You are on page 1of 11

‫النمادي”‪ ..‬الكلب والطريدة والنساء‪ ..

‬أسرارهم وآثارهم على رمل الصحراء‬

‫الصحراء الموريتانية‪ -‬من الشيخ بكاي‪   -‬تحت سماء بلون الرمل تمتد الصحراء ديمومة أمام ناظريك‪ ‬‬
‫لوحة شاسعة تمنحها األعشاب الصغيرة والشجيرات “الحليقة” رونقاً وحزناً مردهما تداخل األخضر‬
‫‪.‬اللوزي بالرمادي الفضي باألصفر الباهت‬

‫ويقول دليل بعثة “الوسط” في رحلة الـ ‪ 3000‬كيلومتر بحثاً عن صيادي “النمادى”‪“ :‬أخشى أن نبيت‬
‫ضيوفاً على أشباح الصحراء إذا لم نتوقف قبل الليل في مكان مأهول”‪ .‬ويضيف ونحن نعوم في بحر‬
‫الصحراء بعيداً عن الطريق الرملي الذي يربط بين مدينتي “النعمة” و”والته” في أقصى الشرق‬
‫الموريتاني‪“ :‬من الصعب أن نلتقي “النمادى” في هذه المنطقة فهم أناس كثيرو التنقل يرومون األماكن‬
‫‪”.‬المعزولة‬

‫‪”.‬و”النمادى” مجموعتان احتفظت إحداهما بهذا االسم بينما يطلق على األخرى “الرويصات‬

‫كتب “التيه” في الصحراء على “النمادى” منذ مئات السنين‪ .‬وهم في سفرهم الدائم يتتبعون آثار الظباء‬
‫والغزالن بكالبهم ‪ ،‬ويحملون أغراضهم البسيطة وأسرارهم وعاداتهم الغريبة في رحلتهم األبدية داخل‬
‫النطاق الصحراوي في خمس واليات موريتانية هي “آدرار” في الشمال‪“ ،‬تكانت” في الوسط‪،،‬‬
‫“العصابة” في الجنوب الشرقي‪ ،‬و”الحوضين” الشرقي والغربي في شرق البالد‪ .‬ويعيش بعضهم منذ‬
‫‪.‬فترة في أطراف مدن وقرى ريفية‬

‫“ادوي كالب“‪:‬‬

‫يحتقن وجه الشمس وتحمر عيونها إيذانا برحيل يوم ساخن وسط صفير الريح وأزيز محرك مجهد‬
‫يصارع كثبان الرمل “االخرس”‪ ..‬وتمر الساعات متثاقلة بطيئة‪ ،‬وفجأة يصيح الدليل‪“ :‬أرى نارا” وهو‬
‫يقفز من مقعده جذالً… وتختفي النار‪ ،‬تظهر‪ ،‬ثم تختفي وتظهر من جديد ونحن نعلو كثيباً أجرد يفضي‬
‫‪.‬إلى سهل واسع تكسوه الحشائش واألشجار‬

‫أهال بالضيوف” يقول رئيس الخيمة‪ .‬وينطلق في السالم البدوي الطويل في شكل منغم رتيب‪”:‬إياك‬
‫الخير… إياك النعمة… إياك اسالمه… إياك الخير “‪ ..‬ويهمس في أذن زوجته في شكل مسموع بعد أن‬
‫يجلسنا في صدر خيمته الصغيرة‪“ :‬قومي… اثنان يجب اإلحسان إليهما‪ :‬ضيف الظالم وضيف‬
‫‪”.‬القيلولة‬

‫يجمع صبية كومة حطب‪ .‬ويبدأ الشواء وتدار كؤوس الشاي فيما “يطربنا” ثغاء حمالن مربوطة في‬
‫‪.‬الجوار وهدير جمل أبيض “ماجن” يغازل “بنات” القطيع‬

‫ويضحك مضيفنا حين نسأل عن أحياء “النمادى” ويقول‪“ :‬ليست لهم أحياء‪ .‬هم جماعات تطارد‬
‫الوحوش في الصحارى”‪ .‬ويسأل بدوره‪“ :‬لماذا االهتمام بهم؟”‪ .‬ثم يجيب نفسه‪“ :‬لعلكمـ تريدون لحم‬
‫الغزال”‪ .‬ويحذر الشيخ الوقور‪“ :‬ال تشتروا إال لحم غزال رأيتموه قبل أن يسلخ فهم يبيعون لحم الخنزير‬
‫البري على أنه لحم الغزال المجفف”‪ .‬وتشارك الزوجة في الحديث‪“ :‬هل هم أدوي كالب” (بسكون‬
‫‪”.‬الدال) الذين نسمع عنهم ويقال إن رجالهم كالب؟‬

