You are on page 1of 39

‫الجمهوريـ ــة الجزائريـ ــة الديمقراطيـ ــة الشعبيـ ــة‬

‫و ازرة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعـ ـ ـ ــة عباس لغرور‪ -‬خنشلة‪-‬‬


‫كلية العلوم االجتماعية واإلنلسانية‬
‫قسم العلوم االجتماعية‬

‫مــــــــــــــــــــــــــــادة ‪:‬‬

‫فــــــــرد وثقافــــــــة‬
‫السنة الولى علوم اجتماعية‬

‫الستاذ ‪ :‬بهتون نصر الدين‬

‫السنة الجامعية ‪0202/0202 :‬‬

‫‪1‬‬
‫أوال ‪ :‬مدخل مفاهيمي‬

‫" إن المة مجموعة متماسكة من الفراد وكلما كان الفرد سليما كان بناء المة سليما و كلما كانت أخالق‬

‫‪1‬‬
‫المة قوية نقية كانت اتجاهاتها سليمة وهدفها مستقيما" ‪.‬‬

‫بهذا الطرح الوافي نستهل كالمنا في هذا المقام على أهمية الفرد في بناء المجتمع وبنائه ‪،‬أي موقعه‬

‫ودوره فاالهتمام بالفرد هو سر نجاح األمم و الشعوب وبه صنعت حضارتها وامتدت ألحقاب من الزمن فالفرد‬

‫هو الذي يؤسس المجتمع ويشرع الحياة االجتماعية ويطور النظم فيه‪،‬الفرد هو طاقة قوية خلقه الخالق عز جالله‬

‫بإرادته وأعطى فيه روحه وهو أيضا سبحانه وتعالى يبرز لنا في القرآن الكريم مكانة هذا االنسان المنفرد الفرد‬

‫ان ِم َن ا ْل َكا ِف ِر َ‬
‫ين" (اِلية ‪43‬‬ ‫استَ ْك َبَر َوَك َ‬
‫يس أ ََب ٰى َو ْ‬
‫ِ‬
‫س َج ُدوا إِاال إِ ْبل َ‬
‫ِ‬
‫اس ُج ُدوا ِل َد َم فَ َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫بقول ــه تعالى " َوِا ْذ ُق ْل َنا ل ْل َم َال ئ َكة ْ‬
‫‪2‬‬
‫"إنه لما أظهر اهلل سبحانه للمالئكة فضل آدم‬ ‫من سورة البقرة) ‪،‬وقد جاء في تفسير الشيخ محمد حامد الفقي‬

‫بما أعطاه من نعمه العلم وأبان لهم عن استحقاق آدم االستخالف في األرض ‪،‬وقيامه فيها وولده بما قضاه اهلل‬

‫لهم وعليهم من مختلف الشؤون واألعمال ‪،‬أمر المالئكة حينئذ أن يسجدوا آلدم و أن يكونوا له تابعين ‪"....‬‬

‫إن هذا الوصف إنما هو تكريم لإلنسان كفرد ألنه يمكننا أيضا أن نعي منها أن اإلنسان كفرد عليه أن‬

‫يدرك حجم المسؤولية واألمانة وأن يدرك واجبه نحوها فوجود اإلنسان الفرد في الدنيا هو لغاية محددة ومحدودة‬

‫وهي عبادة اهلل ‪.‬‬

‫ولذلك نجد أن اإلسالم هو الدين الوحيد الذي أعطى أهمية للفرد باعتباره هو الذي يحقق المجتمع‬

‫المتراص ولم يهمل أي جانب من جوانب الحياة لنرى المسلم الحق قويا في كل ناحية من نواحي حياته ‪،‬قويا في‬

‫روحه وقويا في خلقه وقويا في جسمه وقويا في كل ما يعطيه لفظ القوة من داللة مصداقا لقوله (ص) "المؤمن‬

‫‪3‬‬
‫القوي خير وأحب هلل من المؤمن الضعيف "‬

‫السباعي – أخالقنا االجتماعية‪ -‬دار السالم للطباعة ‪-‬ص ‪. 50‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- www.alukah.net/sharria/0/82452 le 13-10-2017 21h50‬‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫" فالفرد يفكر ويشعر ويعمل بطرق محددة تحت مجموعة من الظروف التي تتضمنها البيئة االجتماعية وتعكس‬

‫التأثير الشامل للثقافة " ‪.1‬وعليه يحق لنا أن نتساءل من هو الفرد ؟ وما معنى الثقافة ؟‬

‫‪ -1‬مفهوم الفرد‬

‫يقول ديفيد ريسمان‪ ‬أن " الفرد نتاج المجتمع من ميالده إلى وفاته وال يستطيع الهروب من سيطرة أو‬

‫‪2‬‬
‫هيمنة تأثيرات األسرة والجماعة العمرية والمجتمع المحلي "‬

‫‪ -‬لغويا ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫كما أن معاني اللغة العربية ‪:‬‬

‫الفرد من اإلنسان وغيره‬

‫القوم ِفر ًادا ‪:‬و ً‬


‫احدا بعد واحد‬ ‫جاء ُ‬

‫فََرَد بأموره ‪:‬إنفرد بها واستقل بها‬

‫جاء َف ِرًدا ‪:‬واحدا‬

‫عمل َف ِرٌد ‪:‬متفرد‬

‫سيف ِ‬
‫فرٌد ‪ :‬ال نظير له‬

‫ب‪ -‬إجتماعيا ‪:‬‬

‫الفرد هو عكس الجماعة وأساس تكوينها كما أنه األساس في تشكل النظم االجتماعية فالزواج يبدأ من‬

‫الفرد وينتهي بأسرة فالمجتمع ‪،‬وأن الكثير من الصفات الفردية تؤثر على تلك التكوينات االجتماعية لذلك فإنه‬

‫يوعز الكثير من األهمية لتربية الفرد وتكوينه وتأهيله‪.‬‬

‫‪ -1‬حممد السيد أبو عال النيل – علم النفس االجتماعي –دار النهضة العربية – بريوت‪،‬لبنان‪ -5890 -‬ص ‪. 33‬‬
‫‪ - ‬منظر اجتماعي امريكي معاصر ‪.‬‬
‫‪ .-2‬معن خليل عمر – انشطار املصطلح االجتماعي –دار األمل للنشر والتوزيع – إربد ‪،‬األردن – ط ‪ – 5881-2‬ص ‪575‬‬
‫‪ .-3‬تعريف ومعىن الفرد يف معجم املعاين اجلامع –معجم عريب عريب ‪www.almaany.com‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ - 2‬مفهوم الفردانية ‪:‬‬

‫الفردية ليست فلسفة سياسية قائمة بذاتها وانما هي جملة أفكار مقتبسة من مذاهب فلسفية وفكرية‬

‫وممارسات سياسية وقد استقت الفردية أفكارها من الحركة االنسانية – النهضة األوروبية – االصالح الديني –‬

‫‪1‬‬
‫عصر التنوير – الليبيرالية ‪.‬‬

‫فالفرد هو انتماء خارجي للجماعة الصغيرة أو الكبيرة وأيضا هو انتماء داخلي للضمير المغروس فيه من‬

‫خالل العائلة ف ال يوجد فرد مستقل ذاتيا أو اجتماعيا ‪،‬إن العديد من االختالالت والمشاكل تظهر حينما يريد الفرد‬

‫أن يهرب من هيمنة الجماعة فيجد هيمنة ضميره ‪،‬واذا حاول اإلفالت من االثنين تالحقه هيمنة السلطة والقانون‬

‫كما هو الحال في حركة الهجرة ‪،‬فالعيش داخل المجتمع يتطلب حالة يمكن أن نسميها(اتزان الحال الفردية) و‬

‫يمكن أ نستدل عليها بذلك الفرد الواعي المدرك لواقعه وأبعاده ووفق ذلك يتصرف و ينشأ سلوكات وعالقات‬

‫‪...‬الخ‪ " ،‬ومنه نجد أن للفردانية معنيان في السياق االجتماعي أو أنها اتخذت اتجاهين األول أن الفرد هو‬

‫الحقيقة األولى والقيمة العليا المطلقة ويقدس مصالحه وحقوقه وأن مبادراته ال يجب أن تخضع ألي سلطة و‬

‫المعنى اآلخر هو الذي يضع الفرد كمقابل لمجتمع ومضاد له ألن المجتمع يسيطر على الفرد ويضع قيودا على‬

‫‪2‬‬
‫‪،‬لذلك فإننا نجد المجتمع بمؤسساته ونظمه وأنساقه يضع‬ ‫مبادراته وسلوكاته ويضحي به من أجل الجماعية "‬

‫القوانين والحدود للفرد ويسلط عليه العقاب بنظرة سلطوية ومن منطلق أهمية الجماعة وحفاظا على الحياة‬

‫الجماعية من أخطاء الفرد ‪،‬مما يخلق لدى الفرد العديد من اإلف ارزات كالعدوانية و االنطواء والعزلة كما يولد لدى‬

‫الفرد تراكما من األسئلة حول مصيره و أهميته ‪ .‬وأيضا عالقته بالمجتمع ‪،‬إن هذا الطرح يجعلنا نفكر بعمق في‬

‫ما يمكن أن ينطوي عليه الفرد من خالل فرديته أو بسؤال آخر ماهي الفردية ؟‬

‫‪ -1‬عبد اجمليد لبصري –موسوعة علم االجتماع – دار اهلدى –عني مليلة‪،‬اجلزائر‪ -2555 -‬ص ‪327‬‬
‫‪-2‬عبد اجمليد لبصري – مرجع سبق ذكره – ص ‪( 327‬بالتصرف )‬
‫‪4‬‬
‫‪ -4‬مفهوم الفردية ‪:‬‬

‫في علم االجتماع مفهوم الفردية كعقيدة أخالقية ‪....‬إن الفرد حر وهو الذي يقرر مهنته ويختار شريكه‬

‫ويمارس معتقداته بكل حرية ويعبر عن آرائه أما استقالليته فهي حالة حقوقية يمكنها أال تتطابق مع األحوال‬

‫الواقعية أال تطابقا مثاليا ‪،‬نظ ار لوجود المحظورات الرسمية والعرقية التي تحد عمليا من الفرد واستقالليته ‪. 1‬‬

‫‪،‬كما أن دور كايم يخبرنا‬ ‫‪‬‬


‫ويالحظ ميشتل أن مصطلح الفردية حديث و استعمل أول مرة عام ‪2482‬‬

‫أن فكرة الفردية كانت مفقودة في المجتمعات البدائية البسيطة التي تميزت بوجود أدوار قليلة ‪....‬فكانت تتكون‬

‫‪2‬‬
‫من أشخاص متشابهين في شخصياتهم وأفكارهم وميوالتهم واتجاهاتهم والفرد يحب أن يعمل لصالح المجموع‬

‫إن التيارات واألفكار التي نادت بفكرة الفردية وقد أوجدت نظما بكاملها كالليبرالية التي مجدت الفرد من‬

‫منطلق تحرير نشاطه وانتاجه ونادت بتحرير كل حياته من شعاراتها " دعه يعمل أتركه يمر " ونادت لحرية‬

‫السوق لكي يتمكن األفراد من ممارسة اقتصادهم كما دعى لذلك آدم سميث كما أن أهم زاوية يمكن أن ننظر‬

‫منها إلى الفردية هي االصالح الديني والذي كان مرتكزه الرئيس هو الفرد وأول ذلك أنه أسس لعالقة الفرد بربه‬

‫دون واسطة من أي جهة وهذا ما ذهب اليه االجتماعي األلماني ماكس فيبر حين درس األخالق البروتستانتية‬

‫وروح الرأسمالية ‪ 2208‬والتي كانت دعما الزدهار الليبرالية ‪.‬‬

‫" ويقول دور كايم أن نظام تقسيم العمل الذي يعتمد المجتمع هو أساس تمييزه بالطابع الفردي والذي ال‬

‫يلبث أن يتطور ويدخل في نفسية الفرد ‪.....‬و هنا يظهر القانون الفردي الذي يدافع على الحريات الفردية‬

‫ويحميها وهذا كله يؤدي الى وجود مجتمع يعتقد بغايات تتعلق بكرامة الفرد واستقالليته وحمايته"‪.3‬‬

‫إستنتاج ‪ :‬نستطيع القول أن الفردية هي حالة الفرد دون غيره وليست هي االنعزال بل هي ممارسة الحياة‬

‫االجتماعية بما يراه الشخص مناسبا له ويضمن له ذلك ‪.‬‬

‫‪ -1‬خليل أمحد خليل – مفاهيم أساسية يف علم االجتماع – دار احلداثة للطباعة والنشر والتوزيع – بريوت ‪،‬لبنان – ط ‪ – 5891 –5‬ص ‪. 571‬‬
‫‪-‬من طرف العالم تايكو فيلي في كتابه "الديمقراطية في أمريكا " نشر في ‪. 0481‬‬
‫‪ -2‬عبد اجمليد لبصري – مرجع سبق ذكره – ص ‪ ( 327‬بالتصرف )‬

‫‪-3‬دينكن ميتشيل –معجم علم االجتماع – ترمجة احسان حممد احلسن –دار الطباعة‪-‬بريوت‪،‬لبنان –ط ‪-5891-2‬ص ‪. 523‬‬
‫‪5‬‬
‫إننا إذا ركزنا فيما طرحه دور كايم يمكننا أن نعي د إنتاج فكرة أخرى هي تقسيم العمل هو الذي ينتج‬

‫الفردية كطابع لنفسية الفرد واذا تطور هذا الجانب النفسي قد يؤدي إلى المطالبة بقانون فردي وظهور الحريات‬

‫الفردية و الدعوة الى حمايتها وهذا كله يتم في حركية مجتمعية تخلق وعي اجتماعي يتعلق بكرامة الفرد من‬

‫حيث االستقاللية والحماية أي أننا بهذا الطرح ننطلق من الفرد الى المجتمع أو تكوين مجمع ‪.‬‬

‫إن الفرد هو الذي يمارس وينجز ويفكر وينفذ حياته وبعد هذا ينضج كل ذلك بإسم الجماعة ‪،‬إن تطور الحياة‬

