Professional Documents
Culture Documents
مــــــــــــــــــــــــــــادة :
فــــــــرد وثقافــــــــة
السنة الولى علوم اجتماعية
1
أوال :مدخل مفاهيمي
" إن المة مجموعة متماسكة من الفراد وكلما كان الفرد سليما كان بناء المة سليما و كلما كانت أخالق
1
المة قوية نقية كانت اتجاهاتها سليمة وهدفها مستقيما" .
بهذا الطرح الوافي نستهل كالمنا في هذا المقام على أهمية الفرد في بناء المجتمع وبنائه ،أي موقعه
ودوره فاالهتمام بالفرد هو سر نجاح األمم و الشعوب وبه صنعت حضارتها وامتدت ألحقاب من الزمن فالفرد
هو الذي يؤسس المجتمع ويشرع الحياة االجتماعية ويطور النظم فيه،الفرد هو طاقة قوية خلقه الخالق عز جالله
بإرادته وأعطى فيه روحه وهو أيضا سبحانه وتعالى يبرز لنا في القرآن الكريم مكانة هذا االنسان المنفرد الفرد
ان ِم َن ا ْل َكا ِف ِر َ
ين" (اِلية 43 استَ ْك َبَر َوَك َ
يس أ ََب ٰى َو ْ
ِ
س َج ُدوا إِاال إِ ْبل َ
ِ
اس ُج ُدوا ِل َد َم فَ َ
ِ ِ ِ
بقول ــه تعالى " َوِا ْذ ُق ْل َنا ل ْل َم َال ئ َكة ْ
2
"إنه لما أظهر اهلل سبحانه للمالئكة فضل آدم من سورة البقرة) ،وقد جاء في تفسير الشيخ محمد حامد الفقي
بما أعطاه من نعمه العلم وأبان لهم عن استحقاق آدم االستخالف في األرض ،وقيامه فيها وولده بما قضاه اهلل
لهم وعليهم من مختلف الشؤون واألعمال ،أمر المالئكة حينئذ أن يسجدوا آلدم و أن يكونوا له تابعين "....
إن هذا الوصف إنما هو تكريم لإلنسان كفرد ألنه يمكننا أيضا أن نعي منها أن اإلنسان كفرد عليه أن
يدرك حجم المسؤولية واألمانة وأن يدرك واجبه نحوها فوجود اإلنسان الفرد في الدنيا هو لغاية محددة ومحدودة
ولذلك نجد أن اإلسالم هو الدين الوحيد الذي أعطى أهمية للفرد باعتباره هو الذي يحقق المجتمع
المتراص ولم يهمل أي جانب من جوانب الحياة لنرى المسلم الحق قويا في كل ناحية من نواحي حياته ،قويا في
روحه وقويا في خلقه وقويا في جسمه وقويا في كل ما يعطيه لفظ القوة من داللة مصداقا لقوله (ص) "المؤمن
3
القوي خير وأحب هلل من المؤمن الضعيف "
التأثير الشامل للثقافة " .1وعليه يحق لنا أن نتساءل من هو الفرد ؟ وما معنى الثقافة ؟
-1مفهوم الفرد
يقول ديفيد ريسمان أن " الفرد نتاج المجتمع من ميالده إلى وفاته وال يستطيع الهروب من سيطرة أو
2
هيمنة تأثيرات األسرة والجماعة العمرية والمجتمع المحلي "
-لغويا :
3
كما أن معاني اللغة العربية :
سيف ِ
فرٌد :ال نظير له
الفرد هو عكس الجماعة وأساس تكوينها كما أنه األساس في تشكل النظم االجتماعية فالزواج يبدأ من
الفرد وينتهي بأسرة فالمجتمع ،وأن الكثير من الصفات الفردية تؤثر على تلك التكوينات االجتماعية لذلك فإنه
-1حممد السيد أبو عال النيل – علم النفس االجتماعي –دار النهضة العربية – بريوت،لبنان -5890 -ص . 33
- منظر اجتماعي امريكي معاصر .
.-2معن خليل عمر – انشطار املصطلح االجتماعي –دار األمل للنشر والتوزيع – إربد ،األردن – ط – 5881-2ص 575
.-3تعريف ومعىن الفرد يف معجم املعاين اجلامع –معجم عريب عريب www.almaany.com
3
- 2مفهوم الفردانية :
الفردية ليست فلسفة سياسية قائمة بذاتها وانما هي جملة أفكار مقتبسة من مذاهب فلسفية وفكرية
وممارسات سياسية وقد استقت الفردية أفكارها من الحركة االنسانية – النهضة األوروبية – االصالح الديني –
1
عصر التنوير – الليبيرالية .
فالفرد هو انتماء خارجي للجماعة الصغيرة أو الكبيرة وأيضا هو انتماء داخلي للضمير المغروس فيه من
خالل العائلة ف ال يوجد فرد مستقل ذاتيا أو اجتماعيا ،إن العديد من االختالالت والمشاكل تظهر حينما يريد الفرد
أن يهرب من هيمنة الجماعة فيجد هيمنة ضميره ،واذا حاول اإلفالت من االثنين تالحقه هيمنة السلطة والقانون
كما هو الحال في حركة الهجرة ،فالعيش داخل المجتمع يتطلب حالة يمكن أن نسميها(اتزان الحال الفردية) و
يمكن أ نستدل عليها بذلك الفرد الواعي المدرك لواقعه وأبعاده ووفق ذلك يتصرف و ينشأ سلوكات وعالقات
...الخ " ،ومنه نجد أن للفردانية معنيان في السياق االجتماعي أو أنها اتخذت اتجاهين األول أن الفرد هو
الحقيقة األولى والقيمة العليا المطلقة ويقدس مصالحه وحقوقه وأن مبادراته ال يجب أن تخضع ألي سلطة و
المعنى اآلخر هو الذي يضع الفرد كمقابل لمجتمع ومضاد له ألن المجتمع يسيطر على الفرد ويضع قيودا على
2
،لذلك فإننا نجد المجتمع بمؤسساته ونظمه وأنساقه يضع مبادراته وسلوكاته ويضحي به من أجل الجماعية "
القوانين والحدود للفرد ويسلط عليه العقاب بنظرة سلطوية ومن منطلق أهمية الجماعة وحفاظا على الحياة
الجماعية من أخطاء الفرد ،مما يخلق لدى الفرد العديد من اإلف ارزات كالعدوانية و االنطواء والعزلة كما يولد لدى
الفرد تراكما من األسئلة حول مصيره و أهميته .وأيضا عالقته بالمجتمع ،إن هذا الطرح يجعلنا نفكر بعمق في
ما يمكن أن ينطوي عليه الفرد من خالل فرديته أو بسؤال آخر ماهي الفردية ؟
-1عبد اجمليد لبصري –موسوعة علم االجتماع – دار اهلدى –عني مليلة،اجلزائر -2555 -ص 327
-2عبد اجمليد لبصري – مرجع سبق ذكره – ص ( 327بالتصرف )
4
-4مفهوم الفردية :
في علم االجتماع مفهوم الفردية كعقيدة أخالقية ....إن الفرد حر وهو الذي يقرر مهنته ويختار شريكه
ويمارس معتقداته بكل حرية ويعبر عن آرائه أما استقالليته فهي حالة حقوقية يمكنها أال تتطابق مع األحوال
الواقعية أال تطابقا مثاليا ،نظ ار لوجود المحظورات الرسمية والعرقية التي تحد عمليا من الفرد واستقالليته . 1
أن فكرة الفردية كانت مفقودة في المجتمعات البدائية البسيطة التي تميزت بوجود أدوار قليلة ....فكانت تتكون
2
من أشخاص متشابهين في شخصياتهم وأفكارهم وميوالتهم واتجاهاتهم والفرد يحب أن يعمل لصالح المجموع
إن التيارات واألفكار التي نادت بفكرة الفردية وقد أوجدت نظما بكاملها كالليبرالية التي مجدت الفرد من
منطلق تحرير نشاطه وانتاجه ونادت بتحرير كل حياته من شعاراتها " دعه يعمل أتركه يمر " ونادت لحرية
السوق لكي يتمكن األفراد من ممارسة اقتصادهم كما دعى لذلك آدم سميث كما أن أهم زاوية يمكن أن ننظر
منها إلى الفردية هي االصالح الديني والذي كان مرتكزه الرئيس هو الفرد وأول ذلك أنه أسس لعالقة الفرد بربه
دون واسطة من أي جهة وهذا ما ذهب اليه االجتماعي األلماني ماكس فيبر حين درس األخالق البروتستانتية
" ويقول دور كايم أن نظام تقسيم العمل الذي يعتمد المجتمع هو أساس تمييزه بالطابع الفردي والذي ال
يلبث أن يتطور ويدخل في نفسية الفرد .....و هنا يظهر القانون الفردي الذي يدافع على الحريات الفردية
ويحميها وهذا كله يؤدي الى وجود مجتمع يعتقد بغايات تتعلق بكرامة الفرد واستقالليته وحمايته".3
إستنتاج :نستطيع القول أن الفردية هي حالة الفرد دون غيره وليست هي االنعزال بل هي ممارسة الحياة
-1خليل أمحد خليل – مفاهيم أساسية يف علم االجتماع – دار احلداثة للطباعة والنشر والتوزيع – بريوت ،لبنان – ط – 5891 –5ص . 571
-من طرف العالم تايكو فيلي في كتابه "الديمقراطية في أمريكا " نشر في . 0481
-2عبد اجمليد لبصري – مرجع سبق ذكره – ص ( 327بالتصرف )
-3دينكن ميتشيل –معجم علم االجتماع – ترمجة احسان حممد احلسن –دار الطباعة-بريوت،لبنان –ط -5891-2ص . 523
5
إننا إذا ركزنا فيما طرحه دور كايم يمكننا أن نعي د إنتاج فكرة أخرى هي تقسيم العمل هو الذي ينتج
الفردية كطابع لنفسية الفرد واذا تطور هذا الجانب النفسي قد يؤدي إلى المطالبة بقانون فردي وظهور الحريات
الفردية و الدعوة الى حمايتها وهذا كله يتم في حركية مجتمعية تخلق وعي اجتماعي يتعلق بكرامة الفرد من
حيث االستقاللية والحماية أي أننا بهذا الطرح ننطلق من الفرد الى المجتمع أو تكوين مجمع .