‫وتسرد المرأة قصة الضيف الذي “جاء الى حي رجاله كالب شاهدها تأتي بالحطب والذبائح إلكرامه”‪.‬‬
‫والقصة خيالية من دون شك‪ ،‬لكنها تترجم جانباً من تصور المجتمع لصيادي “النمادي” الذين يضربون‬
‫على أنفسهم طوقاً من العزلة‪ .‬وهي ذات صلة بالواقع ألنها تحيل إلى الفترات التي يخرج فيها الرجال‬
‫للصيد ويتركون النساء وبعض الكالب‪ .‬وكالب هذه الجماعات مدربة على الكثير من الخدمات إضافة إلى‬
‫‪”.‬الصيد‪ .‬وكلمة “أدوي كالب” هي على ما يبدو تحريف لـ “ذوي كالب‬

‫‪:‬أبناء “سيد الكالب‬

‫نغادر خيمة البدو مع خيوط الفجر األولى على وقع إرزام إبل الحي وهدير جمل يحاكي أنغاماً آتية من‬
‫‪..‬بعيد تصدر عن طبل “تناجيه” جواري أمراء البادية في مواسم األفراح والحروب‬

‫وتبتلعنا الصحراء إلى حيث ال نرى إال خطوطاً عابرة رسمتها حيوانات متوحشة أو أفاع على صفحة‬
‫الرمل ليالً قبل أن تمحو رياح الصبح أسرار الليل…‪ ..‬نحن هنا في مملكة “النمادى” التي يعرفونها عن‬
‫ظهر قلب كثيباً ونقطة ماء كما يعرفون أشجارها وأعشابها “الطبية”… فال يطأ أرضها إال رعاة اإلبل‬
‫‪.‬والغزالن واألشباح‬
‫وتاريخ “النمادى” مزيج من األساطير والحقائق ‪ ..‬يقول بعض المؤرخين انهم كناريون‪ ،‬ويرى آخرون‬
‫انهم من قبائل “الفالن” االفريقية التي توقفت في مدينتي “والته” و”تيشيت” الموريتانيتين خمسة‬
‫قرون خالل إحدى الهجرات‪ .‬ويروي “النمادى” هذا التاريخ بطريقتهم الخاصة‪ .‬ويقول صيادو الجنوب‬
‫الشرقي والوسط انهم ينتسبون الى محارب من قبيلة “شراتيت” (واحدة من أهم القبائل الموريتانية)‬
‫يطلق عليه احمد ولد اياد‪ .‬ويقولون انه بعد خوض حروب عدة “تعب من شرور اإلنسان” وآثر العزلة‬
‫في الصحراء مقسماً وقته بين التأمل والصيد‪ .‬وعندما شعر بالوحدة عاد إلى قبيلته ليتخذ زوجة‪ .‬وقد‬
‫‪.‬صحبه رجال من القبيلة إلى الصحراء‬

‫أما “نمادى” المناطق المحيطة بمدينة “والته” في الشرق فيقولون ان جدهم أمير “جاء من الشرق”‬
‫ترافقه مجموعة من الكالب القوية المدربة‪ .‬واسم هذا االمير هو “نمادى” أي “سيد الكالب” بلغة‬
‫“اآلزير” االفريقية القديمة‪ .‬لكن البعض يرى ان “سيد الكالب” لم يكن إال راعياً استأجرته إحدى قوافل‬
‫الملح فتاه في الصحراء وهو يبحث عن جمل مع كلبته‪ .‬وعثر عليه بعد فترة وقد اصطاد الكثير من‬
‫الغزالن ومأل جلودها باللحم المجفف الذي جاء به إلى “والته”وباعه ثم نظم عصابة عاد بها الى‬
‫‪.‬الصحراء‬