‫االجتماعية واختالف أوجهها هو ما يصطلح عليه بالثقافة فما هي الثقافة وما عالقتها بالفرد ؟‬

‫يمكن اعتبار الثقافة شيمة البنيوية والوظيفية وبمثابة إطار فكري وجذر فكري انطلقت منه‬ ‫‪-3‬الثقافة ‪:‬‬

‫وتطورت نظريات و أبحاث خصبة وبمثابة تَمثُل فكري للمجتمعات ‪.‬والمقصود بالثقافة "منظومة القيم األساسية‬

‫‪1‬‬
‫للمجتمع "‬

‫الثقافة مجموعة من المعطيات‪:‬يجب أن نفكر هنا في التعريف للثقافة لتايلور و الذي أعطى بالتقريب‬

‫من طرف كل التخصصات" الثقافة أو الحضارة هي ذلك الكل المركب الذي يضم المعرفة‪،‬اإليمان‪،‬الفن‪،‬القواعد‬

‫األخالقية والقانونية‪،‬األعراف وكل تلك العادات والتقاليد وتكتسب من طرف االنسان بصفة عضوا في المجتمع‬

‫"‪، 2‬إن هذا التعريف كما سبق ذكره يعد أوليا وشائعا في استخدامه بل أنه أعطى مجاال متسلسال لمفهوم الثقافة‬

‫من خالل مكونات يدركها الفرد كما الجماعة وهو بهذا يجعل الثقافة إطا ار عاما يميز حياة اإلنسان في أي‬

‫مجتمع كان وهذا ما أدى بالبعض إلى التفريق بين الثقافة وما سواها من مفاهيم أخرى كالحضارة والتي قد تعني‬

‫شواهد وانجازات تعبر عن مستوى معين من التطور و التقدم بينما الثقافة وكأنها وصف لما هي عليه حياة‬

‫األفراد والجماعات في حكم نظام اجتماعي معين ولذلك يقال ( ال نستطيع أن نقول عن أي شعب أنه متحضر‬

‫ولكن تستطيع أن تقول أن له ثقافة )وهي بهذا المدلول على نوعية الحياة دون أن نخفي التأرجح الذي يصادف‬

‫الكثير في محاوالتهم إلعطاء حدود كرية للثقافة أو حتى خارج ذلك وهذا ما أنتج كما كبي ار من التعاريف التي‬

‫‪-1‬خليل أمحد خليل – مرجع سابق –ص ‪. 91‬‬


‫‪2‬‬
‫‪-Joseph Sumpf et Michel Hugues –Dictionnaire de Sociologie ,Larousse-Imprimerie Hérissey-‬‬
‫‪1974- p 75 .‬‬
‫‪6‬‬
‫أعطيت للثقافة "هذا وقد استعرض كروبيير و كالكهون ما يزيد عن مائة وستون تعريفا للثقافة والمفاهيم‬

‫المرتبطة بها" ‪.1‬‬

‫وبالطبع سوف لن نضيف عن هذا ولن تستطيع ذلك لفيض ماهو متوفر وعليه سنلجأ الى تقديم تعريفين‬

‫األول غربي و الثاني عربي ‪.‬‬

‫التعريف الغربي ‪ :‬تعريف مالينوفسكي " هي تلك الميراث االجتماعي الذي يشتمل على العناصر المادية‬ ‫‪-2‬‬

‫ال موروثة والسلع والعمليات التقنية واألفكار الفردية والقيم ‪،‬ويعتبرها وسائل أدائية فعالة تكون اإلنسان عن طريقها‬

‫في وضع أفضل ليساعده عل اإلحاطة بالمشاكل الملموسة التي تواجهه في بيئته وهو في سباق وكفاح من أجل‬

‫إشباع حاجاته ‪.‬‬

‫التعريف العربي ‪:‬تعريف مالك بن نبي الثقافة هي مجموعة من الصفات الخلقية والقيم االجتماعية التي‬ ‫‪-0‬‬

‫تؤثر في الفرد منذ والدته لتصبح الشعوريا تلك العالقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه‬

‫فهي على هذا المحيط الذي يشكل فيه الفرد طابعه وشخصيته وحيث تتكون ثقافة مجتمع بهذا الشكل فإنها تخلق‬

‫تاريخ حيث تولد العالقة بين الثقافة والتاريخ ‪،‬إذ ليس ثمة تاريخ بال ثقافة فإن الشعب الذي يفقد ثقافته يفقد حتما‬

‫تاريخه "‪.2‬‬

‫نستنتج أن مالينوفسكي قد أحاط بعناصر معينة ضمنها تعريفه للثقافة وشملت وسائل وتقنيات وقيم‬

‫والخ‪، ....‬وقد ربطها كلها بتلبية حاجات الفرد مقابل ما يواجهه من صعوبات ‪،‬أما مالك بن نبي فقد كان تعريفه‬

‫عميقا ويتكون من جزئين الول حصرها في صفات خلقية وقيم اجتماعية التي تتفاعل مع أسلوب الحياة في‬

‫الوسط وقد أعطانا صورته نرى من خاللها البيئة االجتماعية الثقافية ومكوناتها وهي االنسان ‪،‬األخالق ‪،‬القيم أما‬

‫الجزء الثاني فقد جعلها محيط ترتسم فيه شخصية الفرد وهنا نجد ثالثة عناصر هي المحيط ‪،‬الشخصية والفرد‬

‫وبعد هذا أحالنا على نتيجة عامة هي أن الثقافة تاريخ فال وجود لهذا األخير دون ثقافة فالتراكم المميز لها هو‬

‫ما يصنع التاريخ و أن فقدان الثقافة هو فقدان لهذا األخير ‪.‬‬

‫‪ -1‬طالل عبد املعطي مصطفى – أحباث يف علم االجتماع نظريات ونقد –دار هاري‪-‬دمشق‪،‬سوريا‪ -‬دط‪ -‬دس‪ -‬ص ‪. 515‬‬
‫‪-2‬املرجع السابق – ص ‪. 512‬‬
‫‪7‬‬
‫‪-5‬عالقة الفرد بالثقافة ‪:‬‬

‫عالقة الفرد بالثقافة هي عالقة ترابط و تكامل ‪،‬فالفرد هو العنصر والمخلوق الثقافي الذي يحيى في بيئة‬

‫ثقافية تتزاحم فيها المركبات وقد تتواءم كما قد تتعارض وتتناقض والثقافة بالنسبة للفرد هي إطار خاص وتشكيلة‬

‫مميزة له ‪،‬ف الفرد الذي نشأ في مجتمع محافظ حتما سيكون محافظ و العكس صحيح ‪.‬واإلنسان مزود بخاصية‬

‫التثاقف أي أنه مولع باألخذ من اآلخرين واعطائهم أيضا ويتبادل الخبرات ويتحسب في ذلك كل ما يضفي عليه‬

‫األفضل واألحسن في شتى صفاته ومواصفاته " تعتبر الثقافة أساس الوجود اإلنساني فهي توفر للفرد صور‬

‫السلوك والتفكير والمشاعر التي ينبغي أن يكون عليها في حياته االجتماعية " ‪.1‬‬

‫وعليه الفرد يولد ويوجد ويعيش في بيئته وفق مقومات وتراكمات ثقافية و هي التي تعطيه الطاقة‬

‫لالستمرار في حياته من جهة ومن جهة أخرى فهو من يطور ويضيف في تلك الثقافة من خالل ممارسته للحياة‬

‫االجتماعية " والوسط الثقافي له دور في بناء شخصية الفرد ‪،‬ومن هنا كان اجتهاد العلماء المسلمين بأنه ال‬

‫يجوز لمسلم أ‪ ،‬يقيم في بلد يخشى فيه على عقيدته أو يمنع فيه من ممارسة عبادته "‪.2‬‬

‫فالوسط الثقافي هو الذي يحمل مواصفات معينة ي لقيها على أفراده ‪،‬فمثال المجتمع الرأسمالي أوجد أفراد‬

‫يجنحون الى االستقاللية والحرية الفردية بمقومات وأخالق وقيم تتماشى مع ذلك ‪،‬كما أن الثقافة االسالمية‬

‫أوجدت أفراد لهم صفات ومقومات تختلف عن الثقافة المسيحية ‪،‬كما أن هناك مسألة مهمة البد من توضيحها‬

‫وهي أن ال فترة المبكرة من حياة الفرد تتميز بالخضوع واالستسالم التام للتأثير الثقافي المحيط به إال أنه في‬

‫مراحل بلوغه ورشده قد يفلت من الكثير من ذلك باكتسابه القدرة على االختيار والتمييز ‪.‬ومن هنا يمكننا أن نمر‬

‫إلى طرح آخر يتعلق بالفرد والطبيعة‪.‬‬

‫‪ -1‬مراد زعيمي – علم اإلجتماع رؤية نقدية – مؤسسة الزهراء للفنون املطبعية – قسنطينة‪،‬اجلزائر –دط‪ – 2551 -‬ص ‪. 352‬‬
‫‪ - 2‬املرجع السابق – ص ‪. 353‬‬
‫‪8‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الفرد و الطبيعة ( إشكالية الطبع والتطبع )‬

‫يولد اإلنسان الفرد في الطبيعة أقل ما يقال عنها أنها تبدأ بالفطرة اإلنسانية التي يشترك فيها مع كل بني‬

‫جلدته ‪،‬فصفة اإلنسانية ال يمكن أن يحرم منها أي شخص ‪،‬خلق من أجل أهداف ويموت من أجل أخرى ‪،‬فعلم‬

‫النفس ركز على ما يعرف بالفرد اإلنساني ‪،‬فالطبيعة كما تمثل المحيط بالفرد هي أيضا ما يعيه ويدركه حول‬

‫هذا المحيط وحول نفسه ‪ .‬إننا كثي ار ما نستفهم عن الطبيعة هل هي قوة خارجة عن ذواتنا ؟ أم هي ما يوجد فيها‬

‫؟كما أننا في مواقف كثيرة نصف أفعالنا أو أفعال غيرنا بأنها طبيعية ‪،‬كما أننا ندرك مدركات أساسية نعتقد فيها‬

‫أن الحياة طبيعية كما الموت أيضا ‪ ،‬وبطرح آخر قد نخاف من الطبيعة التي نحن موجودون فيها وتحيط بنا وال‬

‫نؤمن النقالب الطبيعة ‪،‬إن هذه الطروحات وغيرها كثيرة ومتعددة حتى أننا إذا وصلنا نبأ عن وفاة شخص ما‬

‫نسأل عنه هل وفاته أو م وته طبيعية ؟ وكأننا نملك في أذهاننا صورتين للموت وبمجرد أن يذكرنا أحد بحقيقة‬

‫الموت عن أنها واحدة نحس بتراجع على مستوى إدراكنا للحقيقة ‪.‬‬

‫وعليه فإننا سنحاول من خالل ما سيأتي أن نطرح إشكالية الطبع والتطبع من منظور أن الفرد به ما هو‬

‫طبع في كثير من وجوده وبه لذلك ما هو مستجد متغير أيضا ‪.‬‬

‫‪-1‬التأمل في الطبيعة ‪:‬‬

‫لم يهمل التأمل الفلسفي رؤيته الى الطبيعة ومحاولة فهمها وتقديم أجوبة ألسئلة كثيرة ميزت حقبا من تاريخ‬

‫اإلنسانية وسنحاول في هذا المقام أن نعرض بعض تلك التأمالت وأهمها لفالطون وأرسطو كما للفرابي وابن‬

‫سينا ‪.‬‬

‫أفالطون (‪ ) 434 – 324‬ق‪.‬م‬

‫" وقد ذكر أفالطون في محاورة (طيماوس ) التي خصصها لتفسير التكوين الطبيعي للعالم ‪،‬أن الصانع‬

‫أحدث العالم محتذيا بالمثل أي أنه ركب الصور المأخوذة عن المثل في المادة الخام ‪....‬أن الصانع مصدر‬

‫‪9‬‬
‫الخير والخير ال ينتج إال الخير ‪، 1"...‬إن أفالطون كما جاء في تفسير محادثته يستخدم الرمزية فهو يرى أن‬

‫المادة كانت تتحرك حركة عشوائية غير منتظمة وأن الصانع تدخل وجعل لها انتظاما وترتيبا وهذا تشمله أزلية‬

‫الزمن وتلك هي الطبيعة حسبه من منطقه العقلي ‪.‬‬

‫أرسطو (‪ )422-483‬ق‪.‬م‬

‫أما أرسطو فهو فيلسوف وجودي واقعي وهو مصدر الوجود العقلي ‪،‬فقد تلخصت تأمالته في الطبيعة‬

‫‪2‬‬
‫الحركة‪،‬العلة ‪،‬المكان‪،‬الزمان والكون و بتلخيص شامل لهذه‬ ‫في العديد من المباحث أهمها خمسة وهي ‪:‬‬

‫العناصر فإن الوجود الحقيقي هو الوجود الطبيعي والذي يعني حسب أرسطو الوجود المادي المتحرك في حركة‬

‫محسوسة وهذه األخيرة تتطلب علة تكون سببا لها ال ذاتها وحصرها في أربع علل مادية ‪،‬صورية ‪،‬فاعلة وغائية‬

‫‪،‬يمكن أن نعبر عنها بـ (ما منه الشيء‪،‬ماهية الشيء ‪،‬مابه يصير الشيء وما من أجله الشيء )‪،‬ما تستلزم‬

‫الحركة ما فيه يتحرك أي المكان وهو الحيز الذي تنتقل فيه علة الحركة وتتعاقب فيه األجسام وتنشأ منه الجهات‬

‫فوق ‪،‬تحت ‪ ...‬الخ ‪،‬كما يلزم ذلك زمنا والذي تختلط به المادة فيصبحان واحد فالزمان حسبه حركة غريبة تقترب‬

‫من الالمعلوم مع أنه يمثل الماضي والحاضر والمستقبل ‪،‬أما الكون فهو كروي بحركة دائرية يمثل األزلية ويمثل‬

