫الغرب املحدثون أن أرسطو واحلكماء املاضيني نيوا يعتميدون ىلع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلأم ّ‬
‫الفّييائيية‪ ،‬وأنهيم ليم يكونيوا‬ ‫يل املحيض يف مبياحثهم‬ ‫العقل‬
‫ّ‬
‫الفّيييايئ املعياا‬ ‫احلس ّية! كميا ييٌعم العيالم‬
‫ّ‬ ‫يراعون املشاهدات‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫األرسطي يؤمن أيضا هأن امليرء‬ ‫ستيفن هو نج حينما يقول‪« :‬والّاث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يستطيع أن يستنبط لك القوانني اليت حتكم الكون هالفكر الرصيف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫اتلحقيق هواسيطة املشياهدة»ل‪ ،)1‬م‬ ‫ّ‬
‫افيّاء‬ ‫وهيذا‬ ‫الرضوري‬ ‫فليس من‬
‫ّ‬ ‫مق ّ‬ ‫عد ّ‬‫ّ خ ّ‬ ‫ٌ‬
‫الطبيعيات‪ ،‬كما تشهد‬ ‫مؤسس علم‬ ‫عظيم ىلع أرسطو اّلي ي‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫موجٌ للٌمان‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫ل‪ )1‬ستيفن هو نج‪ ،‬تاريو‬
‫ّ‬
‫املعريف للملحدين ‪.......................... 39 ........................ ................................‬‬
‫ا‬
‫راهعا‪ :‬املنهج‬

‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬


‫افّاء‬ ‫والطب‪ ،‬كما أنه‬ ‫هذلك كتبه يف علم الفلك وانلبات واحليوان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫الطب‪ ،‬ويعياجلون امليرىض‪،‬‬ ‫كبري ىلع احلكماء اّلين نوا يمارسون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلكية من الكسوف وااسوف‪ ،‬وهل نت لك‬ ‫ويتنبؤون هاألحوال‬
‫يل‪ ،‬دون املشياهدة‬‫مهذه العلوم واإلجنيازات همحيض احليدس العقي ّ‬
‫ّ‬
‫هتطور العليم وأدواتيه‬ ‫ّ‬
‫العلمية‬ ‫نظرياتهم‬ ‫ّ‬ ‫احلس ّية؟! وهل هطًلن هعض‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫جرييب‪ ،‬وهيل هطيًلن هعيض‬ ‫ديلل ىلع عدم اعتمادهم ىلع املنهج اتل‬
‫نظريات نيوتن ‪ -‬أيب الفّيياء احلديثة ‪ -‬يف الٌمان املطلق‪ ،‬أو هطًلن‬ ‫ّ‬
‫ٌ‬ ‫سسبية أينشتاين يف اعلم ما دون ّ‬
‫اّلرة‪ ،‬هو نتيجة لعدم اعتمادهم ىلع‬
‫ّ‬
‫اتلجرييب؟!‬ ‫املنهج‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫ولكن ‪ -‬ولألسف الشديد ‪ -‬فإن العلمياء املحيدثني يف الغيرب‪،‬‬
‫ّ‬
‫يل املحييض‪ ،‬واعتمييادهم ىلع اف‬ ‫هعييد تنكييرهم للميينهج العقيي ّ‬
‫ّ‬
‫احلس ّية والفروض الظن ّيية‪ ،‬أوقعيوا أنفسيهم يف مشي ٍة‬ ‫ّ‬ ‫املشاهدات‬
‫ّ‬
‫اتلجريبيية‪ ،‬هعيد إنكيارهم لقيانون‬ ‫ّ‬
‫كيفية إعمام انلتائج‬ ‫ّ‬
‫حقيقي ٍة يف‬
‫ّ‬
‫العل ّية ىلع يد أمثال دافيد هيوم‪ ،‬واكنيت و ونيت‪ ،‬ومين جياء مين‬
‫ّ‬
‫املنطقية وحلقية فيينيا وميريهم‪ ،‬مين‬ ‫ّ‬
‫الوضعية‬ ‫هعدهم من أصحاب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املشككني اّلين أحيوا رسوم الشك والسفسطة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وحنن هنا ص نريد أكرث من أن ننبههم ىلع مهذا ااطإ الفادح‪ ،‬وأنه‬
‫األو ّيلة املحضة‪ ،‬تفقد اتلجربة‬ ‫ّ‬
‫العقلية ّ‬ ‫هدون التسليم هتلك األحاكم‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................40‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬
‫العلمية‪.‬‬ ‫حج ّيتها‪ ،‬وصًلحيتها‬‫ّ‬
‫ا‬
‫أيضييا ىلع نكتية م ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫همي ٍة‪ ،‬ويه احلييدود‬ ‫ٍ‬ ‫ويف ااتييام نييود أن نؤ ييد‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫اتلجيرييب‪ ،‬أص وهيو أنيه حميدود ميدود‬ ‫ّ‬
‫العليم‬ ‫املعرفية ملهذا املنهج‬
‫ّ‬
‫احلواس اامس هارتباطها املبارش ميع ظيواهر‬ ‫ّ‬
‫اإلدراكية‪ ،‬ويه‬ ‫ّ‬
‫آيلاته‬
‫ّ‬
‫اعجٌ عين ّتياوز مهيذه الظيواهر املاديّية؛‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ااارجية‪ ،‬وهو‬ ‫األجسام‬
‫ّ‬
‫ابليولويج مين‬ ‫ّ‬
‫فّييايئ أو‬ ‫ّ‬
‫تكويني ٍة‪ ،‬فًل معىن لل‬ ‫ّ‬
‫واقعي ٍة‬ ‫لكونها حدود‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫فلسيفي ٍة كحقيائق األشيياء‬ ‫حيث هو كذلك أن يبحث عن مباحث‬
‫ّ‬
‫الكونيية للوجيود؛ لوقوعهيا يف‬ ‫وعللها ابلعيدة‪ ،‬أو أن يخفتينا هالرؤية‬
‫مسيانو‬
‫ٍ‬ ‫منهج آخير‬
‫ٍ‬ ‫مال وراء مال مهذا املنهج ّ ّ‬
‫احلّس‪ ،‬هل حتتاج إ‬
‫ّ‬
‫امليتافّييٍّ‪.‬‬ ‫هلا‪ ،‬وهو املنهج العق ّ‬
‫يل‬
‫وهذا هو الفرق هني العالم ‪ -‬هاصطًلح ايلوم ‪ -‬وبني الفيلسيوف‬ ‫م‬
‫ّ‬
‫احلقيٍّ‪.‬‬
‫ّ‬
‫يقول الفيلسوف الايطاين الشهري سري أنطون فلو اّلي ن مين‬
‫رموز امللحدين قبل إيمانه هاهلل‪« :‬فعند دراسة اتلفاعل هني اثنني من‬
‫ّ‬
‫األجسام املاديّة‪ ،‬ىلع سبيل املثال‪ ،‬أو اثنني من اجلسييمات ميا دون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اّلرة‪ ،‬فإنك تتحدث يف العلوم‪ ،‬عندما تسأل كييف خوجيدت تليك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍء ماد ٍّي ‪ -‬وملاذا‪ ،‬فأنت تتحدث‬ ‫اّلرة ‪ -‬أو ّ‬
‫أي‬ ‫اجلسيمات ما دون ّ‬
‫ّا‬
‫فلسيفية مين ابليانيات‬ ‫اسيتنتاجات‬
‫ٍ‬ ‫يف الفلسفة‪ .‬عندما تسيتخرج‬
‫ّ‬
‫املعريف للملحدين ‪.......................... 41 ........................ ................................‬‬
‫ا‬
‫راهعا‪ :‬املنهج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عندئذ تفكر كفيلسوف» ل‪.)1‬‬
‫ٍ‬ ‫العلمية‪ ،‬فأنت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلميية‬ ‫ثم يقول‪« :‬فالفيلسوف هو اّلي لرج مين املعلوميات‬
‫ّ‬
‫ابليولوجيني عن‬ ‫وربما ص يعرف الكثريون من‬ ‫معرفية‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫هاستنتاجات‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مما يعرف هائع اآليس كيريم عين القواعيد‬ ‫مهذه اصستنتاجات أكرث ّ‬
‫الّيت حتكم ابلورصة وقوانني السوق ّ‬
‫احلرة»‪.‬‬
‫ا‬ ‫ثي ّ‬
‫يم يضيييف قييائًل‪« :‬أنييا ص أعييّض ىلع أن لييوض العلميياء يف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫الفلسفية املناسيبة‪ ،‬وىلع‬ ‫االفية‬ ‫الفلسفة‪ ،‬لكن عليهم أن حيصلوا‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬
‫لك‪ ،‬فإن العلماء فًلسفة ضعاف كما يقول أينشتني»ل‪.)2‬‬
‫وسوف سسيتعرض اآلن أقيوال هعيض رميوز اإلحلياد يف رفضيهم‬
‫م‬
‫يل والفلسفة اإلهل ّية‪:‬‬
‫للمنهج العق ّ‬