‫والرواية األقرب إلى الحقيقةـ هي – ربما‪ -‬أن “النمادى” أفراد جمعتهم المهنة ال األصول‪ ،‬وهم عرب‬
‫‪.‬هجروا قبائلهم الموريتانية ألسباب مختلفة منها الغضب والجريمة والرغبة في العزلة وحب الصيد‬

‫‪”:‬بيوتهم من شجر ومصيبتهم… “قطر‬

‫فيما يواصل السائق مناوراته الماهرة وحديثه الصامت مع مقود سيارة “تطير” في نزق من تل الى‬
‫سهل‪ ،‬الى… كثيب‪ ،‬يقول الدليل‪“ :‬لم يعد النمادى كما كانوا‪ .‬لقد تغيرت أحوالهم‪ .‬فهناك فئة لجأت إلى‬
‫أطراف المدن النائية لتعيش حياة فقر تجمع بين االستقرار والبداوة‪ .‬والفئة الثانية توقفت عن ممارسة‬
‫الصيد وأصبحت تجري خلف أحياء البدو المتنقلة للحصول على قطرات حليب‪ ،‬ومنهم من أصبح يملك‬
‫شياه غنم”‪ .‬وهناك فئة ثالثة‪ ،‬يقول الدليل‪“ :‬تمارس صيد الغزالن التي أصبحت نادرة وتحافظ جزئياً‬
‫على نمط الحياة القديم مع االنفتاح قليالً على العالم الخارجي”‪ .‬أما الفئة الرابعة “فهي األغرب واألكثر‬
‫عزلة وتمسكاً بأدق األمور في التقاليد القديمة وهي المعروفة بالرويصات”‪ .‬ويضيف‪ ” :‬ستقطعون‬
‫‪”.‬ضعف المسافة في العودة للبحث عن هذه الفئة‬

‫نباح كالب ضارية انقضت على سيارتنا وقد أحاطت بها أخبية‬
‫ويقطع حديث دليلنا المطلع الثرثار ُ‬
‫‪“”.‬النمادى‬
‫و”النمداوي” أو “النمداي” باللهجة المحلية في العادة صغير مفتول العضالت اكتسب قوته البدنية من‬
‫‪.‬تنقله الدائم في الصحراء‪ ،‬فهو يقطع آالف الكيلومترات متتبعاً وحوش الصحراء‬

‫نمداوية وكلبها‬

‫يحمل رجال “النمادى” في رحيلهم الدائم صرر المتاع التي هي في الغالب أكياس من الجلد وبعض‬
‫األواني الخفيفة المصنوعة من سيقان األشجار‪ ،‬فيما تحمل النساء األطفال وصغار الكالب وما خف من‬
‫المتاع‪ ،‬وقد يكون لهم حمير أو يكترون جماالً في مواسم الصيد بأسعار مرتفعة تصل الى نصف حمولة‬
‫‪.‬الجمل من القديد (اللحم المجفف)‬

‫ويستريح “النمادى” تحت األشجار أو في حماية صخرة أو تحت عرائش صغيرة من أعواد الشجر‬
‫‪.‬والحشائش الميتة أو في دفيء خرق من القماش منصوبة على أعمدة خشبية‬

‫ينهر أحد رجال الحي كلبة صفراء يتطاير الشرر من عينيها لتتوقف عن “الترحيب” بـ “ضيوف‬
‫‪”.‬القيلولة” ويدعونا الى خيمته‪“ :‬مرحبه ِبكو امنين جيتو؟ ” (مرحبا بكم من أين جئتم؟)‬
‫ويتحدث “النمادى” لهجة عربية فقيرة متخلفة مقارنة بالعربية المحكية في موريتانيا‪ .‬وهم – بخالف‬
‫…”سائر الموريتانيين – ال ينطقون الميم في كلمات مثل “جئتم‪ ،‬بكم‪“ ،‬لكم‬

