Professional Documents
Culture Documents
الأخ الأصغر
الأخ الأصغر
إهداء
شكر وتقدير
مقدمة
الفصل األول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل العشرون
كلمة أخيرة بقلم آندرو «باني» هوانج ،أحد مخترقي نظام إكس بوكس
قائمة المراجع
األخ األصغر
األخ األصغر
تأليف
كوري دوكتورو
ترجمة
أميرة علي عبد الصادق
األخ األصغر
Little Brother
كوري دوكتورو
Cory Doctorow
مراجعة
مصطفى محمد فؤاد
والتي تنص على االستخدام في األغراض غير التجارية والترخيص بالمثل،نشرت هذه الترجمة بموجب رخصة المشاع اإلبداعي.
Arabic Language Translation Copyright © 2014 Hindawi Foundation for Education and Culture.
Licensed under a Creative Commons Attribution-Non-Commercial-ShareAlike 3.0 license
http://creativecommons.org/licenses/by-nc-sa/3.0/deed.ar
Little Brother
Copyright © 2008 Cory Doctorow, Cordoc-Co, Ltd.
http://craphound.com/littlebrother
Licensed under a Creative Commons Attribution-Non-Commercial-ShareAlike 3.0 license
http://creativecommons.org/licenses/by-nc-sa/3.0/
من أفضل ما قِيل عن الرواية
رواي==ة مث==يرة عن تم==رد الم==ولعين بالتكنولوجي==ا ،تض==اهي في أهميته==ا وخطورته==ا قض==ايا مش=اركة الملف=ات ،وحري==ة التعب==ير،
يمكنني التحدث عن رواية «األخ األصغر» من ناحية منظورها السياسي الثاقب أو استخدامها الرائع للتكنولوجيا — وكالهم==ا
يجعل من قراءة هذا الكتاب ضرورة — لكن ما يأسرني ح ًّقا هو عالمية النضوج الفك==ري لم==اركوس وص==راعه ،وهي الخ==برة
.التي سيدركها أي مراهق في العصر الحالي؛ اللحظة التي تختار فيها معنى حياتك وكيف ستصل إليه
»ستيفن تشارلز جولد ،مؤلف روايتي «القافز» و«االنعكاس
أُوصِ ي بقراءة رواية «األخ األصغر» أكثر من أي كتاب آخر قرأته هذا العام ،ولَ َكم أو ُّد أن أجعل=ه يص=ل إلى أي=دي أك=بر ع=دد
.ممكن من المراهقين ذوي الثالثة عشر ربي ًعا ،ذكورً ا كانوا أم ً
إناثا
ذلك ألنني أعتقد أن هذا الكتاب من شأنه تغيير حياة من يقرؤه ،وألن بعض الشباب — ربما القلي==ل منهم فق==ط — لن يص==يروا
كما كانوا بعد قراءته؛ فربما سيتغيرون على المستوى السياسي أو التكنولوجي ،وربما س==تكون ه==ذه الرواي==ة األولى من نوعه==ا
التي تنال حبهم أو تخاطب ذواتهم الغريبة التي يخفونه==ا داخلهم .ربم=ا س==يرغبون في النق=اش بش==أنها واالختالف معه==ا ،وربم==ا
سيرغبون في تشغيل أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم ورؤية م==ا به==ا .ال أعلم؛ فق==د جعلت==ني ه==ذه الرواي==ة أرغب في الع==ودة لس==ن
ً
تفردا ً
ثانية وقراءتها للمرة األولى ،ثم الخروج للعالم وجعله مكا ًنا أفضل أو أكثر غرابة أو أكثر .الثالثة عشرة
»نيل جايمن ،مؤلف رواية «أبناء أنانسي
إن رواية «األخ األصغر» مغامرة واقعية بشكل مخيف ،تدور حول كيف يمكن إساءة استغالل تكنولوجيا األمن الق==ومي لل==زج
باألمريكيين األبرياء في السجون ظلمًا وبهتا ًنا .قرصان كمبيوتر مراهق يتحول فيما بعد إلى بط==ل يتح==دى الحكوم==ة دفاعً= ا عن
حريات==ه األساس==ية .إن==ه كت==اب زاخ==ر باألح==داث ال==تي تتعل==ق بالش==جاعة والتكنولوجي==ا ومظ==اهرات العص==يان ال==رقمي ،كوس==يلة
راو نشط متقد الذهن على وعي بجميع تفاصيل ألعاب الواقع البديل ،مع تقديمه رؤية جديدة مذهلة حول كي==ف
كوري دوكتورو ٍ
يمكن لهذه األلعاب أن تفرض نفسها في السياق الزاخر بالمخاطر لهجوم إره==ابي .إن «األخ األص==غر» رواي==ة عبقري==ة تط==رح
الكتاب المناسب في الوقت المناسب بقلم الكاتب المناسب … ليست مصادفة بحتة أن تكون أفضل رواية لكوري دوكتورو على
القرصنة كعادة ذهنية ،لكنها تتعلق في المقام األول بالنضج والتغير والنظر للعالم والتساؤل عما يمكن=ك= فعل==ه بش==أن م==ا يح==دث
.به ،وجاء التعبير فيها عن صوت المراهقين صاد ًقا .لم أتمكن من تركها من يدي حتى انتهيت منها .لقد أحببتها
»جو والتون ،مؤلف رواية «فارذينج
إن رواية «األخ األصغر» جديرة بأن تكون الشقيقة الصغرى لرواية جورج أورويل « »١٩٨٤فهي تتس==م بالحيوي==ة والنض==ج
تمثل رواية «األخ األصغر» تح=ذيرً ا متف=ائاًل ؛ إذ إنه=ا تس=تقرئ األح=داث الحالي=ة وتس=تنتج منه=ا لت=ذكرنا بالتهدي=دات المتزاي=دة
باستمرار للحرية ،لكنها تشير في ال=وقت نفس=ه إلى أن الحري=ة تكمن جوهر ًّي=ا في أفعالن=ا وتوجهاتن=ا الفردي=ة .وفي ظ=ل عالمن=ا
المتزايد في استبداده =،آمل بوجه خاص أن يقرأ المراهقون والشباب الصغار هذه الرواية ،ثم يقنعون أقرانهم وآب==اءهم ومعلميهم
.بذلك أيضًا
»دان جيلمور ،مؤلف كتاب «نحن اإلعالم
إهداء*
.إلى آليس ،التي تكملني
نبذة حول اإلهداءات لمتاجر الكتب
ب مختلف؛ وهو إما متجر أُكنُّ له ح ًّبا ،أو ساعدني في اكتشاف كتب كان له=ا
لمتجر كت ٍ
ِ كل فصل من فصول هذه الرواية مُه ًدى
الفضل في توسيع مداركي ،أو أعانني في مسيرتي المهنية .ولم تدفع لي هذه المتاجر أي مبالغ مالية مقابل ه==ذه اإله==داءات —
بل إنني لم أخبرها بشأنها أي ً
ضا — لكن هذا ما بدا لي صوابًا .وفي النهاية ،فإنني أطمح في أن تقرأ هذا الكتاب اإللكتروني ،ثم
!تقرر شراء النسخة الورقية منه؛ لذا من المنطقي أن أقترح عليك بعض األماكن التي يمكنك العثور عليه فيها
شكر وتقدير
.أدين في هذا الكتاب بفضل كبير للعديد من ال ُك َّت اب واألصدقاء والمرشدين واألبطال الذين جعلوا منه أمرً ا ممك ًنا
لقراصنة الكمبيوتر والمؤم==نين بأهمي==ة التش=فير في الحف==اظ على األمن والخصوص==ية :ب=اني ه=وانج ،وس==يث ش==ون ،وإد فيلتن،
لألبطال :ميتش كابور ،وجون جيلمور ،وجون بيري بارلو ،والري ليسيج ،وشاري ستيل ،وسيندي ك=ون ،وفري=د ف=ون ل=ومن،
.وجامي بويل ،وجورج أورويل ،وآبي هوفمان ،وجو تريبي ،وبروس شناير ،وروس داوسون ،وهاري كوبيتو ،وتيم أورايلي
لل ُك َّتاب :ب==روس س==تيرلينج ،وك==اثي كوج==ا ،وس==كوت ويس==ترفيلد ،وجاس==تين الربليس==تير ،وب==ات ي==ورك ،وآن==الي ن==ويتس ،ودان
.جيلمور ،ودانيال بينكووتر ،وكيفين بوسلين ،ووندي جروسمن ،وجاي ليك ،وبن روسينبوم
لألصدقاء :فيونا روميو ،وكوين نورتن ،وداني أوبراين ،وجون جيل=برت ،ودان=ا بوي=د =،وزاك هان=ا ،وإيملي هيرس=ون ،وج=راد
كون ،وجون هينس==ون ،وآمان==دا فوبيس==تر ،وش==يني ج=اردين ،وم==ارك فراونفيل==در ،وديفي==د بيس==كوفيتش ،وج==ون باتي==ل ،وك==ارل
.ليفيسك ،وكيت مايلز ،ونيل وتارا-لي دوكتورو ،ورايل دورنفيست ،وكين سنايدر
.للمرشدين :جودي ميريل ،وروز وجورد دوكتورو ،وهاريت وولف ،وجيم كيلي ،وديمون نايت ،وسكوت إدلمن
ً
كتابة .شكرً ا لكم جمي ًع ا على منحي األدوات التي مكنتني من التفكير في هذه األفكار والتعبير عنها
مقدمة
جاءت كتابتي لرواية «األخ األصغر» في ظل حالة من الحماس اإلبداعي المتأجج اعترتني في الفترة ما بين ٧مايو ٢٠٠٧و
٢يوليو ٢٠٠٧؛ أي استغرقت كتابتها ثمانية أسابيع بالضبط ،بدءًا من اليوم الذي راودتني في==ه الفك=رة ح==تى الي==وم ال==ذي أنهيت
تأليفها فيه (وكان على آليس — التي أُه=دي إليه=ا ه=ذا الكت=اب — تحمُّلي وأن=ا أس=طر نهاي=ة الفص=ل األخ=ير الس=اعة الخامس=ة
صباحً ا بالفن==دق ال==ذي ك َّنا نقيم ب=ه في روم==ا لالحتف=ال ب==ذكرى زواجن=ا) .كنت أحلم أن يخ==رج الكت==اب من بين ي==دي ويك=ون في
صيغته النهائية دون عرق أو جلبة … لكن األمر لم يكن بالقدر نفسه تقريبًا من المتعة التي ظننت أن==ه س==يكون عليه==ا ،فوص==ل
عدد ما كتبته= من كلمات في بعض األيام إلى عشرة آالف كلمة ،انحنيت فيها لساعات طويلة على لوحة المف=اتيح في المط=ارات
ومترو األنفاق وسيارات األجرة وأي مكان يمكنني الكتابة فيه .كان الكتاب يحاول الخروج من رأسي بأي ثمن؛ فصرت ال أنام
.طوياًل ،وال أتناول الطعام كثيرً ا إلى أن بدأ أصدقائي يتساءلون عما إذا كنت على ما يرام أم ال
عندما كان والدي طالبًا جامع ًّيا في ستينيات القرن الماضي ،كان ضمن القليلين «المتمردين= على الثقاف==ة الس==ائدة» ال==ذين ك==انوا
يرون أن الكمبيوتر شيء جيد ،فكان الكم==بيوتر في نظ==ر أغلب الش==باب آن==ذاك تجري= ً=دا للمجتم==ع من ص==فته البش==رية؛ إذ يح==وِّ ل
حين كنت في السابعة عشرة من عمري ،ب==دا وك==أن الع==الم في طريق==ه نح==و مزي==د من الحري==ة ،فك==ان حائ==ط ب==رلين على وش==ك
السقوط ،وانتشرت أجهزة الكمبيوتر — التي كانت قبل ذلك الحين بسنوات قليلة شي ًئا غريبًا وعجيبً=ا — في ك=ل مك=ان ،وك=ان
«المودم» الذي كنت أستخدمه لالتصال بأنظم=ة لوح=ات النش=رات المحلي=ة يص=لني آن=ذاك بالع=الم أجم=ع ع=بر ش=بكة اإلن=ترنت
وخدمات تجارية إلكترونية ،مثل خدمة جيني .وازداد افتتاني — الذي الزمني طوال حياتي — بقض=ايا النش=طاء عن==دما رأيت
كيف أن المشكلة الرئيسية في ممارسة النشطاء عملهم؛ وهي التنظيم ،غدت أيسر على نحو يتزايد بسرعة البرق (ال أزال أذكر
المرة األولى التي تحولت فيها الستخدام قاعدة بيانات بنظام الدمج البريدي من إرسال الرسائل اإلخباري==ة بالبري==د م==ع اس==تخدام
عناوين مكتوبة بخط اليد) .اس ُتخدِمت ك==ذلك في االتح==اد الس==وفييتي أدوات االتص=ال لتوص==يل المعلوم==ات — والث==ورة — إلى
.أقاصي أكبر الدول االستبدادية التي شهدتها األرض على وجه اإلطالق
بيد أنه بعد مضي ١٧عامًا ،اختلفت األمور ً
كلية؛ فاستوعبت األنظمة أجهزة الكمبيوتر التي أحبها ،وصارت ُتستخدَ م للتجس==س
صتت وكالة األمن القومي األمريكي==ة على الخط=وط الهاتفي==ة بس=ائر الوالي==ات المتح=دة في
علينا ،والتحكم فينا ،والوشاية بنا .فتن َّ
مخالفة منها للقانون ،وأفلتت من العقاب .وتراقبنا كذلك ش=ركات ت=أجير الس=يارات وهيئ==ات الم==رور والنق=ل الع=ام أينم==ا ذهبن==ا،
ً
موشية ببياناتنا للمتطفلين ورج=ال الش=رطة والمج=رمين ال==ذين يتمكن=ون= من الوص=ول غ==ير الق=انوني وترسل لنا تذاكر مؤتمتة=،
لقواعد البيانات الخاصة بهذه الجهات .هذا فضاًل عن احتفاظ إدارة أمن النقل األمريكي==ة بقائم==ة «للممن==وعين من الس==فر ج= ًّ=وا»
تضم أفرا ًدا لم تسبق إدانتهم بأية جريمة ،ومع ذلك ُي َعد سفرهم ًّ
جوا أمرً ا ب=الغ الخط=ورة .إن األس=ماء بالقائم=ة س=رية ،والق=انون
الذي يفرض تطبيقها سري ،والمعايير التي تحكم إضافة األفراد إليها سرية .فتضم هذه القائمة أطفااًل يبلغ==ون من العم==ر أربع==ة
.أعوام وأعضا ًء بمجلس الشيوخ األمريكي ومحاربين قدامى حائزين على أوسمة؛ أي أبطال حرب حقيقيين
َمن أع==رفهم من ذوي الس==بعة عش==ر ربيعً = ا ي==دركون تم==ام اإلدراك م==ا يمكن أن ينط==وي علي==ه الكم==بيوتر من خط==ر ،فك==ابوس
االستبداد — الذي شهدته حقبة الستينيات من القرن العشرين — ع==اود من جدي==د .إن الص==ناديق الص==غيرة المغري==ة الموج==ودة
على مكاتب هؤالء الشباب أو في جيوبهم تراقب جميع تحرك=اتهم وتط==وقهم ،مج==رِّ د ًة إي==اهم على نح=و منظم من تل==ك الحري==ات
هذا فضاًل عن االستغالل الواضح لهؤالء الشباب كحقل تجارب لدولة تكنولوجية من نوع جديد كلنا نمضي في الطريق نحوها؛
أو إرهابًا (في األماكن العامة) ،بينما يمكن فيها التقاط صور لنا وتعقبنا وتسجيل ما نفعله مئات المرات في اليوم من ج==انب أي
صاحب متجر أو ض=ابط أو مس=ئول ب=يروقراطي ،أو ديكت=اتور حق=ير .إن=ه ع=الم يمكن في=ه ت=برير أي إج=راء — بم=ا في ذل=ك
.التعذيب — بالتذرُّ ع بهجمات الحادي عشر من سبتمبر من عام ٢٠٠١بالواليات المتحدة حتى يصمت المعارضون كافة
إذا كنت تحب الحرية ،وتعتقد أن الخصوصية تمنح اإلنسان كرامته ،وكذلك حقه في فعل ما يريد دون تدخل من أح=د ،وتجرب=ة
ير ُد بذهنه من أفكار غريبة شريطة أال يُلحق الضرر باآلخرين؛ فلديك قضية مشتركة مع أولئك الشباب الذين ُتستخدَ م برامج
ما ِ
.تصفح الويب والهواتف المحمولة خاصتهم لتتبعهم ومالحقتهم في كل مكان
.إذا كنت تؤمن بأن الرد على الكالم السيئ هو المزيد من الكالم — وليس الرقابة — فهذه معركتك إذن
إذا كنت تؤمن بمجتمع قانون يفرض فيه الحكام علينا القواعد ،ويخضعون لها في الوقت نفسه ،ف==أنت ج==زء من الص==راع ال==ذي
.يخوضه هؤالء الشباب عندما يطالبون بحقهم في العيش وفق ميثاق الحقوق ذاته الذي يخضع له الراشدون
َيه ُدف هذا الكتاب ألن يكون جز ًءا من النقاش حول ما يعنيه مجتمع المعلومات :هل يعني المراقب==ة الكامل==ة أو حري==ة لم ُتع= َ
=رف
.من قبل؟ إنه ليس اسمًا فحسب ،بل فعل … شيء تفعله
الفصل األول
أهدي هذا الفصل لمتجر باكافينيكس بوكس في تورونتو بكندا =.هو أقدم متجر لكتب الخيال العلمي في العالم ،ويرجع له الفض==ل
فيما أنا عليه اآلن .دخلته متجواًل للمرة األولى في سن العاشرة تقريبًا ملتم ًسا النصح بشأن ما يمكنني قراءت==ه .ص==حبتني يومه==ا
تانيا هاف (نعم ،تانيا هاف الشهيرة ،لكنه==ا آن==ذاك لم تكن ق==د أص==بحت بع= ُد الكاتب==ة المعروف==ة آن==ذاك!) إلى قس==م الكتب القديم==ة=،
ووضعت في يدي نسخة من رواية «المزغب الصغير» للكاتب هنري بيم بايبر ،لتغيِّر بذلك حياتي إلى األبد .وببلوغي الثامن==ة
ً
دروس =ا لم تف==ارقني عشرة ،كنت أعمل في هذا المتجر — حيث اضطلعت بعمل تانيا عند تقاعدها للتف==رغ للكتاب==ة — وتعلمت
طوال حياتي حول كيفية شراء الناس للكتب ولماذا .ومن وجهة نظ=ري ،ينبغي لك=ل ك==ات ٍ
ب العم= ُل في متج=ر للكتب (وق==د عم=ل
بالفعل العديد من ال ُك َّتاب في متجر باكا على م==ر الس==نين! وفي ال==ذكرى الثالثين للمتج==ر ،جم==ع الق==ائمون علي==ه مقتطف==ات أدبي==ة
مختارة للقصص التي ألفها ُك َّتاب عملوا به ،وهم :ميشيل ساجارا (المعروف=ة ً
أيض=ا باس=م ميش=يل ويس=ت) ،وتاني=ا ه=اف ،ون=الو
.هوبكينسن ،وتارا تاالن … وأنا)
***
ً
واحدا من أنا طالب في السنة النهائية بمدرسة سيزار شافيز الثانوية في حي ميشن المشمس بمدينة= سان فرانسيسكو؛ ما يجعلني
w1n5t0nأكثر الناس خضو ًعا للمراقبة في الع==الم .أُد َعى م==اركوس ي==الو ،لكن حينم==ا ب==دأت ه==ذه القص==ة ،كنت أُع= َ
=رف باسم
».وي َ
ُنطق «وينستون
نت موظ ًفا معن ًّيا بش=ئون الت==أديب يفتق=ر إلى المعرف=ة متخل ًف=ا عن ركب وال ي َ
ُنطق «دابليو وان إن فايف تي زيرو إن» ،إال إذا ُك َ
».المعاصرة ،حتى إنك ما زلت تطلق على اإلنترنت «طريق المعلومات فائق السرعة
أعرف شخ ً
صا على هذا القدر من الجهل يُد َع ى فريد بينسان ،وهو أحد النواب الثالثة لمدير مدرسة سيزار شافيز ،شخص قليل
.الحيلة للغاية .لكن إذا كان ال بد من سجَّ ان ،فقليل الحيلة أفضل من المدرك ً
جيدا لألمور
في صبيحة أحد أيام الجمعة ،قال بينسان ع==بر مك==بر الص=وت« :م=اركوس ي=الو ».ه=ذا المك==بر ليس ً
جي=دا في األس=اس ،وعن=د
اجتماعه بغمغمة= بينسان المعتادة ،يكون الصوت الناتج أشبه بش=خص يص==ارع لهض=م بوريت==و محش==و س==يئ الص==نع ،من كون==ه
.إعال ًنا مدرس ًّي ا .بيد أن اإلنسان يجيد االنتباه إلى اسمه وسط التشوش الصوتي … إنها إحدى سمات البقاء
ُ
التقطت حقيب==تي ،وأن==زلت شاش==ة الكم==بيوتر المحم==ول لكن ليس للنهاي==ة؛ إذ لم أرد إفس==اد عملي==ات التنزي==ل ال==تي كنت أجريه==ا،
رمقتني السيدة جالفيس ،معلمتي لمادة الدراسات االجتماعية ،بنظرة استغراب ،فبادل ُتها إياها ،فكان الس==بب ال==ذي يع==اقبني علي==ه
بينسان دو ًم ا هو اختراقي جدران (نظم) الحماية اإللكترونية للمدرسة ببراعة ،وخداعي لبرنامج التعرف على األفراد بالمش==ية،
وتخريبي لشرائح التتبُّع اإللكترونية ال==تي يتتبعونن=ا به==ا .ج=الفيس طيِّب=ة القلب ،على أي==ة ح=ال؛ فهي ال تتحام=ل عليَّ لمث==ل ه==ذه
األفعال أب ًدا (ال سيما أنني أساعدها في التعامل مع حساب بري==د ال==ويب الخ==اص به==ا لتتمكن من التح==دث م==ع أخيه==ا المجن==د في
.العراق)
ضربني صديقي داريل على مؤخرتي عند مروري به .أعرف داريل منذ الطفولة ،فكن==ا نه==رب م ًع= ا من الحض==انة ،ومن==ذ ذل==ك
الحين وأنا دائمًا أدخله في مشكالت وأخرج==ه منه==ا .رفعت ذراعيَّ ف==وق رأس==ي ك==المالكمين المح==ترفين ،وخ==رجت من حص==ة
.الدراسات االجتماعية ،وبدأت سيري نحو المكتب كالمتهم الموجهة إليه األنظار
كنت في منتصف الطريق عندما رنَّ هاتفي .ك=ان ذل=ك أح=د األم=ور المحظ=ورة األخ=رى — ف=الهواتف ممنوع=ة منعً= ا با ًّت=ا في
مدرسة شافيز الثانوي==ة — لكن لم==اذا يوقف==ني ذل==ك عن اس==تخدامها؟ اختفيت عن األنظ==ار في دورة المي==اه ،وأغلقت الب==اب على
نفسي في الحمام الموج==ود بالمنتص==ف (فاألبع=د= يك==ون دائ ًم==ا األق==ذر؛ لتوج==ه الكث==يرين إلي==ه مباش=رة أماًل منهم في اله==روب من
الرائحة الكريهة وما يثير االشمئزاز؛ لذا فالحمام الموجود بالمنتصف هو األكثر نظافة ونف ًعا) .تحققت من الهاتف؛ فوج==دت أن
جهاز الكمبيوتر المكتبي الموجود بالمنزل قد أرسل رسالة بالبريد اإللكتروني لهاتفي للتنبيه بأمر مستجد في لعب==ة «ه==اراجوكو
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهي؛ فليس هناك ما هو أسوأ من قضاء أيام الجمعة في المدرسة بأية حال؛ ولذلك أسعدني ما
.سرت متمهاًل ما تبقى من الطريق إلى مكتب بينسان ،ولوحت له بيدي أثناء دخولي سريعً ا من الباب
قال« :أليس اس==مك «دابلي==و وان إن ف==ايف تي زي==رو إن»؟» ك==ان فري==دريك بينس==ان — رقم الض==مان االجتم==اعي -٠٣-٥٤٥
،٢٣٤٣تاريخ الميالد ١٥أغسطس ،١٩٦٢اسم األم قبل الزواج دي بونا ،مسقط الرأس بيتلوما — يفوقني طواًل بكث==ير ،فأن==ا
قصير ال يتجاوز طولي نحو مائة وسبعين سنتيمترً ا ،في حين يبلغ هو من الطول حوالي مترين ،وق==د م==ر على ممارس==ته لك==رة
السلة في الجامعة فترة طويلة ،أسفرت عن ترهل عضالت صدره التي تظهر على نحو مخجل أسفل القمصان قص=يرة األكم==ام
التي يحصل عليها مجا ًنا عبر اإلنترنت .بدا دائمًا بمظهر َمنْ على وشك أن يض==ربك بق==وة على مؤخرت==ك ،وه==و على اس==تعداد
.باستمرار لرفع صوته إلحداث تأثير درامي .وقد بدأت هاتان السمتان في فقدان فعاليتهما بفعل التكرار
».أجبته« :ال ،لألسف .لم أسمع من قبل عن شخصية الروبوت الفضائي «اآلر تو دي تو» هذه التي تتحدث عنها
تهجى االسم مرة أخرى قائاًل « :دابليو وان إن فايف تي زيرو إن» ،ورمق==ني بنظ==رة ش==ك َّ
قطب فيه==ا جبين==ه ،وانتظ==ر م==ني أن
أرتعد خو ًفا .كان ذلك اسمي ،بالطبع ،وطالما كان ك=ذلك لس=نوات .إن=ه الهوي==ة ال==تي اس==تخدمتها عن==د نش=ري األفك=ار بمنت==ديات
الرسائل التي كنت أساهم عبرها في مجال أبح==اث األمن التط==بيقي ،مث==ل ه==روبي من المدرس==ة وتعطيلي آلي==ة تعقب المفك==رات
.على هاتفي .لكن بينسان لم يكن يعرف أن ذلك اسمي .لم يعرفه في الواقع سوى عدد قليل من الناس الذين أثق فيهم ثقة عمياء
قلت له« :امممم … ال يذكرني بأي شيء ».كنت قد ن َّفذت ً
عددا من العمليات الرائعة بأرجاء المدرسة مستخدمًا هذا االس==م —
وما يشعرني بفخر شديد عملي على أدوات للقضاء على شرائح التتبع — وإذا تمكن بينسان من الربط بين الهويتين ،فسأقع في
.مشكلة .لم ينادني أحد من قبل في المدرسة بهذا االسم ،وال حتى وينستون ،بما في ذلك أصدقائي .فاسمي ماركوس فقط
استراح بينسان على كرسيه خلف المكتب ،وضرب بخاتمه الخاص بالتخرج بعص==بية على ال==دفتر الموج==ود أمام==ه .ك==ان يفع==ل
ذلك متى بدأت األمور تسوء بالنسبة له .يطلق العبو البوكر على مثل هذه التصرفات «األمارة»؛ أي الش==يء ال==ذي يس==مح ل==ك
.بمعرفة ما يدور برأس شخص آخر .وقد كنت أعلم أمارات بينسان عن ظهر قلب
توض=ح لي م==ا ال==ذي نتح==دث عن==ه ،س==يدي ».أق==ول «س==يدي» دائ ًم==ا ألف==راد الس=لطة عن==دما أعبث معهم .وه==ذه«
ِّ سأفعل عندما
«».أمارتي
َّ
هز بينسان رأسه ،ونظر ألسفل … أمارة أخرى .سيبدأ اآلن في الص=ياح ب==وجهي في أي=ة لحظ=ة« .اس==مع ،ي==ا ف==تى! آن األوان
»ترغب في التخرج؟
ضرب يده بعنف على المكتب ،ثم أشار بإصبعه إليَّ ،وقال« :المشكلة ،ي==ا س==يد ي==الو ،هي أن==ك اش==تركت في م==ؤامرة إجرامي==ة
لتخريب نظام المدرسة األمني ،وعرَّ فت زمالءك الطالب بإجراءات مضادة لألمن .أنت تعلم أننا قد فص==لنا ج=راثيال أوري==ارتي
األسبوع الماضي الستخدامها أحد أجهزتك ».كانت أوريارتي بريئة من التهمة ال=تي ُن ِس=بت إليه==ا؛ فق=د ابت==اعت جه=از تش=ويش
السلك ًّيا من متجر متخصص في بيع األدوات التي ته ُّم متعاطي المخدرات يقع ب==القرب من محط==ة ب==ارت بش=ارع ،١٦وتس==بب
.ذلك الجهاز في إجراءات مضادة لألمن في رواق المدرسة .لم أكن أنا السبب ،لكنني شعرت بالتعاطف معها
أتساءل ما إذا لم يكن قد أدرك بعد= أن الرقم «وان» يشير إلى الحرف «ي» وال==رقم «ف==ايف» يش==ير للح==رف «س» .اس==تطرد
بينسان حديث==ه« :ونعلم أن ه==ذه الشخص==ية مس==ئولة عن س==رقة االختب==ارات القياس==ية الع==ام الماض=ي ».لم أكن أن==ا المس==ئول في
الحقيقة عن هذه الواقعة ،لكنها كانت عملية بارعة ،وش=عرت بش=يء من اإلط=راء لس=ماعي أنه=ا منس=وبة إليَّ « .ومن ثم ،ف=أنت
حدق ك ٌّل منا في اآلخر .من الواضح أنه كان متوقعً ا أن أنهار فور إبالغه إياي هذا الخ==بر الص==ادم ،لكن==ني لم أفع==ل .ك==ان ل==ديَّ
أسلوب في االنتصار على أمثال بينس==ان بالتح==ديق فيهم؛ فكنت أتوج==ه بنظ==ري قلياًل ناحي==ة يس==ار رءوس==هم ،وأفك==ر في كلم==ات
.أغاني أيرلندية شعبية قديمة من النوعية المكونة من ثالثمائة بيت .وكان ذلك يجعلني أبدو هاد ًئا ومتز ًنا تمامًا
وك==ان الجن==اح على الط==ائر ،والط==ائر على البيض==ة ،والبيض==ة على العش ،والعش على الورق==ة ،والورق==ة على الغص==ين«،
والغصين على الغصن الصغير ،والغصن الصغير على الغصن الكبير ،والغصن الكب==ير على الش=جرة ،والش=جرة في المس=تنقع
».قال بينسان« :يمكنك العودة للفصل اآلن ،وسأستدعيك عندما تكون الشرطة مستعدة للحديث معك
»… إجراءات االتصال بالشرطة معقدة .كنت أتمنى أن نتمكن من تسوية األمر سريعً ا وبهدوء ،لكن طالما أنك مصمم«
».قلت له« :بوسعي االنتظار لحين االتصال بهم ،ال مانع لدي في ذلك
ً
ثانية ،فتأهبت لهجوم عنيف من جانبه .ضرب بخاتمه
»… صاح بينسان« :اذهب! لتخرج من مكتبي أيها الفتى اللعين البائس
خرجت من المكتب ،دون أن أبدي أي تعبير على وجهي .لم يكن ينوي االتصال بالش==رطة؛ فل==و ك==ان لدي==ه م==ا يكفي من األدل==ة
لتقديمها للشرطة ،ال َّتصل بهم من البداية .لقد كان ُيكِنُّ لي كرهًا شدي ًدا ،وأعتقد أنه قد تن==اهى إلى س==معه بعض اإلش==اعات غ==ير
أخذت أسير في الرواق بنشاط والمباالة ،مع الحفاظ على مشيتي موزونة ومدروس==ة مراع==ا ًة لك==اميرات التع==رف على المش==ية.
جرى تركيب هذه الكاميرات منذ عام واحد ،وقد أحببتها لغبائها المطلق .كان ل=دينا في الس=ابق ك=اميرات للتع=رف على الوج=وه
بكل مكان عام تقريبًا في المدرسة ،غير أن المحكمة أصدرت حكمًا بعدم دستورية ذلك؛ لذا ،أنفق بينسان والكث==يرون غ==يره من
الموظفين اإلداريين المرضى بجنون االرتياب أموالنا التي دفعناها مقابل الكتب المدرسية على هذه الك==اميرات الغبي==ة ال==تي من
الدراسي .كانت أفض==ل ه==ذه األدوات على اإلطالق في التجس==س هي أجه==زة الكم==بيوتر المدرس==ية المحمول==ة؛ فهي تس==جل ك==ل
ضغطة مفتاح ،وتراقب كل صور استخدام الشبكة للكشف عن أي كلمات أساسية مريبة ،وتحسب كل نق==رة ،وتتعقب ك==ل فك==رة
ت الفك=رة بريقه=ا بالنس==بة لي في
خاطفة تنشرها على الشبكة .حصلنا على هذه األجهزة في السنة قبل النهائي=ة بالمدرس==ة ،وفق= َد ِ
غضون بضعة أشهر فحسب؛ فما إن اك ُتشِ ف أن هذه األجهزة «المجانية» تهدف لتحقيق المصلحة للس==لطة — فك==انت تع==رض
ضا سلسلة من اإلعالنات البغيضة — حتى بدأ الطالب يشعرون فجأة بأنها ثقيلة ومرهقة ج ًّدا
.أي ً
كان اختراق الكمبيوتر المدرسي المحمول الخاص بي سهاًل ،فت==وفرت ص==يغة االخ==تراق على اإلن==ترنت في غض==ون ش==هر من
ظهور الجه=از ،وك=انت بس=يطة تمامً=ا ،ك=ل م==ا علي=ك فعل==ه ه==و تنزي=ل ص=ورة ق=رص في==ديو رقمي ،ونس=خها ،ثم إدخاله=ا إلى
الكمبيوتر =،وتشغيلها أثناء الضغط في الوقت ذاته على مجموعة من المفاتيح المختلفة ،وسيتولى قرص الفيديو ال==رقمي م==ا تبقى
من المهمة؛ فيثبت مجموعة مختلفة من البرامج الخفية على الجهاز ،وهي البرامج التي س==تظل خفي==ة ح==تى لمجلس التعليم عن==د
إجرائه فحوص السالمة اليومية عن بُعد لألجهزة .وتوجَّ ب عليَّ بين الحين واآلخ==ر تح==ديث البرن==امج لخ==داع أح==دث اختب==ارات
ً
بسيطا مقابل بعض التحكم في الجهاز .المجلس ،لكنَّ ذلك كان ثم ًنا
بدأت برنامجً ا اسمه «آي إم بارنويد» ،وهو برنامج مراسالت فورية سري كنت أستخدمه عندما أرغب في إجراء محادثة غير
»اللعبة مستمرة! شيء كبير حدث في لعبة «هاراجوكو فان مادنس» ،يا صاح! هل ستأتي معي؟«
أمامك وقت الغداء ،ثم قاعة الدراسة ،أليس كذلك؟ مجموع ذلك ساعتان؛ أي وقت وفير الكتشاف ما حدث في اللعبة ،والعودة«
=رعت على اإلطالق .أعلم أن=ني ق=د أش=رت ل=ذلك مس=ب ًقا ،لكنه=ا معلوم=ة تس=تحق«
هاراجوكو فان مادنس» هي أفضل لعبة اخ ُت ِ
التكرار .إنها إحدى ألعاب الواقع البديل ،وتدور فكرتها ح=ول عص=ابة من الم==راهقين الياب==انيين المعاص=رين يكتش==فون ج=وهرة
شافية ذات قوة خارقة في معبد في هاراجوكو ،وهو المكان ال=ذي ابتك=ر في=ه المراهق=ون الياب=انيون الرائع=ون ك=ل ثقاف=ة ثانوي=ة
مهمة ظهرت في األعوام العشرة الماضية .يطاردهم رهبان أش=رار ،والي=اكوزا (المافي=ا الياباني=ة) ،وكائن=ات فض=ائية ،ومفتش=و
ضرائب ،وآباء ،وذكاء اصطناعي خبيث .يحل هؤالء األعداء رسائل الالعبين المش=فرة ال==تي يل==زم علين==ا فكه==ا ،ويس==تخدمونها
.للتوصل إلى أدلة تؤدي بدورها إلى مزيد من الرسائل المشفرة واألدلة
تخيل أنك تقضي أفضل فترة بعد الظهيرة على اإلطالق في التجول بشوارع مدينة= ما ،متفحصًا غري=بي األط=وار ،واإلعالن=ات
أغ=ان
ٍ توزع باليد ،ومج==انين الش==وارع ،والمح=ال غ==ير التقليدي==ة =.ه==ذا فض=اًل عن مط==اردة تتطلب من==ك البحث في
العجيبة التي َّ
وأفالم قديمة عجيبة ،وثقافة مراهقين من جميع أنحاء العالم ،ومن كل األزمان واألماكن .وهي مسابقة يحصل الفريق الفائز بها
— والمكون من أربعة أفراد — على جائزة رائعة؛ وهي قضاء عشرة أيام في طوكيو ،يتنزهون فيها على جس==ر ه==اراجوكو،
ويستمتعون بأحدث ما توص=لت إلي=ه التكنولوجي=ا في منطق=ة أكيهاب=ارا ،ويش=ترون جمي=ع منتج=ات الطع=ام ال=تي تحم=ل ص=ورة
أنا بحاجة إليك يا دي .أنت أفضل رفاقي .أقسم لك بأنني سأحرص على دخولنا وخروجنا دون أن يعلم أحد .أنت تعلم أن ذلك«
»إذن ،ستأتي؟«
»!كال«
».باهلل عليك يا داريل! لن تندم إذا مت قبل أن تحضر مزي ًدا من الحصص في المدرسة«
».ولن أندم إذا مت قبل أن أقضي مزي ًدا من الوقت في لعب إحدى ألعاب الواقع البديل أيضًا«
ً
مزيدا من الوقت مع فانيسا باك ،أليس كذلك؟« تقض
»نعم ،لكنك قد تندم إذا لم ِ
كانت فان أحد أعضاء فريقي ،وقد التحقت بمدرسة خاصة للفتيات في منطقة إيست باي ،لكنني كنت أعلم أنها س==تهرب لتنض==م
إليَّ وتنفذ المهمة معي .كان داريل معجبًا بها لسنوات ،حتى قبل أن تتبدى مفاتنها العديدة= بوصولها مرحلة البل==وغ .وق==ع داري==ل
»!أيها الحقير«
»ستأتي؟«
وهز رأسه ،ثم أومأ بها مواف ًقا .غمزت بعيني له ،ثم بدأت االتصال بباقي أعضاء الفريق
َّ .نظر إليَّ ،
•••
لم أكن دائمًا ولِ ًعا بألعاب الواق==ع الب==ديل ،فل==دي س==ر خط==ير ،وه=و أن==ني اعت==دت على ألع==اب تقمص األدوار في إط=ار ط==بيعي.
ويعكس هذا االسم طبيعة هذه األلعاب بالضبط؛ ففيها يجري الالعب في األرجاء مرتديًا أزياء التمثيل ،ويتح==دث بلكن==ة غريب==ة،
متظاهرً ا بأنه جاسوس عظيم أو مصاص دماء أو فارس من القرون الوس==طى .وهي تش==به لعب==ة «اإلمس==اك ب==العلم» م==ع بعض
مالمح لعب األدوار الدرامية وألعاب محاربي التنين ،وأفضلها تلك التي لعبناها في مخيمات الكشافة خ==ارج المدين==ة في س==نوما
أو شبه الجزيرة .وكان من الممكن أن تص==ير ه==ذه المالحم ،ال==تي تس==تمر ثالث==ة أي==ام ،خط==ير ًة للغاي==ة ،م==ع رحالت الس==ير على
األقدام نهارً ا ،والمعارك الملحمية باستخدام السيوف المصنوعة من الخيزران والمطاط الزبدي ،وإلقاء التعاويذ السحرية ب==رمي
أكياس صغيرة مملوءة بالحبوب والصياح «كرة نارية!» وهكذا .لعبة ممتعة ،وإن كانت بلهاء بعض الشيء .لكنه==ا ليس==ت على
القدر نفسه من غرابة التحدث عم=ا يخط=ط ل=ه الج=ني الص=غير ال=ذي تلعب ب=ه أثن=اء جلوس=ك على مائ=دة ممل=وءة بالمش=روبات
ً
نشاطا بدن ًّيا من الدخول في غيبوبة وأنت ممس==ك بالف==أرة الغازية منخفضة السعرات ،والمجسمات الصغيرة الملونة؛ وهي أكثر
المدينة ،كان أحد ممارسي ألعاب تقمص األدوار في إطار طبيعي يقنع القائمين على الم==ؤتمر بالس==ماح لن==ا بممارس==ة بعض من
األلعاب المصغرة التي تبلغ مدتها ست ساعات في الم==ؤتمر ،متطفلين على قيم=ة ت==أجيرهم للمك=ان .وك=ان تواج==د مجموع==ة من
الشباب المتحمسين يركضون في األرجاء مرتدين مالبس تمثيل يضفي حيوية على الحدث ،وكنا نستمتع وسط أفراد حتى أكثر
لكن عيب الفنادق أن زوَّ ارها ال يقتصرون على هواة الخيال العلمي فحس=ب ،وإنم=ا تض=م ك==ذلك الكث==ير ممن ال يمارس=ون ه=ذه
.األلعاب .أشخاص عاديون ،من واليات تبدأ أسماؤها وتنتهي بحروف متحركة ،يقضون إجازاتهم
•••
انتهت الحصة بعد عشر دقائق ،ولم يترك لي ذلك الكثير من الوقت لالستعداد =.كانت المهم==ة األولى هي التعام==ل م==ع ك==اميرات
التعرف على المشية المزعجة .ومثلما أشرت من قبل ،كانت هذه الكاميرات في البداية للتع==رف على الوج==وه ،لكن ص==در حكم
بعدم دستورية استخدامها .وعلى حد علمي ،لم تصل محكمة بع ُد إلى قرار بش==أن م==ا إذا ك==انت ك==اميرات التع==رف على المش==ية
.هذه قانونية أم ال .لكن إلى أن تفعل ،ال مفر من التعامل معها
المشية هي الطريقة التي تسير بها ،ويبرع الناس في تحدي==د ه==ذ الطريق=ة .عن=د انض==مامك لرحل==ة تخ=ييم الم=رة القادم=ة ،الح=ظ
اهتزاز ضوء المصباح اليدوي أثناء اقتراب صديق آ ٍ
ت من بعيد نح==وك ،فمن الم==رجح أن تتمكن= من التع==رُّ ف علي==ه من حرك==ة
ً
شخص=ا الضوء فقط؛ أي الطريقة المم=يزة ال=تي يه=تز به=ا إلى أعلى وأس=فل ،وال=تي يمكن أن تبعث برس=الة لعقولن=ا ب=أنَّ هن=اك
.يقترب م َّنا
يلتقط برنامج التعرف على المشية صورً ا لحركتك ،ويحاول عزلك في الصور كصورة ظلية ،ثم مطابق=ة ه=ذه الص==ورة الظلي=ة
بقاعدة بيانات لمعرفة ما إذا كانت هذه القاعدة ستتعرف على هويتك أم ال .إنه نوع من معرفات القياس الحيوي ،مث==ل بص==مات
األصابع ،أو مسح شبكية العين ،لكنه ينطوي على تناقضات تفوق بكثير ه==ذه المعرف==ات األخ==رى .ويح==دث «تن==اقض» القي==اس
الحيوي عندما يتطابق القياس مع أكثر من شخص واحد؛ فال يشترك أحد معك في بصمة إص==بعك ،أم==ا المش==ية فيش==اركك فيه==ا
.كثيرون
ليس تما ًم ا ،بالطبع ،فمشيتك بحذافيرها تنفرد بها وحدك ،وال أحد غيرك يشترك معك فيها .بيد أن المشكلة تتمث==ل في التغ==يرات
التي تطرأ على هذه المشية وف ًقا لمدى شعورك باإلرهاق ،ومما تتكون األرض=ية ال=تي تمش==ي عليه=ا ،وم=ا إذا كنت ق=د أجه==دت
كاحلك أثناء لعب كرة السلة ،أو استبدلت حذاءك مؤخرً ا؛ ومن َث َّم ،يشوش النظام بشكل ما ص==ورتك الجانبي==ةً ،
باحث==ا عن أف==راد
.يسيرون مثلك
يتشابه الكثير من الناس معك في مشيتهم ،أضف إلى ذلك أنه من السهل عليك تغيير الطريقة التي تسير بها ،وأبس==ط مث==ال على
ذلك أن تخلع إحدى فردتي الحذاء .في هذه الحالة ،ستسير بالطبع مثلما تفع==ل دائ ًم==ا عن==د خل==ع إح==دى ف==ردتي ح==ذائك ،وبالت==الي
التعرف على المشية؛ فأضع حفنة من الحصى في كل فردة حذاء .وسيلة فعال==ة ورخيص==ة ،وال تب==دو فيه==ا خطوت==ان متم==اثلتين=.