‫‪ .1‬دافيد هيوم‪:‬‬
‫ّ‬
‫يرشح هيوم موقفه من من قانون العل ّية العق ّ‬
‫يل‪ ،‬املستلٌم ليرفض‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلم والفلسفة ا‬
‫معا هقوهل‪« :‬هب أن مرى األشياء ن حلد ايلوم ىلع‬
‫أي ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن مهذا اصفّاض همفرده إذا لم تضف إيله ّ‬
‫حج ٍة‬ ‫أكمل انتظامٍ ‪،‬‬

‫‪ There is a god, p 13.‬ل‪)1‬‬


‫عقل‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫ل‪ )2‬عمرو رشيف‪ ،‬رحلة ٍ‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................42‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬
‫جديد ص يقيم ادليلل ىلع أن مرى الطبيعة يف املسيتقبل‬
‫ٍ‬ ‫استنتاج‬
‫ٍ‬ ‫أو‬
‫ّ‬ ‫ا ّ‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫سيظل كذلك‪ ،‬وعبثا تيدعون أنكيم تعلميتم طبيائع األجسيام مين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّتربتكم الساهقة‪ ،‬فقد ّ‬
‫وتتغيري هانلتيجية لك‬ ‫اافية‪،‬‬ ‫تتغري طبيعتها‬
‫يية‪ ،‬م‬
‫وهيذا ٌ‬
‫أمير‬ ‫احلس ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫تغري يف خصائصها‬
‫مفاعيلها وتأثرياتها من أي ٍ‬
‫ا‬
‫حيصل أحيانا هانلظر إ هعض املوضواعت‪ ،‬فلماذا ص لوز أن حيدث‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫دوما هانلظر إ لك املوضواعت»ل‪.)1‬‬
‫ياد ّي‪ ،‬والييرافض للميينهج العق ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫يني منهجييه احل ّ ّ‬ ‫يم يبي ّ‬‫ثي ّ‬
‫يل‬ ‫ّس ي املي‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫اتلجريدي وللفلسفة اإلهل ّية هكل ااح ٍة ويقول‪« :‬فيإذا ميا تأهّطنيا‬ ‫ّ‬

‫فيأي الرزاييا حنين مزلوهيا ههيا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتقحمنا املكتبات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مهذه املبادئ‪،‬‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫مدل من مدلاتها يف اإلهل ّييات‪ ،‬أو يف ميا‬ ‫سنسأل إذا ما أمسكنا هأي ٍ‬
‫ّ‬ ‫أي استدصل ّ‬ ‫مثًل‪ ،‬هل يف مذلك ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫الكم أو‬ ‫مر ٍد حول‬ ‫ٍ‬ ‫ورائيات املدرسة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍّ‬
‫ّتيرييب حيول الوقيائع‬ ‫اسيتدصل‬
‫ٍ‬
‫املجيدل ّ‬
‫أي‬ ‫العدد؟ ّلك! هل يف مهذا‬
‫ّ ّ‬
‫العين؟ ّلك! أص فألق هه إذن إ رضام انلار‪ ،‬فلييس يكيون‬ ‫والوجود‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ووهم»ل‪.)2‬‬ ‫فيه إص سفسطة‬
‫ّ‬
‫ايلقيين والفلسيفة‬ ‫ّ‬
‫اتلجريدي‬ ‫فهو يصف هرصاح ٍة املنهج العق ّ‬
‫يل‬

‫ّ‬
‫البرشي‪ ،‬ف ‪.4‬‬ ‫ٌ‬
‫حتقيق يف اّلهن‬ ‫ل‪ )1‬دافيد هيوم‪،‬‬
‫ل‪ )2‬املصدر الساهق‪ ،‬ف ‪.12‬‬
‫ا‬
‫راهعا‪ :‬املنهج املع ّ‬
‫ريف للملحدين ‪.......................... 43 ........................ ................................‬‬

‫ّ‬
‫تمثل حقيقة العلم واملعرفة هأنّهما ّ‬ ‫م ّ‬
‫مرد سفسط ٍة وأوهامٍ !‬ ‫اإلهل ّية اليت‬
‫ّ‬
‫العقًلنية املٌعومة؟!‬ ‫فهل مهذه يه‬

‫‪ .2‬برتراند راسل‪:‬‬

‫اإلحلادي اجلديد يف القيرن العشييرين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الرويح ّ‬


‫للتيار‬ ‫ّ‬ ‫وهو األب‬
‫م‬
‫يل والفلسفة اإلهل ّية‪.‬‬ ‫و تاهاته تطفح هالسخرية من املنطق العق ّ‬
‫ّ‬ ‫قال‪« :‬فالفلسفة يف ذاتها ص تأخذ ىلع اعتقها ّ‬
‫مهمة حل املشوت‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الييت نعيياين منهييا أو إنقيياذ أرواحنيا‪ ،‬ومنمييا يه نييو ميين املغييامرة‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الفكرية اليت نقوم هها ّلاتها»ل‪.)1‬‬ ‫اصستكشافية أو السياحة‬
‫أم العليوم‪ ،‬ومظهير‬ ‫انظر كيف يصف الفلسفة اإلهلم ّية الّييت يه ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلسسانية‪ ،‬وييد أنهيا‬ ‫الفكرية‪ ،‬وأرىق اتلجل ّيات‬
‫ّ‬ ‫العمق والرصانة‬
‫ّ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فكري ٍة‪ ،‬ومع ذلك جند أنيه ييرى نفسيه‪ ،‬وييراه‬ ‫مرد مغامر ٍة ونٌه ٍة‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫عظيما!‬ ‫أتباعه فيلسوفا‬
‫ٍّ‬
‫حيد ميا ّ‬ ‫ّ ّ ا‬ ‫ّ‬
‫مميا‬ ‫أهم ّية إ‬ ‫ّ‬
‫نظرية القياس تبدو اآلن أقل‬ ‫وقال‪« :‬إن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عملية القياس تيّك املقيدمات‬ ‫ن يخعتقد‪ ،‬وفيما يتعلق هالعلم فإن‬

‫ل‪ )1‬هرترتند رسل‪ ،‬حكمة الغرب‪ ،‬ص ‪.18‬‬


‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................44‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ ّ‬
‫مما يؤدي إ إثارة مش ة نقطة ابلداية»ل‪.)1‬‬ ‫إثبات‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫دون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلقيقيية‪،‬‬ ‫يل ‪ -‬اّلي هو أداة العقيل‬ ‫اّلي ينظر إ القياس العق ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املنطٍّ ‪ -‬م‬
‫ّ‬
‫العبثية‪ ،‬وأنه يف الواقيع‬ ‫ههذه انلظرة‬ ‫والعمدة يف اصستدصل‬
‫ص قيمة هل‪ ،‬ويريد أن لعل عقله يف عينيه‪ ،‬كيف يمكن أن يكيون‬
‫ًّ‬
‫عقًلنيا؟!‬

‫‪ .3‬نيتشه‪:‬‬
‫ّ‬
‫القيوة‪ ،‬وملهيم‬ ‫ومؤسيس منطيق‬‫ّ‬ ‫وهو فيلسوف اإلحلاد األكيا‪،‬‬
‫ّ‬
‫الفاشية‪.‬‬ ‫انلازية واحلر ة‬‫ّ‬
‫ٌ‬ ‫قال نيتشه‪« :‬املنطق ٌ‬
‫وهم مقصود‪ ،‬فمبيادئ الفكير ليسيت ميري‬
‫أدوات للظفر واصمتًلك» ل‪.)2‬‬ ‫ّ‬
‫رضوري ٍة للحياة‪ ،‬أو‬ ‫أوهامٍ‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ممكن‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫خطر ومري‬ ‫«إن العقل يف حياة اإلسسان ص حاجة إيله‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍء مين‬ ‫معقويلية‬ ‫فًل حاجة للعقل يف حياة اإلسسيان‪ ،‬وألن عيدم‬
‫ّ ا ّ‬
‫ضد وجوده‪ ،‬هل هاألحرى إنّها ٌ‬
‫رشط لوجود مهيذا‬ ‫األشياء ليست حجة‬
‫ّ‬
‫الشيييء؛ ألن الوجييود يتنيياقض مييع العقييل‪ ،‬ويتنيياة مييع املعرفيية‬
‫ّ‬
‫العقلية»ل‪.)3‬‬

