You are on page 1of 32

‫اململكة املغربية جامعة‬

‫عبد املاكل السعدي‬


‫لكية العلوم القانونية والاقتصادية والاجامتعية‬
‫‪ -‬طنجة ‪-‬‬

‫مـ ـ ر‬
‫ـاست تدبي ــر نـ ـزاعات الشغ ـ ــل‬
‫الف ــوج الث ــالث‬

‫عــرض ح ــول م ـ ــوض ــوع‪:‬‬

‫تحت ر‬
‫إشاف الدكتورة‪ :‬إيمان الرصوخ‬
‫من إعـداد الطلبة‪:‬‬
‫نهيلة مونياطو‬ ‫‪ ‬طــه الغريب‬
‫سارة بنحمـاد‬ ‫‪ ‬عصمــاء العمران‬
‫نـ ــادية العالم‬ ‫‪ ‬عصــام المرزكيوي‬
‫ر‬
‫الرويش‬ ‫عواطف‬ ‫‪ ‬آالء ج ــلول‬
‫حــليمة بوقيش‬ ‫‪ ‬من القيش‬

‫السنة الج ــامعية‪2021/2019 :‬‬


‫كلمة شكر وتقدير‬

‫بسم هللا الرمحن الرحي‬


‫"وقل امعلوا فسريى هللا معلمك ورسوهل واملؤمنون "صدق هللا العظي‬
‫اإن الشكر من صفات الإنسان‪ ،‬كام جاء يف حديث س يدان محمد عليه أفضل الصالة‬
‫والسالم‪:‬‬
‫"من مل يشكر الناس مل يشكره هللا"‬
‫امحلد هلل اذلي تمت بنعمته الصاحلات‪ ،‬والصالة والسالم عىل معمل الإنسانية الول ‪ ،‬نبينا‬
‫محمد وعىل أهل وحصبه وسمل‬
‫بعد شكر املوىل عز وجل عىل أن وفقنا وأكرمنا لإمتام هذه ادلراسة‪ ،‬يطيبنا أن نتقدم بزيل‬
‫الشكر وعظي الامتنان اإىل أس تاذتنا الفاضل إاميـــان الرصوخ‪ ،‬الت مل تبخل علينا بتوجهياتا‬
‫السديدة ونصاحئها املفيدة ‪ .‬والشكر موصول كذكل اإىل اكفة الساتذة‪ ،‬ولك من وقف عىل‬
‫املنابر وأعطى من حصيل فكره يف التحصيل العلمي‪ ،‬اإىل لك من وجدان منه دعام ونصحا‬
‫ومؤازرة‪ ،‬اإىل لك من جشعنا ولو بلكمة صادقة أو بفكرة نرية ‪ ،‬ول ننىس الشكر اجلزيل‬
‫لطلبة ماسرت تدبري نزاعات الشغل يف فوجه الثالث لك ابمسه ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الئح ــة ف ــك الرمـ ــوز‪:‬‬

‫الصفحة‬ ‫ص‬
‫عدد‬ ‫ع‬
‫مرجع سابق‬ ‫م‪.‬س‬
‫قانون االلتزامات والعقود‬ ‫ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫مدونة الشغل‬ ‫م‪.‬ش‬
‫طبعة‬ ‫ط‬
‫جزء‬ ‫ج‬

‫‪2‬‬
‫مقدمـــة‪:‬‬

‫إذا كان مجال الشغل مرتبطا في جانبه األبرز‪ ،‬باإلنتاج والربح وتحصيل‬
‫األجر‪ ،‬فهو ال ينفك يرتبط بالمخاطر التي تترتب عنه سواء بسببه أو بمناسبته‪.‬‬

‫وهكذا فظروف الشغل وسيرورته تنتج حاالت تجعل االجراء معرضين‬


‫لحوادث تتراوح ما بين اإلصابة الخفيفة السطحية والوفاة مرورا بالعاهات الخطيرة‪.‬‬

‫ويسجل المغرب أكثر من ‪ 200‬ألف حادثة شغل سنويا‪ ،‬بواقع ‪ 47,8‬حالة وفاة‬
‫من بين ‪ 100‬ألف حادثة شغل (ما يعادل ‪ 2.5‬من المتوسط في منطقة شمال افريقيا‬
‫والشرق األوسط هو ‪.1)18.6‬‬

‫وقد شكلت وظيفة تفتيش الشغل بالمغرب منذ تأسيسها أدورا هامة سواء في‬
‫المجال الرقابي المتمثل أساسا في السهر على ضمان التطبيق الجيد لمختلف‬
‫النصوص القانونية المؤطرة لعالقات الشغل عن طريق زيارات المراقبة والتفتيش‬
‫لمختلف الوحدات اإلنتاجية الخاضعة لتشريع الشغل ببالدنا‪ ،‬مع إعطاء المشغلين‬
‫واألجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجع الوسائل لمراعاة األحكام القانونية‪ ،‬و‬
‫كذا في مجال تدبير العالقات المهنية عن طريق التدخالت االستباقية لتفادي نشوب‬
‫نزاعات الشغل من جهة‪ ،‬وإجراء محاوالت التصالح بشأن نزاعات الشغل بنوعيها‬
‫الفردية والجماعية من جهة أخرى‪ ،‬أو من خالل تكثيف الجهود الذاتية أحيانا كثيرة‬
‫لتحويل مفاهيم الصراع بين طرفي اإلنتاج من فلسفة التصادم إلى وضع يقوم على‬
‫الثقة والتفاهم و الحوار اإليجابي بين الشركاء االجتماعيين واالقتصاديين بهدف‬
‫تحقيق سلم اجتماعي يكون في خدمة التنمية السوسيو‪ -‬اقتصادية لبالدنا‪.‬‬

‫‪1-‬‬‫‪http://www.leconomiste.com/article/893898-accidents-de-travailltoujours-plus-de-lois-mais-peu-d-efficacit‬‬
‫‪http://www.medias.24.com/societe/7537-accidents-du-travail-le-maroc-est-un-pays-a-hauts-risques.html‬‬

‫‪3‬‬
‫و بالنظر إلى األدوار الحيوية التي يضطلع بها األعوان المكلفون بتفتيش‬
‫الشغل‪ ،‬فنستطيع أن نقول أن هاته الفئة من الموظفين تتدخل بشكل فعال بطريقة أو‬
‫بأخرى في تحقيق التنمية االجتماعية‪ ،‬عن طريق مساهمتها اإليجابية من جهة في‬
‫إنعاش عملية التشغيل أو من خالل الحفاظ على مناصب الشغل المحدثة‪ ،‬مع بذل‬
‫الجهود الكفيلة لضمان الحقوق األساسية لألجراء السيما تلك المرتبطة بالحماية‬
‫االجتماعية أو تلك المتعلقة بالوقاية من أمراض وحوادث‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن‬
‫مفتش الشغل يساهم أيضا في تحقيق التنمية االقتصادية‪ ،‬حيث إن تشجيع االستثمار‬
‫سواء األجنبي أو الوطني ال يقتصر فقط على تقديم التحفيزات التقليدية لالستثمار‬
‫كاإلعفاءات الضريبية أو مرونة الصرف أو توفير الوعاء العقاري‪ ،‬بل أصبح يركز‬
‫ويهتم أكثر بالمناخ االجتماعي في البالد وما مدى توفر متطلبات تحقيق السلم‬
‫االجتماعي‪ ،‬وهذا المعطى بشكل خاص يناضل مفتش الشغل من أجله بشكل يومي‬
‫عن طريق تطويق الخالفات الجماعية في تدخالته االستباقية و كذا عبر محاوالته‬
‫التصالحية‪.‬‬

‫وتماشيا مع المهام الجديدة التي أصبح مفتش الشغل يقوم بها‪ ،‬نجد أن أعباء‬
‫هذا الجهاز تتزايد خاصة في ظل التحوالت االقتصادية الكبرى التي عاشها ويعيشها‬
‫النسيج االقتصادي بالمغرب السيما المرتبطة بانتقال مجموعة من القطاعات‬
‫االقتصادية والمقاوالت من القطاع العام إلى القطاع الخاص‪ ،‬الشيء الذي يستدعي‬
‫إضفاء المزيد من الحجية والفعالية على الصفة التي يمارس بها األعوان المكلفون‬
‫بتفتيش الشغل مهامهم بشكل يجعل تدخالتهم تتسم بالنجاعة والفعالية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬سيكون هذا العرض الموجز محاولة لتقديم قراءة موضوعية‬
‫لحصيلة جهاز تفتيش الشغل بالمغرب‪ ،‬بمناسبة األدوار الطالئعية التي تم تمتيعه بها‬
‫في ظل المدونة الحالية للشغل‪ ،‬وكذا فرصة للتعرف على الواقع القانوني لهذا الجهاز‬
‫اإلداري ولتدارس أهم االختصاصات والمهام الموكولة إليه بمقتضى القوانين‬
‫الجاري بها العمل‪ ،‬وخاصة منها تلك المتعلقة بالمهام الوقائية والضبطية في سبيل‬
‫تطويق األخطار المهنية داخل الوحدات اإلنتاجية المختلفة بربوع المملكة‪.‬‬