هذا إلى جانب حصولك على تدليك رائع للقدمين بتط=بيق علم المنعكس=ات (إن=ني أم=زح! فعلم المنعكس=ات على الق=در نفس=ه من
.اعتادت الكاميرات إصدار إنذار في كل مرة يدخل فيها شخص ال تتعرف عليه إلى حرم المدرسة
فكان اإلنذار يصدر كل عشر دقائق؛ عند مجيء ساعي البريد ،وعند وصول أحد أولياء األمور ،وعند ذهاب العم==ال إلص==الح
.ملعب كرة السلة ،وعند ارتداء أحد الطالب حذا ًء جدي ًدا
ومن ثم ،فإنها تحاول حال ًّيا تع ُّقب من يوجد أين ومتى .وإذا خرج شخص م==ا من بواب==ات المدرس==ة أثن==اء الحص==ص المدرس==ية،
! ُت َ
فحص مشيته لمعرفة ما إذا كانت تطابق مشية أيٍّ من الطالب .وإن كان األمر كذلك ،يص ُدر اإلنذار على الفور
تطوِّ ق الممرات المغطاة بالحصى مدرسة ش==افيز الثانوي==ة ،وأحب دائ ًم==ا االحتف==اظ بحفن==تين من ه==ذا الحص==ى في حقيب==ة الظه==ر
الخاصة بي ،كإجراء احتياطي .مرَّ رت لداريل في هدوء عشرً ا أو خمس عشرة حصاة صغيرة مس==تدقة األط==راف ،ووض==عناها
.في حذاءينا
أوشكت الحصة على االنتهاء ،وأدركت حينها أنني لم أتحقق بع ُد من موقع لعبة «هاراجوكو فان م=ادنس» اإللك=تروني لمعرف=ة
.مكان الدليل التالي! فقد كان تركيزي بالكامل منص ًّب ا على الهروب ،ولم أزعج نفسي باكتشاف المكان الذي سنهرب إليه
توجهت إلى الكمبيوتر المدرسي المحمول الخاص بي ،وضغطت على لوحة المفاتيح .كان مزو ًدا ببرنامج تص==فح ال==ويب ال==ذي
علينا استخدامه ،وهو إصدار مؤمَّن مزود ببرنامج تجسس من برن=امج التص=فح «إن=ترنت إكس=بلورر» ،ذل=ك البرن=امج الحق=ير
.الكثير األعطال الذي تنتجه شركة مايكروسوفت ،والذي ال يستخدمه أحد دون األربعين عامًا طوعًا
كانت لدي نسخة من برنامج التصفح «فايرفوكس» على محرك اليو إس بي ال ُم==د َمج= في س==اعة الي==د الخاص==ة بي ،لكن ذل==ك لم
يكن كافيًا؛ فقد كان نظام تشغيل الكمبيوتر المدرسي المحمول هو «فيستا فور سكولز» ،وهو نظام تشغيل عتيق مص==مم إليه==ام
لكن نظام التشغيل «فيستا فور سكولز» هو في حد ذاته أسوأ أعدائه؛ فيوجد الكثير من البرامج ال==تي ال ي==رغب ه==ذا النظ==ام في
أن تتمكن من إغالقها ،مثل برامج رصد ضغطات لوحة المفاتيح ،وبرامج الرقابة .وهذه البرامج تعمل في وضع خاص يجعلها
.غير مرئية للنظام ،وال يمكنك التخلص منها ألنك ال تعرف بوجودها في المقام األول
يكون غير مرئي لنظام التشغيل ،فال يظهر في قوائم محرك األقراص الص==لبة ،وال في أداة $SYS$أي برنامج يبدأ اسمه ﺑ
وبتشغيلي إياها صارت غير $SYS$Firefox.مراقبة العمليات؛ لذا ،حملَ ْ
ت نسخة «الفايرفوكس» التي كنت أستخدمها اسم
كانت تسجل ك=ل نق=رة داخ=ل النظ=ام وخارج=ه ،م=ا يع=د أم=رً ا س=ي ًئا إذا كنت تخط=ط لتص=فح موق=ع «ه=اراجوكو ف=ان م=ادنس»
وح ُّل هذه المشكلة شيء بارع اسمه «تور» (أو مُوجِّ ه االتصال المجهول) .وموجه االتصال المجهول هو موقع على اإلن==ترنت
يتلقى طلبات الوصول لصفحات معينة على الويب ،ثم يمررها إلى موجِّ هات أخرى من النوع نفس==ه ،وهك==ذا ،ح==تى يق==رر أح==د
هذه الموجهات أخيرً ا الوصول إلى الصفحة وتمريرها ع==بر الموجه==ات إلى أن تص==ل إلي==ك .واالنتق==ال بين موجه==ات االتص==ال
المجهول مشفر ،ما يعني أن المدرسة ال يمكنها رؤية ما تطلبه ،والموجهات ال يمكنها معرفة هوية من تعمل له .ويوج==د العدي=د=
من العقد هنا؛ ف َمن وضع هذا البرنامج ه==و المكتب األم==ريكي لألبح==اث البحري==ة لمس==اعدة الع==املين ب==ه في اإلفالت من ب==رامج
.الرقابة في دول مثل سوريا والصين .ومعنى ذلك أن تصميمه يتالءم تمامًا مع التشغيل في حدود مدرسة ثانوية أمريكية عادية
ينجح «تور» ألن المدرسة لديها الئحة سوداء مح==دودة من العن==اوين اإللكتروني==ة المحظ==ورة على الطالب زيارته==ا ،وعن=اوين
.يستجد به
ها هو ذا دليل جديد .ومثل جميع أدلة «هاراجوكو فان مادنس» ،ينطوي هذا الدليل على مك==ون م=ادي ،وآخ=ر على اإلن==ترنت،
وث==الث ذه==ني .المك==ون الموج==ود على اإلن==ترنت ه==و لغ==ز ينبغي ل==ك حل==ه ،ويتطلب البحث عن أجوب==ة لمجموع==ة من األس==ئلة
الغامضة .تضمنت هذه المجموعة عد ًد ا من األسئلة حول الحبكات الدرامية في الدوجنشي؛ وهي كتب القصص المصورة ال==تي
يرسمها هواة المانجا؛ وهي القصص المصورة اليابانية .ويمكن أن تصل الدوجنشي في حجمها لحجم القصص المص==ورة ال==تي
سيلزم عليَّ حل هذه األلغاز في وقت الحق ،عندما أعود إلى المنزل ،فمن األيسر حلها برفقة الفريق بالكامل ،مع تنزيل العدي==د
.من ملفات الدوجنشي ،وتصفحها سري ًعا ً
بحثا عن أجوبة لأللغاز
كنت قد انتهيت لتوي من تجميع األدل==ة كله==ا في س==جل القصاص==ات حينم==ا دق الج==رس ،وش==رعنا في اله==روب .دسس==ت خفي= ً
=ة
الحصى في جانب حذائي البوت القصير ،كان حذا ًء أسترال ًّيا من ط==راز «بالندس==تونز» يص==ل ارتفاع==ه إلى الكاح==ل ،رائ==ع في
الركض والتسلق ،وتصميمُه الخالي من األربطة الذي يساعد في ارتدائه وخلعه يجعله مالئمًا م==ع أجه==زة الكش==ف عن المع==ادن
التجسس المادي؛ فكل األجراس والصفارات تمنح هيئة المدرسين الحبيبة ش==عورً ا خاط ًئ==ا تما ًم==ا باألم==ان .أس==رعنا بين الجم==وع
التي مألت األروقة ،متوجهين إلى المخرج الجانبي المفضل لدي .كنا قد تجاوزن==ا نص==ف الطري==ق عن==دما ق==ال داري==ل بص==وت
قلت له وأنا أسحبه إلى أول دورة مياه نمر بها« :أتمزح؟!» كتب المكتبة أم==ر س==يئ؛ فك==ل كت==اب منه==ا م==زود بش==ريحة لتحدي==د
الهوية باستخدام الموجات الالسلكية ،وتكون هذه الش=ريحة ملص=قة بتجلي=د الكت==اب ،م=ا ي==تيح ألمن==اء المكتب=ة التحق=ق من الكتب
بتمريرها على جهاز قارئ لهذه الشرائح ،ويس==مح ألرف==ف المكتب==ة بالتنبي=ه= عن==دما تك==ون أح==د الكتب الموج==ودة علي==ه في غ==ير
.أماكنها
لكنها تسمح كذلك للمدرسة باقتفاء أثرك على ال=دوام ،وهي واح==دة من الثغ=رات القانوني==ة؛ فال تس==مح المح=اكم للم=دارس بتعقب
«الطالب» باس==تخدام ش==رائح تحدي =د= الهوي==ة باس==تخدام الموج==ات الالس==لكية ،لكن بإمك==ان الم==دارس تعقب «كتب المكتب==ة»،
.واستخدام السجالت المدرسية إلخبارها َمن على األرجح يحمل أ ًّيا من كتب المكتبة
كنت أحمل في حقيبتي محفظة فاراداي؛ وهي محفظة صغيرة محشوة بشبكة من األسالك النحاسية التي تحجب بفاعلي==ة الطاق==ة
… بطاقات الهوية وأجهزة اإلرسال/االستقبال المستخدمة في أكشاك تحصيل الرسوم ،وليس لكتب من قبيل
.قلت ممتع ً
ضا« :مقدمة في الفيزياء؟» كان الكتاب بحجم القاموس
الفصل الثاني
أهدي هذا الفصل لموقع أمازون اإللكتروني ،أكبر موقع ل==بيع الكتب على اإلن==ترنت في الع==الم .إن==ه م==ذهل؛ فه==و متج==ر يمكن==ك
الحصول منه فعل ًّيا على أي كتاب ُنشِ ر على اإلطالق (باإلضافة إلى أي شيء آخر تقريبًا ،بدءًا من أجهزة الكم==بيوتر المحم==ول
ووصواًل إلى مَباشِ ر الجبن) ،وهو المكان الذي وصل بالتوصيات إلى مستوى كبير ،وال==ذي يس==مح للعمالء بالتواص==ل المباش==ر
مع بعضهم البعض ،ويقوم باالبتكار الدائم ألساليب حديثة وأكثر فاعلية لربط القُرَّ اء بالكتب .ولطالما تعامل معي موقع أم==ازون
على أفضل وجه؛ حتى إن «جيف بيزوس» نفسه — مؤسس الموقع — أرسل مراجعة نقدية كقارئ لرواي==تي األولى! ك==ذلك،
فإنني مولع بالتسوق على هذا الموقع (بالنظر إلى جداول بياناتي ،يتضح أنني أشتري شي ًئا ما من موق=ع أم=ازون ك=ل س==تة أي=ام
تقريبًا) .هذا ويعمد الموقع إلعادة ابتكار ما يع==تزم أن يك==ون متج==رً ا ل==بيع الكتب يلي==ق ب==القرن الح==ادي والعش==رين ،وال يمكن==ني
.التفكير في مجموعة أفراد أفضل من القائمين عليه في مواجهة مثل هذه المجموعة الشائكة من المشكالت
***
قال داريل« :أفكر في التخصص في الفيزياء عند ذهابي إلى بيركلي ».ك=ان وال==ده أس= ً
=تاذا بجامع==ة كاليفورني=ا في ب=يركلي؛ م=ا
.يعني أن داريل سيُع َفى من رسوم التعليم عند التحاقه بالجامعة ،وهو األمر الذي لم يكن قط محل نقاش داخل أسرته
».قال والدي إنه ينبغي لي قراءته ،كما أنني لم أخطط الرتكاب أية جرائم اليوم«
».الهروب من المدرسة ليس جريمة ،وإنما مخالفة للقانون ،وهما أمران مختلفان كل االختالف«
حس= ًنا ،ال يمكن==ني إخف==اؤه؛ ل==ذا س==يلزم عليَّ وض==عه في الم==ايكروويفُ ».ي َع==د القض==اء على ش==رائح تحدي==د الهوي==ة باس==تخدام«
الموجات الالسلكية من األمور السيئة والمخيفة ،فما من صاحب متجر يرغب في أن يتج==ول زب==ائن م==اكرون بأرج==اء متج==ره،
تاركين خلفهم مجموعة من البضائع المبعثرة وقد فقدت الباركود غير المرئي الخاص بها ،ومن ثم رفض==ت الجه==ات المُص = ِّنعة
تطبيق «إشارة تعطيل» يمكن إرسالها السلك ًّيا إلى شريحة تحديد الهوية إليقاف تش==غيلها .إال أن==ه يمكن إع==ادة برمج==ة الش==رائح
باستخدام الكمبيوتر المناسب ،لكنني أكره فعل ذلك بكتب المكتبة =.ال يشبه األمر تمزيق صفحات من الكتاب ،لكنه ال ي==زال فعاًل
كريهًا؛ ألن الكتاب ذا الشريحة المُعادة برمجتها ال يمكن وضعه على األرفف ،وال يمكن العث==ور علي==ه .ويص==بح بالت==الي ك==إبرة
لم يع ُْد أمامي بذلك سوى خيار واحد؛ أال وهو وضع ذلك الشيء في المايكروويف .ثالثون ثانية بالض==بط في الم==ايكروويف من
شأنها تدمير أية شريحة تحديد= هوية في السوق .وعن=دما يعي==د داري=ل الكت==اب إلى المكتب=ة =،لن تس==تجيب الش==ريحة للق=ارئ على
اإلطالق ،وما سيكون من المكتبة إال أن تطبع شريحة جديدة له ،وتعيد= تشفيرها بمعلومات فهرسة الكتاب ،وس==ينتهي ب==ه األم==ر
قلت له« :لن يُم َسك بك ».فآخر مكان يمكن أن يوجد فيه أي معلم بعد هذا ال==وقت ه==و غرف==ة االس==تراحة« .س==ندخل من الجه==ة
الخلفية ».كان بالغرفة مطبخ صغير بأحد جوانبها المزود بم==دخل للمعلمين ال==ذين يرغب==ون في ال==دخول س==ري ًعا للحص==ول على
كوب من القهوة ،وهنالك كان يوجد المايكروويف — الذي تفوح منه دائ ًم ا رائحة الفشار والحساء المسكوب — أعلى الثالج==ة
.الصغيرة
همهم داري==ل مس==تنكرً ا .ففك==رت س==ري ًعا ،وقلت ل==ه« :انظ==ر ،ه==ا ق==د دق الج==رس بالفع==ل ،إذا ذهبت إلى قاع==ة الدراس==ة اآلن،
فستحصل على إنذار للتأخير ،من األفضل أال تظهر على اإلطالق اآلن .بوسعي دخول أية غرف==ة في ه==ذه المدرس==ة والخ==روج
ً
خلسة يا داريل ،لقد رأيتني أفعل ذلك من قبل .سأحميك يا صديقي ».منها
ً
ثانية مستنكرً ا .كانت هذه إحدى أمارات داريل؛ عندما يبدأ في الهمهمة ،يكون على وشك الرضوخ .همهم
نفذنا الخطة بال أخطاء .تجاوزنا الفصول ،ونزلنا على الساللم الخلفية إلى الطابق السفلي ،ثم صعدنا الساللم األمامية الموج==ودة
أمام غرفة استراحة المعلمين بالضبط .ما من صوت داخل الغرفة ،أدرت مقبض الباب بهدوء ،وسحبت داريل إلى الداخل قب==ل
في مناديل ورقية قبل أن أضعه داخل المايكروويف ،وأنا أهمس« :يا إلهي! المعلمون قذرون ح ًّقا ».لم ينطق داريل الذي ظهر
ُدمِّرت شريحة تحديد الهوية في وابل من الومضات التي بدت جميلة ح ًّقا (وإن لم تكن على القدر نفس==ه من الجم==ال ال==ذي ت==راه
.واآلن ،حان وقت الخروج خلسة من المدرسة دون أن يتعرف علينا أحد ،والهروب من المكان
فتح داريل الباب ،وشرع في الخروج ،وأنا في أعقاب==ه .وبع==د ثاني==ة واح==دة ،ك==ان يق==ف على أص==ابع ق==دمي ،ومرفق==اه يص==دمان
.صدري بقوة ،وهو يحاول الرجوع للخلف للدخول مرة أخرى للمطبخ المشابه للخزانة في حجمه الذي كنا قد تركناه للتو
لكن هذه هي أوجه التشابه الوحيدة بيننا =.فطالما كان ضخم البنيان مقارنة بسنه ،وصار اآلن أكثر ضخامة بممارسته ك=رة الق=دم
وحصوله على المنشطات .وقد كان يعاني من مشكالت تتعلق بالتحكم في الغض==ب؛ فأفق==دني إح==دى أس==ناني اللبني==ة في الص==ف
ً
نشاطا في المدرسة .الثالث .لكنه تمكن من تفادي المتاعب الناجمة عن تلك المشكالت بأن أصبح أكثر الواشين
واش يجد متعة كبيرة في إبالغ المعلمين بأية مخالفات يكتشفها .كان بينس==ان يحب تش==ارلز ،وك==ان
ٍ يا له من مزيج سيئ! متنمر
ً
جاهزا للتجول خلسة في أروق==ة مدرس==ة ش==افيز تشارلز يدَّعي دومًا أنه يعاني من مشكلة غير محددة في المثانة؛ ما منحه عذرً ا
ً
.باحثا عمن يمكنه الوشاية به
آخر مرة الحظ فيها تشارلز بعض التراب عليَّ ،انتهى األمر بتوقفي عن ممارسة ألعاب تقمص األدوار في إط==ار ط==بيعي .ولم
ً
ثانية .يكن لدي استعداد ألن يُمسِ ك بي تشارلز
»ماذا يفعل؟«
».أجابني داريل وهو يرتعش« :إنه قادم في هذا االتجاه ،هذا ما يفعله
ً
تخطيط= ا ً
جي=دا فقلت له« :حس ًنا ،ح=ان وقت الت=دابير المض=ادة لح=االت الط=وارئ ».وأخ=رجت ه=اتفي ،كنت ق=د خططت ل=ذلك
ً
ثانية .بعثت برسالة بريد إلكتروني للخادم الموجود بمنزلي ،وبدأ في العمل .مقدمًا ،ما كان تشارلز ليمسك بي
=وان ،جن جن==ون ه==اتف تش==ارلز؛ فق==د أرس==لت إلي==ه عش==رات اآلالف من الرس==ائل النص==ية والمكالم==ات العش==وائية
وبعد بضع ث= ٍ
المتزامنة؛ ما جعله يطلق كل رنة وطنين يمكنه إصداره ،واستمر في ذلكُ .ن ِّفذ الهجوم باستخدام تقني==ة الب==وت نت ،األم==ر ال==ذي
.شعرت بالسوء حياله ،بيد أن الغرض منه كان ً
جيدا
والبوت نت هي شبكات تض=م أجه==زة الكم==بيوتر المص=ابة .فعن==دما يص==اب جه==از كم==بيوتر بف==يروس أو ف==يروس متنق==ل ،يبعث
برسالة لقناة محادثة على نظام المحادثات عبر اإلنترنت (آي آر سي) .تخ==بر ه==ذه الرس==الة س==يد الب==وت نت — وه==و من نش==ر
الفيروس المتنقل — أن أجهزة الكمبيوتر مستعدة لتنفيذ أوامره .تتمتع هذه الش==بكات بق==وة هائل==ة؛ إذ إنه==ا ق==د تض==م اآلالف ،ب==ل
حتى مئات اآلالف ،من أجهزة الكمبيوتر المنتشرة بجميع أنحاء اإلنترنت ،والمرتبطة باتصاالت قوي==ة عالي==ة الس==رعة ،وتعم==ل
على أجهزة الكمبيوتر الشخصية المنزلية السريعة .تعم==ل أجه==زة الكم==بيوتر الشخص==ية بطبيعته==ا لحس==اب مالكيه==ا ،لكن عن==دما
.يطلب منها مهمة سيد البوت نت ،تهب لتلبية أوامره كالعبيد
ً
هبوط= ا يع ُّج اإلنترنت بأجهزة الكمبيوتر المصابة ،حتى إن سعر تأجير ساعة أو اثنتين على إحدى ش==بكات الب==وت نت ق==د هب==ط
ً
شديدا .تعمل هذه الشبكات في الغالب لصالح مرس==لي البري==د العش==وائي كش==بكات بري==د عش==وائي موزع==ة رخيص==ة الثمن ،تمأل
صندوق بريدك بإعالنات عن أدوية معالجة الضعف الجنسي أو بفيروسات جديدة من شأنها إصابة جهازك وتشغيله كعضو في
.مالحظات الصقة على مكتب بينسان أثناء إحدى زياراتي المشئومة له
غنيٌّ عن القول أن هاتف تشارلز لم يكن مُع ًّدا للتعامل مع ذلك .أواًل ،مألت الرسائل النصية القص==يرة ذاك==رة هاتف==ه؛ م==ا عط==ل
العمليات الروتينية= التي كان بحاجة لفعلها ،مثل التعامل مع المتصل ،وتسجيل كل األرقام الزائفة لهذه المكالم==ات ال==واردة (ه==ل
تعلم أنه من «السهل بالفعل» تزييف الرقم المحدد لهوية المتصل؟ يوجد نحو خمسين طريقة لفعل ذلك؛ ابحث فقط على جوجل
حدق تشارلز في الهاتف مشدو ًها ،وأخذ يلكم فيه بعنف ،وحاجباه يعقدان ويتلويان أثن==اء ص==راعه م==ع م=ا أص==اب أع==ز أجهزت==ه
الشخصية .كانت الخطة تسير كما ينبغي حتى ذل==ك الحين ،لكن==ه لم يكن يفع==ل م==ا ك==ان من المف==ترض أن يفعل==ه بع=د= ذل==ك؛ فمن
.المفترض أن يبحث عن مكان يجلس فيه ،ويحاول التوصل إلى كيفية إلعادة هاتفه لحالته الطبيعية
َّ
.هز داريل كتفي ،فأبعدت عيني عن الشق الموجود في الباب
لقد خربت هاتفه ،لكن كل ما يفعله هو التحديق فيه بداًل من أن يتحرك بعي ًدا ».لم يكن من السهل إع==ادة تش==غيل ذل==ك الش==يء؛«
فما أن ُتمأَل الذاكرة عن آخرها حتى يصير من الصعب عليه==ا تحمي==ل الرم==ز ال==ذي تحتاج==ه لح==ذف الرس==ائل الزائف==ة ،ولم يكن
.هاتفه مزو ًدا بخاصية المسح المُجمَّع للرسائل ،وبالتالي كان عليه حذف آالف الرسائل كلها يدو ًّيا
دفعني داريل إلى الخلف ،وأخذ يحدق من الباب .وبعد لحظات ،بدأت كتفاه في االرتعاش .تملك==ني ال==رعب؛ إذ اعتق==دت أن==ه ق==د
.أصيب بالذعر ،لكنني عندما سحبته للخلف ،رأيت أنه كان يضحك بشدة ،حتى إن الدموع بدأت تسيل على وجنتيه
لقد أمسكت به جالفيس للتو لوجوده في األروقة أثناء الحصص الدراس==ية ،وإلخ==راج هاتف==ه … ك==ان علي==ك أن ت==رى انفعاله==ا«
تصافحنا بجدية =،وعدنا إلى الرواق ،نزلنا على الساللم ،ثم خرجنا من الباب الخلفي ،وتجاوزنا الس==ياج ،لنخ==رج في النهاي==ة إلى
ضوء الشمس الباهر لفترة ما بعد الظهيرة في حي ميش==ن ،لم يب= ُد ش==ارع فالينس==يا به==ذا الق==در من الجم==ال من قب==ل .نظ=رت في
»!هيا لنسرع! سيقابلنا باقي مجموعة األصدقاء عند الترام بعد عشرين دقيقة«
•••
لمحتنا فان أواًل .كانت تسير وسط مجموعة من السائحين الكوريين ،فيما ُي َعد أح==د أس==اليبها المفض==لة للتموي==ه عن==د هروبه==ا من
المدرسة .منذ أن ظهرت المدونات التي يمكن التدوين فيها من خالل األجهزة المحمولة ،والتي ُتع َنى بالتغيب عن المدرسة دون
إذن ،والعالم من حولنا صار ملي ًئ ا بأصحاب المتاجر والمتظاهرين بالصالح المتطفلين الذين يتك َّفلون بالتقاط صور لنا وتحميلها
خرجت فان من الجمع الذي كانت تسير وسطه ،وركضت سري ًعا نحونا .كان داريل يكنُّ لفان مش==اعر من==ذ زمن بعي==د ،وك==انت
هي على درجة من اللطف جعلها تتظاهر بأنها ليس==ت على علم بمش==اعره .ع=انقتني ،ثم انتقلت إلى داري==ل ،وقبَّلت==ه قبل==ة أخوي==ة
.سريعة على وجنته جعلت وجهه بالكامل يتورد خجاًل
كانا ثنائ ًّيا عجيبًا؛ فداريل ثقيل الوزن بعض الشيء ،وإن كان ذلك يليق به ،وبشرته وردي=ة تتح=ول معه=ا وجنت=اه لل=ون األحم=ر
كلما ركض أو أثاره شيء ما .نمت لحيته منذ كان في الرابعة عشرة من عمره ،لكنه بدأ — نشكر ال==رب — في حالقته==ا بع==د
.فترة قصيرة تطلق عليها مجموعة األصدقاء اسم «سنوات لينكن» .وكان طوياًل ،طوياًل للغاية كالعبي كرة السلة
ونحيفة ،وشعرُها أسو َد منسداًل تضع في==ه ش==رائط عجيب==ة متقن==ة الص==نع تبحث
ً على الجانب اآلخر ،كانت فان أقصر مني قلياًل ،
عنها على اإلنترنت .بشرتها نحاسية جميلة ،وعيناها سوداوان .تحب األقراط الزجاجية كبيرة الحجم التي تطقطق وتقرق==ع معً = ا
.عندما ترقص
.سألها داريل بصوت مختنق« :كيف حالك يا فان؟» طالما تتأخر كلماته في أية محادثة تضم فان
.بأفضل حال يا دي .ماذا عنك؟» يا إلهي ،كم كانت قاسية! كاد داريل يفقد الوعي«
أنقذه خولو من خزي اجتماعي بظهوره فجأة في تلك اللحظة ،مرتديًا سترة بيسبول جلدية كبيرة المقاس ،وحذاء رياض = ًّيا أني ًق==ا،
وقبعة ذات خلفية شبكية عليها إعالن للمصارع المكسيكي المُق َّنع المفض==ل ل==دينا «إل س==انتو االبن» .خول==و ه==و خوس==يه ل==ويس
توريز ،العضو الرابع واألخير بمجموعتنا .التحق خولو بمدرسة كاثوليكية شديدة الصرامة في منطقة أوتر ريتش==موند ،ومن ثم
لم يكن من السهل عليه الخروج منها ،لكنه كان يفعل دائمًا؛ م==ا ك==ان بينن==ا َمن ه==و أفض==ل في التس==لل من خول==و ص==ديقنا .أحب
خولو سترته لتدليها ألسفل — ما ُي َعد ضربًا من األناقة في هذه األنحاء من المدينة — وإلخفائها كل ال==زي الس==خيف لمدرس==ته
.الكاثوليكية ،الذي كان هد ًف ا للحمقى المتطفلين الذين وضعوا مدونة التغيب عن المدرسة كإشارة مرجعية بهواتفهم
بعد أن تبادل جميعنا التحية ،سألتهم« :من مستعد للذهاب؟» أخ==رجت ه==اتفي ،وعرض=ت عليهم خريط==ة «نظ=ام النق==ل الس==ريع
بمنطقة الخليج (بارت)» التي أنزلتها عبر اإلنترنت« .وف ًقا لم==ا توص==لت إلي==ه ،علين==ا التوج==ه إلى «نيك==و» ثاني= ً
=ة ،ثم تجاوزه==ا
بمربع سكني واحد وصواًل إلى «أوفيريل» ،ونتجه يسارً ا بعد ذل==ك ح==تى نص==ل ف==ان نيس ،وفي مك==ان م==ا هن==اك ،س==نعثر على
».اإلشارة الالسلكية
تجهمت فان ،وقالت« :هذا مكان خط==ير بحي تِن==درلوين ».م==ا ك==ان بإمك==اني أن أجادله==ا في ذل==ك؛ فق==د ك==ان ح ًّي==ا غري ًب==ا بس==ان
فرانسيسكو ،تدخله عبر مدخل فندق هيلتون األمامي ،وبه كل عناصر الجذب السياحية ،مثل منعطف الترام ومطاعم العائالت.
أجبت فان قائاًل « :لننظر إلى الجانب المشرق هنا؛ ما من أحد يرغب في الذهاب لهذا المكان إال في وضح النهار؛ وبالتالي ،لن
»».يقرب أيٌّ من الالعبين اآلخرين المكان حتى الغد باكرً ا .هذا ما نطلق عليه في ألعاب الواقع البديل «ميزة األسبقية
»!رمقني خولو بنظرة غاضبة ،وقال« :تتحدث كما لو كان ذلك أمرً ا ً
جيدا
فقالت فان« :هل سنظل نتحدث أو نفوز؟» كانت فان — من بعدي — أكثر الالعبين تحم ًسا في مجموعتنا بال منازع ،وكانت
.انطلقنا ،أربعة أصدقاء مخلصين ،لحل اللغز ،وتحقيق الفوز في اللعبة … وخسارة كل ما اهتممنا به لألبد
•••
كان المكون المادي لدليل اليوم هو مجموعة من إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) — كانت هناك إح==داثيات
الالسلكية .كانت هذه اإلشارة تعترضها عم= ًدا نقط=ة واي ف=اي أخ=رى قريب=ة مخب=أة ح=تى ال يمكن ل=برامج البحث عن إش=ارات
الواي فاي المعتادة العثور عليها ،وهي األدلة التي تشير ل==ك بمكان==ك في نط==اق نقط==ة الوص==ول المفتوح==ة لش==خص م==ا ،وال==تي
سيكون علينا البحث عن نقطة الوصول «المخبأة» من خالل قياس قوة النقطة «المرئي==ة» ،والعث==ور على المنطق==ة ال==تي تك==ون
فيها أكثر ضع ًف ا ،وهناك سنجد الدليل اآلخر .في المرة األخيرة ،كان الدليل في طبق اليوم بمطعم السوشي ال==راقي «أن==زو» في
فندق «نيكو» في تِندرلوين =.وهذا الفندق مملوك للخطوط الجوية اليابانية ،أحد رع==اة لعب==ة «ه=اراجوكو ف==ان م==ادنس» .أح==دث
العاملون بالمكان هرجً ا ومرجً ا عند عثورنا أخيرً ا على الدليل ،وقدموا لنا حس=اء الميس=و ،وجعلون=ا نج=رب السوش=ي المُع= َّد من
قنفذ البحر وله قوام الجُبن السائل ،ورائحة روث كالب سائل .لكن طعمه كان «ح ًّقا» رائ ًعا ،أو هكذا أخبرني داريل .فم==ا كنت
باستخدام برنامج العثور على إشارات الواي فاي المُثبَّت بهاتفي ،التقطت إشارة الواي فاي على بعد نحو ثالثة مربع==ات س==كنية
من أوفيريل ،قبل شارع هايد بالضبط ،أمام مركز تدليك آسيوي مريب مُعلَّقة على نافذته الفتة تومض بالضوء األحمر مكت==وب
.عليها «مغلق» .كان اسم الشبكة «هاراجوكو إف إم» ،وبالتالي عرفنا أننا في المكان الصحيح
»سألتهم« :هل معكم جميعً ا أجهزة العثور على إشارات الواي فاي؟
كان هاتفا داريل وفان مزو َد ْي ن ببرامج مدمجة للعثور على إشارات الواي فاي ،في حين كان مع خولو — الذي ما كانت أناقته
.لتسمح له بحمل هاتف أكبر من خنصر يده — جهاز توجيهي صغير منفصل
».لتنتشروا إذن ،وتذكروا أننا نبحث عن ضعف شديد في اإلشارة يزداد سوءًا كلما تحركتم تجاهه«
قدم ما .تأوَّ ه صوت أنثوي ،فاستدرت قلِ ًقا من أن أجد أمامي عاهرة مدمن==ة
تراجعت خطوة للخلف ألجد نفسي واق ًفا فوق أصابع ٍ
.تطعنني لكسري أصابع قدمها
لكنني وجدت نفسي وجهًا لوجه مع فتاة في نفس عم=ري .ك==ان ش==عرها ًّ
كث==ا ذا ل=ون وردي ف=اتح ،ووجهه==ا ح=اد المالمح ش==بيهًا
بالقوارض ،وترتدي نظارة شمس كبيرة هي في الواقع مثل النظارات الواقية التي تستخدمها القوات الجوي==ة ،وترت==دي س==روااًل
مخط ًطا تحت فستان أسود قديم الطراز ،معلق به الكث==ير من ُدمى الزين=ة الياباني==ة الص==غيرة لشخص=يات كرتوني=ة ،وق=ادة
َّ ضي ًقا
بل سأفعل .سأرسل هذه الصورة لضابط التغيب عن المدرس==ة في غض==ون ثالثين ثاني==ة ،ه==ذا إن لم تبتع==دوا أنتم األربع==ة عن«
هذا الدليل ،وتفسحوا لي الطريق أنا وصديقاتي للحصول عليه .يمكنكم المجيء إلى هنا بعد ساعة واح==دة ،وس==يكون لكم .أعتق==د
نظرت خلفها ،فرأيت ثالث فتيات أخريات يرتدين مالبس مشابهة؛ إحداهن شعرها أزرق ،والثانية أخضر ،والثالث==ة أرج==واني.
فأجابتني« :نحن الفريق الذي سيهزم فريقكم شر هزيمة بلعبة «هاراجوكو فان مادنس» ،وأنا من س==أحمِّل «في ه==ذه اللحظ==ة»
شعرت بفان خلفي وهي تتقدم لألمام .اشتهرت مدرسة البن==ات ال==تي ك==انت ت==ذهب إليه==ا بالش==جارات ،وكنت موق ًن==ا بأنه==ا ك==انت
شعرنا أواًل بذلك التمايل المُسبِّب للغثيان لإلسمنت تحت أقدامنا ،والذي يعرفه ب==ديه ًّيا ك==ل ش==خص يعيش في كاليفورني==ا … إن==ه
«زلزال» .كان أول شيء فكرت فيه — كعادتي دومًا — هو الهروب« :عند الوقوع في مش==كلة ،أو الش==عور بالش==ك ،تح==رك
في دوائر ،صِ ح ،واصرخ ».لكن الحقيقة هي أننا كنا جمي ًعا في أكثر األماكن أم ًنا ،وليس في مبنى قد ينه==ار ف==وق رءوس==نا ،أو
على نحو ال يُص َّدق؛ فهو أعلى من أي شيء سمعته من قبل .وصل الصوت في شدته لدرج==ة جعلت==ني أس==قط على ركب==تيَّ ،ولم
أكن وحدي في ذلكَّ ،
فهز داريل ذراعي ،وأشار إلى المباني .أبصرنا حينها سحابة سوداء ض==خمة تظه==ر من الج==انب الش==مالي
.دوت دمدمة أخرى ،وتمددت سحابة الدخان لتتخذ الشكل األسود المنتشر الذي طالما شاهدناه في األفالم
.ن َّفذ أحدهم تفجيرً ا … تفجيرً ا هائاًل
تبع ذلك المزيد من الدمدمة واالرتجاج .وأطلت الرءوس من النوافذ على طول الشارع ،وعيوننا جميعً ا معلقة بالسحابة الممت==دة
.في صمت
سبق لي سماع صفارات مثل هذه من قبل ،حينم=ا ك=انوا يخت=برون ص=فارات ال=دفاع الم=دني ظه=يرة أي=ام الثالث=اء .بي=د أن=ني لم
أسمعها تنطلق دون موعد محدد من قبل ،إال في أفالم الحرب القديمة وألعاب الفيديو التي يقذف فيه==ا ش==خصٌ م==ا آخ= َ
=ر بالقناب==ل
.من فوق .كانت مثل صفارات إنذار الغارات الجوية .بدت غير حقيقية على اإلطالق
توجهوا إلى المالجئ فورً ا ».دوى الصوت من كل مكان في اللحظة ذاته==ا .ك==انت هن==اك مك==برات ص==وت على بعض أعم==دة«
.الكهرباء؛ الشيء الذي لم تسبق لي مالحظته من قبل مطل ًقا ،وانطلقت جميعها في وقت واحد
توجهوا إلى المالجئ فورً ا ».مالجئ؟ نظر ك ٌّل منا إلى اآلخر في ارتباك .أية مالجئ؟ أخذت السحابة تتص=اعد ،وتتم=دد .ه=ل«
توجهوا إلى المالجئ فورً ا ».صار هناك صراخ اآلن ،والكثيرون يركض=ون من حولن==ا .تف==رق الس==ائحون في ك==ل اتج=اه —«
يمكنك دائ ًما تحديد السائحين؛ فهم من تعني كاليفورنيا لديهم الدفء ،ويقض=ون عطالتهم بس=ان فرانسيس=كو متجم=دين= من ال=برد
صاح داريل في أذني بصوت يكاد ال يكون مسموعً ا وس==ط دوي الص==فارات ال==تي انض==مت إليه==ا ص==فارات الش==رطة المعت==ادة:
«.علينا أن نرحل!» علت أصوات عشرات سيارات شرطة سان فرانسيسكو وهي تمر بجانبنا
صحت في أصدقائي« :لننزل إلى محطة بارت ».فأو َم ُئوا برءوسهم .اقترب بعضنا من بعض ،وشرعنا في التحرك سري ًعا إلى
.أسفل التل
الفصل الثالث
أه==دي ه==ذا الفص==ل لمتج==ر بوردرالن==دز ب==وكس ،ذل==ك المتج==ر المس==تقل الم==دهش المتخص==ص في كتب الخي==ال العلمي .يق==ع
بوردرالندز على الجهة المقابلة من مدرسة سيزار شافيز الثانوية الخيالية التي تتناولها ه==ذه الرواي==ة ،وال تقتص==ر ش==هرته على
ما يقيمه من نوا ٍد للكتب وحفالت توقيع وفعاليات رائعة فحسب ،وإنم==ا ك==ذلك القط==ة المص==رية الص==لعاء المذهل==ة ،ريبلي ،ال==تي
تحب الجلوس كالتمثال على الكمبيوتر في مقدمة المتجر .يكاد يكون بوردرالندز أكثر متاجر الكتب المُحبَّب==ة للقُ=رَّ اء ال=تي يمكن
أن تبغيها؛ إذ يمتلئ باألماكن المريحة للجلوس والقراءة ،ويزخر ببائعين واسعي االطالع بكل ما له عالقة بالخيال العلمي .ه==ذا
فضاًل عن أنهم على استعداد دائ ًم ا لتلقي طلبات الشراء لكتبي (عبر اإلنترنت أو الهاتف) وتركها عندهم ح==تى أو ِّقع عليه==ا عن==د
***
مررنا بالكثير من الناس في طريقنا إلى محطة بارت بشارع باول ،كانوا يركض==ون أو يس==يرون ش=احبي الوج==وه ص=امتين ،أو
يصرخون مذعورين .انكمش المشردون مرتعدين= عند المداخل ،وأخذوا يشاهدون ما يحدث ،في حين ص==احت ع==اهرة س==مراء
وكلما اقتربنا من محطة بارت ،زاد تزاحم األجساد حولنا سو ًءا .وعند وصولنا إلى السلم المؤدي إلى المحطة باألس==فل ،احتش==د
الناس هائجين؛ كانوا يحاولون شق طريقهم ألس=فل ع==بر الس==لم الض=يق .اص=طدم وجهي بظه=ر ش=خص م=ا ،بينم==ا ارتطم آخ=ر
.بظهري
ً
متشبثا بمعص==مه. كان داريل ال يزال بجانبي؛ فحالت ضخامة جسده من أن يدفعه الناس .أما خولو ،فكان خلف داريل مباشر ًة،
ُ
.لمحت فانيسا على بُعد بضعة أمتار وقد حاصرها عدد أكبر من الناس
»!سمعتها تصيح خلفي« :عليك اللعنة! أيها المنحرف ،ارفع يديك= عني
جاهدت ألستدير عكس اتجاه الحشد ،فرأيت فان تنظر باشمئزاز ناحية رجل أكبر منها س ًّنا يرتدي بذلة أنيقة ويبتسم في وجهه==ا
».صحت وسط الضجيج« :ال تر ِّشيه ببخاخ الدفاع عن النفس! فسيصيبنا جميعً ا
ومع ذكر كلمة «بخاخ الدفاع عن النفس» ،بدا الذعر على وجه الرجل ،واختفى متراجعً ا للخلف ،وإن ظل الحشد يدفعه لألمام.