‫ل‪ )1‬املصدر الساهق‪ ،‬ص ‪.129‬‬


‫ّ‬
‫الفلسفية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.513‬‬ ‫ل‪ )2‬هدوي‪ ،‬املوسوعة‬
‫ل‪ )3‬املصدر الساهق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫خامسا‪ :‬الرؤية الكونية للملحدين ‪.......................... 45 ................... ................................‬‬

‫أقول‪ :‬إذا ن املنطق واملبادئ العقل ّية ّ‬


‫األو ّيلة ا‬
‫وهما ورساهايا‪ ،‬وص‬
‫ّ‬
‫والعقًلنية؟!‬ ‫حاجة للعقل يف حياتنا‪ ،‬فماذا هٍّ للعقل‬

‫خامسًا‪ :‬الرؤية الكونيّة للملحدين‬


‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫إن رؤية امللحدين لطبيعة اإلسسيان ومبدئيه ومعياده‪ ،‬يه رؤيية‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫فالفة ا‬ ‫ٌ‬ ‫ّ ٌ‬
‫العقلية‪.‬‬ ‫تماما للرؤية‬ ‫ماديّة حمضة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والسبب الرئيس اّلي يكمن وراء مهذه الرؤية املاديّة هو حصيير‬
‫ّ‬ ‫اعتمييادهم يف معرفيية الواقييع ىلع امليينهج ّ‬
‫احلسيي ّي اتلجي ّ‬
‫يرييب‪ ،‬اّلي‬
‫ّ‬
‫رضورييات املنطيق‬ ‫أمير خيًلف‬ ‫يعتمدون عليه يف الفّييياء‪ ،‬وهيو ٌ‬
‫أي موضو ٍ ّ‬ ‫ألن منهج ابلحث حول ّ‬ ‫ّ‬ ‫العق ّ‬
‫يعينه طبيعية املوضيو‬ ‫يل؛‬
‫ّ‬
‫املبحوث عنه هنفسه‪ ،‬فموضو الفّيياء اّلي هو اجلسيم والظيواهر‬
‫ا‬
‫مساخنا هل‪ ،‬وهو املنهج ّ ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫احلّس‬ ‫علميا‬ ‫منهجا‬ ‫الطبيعية املاديّة‪ ،‬يفرض‬
‫ّ‬
‫اهلندسيية‪ ،‬ص‬
‫ّ‬
‫كن موضو اهلندسة املتعلق هاألشياكل‬ ‫اتلجرييب‪ ،‬ول م ّ‬
‫ّ‬
‫م‬
‫يل‪ ،‬ولكين‬ ‫يمكن فحصه هاتلجربية‪ ،‬ومنّميا هياملنهج العقي ّ‬
‫يل اتلحليي ّ‬
‫ٌ‬
‫حمسوسة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أما موضو علم اتلاريو‬ ‫احلس‪ ،‬ألن موضواعته‬ ‫همساعدة‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫اتلارلية املاضية‪ ،‬فيًل يمكين اعتمياد املينهج‬ ‫مثًل‪ ،‬وهو احلوادث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلجرييب أو اتلحليي ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫يل تلحقييق مسيائله‪ ،‬ومنميا نعتميد ىلع‬ ‫احلّس‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................46‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬
‫اتلارلية‪.‬‬ ‫املنهج انلق ّ‬
‫يل للنصوص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫امليتافّييقيية املتعلقية مقيائق‬ ‫الفلسفية‬ ‫وأما ابلحث يف القضايا‬
‫ّ‬
‫األشياء‪ ،‬وعللها ابلعيدة املتعلقة هأصل وجود اإلسسان والعالم ومبدإ‬
‫ّ‬
‫األخًلقيية‪ ،‬فيًل معيىن‬ ‫احلياة‪ ،‬واحلياة هعد املوت‪ ،‬ومبيادئ القييم‬
‫ّ‬
‫اتلجيرييب أو اتلحلييي ّ‬
‫يل يف إثبييات أو نييو‬ ‫صعتمياد امليينهج ّ‬
‫احلسيي ّي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مسائلها؛ ألنها هكل بساط ٍة مسيائل ميري حمسوسي ٍة‪ ،‬ويه يف نفيس‬
‫ٌّ‬ ‫ّ ٌ‬
‫يريية حلييياة اإلسسييان‪ ،‬وص يمكيين‬ ‫رضورييية ومصي‬ ‫الوقييت مسييائل‬
‫اصستغناء عنها أو إمفاهلا؛ فاملنهج املسانو واملناسب هليا هيو املينهج‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلجريدي اّلي سبق وأن أرشنا إيله‪.‬‬ ‫الاهاين‬ ‫العق ّ‬
‫يل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كن مش ة امللحدين وميريهم مين امليذاهب املاديّية أنهيم ص‬ ‫ول م ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫يؤمنون م‬
‫يمثيل املينهج العقي ّ‬
‫يل‬ ‫اتلجرييدي‪ ،‬اّلي‬ ‫ههذا املنهج العق ّ‬
‫يل‬
‫خ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلقيٍّ كما هينا؛ وذلك هعد أن امتألت عقوهلم‪ ،‬وشحنت نفوسيهم‬
‫بسفسطات هيكون ولوك وهيوم واكنت ورسل ونيتشيه وميريهم مين‬
‫قرون مديد ٍة‪ ،‬وسنستعرض هعض‬ ‫ّ‬
‫اتلجريدي ىلع مدى‬ ‫أعداء العقل‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫يلتبيني ميدى‬ ‫الفلسفية عن اإلسسان واملبدإ اإلل م ّ‬
‫يه واملعياد؛‬ ‫ّ‬ ‫آرائهم‬
‫فالفتها للمنهج العق ّ‬
‫يل السليم‪.‬‬
‫اإلسسان يف نظر امللحدين ‪.......................... 47 ................................. ................................‬‬

‫اإلنسان في نظر الملحدين‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلسيي ّي‬ ‫هطبيعة احلال‪ ،‬فإن من حيرص رؤيته لألشيياء يف املينهج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويعطل املنهج العق ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلجريدي‪ ،‬ص يمكن أن نتوقع منه‬ ‫يل‬ ‫اتلجرييب‪،‬‬
‫ّ‬
‫املادة‪ ،‬م‬ ‫ّ‬ ‫ّا‬ ‫ا‬
‫وهيذه هعيض أقيوال‬ ‫املجردة عن‬ ‫واقعية حلقيقة اإلسسان‬ ‫رؤية‬
‫امللحدين يف اإلسسان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قال دو يز ‪ّ « :‬‬
‫جديلة مهذا الكتاب‪ ،‬فتقوم ىلع واقع أننيا حنين‬ ‫ّ‬ ‫أما‬
‫ّ‬
‫آصت تودلهيا جيناتنيا‪ ،‬فعيّل‬ ‫ٍ‬ ‫البرش‪ ،‬ومرينا من احليوانات‪ ،‬نكيون‬
‫ّ‬
‫مرار عصاهات شياكمو انلاجحة‪ ،‬تمكنت جيناتنا من ابلقاء ىلع ّ‬
‫مر‬
‫وهذا ل ّونلا أن‬ ‫هاتلنافسية الشديدة‪ ،‬م‬
‫ّ‬ ‫اعلم حمكومٍ‬
‫مًليني السنني‪ ،‬يف ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نتوقع حتيل جيناتنا هبعض املٌاييا‪ ،‬وص هيد مين اتلأكييد أن األنانيية‬
‫ٌ ّ‬ ‫ٌ‬
‫املطبوعة هانعدام الشفقة يه مّية طامية يتوقع توافرهيا دلى اجلينية‬
‫ّ‬ ‫سيتؤدي ّ‬ ‫ّ‬
‫األنانيية يف‬ ‫أنانيية اجلينية إ تعٌييٌ‬ ‫انلاجحة‪ ،‬ويف العيادة‬
‫ّ‬
‫الفردي»ل‪.)1‬‬ ‫السلوك‬
‫خ ّ‬ ‫أقول‪ :‬انظر كيف ّ‬
‫ويمثل اجلينات‬ ‫يؤصل للشي ّر يف فطرة اإلسسان‪،‬‬
‫ممين‬‫وهذا لييس همسيتغرب ّ‬ ‫اإلسسانية هعصاهات شياكمو انلاجحة! م‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبيييع‪ ،‬وأن ابلقياء لألصيلح‪ ،‬ويتنكير نلظيام‬ ‫يؤمن هاصنتخياب‬
‫ّ‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫العقلية اإلهلية‪.‬‬ ‫احلكمة‬

