You are on page 1of 6

‫أمهات المإمنٌن‬

‫ب َّ‬
‫َللاِ مِنَ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬ال َّن ِبً أَ ْولَى ِبا ْلم ُْإ ِمنٌِنَ مِنْ أَ ْنفُسِ ِه ْم َوأَ ْز َوا ُج ُه أ ُ َّمهَا ُت ُه ْم َوأُولُو ْاْلَرْ حَ ِام َبعْ ُ‬
‫ض ُه ْم أَ ْولَى ِب َبعْ ض فًِ ِك َتا ِ‬
‫طورً ا} [اْلحزاب‪.]6 :‬‬ ‫ب َمسْ ُ‬ ‫ج ِرٌنَ إِ ََّل أَنْ َت ْف َعلُوا إِلَى أَ ْولٌَِائِ ُك ْم َمعْ رُو ًفا َكانَ َذلِ َ‬
‫ك فًِ ا ْل ِك َتا ِ‬ ‫ا ْلم ُْإ ِمنٌِنَ َوا ْل ُمهَا ِ‬

‫واآلٌة الحكٌمة تشٌر بجالء لمكانة أزواج رسول َللا صلى َللا علٌه وسلم السامٌة بقلوب المإمنٌن‪ ،‬احتراما وتقدٌرا ومحبة‬
‫وتحرٌما‪ ،‬ولذلك أسماهم الحق بؤمهات المإمنٌن‪ ،‬وهن أزواجه فً الدنٌا واآلخرة‪ ،‬ومن ذلك ما جاء فً الصحٌحٌن من‬
‫ث لٌََال‪ ،‬جَ ا َءنًِ بِكِ ا ْل َملَ ُ‬
‫ك‬ ‫حدٌث عائشة رضً َللا عنها قالت‪ :‬قال رسول َللا صلى َللا علٌه وسلم‪« :‬أ ُ ِرٌ ُتكِ فًِ ا ْل َم َن ِام َث َال َ‬
‫ك َه َذا مِنْ ِع ْن ِد َّ‬
‫َللاِ ٌُمْضِ ِه"‪.‬‬ ‫ت هًَِ ‪َ ،‬فؤَقُو ُل‪ :‬إِنْ ٌَ ُ‬ ‫فًِ سَرَ َقة مِنْ حَ ِرٌر‪َ ،‬ف ٌَقُو ُل‪َ :‬ه ِذ ِه ا ْمرَ أَ ُتكَ‪َ ،‬فؤ َ ْكشِ ؾُ َعنْ وَ جْ ِهكِ ‪َ ،‬فإِ َذا أَ ْن ِ‬

‫والم َّتفق علٌه من زوجاته صلى َللا علٌه وسلم إحدى عشرة‪ .‬القرشٌات منهن ست‪ ،‬هن‪ :‬خدٌجة بنت خوٌلد‪ ،‬وسودة بنت‬
‫زمعة‪ ،‬وعائشة بنت أبً بكر‪ ،‬وحفصة بنت عمر بن الخطاب‪ ،‬وأم سلمة‪ ،‬وأم حبٌبة بنت أبً سفٌان‪.‬‬

‫والعربٌات من ؼٌر قرٌش أربع‪ ،‬هن‪ :‬زٌنب بنت جحش‪ ،‬وجوٌرٌة بنت الحارث‪ ،‬وزٌنب بنت خزٌمة‪ ،‬ومٌمونة بنت‬
‫الحارث‪ .‬وواحدة من ؼٌر العرب وهً‪" :‬صفٌة بنت حًٌ" من بنً إسرائٌل‪ .‬وتبقى مارٌة القبطٌة وهً من مصر‪.‬‬