رأيت أمامي سيدة في منتصف العمر ترتدي مالبس غريبة ،تترنح ثم تسقط .أخذت تصرخ ،ورأيتها تح==اول جاه==د ًة النه==وض،
ُ
انحنيت ألعينها على الوقوف ،وك==دت أس==حقها تح==تي. ُ
اقتربت منها، لكن دون جدوى؛ إذ كان ضغط الحشد قو ًّيا للغاية .وعندما
ً
متجاوزا إياها ،لكن بحلول ذلك الوقت ال أعتقد أنه==ا ك==انت تش==عر ب==أي وانتهى األمر بأنْ خطوت فوق بطنها مع دفع الحشد لي
.شيء
لم ينتبنِي مثل هذا الذعر من قبل في حياتي .عال الصراخ في جميع األرج==اء ،وتزاي==د ع==دد الس==اقطين على األرض ،والض==غط
.من الخلف متواصل دون رحمة كالجرافة .كان ذلك كل ما بوسعي فعله للبقاء واق ًفا على قدميَّ
ك َّن ا في الباحة المكشوفة حيث ماكينات بوابة العبور لداخل المحطة .لم يكن الوضع هنا أفضل؛ فالمك==ان المط= َّ=وق أرج==ع ص==دى
األصوات من حولنا في هدير أحدث طني ًن ا برأسي ،كما أصابتني رائحة كل هذه األجسام والشعور بها برُهاب األم==اكن المغلق==ة
ظل الزحام متواصاًل على الساللم المؤدية ألسفل ،وأعداد أكبر من الناس تشق طريقها بال==دفع ع=بر ماكين==ات بواب==ة العب==ور ،ثم
.على الساللم المتحركة وصواًل إلى أرصفة المحطة .لكن كان من الواضح لي أن النهاية لن تكون سعيدة
:نظرت إلى فانيسا … كان من المحال أن تتمكن من سماعي .تمكنت من إخراج هاتفي ،وأرسلت إليها رسالة نصها
».سنخرج من هنا«
أبصرتها وقد شعرت باهتزاز هاتفها ،نظرت فيه ثم وجهت بصرها نحوي ،وأومأت برأسها بقوة .في تلك األثن==اء ،ك==ان داري==ل
»!فأجبته صائحً ا ومشيرً ا إلى الحشد عديم الرحمة« :ينبغي لنا العودة للخلف
هز كتفيه المباال ًة .ش َّقت فان طريقها وصواًل إليَّ ،وتشبثت بمعصمي .أمسكت بداريل الذي أمسك بدوره بخول=و بي=ده األخ=رى،
لم يكن األمر سهاًل .كنا نتحرك حوالي ثالث بوص=ات في الدقيق=ة في أول األم=ر ،وص=رنا أبط=أ بوص=ولنا إلى الس=اللم .لم يكن
الناس الذين مررنا بهم سعداء أيضً ا بدفعنا لهم إلفساح الطريق .ر َش َق َنا البعضُ بالسباب ،وبدا على أحدهم أنه ك==ان س==يلكمني إذا
تمكن من تحرير ذراعيه .مررنا بثالثة= أفراد ُدهِسوا تحت األقدام ،لكن ما كان من سبيل أمامي لمساعدتهم .في تلك اللحظ==ة ،لم
أكن حتى أفكر في مساعدة أحد؛ فكل ما كان يشغل تفكيري آنذاك هو البحث عن أية مس==احات فارغ==ة أمامن==ا للتح==رك عبره==ا،
.وقبضة داريل المُح َكمة على رسغي ،وتشبثي المستميت بفان خلفي
تحررنا أخيرً ا باندفاعنا للخارج كسدادة زجاجة الخمر بعد فترة بدت كأمد الدهر ،وعيونن==ا تط==رف في الض==وء الرم==ادي المفعم
بالدخان .كانت صفارات إنذار الغارات الجوية ال تزال تدوي ،وصفارات عربات الطوارئ وهي تن==دفع= في ش==ارع م==اركت ق==د
عال ص==وتها أك==ثر .وخلت الش==وارع تقري ًب==ا من الن==اس؛ فلم يع=د= به==ا س==وى من يح==اولون مح==اوالت يائس==ة للوص==ول إلى تحت
األرض .كان أكثرهم يبكون .لمحت مجموعة من المقاعد الخالية — التي دأب السكارى القذرون الجل==وس عليه==ا — وأش==رت
.إليها
.تحركنا نحوها ،وأكتافنا منحنية لألمام بفعل صفارات اإلنذار والدخان .وعند وصولنا إليها ،سقط داريل على وجهه
ً
ملطخا باللون األحمر الذي أخذ ينتشر ،فرفعت قميصه لتكشف صرخنا جمي ًعا ،وأمسكت فانيسا به ،وأدارته .كان جانب قميصه
»!قال خولو وهو يضم قبضتيه« :طعنه أحدهم في الزحام .يا إلهي ،هذا مريع
ً
ثانية ثم أرجع رأسه للوراء مرة أخرى .تأوه داريل ،ونظر إلينا ،ثم إلى جانبه ،وتأوه
خلعت فانيسا سترتها الجينز ،ثم نزعت قميصًا قطن ًّيا بقلنسوة كانت ترتديه أسفل السترة ،ل َّفته وضغطت ب==ه على ج==انب داري==ل.
ً
قائلة « :أمسك برأسه ،وأبقها مرتفعة ».ثم قالت لخولو« :ارفع قدميه … لف معطفك أو أي شيء ».وتحرك وجهت حديثها لي
خولو سريعً ا .كانت والدة فانيسا ممرضة ،وكانت الفتاة تحصل كل صيف في المخيم على تدريب على اإلسعافات األولية ،وق==د
أحبت مشاهدة الناس وهم يتلقون اإلسعافات األولية بشكل خاطئ في األفالم السينمائية ،والسخرية منهم .أس==عدني ح ًّق==ا وجوده==ا
.معنا
جلسنا هناك لفترة طويلة ممسكين بالقميص بجانب داريل ،وظل يصر على أنه بخير ،وأن علينا السماح له بالنهوض ،في حين
شعرت بأنني أحمق ،أمسكت بهاتفي سري ًع ا ،وطلبت رقم النجدة ،وما حصلت عليه لم يكن حتى إشارة بأن الرقم مشغول ،وإنما
كان أشبه بأنين صادر عن شبكة الهواتف .ال يُس َم ع مثل هذا الصوت إال إذا كان هناك ثالثة ماليين شخص يطلبون الرقم نفس==ه
قال داريل ،وهو يشير إلى الشارع« :ماذا عنهم؟» نظرت حيث أشار ،معتق ًدا أنني سأرى شرط ًّيا أو مسع ًفا ،غير أن==ني لم أج==د
ً
.أحدا
ثوان ،كانت سيارة شرطة ،أو إسعاف ،أو مط==افئ تم==ر ب==الجوار .يمكن أن يم==دونا ببعض المس==اعدة .كم
ٍ كان مح ًّقا؛ فكل خمس
!كنت أحمق
».قلت« :هيا بنا إذن! لنذهب حيث يمكنهم رؤيتك ،ونلوح ألحدهم
لم يرق األمر لفانيسا ،لكنني رأيت أن أي شرطي ما كان ليقف لشاب يلوح بقبعته في الطريق ،ليس في ذل==ك الي==وم ،وربم==ا م==ا
كان سيوقفهم هو رؤية داريل ينزف .تجادلت معها لبرهة ،ثم حسم داريل األمر بالوقوف مترنحً ا على قدميه ،والسير بتثاقل في
سيارة الشرطة التي مرت بعدها ،وسيارة المط==افئ ،وس==يارات الش==رطة الثالث التالي==ة .لم يكن داري==ل في حال==ة جي==دة؛ فوجه==ه
سئمت مرور السيارات أمامي دون توقف ،وفي المرة التالية ال=تي ظه=رت فيه==ا س==يارة بش=ارع م==اركت ،تق=دمت إلى منتص==ف
الطريق ملوحً ا بذراعيَّ ف=وق رأس=ي ،وأن=ا أص=يح« :قِ=ف!» دارت الس=يارة لتتوق=ف ،وحينئ= ٍ=ذ فق=ط الحظت أنه=ا لم تكن س=يارة
كانت سيارة جيب عسكرية ،تشبه الهامر المصفحة ،غير أنها لم تحمل أية شارة عسكرية عليها .رجعت الس==يارة بق==وة لتتوق==ف
أمامي مباشر ًة ،فوثبت للخلف ،وفقدت توازني لينتهي بي الحال مرتميًا على الطريق .شعرت باألبواب ُتف َتح بجواري ،ثم رأيت
فوضى من األقدام المنتعلة أحذية البوت تتحرك بالقرب مني .نظرت ألعلى ،فرأيت مجموعة من األفراد ذوي مظهر عس==كري
يرتدون أردية سروالية تغطي الجسم بأكمله .كانوا يحملون بنادق ض==خمة ،ويرت==دون أقنع==ة للوقاي==ة من الغ==از م==زودة بلوح==ات
ُصوبة نحوي .لم يصوب أحد سالحً ا نحوي من قبل ،لكن ك==ل م==ا س==معته
وقبل أن أتمكن من اإلشارة إليهم ،كانت هذه البنادق م َّ
عن هذه التجربة صحيح .إنك تتوق==ف عن الح=راك تمامً=ا ،ويتوق==ف ال==زمن ،وت==دوي ض==ربات قلب==ك في أذني==ك .فتحت فمي ،ثم
أبقى الرجل المُسلَّح المغطى الوجه والعينين سالحه موجهًا نحوي .لم أتنفس ،في حين كانت فان تصرخ بشيء ما ،وكان خول==و
يصيح ،نظرت إليهما لثانية ،عندئ ٍذ وضع شخص ما كي ًسا خش ًنا فوق رأسي ،وأغلقه بإحكام ح==ول قص==بتي الهوائي==ة .فع==ل ذل==ك
بسرعة وقوة هائلتين حتى إنه لم يسعني الوقت ألستنشق الهواء قبل أن يُغلَق عليَّ ُ .دفِعت على نحو ٍ
قاس وفاتر في ال==وقت ذات==ه
على بطني ،والتف شيء ما مرتين حول معصميَّ ،ثم أُحكِم غلق==ه .ك==ان ل==ه ملمس األس==الك ال==تي ُتح= َ
=زم به==ا األش==ياء في ِر َزم،
.ويوجع بشدة .أخذت أصرخ ،غير أن صوتي ُكتِم بفعل الكيس الذي كان فوق رأسي
خيم الظالم الدامس حولي ،حاولت سماع ما كان يحدث ألصدقائي ،فسمعتهم يصرخون ع=بر قم=اش الكيس الك=اتم للص=وت ،ثم
ُ .سحِبت من معصميَّ ألقف على قدميَّ ،وذراعاي مكبَّالن خلف ظهري ،وكتفاي متألمتان بشدة
تعثرت لبضع خطوات ،ثم دفعت ي ٌد ما رأسي بقوة ألسفل ،ألصير بعد ذلك داخل السيارة الهامرُ .دفِع ك==ذلك العدي=د= من األف=راد
أخذت أصيح في الجنود« :اسمعوني! لسنا سوى طالب بالمرحلة الثانوية ،وأردت أن أوقف سيارتكم ألن ص==ديقي ي==نزف ،لق==د
تعرض للطعن ».لم تكن لدي أدنى فكرة عما كان يُس َمع من ه=ذا الكالم ع=بر الكيس الك=اتم للص=وت ،لكن=ني واص=لت الح=ديث:
»… «اسمعوني! ثمة سوء فهم هنا ،يلزم نقل صديقي إلى المستشفى
وجَّ ه شخص ما ضربة أخرى على رأسي ،وشعرت أنهم يستخدمون هِراوة أو شي ًئا من هذا القبيل؛ إذ كانت الض==ربة أق==وى من
أية ض=ربة تلقيته=ا على رأس=ي من قب==ل .زاغت عين==اي ،واغرورقت=ا بال==دموع ،وش=عرت ح ًّق=ا بع==دم الق==درة على التنفس .وبع=د
من كان هؤالء المهرجون؟ إنهم ال يرتدون أية شارات .ربما كانوا إرهابيين! لم أُومن باإلرهابيين ح ًّقا من قبل َقط … ما أعنيه
هو أنه من الناحية النظرية كان هناك إرهابيون في مكان ما بالعالم ،بيد أنهم ال يمثلون في الواقع أي خطر علي ،فهناك ماليين
الطرق التي يمكن أن ألقى حتفي بها في هذا العالم — مثل أن تدهس==ني س==يارة مس==رعة يقوده==ا س==كير في ش==ارع فالينس==يا —
وهي الطرق األكثر احتمااًل ومباشر ًة من اإلرهابيين .فمن لقوا حتفهم على يد اإلرهابيين= أق==ل بكث==ير ممن م==اتوا ج==رَّ اء الس==قوط
في دورات المي==اه ،أو تعرض=وا للص=عق بالكهرب==اء على نح==و عرض=ي .فلم يكن اإلره=ابيون يث=يرون قلقي أك==ثر من التع=رض
.للبرق
لكن بجلوس=ي في الخل=ف بتل==ك الس=يارة اله=امر ،ورأس==ي داخ=ل ذل==ك الكيس ،وي==داي مكبلت==ان خل=ف ظه==ري ،وت=رنحي لألم=ام
تأرجحت السيارة لألمام والخلف ،وصعدت أعلى التل ،واستنتجت أننا متوجهون إلى منطقة نوب هي=ل ،وب=دا من الزاوي=ة ال=تي
.نسير بها أننا نمضي في أكثر الطرق انحدارً ا؛ شارع باول على ما أعتقد
هبطنا بعد ذلك بالقدر نفسه من االنحدار .وإذا صحت خريطتي الذهنية =،فقد كنا نتوجه ألسفل باتج==اه منطق==ة فيش==رمانز وارف.
يمكنك= الصعود على متن قارب هناك والهرب ،ويناسب ذل==ك فرض==ية اإلره==اب ،لكن لم==اذا يخط==ف اإلره==ابيون مجموع==ة من
تأرجحت السيارة لتقف على منحدر ،توقف المحرك ،ثم فُتِحت األبواب ،جرَّ ني شخص ما من ذراعيَّ خارج السيارة ،ثم دفعني
ثوان ،تعثرت بسلم فوالذي ل==ترتطم قص==بتا س==اقيَّ ب==ه .دفعت==ني الي==دان الموجودت==ان
ٍ وأنا أترنح على الطريق المُمهَّد .وبعد بضع
خلفي مرة أخرى .صعدت السلم بحذر ،وأن==ا غ==ير ق==ادر على اس==تخدام ي==ديَّ .ص==عدت الدرج==ة الثالث==ة ،وم==ددت ق==دمي للدرج==ة
ً
ثانية ،غير أن يدين أخريين أمسكتا بي من األمام ،وسحبتاني على أرضية فوالذي==ة ،ثم الرابعة ،لكنها لم تكن هناك .كدت أسقط
تمكنت في الواقع من النوم في ذلك المكان ،جاثيًا على ركبتيَّ وقد انقطعت الدورة الدموية بس=اقيَّ ،والظالم يخيم برأس=ي داخ=ل
الكيس .كان جسمي قد أفرز كمية هائلة من األدرينالين في مجرى الدم بجسمي خالل ثالثين دقيقة .ولما كان بإمكان هذه الم==ادة
.منح اإلنسان القوة لفعل أي شيء من أجل إنقاذ أحبائه ،والوثب فوق بنايات مرتفعة ،فما يسفر عنها يكون دائمًا بشعًا
استيقظت على يد شخص ما تسحب الكيس من فوق رأس=ي .لم يكون==وا قس==اة وال ح==ذرين ،وإنم==ا ف==اترين فحس=ب ،مث==ل العام==ل
كانت اإلضاءة بالغرفة ساطعة للغاية؛ ما اضطرني لغلق عي==نيَّ بق==وة ،لكن==ني تمكنت من فتحهم==ا ش==ي ًئا فش==ي ًئا إلى أن فُتِحت==ا عن
كنا جميعً ا في مؤخرة شاحنة ضخمة ذات ١٦عجلة .تمكنت من رؤية أماكن العجالت على أبع==اد منتظم=ة بامت==داد النظ=ر ،لكن
مؤخرة هذه الشاحنة كانت قد تحولت إلى شيء أشبه بسجن أو موقع عسكري متنقل .اصطفت مكاتب فوالذية بج==انب الج==دران
تعلوها شاشات مسطحة مصقولة ترتكز إلى أذرع مزودة بمفاصل تسمح بتغيير مواقعه==ا في دائ==رة ح==ول مش==غليها ،وأم==ام ك==ل
مكتب كرسي مكتبي رائع مُحلى بمقابض ُتستخ َدم من أجل تعديل= كل ميليمتر من س==طح الجل==وس ،وك==ذلك االرتف==اع واالنح==دار
.واالنحراف
جاء بعد ذلك الجزء الخاص بالسجن .في مقدمة الشاحنة ،وبأبعد نقطة عن األبواب ،كانت القض==بان الفوالذي==ة المثبت==ة بمس==امير
لمحت فان وخولو على الفور .لعل داريل كان من بين المقيدين الموجودين هنا بالخلف ،بيد أن الج==زم ب==ذلك ك==ان مس==تحياًل ؛ إذ
.إن العشرات منهم جلسوا مترهلين أمامي حاجبين عني الرؤية .مألت المكان بالخلف رائحة خوف وعرق كريهة
نظرت فانيسا إليَّ ،ولم تب ِد أي رد فعل .مأله=ا الف==زع ،ش==أنها ش==أني ،وك==ذلك خول==و؛ فأخ==ذت عين==اه ت==دوران في ك==ل مك==ان في
.اهتياج ،وظهر بياضهما .لقد كنت مذعورً ا ،كما أردت التبول بشدة
بحثت حولي عن معتقِلينا ،كنت قد تجنبت النظر إليهم حتى ذلك الحين ،مثلما تتجنب النظر إلى الظالم في الخزانة عندما تتخيل
غير أنه كان عليَّ التحقق على نحو أفضل من أولئك الحمقى ال==ذين اختطفون==ا ،ف==أردت أن أع==رف إن ك==انوا إره==ابيين أم ال .لم
أكن أعلم كيف يبدو اإلرهابيون ،وإن فعلت البرامج التليفزيونية أقصى ما في وسعها إلقناعي بأن اإلرهابيين عرب ذوو َ
بش==رة
نحو ال يمكنني= تعيينه على وجه التحديد =:عظام فك جيدة ،وقصة شعر قصيرة أنيقة ب==دت غ==ير عس==كرية على اإلطالق .ارت==دوا
جميعً ا ،رجااًل ونساءً ،مالبس بيضاء وبُني=ة الل=ون ،وابتس=موا دون تحف=ظ لبعض==هم البعض أثن==اء جلوس=هم ب==الطرف اآلخ=ر من
الشاحنة ،وهم يتبادلون المزاح ويشربون القهوة في أكواب بالستيكية .ما كان أولئك بعرب من أفغانس==تان ،ب==ل ب==دوا س==ياحً ا من
.نبراسكا
حدقت في شابة ذات بشرة بيضاء وش==عر ب==ني وال==تي ب==دت في نفس عم==ري تقري ًب==ا .ب==دت فاتن==ة نوعً= ا م=ا في ال==زي العس==كري
َ
حدقت في شخص ما لفترة طويلة ،فس=ينظر ناحيت=ك في النهاي==ة ،وه=ذا م=ا فعلت==ه ،وتح=ول وجهه=ا فج=أة إلى هيئ=ة المخيف .إذا
.مختلفة تمامًا تخلو من المشاعر ،بل آلية أي ً
ضا ،وتالشت البسمة في لمح البصر
»خاطبتها قائاًل « :لتسمعيني ،ال أعلم ما يحدث هنا ،لكنني في حاجة ماسة للذهاب إلى دورة المياه؟
».إنني جاد فيما أقوله ،وإذا لم أذهب اآلن ،فستكون العواقب وخيمة ،سيصير المكان هنا كريه الرائحة ح ًّقا«
.استدارت ناحية زمالئها ،وكانوا ثالثة .تبادلوا الحديث بصوت منخفض لم أتمكن من سماعه بسبب مراوح أجهزة الكمبيوتر
».ثم عادت للنظر إليَّ ،وقالت« :لتصبر عشر دقائق ،وسيذهب ك ٌّل منكم لقضاء حاجته
ال أعتقد أن بوسعي الصبر عشر دقائق ».أظهرت شي ًئا من اإللحاح في صوتي أكثر مما كنت أشعر به في الحقيقة« .عن جد«
منها ،في بداية الثالثينيات ،عريض المنكبين= على نحو يعكس ممارسته للرياضة .بدا صين ًّيا أو كور ًّيا — فان نفس==ها ال يمكنه==ا
.التمييز بين الصينيين والكوريين في بعض األحيان — لكن هيئته أوحت بأنه «أمريكي» على نحو ال يمكنني تحديده بالضبط
ً
وبخاخ= ا للفلف==ل أو التواب=ل مسدس=ا ،وص=اع ًقا كهربائ ًّي==ا،
ً أزاح معطفه الرياضي جانبًا ليجعلني أرى ما كان يعلقه بجانبه؛ فرأيت
ً
ثانية .الحارة ،قبل أن ينزل معطفه
لمس شي ًئا ما في حزامه ،ففُ َّكت األصفاد خلف ظه=ري ،وس=قط ذراع=اي خلفي فج=أة .ك=ان األم==ر أش==به بارتدائ==ه ح==زام الرج==ل
الوطواط متعدد= االستخدامات؛ جهاز السلكي للتحكم عن بعد في األصفاد! أظن أن ذلك كان منطق ًّيا؛ فل==و َ
كنت س==جَّ ا ًنا ،م==ا كنت
لترغب في االنحناء أمام الس==جناء لتص==بح ك==ل ه==ذه المع==دات المميت==ة في مس==توى نظ==رهم؛ إذ ق==د يس==حبون س==الحك بأس==نانهم،
كتلتين من الفلين بمكوثي في وضعية واحدة .اختصارً ا لما حدث ،س==قطت على وجهي ،وأخ==ذت أرفس ب==وهن في س==اقيِّ الل==تين
جذبني الرجل بعنف ألقف على قدميَّ ،وأخذت أت==رنح وص==واًل إلى أقص==ى نقط==ة بم==ؤخرة الش==احنة حيث وُ ِ
ض=ع حم==ام ص==غير
متنقل .حاولت البحث عن داريل في طريقي ،لكنه ربما كان أح==د األف==راد الخمس=ة أو الس=تة الجالس==ين بتره==ل ،وربم==ا ليس أ ًّي=ا
.منهم
هززت معصميَّ بعنف ،وقلت له« :لتنزع هذا ،من فضلك!» ك==انت أص=ابعي كأص=ابع الس=جق أرجواني=ة الل=ون ج=راء ربطه=ا
فقلت له ،محاواًل أال يبدو في صوتي سخرية أو غضب (ولم يكن ذلك يس=يرً ا)« :انظ==ر ،إم=ا أن تف=ك معص=ميَّ ،أو ت=دخل معي
لتساعدني في قضاء حاجتي؛ فالذهاب لدورة المياه ال يمكن أن يتم دون استخدام األيدي ».أطلق شخص ما في الشاحنة ضحكة
نصف مكبوتة =.لم أَرُق للرجل ،تمكنت من تبيُّن ذلك من الطريقة التي كان يصرُّ به==ا عض==الت فكي==ه .ي==ا إلهي! كم ك==ان ه==ؤالء
م َّد يده إلى حزامه ،وأخرج زردية رائعة متعددة االستخدامات ،أظهر منها س==كي ًنا َخطِ= ر المظه==ر ،وقط==ع األص==فاد البالس==تيكية
.لتتحرر يداي
.شكرته
فدفعني داخل دورة المياه .كانت يداي ال فائدة منهما ،كما لو كانتا قطعتين من الصلص=ال في نهاي=ة معص=ميَّ .وعن=دما ه=ززت
أصابعي بصعوبة ،شعرت بوخز فيه==ا ،ثم تح==ول ال==وخز إلى ألم ش==ديد ك==دت أص==رخ من==ه .أن==زلت قاع==دة المرح==اض ،وخلعت
.سروالي ،ثم جلست ،فلم أكن واث ًقا أنه بإمكاني الصمود واق ًفا على قدميَّ
تحررت مثانتي ،وكذلك عيناي ،فأخذت أبكي في صمت وأنا أهتز لألمام والخلف مع نزول الدموع والمخاط على وجهي .ك==ان
.ذلك كل ما بوسعي فعله ألمنع نفسي من النشيج؛ وضعت يدي على فمي ،وكتمت صوتي .لم أرغب في إرضائهم بسماع ذلك
وأخيرً ا ،انتهيت من قضاء حاجتي ،وكان الرجل يناديني ويضرب الباب بعنفَّ .
نظفت وجهي ق==در اإلمك==ان باس==تخدام المنادي==ل
الورقية ،ثم وضعتها في المرحاض ،وطردت الماء .بحثت بعد ذلك عن حوض ،لكنني لم أجد سوى زجاج==ة متين=ة= لمُع ِّقم ي==دين=
.مغطاة بالئحة مكتوب عليها بخط صغير الجراثيم التي يعمل على إزالتها .مسحت يديَّ ببعض منه ،وخرجت من الحمام
معصماي منذ فك األصفاد السابقة منهما ،وأوجعت األصفاد الجديدة بشرتي الحساسة ،لكنني أبيت أن أمنحه الرضا بأن أصرخ
.من األلم
دفعني حتى وصلت إلى مكاني ،وأمسك بالشخص التالي الذي اتضح لي في تلك اللحظة أنه خولو .انتفخ وجه==ه ،وك==انت هن==اك
سألته« :هل أنت بخير؟» فوضع الرج==ل ذو الح==زام متع==دد االس==تخدامات ي==ده على جبه==تي ،ودفع==ني بق==وة ،لترت==د رأس==ي بع==د
ً
جاهدا إع==ادة ترك==يز نظ==ري« :ممن==وع دق الساعة .وقال بينما كنت أحاول ً
محدثة صو ًتا مثل ِّ ارتطامها بجدار الشاحنة المعدني
»!الكالم
.لم يرقني هؤالء الناس ،وقررت في تلك اللحظة أنهم سيدفعون ثمن كل ما يفعلونه
ذهب جميع السجناء إلى دورة المياه واح ًد ا تلو اآلخر ،ثم عادوا إلى أماكنهم .وعند االنتهاء من ذلك ،عاد الحارس إلى أصدقائه
وتناول كوبًا آخ==ر من القه==وة .الحظت أنهم ك==انوا يش==ربون من وع==اء ض==خم من «س==تاربكس» موض==وع في خزان==ة ،وأخ==ذوا
فُتِح بعد ذلك الباب الموجود في مؤخرة الشاحنة ،كان الهواء نق ًّيا ،ال يمل=ؤه ال==دخان مث=ل ذي قب==ل ،لكن يش=وبه بعض األوزون.
ً
ثانية ،لمحت الظالم وقد خيم ،والسماء تمطر الرذاذ الذي اشتهرت ب==ه س=ان وفي الجزء الذي رأيته بالخارج قبل أن يُغلَق الباب
كان الرجل ال==ذي دخ=ل إلى الش=احنة يرت==دي ز ًّي==ا عس==كر ًّيا … ز ًّي==ا عس==كر ًّيا أمريك ًّي==ا .ألقى التحي==ة العس==كرية على األف==راد في
.الشاحنة ،وردوا له التحية ،وعندئ ٍذ علمت أنني لم أكن سجين بعض اإلرهابيين =،وإنما سجين الواليات المتحدة األمريكية
•••
نصبوا ستارً ا صغيرً ا في آخر الشاحنة ،ثم جاءوا ليأخذونا واح= ًدا تل==و اآلخ==ر ،ف َّكوا أص==فادنا وقادون==ا إلى م==ؤخرة الش==احنة .م==ا
تمكنت من استنتاجه — وأنا أعد الثواني في رأسي — أن مدة المقابلة مع ك= ٍّل م َّنا اس==تمرت س==بع دق==ائق .ارتجفت رأس==ي إث==ر
كان دوري الثالث ،قادتني السيدة ذات الشعر القصير إلى مكان التحقيق .عن قرب ،ب==دت مرهق==ة :عيناه==ا منتفخت==ان ،وخط==وط
قلت لها عفو ًّيا« :شكرً ا!» وهي تفك أصفادي باستخدام جهاز التحكم عن بعد =،ثم سحبتني ألقف على قدميَّ .كرهت نفس=ي له==ذه
عليه .نظر إليَّ اثنان من خاطفينا ،وهما السيدة ذات الشعر القصير ،والرجل ذو الحزام متعدد= االستخدامات .كانا يجلس==ان على
.كانت هناك طاولة صغيرة بينهما منثورة عليها محتويات محفظتي وحقيبة الظهر الخاصة بي
».قالت السيدة ذات الشعر القصير« :مرحبًا ماركوس ،نريد أن نطرح عليك بعض األسئلة
سألتهما« :هل أنا رهن االعتقال؟» لم يكن ذلك سؤااًل عديم الجدوى ،فإذا لم تكن رهن االعتقال ،فثم==ة ح==دود لم==ا يمكن لرج==ال
الشرطة فعله معك وما ال يمكنهم فعله :أواًل ،ال يمكنهم احتجازك لألبد دون اعتقالك ،م==ع منح==ك مكالم==ة هاتفي==ة ،والس==ماح ل==ك
قالت وهي تمسك هاتفي« :ما هذا؟» أظهرت الشاشة رسالة الخطأ التي تظهر عن=د محاول==ة الوص==ول إلى بيان==ات اله==اتف دون
إدخال كلمة المرور الصحيحة .كانت رسالة بذيئة= نو ًعا ما — يد متحرك==ة ت==ؤدي حرك==ة غ==ير مهذب==ة يعرفه==ا الجمي==ع — فأن==ا
كررت سؤالي« :هل أنا رهن االعتق==ال؟» ال يمكنهم إرغام==ك على اإلجاب==ة عن أي==ة أس==ئلة إذا لم تكن رهن االعتق==ال ،وعن==دما
.تسألهم ما إذا كنت رهن االعتقال أم ال ،ينبغي لهم اإلجابة .هذا ما ينص عليه القانون
بمحام ،وأرغب في معرفة ما أنا متهم به ،وأريد أن أرى أي تحقيق هوية لكليكما
ٍ ».قلت« :أود االتصال
ثم قالت السيدة ذات الشعر القصير« :أعتقد ح ًّقا أنه يجدر بك إعادة النظر في أسلوب تعاملك مع هذا الموقف ،وأعتقد أن علي==ك
فعل ذلك اآلن .لقد عثرنا على عدد من األجهزة المريبة بحوزتك ،ووجدناك وشركاءك بالقرب من موق==ع أس==وأ هج==وم إره==ابي
تعرض==ت ل==ه البالد على اإلطالق .وب==الجمع بين ه==اتين الحقيق==تين ،يتض==ح أن الوض==ع ليس في ص==الحك ي==ا م==اركوس .يمكن==ك
هذه هي السن المناسبة تمامًا؛ فتنظيم القاع==دة يفض==ل تجني==د الش==باب المث==اليين س==ريعي الت==أثر .لق==د بحثن==ا عن==ك على جوج==ل«،
محام«
ٍ ».أريد التحدث إلى
نظرت إليَّ السيدة ذات الشعر القص==ير كم==ا ل==و كنت حش==رة ،ثم ق==الت« :إن==ك تظن خط==أ ً أن الش=رطة قبض==ت علي==ك الرتكاب==ك
يمكن للمقاتلين األعداء االختفاء فيها ،أماكن بعيدة حالكة الظالم يتغيبون= فيه==ا عن األنظ==ار تما ًم==ا … لألب==د .ه==ل تس==معني أيه==ا
الفتى؟ أريدك أن تفتح هذا الهاتف ،ثم تفك شفرة الملفات الموجودة في ذاكرت==ه ،وأري==دك أن ت==برر س==بب تواج==دك في الش==ارع،
قلت حان ًق ا« :لن أفتح هاتفي من أجلكم ».تضم ذاكرة هاتفي كافة أنواع األغراض الخاصة من صور ،ورسائل بريد إلكتروني،
».وبعض برامج القرصنة واأللعاب التي كنت قد ثبَّتها« .هذه أغراض خاصة
محام«
ٍ ».لدي الحق في الخصوصية ،وأريد التحدث مع
محام ».سيدفع والداي أتعابه .األسئلة المتكررة بشأن أن تكون رهن االعتقال واض==حة في ه==ذه النقط==ة ،ك==ل«
ٍ أريد التحدث مع
ما عليك فعله هو المداومة على طلب االلتق=اء بأح=د المح=امين ،بص=رف النظ=ر عم=ا يقول=ه الض=باط أو يفعلون=ه؛ فالتح=دث م=ع
محام لن يفيدك إطال ًقا .قال هذان االثنان إنهما ليسا شرطيين ،لكن إذا لم يكن ذلك اعتقااًل ،فماذا يكون؟
ٍ الشرطة دون حضور
.ما أدركته بعد ذلك أنه ربما كان ينبغي لي فتح هاتفي لهما
الفصل الرابع
أهدي هذا الفصل لسلسلة متاجر الكتب األمريكية بارنز آند نوبل .مع اختفاء متاجر الكتب الصغيرة ،شرعت متاجر ب==ارنز آن==د
نوبل في تشييد هذه القالع الضخمة للقراءة بجميع أنحاء البالد .ومن خالل احتوائه==ا على عش==رات اآلالف من الكتب (ال تض=م
متاجر الكتب بالمراكز التجارية الكبرى واألرفف الدوارة بمتاجر البقالة سوى نسبة صغيرة من هذا الكم فحسب) ،وفتح أبوابها
لساعات طويلة تناسب العائالت ،والع==املين ،وغ==يرهم من القُ==رَّ اء المحتملين؛= أبقت سلس==لة مت==اجر ب==ارنز آن==د نوب==ل على عم==ل
الكثير من ال ُك َّتاب ،بضمها كتبًا ال يمكن للمتاجر الصغيرة تحمُّل تكلفة االحتفاظ بها على أرففها المحدودة .ولطالما تبنت مت==اجر
بارنز آند نوبل برامج فعالة للتواصل مع المجتمع .هذا وقد أقمت بع ً
ضا من أفضل حفالت التوقي==ع لكت==بي — س==واء من ناحي==ة
الحضور أو التنظيم — في ه=ذه المت=اجر ،مث=ل الحفالت الض=خمة ال=تي أقيمت بف=رع سلس=لة مت=اجر الكتب في مي=دان يوني=ون
بنيويورك؛ حيث ُعقِد حفل التوقيع الضخم بعد= حفل توزيع جوائز نبيوال ،وفرع شيكاجو الذي استضاف الحدث بعد حفل توزيع
جوائز نبيوال ببضع سنوات .أهم ما يميز بارنز آند نوبل أن البائعين «الخبراء» يتمتع==ون= بق==در هائ==ل من المعرف==ة فيم==ا يتعل==ق
بالخيال العلمي ،والقصص المصورة الهزلية ،وقصص المانجا ،واأللعاب ،وم==ا ش==ابه ذل==ك من الكتب ،ول==ديهم ش==غف ومعرف==ة
.بهذا المجال ،األمر الذي يتجلى في االختيار الرائع للكتب المعروضة في واجهات المتاجر
***
ً
ثانية ،ووض==عوا الكيس م=رة أخ==رى على رأس=ي ،وترك==وني هن==اك .وبع==د ف==ترة طويل==ة من ال=وقت ،ب==دأت الش=احنة في قيدوني
أرض=ا على الف==ور .ك==انت س==اقاي َخ= دِرتين تما ًم==ا كم==ا ل==و كانت==ا
ً ِبت ألقف على قدميَّ .سقطت ً
متجهة أسفل التل ،ثم ُجذ ُ التحرك
.قطعتين من الثلج ،فيما عدا ركبتيَّ اللتين تورمتا وصارتا مؤلمتين عند اللمس نتيجة للساعات الطويلة التي ظللت فيها جاثيًا
جذبتني بعض األي==دي من كتفيَّ وق==دميَّ ،ورفعت==ني ككيس البط==اطس .س==معت بعض األص==وات من ح==ولي ،دون أن أتمكن من
محركات ديزل قوية؛ فأدركت أننا على متن سفينة! ش==عرت ب==الهلع ،إن==ني أُرحَّ ل من الش==واطئ األمريكي==ة إلى مك==ان «آخ==ر»،
الكيس الموجود على رأسي ،ولم أعد قادرً ا تقريبًا على التنفس ،األم==ر ال==ذي ازداد نتيج==ة للوض==ع الغ==ريب الملت==وي ال==ذي كنت
.عليه
لكن من رحمة األقدار أننا لم نمكث طوياًل في الماء .بدا األمر وكأنه قد مضى س=اعة ،لكن=ني أعلم اآلن أنن=ا لم نمكث في الم=اء
سوى خمس عشرة دقيقة فحسب ،ثم شعرت بأن السفينة ترسو ،وبوقع خطوات من حولي على ظهره==ا ،والمس==اجين اآلخ==رون
ً
ثاني==ة على ُت َفك قيودهم ويُح َملون أو يُقادون بعي ًدا =.وعندما حان دوري ،حاولت الوقوف مرة أخرى ،لكنني لم أستطع ،فحملوني
ص=دِئة.
ع=ال ،تؤمنه=ا قض=بان َ
ٍ كانت زنزانة قديمة متهالكة تفوح منها رائحة هواء البحر ،احتوت على نافذة واحدة على ارتفاع
كان الظالم ال يزال يخيم على المكان بالخارج ،وعلى أرضية الزنزانة و ِجدت بطاني==ة ،ومرح==اض مع==دني ص==غير دون قاع==دة
.ومثبَّت بالحائط .ك َّش ر الحارس الذي خلع الكيس عن رأسي في وجهي ،ثم أغلق الباب الفوالذي الصلب خلفه
ضا والدماء تعود إليهما وإلى يديَّ ثاني= ً
=ة .تمكنت أخ==يرً ا من الوق==وف ،ثم الس==ير جيئ==ة أخذت أدلك ساقيَّ برفق ،مُصدِرً ا أني ًنا خفي ً
وذهابًا .سمعت أنا ًسا آخرين يتحدثون ،ويبكون ،ويصيحون .أخذت أصيح أنا أي ً
ضا« :خولو! داريل! فانيسا!» شرعت أص==وات
أخرى في مجموعة الزنزانات في الصياح منادين على أسماء أش==خاص ً
أيض=ا ،أو مطلقين الس==باب ،واألص==وات األق==رب م==ني
.بدت كالسكارى على نواصي الشوارع الذين أفقدتهم الخمر صوابهم ،ربما كان ذلك حالي أيضًا
صاح الحراس فينا لنهدأ ،األمر الذي لم يسفر إال عن صياحنا بصوت أعلى .وفي النهاية ،كنا جميعً= ا نع==وي ونص==رخ بك==ل م==ا
•••
المرة التالية التي حضروا فيها الستجوابي ،كنت قذرً ا ،مره ًقا ،عط ًشا ،وجائ ًعا .ض=م فري=ق االس=تجواب الجدي=د= الس=يدة القاس=ية
ذات الشعر القصير ،إلى جانب ثالثة رجال ضِ خام الجثة ،وقد أخذوا يديرونني كقطعة لحم .كان أحدهم أس==ود البش==رة ،في حين
كان االثنان اآلخران أبيضين ،وإن كان أحدهما يب==دو من أص==ول التيني==ة =.وحم==ل جميعهم أس==لحة .إن األم==ر ك==ان يش==به إعال ًن==ا
أخذوني من زنزانتي ،وكبلوا معصميَّ وكاحليَّ .انتبهت لما حولي أثناء سيرنا ،فسمعت صوت مياه بالخارج ،وظننت أننا ربم==ا
نكون في ألكتراز ،فهو في نهاية األمر سجن ،وإن تحول إلى معلم سياحي منذ فترة طويلة .إنه السجن الذي ت==ذهب إلي==ه لرؤي==ة
المكان الذي قضى فيه آل كابوني وأفراد عصابته المعاصرون له مدة عقوبتهم .لكنني سبق أن زرت س==جن ألك==تراز في إح==دى
ص ِد ًئا ،عتيق الطراز .أما ذلك المكان ،فيب==دو= أن ت==اريخ تش==ييده يع==ود للح==رب العالمي==ة الثاني==ة،
الرحالت المدرسية ،كان قديمًاَ ،
.وليس الحقبة االستعمارية
احتوى المكان على رموز باركود مطبوعة ب=الليزر على أوراق الص=قة ،وموض=وعة على أب=واب الزنزان=ات .ه=ذا فض=اًل عن
.األرقام ،لكن فيما عدا ذلك ،ما من سبيل لمعرفة َمن أو ما يوجد خلف أبواب هذه الزنزانات
كانت غرفة االستجواب حديثة الطراز ،ومنارة بأضواء فلوريسنت ،وم==زودة بمقاع==د مريح==ة — ليس أن==ا من س==يجلس عليه==ا،
فمقعدي كرسي حديقة بالستيكي قابل للطي — وطاولة خشبية كبيرة كالمستخدمة في قاع==ات االجتماع==ات .ك==انت هن==اك م==رآة
معلقة على الحائط ،مثل المسلسالت البوليسية بالضبط ،واستنتجت أن شخ ً
صا ما يراقبنا من خلفه==ا بال ش==ك .جلبت الس==يدة ذات
الشعر القصير ورفاقها القهوة ألنفسهم من وعاء ضخم موضوع على مائدة بأحد ج==وانب الغرف==ة (ك==ان بإمك==اني تمزي==ق عنقه==ا
بأسناني ،واالستيالء على القهوة في تلك اللحظة) ،ثم وضعت كوبًا بالستيك ًّيا من الماء بجواري ،دون تحرير معصميَّ المكبلين
.لم أنطق
أتعلم ،ليس هذا أسوأ ما يمكن أن تصل إليه األم==ور ،وإنم==ا «أفض==لها» من اآلن فص= ً
=اعدا .ح==تى عن==دما تخبرن==ا بم==ا نري==د أن«
نعرفه ،وإن نجح ذلك في إقناعنا بأنك كنت في المكان الخط=أ في الت=وقيت الخط=أ ،فق=د ص=رت مش=بوهًا اآلن .س==نراقبك في أي
».مكان تذهب إليه ،وأي شيء تفعله .لقد تصرفت كما لو كان لديك شيء تخفيه ،ونحن ال نحب ذلك
كم كان ذلك مثيرً ا للشفقة ،لكن كل ما ك==ان بوس==عي التفك==ير فيه==ا آن==ذاك ه==و عب==ارة «إقناعن==ا بأن==ك كنت في المك==ان الخط==أ في
التوقيت الخطأ ».هذا أسوأ ما حدث لي على اإلطالق .لم أشعر مطل ًقا بمثل هذا الشعور السيئ أو الخ==وف من قب==ل .ك==انت ه==ذه
.الكلمات الخمس «المكان الخطأ في التوقيت الخطأ» بمثابة طوق النجاة لي
طقطقت السيدة ذات الشعر القص==ير أص==ابعها أم==ام وجهي وهي تق==ول« :م==اركوس ،أين ذهبت ي==ا م==اركوس؟» ارتس==مت على
وجهها ابتسامة بسيطة؛ ما جعلني أمقت نفسي لسماحي له=ا برؤي==ة خ==وفي« .يمكن أن يص==ير الوض==ع أس==وأ من ذل==ك بكث==ير ي==ا
ماركوس .ليس هذا أسوأ مكان يمكننا وضعك فيه ،هناك ما هو أسوأ بكثير ».م َّدت يدها أسفل الطاولة ،وأخرجت حقيبة جلدية،
فتحتها وأخ=رجت منه=ا ه=اتفي ،وجه=از تص=يد/تقلي=د= ش=رائح تحدي=د الهوي=ة باس=تخدام الموج=ات الالس=لكية ،وجه=از البحث عن
ً
واحدا تلو اآلخر .إشارات الواي فاي ،وأجهزة الذاكرة المحمولة .أخذت تضعها على الطاولة
إليك ما نريده منك؛ عليك أن تحل شفرة الهاتف لنا اليوم .إن فعلت ذلك ،فسنمنحك امتي=از الخ=روج من الزنزان=ة واالغتس=ال«.