‫الحركــة الالمحدودة و هو األفضل في الشكل والحركة و األبعاد ‪.‬‬

‫" ومذهب أرسطو في الطبيعة والحياة مذهب غائي فالطبيعة عنده ليست كتلة من الحوادث الهوجاء وانما‬

‫هي ممتلئة بالمظاهر التي يدل نظامها على أنها تتجه نحو هدف معين "‪، 3‬معنى ذلك أن الغائية هي ارتباط‬

‫الوجود بما خلق ووجد له في سلسلة من األهداف التي تدل على تلك الحقيقة فكل شيء في الطبيعة – كاإلنسان‬

‫– له خصائصه وارادته وغاياته هذه هي نظرية اإلنسان األكبر و اإلنسان األصغر التي يسيطر على الفكر‬

‫الفلسفي القديم "‪.4‬‬

‫‪-1‬حممد عبد الرمحان مرحبا – من الفلسفة اليونانية اىل الفلسفة االسالمية – ديوان املطبوعات اجلامعية‪/‬منشورات عويدات ‪،‬بريوت ‪،‬لبنان –اجلزائر – ط ‪– 3‬‬
‫‪-5893‬ص ‪. 532‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق – ص[‪( ] 591-519‬بالتصرف )‬
‫‪-3‬حممد عبد الرمحان مرحبا – مرجع سبق ذكره – ص ‪. 580‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق – ص ‪. 580‬‬
‫‪10‬‬
‫الفرابي ‪ 848( :‬م– ‪058‬م )‪254(/‬ه‪440-‬ه )‬

‫هو صاحب أقوى نظرية فلسفية في تفسير نشأة األشياء واختالفها فقد أرجع ذلك إلى اختالف األجسام‬

‫السماوية كما أن مذهب الفرابي في هذا المجال المتعلق بالطبيعة والوجود يعد من أهم المذاهب وأجملها فهو "‬

‫يقوم عل األفكار القديمة التي تقول بتأثير العالم األعلى في العالم األسفل تأثير الكواكب و النجوم و األكر‬

‫السماوية في حياتنا اليومية "‪، 1‬هذه هي قاعدة المذهب الفرابي في تفسير الطبيعة والتي ال تخلو من القاعدة‬

‫الرسطوطالسية وهي تقول بوجود عالمين علوي وسفلي إال أن فرابي يفسر قاعدته بطرح آخر فهو يعتقد أن كل‬

‫شيء في العالم األ سفل إنما يعود إلى العالم األعلى أو ما يسميه بالجسم السماوي ‪،‬فإن جوهر الجسم السماوي‬

‫وطبيعته وفعله أن يلزم عنه أوال وجود المادة األولى ثم بعد ذلك يعطي المادة األولى كل ما في طبيعتها‬

‫وامكاناتها واستعدادها أن تقبل من الصور الكائنة ما كانت ‪،‬ذلك أن الموجودات التي دون األجسام السماوية هي‬

‫‪2‬‬
‫في نهاية النقص في الوجود"‬

‫إن الفرابي قد أعطى تفسيره إلى قوة ما فوق العالم الذي نوجد فيه وتلك هي الطبيعة التي تتجسد في‬

‫التشابه واالختالف والتضاد ‪،‬كما أنه "يحصل عن األجسام السماوية وعن اختالف حركتها أالسطقسات‪،‬أوال ثم‬

‫األج سام الحجرية ثم النبات ثم الحيوان غير الناطق ثم الحيوان الناطق ويحدث أشخاص كل نوع منها على‬

‫أنحاء من القوى كثيرة ال تحصى "‪.3‬‬

‫ابن سينا (‪088‬م‪ 1854-‬م) ‪448(/‬ه – ‪ 328‬ه )‬

‫من مؤلفاته "النجاة" "رسالة في العشق " فهو يصف الطبيعة من خالل ما طرحه الفرابي (معلمه)كما أننا‬

‫نجد تسلسال لألفكار يبقي على فكرة األجسام السماوية في في تأثيرها على ما دونها وتحتها إال أن ابن سينا قد‬

‫طرح أن " األجسام الموجودة بما هي واقعة في التغير وبما هي موصوفة بأنحاء الحركات والسكونات"‪ ، 4‬وحسبه‬

‫‪ -1‬املرجع السابق – ص ‪. 121‬‬


‫‪-2‬حممد عبد الرمحان مرحبا – مرجع سبق ذكره – ص ‪. 121‬‬
‫‪-‬العناصر األربعة ‪:‬الماء‪،‬الهواء‪،‬النار و التراب ‪.‬‬
‫‪-3‬حممد عبد الرمحان مرحبا – مرجع سبق ذكره – ص ‪. 121‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق – ص ‪. 052‬‬
‫‪11‬‬
‫أن هذا هو موضوع الطبيعة وقد ربط ذلك بالمادة والصورة فاألولى هي بمثابة المحل والثانية هي ما يحل في‬

‫ذلك المحل كعالقة التمثال بالنحاس ‪،‬كما أنه طرح فكرة مهمة حول القوى السارية في األشياء ‪،1‬وقال أنها ثالثة‬

‫قوى ‪،‬األولى قوى سارية في األجسام فيها كما لها وأشكالها ومواضعها الطبيعية وأفعالها ‪،‬فإذا انحازت على ذلك‬

‫ردتها تلك القوة والثانية قوة تفعل في األجسام أفعالها من التحريك أو التسكين وحفظ نوعها ‪،‬ومنها من غير‬

‫اختيار وال معرفة فتكون نفسا نباتية ومنها القدرة على الفعل مع تنافي اإلدراك فهي نفسا حيوانية ولبعضها‬

‫اإلحاطة بالحقائق على سبيل الفكرة والبحث وهذه نفسا إنسانية ‪.‬‬

‫هذه هي باختصار بعض الت أمالت الفلسفية للطبيعة رأينا من خاللها كيف أن الفالسفة والمفكرين منهم‬

‫واإلسالميين نظروا الى الطبيعة من خالل عنصر مشترك وهو الوجود وذهبوا في ذلك الى وصفه وذكر عناصره‬

‫ومركباته ‪،‬فما يمكن أن نستنتجه من هذا أن الطبيعة كانت مصدر تأمل والهام لإلنسان وكان من خالله باحثا‬

‫عن نفسه وموضعها وداللتها لجأ أحيانا الى تفسير خارج عنها و آخر منطلقا منها و عليه نستطيع أن نختم هذا‬

‫العنصر بالقول أن الطبيعة حركت في اإلنسان طبيعته وجعلته يبحث في جوهرها من خالل ما يعيشه ويمارسه‬

‫من ثقافة ولذلك ظل السؤال األول يالزمه في كل ذلك‪،‬هل هذا طبيعي أم ال ؟‪،‬ومنه سننتقل إلى عنصر نطرح‬

‫فيه مشكلة الطبيعة والثقافة ‪.‬‬

‫‪-2‬مشكلة الطبيعة والثقافة ‪:‬‬

‫في هذا الطرح سوف نلجأ إلى ما تناوله كلود ليفي ستروس‪ ‬في كتابه " األبنية األولية للقرابة " و الذي‬

‫يعد أهم المراجع في العلوم االجتماعية وقد عالج فيه أحد أهم المشكالت االجتماعية واألنثروبولوجية خاصة‬

‫وهي مشكلة الطبيعة والثقافة الى جانب مشكلة تحريم الزواج من المحارم ومنه " يعتبر مفهوم الطبيعة عند ليفي‬

‫ستروس العمومية أو التلقائية حتما تعبر الثقافة في مقابل ذلك عن النسبية وعلى هذا يرى أن كل ماهو عام‬

‫‪ -1‬املرجع السابق – ص ‪ ( 051‬بالتصرف )‬


‫‪-‬عالم اجتماع فرنسي يعد أهم رواد البنيوية أو البنائية و رائدها المعاصر من مؤلفاته ما ذكر أعاله إضافة إلى العرف والتاريخ (‪-)0591‬‬
‫األنثروبولوجيا البنيوية (‪ -) 0594‬الطوطمية اليوم (‪) 0591‬‬
‫‪12‬‬
‫لدى االنسان يمكن ارجاعه الى الطبيعة ويتميز بالتلقائية كما أن كل ما يخضع إللزام القوانين االجتماعية ينسب‬

‫الى الثقافة ويتميز بالنسبية و الجزئية "‪.1‬‬

‫فقد رأى ليفي ستروس من خالل تحليله لنظام القرابة أن هناك مواجهة وتضاد بين الطبيعة والثقافة حيث‬

‫أن إتصال الجنسين(إمرأة ورجل ) هو حالة طبيعية في مبدأ وتكونها تابعة الى قوة أقرب الى الفطرة ثم تتدخل‬

‫الثقافة بما تحمله من قوانين وقيم ومعايير لتنظم هذه الطبيعة فتحرم زواج المحارم ‪،‬ولكن اعتقادنا أن هذا التحريم‬

‫هو شائع ومنتشر كمبدأ عمومي بين كل المجتمعات والديانات وبالتالي فهو من الطبيعة ‪،‬فحسب ليفي ستروس‬

‫تلبية الغريزة الجنسية هو من الطبيعة ولكن تنظيمها واخضاعها الى قوانين ونظم معينة كالزواج هو ما يعرف‬

‫بالثقافة ‪،‬كما يحيلنا ليفي ستروس على فكرة أخرى هي نسبة التقابل بين الطبيعة والثقافة " يرى أن هذا التقابل‬

‫بين الطبيعة والثقافة –مهما يكن من شأنه‪ -‬فما هو اال مجرد تقابل نسبي نظ ار ألن الطبيعة مفعمة منذ البداية‬

‫أن فكرة التقابل ال تمثل‬ ‫‪‬‬


‫بالثقافة ‪،‬كما يذكر في المقدمة الجديدة التي صدر بها الطبعة الثانية من هذا الكتاب‬

‫معطى أوليا أو مظه ار موضوعيا لنظام العالم بل هي مجرد فرض من خلق الثقافة نفسها " ‪.2‬‬

‫كما أن ليفي ستروس ذهب إلى أبعد من ذلك محاوال إعطاء تحليال أشمل و أعمق لما يربط الطبيعي‬

‫بالثقافي فحسب نظريته الهادفة إلى " محاولة إكتشاف كيف أن العالقات معينة توجد في الطبيعة –كما يدركها‬

‫المخ االنساني‪ -‬يمكن أن يتولد عنها نتاج ثقافي يشمل هذه العالقات "‪.3‬ومن هذا ما يوجد في ألوان الطيف‬

‫الشمسي الذي يمتد من لون الى آخر ‪،‬أحمر أزرق أخضر أصفر فإن إدراك االختالف بينها هي من عمل المخ‬

‫االنساني والوصف الطبيعي المشترك بينها هو أن كل منها ضد اآلخر ‪،‬فاللون األحمر له مدلول يرتبط بالخطر‬

‫والدم ولذلك فإن سائق السيارة يتوقف عند الضوء األحمر ‪ "،‬وبهذا إستطاع المخ االنساني أن يجد تصو ار مناسبا‬

‫للتقابل الثنائي واختار األخضر واألحمر كثنائي للتقابل بين الطبيعة والثقافة‪ ،‬ويقول ليفي ستروس أنه " ينبغي‬

‫االعتراف‬

‫‪ -1‬فادية فؤاد محيدو‪ -‬البنائية عند ليفي سرتوس‪-‬دار املعرفة اجلامعية – اإلسكندرية‪،‬مصر‪-‬دط – ‪-2555‬ص ‪. 80‬‬
‫‪ -‬األبنية األولية للقرابة الطبعة ‪. 2‬‬
‫‪ -2‬فادية فؤاد محيدو – مرجع سبق ذكره – ص ‪. 80‬‬
‫‪ -3‬املرجع السابق – ص ‪. 87‬‬
‫‪13‬‬
‫بأن الثنائية أو التغاير والتقابل والسيميترية ‪،‬سواء كانت ظاهرة أو غير ظاهرة هي المعطيات األساسية والمباشرة‬

‫للواقع االجتماعي وأنها هي نقطة البدء بكل محاولة تفسير"‪ ،1‬و لم يفت ليفي ستروس أنه طرح كيف يتم‬

‫االنتقال من الحالة الطبيعية الى الحالة الثقافية حيث وضح ذلك من خالل ما يقع في نظام الزواج وذلك‬

‫باالرتباط الذي يحدث بين أشخا ص ليست فيهم روابط قرابية دموية بل أنهم ترابطوا عن طريق المصاهرة وتبادل‬

‫النساء وهو بذلك يكشف " أن الزواج القائم على روابط الدم أي العالقة البيولوجية يمثل المرحلة الطبيعية في‬

‫حين أن الزواج القائم على دوافع أخرى تكون اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية فإنه يمثل مرحلة ثقافية‬

‫(اجتماعية) "‪، 2‬ومنه فالفرد له طبيعة كامنة في جوهره بأنه كائن حي عاقل كما أن الذي يحيط به في حدود ما‬

‫سبق وجوده يعد طبيعة خلق بها وفيها ‪ ,‬كان يحمل االنسان صفة خلقية يقال لها الطبيعة أو طبع فيه كما يدخل‬

‫في هذا الطبع ما تحمله الوراثة الى االنسان الفرد من صفات و مميزات غاية في االختالف فالسلوك كوجه من‬

‫أوجه الطبيعة االنسانية وهو في ذلك حر في تدبر أمره وتنفيذ أعماله هذا من وجهة نظر عادية " أما حسب‬

‫وجهة النظر العلمية فيحدد سلوك االنسان بموجب خصائص وراثية التي تعود الى التاريخ التطوري للجنس‬

‫البشري "‪.3‬‬

‫‪-4‬الفرد بين الطبع و التطبع‬

‫تحيلنا هذه الفكرة القريبة من الجدلية الى وضع احت ارزات عديدة بل وأكثر من ذلك تخوفات من مسألة‬

‫الضبط في حد ذاته ‪،‬فالفرد كما طرحناه سابقا هو عكس المجمع والجماعة هو تلك الصفات المستقلة والدوافع‬

‫التي تخص شخص واحد حتى أن علم النفس قد ركز على مفهوم الفرد االنساني كما سبق ذكره ولذلك سنعمد‬