‫فما هي أهم المهام الرقابية والضبطية وكذا الوقائية الموكولة حصرا لألعوان‬
‫والموظفين المكلفين بتفتيش الشغـل؟‬

‫لبسط مضامين وعناصر اإلجابة عن هذا التساؤل‪ ،‬نقترح التصميم الموالي‬


‫اآلتية‪:‬‬ ‫لموضوع البحث على الشاكلة‬

‫المبحث األول‪ :‬اإلطار القانوني لجهاز تفتيش الشغل ودوره بشأن حوادث الشغل‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحماية من حوادث الشغل في ظل الوصاية القانونية واإلدارية‬


‫لجهاز تفتيش الشغل‬

‫‪5‬‬
‫املبحث األول‪:‬‬

‫اإلطار القانوين جلهاز تفتيش الشغل بشأن حوادث الشغل‬

‫‪6‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اإلطار القانوني لجهاز تفتيش الشغل ودوره بشأن حوادث‬
‫الشغل‬

‫إذا كان خلق اإلطار القانوني الذي تنشأ وتنتهي في ظله عالقات الشغل يعتبر‬
‫خطوة كبيرة في سبيل إعادة التوازن إلى العالقة الشغلية بين األجراء و المؤاجرين‪،‬‬
‫فإنها رغم ذلك تظل خطوة قاصرة عن تحقيق الحماية الكاملة للطبقة العاملة‪ ،‬ذلك‬
‫أن خلق الضوابط القانونية التي تكفل تنظيم عالقات الشغل‪ ،‬و إن كان مهما لتحقيق‬
‫التوازن في العالقة بين عنصري إلنتاج‪ ،‬فإنه لن يكون باألمر الحاسم في حال غياب‬
‫هيئات تكفل لهذه الضوابط القانونية الفعالية المطلوبة‪ ،‬و ذلك من خالل مراقبة مدى‬
‫تطبيقها والتـقيد بها عند إصدارها‪ ،‬وفي ذات الوقت العمل على مساعدة المشرع‬
‫على خلق القواعد القانونية الشغلية‪ ،‬من خالل تقديم الدراسات المتعلقة بالمشاكل التي‬
‫يفرزها واقع عالقات الشغل‪ ،‬وهو ما أدركته التشريعات المقارنة ومن ضمنها‬
‫التشريع المغربي‪ ،‬هذا األخير الذي عمل على خلق هيئات إدارية تقوم بمراقبة تطبيق‬
‫قواعد قانون الشغل على أرض الواقع‪ ،‬باإلضافة إلى تقديم اإلرشادات والمعلومات‬
‫والنصائح التقنية لألجراء وللمشغلين‪ ،‬للوصول إلى أنجع السبل لضمان حسن التقيد‬
‫بالقواعد القانونية الكفيلة بتطور اإلنتاج‪ ،‬لما فيه مصلحة االقتصاد الوطني ومصلحة‬
‫طرفي العالقة الشغلية بصفة خاصة‪. 2‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تركيبة مفتشية الشغل‬


‫يعتبر جهاز مفتشية الشغل من أهم األقسام التي تتكون منها مديرية الشغل‬
‫بوازرة الشغل والشؤون االجتماعية‪ ،‬يقوم بدور أساسي في استقرار عالقات الشغل‬
‫والحفاظ على السلم االجتماعي المنشود لكل تقدم اقتصادي واجتماعي‪.‬‬

‫‪ - 2‬عبد اللطيف خالفي ‪ ،‬الوسيط في مدونة الشغل – ج ‪ : 1‬عالقات الشغل الفردية ‪ .‬ط ‪2004 : 1‬‬

‫‪7‬‬
‫وقد وضعت وزارة الشغل واإلدماج المهني هيكلة إدارية مندمجة لجهاز‬
‫التفتيش هذا في محاولة لضبط عناصرها ولتطوير حكامتها‪ ،‬وهكذا بني نظام تفتيش‬
‫‪3‬‬
‫الشغل على الشكل التالي‪:‬‬
‫يتكون نظام تفتيش الشغل بالمغرب من جهاز تابع للوزارة المكلفة بالشغل‪،‬‬
‫وأجهزة أخرى للتفتيش تابعة لقطاعات وزارية أخرى خصوصا األعوان التابعين‬
‫لإلدارة المكلفة بالمعادن واألعوان التابعين للمالحة التجارية وكل األعوان المكلفين‬
‫بنفس المهمة من طرف باقي اإلدارات‪.‬‬

‫‪ -1‬الفئات المهنية لمفتشية الشغل التابعة للوزارة المكلفة بالشغل‪:‬‬


‫يتكون جهاز تفتيش الشغل من‪:‬‬
‫• مفتشي الشغل في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات‪.‬‬
‫• مفتشـي القوانين االجتماعية في الفالحة‪.‬‬
‫• األطباء والمهندسين المكلفين بتفتيش الشغل (كل في نطاق‬
‫اختصاصاته)‪.‬‬
‫ويعتبر مفتشو الشغل موظفين عموميين خاضعين لنظام خاص بهم وهو‬
‫المرسوم ‪ 02.08.69‬بتاريخ ‪ 09‬يوليوز ‪.2008‬‬
‫‪ -2‬مهام واختصاصات أعوان تفتيش الشغل التابعين للوزارة المكلفة بالشغـل‪:‬‬
‫لقد تم تحديد مهمة تفتيش الشغل في االتفاقية الدولية رقم ‪ 81‬المتعلقة بتفتيش‬
‫الشغل والصادرة عن منظمة العـمل الــدولية سنة ‪ ،1958‬والتي صادق عليها‬
‫المغرب في ‪ 9‬أبريل ‪ ،1958‬و كذا االتفاقية الدولية رقم ‪ 129‬التي صادق عليها‬

‫‪ - 3‬أنظر في هذا الشأن‪: http://www.emploi.gov.ma/index.php/ar/travail/inspectiondu-travail.html‬‬

‫‪8‬‬
‫المغرب كذلك بمقتضى ظهير ‪ 8‬نونبر ‪ 4،1979‬و لقد ورد التنصيص عليها‬
‫خصوصا في الكتاب الخامس من مدونة الشغل من المواد من ‪ 530‬إلى ‪.548‬‬

‫هذا ويكلف أعوان تفتيش الشغل حصريا بما يلي‪:‬‬


‫▪ السهر على تطبيق األحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل‪.‬‬
‫▪ إعطاء المشغلين واألجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجع الوسائل‬
‫لمراعاة األحكام القانونية‪.‬‬
‫▪ ضبط المخالفات وإحاطة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل علما بكل‬
‫نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها‪.‬‬
‫▪ إجراء محاوالت التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية والجماعية‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يمكن ألعوان تفتيش الشغل خاصة وبناء على السلطات‬
‫المخولة لهم قانونا‪:‬‬

‫• أن يدخلوا بكل حرية للمؤسسات الخاضعة لمراقبتهم و يقوم بتفتيشها‬


‫• أن يستفسروا جميع األجراء وكذا المشغل حول جميع الشؤون المتعلقة‬
‫بتطبيق قوانين الشغل‪.‬‬
‫• أن يطلبوا االطالع على جميع الدفاتر والسجالت والوثائق التي أوجب‬
‫التشريع المتعلق بالشغل مسكها‪ ،‬ليتحققوا من مدى مطابقتها‬
‫للمقتضيات التشريعية‪ ،‬ولهم أن يستنسخونها أو يأخذوا ملخصات‬
‫منها‪ ،‬وتوجيه مالحظات وإنذارات للمشغلين مقرونة بآجال في حال‬
‫خرق المقتضيات التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بالصحة والسالمة‪.‬‬

‫‪ - 4‬االتفاقية الدولية رقم ‪ 129‬حول تفتيش الشغل بالقطاع الفالحي التي صادق عليها المغرب كذلك بمقتضى ظهير ‪ 8‬نونبر ‪.1979‬‬