أجهزة الذاكرة هذه .إذا فعلت ذلك ،فسيُس َمح لك باألكل في قاعة الطعام .وفي اليوم التالي ،سنطلب من==ك كلم==ات م==رور بري==دك
»كدت أنطق بكلمة «ال» ،كما لو كانت جشأة تحاول الخروج من فمي ،لكنها لم تخرج ،وجاءت بداًل منها« :لماذا؟
نريد التأكد من أنك ما تبدو عليه بالفعل .هذا من أجل سالمتك يا ماركوس .أنت تقول إنك بريء ،ربما تكون كذلك ح ًّقا ،غير«
أنني ال أفهم لماذا يتصرف شخص بريء كما لو كان لديه الكثير ليخفي==ه .لكن لنف==ترض ص==حة م==ا تدعي==ه؛ ك==ان من الممكن أن
»تكون على ذلك الجسر عند انفجاره ،أو والداك ،أو أصدقاؤك .أال ترغب في أن نقبض على من هاجموا بالدنا؟
األمر كان مضح ًكا ،لكن العجيب أنها عندما ذكرت حصولي على «امتي==ازات» ،أص==ابني خ==وف دفع==ني لالستس==الم ،فش==عرت
بأنني فعلت «شي ًئ ا ما» جعل الحال ينتهي بي حيث كنت ،كما لو كنت أنا المخطئ إلى حد ما ،وبوسعي فعل شيء ما لتغيير م==ا
.يحدث
لكن ما إن انتقلت السيدة ذات الشعر القصير للح==ديث عن ذل==ك اله==راء المتعل==ق ﺑ «األمن» و«الس==المة» ح==تى اس==تعدت ق==وتي
الذهنية =،وقلت لها« :إنك تتحدثين ،يا سيدتي ،عن االعتداء على بالدي ،لكن م==ا أراه ح==تى اآلن ه==و أنكم أنتم من اعت==ديتم عليَّ
م==ؤخرً ا .ظننت أن==ني أعيش في دول==ة به==ا دس==تور حيث أتمت==ع ﺑ «حق==وق» ،وأن ِ
ت تتح==دثين= عن ال==دفاع عن حري==تي من خالل
بدت على وجهها لمحة انزعاج سرعان ما تالشت« .يا لها من مبالغة يا م==اركوس! م==ا من أح==د اعت==دى علي==ك .لق==د احتجزت==ك
حكومة بالدك سعيًا منها للحصول على تفاصيل بشأن أسوأ هجوم إرهابي تعرضت له أراضينا .بوسعك مس==اعدتنا في مجابه==ة
هذه الحرب التي يشنها أعداء أمتنا علينا .أتبغي الحفاظ على ميثاق الحقوق؟ ساعدنا إليقاف األشرار من تدمير م==دينتنا =.واآلن،
».أمامك ثالثون ثانية بالضبط لفك شفرة هاتفك قبل أن نرسلك إلى زنزانتك مرة أخرى ،فعلينا مقابلة كثيرين غيرك اليوم
نظرت في ساعة يدها ،وحرَّ ُ
كت أنا معصميَّ ،فقعقعت األصفاد التي حالت دون وصولي للهاتف لفك شفرته .نعم ،كنت س==أفعل
ذلك .لقد أخبرت==ني عن س==بيلي للحري==ة … للع==الم ،لوال==ديَّ … ومنح==ني ذل==ك األم==ل ،وه==ددتني اآلن بإرس==الي للزنزان==ة ثاني= ً
=ة،
.وإبعادي عن ذلك السبيل ،فتبدد= األمل ،وما سيطر على تفكيري آنذاك هو كيف أحييه من جديد
فأخذت أحرك معصميَّ ألصل إلى ه=اتفي ،وأف=ك الش=فرة كم==ا أرادت ،لكن م==ا ك=ان منه=ا إال أن أخ==ذت تنظ=ر إليَّ ب==برود ،م==ع
.التحقق من ساعتها
أدركت في النهاية ما تري=ده م==ني ،فقلت« :كلم==ة الم=رور هي …» إنه==ا تري=دني أن أنط=ق بكلم==ة الم==رور ،هن=ا ،حيث يمكنه=ا
تسجيلها ويمكن لزمالئها سماعها .لم ترد أن أفك شفرة الهاتف فق=ط ،وإنم=ا أرادت أن تخض=عني له=ا؛ أن أص=ير بين قبض=تيها،
ً
ثانية« :كلم==ة الم==رور هي …» ثم أخبرته==ا به==ا ،ودع==وت هللا أن يعين==ني؛ لق==د وأتخلى عن كافة أسراري ،وخصوصيتي .قلت
.خضعت إلرادتها
ابتسمت ابتسامة متكلفة يبدو أنها البديل الفاتر لديها لرقصة االنتصار ،وقادني الح=راس بع=د ذل=ك بعي= ًدا =.وعن=دما أُغلِ=ق الب=اب،
أتمنى القول إنني تنبأت مسب ًقا بإمكانية حدوث ذلك ،وأنشأت كلمة مرور مزيفة تفتح قسمًا ال ضرر من==ه على اإلطالق به==اتفي،
.بيد أنني لم أكن بهذا القدر من جنون االرتياب (أو باألحرى البراعة) من قبل
لعلك تتساءل اآلن :ما األسرار الغامضة التي احتوى عليه==ا ه==اتفي ،وأجه==زة ال==ذاكرة المحمول==ة ،وبري==دي اإللك==تروني ،فلس=ت
أصدقائي ،ورأيي فيهم ،وجميع الحماقات ال=تي قمن==ا به==ا .يمكن ك=ذلك ق=راءة س=جالت المج=ادالت اإللكتروني==ة ال==تي أجريناه=ا،
كما ترى ،أنا ال أحذف أي شيء .ولماذا أفعل ذلك؟ فالتخزين رخيص التكلف==ة ،وال ت==دري م==تى س==تحتاج الع==ودة له==ذه األم==ور،
وبخاصة السخيف منها .أتعرف ذلك الشعور الذي ينتابك أحيا ًنا أثناء جلوسك في مترو األنفاق ،وم==ا من أح==د تتح==دث مع==ه ،ثم
تتذكر فجأة شجارً ا عني ًفا وقع لك من قبل ،وشي ًئا رهيبًا قلته ،حس ًنا ،ليس األمر بالسوء الذي تتذكره عاد ًة .وإمكانية الع==ودة لتل==ك
ً
ثانية وسيلة رائعة لتذكيرك بأنك لست الشخص البشع الذي تظنه .تج==اوزت أن==ا وداري==ل الكث==ير من الش==جارات ال==تي ال األمور
ليس ذلك السبب الوحيد؛ فأنا أعلم أن ثمة خصوص==ية له==اتفي ،وأجه==زة ال==ذاكرة المحمول==ة الخاص==ة بي ،ويرج==ع ذل==ك إلى علم
التشفير؛ أي تعمية الرسائل .والمنطق الرياضي القائم عليه علم التش==فير جي==د ووجي==ه ،ونحن جمي ًع= ا نص==ل للتش==فير ذات==ه ال==ذي
تستخدمه البنوك ووكالة األمن القومي .يوجد نوع واحد فقط من التشفير يس==تخدمه أي ش==خص ،أي تش=فير ع==ام يمكن ألي أح==د
ثمة شيء يشعرك بحريتك ح ًّقا في أن يكون لديك جانب بحياتك خاص بك «وح==دك» ،ال يمكن ألح==د رؤيت==ه س==واك ،إن==ه أش==به
بالتعري ،أو قضاء الحاجة؛ فكل منا يتعرى بين الحين واآلخر ،ويتحتم عليه دخ==ول دورة المي==اه لقض==اء حاجت==ه .م==ا من ش==يء
مخجل ،أو منحرف ،أو غريب في أيٍّ من هذين األمرين ،لكن ماذا إذا حكمت عليك من اآلن فص==اع ًدا أن==ك كلم==ا أردت قض==اء
!حاجتك ،سيتحتم عليك فعل ذلك في غرفة زجاجية موضوعة في منتصف ميدان تايمز ،تتعرى فيها مؤخرتك؟
حتى وإن لم يكن بجسمك جانب معيب أو غريب — األمر الذي ال يتمتع به أغلبنا — فستكون غ=ريب األط=وار ح ًّق=ا إن راقت
.لك هذه الفكرة .معظمنا سيهرب من الموقف وهو يصرخ ،أو يحاول حبسها في داخله حتى ينفجر
مخز ،وإنما شيء خاص ،إنه يتعلق بأن حياتك تخصك وحدك
ٍ .ال يتعلق األمر هنا بفعل شيء
كانوا يسلبونني ذلك شي ًئا فشي ًئ ا .أثناء عودتي للزنزانة ،عاودني ذلك الشعور بأنني أستحق ما يحدث لي؛ فقد خ==رقت الكث==ير من
ُّ
وأفلت دون عقاب في أغلب األحيان .لعل هذه هي العدال==ة ،لع==ل ه==ذا ج==زاء م==ا فعلت==ه في الماض==ي .في القوانين طوال حياتي،
ُس ِم ح لي باالستحمام ،والسير بأرجاء الفناء .علت السماء الفناء الذي فاحت منها رائح==ة منطق==ة الخليج ،لكن فيم==ا ع==دا ذل==ك ،لم
أر أ ًّيا من السجناء اآلخرين أثناء فترة التريض ،وشعرت بضجر ش==ديد
تكن لديَّ أية فكرة عن المكان الذي كنت اح َت َجز فيه .لم َ
أثناء تجولي بال هدف .حاولت سماع أي صوت قد يساعدني في فهم ماهية ذلك المكان ،لكن كل ما سمعته كان ص==وت مركب==ة
.ما بين الحين واآلخر ،أو محادثات بعيدة ،أو طائرة تحط في مكان ما بالجوار
أعادوني إلى الزنزانة ،وقدموا لي الطعام ،نصف بي==تزا ب==الببروني من مح==ل «ج==وت هي==ل بي==تزا» ال==ذي أعرف==ه جي= ً=دا في حي
بتريرو هيل .ذكرتني علبة البيتزا ،بما عليها من رسم مألوف ورقم اله==اتف ،٤١٥بأن==ه من ي==وم واح==د فق==ط كنت ح= ًّرا في بل==د
حر ،وصرت اآلن سجي ًنا .كان يساورني القلق دائ ًما بشأن داريل وأصدقائي اآلخرين ،ربما أبدَوا قدرً ا أكبر من التعاون وأُطلِق
.سراحهم ،ربما أخبروا والديَّ بما حدث ،فأخذا يجريان اتصاالتهما في جنون
.وربما ال
خلت الزنزانة من أية محتويات ،ك=انت فارغ=ة ك=روحي .تخيلت أن الحائ=ط الموج=ود أم=ام م=ا أن=ام علي=ه شاش=ة ،وأن بإمك=اني
ممارسة القرصنة في تلك اللحظة ألفتح باب الزنزانة .تخيلت مكتبي ،وم==ا علي==ه من مش==روعات :العلب المعدني=ة= القديم==ة ال==تي
كنت أحوِّ لها إلى جهاز لتضخيم الصوت ،وكاميرا الطائرات الورقية التي كنت أصممها ،وجه==از الكم==بيوتر المحم==ول المُص=مَّم
.في المنزل
أردت الخروج من ذلك المكان .أردت العودة إلى المنزل واس==تعادة أص=دقائي ،ومدرس=تي ،ووال==ديَّ ،وحي=اتي .أردت أن أك=ون
.قادرً ا على الذهاب حيثما شئت ،وال أظل أسي ُر جيئة وذهابًا في المكان نفسه
•••
حصلوا بعد ذلك على كلمات المرور ألجهزة اليو إس بي خاصتي .احتوت تلك األجهزة على بعض الرسائل المثيرة التي س==بق
لي تنزيله==ا من مجموع==ات النق==اش على اإلن==ترنت ،وبعض س==جالت المحادث==ات ،وأم==ور س==اعدني فيه==ا بعض األف==راد بمنحي
المعلومات التي كنت بحاجة إليها لتنفيذ ما كنت أفعل==ه .ك==ل ذل==ك ك=ان مت==وفرً ا على جوج==ل ب==الطبع ،لكن==ني ال أظن أن ذل==ك في
.صالحي
خرجت للتريض مرة أخرى بعد ظهيرة ذلك اليوم ،وفي تلك المرة كان هناك بعض األفراد في الفناء :أربع==ة رج==ال وس==يدتان،
».من جميع األعمار واألعراق .أظن أن كثيرين غيري كانوا ينفذون أوامر ما ل َِج ْني «االمتيازات
سمحوا لي بقضاء نصف ساعة في الفناء ،فحاولت تبادل أطراف الحديث مع من بدا أكثر طبيعية بين السجناء اآلخرين ،والذي
َ
التفت كان شا ًّبا أسود البشرة في نفس سني تقريبًا ،وكان شعره قصيرً ا مجع ًدا .لكن عندما قدمت نفسي ل==ه وم==ددت ي==دي نح==وه،
على الفور ناحي==ة الك==اميرات المعلق==ة على نح==و ين==ذر بالس==وء في زواي==ا الفن==اء ،وواص==ل س==يره دون أن يب==دي أي تغي==ير على
.م َّنا اآلخر بقوة ،وأدركت أنني كنت أرتعد =،ثم أدركت أنها ترتعد أيضًا
».فأجبتها« :أنا بخير ،قالوا لي إنهم سيطلقون سراحي إذا أخبرتهم بكلمات المرور الخاصة بي
».يطرحون عليَّ أسئلة باستمرار بشأنك أنت وداريل«
.دوى صوت في مكبر الصوت ،يأمرنا بالتوقف عن الحديث والمشي ،لكننا تجاهلناه
».قلت على الفور« :أجيبيهم .أجيبي على كل أسئلتهم ،إن كان هذا سيضمن إطالق سراحك
».لم أرهما«
فُتِح الباب بعنف ،واندفع منه أربعة حراس ضخام البنية ،أمسك اثنان بي ،في حين أمسك االثنان اآلخران بفانيسا .دفع==اني على
األرض ،وأدارا رأسي بعي ًدا= عن فانيس=ا ،لكن=ني س=معتها تلقى نفس المعامل==ة .أع=ادا تكبي=ل معص=ميَّ باألص=فاد البالس==تيكية ،ثم
.أردت التبول ،لكنني لم أستطع فتح سحاب سروالي ،واشتدت حاجتي للتبول
.فتبولت في سروالي
حضروا بعد ذلك الصطحابي بعد أن صار البول بار ًدا دب ًقا؛ ما جعل سروالي الجي==نز — ال==ذي ك=ان ق==ذرً ا بالفع==ل — يلتص==ق
بساقيَّ .جاءوا الصطحابي ،وقادوني عبر الرواق الطويل المصطفة على جانبيه األبواب ،كل باب عليه باركود ،وك==ل ب==اركود
يشير لسجين مثلي .ساروا حتى وصلوا بي إلى غرفة االستجواب ،كانت الغرفة أشبه بكوكب مختلف عندما دخلته==ا ،ع==الم ك==ل
األشياء فيه طبيعية =،ال تفوح منها رائحة البول .شعرت بقذارة شديدة وخ==زي عظيم ،وع==اودني الش==عور ب==أنني أس==تحق ك==ل م==ا
.يحدث لي
كانت السيدة ذات الشعر القصير تجلس بالفع==ل في الغرف==ة ،ك==ان مظهره==ا مثال ًّي==ا :ش==عرها مص=فف ،وق==د زينت وجهه==ا ببعض
.مستحضرات تجميل .شممت رائحة المواد التي وضعتها على شعرها .جعدت أنفها أمامي ،وشعرت بالخزي داخلي
»حس ًنا ،لقد كنت فتى مشاغبًا للغاية ،أليس كذلك؟ ما هذه القذارة؟«
يا للخزي! نظرت ألسفل نحو الطاولة ،لم أحتمل النظر ألعلى .أردت إخبارها بكلمة المرور لبريدي اإللكتروني ،واالبتعاد عن
.ذلك المكان
».ضحكت وأنا أنظر إلى الطاولة ،ثم أجبتها« :أخبرتها أن تجيب عن أسئلتكم … أن تتعاون معكم
الفريق» .لسنا إرهابيين ،نحن طالب بالمرحلة الثانوية ،وأنا ال أوجِّ ه لها أية أوامر .لقد أخبرته==ا بض==رورة تح==ري «الص==دق»
» َمن؟«
داريل ،لقد ألقيتم القبض علينا م ًعا ،إنه صديقي ،وقد تلقى طعنة في محطة بارت بشارع باول؛ له==ذا ص==عدنا ألعلى إلحض==ار«
».المساعدة له
عندما ال تتعاون معنا ،ورأيت ما يحدث عندما تعصي أوامرنا .لقد تعاونت معنا قلياًل ،وأوصلك ذل==ك تقري ًب==ا للمرحل==ة ال==تي ق==د
».تستعيد معها حريتك .إذا أردت تحويل هذا االحتمال إلى واقع ،فعليك أن تلتزم باإلجابة عن أسئلتي
.لم أنطق
».بدأت تتعلم ،هذا جيد .واآلن ،لتخبرنا بكلمات المرور لبريدك اإللكتروني ،من فضلك«
كنت مستع ًّد ا لذلك ،أعطيتهم كل شيء :عنوان الخادم ،واسم المستخدم ،وكلمة المرور .لم يكن لذلك أهمي==ة؛ فأن==ا ال أحتف==ظ بأي==ة
رسائل بريد إلكتروني على الخادم .لقد أنزلته==ا كله==ا ،واحتفظت به==ا على جه==از الكم==بيوتر المحم==ول الخ==اص بي في الم==نزل،
والذي ينزل كل بريدي من على الخادم كل س==تين ثاني==ة ،ويحذف==ه .لن يحص==لوا على أي ش==يء من بري==دي؛ فق==د م ُِس=ح من على
أعادوني إلى الزنزانة ،لكنهم حرروا يديَّ ،وسمحوا لي باالستحمام ،ومنحوني س==روااًل برتقال ًّي==ا من زي الس==جن ألرتدي==ه =.ك==ان
مقاسه كبيرً ا للغاية ،وتدلى فوق وركيَّ مثل فتى عصابات مكسيكي في حي ميشن .من هنا ت==أتي ص==يحة الس==راويل الفضفاض==ة
.المتدلية … من السجن ،وهي أقل متعة في الحقيقة عندما ال تكون تعبيرً ا عن الموضة
أخذوا سروالي الجينز بعي ًدا ،وقضيت يومًا آخ==ر في الزنزان==ة .ك==انت الحوائ==ط من اإلس==منت المليء بالخ==دوش ف==وق ش==بكة من
الفوالذ ،اتضح ذلك ألن الفوالذ قد تعرض للصدأ في الهواء المالح ،والشبكة لمعت بلونها البرتقالي المائل إلى األحمر عبر لون
.الطالء األخضر .كانت تلك النافذة تفصل بيني وبين والديَّ ،إنهما بالخارج في مكان ما
ً
ثانية في اليوم التالي .جاءوا إليَّ
».قضينا يو ًم ا في قراءة بريدك حتى اآلن ،وقد غيرنا كلمة المرور حتى ال يتمكن جهاز الكمبيوتر بمنزلك من الحصول عليه«
.حس ًنا ،بالطبع فعلوا ذلك ،لو كنت مكانهم لفعلت ذلك أيضً ا .هذا ما أدركته عندما فكرت في األمر
لدينا معلومات عنك ،يا ماركوس ،تكفي لسجنك مدة طويلة للغاية ،حيازتك لهذه األشياء …» وأش==ارت إلى مجموع==ة أدواتي«
الصغيرة … «والبيانات التي استعدناها من هاتفك وأجهزة ال=ذاكرة الخاص=ة ب=ك ،باإلض=افة إلى الم=واد المخرب==ة ال=تي س=نعثر
عليها بال شك إذا هاجمنا منزلك ،وحصلنا على جهاز الكمبيوتر الخاص بك .كل ذلك يكفي لسجنك حتى يتق==دم ب==ك العم==ر ،ه==ل
»تفهم ذلك؟
قاض القول بأن هذه األشياء تش ِّكل أية جريمة حقيقية ،إنها حرية تعبير ،ومحاوالت ابتكار
لم أصدق األمر لوهلة ،ال يمكن ألي ٍ
.تكنولوجية ،وليست جريمة
أدركت حينذاك ما كان يحدث؛ سيطلقون سراحي .بدت إض==اءة الحج==رة في تل==ك اللحظ==ة أك==ثر س==طوعً ا .س==معت ص==وتي وأن==ا
»نريد أن نعرف شي ًئا واح ًدا فقط :كيف وصلت المتفجرات إلى الجسر؟«
»ماذا؟«
أجابت« :كانت هناك عشرة متفجرات تم نشرها بطول الجسر كله ،ولم تكن في صناديق السيارات ،لق==د تم زرعه==ا هن==اك ،من
قالت وهي تنظر إليَّ في حزن« :هذه فرصتك األخيرة يا ماركوس ،لقد أبليت بال ًء حس= ًنا ح==تى اآلن .لتخبرن==ا به==ذه المعلوم==ة،
».يمكنك استخدامها لتفسير أفعالك .أخبرنا فقط بهذه المعلومة ،وسنطلق سراحك
ال أعلم عم=ا تتح==دثين!» أخ==ذت أبكي ،ولم أهتم ح==تى ب=ذلك .خال=ط دم==وعي النش=يج والنحيب« .ليس=ت ل==دي أدنى فك==رة عم=ا«
»!تتحدثين
».هزت رأسها ،وقالت« :أرجوك يا ماركوس ،دعنا نساعدك ،فأنت تعلم اآلن أننا نحصل دائمًا على ما نريد
كان هناك صوت ثرثرة في عقلي يقول لي إنهم «مخبولون» .لملمت شتات نفسي ،وحاولت جاه ًدا إيقاف دموعي« .اسمعي ي==ا
سيدتي ،إن هذا لجنون ،لقد بحثتم في أغراضيَّ ،
واط لعتم عليها كلها .أنا طالب بالمرحلة الثانوية في السابعة عشرة من عمري،
»… ولست إرهاب ًّيا! ال يُع َقل أن تكوني جادة في تفكيرك أنني
هزت رأسها وهي تقول لي« :ألم تدرك بعد ،يا ماركوس ،أننا جادون؟ إنك تحصل على درجات مرتفع==ة في دراس==تك ،ظننت=ك
ترد على ذهنك بعد تركك للغرفة ونزول==ك على الس==لم .تخيلت أن==ني ق==د وقفت أم==ام تل==ك الس==يدة ،وواجهته==ا مخ==برً ا إياه==ا أن==ني
مواطن أحب حريتي ،ما يجعل مني وطن ًّيا ،ومنها خائنة .وتخيلت أنني ق==د أخجلته==ا لتحويله==ا البالد إلى معس==كر مُس=لَّح ،وأن==ني
لكنني لم أتذكر أ ًّي ا من هذه الكلمات الرائعة عندما جاءوا لجرِّ ي من زنزانتي في اليوم التالي ،كل ما كنت أفكر في==ه ه==و حري==تي
….ووالديَّ
»قالت السيدة« :مرحبًا يا ماركوس ،كيف حالك؟
.الجدران
قالت« :لقد انتهينا من التحقيق معك في الوقت الحاض==ر» ،ثم ص==متت .ربم==ا م==ا ك==انت تعني=ه= أنه==ا س==تطلق س==راحي ،أو لعله==ا
حادث كالحادي عشر من سبتمبر تريدنا أن نشهد قبل أن يكون لديك استعداد للتعاون معنا؟ إن تفاصيل م=ا نجري=ه من تحقيق=ات
»أمر سري ،ولن ندخر جه ًدا للقبض على المجرمين المنفذين لهذه الجرائم المشينة .هل تفهم ما أقوله؟
».تمتمت« :نعم
سنعيدك إلى منزلك اليوم ،لكنك رجل مشبوه اآلن .لقد توصلنا إلى أنك لست فوق الشبهات ،والسبب الوحيد إلطالقنا س==راحك«
هو أننا قد انتهينا من استجوابك في الوقت الحاضر ،لكن من اآلن فصاع ًدا ،أنت م ِْلكنا ،سنراقبك على ال==دوام ،وننتظ==ر ص==دور
».تمتمت« :نعم
حس ًنا ،لن تنبس ببنت شفة عما ح=دث هن==ا ألي أح=د على اإلطالق ،ه=ذه مس=ألة أمن ق=ومي .أتعلم أن عقوب==ة الخيان=ة في وقت«
».تمتمت« :نعم
قالت بص=وت خفيض معبِّر ًة عن رض=اها« :ف=تى مطي=ع ».ثم اس=تطردت ح=ديثها« :ل=دينا بعض األوراق هن=ا نري=دك أن توق=ع
عليها ».ودفعت كومة األوراق على الطاولة تجاهي .لُصِ ق على ك ٍّل منها ورقة مالحظات مطبوع عليها َ
«و ِّقع هنا» .ف = َّ
ك أح==د
.الحراس أصفادي
أخذت أتصفح األوراق ،دمعت عيناي ودارت رأسي ،لم أستطع فهم أيٍّ منها .حاولت ف==ك ش==فرة المف==ردات القانوني==ة .لق==د كنت
.انتزعت األوراق مني ،ونقرت أصابعها مرة أخرى ،فجذبني الحراس بعنف ألقف على قدميَّ
صحت« :انتظري! أرجوكِ ! سأوقع عليها!» سحبني الحراس إلى الباب ،وكان كل ما يمكنني رؤيته ه==و ذل==ك الب==اب ،وك==ل م==ا
أضعت الفرصة من بين يديَّ ،أخذت أبكي وأتوسل ليُس َمح لي بتوقي==ع األوراق .اق==ترابي إلى ه==ذا الح==د من الحري==ة ،وانتزاعه==ا
مني فجأة جعلني على استعداد= لفعل أي شيء .ال يسعني تذكر عدد المرات التي سمعت فيها شخ ً
صا ما يقول« :يا إلهي! الموت
أفضل عندي من فعل هذا أو ذاك» ،حتى إنني نفسي ردَّدتها أحيا ًنا ،بيد أن هذه المرة األولى التي أدركت فيها ما تعنيه ح ًّقا هذه
.أخذت أتوسل وهم يقودونني عبر الرواق ،وأردد أنني سأوقع على أي شيء
ً
ثانية إليها ،وأجلسوني .وضع أحدهم القلم في يدي .فنادت السيدة الحراس ،وتوقفوا .جلبوني
•••
عندما ع=دت إلى الزنزان=ة ،وج=دت س=روالي الجي=نز وال=تي ش=يرت ،وق=د تم غس=لهما وطيهم=ا ،ف=احت منهم=ا رائح=ة الم ِّ
ُنظف،
ارتديتهما =،وغسلت وجهي ،ثم جلست على ما أنام عليه وحدقت في الحائط .لقد سلبوني كل ش==يء؛ أواًل ،حري==تي ،ثم كرام==تي.
.كنت على استعداد= للتوقيع على أي شيء؛ وإن كان اعترا ًفا باغتيال أبراهام لينكون
حضروا الصطحابي مرة أخرى .اقترب مني أحد الحراس بكيس شبيه بالكيس الذي وضعوه على رأسي عندما أمسكوا بنا أول
نزل الكيس على رأس==ي ،وأُغلِ==ق بإحك==ام على عنقي .خيم الظالم الحال==ك ح==ولي ،وك=ان الج==و خان ًق==اُ .رفِعت ألق==ف على ق==دمي
وسرت عبر األروقة ،ثم صعدت على ساللم ،وسرت بعد ذلك على حصى ثم َمع َبر خشبي ،ومنه إلى سطح سفينة من الف==والذ.
ُ .ك بِّلت يداي خلف ظهري في قضيب .جثوت على ظهر السفينة ،واستمعت لصوت محركات الديزل
ً
رذاذا ،وغمر الماء مالبسي .إنني بالخ==ارج ،وإن تحركت السفينة ،وتسللت رائحة هواء مالح إلى داخل الكيس .أمطرت السماء
.كانت رأسي داخل كيس .أنا بالخارج ،في العالم ،وتبعدني عن حريتي لحظات
بعيدا عن السفينة وصواًل إلى أرض غير مستوية .صعدت بعد ذلك ثالث درجات معدنية =.فكوا قيود ي==ديَّ
جاءوا إليَّ ،وقادوني ً
عدت إلى الشاحنة ،وكانت السيدة ذات الش==عر القص==ير تجلس هن==اك أم==ام المكتب الص==غير ال==ذي ك==انت تجلس أمام==ه من قب==ل.
حملت في يدها كي ًسا بسحَّ اب بداخله هاتفي ،واألجهزة الصغيرة األخرى ،ومحفظتي ،وفكة النقود التي ك=انت بجي=وبي .ن=اولتني
وضعت أغراضي في جيوبي ،وراودني شعور ش==ديد الغراب==ة عن==د ع==ودة ك==ل ش=يء إلى مكان==ه الم==ألوف ،وارت==دائي لمالبس=ي
.المُعتادة .خارج باب الشاحنة الخلفي ،سمعت األصوات المألوفة لمدينتي التي اعتدتها
ناولتني إحدى الحارسات حقيبة ظهري ،م َّدت يدها نحوي ،وما كان مني إال أن نظ==رت إلى الحقيب==ة فق==ط ،فأنزلته==ا ،وابتس==مت
.ابتسامة متهكمة =،ثم أشارت بيدها إلى فمها بما يعني أن أغلق فمي تمامًا ،وأشارت نحوي ،ثم فتحت الباب
ً
رذاذا ،وكنت أنظر إلى شارع ضيق تندفع فيه الس==يارات والش==احنات كانت الدنيا نهارً ا بالخارج ،والسماء ملبدة بالغيوم وتمطر
عاجزا عن الحركة على درجة السلم العليا بالشاحنة ،مح ِّد ًقا نحو حريتي
ً .والدراجات سري ًعا .وقفت
اهتزت ركبتاي ،فعلمت حينه=ا أنهم ك=انوا يخ==دعونني م=رة أخ=رى ،وس=رعان م=ا سيمس==ك بي الح=راس ،ويجرون==ني ثاني= ً
=ة إلى
الداخل ،وسيوضع الكيس على رأسي ،وأعود على متن السفينة من جدي==د =،وأ ُ َ
رس=ل إلى الس=جن حيث يُل َقى على س==معي ع==دد ال
.نهائي من األسئلة التي ال جواب لها .منعت نفسي بالكاد من إقحام قبضتي داخل فمي
أرغمت نفسي بعد= ذلك على نزول إحدى درجات ال ُّسلم ،ثم درجة أخرى ،ثم األخيرة .خطوت بحذائي الرياض==ي مُح =د ًِثا ص==و ًتا
فوق القاذورات بأرضية الطريق :زجاج مكسور ،إبرة ،حصى .أخذت أسير خطوة تلو األخرى حتى وصلت إلى أول الطريق،
واألفضل في نظري على اإلطالق في العالم .إن سيكريت هيدكوارترز متجر صغير ينتقي ما يضمه من كتب .كل م==رة أدخل==ه
فيها ،أخرج محماًل بثالث أو أربع مجموعات لم أسمع عنها من قبل .يبدو األمر كما لو كان مالكاه — ديف وديفيد — يتمتعان
أرباع القصص المصورة الهزلية المفضلة لدي بالتجول في أرجاء هذا المتجر؛ حيث أمسك بقصة مثيرة ،وأغوص في كرس==ي
مريح ،ألنتقل معها إلى عالم آخر .هذا وعند صدور مجموعتي القصصية الثانية ،والتي حملت عنوان «تعدي الميقات» ،تعاق==د
المتجر مع رسام محلي يُد َعى مارتن سينريدا إلعداد قصة مصورة هزلية صغيرة قائم==ة على القص==ة األولى في ذل==ك الكت==اب،
والتي حملت عنوان «جريمة طباعة» .لقد رحلت عن لوس أنجلوس منذ عام تقريبًا ،وأكثر ما أفتقده فيه=ا ه=و متج=ر س=يكريت
.هيدكوارترز
***
لكنهما كانتا ذراعي فان ،كانت تبكي ،وتحتضنني بق==وة ح==تى ك==دت ال أتمكن من التنفس .لم أهتم ،واحتض==نتها ب==دوري ،ودفنت
.وجهي في شعرها
وأخ==يرً ا ،تركت==ني لتطوق==ني ذراع==ان أخري==ان؛ إن==ه خول==و! ك==ان االثن==ان هن==اك .همس خول==و في أذني« :أنت س==الم ي==ا أخي»،
استدرنا ،ونظرنا إلى الحافلة الموجودة بنهاية الطري=ق ،ك=انت ش=احنة ذات ١٨عجل=ة بيض=اء الل=ون يتع=ذر وص=فها ،والس=اللم
القابلة للطي قد أ ُعيدت إلى داخل الشاحنة بالفعل ،توهجت المصابيح الخلفية لها ب==اللون األحم==ر ،وس==ارت للخل==ف في اتجاهن==ا،
.مصدر ًة صو ًتا متواصاًل
»هتفت أثناء إسراعها نحونا «انتظروا! انتظروا! ماذا عن داريل؟» اقتربت الشاحنة ،وواصلت أنا الهتاف« :ماذا عن داريل؟
أمسك خولو وفانيسا بذراعيَّ وسحباني بعي ًد ا ،قاومتهما وأنا أصيح .خرجت الشاحنة من الطريق الضيق ،واستدارت لتدخل إلى
.الشارع ،ثم توجهت أسفل التل ،وانطلقت في طريقها .حاولت الركض خلفها ،لكن فان وخولو منعاني
طوقت ركبتيَّ بذراعيَّ ،وأخ==ذت أبكي بحرق==ة لم تش==هدها عين==اي من==ذ كنت طفاًل ص==غيرً ا ،لم أتمكن من
ُ جلست على الرصيف،
أبدا ً
ثانية ً .يراه
•••
كنا شمال الحي الصيني ،حيث يب==دأ حي ن=ورث بيتش ال==ذي يمتلئ بع==دد من ن==وادي التع=ري ذات الالفت==ات المض=اءة بمص=ابيح
البيت» في
ال==نيون ،ومتج==ر الكتب األس==طوري المن==اهض للثقاف==ة الس==ائدة «س==يتي اليتس» حيث تأسس==ت حرك==ة ش==عر «جي==ل ِ
.الخمسينيات من القرن العشرين
كنت أعرف تلك المنطقة جي ًدا؛ إذ تضم المطعم اإليطالي المفضل لدى والديَّ ،وه==و المطعم ال==ذي أحبَّا اص==طحابي إلي==ه لتن==اول
.أطباق المكرونة الضخمة ،والكميات الهائلة من المثلجات اإليطالية والتين المُحلَّى ،ثم القهوة اإليطالية المركزة
.صار المكان مختل ًف ا اآلن؛ فهو المكان الذي تذوقت فيه طعم الحرية ألول مرة منذ ما بدا لي ً
أمدا بعي ًدا
فتشنا جيوبنا ،وعثرنا على ما يكفي من المال لحجز مائ==دة بمطعم إيط==الي اف==ترش موائ==ده على الرص==يف تحت مظل==ة .أش==علت
النادلة الجميلة سخان الغاز باستخدام قداحة الشواء ،وتلقت طلباتنا ،ثم ذهبت إلى الداخل .شعوري بإعطاء األوامر ،والتحكم في
أحص«
ِ ».وأنا لم
سألتني فانيسا« :ماذا فعلوا بك؟» لم أرد التحدث في األمر ،لكن االثنان كانا ينظران نحوي .وما إن بدأت الح==ديث ح==تى تع==ذر
عليَّ التوقف .أخبرتهما بكل شيء ،بما في ذلك اضطراري للتبول في س==روالي .أخ==ذا يس==تمعان إلى ك==ل م==ا أقول==ه في ص==مت.