إن الفرد هو الذي يمارس وينجز ويفكر وينفذ حياته وبعد هذا ينضج كل ذلك بإسم الجماعة ،إن تطور الحياة
االجتماعية واختالف أوجهها هو ما يصطلح عليه بالثقافة فما هي الثقافة وما عالقتها بالفرد ؟
يمكن اعتبار الثقافة شيمة البنيوية والوظيفية وبمثابة إطار فكري وجذر فكري انطلقت منه -3الثقافة :
وتطورت نظريات و أبحاث خصبة وبمثابة تَمثُل فكري للمجتمعات .والمقصود بالثقافة "منظومة القيم األساسية
1
للمجتمع "
الثقافة مجموعة من المعطيات:يجب أن نفكر هنا في التعريف للثقافة لتايلور و الذي أعطى بالتقريب
من طرف كل التخصصات" الثقافة أو الحضارة هي ذلك الكل المركب الذي يضم المعرفة،اإليمان،الفن،القواعد
األخالقية والقانونية،األعراف وكل تلك العادات والتقاليد وتكتسب من طرف االنسان بصفة عضوا في المجتمع
"، 2إن هذا التعريف كما سبق ذكره يعد أوليا وشائعا في استخدامه بل أنه أعطى مجاال متسلسال لمفهوم الثقافة
من خالل مكونات يدركها الفرد كما الجماعة وهو بهذا يجعل الثقافة إطا ار عاما يميز حياة اإلنسان في أي
مجتمع كان وهذا ما أدى بالبعض إلى التفريق بين الثقافة وما سواها من مفاهيم أخرى كالحضارة والتي قد تعني
شواهد وانجازات تعبر عن مستوى معين من التطور و التقدم بينما الثقافة وكأنها وصف لما هي عليه حياة
األفراد والجماعات في حكم نظام اجتماعي معين ولذلك يقال ( ال نستطيع أن نقول عن أي شعب أنه متحضر
ولكن تستطيع أن تقول أن له ثقافة )وهي بهذا المدلول على نوعية الحياة دون أن نخفي التأرجح الذي يصادف
الكثير في محاوالتهم إلعطاء حدود كرية للثقافة أو حتى خارج ذلك وهذا ما أنتج كما كبي ار من التعاريف التي
وبالطبع سوف لن نضيف عن هذا ولن تستطيع ذلك لفيض ماهو متوفر وعليه سنلجأ الى تقديم تعريفين
التعريف الغربي :تعريف مالينوفسكي " هي تلك الميراث االجتماعي الذي يشتمل على العناصر المادية -2
ال موروثة والسلع والعمليات التقنية واألفكار الفردية والقيم ،ويعتبرها وسائل أدائية فعالة تكون اإلنسان عن طريقها
في وضع أفضل ليساعده عل اإلحاطة بالمشاكل الملموسة التي تواجهه في بيئته وهو في سباق وكفاح من أجل
التعريف العربي :تعريف مالك بن نبي الثقافة هي مجموعة من الصفات الخلقية والقيم االجتماعية التي -0
تؤثر في الفرد منذ والدته لتصبح الشعوريا تلك العالقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه
فهي على هذا المحيط الذي يشكل فيه الفرد طابعه وشخصيته وحيث تتكون ثقافة مجتمع بهذا الشكل فإنها تخلق
تاريخ حيث تولد العالقة بين الثقافة والتاريخ ،إذ ليس ثمة تاريخ بال ثقافة فإن الشعب الذي يفقد ثقافته يفقد حتما
تاريخه ".2
نستنتج أن مالينوفسكي قد أحاط بعناصر معينة ضمنها تعريفه للثقافة وشملت وسائل وتقنيات وقيم
والخ، ....وقد ربطها كلها بتلبية حاجات الفرد مقابل ما يواجهه من صعوبات ،أما مالك بن نبي فقد كان تعريفه
عميقا ويتكون من جزئين الول حصرها في صفات خلقية وقيم اجتماعية التي تتفاعل مع أسلوب الحياة في
الوسط وقد أعطانا صورته نرى من خاللها البيئة االجتماعية الثقافية ومكوناتها وهي االنسان ،األخالق ،القيم أما
الجزء الثاني فقد جعلها محيط ترتسم فيه شخصية الفرد وهنا نجد ثالثة عناصر هي المحيط ،الشخصية والفرد
وبعد هذا أحالنا على نتيجة عامة هي أن الثقافة تاريخ فال وجود لهذا األخير دون ثقافة فالتراكم المميز لها هو
-1طالل عبد املعطي مصطفى – أحباث يف علم االجتماع نظريات ونقد –دار هاري-دمشق،سوريا -دط -دس -ص . 515
-2املرجع السابق – ص . 512
7
-5عالقة الفرد بالثقافة :
عالقة الفرد بالثقافة هي عالقة ترابط و تكامل ،فالفرد هو العنصر والمخلوق الثقافي الذي يحيى في بيئة
ثقافية تتزاحم فيها المركبات وقد تتواءم كما قد تتعارض وتتناقض والثقافة بالنسبة للفرد هي إطار خاص وتشكيلة
مميزة له ،ف الفرد الذي نشأ في مجتمع محافظ حتما سيكون محافظ و العكس صحيح .واإلنسان مزود بخاصية
التثاقف أي أنه مولع باألخذ من اآلخرين واعطائهم أيضا ويتبادل الخبرات ويتحسب في ذلك كل ما يضفي عليه
األفضل واألحسن في شتى صفاته ومواصفاته " تعتبر الثقافة أساس الوجود اإلنساني فهي توفر للفرد صور
السلوك والتفكير والمشاعر التي ينبغي أن يكون عليها في حياته االجتماعية " .1
وعليه الفرد يولد ويوجد ويعيش في بيئته وفق مقومات وتراكمات ثقافية و هي التي تعطيه الطاقة
لالستمرار في حياته من جهة ومن جهة أخرى فهو من يطور ويضيف في تلك الثقافة من خالل ممارسته للحياة
االجتماعية " والوسط الثقافي له دور في بناء شخصية الفرد ،ومن هنا كان اجتهاد العلماء المسلمين بأنه ال
يجوز لمسلم أ ،يقيم في بلد يخشى فيه على عقيدته أو يمنع فيه من ممارسة عبادته ".2
فالوسط الثقافي هو الذي يحمل مواصفات معينة ي لقيها على أفراده ،فمثال المجتمع الرأسمالي أوجد أفراد
يجنحون الى االستقاللية والحرية الفردية بمقومات وأخالق وقيم تتماشى مع ذلك ،كما أن الثقافة االسالمية
أوجدت أفراد لهم صفات ومقومات تختلف عن الثقافة المسيحية ،كما أن هناك مسألة مهمة البد من توضيحها
وهي أن ال فترة المبكرة من حياة الفرد تتميز بالخضوع واالستسالم التام للتأثير الثقافي المحيط به إال أنه في
مراحل بلوغه ورشده قد يفلت من الكثير من ذلك باكتسابه القدرة على االختيار والتمييز .ومن هنا يمكننا أن نمر
-1مراد زعيمي – علم اإلجتماع رؤية نقدية – مؤسسة الزهراء للفنون املطبعية – قسنطينة،اجلزائر –دط – 2551 -ص . 352
- 2املرجع السابق – ص . 353
8
ثانيا :الفرد و الطبيعة ( إشكالية الطبع والتطبع )
يولد اإلنسان الفرد في الطبيعة أقل ما يقال عنها أنها تبدأ بالفطرة اإلنسانية التي يشترك فيها مع كل بني
جلدته ،فصفة اإلنسانية ال يمكن أن يحرم منها أي شخص ،خلق من أجل أهداف ويموت من أجل أخرى ،فعلم
النفس ركز على ما يعرف بالفرد اإلنساني ،فالطبيعة كما تمثل المحيط بالفرد هي أيضا ما يعيه ويدركه حول
هذا المحيط وحول نفسه .إننا كثي ار ما نستفهم عن الطبيعة هل هي قوة خارجة عن ذواتنا ؟ أم هي ما يوجد فيها
؟كما أننا في مواقف كثيرة نصف أفعالنا أو أفعال غيرنا بأنها طبيعية ،كما أننا ندرك مدركات أساسية نعتقد فيها
أن الحياة طبيعية كما الموت أيضا ،وبطرح آخر قد نخاف من الطبيعة التي نحن موجودون فيها وتحيط بنا وال
نؤمن النقالب الطبيعة ،إن هذه الطروحات وغيرها كثيرة ومتعددة حتى أننا إذا وصلنا نبأ عن وفاة شخص ما
نسأل عنه هل وفاته أو م وته طبيعية ؟ وكأننا نملك في أذهاننا صورتين للموت وبمجرد أن يذكرنا أحد بحقيقة
الموت عن أنها واحدة نحس بتراجع على مستوى إدراكنا للحقيقة .
وعليه فإننا سنحاول من خالل ما سيأتي أن نطرح إشكالية الطبع والتطبع من منظور أن الفرد به ما هو
لم يهمل التأمل الفلسفي رؤيته الى الطبيعة ومحاولة فهمها وتقديم أجوبة ألسئلة كثيرة ميزت حقبا من تاريخ
اإلنسانية وسنحاول في هذا المقام أن نعرض بعض تلك التأمالت وأهمها لفالطون وأرسطو كما للفرابي وابن
سينا .