‫‪9‬‬
‫ومن أجل تمكينهم من السهر على التطبيق الجيد للتشريع االجتماعي‪ ،‬خول‬
‫المشرع لألعوان المكلفين بتفتيش الشغل بعض الوسائل القانونية الفعالة‪ ،‬حيث يمكن‬
‫لهؤالء المفتشين إنجاز زيارات التفتيش‪ ،‬وتوجيه مالحظات‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬توجيه‬
‫تنبيهات مقرونة بأجل أو بدونه‪ ،‬وتحرير محاضر ضد المشغلين المخالفين‪.‬‬

‫‪ -3‬تنظيم وهيكلـــة مفـتشيـة الشغــل‪:‬‬


‫تدخل مفتشية الشغل في إطار التنظيم اإلداري الالمتمركز والممركز لوزارة‬
‫التشغيل والتكوين المهني للمصالح‪ ،‬وتمارس الوزارة المكلفة بالشغل صالحية‬
‫السلطة المركزية في اإلشراف ومراقبة مفتشية الشغل‪.‬‬
‫هذا وتتوفر الوزارة على مصالح مركزية وخارجية تتكون من مديريات إقليمية‬
‫للتشغيل التي يناهز عددها حاليا نحو ‪ 51‬مديرية‪ ،‬تضم ‪ 100‬دائرة تفتيش الشغل في‬
‫قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات‪ ،‬و‪ 45‬دائرة تفتيش القوانين االجتماعية في‬
‫الفالحة‪.‬‬
‫وبعد الحديث عن الجهاز اإلداري المكلف بتفتيش الشغل‪ ،‬نتساءل أين يتجلى يا‬
‫‪5‬‬
‫ترى دوره بشأن حوادث الشغل؟‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحماية المقررة بشأن حوادث الشغل في القواعد العامة والخاصة‬
‫لعدة اعتبارات متصلة بالسالمة والصحة‪ ،‬كان المشرع المغربي ملزما بالتدخل‬
‫لحماية الطبقة الشغيلة من األخطار اليومية المحدقة بالعمال‪ ،‬حيث بدأ هذا التدخل‬
‫متواضعا في البداية وذلك تماشيا مع ظروف العمل شبه البدائية السائدة آنذاك‪ ،‬حيث‬
‫كانت مسببات المخاطر المهنية نادرة‪ ،‬لكن مع التطور الصناعي ودخول المكننة‬

‫‪ - 5‬يقصد بحوادث الشغل ‪ ،‬سواء كان المشغل مسؤوال مباشرا عنها أو كانت بيئة العمل و ظروفه سببا في اإلصابة بها أو حتى لو كانت ناتجة عن‬
‫خطأ األجير نفسه أو عن خطأ الغير‪ ،‬كل ما يتعرض له األجراء من حوادث و إصابات جسدية أو نفسية من شأنها أن تسفر عن عجز جزئي أو كلي‪،‬‬
‫مؤقت أو دائم أو تس فر عن الوفاة‪ ،‬مهما كان المتضرر أجيرا أو يعمل بأية صفة تبعية كانت وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به‪ ،‬وتتخذ‬
‫حوادث طريق أو حتى أمراض مهنية‪.‬‬ ‫صورة حوادث شغل أو‬

‫‪10‬‬
‫عالم اإلنتاج‪ ،‬واكب المشرع هو اآلخر هذا التطور وأمن مزيدا من التدابير الحمائية‬
‫التقليدية‪.‬‬ ‫في هذا المجال‪ ،‬متجاوزا بذلك في تنظيمها المبادئ‬

‫أوال ‪ :‬التدابير الحمائية في ظل القواعد العامة‬


‫لقد كان التشريع الفرنسي‪ -‬إلى أن تمكن التشريع المغربي من االستلهام منه –‬
‫كان كعادته سباقا إلى تنظيم هذه المسألة‪ ،‬حيث لم يكن في وسع األجير أن يتمسك‬
‫في مواجهة المشغل من أجل الحق في المطالبة بالتعويض عما يلحقه من أضرار‬
‫جراء المخاطر المهنية المختلفة إال بمقتضيات المادتين ‪ 1382‬و ‪ 1383‬من القانون‬
‫المدني الفرنسي الصادر سنة ‪ ،61804‬و الذي كان يؤسس الضمان على قواعد‬
‫المسؤولية التقصيرية وعلى وجود الخطأ من جانب المؤاجر و تحقق الضرر مع‬
‫ثبوت العالقة السببية بينهما‪.‬‬
‫وأمام قصور هذه المقتضيات في حماية األجراء من المخاطر المهنية‪ ،‬وكذلك‬
‫لتجاوز الصعوبات المتعلقة باإلثبات‪ ،‬توصل القضاء الفرنسي بمعية االجتهاد الفقهي‬
‫إلى كفالة التعويضات المتعلقة بالحوادث واألمراض لصالح العمال متى تحقق شرط‬
‫تبعية األجير لمشغله أثناء حدوث الخطأ الذي ألحق ضررا بالمعني‪ ،‬وعلى إثرها‬
‫تبنى رجال القانون والقضاء نظريتين في هذا اإلطار ‪ :‬نظرية المسؤولية العقدية‬
‫ونظرية حراسة األشياء‪ ،‬واللتين تلزمان المؤاجر‪ ،‬تحت المراقبة اإلدارية الفعلية‬
‫لمفتشي الشغل وتحت المراقبة القضائية للمحاكم االجتماعية‪ ،‬بالوفاء بااللتزامات‬
‫المتربة في ذمته بناء على عقد الشغل الذي يربطه باألجير خصوصا ما يرتبط منه‬
‫بضمان صحة وسالمة العمال‪ ،‬وكذا تحمل تبعة األضرار التي تلحقها أشياؤه وآالته‬
‫بالعمال الذين يشتغلون لديه‪.7‬‬

‫‪ - 6‬المادتين ‪ 1382‬و ‪ 1383‬من القانون المدني الفرنسي الصادر سنة ‪.1804‬‬


‫‪7‬‬ ‫‪-https://www.droitetentreprise.com‬‬

‫‪11‬‬
‫وأما في ظل التشريع المدني المغربي‪ 8،‬ولما كان االقتصاد المغربي حتى نهاية‬
‫القرن ‪ 19‬و بداية القرن ‪ 20‬يعتمد اعتمادا كليا على الفالحة‪ ،‬ولم يقتصر المجال‬
‫الصناعي سوى على بعض الحرف اليدوية‪ ،‬و في النطاق الضيق المحدود الذي كان‬
‫يرعاه نظام الطوائف‪ ،‬حيث أطلق لكل فرد حريته في مزاولة المهنة التي يختارها‪،‬‬
‫وبالطريقة التي يريدها‪ ،‬و لم تكن عالقات الشغل‪ ،‬سواء في المجال الفالحي أو في‬
‫المجال الصناعي – رغم محدوديته – خاضعة ألي تنظيم قانوني وضعي‪ ،‬باستثناء‬
‫بعض األعراف المحلية‪ ،‬ومبادئ الفقه اإلسالمي التي تحكم قواعد إجارة العمل‪،‬‬
‫وفي ضوء هذه الظروف‪ ،‬لم تكن مشاكل األخطار المهنية تثار بنفس الحدة التي تثار‬
‫بها اليوم‪ ،‬ألن نظام الطوائف الذي كان سائدا في الحرف التي كانت قائمة آنذاك ‪،‬‬
‫كان يتضمن مساعدة أفراد الطائفة الذين يلحقهم عجز يحول بينهم و بين كسبهم‪،‬‬
‫تأسيا بمبادئ التآزر والتعاون بين المسلمين‪ ،‬بحيث يتلقى المصاب مختلف‬
‫المساعدات النقدية والعينية التي تمكنه من مواجهة ظرف اإلصابة‪ ،‬ولم تكن بالتالي‬
‫الحاجة ماسة إلى أنظمة قانونية خاصة للحماية االجتماعية‪.‬‬
‫غير أنه مع بسط الحماية الفرنسية على المغرب‪ ،‬تدخل المشرع ليضع األحكام‬
‫الخاصة بمسؤولية المشغل عن األخطار المهنية من أمراض وحوادث شغلية بالنص‬
‫عليها في الفصول من ‪ 741‬إلى ‪ 752‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،9‬وجعل من ضمنها الفصل ‪749‬‬
‫من ق‪.‬ل‪.‬ع الذي يحيل على القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية‪ ،‬وعليه فقد كان‬
‫مقتضى ذلك تحمل األجير المتضرر عبء إثبات خطأ المشغل في حقه وإثبات‬
‫الضرر الذي لحقه‪ ،‬فضال عن إثبات عالقة السببية بين الخطأ والضرر طبقا لمنطوق‬
‫المادة ‪ 399‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،10‬تماما كما أخذت بذلك التشريعات الفرنسية في هذا الصدد‪،‬‬