‫‪4‬‬
‫الى بناء سلسلة من العناصر نبدؤها بما يلي ‪:‬‬

‫الطبع لغة ‪ :‬طبع إسم جمعه طباع و أطباع‬

‫الطبع ‪:‬الخلق‬

‫‪-1‬فادية فؤاد محيدو – مرجع سبق ذكره – ص ص ‪.88، 89‬‬


‫‪ -2‬املرجع السابق – ص ‪. 555‬‬
‫‪ -3‬ب‪.‬ف‪.‬سكينر –تكنولوجيا السلوك االنساين –ترمجة عبد القادر يوسف – عامل املعرفة‪-‬دط‪ – 5889-‬ص ‪. 85‬‬
‫‪4 -www.almaany.com /le 26-10-2017‬‬
‫‪14‬‬
‫المثال والصيغة‬

‫علم الطباع (علوم النفس ) دراسة الصفات األكثر ديمومة من شخصية االنسان بمعناها االجتماعي واالخالقي ‪.‬‬

‫طبع ‪ :‬الفعل – طبع الشخص عل شيء جبل عليه إتصف به‬

‫وبهذا يتضح أن الطبع هو خصائص ثابتة تقريبا في الخلقة اإلنسانية بالتحديد و منها أيضا تطبع بتطبيع ‪،‬تطبعا‬

‫فهو متطبع و المفعول متطبع به ‪.‬‬

‫الطبع (الوراثة البيولوجية )‬

‫التطبع (التعليم االجتماعي )‬

‫إن هذه المسألة تعد حاضرة بقوة في النقاش حول مسائل التربية والتصنيف االجتماعي " فالمسألة التي‬

‫تطرح بإستمرار على اآلباء والفالسفة وعلماء اإلجتماع وعلماء النفس ترتبط بالدرجة التي تساهم فيها الوراثة‬

‫البيولوجية أو التعليم االجتماعي داخل األسرة والتعليم الرسمي في تكوين شخصية الطفل "‪. 1‬‬

‫إن هذه الصورة تعد بحق أحد الحقائق المرتبطة بإشكال نعيشه كأفراد بالنظر الى ما يبني شخصيتنا و‬

‫أيضا نعيشه كجماعات مسؤولة على النشء بل أبعد من ذلك فإن مسألتي الوراثة البيولوجية وما يرتبط منها من‬

‫سلسلة مواصفات جنينية تنتقل بين األ فراد عن طريق الوراثة العضوية بكل مداخلها العلمية تجعلنا نفكر بعمق‬

‫في عالقة ذلك بالحياة اإلجتماعية ؟ أو باألحرى قد يفكر أحد في ما يمكن أن ينقله إلى أبنائه أم أن األمر‬

‫يتعدى التفكير ؟ في كثير من المحاوالت فإننا نحس بالرضوخ لمسألة الطبع وكأننا أمام حتمية بيولوجية ال بد أن‬

‫نقبل بها ‪،‬فاإلجرام مثال حسب العالم " لمبروزو " ه مواصفات وراثية كما له جانب اجتماعي ‪،‬بما أننا نجد‬

‫طرحنا يقترب من محاولة معرفة األسباب و العوامل حول مسألة أشد عمقا ‪.‬‬

‫‪-3‬الطبع أم التطبع ؟‬

‫إن طرح مسألة للنقاش تتعلق بالطبع والتطب ع يحيلنا على فكرة ليست بالجديدة وخاصة ما تعلق بمسائل‬

‫التربية والتكيف و ما سبقهما من وراثة قد تصل الى حدود الفطرة االنسانية كما أنها ال تستطيع أن تتخطى‬

‫‪ -1‬جون برنارد – دراسات عائلية ‪،‬مدخل متهيدي – ترمجة أمحد رمو – منشورات دار عالء الدين للنشر والتوزيع والرتمجة – دمشق ‪،‬سوريا –ط ‪-5‬‬
‫‪ -2552‬ص ‪. 518‬‬
‫‪15‬‬
‫الجدل القائم في هذه المسألة ‪،‬فاألخالق مثال يعترف الكثيرين أن فيها من الطبع كما يلحقها اكتساب وتغير‬

‫بمعنى التطبع " و مما يدل على أن األخالق الفاضلة تكون طبعا و تكون تطبعا ‪،‬قول النبي (ص)ألشج عبد‬

‫القيس ‪،‬أن فيك لخلقين يحبهما اهلل الحلم و األناة ‪،‬قال يارسول اهلل أهما خلقان تخلقت بهما أم جبلني اهلل عليهما‬

‫؟ قال جبلك اهلل عليهما ‪،‬قال الحمد هلل الذي جبلني على خلقين يحبهما اهلل و رسوله "‪. 1‬‬

‫إن معاني هذا الحديث النبوي جلية في سياق حديثنا عن الطبع و التطبع وهو الذي ال ينطق عن الهوى‬

‫ففي أخالقنا إذا ما هو جلبة أوجدها الخالق سبحانه تعالى فينا بقدرته و إرادته ‪،‬كما أنه في المقابل لذلك نكتسب‬

‫أخالقا أخرى من خالل العملية االجتماعية ‪،‬فاإلنسان كنا يقال يولد كائنا بيولوجيا ويصير كذلك –أي إنسانا‪-‬‬

‫بالتنشئة االجتماعية أي أنه أصبح إجتماعيا ‪.‬‬

‫كما أن محور النقاش بين الطبع و التطبع قد أوجد طرحا ذو أهمية إختص به النفسانيون واالجتماعيون‬

‫خاصة و هو ما يعرف ( بالوراثة البيولوجية ) و (التعلم االجتماعي ) " و لطالما نوقشت هذه المسألة في الكتب‬

‫المدرسية بتعبير الطبع (الوراثة البيولوجية ) إزاء التطبع (التعلم االجتماعي ) وهذا النقاش هو أساس االنشقاق‬

‫بين أولئك الذين ينظرون إلى الكائنات االنسانية بالتعبير البيولوجي وأولئك الذين ينظرون إليها بالتعبير‬

‫‪2‬‬
‫االجتماعي "‬

‫فوفق هذا الطرح الحاد إذا نظرنا إلى األسرة من منظار الطبع أي بالنظرة البيولوجية فإننا نحس بدونية وال‬

‫فائدة من وجودها كمؤسسة كما أن كل ما نحمله حوله من مفاهيم حول بنائها ووظائفها سوف لن نجدله معنى‬

‫وقد يصبح األطفال عبارة عن أدوات مبرمجة وراثيا ‪،‬كما أن استنزاف التفكير حول الوراثة يجعلنا أكثر تعقيدا‬

‫وتعقدا في مسائل الجنس و النوع ( الجنس ‪:‬البيض و السود) (النوع ‪ :‬الذكر و األنثى )‪،‬إن التطرف في هذه‬

‫المسائل قد أوجدته إلى حد كبير هذه النظرة البيولوجية الحتمية ‪.‬‬

‫‪ -1‬فيصل بن عبدة قائد احلاشدي –األخالق بني الطبع والتطبع – دار اإلميان للطبع و النشر والتوزيع – اإلسكندرية ‪،‬مصر –دط – ‪– 2553‬ص ‪. 58‬‬
‫‪ -2‬جون برنارد – مرجع سبق ذكره – ص ‪. 518‬‬
‫‪16‬‬
‫أما من وجهة نظر اجتماعية تعنى بها التطبع فتجد أن األسرة هي بنية اجتماعية و ثقافية فيها البناء و‬

‫الوظائف وتحكمها قوانين التبدل والتغير وفق هذه النظرة فاألطفال هم نتاج نمط أسري بما يحمله من أسس في‬

‫التنشئة االجتماعية‬

‫‪ -5‬التطبع من خالل التنشئة االجتماعية ‪:‬‬

‫"إن التنشئة االجتماعية هي ‪ Socialisation‬في اللغة الفرنسية و ‪ Socialization‬في اللغة االنجليزية كما‬

‫أمكن العلماء من تحديد مصطلح عربي مقابل لها والمتمثل في مصطلح الجتمعة ولكنه قليل االستعمال والتداول‬

‫"‪.1‬‬

‫التنشئة االجتماعية عملية تشير الى عمليات كثيرة و متنوعة لـ " التعلم" الذي يصبح الطفل عن طريقه‬

‫عضوا راشدا ناضجا في المجتمع " ‪. 2‬‬

‫على الرغم من الكم الهائل من التعاريف التي أعطيت لعملية التنشئة االجتماعية إذ أننا نحس في أحيان‬

‫كثيرة أننا بحاجة الى فهم أكثر لمدلولها الخاص ولعل هذا التعريف قد أوجز لنا عناصر محددة أهمها ‪:‬‬

‫‪ -‬أنها تتضمن عمليات كثيرة ومتنوعة للتعلم‬

‫‪ -‬موضوعها الطفل‬

‫‪ -‬هدفها الرشد والنضج‬

‫‪ -‬ميدانها المجتمع‬

‫نستنتج أنها عملية مركبة من عمليات متنوعة كالحماية والمرافقة و التلقين ‪.‬‬

‫‪-6‬جدلية العالقة بين الوسط االجتماعي والوسط البيولوجي ‪:‬‬

‫البد أن نشير في هذا العنصر الى م سألة مهمة وهي أنه حدث تطرف بين فريقين نظراء الى قضية‬

‫النم ـ ــو العقل ـ ــي لدى أفراد فمنهم من انحاز الى الجانب الــبيولوجي و منهم من تطرف الى الجانب االجتماعي‬

‫و هذا ما أحدث بروز قطبين أعطى كل واحد آراء ناقضت الطرف اآلخر ‪،‬فمنهم من قال مثال أن الذكاء له‬

‫‪ -1‬فاتن حممد عبد املنعم عزازي –علم اجتماع واجتماعيات الرتبية – دار الزهراء – الرياض ‪،‬اململكة العربية السعودية – ط ‪– 2552-5‬ص ‪15‬‬
‫‪ -2‬جون برنارد – مرجع سبق ذكره – ص ‪. 505‬‬
‫‪17‬‬
‫بعد بيولوجي خالصا دون اعترافهم بالوسط االجتماعي وظروفه وخصائصه بل "ال تكتفي أنصار االتجاه‬

‫البيولوجي من ناحيتهم بتفسير الفوارق القائمة بين أفراد المجتمع وفقا لمعايير ومواصفات وراثية محددة و‬

‫إنما يذهبون الى تفسير نشؤ الحضارت وتكونها وفقا لمعايير وراثية وهذا ما ذهب اليه أرتو دو غوبينو‬

‫(‪ )2421-2440‬في كتاب ـ ـ ـ ـ ــه بحث في تفاوت العروق البشرية بأن أكثر العروق عاجزة عن بلوغ الحضارة‬

‫الى األبد ‪ ...‬و أن الشعوب التي لم تنجب حضارة هي عقيمة في تكوينها العروقي ‪،‬فإن فرنسيس غالتون‬

‫(‪ )2400-2222‬يبالغ في تطرفه العرقي إذ ال يرى في البيئة الصالحة ما يجعل اإلنسان عبقريا "‪.1‬‬

‫وقد اشتد هذا التطرف و أدى إلى ظهور وانتشار تيارات كبيرة حاولت بشتى األفكار أن تميل الكفة الى‬

‫الجانب البيولوجي وخاصة عندما ركزوا على عملية التعلم وربطوها مستقبال بعوامل وراثية محضة ‪.‬‬

‫في مقابل هذا هناك ف ريق آخر أعطى أهمية للبيئة والوسط االجتماعي و هو ما أثبته العالم السوفياتي‬

‫"إيفان بافلوف (‪ )2291-2482‬والذي أيد دور البيئة الحاسم في التعلم ‪.2‬‬

‫كما أن العالم السوفياتي ليسنكو صاحب نظرية وراثة الصفات المكتسبة أعد في عام ‪ 2248‬بيان قال‬

‫فيه بإمكانية انتقال ا لصفات المكتسبة بيئيا عن طريق الوراثة وبأهمية تأثير الوسط حتى في التكوين الوراثي‬

‫لألفراد ‪.‬‬

‫كما نادى في أمريكا عالم التربية الكبير إدوارد ثورنديك صاحب نظرية االرتباط و الذي تأثر به بافلوف‬

‫‪3‬‬
‫وواطسون في التركيز على الدور الحاسم للبيئة في عملية التحصيل العلمي و التربوي واعداد الشخصية ‪.‬‬

‫إن هذا االختالف يعود باألساس وبصفة خاصة من طرف أنصار االتجاه البيولوجي الذين ينظرون‬

‫الى االنسان من بيئته البيولوجية بإعتبارها مستقلة عن واقعه االجتماعي وهذا ما خلق صعوبات متعددة‬

‫‪4‬‬
‫ويمكننا تبعا لهذا أن نطرح مجموعة من اآلراء والمواقف العلمية لمعالجة المسألة فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل مشت اجمليدل وعلي أسعد وطفه‪-‬دراسات يف سوسيولوجيا الرتبية – االعصار للنشر والتوزيع –عمان‪،‬األردن‪-‬ط ‪ -2550- 5‬ص ص‬
‫‪. 592،593‬‬
‫‪ -2‬املرجع السابق – ص ‪. 593‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل مشت اجمليدل –مرجع سبق ذكره –ص ‪. 593‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق – ص ص ‪(591-590‬بالتصرف )‬
‫‪18‬‬
‫يرى جوليا جيرياكي ار أن البيولوجية ليست أم ار معطى فحسب و إنما هي حقيقة معاشة بالتجربة و‬ ‫‪-2‬‬

‫االكتساب ‪،‬وهذا منطلق تكاملي ‪.‬‬

‫يعلن عالم البيولوجيا جيان سينانت في مقال له بعنوان "البيولوجيا اليوم نحو ضبط اجتماعي جديد‬ ‫‪-0‬‬

‫أن قدرتنا العقلية مرهونة بالوسط الذي نعيش فيه إذ ال يمكننا أن نتحدث عن االنسان المجرد‬

‫‪،‬االنسان الذي يوجد في الفراغ المطلق ‪،‬بل عن اإلنسان في إطار شروط إجتماعية معينة ‪.‬‬