‫وتو ِّفٌت اثنتان من زوجات النبً محمد صلى َللا علٌه وسلم حال حٌاته‪ ،‬وهما خدٌجة بنت خوٌلد وزٌنب بنت خزٌمة‪،‬‬
‫و ُتوفً صلى َللا علٌه وسلم عن تسع نسوة‪ .‬كما أثبت العلماء زوجات للنبً صلى َللا علٌه وسلم عقد علٌهن ولم ٌدخل‬
‫بهن‪.‬‬

‫ٌقول الكاتب عباس العقاد فً موسوعته اإلسالمٌة‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬فصل "زواج النبً‪"" :‬كان للنبً صلوات َللا علٌه‬
‫خصوصٌة فً أمر تعدد الزوجات‪ ،‬جازت له قبل سرٌان حكم التقٌٌد بعدد َل ٌزٌد على أربع لسائر المسلمٌن"‪.‬‬

‫وقد ارتبطت تلك الخصوصٌة بمصلحة الدعوة فً إبانها‪ ،‬وأما الحقٌقة الواضحة فهً نزاهة تلك الخصوصٌة مما ٌعاب‬
‫على الرجل أو على المرأة‪ ،‬وخلوصها من شوائب الهوى النفسً‪ ،‬ولو كان من السائػ المباح‪ .‬إن الرجل الذي ٌملك‬
‫الجزٌرة العربٌة لم ٌكن لٌمد ٌده َلؼتراؾ الثروة التً تكفً زوجاته‪ ،‬بل كان بٌته ٌشكو قلة المإونة والزٌنة‪ .‬وكان دخول‬
‫النساء ببٌته شرفا َل ٌعلوه شرؾ‪ ،‬وقد جمعت المصاهرة أبا بكر وعمر وعثمان وعلٌا فً رسالة واحدة هً اإلسالم‪.‬‬
‫وكانت كل سٌدة من أمهات المإمنٌن تؤوي إلى البٌت الطاهر‪ ،‬اعتصاما من اَلرتداد والوقوع فً أٌدي الحاقدٌن علٌها من‬
‫ذوٌها‪ ،‬أو إلكرامها عن منزلة دون منزلتها‪ ،‬وكان فٌهن العاقر ومن َل مال لها‪ ،‬أو العرض المستكره على أشراؾ القوم‬
‫من أندادها‪ .‬ولم ٌحدث أن اختار النبً زوجة واحدة ْلنها ملٌحة أو وسٌمة‪ ،‬ولم ٌبن بعذراء قط إَل التً علم قومه جمٌعا‬
‫أنه اختارها ْلنها بنت صدٌقه وصفٌه وخلٌفته من بعده‪ :‬أبً بكر الصدٌق رضً َللا عنه‪.‬‬

‫شرؾ بٌت النبوة‬

‫لقد اختص َللا سبحانه نساء النبً صلى َللا علٌه وسلم بخصائص لم تجتمع لؽٌرهن‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ما ذكر ابن كثٌر‪ -‬أن‬
‫َللا تعالى أمر رسوله أن ٌخٌر نساءه بٌن أن ٌفارقهن فٌذهبن إلى ؼٌره ممن ٌُحصْ ل لهن من عنده الحٌاة الدنٌا وزٌنتها‪،‬‬
‫وبٌن الصبر على ما عنده من ضٌق الحال‪ ،‬ولهن عند َللا فً ذلك الثواب الجزٌل فاخترن ‪ -‬رضً َللا عنهن وأرضاهن ‪-‬‬
‫ك‬ ‫ج َ‬‫َللا ورسوله والدار اآلخرة‪ ،‬فجمع َللا لهن بعد ذلك بٌن خٌر الدنٌا وسعادة اآلخرة‪ "،‬قال تعالى‪ٌَ ﴿ :‬ا أٌَهَا ال َّن ِبً قُل ِّْلَ ْز َوا ِ‬
‫إِن ُكن ُتنَّ ُت ِر ْدنَ ا ْلحَ ٌَا َة الد ْنٌَا َو ِزٌ َن َتهَا َف َتعَالَ ٌْنَ أ ُ َم ِّتعْ ُكنَّ َوأ ُ َسرِّ حْ ُكنَّ سَرَ احً ا جَ م ً‬
‫ٌِال َوإِن ُكن ُتنَّ ُت ِر ْدنَ َّ َ‬
‫َللا َورَ سُولَ ُه َوال َّدارَ اآلخِرَ َة َفإِنَّ‬
‫ت مِن ُكنَّ أَجْ رً ا َعظِ ٌمًا ﴾ [اْلحزاب‪.]82 -82:‬‬ ‫َللا أَ َع َّد لِ ْلمُحْ سِ َنا ِ‬
‫َّ َ‬