‫صدافه‪:‬‬
‫داخل الخباء تحمل امرأة كأسين وابريقاً يعلوه الصدأ وتبدأ ادارة الشاي… ويسأل رب البيت ّ‬
‫“هل جئتم للصيد؟”‪ .‬ونسأله‪“ :‬هل هناك ما يصطاد هذه األيام؟” فيقول‪“ :‬لم يعد الحال على حاله… كنا‬
‫نصطاد المهاة والظبية ولم يكن يهمنا الغزال الصغير‪ ،‬أما اآلن فلم يعد العثور على ظبي أو مهاة أمراً‬
‫سهالً فهذا النوع في شبه انقراض ولم يبق اال الغزالن الصغيرة وهي نادرة أيضاً”‪ .‬ويضيف‪“ :‬نحن لم‬
‫نكن نفسد… كنا نحجم عن اصطياد الحوامل وكنا نترفق بالمواليد أما الصيادون الجدد فهم يقتلون كل ما‬
‫تصل اليه بنادقهم وسياراتهم”‪ .‬ويقول “مصيبتنا أهل قطر الذين يأتون لمحو ما بقي في هذه األرض من‬
‫غزالن” و”أهل قطر” عند صدافه هم كل العرب الخليجيين الذين يأتون بين حين وآخر لصيد الغزال‬
‫‪.‬والحبارى‬

‫“كلبي أفضل من سيارتك“‪:‬‬

‫النمداوي” فقير وثروته كالبه ألنه يحصل على طعامه بواسطة هذه الكالب نصف المتوحشة التي ال“‬
‫أصول معروفة لها‪ ،‬والتي يصعب تصنيف قامتها ولونها إال أنها قوية ومدربة تدريباً جيداً ويطلقون‬
‫عليها نعوتا محلية مثل‪“ :‬السلوقي” (بقاف يمنية) أي السريع في مطاردة الهدف‪ ،‬و”راص المراس”‬
‫‪.‬وهو أفضلها إطالقا‬

‫صدافه ان “الرجل الغني هو من يملك ما بين ‪ 4‬إلى ‪ 5‬كالب” لكن هذا العدد يصل إلى ‪ 30‬وأكثر‬
‫ويقول ّ‬
‫‪”.‬لدى جماعة “الرويصات‬

‫وتشكل الكالب سلعة رائجة في السوق لدى هذه المجموعة المتنقلة باستمرار في المنطقة الممتدة من‬
‫‪“.‬غوراي” في الجنوب الغربي مروراً بأطراف والية “العصابه” وحتى “الطويل” في الحوض الشرقي‬

‫ويدخل “الرويصات” – خصوصا – أراضي موريتانيا تارة وأراضي مالي المجاورة طوراً ويتاجرون‬
‫‪”.‬بالكالب في عمليات مقايضة كبيرة‬

‫وتتلقى الكالب تدريباً شاقاً إلى أن تتقن شم األثر وعيونها معصوبة‪ .‬ومن طرق تدريب الكلب تجويعه‪،‬‬
‫فإذا اشترى أحدهم كلباً جديداً ضيق عليه الخناق حتى يشرف على الهالك‪ .‬وهذه الممارسة كما يزعمون‬
‫تجعل الكلب يحب مالكه ويجري خلفه أينما سار‪ .‬ولكي يكون َذ َكر الكالب قوياً وسريعاً يعمدون إلى‬
‫‪.‬إخصائه‬

‫ومكانة الكلب لدى “النمادى” من األمور التي يختصون بها دون سواهم من الموريتانيين‪ .‬فالكلب لدى‬
‫الموريتاني “نجس”‪ .‬ويجب غسل اإلناء واليد بعد مالمسته “سبع مرات لكي تطهر”‪ .‬و”ال يدخل‬
‫المالئكة أي بيت يوجد فيه كلب”‪ ..‬وفي المدينة يعتبر من أتى بكلب حراسة إلى داره إنسانا “بخيالً ال‬
‫‪”.‬يريد أن يأتيه الضيوف أو األقارب” وهو “شخص منحرف يقلد األوروبيين‬
‫يقول صدافه مباهياً‪“ :‬كلبي هذا أفضل من سيارتك ولو دفعتها ثمناً له لما قبلت”‪ .‬ويصف لـ “الوسط”‬
‫عمليات الصيد فيقول‪“ :‬نحمل زادنا من الماء لمدة شهر أو اثنين في جلود الظباء على جمال نكتريها‬
‫‪”.‬ونترك النساء مع الكالب التي ال تذهب في “القيماره” (الصيد) هذه المرة‬