‫ّ‬
‫األنانية‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫ل‪ )1‬دو يز‪ ،‬اجلينة‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................48‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم يعود دو يز ّ‬ ‫ّ‬


‫حيوانية اإلسسان‪ ،‬ويد أن اإلسسان هيو‬ ‫يلؤصل‬
‫عم القردة والشمبانٌي‪ ،‬وباتلايل فسيكون اصختًلف ش ًّيا مري‬
‫اهن ّ‬
‫ٍّ‬
‫جوهريل‪.)1‬‬

‫الله في نظر الملحدين‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القطعية الواضيحة‪ ،‬واملبتنيية‬ ‫العقلية‬ ‫ىلع الرمم من لك الااهني‬
‫م ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ييه‪ ،‬إص‬ ‫رضوري ٍة ىلع إثبات وجود املبدإ اإلل‬ ‫عقلي ٍة‬ ‫هدهي ٍة‬ ‫ىلع مبادئ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن امللحدين رضبوا هكل مهذه الااهني عيرض اجليدار‪ ،‬ىلع أسياس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علمي ٍة ملموس ٍة‪ ،‬مفلني عين أن إنكيار مهيذه‬ ‫ّ‬ ‫أنها ص تستند إ أدل ٍة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫العلميية مليا‬ ‫الصيًلحية‬ ‫الرضورية يؤدي إ سيقوط‬ ‫العقلية‬ ‫املبادئ‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلجريبية‪ ،‬كما هينا ساهقا‪.‬‬ ‫العلمية‬ ‫يسمونه هاألدلة‬
‫ّ‬
‫لك مهيذا اصسيتخفاف هاألدلية والااهيني الع ّ‬ ‫ّ‬
‫قليية جنيدهم‬ ‫ومع‬
‫ّ‬
‫يرفعون شعار العقًلنية!‬
‫ولنستعرض اآلن هعض لكمات رموز اإلحلاد املعااين يف أصيل‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫العقلية‪ ،‬والفلسفة اإلهل ّية القائمية‬
‫ّ‬ ‫صدور الكون‪ ،‬وردهم للااهني‬
‫عليها‪.‬‬

‫‪ https://www.youtube.com/watch?v=eIChY_Skd7g‬ل‪)1‬‬
‫اهلل يف نظر امللحدين‪.......................... 49 ...................................... ................................ :‬‬

‫‪ .1‬لورانس كراوس‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫أسياس علييم‬ ‫«إن هناك شيئاا واحدا مؤ يدا‪ ،‬هيو أنيه ص يوجيد‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫ٌء مين ص ء"‪ ...‬إن لك ميا يمثليه‬ ‫للقانون امليتافّييٍّ "ص لرج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مهذا هو عدم الرمبة وفقد اإلرادة يف إدراك حقيق ٍة بسيط ٍة مؤداهيا أن‬
‫الطبيعة قد تكون أذىك من الفًلسفة ورجال الًلهوت»ل‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّا‬
‫ابلديه ووصفه إيّاه هأنيه لييس ذا‬
‫ّ‬ ‫العلية‬ ‫أوص يف نفيه ألصل‬ ‫انظر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلميية‪ ،‬ومص ملياذا يتعيب‬ ‫ٍّ‬
‫عليم‪ ،‬مع كونه أساس لك األدلة‬ ‫أساس‬
‫ٍ‬
‫ٍّ‬
‫كفّييايئ؟!‬ ‫ّ‬
‫الطبيعية‬ ‫نفسه يف ابلحث عن علل الظواهر‬
‫ّ‬
‫الصماء العميياء ىلع الفًلسيفة‬ ‫ثم انظر ثانياا إ تفضيله الطبيعة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫واملت مني العقًلء!‬
‫ا‬
‫ٌء هيدص‬ ‫«يف مهذه احلالة تصبح اإلجاهة عن السؤال "ملاذا هنياك‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫ٌء ما؛ ألنه هبساط ٍة لو ليم يكين‬ ‫ء" تافهة تقريباا‪ ،‬هناك‬ ‫من ص‬
‫ٌء‪ ،‬فلن نكن نلجد أنفسنا نعيش هنا»ل‪.)2‬‬ ‫هناك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ٌء؟ هيو‪ :‬ألن‬ ‫يعن أن جواهه ىلع السؤال القائيل‪ :‬ملياذا هنياك‬

‫ٌ‬
‫ء‪ ،‬ص ‪.222‬‬ ‫ل‪ )1‬كراوس‪ ،‬كون من ص‬
‫ل‪ )2‬املصدر الساهق‪ ،‬ص‪.224‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................50‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ٌ‬ ‫هناك شيئاا! وهو ٌ‬


‫أمر مضحك‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعندما سئل عن ما يعنيه من الًل ء‪ ،‬قيال‪« :‬أعتقيد أن مين‬
‫ًّ‬
‫إمايقييا‪،‬‬ ‫بشلك أكا‪ ،‬أن نبن تعريفاتنا ىلع وقائع مكتشيف ٍة‬ ‫املفيد‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫فلسفي ٍة ّ‬ ‫ا‬
‫مرد ٍة»ل‪.)1‬‬ ‫هدص من أن نبنيها ىلع مبادئ‬
‫ّ خ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّا‬
‫العقلية األو اليت تعيد أسياس‬ ‫مرة أخرى للمبادئ‬ ‫وهنا يتنكر‬
‫العلم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫ء هياملعىن‬ ‫وقال أيضيا‪« :‬قيد تكيون اليًل ميادة ليسيت اليًل‬
‫ّ‬
‫فيإن الشيلك ّ‬ ‫الوسي ؛ م‬
‫األول مين اليًل ء هيو الفضياء‬ ‫ولهيذا‬
‫ّ‬
‫الفارغ‪ ...‬فرشحت كيف يمكن أن الفضاء والٌمان منبثقان من الًل‬
‫ٌ ًّ‬
‫قريب جدا هاتلأكيد من الًل ء املطلق»ل‪.)2‬‬ ‫ماكن والًل زمان‪ ،‬وهو‬
‫ّا‬
‫ثم قال ريتشارد دو يز معلقا ىلع مهذه اهليذيانات اليًل معقولية‪:‬‬
‫ّ‬

‫ٌء ما إ ص ء‪ ،‬أص يمكن أن ينبثيق‬ ‫ّ‬


‫يتسطح‬ ‫«إذا ن يمكن أن‬
‫ٌء‬ ‫ٍء ميا؟ أو ملياذا هنياك‬ ‫الًل ء إ فعل‪ ،‬ويعطي امليًلد إ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫املكرر‪ ،‬هنا لعلنيا نصيل‬ ‫الًلهويت‬ ‫هدص من ص ء؟ حسب السؤال‬

‫ل‪ )1‬املصدر الساهق‪ ،‬ص‪.241‬‬


‫ل‪ )2‬املصدر الساهق‪ ،‬ص‪.242‬‬
‫اهلل يف نظر امللحدين‪.......................... 51 ...................................... ................................ :‬‬

‫ّ‬
‫رائع تقريباا نتعلمه مع اصنتهياء مين كتياب ليوراسس‬
‫درس ٍ‬‫إ أكرث ٍ‬
‫كراوس»ل‪.)1‬‬
‫أليس مهذا عني اتلناقض واهللوسة أن ليرج الشيييء مين اليًل‬
‫ء؟! وهل مهذه يه العقًلنية؟!‬