‫وتحفل سورة اْلحزاب بمناقب أمهات المإمنٌن؛ فقد اخترن القنوت والصالح فؤوتٌن أجرهن مرتٌن قال تعالى‪َ ﴿ :‬ومَن‬
‫ْن َوأَعْ َت ْد َنا لَهَا ِر ْز ًقا َك ِرٌمًا ﴾ [اْلحزاب‪ .]13:‬وبالسورة نفسها ببٌان‬ ‫لِل وَ رَ سُولِ ِه َو َتعْ َم ْل صَالِحً ا ن ْإتِهَا أَجْ رَ هَا مَرَّ َتٌ ِ‬
‫ت مِن ُكنَّ ِ َّ ِ‬
‫ٌَ ْق ُن ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خصوصٌتهن بحرمة الزواج من بعد رسول َللا‪َ ﴿ :‬ومَا َكانَ لَ ُك ْم أن ُت ْإذوا رَ سُو َل َللاِ َوَلَ أن َتن ِكحُوا أ ْز َواجَ ُه مِن َبعْ ِد ِه أ َب ًدا إِنَّ‬
‫َللاِ َعظِ ٌمًا﴾ [اَلحزاب‪.]31:‬‬ ‫َذلِ ُك ْم َكانَ عِن َد َّ‬

‫وقوله سبحانه ببٌان مكانتهن اْلسمى طهرا كونهن آل بٌت رسول َللا والالتً أدركن ما ٌنزل علٌه من آٌات وحكمة‪ٌ ،‬قول‬
‫الز َكا َة َوأَطِ عْ نَ َّ‬
‫َللاَ َورَ سُولَ ُه إِ َّنمَا ٌ ُِرٌ ُد‬ ‫َللا تعالى‪ ﴿ :‬وَ َقرْ نَ فًِ ُبٌُو ِت ُكنَّ َوَلَ َتبَرَّ جْ نَ َتبَر َج ا ْلجَ ا ِهلِ ٌَّ ِة اْلُولَى َوأَ ِق ْمنَ ال َّ‬
‫صالَ َة َوآتٌِنَ َّ‬
‫ت َو ٌُ َط ِّهرَ ُك ْم َت ْط ِهٌرً ا ﴾ [اْلحزاب‪]11 :‬‬ ‫َللا ُ لٌِ ُْذهِبَ عَن ُك ُم الرِّجْ سَ أَهْ َل ا ْل َب ٌْ ِ‬
‫َّ‬

‫ت َّ‬
‫َللاِ َوا ْل ِ‬
‫ح ْك َم ِة ﴾ [اْلحزاب‪.]13 :‬‬ ‫واآلٌة التالٌة‪َ ﴿ :‬و ْاذ ُكرْ نَ مَا ٌُ ْتلَى فًِ ُبٌُوتِ ُكنَّ مِنْ آٌَا ِ‬