‫ويواصل الشرح‪“ :‬تتبع الكالب آثار “الوحش” (يطلق على الطريدة‪ :‬غزالن ظباء‪ ،‬مها…) بواسطة‬
‫الشم”‪ .‬ويضيف‪“ :‬ليس للظباء بصر حاد لكنها حساسة ما يجعلنا نأتيها من الجهة المعاكسة للريح‪،‬‬
‫وعندما نكون على مسافة معينة من الطرائد نطلق الكالب فيمسك بعضها باألنف ويمسك البعض اآلخر‬
‫بالقوائمـ إلى أن نصل‪ ..‬وحين ترى الكالب الدم سائال تتأكد من أننا ذبحنا الطرائد فتنطلق الى صيد‬
‫‪”.‬آخر‬

‫ويضيف‪“ :‬بعد االنتهاء من العملية نشعل النار بسرعة لنأكل ونستريح‪ ،‬ونبدأ بتشريح اللحم لتجفيفه‬
‫‪”.‬تحت الشمس‬

‫وتسأله “الوسط”‪“ :‬ماذا تفعلون بالحصيلة؟” فيرد‪“ :‬نترك البعض لالستهالك وندفع أجور الجمال‬
‫‪(.‬النصف) ونبيع الباقي لنشتري بثمنه ما نريد‬

‫ويقارن صدافه بين البندقية والكلب‪“ :‬لحظة يستعد صاحب البندقية للتصويب يكون الكلب بدأ يرقص في‬
‫أنف “الوحشية”‪ ،‬وحين يناور الصياد نكون نحن ذبحنا ظبيين‪ ،‬وعندما يطلق الرصاصة نذبح الثالث‪ ،‬أي‬
‫‪”.‬انه كلما اصطاد ظبياً تصطاد كالبنا ثالثة‬

‫‪:‬مهورهن كالب‬

‫تتجول كاميرا “الوسط” في الحي لتلتقط صوراً فتصادف متاعب‪ :‬هذا ينهر‪ ،‬وذاك يحذر‪ ،‬وتلك تشيح‬
‫بوجهها‪ .‬وتشتبك “الكاميرا” مع فتاة ويستخدم حاملها (الكاميرا) أساليب منها االستدراج والتلطيف و…‬
‫‪“”.‬حيال أخرى” أقنعت أمها بأنه “رجل مظبوط” (طيب)‪ .‬وتعود الكاميرا بصورة شبه “مسروقة‬

‫صد افه‪“ :‬هل يمكن الحصول على عروس هنا؟”‪ .‬يضحك فتبادره ‪“ :‬كم كلباً دفعت‬
‫وتسأل “الوسط” ّ‬
‫حينما تزوجت المومنة؟” فيرد‪“ :‬الكالب… آ…” فتقاطعه هي‪“ :‬مهري لم يدفع من الكالب فقد كان‬
‫‪” .‬قماشا‬
‫كان الكلب مهرا لها‬

‫‪ ‬‬

‫وتراجع دور الكلب في المهور والتجارة في الفترات األخيرة لدى “نمادى” الشرق والوسط‪ ،‬لكنه لدى‬
‫‪.‬مجموعة الجنوب الشرقي المعروفة بـ “الرويصات” ما زال يلعب دوراً أساسيا‬

‫ومهر “النمداوية” هو كلب وكلبة وقربة من اللحم المجفف وحبال من جلد المهاة‪ .‬والعالقة بين الرجل‬
‫والمرأة “سهلة” في شكل عام‪ .‬وال يخضع الزواج لدى مجموعة “الرويصات” – خصوصا‪ -‬للقواعد‬
‫‪..‬الدينية تماماً فالجماعة غارقة في بحر من الجهل‬

‫وقال مسؤول إداري في المنطقة لـ “الوسط” ان هناك “جهالً تاماً باألمور الدينية” مشيراً إلى أنه لمس‬
‫من خالل متابعة شؤون الجماعة ما يشبه “عدم وجود الطالق أو ضرورته فالمرأة التي تختلف مع‬
‫‪”.‬زوجها “تتزوج غيره من دون أن تطلّق شرعا‬

‫وال تتزوج بنات “النمادى” بفرعيهما من األغراب‪ .‬والفتاة “النمداوية” الرقيقة” جسدياً (النحيفة)‬
‫‪.‬والمشهورة بالجمال والحيوية‪ ،‬ظلت دائما محط أنظار األغراب‬
‫ويذكر التاريخ ان أمير قبيلة “إدوعيش” وهي قبيلة ذات شوكة وبأس بكار ولد سويد أحمد بذل جهوداً‬
‫‪.‬مضنية وأمواالً طائلة من أجل الزواج بنمداوية‬