‫‪ - 8‬عبد اللطيف خالفي ‪ ،‬حوادث الشغل و األمراض المهنية – دراسة نظرية و تطبيقية في ضوء تعديالت ظهير ‪ 23‬يوليوز ‪. 2002‬ط‪2003 1‬‬
‫‪ - 9‬الفصول من ‪ 741‬إلى ‪ 752‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫‪ - 10‬المادة ‪ 399‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬

‫‪12‬‬
‫كما عمل القضاء المغربي آنذاك على التخفيف من حكم القواعد العامة عن طريق‬
‫تفسيره لمقتضيات الفصلين ‪ 749‬و ‪ 750‬من ق‪.‬ل‪.‬ع تفسيرا يجعل مسؤولية المشغل‬
‫عن حوادث الشغل مسؤولية مفترضة استنادا إلى مقتضيات الفصل ‪ 88‬من‬
‫الخاص بمسؤولية حارس الشيء‪ ،‬فكان األجير ملزما فقط بأن يقيم الدليل‬ ‫‪11‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‬
‫على وجود الحادثة وعلى عالقتها بالشغل وعلى وقوع الضرر الذي حصل له ‪ ،‬في‬
‫حين أنه أصبح معفى من إثبات الخطأ في جانب المشغل والذي أصبح مفترضا فيه‬
‫‪.‬‬‫تلقائيا‬

‫ثانيا‪ :‬التدابير الحمائية في ظل القواعد الخاصة‬


‫رغم المحاوالت التي بذلها الفقه والقضاء لتسهيل حصول األجير ضحية‬
‫األخطار المهنية على التعويض المناسب لما لحقه من أضرار‪ ،‬و رغم التوسع في‬
‫تفسير نصوص القانون المدني الخاص بالمسؤولية‪ ،‬فقد ظلت أحكام هذا القانون‬
‫عاجزة عن إيجاد حل عادل لمشاكل الحماية أو التعويض عن هذه المخاطر‪ ،‬لكن إثر‬
‫ذلك فقد عمدت الدول الصناعية الكبرى إلى إصدار التشريعات الخاصة بالتعويض‬
‫عن حوادث الشغل واألمراض المهنية‪ ،‬لتستعيض بها عن قواعد وأحكام المسؤولية‬
‫المدنية‪ ،‬وهو ما أسرع بالمشرعين الفرنسي والمغربي من بعده إلى إقراره على‬
‫مراحل ضمن سلسلة القوانين الحمائية في التشريع الشغلي‪.‬‬
‫وإذا كان المشرع الفرنسي قد جعل من خالل قانون ‪ 9‬أبريل ‪ 1898‬المشغل‬
‫مسؤوال عن تعويض اإلصابات الناجمة عن حوادث الشغل‪ ،‬فإنه بمقتضى قانون ‪30‬‬
‫أكتوبر ‪ 194612‬أدخل تغييرا مهما على القانون األول جعل بموجبه التعويض عن‬
‫حوادث الشغل واألمراض المهنية من اختصاص الضمان االجتماعي‪.‬‬

‫‪ - 11‬الفصل ‪ 88‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬


‫‪ - 12‬قانون ‪ 30‬أكتوبر ‪ 1946‬بالتعويض عن حوادث الشغل واألمراض المهنية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد أصدر بتاريخ ‪ 25‬يونيو ‪13 1927‬ظهيرا خاصا‬
‫بحوادث الشغل ينظمها ويحكمها بعيدا عن قواعد المسؤولية المدنية‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫أصدر بتاريخ ‪ 31‬ماي ‪ 1943‬ظهيرا آخر يقضي بتمديد ظهير ‪ 25‬يونيو ‪1927‬‬
‫المتعلق بحوادث الشغل إلى األمراض المهنية‪ ،‬ثم بعد ذلك أصدر ظهير ‪25‬‬
‫أكتوبر‪14 1947‬ليمدد الحماية القانونية أيضا إلى الحوادث التي تطرأ لألجير في‬
‫طريق العمل وذلك وفق شروط معينة‪.‬‬
‫ونظرا لكثرة اإلضافات و التغييرات التي أدخلت على ظهير ‪ 25‬يونيو ‪،1927‬‬
‫لدرجة صار معها من الصعب الرجوع إليه للوقوف المشرع ‪ ،‬فقد تدخل هذا األخير‬
‫وأصدر ظهير ‪ 6‬فبراير ‪ 1963‬الذي غير من حيث الشكل ظهير ‪ 25‬يونيو ‪1927‬‬
‫لكن تجدر اإلشارة أنه رغم الزخم التشريعي الذي طبع هذه المرحلة التاريخية‬
‫فإن المشرع أغفل إلى حد كبير كل مقتضى قانوني يحدد ويوضح بدقة دور‬
‫ومساهمة جهاز تفتيش الشغل في الوقاية والحماية من المخاطر المهنية على اختالف‬
‫أنواعها حيث كان ظهير ‪ 2‬يوليوز ‪ ،1947‬باإلضافة إلى ظهير ‪ 24‬أبريل ‪1973‬‬
‫ولو في نطاق ضيق‪ ،‬المصدران الرئيسيان المحددان الختصاصات ولمهام أعوان‬
‫مفتشية الشغل‪ ،‬حيث كان أعوان مفتشية الشغل يمارسون عدة مهما فعال في عملهم‬
‫اليومي حتى قبل إقرارها في مدونة للشغل‪ ،‬ورغم أن ذلك كان يتم بدون سند قانوني‪،‬‬
‫فإن أطراف العالقة الشغلية كثيرا ما كانوا يلجؤون إلى مفتشي الشغل لعرض‬
‫خالفاتهم عليهم والتصريح بما يصيبهم جراء األخطار المهنية – كخطوة أولى –‬
‫لديهم قبل عرضها على المحكمة المختصة‪ ،‬و ذلك اعتقادا منهم بأن هذا اإلجراء‬
‫التزام تفرضه النصوص القانونية‪ ،‬و أن الموضوع يدخل ضمن االختصاصات‬
‫والهمام القانونية لمفتشي الشغل‪ ،‬و في القابل كان أعوان تفتيش الشغل وبناء على‬

‫‪ - 13‬ظهير ‪ 25‬يونيو ‪ 1927‬المتعلق بحوادث الشغل في طريق العمل‪.‬‬


‫‪ - 14‬ظهير ‪ 25‬أكتوبر‪ 1947‬المتعلق بالحماية القانونية من الحوادث التي تطرأ لألجير‬

‫‪14‬‬
‫النصوص القانونية السابقة عن مدونة الشغل يعتمدون ومن خالل ممارستهم العملية‬
‫للمعاينات وإلثبات المخالفات التنظيمية والصحية على تقنية التقارير فقط دون تحرير‬
‫المحاضر التي كان يشير إليها الفصل ‪ 58‬من ظهير ‪ 2‬يوليوز ‪ 1947‬والذي ألغته‬
‫المدونة الحقا‪ .‬وهكذا وبعد إلغاء الظهائر السابقة بموجب مدونة الشغل‪ ،‬صارت‬
‫مقتضيات هذه األخيرة هي المصدر الرئيسي لسلطات ومهام مفتشي الشغل والتي‬
‫تتنوع ما بين مراقبة التطبيق السليم لمقتضيات مدونة الشغل في الجانب المتصل‬
‫بتنظيم العمل والصحة والسالمة من األخطار المهنية‪ ،15‬والتبليغ عن الجرائم‬
‫المرتكبة وضبط المخالفات بواسطة محاضر الضبط‪ ،‬باإلضافة التي الدور‬
‫‪.‬‬ ‫التصالحي والتحكـيمي االستشاري في قضايا الشغل وقانون األعمال‬

‫‪ - 15‬وهو ما يمكن أن نستشفه من منطوق المواد من ‪ 532‬إلى ‪ 535‬من مدونة الشغل‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫املبحث الثاين‪:‬‬

‫احلماية من حوادث الشغل يف ظل الوصاية القانونية‬


‫واإلدارية جلهاز تفتيش الشغل‬

‫‪16‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الحماية من حوادث الشغل في ظل الوصاية القانونية‬
‫واإلدارية لجهاز تفتيش الشغل‬