" وقد ذكر أفالطون في محاورة (طيماوس ) التي خصصها لتفسير التكوين الطبيعي للعالم ،أن الصانع
أحدث العالم محتذيا بالمثل أي أنه ركب الصور المأخوذة عن المثل في المادة الخام ....أن الصانع مصدر
9
الخير والخير ال ينتج إال الخير ، 1"...إن أفالطون كما جاء في تفسير محادثته يستخدم الرمزية فهو يرى أن
المادة كانت تتحرك حركة عشوائية غير منتظمة وأن الصانع تدخل وجعل لها انتظاما وترتيبا وهذا تشمله أزلية
أرسطو ( )422-483ق.م
أما أرسطو فهو فيلسوف وجودي واقعي وهو مصدر الوجود العقلي ،فقد تلخصت تأمالته في الطبيعة
2
الحركة،العلة ،المكان،الزمان والكون و بتلخيص شامل لهذه في العديد من المباحث أهمها خمسة وهي :
العناصر فإن الوجود الحقيقي هو الوجود الطبيعي والذي يعني حسب أرسطو الوجود المادي المتحرك في حركة
محسوسة وهذه األخيرة تتطلب علة تكون سببا لها ال ذاتها وحصرها في أربع علل مادية ،صورية ،فاعلة وغائية
،يمكن أن نعبر عنها بـ (ما منه الشيء،ماهية الشيء ،مابه يصير الشيء وما من أجله الشيء )،ما تستلزم
الحركة ما فيه يتحرك أي المكان وهو الحيز الذي تنتقل فيه علة الحركة وتتعاقب فيه األجسام وتنشأ منه الجهات
فوق ،تحت ...الخ ،كما يلزم ذلك زمنا والذي تختلط به المادة فيصبحان واحد فالزمان حسبه حركة غريبة تقترب
من الالمعلوم مع أنه يمثل الماضي والحاضر والمستقبل ،أما الكون فهو كروي بحركة دائرية يمثل األزلية ويمثل
" ومذهب أرسطو في الطبيعة والحياة مذهب غائي فالطبيعة عنده ليست كتلة من الحوادث الهوجاء وانما
هي ممتلئة بالمظاهر التي يدل نظامها على أنها تتجه نحو هدف معين "، 3معنى ذلك أن الغائية هي ارتباط
الوجود بما خلق ووجد له في سلسلة من األهداف التي تدل على تلك الحقيقة فكل شيء في الطبيعة – كاإلنسان
– له خصائصه وارادته وغاياته هذه هي نظرية اإلنسان األكبر و اإلنسان األصغر التي يسيطر على الفكر
-1حممد عبد الرمحان مرحبا – من الفلسفة اليونانية اىل الفلسفة االسالمية – ديوان املطبوعات اجلامعية/منشورات عويدات ،بريوت ،لبنان –اجلزائر – ط – 3
-5893ص . 532
-2املرجع السابق – ص[( ] 591-519بالتصرف )
-3حممد عبد الرمحان مرحبا – مرجع سبق ذكره – ص . 580
-4املرجع السابق – ص . 580
10
الفرابي 848( :م– 058م )254(/ه440-ه )
هو صاحب أقوى نظرية فلسفية في تفسير نشأة األشياء واختالفها فقد أرجع ذلك إلى اختالف األجسام
السماوية كما أن مذهب الفرابي في هذا المجال المتعلق بالطبيعة والوجود يعد من أهم المذاهب وأجملها فهو "
يقوم عل األفكار القديمة التي تقول بتأثير العالم األعلى في العالم األسفل تأثير الكواكب و النجوم و األكر
السماوية في حياتنا اليومية "، 1هذه هي قاعدة المذهب الفرابي في تفسير الطبيعة والتي ال تخلو من القاعدة
الرسطوطالسية وهي تقول بوجود عالمين علوي وسفلي إال أن فرابي يفسر قاعدته بطرح آخر فهو يعتقد أن كل
شيء في العالم األ سفل إنما يعود إلى العالم األعلى أو ما يسميه بالجسم السماوي ،فإن جوهر الجسم السماوي
وطبيعته وفعله أن يلزم عنه أوال وجود المادة األولى ثم بعد ذلك يعطي المادة األولى كل ما في طبيعتها
وامكاناتها واستعدادها أن تقبل من الصور الكائنة ما كانت ،ذلك أن الموجودات التي دون األجسام السماوية هي
2
في نهاية النقص في الوجود"
إن الفرابي قد أعطى تفسيره إلى قوة ما فوق العالم الذي نوجد فيه وتلك هي الطبيعة التي تتجسد في
التشابه واالختالف والتضاد ،كما أنه "يحصل عن األجسام السماوية وعن اختالف حركتها أالسطقسات،أوال ثم
األج سام الحجرية ثم النبات ثم الحيوان غير الناطق ثم الحيوان الناطق ويحدث أشخاص كل نوع منها على
من مؤلفاته "النجاة" "رسالة في العشق " فهو يصف الطبيعة من خالل ما طرحه الفرابي (معلمه)كما أننا
نجد تسلسال لألفكار يبقي على فكرة األجسام السماوية في في تأثيرها على ما دونها وتحتها إال أن ابن سينا قد
طرح أن " األجسام الموجودة بما هي واقعة في التغير وبما هي موصوفة بأنحاء الحركات والسكونات" ، 4وحسبه
ذلك المحل كعالقة التمثال بالنحاس ،كما أنه طرح فكرة مهمة حول القوى السارية في األشياء ،1وقال أنها ثالثة
قوى ،األولى قوى سارية في األجسام فيها كما لها وأشكالها ومواضعها الطبيعية وأفعالها ،فإذا انحازت على ذلك
ردتها تلك القوة والثانية قوة تفعل في األجسام أفعالها من التحريك أو التسكين وحفظ نوعها ،ومنها من غير
اختيار وال معرفة فتكون نفسا نباتية ومنها القدرة على الفعل مع تنافي اإلدراك فهي نفسا حيوانية ولبعضها
اإلحاطة بالحقائق على سبيل الفكرة والبحث وهذه نفسا إنسانية .
هذه هي باختصار بعض الت أمالت الفلسفية للطبيعة رأينا من خاللها كيف أن الفالسفة والمفكرين منهم
واإلسالميين نظروا الى الطبيعة من خالل عنصر مشترك وهو الوجود وذهبوا في ذلك الى وصفه وذكر عناصره
ومركباته ،فما يمكن أن نستنتجه من هذا أن الطبيعة كانت مصدر تأمل والهام لإلنسان وكان من خالله باحثا
عن نفسه وموضعها وداللتها لجأ أحيانا الى تفسير خارج عنها و آخر منطلقا منها و عليه نستطيع أن نختم هذا
العنصر بالقول أن الطبيعة حركت في اإلنسان طبيعته وجعلته يبحث في جوهرها من خالل ما يعيشه ويمارسه
من ثقافة ولذلك ظل السؤال األول يالزمه في كل ذلك،هل هذا طبيعي أم ال ؟،ومنه سننتقل إلى عنصر نطرح
في هذا الطرح سوف نلجأ إلى ما تناوله كلود ليفي ستروس في كتابه " األبنية األولية للقرابة " و الذي
يعد أهم المراجع في العلوم االجتماعية وقد عالج فيه أحد أهم المشكالت االجتماعية واألنثروبولوجية خاصة
وهي مشكلة الطبيعة والثقافة الى جانب مشكلة تحريم الزواج من المحارم ومنه " يعتبر مفهوم الطبيعة عند ليفي
ستروس العمومية أو التلقائية حتما تعبر الثقافة في مقابل ذلك عن النسبية وعلى هذا يرى أن كل ماهو عام
فقد رأى ليفي ستروس من خالل تحليله لنظام القرابة أن هناك مواجهة وتضاد بين الطبيعة والثقافة حيث
أن إتصال الجنسين(إمرأة ورجل ) هو حالة طبيعية في مبدأ وتكونها تابعة الى قوة أقرب الى الفطرة ثم تتدخل
الثقافة بما تحمله من قوانين وقيم ومعايير لتنظم هذه الطبيعة فتحرم زواج المحارم ،ولكن اعتقادنا أن هذا التحريم
هو شائع ومنتشر كمبدأ عمومي بين كل المجتمعات والديانات وبالتالي فهو من الطبيعة ،فحسب ليفي ستروس
تلبية الغريزة الجنسية هو من الطبيعة ولكن تنظيمها واخضاعها الى قوانين ونظم معينة كالزواج هو ما يعرف
بالثقافة ،كما يحيلنا ليفي ستروس على فكرة أخرى هي نسبة التقابل بين الطبيعة والثقافة " يرى أن هذا التقابل
بين الطبيعة والثقافة –مهما يكن من شأنه -فما هو اال مجرد تقابل نسبي نظ ار ألن الطبيعة مفعمة منذ البداية
معطى أوليا أو مظه ار موضوعيا لنظام العالم بل هي مجرد فرض من خلق الثقافة نفسها " .2
كما أن ليفي ستروس ذهب إلى أبعد من ذلك محاوال إعطاء تحليال أشمل و أعمق لما يربط الطبيعي
بالثقافي فحسب نظريته الهادفة إلى " محاولة إكتشاف كيف أن العالقات معينة توجد في الطبيعة –كما يدركها
المخ االنساني -يمكن أن يتولد عنها نتاج ثقافي يشمل هذه العالقات ".3ومن هذا ما يوجد في ألوان الطيف
الشمسي الذي يمتد من لون الى آخر ،أحمر أزرق أخضر أصفر فإن إدراك االختالف بينها هي من عمل المخ
االنساني والوصف الطبيعي المشترك بينها هو أن كل منها ضد اآلخر ،فاللون األحمر له مدلول يرتبط بالخطر
والدم ولذلك فإن سائق السيارة يتوقف عند الضوء األحمر "،وبهذا إستطاع المخ االنساني أن يجد تصو ار مناسبا
للتقابل الثنائي واختار األخضر واألحمر كثنائي للتقابل بين الطبيعة والثقافة ،ويقول ليفي ستروس أنه " ينبغي
االعتراف
-1فادية فؤاد محيدو -البنائية عند ليفي سرتوس-دار املعرفة اجلامعية – اإلسكندرية،مصر-دط – -2555ص . 80
-األبنية األولية للقرابة الطبعة . 2
-2فادية فؤاد محيدو – مرجع سبق ذكره – ص . 80
-3املرجع السابق – ص . 87
13
بأن الثنائية أو التغاير والتقابل والسيميترية ،سواء كانت ظاهرة أو غير ظاهرة هي المعطيات األساسية والمباشرة
للواقع االجتماعي وأنها هي نقطة البدء بكل محاولة تفسير" ،1و لم يفت ليفي ستروس أنه طرح كيف يتم
االنتقال من الحالة الطبيعية الى الحالة الثقافية حيث وضح ذلك من خالل ما يقع في نظام الزواج وذلك
باالرتباط الذي يحدث بين أشخا ص ليست فيهم روابط قرابية دموية بل أنهم ترابطوا عن طريق المصاهرة وتبادل
النساء وهو بذلك يكشف " أن الزواج القائم على روابط الدم أي العالقة البيولوجية يمثل المرحلة الطبيعية في
حين أن الزواج القائم على دوافع أخرى تكون اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية فإنه يمثل مرحلة ثقافية
(اجتماعية) "، 2ومنه فالفرد له طبيعة كامنة في جوهره بأنه كائن حي عاقل كما أن الذي يحيط به في حدود ما
سبق وجوده يعد طبيعة خلق بها وفيها ,كان يحمل االنسان صفة خلقية يقال لها الطبيعة أو طبع فيه كما يدخل
في هذا الطبع ما تحمله الوراثة الى االنسان الفرد من صفات و مميزات غاية في االختالف فالسلوك كوجه من
أوجه الطبيعة االنسانية وهو في ذلك حر في تدبر أمره وتنفيذ أعماله هذا من وجهة نظر عادية " أما حسب
وجهة النظر العلمية فيحدد سلوك االنسان بموجب خصائص وراثية التي تعود الى التاريخ التطوري للجنس
البشري ".3
تحيلنا هذه الفكرة القريبة من الجدلية الى وضع احت ارزات عديدة بل وأكثر من ذلك تخوفات من مسألة
الضبط في حد ذاته ،فالفرد كما طرحناه سابقا هو عكس المجمع والجماعة هو تلك الصفات المستقلة والدوافع
التي تخص شخص واحد حتى أن علم النفس قد ركز على مفهوم الفرد االنساني كما سبق ذكره ولذلك سنعمد
4
الى بناء سلسلة من العناصر نبدؤها بما يلي :
الطبع :الخلق
علم الطباع (علوم النفس ) دراسة الصفات األكثر ديمومة من شخصية االنسان بمعناها االجتماعي واالخالقي .