‫وتذكر الروايات ان أميراً اختطف “نمداوية” فائقة الجمال وأسبغ عليها من التكريم والمال ما ال تحلم به‬
‫امرأة” إال أنها ظلت تبكي الى أن جاء زوجها “النمداوي” العجوز الذي يلبس مرقعات من جلد الغزال‬
‫ويحمل في يديه حذائين من جلد المهاة ويجر وراءه كلباً فابتسمت واعتدلت في جلستها‪ ،‬فقال االمير‪:‬‬
‫“عليك اللعنة تبكين مني وتضحكين لهذا القميء؟”‪ .‬وردت الفتاة‪“ :‬رغم قوتك وثروتك أحبه أكثر منك‪،‬‬
‫وكلب واحد من كالبه أفضل من كل جيادك”‪ .‬عندها قال األمير‪“ :‬اذهبي معه”‪ .‬فانطلقت تجري قائلة‪:‬‬
‫“ولد عمي بنعايلو وال عربي باحمايلو” (ابن عمي ولو لم يملك اال حذاءه وال عربياً بأحمال جماله)‪.‬‬
‫‪.‬وهذه المقولة أصبحت من األمثال السائرة في موريتانيا‬

‫‪:‬رحلة الشتاء والصيف‬

‫كانت المعلومات التي حصلنا عليها في رحلة البحث عن “الرويصات” غير مطمئنة وتشير في معظمها‬
‫‪.‬إلى أنهم اآلن بدأوا التوجه الى أراضي مالي‬

‫هذه الجماعة تنتقل على الحمير أو سيراً على األقدام في فصل الخريف داخل المناطق الجنوبية الشرقية‬
‫لصيد الغزالن وكل ما تصل اليه كالبها‪ ،‬وفي نهاية الخريف وأول الشتاء تتوغل شماالً الصطياد الخنازير‬
‫البرية‪ ،‬وفي نهاية الشتاء وأول الصيف تعود جنوباً حتى أراضي مالي لبيع لحم الخنزير البري المجفف‬
‫‪.‬الذي أضر بسمعتها “التجارية” في موريتانيا وحرمها من بيع أي لحم ولو كان لحم الغزال‬

‫‪.‬ويتعرض هؤالء الصيادون دائما للمصادرة من طرف حرس الحدود الماليين‬

‫يستقر الرأي في بعثة “الوسط” على االستمرار في البحث واالستعانة بالبدو لتحديد المكان الذي يمكن‬
‫‪”.‬التقاء “الرويصات” فيه‪ .‬وهم هنا ال يعرفون باسم “النمادي‬

‫إنهم فعالً بدأوا رحلة الصيف و”يمكن العثور على بعضهم في المنطقة المحاذية للحدود” يقول أحد“‬
‫‪.‬الرعاة‬

‫وننطلق في سرعة ال تسمح بها طبيعة األرض التي هي إما أودية عميقة أو ممرات صخرية ضيقة أو‬
‫كثبان رملية‪ .‬وتبقى كلمات‪“ :‬ال… ال أعرف… من هم؟” أكثر الردود التي نحصل عليها‪ .‬ونقرر العودة‬
‫‪.‬خشية نفاد رصيدنا من البنزين‬
‫ونسأل ونحن نعود رعاة إبل على الطريق فيقول احدهم‪“ :‬أنظر… أترى من يركبون على الحمير‬
‫‪…”.‬هناك؟” ونسأل في لهفة‪ :‬أين؟ فيرد‪“ :‬هناك… أنظر‬

‫ويطرح “النمادى” عموماً مشاكل حاول الرئيس الموريتاني السابق المختار ولد داداه التصدي لها من‬
‫خالل تحويلهم الى بدو عاديين‪ .‬ورصد أمواالً لهذا الغرض استخدمت في شراء أبقار لهم‪ .‬وحصلت أسر‬
‫عدة على “سبع بقرات لألسرة‪ ..‬لكن هذه األبقار اندثرت بسرعة”‪   ‬كما يقول مرزوك ولد بكار ألن‬
‫“النمداي” ال يتقن اال مهنة واحدة هي الصيد‪ ،‬وال يرغب اال فيها‪ ،‬وألن البقر مخلوقات ضعيفة أمام‬
‫‪”.‬الجفاف وال تصلح للصحراء‬