‫إنه من المالحظ من خالل تتبع أحكام تفتيش الشغـل أنه كلما تدخل المشرع‬
‫لتقرير الحماية على فئة معينة من األجراء إال واتسع نطاق ومجال تدخل مفتشية‬
‫الشغل ‪ ،‬األمر الذي أدى بالبعض إلى التساؤل عما إذا كانت مفتشية الشغل هي من‬
‫قبيل ما يصطلح عليه بشرطة الشغل‪ 16‬أم أنها مجرد هيئة مساهمة في الدفاع عن‬
‫حقوق العمال‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مهام مفتـش الشغـل المتصلة بتطويق مظاهر األخـطار المهنية‬
‫بعد أن كان ظهير ‪ 2‬يوليوز ‪ 1947‬باإلضافة إلى ظهير ‪ 24‬أبريل ‪– 1973‬‬
‫ولو في نطاق ضيق‪ -‬المصدران الرئيسيان المحددان الختصاصات ومهام أعوان‬
‫مفـتشية الشغل‪ ،‬فإنه وبعد إلغائهما‪ ،‬حيث إنه ووفقا لهذه المقتضيات نجد أن مفتشي‬
‫الشغل يضطلعون بمهام متعددة ومتنوعة يحددها جاب من الفقه الفرنسي في التطبيق‬
‫العملي للسياسة المسطرة من قبل السلطة الحكومية في مجال الشغل واالستخدام في‬
‫مراقبة مدى تطبيق قواعد قانون الشغل و احترامها من قبل األطراف المعنية‪ ،‬ثم‬
‫العمل على تحسين ظروف وشروط العمل داخل المؤسسات الخاضعة لقانون الشغل‪،‬‬
‫و أخيرا تنشيط ومراقبة و تنسيق أعمال الوزارة الوصية في ميدان االحتياط‬
‫‪17‬‬
‫والضمان االجتماعيين‪.‬‬

‫و في نطاق هذه المجاالت تتشعب األدوار التي يضطلع بها مفتشو الشغل في‬
‫الجانب المتصل بالوقاية من األخطار المهنية حيث يختلط فيها ما هو إداري مسطري‬
‫بما هو قانوني وتقني وآخر قضائي‪ ،‬وتتعدد بالتالي السلط واالختصاصات الموكولة‬

‫‪ - 16‬سارة الفهـمي ‪ ،‬خصوصيات القانون الجنائي للشغل ( الجريمة والعقاب) – رسالة الماستر في القانون الخاص ‪ /‬طنجة ‪2008 -2007 :‬‬
‫‪ - 17‬أنظر الفصل ‪ 2‬من القرار الوزيري رقم ‪ 152-85‬الصادر بتاريخ ‪ 20‬نونبر ‪.1984‬‬

‫‪17‬‬
‫لهؤالء الموظفين في مجاالت الرقابة والمتابعة المتعلقة بتفعيل المقتضيات التي‬
‫جاءت بها مدونة الشغل‪ ،‬وهذه المراقبة بطبيعة الحال تعتبر وقائية من أجل ضمان‬
‫التطبيق األمثل لاللتزامات المتبادلة بين أطراف العالقة الشغلية‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى مقتضيات القانون ‪ 65 -99‬يتجلى الدور المحوري لمفتش الشغل‬


‫في نطاق مهامه الوقائية من األخطار المهنية في ما يلي‪:‬‬

‫السهر على مراقبة تطبيق األحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل‬


‫ولضمان مدى توافق ظروف العمل مع ما هو منصوص عليه قانونا مع إحاطة‬
‫السلطة الحكومية المكلفة بالشغل علما بكل نقص أو تجاوز في هذا الصدد‪.‬‬

‫السهر على تنفيذ المقتضيات القانونية المتعلقة بحماية صحة وسالمة األجراء‬
‫‪18‬‬
‫و وقايتهم من كل المخاطر التي من شأنها تهديد سالمتهم و صحتهم‪.‬‬

‫إعطاء المشغلين واألجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجع الوسائل لمراعاة‬
‫األحكام القانونية السارية‪.‬‬

‫في حالة استعمال أي نوع من أنواع العنف أو االعتداء البدني الموجه ضد أجير‬
‫أو ضد المشغل أو من ينوب عنه لعرقلة سير المقاولة‪ ،‬فإن مفتش الشغل يقوم بمعاينة‬
‫عرقلة سير المؤسسة وتحرير محضر بشأنها يرجع له عند الحاجة‪.‬‬

‫و إذا كانت تلك جملة من أهم اإلجراءات التي يباشرها مفتشو الشغل فإنه كان‬
‫لزاما على المشرع تمكينهم من وسائل العمل التي تمنحهم سلطة فرض اتباع تلك‬
‫اإلجراءات وممارسة الوصاية الموكولة إليهم على جميع األفراد والمؤسسات‬
‫الخاضعة لتشريع الشغل‪.‬‬

‫في المواد من ‪ 281‬و ما بعدها من مدونة الشغل‪.‬‬ ‫‪ - 18‬أنظر المقتضيات الخاصة بحفظ صحة األجراء وسالمتهم الواردة‬

‫‪18‬‬
‫و هكذا تتوج الزيارات وأعمال المراقبة التي يقوم بها أعوان التفتيش عند رصد‬
‫مخالفات ألحكام مدونة الشغل أو غيرها من المقتضيات التنظيمية الصادرة بتطبيقها‬
‫بتحرير تقارير أو محاضر بشأنها‪ ،‬حيث ميز المشرع المغربي في طبيعة هذه‬
‫المحاضر ما بين تلك الخاصة بمخالفة األحكام التشريعية و لتنظيمية المتعلقة بتنظيم‬
‫الشغل‪ ،‬وبين تلك األحكام الخاصة بالسالمة وحفظ الصحة‪ ،‬وهو األمر الذي سنقتصر‬
‫بالحديث عن أهم مضامينه في حالة اإلخالل بأحكام الصحة والسالمة نظرا التصالها‬
‫الوثيق بالوقاية من األخطار المهنية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صفة مفـتـشـي الشغـل ما بين المهام الضبطية والوقائية عند‬
‫تحقق األخطار المهنية‬
‫تحدد المواد من ‪ 530‬إلى ‪ 535‬الواردة في الباب األول من الكتاب الخامس ‪:‬‬
‫صفة ومهام األعوان المكلفين بأعمال المراقبة والتفتيش وتحرير المحاضر‪ ،‬وتنظم‬
‫المواد من ‪ 539‬إلى ‪ 545‬الواردة في الباب الثاني من الكتاب الخامس إجراءات‬
‫وكيفية تحرير المحاضر‪ ،‬وبتتبع تلك الشكليات نستطيع أن نتلمس بعضا من أحكام‬
‫المسطرة الجنائية في ثناياها و لتي تتالقى بالوظيفة الرقابية لمفتشي الشغل من خالل‬
‫‪19‬‬
‫العناصر التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مالمح المسطرة الجنائية‬


‫إن تحرير محاضر اإلثبات و إجراءات المتابعة والمحاكمة منصوص عليها‬
‫أصال في قانون المسطرة الجنائية الواجبة التطبيق من طرف كل العاملين في هذا‬
‫الحقل‪ ،‬غير أنه قد تحدد بعض القوانين مساطر خاصة بتطبيق مقتضياتها وهي‬

‫‪ - 19‬جواد الغماري ‪ ،‬جرائم قانون الشغل ( المقتضيات الزجرية في مدونة الشغل ‪ :‬الموضوع و المسطرة ) – سلسلة “أريد أن أعرف” ‪.-‬ج ‪.4‬‬

‫‪19‬‬
‫مساطر وإجراءات تقدم في التطبيق على القواعد المسطرية العامة الواردة في قانون‬
‫المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫وفي البحث وإثبات الجرائم المتعلقة بتطبيق مدونة الشغل توجد بعض‬
‫المقتضيات الخاصة منصوص عليها ضمن المدونة نفسها ‪ ،‬وبذلك يجب االستعاضة‬
‫بها في التطبيق عن المقتضيات المعارضة المنصوص عليها في قانون المسطرة‬
‫الجنائية‪ ،‬و خير مثال عن ذلك ما ورد في الفقرتين األخيرتين من المادة ‪ 39‬من‬
‫مدونة الشغل‪ 20‬والتي تلزم مفتش الشغل حال تحقق خطر يعرقل سير المؤسسة –‬
‫والذي قد يكون خطرا مهنيا أيضا كمحاولة التسميم و افتعال الحريق – بمعاينة الحالة‬
‫و تحرير محضر بشأنها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬صفة األعوان المكلفين بمهام التفـتيــش‬


‫إن األعوان المكلفين بتفتيش الشغل تبعا للمهام التي يقومون بها يتصفون‬
‫بصفتين‪:‬‬