وبهذا يتضح أن الطبع هو خصائص ثابتة تقريبا في الخلقة اإلنسانية بالتحديد و منها أيضا تطبع بتطبيع ،تطبعا
إن هذه المسألة تعد حاضرة بقوة في النقاش حول مسائل التربية والتصنيف االجتماعي " فالمسألة التي
تطرح بإستمرار على اآلباء والفالسفة وعلماء اإلجتماع وعلماء النفس ترتبط بالدرجة التي تساهم فيها الوراثة
البيولوجية أو التعليم االجتماعي داخل األسرة والتعليم الرسمي في تكوين شخصية الطفل ". 1
إن هذه الصورة تعد بحق أحد الحقائق المرتبطة بإشكال نعيشه كأفراد بالنظر الى ما يبني شخصيتنا و
أيضا نعيشه كجماعات مسؤولة على النشء بل أبعد من ذلك فإن مسألتي الوراثة البيولوجية وما يرتبط منها من
سلسلة مواصفات جنينية تنتقل بين األ فراد عن طريق الوراثة العضوية بكل مداخلها العلمية تجعلنا نفكر بعمق
في عالقة ذلك بالحياة اإلجتماعية ؟ أو باألحرى قد يفكر أحد في ما يمكن أن ينقله إلى أبنائه أم أن األمر
يتعدى التفكير ؟ في كثير من المحاوالت فإننا نحس بالرضوخ لمسألة الطبع وكأننا أمام حتمية بيولوجية ال بد أن
نقبل بها ،فاإلجرام مثال حسب العالم " لمبروزو " ه مواصفات وراثية كما له جانب اجتماعي ،بما أننا نجد
طرحنا يقترب من محاولة معرفة األسباب و العوامل حول مسألة أشد عمقا .
-3الطبع أم التطبع ؟
إن طرح مسألة للنقاش تتعلق بالطبع والتطب ع يحيلنا على فكرة ليست بالجديدة وخاصة ما تعلق بمسائل
التربية والتكيف و ما سبقهما من وراثة قد تصل الى حدود الفطرة االنسانية كما أنها ال تستطيع أن تتخطى
-1جون برنارد – دراسات عائلية ،مدخل متهيدي – ترمجة أمحد رمو – منشورات دار عالء الدين للنشر والتوزيع والرتمجة – دمشق ،سوريا –ط -5
-2552ص . 518
15
الجدل القائم في هذه المسألة ،فاألخالق مثال يعترف الكثيرين أن فيها من الطبع كما يلحقها اكتساب وتغير
بمعنى التطبع " و مما يدل على أن األخالق الفاضلة تكون طبعا و تكون تطبعا ،قول النبي (ص)ألشج عبد
القيس ،أن فيك لخلقين يحبهما اهلل الحلم و األناة ،قال يارسول اهلل أهما خلقان تخلقت بهما أم جبلني اهلل عليهما
؟ قال جبلك اهلل عليهما ،قال الحمد هلل الذي جبلني على خلقين يحبهما اهلل و رسوله ". 1
إن معاني هذا الحديث النبوي جلية في سياق حديثنا عن الطبع و التطبع وهو الذي ال ينطق عن الهوى
ففي أخالقنا إذا ما هو جلبة أوجدها الخالق سبحانه تعالى فينا بقدرته و إرادته ،كما أنه في المقابل لذلك نكتسب
أخالقا أخرى من خالل العملية االجتماعية ،فاإلنسان كنا يقال يولد كائنا بيولوجيا ويصير كذلك –أي إنسانا-
كما أن محور النقاش بين الطبع و التطبع قد أوجد طرحا ذو أهمية إختص به النفسانيون واالجتماعيون
خاصة و هو ما يعرف ( بالوراثة البيولوجية ) و (التعلم االجتماعي ) " و لطالما نوقشت هذه المسألة في الكتب
المدرسية بتعبير الطبع (الوراثة البيولوجية ) إزاء التطبع (التعلم االجتماعي ) وهذا النقاش هو أساس االنشقاق
بين أولئك الذين ينظرون إلى الكائنات االنسانية بالتعبير البيولوجي وأولئك الذين ينظرون إليها بالتعبير
2
االجتماعي "
فوفق هذا الطرح الحاد إذا نظرنا إلى األسرة من منظار الطبع أي بالنظرة البيولوجية فإننا نحس بدونية وال
فائدة من وجودها كمؤسسة كما أن كل ما نحمله حوله من مفاهيم حول بنائها ووظائفها سوف لن نجدله معنى
وقد يصبح األطفال عبارة عن أدوات مبرمجة وراثيا ،كما أن استنزاف التفكير حول الوراثة يجعلنا أكثر تعقيدا
وتعقدا في مسائل الجنس و النوع ( الجنس :البيض و السود) (النوع :الذكر و األنثى )،إن التطرف في هذه
-1فيصل بن عبدة قائد احلاشدي –األخالق بني الطبع والتطبع – دار اإلميان للطبع و النشر والتوزيع – اإلسكندرية ،مصر –دط – – 2553ص . 58
-2جون برنارد – مرجع سبق ذكره – ص . 518
16
أما من وجهة نظر اجتماعية تعنى بها التطبع فتجد أن األسرة هي بنية اجتماعية و ثقافية فيها البناء و
الوظائف وتحكمها قوانين التبدل والتغير وفق هذه النظرة فاألطفال هم نتاج نمط أسري بما يحمله من أسس في
التنشئة االجتماعية
"إن التنشئة االجتماعية هي Socialisationفي اللغة الفرنسية و Socializationفي اللغة االنجليزية كما
أمكن العلماء من تحديد مصطلح عربي مقابل لها والمتمثل في مصطلح الجتمعة ولكنه قليل االستعمال والتداول
".1
التنشئة االجتماعية عملية تشير الى عمليات كثيرة و متنوعة لـ " التعلم" الذي يصبح الطفل عن طريقه
على الرغم من الكم الهائل من التعاريف التي أعطيت لعملية التنشئة االجتماعية إذ أننا نحس في أحيان
كثيرة أننا بحاجة الى فهم أكثر لمدلولها الخاص ولعل هذا التعريف قد أوجز لنا عناصر محددة أهمها :
-موضوعها الطفل
-ميدانها المجتمع
نستنتج أنها عملية مركبة من عمليات متنوعة كالحماية والمرافقة و التلقين .
البد أن نشير في هذا العنصر الى م سألة مهمة وهي أنه حدث تطرف بين فريقين نظراء الى قضية
النم ـ ــو العقل ـ ــي لدى أفراد فمنهم من انحاز الى الجانب الــبيولوجي و منهم من تطرف الى الجانب االجتماعي
و هذا ما أحدث بروز قطبين أعطى كل واحد آراء ناقضت الطرف اآلخر ،فمنهم من قال مثال أن الذكاء له
-1فاتن حممد عبد املنعم عزازي –علم اجتماع واجتماعيات الرتبية – دار الزهراء – الرياض ،اململكة العربية السعودية – ط – 2552-5ص 15
-2جون برنارد – مرجع سبق ذكره – ص . 505
17
بعد بيولوجي خالصا دون اعترافهم بالوسط االجتماعي وظروفه وخصائصه بل "ال تكتفي أنصار االتجاه
البيولوجي من ناحيتهم بتفسير الفوارق القائمة بين أفراد المجتمع وفقا لمعايير ومواصفات وراثية محددة و
إنما يذهبون الى تفسير نشؤ الحضارت وتكونها وفقا لمعايير وراثية وهذا ما ذهب اليه أرتو دو غوبينو
( )2421-2440في كتاب ـ ـ ـ ـ ــه بحث في تفاوت العروق البشرية بأن أكثر العروق عاجزة عن بلوغ الحضارة
الى األبد ...و أن الشعوب التي لم تنجب حضارة هي عقيمة في تكوينها العروقي ،فإن فرنسيس غالتون
( )2400-2222يبالغ في تطرفه العرقي إذ ال يرى في البيئة الصالحة ما يجعل اإلنسان عبقريا ".1
وقد اشتد هذا التطرف و أدى إلى ظهور وانتشار تيارات كبيرة حاولت بشتى األفكار أن تميل الكفة الى
الجانب البيولوجي وخاصة عندما ركزوا على عملية التعلم وربطوها مستقبال بعوامل وراثية محضة .
في مقابل هذا هناك ف ريق آخر أعطى أهمية للبيئة والوسط االجتماعي و هو ما أثبته العالم السوفياتي
كما أن العالم السوفياتي ليسنكو صاحب نظرية وراثة الصفات المكتسبة أعد في عام 2248بيان قال
فيه بإمكانية انتقال ا لصفات المكتسبة بيئيا عن طريق الوراثة وبأهمية تأثير الوسط حتى في التكوين الوراثي
لألفراد .
كما نادى في أمريكا عالم التربية الكبير إدوارد ثورنديك صاحب نظرية االرتباط و الذي تأثر به بافلوف
3
وواطسون في التركيز على الدور الحاسم للبيئة في عملية التحصيل العلمي و التربوي واعداد الشخصية .
إن هذا االختالف يعود باألساس وبصفة خاصة من طرف أنصار االتجاه البيولوجي الذين ينظرون
الى االنسان من بيئته البيولوجية بإعتبارها مستقلة عن واقعه االجتماعي وهذا ما خلق صعوبات متعددة
4
ويمكننا تبعا لهذا أن نطرح مجموعة من اآلراء والمواقف العلمية لمعالجة المسألة فيما يلي :
-1عبد اهلل مشت اجمليدل وعلي أسعد وطفه-دراسات يف سوسيولوجيا الرتبية – االعصار للنشر والتوزيع –عمان،األردن-ط -2550- 5ص ص
. 592،593
-2املرجع السابق – ص . 593
-3عبد اهلل مشت اجمليدل –مرجع سبق ذكره –ص . 593
-4املرجع السابق – ص ص (591-590بالتصرف )
18
يرى جوليا جيرياكي ار أن البيولوجية ليست أم ار معطى فحسب و إنما هي حقيقة معاشة بالتجربة و -2
يعلن عالم البيولوجيا جيان سينانت في مقال له بعنوان "البيولوجيا اليوم نحو ضبط اجتماعي جديد -0
أن قدرتنا العقلية مرهونة بالوسط الذي نعيش فيه إذ ال يمكننا أن نتحدث عن االنسان المجرد
،االنسان الذي يوجد في الفراغ المطلق ،بل عن اإلنسان في إطار شروط إجتماعية معينة .