‫ك ال ِّنسَا ُء مِنْ‬
‫ومن خصائصهن عدم جواز استبدال النبً صلى َللا علٌه وسلم بهن أزواجا آخرٌن‪ ،‬لقوله سبحانه‪َ{ :‬ل ٌَحِل لَ َ‬
‫ك َو َكانَ َّ‬
‫َللا ُ َعلَى ُك ِّل َشًْ ء رَ قٌِبًا} [اْلحزاب‪. ]38:‬‬ ‫َبعْ ُد َوَل أَنْ َت َب َّد َل ِب ِهنَّ مِنْ أَ ْز َواج َولَ ْو أَعْ جَ َب َ‬
‫ك حُسْ ُنهُنَّ إِ ََّل مَا َملَ َك ْ‬
‫ت ٌَمٌِ ُن َ‬
‫وفً اآلٌة التالٌة نتبٌن خصٌصة عدم جواز إٌذاء أمهات المإمنٌن بكسر حرمتهن‪ ،‬وقد أمر َللا المإمنٌن أن َل ٌخاطبوهن‬
‫إَل من وراء حجاب فقال‪{ :‬وإِ َذا سَؤ َ ْل ُتمُوهُنَّ َم َتاعًا َفاسْ ؤَلُوهُنَّ مِنْ َورَ ا ِء حِجَ اب َذلِ ُك ْم أَ ْط َه ُر لِقُلُوبِ ُك ْم وَ قُلُوبِ ِهنَّ وَ مَا َكانَ لَ ُك ْم أَنْ‬
‫َللاِ} [اْلحزاب‪.]31:‬‬‫ُت ْإ ُذوا رَ سُو َل َّ‬

‫وفٌهن نزلت اآلٌات الكثٌرة التً نستدل منها على وجوب الحجاب على نساء المسلمٌن‪ ،‬وقد كن أول من امتثل ْلمر َللا‬
‫ك أَ ْد َنى أَنْ‬
‫ك َونِسَا ِء ا ْلم ُْإ ِمنٌِنَ ٌ ُْدنٌِنَ َعلٌَ ِْهنَّ مِنْ جَ الَ ِب ٌِب ِهنَّ َذلِ َ‬
‫ك َو َب َناتِ َ‬ ‫تعالى‪ ،‬وهو الحق ٌقول تعالى‪ٌَ{ :‬ا أٌَهَا ال َّن ِبً قُ ْل ْلِ ْز َوا ِ‬
‫ج َ‬
‫ٌُعْ رَ ْفنَ َفالَ ٌ ُْإ َذ ٌْنَ } [اْلحزاب‪.]32 :‬‬

‫زوجات النبً‪ ..‬عظمة البشرٌة‬

‫تقول الكاتبة اإلسالمٌة الراحلة عائشة عبد الرحمن بكتابها "نساء النبً" فً بٌان خصوصٌة أمهات المإمنٌن‪" :‬هإَلء‬
‫السٌدات اللواتً عشن فً بٌت النبً صلى َللا علٌه وسلم ٌنزعن جمٌعا إلى حواء‪ ،‬وقد جئن إلى بٌت تالقت فٌه البشرٌة‬
‫بالنبوة واتصلت اْلرض بالسماء‪ ،‬وتزوجن من بشر ٌتلقى الوحً من أعلى‪ ،‬وٌبلػ رسالة َللا"‪.‬‬

‫وقد كانت عالقة النبً صلى َللا علٌه وسلم بؤزواجه تجمعها كونه بشرا ورسوَل بآن واحد‪ ،‬وقد كان ٌتلقى من حٌن إلى‬
‫حٌن وحً ربه فً أخص الشئون الزوجٌة‪ ،‬وكانت عالقاته بؤزواجه تخضع أحٌانا لتوجٌه إلهً صرٌح‪ :‬فمحنة اإلفك مثال‪،‬‬
‫لم ٌحسمها إَل نزول الوحً ببراءة "عائشة" مما افتراه علٌها الذٌن أرجفوا بالسوء‪ ..‬وزواج الرسول من "زٌنب بنت‬
‫جحش" ما كان لٌتم لوَل أن نزل به عتاب صرٌح من َللا الذي كره لمحمد أن ٌخفً فً نفسه ما َللا مبدٌه‪ ،‬وأن ٌخشى‬
‫الناس وَللا أحق أن ٌخشاه‪.‬‬