توقفت لحظات أثناء تق==ديم النادل=ة للمش=روبات الغازي=ة ،وانتظ=رت ح==تى ابتع==دت عن م=رمى الس=مع ،ثم أنهيت ح=ديثي .ك==انت
الذكريات تتالشى في ذهني أثناء الحديث ،وعند انتهائي ،لم يكن بإمكاني الق=ول م=ا إذا كنت أغ=الي في التعب=ير عن الحقيق=ة ،أم
.أقلل من مدى سوئها .كانت ذكرياتي أشبه بالسمكة الصغيرة التي أحاول اإلمساك بها ،وتتملص من قبضتي أحيا ًنا
َّ
هز خولو رأسه وقال« :لقد عاملوك بقسوة يا صديقي ».أخبرنا بما حدث له هناك؛ خضع لالستجواب ال=ذي دار أغلب=ه ح=ولي،
والتزم الصدق معهم ،وتحدث بصراحة عما حدث في ذلك اليوم ،وعن صداقتنا .جعلوه يعيد= ما قال==ه م==رارً ا وتك==رارً ا ،لكنهم لم
يمارسوا معه الحيل الذهنية= كما فعلوا معي .وكان يتناول وجباته في قاعة الطعام مع آخرين ،و ُسمِح له بقضاء بعض الوقت في
.غرفة بها تليفزيون حيث ع ُِرضت أشهر أفالم العام الماضي على شرائط فيديو
اختلفت قصة فانيسا قلياًل ؛ فبعد= أن أغض==بتهم بس==بب ح==ديثها معي ،أخ==ذوا مالبس==ها ،وجعلوه==ا ترت==دي رداء الس==جن :الس==روال
البرتقالي اللون ،وتركوها في الزنزانة لمدة يومين دون أن يتحدث معها أحد ،وإن قدموا لها الطعام بانتظام .باستثناء ذلك كانت
.قصتها مشابهة لقصة خولو :األسئلة ذاتها التي أُخذت ُتعاد عليها مرارً ا وتكرارً ا
:لم يمك ِّني تصور السبب وراء ذلك ،لكنني تذكرت بعد ذلك عبارة
ألنني لم أوافق على فك شفرة هاتفي لهم في تلك الليل==ة األولى؛ وله==ذا ميَّزوني عن اآلخ==رين في المعامل==ة ».لم أص==دق ذل==ك«،
.لكن لم يكن هناك تفسير آخر .كان انتقامًا مح ً
ضا .أصابتني الفكرة بدوار؛ فكل ما فعلوه كان عقابًا لي لتحدي سلطتهم
».كنت خائ ًفا ،أما اآلن فصرت غاضبًا .قلت بهدوء« :هؤالء األوغاد! فعلوا ذلك انتقامًا مني لتعبيري عن رأيي بصوت ٍ
عال
.سبَّ خولو ،واندفعت فانيسا كذلك في ترديد الشتائم بالكورية ،األمر الذي كانت تفعله فقط عند حنقها بشدة
».قلت هام ًسا وأنا أشرع في تناول المشروب الغازي« :سأنال منهم … سأنال منهم
َّ
».هز خولو رأسه ،وقال« :ال يمكنك ،أنت تعلم .ال يمكنك مجابهة ذلك
•••
لم يرغب أيٌّ منا في التحدث طوياًل عن الثأر آنذاك ،وأخذنا نتحدث — بداًل من ذلك — حول ما سنفعله فيما بع==د .ك==ان علين==ا
الذهاب إلى منازلنا .انقطع الشحن عن هواتفنا ،وخال ذلك الحي من هواتف العملة العمومية منذ سنوات .كنا بحاجة للذهاب إلى
.منازلنا فقط .فكرت حتى في استقالل سيارة أجرة ،لكن لم يكن بحوزتنا ما يكفي من المال لفعل ذلك
ومن ثم سرنا .وعند الزاوية ،وضعنا بعض العمالت المعدنية في صندوق صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» وتوقفنا لقراءة
.الصفحة األولى .مرت خمسة أيام على التفجيرات ،لكن الحدث ال يزال يحتل الصفحة األولى
ُ
وافترضت حينها أنها كانت تتحدث عن جسر «جولدن جيت» ،لكنني تحدثت السيدة ذات الشعر القصير عن تفجير «الجسر»،
تساءلت« :لماذا بحق الجحيم يفجرون جسر باي؟ جسر جولدن جيت هو المطبوع على كل البطاق==ات البريدي==ة ».وح==تى من لم
تسبق له زيارة سان فرانسيسكو ،يعرف على األرجح شكل جسر جولدن جيت؛ فهو ذلك الجسر المُعلَّق الكبير البرتق==الي الل==ون
الذي يمتد من قاعدة عسكرية قديمة ُتس َمى «برسيديو» إلى «سوساليتو»؛ حيث تقع بجانب م==دن «واين ك==انتري» الب==اهرة بم==ا
تحويه من معارض فنية ومتاجر الشموع الم َّ
ُعطرة .والجسر أشبه بصورة فنية ،وه==و يك==اد يك==ون رم= ً
=زا لوالي==ة كاليفورني==ا .إذا
.ذهبت لمتنزه «ديزني الند كاليفورنيا آدفنتشر» ،فستجد نسخة مُص َّغرة منه على البوابات ،مع خط حديد أحادي فوقه
.لذا ،كان من الطبيعي أن أفترض أنه إذا كان هناك جسر ليتفجر في سان فرانسيسكو ،فسيكون ذلك الجسر
قال خولو« :ربما أخافتهم الكاميرات وخالفها؛ فيفحص الحرس القومي السيارات دائمًا بطرفي الجس==ر ،وهن==اك ك==ذلك ح==واجز
االنتحار وغيرها بط=ول الجس=ر ».اعت=اد الن=اس االنتح=ار من على جس=ر «جول=دن جيت» من=ذ افتتاح=ه ع=ام ،١٩٣٧وتوق=ف
قالت فانيسا« :نعم ،هذا فضاًل عن أن جسر باي يؤدي إلى مكان ما بالفعل ».فيمتد= جسر ب==اي من وس==ط س==ان فرانسيس==كو إلى
أوكالند ،ومن ثم إلى بيركلي ،وهي المناطق الموجودة شرق الخليج ويقطنها الكثير ممن يعيشون ويعملون في المدينة .إنها من
المناطق الوحيدة في منطقة الخليج التي يمكن ألي شخص عادي تحم=ل تكلف=ة م=نزل كب=ير بم=ا في=ه الكفاي=ة به=ا ،وهن=اك ك=ذلك
الجامعة ،ومجموعة من الصناعات الخفيفة .تشق شبكة ب==ارت طريقه==ا تحت منطق==ة الخليج ،وتص==ل بين الم==دينتين= ً
أيض=ا ،لكن
الجسر هو م==ا يش==هد أغلب حرك==ة الم==رور .جول==دن جيت جس==ر رائ==ع إذا كنت س==ائحً ا أو متقاع= ًدا ثر ًّي==ا تعيش في منطق==ة واين
.كانتري ،لكنه مزخرف إلى حد كبير ،في حين أن جسر باي هو — أو كان — عماد سان فرانسيسكو
فكرت لدقيقة في األمر ،ثم قلت« :أنتما على حق ،لكنني ال أظن أن األم==ر يقتص==ر على ذل==ك فحس==ب .نحن نفك==ر دائ ًم==ا في أن
اإلرهابيين يهاجمون المعالم المهمة ألنهم يكرهونها ،اإلره=ابيون ال يكره=ون المع=الم المهم=ة أو الجس=ور أو الط=ائرات .إن م=ا
يريدونه فقط هو اإلفس=اد ،وإخاف==ة الن==اس؛ أي نش==ر ال==ذعر ،ومن ثم ،ك==ان من المنطقي أن يس==تهدفوا جس=ر ب==اي بع==د أن مألت
الكاميرات جسر جول==دن جيت ،وص==ارت الط==ائرات مجه==زة بمع==دات الكش==ف عن المع==ادن واألش==عة الس==ينية ».اس==تغرقت في
التفكير أك==ثر مح==د ًقا ِبا ْن ِش=دَا ٍه في الس==يارات المتس=ارعة على الطري==ق ،وفي الن=اس ال==ذين يس==يرون على األرص=فة ،في المدين=ة=
بأكملها من حولي« .اإلرهابيون ال يكرهون الطائرات أو الجسور ،وإنم==ا يحب==ون اإلره==اب ».كي==ف لم أفك==ر في ذل==ك من قب==ل
.مطل ًقا؟! أعتقد أن التعامل معي كإرهابي لبضعة أيام كان كافيًا لتوضيح أفكاري
حدق فيَّ خولو وفانيسا« .أنا محق ،أليس كذلك؟ كل هذا الهراء المتعلق باألشعة السينية والتحقق من بطاقات الهوي==ة ،ك==ل ذل==ك
استطردت حديثي ،وقد صار صوتي عاليًا أجشَّ « :بل أسوأ مما ال قيمة ل==ه ،فق=د أدت إلى دخلون=ا الس=جن ،م==ع داري==ل …» لم
.أفكر في داريل منذ جلوسنا ،عاد اآلن إلى ذهني صديقي المفقود الذي ال أثر له .توقفت عن الحديث ،وصررت فكيَّ
».قال خولو« :ينبغي لنا إخبار والدينا
فكرت في سرد قصتي ،وإخبار العالم بما حدث معي ،وفي مقاطع الفيديو التي ستظهر ال محالة وأظهر فيها وأنا أبكي كحي==وان
.متذلِّل
».نسج الخيال .هذا فضاًل عن أننا ال نعلم أين اح ُت ِجزنا! لن يصدقنا أحد ،وفي أحد األيام ،سيأتون للقبض علينا
سأخبر والديَّ أنني كنت في أحد المخيم==ات الموج==ودة بالج=انب اآلخ==ر من الخليج ،وذهبت للق=ائكم هن=اك حيث حوص=رنا ولم«
نتمكن من مغادرة المكان هناك سوى اليوم .تشير الصحف إلى أن الناس ما زالوا يعودون إلى منازلهم من تلك المخيمات ح==تى
».اآلن
»قالت فانيسا« :ال يمكنني فعل ذلك .بعد كل ما فعلوه بك ،كيف يمكن حتى أن تفكر في ذلك؟
لقد حدث ذلك لي ،وهنا تكمن الفكرة .األمر بيني وبينهم اآلن ،سوف أتغلب عليهم ،وسأنقذ داريل ،لن أقب==ل بالهزيم==ة .أم==ا إذا«
».تدخل أهلنا ،فسينتهي األمر .لن يصدقنا أحد أو يهتم ،لكن إذا نفذنا ما أقوله ،فسوف يهتم الناس
فأجبت« :ال أعلم بعد ،أعطني فرصة حتى صباح الغد ،على األقل ».كنت أعلم أنهما إذا أبقيا األمر س= ًّرا لي==وم واح==د ،فس==يظل
.كذلك لألبد .ستزداد شكوك أهلنا إن «تذكرنا» فجأة أننا كنا محتجزين في سجن سري ،ولم نكن في أحد المخيمات
».فقط
ً
ثانية قاصدين منازلنا .كنت أعيش في حي بتريرو هيل ،وفانيسا أومأ خولو وفانيسا برأسيهما في تجهُّم ،وانطلقنا م ًعا أسفل التل
في نورث ميشن ،وخولو في نو فالي … ثالثة أحياء مختلفة تمام االختالف ،وال يبعد ك ٌّل منه==ا عن اآلخ=ر س=وى بض==ع دق==ائق
انتقلنا إلى شارع ماركت ،وتوقفنا كالذي أصابته صاعقة .طوقت المتاريس الشارع من كل زاوية ،وتحولت مفارق الط==رق إلى
ممر واحد ،ومألت الشارع بالكامل شاحنات ذات ١٨عجل==ة ليس له==ا مع==الم واض==حة مث==ل الش=احنة ال==تي حملتن==ا والكيس على
احت==وت ك==ل ش==احنة على ثالث درج==ات معدني==ة في الج==زء الخلفي منه==ا ،وض==جت بالنش==اط ب==دخول الجن==ود ورج==ال الش==رطة
الب َذل شارات صغيرة على طياته==ا وال==تي ك==ان يتم فحص==ها من قب==ل الجن==ود أثن==اء
الب َذل إليها ،وخروجهم منها .حملت ِ
ومرتدي ِ
دخول حامليها وخروجهم … شارات ترخيص السلكية .عند عبورنا بإحدى تلك الشاحنات ،ألقيت نظرة عليها ،فرأيت الش==عار
.المُعتاد لوزارة األمن الوطني .لمحني أحد الجنود أثناء تحديقي في الشاحنة ،فرمقني بنظرة مُح ِّدقة غاضبة
أدركت معنى تلك النظرة ،فواصلت المسير .انفصلت عن فان وخولو عند فان نيس .تعلق ك ٌّل منا باآلخر وبكينا ،وتعاهدنا على
كان هناك طريقان للوصول إلى بتريرو هيل؛ أحدهما يَسِ ر واآلخر عَسِ ر ،يم=ر الطري=ق ال َع ِس=ر ببعض من أش=د التالل انح=دارً ا
في المدينة =،تلك التالل التي تقع عليها مطاردات السيارات في أفالم الحركة واإلثارة ،والتي تعلق فيها السيارات في الهواء عند
تحليقه=ا ف==وق القمم .كنت دو ًم==ا أس=لك الطري==ق ال َع ِس=ر إلى الم=نزل ،ش=وارعه جميعه=ا س=كنية تض=م من==ازل قديم=ة من الط=راز
الفيكتوري يُطلَق عليها اسم «السيدات المتبرجات»؛ لم=ا تتس=م ب=ه من طالء ص=ارخ مُت َقن ،وح=دائق أمامي=ة زاخ=رة بالحش=ائش
الطويلة واألزهار ال َعطِ رة .تحدق القطط األليفة فيك أثناء سيرك من خلف سياجات هذه المنازل ،وتك==اد تخل==و الش==وارع من أي
.مُشرَّ دين
خيم الهدوء التام على تلك الشوارع؛ ما جعلني أتمنى لو كنت قد سلكت الطريق اآلخر عبر حي ميشن ،وال==ذي لع==ل أفض==ل م==ا
يوصف به أنه «صاخب»؛ فهو نابض بالحياة والضجيج ،ويعج بالسكارى المشاكسين ،وم==دمني الكوك==ايين الح==انقين ،وم==دمني
المخدرات فاقدي الوعي ،وكذلك العديد= من األسر التي تدفع أمامها عربات أطفال ،وسيدات عجائز منهمك==ات في القي==ل والق==ال
على أعتاب المنازل ،وسيارات منخفضة تسير جنبًا إلى جنب مع سيارات بمكبرات صوت كبيرة .ضمت الشوارع أيضً ا ش==بابًا
بوهيميين (هيبيز) ،وطالب موسيقى اإليمو ،بل وبعض عازفي موسيقى «البانك روك» القديمة أيضًا ،ورج==ااًل بك==روش ت==برز
من تحت قمص==ان فرق==ة «دي==د كيني==ديز» ال==تي يرت==دونها .ه==ذا فض =اًل عن رج==ال يرت==دون مالبس النس==اء ،وش==باب عص==ابات
غاضبين ،وفناني جرافيتي ،ومطوري المباني القديمة المرتبكين الذين يحاولون تفادي التع==رض للقت==ل أثن==اء تنفي==ذ اس==تثماراتهم
.العقارية
وصلت إلى حي جوت هيل ،ومررت بجانب مطعم «جوت هيل بيتزا» الذي ذ َّكرني بالسجن ال==ذي اح ُت ِج==زت في==ه .اض==طررت
للجلوس على المقعد الموجود أمام المطعم حتى توقف جسدي عن االرتعاش ،أبصرت حينه==ا الش==احنة أعلى الت==ل ،ش==احنة ذات
١٨.عجلة تنزل من الجانب الخلفي لها ثالث درجات معدنية =.وقفت ،وواصلت المسير .شعرت بعيون تراقبني من كل اتجاه
أسرعت الخطى فيما تبقى من الطريق وصواًل إلى المنزل .لم أنظر إلى المنازل ذات الطالء الص==ارخ ،أو الح==دائق ،أو القط==ط
وقفت سيارتا والديَّ في الممر أمام المنزل ،رغم أننا كنا في منتصف النهار ،بيد أنه كان أمرً ا منطق ًّيا؛ إذ يعم==ل أبي في منطق==ة
شرق الخليج ،وبالتالي ل==زم الم==نزل إلى حين االنته==اء من العم==ل بالجس==ر .أم==ا أمي … حس= ًنا ،لم ِ
أدر لم==اذا ك==انت وال==دتي في
.المنزل
قب==ل أن أنتهي من فتح الب==ابُ ،س=حِب بق==وة من بين ي==ديَّ ،وفُتِح على مص==راعيه .وق==ف وال==داي يح==دقان فيَّ ،وق==د ب==دا عليهم==ا
الشحوب واإلنهاك ،وانتفخت عيونهما .تسمَّر ثالثتنا في أماكننا للحظة ،ثم اندفعا نحوي ،وسحباني إلى داخل المنزل بق=وة ح=تى
كدت أقع من بين أيديهما =.أخذا يتحدثان سريعً ا وبصوت ٍ
عال ،وكل ما ك=ان بإمك=اني س=ماعه ه=و ثرث=رة ه=ادرة ال تتض=ح فيه=ا
الكلمات .احتضناني وبكيا ،وبكيت أنا أي ً
ض ا .وقفنا على هذه الحال في الردهة الصغيرة ونحن نبكي وننطق بكلم==ات مبهم==ة إلى
قطعتين من البسكويت من «علبة البسكويت» التي أرسلتها لنا خالتي من إنجلترا .كان له==ذه التص==رفات االعتيادي==ة أثره==ا على
.قلبي الذي هدأت دقاته ،واستعاد تواصله مع عقلي ،وسرعان ما كان ثالثتنا جالسين على المائدة
فأجبت« :نعم ،كان أمرً ا سي ًئا ح ًّقا ».قرأت عن الحجر الصحي في الصحيفة ،واقتبست مما نشرته بال خجل .واص==لت ح==ديثي:
«نعم ،كل من قُ ِبض عليه إثر التفجيرات وُ ضِ ع في الحجر الصحي؛ فقد اع ُتقِد أننا تعرضنا لهجوم بأحد أنواع البكتيريا المقاومة
للمضادات الحيوية؛ فكدسونا داخل حاويات شحن في مناطق إرساء السفن كس==مك الس==ردين؛ ح==رارة ورطوب==ة ش==ديدتان داخ==ل
قال أبي« :يا إلهي!» وضرب بك َّفيه على المائدة .يُدرِّ س والدي في ب==يركلي ثالث==ة أي==ام في األس==بوع؛ حيث يعم==ل م==ع ع==دد من
الخريجين في برنامج علم المكتبات .أم=ا ب==اقي ال==وقت ،فيق==دم استش==ارات للعمالء في المدين==ة وفي ش==به الجزي==رة ،من ش=ركات
إنترنت الجيل الجديد التي يرتبط عملها كثيرً ا بالسجالت .اتسم بالحِلم لطبيعة عمله في أمانة المكتبات ،لكنه كان متطر ًفا أص==ياًل
في الستينيات ،ومارس المصارعة قلياًل في المدرسة الثانوية .سبق أن رأيته في ش==دة حنق==ه من حين آلخ==ر — ب==ل تس==ببت في
مثل هذا الحنق في بعض األحيان — وعند وصول غضبه إلى أقص==ى م==دى ل==ه يمكن أن يفق==ده ص==وابه على نح==و خط==ير .في
.إحدى المرات ،قذف بأرجوحة من صنع شركة إيكيا عبر حديقة جدي بسبب تف ُّككها مرات عدة أثناء محاولة تجميعه إياها
أما أمي ،فقالت« :همجيون!» عاشت والدتي في أمريكا منذ مرحل==ة المراهق==ة ،غ==ير أن أص==ولها البريطاني==ة تظه==ر دو ًم==ا عن==د
مقابلتها ضباط الشرطة ،أو العاملين في الرعاية الصحية ،أو أمن المطارات ،أو المشرَّ دين من األمريكان .وفي تلك اللحظ==ات،
تظهر كلمة «همجيون» وتعود لكنتها البريطانية بقوة .ذهبنا إلى لندن مرتين لزيارة عائلتها ،وال يمكنني الق==ول إن ك==انت أك==ثر
.لكنهم أفرجوا عنا ،ونقلونا بالمراكب إلى هنا اليوم ».وهنا بدأت في االرتجال«
»نعسان؟«
نعم ،أنا كل ما قلتماه … وكذلك «البليد» ،و«الرزين» ،و«كثير العُطاس» و«الخجول» ».اعتدنا تب=ادل النك=ات في األس=رة«
حول قصة األقزام السبعة .ارتسمت ابتسامة بسيطة على وجهيهما ،لكن عيونهما ال تزال تبللها الدموع .أشفقت عليهما ح ًّقا ،لقد
»ُ .ج َّن ا بالتأكيد من القلق ،وأسعدتني فرصة تغيير الموضوع« .أود أن أتناول الطعام ،بال شك
فقلت له« :ال ،ليس ذاك ».نظرا إليَّ باندهاش شديد =،فلطالما عشقت بيتزا جوت هيل؛ فأن==ا كنت ألتهمه==ا بنهم ،أزدرده==ا إلى أن
تنتهي أو أش==عر ب==االمتالء .ح==اولت أن أبتس==م ،وقلت في ض==عف« :ال أش==عر بالرغب==ة في تن==اول البي==تزا ،لنطلب بعض الطع==ام
.بالكاري ،ما رأيكما؟» حم ًدا هلل أن سان فرانسيسكو مركز الوجبات السريعة
ذهبت أمي إلى درج قوائم مطاعم الوجبات السريعة (مزيد من التصرفات االعتيادية التي كان لها أثر ك==وب الم==اء عن==د نزول==ه
في حلق جافٍّ متوجع) ،وأخذت تقلب فيها .قض=ينا بض=ع دق=ائق في ح=يرة من أمرن=ا بقائم=ة أح=د مط=اعم الوجب=ات الباكس=تانية
الحالل في شارع فالينسيا ،واستقر خياري على مشويات تندوري متنوعة ،وسبانخ بالقشدة ممزوجة ب==الجبن ،ومش==روب الس==ي
.المانجو المملح (مذاقه أفضل بكثير مما قد يبدو) وبعض المعجنات الصغيرة المقليَّة المحاَّل ة في شراب السكر
ً
مجددا ،اتصل والداي بأسر فان وخولو وداري==ل (ب==الطبع) ،وح=اولوا اإلبالغ عن فق==داننا. ما إن طلبنا الطعام حتى بدأت األسئلة
كانت الشرطة تسجل األسماء ،غير أن «الغائبين» كانوا ُ
كثرً ا؛ وما كانت الشرطة لتفتح مل ًفا ألحد إال إذا مر على غياب==ه س==بعة
.أيام
في تلك األثناء ،ظهرت الماليين من مواقع «البحث عن المفقودين» على اإلنترنت ،بعض==ها مواق==ع قديم==ة ش==بيهة بموق==ع م==اي
سبيس كانت قد أفلست ،ورأت فرصة جديدة في ك==ل االهتم==ام المنص==ب على المفق==ودين .ففي النهاي==ة ،فق==دت بعض األس==ر من
أص===حاب رءوس األم===وال المغ===امرة بعض أفراده===ا في منطق===ة الخليج ،ولعلهم إذا ع===ادوا ،فس===تجذب تل===ك المواق===ع بعض
االستثمارات الجديدة =.انتزعت كمبيوتر أبي المحمول من بين يديه ،وأخذت أتصفح هذه المواق==ع .وج==دتها امتألت باإلعالن==ات،
.بالطبع ،وصور المفقودين التي كان أغلبها من حفالت التخرج أو الزفاف أو ما شابه .كان أمرً ا بشعً ا
عثرت على صورتي ورأيتها مرتبطة بصور فان وخول==و وداري==ل .ك==ان هن==اك نم==وذج ص==غير لتحدي==د من ُع ِث==ر عليهم ،وآخ=ر
لتدوين المالحظات حول األفراد اآلخرين المفقودين .مألت حقول البيانات لي ولخولو وف==ان ،وت==ركت الج==زء الخ==اص ب==داريل
.فار ًغا
ً
شخص=ا م=ا ش=رب من إح=دى قال أبي« :لق=د نس=يت داري=ل ».لم يكن أبي يحب داري=ل كث=يرً ا؛ ففي إح=دى الم=رات اكتش=ف أن
ُ
فأدنت داريل؛ ما أشعرني بخزي دائم .الحقيقة هي أننا — بالطبع — كنا نله==و الزجاجات الموجودة في خزانة الخمر خاصته،
.م ًع ا ،ونجرب خليط الفودكا بالمياه الغازية أثناء إحدى جلسات اللعب التي استمرت طوال الليل
».قالت أمي« :يا إلهي!» واعتصرت يديها م ًعا« .لقد افترضنا عند عودتك للمنزل أنكم كنتم جميعً ا معً ا
حوص=ر على األرجح في ب==يركلي .ك=ان
ِ أجبتها بمزيد من األكاذيب« :ال ،كان من المفترض أن نقابله ،لكننا لم نره مطل ًق=ا .لق==د
.هززت رأسي ،توقعت ما سيفضي إليه هذا الحديث ،وشعرت بأن المكان يضيق بي
».قال أبي« :لقد تفجرت ،فجَّ رها األوغاد في الوقت نفسه الذي فجروا فيه الجسر
لم يرد ذلك في الصفحة األولى من صحيفة «كرونيكل» ،لكن انفجار محطة قطارات تحت الم==اء ليس بص==ورة ملفت==ة لألنظ==ار
كصور جسر يتدلى متكسرً ا على الخليج .نفق قطارات بارت من محطة إيمباركديرو في س=ان فرانسيس=كو وص=واًل إلى محط=ة
•••
عدت إلى كمبيوتر أبي ،وتصفحت العناوين الرئيسية .أُحص=ي القتلى ب=اآلالف ،وإن لم يكن ذل=ك مؤك= ًدا ،وال ت=زال األع=داد في
تزايد ما بين السيارات التي سقطت إلى عمق ١٩١قدمًا في البح=ر ،ومن غرق=وا في القط=ارات .ادَّعى أح=د الص==حفيين أن==ه ق==د
التقى ﺑ «م==زور هوي==ات» س=اعد «العش=رات» من الن=اس في اله=روب من حي=اتهم القديم==ة من خالل االختف=اء بع==د الهجم=ات،
.والحصول على بطاقات هوية مزورة ليخلصوا بذلك من زيجات سيئة ،وديون متراكمة ،وحياة بائسة
بللت الدموع عي َنيْ أبي ،في حين أخذت أمي تبكي .احتضنني كالهم==ا م==رة أخ==رى ،وأخ==ذا يربِّت==ان عليَّ بأي==ديهما كم==ا ل==و كان==ا
.يُطمئنان نفسيهما أنني معهما ح ًّقا .أخذا يرددان على سمعي أنهما يحبانني ،فأخبرتهما أنني أبادلهما الحب
ً
مقارنة بعادتهما =.أخبرتهم==ا تناولنا عشا ًء صحبته الدموع ،وشرب ك ٌّل من أبي وأمي بعض كئوس من الخمر ،وهو ما يعد كثيرً ا
أنني أشعر بالنعاس — ما كان حقيقة بالفعل — وانس==حبت إلى غرف==تي بال==دور العل==وي ،لكن==ني لم أكن ذاه ًب==ا للن==وم؛ فق==د كنت
.بحاجة لتصفح اإلنترنت ،والتحقق مما كان يحدث .كان عليَّ التحدث إلى خولو وفانيسا ،والبدء في البحث عن داريل
صعدت إلى غرفتي وفتحت الباب ،لم أكن قد رأيت س=ريري من=ذ م=ا ب==دا لي ده=رً ا .اس==تلقيت علي=ه ،م=ددت ي=دي إلى المنض==دة
المجاورة للسرير ،وجذبت الكمبيوتر المحمول الخاص بي .ال بد أنني لم أوصله ً
جيدا بالكهرباء — الشاحن الكهرب==ائي بحاج==ة
لهزه بعض الشيء — ومن ثم فرغ من الشحن أثناء غيابي .أعدت وضعه في المقبس ،وانتظرت دقيق==ة أو اثن==تين ليش==حن قب==ل
أن أحاول تشغيله من جديد ،واستغللت ذلك الوقت في خلع مالبسي ،واإللقاء به==ا في القمام==ة؛ ال أرغب في رؤيته==ا ثاني= ً
=ة أب= ًدا.
ارتديت تي شيرت ،وسروااًل قصيرً ا نظيفين .كان للمالبس المغسولة الخارجة لتوه==ا من األدراج ملمس م==ألوف وم==ريح ،مث==ل
.حضن والديَّ
شغلت الكمبيوتر المحمول ،ودسست عد ًد ا من الوسائد خلفي أعلى السرير .اعتدلت في جلستي للخلف ،فتحت غطاء الكمبيوتر=،
ووضعته على فخذيَّ .كان ال يزال في مرحلة بدء التشغيل ،بدت الرموز التي تظهر على الشاشة جميلة ح ًّقا ،ظهرت جميعه==ا،
ثم بدأ الجهاز في إعطائي تحذيرات بانخفاض الطاقة .تحققت من كابل الطاقة مرة أخرى ،وهززته؛ ف==اختفت التح==ذيرات .ك==ان
في الواقع ،كان األمر سي ًئا لدرجة حالت دون فعلي أي شيء ،وفي كل مرة أت==رك فيه==ا كاب==ل الطاق==ة من ي==دي ،ينقط==ع اتص==اله
.بالكمبيوتر الذي يبدأ بدوره في الشكوى من انخفاض طاقة البطارية .فحصته عن كثب
كان صندوق الكمبيوتر بأكمله قد أُزيح بعض الشيء عن مكانه األصلي ،وعند الشق الذي يفص==ل جزئي==ه ،ك==ان هن==اك تجوي==ف
في بعض األحيان ،ينظر المرء إلى جهاز ما ،ويكتشف شي ًئا كهذا ،فيتساءل« :هل كان ذلك حاله دومًا؟» ربما لم يالحظه فق==ط
.من قبل
لكنه ليس من الممكن أن يحدث ذلك مع جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي ،لقد صممته بنفسي؛ فبع==د أن وزع مجلس التعليم
علينا جمي ًعا أجهزة الكمبيوتر المحمولة المدرسية ،ما ك==ان وال==داي ليش==تريا لي جه==از كم==بيوتر ،وإن ك=ان الكم==بيوتر المحم==ول
.المدرسي ال يخصني فعل ًّيا ،وما كان مسموحً ا لي بتثبيت برامج أو إجراء أي تعديل عليه
كنت قد ا َّدخرت بعض الم=ال من وظ=ائف غريب==ة عملت به=ا ،وأعي=اد كريس=ماس ،وأعي=اد ميالد =،وبعض المع==امالت التجاري=ة
.الحكيمة على موقع إي باي .وعند جمعها ،صار معي ما يكفي لشراء جهاز حالته مزرية ومضى على استعماله خمسة أعوام
ً
جهازا آخر .يمكنك= شراء صناديق للكمبيوتر المحمول ،مثل صناديق الكمبيوتر الشخصي المكتبي، ومن ثم ،صمَّمت مع داريل
وإن كانت أكثر تخص ً
صا من أجهزة الكمبيوتر القديم==ة العادي==ة .لق=د ص=ممت بعض أجه=زة الكم=بيوتر الشخص==ية بالتع==اون م=ع
داريل على مر األعوام ،بالبحث عن قطعه على موقع كريجزليست وعروض بي=ع األغ=راض المس=تعملة في المن=ازل ،وش=راء
بعض األغراض رخيصة الثمن ج ًّدا من البائعين الت==ايوانيين ال==ذين عثرن==ا عليهم على اإلن==ترنت .وق==د توص==لت إلى أن تص==ميم
.كمبيوتر محمول هو أفضل سبيل للحصول على اإلمكانيات التي أردتها بالسعر الذي يمكنني تحمُّله
لتصميم كمبيوتر محمول خاص بك ،عليك أواًل شراء «كمبيوتر محمول غير كامل األجزاء»؛ وه==و جه==از ال يحت==وي إال على
عدد قليل فقط من األجزاء ،وجميع الفتحات الصحيحة .الجيد في األمر أنه ما إن انتهيت من تص=ميمي ح=تى ص=ار ل=ديَّ جه=از
أخف بنحو نصف كيلو جرام من جهاز «ديل» الذي كنت أرغب في ش==رائه ،وأس==رع ،وتبل==غ تكلفت==ه ثلث م==ا كنت س==أدفعه في
جهاز «ديل» .أما الجانب السيئ ،فهو أن تجميع كمبيوتر محمول أشبه بتصميم تلك السفن ال==تي توض==ع داخ==ل زجاج=ات؛ فه==و
عمل دقيق تستخدم فيه المالقط الصغيرة والنظارات المُكبِّرة في محاولة لجعل كل قطعة تتالءم في مكانها داخل ذلك الص==ندوق
الصغير .وعلى عكس الكمبيوتر الشخصي الكامل — الفارغ أغلبه — كل ملِّيمتر مكعب من الكمبيوتر المحمول تشغله قطع==ة
ما .وفي كل مرة أظن أن ثمة مشكلة ما في الجهاز ،أفك أجزاءه وأعيدها ألكتشف أن شي ًئا ما كان يح==ول دون إغالق==ه بإحك==ام،
•••
هذا ما فكرت فيه على أية حال ،لكن ما حدث هو أنه بعد مرور ساعتين ،كنت ال أزال أحدق في السقف ،وأتذكر كل م==ا فعل==وه
.بي ،وما كان ينبغي لي فعله وكل ما أثار ندمي وما كان يجدر بي قوله
نهضت من السرير .كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل ،سمعت والديَّ يخل==دان للن==وم في الحادي=ة عش=رة .أمس=كت ب==الكمبيوتر
المحم==ول ،أف==رغت مس==احة على مكت==بي ،ثب ُّ
َّت مص==ابيح الص==مامات الثنائي==ة الباعث==ة للض==وء ص==غيرة الحجم ب==ذراعي النظ==ارة
المُكبِّرة ،وأخرجت مجموعة من المفكات بالغة الدقة .بع==د دقيق=ة ،كنت ق=د فتحت ص==ندوق الجه==از ،وأخ=رجت لوح==ة المف=اتيح،
وأخذت أحدق في مكونات=ه الداخلي=ة .اس=تخدمت عب=وة من اله=واء المض=غوط في تنظي=ف المروح=ة من ال=تراب ال=ذي التقطت=ه،
.وفحصت الجهاز
ثمة شيء غير صحيح ،لم أستطع تحديده ،لكنني تذكرت أنني لم أفتح ذلك الصندوق منذ شهور .ولحسن الحظ ،في المرة الثالثة
ً
ثانية ،كنت أكثر فطنة؛ فالتقطت صورة لمكوناته الداخلية وكل جزء منها في مكانه الصحيح. التي فتحته فيها وجاهدت إلغالقه
لكنني لم أكن بالقدر الكافي من الفطنة؛ فأواًل ،تركت الصورة على محرك األقراص الصلبة ،ولم يكن بوسعي بالتالي الوص==ول
إليها عندما تكون أجزاء الكمبيوتر المحمول مف َّككة .لكنني طبعته==ا بع=د= ذل==ك ،ووض==عتها في درج األوراق المبع==ثرة حيث ألقي
بجميع بطاقات الضمان ،والرسوم البيانية لتوصيل مسامير الدوائر الكاملة .أخذت أقلِّب فيها — بدت أكثر فوضوية مما أت==ذكر
— وأخرجت الصورة .وضعتها بجانب الكمبيوتر ،وأخذت أد ِّقق النظر في كل األجزاء محاواًل الوصول إلى ما يب==دو في غ==ير
.مكانه
حددت المشكلة أخيرً ا .لم يكن الكابل الشريطيُّ الذي يصل لوحة المفاتيح باللوحة األم موصاًل على نحو سليم .كان ذلك غري ًب==ا؛
إذ لم يكن هناك عزم دوران في ذلك المكان ،وما كان شيء ليزيح ذلك الكابل عن مكان=ه أثن=اء العم=ل المعت=اد للجه=از .ح=اولت
ً
ثانية ،فاكتشفت أن القابس لم يكن مُث َّب ًتا على نحو سيئ فحسب ،وإنما كان هن==اك ش==يء بين==ه وبين الضغط عليه ليعود إلى مكانه
كان هناك شيء غريب في لوحة المفاتيح؛ قطعة سميكة صغيرة الحجم يبلغ سمكها ١٦ / ١فق==ط من البوص==ة ،وليس عليه==ا أي==ة
عالمات .كانت موصلة بلوحة المفاتيح؛ بعبارة أخرى ،وُ ضِ عت في مكان متميز لتسجيل ك=ل ض=غطة مفت=اح أثن=اء كت=ابتي على
.الكمبيوتر
تراقب==ني .الرقاب==ة ال==تي واجهته==ا في المدرس==ة لحقت بي في الم==نزل ،لكن ه==ذه الم==رة لم يكن مجلس التعليم وح==ده من يتتب==ع
خرج أداة التجسس ،لكنني فكرت أن أ ًّيا ك==ان من وض==عها في ذل==ك المك==ان س==يعلم بإزالته==ا ،فتركته==ا حيث وُ ِ
ض=عت ،م==ا ُ
كدت أ ِ
.أشعرني بالغثيان
بحثت عن أي آثار عبث أخرى بالجهاز؛ لم أتوصل إلى شيء ،لكن هل يع==ني ذل==ك ع==دم وجوده==ا؟ تس==لل أح==دهم إلى غرف==تي،
ك أج=زاء الكم=بيوتر المحم=ول الخ=اص بي وأع=اد تجميعه=ا .هن=اك الكث=ير من وس=ائل التنص=ت يمكن
وزرع ذلك الجهاز؛ لقد ف َّ
.تركيبها بأجهزة الكمبيوتر ،وما كان بإمكاني التوصل إليها كلها قط
أعدت تجميع أجزاء الجهاز بأصابع َخدِرة .لم يُغلَق الصندوق جي ًدا تلك المرة ،لكن ظل كابل الطاق==ة بال==داخل .ش==غلت الجه==از،
.ووضعت أصابعي على لوحة المفاتيح مُعتقِ ًدا أنني سأجري بعض عمليات الفحص وأرى ما كان يحدث
.لكنني لم أستطع
.اللعنة! لعل الغرفة مزودة بوسائل تنصت .لعل هناك كاميرا تتجسس عليَّ في تلك اللحظة
الزمني جنون االرتياب منذ عودتي إلى المنزل ،لكن في تلك اللحظة ،صرت مذعورً ا ج ًّدا .ش==عرت أن==ني ع==دت للس==جن ،وإلى
.غرفة االستجواب ،تالحقني كيانات أخضعتني لسلطتها بالكامل .جعلني ذلك أشعر برغبة في البكاء
ذهبت إلى دورة المياه ،ونزعت ل َّفة ورق المرحاض ،ووضعت ب==داًل منه==ا ل َّفة أخ=رى جدي=دة .لحس=ن الح=ظ ،ك=انت القديم==ة ق==د
ق==اربت على االنته==اء .تخلص==ت مم==ا تبقى فيه==ا من ورق ،وبحثت في ص==ندوق قط==ع الغي==ار الخ==اص بي إلى أن ع==ثرت على
مظروف بالستيكي صغير مليء بصمامات ثنائية باعثة للضوء ذات لون أبيض ش==ديد الس==طوع ،كنت ق==د نزعته==ا من مص==باح
وأوصلتها كلها في سلسلة باستخدام مشابك معدنية =.لويت األسالك داخل الموصالت وربطته==ا ببطاري==ة طاقته==ا تس==عة فولت==ات.
وبذلك ،صار لديَّ أنبوب مطوق بصمامات ثنائية باعثة للضوء توجيهي==ة ش==ديدة الس==طوع بإمك==اني رفعه==ا أم==ام عي==ني والنظ==ر
.عبرها
صممت أنبوبًا كهذا العا َم المنصر َم ليكون مشروعي بمعرض العلوم ،الذي ُ
ط ِردت منه عندما كشفت عن وجود كاميرات مخبأة
في نصف فصول مدرسة شافيز الثانوية .إن كاميرات الفيديو بالغة الصغر أقل تكلفة من وجب=ة عش=اء بمطعم جي=د حال ًّي=ا ،ومن
ثم فهي تظهر في كل مكان .يضعها مختلسو النظر من العاملين في المحالت في غرف تغي==ير المالبس ،أو ص==الونات اكتس==اب
سمرة البشرة ،ويمارسون انحرافهم الجنسي مع اللقطات التي يسجلونها لعمالئهم … وأحيا ًنا ينشرونها فقط على اإلن==ترنت .إن
معرف==ة كيفي==ة تحوي==ل ل َّفة ورق مرح==اض وبعض األغ==راض المس==تعملة تتكل==ف حفن==ة من ال==دوالرات إلى جه==از للكش==ف عن
هذه أبسط وسيلة للكشف عن كاميرات التجسس؛ إذ تحتوي هذه الك==اميرات على عدس==ات بالغ==ة الص==غر ،لكنه==ا تعكس الض==وء
بقوة .تعمل هذه الوسيلة على أفض==ل نح==و في الغ==رف المظلم==ة؛ فعلي==ك بالتح==ديق في األنب==وب ،وفحص الج==دران وغيره==ا من
األماكن التي قد توضع فيها ك=اميرات ببطء إلى أن ت==رى ومض==ة انعك==اس ،وإذا اس==تمر االنعك==اس أثن==اء تحرك==ك ،فتك==ون ه==ذه
.عدسة
خلت غرفتي من أية كاميرات ،أو باألص=ح خلت من أي=ة ك=اميرات يمكن=ني الكش=ف عنه=ا ،ربم=ا احت=وت على أجه=زة تجس=س
س==معية ،ب==الطبع ،وربم==ا ن==وع أفض==ل من الك==اميرات ،وربم==ا ال ش=يء على اإلطالق .ه==ل يمكن ألح==د أن يلوم==ني على جن=ون
.لقد أحببت الكمبيوتر المحمول الخاص بي ،وأسميته «سالمجندي» ،وهو الذي يعني أي شيء مصنوع من قطع غيار
عندما تطلق اسمًا على الكمبيوتر المحمول الخ=اص ب=ك ،ف=اعلم أن ثم=ة عالق=ة وثيق=ة ح ًّق=ا بينكم=ا =.رغم ذل=ك ،ش=عرت في تل=ك
ً
ثانية أب ًدا ،أردت أن ألقي به من النافذة .من يدري ماذا فعلوا به؟ من يدري كيف زرع==وا في==ه اللحظات أنني ال أرغب في لمسه
أجهزة التنصت؟
أنزلت الغطاء علي==ه ،ووض=عته في أح=د األدراج ،ونظ=رت إلى الس=قف .ك=ان ال=وقت مت==أخرً ا ،ووجب عليَّ الخل=ود للن==وم ،لكن
.هيهات أن أنام اآلن ،هناك من يتجسس عليَّ ،بل يتجسس على الجميع .لقد تغير العالم لألبد
حادثت نفسي« :سأجد سبياًل لالنتقام منهم ».كان عه ًدا قطعته على نفسي ،علمت ذلك عندما سمعته ،رغم أن==ني لم أقط==ع عه= ً=دا
.من قبل
.لم أستطع النوم بعد ذلك ،هذا فضاًل عن أنني توصلت إلى فكرة ما
في مكان ما داخل خزانتي ،كان هناك صندوق مُغلَّف بغالف بالستيكي يشتمل على جهاز «إكس بوكس يونيفرس==ال» ال ي==زال
في عبوته المُغلَ قة .بيعت أجهزة «إكس بوكس» جميعها بسعر أقل بكثير من تكلفتها؛ فشركة مايكروسوفت تجني أغلب أموالها
من فرض رسوم على الشركات للحصول على حق بي=ع ألع=اب «إكس ب=وكس» .بي=د أن ط=راز «يونيفرس=ال» ك=ان األول من
.جهاز «إكس بوكس» الذي قررت شركة مايكروسوفت تقديمه دون مقابل على اإلطالق
في فترة أعياد الميالد الماضية ،انتشرت بجمي==ع األنح==اء مجموع==ة من الفش==لة المث==يرين للش==فقة يرت==دون زي المح==اربين بلعب==ة
«هالو» ،وأخذوا يوزعون حقائب تحوي أجهزة األلعاب هذه بأسرع ما في وسعهم .وأعتق==د أن األم==ر ق==د نجح؛ فيق==ول الجمي==ع
إنهم باعوا عد ًدا هائاًل من األلعاب .كانت هناك بالطبع إجراءات مضادة للتأكد من أن َمن يحصل على األجه==زة ال يلعب س==وى
بوكس المحمول» الذي لم ي ُدم طوياًل (والذي كان يزن ثالثة أرطال!) وكان من المفترض لطراز «يونيفرس==ال» أن يص==مد في
ك شفرته طلبة بالمرحلة الثانوية من البرازيل ،كانوا قراصنة لنظام لينكس يعيشون في أح==د أحي==اء
وجه هذه االنتهاكات .و َمن ف َّ
.الفقراء العشوائية
ما إن نشر الطلبة البرازيليون صيغة فك الشفرة حتى جُنَّ جنوننا ،وسرعان ما ظهرت العشرات من نظم التشغيل البديلة لجهاز
«إكس ب==وكس يونيفرس==ال» ،ك==ان المفض==ل ل==ديَّ ه==و «بارانوي==د إكس ب==وكس» ،وه==و أح==د ص==ور نظ==ام «بارانوي==د لينكس».
ً
خصوص=ا للمعارض==ين الص==ينيين «بارانوي==د لينكس» ه==و نظ==ام تش==غيل يف==ترض أن مش==غله م==راقب من الحكوم==ة (وه==و ُم َع= ٌّد
والسوريين) ،ويفع==ل ك==ل م=ا بإمكان=ه للحف=اظ على س=رية اتص=االتك ووثائق==ك ،ب==ل إن==ه ينش==ئ ً
أيض=ا مجموع=ة من االتص=االت
«التافهة» التي من المفترض أن تخفي حقيقة فعلك ألي شيء سري؛ لذا ،بينما تتلقى رسالة سياسية كل حرف منه==ا على ح==دة،
يتظاهر نظام «بارانويد لينكس» بتصفح الويب ،وملء االستبيانات ،والمغازلة بغرف المحادثة .وفي هذه األثناء ،ح==رف واح==د
.من بين كل خمسمائة حرف تتلقاه يكون رسالة حقيقية؛ أي إبرة وسط كوم قش
كنت قد نسخت قرص فيديو رقم ًّيا لنظ=ام «بارانوي==د إكس ب==وكس» عن==د ظه==وره للم==رة األولى ،لكن لم تس==نح لي الفرص==ة ق=ط
إلفراغ محتويات عبوة جهاز «إكس بوكس» الموجودة في خزانتي ،والبحث عن جهاز تليفزيون لتوص==يله ب==ه ،وم==ا إلى ذل==ك؛
.فغرفتي مزدحمة بما فيه الكفاية ،وما من حاجة لجعل برامج مايكروسوفت الكثيرة األعطال تشغل مكان عملي القيِّم
لكن==ني سأض==حي الليل==ة .اس==تغرق االس==تعداد والت==أهب للعم==ل عش==رين دقيق==ة .كمن الج==زء األص==عب في ع==دم امتالكي جه==از
تليفزيون ،لكنني تذكرت في النهاية أن لديَّ بروجيكتور صغيرً ا بشاشة إل س==ي دي م==زودة بموص==الت آر س==ي إي==ه تليفزيوني==ة
قياسية في الخلف .قمت بتوصيل جهاز العرض بجهاز «إكس بوكس» ،وسلَّ ْط ُته على الجانب الخلفي لباب الغرفة ،وثب ُّ
َّت نظ==ام
«».بارانويد لينكس
وبذلك أكون قد تأهبت للعمل ،وبدأ نظام «بارانويد لينكس» في البحث عن أجهزة «إكس بوكس يونيفرسال» أخ==رى ليتواص==ل
معها .كل جه=از «إكس ب=وكس يونيفرس=ال» م=زود بنظ=ام الس=لكي م=دمج للعب الجم=اعي ،وب=ذلك يمكن=ك= االتص=ال بجيران=ك
باستخدام الرابط الالسلكي ،وكذلك ب==اإلنترنت إذا ك==ان ل==ديك اتص==ال إن==ترنت الس==لكي .ع==ثرت على ثالث==ة ج==يران مختلفين في
المجال المحيط بي ،منهم اثنان يتصل جهازا «إكس بوكس يونيفرسال» الخاصان بهما باإلنترنت .يفضل نظام «بارانويد إكس
بوكس» هذا اإلعداد؛ فبإمكانه استراق بعض من اتصاالت اإلنترنت لدى جيراني ،واستخدامها في ال==دخول على اإلن==ترنت من
خالل شبكة األلعاب .ما كان الجيران ليخسروا شي ًئا بسبب استراقي التصالهم ب=اإلنترنت؛ إذ إنهم ي=دفعون س=عرً ا ثاب ًت=ا التص=ال
من أجلي ،تخدمني ،تحميني ،وليست تتجسس عليَّ ؛ له==ذا أحببت التكنولوجي==ا :إذا اس==تخدمتها على النح==و الص==حيح ،يمكنه==ا أن
بدأ عقلي يعمل آنذاك بأقصى طاقته ،كانت هناك عدة أسباب لتشغيلي نظام «بارانويد إكس ب==وكس»؛ أهمه==ا أن أي أح==د يمكن==ه
صنع األلعاب له .كان هناك بالفعل منف=ذ لمح=اكي أنظم=ة ألع=اب اآلركي=د= المتع=ددة؛ فيتمكن الم=رء فعل ًّي=ا من ممارس=ة أي=ة لعب=ة
صمِّمت على اإلطالق ،بدءًا من ألع=اب ب=ونج وألع=اب أجه=زة أب=ل المنزلي=ة وألع=اب نظم كوليك=وفيجن وألع=اب نظم إن إي إس
ُ
األفضل مما سبق هو كل األلعاب الرائعة متعددة الالعبين التي ُتصمَّم خصوصًا لنظ==ام «بارانوي==د إكس ب==وكس» ،وهي ألع==اب
هواة مجانية يمكن ألي أحد تشغيلها .وعند الجمع بين كل ذلك ،يصبح لديك نظام ألع==اب مج==اني مليء باأللع==اب المجاني==ة ال==تي
أما األفضل على اإلطالق — بقدر ما يعنيني — فهو أن نظام «بارانويد إكس بوكس» مصاب بجنون االرتياب؛ إذ يشفر ك==ل
البيانات في الحال ،يمكنك= استراقه كما تشاء ،لكنك لن تصل أب ًدا إلى هوية المتحدث ،أو عمَّا يتحدث ،أو م==ع َمن .ش==بكة وبري==د
ُ
كنت بحاجة إليه .إلكتروني ومراسالت فورية مجهولة الهوية ،وهذا بالضبط ما
للكتب في العالم ،كيان مترامي األطراف متعدد الطوابق من األرفف الشاهقة ويعبق برائحة الورق ،تعلو أرفف==ه الكتب الجدي==دة
بجوار القديمة — األمر الذي طالما أحببته — وكل مرة عرَّ جت عليه فيها ،حوى عد ًدا هائاًل من كتبي ،واتس=م الق=ائمون علي=ه
بالكرم الشديد؛= إذ طالما طلبوا مني التوقيع على أعمالي لديهم .الموظف==ون ب==ه ودودون ،والكتب مذهل==ة ،ه==ذا فض=اًل عن وج==ود
!منفذ لهم في مطار بورتالند؛= ومن َث َّم فهو أفضل متاجر الكتب بالمطارات في اعتقادي
***
ما ال يصدقه عقل أن والديَّ أرغماني على الذهاب إلى المدرسة في اليوم التالي ،لم يغلبني النوم العميق إال في الثالث==ة ص==باحً ا،
وفي السابعة كان أبي يقف بجوار السرير يهددني بسحبي من كاحليَّ .تمكنت من النهوض — وكانت الرائحة المنبعثة من فمي
.قاتلة — والدخول لالستحمام
جعلت أمي تعطيني قطعة خبز محمص وثمرة موز ،وتمنيت بشدة أن يسمح لي والداي بشرب القهوة في المنزل ،كان بوس==عي
ً
خلسة في طريقي إلى المدرسة ،لكن رؤيتهم==ا وهم==ا يرش==فان قهوتهم==ا بينم==ا أج==رُّ في ق==دميَّ بأرج==اء الحصول على كوب منها
سرت إلى المدرسة آالف المرات من قبل ،لكن اليوم كان مختل ًفا .صعدت التالل ونزلت من عليها وصواًل إلى حي ميشن حيث
مألت الش=احنات األرج==اء .رأيت أجه==زة استش==عار جدي==دة ،وك=اميرات لمراقب==ة حرك==ة الم==رور مثبَّت==ة في الكث==ير من عالم=ات
التوقف ،ورأيت أحد األفراد حوله العديد من معدات المراقبة ،في انتظار تركيبها مع أول فرصة .كان الهجوم على جس==ر ب==اي
.هو كل ما يحتاجونه
أدى كل ذلك إلى جعل المدينة= تبدو أكثر خضو ًعا ،مثل أن يكون المرء داخل مِصعد ويشعر باإلحراج بسبب ت==دقيق النظ==ر في==ه
أعد لي محل القهوة التركي ،الواقع في شارع ،٢٤كوبًا من القهوة التركية والذي تحسَّن ب==ه م==زاجي .والقه==وة التركي==ة س==ميكة
مثل الطين؛ فهي سميكة لدرجة تسمح بإيقاف ملعقة فيها ،وتحوي قدرً ا من الكافيين أكثر بكثير من المشروبات الخفيفة مثل ريد
بول .ومثلما تذكر موسوعة ويكيبيديا ،هكذا تحقق النص==ر على اإلمبراطوري==ة العثماني==ة :فرس==ان جُنَّ جن==ونهم ت==زودوا ب==القهوة
.الداكنة القوية
».أخرجت بطاقة السحب ألدفع ثمن القهوة ،لكن تغير وجه صاحب المحل ،وقال« :لم نعد= نقبل بها
ماذا؟ لِ َم ؟» اعتدت دفع ثمن القهوة باستخدام هذه البطاقة لسنوات في هذا المحل ،وطالما تشاجر معي هذا الرجل مخبرً ا إي==اي«
أنني صغير ج ًّدا على شرب القهوة ،وكان يرفض تق=ديمها لي أثن==اء س=اعات ال==دوام الدراس=ي ،القتناع==ه ب==أنني كنت أه=رب من
قال وهو ينظر بأنحاء محله الصغير بما يحويه من أحواض البذور والحبوب الجافة ،وأرففه المليئة بالبقالة التركية« :إنه األمن
… الحكومة تراقبنا جمي ًع= ا اآلن ،ورد ذل==ك في الص==حف .ص==ادق الك==ونجرس على ق==انون مكافح==ة اإلره==اب الث==اني ب==األمس،
وصار بإمكانهم اآلن مراقبة ك=ل م==رة تس=تخدم فيه=ا بطاقت==ك ،وأن=ا أرفض ذل==ك ،أرفض أن يس=اعدهم محلي في التجس=س على
».عمالئي
لعلك ال ترى في ذلك مشكلة كبيرة ،فما المش=كلة في أن تعلم الحكوم=ة بش=رائك للقه=وة؟ ألنه=ا به=ذه الطريق=ة تع=رف أين أنت«
وأين كنت .لماذا تركت تركيا في اعتقادك؟ عندما تعيش في مكان تتجسس فيها الحكومة دائمًا على الناس ،ال يكون ذل==ك جي= ً=دا.