يكرس دونيس ليون مقاله "كل تطور نفسي هو تطور إنسان ما في مكان ما"،وهذا ما يرتبط مباشرة -9
رائد علم االجتماع إميل دوركايم في كتابه "التربية والمجتمع "أكد أن اإلنسان الذي تحققه التربية فينا -8
ليس هو االنسان الذي تريده الطبيعة بل إنه اإلنسان الذي يريده المجتمع
ذهب م.ه جان و انطلق من مقولة دوركايم ليحدد معنى آخر وهو التفسير االجتماعي لبحث في -5
التأثير النفسي له ...فالتفسير الخارجي يتحول الى قسر ينبع من داخل الفرد نفسه ويسيطر عليه .
إن هذه اآلراء قد ربطت بشكل مباشر بين الجانب البيولوجي لإلنسان وبيئته أي الوسط االجتماعي عامة
.إن تطور االبح اث البيولوجية قد أثبت أن التخلف العقلي هو تلف في خاليا لدى الكائن الحي ويمكن تجنب
ذلك إذا تلقى عالجا معينا ومرك از وهذا ما يعني في نهاية األمر أن الكثير من حاالت التخلف العقلي يمكن أن
تعود الى حاالت مرضية ناجمة عن ظروف الحياة السيئة للكائن االنساني ...و يمكن لنا القول مع وولف أن
الرضع الذين ينتمون الى األوساط الفقيرة قد أصابهم الضرر قبل معرفتهم للوسط الذي سيعيشون فيه ،وقبل
1
تواصلهم مع ثقافة الفقر التي تنتظرهم .
الفرد والغير يمكن ترجمته بصورى مبدئية الى األنا و اآلخر ،فاإلنسان الفرد يمارس حياته مع غيره
وهذا ينصب كشرط أساسي ألن نتكلم على حياة جماعية وتفاعل و تضامن وتعاون وتبادل إذ أنه كما سبق و
أن ذكرنا أن دور كايم جعل المجتمع هو الضمير الجمعي وفهمنا لهذا الطرح قد نؤسسه من خالل مدخل الغيرية
-2غيرية :إسم ،مصدر صناعي من غير ،تفضيل اآلخرين على الذات ،نوع من السلوك يهتم بمصلحة
يتميز بالغيرية :اإليثار ،يفضل الغير على الذات خالف األنانية كون كل من الشيئين خالف اآلخر
غيري :إسم ،منسوب الى الغير (علوم النفس ) ميول الشخص وحبه وتفضيله بصفة عامة حب غيري -0
1
غيرية :إسم ،صفة ماهو غير ،عكس هوية -9
إن الغير بتعبير أكثر عمقا وضمن السياق االنساني عموما تدل على نوع من الوجود الطبيعي للفرد وهذا
ما أكد عليه تشارل تايلور في قوله " ليس للوجود االنساني بالتأكيد أي معنى خارج طابعه الحواري األساسي
،أي خارج الرابط الذي يوحد الفاعل بالغير " ، 2إن هذه الفكرة التايلورية تشير الى نوع من العالقة باآلخر تظهر
نوع من الهوية وهذا ما يبرز بدوره ما يعارضنا أو يعارض هويتنا وهو ما نسميهم باآلخرين .
20
-2افكار عن الغيرية
أوغست كونت
" كل شيء فينا ينتمي لإلنسانية ،وكل شيء يأتينا منها:الحياة ،والثروة ،والموهبة ،والمعارف،
والحنان( )...وهكذا ،فعندما تختزل النزعة الوضعية كل األخالق اإلنسانية في فكرة واحدة هي أن يحيى اإلنسان
من أ جل غيره ،فان هذه النزعة تهدف إلى تهذيب الغريزة البشرية الكونية وتسييجها؛ بعد إن تم االرتقاء بالفكر
النظري البشري وتتزاوج كل الترتيبات الذهنية الالهوتية والميتافيزيقية( )...ال يمكن لإلنسان األكثر مهارة وِفطنة
ونشاطا أن يرد لإلنسانية ولو جزءا صغي ار مقابلة ما تلقاه منها.يستمر اإلنسان،كما كان في طفولته,يتغذى
باإلنسانية,و يتلقى الحماية من اآلخرين ،ويطور قدراته داخلها( )...وذلك كله بفضل اإلنسانية عليه( )...لكن
وبدل أن يتلقى كل شيء منها بواسطة آبائه ،تنقل اإلنسانية له خيراتها عبر فاعلين متعددين غير مباشرين ،لن
أن يحيا اإلنسان من اجل الغير يعني إذن ،عند كل واحد منا واجبا ضروريا ومستم ار ينبثق عن هذه
الواقعة المتعذر تجاوزها وهي :أن يحيا اإلنسان بفضل الغير .أنها وبدون حماس عاطفي النتيجة الضرورية
المستخلصة من تقدير دقيق لمجريات الواقع المدرك فلسفيا في مجموعه( )...عالوة على ذلك يجب أن يقوم
انسجاما أخالقيا ،وبصفة جوهرية على الغيرية ،فهي وحدها القادرة أن تزودنا بأعظم زخم الحياة .إن الكائنات
البشرية المنحطة هي التي تطمح اليوم أن تحيى بفضل الغير يجب عليها أن تتخلى عن أنانيتها الهمجية .فإذا
ما تذوق ت هذه الكائنات بما فيه الكفاية ما تفضلت بتسميته ملذات الوفاء سيفهمون آنذاك أن الحياة من أجل
وحدها دوافع التعاطف اإلنسانية تصنع الغير تمنح الوسيلة الوحيدة لتطوير كل الوجود البشري بحرية ()...
االنطالقة الحقيقية الثابتة لحياة من أجل الغير ،حياة َي ِجد فيها كل واحد من األفراد المجتمع مساعدة من طرف
1
اآلخرين ،لكن و مقابل هذه المساعدة يقوم هؤالء بكبح ميوالت الفرد الشخصية و األنانية".
21
-اِلخر :مفهوم أجنبي عن اللغة العربية (منقول إليها في الوقت الحاضر) ،ونقصد بذلك أنه لم يكن يستعمل
قديما في مقابل "األنا" ،وانما كان يستعمل في معنى "أحد الشيئين" ،دونما أفضلية" :رجل آخر ،وثوب آخر"
(آخر= أأخر ،على وزن أفعل ،واألنثى :أخرى) .واللفظ العربي القريب من مفهوم "اآلخر" ،بالمعنى األوروبي،
هو "الغير" والجمع "أغيار" ،مع هذا الفارق وهو أن "الغيرية" في الفكر العربي اإلسالمي ال تعني أكثر من
مجرد "االختالف" ،مع التأكيد على أنه مهما اتسع االختالف وتعمق بين األغيار ،فـ"الغير" ال ينظر إليه على
أنه ضروري للوعي بالذات( ،ضروري لـ"األنا") ،كما رأينا في الفكر األوروبي .إن "الغيرية" في العربية تقع على
1
مستوى الصفات فحسب وال ترقى إلى مستوى الجوهر كما في اللغات األوروبية.
ومن هذا المنطلق نجد هوسرل يطرح قضية جوهرية تفسر الغيرية وذلك من خالل الوعي " حيث أصبح هذا
الوعي عند هوسرل فتحة أو بابا نحو الغيرية وعن طريق اللغة يضيف نكون مع الغير في تفاهم وانسجام
متبادل حيث يقول :عندما أتكلم لغة ،فأنا لست وحيدا ،فعندما أتكلم لغة فهذا معناه أنتمي إلى مجموعة " 2إن
مسألة التواصل االنساني من خالل اللغة المستعملة تمثل مدخال مهما لتحليل عالقة األنا بالغير ولذلك إحتلت
اللغة الصدارة بإعتبارها وسيلة للتواصل واالتصال وتحقيق سمات المجتمع االنساني كما تمكننا اللغة من فهم
األخر المختلف أو حتى التماهي فيه وفق متطلبات إجتماعية – ثقافية .
يعد السياق الفلسفي هو األساس لفهم هذه القضايا المرتبطة بجوهر االنسان وكذا عالقته مع غيره وتبعا لهذا
نجد العديد المتعدد من التيارات واألفكار الفلسفية التي عالجت مسألة الغيرية من تقابل ثنائية ( األنا – واألخر)
فأبعاد العالقات االنسانية كلها تعد نتاجا هذا التفاعل بل أن االنسان يختزل وجوده فيما يراه عند اآلخرين أو من
خاللهم ،وضمن هذا السياق المتشعب سنحاول أ ن نلقي الضوء على ثنائيتين مألوفتين في السياق االجتماعي
22
" إذ أن الصداقة عالقة ايجابية مع الغير؛ عالقة تستقي ماهيتها من داللة كلمة صداقة ذاتها .فهي تشتق -في
اللغة العربية -من الصدق الذي يعنى الحقيقة والصواب وكذا المودة والقوة والكمال .ومنه المثل العربي "
أننا دون شك نجد في صلب المعاني الدالة على الصداقة ،أنها خاصية تبادلبة بين الناس وهذا في حد ذاته
يعد شرطا بينما قد نجد أ نواع أخرى من العالقات ال تكون متبادلة كالحب والعشق كما أن الصداقة مرتبطة
بفعل (صدق يصدق فهو صادق ) وهناك دليل في القرآن الكريم وصف به اهلل سبحانه وتعالى أحد االنبياء بأنه
صادق الوعد وهذا النبي هو إسماعيل عليه السالم في قوله تعالى :
فمن صادق صدق وهذا مقرون باإلخالص والوفاء دون أدنى شك فأنبياء اهلل كلهم أمدهم 2 ِّه مر ِ
ضيًّا } ِع َ ِ
ند َرب َ ْ
اهلل بمكارم الخلق ورفعة النفس وهذا ما يمثل صورة تعاملنا مع الغير من باب الصداقة .