‫‪ -‬مهمة الشرطة اإلدارية‪:‬‬

‫وهي المتمثلة في القيام بأعمال التفتيش والتوعية التحسيسية والمراقبة القبلية‬


‫لمدى تطبيق مقتضيات مدونة الشغل واحترام النصوص التنظيمية المتعلقة بها‪ ،‬سواء‬
‫في مجال تنظيم العمل أو الحماية من األخطار المهنية عن طريق التنبيهات‬
‫و المالحظات الدورية‪ ،‬وبالتالي فهم يتصفون بصفة الشرطة اإلدارية لدورهم الوقائي‬
‫هذا‪.‬‬

‫‪ - 20‬المادة ‪ 39‬من م‪.‬ش‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -‬مهمة الشرطة القضائية‪:‬‬

‫يضطلع مفتشو الشغل أيضا بمهمة الشرطة القضائية وذلك عندما يعاينون أو‬
‫يكتشفون مخالفة ألحكام مدونة الشغل فيبادرون إلى تحرير محاضر بها‪ ،‬ويتبعون‬
‫في هذا الشأن اإلجراءات المسطرية إلحالته على النيابة العامة عبر القنوات‬
‫المختصة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أداء اليمين القـــــــــانونية‬


‫لكي يتمتع األعوان المكلفون بتفتيش الشغل بصفتهم تلك ويباشروا مهامهم‪،‬‬
‫يجب عليهم أن يؤدوا اليمين القانونية الواجب عموما أداؤها على األعوان والموظفين‬
‫المنصبـين لتحرير المحاضر طبقا لنظام الوظيفة العمومية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬القوة الثبوتية للمحاضر المحررة من طرف مفتشي الشغــل‬


‫بالرغم من أن األمر يتعلق بأعوان خاصين يقومون بمهام شبيهة بأعمال‬
‫الشرطة القضائية وببعض مقتضيات القانون الجنائي الخاص بالشغل‪ ،‬فإن المادة‬
‫‪21 539‬تنص على أن المحاضر التي يحررها األعوان المكلفين بتفتيش الشغل بشأن‬
‫معاينة مخالفات أحكام مدونة الشغل والنصوص المتعلقة بالصحة والسالمة من‬
‫األخطار المهنية‪ ،‬وكذا عملية إثباتها مبدئيا يوثق بمضمونها إلى أن يثبت عكس ما‬
‫فيها‪ ،‬بمعنى أنه يمكن إثبات عكس ما يتضمنه المحضر بكل الوسائل القانونية‪ .‬هذا‬
‫و لإلشارة فـينبغي أن تحرر المحاضر في ثالث نظائر يوجه واحد منها إلى المحكمة‬
‫المختصة‪ ،‬أي إلى المقصود النيابة العامة بها‪ ،‬والثاني إلى مديرية الشغل بالمصالح‬
‫المركزية‪ ،‬ويحتفظ بالثالث في الملف الخاص بالمؤسسة المعنية‪.‬‬

‫‪ - 21‬المادة ‪ 539‬من مدونة الشغل‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫خامسا‪ :‬جواز األخذ بشهادة مفتش الشغـل في اإلشهاد على وجود الخطر و‬
‫تحققه‬
‫بما أن مفتش الشغل يعتبر موظفا محلفا‪ 22‬تابعا لوزارة التشغيل‪ ،‬تتمثل وظيفته‬
‫األساسية في المراقبة والتفتيش وأعمال التتبع التي يحرر في شأنها محاضر الضبط‪،‬‬
‫الشيء الذي يجعله كثير االحتكاك بطرفي عالقة الشغل‪ ،‬وكثيرا ما تتكون لديه بفضل‬
‫ذلك أفكار مسبقة عن النزاعات التي تدور بينهم بحكم أنه غالبا ما يتم اللجوء إليه في‬
‫ه ذا الصدد ‪ ،‬لذلك فقد اعتبر القضاء المغربي أنه ال مانع يمنع من االستفادة من‬
‫شهادته لحل نزاع معروض عليه‪ ،‬والذي قد ينشأ مثال بسبب عدم امتثال المشغل‬
‫إلجراءات و تدابير السالمة التي يطالب بها مندوبو األجراء داخل الوحدة اإلنتاجية‪.‬‬

‫ومن جانبنا‪ ،‬فإذا كان القضاء المغربي يعتمد شهادة أجير على أجير أو مشغل‬
‫في إثبات أو إسقاط حق ما‪ ،‬فإن شهادة مفتش الشغل لصالح هذا الجانب أو ذاك تبقى‬
‫‪23‬‬
‫هي أوثق و أضمن‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬مسطرة المراقبة والبحث والمتابعة عند تحقق الخطر المهنـــــي‬


‫إذا كانت مقتضيات المادة ‪ 534‬من مدونة الشغل توجب على األعوان المكلفين‬
‫بتفتيش الشغل حين قيامهم بزيارة من زيارات المراقبة ‪ ،‬أن يحرروا أوال تقريرا عن‬
‫كل زيارة يقومون بها‪ ،‬و إذا كانت الفقرة الثانية من المادة ‪ 539‬تنص على أنه‬
‫يمكنهم‪ ،‬و قبل اللجوء إلى تحرير محاضر أن يوجهوا تنبيهات ومالحظات إلى‬
‫المشغلين الذين يخالفون أحكام القانون‪ ،‬فإن المالحظ أن المشرع المغربي أتـى‬
‫بمقتضيات خاصة بشأن محاضر المخالفات المتعلقة بقواعد سالمة وصحة األجراء‪،‬‬

‫‪ - 22‬قرار اجتماعي تحت ع ‪ 1106‬صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 27‬أكتوبر ‪ 2005‬في الملف عدد ‪.607/2004‬‬
‫‪ - 23‬محمد الكشبور ‪ ،‬إنهاء عقد الشغل مع تحليل مفصل ألحكام الفصل التعسفي لألجير‪ -‬دراسة تشريعية و قضائية مقارنة ‪ .‬ط ‪ – 2008‬ص ‪:‬‬
‫‪177‬‬

‫‪22‬‬
‫حيث يميز في هذا الصدد بين اإلخالل بهذه القواعد بالشكل الذي ال يعرض صحة‬
‫‪24‬‬
‫وسالمة األجراء لخطر حال‪ ،‬و بين اإلخالل الذي يعرضهم للخطر الحال‪.‬‬

‫‪ -‬المحاضر بشأن مخالفات قواعد الصحة والسالمة ذات الـخـطــر غـير‬


‫الـحـــال‪:‬‬

‫إذا كان المشرع المغربي ينص على أن يقوم مفتشو الشغل بمعاينة للمخالفات‬
‫المتعلقة باألحكام التشريعية والتنظيمية المتصلة بالشغل‪ ،‬و القيام بتثبيتها في محاضر‬
‫يوثق بمضمونها إلى أن يثبت العكس‪ ،‬فإنه وإذا تعلق األمر باألحكام التشريعية أو‬
‫التنظيمية الخاصة بالسالمة وحفظ الصحة‪ ،‬وكان اإلخالل بها ليس من شأنه أن‬
‫يعرض األجراء لخطر حال‪ ،‬فإنه ال يمكن لهؤالء األعوان أن يحرروا محاضر‬
‫ضبط المخالفات الخاصة بها إال بعد أن يوجهوا تنبيها إلى المشغل المخالف باحترام‬
‫المقتضيات القانونية‪ ،‬و تحديد أجل له التخاذ جميع التدابير الالزمة لدرء كل ما من‬
‫شأنه المس بصحة وسالمة األجراء‪ ،‬بحيث ال يمكن تحرير محضر بشأن المخالفة‬
‫إال بعد انصرام األجل المحدد في التنبيه‪ 25،‬و الذي يجب على العون المكلف بتفتيش‬
‫الشغل وهو يحدده ‪ ،‬أن يأخذ بعين االعتبار ظروف ووضعية المؤسسة‪.‬‬

‫و على أية حال‪ ،‬فإن هذا األجل ال يمكن أن يقل عن أربعة أيام‪ ،‬بحيث تبدأ مدته‬
‫انطالقا من أدنى مدة تقررها المقتضيات التنظيمية الجاري بها العمل إزاء كل حالة‬
‫من الحاالت‪.‬‬

‫و إذا كان على مفتشي الشغل قبل تحرير أية محاضر للمخالفات المتعلقة بقواعد‬
‫السالمة وحفظ الصحة ذات الخطر غير الحال‪ ،‬أن يوجهوا للمشغل المخالف تنبيها‬

‫‪ - 24‬عبداللطيف خالفي ‪ ،‬الوسيط في مدونة الشغل ‪ ،‬ج‪ : 1‬عالقات الشغل الفردية‬