‫‪ .2‬ستيفن هوكنج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلجنلّيي امللحد املعيروف يطيل علينيا يلعلين‬ ‫الفّييايئ‬ ‫ها هو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفّييائيني قد أصبحوا ورثة الفًلسيفة‪ ،‬وأنهيم‬ ‫موت الفلسفة‪ ،‬وأن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسفية هما دليهم مين عليومٍ‬ ‫املعنيون هاإلجاهة ىلع لك األسئلة‬ ‫هم‬
‫ّ‬
‫طبيعي ٍة!‬ ‫ومعارف‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫«اعدة ما يسأل انلاس عددا من األسئلة‪ ،‬مثل‪ :‬كيف يمكننا فهم‬
‫ّ‬
‫العالم اّلي وجدنا أنفسنا فيه؟ كيف يتصي ّرف الكيون؟ ميا حقيقية‬
‫ّ م‬
‫االق؟ نت تلك‬ ‫ٍ‬ ‫الواقع؟ من أين أىت لك ذلك؟ هل الكون ن ماج ٍة‬
‫األسئلة اتلقليديّة للفلسفة‪ ،‬ل م ّ‬
‫كن الفلسفة قد ماتيت‪ ،‬وليم حتياف‬
‫ا‬
‫وخصوصييا يف مييال‬ ‫ىلع صييمودها أمييام تطي ّ‬
‫يورات العلييم احلديثيية‪،‬‬

‫ل‪ )1‬املصدر الساهق‪ ،‬ص ‪.237‬‬


‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................52‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫الفّيياء‪ ،‬وأضىح العلماء هم من حيمليون مصياهيح اصكتشياف يف‬


‫رحلة اتلنقيب وراء املعرفة»ل‪.)1‬‬
‫أمور مري حمسوس ٍة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العليم املنطٍّ أن نبحث عن ٍ‬ ‫أقول‪ :‬هل املنهج‬
‫م‬
‫همستغرب هعيد ذليك أن يعلين ميوت‬
‫ٍ‬ ‫احلس ّية؟! فليس‬
‫ّ‬ ‫هاملشاهدات‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسفة اليت لم يفهم معناها‪ ،‬ويتنكر هعد ذلك لوجيود خيالق مهيذا‬
‫الكون‪ ،‬وللحياة هعد املوت‪.‬‬
‫ّ‬
‫عقًلنية هقوهل‪:‬‬ ‫ّ‬
‫الكونية الًل‬ ‫ثم ّ‬
‫يعا عن رؤيته‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫«فإن الكون يمكنه أن للق نفسيه مين ص ء‪ ،‬وسيوف يفعيل‬
‫ّ‬
‫اتللقيايئ‬ ‫تم وصفها يف الفصل السادس‪ ،‬وااليق‬ ‫مذلك هالطريقة الّيت ّ‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫هو السبب يف أن هنياك شييئاا هيدص مين اليًل ء‪ ،‬فلمياذا يوجيد‬
‫م‬
‫روري أن سستحضيير إل اهيا‬
‫ّ‬ ‫الكون؟ وملاذا نوجد حنن؟ ليس من الضيي‬
‫إلشعال فتيل االق‪ ،‬ولضبط استمرار الكون»ل‪.)2‬‬
‫أليس مهذا ا‬
‫نواع من اهلذيان الرصيح‪ ،‬أن للق الشييء نفسه‪ ،‬أو‬
‫لرج الكون من ص ء؟! أين العقل السليم يف مهذا؟‬

‫ل‪ )1‬هو ينج‪ ،‬اتلصميم العظيم‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫ل‪ )2‬املصدر الساهق‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫احلياة ما هعد املوت عند امللحدين ‪.......................... 53 .................... ................................‬‬

‫‪ .3‬ريتشارد دوكينز‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إهل‬
‫نهايئ‪ ،‬والعبث انلياتج مين إدخيال ٍ‬ ‫الٌمن الًل‬ ‫«نلعد للّاجع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كنظريية‬ ‫ٍء ميا‬ ‫حلل املوضيو ؛ ألنيه مين األرخيص استحضيار‬
‫مكتشف هعد»ل‪.)1‬‬ ‫ٍّ‬
‫فّييايئ مري‬ ‫اصنفجار العظيم‪ ،‬أو ّ‬
‫أي مبد ٍإ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫العقلية أن يخرجع التسلسل إ مبد ٍإ‬ ‫ا‬
‫استهٌاء هاألحاكم‬ ‫أليس مهذا‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫فّييايئ؟! إذ إن مهذا املبدأ إن ن حادثا فهو أحد حلقات السلسيلة‪،‬‬‫ٍّ‬
‫أزيلا‪ ،‬فإن ن وجوده من ذاته‪ ،‬فهو نفيس املبيدإ اإلل م ّ‬
‫ييه‪،‬‬ ‫ومن ن ًّ‬
‫يايئ جسي ٍّ‬
‫يماين‪ ،‬ومن ن ميين مييريه لييم ينقطييع‬ ‫وليييس همبييدإٍ فّييي ٍّ‬
‫التسلسل‪.‬‬

‫الحياة ما بعد الموت عند الملحدين‬


‫إن مسييألة احلييياة هعييد املييوت ميين األمييور الّيييت تي ّ‬
‫يؤرق‬
‫ّ‬
‫أقييول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وهذا األرق يف الواقع هل ما ّ‬ ‫امللحدين‪ ،‬م‬
‫ياره؛ ألنهم مري قاطعني هعدم‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫وقيوة املحتميل‪،‬‬ ‫املعاد‪ ،‬وص هعدم وجود اإلهل‪ ،‬ومع وجود اصحتميال‬
‫ًّ‬
‫طبيعيا‪.‬‬ ‫يصبح مهذا األرق‬
‫ّ‬
‫العقليية‬ ‫ومنكار احلياة هعد املوت هيو يف الواقيع إن ٌ‬
‫كيار للااهيني‬

‫م‬
‫ل‪ )1‬دو يز‪ ،‬وهم اإلهل‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................54‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫يرد انلفييس اإلسسي ّ‬


‫يانية‪ ،‬ومنكي ٌ‬
‫يار للحكميية‬ ‫ّ‬
‫القطعييية القائميية ىلع ّتي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫عقًلنية‪.‬‬ ‫العبثية الًل‬ ‫ٌ‬
‫وتكريس للنظرة‬ ‫األهل ّية‪،‬‬
‫ولنستعرض اآلن هعض أقوال زعيم امللحدين وملهمهم يف العرص‬
‫احلييديث ريتشييارد دو يييز؛ يلتبي ّ‬
‫يني للقييارئ الكييريم مييدى عييدم‬
‫عقًلنيتهم‪ّ ،‬‬
‫وابطهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫يقدم دو يز عٌاءه ّ‬
‫األول للملحدين هقوهل‪« :‬يشري أحد الفًلسفة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يسيتحق اّلكير حيصيل عنيدما يميوت‬ ‫اهلوية] هأنه ص ء‬ ‫[مهول‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫كبري يف السن‪ ،‬فالطفل اّلي ن‪ ،‬هو ساهقا قد مات منذ فّ ٍة‬ ‫إسسان‬
‫ّ ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫طويل ٍة‪ ،‬وليس بسبب توقفه عن احلياة فجأة هل بسبب هلومه‪ ،‬إن لك‬
‫واحد من أعمار شكسبري السبع‪ ،‬يموت هانتقاهل هيبط ٍء مين مرحلي ٍة‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫ألخرى‪ ،‬ومن وجهة انلظير مهيذه‪ ،‬فيإن تيًل الرجيل العجيوز ص‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫كثريا عن موتاته ابلطيئية خيًلل حياتيه‪ ،‬والشيخص اّلي‬ ‫لتلف‬
‫ربما لد العيٌاء يف وجهية انلظير اجلدييدة‬ ‫يكتئب من فكرة موته‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫هاتلأمل»ل‪.)1‬‬
‫ٌ‬
‫كن مهذا مثال فقط عن قدرة العٌاء‬‫مهذه‪ ،‬وربما ص‪ ،‬ول م ّ‬
‫ا‬
‫قائًل‪ّ « :‬‬ ‫ّ ّ‬
‫أما طريقية ميارك تيوين هاسيتبعاد‬ ‫ثم يقدم العٌاء اثلاين‬
‫ميتاا‬
‫ٌء آخر‪" :‬أنا ص أخاف املوت‪ ،‬لقد كنت ّ‬ ‫ااوف من املوت فيه‬

‫ل‪ )1‬املصدر الساهق‪ ،‬ص ‪.359‬‬


‫احلياة ما هعد املوت عند امللحدين ‪.......................... 55 .................... ................................‬‬