‫وقد أثٌرت شبهات المستشرقٌن فً عدد زوجات النبً صلى َللا علٌه وسلم‪ ،‬وربطوا ذلك بالنزوات الجنسٌة‪ ،‬وحاشاه‬
‫صلى َللا علٌه وسلم‪ ،‬وللرد ٌقول الكاتب الراحل عباس العقاد فً "عبقرٌة محمد‪"" :‬قال لنا بعض المستشرقٌن‪ :‬إن تسع‬
‫زوجات لدلٌل على فرط المٌول الجنسٌَّة‪ .‬قلنا‪ :‬إنك َل تصؾ السٌِّد المسٌح بؤنه قاصر الجنسٌَّة ْلنه لم ٌتزوَّ ج قط‪ ،‬فال ٌنبؽً‬
‫أن تصؾ محم ًدا بؤنه مفرط الجنسٌَّة ْلنه جمع بٌن تسع نساء" وٌضٌؾ‪ :‬ولو أمع َّنا النظر فً سٌرته صلى َللا علٌه وسلم‬
‫فً مرحلة ما قبل الزواج لوجدنا أنه كان ً‬
‫مثاَل فً الع َّفة والطهارة‪ ،‬وأمَّا بعد الزواج فنجد أنه لم ٌُ َع ِّدد زوجاته ّإَل بعد أن‬
‫تجاوز خمسٌن عامًا من عمره‪ ،‬كما نجد أن جمٌع زوجاته الطاهرات ُكنَّ ثٌبات (أرامل)‪ ،‬ما عدا السٌدة عائشة‪ -‬رضً َللا‬
‫عنها‪ -‬فكانت بكرً ا‪ ،‬وهً الوحٌدة من بٌن نسائه التً تزوَّ جها صلى َللا علٌه وسلم وهً فً حالة الصبا والبكارة‪.‬‬

‫وسلوك نسائه رضً َللا عنهن‪ ،‬كن ٌخضع لرقابة مباشرة من الوحً‪ ،‬على نحو ؼٌر مؤلوؾ فً حٌاة ؼٌرهن‪ ،‬وَللا تعالى‬
‫ٌقول‪ٌ{ :‬ا نساء النبً لستن كؤحد من النساء إن اتقٌتن فال تخضعن بالقول فٌطمع الذي فً قلبه مرض وقلن قوَل معروفا‬
‫وقرن فً بٌوتكن وَل تبرجن تبرج الجاهلٌة اْلولى وأقمن الصالة وآتٌن الزكاة وأطعن َللا ورسوله إنما ٌرٌد َللا لٌذهب‬
‫عنكم الرجس أهل البٌت وٌطهركم تطهٌرا واذكرن ما ٌتلى فً بٌوتكن من آٌات َللا والحكمة إن َللا كان لطٌفا خبٌرا}‬
‫[اْلحزاب‪.]13-18 :‬‬

‫أما عن سٌدنا محمد صلى َللا علٌه وسلم فتذكر الكاتبة أنه كان ذو قدرات تفوق البشر‪ ،‬فقد استطاع احتواء عقائل كرٌمات‬
‫اختلفت أجناسهن وألوانهن وتباعدت أصولهن ومنابتهن‪ ،‬وتفاوتت أعمارهن وصورهن وشخصٌاتهن‪ ،‬ببٌت واحد‪.‬‬

‫وتارٌخ اإلسالم ٌعترؾ لهإَلء السٌدات الكرٌمات‪ ،‬بؤنهن كن دائما فً حٌاة الرسول البطل‪ٌ ،‬صحبنه حٌن ٌخرج فً‬
‫معاركه ومؽازٌه‪ ،‬وٌهٌئن له ما ٌرضً بشرٌته‪ ،‬وٌؽذي قلبه‪ ،‬وٌمتع وجدانه‪ ،‬وٌجدد نشاطه‪ ،‬فكان له من ذلك كله ما أعانه‬
‫على حمل العبء الثقٌل‪ ،‬واحتمال ما لقً فً سبٌل دعوته الخالدة من تكالٌؾ بالؽة الصعوبة‪.‬‬

