You are on page 1of 13

‫‪5‬‬ ‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫أخطاء في تربية األبناء‬


‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على الرمحة املهداة‪،‬‬
‫والنعمة املسداة‪ ،‬نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أما بعد‪..‬‬
‫فإن تربية األبناء ليست عملية عشوائية سهلة ميارسها كل أحد‬
‫دون علم أو دراية‪ ،‬وإمنا هي عملية معقدة ذات معايري دقيقة‬
‫ومنضبطة بالضوابط الشرعية‪ ،‬وقابلة لالجتهادات الشخصية‬
‫والرؤى النفسية املبنية على حتقيق مصاحل األطفال وتنمية مداركهم‬
‫وتوسيع أفقهم‪ ،‬ودرء املفاسد والشرور عنهم‪.‬‬
‫ونظراً ألن هناك من ميارس عملية الرتبية بشكل منطي جامد‪،‬‬
‫من خالل تقليد اآلباء‪ ،‬وتوارث األجيال‪ ،‬فقد نتج عن ذلك كثري‬
‫من األخطاء يف الرتبية‪ ،‬وتأثر بذلك األبناء‪ ،‬حيث تولدت لديهم‬
‫العديد من السلوكيات والعادات السلبية‪ ،‬اليت تعاين منها األسر‬
‫واجملتمعات‪.‬‬
‫ويف هذه الرسالة سوف نشري إىل بعض تلك األخطاء املهمة‬
‫مع ذكر العالج والتصحيح‪ ،‬واهلل املوفق واملعني‪.‬‬
‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -1‬االستهانة بقضية التربية‬


‫فبعض اآلباء ال يويل تلك القضية أدىن اهتمام‪ ،‬وإمنا يرتك أبناءه‬
‫هكذا ينشأون دون أدىن مسئولية‪ ،‬ويرى أن مسؤوليته ال تتعدى‬
‫توفري املأكل واملشرب وامللبس واملأوى‪ ،‬وينسى قول اهلل تعاىل‪ :‬يَا‬
‫س ُك ْـم َوأ َْهلِي ُك ْم نَ ًارا‪[‬بالتحرمي‪.]6 :‬‬ ‫أ َُّي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين آ ََمنُوا قُوا أَْن ُف َ‬
‫وقال علي بن أيب طالب ‪( :‬علموهم وأدبوهم)‪ .‬وينسى‬
‫كذلك قول ‪« :‬كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته‪ ،‬فاإلمام‬
‫راع‪ ،‬ومسئول عن‬ ‫راع ومسئول عن رعيته‪ ،‬والرجل في أهله ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رعيته‪ ،‬والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن‬
‫رعيتها»(متفق عليه)‪.‬‬
‫قال شوقي‪:‬‬
‫فرب صغير ٍ‬
‫قوم علموه‬
‫سما وحمى المسومة العراباـ‬
‫وكان لقومه نفعاً وفخراً‬
‫ولو تركوه كان أذى وعابا‬
‫لعل جيالً‬ ‫ِّ‬
‫فعل َم ما استطعت ّ‬
‫العجب العُجاباـ‬
‫َ‬ ‫سيأتي يُحدث‬
‫وقال ابن القيم رمحه اهلل‪( :‬فمن أمهل تعليم ولده ما ينفعه‪،‬‬
‫سدى‪ ،‬فقد أساء إليه غاية اإلساءة‪ ،‬وأكثر األوالد إمنا جاء‬
‫وتركه ً‬
‫فسادهم من قبل اآلباء وإمهاهلم هلم وترك تعليمهم فرائض الدين‬
‫‪7‬‬ ‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬

‫وسننه‪ ،‬فأضاعوهم صغاراً‪ ،‬فلم ينتفعوا بأنفسهم‪ ،‬ومل ينفعوا آباءهم‬


‫كباراً‪ ،‬كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال‪ :‬يا أبت! أنت‬
‫عققتين صغرياً‪ ،‬فعققتك كبرياً‪ ،‬وأضعتين صغرياً‪ ،‬فأضعتك شيخاً)‪.‬‬
‫(حتفة املودود)‪.‬‬
‫‪ -2‬هيمنة اآلباء‬
‫وهذا اخلطأ هو ما يضاد اخلطأ األول‪ ،‬حيث يقوم اآلباء هنا‬
‫بدور املهيمن على كل تصرفات األبناء حبيث يلغون شخصياهتم‪،‬‬
‫ويصادرون آراءهم‪ ،‬وال يرون فيهم سوى مناذج للطاعة العمياء‪،‬‬
‫وهذا –بال شك‪ -‬يتسبب يف سلبيات كثرية منها‪:‬‬
‫‪ -1‬ضعف الشخصية وعدم الثقة بالنفس‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلصابة باالنطواء واخلجل املرضي‪.‬‬
‫‪ -3‬ضعف القدرات اإلبداعية‪.‬‬
‫االبن بزوال األغالل اليت‬
‫‪ -4‬الفساد عند الكرب حيث يشعر ُ‬
‫كانت تُقيده‪ ،‬فيميل إىل االنفالت من كافة الضوابط ولو كانت‬
‫صحيحة‪.‬‬
‫‪ -5‬اإلصابة باألمراض النفسية واجلسمانية‪.‬‬
‫إن الرتبية السليمة تؤيد إعطاء األبناء جانبا كبرياً من احلرية‬
‫فيما يتعلق بشئوهنم اخلاصة‪ ،‬من حيث اختاذ القرارات‪ ،‬والتعبري عن‬
‫الرغبات‪ ،‬وحتمل املسئوليات‪ ،‬حبيث يكون ذلك كله يف إطار من‬
‫السلوكيات السليمة واآلداب الكرمية اليت عمل اآلباء على تأصيلها‬
‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬ ‫‪8‬‬

‫يف نفوس أبنائهم‪.‬‬


‫‪ -3‬تناقض القدوة‬
‫إن الوالدين مها أول من يؤثر يف الطفل‪ ،‬ويكسبانه كثرياً من‬
‫صفاته وعاداته‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وينشأ ناشئ الفتيان منا‬
‫عوده أبوه‬
‫على ما كان َّ‬
‫بحجى ولكن‬‫وما دان الفتى ً‬
‫يعلمه التدينـ أقربوه‬
‫فإذا كان الوالدان على أخالق طيبة وسرية حسنة اكتسب‬
‫األبناء منهم بعض صفاهتم اإلجيابية‪ ،‬وإذا كانا متناقضني حبيث‬
‫يأمران بشيء ويفعالن شيئاً آخر‪ ،‬أثر ذلك سلباً على األبناء‪.‬‬
‫ومن التناقض‪ :‬أن يأمر الوالد أبناءه بالصدق وهو يكذب‪ ،‬أو‬
‫يأمرهم باألمانة وهو يسرق‪ ،‬أو يأمرهم بالوفاء وهو يغدر‪ ،‬أو‬
‫يأمرهم بالرب والصلة وهو عاق لوالديه‪ ،‬أو يأمرهم بالصالة وهو‬
‫تاركها ‪ ,‬أو يأمرهم بعدم التدخني وهو يدخن‪ ،‬فهذا التناقض‬
‫يُسقط هذا املريب من أعني األبناء‪ ،‬وال جيعل لكالمه أي قيمة‪ ،‬قال‬
‫س ُك ْم َوأَْنتُ ْم َت ْتلُو َن‬ ‫تعاىل‪ :‬أَتَأ ُْمرو َـن الن ِ ِ‬
‫س ْو َن أَْن ُف َ‬
‫َّاس بالْب ِّر َوَت ْن َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اب أَفَاَل َت ْع ِقلُو َن‪[‬البقرة‪.]44 :‬‬ ‫ِ‬
‫الْكتَ َ‬
‫‪9‬‬ ‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬

‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫غيره‬
‫يا أيهاـ الرجل المعلم َ‬
‫التعليم‬
‫ُ‬ ‫هالَّ لنفسك كان ذا‬
‫تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا‬
‫سقيم‬
‫كيما يصح به وأنت ُ‬
‫ونراك تصلح بالرشاد عقولنا‬
‫أبداً وأنت من الرشادـ عديم‬
‫ال تنه عن ٍ‬
‫خلق وتأتيـ مثله‬
‫عار عليك إذا فعلت عظيم‬ ‫ٌ‬
‫ابدأ بنفسك فانههاـ عن غيها‬
‫فإذا انتهت عنه فأنت حكيم‬
‫فهناك يُقبل ما تقول ويقتدى‬
‫بالق ِول منك وينفع التعليم‬
‫‪ -4‬القسوة‬
‫إن الواجب على اآلباء أن يعاملوا أبناءهم بالرمحة واللني‬
‫هدي النيب ‪ ‬يف معاملة الصغار‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪‬‬‫والرأفة‪ ،‬وهذا هو ُ‬
‫قال‪ :‬قبل النيب ‪ ‬احلسن بن علي ‪ ،‬وعنده األقرع بن حابس‪ ،‬فقال‬
‫قبلت منهم أحداً‪ ،‬فنظر إليه‬
‫األقرع‪ :‬إن يل عشرة من الولد ما ُ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬فقال‪« :‬من ال يرحم ال يُرحم»ـ [متفق عليه]‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬قدم ناس من األعراب على‬
‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬ ‫‪10‬‬

‫رسول اهلل ‪ ‬فقالوا‪ :‬أتقبلون صبيانكم؟ فقال‪« :‬نعم» قالوا‪ :‬لكنا‬


‫واهلل ما نقبل‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪« :‬أو أملك إن كان اهلل نزع‬
‫الرحمةـ من قلوبكم» (متفق عليه)‪.‬‬
‫إن القسوة والشدة يف العقاب تنتج مناذج مضطربة التفكري‪ ،‬غري‬
‫قادرة على قيادة أنفسها‪ ،‬فضالً عن قيادة اآلخرين‪.‬‬
‫لقد ساد يف الزمان املاضي أن القسوة وشدة الضرب هي اليت‬
‫تنمي القوة والشجاعة والرجولة لدى األطفال‪ ،‬وجتعلهم قادرين‬
‫على حتمل املسئولية‪ ،‬واالعتماد على الذات‪ ،‬وقد ثبت خطأ هذه‬
‫التصور‪ ،‬ألن القسوة ترتك آثاراً نفسية مؤملة على األطفال‪ ،‬وتدفع‬
‫األطفال إىل العناد والعدوانية‪ ،‬وتعيق وصوهلم إىل مرحلة النضج‬
‫العقلي‪ ،‬وتشعرهم دائماً بالدونية واإلهانة وفقدان الكرامة‪.‬‬
‫وال يعين هذا أننا مننع من العقاب على اإلطالق‪ ،‬بل ينبغي أن‬
‫يكون هناك عقاب أحياناً ‪ ,‬على أال يتعدى هذا العقاب حدود‬
‫الرمحة والرفق‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫فقسا ليزدجروا ومن يك حازماـ‬
‫يرحم‬
‫فليقس أحياناً على من ُ‬
‫‪ -5‬التساهل مع المنكرات‬
‫وكما أن القسوة مرفوضة‪ ،‬فإن التساهل مع املنكرات كذلك‬
‫مرفوض‪ ،‬وهو من األخطاء اليت يقع فيها كثري من اآلباء‪ ،‬وحجتهم‬
‫يف ذلك أن الطفل ما زال صغرياً‪ ،‬وأنه سوف يرتك هذه املنكرات‬
‫‪11‬‬ ‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬

‫عندما يكرب‪ ،‬وهذا ليس صحيحاً‪ ،‬ألن من تعود شيئاً يف صغره‬


‫صعب عليه التخلص منه عند الكرب ‪ ,‬قال ابن القيم رمحه اهلل‪:‬‬
‫(وكم من أشقى ولده وفلذة كبده يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬بإمهاله‪ ،‬وترك‬
‫تأديبه‪ ،‬وإعانته على شهوته‪ ،‬ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه‪ ،‬وأنه‬
‫يرمحه وقد ظلمه وحرمه‪ ،‬ففاته انتفاعه بولده‪ ،‬وفوت عليه حظه يف‬
‫الدنيا واآلخرة‪ .‬وإذا اعتربت الفساد يف األوالد‪ ،‬رأيت عامته من‬
‫قبل اآلباء) (حتفة املودود)‪.‬‬
‫ومن أعظم أنواع التساهل مع األبناء عدم حثهم على إقامة‬
‫الصالة واالهتمام هبا‪ ،‬والنيب ‪ ‬يقول‪« :‬مروا أبناءكم بالصالة‬
‫لسبع‪ ،‬واضربوهم عليها لعشر‪ ،‬وفرقوا بينهم في المضاجع»‬
‫(رواه أمحد وأبو داود وحسنه األلباين)‪.‬‬
‫فاألب الذي يذهب إىل املسجد ويرتك أبناءه نائمني‪ ،‬أو يلعبون‬
‫اصطَبِ ْر َعلَْي َها‬ ‫ك بِ َّ ِ‬‫فإنه خمطئ‪ ،‬لقوله تعاىل‪َ  :‬وأْ ُم ْر أ َْهلَ َ‬
‫الصاَل ة َو ْ‬
‫‪[‬طه‪.]132 :‬‬
‫وعليه كذلك أن ينهاهم عن مساع املوسيقى والغناء‪ ،‬وينهاهم‬
‫عن مشاهبة الكفار يف مالبسهم وعاداهتم‪ ،‬وينهاهم عن التعلق‬
‫باملشاهري‪ ،‬من يفسدون يف األرض وال يصلحون‪ ،‬وليكن زاده يف‬
‫ذلك كله هو الرفق واللني واإلقناع واحلوار اهلادئ والعالقة احلميمة‬
‫مع األبناء‪.‬‬
‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬ ‫‪12‬‬

‫‪ -6‬إهمال الواقع‬
‫ومن األخطاء يف الرتبية إمهال الواقع واجلمود على النموذج‬
‫القدمي‪ ،‬وعدم التجديد مبا يتالءم مع متطلبات العصر‪ ،‬فيهتم املريب‬
‫مثالً بالسباحة والرماية وركوب اخليل‪ ،‬ويرتك املهارات األخرى‬
‫اليت يتطلبها العصر‪ ،‬كعلوم احلاسب اآليل (الكمبيوتر) وتعليم‬
‫اللغات األجنبية‪ ،‬والتدريب على مهارات اإللقاء واخلطابة والكتابة‪،‬‬
‫وإتقان إحدى ألعاب الدفاع عن النفس احلديثة وغري ذلك‪ ،‬مما‬
‫يتسبب يف ختلف هؤالء – الذين مل يهتم مربوهم بتطوير قدراهتم –‬
‫عن أقراهنم‪ ،‬فيؤدي ذلك إىل شعورهم بالنقص‪ ،‬وانعزاهلم عن‬
‫أقراهنم الذين تفوقوا عليهم يف كثري من جماالت احلياة‪.‬‬
‫‪ -7‬عدم االعتراف بالخطأ‬
‫كم منا من عاقب أبناً له خطأ وهو له ظامل‪.‬‬
‫كم منا من اهتم أحد أبنائه وهو برئ‪.‬‬
‫كم منا من ضرب أحد أبنائه بسبب وشاية كاذبة‪.‬‬
‫ومع أن الوالد يعرف بعد ذلك أنه أخطأ يف حق ابنه‪ ،‬إال أنه ال‬
‫يعتذر منه‪ ،‬وال يعرتف خبطئه‪ ،‬وكأن هذا االبن ال حقوق له وال‬
‫كرامة وال شعور‪.‬‬
‫وهذا بال شك سلوك خاطئ‪ ،‬وهو يولد يف نفوس األبناء‬
‫صفات سيئة كالكرب والغرور والتعصب للرأي وإن كان فاسداً‪،‬‬
‫‪13‬‬ ‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬

‫والتمادي يف اخلطأ وغري ذلك‪.‬‬


‫ولو أن الوالد قام باالعتذار البنه‪ ،‬لكان ذلك تصرفاً سليماً‪،‬‬
‫حبيث حيول املريب خطأه إىل سلوك إجيايب يؤثر يف نفوس األبناء‪،‬‬
‫فيدعوهم إىل ما يقتضيه هذا السلوك من التواضع للحق‪ ،‬واالعرتاف‬
‫باخلطأ‪ ،‬والتسامح يف معاملة اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -8‬الفردية في اتخاذ القرارات‬
‫ال شك أن األب هو الراعي وهو القيم وهو املسئول عن أهل‬
‫بيته‪ ،‬ولكن ليس معىن ذلك أن ينفرد باختاذ كافة القرارات دون‬
‫الرجوع إىل من يف البيت‪ ،‬فإن ذلك يتسبب يف سيادة روح التسلط‬
‫بني األبناء‪ ،‬حبيث يتسلط الكبار على الصغار‪ ،‬فيقومون بقمعهم‬
‫كما يفعل والدهم معهم يف رأيهم‪.‬‬
‫وأذكر هنا ذلك الرجل الذي كان يأخذ زوجته وأوالده‬
‫بسيارته يف يوم اإلجازة‪ ،‬وهم ال يعلمون إىل أين سيذهب هبم‪ ،‬وإذا‬
‫سأل أحد عن ذلك عاقب اجلميع بالرجوع إىل البيت وحرماهنم من‬
‫النزهة اليت ينتظروهنا ٍ‬
‫بشوق وهلفة‪ ،‬مع أهنم ال يعلمون طبيعتها‪.‬‬
‫أليس األفضل أن جيمع هذا األب أبناءه‪ ،‬ويشاورهم يف اجلهة‬
‫اليت حيبون الذهاب إليها؟ ماذا سيخسر لو فعل ذلك؟ ‪ ..‬ولكنها‬
‫النفوس اليت ال ترى نفسها إال بكبت اآلخرين وإلغائهم‪ ،‬والسيطرة‬
‫عليهم‪.‬‬
‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬ ‫‪14‬‬

‫‪ -9‬عدم احترام الخصوصيات‬


‫ينبغي أن نعلم أطفالنا احرتام اخلصوصيات‪ ،‬حىت يكونوا دقيقني‬
‫يف الفصل بني فضاءاهتم الشخصية والفضاءات اليت يعيش فيها‬
‫اآلخرون‪.‬‬
‫ولقد وجهنا القرآن الكرمي إىل أن نعلم أطفالنا ومن يكون يف‬
‫خدمتنا يف البيوت ضرورة أن يستأذنوا قبل الدخول علينا يف أوقات‬
‫تعد أوقات ٍ‬
‫راحة‪ ،‬وأوقاتاً خاصة ال يكون املرء فيها مستعداً‬
‫الستقبال أحد‪.‬‬
‫ولذا فإن على األبوين – وال سيما األم – أن يعلما الطفل‬
‫جوهر خصوصيات اآلخرين وحدودها‪ ،‬فال يدخل على أحد يف‬
‫مكان خاص دون استئذان‪ ،‬وال يفتح شيئا مغلقاً ليس له‪ ،‬سواء‬
‫أكان باب بيت‪ ،‬أو ثالجة‪ ،‬أو كتاباً‪ ،‬أو دفرتاً‪ ،‬أو صندوقاً‪ ،‬مهما‬
‫طالت إقامته يف ذلك املكان(‪.)1‬‬
‫إن بعض البيوت انعدم فيها احرتام اخلصوصيات‪ ،‬فنشأ األبناء‬
‫فيها على الفوضى واهلمجية والعدوان على حقوق اآلخرين‪.‬‬
‫إن على اآلباء أن حيرتموا أوالً خصوصيات أبنائهم‪ ،‬فيطرقوا‬
‫الباب قبل الدخول‪ ،‬ويكتموا أسرارهم‪ ،‬وال يعريوهم بذنب‪ ،‬بل‬
‫يسرتوا عليهم‪ ،‬ويقيلوا عثراهتم‪ ،‬فإن فعلوا ذلك‪ ،‬جنحوا يف تعليم‬
‫أوالدهم احرتام خصوصيات اآلخرين‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() دليل الرتبية األسرية‪( :‬ص‪.)132‬‬
‫‪15‬‬ ‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬

‫‪ -10‬اإلقصاء‬
‫إن بعض اآلباء يرى من العيب أن جيلس الطفل يف جمالس‬
‫الكبار‪ ،‬فيعمل على طرده وتعنيفه وإقصائه‪ ،‬إذا هو فكر يف اقتحام‬
‫جمالس الكبار‪.‬‬
‫وال شك أن الطفل ينبغي أن يؤذن له أحياناً يف اجللوس مع‬
‫الكبار‪ ،‬لألخذ عنهم‪ ،‬والتعلم واالستفادة من خرباهتم‪ .‬وقد روى‬
‫البخاري ومسلم أن رسول اهلل ‪ ‬أيت بشراب‪ ،‬فشرب منه‪ ،‬وعن‬
‫ميينه غالم أصغر القوم‪ ،‬وعن يساره األشياخ‪ ،‬فقال للغالم‪« :‬أتأذنـ‬
‫لي أن أعطي هؤالء»؟ ! فقال الغالم‪ :‬واهلل يا رسول اهلل ال أوثر‬
‫بنصييب منك أحداً‪ ،‬فتله رسول اهلل ‪ ‬يف يده‪.‬‬
‫فما أعظمه ‪ ‬من هاد ومرب ومعلم‪ ،‬تتعلم منه البشرية على‬
‫مجيع مستوياهتا يف كل زمان ومكان‪ ،‬فاملنهج اإلسالمي الرباين ال‬
‫مينع األطفال الصغار من خمالطة الكبار وجمالستهم يف جمالسهم‬
‫ومساجدهم وجتمعاهتم وأسفارهم وأنديتهم‪ ،‬وذلك حىت يكتسبوا‬
‫اخلربات‪ ،‬ويشاركوا يف األعمال‪ ،‬ويتدربوا على املسؤوليات‪.‬‬
‫وعزل الصغار عن االتصال بالكبار هو منهج سليب وغري‬
‫عملي‪ ،‬ويدع الصغار بعضهم لبعض‪ ،‬فال يتعلمون إال السفاسف‬
‫من األمور‪ ،‬وتستهويهم الشياطني‪ ،‬فيتعلمون الشرور‪ ،‬بدالً من‬
‫خمالطة الكبار وتعلم معايل األمور(‪.)1‬‬

‫‪1‬‬
‫()العشرة الطيبة‪( :‬ص‪.)125 ، 124‬‬
‫أخطـاء في تربيـة األبنـاء‬ ‫‪16‬‬

‫* المصادر‪:‬‬
‫للدكتور‪ /‬عبد الكرمي بكار‬ ‫* دليل الرتبية األسرية‪...‬‬
‫حممد حسني‬ ‫* العشرة الطيبة مع األوالد‪...‬‬
‫د‪ /‬حسان مشسي باشا‬ ‫* كيف تريب أبناءك يف هذا الزمان؟‬
‫حممد إبراهيم احلمد‬ ‫* التقصري يف تربية األوالد‪...‬‬
‫أكرم مصباح عثمان‪.‬‬ ‫* ‪ 25‬طري ًقا لتصنع من ابنك رجالً ف ًذا‪..‬‬
‫روبرت د‪ .‬رامسي‪.‬‬ ‫* ‪ 501‬طريقة لتعزيز الطفل بنفسه‪...‬‬

‫***‬

You might also like