‫حيرج" مهيذا‬ ‫يسيبب يل مذليك ّ‬


‫أي‬ ‫ّ‬ ‫ملليارات السنني قبل أن أودل‪ ،‬ولم‬
‫ٍ‬
‫ا‬ ‫م ّ‬ ‫ّ‬
‫متمية املوت‪ ،‬ولكنيه يعطينيا طريقية‬ ‫يغري من الواقع شيئاا‬
‫ابليان ص ّ‬
‫ّ‬
‫احلتمية‪ّ ،‬‬ ‫ا‬
‫وربما يكون فيها هعض العٌاء»ل‪.)1‬‬ ‫جديدة لرؤية تلك‬
‫ا‬
‫أقول‪ :‬هداية أترك الفرصة للقارئ الكيريم‪ ،‬هميا فييهم امللحيد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للتعليق ىلع مهذه ّ‬
‫الّهات اليت تمثل أىلع درجيات خيدا انلفيس‪،‬‬
‫ّ ا ّ‬
‫أن امليوت يف نظير ّ‬
‫ملحيد هيو العيدم هعيد‬
‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫فالقارئ يعلم جييدا‬
‫ّ‬
‫األطبياء يف اصنطفياء اتليدري ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوجود‪ ،‬م‬
‫وهذا العيدم يتمثيل عنيد‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫فغابلا ما تبدأ رضبات القلب يف اامود‪ ،‬ويتعذر عليه‬ ‫ملظاهر احلياة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبييع‪ ،‬ويشعر هاصختناق‪ ،‬ويبدأ يف اصرتعاش‪ ،‬وينخفض‬ ‫اتلنفس‬
‫ضغط ادلم واحلرارة‪ ،‬وبيدأ هفقيدان اليو هاتليدريج‪ ،‬واهلل وحيده‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫ونفسيي ٍة مرعبي ٍة‬ ‫جسماني ٍة‪ ،‬هل‬ ‫أهوال‬
‫ٍ‬ ‫العالم هما حيدث هعد ذلك من‬
‫ّ‬
‫مهول‪ ،‬قبل أن ينطفئ نور احلياة هال ّية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أمر‬
‫من اإلقبال ىلع ٍ‬
‫يشبه نليا مهيذا‬ ‫ابليولوجية الكبري ّ‬
‫ّ‬ ‫ولمكن ّ‬
‫السيد دو يز اعلم احلياة‬
‫األول‪ ،‬هوصول الطفل إ مرحلة ابللوغ‪ ،‬وهو يعليم‬ ‫املوت يف العٌاء ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ابليولوجيية‪،‬‬ ‫تكامليية مين انلاحيية‬ ‫قبل مريه أن ابللوغ هو مرحلة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫م‬ ‫ّا‬ ‫ا‬
‫والعلييم‬ ‫اجلسماين والعقي ّ‬
‫يل‬ ‫عدمية‪ ،‬و ذلك اتلاكمل‬ ‫وليس مرحلة‬

‫ل‪ )1‬املصدر الساهق‪.‬‬


‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................56‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ىلع ّ‬


‫مر الٌمان‪ ،‬إنما هو يف الواقع انتقال من مرحل ٍة إ مرحل ٍة أكميل‬
‫منها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أما يف عٌائه اثلاين فهو أعجب‪ ،‬إذ يمثل امليوت اّلي هيو العيدم‬
‫ّ ا‬
‫جييدا الفيرق الكبيري‬ ‫هعد الوجود‪ ،‬هالعدم قبل الوجود‪ ،‬وهيو يعليم‬
‫ٌ‬
‫هينهما‪ ،‬هل هما أمران متقاهًلن‪ ،‬وهل ن لإلسسان وجود قبل وجوده‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫ح ّ يخبتّل همصييبة امليوت أو يعياين منهيا؟! وهيل مهيذا إص ارييف‬
‫ٌ‬
‫وهلوسة؟!‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ثم يرجع ويقول‪« :‬عندما سأرشف ىلع امليوت‪ ،‬فيإين أرميب هيأن‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫العام‪ ،‬ا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تماما كميا ليو نيت زائيدة دوديّية‬ ‫تطفأ حيا حتت املخدر‬
‫ا‬
‫ملتهبة»ل‪.)1‬‬
‫ا‬ ‫ّ‬
‫من الواضح أن الرجل ص يدري مياذا يقيول‪ ،‬فتيارة يقيول امليوت‬
‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلدرلية‪ ،‬وتيارة‬ ‫ليس إص كبلوغ الطفل الصغري‪ ،‬أو مراحل العمر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يقول إنه كما كنا يف املايض قبل أن نوجد‪ ،‬واآلن يقول إنيه لٌائيدة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العيام! فهيل‬ ‫وأتمىن لو تم اديري هال ّية هاملخيدر‬
‫ّ‬ ‫ادلوديّة امللتهبة‪،‬‬
‫ّ‬
‫العقًلنية املقصودة عندهم؟!‬ ‫ّ‬
‫اتلخبط واهللوسة يه‬ ‫مهذا‬

‫ل‪ )1‬املصدر الساهق‪ ،‬ص ‪.362‬‬


‫ا‬
‫سادسا‪ :‬األخًلق عند امللحدين ‪.......................... 57 ....................... ................................‬‬

‫سادسًا‪ :‬األخالق عند الملحدين‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املجيردة‪ ،‬وللقييم‬ ‫اإلسسيانية‬ ‫الطبييع ملن يتنكر لوجود الروح‬ ‫من‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫األخًلقيية عنيده‬ ‫اإلهل ّية السامية‪ ،‬ويلوم احلساب‪ ،‬أن تكون القييم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مرد قيم ّ‬
‫العقليية ‪-‬‬ ‫احليوانيية ‪ -‬ص‬ ‫احلر ّيية‬‫ماديّ ٍة‪ ،‬وأن تكون ّ‬ ‫نفعي ٍة‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬

‫األول‪ ،‬وحنن ص نمنع أن يكون اإلسسان امللحد‬ ‫عنده املبدأ األخًل ّ ّ‬


‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫متمت اعا هدرج ٍة مين الصيًلح انطًلقيا مين‬ ‫‪ -‬من حيث هو إسسان ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العامة املشّ ة هني لك انلاس كحسن العدل وقيبح‬ ‫اإلسسانية‬ ‫القيم‬
‫ّ‬
‫الظلم‪ ،‬وحسن األمانة وقبح اايانة‪ ،‬وادلين ما جاء إص تلتميم ماكرم‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫األخًلق‪ ،‬ولكن ما نريد أن نقيوهل أن مثيل مهيذا اإلسسيان امللحيد‬
‫ّ‬
‫سيكون أميل للشي ّر منه للخري؛ لألسباب اليت ذكرناها‪.‬‬
‫ونلنقل اآلن هعض أقوال فًلسفة األخًلق امللحدين؛ لىى مدى‬
‫ّ‬
‫اإلسسانية‪:‬‬ ‫ّ‬
‫والعقًلنية‬ ‫اهتعادهم عن العقل‬

‫‪ .1‬بنتام‪:‬‬

‫وهو من كبار فًلسفة األخًلق امللحدين‬


‫ْ‬ ‫ّ‬
‫«إن الطبيعة وضعت هن اإلسسيان حتيت سييطرة حياكمني ذ ْوي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سياد ٍة‪ ،‬هما األلم والذلة‪ ،‬وهما حيمًلننا يف لك ما نفعيل‪ ،‬ويف لك ميا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نقول‪ ،‬ويف لك ما نفكر فيه‪ ،‬ولك حماول ٍة يمكن أن نبيذهلا مين أجيل‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................58‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اتلخلص من استعبادنا هلميا لين تفليح إص يف إثبيات مهيذه احلقيقية‬
‫وربما زعم اإلسسان هالقول‪ ،‬رفض سلطانهما‪ّ ،‬‬
‫أما هالفعل‬ ‫وتو يدها‪ّ .‬‬
‫ا‬
‫خاضعا هلما ا‬ ‫ّ‬
‫دائما»ل‪.)1‬‬ ‫ويف الواقع فإنه سيبىق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دافيع إسسياين لإلسسيان يف لك سيلو ّياته وراء‬ ‫ٌ‬ ‫يعىن أنه ص يوجيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احليوانية‪ ،‬ويستحيل اتلخليص مين تليك ادلوافيع‬ ‫الغريٌية‬ ‫ادلوا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القاهرة‪ ،‬وهو هنا يخ ّ‬
‫احليوانيية‪،‬‬ ‫وحاكمية الغرائيٌ‬ ‫كرس ألصالة الذلة‬
‫ّ‬
‫العقًلنيية‬ ‫دور للعقل يف سلوك اإلسسيان‪ ،‬فهيل مهيذه يه‬ ‫ّ‬
‫وينو أي ٍ‬
‫ّ‬
‫واإلسسانية‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ نيتشه‪:‬‬
‫ّ‬
‫نظريية منطيق‬ ‫مؤسس‬ ‫وهو من أكا فًلسفة ورموز اإلحلاد‪ ،‬وهو ّ‬
‫ّ‬ ‫القي ّ‬
‫يوة يف احلييياة‪ ،‬حيييث يعييد العداليية مصييلحة األقييوى‪ ،‬والقيييم‬
‫ّ‬
‫سسيبية‬ ‫ّ‬
‫األخًلقية وسيلة الضعفاء للتساوي مع األقويياء‪ ،‬واألخيًلق‬
‫املنشإ‪ ،‬فهناك أخًلق السادة الرفيعة وأخًلق العبيد الوضيعة!‬
‫ّ‬
‫يقول‪« :‬يف أثناء رحًل اليت قميت ههيا خيًلل أنيوا األخيًلق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرفيعة والوضيعة اليت سيادت العيالم‪ ،‬والييت ميا زاليت تسيوده إ‬