».انتقلت إلى هنا منذ عشرين عامًا ً
بحثا عن الحرية … ولن أساعدهم في سلبها
انفجرت قائاًل « :ستخسر كثيرً ا من المبيعات ».أردت أن أخبره أنه بطل ،وأص==افحه ،لكن ه==ذه الكلم==ات هي ال==تي خ==رجت من
لعلهم لن يستخدموها كثيرً ا بعد اآلن ،لعل العمالء سيأتون إلى هنا ألنهم يعلمون أنني أحب الحرية أيضً ا .إنني أشير بذلك إلى«
».مخرج ،ولعل متاجر أخرى ستتبع نهجي .لقد تنامى إلى سمعي أن االتحاد األمريكي للحريات المدنية سيقاضيهم لما يفعلونه
قلت وأنا أعني ما أقوله« :لن أتعامل مع أحد سواك من اآلن فصاع ًدا ».ووضعت يدي في جي==بي ،وقلت« :لكن==ني ال أمل==ك أي
».أموال سائلة
».ز َّم شفتيه ،وأومأ برأسه ،ثم قال« :هذا ما يقوله كثيرون ،ال بأس ،فلتعطِ ثمن قهوة اليوم لالتحاد األمريكي للحريات المدنية
ً
حديثا أطول من أي حديث آخر دار بيننا منذ مجيئي لهذا المحل .لم تكن وفي غضون دقيقتين ،كنت قد تبادلت مع البائع التركي
لدي أدنى فكرة أنه ي ِّك ن كل هذه المشاعر ،واقتصرت نظرتي له على أنه تاجر الكافيين الودود في الحي .أما اآلن ،فقد صافحته
.وعندما غادرت المحل ،شعرت بأننا قد ش َّكلنا فري ًقا م ًعا … فري ًقا سر ًّيا
•••
تغيبت عن المدرسة يومين ،لكن يبدو أنه لم يفُتني الكثير من الدروس؛ فقد أغلقت المدرسة أبوابها في أحد ه==ذين الي==ومين أثن==اء
حتفهم .نشرت الصحف السير الذاتية للمفقودين ،وبيانات تذكارية شخص==ية عنهم .زخ=ر اإلن==ترنت بال َّنعاي==ا المختص==رة ،اآلالف
.منها
ُحر ج في األمر أنني كنت أحد هؤالء المنعيين .خطوت إلى داخل فناء المدرسة دون أن أعرف ذلك ،ثم سمعت صياحً ا وبعد
الم ِ
لحظات كان قد التف حولي المئات ،يربتون على ظهري بقوة ،ويصافحونني ،بل وقبَّلتني فتاتان ال أعرفهم=ا ،وك=انت أك=ثر من
انطبق الحال على معلميَّ إلى حد كب==ير؛ فبكت الس==يدة ج=الفيس بق==در م==ا بكت أمي ،واحتض==نتني ثالث م==رات قب==ل أن تترك==ني
ألذهب إلى مقعدي وأجلس عليه .كان هناك شيء جديد في مقدمة الفصل ،إنها كاميرا .لمحتني السيدة جالفيس وأنا أحدق فيه==ا،
.فأعطتني ورقة إذن مطبوعة على إحدى أوراق المدرسة المُصوَّ رة
كان مجلس سان فرانسيسكو لقطاع المدارس الموحدة قد عقد جلسة طارئة في نهاي==ة األس==بوع ،واتف==ق بإجم==اع األص==وات على
طلب إذن من وال َدي كل طفل في المدينة لوضع كاميرات دوائر تليفزيوني==ة مغلق==ة في ك==ل فص==ل وك==ل رواق بالمدرس==ة .ينص
الق=انون على ع==دم إرغامن==ا على ال==ذهاب إلى الم==دارس وق==د مألته==ا الك==اميرات في ك==ل مك==ان ،لكن==ه ال ي==ذكر أي ش=يء بش=أن
«تطوعنا» للتخلي عن حقوقنا الدستورية .ذكر الخطاب أن المجلس لديه ثقة في أنه سيحصل على موافقة كامل==ة من اآلب==اء في
المدينة ،لكنه سيعد الترتيبات لتعليم الطلبة الذين يعترض والداهم على ذلك في مجموعة منفصلة من الفصول «غ==ير الخاض==عة
».للحماية
لماذا توجد كاميرات في فصولنا اآلن؟ اإلرهابيون … بالطبع؛ فتفجير اإلرهابيين ألح==د الجس==ور تلميح ب==أن الم==دارس س==تكون
.هي الهدف التالي .كانت هذه النتيجة التي توصل إليها المجلس على أية حال
».نعم يا ماركوس«
».نعم يا ماركوس«
»أليس الهدف من اإلرهاب هو بث الرعب في نفوسنا؟ لهذا يُسمَّى إرهابًا ،أليس كذلك؟«
أعتقد ذلك ».حدق الطلبة فيَّ .لم أكن أفضل طالب المدرس==ة ،لكن==ني كنت أحب المناقش==ات الجي==دة داخ==ل الفص==ل ،ف==انتظروا«
إذن ،ألسنا ننفذ ما يريده م َّن ا اإلرهابيون؟ أال يكون النصر لهم إذا فزعنا ،ووضعنا كاميرات في الفص==ول المدرس==ية ،وم=ا إلى«
»ذلك؟
.سمعت بعض الضحكات الفاترة العصبية .رفع طالب آخر يده ،وكان تشارلز .سمحت له السيدة جالفيس بالحديث
»… يا سيدة جالفيس ،إن ماركوس ينتهك سياسة المدرسة .ليس من المفترض أن نمزح بشأن الهجمات اإلرهابية«
المناقشة مثيرة ح ًّق ا ،لكنني أود تأجيلها إلحدى الحصص المستقبلية ،فأظن أن هذه األمور مثيرة لالنفعال ج = ًّدا بدرج==ة ال تس==مح
»لنا بمناقشتها اليوم .واآلن ،لنعد إلى المنادين بحق المرأة في االقتراع ،أيمكننا ذلك؟
ومن ثم ،قضينا ما تبقى من الساعة في التحدث عن المنادين بحق الم==رأة في االق==تراع ،وم==ا ابتك==روه من اس==تراتيجيات ض==غط
جديدة إليصال أربع سيدات إلى كل عضو من أعضاء الكونجرس ،والضغط علي=ه بإخب==اره م==ا سيص=ير بمس==تقبله السياس=ي إذا
استمر في إنكاره حق المرأة في االقتراع .كان ذلك ،بطبيعة الحال ،ما أحببته ح ًّقا :أفراد ضعفاء يج=برون الكب==ار األقوي=اء على
الصدق .لكنني لم أستطع التركيز في ذلك اليوم ،ال بد أن السبب هو غياب داريل .أحب كالنا الدراسات االجتماعية ،كنا نخرج
نسخت عشرين قرصً ا لنظام «بارانويد إكس ب==وكس» الليل==ة الماض==ية ،وجلبته==ا كله==ا في حقيب==تي .وزعته==ا على من كنت أعلم
أنهم يعشقون األلعاب ح ًّقا .امتلك جميعهم جهاز «إكس بوكس يونيفرسال» أو اث==نين الع==ام الماض==ي ،بي=د= أن أغلبهم توق==ف عن
استخدامه؛ فاأللعاب باهظة التكلفة وليست على درجة كبيرة من المتع=ة .كلمتهم على انف=راد بين الحص=ص ،وفي ف=ترة الغ=داء،
وفي قاعة الدراسة ،وتغنينا بمزايا ألعاب «بارانويد إكس بوكس»؛ فهي ألعاب اجتماعية مجاني==ة ممتع==ة يس==هل إدمانه==ا ،يلعبه==ا
إن التخلي عن شيء ما لبيع آخر هو ما يُطلَق عليه «صفقة شفرات الحالقة»؛ إذ تمنحك ش==ركات مث==ل جيليت ماكين==ات حالق==ة
مجا ًنا ،ثم تخدعك بتحميلك تكلفة شراء الشفرات .وخراطيش الطابعات أس==وأ من ذل==ك؛ ف==أغلى أن==واع الش==امبانيا في الع==الم ُت َع==د
قورنت بحبر الطابعات القاذفة للحبر الذي يكلف الكثير حتى تحصل عليه
.رخيصة إذا ما ِ
تعتمد صفقات شفرات الحالقة على عجز المستهلك عن الحصول على الشفرات من جهة أخرى ،فإذا كان بإمك=ان جيليت ج=ني
تسعة دوالرات من شفرات قابلة لالستبدال يبلغ سعرها عشرة دوالرات ،فلماذا ُتقام شركة منافس==ة لج==ني أربع==ة دوالرات فق==ط
.من بيع شفرة مماثلة ،إن هامش الربح البالغ ٨٠بالمائة هو ما يبهر أي رجل أعمال ويثيره
لذا ،تبذل الشركات التي تمارس ه==ذا األس=لوب في العم=ل — مث==ل مايكروس=وفت — جه= ًدا كب==يرً ا لجع==ل المنافس==ة معه==ا على
«الشفرات» صعبة و/أو غير قانونية .وفي حالة مايكروسوفت ،ينطوي كل جهاز «إكس بوكس» على إجراءات مض=ادة لمن=ع
».المستخدم من تشغيل برامج أصدرتها جهات لم تدفع أموااًل لمايكروسوفت مقابل حق بيع برامج «إكس بوكس
من قابلتهم لم يهتموا كثيرً ا بهذا األمر ،وابتهجوا عندما أخبرتهم أن األلعاب غير خاضعة للرقابة؛ فأية لعبة على اإلنترنت حال ًّيا
مليئة بكافة صور األمور البغيض==ة .أواًل :هن==اك المنحرف==ون جنس= ًّيا ال==ذين يح==اولون إخراج==ك من منزل==ك لمك==ان بعي==د لتص==ير
ضحيتهم كما في فيلم «صمت الحِمالن» ،وهناك أي ً
ضا رج==ال الش==رطة ال==ذين يتظ==اهرون بالس==ذاجة لإليق==اع ب==المنحرفين .لكن
األسوأ هم المراقبون الذين يقضون أغلب وقتهم في التجس=س على المحادث=ات ال=تي نجريه=ا ،ويبلغ=ون عن=ا النتهاكن=ا «ش=روط
الخدمة» التي تنص على عدم المغازلة أو السباب أو استخدام «لغ==ة ص=ريحة أو ض==منية تش==ير على نح==و مهين إلى أي ج=انب
من حين آلخر ،لكنه إذا طرأ على محادثة أثناء اللعب ،فليساعدك الرب ،إنه يخرب كل شيء .ال تخضع ألعاب «بارانويد إكس
.بوكس» للرقابة ألنها ال تدار بواسطة شركة؛ فهي ليست سوى ألعاب صممها قراصنة الكمبيوتر من أجلها ذاتها
ومن ثم راقت الفكرة لهؤالء الشباب العاشقين لأللعاب ،تهافتوا على األقراص ،ووعدوني بإعداد نسخ منها ألصدقائهم؛ فالمتعة
وعند عودتي للمنزل ،قرأت أن مجموعة من اآلب=اء ق=د قاض=وا مجلس إدارة المدرس=ة بس=بب ك=اميرات المراقب=ة في الفص=ول،
•••
ال أعلم من ابتكر مصطلح «إكس نت» (الشبكة الموسعة) ،لكنه صار شائ ًعا؛ ففي المواصالت العام==ة ،تس==مع الن==اس يتح==دثون
عنه .اتصلت بي فان لتسألني عما إذا كنت قد سمعت به ،وكدت أختنق عند اكتشافي ما كانت تتح=دث عن=ه؛ إن األق=راص ال=تي
بدأت توزيعها األسبوع الماضي قد ُتنوقِلت و ُنسِ خت ح==تى وص==لت إلى أوكالن==د في خالل أس==بوعين .جعل==ني ذل==ك الخ==بر أتلفت
.حولي كما لو كنت قد خرقت قانو ًنا ما ،ووزارة األمن الوطني ستأتي العتقالي لألبد
مرت األسابيع عصيبة .كانت محطات بارت قد توقفت تمامً=ا عن الحص=ول على األج=رة نق= ًدا ،وتح=ولت إلى البطاق=ات «غ=ير
التالمسية» التي تعمل بتقنية تحديد الهوية باستخدام الموجات الالسلكية ،والتي يلوح بها المستخدم عن==د ماكين==ات بواب==ة العب==ور
الدوَّ ارة للدخول .كانت رائعة ومريحة ،لكن في كل مرة أستخدمها ،أفكر في خض==وعي للمراقب==ة .نش==ر ش==خص م==ا على ش==بكة
ً
رابطا لتقرير صادر عن مؤسسة الحدود اإللكتروني==ة ح==ول الط==رق ال==تي يمكن اس==تخدام مث==ل ه==ذه البطاق==ات به==ا «إكس نت»
.لتعقب الناس ،وتضمَّن التقرير قصصً ا مختصرة عن بعض الجماعات الصغيرة التي تظاهرت في محطات بارت
صرت أستخدم شبكة «إكس نت» في كل شيء تقريبًا ،فأنشأت عن==وان بري==د إلك=تروني مزي ًف=ا من خالل «ح=زب القراص=نة»،
وهو حزب سياسي سويدي يمقت الرقابة على اإلنترنت ،ويعد بالمحافظة على سرية حسابات البري==د من الجمي==ع ،بم==ا في ذل==ك
الشرطة .دخلت عليه حصر ًّيا عبر شبكة «إكس نت» ،متنقاًل من اتصال إنترنت لجار لآلخ=ر ،م==ع الحف=اظ على س=رية هوي==تي
— أو هكذا تمنيت — إلى أن وصلت إلى السويد .لم أعد أستخدم اسم «وينس==تون»؛ ف==إذا ك==ان بينس==ان ق==د تمكن من اكتش==افه،
يمكن ألي أحد فعل ذلك .كان اسمي المستعار الجديد الذي ارتجلته هو «مايكي» .وصلني الكثير من رسائل البريد اإللك==تروني
من أشخاص س==معوا في غ==رف المحادث==ة ومنت==ديات الرس==ائل أن بوس==عي مس==اعدتهم في استكش==اف األخط==اء بعملي==ات التهيئ=ة=
افتقدت لعبة «هاراجوكو فان مادنس» ،فقد علَّقت الشركة اللعبة ألجل غير مُس ًّمى ،وقالت إنها ت=رى — ألس=باب أمني=ة — أن
إخفاء أشياء ،ثم إرسال أفراد للبحث عنها ،ليس بالفكرة الجيدة .ماذا إذا ظن أحدهم أنها قنبلة؟ م=اذا إذا وض=ع ش=خص م=ا قنبل=ة
!ماذا إذا أصابني البرق أثناء السير ممس ًك ا بمظلة؟ لنحظر استخدام المظالت إذن! ونهاجم تهديدات البرق
واصلت استخدام الكمبيوتر المحمول ،رغم إصابتي بقشعريرة في بدني في كل مرة أستخدمه فيه==ا .أ ًّي==ا ك==ان من يتنص==ت علي==ه
سيتساءل عن سبب عدم استخدامي له ،فتوصلت إلى أن أجري بعض التصفح العشوائي عليه كل يوم ،مع تقليل مقدار تصفحي
يوم ًّيا ،ليظن بذلك من كان يراقبني بأنني أغيِّر من عاداتي ت==دريج ًّيا ،وليس على نح==و مف==اجئ .وك==ان م==ا أفعل==ه في الغ==الب ه==و
.قراءة النعايا المروعة التي ُنشِ رت على اإلنترنت … اآلالف من أصدقائي وجيراني لقوا حتفهم في قاع الخليج
والحقيقة هي أن ما كنت أؤديه من واجبات مدرسية أخذ يقل بالفعل شي ًئا فشي ًئا بمرور األيام؛ إذ كان لدي عمل في مك==ان آخ==ر.
كنت أعد ً
نسخا جديدة من «بارانويد إكس بوكس» كل يوم ،نحو خمسين أو ستين ،وأوزعها على ناس في المدينة= وق==د س==معت
لم أقلق كثيرً ا بشأن القبض عليَّ لفعل ذلك؛ إذ كان يحميني قدر جي=د من التش=فير ،والتش=فير يع=ني «الكتاب=ة الس=رية» ،ويرج==ع
تاريخه إلى العصر الروماني (باألصح كان أغسطس قيصر مناصرً ا قو ًّيا للتشفير ،وأحب ابتك==ار ش==فرات خاص==ة ب==ه ،بعض==ها
والتشفير نوع من العمليات الرياضية … نوع معقد .لن أحاول شرحه بالتفصيل؛ ألنه ليس ل==ديَّ من المعرف==ة ب==ه م==ا يس==مح لي
.بفهمه جي ًدا؛ لذا يمكنك تصفح موسوعة ويكيبيديا إذا أردت معرفته ح ًّقا
لكن فيما يلي تعريف التشفير في سلسلة أدل==ة «كليفس ن==وتس» الدراس==ية :بعض العملي==ات الرياض==ية يس==هل تنفي==ذها للغاي==ة في
اتجاه واحد ،في حين يصعب للغاية تنفيذها في االتجاه المغاير؛ فيسهل ضرب عددين أوليَّين والتوصل إلى عدد ضخم ،لكن من
.الصعوبة بمكان معرفة العددين= األوليَّين اللذين ض ُِربا للحصول على عدد محدد ضخم
ويعني ذلك أنه إذا كان بإمكانك الوصول إلى طريقة لتشفير شيء ما بضرب أعداد أولية كب==يرة في بعض==ها البعض ،يك==ون من
الصعب فك شفرته دون معرفة هذه األعداد األولية … هذا صعب للغاية؛ بمع==نى أن تريلي==ون ع==ام من العم==ل المتواص==ل لك==ل
تشتمل أية رسالة مُش َّفرة على أربعة أج==زاء :الرس==الة األص==لية ،و ُتس=مَّى «النص غ==ير المش=فر»؛ والرس==الة المُش= َّفرة ،و ُتس=مَّى
«النص المُش َّفر»؛ ونظام التشفير ،ويُس َمى «الشفرة» .وأخيرً ا ،المفتاح ،وهو األشياء السرية التي تضعها في الشفرة م==ع النص
والمفاتيح الخاصة بها .النازيون والحلفاء لم يرغبوا في أن يعرف الطرف اآلخر كيفية تشفيرهم لرسائلهم ،ناهي==ك عن المف==اتيح
التي يمكن استخدامها في ف ِّكها .تبدو هذه فكرة جيدة ،أليس كذلك؟
.خطأ
في المرة األولى التي سمعت فيها عن هذا النوع من تحليل العوامل األولية هذه ،قلت على الفور« :كال ،بالطبع هذا هراء .كان
ما عنيته هو أنه من الصعب بالتأكيد إجراء مثل هذا التحليل ،بغض النظ==ر عن نوع==ه .بي=د= أن==ه ك==ان من المس==تحيل ً
أيض=ا على
اإلنسان الطيران ،أو الصعود للقمر ،أو امتالك محرك أقراص صلبة يسع ألكثر من عدد قليل من وحدات الكيلوبايت .ال بد أن
ك شفرة هذه الرسائل ».وتخيلت جباًل مجو ًفا ملي ًئا بعلم==اء الرياض==يات الت==ابعين لوكال==ة األمن
شخصً ا ما قد توصل إلى وسيلة لف ِّ
.القومي وهم يقرءون كل رسالة بريد إلكتروني في العالم ويضحكون ضحكات خافتة
في الواقع ،كان هذا ما حدث إبَّان الحرب العالمية الثانية؛ ولذلك ،ال تشبه الحياة كثيرً ا لعبة «قلعة ولفنشتاين» التي قضيت أيامًا
الفكرة هي أن الشفرات يصعب الحف=اظ على س=ريتها؛ فهي تنط=وي على الكث=ير من العملي=ات الرياض==ية ،وإذا اس= ُتخدِمت على
نطاق واسع ،فعلى كل من يستخدمها أن يحافظ على س==ريتها ً
أيض=ا .وإذا غيَّر أح==د موقف==ه ،فس==يكون علي==ك العث==ور على ش==فرة
.جديدة
أُطلِق على شفرة النازيين اسم «إنيجما» ،وقد استخدموا كمبيوتر ميكانيك ًّيا صغيرً ا يُس=مَّى جه=از إنيجم==ا لتش==فير الرس==ائل وف= ِّ
ك
شفرتها .واحتاجت كل غواصة وسفينة ومحطة واح ًدا من هذه األجه=زة؛ ومن ثم ك=ان من الحتمي أن يض=ع الحلف=اء في النهاي=ة
وعندما فعلوا ذلك ،ف َّك وا شفرة الجهاز .قاد ذلك العمل بطلي األول على اإلطالق — وهو رج==ل ُي==د َعى آالن ت==ورينج — ال==ذي
يرجع له الفضل إلى حد كبير في اختراع الكمبيوتر كما نعرفه اليوم .لكن لسوء حظه ،كان مثل ًّيا؛ لذا ،بعد أن وض==عت الح==رب
أوزارها ،أجبرته الحكومة البريطانية الغبية على أن يُح َقن بهرمونات من أجل «عالجه» من المثليَّة ،ثم انتحر .أه==داني داري==ل
سيرة تورينج الذاتية في عيد ميالدي الرابع عشر — وكانت مغلفة في عش=رين طبق==ة من ال==ورق وموض==وعة في لعب==ة س==يارة
.الرجل الوطواط ،كعادته مع الهدايا — وصرت عاش ًقا لتورينج منذ ذلك الحين
وبذلك ،امتلك الحلفاء جهاز إنيجما ،وصار بإمكانهم اعتراض سبيل الكثير من رسائل الن==ازيين الالس==لكية ،األم==ر ال==ذي لم يكن
.مه ًّم ا؛ إذ إن كل قائد لديه مفتاح سري خاص به .ولما كان الحلفاء ال يمتلكون أي مفاتيح ،لم يكن امتالك الجهاز ليفيدهم
النازيين قد ارتكبوا خطأ ً رياض ًّيا .وبالحصول على جهاز إنيجم=ا ،تمكن ت=ورينج من التوص=ل إلى كيفي=ة ف=ك ش=فرة أي=ة رس=الة
وبعد الحرب ،قضى علماء التشفير وق ًت==ا ط==وياًل يفك==رون في ذل==ك .ك==انت المش==كلة أن ت==ورينج أك==ثر ذك==ا ًء ممن اخ==ترع جه==از
«.إنيجما» .فعند وضع شفرة ما ،يكون هناك شخص أكثر ذكا ًء يتوصل إلى وسيلة لفكها
وكلما أطالوا التفكير في ذلك ،أدركوا أن أي أحد يمكنه التوصل إلى نظام أمني ال يسعه التوصل إلى كيفي==ة خرق==ه .لكن م==ا من
هذا وينبغي لك نشر الشفرة لتعلم ما إذا كانت تعمل أم ال ،وعليك إخبار أكبر ع=دد= ممكن من الن==اس بكيفي=ة عمله==ا ليتمكن=وا من
.فعل كل ما بوسعهم الختبار مدى أمنها .وكلما مضى وقت دون أن يعثر أحد على عيب فيها ،كنت أكثر أما ًنا
وهذا ما يفي=د حال ًّي=ا .إذا أردت أن تك=ون آم ًن=ا ،فيجب أال تس=تخدم ش=فرة ف َّكر فيه=ا عبق=ري م=ا األس=بوع الماض=ي ،وإنم=ا علي=ك
استخدام ما ظ==ل الن==اس يس==تخدمونه ألط==ول ف==ترة ممكن==ة دون أن يتوص==ل أح==د إلى كيفي==ة اختراق==ه .وس==واء أكنت مص==ر ًفا ،أم
.إرهاب ًّيا ،أم حكومة ،أم مراه ًقا ،فإنك تستخدم الشفرات ذاتها
إذا حاولت استخدام شفرتك الخاصة ،فثمة احتمال أن يتوصل أحد ما إلى عيب أغفلته ،وسيفعل كما فعل ت==ورينج من خالل ف==ك
.شفرة جميع رسائلك «السرية» ،والضحك بينه وبين نفسه على ما تفعله من نميمة ساذجة ومعامالت مالية وأسرار عسكرية
.ومن ثم ،علمت أن التشفير سيحميني من المتطفلين ،لكنني لم أكن مستع ًّدا بعد للتعامل مع المدرجات اإلحصائية التكرارية
•••
األرض ،وبعض شباب العصابات .أشحت بوجهي بعي ًدا عنهم عند وصولي إلى الساللم ،وص=عدت إلى الس=طح .ك=انت حقيب=تي
فارغة اآلن بعد توزيعي ألقراص «بارانويد إكس بوكس»؛ ما خفف الحم=ل عن كتفيَّ ،وأس=رع من خط=اي عن=د خ=روجي إلى
.الشارع .كان المبشرون ال يزالون يمارسون عملهم ،ينصحون الناس باإلسبانية واإلنجليزية عن يسوع وما إلى ذلك
اختفى بائعو نظارات الشمس المقلدة ،لكن ح َّل محلهم أفراد يبيعون= كالبًا آلية تغني النش==يد الوط==ني ،وبإمكانه==ا رف==ع أرجله==ا إذا
أظهرت لها صورة أسامة بن الدن .ال بد أن شي ًئا رائ ًعا كان يجري في عقولها الص==غيرة ،وعق==دت الع==زم بي==ني وبين نفس==ي أن
ً
جديدا للغاية في األلعاب ،وقد انتق==ل م==ؤخرً ا فق==ط من الجه==ات أشتري بعضها وأفككها فيما بعد =.كان التعرف على الوجوه أمرً ا
بدأت السير في شارع ٢٤نحو حي بتريرو هي==ل والم==نزل ،كتف==اي مائلت==ان ،وأنفي تش==م رائح==ة البوريت==و تنبعث من المط==اعم،
رأيت رجلين يتمتعان ببشرة بيضاء وبنيان قوي وشوارب خفيفة جعلتني أشعر أنهما إم=ا ش=رطيان أو مثليَّان يمارس=ان رياض==ة
ً
وهبوطا في حي كاسترو ،بي=د= أن المثليِّين يقص==ون ش==عرهم ع==اد ًة على نح==و أفض==ل .ارت==ديا س==ترتين ركوب الدراجات صعو ًدا
قصيرتين مضادتين للمطر بلون اإلسمنت القديم ،وسراويل من جينز أزرق ،مع اختفاء الح==زامين .فك==رت في ك==ل ش==يء يمكن
أن يضعه شرطي في حزامه ،متذكرً ا الحزام متعدد= االستخدامات الذي كان يرتديه رجل وزارة األمن الوطني في الشاحنة .وقد
واصلت المسير ،وقلبي ينتفض بين ضلوعي .توقعت ذلك منذ= ش==رعت فيم==ا أفعل==ه .ت==وقعت من وزارة األمن الوط==ني اكتش==اف
أمري .اتخذت جميع االحتياطات ،لكن السيدة ذات الشعر القصير أخبرتني أنها ستراقبني ،وأنني شخص مش==بوه .أدركت أن==ني
في انتظار إلقاء القبض عليَّ والزج بي في السجن .ولِ َم ال؟ لماذا يكون داريل في السجن ،وأنا ال؟ ما الذي أوصلت نفسي إلي==ه؟
.إنني لم أملك الشجاعة إلخبار والديَّ — أو والديه — بما حدث لنا ح ًّقا
أسرعت الخطى ،وأخذت أفكر .م=ا من ش=يء ي=دينني= قانو ًن==ا في حقيب=تي … إلى ح=د م=ا على أي==ة ح=ال؛ ف=الكمبيوتر المدرس=ي
المحمول عليه برنامج االختراق الذي يسمح لي بإجراء المراسالت الفوري==ة وم==ا إلى ذل==ك ،لكن نص==ف طالب المدرس==ة ل==ديهم
البرنامج نفسه .هذا وقد غيرت كيفية تشفير األشياء الموجودة على هاتفي؛ فصار لدي اآلن بالفعل قسم مزي==ف يمكن أن أحول==ه
إلى نص غير مشفر بكلمة مرور واحدة ،لكن كل األمور المهمة مخبَّأة ،وتحتاج إلى كلمة م==رور أخ==رى ل ُتف َتح .ب==دا ذل==ك القس==م
المخفي ككم مهمل عش==وائي — فعن==د تش==فير البيان==ات ،يص==بح من العس==ير تمييزه==ا عن األم==ور المتداخل==ة العش==وائية — ولن
تحو حقيبتي أية أق=راص ،وخال جه=از الكم=بيوتر المحم=ول الخ=اص بي من أي دلي=ل ي=دينني .لكنهم إذا فك=روا ،ب=الطبع ،في
لم ِ
.إجراء فحص دقيق لجهاز «إكس بوكس» الخاص بي ،فسينتهي أمري ال محالة
وقفت في مكاني .لقد فعلت ما في وسعي لتأمين نفسي ،وحان الوقت لمواجهة قدري .دخلت أقرب مطعم يبيع البوريتو ،وطلبت
ً
واحدا بقطع لحم الخنزير الصغيرة وصلصة إضافية لكي يُق َبض عليَّ ومعدتي ممتلئة =.حص==لت ً
أيض =ا على ك==وب من مش==روب
.األورتشاتا ،وهو مشروب أرز مثلج يشبه بودينج= األرز السائل شبه المُحلى (مذاقه أفضل من الوصف)
جلست ألتناول الطعام ،ونزلت عليَّ السكينة .كنت على وشك دخ==ول الس==جن لم==ا ارتكبت=ه= من «ج==رائم» ،أو ربم==ا ال ،فلم تع==د
حريتي منذ أن اعتقلوني سوى إجازة مؤقتة ،ولم أعد أنا وبالدي صديقين ،بل صرنا عدوين ،وأدركت أن==ني لن أتمكن أب= ً=دا من
.االنتصار عليها
دخل الرجالن إلى المطعم بينما كنت أنهي البوريتو ،وأنهض لطلب بعض التشورو — وهي عجائن مقلية جي = ًدا مض==اف إليه==ا
.سكر مخلوط بالقرفة — للتحلية .أعتقد أنهما كانا ينتظران في الخارج ،وتعبا من تضييعي للوقت
وقفا خلفي عند نافذة البيع يدفعانني .أخذت حل==وى التش==ورو من الس==يدة العج==وز الجميل==ة ،ودفعت له==ا ثمنه==ا .تن==اولت قض==متين
.سري ًع ا قبل أن أستدير .أردت على األقل تناول القليل من الحلوى؛ فقد تكون آخر حلوى أحصل عليها لفترة طويلة
عندما استدرت ،كانا على مقربة مني لدرجة جعلتني أرى البثرة الموجودة على وجنة َمن وقف على اليس==ار ،والمخ==اط الج==اف
.قلت محاواًل تجاوزهما« :من فضلكما!» فتحرك الرجل ذو المخاط على أنفه ليحجب طريقي
.قال« :أيمكنك= االنضمام إلينا والخروج من هنا؟» وأشار إلى باب المطعم
ً
ثانية ،فوضع هذه المرة ي==ده على ص=دري .ك=ان يتنفس س=ريعً ا من أنف=ه؛ م=ا جع==ل المخ=اط قلت« :آسف ،فأنا آكل» ،وتحركت
.الجاف يهتز .أعتقد أن أنفاسي أنا أي ً
ضا كانت قوية ،لكن من الصعب الجزم بذلك مع دقات قلبي العنيفة
».فتح الرجل اآلخر جيبًا بسترته ليكشف عن شارة شرطة سان فرانسيسكو ،وقال« :شرطة! تعا َل معنا ،من فضلك
فأجابني« :سنهتم بهذا األمر ».واقترب ذو المخاط الجاف على أنفه مني ،ووضع قدمه بين قدميَّ ُ .ي َّت َبع هذا األسلوب في بعض
.الفنون القتالية أي ً
ض ا؛ إذ يسمح لك بمعرفة ما إذا كان الشخص الذي أمامك ينقل جسمه في استعداد للتحرك أم ال
.لكنني لم أكن أعتزم الهروب؛ فأنا أعلم أنني ال أستطيع الهروب من القدر
الفصل السابع
أهدي هذا الفصل لمتجر بوكس أوف واندر بمدينة= نيويورك ،أقدم وأضخم متجر كتب أطفال في مانهاتن .يقع على بُع==د بض==عة
مربعات سكنية من مكاتب «تور بوكس» في مبنى فالتيرن .وكل مرة أذهب فيها إلى «تور بوكس» ،أنسل خلسة دائمًا لزيارة
بوكس أوف واندر لالطالع على ما يزخر به من كتب أطفال جديدة وقديم==ة ون==ادرة .أعش==ق جم==ع اإلص==دارات الن==ادرة لقص==ة
«آليس في بالد العجائب» ،وال يكف متجر بوكس أوف واندر عن إبهاري بإص==دار مح==دود جمي==ل له==ذه القص==ة .ينظم المتج==ر
ً
مقارنة بأي متجر آخر للكتب دخلته .كذلك عد ًدا هائاًل من الفعاليات لألطفال ،ويتمتع بواحد من أكثر األجواء جاذبية
***
قاداني إلى الخارج حتى وصلنا إلى ناصية الشارع حيث وقفت سيارة شرطة ال تحمل أي==ة عالم==ات ،لكن لم يص==عب على أح==د
في ذلك الحي اكتشاف أنها كانت سيارة شرطة؛ فالشرطة وحدها هي التي تقود سيارات «كراون فيكتوريا» كبيرة اآلن بعد أن
وصل سعر جالون البنزين إلى سبعة دوالرات ،كما أن رجال الشرطة وحدهم هم الذين يمكنهم االنتظار ص ًّفا ثانيًا في منتصف
شارع فان نيس دون أن َتسحب سياراتهم قُطعان سيارات السحب الضارية الخاصة بالمرور ،التي تجوب األرج==اء وتق==وم على
.تطبيق قواعد االنتظار غير المفهومة بسان فرانسيسكو ،وجمع الغرامات إلطالق سراح سيارتك بعد سحبها
امتخط الرجل الذي كان المخاط الجاف على أنفه .جلست في المقعد الخلفي برفقته .أما زميله ،فجلس في المقعد األمامي ،وأخذ
يكتب بإصبع واحد على كمبيوتر محم=ول ق=ديم مُج=دَّد ب=دا كم=ا ل=و ك=ان «فري=د فلينس=تون» — الشخص=ية الكرتوني=ة ال=تي من
.قلت« :هل يمكنني رؤية شارتيكما؟» كان من الواضح أنهما شرطيان ،لكن لن يضر أن أجعلهما يعلمان أنني أعرف حقوقي
لوَّ ح ذو المخاط بشارته أمامي سري ًع ا ،فلم أستطع أن ألقي نظرة جيدة عليها ،لكن زميله ذا البثرة الذي جلس في المقعد األمامي
أتاح لي رؤية شارته جي ًدا .رأيت رقم قسمهما ،وتذكرت رقم الشارة المكون من أربعة أرقام .كان س==هاًل ١٣٣٧ :؛ إذ يس==تخدمه
.اتسم كالهما باألدب الشديد ،ولم يحاول أيٌّ منهما إرهابي مثلما فعل ضباط وزارة األمن الوطني عندما كنت رهن االعتقال
».قال ذو المخاط« :أنت رهن االعتقال لمدة قصيرة للغاية لضمان أمنك واألمن العام
ناول رخصة القيادة الخاصة بي لصاحب البثرة ،الذي نقل ما بها ببطء على الكمبيوتر .رأيته يخطئ في الكتابة ،وكدت أصحح
.له ،لكنني رأيت بعد ذلك أنه من األفضل أن أظل صام ًتا
.سيارته
»فقال ذو المخاط« :لست رهن االعتقال اآلن ،هل تود أن تكون كذلك؟
».فأجبته« :كال
حس ًنا ،نحن نراقبك منذ مغادرتك محطة بارت ،وبطاقة «فاس==ت ب==اس» الخاص==ة ب==ك تش==ير إلى أن==ك ق==د ركبت القط==ار لع==دة«
أشعرتني كلماته باالرتياح؛ فلم يتعلق األمر إذن بشبكة «إكس نت» على اإلطالق .لقد كانوا يراقبون استخدامي لمترو األنفاق،
».إذن ،فأنتم تتبعون جميع من يخرج من محطات بارت ولديه تاريخ رحالت غريب؟ ال بد أنكم مشغولون ح ًّقا«
ليس الجميع يا ماركوس .يصلنا تنبيه عندما يخرج أي شخص له تاريخ رحالت غير معت==اد ،ويس==اعدنا ذل==ك في تق==ييم م==ا إذا«
كنا بحاجة للتحقيق في األمر أم ال .وفي حالتك ،جئنا إليك لرغبتنا في معرفة سبب امتالك فتى ذكي مثلك تاريخ رحالت عجيبًا
».كهذا
هكذا ،وبعد أن اختفى شبح دخول السجن الذي كان يلوح أم==امي ،ازداد غض==بي .ال يح==ق له==ؤالء الن==اس التجس==س عليَّ … ي==ا
إلهي! محطة بارت ليس من حقها «مساعدتهم» في ذلك .أين أبلغت بطاقة م==رور م==ترو األنف==اق خاص==تي عن «نم==ط رحالتي
غير المعتاد»؟
.رجع الرجل ذو المخاط بظهره إلى الخلف ،ونظر إليَّ رافعً ا أحد حاجبيه
»حس ًنا ،أنت تعني أن ركوب المواصالت العامة على نحو غير معتاد ليس جريمة؟«
تنهد ذو المخاط على نحو مصطنع ،وقال« :انظر يا ماركوس ،نحن نؤي==دك= فيم==ا تق==ول .إنن==ا نس==تخدم ه==ذا النظ==ام للقبض على
المجرمين واإلرهابيين وتجار المخدرات .لعلك أنت نفسك تاجر مخدرات ،وبطاقة «فاست باس» وسيلة جيدة للتنقل في أرجاء
»ما الخطأ في أن أكون مجهول الهوية؟ لقد استفاد من ذلك الرئيس توماس جيفرسن .وبالمناسبة ،هل أنا رهن االعتقال؟«
تماديت في حديثي .كان ذو المخاط يح==اول الوص==ول إلى مقبض الب==اب ،لكن==ه اس==تدار نح==وي ،وق==د ب==رزت في وجه==ه أوردت==ه
الخافقة« .لماذا ال تخرس اآلن وال يزال ذلك خي==ارً ا أمام==ك؟ بع==د ك==ل م==ا ح==دث في األس==بوعين الماض==يين ،لن يض==رك كث==يرً ا
التعاون معنا .أتعلم ،لعله ينبغي أن نقبض عليك .يمكن أن تقضي يومًا أو اثنين في السجن بينما يبحث عن==ك محامي==ك .والكث==ير
.تمكنت أخيرً ا من قول« :أنا آسف» ،وكرهت نفسي للمرة الثانية لنطقي بها
انتقل ذو المخاط إلى المقعد األمامي ،وأدار ذو البثرة السيارة منطل ًقا في شارع ٢٤ثم إلى حي بتريرو هيل .لقد عرف==ا عن==واني
فتحت أمي الباب عندما د َّقا الجرس ،مع إبقاء السلسلة مغلقة .ألقت نظرة خاطفة من ورائ==ه ،فرأت==ني وق==الت« :م==اركوس؟! من
»هذان الرجالن؟
أجاب ذو المخاط« :شرطة» ،وأظهر شارته لها ،مع السماح له=ا بإلق=اء نظ=رة جي=دة عليه=ا دون أن يس=تلها س=ريعً ا على النح=و
.أغلقت أمي الباب ،وفتحت السلسلة ،وسمحت لهما بالدخول .قاداني للداخل ،ورمقت أمي ثالثتنا بإحدى نظراتها التي أعرفها
»ماذا يحدث؟«
أشار ذو المخاط إليَّ ،وقال« :أردنا أن نطرح على ابنك بعض األسئلة الروتينية= بشأن تحركاته ،لكنه رفض الرد عليها ،ورأينا
ت يا والدتي العجوز«
!هل هو رهن االعتقال؟» جاءت لهجة والدتي حادة .أحسن ِ
ت مواطنة أمريكية يا سيدتي؟
»قال ذو البثرة« :هل أن ِ
»رمقته بنظرة يملؤها الغضب ،وقالت بلهجة جنوبية قوية« :بالطبع! هل أنا رهن االعتقال؟
بادر ذو البثرة الحديث قائاًل « :يبدو أننا بدأنا بداية سيئة .لقد توصلنا إلى أن ابن==ك يس==تخدم المواص==الت العام==ة على نح==و غ==ير
ً
أشخاص=ا لهم نم==ط رحالت غ==ير معت==اد =،أو يتش==ابه م==ع معتاد ،وذلك في إطار برنامج جديد وقائي لتنفيذ القانون ،وعندما نحدد
»قالت أمي« :انتظر! كيف علمتم بكيفية استخدام ابني للمواصالت العامة؟
بالفعل لعدم تقديمها الشاي لهما — عند والدتي ،كان هذا يعني عدم ترحيبها بهما — لكن طيها لذراعيها ك==ان معن==اه أن األم==ر
.سينتهي نهاية سيئة لهما .في تلك اللحظة ،أردت الذهاب لشراء باقة كبيرة من الورود لها
»هل تعنيان أنكما تعتقدان أن ابني إرهابي بسبب نهجه في ركوب المواصالت؟«
قال ذو البثرة« :ليس اإلرهابيون وحدهم من نقبض عليهم باتباع هذه الطريقة ،هناك أيضً ا تجار المخدرات وشباب العصابات،
».بل وسارقو المتاجر ممن هم بالقدر الكافي من الذكاء الرتكاب جرائمهم في حي مختلف في كل مرة
.شرع ذو البثرة في الحديث« :ليس هذا ما نقوله …» فص َّفقت والدتي أمامه إلسكاته
.ففعلت
أيها الشرطيان ،أستطيع أن أؤكد لكما اآلن أنه ما من مخدرات أو متفج==رات أو أي==ة حُليٍّ رخيص==ة مس==روقة في حقيب==ة اب==ني«.