أما الغرابة فهي تيار معاكس للصداقة مع أنها تمثل هي اآلخرى جانبا من الغيرية "إن المجتمع اإلنساني ال
يخلو من الغير /الغريب إال إذا كان مجتمعا قبليا -عشيريا منغلقا على نفسه كما كان حال العرب في الجاهلية
أو مجتمع المدينة-الدولة كما عرفته اليونان قبل الميالد ( نموذج أثينا وسبارتا وغيرهما ) .أما حينما نتحدث
عن المجتمع اإلنساني بمفهومه المدنى الحديث والمعاصر فإننا ال بد وأن نتوقع وجود الغير ( الغريب) كمكون
من مكوناته بل إن دائرة الصداقة واألصدقاء فيه تكون جد ضيقة ومحدودة بالمقارنة مع جيش األغيار (الغرباء)
ي تيح لنا هذا الطرح أن نفهم خاصية اجتماعية وهي التفاعل في حدود محيط متنوع فيه الصديق المعروف
والقريب وفيه أيضا الغريب المجهول والقريب أيضا ومع ذلك فإننا نمارس حياتنا وفق هذا الالتجانس الظاهري
23
ولذلك " أوضح علماء النفس االجتماعيون أيضا أن األشخاص المحيطين بنا يسهمون في بناء ذاتنا بلعبهم دور
1
مرة )الذي يعكس لنا به األخرون صورة ما نحن عليه " ...
المرآة االجتماعية هذا المسار المسمى ( ذات – آ
من هذا يتبدى لنا بأن الموقف من الغريب يجب أن يكون موقفا ايجابيا ,موقفا مؤسسا على قبوله والتحاور
( األنا ) والجماعي (النحن ) والتسامح معه واحترامه ولم ال الدفاع عنه ؟ فإذا كان الوجود البشري الفردي
وجودا ناقصا إذ هو دوما في حاجة إلى الغير الذي يغنيه وينميه بتجربته وعطاءاته على جميع المستويات فإن
الحوار مع الغير (القريب والغريب) لن يكون إال مفيدا لألنا ولألنا اآلخر على حد سواء شريطة احتفاظ األنا
2
واألنا اآلخر باستقاللية كل منهما وهويته واختالفه وتميزه واال انعدمت اإلفادة واالستفادة .
فهذا االختالف بيننا وبين األخرين في حدود ما تفرزه شبكة العالقات االنسانية واالجتماعية يمكن لنا ايضا أن
نقره من زاوية التفاعل االجتماعي -كما قلنا سابقا -هذا االخير الذي يعد مدخال مهما في العلوم االجتماعية
أ
" من أهم صف ات الكائن البشري وجود عالقات بينه وبين األخرين ومن األفضل تسميتها بالعالقات البشرية
3
بغض النظر عن كونها عالقات ايجابية أوسلبية "
ما يمكننا ان نستنتجه أن النزعة الغيرية هي مركب نفسي -اجتماعي ضروري يتم من خالله بلورة جملة من
العالقات والروابط في حدود ما نسميه بالتفاعل االنساني االجتماعي ،كما أن جوهر االختالف بيننا يتيح وينتج
عالقات أخرى في مسار السيرورة االجتماعية ،فقد يتحول الصديق وفق ظروف ومعطيات معينة إلى شخص
غريب كما يمكن أن يحدث العكس فيتحول الغريب الى صديق مقرب بفعل عوامل و روابط يفرزها الواقع
المعاش ،كما أن التباين حتى على أساس النوع والجنس أو أي عامل أخر له انعكاساته على الحياة
ُّها
االجتماعية وما يظهر فيها من عالقات وهذا ما يمكن ان نفهمه من السياق القرآني في قوله تعالىَ { :يا أَي َ
24
َّ ِ الناس ِإَّنا َخَل ْقَنا ُكم ِّمن َذ َك ٍر وأُنثَ ٰى وجعْلَنا ُكم ُشعوبا وَقبا ِئ َل ِلتَعارفُوا ۚ ِإ َّن أَ ْكرم ُكم ِع َ َّ ِ
ند الله أَتْ َقا ُك ْم ۚ ِإ َّن الل َه َعل ٌ
يم ََ ْ ََ َََ ْ ُ ً َ َ َ َّ ُ
1
َخبِ ٌير}
ومنه نخلص إلى القول أن ما يتعلق بالغير هو سياق عالئقي يمكن أن نفهم منه تحليال للحياة االنسانية
في جانبيها الفردي واالجتماعي ،كما تعد النزعة الغيرية من أهم العناصر االنسانية التي تنتج ركائز العالقات
تعرف الهوية بأنها" احساس بالذات حينما يبدأ الطفل بالتميز عن والديه وعائلته ويأخذ موقعه في المجتمع ".2
ومن أهم مصادرها :القومية ،العرق،الجنس والطبقة إلى جانب عناصر أخرى .
وعليه يجب أن نتفق في أن هذه المصادر على أهميتها إال أن لها أبعاد فردية أكثر منها جماعية ومع هذا ال
يج ب أن ننكر أن للهوية وجهين ،األول فردي وهو ما يراه ويعتقد كل فرد عن نفسه والثاني هو ما يراك اآلخرين
عليه .
يرى ريجارد جنكز "أن الهوية االجتماعية هي تصورنا حول من نحن ومن اآلخرون وكذلك تصور اآلخرين حول
وكما هو معروف بصورة تقليدية أن عناصر الهوية هي :اللغة ،الدين ،العادات و التقاليد ،ومنها ما أثبتته
النقاشات و التحاليل حيث ":وقع االتفاق على أن طريقة فهم األفراد للمجتمع وطريقة عمل المجتمع يقترنان باللغة
25
فاللغة هي المكان الذي فيه تحدد وتناقش األشكال الحقيقية والممكنة للمنظمات االجتماعية وما يرتبط بها من
" يرى هول أن التفاعلية الرمزية هي أفضل مثال على فكرة الهوية الفردية ،فهوية الفرد تتشكل فقط من
تفاعل الفرد مع اآلخرين ونظرة الفرد لآلخرين تتشكل جزئيا من طريقة نظر اآلخرين لذلك الفرد ". 2
إن هذه الفكرة من خالل التفاعلية تطرح لنا الهوية كرابط بين الجانب االجتماعي والجانب الفردي للفرد نفسه
،فمجموعة القيم والمبادئ التي يتبناها األفراد تعد هوية تجمع عديد األفراد وتسيطر على سلوك المجتمع .
سنورد في هذا الطرح تعريفا للثقافة اعتمده رالف لنتون حيث يؤكد " إن ثقافة المجتمع هي طريقة حياة
أفراده وهي مجموعة األفكار والعادات التي تعلموها وساهموا فيها ثم نقلوها من جيل الى آخر " ، 3فتنقل الخبرات
من جيل الى آخر قد يتحقق من مجتمع إ لى آخر أو من حضارة الى أخرى ،فالتأثير الثقافي أمر واقع ويمكن
بالنسبة للمجتمعات " هي عملية اكتساب عناصر ثقافية جديدة عن طريق االتصال واحتكاك مجتمعات
بشرية غير متجانسة حضاريا وتحدث عملية التثاقف عندما يتأثر مجتمع بحضارة وثقافة مجتمع آخر أو تقيس
4
عناصر ثقافية منه دون أن يفقد هويته الحضارية .
إن هذه الفكرة تحيلنا على مناقشة جد هامة ننطلق فيها من قضية فقدان الهوية الحضارية الى ما تمثله
الثقافة العالمية اآلن وخاصة في عصر العولمة وهي تعرف بأنها إنتشار الثقافات واكتسابها لخصوصية التعدي
26
و االنتقال ،أين صار العالم كله عبارة عن قرية صغيرة بفضل عدة عوامل وانجازات على رأسها التقدم التقني و
التكنولوجي في جميع ميادين الحياة ما أفرز ظواهر عدة منها ظاهرتي االستالب واالغتراب ،فما هما تحديدا ؟
االغتراب :هي الغربة والبعد عن المألوف ،والشيء الغريب هو غير المألوف أو غير العادي ،والشخص المغترب
هو شخص يعيش في غير بيئته الطبيعية أو غير وسطه األصلي واغترب أحس بالغربة عكس األلفة .
اإلستالب :أما للفعل سلب واستلب عدة معاني منها أخذ الشيء من الغير واالستالب هو ضياع أو فقدان
أما في العلوم االجتماعية فنستعمل لوصف حالة إنفصام بين االنسان والمحيط الذي يعيش فيه ،ويعني
االغتراب في هذا السياق أن عالقة االنسان المتغرب بهذا المحيط غير طبيعية (عالقة تنافر-عالقة غير سوية
) عالقة اغتراب واستالب كأن تجعلك عناصر ثقافية جديدة تحس أنك غريب و قد تأخذ منك مقومات أصلية
فمثال جيل آبائنا و أجدادنا اآلن يعيشون اغترابا وا ستالبا فهم يحسون بالغربة لما يحيط بهم من ثقافة جديدة في
كل شيء و يحسون بأنها سلبتهم حياتهم التي اعتادوا عليها .
ولقد استعملها كارل ماركس كصورة واقعية تشرح من خاللها كيف أن النظام الرأسمالي يجعل العامل
1
مغتربا و مسلوبا وهذا مرتبط بنظام تقسيم العمل .و لقد شخص سيمان ميلفان خمسة أعراض لإلغتراب هي :
-0غياب الغاية أو المعنى :وهو الشعور بأن حياته ال معنى لها .