‫ّ ٌ‬
‫ل‪ )1‬هنتام‪ ،‬مقدمة إ مبادئ األخًلق والترشيع‪ ،‬ف ‪ ،1‬هند ‪.1‬‬
‫ا‬
‫سادسا‪ :‬األخًلق عند امللحدين ‪.......................... 59 ....................... ................................‬‬

‫ّ‬
‫رئيسييني مين األخيًلق‬ ‫ايلوم‪ ...‬استطعت أن أكتشف وجود نوعني‬
‫ٌ‬ ‫ًّ‬ ‫ا‬
‫جوهريا‪ ،‬فهناك أخًلق للسادة وأخرى للعبيد»ل‪.)1‬‬ ‫فتلفني اختًلفا‬
‫ّ‬ ‫ثم يقول‪« :‬ل م ّ‬
‫يسيم مهيذه الصيفات الييت‬ ‫كن املسود ص يستطيع أن ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويسميها‬ ‫احلقيقية‪ ،‬ومنما يقلب القيم‬ ‫للها ويرى فيها ااري هأسمائها‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫فيسييم العجٌ"إحسيانا وطيبية"‪،‬‬ ‫هعكس ميا يه علييه يف الواقيع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫"صاا"‪ ،‬ويعد مهيذا‬‫ا‬ ‫ويسيم عدم قدرته ىلع رد الفعل مبارشة وباملثل‬ ‫ّ‬
‫ويسييم عجيٌه عين إدراك املطيامع‬ ‫ّ‬ ‫أمهيات الفضيائل‪...‬‬ ‫الصا من ّ‬

‫وهكذا»ل‪.)2‬‬‫"تواضعا" م‬
‫ا‬ ‫السامية وابلحث عن املطالب العايلة‬
‫ّ‬
‫اإلسسانية السامية املطلقة ىلع‬ ‫انظر كيف يفس ّير األخًلق والقيم‬
‫ّ‬
‫القيوة‬ ‫أنّها سبيل العاجٌ‪ ،‬ومظهر الضعف واهلوان‪ ،‬م‬
‫وهذا هو منطيق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرشعية ىلع الطغاة واملستبدين‪.‬‬ ‫اّلي أضىلع‬
‫م‬
‫وّللك يقول هىي ميوريس الفيلسيوف األمريكيي يف نيتشيه‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫« ّ‬
‫األملانيية‪،‬‬ ‫هعمق يف اّتاهيات السياسية‬
‫ٍ‬ ‫أما فلسفة نيتشه فقد أثرت‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ح ّ أصحبت أساس ّ‬
‫األملانية املكثفة اليت حشدتها يف‬ ‫احلربية‬ ‫القوة‬
‫اثلًلثينيات من مهذا القرن‪ ،‬واكنت سيبباا مين أسيباب احليرب‬
‫ّ‬ ‫فّة‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫العاملية اثلانية‪ ،‬واكن موسيلين واحدا من أكا املتاهعني املتحمسيني‬

‫ّ‬
‫الفلسفية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.510‬‬ ‫ل‪ )1‬هدوي‪ ،‬املوسوعة‬
‫ل‪ )2‬املصدر الساهق‪ ،‬ص ‪.511‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................60‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫انلازيية‬ ‫انلهائية‪ ،‬كيذلك خودلت‬ ‫الفاشية يه انلتيجة‬ ‫نليتشه‪ ،‬واكنت‬
‫يف نفس ابلالوعة»ل‪.)1‬‬
‫ٌ ّ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األخًلقية للملحدين رؤية ماديّة ذات دوافيع‬ ‫فاحلاصل أن الرؤية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العقلية لعيدل واإلحسيان والعفية‬ ‫حيواني ٍة‪ ،‬وأن فضائل األخًلق‬
‫مرد وسيل ٍة للعاجٌ الضيعيف‪ ،‬ميا يلبيث أن‬ ‫واتلواضع‪ ،‬ليست ّإص ّ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عقًلنيية‬ ‫للقيوة والسيلطة‪ ،‬ويه رؤيية ص‬ ‫يتخّل عنها عند حتصيله‬
‫هامتياز‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إ هنا نكون قد أثبتنا هادليلل والاهيان‪ ،‬وبانلقيل املبيارش مين‬
‫أقوال رموز اإلحلاد‪ ،‬وبميا يتناسيب ميع مهيذه الرسيالة املخترصية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلقيقية ىلع‬ ‫اّتاههم الًل عقًلين املحض املعادي للعقل والعقًلنية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العقًلنية‬ ‫واألخًلقية‪ ،‬وأن شعار‬ ‫والفلسفية‬ ‫املنهجية‬ ‫لك املستويات‬
‫ا ّا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مٌيفا‪ ،‬وليس هنياك‬ ‫اّلي يرفعونه‪ ،‬ولتبئون وراءه ليس إص شعارا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السيطّ املحيدود‪ ،‬والرؤيية‬ ‫يف احلقيقة عندهم إص املنهج احلسي ّي ّي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املاديّة الظا ّ‬
‫احليوانية‪.‬‬ ‫الغرائٌية‬ ‫هرية‪ ،‬واألخًلق‬
‫ومذا ن األمر فيتبني اجلواب ىلع السؤال املطروح‪ ،‬هيل يمكين‬
‫ا‬
‫أن يكون اإلسسان العاقل ملحدا؟‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقانون يف تفكريه‬
‫ٍ‬ ‫قيد‬
‫ٍ‬ ‫لك‬ ‫من‬ ‫ر‬‫يتحر‬ ‫ي‬ ‫اّل‬ ‫فنقول ليس العاقل هو‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ونظريات العلم احلديث‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫ل‪ )1‬موريس‪ ،‬الكتاب املقدس‬
‫ا‬
‫سادسا‪ :‬األخًلق عند امللحدين ‪.......................... 61 ....................... ................................‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫العقليية‬ ‫كما يتوهم املاديّون‪ ،‬هل العاقيل هيو اّلي يليزتم هاملبيادئ‬
‫ّ‬
‫الكونيية عين‬ ‫ّ‬
‫املنطقية يف تفكريه‪ ،‬ويبين رؤيتيه‬ ‫ّ‬
‫ابلدهية والقوانني‬
‫ّ‬
‫األخًلقية‪ ،‬ونمط سلو ه يف احلياة‪،‬‬ ‫اإلسسان ومبدئه ومنتهاه‪ ،‬وقيمه‬
‫ىلع أساس املنهج العقيل السليم‪ ،‬ص ىلع أساس اإلحساس واملشياعر‬
‫ّ‬
‫الشخصية‪.‬‬ ‫واألعراف واصستحسانات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املينطٍّ املوضيو ّ ص ييؤدي هاإلسسيان إص إ‬ ‫ّ‬ ‫فاتلفكري العقي ّ‬
‫يل‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫صيمم مهيذا العيالم ىلع‬ ‫ّ‬ ‫اإليمان هاإلهل العليم القدير احلكييم‪ ،‬اّلي‬
‫هروحانية اإلسسيان‪ ،‬وبقائيه هعيد امليوت يف‬ ‫ّ‬ ‫أحسن صور ٍة‪ ،‬واإليمان‬
‫ّ‬
‫األخروية‪.‬‬ ‫حياته األهديّة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكونيية املاديّية‬ ‫السطّ‪ ،‬والرؤيية‬ ‫ّ‬ ‫أما اصكتفاء هاملنهج ّ‬
‫احلسي ّي‬
‫ّ‬
‫حيوانيي ٍة‬ ‫ّ‬
‫فمجيرد نظير ٍة‬ ‫ّ‬
‫العدمية للحياة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫العبثية‬ ‫ّ‬
‫الظاهرية‪ ،‬وانلظرة‬
‫ّ‬
‫والعقًلنية‪.‬‬ ‫طفويل ٍة‪ ،‬وهو يف الواقع أهعد ما يكون عن العقل‬ ‫ّ‬
‫ا‬ ‫ّا‬ ‫ّ‬
‫اإلسساين ميرددا‪ :‬إن كنيت اعقيًل‪..‬‬ ‫ومن هنا يعلو صوت الضمري‬
‫ا‬
‫فكيف تكون ملحدا؟!‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................62‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬
‫املصادر‪.......................... 63 .......................... ................................ ................................ :‬‬