».أعتقد بذلك أننا نكون قد انتهينا مما نحن بصدده =.أريد االطالع على رق َميْ شارتيكما قبل أن تغادرا ،من فضلكما
رمقها ذو المخاط بنظرة استهزاء ،وقال لها« :يقاضي االتحاد األمريكي للحري==ات المدني=ة= ثالثمائ==ة ش==رطي من جه==از ش==رطة
•••
أعدت لي أمي كوبًا من الشاي ،ووبختني لتناولي العشاء رغم علمي بإعدادها الفالف==ل .حض==ر وال==دي إلى الم==نزل بينم==ا كن==ا ال
وتناوبت مع أمي إخباره بما حدثَّ .
هز والدي رأسه ُ .نزال على المائدة،
إنهما يؤديان عملهما فحسب يا ليليان ».كان ال يزال يرتدي السترة الزرقاء والس==روال الك==اكي ال==ذين اعت==اد ارت==داءهما أثن==اء«
».عمله كمستشار في وادي السيليكون .استطرد حديثه قائاًل « :لم يعد العالم كما كان األسبوع الماضي
أنزلت والدتي كوب الشاي الذي كانت تشربه« .درو ،هذا سخف! ابنك ليس إرهاب ًّيا ،واستخدامه لجه==از النق==ل الع==ام ليس س==ببًا
خلع والدي سترته ،وقال« :هذا ما نفعله دو ًما في العمل ،فهكذا يمكن استخدام الكمبيوتر للوصول إلى كافة األخط==اء والح==االت
الشاذة والنتائج .نطلب من الكمبيوتر إنشاء ملف تعريفي لسجل عادي في قاعدة البيان==ات ،ثم نطلب من==ه الكش==ف عن الس==جالت
الموجودة في قاعدة البيانات البعيدة تمامًا عما هو عادي .إنه جزء مما يعرف بتحليل ب==ايزي ،ال==ذي يُس==تخدم من==ذ ف==ترة طويل==ة.
!لم يغضب والدي قط عند جدالي معه ،لكن الليلة بدا توتره في تزايد =.رغم ذلك ،لم أستطع المقاومة؛ فوالدي يناصر الشرطة
ما أقوله هو أنه من المنطقي تما ًم ا أن تجري الشرطة تحقيقاتها بأن تبدأ بالتنقيب في البيانات ،ثم جمع المعلومات حيث يتدخل«
العنصر البشري للتوصل إلى س==بب الخ==روج عن المعت==اد .وال أرى أن جه==از الكم==بيوتر يجب أن يخ==بر الش==رطة بمن تعتقل==ه،
».وإنما يساعدها فحسب في تفتيش كوم القش ً
بحثا عن إبرة
قلت« :لكن بحصولهم على كل هذا الكم من البيانات من نظام النقل ،فإنهم يخلقون ك==وم القش .إن==ه كم هائ==ل من البيان==ات ،وم==ا
».من شيء يستحق البحث عنه فيه ،من وجهة نظر الشرطة .إنه مضيعة تامة للوقت
أتفهم عدم رضاك عما تسبب فيه هذا النظام من إزعاج ل==ك ي==ا م==اركوس ،لكن==ك من بين ك==ل الن==اس علي==ك أن تق==در خط==ورة«
».الموقف .ما من ضرر وقع ،أليس كذلك؟ بل إنهما أوصالك إلى المنزل أيضًا
».باإلضافة إلى ذلك ،فإنك لم تخبرنا بع ُد أين ذهبت ليصبح لك هذا النمط غير المعتاد من التحركات«
أعتقد أنك تثق في حُكمي ،ولذلك لم تتجسس عليَّ ».كثيرً ا ما ك==ان يق==ول ذل==ك« .ه==ل تري==دني ح ًّق==ا أن أفس==ر ك==ل رحل==ة قمت«
»بها؟
•••
الحائط فوق سريري (لزم عليَّ إنزال اللوحة الجدارية الرائعة إلعالن موسيقى البانك روك ،الذي أزلته من على أعمدة خطوط
قمت بتشغيل جهاز «إكس بوكس» ،وشاهدته وهو يظهر على الشاشة .كنت سأرسل بري ًدا إلكترون ًّيا إلى فان وخولو ألخبرهم==ا
.بشأن شجاري مع الشرطيين ،لكن ما إن وضعت أصابعي على لوحة المفاتيح حتى تراجعت
والسبب في ذلك الشعور هو ما قاله وال==دي« :نطلب من الكم==بيوتر إنش==اء مل==ف تع==ريفي لس==جل ع==ادي في قاع==دة البيان==ات ،ثم
».نطلب منه الكشف عن السجالت الموجودة في قاعدة البيانات البعيدة= تمامًا عما هو عادي
كانت شبكة «إكس نت» مؤمَّنة ألن مستخدميها ال يتصلون مباشر ًة باإلنترنت ،وإنما كانوا يتنقلون من جهاز إكس بوكس آلخر
حتى يعثروا على جهاز متصل باإلنترنت ،ثم يُدخِلوا ما لديهم كبيانات مُش َّفرة غير قابلة لف ِّ
ك ش==فرتها .وال يمكن ألح==د أن يح==دد
حزم بيانات اإلنترنت ال==تي تمث==ل ش==بكة إكس نت ،واألخ=رى ال==تي ال تمث==ل س=وى اتص=االت ص==ريحة للعملي==ات المص==رفية أو
التجارة اإللكتروني=ة أو غ=ير ذل=ك من االتص=االت المش= َّفرة .فال يمكن التوص=ل إلى من يرب=ط ش=بكة إكس نت بعض=ها ببعض،
لكن ماذا عن «اإلحصائيات البايزية» التي تحدث عنها أبي؟ سبق لي التالعب بهذه التحليالت من قبل .حاولت أن==ا وداري==ل في
إحدى المرات إنشاء أداة تصفية بريد عشوائي أفضل خاصة بن=ا ،وعن==د تص=فية البري==د العش==وائي تحت=اج للعملي=ات اإلحص=ائية
البايزية .توماس بايزي رياضي بريطاني عاش في القرن الثامن عشر ،لم ُيعِره أحد اهتمامًا إال بعد= نحو مائتي ع==ام من وفات==ه،
وذلك عندما أدرك علماء الكمبيوتر أن أسلوبه في تحليل الكميات الهائلة من البيانات إحصائ ًّيا يمكن أن يكون له فائدة مذهلة مع
إليك بعض المعلومات حول كيفية عمل اإلحصائيات البايزية .لنفترض أن لديك مجموعة من رسائل البريد العشوائي ،تأخذ كل
وأحص الكلمات التي تظهر فيها .استخدم بعد ذلك المدرج اإلحص==ائي لتك==رار
ِ انتظر حتى تصلك رسالة بريد إلكتروني جديدة،
الكلمات في الرسالة المُر َّش حة لحساب احتمالية انتمائها لمجموعة «البريد العشوائي» أو «البريد غير العش==وائي» ،وإذا اتض==ح
أنها بريد عشوائي ،فقم بتعديل= المدرج اإلحصائي «للبريد العشوائي» وف ًقا لذلك .هناك العديد= من الطرق لتحس==ين ه==ذه التقني==ة،
مثل البحث عن الكلمات في أزواج ،م==ع التخلص من البيان==ات القديم==ة ،لكن ه==ذا ه==و ج==وهر عمله==ا .إنه==ا إح==دى تل==ك األفك==ار
ولها العديد من التطبيقات؛ فيمكنك أن تطلب من الكمبيوتر أن يحصي الخط==وط في إح==دى الص==ور ،وت==رى م==ا إذا ك==انت أش==به
بمدرج إحصائي تك==راري لخط=وط «قط=ة» أم «كلب» .ويمكن أن تكش=ف عن م==واد إباحي=ة ،أو احتي=ال مص=رفي ،أو رس=ائل
وهذا أمر سيئ فيما يتعلق بشبكة «إكس نت»؛ فإذا كنت تتجسس على اإلنترنت بالكامل — وهذا بالطبع ما تفعله وزارة األمن
الوطني — فال يمكن=ك تحدي=د= من يم=رر ح=زم بيان=ات «إكس نت» من خالل النظ=ر في محتوي=ات ه=ذه الح=زم ،وذل=ك بفض=ل
.التشفير
ما بإمكانك فعله ح ًّقا هو معرفة من يرسل أكبر نسبة معلومات مشفرة مقارنة باآلخرين؛ فجلسة العمل على اإلن=ترنت للمتص=فح
صا مُش َّفرً ا؛ ومن َث َّم ،إذا ك==ان ٩٥بالمائ==ة مم==ا يرس=ل
صا غير مشفر ،و ٥بالمائة ن ًّ
العادي يكون على األرجح ٩٥بالمائة منها ن ًّ
الصين ،وهو الجدار المستخ َدم للرقابة على اتص==االت اإلن==ترنت في الدول==ة بأكمله==ا ،من خالل اس==تخدام اتص==ال مُش= َّفر بجه==از
كمبيوتر في دولة أخرى .وال يستطيع الحزب الشيوعي هناك تحديد ما يتصفحه المع==ارض على اإلن==ترنت؛ فربم==ا يك==ون م==وا َّد
إباحية ،أو إرشادات لصنع القنابل ،أو رسائل جنسية من صديقته في الفلبين ،أو موا َّد سياسية ،أو أخبارً ا جيدة عن العِلمولوجيا.
ليس عليهم أن يعرفوا ،كل ما عليهم معرفته هو أن نس==بة االس==تخدام المش= َّفر للش==بكة من ه==ذا الش==اب أك==ثر بكث==ير من جيران==ه،
.عندئ ٍ=ذ يرسلونه إلى أحد معسكرات العمل القسريِّ ليكون عبرة لآلخرين عندما يرون ما يحدث لمن يظنون أنفسهم أذكياء
حتى ذلك الحين ،كنت على استعداد للمراهنة على أن شبكة «إكس نت» خاضعة لرقابة وزارة األمن الوطني ،لكن ه==ذا الح==ال
لن يدوم لألبد .وبعد الليلة ،لم أكن متأك ًدا من أنني أفضل حااًل من أي معارض صيني .إنني أعرِّ ض ك==ل من يقوم==ون بال==دخول
على تلك الشبكة للخطر؛ فالقانون ال يأْ َبه بما إذا كنت ترتكب جرمًا ح ًّقا ،ورجال=ه على اس=تعداد= لوض=عك تحت المِجه=ر لمج=رد
نمطا سلوك ًّيا غريبًا إحصائ ًّيا .وما كان بيدي إيقاف ذلك؛ فبعد تشغيل شبكة «إكس نت» ،صارت كيا ًنا مستقاًّل
.أنك تتبع ً
تمنيت التحدث مع خولو في هذا الشأن .كان خولو يعمل لدى إحدى ش==ركات توف==ير خ==دمات اإلن==ترنت تحم==ل اس==م «بيجس==بلين
نت» ،والتي قد وظفته وهو في سن الثانية عشرة؛ ففاقت معرفته باإلنترنت ما أعرفه بكثير .وإذا ك==ان هن==اك من يع==رف كي==ف
لحسن الحظ ،خططت أنا وفان وخولو لاللتقاء لشرب القهوة الليلة التالية في مكاننا المفضل في حي ميشن بعد الدوام المدرسي.
كان ذلك — رسم ًّي ا — موعد االجتماع األسبوعي لفريق «هاراجوكو فان مادنس» ،بيد أنه مع إلغاء اللعبة وغياب داري==ل ،لم
يتع َّد األمر كونه تجم ًعا أسبوع ًّيا للبكاء ،تصحبه نحو ست مكالمات هاتفية ورسائل فورية يوم ًّيا من قبيل« :هل أنت بخ==ير؟ ه=ل
.حدث ذلك بالفعل؟» كان من األفضل أن نجد شي ًئا آخر نتحدث عنه
•••
»قالت فانيسا« :لقد فقدت صوابك .هل أنت مجنون ً
كلية ،أم ماذا؟
جاءت فان بزي مدرسة الفتيات الذي كانت ترتديه؛= وذلك ألنه ك==ان من الص==عب عليه==ا أن تقط==ع الطري==ق الطوي==ل للع==ودة إلى
منزلها في حافلة المدرسة التي تسير بها أعلى جسر سان ماتيو ثم تعود إلى المدينة .لقد كرهت الظهور في أم==اكن عام==ة ب==زي
المدرسة األشبه بزي بطل==ة قص==ص المانج==ا المص==ورة «س==يلور م==ون» المؤلَّف من تن==ورة بثني==ات ،وس==ترة ،وج==وارب تص==ل
للركبتين .وقد كانت في حالة مزاجية سيئة منذ وصولها إلى المقهى الذي كان يعج بطالب موسيقى اإليمو الجذابين= األكبر منها
.س ًّن ا ،الذين أطلقوا ضحكات خافتة وأنظارهم مثبتة على القهوة التي يشربونها عند دخولها المقهى
سأل ُتها« :ماذا تريدينني أن أفعل يا فان؟» بدأ الغضب يتملكني أنا أيضً ا .لم تعد المدرسة ُتحت َم==ل اآلن بع==د إلغ=اء اللعب==ة وغي=اب
داريل .وطوال اليوم أثناء الحصص المدرسية ،كنت أعزي نفسي بالتفكير في التقائي بفريقي … أو باألصح َمن تبقى منه .أم==ا
أريدك أن تتوقف عن المجازفة يا مايكي ».وقف حينها شعر رأسي من الهلع .كنا نستخدم ،ب==الطبع ،دو ًم==ا أس==ماء الفري==ق في«
ضا باستخدامي لشبكة «إكس نت» ،أفزع==ني س==ماعه على المأل في مك==ان ً
مرتبطا أي ً اجتماعاتنا ،لكن اآلن وبعد أن صار اسمي
.عام
ً
ثانية ».رددت بحدة« :ال تستخدمي هذا االسم على المأل
فهزت فان رأسها ،وقالت« :هذا بالضبط ما أتحدث عنه .قد يكون مآلك السجن لما تفعله ي=ا م=اركوس ،وال يقتص=ر ذل=ك علي=ك
أفعل ذلك من أجل داريل!» أدار طلبة موسيقى اإليمو مقاعدهم للنظر إلينا ،فخفضت صوتي ،واس==تطردت« :أفع==ل ذل==ك ألن«
».فأجبت« :وال تزال هذه بالدنا .ال يزال من حقنا فعل ذلك
ْ
التقطت نفسين عميقين ونهضت ،ثم قالت« :آسفة ،ال يمكنني فعل ذلك ،ال يمكنني مش==اهدتك بدت فان وقد أوشكت على البكاء.
وأنت تفعل ذلك .إنه أشبه بمشاهدة تحطم سيارة بالتصوير البطيء .س==تدمر نفس==ك ،وح==بي ل==ك يمنع==ني من مش==اهدة ذل==ك وه==و
».يحدث
ضا ،لكن على وجنته مباشر ًة ،ثم غادرت .اشتعلت النار في فمي باقتراب شفتيها منه .قب ْ
َّلت خولو أي ً
».ربَّت خولو على ظهري ،وطلب لي كوبًا آخر من القهوة ،وقال« :سيكون الحال على ما يرام
.استخدام شبكة إكس نت كما اعتدنا دون التعرض لالعتقال .استمع إليَّ باهتمام
أفهم ما تقوله .المشكلة أنه لو تضمن اتص=ال اإلن=ترنت لش=خص م=ا ق=درً ا كب=يرً ا من التش=فير ،فس=ي َُعد غريبً=ا .وفي ح=ال ع=دم«
»… نعم ،حاولت طوال اليوم الوصول لحل .ربما يمكننا إبطاء االتصال ،ونشره على عدد أكبر من حسابات األفراد«
فأجابني« :لن يفيد ذلك .إلبطاء االتصال بالقدر الك=افي لالختف=اء وس=ط البيان==ات المتداخل==ة ،س==يكون علي==ك في األس=اس إيق=اف
»قلت له« :أنت على حق ،لكن ماذا بأيدينا فعله غير ذلك؟
لهذا عينت شركة «بيجسبلين» خولو للعمل معها وه=و في س=ن الثاني==ة عش=رة؛ فعن==دما تك=ون أمام=ه مش=كلة له=ا حاَّل ن س==يئان،
ت م==ا
يتوصل إلى حل ثالث مختلف تمامًا ق==ائم على اس==تبعاد كاف==ة افتراض==اتك .أوم==أت برأس==ي بق==وة ،وقلت ل==ه« :اس==تمر ،ه==ا ِ
».عندك
ماذا إذا كان مستخدم اإلنترنت العادي بسان فرانسيسكو ينطوي استخدامه الع=ادي لإلن==ترنت على ق==در أك==بر من التش=فير؟ إذا«
تمكنا من تغيير التوزيع بحيث تكون نسبة النص غير المشفر إلى النص المُش َّفر متعادلة ،فسيبدو مس==تخدمو ش==بكة «إكس نت»
لكن كيف نفعل ذلك؟ ال يأبه الناس كثيرً ا بشأن خصوصيتهم بقيامهم بتصفح اإلنترنت من خالل رابط مُش َّفر ،وال يرون أهمية«
نعم ،لكن صفحات اإلنترنت تمثل نسبة صغيرة من استخدام البيانات .وإذا جعلن=ا الن=اس ي==نزلون دو ًم==ا بض==عة ملف=ات مُش= َّفرة«
».ضخمة يوم ًّيا ،فسيبلغ النص المُش َّفر اآلالف من صفحات اإلنترنت
الشبكة المستقلة هي ما جعل شركة «بيجسبلين نت» واحدة من أكثر شركات توفير خدمات اإلنترنت المستقلة نجاحً ا في العالم.
عندما بدأت كبرى شركات التسجيالت الموسيقية في مقاضاة عمالئها لتنزيل المق==اطع الموس==يقية الخاص==ة به==ا ،أص==اب ال==ذعر
الكث=ير من ش=ركات التس=جيالت الموس==يقية المس=تقلة ومن يتع=املون معه=ا من فن=انين .فكي==ف تج=ني الش=ركات الم=ال بمقاض=اة
عمالئها؟
توصلت مؤ ِّس َسة شركة «بيجسبلين» إلى اإلجابة عن هذا السؤال؛ فعقدت اتفا ًقا مع أي فنان يرغب في التعاون مع معجبيه بداًل
من مح==اربتهم :إذا أعطيت ش==ركة «بيجس==بلين» تص==ريحً ا لتوزي==ع موس==يقاك على عمالئه==ا ،فس==وف تمنح==ك نس==بة من رس==وم
االشتراك حسب مدى شعبية موسيقاك .إن المشكلة الكبرى للفنان المستقل ليست القرصنة ،وإنما ع==دم الش==هرة؛ بمع==نى أال يهتم
ونجحت الفك==رة؛ إذ و َّقعت المئ==ات من ش==ركات إنت==اج الموس==يقى والفن==انين م==ع ش==ركة «بيجس==بلين» .وكلم==ا زادت الموس==يقى
بالموقع ،زاد عدد المعجبين الذين يحصلون على خدمة اإلنترنت من شركة «بيجسبلين» ،وزاد مقدار المال الذي يحصل علي==ه
الفنانون .وفي خالل عام ،حصدت الشركة مائة ألف عميل جديد ،وصار لديها اآلن ملي==ون عمي==ل؛ أي أك==ثر من نص==ف عمالء
قال خولو« :عملت على تط=وير ك=ود الش=بكة المس=تقلة لش=هور اآلنُ .كتِبت ال=برامج األص=لية على نح=و س=ريع وس=يئ للغاي=ة،
ويمكن جعلها أكثر كفاءة بقليل من العمل ،لكنني لم أج==د ال==وقت فحس==ب .تمثلت إح==دى أهم المه==ام في تش==فير االتص==االت؛ ألن
ترودي تفضل ذلك ».ترودي دو هي مؤسِّسة شركة «بيجسبلين» .كانت فيما سبق أسطورة البانك روك في س==ان فرانسيس==كو،
المغنية= الرئيسية في الفرقة النسوية الفوضوية «سبيدهورز» ،وكان لديها ول==ع بش=أن الخصوص=ية .ك==ان بوس=عي تص==ديق أنه=ا
أجاب خولو« :حس ًنا ،يتوفر قدر هائل من األكواد المش َّفرة مجا ًنا على اإلنترنت ،بالطبع ».وفعل مثلما فع==ل عن==د محاولت==ه ح==ل
مشكلة كود معقد :ش==رد بذهن==ه ،ونق==ر براحتي==ه على الطاول==ة ،فانس==كبت بعض القه==وة في ص==حن الفنج==ان .ش==عرت برغب==ة في
.الضحك .قد يكون كل شيء مدمرً ا ومخي ًفا ،لكن خولو سيكتب ذلك الكود
»نظر إليَّ ،وقال« :ماذا؟ أتعتقد أنني غير قادر على تدبر األمر؟
»ماذا؟«
أعني أنك أنهيت العم==ل على ش==بكة إكس نت بالكام==ل دون أن تخ==برني … دون أن تتح==دث معي .اعتق==دت أن==ك لم تحتج إلى«
أخرستني كلماته ،وكررت قولي« :ماذا؟» بدا خولو حان ًقا ح ًّقا اآلن .كان من الجلي أن ذلك يعتمل في صدره منذ ف==ترة طويل=ة.
»… «خولو
نظر نحوي ،وتمكنت من رؤية غضبه الشديد =.كيف لم أنتبه لذلك؟ يا إلهي! أكون مغفاًل ح ًّقا في بعض األحيان .قال« :انظر ي==ا
صديقي ،ليس هذا باألمر المهم — كان يقصد بشكل واضح أنه مهم للغاية — كل ما هنالك أنك لم تطلب المس==اعدة ق==ط .إن==ني
شعرت بخجل شديد من نفسي ،وقلت له« :اسمع يا خولو ،كان ذلك غبا ًء مني ح ًّقا .لقد نف=ذت األم=ر في الثاني=ة ص=باحً ا تقريبً=ا.
كنت خباًل حينها .إنني …» لم أتمكن من التفسير .نعم ،لقد كان على حق ،وهذه هي المشكلة .ك==انت الثاني==ة ص==باحً ا ،لكن ك==ان
بإمكاني مع ذلك التحدث معه في األمر في اليوم التالي أو الذي يليه .لم أفعل ألنني كنت أعلم ما كان س=يقوله ،ك=ان س=يقول إن=ه
عمل محفوف بالمخاطر ،وإنني بحاجة إلعادة النظر فيه .طالما تمكن خولو من تحويل ما يراودني من أفكار في الثانية ص==باحً ا
إلى كود حقيقي ،لكن ما كان يتوصل إليه كان دائمًا مختل ًفا بعض الشيء عم=ا كنت أتوص=ل إلي=ه .لق=د أردت المش=روع لنفس=ي،
قلت أخيرً ا« :آسف ،إنني آسف ح ًّقا ،فأنت معك كل الحق .لقد فزعت فقط ،وكان تصرفي أحمق .إنني بحاج==ة لمس==اعدتك ح ًّق==ا،
».بالطبع أعنيه .فأنت أفضل مصمم أكواد رأيته .إنك لعبقري ح ًّقا يا خولو ،وسيشرفني أن تعينني في ذلك«
أخذ ينقر بأصابعه أكثر ،ثم قال« :إنه فقط … أنت تعلم .إنك القائد ،وفان الش==خص ال==ذكي ،وداري==ل ك==ان … نائب==ك ،من ينظم
».كل شيء ويراقب التفاصيل .أما البرمجة ،فهذه كانت مهمتي؛ لذا ،شعرت كما لو أنك تقول إنك لست بحاجة إليَّ
»… يا إلهي! يا لي من أحمق! إنك أكثر من أعرفهم كفاءة — يا خولو — في فعل ذلك .إنني ح ًّقا ،ح ًّقا«
حس ًنا ،ال بأس .كفى ،إنني أصدقك .وضعنا اآلن يُر َثى له؛ لذا يمكنك بالطبع المساعدة ،وربما يمكننا أن ندفع لك ً
أيض =ا مقاب==ل«
بالتأكيد =،فأنت على األرجح بالكفاءة التي تؤهلك لذلك ».ابتسم ابتسامة عريضة ،ولكمني في كتفي .يتس==م خول==و بطب==ع ه==ادئ«
.في أغلب األحيان؛ ولذلك أفزعني كثيرً ا ما حدث بيننا منذ قليل
دفعت ثمن القهوة ،وغادرنا المقهى .اتصلت بوالديَّ ،وأعلَمتهما بما كنت أفعله .أص=رَّ ت وال=دة خول=و على إع=داد الش=طائر لن=ا.
حبسنا أنفسنا في غرفته مع جهاز الكمبيوتر الخاص به وك==ود الش==بكة المس==تقلة ،وب==دأنا واح==د ًة من أعظم عملي==ات البرمج==ة في
التاريخ .ما إن خلدت أسرة خولو للنوم في الحادية عشرة والنصف تقريبًا ح==تى تمك َّنا من اختط==اف ماكين==ة القه==وة إلى غرفت==ه،
إذا لم تسبق لك برمجة كمبيوتر ،يجدر بك أن تفعل ،ما من شيء يضاهيها في العالم أجمع .عندما تبرمج كمبيوتر ،فإنه ينفذ م==ا
تمليه عليه بالضبط .إنه أشبه بتصميم ماكينة؛ أ ًّي=ا ك=انت؛ س=واء أك=انت س=يارة ،أو ص=نبورً ا ،أو مفص=ل ب=اب ،وذل=ك باس=تخدام
.العمليات الرياضية واإلرشادات .إن األمر مذهل ح ًّقا؛ ويمكن أن يمأل قلبك بالرهبة
الكمبيوتر أك==ثر األجه==زة ال==تي ق==د تس==تخدمها تعقي= ًدا على اإلطالق؛ فه==و مؤلَّف من الباليين= من أجه==زة الترانزيس==تور متناهي==ة
الصِّغر التي يمكن تهيئتها لتشغيل أي برنامج قد تتخيله ،لكن عندما تجلس أمام لوح==ة المف==اتيح ،وتكتب س==طرً ا من الك==ود ،تنف==ذ
.معظمنا لن يتسنى له مطل ًقا صناعة سيارة ،أو نظام طيران ،أو تصميم مبنى أو تخطيط مدينة
ً
تعقيدا بكثير =،وم==ع ذل==ك ي==رقص على أي فهذه ماكينات أو أشياء معقدة ،وتقع خارج نطاق قدرتي وقدرتك ،لكن الكمبيوتر أكثر
نغمة تعزفها .يمكنك= تعلم كتابة كود بسيط في فترة وجيزة .لتبدأ بلغة مثل بايثون ،وهي اللغة ال==تي ُكتِبت لمنح غ==ير الم==برمجين
وسيلة أيسر لجعل الكمبيوتر يلبي رغباتهم .عليك فعل ذلك ،وإن كنت لن تمارس البرمجة إال ليوم واحد فقط ،أو لف==ترة وج==يزة
من الوقت .يمكن ألجهزة الكمبيوتر أن تتحكم فيك ،أو تخفف من عبء عمل=ك؛ لكن==ك إذا أردت التحكم في أجهزت==ك ،فعلي=ك أن
بوردرز الضخم في شارع أورشارد في سنغافورة ،واكتشاف رف محمَّل برواياتي! لس==نوات ع==دة ،استض==اف ه==ذا المتج==ر في
فرعه في شارع أكس=فورد بلن==دن= أمس==يات ب==ات كاديج==ان الش==هرية للخي==ال العلمي؛ حيث يق==رأ المؤلف==ون المحلي==ون والزائ==رون
أعمالهم ،ويتحدثون عن الخيال العلمي ،ويلتقون بمعجبيهم =.عندما أكون في مدينة= غريبة (وهو ما يحدث كثيرً ا) ،وأحتاج لكتاب
رائع لرحلتي التالية ،دائ ًما ما أدخل أحد متاجر بوردرز وأجده زاخرً ا بالخيارات المذهلة .وأنا متح==يز بوج==ه خ=اص لفرع==ه في
***
ُ
لست الوحيد الذي عرَّ ضته المدرجات اإلحصائية التكرارية للمشكالت؛ فأنماط التحرك واالستخدام غير طبيعية لدى الكثير من
».الناس .صار النمط غير الطبيعي هو الشائع ،بل إنه أصبح عمل ًّيا «الطبيعي أو العادي
امتألت شبكة «إكس نت» بهذه القصص ،وكذلك الصحف ونشرات األخب==ار التليفزيوني==ة .أزواج ُت َ
كتش=ف خي==انتهم لزوج==اتهم،
وزوجات ُتكت َشف خيانتهن ألزواجهن ،شباب يتضح خروجهم وإقامتهم عالقات غير شرعية م=ع رفيق=ات أو رفق=اء لهم ،ش=باب
.لم يخبروا آباءهم بإصابتهم باإليدز يُكت َشف ذهابهم للمستشفى للحصول على األدوية
هؤالء هم من لديهم شيء يريدون إخفاءه ،ليسوا مذنبين =،وإنما لديهم أسرار .وهناك عدد أكبر من الناس ليس لديهم م==ا يخفون==ه
على اإلطالق ،لكنهم يستاءون من القبض عليهم ومساءلتهم .تخيل أن شخصًا ما حبس==ك في م==ؤخرة إح==دى س==يارات الش==رطة،
لم يقتصر األمر على المواصالت العامة فحسب .يحتفظ أغلب السائقين في منطقة الخليج ببطاقة مرور «فاستراك» في الواقي
من الشمس بسياراتهم .و«فاستراك» هي «محفظة» صغيرة تعمل بالموجات الالسلكية وتدفع الرسوم بالنيابة عنك عن==د عب==ور
الجسور ،مُج ِّن ً
بة إياك عناء الوقوف في طابور لساعات في ساحات دفع رسوم المرور .وقد زودوا تكلفة الدفع ً
نقدا ثالث م==رات
لتجاوز الجسر (وإن كانوا يتالعبون بذلك دو ًما ،من خالل التصريح بأن «فاستراك» أقل تكلفة ،وليس أن الدفع نق= ً=دا — ال==ذي
يكون دافعه مجهول الهوية — أكثر تكلفة) .واختفت المعارضة تمامًا عندما ُخفِض عدد= حارات الدفع ً
نقدا إلى حارة واحدة لكل
ومن ثم ،إذا كنت أحد المواطنين المحليين ،أو تقود سيارة مؤجرة من وكالة محلية ،فستحمل بطاق==ة «فاس==تراك» .لكن س==احات
البطاقات بجميع أنحاء المدينة؛ وعندما تتجاوزها ،تسجل الوقت ورقم بطاقة هويت==ك لتعكس على نح==و أفض==ل َمن ذهب ،وأين،
ومتى ،في قاعدة بيانات تعززها «كاميرات مراقبة السرعة» ،و«كاميرات تجاوز اإلش==ارة الحم==راء» ،وغيره==ا من ك==اميرات
ومن ثم ،إذا كنت تقود سيارة ما ،فمن المرجح أن تستوقفك إحدى سيارات شرطة سان فرانسيسكو لتعرف سبب تكرار زيارتك
.لمتجر هوم ديبو مؤخرً ا ،وذهابك إلى مدينة سنوما في منتصف الليل األسبوع الماضي
أخذت المظاهرات البسيطة ،التي اندلعت في أرجاء المدينة= في عطلة نهاية األسبوع ،في التزايد؛ فخرج خمسون أل==ف ف==رد في
مسيرة بشارع ماركت بعد أسبوع من هذه المراقبة .بيد أنني لم أُعِ رْ ذلك اهتما ًما؛ فمن احتلوا مدينتي لم يهتموا بما أراده أهلها،
في صبيحة أحد األيام ،وعند نزولي لتناول الفطور في الموعد المحدد تمامًا ،سمعت أبي يخبر أمي أن أكبر ش==ركتين لس==يارات
األجرة تقدم «خصمًا» لمن يستخدمون بطاقات خاصة لدفع األجرة ،وال=تي من المف=ترض أن تزي==د من أمن الس=ائقين من خالل
تقليل كم النقود التي يحملونها .تساءلت عما يمكن أن ُتستخ َدم فيه المعلومات المتعلقة بمن استقل سيارات األجرة والمك==ان ال=ذي
.توجه إليه
أدركت مدى اقترابي من الهدف .انتشر عميل الشبكة المستقلة الجديد كتحديث تلقائي مع بدء تدهور األح==وال ،وأخ==برني خول==و
أن ٨٠بالمائة من حركة البيانات التي رآها في شركة بيجسبلين صارت اآلن مُش َّفرة .ولعله بذلك يكون قد تم إنقاذ شبكة «إكس
».نت
أثناء تناولنا الفطور في أحد األيام ،أخبرته بشأن الشباب الذين شهدت تفتيش الشرطة لهم بشكل كامل في إحدى محطات ب==ارت
».في اليوم السابق ،فكان رده« :لقد أصبت بجنون االرتياب يا ماركوس
».هذا سخف يا أبي ،إنهم ال يقبضون على أي إرهابيين ،أليس كذلك؟ كل ما يفعلونه هو إرهاب الناس«
ربما لم يلقوا القبض على أي إرهابيين= بعد ،لكنهم يقبضون على الكثير بالتأكيد من المجرمين من الشوارع ،ومثال على ذل==ك«
َ
تعرضت للس==رقة على ي==د تجار المخدرات؛ فيُقال إنه قد أُلقي القبض على العشرات منهم منذ بدء هذه اإلجراءات .أتذكر عندما
عدد من م==دمني المخ==درات؟ إذا لم نقبض على من ي==بيعون تل==ك المخ==درات لهم ،فس==تزداد األم==ور س==وءًا ».كنت ق==د تعرض=ت
لهجوم العام السابق ،لكن من هاجموني اتسموا بالرقي ح ًّقا؛ فقال لي شاب نحيف رائحته كريهة إنه يحم==ل س==الحً ا ،وطلب م==ني
اآلخر إعطاءه محفظتي .لكنهما سمحا لي باالحتفاظ ببطاقة هويتي ،وإن أخذا بطاقة السحب وبطاقة «فاست باس» .رغم ذل==ك،
.أفزعني ذلك الحادث ح ًّقا ،وجعلني أصاب بجنون االرتياب وأنظر خلفي طوال الوقت على مدى أسابيع
قلت« :لكن معظم من يستوقفونهم ال يفعلون شي ًئا خاط ًئا يا أبي ».بدأت أنزعج ،هل هذا رأي والدي؟! «ه==ذا جن==ون .في مقاب==ل
».كل شخص مذنب يلقون القبض عليه ،يعاقبون اآلالف من األبرياء .هذا ليس ً
جيدا
األبرياء؟ أزواج خائنون؟ تجار مخدرات؟ تدافع عن هؤالء ،لكن ماذا عن كل األبرياء الذين لق=وا حتفهم؟ إذا لم يكن ل=ديك أي«
داع ».أثبتت المدرجات اإلحصائية التكرارية الخاصة بوال==دي أنه==ا لألس==ف طبيعي==ة ح==تى«
إذن ،فلن يهمك إن استوقفوك دون ٍ
.اآلن
•••
لم تحب فانيسا تحدثي عن هذا الموضوع ،لكن فطنتها به جعلت من الصعب عليَّ إبعادها عن==ه لف==ترة طويل==ة .كن==ا نلتقي دو ًم==ا،
ونتحدث عن الطقس والمدرسة وغير ذلك ،ثم أنتقل بطريقة ما إلى هذا الموضوع .لم تأبه فانيسا عن==د ح==دوث ذل==ك — فهي لم
ً
ثانية — لكن كان بإمكاني أن أرى أن هذا يزعجها .تغضب مني
ثم قال أبي« :سأعتبره واجبي» ،أيمكنك تصديق ذلك؟ يا إلهي! كدت أخبره بدخولي السجن سائاًل إي==اه إذا ك==ان يظن أن ذل==ك«
»!»«واجبنا
.كنا نجلس على النجيل في متنزه «دولوريس» بعد الدوام المدرسي ،نشاهد الكالب وهي تطارد األطباق الطائرة
عرجت فان على منزلها ،وبدلت مالبسها لترتدي تي شيرت قديمًا إلحدى فرق موس==يقى «التكن==و بريج==ا» البرازيلي==ة المفض==لة
لديها ،وهي كيريوكا بروبياديو ،والتي تعني الشاب المحظور المولود في ريو دي جانيرو .حصلت على ذل==ك ال==تي ش==يرت في
إحدى الحفالت التي حضرناها جمي ًع ا قبل ذلك الحين بعامين؛ إذ هربنا حينها لخوض مغامرة مذهلة في س=احة «ك=او ب==االس».
وقد زاد طولها نحو بوصة أو اثنتين منذ ذلك الحين؛ لذا أصبح التي شيرت ضي ًقا ويكشف عن بطنها م ِ
ُظه==رً ا ُس =رَّ تها الص==غيرة
.المسطحة
استلقت فان في الشمس التي ألقت بأشعتها الهادئة على المكان ،وأغلقت عينيها خلف نظارتها الشمس==ية ،وأص==ابع ق==دميها ته==تز
في حذائها الخفيف .أعرف فان منذ أمد بعيد ،وعندما أفكر فيها ،أرى غالبًا الفتاة الصغيرة التي أعرفها ،التي ترتدي المئات من
األساور المصنوعة من أجزاء علب المشروبات الغازية وما تحدثه من قعقعة ،والتي تع==زف على البي==انو ،وال يمكنه==ا ال==رقص
.وإن توقفت حياتها على ذلك .لكن بجلوسها في ذلك المتنزه ،رأيتها فجأة على حقيقتها
فتاة مثيرة للغاية .كان األمر أشبه بالنظر إلى صورة مزهريَّة ،ومالحظة أنها صورة لوجهين أي ً
ضا .كان بإمكاني رؤية أن ف==ان
.لم تتغير ،لكن بإمكاني أي ً
ضا رؤية كم هي باهرة الجمال ،األمر الذي لم ألحظه قط من قبل
.علم داريل ذلك بالطبع طوال الوقت ،وأعتقد أنني شعرت بالحزن عند إدراكي ذلك
قالت فان« :ال يمكنك أن تخبر والدك ،فستعرضنا جمي ًعا للخطر ».أغلقت عينيها وأخذ صدرها يصعد ويهب=ط م==ع أنفاس==ها ،م=ا
فهو يكره االنتظار عند اتصاله لالستعالم عن فاتورة بطاقته االئتماني==ة =.واحتج==ازه في م==ؤخرة ش==احنة واس==تجوابه لم==دة س==اعة
السبب الوحيد إلفالت من يفعلون ذلك من العقاب هو أن األفراد الطبيعيين أكثر اعتدا ًدا بأنفسهم من غير الطبيع==يين .إذا قُ ِبض«
».على الجميع ،فستكون كارثة .لن يذهب أحد إلى أي مكان ،وسينتظرون جميعً ا استجواب الشرطة لهم .ستكون أزمة حقيقية
!يا إلهي
.فقالت« :بالطبع ».ابتسمت ابتسامة هادئة =،ونظرت إليَّ بعينين= شبه مغمضتين على نحو يكاد يكون رومانس ًّيا
».عن جد ،يمكننا فعل هذا .يمكننا التالعب في ملفات التعريف بسهولة ،وسيصبح إلقاء القبض على الناس يسيرً ا«
.جلست فان ،وأزاحت شعرها عن وجهها ،ونظرت إليَّ .شعرت باضطراب بسيط في معدتي ،معتق ًدا أنها منبهرة بي ح ًّقا
قلت لها« :إنها أجهزة نسخ شرائح تحديد الهوية بالموجات الالسلكية .من اليسير للغاية صنعها .كل م==ا علين==ا فعل==ه ه==و تمري==ر
البرنامج الثابت (الفيرموير) أمام جهاز كتابة/قراءة بثمن عشرة دوالرات من متجر «راديو شاك» ،وينتهي األمر .نتجول بع==د
ذلك بين الناس ونبدل البطاقات بينهم عشوائ ًّي ا ،مع تبديل أكواد بطاقات «فاست باس» و«فاستراك» الخاصة بهم .سيجعل ذل==ك
».الجميع يبدون غرباء وحمقى ،والجميع سيبدون مذنبين؛ ومن ثم تحدث أزمة حقيقية
ُ
أدركت حينها أنها وصلت لحالة من الغضب حالت دون تحدثها معي .زمَّت فان شفتيها ،وأنزلت النظارة الشمسية.
ً
مسرعة كما لو كانت تركض .قالت وهي تنهض« :ودا ًعا يا ماركوس ».وقبل أن أدرك ما يحدث ،كانت تسير بعي ًدا=
أنت مريض نفس ًّي ا يا ماركوس! ستعرض حياة كل من يستخدمون شبكة «إكس نت» التي صممتها للخطر ،وف==وق ك==ل ذل==ك«،
»ستحول المدينة بأسرها إلى مشتبه فيهم بتهمة اإلرهاب .أليس بوسعك التوقف قبل أن تلحق الضرر بهؤالء الناس؟
فتحت فمي وأغلقت==ه م==رتين ،ثم قلت« :المش==كلة ليس==ت فيَّ ي==ا ف=ان ،ب==ل فيهم .لس=ت أن=ا من يقبض على الن==اس ،وي==زج بهم في
».السجون ،ويجعلهم يختفون ،وزارة األمن الوطني هي من يفعل ذلك ،وأنا أناضل لردعها
أعن أنه يجب إلقاء القبض على الجميع .إذا أردت االحتجاج ،فعليك باالنضمام لحركة االحتجاج==ات«.