27
سادسا -الفرد والدولة ( المواطنة و حقوق اإلنسان )
الدولة هي " كيان سياسي ينظم حياة جماعة بشرية تعيش على بقعة أرض ذات حدود معينة وهذا
الكيان هو عبارة عن منظمة سياسية أسستها هذه الجماعة البشرية في مكان وزمان معين لخدمة مصالحها
-محددة جغرافيا
فالدولة وفق هذه األسس هي ما يشعر به األفراد ويعيشونه في حياتهم االجتماعية وهي مصدر أمنهم
ويمثل ذلك منظمات ومؤسسات قائمة تسمى كل الدولة ،فالفرد يحيا تحت مظلة الدولة أينما حل وارتحل وهو
بذلك يكتسب إدراكا بوجود هذا الكيان من خالل ما يتحقق له من خدمات ومصالح ،ولذلك فإن الدولة الحديثة
كما أن الفكر الخلدوني كان فيه نصيب كبير عالج السياسة كثقافة اجتماعية ولخصها فيما يلي"االستدالالت
العقلية المتعلقة بتنظيم الحكم داخل الجماعة التي بلغت مرتبة معينة من مراتب التطور الحضاري وذلك كما
يعبر عنه ابن خلدون (من ضرورة االجتماع التنظيمي الزدحام األغراض)...لذلك تحتم أن تكون هناك قوة قاهرة
أو وازع – كما يسميه –ونظام لحد االعتداءات على أفراد المجموعة " .2
28
أما مفهوم الدولة قانونيا فهي " شخص من أشخاص القانون الدولي تحدده العناصر المكونة ونظامه فالدولة
كيان قا نوني يتشكل من مجموعة هذه العناصر كما تتمتع بالشخصية االعتبارية وهي خاضعة للقانون العام
1
موحدة وذات سيادة "
الفرد والدولة ثنائية متباينة من حيث المعنى ولكنها متكاملة من حيث الواقع فالفرد هو أساس الدولة بل أن
الدولة هي كيان يتشكل من مجموعة كبيرة من األفراد ،فالدولة لها شخصية كما للفرد كذلك وعليه فإن أبرزها
المواطنة -2
:2المواطنة
2
،فالوطنية هي حالة من الشعور والفعل " مفهوم سياسي ظهر في أدبيات السياسة الغربية الحديثة "
تولدت لدى شعوب ضا قت االستعمار ولقد تمكنت بالوطنية مقاومته وطرده كما حدث في ثورتنا التحريرية
. 2210-2258و الوطنية تعني كذلك " أن يراعي المواطن مسيرة الوطن وهو يتحرك في طريق التنمية
االقتصادية أو عن طريق التنمية الديمقراطية ...تعني أن يكون المواطن مع وطنه في محنته كما كان وطنه
أما المواطن فهو"مصطلح يطلق على الفرد الذي هو عضو في وطن سياسي(مجتمع سياسي ) ولهذا
الفرد نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات كبقية المواطنين "، 4فالمواطنة تعني المساواة السياسية بين كل
المواطنين وقد ارتبط مفهوم المواطنة والمواطنين بظهور الدولة الحديثة في أوروبا الغربية في العصر الحديث
29
1
،كما أن التاريخ القديم قد حمل وقبل هذا كان يطلق على سكان البلد الرعايا،الدهماء ،الموالي و حتى الرعاع
لنا تصنيفا ت مختلفة للناس على أساس طبقي كاألحرار والعبيد كما في جمهورية أفالطون طبقة النبالء ،طبقة
الجند و طبقة العبيد وعند مجيء االسالم اختلف الوضع والتقسيم ألغي ألن الدين اإلسالمي أقام المساواة .كما
أن فكرة المواطنة مرتبطة بفكرة حقوق اإلنسان التي تطورت وأصبحت مبدءا إنسانيا تنادي به كل المجتمعات .
إعالن حقوق اإلنسان اعتمدته األمم المتحدة في 22ديسمبر ، 2284ويقصد به - 0حقوق اإلنسان :
صيانة الحريات واحترام المباديء االنسانية وتعزيزها بغض النظر عن هيمنة منطق المصلحة والحسابات
هناك رؤية شاملة لحقوق االنسان تتعلق بالديمقراطية والتنمية والعدالة واحترام الحريات وسيادة القانون -2
وحقوق النساء وحقوق الطفل و الالجئين والمهاجرين و األقليات و المهمشين والفقراء ...
هناك ارتباط قوي بين حقوق االنسان ومفردة الحرية ،إذ أننا ال يمكن التكلم عن األولى دون الثانية -0
2
-9عالمية حقوق االنسان عن السلطة بكل أشكالها سياسية ،اقتصادية ،دينية و اجتماعية ...
يطرح في هذا السياق مسألة ذات بعد استراتيجي في الحياة االجتماعية بصفة عامة فاإلنسان الفرد عبر
مراحل تاريخية مرت وهي مستمرة الى هاته اللحظة قد أنجز الكثير من األدوات والوسائل التي تساعده في
حياته وبهدف التغلب على الصعوبات وانتاج الحاجات المتنوعة والملحة ،ولذلك فإن النظرة الشاملة لهذه المسألة
30
تجعلنا ننظر الى هذه الحقيقة بإعتبارها تقابل بين الفرد والذي هو عنصر الثقافة االنسانية وبين التقنية والمتمثلة
مصدر صناعي من تقن :أسلوب أو فنية في إنجاز عمل أو بحث علمي و نحو ذلك ،أو جملة الوسائل -
1
تقنية جديدة :أسلوب مختص بفن أو مهنة أو حرفة -
ومنه يمكن أن نقول أن التقنية هي تلك األدوات والوسائل والطرق التي استخدمها االنسان في حياته
اليومية ومثلت جانبا مهما من ثقافته االنسانية فمن خالل التقنية نكتشف حقبا زمنية مختلفة ترجمها لنا التاريخ
االجتماعي بما يعرف بالثورة الصناعية ،غير أنه ال يجب أن ننظر الى التقنية أنها بدأت مع الثورة الصناعية
فإستخدام االنسان لألدوات والوسائل كان مع بداية وجوده على هذه البسيطة وتطور هذا االستخدام بفعل تطور
التقنية وظهرت ما تسمى اليوم التكنولوجيا و هي " كل ما يستعين به االنسان للقيام بأعماله باإلضافة الى
أعضائه وقواه الجسمية ،فقد استعان االنسان خالل تاريخه الطويل بأدوات تساعده في عمله فإستخدامه للفأس
لقطع األشجار أو لتقليب األرض هي نوع من التكنولوجيا ،واستخدام النار في الطهي أو التدفئة أو صهر
المعادن كان اكتشافا تكنولوجيا بالغ األهمية بالنسبة الى عصره ،كما أن اختراع العجلة لتيسر النقل للبضائع
وانتقال األشخاص ...كان في ذلك العصر ال يقل أهمية عن اختراع الطائرة في عصرنا ".2
31
كما أن التكنولوجيا تحيلنا على معنى آخر أكثر قربا من عصرنا هذا باعتبارها " هي تطبيق العلم في
الفنون الصناعية ،أي أنها تركز اهتمامها بالدرجة األولى على االستخدامات العلمية ،وهي بهذا تحول
االكتشافات العلمية النظرية الى مخترعات شتى نستفيد منها في حياتنا ".1
ال يخفى على أحد من الدارسين أو المشتغلين في كل المجاالت المعرفية ما للثورة الصناعية من أثر
بارز على حياة المجتمعات االنسانية كلها،بل أن الثورة الصناعية تعد بداية لتأريخ جديد أبرز ما فيه أن
اإلنسان قد انتقل بعقله وقدراته الى نماذج متطورة من األدوات والوسائل والطرائق وما يميز هذه الحقبة الهامة
هو باختصار استخدام التقنية المتطورة حسب الحاجة المتنامية وعلى رأس تلك التقنية اآللة " ومن بين التحوالت
االجتماعية التي تحدث عنها الباحثين االجتماعيين نجد إثنين هما :
-ارتفاع مستوى ال معيشة لعدد كبير من السكان ارتفاعا ملموسا بسبب استخدام اآلالت الميكانيكية في
الزراعة كإستخدامها في الصناعة والتجارة فتضخم االنتاج االقتصادي والتبادل التجاري تضخما هائال .
-هيمنت المادية االقتصادية على مرافق العصر وكانت أولى وظائف اآلالت أن تصب سيال دافقا من
إن هاذين المظهرين يعدان مثال ال حص ار لما أحدثه التغير التقني ،فظهور اآللة كميزة لعصر الثورة
الصناعية " وهي المخترعات التقنية والتكنولوجية التي ظهرت في أنجلت ار في القرن الثامن عشر في صناعة
النسيج بعد اخت ارع المغزل اآللي عام ، 2618ثم اختراع النول اآللي* عام 2645باإلضافة الى التطورات التي
.1
32
إن السرد التاريخي لمجموعة من المحطات في تاريخ الثورة الصناعية وهي ما إستطاع االنسان الفرد أن
يبتكره تتعلق بحقائق كبرى ميزت هذا التاريخ وأهم حقيقة هي نمو " إرادة تغيير شديدة القوة ظهرت لدى كثير
من المفكرين العمليين جعلتهم متحفزين للتغيير يعملون ،ويشجعون عليه أولئك هم أصحاب النزعة المادية
...بعد أن تبين هم بالدليل العملي أن خير سبيل للثراء الضخم السريع ،هو تغيير ظروف االنتاج ووسائله وقيمه
اللجوء الى التقنية لتحقيق االنتاج المتنوع بالوفرة التي يدعو اليها تزايد السكان وتلبية مطالبهم ولهذا أقبل -2
إن التقنية التي مكنت ا لعباقرة من اختراع اآلالت اآللية ،والتي تحتاج الى الطاقة لتشغيلها جعلتهم -0
يخترعون ما هو ضخم الحجم و هذا ما جعل تلك اآلالت تملي عليه مطالب كبناء المصانع الضخمة على
مساحات شاسعة ومجاورة للطاقة ومنافذ التسويق والتجارة وما انعكس كله على الحياة البشرية .
لقد تغلب ت اآللة التي طورها االنسان على ابداعه اليدوي وصار االنسان مجرد خادم مطيع لها ،ولهذا -9
إن سيطرت االنتاج اآللي وقضائه على االنتاج اليدوي في النصف الثاني من القرن 24ثم سيطرت -8
االنتاج المصنعي على حياة العمال االجتماعية كل هذا كان خالل مدة زمنية طويلة أسهمت في تغير
المجتمعات .
إن تفكيرنا في الفرد من خالل منظور ثنائي يتعلق بالمركز و الهامش يجعلنا نضعه في دائرة من عدة
نقاط واحدة منها هي المركز وقد نفترض أن الفرد موجود عليها ويتمركز اهتمامه ورؤيته الى باقي النقاط األخرى
ويمكن تبعا لهذا أن نطرح العديد من األسئلة ال نبتغي من خاللها إجابات محددة أو نهائية بقدر ما هي أسئلة
للتفكير منها كيف يفكر الفرد في نقاط الهامش ؟ و من هذا يمكن أن نتصور نمطين للتفكير األول التفكير عن
بعد من خالل منطق التهميش و االستبعاد و الثاني تقريب التفكير بتقريب الهوامش الى المركز .