‫يكرس دونيس ليون مقاله "كل تطور نفسي هو تطور إنسان ما في مكان ما"‪،‬وهذا ما يرتبط مباشرة‬ ‫‪-9‬‬

‫بالتطور النفسي لإلنسان و تطوره البيولوجي في سياق اجتماعي معين ‪.‬‬

‫رائد علم االجتماع إميل دوركايم في كتابه "التربية والمجتمع "أكد أن اإلنسان الذي تحققه التربية فينا‬ ‫‪-8‬‬

‫ليس هو االنسان الذي تريده الطبيعة بل إنه اإلنسان الذي يريده المجتمع‬

‫ذهب م‪.‬ه جان و انطلق من مقولة دوركايم ليحدد معنى آخر وهو التفسير االجتماعي لبحث في‬ ‫‪-5‬‬

‫التأثير النفسي له ‪...‬فالتفسير الخارجي يتحول الى قسر ينبع من داخل الفرد نفسه ويسيطر عليه ‪.‬‬

‫إن هذه اآلراء قد ربطت بشكل مباشر بين الجانب البيولوجي لإلنسان وبيئته أي الوسط االجتماعي عامة‬

‫‪.‬إن تطور االبح اث البيولوجية قد أثبت أن التخلف العقلي هو تلف في خاليا لدى الكائن الحي ويمكن تجنب‬

‫ذلك إذا تلقى عالجا معينا ومرك از وهذا ما يعني في نهاية األمر أن الكثير من حاالت التخلف العقلي يمكن أن‬

‫تعود الى حاالت مرضية ناجمة عن ظروف الحياة السيئة للكائن االنساني ‪...‬و يمكن لنا القول مع وولف أن‬

‫الرضع الذين ينتمون الى األوساط الفقيرة قد أصابهم الضرر قبل معرفتهم للوسط الذي سيعيشون فيه ‪،‬وقبل‬

‫‪1‬‬
‫تواصلهم مع ثقافة الفقر التي تنتظرهم ‪.‬‬

‫‪-1‬عبد اهلل مشت اجمليدل – مرجع سبق ذكره – ص ‪ ( 597‬بالتصرف )‬


‫‪19‬‬
‫ثالثا ‪ -‬الفرد و الغير ‪ (:‬تحليل النزعة الغيرية )‬

‫الفرد والغير يمكن ترجمته بصورى مبدئية الى األنا و اآلخر ‪،‬فاإلنسان الفرد يمارس حياته مع غيره‬

‫وهذا ينصب كشرط أساسي ألن نتكلم على حياة جماعية وتفاعل و تضامن وتعاون وتبادل إذ أنه كما سبق و‬

‫أن ذكرنا أن دور كايم جعل المجتمع هو الضمير الجمعي وفهمنا لهذا الطرح قد نؤسسه من خالل مدخل الغيرية‬

‫وكيف يمكننا أن نحللها على ضوء ذلك ؟‬

‫مبدئيا دعونا ننظر الى المعنى اللغوي و الذي يقول ‪:‬‬

‫‪ -2‬غيرية ‪ :‬إسم ‪،‬مصدر صناعي من غير ‪،‬تفضيل اآلخرين على الذات ‪،‬نوع من السلوك يهتم بمصلحة‬

‫اآلخرين بدال من االهتمام بالمصلحة الشخصية عكس األنانية ‪.‬‬

‫يتميز بالغيرية ‪:‬اإليثار ‪،‬يفضل الغير على الذات خالف األنانية كون كل من الشيئين خالف اآلخر‬

‫غيري ‪ :‬إسم ‪،‬منسوب الى الغير (علوم النفس ) ميول الشخص وحبه وتفضيله بصفة عامة حب غيري‬ ‫‪-0‬‬

‫منصب على الغير ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫غيرية ‪ :‬إسم ‪،‬صفة ماهو غير ‪،‬عكس هوية‬ ‫‪-9‬‬

‫إن الغير بتعبير أكثر عمقا وضمن السياق االنساني عموما تدل على نوع من الوجود الطبيعي للفرد وهذا‬

‫ما أكد عليه تشارل تايلور في قوله " ليس للوجود االنساني بالتأكيد أي معنى خارج طابعه الحواري األساسي‬

‫‪،‬أي خارج الرابط الذي يوحد الفاعل بالغير "‪ ، 2‬إن هذه الفكرة التايلورية تشير الى نوع من العالقة باآلخر تظهر‬

‫نوع من الهوية وهذا ما يبرز بدوره ما يعارضنا أو يعارض هويتنا وهو ما نسميهم باآلخرين ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪-2‬افكار عن الغيرية‬

‫أوغست كونت‬

‫" كل شيء فينا ينتمي لإلنسانية‪ ،‬وكل شيء يأتينا منها‪:‬الحياة‪ ،‬والثروة‪ ،‬والموهبة‪ ،‬والمعارف‪،‬‬

‫والحنان(‪ )...‬وهكذا‪ ،‬فعندما تختزل النزعة الوضعية كل األخالق اإلنسانية في فكرة واحدة هي أن يحيى اإلنسان‬

‫من أ جل غيره‪ ،‬فان هذه النزعة تهدف إلى تهذيب الغريزة البشرية الكونية وتسييجها؛ بعد إن تم االرتقاء بالفكر‬

‫النظري البشري وتتزاوج كل الترتيبات الذهنية الالهوتية والميتافيزيقية(‪ )...‬ال يمكن لإلنسان األكثر مهارة وِفطنة‬

‫ونشاطا أن يرد لإلنسانية ولو جزءا صغي ار مقابلة ما تلقاه منها‪.‬يستمر اإلنسان‪،‬كما كان في طفولته‪,‬يتغذى‬

‫باإلنسانية‪,‬و يتلقى الحماية من اآلخرين‪ ،‬ويطور قدراته داخلها(‪ )...‬وذلك كله بفضل اإلنسانية عليه(‪ )...‬لكن‬

‫وبدل أن يتلقى كل شيء منها بواسطة آبائه‪ ،‬تنقل اإلنسانية له خيراتها عبر فاعلين متعددين غير مباشرين‪ ،‬لن‬

‫يتعرف على الكثير منهم‪.‬‬

‫أن يحيا اإلنسان من اجل الغير يعني إذن‪ ،‬عند كل واحد منا واجبا ضروريا ومستم ار ينبثق عن هذه‬

‫الواقعة المتعذر تجاوزها وهي‪ :‬أن يحيا اإلنسان بفضل الغير‪ .‬أنها وبدون حماس عاطفي النتيجة الضرورية‬

‫المستخلصة من تقدير دقيق لمجريات الواقع المدرك فلسفيا في مجموعه(‪ )...‬عالوة على ذلك يجب أن يقوم‬

‫انسجاما أخالقيا‪ ،‬وبصفة جوهرية على الغيرية‪ ،‬فهي وحدها القادرة أن تزودنا بأعظم زخم الحياة‪ .‬إن الكائنات‬

‫البشرية المنحطة هي التي تطمح اليوم أن تحيى بفضل الغير يجب عليها أن تتخلى عن أنانيتها الهمجية‪ .‬فإذا‬

‫ما تذوق ت هذه الكائنات بما فيه الكفاية ما تفضلت بتسميته ملذات الوفاء سيفهمون آنذاك أن الحياة من أجل‬

‫وحدها دوافع التعاطف اإلنسانية تصنع‬ ‫الغير تمنح الوسيلة الوحيدة لتطوير كل الوجود البشري بحرية (‪)...‬‬

‫االنطالقة الحقيقية الثابتة لحياة من أجل الغير‪ ،‬حياة َي ِجد فيها كل واحد من األفراد المجتمع مساعدة من طرف‬

‫‪1‬‬
‫اآلخرين‪ ،‬لكن و مقابل هذه المساعدة يقوم هؤالء بكبح ميوالت الفرد الشخصية و األنانية‪".‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -‬اِلخر‪ :‬مفهوم أجنبي عن اللغة العربية (منقول إليها في الوقت الحاضر)‪ ،‬ونقصد بذلك أنه لم يكن يستعمل‬

‫قديما في مقابل "األنا"‪ ،‬وانما كان يستعمل في معنى "أحد الشيئين"‪ ،‬دونما أفضلية‪" :‬رجل آخر‪ ،‬وثوب آخر"‬

‫(آخر= أأخر‪ ،‬على وزن أفعل‪ ،‬واألنثى‪ :‬أخرى)‪ .‬واللفظ العربي القريب من مفهوم "اآلخر"‪ ،‬بالمعنى األوروبي‪،‬‬

‫هو "الغير" والجمع "أغيار"‪ ،‬مع هذا الفارق وهو أن "الغيرية" في الفكر العربي اإلسالمي ال تعني أكثر من‬

‫مجرد "االختالف"‪ ،‬مع التأكيد على أنه مهما اتسع االختالف وتعمق بين األغيار‪ ،‬فـ"الغير" ال ينظر إليه على‬

‫أنه ضروري للوعي بالذات‪( ،‬ضروري لـ"األنا")‪ ،‬كما رأينا في الفكر األوروبي‪ .‬إن "الغيرية" في العربية تقع على‬

‫‪1‬‬
‫مستوى الصفات فحسب وال ترقى إلى مستوى الجوهر كما في اللغات األوروبية‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق نجد هوسرل يطرح قضية جوهرية تفسر الغيرية وذلك من خالل الوعي " حيث أصبح هذا‬

‫الوعي عند هوسرل فتحة أو بابا نحو الغيرية وعن طريق اللغة يضيف نكون مع الغير في تفاهم وانسجام‬

‫متبادل حيث يقول ‪ :‬عندما أتكلم لغة ‪،‬فأنا لست وحيدا ‪،‬فعندما أتكلم لغة فهذا معناه أنتمي إلى مجموعة "‪ 2‬إن‬

‫مسألة التواصل االنساني من خالل اللغة المستعملة تمثل مدخال مهما لتحليل عالقة األنا بالغير ولذلك إحتلت‬

‫اللغة الصدارة بإعتبارها وسيلة للتواصل واالتصال وتحقيق سمات المجتمع االنساني كما تمكننا اللغة من فهم‬

‫األخر المختلف أو حتى التماهي فيه وفق متطلبات إجتماعية – ثقافية ‪.‬‬

‫‪ -0‬عالقـ ــة األنا بالغي ـ ــر ‪.‬‬

‫يعد السياق الفلسفي هو األساس لفهم هذه القضايا المرتبطة بجوهر االنسان وكذا عالقته مع غيره وتبعا لهذا‬

‫نجد العديد المتعدد من التيارات واألفكار الفلسفية التي عالجت مسألة الغيرية من تقابل ثنائية ( األنا – واألخر)‬

‫فأبعاد العالقات االنسانية كلها تعد نتاجا هذا التفاعل بل أن االنسان يختزل وجوده فيما يراه عند اآلخرين أو من‬

‫خاللهم ‪،‬وضمن هذا السياق المتشعب سنحاول أ ن نلقي الضوء على ثنائيتين مألوفتين في السياق االجتماعي‬

‫وهما ( الصداقة ‪ -‬الغرابة ) فمن هو الصديق ؟ ومن هو الغريب ؟‬

‫‪22‬‬
‫" إذ أن الصداقة عالقة ايجابية مع الغير؛ عالقة تستقي ماهيتها من داللة كلمة صداقة ذاتها ‪ .‬فهي تشتق ‪ -‬في‬

‫اللغة العربية ‪ -‬من الصدق الذي يعنى الحقيقة والصواب وكذا المودة والقوة والكمال‪ .‬ومنه المثل العربي "‬

‫صديقك من صدقك ال من صدقك (بتشديد الدال‪"1‬‬

‫أننا دون شك نجد في صلب المعاني الدالة على الصداقة ‪ ،‬أنها خاصية تبادلبة بين الناس وهذا في حد ذاته‬

‫يعد شرطا بينما قد نجد أ نواع أخرى من العالقات ال تكون متبادلة كالحب والعشق كما أن الصداقة مرتبطة‬

‫بفعل (صدق يصدق فهو صادق ) وهناك دليل في القرآن الكريم وصف به اهلل سبحانه وتعالى أحد االنبياء بأنه‬

‫صادق الوعد وهذا النبي هو إسماعيل عليه السالم في قوله تعالى ‪:‬‬

‫َّال ِة و َّ ِ‬ ‫ان َيأْمر أ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ِاد َ‬ ‫اب ِإسم ِ‬


‫{ وا ْذ ُك ْر ِفي اْل ِكتَ ِ‬
‫ان‬
‫الزَكاة َو َك َ‬ ‫َهَل ُه بالص َ َ‬ ‫ان َر ُسوًال َّنبيًّا َو َك َ ُ ُ‬
‫ق اْل َو ْعد َو َك َ‬ ‫يل ِإَّنهُ َك َ‬
‫ان َ‬ ‫اع َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬

‫فمن صادق صدق وهذا مقرون باإلخالص والوفاء دون أدنى شك فأنبياء اهلل كلهم أمدهم‬ ‫‪2‬‬ ‫ِّه مر ِ‬
‫ضيًّا }‬ ‫ِع َ ِ‬
‫ند َرب َ ْ‬

‫اهلل بمكارم الخلق ورفعة النفس وهذا ما يمثل صورة تعاملنا مع الغير من باب الصداقة ‪.‬‬

‫أما الغرابة فهي تيار معاكس للصداقة مع أنها تمثل هي اآلخرى جانبا من الغيرية "إن المجتمع اإلنساني ال‬

‫يخلو من الغير ‪ /‬الغريب إال إذا كان مجتمعا قبليا‪ -‬عشيريا منغلقا على نفسه كما كان حال العرب في الجاهلية‬

‫أو مجتمع المدينة‪-‬الدولة كما عرفته اليونان قبل الميالد ( نموذج أثينا وسبارتا وغيرهما ) ‪ .‬أما حينما نتحدث‬

‫عن المجتمع اإلنساني بمفهومه المدنى الحديث والمعاصر فإننا ال بد وأن نتوقع وجود الغير ( الغريب) كمكون‬