‫وحٌاة محمد صلى َللا علٌه وسلم فً بٌته تبدو رائعة فً بشرٌتها‪ ،‬فقد كان ٌإثر أن ٌعٌش بٌن أزواجه رجال ذا قلب‬
‫وعاطفة ووجدان‪ ،‬ولم ٌحاول إَل فً حاَلت الضرورة أن ٌفرض على نسائه شخصٌة النبً َل ؼٌر‪.‬‬

‫والسٌدة خدٌجة تنفرد بٌن نساء النبً جمٌعا بؤنها وحدها التً عرفته رجال وزوجا قبل أن تحؾ به أضواء النبوة‪ ،‬وقد‬
‫عاشرته خمسة عشر عاما قبل أن ٌبعث‪ ،‬و هتفت فً حرارة وٌقٌن بعد سماعها حدٌثه عن الوحً اْلول‪" :‬وَللا ما ٌخزٌك‬
‫َللا أبدا؛ إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتصدق الحدٌث‪ ،‬وتحمل الكل‪ ،‬وتقري الضٌؾ‪ ،‬وتعٌن على نوائب الحق"‪.‬‬

‫حٌن تزوج رسول َللا صلى َللا علٌه وسلم بالسٌدة خدٌجة رضً َللا عنها‪ ،‬كانت امرأة ناضجة‪ ،‬تزوجت من قبل رجلٌن‬
‫من سادة قرٌش‪ ،‬وعاملت رجاَل آخرٌن كانوا ٌخرجون فً مالها إلى الشام‪ ،‬وإن إعجابها بشخصٌة سٌدنا محمد صلى َللا‬
‫علٌه وسلم دلٌل على ما وجدته فٌه مبكرا من شخصٌة آسرة َلفتة‪ ،‬مما لم تجده بؤي من الذٌن تقدموا لطلب ٌدها‪ ،‬وقد‬
‫سمعت قومها ٌشٌدون بؤمانته واستقامته وعفته‪ ،‬وفً خلقه شمائل هاشمً قرشً أصٌل المنبت‪ ،‬لم ٌفسده الفراغ والمال‪،‬‬
‫ولم ٌصبه الترؾ بآفات النعومة واللٌن‪.‬‬

‫وبخصوص تعدد الزوجات بالبٌت النبوي‪ ،‬أو الشبهة المثارة من قبل المستشرقٌن‪ ،‬ترد الكاتبة بقولها‪" :‬إن الؽرب نفسه‬
‫وبرؼم تقنٌنه لعدد الزوجات‪َ ،‬ل ٌلتزم بذلك فً التطبٌق العملً‪ ،‬فٌعترؾ بزوجة واحدة‪ ،‬وٌدع لؽٌرها ممن ٌعاشرهن‬
‫الزوج الضٌاع والهوان والعار‪ ..‬وهو ما تسمٌه بالرق العصري‪.‬‬