إن الفرد يحيى حياة فردية و من حقه أن يمارس ذلك حتى أن الفردانية أستخدمت كمنهجية يتم من
خاللها تحليل الحياة االجتماعية و ما تتظمنه من مظاهر و هذا ما أصفح عنه ريمون بودون عندما طرح فكرته
الناقدة للكالسيكية في علم االجتماع و هي ما أسماها" الفردانية المنهجية عنده تعني تلك المقاربة المنهجية التي
تحتم على عالم االجتماع أن يقيم قاعدة منهجية العتبار األفراد أو الفاعلين الفرديين المنتمين الى نظام تفاعل
إن الفرد الذي يمارس الفردانية ال يعني أنه معزول عن ما نعتبره حياة اجتماعية ،بل أن هذه األخيرة ما هي
إال محصلة لتراكم الفردانية ولكي نفهم و نعي و ندرس حياتنا االجتماعية ال بد أن نركز على األفراد و ماذا
يفعلون بالضبط و في النهاية فإن محور الحياة االجتماعية هو السلوك الفردي و الذي يتبلور في شكل مواقف و
نعود الى ما طرحناه حول فكرة الهامش و لكن هذه المرة سندخل عليها قضايا محددة وهي من وجهة نظر
أخرى مواضيع مألوفة في واقعنا االجتماعي و متداولة من قبل العديد من األطر المعرفية منها الهجرة
34
،التوحد،العنف السفر،الحب ،الكراهية ،التصويت ،المشاركة ،السياسة،االنعزال الموت السعادة و جودة الحياة
دون أن نغفل أهمية ما يتصل بكل واحد من هذه القضايا و هل هي فعال هامشية ؟ أم تستدعي منا إعادة النظر
في هذا التكييف ؟وهل الفرد يمارس حياته دون أن يفكر في هذه القضايا ؟أم أن هامشيتها تعد ميزة أساسية لحياة
الفرد ؟
وعليه سنحاول بقدر االمكان االجابة عن هذه التساؤالت و ذلك بأن نقترح ثنائيات تجمع بين الفرد و أهم تلك
القضايا و سنختار منها ما يلي :الفرد و الهجرة-الفرد و العنف –الفرد و المشاركة والفرد والموت
الفرد و الهجرة :وفق تعريف عام فالهجرة هي " أي انتقال أفراد المجتمع من موطنهم األصلي إلى -2
بلد آخر لإلستطان و العيش فيه "،1فرغم أن هذه الممارسة تعد حركة طبيعية لإلنسان الفرد منذ
فجر التاريخ حيث كانت مرتبطة بمجموعة من العوامل البيئية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ،إال
أن التغير االجتماعي بعوامله المتعددة أفرز نمطا آخر للهجرة كظاهرة معاصرة و التي أصبحت
توصف بآثارها السلبية ما أنتج مصطلحا جديدا هو الهجرة غير الشرعية كوصف لحالة ال معيارية
صار يتعاطى معها الفرد نتيجة لتراكم المشاكل و األزمات االقتصادية و السياسية خاصة واتساع
دائرة الحروب و النزاعات في العديد من مناطق العالم الثالث (العراق،سوريا ،ليبيا )...و منه نستنتج
أن إرتباط الفرد بالهجرة له دالالت إقتصادية وسياسية وثقافية تظهر من خالل تحليل واقع معين
لمجتمع ما .
الفرد و العنف :الفرد يمارس العنف و هو ضحية للعنف من خالل هذا التحديد يمكننا أن نستدل -0
على العنف من هيئة رسمية عالمية " في نهاية 0220تصدر منظمة الصحة العالمية تقرير تحت
عنوان العنف و الصحة ،تعرف منظمة الصحة العالمية في هذا التقرير العنف على أنه اإلستعمال
مما يؤدي الى رضوض أو الموت أو الضرر المعنوي أو اعاقة النمو أو الى الحرمان بكل أنواعه
-1
35
"،1إن هذا التعريف للعنف وصف من متعدد يفرز جملة من األضرار على الفرد و المجتمع و يشير
الى حالة من الالتوازن الفردي و الخلل االجتماعي و منه فإن الفرد يعيش في بيئة تساهم حسب
خصائصها في توليد حاالت عنف مختلفة فيكون هو فاعال فيها أو واقع تحت ذلك .
الفرد و المشاركة :اإلنسان هو فرد مشارك فكما أن الفردانية تعطي للفرد مرك از و دو ار يضمنان -9
االتصال باآلخرين عن طريق المشاركة أو من زاوية أخرى فالمشاركة هي نتيجة لعملية االتصال
االنساني حيث نجد أن علم النفس االجتماعي أعطى أهمية لهذا التصور " إن الطفل الذي ال
يستطيع تعلم المشاركة في الفعل مع اآلخرين ال يستطيع تعديل سلوكه بالنسبة لتوقعات اآلخرين
ومن ثمة يفشل في أن يكون اجتماعيا " ،2ومنه نستنتج أن المشاركة كعملية فردية تتيح للفرد أن
يكون اجتماعيا و معنى ذلك أن يكون متوافقا مع المعايير و القيم و التوقعات االجتماعية .
الفرد و الموت :إن الموت حقيقة قائمة يدركها الفرد و ذلك تبعا للمعتقد الديني و الروحي السائد -8
في أي مجتمع و هذا بدوره مرتبط بالعديد من اإلدراكات و العمليات التي يعيشها األفراد في أي
مجتمع كان و ذك ألن " الموت و الثكل إثنان من حقائق المسارات األسرية و في حين توجد في
كثير من المجتمعات التقليدية مجموعات واضحة من القواعد و االجراءات للتغلب على مثل هذه
و ما يمكن أن نستنتجه أن الموت مرتبط بقلق يصاحب الفرد يختفي بفعل ما تنتجه الحياة االجتماعية من
مواقف تجعل الفرد يهتم بها على حساب تفكيره في حقيقة الموت خاصة أنه يصطدم غالبا بإيمانه و اعترافه
بمحدودية حياته مهما فكر فيها و هذه الحقيقة وردت في القرآن الكريم بقوله تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت
ولو كنتم في بروج مشيدة "، 4وهذا دليل على حقيقة عقائدية ثابتة .
36
و تبقى القضايا األخرى تمثل أبعادا تختزل الكثير حول الفردية فالحب و الكراهية هما سياقان لفهم الحياة
النفسية يختلفان من فرد الى آخر سواء في الفهم أو الممارسة ،كما أن مشاكل التوحد و االنعزال تمثل في
الوقت الراهن أكبر المحن التي يعاني منها األفراد في صمت و مع غياب الحلول الملحة و الكفيلة باحتوائها و
فهم طبيعتها ،كما أن السعادة و جودة الحياة يعدان من أسمى الغايات بالنسبة لألفراد بدرجة أولى و الجماعات
بدرجة أخرى و أيضا تعد حدودهما نقطة اختالف فردي و جماعي يظهر من خاللهما تعارض المادي و
المعنوي كما أن مضامين قضايا مثل التصويت و السفر إذا ما قارنها بما سبقها تعد نوعا ما ذات مرتبة ثانوية
،فرغم أن التصويت حق سياسي و اجتماعي فهو يرتبط بالحالة السياسية العامة و مدى ادراك الفرد لها في
نطاق الحق و الواجب ،كما أن السفر يعد ميزة تتقاطع معها حاجات كالعمل و التعليم الى جانب الترفيه كجانب
مصطفى السباعي – أخالقنا االجتماعية -دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة – مصر،القاهرة – ط-8 -2
.0222
محمد السيد أبو عال النيل – علم النفس االجتماعي –دار النهضة العربية – بيروت،لبنان.2245 - -0
معن خليل عمر – انشطار المصطلح االجتماعي –دار األمل للنشر والتوزيع – إربد ،األردن – ط .2228-0 -9
عبد المجيد لبصير –موسوعة علم االجتماع – دار الهدى –عين مليلة،الجزائر.0222 - -8
خليل أحمد خليل – مفاهيم أساسية في علم االجتماع – دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت لبنان – ط –2 -5
.2248
دينكن ميتشيل –معجم علم االجتماع – ترجمة احسان محمد الحسن –دار الطباعة-بيروت،لبنان –ط .2241-0 -1
طالل عبد المعطي مصطفى – أبحاث في علم االجتماع نظريات ونقد –دار هاري-دمشق،سوريا -دط -دس. -6
مراد زعيمي – علم اإلجتماع رؤية نقدية – مؤسسة الزهراء للفنون المطبعية – قسنطينة،الجزائر –دط.0228 - -4
محمد عبد الرحمان مرحبا – من الفلسفة اليونانية الى الفلسفة االسالمية – ديوان المطبوعات الجامعية/منشورات -2
37
فادية فؤاد حميدو -البنائية عند ليفي ستروس-دار المعرفة الجامعية – اإلسكندرية،مصر-دط – .0222 -22
ب.ف.سكينر –تكنولوجيا السلوك االنساني –ترجمة عبد القادر يوسف – عالم المعرفة-دط.2224- -22
جون برنارد – دراسات عائلية ،مدخل تمهيدي – ترجمة أحمد رمو – منشورات دار عالء الدين للنشر والتوزيع والترجمة -20
فيصل بن عبدة قائد الحاشدي –األخالق بين الطبع والتطبع – دار اإليمان للطبع و النشر والتوزيع – اإلسكندرية -29
فاتن محمد عبد المنعم عزازي –علم اجتماع واجتماعيات التربية – دار الزهراء – الرياض ،المملكة العربية السعودية – -28
ط .0220-2
عبد اهلل شمت المجيدل وعلي أسعد وطفه-دراسات في سوسيولوجيا التربية – االعصار للنشر والتوزيع –عمان،األردن- -25
ط .0225- 2
هارلمبس وهوليورن -سوسيولوجيا الثقافة والهوية – ترجمة حاتم حميد محسن –دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع – -21
عبد الكريم غالب –أزمة المفاهيم وانحراف التفكير – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت ،لبنان –ط .2224 – 2 -26
سعاد جبر سعيد – الصراع القيمي وآثره في التربية –عالم الكتب الجديد – إربد،األردن – ط .0225 -2 -24
كمال التابعي و ليلى البهنساوي – مقدمة في علم اجتماع المعرفة – الدار الدولية لالستثمارات الثقافية – ش.م.م -22
معن خليل عمر – انشطار المصطلح االجتماعي – دار األمل للنشر والتوزيع – إربد ،األردن – ط .2228 – 0 -02
حسن الساعاتي – علم االجتماع الصناعي – دار النهضة العربية – للطباعة والنشر – بيروت،لبنان – ط -9 -02
.2242
كاثرين هالبيزن و آخرون – الهويات الفرد الجماعة المجمع – ترجمة ابراهيم صحراوي –دار التنوير –الجزائر –ط – 2 -00
.0225
معن خليل عمر – علم المشكالت االجتماعية -دار الشروق للنشر و التوزيع – عمان،األردن-ط. 0224-2 -08
عبد العالي دبلة – مدخل الى التحليل السوسيولوجي – دار الخلدونية للنشر و التوزيع – الجزائر – ط .0222 -2 -05
-01الصغير بن عمارة – الفكر العلمي عند ابن خلدون –المؤسسة الوطنية للكتاب –الجزائر – د ط – – 2248ص . 225
38
ابتسام القران – المصطلحات القانونية في التشريع الجزائري – قصر المكاتب -البليدة الجزائر .2224- -06
محمد الصافي عبد الكريم – علم النفس االجتماعي – داؤ الوفاء لدنيا الطباعى والنشر –االسكندرية – مصر – ط-2 -04
0220
Hérissey- 1974
بالتوفيق
39