‫المصادر‪:‬‬

‫‪ .1‬إدوارد ي هونو‪ ،‬تعليم اتلفكري‪ ،‬دار الرضا للنرش واتلوزيع‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪.2001‬‬
‫م‬
‫‪ .2‬ريتشارد دو ييز‪ ،‬وهيم اإلهل‪ ،‬ترمجية بسيام ابلغيدادي‪ ،‬شيبكة‬
‫امللحدين العرب‪.‬‬
‫‪ .3‬ستيفن هو نج‪ ،‬اتلصميم العظيم‪ ،‬ترمجة أيمن عياد‪ ،‬دار اتلنيوير‬
‫للطباعة والنرش‪ ،‬ط ‪.2013 ،1‬‬
‫‪ .4‬احلسني هن عبد اهلل هن سينا‪ ،‬انلفس من كتاب الشيفاء‪ ،‬حتقييق‬
‫حسن زاده آميل‪ ،‬مكتب اإلعًلم اإلسًل ‪ ،‬إيران‪ 1417 ،‬ه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ميوجٌ للٌميان‪ ،‬ترمجية مصيطىلع فهييم‪،‬‬ ‫‪ .5‬ستيفن هو ينج‪ ،‬تاريو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العامة للكتاب‪.2006 ،‬‬ ‫املرصية‬ ‫اهليئة‬
‫عقل‪ ،‬مكتبية الرشيوق‪ ،‬مكتبية الرشيوق‬
‫‪ .6‬عمرو رشيف‪ ،‬رحلة ٍ‬
‫ّ‬
‫ادلويلة‪.2011 ،‬‬
‫ّ‬
‫البرشيي‪ ،‬ترمجية حمميد حمجيوب‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫حتقيق يف اّلهن‬ ‫‪ .7‬دافيد هيوم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املنظمة العربية للّمجة‪ ،‬ط ‪.2008 ،1‬‬
‫ّ‬
‫الوطن‬ ‫‪ .8‬هرتراند راسل‪ ،‬حكمة الغرب‪ ،‬ترمجة فؤاد ز ّ‬
‫ريا‪ ،‬املجلس‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪.2009 ،‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................64‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫ّ‬
‫العربييية‬ ‫يفية‪ّ ،‬‬
‫املؤسسيية‬ ‫‪ .9‬عبييد الييرحن هييدوي‪ ،‬املوسييوعة الفلسي ّ‬

‫لدلراسات والنرش‪ ،‬ط ‪.1984 ،1‬‬


‫ّ‬
‫األنانية‪ ،‬ترمجة تانيا ناجيا‪ ،‬دار السا ‪-‬‬ ‫‪ .10‬ريتشارد دو يز‪ ،‬اجلينة‬
‫هريوت‪ ،‬ط ‪.2009 ،1‬‬
‫ٌ‬
‫ء‪ ،‬ترمجيية مدة احللييواين‪،‬‬ ‫‪ .11‬لييوراسس كييراوس‪ ،‬كييون ميين ص‬
‫منشورات الرمل ‪ -‬مرص‪ ،‬ط ‪.2015 ،1‬‬
‫ّ ٌ‬
‫‪ .12‬جري هنتام‪ ،‬مقدمة إ مبادئ األخًلق والترشيع‪ ،‬ترمجة كيريم‬
‫ّ‬
‫الوطنية‪ 1434 ،‬ه‪.‬‬ ‫فهد‬ ‫ّ‬
‫الصياد‪ ،‬مكتبة امللك ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ونظرييات العليم احليديث‪ ،‬دار‬ ‫‪ .13‬هىي موريس‪ ،‬الكتاب املقدس‬
‫ّ‬
‫الوطنية‪ ،‬العراق‪.‬‬ ‫الكتب والوثائق‬
‫املحتويات ‪.......................... 65 ....................... ................................ ................................‬‬

‫المحتويات‬

‫لكمة املؤسسة‪5 ..................................................................................................‬‬


‫ّ ٌ‬
‫مقدمة‪9 ............................................................................................................‬‬
‫ّ‬ ‫ّا‬
‫يل‪13 ............................................................................‬‬ ‫املعريف العق ّ‬ ‫أوص‪ :‬املنهج‬
‫‪ .1‬اإلسسان والعقل‪13 ......................................................................................‬‬
‫ّ‬
‫الصحة العقليّة‪13 ..............................................................................‬‬ ‫‪ .2‬معالم‬
‫تعريف اتلفكري‪14 .........................................................................................:‬‬
‫الفلسو يف حياة اإلسسان‪15 ......................................................‬‬ ‫ّ‬ ‫أهميّة اتلفكري‬
‫ّ‬

‫قواعد اتلفكري الصحيح‪16 .............................................................................:‬‬


‫ثانياا‪ :‬الرؤية الكونيّة العقليّة‪20 ........................................................................‬‬
‫ّ‬
‫قانون العليّة‪21 ..............................................................................................:‬‬
‫قانون السنخيّة‪22 ...........................................................................................:‬‬
‫ّ‬
‫القوة والفعل‪23 ..............................................................................................:‬‬
‫املمكن والواجب‪25 ........................................................................................:‬‬
‫هرهان انلظم‪27 .............................................................................................. :‬‬
‫هرهان اإلماكن‪28 ...........................................................................................:‬‬
‫حقيقة اإلسسان‪30 ..........................................................................................:‬‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫‪ ...............................66‬إن كنت اعقًل‪ ،‬فكيف تكون ملحدا؟! ‪..........................‬‬

‫املعاد‪32 .........................................................................................................:‬‬
‫ثاثلاا‪ :‬انلظام األخًل ّ العق ّ‬
‫يل‪34 ........................................................................‬‬
‫ّ‬
‫املعريف للملحدين ‪36 ....................................................................‬‬ ‫ا‬
‫راهعا‪ :‬املنهج‬
‫اتلجرييب وحدوده املعرفيّة‪37 .........................................‬‬ ‫ّ‬ ‫صًلحيّة املنهج ّ ّ‬
‫احلّس‬
‫‪ .1‬دافيد هيوم‪41 ........................................................................................... :‬‬
‫‪ .2‬هرتراند راسل‪43 ........................................................................................:‬‬
‫‪ .3‬نيتشه‪44 ...................................................................................................:‬‬
‫خامسا‪ :‬الرؤية الكونيّة للملحدين‪45 ...............................................................‬‬ ‫ا‬

‫اإلسسان يف نظر امللحدين‪47 .............................................................................‬‬


‫اهلل يف نظر امللحدين‪48 ..................................................................................:‬‬
‫‪ .1‬لوراسس كراوس‪49 ......................................................................................‬‬
‫‪ .2‬ستيفن هو نج‪51 .........................................................................................‬‬
‫‪ .3‬ريتشارد دو يز ‪53 ......................................................................................‬‬
‫احلياة ما هعد املوت عند امللحدين‪53 ................................................................‬‬
‫ا‬
‫سادسا‪ :‬األخًلق عند امللحدين‪57 ...................................................................‬‬
‫‪ .1‬هنتام‪57 .....................................................................................................:‬‬
‫‪ 2‬ي نيتشه‪58 ................................................................................................. :‬‬
‫املصادر‪63 ..................................................................................................... :‬‬
‫املحتويات‪65 ...................................................................................................‬‬

You might also like