‫ولٌس معنى ذلك أن نساء النبً صلى َللا علٌه وسلم كن سعٌدات بحٌاة الضرائر‪ ،‬ولكن معناه بالتحدٌد أن محمدا صلى َللا‬
‫علٌه وسلم كان من ذلك النمط الفرٌد بٌن الرجال‪ ،‬الذي تإثر الزوجة أن ٌكون لها أي مكان فً بٌته‪ ،‬على أن تكون لها مع‬
‫ؼٌره مملكة مستقلة تنفرد بها دون مشاركة‪.‬‬
‫ولٌس من بٌن أزواجه صلى َللا علٌه وسلم‪ ،‬من دخلت بٌته وفً حسابها أن تنفرد به‪ ،‬فقد كانت مسؤلة التعدد تبدو طبٌعٌة‬
‫فً حسابها أن تنفرد به‪ ،‬إلى حد ٌسهل علٌنا تصوره‪ ،‬لو ذكرنا أن "خولة بنت حكٌم" اقترحت على المصطفى أن ٌخطب‬
‫عائشة بنت أبً بكر وسودة بنت زمعة‪ ،‬فً وقت واحد‪ ،‬وأن أم المإمنٌن "مٌمونة بنت الحارث" هً التً عرضت أن‬
‫ٌتزوجها المصطفى وفً بٌته ثمانً زوجات‪ ،‬وأن عمر بن الخطاب عرض ابنته حفصة على أبً بكر وعثمان‪ ،‬وعنده "أم‬
‫رومان" حماة النبً صلى َللا علٌه وسلم‪ ،‬وأن علً بن أبً طالب ه ّم بؤن ٌتزوج على "فاطمة الزهراء" بنت النبً صلى‬
‫َللا علٌه وسلم‪ ،‬وأن أبا بكر وعمر (صهري الرسول) رؼبا فً الزواج من "أم سلمة بنت أبً أمٌة زاد الركب" حٌن مات‬
‫عنها زوجها‪ ،‬وفً بٌت كل منهما أكثر من زوجة‪.‬‬

‫ولو خٌرت أزواج النبً صلى َللا علٌه وسلم بٌن حٌاتهن تلك المشتركة فً بٌت واحد‪ ،‬ومع زوج واحد‪ ،‬وبٌن حٌاة أخرى‬
‫منفردة فً ؼٌر ذلك البٌت‪ ،‬لما رضٌن عن حٌاتهن بدٌال‪.‬‬

‫وقد قال عمر بن الخطاب رضً َللا عنه‪" :‬وَللا إن كنا فً الجاهلٌة ما نعد للنساء أمرا حتى أنزل َللا تعالى فٌهن ما أنزل‪،‬‬
‫وقسم لهن ما قسم‪ .‬فبٌنما أنا فً أمر أئتمره إذ قالت لً امرأتً‪ :‬لو صنعت كذا وكذا؟ فقلت لها‪ :‬وما لك أنت وما تكلفك فً‬
‫أمر أرٌده؟‪ ..‬فقالت لً‪:‬‬

‫عجبا ٌا ابن الخطاب‪ ،‬ما ترٌد أن تراجع أنت‪ ،‬وإن ابنتك لتراجع رسول َللا صلى َللا علٌه وسلم حتى ٌظل ٌومه ؼضبان؟‬

‫فؤخذت ردائً ثم انطلقت حتى أدخل على حفصة‪ ،‬فقلت لها‪ٌ :‬ا بنٌة‪ ،‬إنك لتراجعٌن رسول َللا صلى َللا علٌه وسلم حتى‬
‫ٌظل ٌومه ؼضبان؟‬

‫فقالت‪ :‬إنا وَللا لنراجعه!‬

‫ثم خرجت حتى دخلت علً "أم سلمة" لقرابتً منها‪ ،‬فكلمتها‪ ،‬فقالت لً‪:‬‬

‫عجبا لك ٌا ابن الخطاب! قد دخلت فً كل شًء حتى تبتؽً أن تدخل بٌن رسول َللا صلى َللا علٌه وسلم وأزواجه؟‬

‫فؤخذتنً أخذا كسرتنً به عن بعض ما كنت أجد"‪.‬‬

‫وتعلق الكاتبة بقولها‪ :‬ذلك أن عمر والصحابة رضً َللا عنهم‪ ،‬كانوا ٌرون فً "محمد" النبً المصطفى‪ ،‬أما نساإه فكن‬
‫ٌرٌن فٌه الزوج الرسول‪ ،‬وهو صلى َللا علٌه وسلم راض بهذا‪ ،‬مقر له‪ ،‬ؼٌر ضجر به وَل كاره‪.‬‬