‫من مكوناته بل إن دائرة الصداقة واألصدقاء فيه تكون جد ضيقة ومحدودة بالمقارنة مع جيش األغيار (الغرباء)‬

‫اللذين يكونونه " ‪. 3‬‬

‫ي تيح لنا هذا الطرح أن نفهم خاصية اجتماعية وهي التفاعل في حدود محيط متنوع فيه الصديق المعروف‬

‫والقريب وفيه أيضا الغريب المجهول والقريب أيضا ومع ذلك فإننا نمارس حياتنا وفق هذا الالتجانس الظاهري‬

‫‪23‬‬
‫ولذلك " أوضح علماء النفس االجتماعيون أيضا أن األشخاص المحيطين بنا يسهمون في بناء ذاتنا بلعبهم دور‬

‫‪1‬‬
‫مرة )الذي يعكس لنا به األخرون صورة ما نحن عليه ‪" ...‬‬
‫المرآة االجتماعية هذا المسار المسمى ( ذات – آ‬

‫من هذا يتبدى لنا بأن الموقف من الغريب يجب أن يكون موقفا ايجابيا ‪ ,‬موقفا مؤسسا على قبوله والتحاور‬

‫( األنا ) والجماعي (النحن )‬ ‫والتسامح معه واحترامه ولم ال الدفاع عنه ؟ فإذا كان الوجود البشري الفردي‬

‫وجودا ناقصا إذ هو دوما في حاجة إلى الغير الذي يغنيه وينميه بتجربته وعطاءاته على جميع المستويات فإن‬

‫الحوار مع الغير (القريب والغريب) لن يكون إال مفيدا لألنا ولألنا اآلخر على حد سواء شريطة احتفاظ األنا‬

‫‪2‬‬
‫واألنا اآلخر باستقاللية كل منهما وهويته واختالفه وتميزه واال انعدمت اإلفادة واالستفادة ‪.‬‬

‫فهذا االختالف بيننا وبين األخرين في حدود ما تفرزه شبكة العالقات االنسانية واالجتماعية يمكن لنا ايضا أن‬

‫نقره من زاوية التفاعل االجتماعي‪ -‬كما قلنا سابقا‪ -‬هذا االخير الذي يعد مدخال مهما في العلوم االجتماعية‬
‫أ‬

‫" من أهم صف ات الكائن البشري وجود عالقات بينه وبين األخرين ومن األفضل تسميتها بالعالقات البشرية‬

‫‪3‬‬
‫بغض النظر عن كونها عالقات ايجابية أوسلبية "‬

‫ما يمكننا ان نستنتجه أن النزعة الغيرية هي مركب نفسي‪ -‬اجتماعي ضروري يتم من خالله بلورة جملة من‬

‫العالقات والروابط في حدود ما نسميه بالتفاعل االنساني االجتماعي ‪ ،‬كما أن جوهر االختالف بيننا يتيح وينتج‬

‫عالقات أخرى في مسار السيرورة االجتماعية ‪،‬فقد يتحول الصديق وفق ظروف ومعطيات معينة إلى شخص‬

‫غريب كما يمكن أن يحدث العكس فيتحول الغريب الى صديق مقرب بفعل عوامل و روابط يفرزها الواقع‬

‫المعاش ‪ ،‬كما أن التباين حتى على أساس النوع والجنس أو أي عامل أخر له انعكاساته على الحياة‬

‫ُّها‬
‫االجتماعية وما يظهر فيها من عالقات وهذا ما يمكن ان نفهمه من السياق القرآني في قوله تعالى‪َ { :‬يا أَي َ‬

‫‪24‬‬
‫َّ ِ‬ ‫الناس ِإَّنا َخَل ْقَنا ُكم ِّمن َذ َك ٍر وأُنثَ ٰى وجعْلَنا ُكم ُشعوبا وَقبا ِئ َل ِلتَعارفُوا ۚ ِإ َّن أَ ْكرم ُكم ِع َ َّ ِ‬
‫ند الله أَتْ َقا ُك ْم ۚ ِإ َّن الل َه َعل ٌ‬
‫يم‬ ‫ََ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َََ ْ ُ ً َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫‪1‬‬
‫َخبِ ٌير}‬

‫ومنه نخلص إلى القول أن ما يتعلق بالغير هو سياق عالئقي يمكن أن نفهم منه تحليال للحياة االنسانية‬

‫في جانبيها الفردي واالجتماعي ‪ ،‬كما تعد النزعة الغيرية من أهم العناصر االنسانية التي تنتج ركائز العالقات‬

‫االنسانية و االجتماعية ‪.‬‬

‫رابعا ‪-‬الفرد و الثقافة المحلية ‪:‬‬

‫‪-2‬الهوية واشكالية الخصوصية‬

‫تعرف الهوية بأنها" احساس بالذات حينما يبدأ الطفل بالتميز عن والديه وعائلته ويأخذ موقعه في المجتمع "‪.2‬‬

‫ومن أهم مصادرها ‪:‬القومية ‪،‬العرق‪،‬الجنس والطبقة إلى جانب عناصر أخرى ‪.‬‬

‫وعليه يجب أن نتفق في أن هذه المصادر على أهميتها إال أن لها أبعاد فردية أكثر منها جماعية ومع هذا ال‬

‫يج ب أن ننكر أن للهوية وجهين ‪،‬األول فردي وهو ما يراه ويعتقد كل فرد عن نفسه والثاني هو ما يراك اآلخرين‬

‫عليه ‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس نشأت عدة مشاكل متعلقة بالهوية ‪.‬‬

‫الهوية االجتماعية ‪:‬‬

‫يرى ريجارد جنكز "أن الهوية االجتماعية هي تصورنا حول من نحن ومن اآلخرون وكذلك تصور اآلخرين حول‬

‫أنفسهم و حول اآلخرين"‪. 3‬‬

‫وكما هو معروف بصورة تقليدية أن عناصر الهوية هي ‪:‬اللغة ‪،‬الدين ‪،‬العادات و التقاليد ‪ ،‬ومنها ما أثبتته‬

‫النقاشات و التحاليل حيث‪ ":‬وقع االتفاق على أن طريقة فهم األفراد للمجتمع وطريقة عمل المجتمع يقترنان باللغة‬

‫‪25‬‬
‫فاللغة هي المكان الذي فيه تحدد وتناقش األشكال الحقيقية والممكنة للمنظمات االجتماعية وما يرتبط بها من‬

‫نتائج سياسية واجتماعية محتملة "‪. 1‬‬

‫‪-0‬الهوية و التفاعلية الرمزية ‪:‬‬

‫" يرى هول أن التفاعلية الرمزية هي أفضل مثال على فكرة الهوية الفردية ‪،‬فهوية الفرد تتشكل فقط من‬

‫تفاعل الفرد مع اآلخرين ونظرة الفرد لآلخرين تتشكل جزئيا من طريقة نظر اآلخرين لذلك الفرد "‪. 2‬‬

‫إن هذه الفكرة من خالل التفاعلية تطرح لنا الهوية كرابط بين الجانب االجتماعي والجانب الفردي للفرد نفسه‬

‫‪،‬فمجموعة القيم والمبادئ التي يتبناها األفراد تعد هوية تجمع عديد األفراد وتسيطر على سلوك المجتمع ‪.‬‬

‫خامسا ‪ -‬الفرد و الثقافة العالمية‬

‫‪- 2‬التنوع واالختالف‬

‫سنورد في هذا الطرح تعريفا للثقافة اعتمده رالف لنتون حيث يؤكد " إن ثقافة المجتمع هي طريقة حياة‬

‫أفراده وهي مجموعة األفكار والعادات التي تعلموها وساهموا فيها ثم نقلوها من جيل الى آخر "‪ ، 3‬فتنقل الخبرات‬

‫من جيل الى آخر قد يتحقق من مجتمع إ لى آخر أو من حضارة الى أخرى ‪،‬فالتأثير الثقافي أمر واقع ويمكن‬

‫من خالله أن نستحضر مفهوما آخر هو التثاقف ‪.‬‬

‫بالنسبة للمجتمعات " هي عملية اكتساب عناصر ثقافية جديدة عن طريق االتصال واحتكاك مجتمعات‬

‫بشرية غير متجانسة حضاريا وتحدث عملية التثاقف عندما يتأثر مجتمع بحضارة وثقافة مجتمع آخر أو تقيس‬

‫‪4‬‬
‫عناصر ثقافية منه دون أن يفقد هويته الحضارية ‪.‬‬

‫إن هذه الفكرة تحيلنا على مناقشة جد هامة ننطلق فيها من قضية فقدان الهوية الحضارية الى ما تمثله‬

‫الثقافة العالمية اآلن وخاصة في عصر العولمة وهي تعرف بأنها إنتشار الثقافات واكتسابها لخصوصية التعدي‬

‫‪26‬‬
‫و االنتقال ‪،‬أين صار العالم كله عبارة عن قرية صغيرة بفضل عدة عوامل وانجازات على رأسها التقدم التقني و‬

‫التكنولوجي في جميع ميادين الحياة ما أفرز ظواهر عدة منها ظاهرتي االستالب واالغتراب ‪،‬فما هما تحديدا ؟‬

‫‪-0‬االستالب و االغتراب ‪:‬‬

‫إن الدالالت المعنوية واللغوية تتعدد في هذا المجال ‪:‬‬

‫االغتراب ‪ :‬هي الغربة والبعد عن المألوف ‪،‬والشيء الغريب هو غير المألوف أو غير العادي ‪،‬والشخص المغترب‬

‫هو شخص يعيش في غير بيئته الطبيعية أو غير وسطه األصلي واغترب أحس بالغربة عكس األلفة ‪.‬‬

‫اإلستالب ‪ :‬أما للفعل سلب واستلب عدة معاني منها أخذ الشيء من الغير واالستالب هو ضياع أو فقدان‬

‫الشيء المادي والمعنوي ‪.‬‬

‫أما في العلوم االجتماعية فنستعمل لوصف حالة إنفصام بين االنسان والمحيط الذي يعيش فيه ‪،‬ويعني‬

‫االغتراب في هذا السياق أن عالقة االنسان المتغرب بهذا المحيط غير طبيعية (عالقة تنافر‪-‬عالقة غير سوية‬

‫) عالقة اغتراب واستالب كأن تجعلك عناصر ثقافية جديدة تحس أنك غريب و قد تأخذ منك مقومات أصلية‬

‫فمثال جيل آبائنا و أجدادنا اآلن يعيشون اغترابا وا ستالبا فهم يحسون بالغربة لما يحيط بهم من ثقافة جديدة في‬

‫كل شيء و يحسون بأنها سلبتهم حياتهم التي اعتادوا عليها ‪.‬‬

‫ولقد استعملها كارل ماركس كصورة واقعية تشرح من خاللها كيف أن النظام الرأسمالي يجعل العامل‬

‫‪1‬‬
‫مغتربا و مسلوبا وهذا مرتبط بنظام تقسيم العمل ‪.‬و لقد شخص سيمان ميلفان خمسة أعراض لإلغتراب هي ‪:‬‬

‫‪-2‬ضعف ‪:‬وهو الشعور بعدم القدرة في التأثير في المحيط ‪.‬‬

‫‪ -0‬غياب الغاية أو المعنى ‪ :‬وهو الشعور بأن حياته ال معنى لها ‪.‬‬

‫‪ -9‬فقدان المعايير ‪:‬معايير التعبير غير متاحة‬

‫‪ -8‬الشعور بالعزلة و عدم التوافق مع قيم الثقافة السائدة‬

‫‪ -5‬االغتراب الذاتي ‪:‬فشل الفرد في ايجاد النشاط الذي يجلب له الرخاء‬

‫‪27‬‬
‫سادسا ‪-‬الفرد والدولة ( المواطنة و حقوق اإلنسان )‬

‫الدولة هي " كيان سياسي ينظم حياة جماعة بشرية تعيش على بقعة أرض ذات حدود معينة وهذا‬

‫الكيان هو عبارة عن منظمة سياسية أسستها هذه الجماعة البشرية في مكان وزمان معين لخدمة مصالحها‬

‫العامة ولحماية أنفسهم من أنفسهم ومن غيرهم ‪. 1"...‬‬

‫إن هذا المفهوم يشمل على عناصر أهمها ‪:‬‬

‫‪ -‬إنها كيان سياسي‬

‫‪ -‬ينظم الحياة الجماعية‬

‫‪ -‬محددة جغرافيا‬

‫‪ -‬تحمي المصالح الجماعية‬

‫فالدولة وفق هذه األسس هي ما يشعر به األفراد ويعيشونه في حياتهم االجتماعية وهي مصدر أمنهم‬

‫ويمثل ذلك منظمات ومؤسسات قائمة تسمى كل الدولة ‪،‬فالفرد يحيا تحت مظلة الدولة أينما حل وارتحل وهو‬

‫بذلك يكتسب إدراكا بوجود هذا الكيان من خالل ما يتحقق له من خدمات ومصالح ‪،‬ولذلك فإن الدولة الحديثة‬

‫تقوم على مبادئ أهمها احترام المواطنة وحقوق اإلنسان ‪.‬‬

‫كما أن الفكر الخلدوني كان فيه نصيب كبير عالج السياسة كثقافة اجتماعية ولخصها فيما يلي"االستدالالت‬

‫العقلية المتعلقة بتنظيم الحكم داخل الجماعة التي بلغت مرتبة معينة من مراتب التطور الحضاري وذلك كما‬

‫يعبر عنه ابن خلدون (من ضرورة االجتماع التنظيمي الزدحام األغراض‪)...‬لذلك تحتم أن تكون هناك قوة قاهرة‬

‫أو وازع – كما يسميه –ونظام لحد االعتداءات على أفراد المجموعة " ‪.2‬‬

‫‪28‬‬
‫أما مفهوم الدولة قانونيا فهي " شخص من أشخاص القانون الدولي تحدده العناصر المكونة ونظامه فالدولة‬

‫كيان قا نوني يتشكل من مجموعة هذه العناصر كما تتمتع بالشخصية االعتبارية وهي خاضعة للقانون العام‬