‫‪ - 25‬الفقرة ‪ 1‬من المادة ‪ 540‬من م‪.‬ش‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫يتضمن أجال معينا‪ ،‬وذلك من جل احترام المقتضيات القانونية السارية‪ ،‬فإنه يكون‬
‫لهذا المشغل أن يوجه تظلما إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل قبل انصرام األجل‬
‫المحدد له في التنبيه‪ ،‬وذلك خالل أل ‪ 15‬يوما من تلقي هذا التنبيه في أقصى اآلجال‪،‬‬
‫حيث يترتب على تقديم هذا التظلم ‪ ،‬إيقاف إعداد المحضر و تبلغ السلطة الحكومية‬
‫المكلفة بالشغل إلى المشغل المتظلم قرارها وفق الشكليات اإلدارية‪ ،‬مع توجيه إشعار‬
‫‪26‬‬
‫بذلك إلى العون المكلف بتفتيش الشغل‪.‬‬

‫‪ -‬المحاضر بشأن مخالفات قواعد الصحة والسالمة ذات الخـطــــر الـحـــال‪:‬‬

‫إذا كان يتوجب على مفتشي الشغل عند ضبطهم للمخالفات المتعلقة بقواعد‬
‫الصحة والسالمة اتقاء لألخطار المهنية المحتملة ‪ ،‬توجيه تنبيه للمشغل المخالف مع‬
‫تحديد أجل له التخاذ كافة التدابير الالزمة لدرء كل ما من شأنه أن يؤدي إلى المساس‬
‫بصحة وسالمة العمال‪ ،‬طالما أن إخالله بقواعد الصحة والسالمة ليس من شأنه أن‬
‫يعرضهم لخطر حال‪ ،‬فإن األمر على خالف ذلك إذا كان اإلخالل الواقع من المشغل‬
‫من شأنه أن يعرض أجراءه إلى خطر حال‪ ،‬حيث إنه في هذه الحالة األخيرة يجب‬
‫على مفتشي الشغل أن ينبهوا وبشكل فوري المشغل المعني التخاذ جميع‬
‫التدابير الالزمة لدرء ما يتهدد أجراءه من خطر على عجل و بدون منحه أي أجل‪.‬‬

‫بحيث إنه وإذا رفض المشغل أو من ينوب عنه أو أهــمل أي منهما االمتثال‬
‫لألوامر الــموجهة إليه في التنبيــه‪ ،‬فإن العون المكلف بتفتيش الشغل يحرر محضرا‬
‫على الفور‪ 27،‬يثبت فيه امتناع المشغل أو من يمثله عن االمتثال لمضمون التنبيه‪،‬‬
‫مع توجيهه الموضوع فورا إلى السيد رئيس المحكمة االبتدائية بصفته قاضيا‬
‫للمستعجالت‪ ،‬وذلك بمقتضى مقال مرفق بالمحضر المنجز بشأن المخالفة أو‬

‫‪ - 26‬المادة ‪ 541‬من مدونة الشغل‪.‬‬


‫‪ - 27‬وهو عبارة عن محضر امتناع‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ال مخالفات المقترفة و عدم االمتثال ألوامره‪ ،‬و ذلك من أجل إصالح الوضع حيث‬
‫يكون للسيد رئيس المحكمة االبتدائية وفي إطار سلطته كما يحددها الفص ‪ 148‬من‬
‫قانون المسطرة المدنية ‪ ،‬األمر باتخاذ كل التدابير الالزمة أو التي يراها ضرورية‬
‫ومالئمة إليقاف الخطر الحال الذي يشكله خرق قواعد الصحة والسالمة‪ ،‬كما له‬
‫أيضا في إطار نفس السلطة أن يمنح المشغل المخالف أجال معينا التخاذ التدابير‬
‫الضرورية والفورية إلزالة الخطر‪ ،‬كما له أيضا عند االقتضاء األمر بإغالق‬
‫المؤسسة مع تحديد المدة الضرورية لهذا اإلغالق‪ ،‬وهذا كله مع إلزام المشغل‬
‫المخالف وبحكم القانون بأداء أجور األجراء الذين يتوقفون عن الشغل بسبب إغالق‬
‫‪28‬‬
‫المؤسسة‪ ،‬وذلك طيلة مدة التوقف سواء كان هذا األخير كليا أو كان جزئيا‪.‬‬

‫و الحقيقة أنه وأمام الخرق المتزايد للضوابط القانونية المنظمة لعالقات الشغل‪،‬‬
‫وأمام عدم فعالية ما كان ينص عليه المشرع من قواعد لضمان تطبيق نصوص‬
‫قانون الشغل‪ ،‬ظل بعض الفقه المغربي‪ 29،‬ينادي بضرورة تمكين أعوان التفتيش من‬
‫اللجوء إلى القضاء االستعجالي الستصدار األوامر التي تسمح باتخاذ اإلجراءات‬
‫الفورية والضرورية الكفيلة باحترام المقتضيات القانونية الشغلية‪ ،‬خاصة حينما‬
‫يتعلق األمر بمخالفة الضوابط المنظمة لقواعد الصحة والسالمة أو تشغيل األحداث‬
‫والنساء‪ ،‬وهو ما استجابت له بعض مقتضيات المدونة‪ ،‬وإن قصرته على قواعد‬
‫السالمة وحفظ الصحة ذات الخطر الحال فقط‪ ،‬لذلك نعتقد وفي نظرنا المتواضع أنه‬
‫ينبغي التفكير جديا في إدماج عضوية مفـتشي الشغل في تركيبة مجالس طب الشغل‬
‫والوقاية من األخطار المهنية كما هو منصوص عليه في المادة ‪ 332‬من مدونة‬
‫الشغل‪ ،‬وذلك تعزيزا لدورهم الوقائي واستفادة خبراتهم المعرفية في هذا المجال‪.‬‬

‫‪ - 28‬المادة ‪ 544‬من مدونة الشغل‪.‬‬


‫‪ - 29‬عبد اللطيف خالفي ‪ ،‬م‪.‬س – ص ‪150‬‬

‫‪25‬‬
‫بقي أن نشير إلى أنه ‪ ،‬وفي حال استنفذ – وبدون جدوى – العون المكلف‬
‫بالتفتيش جميع اإلجراءات القانونية مع أي مشغل مخل بقواعد الصحة والسالمة‬
‫إخالال من شأنه أن يعرض صحة و سالمة األجراء لخطر حال‪ -‬و المتمثلة خصوصا‬
‫في التنبيه الفوري‪ ،‬ثم تحرير محضر االمتناع عن االمتثال لمضمونه‪ ،‬وإحالته‬
‫الفورية على السيد رئيس المحكمة بصفته قاضيا لألمور المستعجلة‪ ،‬دون أن‬
‫يستجيب هذا المشغل المخالف لما أمر به‪.‬‬
‫فإن مفتش الشغل يسارع إلى تحرير محضر جديد يوجهه إلى السيد وكيل‬
‫الملك‪ ،‬الذي يجب عليه أن يحيل المحضر في مدة ال يمكن أن تتجاوز ‪ 8‬أيام من‬
‫تاريخ التوصل به إلى المحكمة االبتدائية‪ ،‬التي تطبق عندئذ المقتضيات الزجرية‬
‫المنصوص عليها في الباب األول من القسم الرابع من الكتاب الثاني من مدونة‬
‫الشغل‪ ،‬وبالضبط في المادة ‪ 545‬والمتمثلة في الغرامة التهديدية التي تتراوح ما‬
‫بين ‪ 2000‬و ‪ 5000‬درهم ‪ ،‬وما بين ‪ 10000‬و ‪ 20000‬درهم حسب طبيعة المخالفة‬
‫المرتكبة ‪ ،‬مع مالحظة أن هذه العقوبات تضاعف في حالة العود إذا تم ارتكاب أفعال‬
‫مماثلة داخل السنتين المواليتين لصدور حكم نهائي ‪ ،‬كما يمكن أن تصدر المحكمة‬
‫حكمها باإلدانة مقرونا بقرار اإلغالق المؤقت للمؤسسة طيلة مدة ال يمكن أن تقل‬
‫عن عشرة أيام وال تتجاوز ستة أشهر‪ ،‬مع مراعاة المنع المشار إليه في الفقرة الثانية‬
‫من المادة ‪ 90‬من القانون الجنائي‪ ،30‬بل وأكثر من هذا ففي حالة عدم احترام هذه‬
‫المقتضيات تطبق العقوبات المنصوص عليها في الفصل ‪ 342‬من القانون الجنائي‬
‫المحددة في الحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر و غرامة من ‪ 200‬إلى ‪2000‬‬