‫ولم ٌحاول النبً صلى َللا علٌه وسلم أن ٌروض نسائه على كسر ؼٌرتهن الطبٌعٌة اْلنثوٌة‪ ،‬وَل ٌطٌب له أن تمسخ‬
‫فطرتهن فٌبرأن من نوازع حواء وأهوائها‪ ،‬كالشوق واللهفة والرؼبة فً اَلستئثار بالزوج الحبٌب‪.‬‬
‫سٌرة عطرة‬

‫لقد كانت لكل من زوجات النبً صلى َللا علٌه وسلم خصائص إٌمانٌة‪ ،‬ومنها مثال السٌدة خدٌجة بنت خوٌلد رضً َللا‬
‫عنها‪ ،‬ومن فضائلها وهً واحدة من أول أربعة آمنوا برسالته‪ :‬ما رواه البخاري ومسلم من حدٌث أبً هرٌرة رضً َللا‬
‫َللاِ‪َ ،‬ه ِذ ِه َخدٌِجَ ُة َقد أَ َتت‪َ ،‬م َعهَا إِ َناء فٌِ ِه إِدَام أَو َطعَام أَو‬
‫عنه قال‪ :‬أتى جبرٌل النبً صلى َللا علٌه وسلم فقال‪ٌَ« :‬ا رَ سُو َل َّ‬
‫صبَ »‪.‬‬ ‫َخبَ فٌِ ِه َو ََل َن َ‬ ‫َشرَ اب‪َ ،‬فإِ َذا هًَِ أَ َتت َ‬
‫ك َفاقرَ أ َعلٌَهَا الس ََّال َم مِن رَ ِّبهَا َو ِم ِّنً‪َ ،‬و َب ِّشرهَا ِببٌَت فًِ الجَ َّن ِة مِن َقصَب‪ََ ،‬ل ص َ‬

‫أما السٌدة عائشة فكانت اْلقرب لقلب الرسول صلى َللا علٌه وسلم‪ ،‬وأعلم زوجاته وأعظمهن حرمة عند المسلمٌن‪ ،‬فعن‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫رسول َللا صلى َللا علٌه وسلم‪َ « :‬فضْ ُل عَائِ َش َة َعلَى ال ِّنسَا ِء‪َ ،‬ك َفضْ ِل الث ِرٌ ِد َعلَى سَائ ِِر الطع ِ‬
‫َام»‪.‬‬

‫وكان المصحؾ الذي اجتمع علٌه المسلمون فً عهد عثمان رضً َللا عنه فً بٌت السٌدة حفصة بنت عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫وقد سمٌت زوجته زٌنب الهاللٌة بؤم المساكٌن‪ ،‬وكذا السٌدة صفٌة بنت أخطب التً عُرفت باإلنفاق والبذل‪ ،‬هاجرت السٌدة‬
‫أم سلمة معه صلى َللا علٌه وسلم فً مؽازٌه‪ ،‬فنالت صحبته‪ ،‬وكذلك كان حال السٌدة أم حبٌبة‪ ،‬فٌما كانت تفخر السٌدة‬
‫زٌنب بنت جحش بؤن َللا زوجها النبً بآٌة فً الكتاب العزٌز‪.‬‬

‫وعُرفت زوجاته صلى َللا علٌه وسلم ورضً َللا عنهن بالورع والتقوى والذكر والصوم‪ ،‬وحب المساكٌن‪ ،‬والجهاد فً‬
‫سبٌل َللا‪ ،‬وحفظ ما ورد عن رسول َللا‪ ،‬وصلة اْلرحام‪ ،‬فكن قدوة حسنة للمإمنات‪ ،‬تزٌنهن شٌم التقوى والصالح التً‬
‫تلٌق بآل بٌت خاتم الرسل أجمعٌن‪ ،‬صلوات َللا علٌه وتسلٌمه‪.‬‬

‫‪/www.islamkingdom.com/ar‬أمهات‪-‬المإمنٌن‪ix0#‬‬

You might also like