‫‪1‬‬
‫موحدة وذات سيادة "‬

‫الفرد والدولة ثنائية متباينة من حيث المعنى ولكنها متكاملة من حيث الواقع فالفرد هو أساس الدولة بل أن‬

‫الدولة هي كيان يتشكل من مجموعة كبيرة من األفراد ‪،‬فالدولة لها شخصية كما للفرد كذلك وعليه فإن أبرزها‬

‫يربط الفرد بالدولة هما قطبين في غاية األهمية وهما ‪:‬‬

‫المواطنة‬ ‫‪-2‬‬

‫حقوق اإلنسان‬ ‫‪-0‬‬

‫‪ :2‬المواطنة‬

‫‪2‬‬
‫‪ ،‬فالوطنية هي حالة من الشعور والفعل‬ ‫" مفهوم سياسي ظهر في أدبيات السياسة الغربية الحديثة "‬

‫تولدت لدى شعوب ضا قت االستعمار ولقد تمكنت بالوطنية مقاومته وطرده كما حدث في ثورتنا التحريرية‬

‫‪. 2210-2258‬و الوطنية تعني كذلك " أن يراعي المواطن مسيرة الوطن وهو يتحرك في طريق التنمية‬

‫االقتصادية أو عن طريق التنمية الديمقراطية ‪...‬تعني أن يكون المواطن مع وطنه في محنته كما كان وطنه‬

‫معه في سرائه "‪.3‬‬

‫أما المواطن فهو"مصطلح يطلق على الفرد الذي هو عضو في وطن سياسي(مجتمع سياسي ) ولهذا‬

‫الفرد نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات كبقية المواطنين "‪، 4‬فالمواطنة تعني المساواة السياسية بين كل‬

‫المواطنين وقد ارتبط مفهوم المواطنة والمواطنين بظهور الدولة الحديثة في أوروبا الغربية في العصر الحديث‬

‫‪29‬‬
‫‪1‬‬
‫‪،‬كما أن التاريخ القديم قد حمل‬ ‫وقبل هذا كان يطلق على سكان البلد الرعايا‪،‬الدهماء ‪،‬الموالي و حتى الرعاع‬

‫لنا تصنيفا ت مختلفة للناس على أساس طبقي كاألحرار والعبيد كما في جمهورية أفالطون طبقة النبالء ‪،‬طبقة‬

‫الجند و طبقة العبيد وعند مجيء االسالم اختلف الوضع والتقسيم ألغي ألن الدين اإلسالمي أقام المساواة ‪.‬كما‬

‫أن فكرة المواطنة مرتبطة بفكرة حقوق اإلنسان التي تطورت وأصبحت مبدءا إنسانيا تنادي به كل المجتمعات ‪.‬‬

‫إعالن حقوق اإلنسان اعتمدته األمم المتحدة في ‪ 22‬ديسمبر ‪ ، 2284‬ويقصد به‬ ‫‪- 0‬حقوق اإلنسان ‪:‬‬

‫صيانة الحريات واحترام المباديء االنسانية وتعزيزها بغض النظر عن هيمنة منطق المصلحة والحسابات‬

‫الضيقة والتسلط بكافة أشكاله ‪.‬‬

‫ومنه يمكن إستخالص القضايا التالية ‪:‬‬

‫هناك رؤية شاملة لحقوق االنسان تتعلق بالديمقراطية والتنمية والعدالة واحترام الحريات وسيادة القانون‬ ‫‪-2‬‬

‫وحقوق النساء وحقوق الطفل و الالجئين والمهاجرين و األقليات و المهمشين والفقراء ‪...‬‬

‫هناك ارتباط قوي بين حقوق االنسان ومفردة الحرية ‪،‬إذ أننا ال يمكن التكلم عن األولى دون الثانية‬ ‫‪-0‬‬

‫كشرط بل أن الحرية توحد كل مفردات حقوق االنسان ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -9‬عالمية حقوق االنسان عن السلطة بكل أشكالها سياسية ‪،‬اقتصادية ‪،‬دينية و اجتماعية ‪...‬‬

‫سابعا ‪ -‬الفرد و التقنية (إشكالية المصير )‬

‫يطرح في هذا السياق مسألة ذات بعد استراتيجي في الحياة االجتماعية بصفة عامة فاإلنسان الفرد عبر‬

‫مراحل تاريخية مرت وهي مستمرة الى هاته اللحظة قد أنجز الكثير من األدوات والوسائل التي تساعده في‬

‫حياته وبهدف التغلب على الصعوبات وانتاج الحاجات المتنوعة والملحة ‪،‬ولذلك فإن النظرة الشاملة لهذه المسألة‬

‫‪30‬‬
‫تجعلنا ننظر الى هذه الحقيقة بإعتبارها تقابل بين الفرد والذي هو عنصر الثقافة االنسانية وبين التقنية والمتمثلة‬

‫في الوسائل واألدوات وطرق إستخدامها ‪.‬‬

‫‪ -2‬معنى النقنية ‪:‬‬

‫مصدر صناعي من تقن‪ :‬أسلوب أو فنية في إنجاز عمل أو بحث علمي و نحو ذلك ‪،‬أو جملة الوسائل‬ ‫‪-‬‬

‫واألساليب و الطرائق التي تختص بمهنة أو فن ‪.‬‬

‫علم التقنية ‪:‬التكنولوجيا ‪،‬علم الصناعة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪1‬‬
‫تقنية جديدة ‪:‬أسلوب مختص بفن أو مهنة أو حرفة‬ ‫‪-‬‬

‫ومنه يمكن أن نقول أن التقنية هي تلك األدوات والوسائل والطرق التي استخدمها االنسان في حياته‬

‫اليومية ومثلت جانبا مهما من ثقافته االنسانية فمن خالل التقنية نكتشف حقبا زمنية مختلفة ترجمها لنا التاريخ‬

‫االجتماعي بما يعرف بالثورة الصناعية ‪،‬غير أنه ال يجب أن ننظر الى التقنية أنها بدأت مع الثورة الصناعية‬

‫فإستخدام االنسان لألدوات والوسائل كان مع بداية وجوده على هذه البسيطة وتطور هذا االستخدام بفعل تطور‬

‫التقنية وظهرت ما تسمى اليوم التكنولوجيا و هي " كل ما يستعين به االنسان للقيام بأعماله باإلضافة الى‬

‫أعضائه وقواه الجسمية ‪،‬فقد استعان االنسان خالل تاريخه الطويل بأدوات تساعده في عمله فإستخدامه للفأس‬

‫لقطع األشجار أو لتقليب األرض هي نوع من التكنولوجيا ‪،‬واستخدام النار في الطهي أو التدفئة أو صهر‬

‫المعادن كان اكتشافا تكنولوجيا بالغ األهمية بالنسبة الى عصره ‪،‬كما أن اختراع العجلة لتيسر النقل للبضائع‬

‫وانتقال األشخاص ‪ ...‬كان في ذلك العصر ال يقل أهمية عن اختراع الطائرة في عصرنا "‪.2‬‬

‫‪31‬‬
‫كما أن التكنولوجيا تحيلنا على معنى آخر أكثر قربا من عصرنا هذا باعتبارها " هي تطبيق العلم في‬

‫الفنون الصناعية ‪،‬أي أنها تركز اهتمامها بالدرجة األولى على االستخدامات العلمية ‪،‬وهي بهذا تحول‬

‫االكتشافات العلمية النظرية الى مخترعات شتى نستفيد منها في حياتنا "‪.1‬‬

‫‪ -0‬التغير التقني والمصير االجتماعي ‪:‬‬

‫ال يخفى على أحد من الدارسين أو المشتغلين في كل المجاالت المعرفية ما للثورة الصناعية من أثر‬

‫بارز على حياة المجتمعات االنسانية كلها‪،‬بل أن الثورة الصناعية تعد بداية لتأريخ جديد أبرز ما فيه أن‬

‫اإلنسان قد انتقل بعقله وقدراته الى نماذج متطورة من األدوات والوسائل والطرائق وما يميز هذه الحقبة الهامة‬

‫هو باختصار استخدام التقنية المتطورة حسب الحاجة المتنامية وعلى رأس تلك التقنية اآللة " ومن بين التحوالت‬

‫االجتماعية التي تحدث عنها الباحثين االجتماعيين نجد إثنين هما ‪:‬‬

‫‪ -‬ارتفاع مستوى ال معيشة لعدد كبير من السكان ارتفاعا ملموسا بسبب استخدام اآلالت الميكانيكية في‬

‫الزراعة كإستخدامها في الصناعة والتجارة فتضخم االنتاج االقتصادي والتبادل التجاري تضخما هائال ‪.‬‬

‫‪ -‬هيمنت المادية االقتصادية على مرافق العصر وكانت أولى وظائف اآلالت أن تصب سيال دافقا من‬

‫البضائع الرخيصة والموحدة في القياس والشكل "‪.2‬‬

‫إن هاذين المظهرين يعدان مثال ال حص ار لما أحدثه التغير التقني ‪،‬فظهور اآللة كميزة لعصر الثورة‬

‫الصناعية " وهي المخترعات التقنية والتكنولوجية التي ظهرت في أنجلت ار في القرن الثامن عشر في صناعة‬

‫النسيج بعد اخت ارع المغزل اآللي عام ‪، 2618‬ثم اختراع النول اآللي* عام ‪ 2645‬باإلضافة الى التطورات التي‬

‫أدخلها جيمس واط (‪ ) 2422-2691‬على اآللة البخارية عام ‪.3" 2615‬‬

‫‪.1‬‬

‫‪32‬‬
‫إن السرد التاريخي لمجموعة من المحطات في تاريخ الثورة الصناعية وهي ما إستطاع االنسان الفرد أن‬

‫يبتكره تتعلق بحقائق كبرى ميزت هذا التاريخ وأهم حقيقة هي نمو " إرادة تغيير شديدة القوة ظهرت لدى كثير‬

‫من المفكرين العمليين جعلتهم متحفزين للتغيير يعملون ‪،‬ويشجعون عليه أولئك هم أصحاب النزعة المادية‬

‫‪...‬بعد أن تبين هم بالدليل العملي أن خير سبيل للثراء الضخم السريع ‪،‬هو تغيير ظروف االنتاج ووسائله وقيمه‬

‫التي تضبط أساليبه " ‪.1‬‬

‫‪ -9‬إف ارزات التقنية ‪:‬‬

‫اللجوء الى التقنية لتحقيق االنتاج المتنوع بالوفرة التي يدعو اليها تزايد السكان وتلبية مطالبهم ولهذا أقبل‬ ‫‪-2‬‬

‫المبتكرون على تطوير المعدات واألدوات واآلالت البدائية ‪.‬‬

‫إن التقنية التي مكنت ا لعباقرة من اختراع اآلالت اآللية ‪،‬والتي تحتاج الى الطاقة لتشغيلها جعلتهم‬ ‫‪-0‬‬

‫يخترعون ما هو ضخم الحجم و هذا ما جعل تلك اآلالت تملي عليه مطالب كبناء المصانع الضخمة على‬

‫مساحات شاسعة ومجاورة للطاقة ومنافذ التسويق والتجارة وما انعكس كله على الحياة البشرية ‪.‬‬

‫لقد تغلب ت اآللة التي طورها االنسان على ابداعه اليدوي وصار االنسان مجرد خادم مطيع لها ‪،‬ولهذا‬ ‫‪-9‬‬

‫سلب منه العبقرية اليدوية التي كانت أساسا لظهورها ‪.‬‬

‫إن سيطرت االنتاج اآللي وقضائه على االنتاج اليدوي في النصف الثاني من القرن ‪ 24‬ثم سيطرت‬ ‫‪-8‬‬

‫االنتاج المصنعي على حياة العمال االجتماعية كل هذا كان خالل مدة زمنية طويلة أسهمت في تغير‬

‫المجتمعات ‪.‬‬

‫* أنبوب فوالذي او أسطوانة خشبية تلف حول آلة الغزل‬


‫‪33‬‬
‫ثامنا ‪-‬الفرد و قضايا الهامش ‪:‬‬

‫إن تفكيرنا في الفرد من خالل منظور ثنائي يتعلق بالمركز و الهامش يجعلنا نضعه في دائرة من عدة‬

‫نقاط واحدة منها هي المركز وقد نفترض أن الفرد موجود عليها ويتمركز اهتمامه ورؤيته الى باقي النقاط األخرى‬

‫على الهامش ‪.‬‬

‫ويمكن تبعا لهذا أن نطرح العديد من األسئلة ال نبتغي من خاللها إجابات محددة أو نهائية بقدر ما هي أسئلة‬

‫للتفكير منها كيف يفكر الفرد في نقاط الهامش ؟ و من هذا يمكن أن نتصور نمطين للتفكير األول التفكير عن‬

‫بعد من خالل منطق التهميش و االستبعاد و الثاني تقريب التفكير بتقريب الهوامش الى المركز ‪.‬‬

‫إن الفرد يحيى حياة فردية و من حقه أن يمارس ذلك حتى أن الفردانية أستخدمت كمنهجية يتم من‬

‫خاللها تحليل الحياة االجتماعية و ما تتظمنه من مظاهر و هذا ما أصفح عنه ريمون بودون عندما طرح فكرته‬

‫الناقدة للكالسيكية في علم االجتماع و هي ما أسماها" الفردانية المنهجية عنده تعني تلك المقاربة المنهجية التي‬

‫تحتم على عالم االجتماع أن يقيم قاعدة منهجية العتبار األفراد أو الفاعلين الفرديين المنتمين الى نظام تفاعل‬

‫كذرات منطقية في تحليله " ‪.1‬‬

‫إن الفرد الذي يمارس الفردانية ال يعني أنه معزول عن ما نعتبره حياة اجتماعية ‪،‬بل أن هذه األخيرة ما هي‬

‫إال محصلة لتراكم الفردانية ولكي نفهم و نعي و ندرس حياتنا االجتماعية ال بد أن نركز على األفراد و ماذا‬

‫يفعلون بالضبط و في النهاية فإن محور الحياة االجتماعية هو السلوك الفردي و الذي يتبلور في شكل مواقف و‬

‫ظواهر اجتماعية ‪.‬‬

‫نعود الى ما طرحناه حول فكرة الهامش و لكن هذه المرة سندخل عليها قضايا محددة وهي من وجهة نظر‬