‫‪ - 30‬أي منع المحكوم عل يه من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بذلك المحل‪ ،‬ويشمل المنع أفراد أسرة المحكوم عليه أو غيرهم ممن يمكن الحكم عليه‬
‫قد باع له المحل أو أكراه أو سلمه إليه ‪ .‬كما يسري المنع في حق الشخص المعنوي أو الهيئة التي كان ينتمي إليها المحكوم عليه أو كان يعمل لحسابها‬
‫وقت ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫درهم ‪ ،‬و في حالة العود كذلك يمكن للمحكمة أن تصدر حكمها باإلغالق النهائي‬
‫للمؤسسة وفق الفصلين ‪ 90‬و ‪ 324‬من القانون الجنائي‪.‬‬
‫كانت تلكم جملة من المهام واالختصاصات ذات الطابع اإلداري والقانوني التي‬
‫أناطت بها مدونة الشغل جهاز مفتشية الشغل‪ ،‬باإلضافة إلى مهامه إجرائية‬
‫ومسطرية أخرى متصلة بالوقاية والسالمة الصحية‪ ،‬مما يجعل دور هذا الجهاز يكاد‬
‫يكون شامال لكل جوانب النشاط االقتصادي واالجتماعية والقانونية للمقاوالت‪ ،‬لكن‬
‫في المقابل لربما هذا الكم الكبير من المسؤوليات المهنية قد يؤثر سلبا على نجاعة‬
‫الدور األصلي لمفتشي الشغل والمتمثل في مراقبة تطبيق أحكام مدونة الشغل‪ ،‬الشيء‬
‫الذي جعل بعض الفقه المغربي يتساءل حول مدى قدرة هذا الجهاز على القيام الفعلي‬
‫بكل هذه المهام ‪ ،‬وكم يلزمه من الوقت لتحقيق ذلك ؟‬

‫‪27‬‬
‫خــــــــــــــــــــاتـمــة‪:‬‬

‫في ختام بحثنا اليسير هذا نذكر بأن مؤسسة مفتشية الشغل ظلت وستظل محط‬
‫اهتمام جل التشريعات الوطنية والدولية نظرا ألهمية دورها داخل المقاولة في إطار‬
‫ضمان التنزيل والتطبيق السليم لمقتضيات القانون‪ ،‬وباألخص في الشق المتعلق‬
‫بحصر وتطويق المخاطر المهنية التي يتعرض لها األجراء داخل المقاوالت الشغلية‪،‬‬
‫هذا األمر الذي دفعنا للبحث في موضوع مؤسسة تفتيش الشغل وما تضطلع به من‬
‫مهام مختلفة ومتنوعة في هذا الصدد‪.‬‬
‫ونظرا للتوجه االقتصادي والطابع الصناعي واآللي الذي أصبحت تحظى به‬
‫المقاوالت الشغلية الوطنية وما تحف به العمال من مخاطر مهنية والتي ما فتئوا‬
‫يتعرضون لها أثناء القيام بعملهم أو بمناسبته‪ ،‬فإلى أي حد يكون المشرع المغربي‬
‫قد فكر أثناء صياغة مواد مدونة الشغل في إيجاد آلية توفيقية بين الصرامة الرقابية‬
‫التي ينبغي أن يتحلى بها مفتشو الشغل وبين إكراهات واقع المقاولة المغربية‪ ،‬حتى‬
‫ال يغدو جهاز تفتيش الشغل سببا لنشوب النزاعات‪ ،‬وذلك في سبيل تحقيق نوع من‬
‫التوازن للحفاظ على استمرارية المقاولة واستقرارها مع الحفاظ على سالمة وصحة‬
‫األجراء للتقليل إلى أقصى حد من تداعيات المخاطر المهنية على حياة العمال‬
‫والمؤاجرين‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الئحة المراجع المعتمدة‪:‬‬

‫❖ عبد اللطيف خالفي‪ ،‬الوسيط في مدونة الشغل – ج ‪ : 1‬عالقات‬


‫الشغل الفردية ط ‪.2004– 1‬‬
‫❖ عبد اللطيف خالفي‪ ،‬حوادث الشغل واألمراض المهنية – دراسة‬
‫نظرية وتطبيقية في ضوء تعديالت ظهير ‪ 23‬يوليوز ‪. 2002‬ط‪.2003 ، 1‬‬
‫❖ سارة الفهـمي‪ ،‬خصوصيات القانون الجنائي للشغل (الجريمة و‬
‫العقاب) – رسالة الماستر في القانون الخاص ‪ /‬طنجة‪.2008 -2007 :‬‬
‫❖ أنظر الفصل ‪ 2‬من القرار الوزيري رقم ‪ 152-85‬الصادر بتاريخ‬
‫‪ 20‬نونبر ‪.1984‬‬
‫❖ جواد الغماري‪ ،‬جرائم قانون الشغل (المقتضيات الزجرية في مدونة‬
‫الشغل ‪ :‬الموضوع والمسطرة) – سلسلة ” أريد أن أعرف” – ‪.‬ج ‪.4‬‬
‫❖ محمد الكشبور‪ ،‬إنهاء عقد الشغل مع تحليل مفصل ألحكام الفصل‬
‫التعسفي لألجير‪ -‬دراسة تشريعية وقضائية مقارنة ‪ .‬ط ‪.2008‬‬
‫❖ القانون ‪ 65-99‬بمثابة مدونة الشغل‪.‬‬
‫❖ إسماعيل فتاحي‪ ” ،‬جهاز تفتيش الشغل ‪ :‬مهام جسيمة في ظل ضعف‬
‫اإلمكانات”‪ ،‬مقال منشور بجريدة التجديد اإللكترونية‪ ،‬نشر بتاريخ ‪05 – 06‬‬
‫– ‪.2004‬‬
‫❖ هادن الصغير‪ ” ،‬سلطات واختصاصات مفتش الشغل” – مقال‬
‫منشور بجريدة االتحاد االشتراكي بتاريخ ‪.2009-01-13‬‬
‫❖ ياسر الطريبق‪ ” ،‬آفاق مفتش الشغل في المغرب ” – مقال منشور‬
‫بجريدة هسبريس اإللكترونية بتاريخ ‪.2011- 01-12‬‬

‫‪29‬‬
:‫❖ الموقع اإللكترونــي‬
http://www.emploi.gov.ma/index.php/ar/travail/inspec
tiondu-travail.html
:‫❖ الموقع اإللكترونــي‬
http://www.leconomiste.com/article/893898-accidents-
de-travailltoujours-plus-de-lois-mais-peu-d-efficacit
http://www.medias.24.com/societe/7537-accidents-du-
travail-le-maroc-est-un-pays-a-hauts-risques.html

:‫❖ الموقع اإللكترونــي‬


https://www.droitetentreprise.com

‫❖ مدونة الشغل‬
‫❖ قانون االلتزامات والعقود‬

30
‫الفهــــرس‪:‬‬

‫مقدمـــة‪3 .................................................................................................... :‬‬


‫المبحث األول‪ :‬اإلطار القانوني لجهاز تفتيش الشغل ودوره بشأن حوادث الشغل ‪7 .............‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تركيبة مفتشية الشغل ‪7 ..................................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحماية المقررة بشأن حوادث الشغل في القواعد العامة والخاصة ‪10 ..........‬‬
‫أوال ‪ :‬التدابير الحمائية في ظل القواعد العامة ‪11 ......................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬التدابير الحمائية في ظل القواعد الخاصة ‪13 ....................................................‬‬
‫‪16 .............................................................................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الحماية من حوادث الشغل في ظل الوصاية القانونية واإلدارية لجهاز تفتيش‬
‫الشغل ‪17 .....................................................................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مهام مفتـش الشغـل المتصلة بتطويق مظاهر األخـطار المهنية ‪17 ..............‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬صفة مفـتـشـي الشغـل ما بين المهام الضبطية والوقائية عند تحقق األخطار‬
‫المهنية ‪19 ....................................................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬مالمح المسطرة الجنائية ‪19 ........................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬صفة األعوان المكلفين بمهام التفـتيــش‪20 .......................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬أداء اليمين القـــــــــانونية ‪21 .......................................................................‬‬
‫رابعا‪ :‬القوة الثبوتية للمحاضر المحررة من طرف مفتشي الشغــل ‪21 .............................‬‬
‫خامسا‪ :‬جواز األخذ بشهادة مفتش الشغـل في اإلشهاد على وجود الخطر و تحققه‪22 ...........‬‬
‫سادسا‪ :‬مسطرة المراقبة والبحث والمتابعة عند تحقق الخطر المهنـــــي ‪22 ......................‬‬
‫خــــــــــــــــــــاتـمــة‪28 ................................................................................. :‬‬
‫الئحة المراجع المعتمدة‪29 ............................................................................... :‬‬
‫الفهــــرس‪31 ............................................................................................... :‬‬

‫‪31‬‬

You might also like