‫ويثني مرزوك على الرئيس السابق الذي “كان يرسل المساعدات الغذائية في أعوام الجفاف”‪ .‬ومرزوك‬
‫رب واحدة من خمسين أسرة “نمداوية” أرغمتها الظروف على التجمع في أطراف مدينة “والته”‪.‬‬
‫ويشتكي الرجل الذي يقيم مع أسرته وأوالده في كوخ بائس‪“ :‬هؤالء الرؤساء الجدد ال يقدمون لنا‬
‫‪”.‬شيئاً” ويضيف‪“ :‬قيل لنا لن تجدوا شيئاً قبل أن تستقروا وها نحن فعلنا ولم يتغير الحال‬

‫ويعمل مرزوك أحياناً في مشاريع عمومية لحفر اآلبار ويخرج للصيد نادراً وقال حميمد لـ “الوسط”‪:‬‬
‫“يستغلوننا هنا أبشع استغالل”‪ .‬وهو مثل غيره من نمادى” والته يبحث بأي طريقة عن مصدر للحياة‪.‬‬
‫ويشرح‪“ :‬انظر إلى غابة األشجار هذه‪ ،‬لقد غرسها “النمادى” على أمل الحصول على تعويضات‪ ،‬لكنهم‬
‫‪”.‬كذبوا علينا‬

‫ويشتغل “نمادى” والته في اطار مشروع “الغذاء في مقابل العمل” الذي تقدم بموجبه الحكومة‬
‫مساعدات غذائية غير مجانية للفقراء‪ .‬وهو يتركز على إقامة أحزمة من األشجار حول المدن المهددة‬
‫‪.‬بزحف الرمال وكذلك في المشروعات الزراعية الصغيرة‬

‫وتطرح مجموعة “الرويصات” مشاكل من نوع آخر فهي ترفض أي شكل من أشكال االستقرار‪ .‬وقال‬
‫مسؤول ‪  ‬إداري في المنطقة طلب من “الوسط” عدم ذكر اسمه‪“ :‬عقدت سلسلة اجتماعات مع هؤالء‬
‫حينما كانوا يمرون بالمنطقة وطلبت منهم ان يستقروا‪ ،‬ووعدت ببئر ومدرسة ومستوصف‪ ،‬لكن حديثي‬
‫‪”.‬نزل عليهم كالصاعقة‬

‫ونلحق بقافلة الحمير… رجل أو اثنان والباقي نساء‪ ..‬ونسأل “أين الرجال؟” فترد امرأة‪“ :‬لماذا؟”‬
‫ونلتقط صوراً وسط االحتجاج الذي ينتهي أخيراً بالقبول على مضض ونتجاوز بحثا عن األهم‪ .‬وعلى مد‬
‫‪.‬النظر يتراءى ما يشبه قطيع الغنم ‪”..‬ال انها ليست غنماً… انها‪ ..‬كالب!” يقول السائق‬

‫!‪..‬نحو عشرين أو ثالثين كلباً مربوطة بعضها ببعض يتقدمها رجل يحمل على ظهره بندقية‬
‫تجر د” الكاميرا” من غمدها ونلقي السالم فيرد بايماءة من رأسه ويواصل الهرولة ثم يتوقف فجأة‪:‬‬
‫ّ‬
‫…”“ماذا تفعل؟” وأرد‪“ :‬سألتقط صورة‬

‫يتحسس الرجل بندقيته ويقول‪“ :‬ان فعلت كنت طعاماً لهذه الكالب”‪ .‬وفي لحظة تتجه الضواري إلينا‬
‫وهي تطلق نباحاً يدفعك الى شفير الجنون‬

‫و”الرويصات” دون سائر “النمادى” عدوانيون منغلقون يرفضون الحديث إلى األغراب أو االختالط بهم‬
‫‪.‬وهم يتكتمون على أسرارهم‬

‫وقال مسؤول خدم في مقاطعات متعددة في المنطقة إن كالب “الرويصات” تطرح‪  ‬مشاكل أمنية وصحية‬
‫فهي “تعتدي على البشر والمواشي وتسرق بعض الممتلكات‪ ،‬وفوق هذا يخشى دائماً من أن تنشر بعض‬
‫األوبئ‬

You might also like