‫أخرى مواضيع مألوفة في واقعنا االجتماعي و متداولة من قبل العديد من األطر المعرفية منها الهجرة‬

‫‪34‬‬
‫‪،‬التوحد‪،‬العنف السفر‪،‬الحب ‪،‬الكراهية ‪،‬التصويت ‪،‬المشاركة ‪،‬السياسة‪،‬االنعزال الموت السعادة و جودة الحياة‬

‫دون أن نغفل أهمية ما يتصل بكل واحد من هذه القضايا و هل هي فعال هامشية ؟ أم تستدعي منا إعادة النظر‬

‫في هذا التكييف ؟وهل الفرد يمارس حياته دون أن يفكر في هذه القضايا ؟أم أن هامشيتها تعد ميزة أساسية لحياة‬

‫الفرد ؟‬

‫وعليه سنحاول بقدر االمكان االجابة عن هذه التساؤالت و ذلك بأن نقترح ثنائيات تجمع بين الفرد و أهم تلك‬

‫القضايا و سنختار منها ما يلي ‪:‬الفرد و الهجرة‪-‬الفرد و العنف –الفرد و المشاركة والفرد والموت‬

‫الفرد و الهجرة ‪:‬وفق تعريف عام فالهجرة هي " أي انتقال أفراد المجتمع من موطنهم األصلي إلى‬ ‫‪-2‬‬

‫بلد آخر لإلستطان و العيش فيه "‪،1‬فرغم أن هذه الممارسة تعد حركة طبيعية لإلنسان الفرد منذ‬

‫فجر التاريخ حيث كانت مرتبطة بمجموعة من العوامل البيئية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ‪،‬إال‬

‫أن التغير االجتماعي بعوامله المتعددة أفرز نمطا آخر للهجرة كظاهرة معاصرة و التي أصبحت‬

‫توصف بآثارها السلبية ما أنتج مصطلحا جديدا هو الهجرة غير الشرعية كوصف لحالة ال معيارية‬

‫صار يتعاطى معها الفرد نتيجة لتراكم المشاكل و األزمات االقتصادية و السياسية خاصة واتساع‬

‫دائرة الحروب و النزاعات في العديد من مناطق العالم الثالث (العراق‪،‬سوريا ‪،‬ليبيا ‪)...‬و منه نستنتج‬

‫أن إرتباط الفرد بالهجرة له دالالت إقتصادية وسياسية وثقافية تظهر من خالل تحليل واقع معين‬

‫لمجتمع ما ‪.‬‬

‫الفرد و العنف ‪:‬الفرد يمارس العنف و هو ضحية للعنف من خالل هذا التحديد يمكننا أن نستدل‬ ‫‪-0‬‬

‫على العنف من هيئة رسمية عالمية " في نهاية ‪ 0220‬تصدر منظمة الصحة العالمية تقرير تحت‬

‫عنوان العنف و الصحة ‪،‬تعرف منظمة الصحة العالمية في هذا التقرير العنف على أنه اإلستعمال‬

‫المتعمد أو التهديد باستعمال القوة أو السلطة ضد الذات أو ضد الغير أو ضد مجموعة أو جماعة‬

‫مما يؤدي الى رضوض أو الموت أو الضرر المعنوي أو اعاقة النمو أو الى الحرمان بكل أنواعه‬

‫‪-1‬‬
‫‪35‬‬
‫"‪،1‬إن هذا التعريف للعنف وصف من متعدد يفرز جملة من األضرار على الفرد و المجتمع و يشير‬

‫الى حالة من الالتوازن الفردي و الخلل االجتماعي و منه فإن الفرد يعيش في بيئة تساهم حسب‬

‫خصائصها في توليد حاالت عنف مختلفة فيكون هو فاعال فيها أو واقع تحت ذلك ‪.‬‬

‫الفرد و المشاركة ‪:‬اإلنسان هو فرد مشارك فكما أن الفردانية تعطي للفرد مرك از و دو ار يضمنان‬ ‫‪-9‬‬

‫االتصال باآلخرين عن طريق المشاركة أو من زاوية أخرى فالمشاركة هي نتيجة لعملية االتصال‬

‫االنساني حيث نجد أن علم النفس االجتماعي أعطى أهمية لهذا التصور " إن الطفل الذي ال‬

‫يستطيع تعلم المشاركة في الفعل مع اآلخرين ال يستطيع تعديل سلوكه بالنسبة لتوقعات اآلخرين‬

‫ومن ثمة يفشل في أن يكون اجتماعيا "‪ ،2‬ومنه نستنتج أن المشاركة كعملية فردية تتيح للفرد أن‬

‫يكون اجتماعيا و معنى ذلك أن يكون متوافقا مع المعايير و القيم و التوقعات االجتماعية ‪.‬‬

‫الفرد و الموت ‪ :‬إن الموت حقيقة قائمة يدركها الفرد و ذلك تبعا للمعتقد الديني و الروحي السائد‬ ‫‪-8‬‬

‫في أي مجتمع و هذا بدوره مرتبط بالعديد من اإلدراكات و العمليات التي يعيشها األفراد في أي‬

‫مجتمع كان و ذك ألن " الموت و الثكل إثنان من حقائق المسارات األسرية و في حين توجد في‬

‫كثير من المجتمعات التقليدية مجموعات واضحة من القواعد و االجراءات للتغلب على مثل هذه‬

‫األحداث " ‪.3‬‬

‫و ما يمكن أن نستنتجه أن الموت مرتبط بقلق يصاحب الفرد يختفي بفعل ما تنتجه الحياة االجتماعية من‬

‫مواقف تجعل الفرد يهتم بها على حساب تفكيره في حقيقة الموت خاصة أنه يصطدم غالبا بإيمانه و اعترافه‬

‫بمحدودية حياته مهما فكر فيها و هذه الحقيقة وردت في القرآن الكريم بقوله تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت‬

‫ولو كنتم في بروج مشيدة "‪، 4‬وهذا دليل على حقيقة عقائدية ثابتة ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫و تبقى القضايا األخرى تمثل أبعادا تختزل الكثير حول الفردية فالحب و الكراهية هما سياقان لفهم الحياة‬

‫النفسية يختلفان من فرد الى آخر سواء في الفهم أو الممارسة ‪،‬كما أن مشاكل التوحد و االنعزال تمثل في‬

‫الوقت الراهن أكبر المحن التي يعاني منها األفراد في صمت و مع غياب الحلول الملحة و الكفيلة باحتوائها و‬

‫فهم طبيعتها ‪،‬كما أن السعادة و جودة الحياة يعدان من أسمى الغايات بالنسبة لألفراد بدرجة أولى و الجماعات‬

‫بدرجة أخرى و أيضا تعد حدودهما نقطة اختالف فردي و جماعي يظهر من خاللهما تعارض المادي و‬

‫المعنوي كما أن مضامين قضايا مثل التصويت و السفر إذا ما قارنها بما سبقها تعد نوعا ما ذات مرتبة ثانوية‬

‫‪،‬فرغم أن التصويت حق سياسي و اجتماعي فهو يرتبط بالحالة السياسية العامة و مدى ادراك الفرد لها في‬

‫نطاق الحق و الواجب ‪،‬كما أن السفر يعد ميزة تتقاطع معها حاجات كالعمل و التعليم الى جانب الترفيه كجانب‬

‫كمالي و التي تتطلب بدورها شروطا اقتصادية و ثقافية ‪.‬‬

‫بعض المراجع المهمة‬

‫مصطفى السباعي – أخالقنا االجتماعية‪ -‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة – مصر‪،‬القاهرة – ط‪-8‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪.0222‬‬

‫محمد السيد أبو عال النيل – علم النفس االجتماعي –دار النهضة العربية – بيروت‪،‬لبنان‪.2245 -‬‬ ‫‪-0‬‬

‫معن خليل عمر – انشطار المصطلح االجتماعي –دار األمل للنشر والتوزيع – إربد ‪،‬األردن – ط ‪.2228-0‬‬ ‫‪-9‬‬

‫عبد المجيد لبصير –موسوعة علم االجتماع – دار الهدى –عين مليلة‪،‬الجزائر‪.0222 -‬‬ ‫‪-8‬‬

‫خليل أحمد خليل – مفاهيم أساسية في علم االجتماع – دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت لبنان – ط ‪–2‬‬ ‫‪-5‬‬

‫‪.2248‬‬

‫دينكن ميتشيل –معجم علم االجتماع – ترجمة احسان محمد الحسن –دار الطباعة‪-‬بيروت‪،‬لبنان –ط ‪.2241-0‬‬ ‫‪-1‬‬

‫طالل عبد المعطي مصطفى – أبحاث في علم االجتماع نظريات ونقد –دار هاري‪-‬دمشق‪،‬سوريا‪ -‬دط‪ -‬دس‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫مراد زعيمي – علم اإلجتماع رؤية نقدية – مؤسسة الزهراء للفنون المطبعية – قسنطينة‪،‬الجزائر –دط‪.0228 -‬‬ ‫‪-4‬‬

‫محمد عبد الرحمان مرحبا – من الفلسفة اليونانية الى الفلسفة االسالمية – ديوان المطبوعات الجامعية‪/‬منشورات‬ ‫‪-2‬‬

‫عويدات ‪،‬بيروت ‪،‬لبنان –الجزائر – ط ‪.2249 – 9‬‬

‫‪37‬‬
‫فادية فؤاد حميدو‪ -‬البنائية عند ليفي ستروس‪-‬دار المعرفة الجامعية – اإلسكندرية‪،‬مصر‪-‬دط – ‪.0222‬‬ ‫‪-22‬‬

‫ب‪.‬ف‪.‬سكينر –تكنولوجيا السلوك االنساني –ترجمة عبد القادر يوسف – عالم المعرفة‪-‬دط‪.2224-‬‬ ‫‪-22‬‬

‫جون برنارد – دراسات عائلية ‪،‬مدخل تمهيدي – ترجمة أحمد رمو – منشورات دار عالء الدين للنشر والتوزيع والترجمة‬ ‫‪-20‬‬

‫– دمشق ‪،‬سوريا –ط ‪.0220 -2‬‬

‫فيصل بن عبدة قائد الحاشدي –األخالق بين الطبع والتطبع – دار اإليمان للطبع و النشر والتوزيع – اإلسكندرية‬ ‫‪-29‬‬

‫‪،‬مصر –دط – ‪. 0229‬‬

‫فاتن محمد عبد المنعم عزازي –علم اجتماع واجتماعيات التربية – دار الزهراء – الرياض ‪،‬المملكة العربية السعودية –‬ ‫‪-28‬‬

‫ط ‪.0220-2‬‬

‫عبد اهلل شمت المجيدل وعلي أسعد وطفه‪-‬دراسات في سوسيولوجيا التربية – االعصار للنشر والتوزيع –عمان‪،‬األردن‪-‬‬ ‫‪-25‬‬

‫ط ‪.0225- 2‬‬

‫هارلمبس وهوليورن‪ -‬سوسيولوجيا الثقافة والهوية – ترجمة حاتم حميد محسن –دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع –‬ ‫‪-21‬‬

‫دمشق ‪،‬سوريا –ط ‪.0221- 2‬‬

‫عبد الكريم غالب –أزمة المفاهيم وانحراف التفكير – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت ‪،‬لبنان –ط ‪.2224 – 2‬‬ ‫‪-26‬‬

‫سعاد جبر سعيد – الصراع القيمي وآثره في التربية –عالم الكتب الجديد – إربد‪،‬األردن – ط ‪.0225 -2‬‬ ‫‪-24‬‬

‫كمال التابعي و ليلى البهنساوي – مقدمة في علم اجتماع المعرفة – الدار الدولية لالستثمارات الثقافية – ش‪.‬م‪.‬م‬ ‫‪-22‬‬

‫القاهرة‪،‬مصر –ط‪.0226- 2‬‬

‫معن خليل عمر – انشطار المصطلح االجتماعي – دار األمل للنشر والتوزيع – إربد ‪ ،‬األردن – ط ‪.2228 – 0‬‬ ‫‪-02‬‬

‫حسن الساعاتي – علم االجتماع الصناعي – دار النهضة العربية – للطباعة والنشر – بيروت‪،‬لبنان – ط ‪-9‬‬ ‫‪-02‬‬

‫‪.2242‬‬

‫كاثرين هالبيزن و آخرون – الهويات الفرد الجماعة المجمع – ترجمة ابراهيم صحراوي –دار التنوير –الجزائر –ط ‪– 2‬‬ ‫‪-00‬‬

‫‪.0225‬‬

‫نذير زريبي – الوجيز في علم االجتماع – منشورات ليجوند –دط‪.0229-‬‬ ‫‪-09‬‬

‫معن خليل عمر – علم المشكالت االجتماعية‪ -‬دار الشروق للنشر و التوزيع – عمان‪،‬األردن‪-‬ط‪. 0224-2‬‬ ‫‪-08‬‬

‫عبد العالي دبلة – مدخل الى التحليل السوسيولوجي – دار الخلدونية للنشر و التوزيع – الجزائر – ط ‪.0222 -2‬‬ ‫‪-05‬‬

‫‪ -01‬الصغير بن عمارة – الفكر العلمي عند ابن خلدون –المؤسسة الوطنية للكتاب –الجزائر – د ط – ‪ – 2248‬ص ‪. 225‬‬

‫‪38‬‬
‫ابتسام القران – المصطلحات القانونية في التشريع الجزائري – قصر المكاتب ‪-‬البليدة الجزائر ‪.2224-‬‬ ‫‪-06‬‬

‫محمد الصافي عبد الكريم – علم النفس االجتماعي – داؤ الوفاء لدنيا الطباعى والنشر –االسكندرية – مصر – ط‪-2‬‬ ‫‪-04‬‬

‫‪0220‬‬

‫‪29-‬‬ ‫‪Joseph Sumpf et Michel Hugues –Dictionnaire de Sociologie ,Larousse-Imprimerie‬‬

‫‪Hérissey- 1974‬‬

‫بالتوفيق‬

‫‪39‬‬

You might also like