لم يكن هذا ما أعنيه ،لم ِ
»افعل شي ًئا إيجاب ًّيا .ألم تتعلم أي شيء من داريل؟ أي شيء على اإلطالق؟
أجبتها وقد بدأت أفقد أعصابي« :بالتأكيد =،تعلمت .تعلمت أنه ال يمكن الوثوق في هؤالء الناس ،وأننا نعينهم على ما يفعلونه إذا
أس==وأ مم==ا نحن علي==ه اآلن ،وس==يظل يس==وء ويس==وء من اآلن فص==اع ًدا .أتري==دين مس==اعدة داري==ل؟ س==اعديني إذن في االنتص==ار
»!عليهم
ها هو العهد الذي قطعته على نفسي يظهر من جديد؛= وهو أال أح=رر داري=ل ،وإنم=ا أوق=ع ب=وزارة األمن الوط=ني بالكام=ل .إن=ه
.ضرب من الجنون ،أنا نفسي علمت ذلك .لكن هذا ما خططت لفعله ،وال شك في ذلك
دفعتني فان بقوة بكلتا يديها .تمتعت بالقوة بفضل األلعاب الرياضية المدرسية — سالح الشيش ،واللكروس ،واله==وكي ،وكاف==ة
ألعاب مدارس الفتيات األخرى — وانتهى بي األمر على م==ؤخرتي على أح==د أرص==فة س==ان فرانسيس==كو الق==ذرة .ابتع= ْ
=دت ،ولم
.ألحق بها
كان هذا السطر األول في أول مشاركة لي بمدونة «أوبن ريفولت» (أي تمرد صريح) ،الموقع الذي أنشأته على ش==بكة «إكس
ربما يكون الهدف من الفحص اآللي هو إلقاء القبض على اإلرهابيين =،ولعله سيفضي إلى ذل=ك آجاًل أو ع=اجاًل ،لكن المش==كلة«
».أنه يلقي القبض علينا نحن أيضً ا ،رغم أننا لم نرتكب أي جُرم
».كلما زاد عدد من يُل َقى القبض عليهم ،ازداد هذا النظام ضع ًفا .إذا ألقى القبض على عدد كبير ج ًّدا ،فستكون نهايته«
شاركت اإلرشادات الخاص==ة بي لتص==ميم جه==از نس==خ ش==رائح تحدي=د= الهوي==ة باس==تخدام الموج==ات الالس==لكية ،وبعض النص==ائح
لالقتراب على نحو كا ٍ
ف من الناس لقراءة بطاقاتهم ونسخها .وضعت جهاز نسخ الشرائح الخ==اص بي في جيب س==ترة س==باقات
السيارات الجلدية السوداء األنيقة خاصتي ذات الجيوب المخفية ،وذهبت للمدرسة .تمكنت من نسخ ست بطاقات في الطريق ما
•••
ً
درس=ا في الرياض=يات ينبغي ل=ك في حال عزمت يومًا على ارتكاب حماقة ما كتصميم جه=از كش=ف آلي عن اإلره=اب ،فإلي=ك
.تعلمه أواًل .عنوان الدرس هو« :إشكال النتائج اإليجابية الخاطئة» ،وهو درس صعب
لنفترض أن هناك مرضًا جدي ًدا اسمه «سوبر إيدز» ال يصاب به سوى واحد في المليون فق==ط ،وط==ورت اختب==ارً ا للكش==ف عن
هذا المرض تبلغ نسبة دقته ٩٩بالمائة؛ بمعنى أن نتيجة هذا االختبار تكون صحيحة في ٩٩بالمائة من الحاالت (تكون النتيجة
.إيجابية عندما يكون الشخص الخاضع لالختبار مصابًا به ،وسلبية عندما يكون سليمًا) .وأخضعت مليون شخص لالختبار
واحد من بين مليون شخص مصاب بسوبر إيدز ،وواحد من بين مائة يخض==عون لالختب==ار س==تظهر نتيجت==ه «إيجابي==ة خاطئ==ة»
(بمعنى أن االختبار سيشير إلى أنه مصاب بمرض «سوبر إيدز» رغم عدم إصابته به) .هذا ما تعنيه= الدقة البالغة ٩٩بالمائة؛
ً
واحدا بالمائة خطأ .أي إن
١٠٠٠٠ = ١٠٠ / ١٠٠٠٠٠٠
من بين مليون شخص ،هناك شخص واحد مصاب بسوبر إيدز .إذا أخض==عت ملي==ون ش==خص عش==وائ ًّيا لالختب==ار ،فس==تجد على
األرجح حالة واحدة مصابة بمرض «سوبر إيدز» .لكن اختبارك لن يحدد إصابة شخص واحد فقط بالمرض ،بل عش==رة آالف
.شخص
.سيعمل االختبار ،الذي تبلغ نسبة دقته ٩٩بالمائة ،بعدم دقة تبلغ ٩٩٫٩٩بالمائة
هذا هو إشكال النتائج اإليجابية الخاطئة .عندما تحاول العثور على ش=يء ن=ادر ح ًّق=ا ،يل=زم أن تتط=ابق دق=ة اختب=ارك م=ع ن=درة
الشيء الذي تبحث عن==ه .وإذا كنت تح=اول اإلش=ارة إلى وح==دة بكس==ل واح==دة على شاش==تك ،يع==د القلم الرص==اص ح=اد الط==رف
مؤشرً ا جي ًدا؛ فطرف القلم الرصاص أصغر بكث=ير (وأك==ثر دق==ة) من وح=دات البكس==ل .لكن ط=رف القلم الرص=اص ال يفي==د في
.اإلشارة إلى «ذرة» واحدة في شاشتك .ستحتاج لهذا الغرض إلى مؤشر — اختبار — يبلغ عرض طرفه ذرة واحدة أو أقل
:هذا هو إشكال النتائج اإليجابية الخاطئة ،وفيما يلي كيفية تطبيقه على اإلرهاب
اإلرهابيون نادرون ح ًّقا؛ ففي مدينة= تعداد سكانها عشرون مليو ًنا ،مثل نيويورك ،قد يكون هناك إرهابي أو اثنان ،وربما عشرة
.على األكثر؛ أي ٠٫٠٠٠٠٥ = ٢٠٠٠٠٠٠٠ / ١٠بالمائة؛ أي واحد على عشرين ألف جزء من المائة في المائة
هذا نادر للغاية .لنفترض اآلن أن لديك برنامجً ا يمكنه= البحث في جميع السجالت المص==رفية ،أو س==جالت الم==رور من س==احات
دفع الرس=وم ب=الطرق ،أو س=جالت النق=ل الع==ام ،أو س=جالت المكالم=ات الهاتفي==ة في المدين==ة ،والقبض على اإلره=ابيين في ٩٩
.بالمائة من الحاالت
من بين عشرين مليون شخص ،سيتعرف اختبار تبلغ دقته ٩٩بالمائة على مائتي ألف شخص على أنهم إرهابيون ،لكن عش==رة
.منهم فقط سيكونون كذلك .للقبض على اإلرهابيين ح ًّقا ،سينبغي القبض على مائتي ألف شخص بريء والتحقيق معهم
الجدير بالذكر أن اختبارات الكشف عن اإلرهابيين ال تقترب في دقتها على اإلطالق من ٩٩بالمائ==ة؛ فهي تبل==غ نح==و ،٦٠ب==ل
يعني كل ذلك أن وزارة األمن الوطني قد عرَّ ضت نفسها للفشل الذريع؛ فهي تحاول اكتشاف أحداث نادرة للغاية — تحدي==د م==ا
.ليس من الغريب إذن على اإلطالق أن نتمكن من إحداث مثل هذه الفوضى
•••
كنت أش==عر باالس==تمتاع الش==ديد وأن==ا أس==تمع لمقط==ع موس==يقي جدي==د أنزلت==ه من ش==بكة «إكس نت» الليل==ة الس==ابقة؛ حيث يرس=ل
.الكثيرون إلى «مايكي» هدايا رقمية صغيرة لشكره على بث األمل في نفوسهم
انتقلت إلى شارع ،٢٣وسلكت بحذر الطريق الضيق المكون من درجات صخرية الذي تم شقه في ج==انب الت==ل ،وعن==د ن==زولي
الدرجات ،مررت بالسيد «وينر دوج» .لم أعرف اسمه الحقيقي ،لكنني أراه كل يوم تقريبًا وهو يم ِّشي كالبه «الوينر» الثالث==ة
الالهثة أعلى الدَّرج وصواًل إلى المتنزه الصغير .والمرور بجانب السيد وينر دوج وكالب==ه على ال =دَّرج أم==ر مس==تحيل؛ فينتهي
بي الحال دومًا عال ًق ا بسلسلة أحدها ،أو داخل إحدى الحدائق األمامية لمنزل ما ،أو جاثمًا على مِصد إح==دى الس==يارات المتوقف==ة
.من الواضح أن السيد وينر دوج شخص مهم؛ فبيده ساعة فاخرة ويرتدي دومًا بذلة أنيقة .افترضت أنه يعمل في وسط المدينة
ذلك اليوم وعند مروري بالس==يد وي==نر دوج ،قمت بتش==غيل جه==از نس==خ ش==رائح تحدي==د الهوي==ة بالموج==ات الالس==لكية ال==ذي ك==ان
ً
موجودا بالفعل في جيب سترتي الجلدية .نسخ الجه==از األرق==ام الموج==ودة على بطاق=ات االئتم==ان الخاص==ة ب==ه ومف==اتيح س==يارته
.وجواز سفره واألوراق المالية فئة مائة دوالر التي احتوت عليها محفظته
بيد أن الجهاز — أثناء إجرائه لذلك — كان يُب ِّدل هذه األرقام بأرقام جديدة أ ُ ِخ==ذت من أش==خاص آخ==رين م==ررت بهم من قب==ل.
كان األمر أشبه بتبديل= لوحات األرقام بين مجموعة من السيارات ،لكن بش==كل غ==ير م==رئي وف==وري .ابتس==مت ابتس==امة اعت==ذار
للسيد وينر دوج ،وواصلت نزول الدَّرج .توقفت عن=د ثالث س=يارات ف=ترة كافي=ة لمبادل=ة أرق=ام «فاس=تراك» الخاص=ة به=ا م=ع
نت»؛ فتوصلت فتاتان تدرسان الهندسة الكيميائية في جامعة كاليفورني==ا في ب==يركلي إلى طريق==ة تص==ميم م==ادة غ==ير ض==ارة من
أدوات المطبخ من شأنها تشغيل أجهزة الكشف عن المتفجرات .نثرتا تلك المادة على سترات أس==اتذتهما وحق==ائبهم ،مس==تمتعتين
بما تفعالنه ،ثم اختبأتا وأخذتا تراقبان أولئك األساتذة وهم يحاولون دخول قاعات المحاضرات والمكتبات في الح==رم الج==امعي،
.الخبيثة ،لكن اعتقد الجميع أنهم مجانين .ولحسن الحظ ،لم يب ُد أن بإمكانهم فعل ذلك
مررت بمستشفى سان فرانسيسكو العام ،وأومأت برأسي في رضا عندما رأيت الصفوف الطويلة أمام األب==واب األمامي==ة .ك==ان
بها ،بالطبع ،نقطة تفتيش للشرطة ،وكان هناك عدد ك=ا ٍ
ف من مس=تخدمي ش=بكة «إكس نت» يعمل==ون كأطب==اء مقيمين وع=املين
بالكافيتريات وأية وظيفة أخرى داخل المستشفى؛ ما أسفر عن تعرض شارات الجميع للخلط والتبديل .كنت ق==د ق==رأت أن نق==اط
.التفتيش األمنية أضافت ساعة ليوم عمل الجميع ،وهددت النقابات باالحتجاج ما لم يتصرف المستشفى حيال ذلك
بعد بضعة مربعات سكنية ،رأيت طابورً ا أطول لدخول محطة بارت .سار رجال الشرطة جيئة وذهابًا مشيرين للناس للخروج
من الطابور وطالبين منهم التنحي جانبًا لالستجواب ،وتفتيش الحقائب ،والتفتيش الذاتي .ظلوا ُتر َفع عليهم القضايا لما يفعلون==ه،
وصلت المدرسة مبكرً ا بعض الشيء ،وقررت السير لشارع ٢٢لتناول القهوة .مررت بإحدى نقاط تفتيش الشرطة حيث كانوا
لم يختلف الحال كثيرً ا في المدرسة؛ كان حراس األمن عند أجهزة الكشف عن المعادن يتحققون من بطاقات هويتن==ا المدرس==ية،
ويستبعدون الطالب ذوي التحركات الغريبة ويستجوبونهم .ما من حاجة للق==ول إن تحركاتن==ا جميعً= ا ك==انت غريب==ة للغاي==ة ،وإن
.الطويل الذي استغرقه رجوعهما من المدرسة إلى المنزل اليوم السابق ،واعتزامهما التسلل خلسة مبكرً ا في ذلك اليوم
!حاولت جاه ًد ا منع نفسي من الضحك .إشكال النتائج اإليجابية الخاطئة يحقق النجاح للمرة الثانية
بالتأكيد سمحوا لنا بالمغادرة مبكرً ا ،فتوجهت للمنزل بأن سلكت الطريق الطويل متجواًل في أرجاء حي ميشن إللقاء نظرة على
الفوضى الشديدة التي ع َّج بها .طوابير طويلة من السيارات … أناس اصطفوا حول المربعات السكنية ل==دخول محط==ات ب==ارت
… وآخرون يسبُّون عند ماكينات الصرف اآللي لعدم إخراجها المال؛ بسبب تجميد أرصدتهم للتحق=ق مم==ا إذا ك==انوا يمارس==ون
ً
نشاطا مريبًا (وهنا تكمن خطورة ربط حسابك الجاري ببطاقة «فاستراك» أو «فاست باس»!)
وصلت إلى المنزل ،أعددت لنفسي شطيرة ،ودخلت على شبكة «إكس نت» .كان يومًا جي ًدا ،والناس من جمي==ع أنح==اء المدين==ة
مبتهجين بشأن ما حققوه من نجاح .لقد أصبنا مدينة سان فرانسيسكو بالشلل ،وأكدت التقارير اإلخبارية ذل==ك ،ووص==فته بجن==ون
ً
ملقية باللوم على «األمن» الفاشل الذي من المفترض أن يحمينا من اإلرهاب .وخصص قسم «األعم==ال وزارة األمن الوطني،
التجارية» بصحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» صفحته األولى بالكامل لتقدير التكلفة االقتصادية لإلجراءات األمني==ة ل==وزارة
األمن الوطني ،والناتجة عن تعطل االجتماعات وضياع بعض ساعات العمل وغير ذل==ك .وأش==ار أح==د االقتص==اديين بالص==حيفة
.إلى أن أسبو ًعا من هذا الهراء سيكلف المدينة أكثر مما تكبدته= من تفجير جسر باي
!لَ َك ْم أسعدتني هذه األخبار
أفضل ما في األم=ر أن وال=دي ع==اد مت==أخرً ا تل==ك الليل==ة … مت==أخرً ا للغاي=ة … لق=د ت=أخر ثالث س=اعات .لم=اذا؟ إليق=اف األمن
منتشرة بجميع أرجاء كاليفورنيا في سان فرانسيس=كو ،وب=رلينجيم ،وم=اونتن في=و ،وب=الو ألت=و ،لكن األفض==ل على اإلطالق ه=و
فرعه الرائع وسط متنزه «داون تاون ديزني» في أناهايم .ل==ديَّ ول==ع ش==ديد بمت==نزه دي==زني الن==د (علي==ك االطالع على رواي==تي
األولى «هائم في المملكة الساحرة» لتصدق ما أقوله) .وفي كل مرة أقطن في كاليفورني==ا ،أبت==اع لنفس==ي بطاق==ة س==نوية ل==دخول
ديزني الند .وفي كل مرة أزوره فيها ،أمرُّ على فرع كام َبس بوكس في «داون ت=اون دي==زني» .يزخ=ر ه=ذا المتج==ر بمجموع==ة
رائعة من الكتب المحظورة (بل والخطيرة) عن ديزني ،وكذلك بمجموعة رائعة من كتب األطفال والخيال العلمي ،ه==ذا فض =اًل
***
تملَّك الغضب من والدي حتى ظننت أنه سينفجر .سبق أن قلت إنني لم أره يفقد رباطة جأشه إال فيما َن==در ،لكن في تل==ك الليل==ة،
لن تصدق ما حدث .ذلك الشرطي ،الذي لم يتجاوز عم==ره ثماني==ة عش==ر عا ًم==ا ،أخ==ذ ي==ردد« :لكن ،ي==ا س==يدي ،لم==اذا كنت في«
بيركلي البارحة إذا ك==ان عميل==ك في م==اونتن في==و؟» ظللت أش==رح ل==ه أن==ني أُدرِّ س في ب==يركلي ،فيق==ول لي« :ظننت أن==ك تعم==ل
».مستشارً ا» ،ثم نعيد= الكرَّ ة .كان األمر أشبه بمسلسل كوميدي أصاب فيه شعاع الغباء رجال الشرطة
أضاف« :واألسوأ من ذلك أنه أصر على أنني كنت في بيركلي اليوم أيضً ا ،وظللت أنك==ر ،وه==و م ِ
ُص=ر .وبع==د ذل==ك أظه==ر لي
بيان استخدام بطاقة «فاستراك» الخاص بي ،والذي أشار إلى أنني قُ ُ
دت سيارتي على جس=ر س=ان م=اتيو ثالث م=رات في ذل=ك
»!اليوم
أضاف أبي وهو يأخذ نفسًا عمي ًقا جعلني أعلم أنه يتميز من الغيظ« :ال يقتصر األمر على ذل==ك فحس==ب؛ فل==ديهم معلوم==ات عن
األماكن التي ذهبت إليها ،وهي أماكن ليس بها ساحات لدفع رس==وم على الس==يارات .إنهم يراقب==ون بطاق==ة الم==رور خاص==تي في
»!الشارع عشوائ ًّيا .والنتيجة خاطئة! يا للهول ،إنهم يتجسسون علينا جمي ًعا ،وال يفعلون ذلك حتى بكفاءة
كنت قد دخلت إلى المطبخ حيث أخذ أبي يدين بحدة ما حدث له ،وصرت اآلن أشاهده من المدخل .التقت نظراتي م==ع نظ==رات
والدتي ،ورفع كالنا حاجبيه كما لو ك َّنا نقول« :من سيقول له عبارة «س==بق أن أخبرت==ك ب==ذلك»؟» فأوم==أت برأس==ي له==ا .يمكن
.ألمي استخدام قدراتها كزوجة المتصاص غضبه على نحو ال أتمتع به كابن
.هتفت أمي باسمه ،وأمسكت بذراعه ليتوقف عن السير جيئة وذهابًا في المطبخ ملوحً ا بذراعيه كو َّعاظ الشوارع
قالت مع الحفاظ على هدوء صوتها واتزانه« :أظن أنك مدين باعت==ذار لم==اركوس ».كنت أن==ا وأبي األخ==رقين في الم==نزل ،أم==ا
كنت مُح ًّقا .كان ذلك سخ ًفا ».م َّد والدي ي==ده وص==افحني ،ثم ع==انقني عنا ًق==ا قو ًّي==ا غ==ير
أولئك ليسوا سوى هواة .أنا آسف يا بُنيَ ،
.متوقع
يا إلهي! ما الذي نفعله في هذه البالد يا ماركوس؟ يستحق جيلك أن يرث ما هو أفض==ل من ذل==ك ».عن==دما انتهى من عن==اقي«،
عُدت إلى غرفتي بالدور العلوي ،ومارست بعض األلعاب على شبكة «إكس نت» .تضمنت الشبكة لعب==ة قراص==نة آل==يين جي==دة
ً
ثاني==ة. متعددة الالعبين؛= حيث تتلقى طلبًا كل يوم أو يومين لتنشيط جميع أعضاء طاقم سفينتك قبل أن تتمكن من السلب والنهب
كانت من األلعاب التي أمقتها ،لكن ال يسعني التوقف عن لعبها؛ إذ تنطوي على طلبا ٍ
ت متكررة ال تتحقق من خالله==ا أي==ة متع==ة
ونزاع بين الالعبين (أي شجار لمعرفة َمن سيصير قبطان السفينة) .هذا فضاًل عن عدم تضمنها الكثير من األلغاز
ٍ في إكمالها،
الرائعة التي يلزم عليك حلُّها .وممارسة هذه اللعبة في الغالب تجعلني أشعر بالحنين للعبة «هاراجوكو فان مادنس» التي تع==ني
.الركض بأرجاء العالم الفعلي ،وحل األلغاز على اإلنترنت ،وإعداد الخطط لفريقك
.أما في ذلك اليوم ،فكانت لعبة القراصنة هي كل ما احتجت إليه … ترفيه بدون تفكير
!مسكين والدي
أنا المُالم فيما حدث له .كان سعي ًدا من قبل ،واث ًقا في أن ما يدفعه من ضرائب يُن َفق للحفاظ على أمنه ،وقد دمرت هذه الثق==ة .ال
ريب أنها كانت ثقة في غير محلها ،لكنها ساعدته في مواصلة حياته .عند رؤيتي له اآلن بائسًا مُحطمًا ،أتس==اءل أيهم==ا أفض==ل:
وضوح الرؤية مع العيش في يأس ،أم العيش في عالم األوهام؟ عاودني الشعور بالخزي — ذلك الش=عور ال=ذي ظ=ل ي=راودني
.منذ إفصاحي عن كلمات المرور ،وإخضاعهم لي — ما أصابني بالفتور والرغبة في الهروب من نفسي فقط
كنت أؤدي في تلك اللعبة دور مالح على سفينة القراصنة «زومبي تش==ارجر» ،وق==د فق==د ذل==ك المالح نش==اطه بينم==ا كنت غ==ير
متصل باإلنترنت؛ ومن ثم ،لزم عليَّ االتص==ال بب==اقي الالع==بين على س==فينتي بالمراس==لة الفوري==ة إلى أن ع==ثرت على َمن لدي==ه
استعداد= لتجديد نشاطي .ألهت==ني اللعب==ة ،وراقت لي في الواق==ع .فثم==ة ش==يء رائ==ع بش=أن تلقي خدم==ة من ش==خص ال تعرف==ه على
.اإلطالق .ولما كانت اللعبة على شبكة «إكس نت» ،فقد علمت أن جميع الغرباء هم في الواقع أصدقاء ،بصورة ما
»!حدد موقعك«
».سان فرانسيسكو«
إلى أفراد الشرطة الذين يتظاهرون بأنهم ضحايا له==ؤالء المنح==رفين (وإن كنت أطمح — بال ش==ك — في أال يك==ون هن==اك أي
.شرطيين على شبكة «إكس نت»!) وأي اتهام كهذا كا ٍ
ف لتغيير الموضوع بنسبة تسعين في المائة
».مجرد فضول«
ارتبت في أمرها ،من الواضح أن دافعها لم يكن الفضول فقط .اعتبرني مجنو ًنا باالرتي==اب ،لكن==ني س==جلت الخ==روج من اللعب==ة
•••
نظر إليَّ والدي صبيحة اليوم التالي أثن==اء جلوس==نا على المائ==دة ،وق=ال« :على األق=ل ،يب=دو أن األم=ور في طريقه=ا للتحس=ن».
صرح أحد المتحدثين= باسم وزارة األمن الوطني أن مكتب س=ان فرانسيس==كو ق==د طلب زي=ادة في الميزاني==ة والم==وظفين بنس==بة«
ماذا؟
أمس«،
ِ أكد اللواء جرايام ساذرالند ،قائد العمليات بوحدة وزارة األمن الوطني في شمال كاليفورنيا ،الطلب في مؤتمر ص==حفي
مش==يرً ا إلى أن تزاي= ًدا في األنش==طة المش==بوهة بمنطق==ة الخليج ه==و ال==دافع وراء الطلب ،وج==اء على لس==انه« :نت==ابع ارتفاعً= ا في
»».األنشطة والمحادثات السرية ،ونعتقد أن المخربين يصممون إنذارات أمنية زائفة إلحباط جهودنا
هذه اإلنذارات الزائفة هي في الغالب بمثابة تشويش على أجه==زة الكش=ف وال==تي ته==دف إلخف=اء الهجم=ات الحقيقي==ة ،والس==بيل«
».الوحيد للتغلب عليها هو زيادة أعداد العاملين والمُحلِّلين لنتمكن من التحقيق في كل دليل تحقي ًقا شاماًل
».أشار ساذرالند إلى أنه يأسف للتأخيرات التي تشهدها المدينة =،ويتعهد= بالقضاء عليها«
تخيلت المدينة= وقد زاد عدد ضباط وزارة األمن الوطني فيها أربعة أو خمسة أضعاف ،ضباط دفعت بهم الوزارة لتع==ويض م==ا
.تسببت فيه أفكاري الغبية .كانت فان على حق .كلما زادت مقاومتي لهم ،ازدادت األحوال سوءًا
أشار أبي إلى الصحيفة ،وقال« :قد يكون ه==ؤالء الن==اس حمقى ،لكنهم حمقى منهجي==ون .لن يكف==وا عن ال==دفع ب==الموارد المتاح==ة
لحل هذه المشكلة حتى ينجحوا في ذلك .بالتنقيب عن جميع البيانات الخاصة بالمدينة م==ع تتب==ع ك==ل دلي==ل ،س==يلقون القبض على
».اإلرهابيين
»!جن جنوني ،وصحت في أبي« :أبي! هل تسمع ما تقوله؟! إنهم يتحدثون عن التحقق من كل فرد في مدينة= سان فرانسيسكو
فأجابني« :نعم ،هذا صحيح ،وسيقبضون على كل زوج خائن يحتال في نفقة زوجته ،وكل تاجر مخدرات ،وكل مج==رم حق==ير،
».وكل إرهابي .اصبر فقط ،وقد يكون هذا أفضل ما يحدث على اإلطالق في هذه البالد
»قل إنك تمزح ،أرجوك .هل تعتقد أن ذلك ما وضِ ع الدستور من أجله؟ ماذا عن ميثاق الحقوق؟«
كان هاد ًئا للغاية ومقتن ًعا بأنه على حق .استطرد حديثه قائاًل « :الحق في حرية التجمع أم==ر جي==د ،لكن لم==اذا ال يُس= َمح للش==رطة
»بالتنقيب في شبكتك االجتماعية للكشف عما إذا كانت لك عالقة بإرهابيين أو مرتكبي جرائم اغتصاب جماعي؟
يا إلهي! كم كرهت الجدال مع أبي على هذا النحو! كنت بحاجة لش==رب القه==وة في تل==ك اللحظ==ة .قلت ل==ه« :باهلل علي==ك ي==ا أبي!
».سلبُنا خصوصيتنا لن يجعلنا نقبض على اإلرهابيين ،بل كل ما سيسفر عنه هو إزعاج الناس األبرياء
»… أبي! ما الذي ح َّل بك منذ ليلة أمس؟ لقد أغضبك بشدة إيقاف رجال الشرطة لك البارحة«
ال تخاطبني بهذه اللهجة يا ماركوس .ما ح َّل بي منذ ليلة أمس هو أن الفرصة قد سنحت لي إلعادة التفكير في األمر ،وق==راءة«
َّ
وهز الصحيفة ،ثم واصل الحديث« :السبب في إيقافهم لي هو أن المجرمين يشوش==ون على عملهم بفعالي==ة ،وهم بحاج==ة هذا».
لتعديل أساليبهم في التغلب على هذا التشويش ،لكنهم سينجحون ،وإلى أن يحدث ذلك ،اإليقاف على الطريق بين الحين واآلخ==ر
».ثمن بسيط .ليس اآلن بالوقت المناسب للدفاع عن ميثاق الحقوق ،وإنما إلجراء بعض التضحيات للحفاظ على أمن مدينتنا
لم أتمكن من االنتهاء من تناول الخبز المحمص .وضعت الطبق في غ َّسالة األطباق ،وغ==ادرت الم==نزل متوج ًه==ا إلى المدرس==ة؛
•••
لم يسعد مستخدمو شبكة «إكس نت» بزيادة رقابة الشرطة ،لكنهم ما كانوا ليذعنوا لذلك .اتصل شخص ما بأحد البرامج ،ال==تي
تسمح بالمداخالت الهاتفية ،على محطة «كيه كيو إي دي» التليفزيوني==ة ،وق=ال إن الش=رطة تض==يع وقته==ا ه==درً ا ،وإن=ه بوس=عنا
.إفساد النظام أسرع مما يمكنهم حلُّه .وتصدر تسجيل هذه المداخلة عمليات التنزيل بشبكة «إكس نت» في تلك الليلة
تشاهدون اآلن برنامج «كاليفورنيا اليف» ،ومعنا متص==ل مجه==ول يتح==دث من ه==اتف عم==ومي في س==ان فرانسيس==كو ،ولدي==ه«
».معلومات عن حاالت التأخير التي شهدناها هذا األسبوع بجميع أنحاء المدينة .تفضل ،أنت على الهواء
ليست هذه سوى البداية فقط ،ال يزال عملنا في مهده =.ليعينوا ماليين الخنازير ،ويقيموا نقطة تفتيش عند كل زاوية .سنش==وش«
على عملهم جمي ًع ا! وما كل هذا الحديث الفارغ عن اإلرهابيين؟ لسنا إرهابيين! باهلل عليكم! نحن نشوش على النظام ألنن==ا نك==ره
».وزارة األمن الوطني ،ونحب هذه المدينة =.إرهابيون؟ ال يمكنني حتى تهجئة كلمة «جهاد» … سالم
بدا أحمق ،ليس فقط لعدم اتساق كلماته ،وإنما للهجته الشامتة أيضً ا .بدا كطفل يفخر بنفسه على نحو غير الئق ،وقد كان ك==ذلك
.بالفعل
احتدم الجدل حول ذلك على شبكة «إكس نت»؛ فرأى كثيرون أن مداخلت==ه عماًل أحم==ق ،في حين وج==ده آخ==رون بطاًل .أقلق==ني
احتمال أن تكون كاميرا ما قد صورته أثناء استخدامه للهاتف العمومي ،أو مرت بطاقة «فاست باس» الخاصة ب==ه على ق==ارئ
لشرائح تحديد= الهوية باستخدام الموجات الالسلكية ،وتمنيت أن يكون بالذكاء الكافي لمسح بصمات أصابعه من على عملة رب==ع
الدوالر ،وإبقاء القلنسوة على رأسه ،وترك كل ما يحتوي على شرائح تحديد الهوية في المنزل .لكنني شككت في ذلك ،وفكرت
كنت أعلم بوق==وع ح==دث مهم على ش==بكة «إكس نت» عن==دما أتلقى فج=أة الماليين من رس=ائل البري==د اإللك==تروني من أش=خاص
يريدون إطالع «مايكي» على أحدث المستجدات .كنت ال أزال أقرأ بشأن ذلك الفتى — الذي ال يعرف تهجئة كلمة جه==اد —
عندما تلقى صندوق بريدي واباًل من الرسائل .حمل الجميع رسالة لي — راب==ط لالي==ف جورن==ال على ش==بكة «إكس نت» —
إحدى المدونات مجهولة االسم العديدة التي قامت على نظام نشر الوثائق على برنامج «فري نت» الذي استخدمه أيضًا أنصار
.الديمقراطية الصينيون
عمدنا الليلة إلى إحداث تشويش في منطقة إمباركديرو .تسكعنا في األنحاء مانحين الجميع كود بطاقة «فاستراك» أو «فاست«
باس» أو مفتاح باب أو مفتاح سيارة جدي ًد ا ،ونثرنا بعض مسحوق البارود الزائف في الهواء .مأل رجال الشرطة المكان ،لكننا
».كنا أمكر منهم؛ كنا نتردد= على ذلك المكان كل ليلة ،ولم ي َ
ُلق القبض علينا من قبل
لكنهم أمسكوا بنا الليلة ،أخطأنا خطأ ً أحمق أوقعنا في أيديهم ،وه=و أن مالبس=نا ك=انت متس=خة بمس=حوق الب=ارود .ألقى عمي=ل«
سري القبض على صديقي ،ثم علينا جمي ًعا .كانوا يراقبون مجموعتنا منذ فترة طويلة ،وك=انت معهم واح=دة من تل=ك الش=احنات
هناك شرطيان يحاوالن طرح أسئلة علينا ،في حين واصل العمالء السريون جلب المزيد منا إلى الشاحنة .ح==اول معظم الن==اس
الوصول إلى أول الصف لالنتهاء من التحقيق ،ومن ثم أخذنا نتراجع للخلف .استغرق بقاؤنا داخل الشاحنة ساعات ،ك=ان الج=و
نحو الساعة الثامنة مساءً ،تبدلت المناوبة ،ودخل شرطيان جديدان الش==احنة ليعنف==ا االث==نين اآلخ==رين الل==ذين م==رَّ على بقائهم==ا«
داخل الشاحنة وقت طويل .احتدم الشجار بينهم ،ثم رحل الشرطيان القديمان ،وجلس االثن==ان الجدي==دان خل==ف مكتبيهم==ا ،وأخ==ذا
ثم وقف أحدهما ،وأخذ يصيح في الجميع« :لتعودوا جميعكم إلى منازلكم ،بإمكانن==ا فع==ل م==ا ه=و أهم من إزع=اجكم بمزي==د من«
»».األسئلة .إن كنتم قد ارتكبتم خطأ ً ما ،فال تكرروه ،وليكن ذلك تحذيرً ا لكم جميعً ا
أثار ذلك استياء شدي ًدا من عدد من الرجال داخل الش==احنة ،فيم==ا يع==د موق ًف==ا مض==ح ًكا للغاي==ة؛ إذ إنهم من==ذ عش==ر دق==ائق ك==انوا«
يتذمرون من احتجازهم ،واآلن هم غاضبون من إطالق س=راحهم ،كم=ا ل=و ك=ان لس=ان ح=الهم يق=ول« :فليح=دد ه=ؤالء الض=باط
»!»موقفهم
لكننا تفرقنا سري ًعا ،وخرجنا من الشاحنة ،وعدنا إلى منازلنا لنكتب ه==ذه الكلم==ات :العمالء الس==ريون في ك==ل مك==ان بح==ق ،إذا«
كنت تعمل على إحداث تشويش ،فتو َّخ الحذر ،وتأهب للهروب عند وقوع أية مشكالت .وإذا أُلقي القبض عليك ،فتح َّل بالصبر؛
نحن السبب وراء انشغالهم إلى هذا الحد! كل من كانوا داخل تلك الشاحنة كانوا هن==اك ألنن==ا تس==ببنا في التش==ويش عليهم؛ ل==ذا«،
»!لنواصل المسيرة
=ق بهم ق==ط — ك==ادوا يقض==ون م==ا تبقى لهم من العم==ر معتقلين
شعرت برغبة في التقيؤ .هؤالء األربعة — الشباب الذين لم ألت= ِ
.بسبب شيء بدأته
•••
حص=لت وزارة األمن الوط=ني على الموافق=ة على زي=ادة الميزاني=ة ،وظه=ر ال=رئيس على شاش=ة التليفزي=ون م=ع ح=اكم الوالي=ة
جبرنا على مشاهدة ذلك في اجتماع باليوم الت==الي في المدرس==ة .ابتهج أبي ،لق==د ك==ره ال==رئيسُ
ليخبرنا بأن األمن ال يُقدَّر بثمن .أ ِ
منذ يوم انتخابه ،وكان رأيه أنه ال يختلف عن الرئيس السابق الذي كان بدوره كارث==ة محقق==ة .أم==ا اآلن ،فال يك==ف عن الح==ديث
قالت لي أمي في إحدى الليالي بعد عودتي من المدرسة« :لتخفف من ح=دتك في التعام=ل م=ع وال==دك ».عملت أمي من الم==نزل
قدر استطاعتها؛ فهي إخصائية حرة في مجال «تبديل محل اإلقامة» تساعد البريطانيين على االس==تقرار في س==ان فرانسيس==كو،
المرس=لة من بريط==انيين من جمي==ع
َ وكانت المفوضية العليا البريطانية تدفع لها المال مقابل الرد على رسائل البريد اإللك==تروني
أنحاء البالد حيرتهم طباع األمريكيين الغريبة .جنت رزقها من تفسير طباع األمريكيين ،وقالت إن==ه من األفض=ل فع==ل ذل==ك في
لست متوه ًما بشأن بريطانيا ،ربما تكون أمريكا على استعداد لتجاهل دس=تورها في ك=ل م=رة يه=دد= فيه=ا أح=د الجه=اديين البالد،
لكنني تعلمت من مشروعي المستقل في مادة الدراسات االجتماعية في الصف التاسع أن البريطانيين ليس ل==ديهم دس==تور ،ولكن
لديهم قوانين يشيب لها شعر رأسك؛ إذ يمكنهم وضعك في السجن لم==دة ع==ام كام==ل إذا ك==انوا متأك==دين تما ًم==ا من أن==ك إره==ابي،
لكنهم ال يملكون أدلة كافية إلثبات ذلك .والسؤال هن==ا ه=و كي=ف يكون=ون متأك==دين إذا لم تكن ل=ديهم أدل=ة كافي=ة لإلثب=ات؟ كي==ف
وصلوا إلى هذا اليقين؟ هل شهدوا ارتكابك جرائم اإلرهاب في حلم أقرب للواقع؟
هذا فضاًل عن أن المراقبة في أمريكا تب==دو عم==ل ه==واة بج==انب نظيرته==ا في بريطاني==ا؛ فق==اطن لن==دن الع==ادي تلتق==ط الك==اميرات
صورته ٥٠٠مرة يوم ًّي ا فقط أثناء سيره في الشوارع ،وكذلك كل لوحة أرقام تحملها أية س==يارة في أي مك==ان بالدول==ة .الجمي==ع
— بدءًا من البنوك ووصواًل لشركة النقل العام — متحمس لتتبع خطواتك ،والوشاية بك إذا ظنوا أنك مح==ل أي==ة ش==بهة ،مهم==ا
.صغرت
لكن هذه لم تكن وجهة نظر أمي؛ فقد رحلت عن بريطانيا وهي في المرحل==ة الثانوي==ة ،ولم تش==عر ق==ط أن أمريك==ا وطنه==ا ،رغم
.زواجها من شاب من مدينة= بيتلوما وتربيتها اب ًنا هنا .ظلت هذه دومًا في نظرها أرض الهمجيين ،وبريطانيا هي الوطن
أبي مخطئ يا أمي ،من المفترض أن تكوني أكثر الناس علمًا بذلك .كل ما يجعل له==ذا البل==د ش=أ ًنا عظي ًم==ا ُ
ض= ِرب ب==ه ع=رض«
ت أنهم لم يلقوا القبض على أي إرهابيين؟ وكل م==ا يفك==ر في==ه أبي ه==و« :نحن بحاج==ة
الحائط ،وأبي يوافق على ذلك .هل الحظ ِ
».ألن نتمتع= باألمان» ،لكنه يجب أن يعلم أن معظمنا ال يشعر باألمان ،وأن ما يغلب علينا هو الشعور الدائم بالخطر
أعلم كل ذلك يا ماركوس ،وصدقني ،أنا ال يعجبني ما يحدث لهذا البلد ،لكن والدك …» ثم توقفت لحظات ،وتابعت« :عندما«
.ثم نهضت ،وأعدت لنفسها كوبًا من الشاي .كانت هذه عادتها عند شعورها باالنزعاج أو االضطراب
ً
قائلة« :ظننا أنك قد لقيت حتفك يا ماركوس .هل تعي ما أقوله؟ أخذنا نبكيك أيامًا .تخيلنا أن=ك ص=رت أش==الء استطردت حديثها
».في قاع المحيط جراء االنفجار ،وأنك قُتِلت ألن حقيرً ا ما قرر قتل المئات من الغرباء إلثبات وجهة نظر ما
استوعبت ما قالته ببطء ،أعني أنني كنت أعي شعورهما بالقلق؛ فقد مات كث==يرون في االنفج==ارات ،وتش==ير التق==ديرات الحالي==ة
.أنهم أربعة آالف .وما من شخص ال يعرف أح ًدا لم يعد إلى منزله في ذلك اليوم .في مدرستي ،اختفى اثنان
كان والدك على استعداد للقتل … قتل أي أحد .لقد جن جنونه .لم تره من قبل بهذا الحال ،وأنا كذلك =.فقد صوابه تما ًم==ا .ك==ان«
يجلس على هذه المائدة ،ويستمر في السباب ،والنطق بألفاظ سيئة لم أسمعها منه من قبل قط .وفي أحد األيام — ثالث يوم بع==د
األحداث — رنَّ الهاتف ،وظن أنك من يتحدث ،لكنه كان شخ ً
صا أخطأ في الرقم؛ فألقى والدك بالهاتف بق==وة ليتحطم إلى آالف
ثمة شيء انكسر داخل والدك .إنه يحبك ،كالنا يحبك .أنت أهم شيء في حياتنا ،وال أعتقد أنك تدرك ذل==ك .ه==ل ت==ذكر عن==دما«
»كنت في العاشرة من عمرك ،ورحلت أنا إلى لندن فترة طويلة؟ هل تذكر ذلك؟
كنا نستعد للطالق يا ماركوس .ال يهم السبب في ذلك اآلن .كانت مرحلة سيئة في حياتنا ،كتلك التي يمر بها أي اث=نين يحب==ان«
أحدهما اآلخر عندما يتوقف ك ٌّل منهما عن االهتمام باآلخر لبضع سنوات ،لكن والدك جاء إلي ،وأقنع==ني ب==العودة من أجل==ك .لم
».نحتمل فكرة أن نفعل ذلك بك .وعاد الحب بيننا مجد ًدا ،ويرجع السبب إليك في بقائنا معً ا اليوم
.شعرت ب ُغ َّ
ص ة في حلقي؛ فهذه أول مرة أعرف فيها ذلك .لم يخبرني أحد بهذا األمر من قبل
لذا ،فإن والدك يمر بمرحلة عصيبة اآلن ،فهو ليس في حالته الذهنية الطبيعية .سيستغرق األمر بعض الوقت قب==ل أن يتع==افى«
».ويعود الرجل الذي أحببته =،ونحن بحاجة لتفهمه حتى ذلك الحين
عانقتني بعد ذلك عنا ًقا طوياًل ،والحظت حينها كم نحل ذراعاها ،وارتخى جلد رقبتها .طالما ك==انت ص=ورة وال==دتي في نظ==ري
صورة امرأة شابة بشوشة ذات بشرة شاحبة ووجنتين ورديتين =،ترمق من أمامها بنظ=رة ح=ادة من وراء نظارته=ا ذات اإلط=ار
المعدني .أما اآلن ،فبدت أشبه بسيدة عجوز .أنا من فعلت ذلك بها ،وكذلك اإلرهابيون ،ووزارة األمن الوط=ني .كن=ا جميعً= ا في
•••
لم أستطع النوم في تلك الليلة .ظلت كلمات أمي تتردد= في ذهني .كان أبي متوترً ا وصام ًتا على العش==اء ،ولم نتح==دث تقري ًب==ا؛ إذ
لم أثق في أال يز َّل لساني ،باإلضافة إلى انزعاج أبي بش==أن آخ==ر األخب==ار؛ وهي أن تنظيم القاع==دة ه==و المس==ئول دون ش==ك عن
التفجيرات .كانت قد أعلنت س==ت جماع==ات إرهابي==ة مختلف==ة مس==ئوليتها عن الهج==وم ،غ==ير أن الفي==ديو ال==ذي ُن ِش=ر للقاع==دة على
.اإلنترنت هو الوحيد الذي كشف عن معلومات تقول وزارة األمن الوطني إنها لم تكشف عنها ألحد قط
استلقيت في السرير ،واستمعت ألحد البرامج اإلذاعي==ة ال==تي ُت َبث في وقت مت==أخر من اللي==ل وتس==مح بالم==داخالت الهاتفي==ة .دار
موضوع الحلقة حول المشكالت الجنسية ،ومقدم البرنامج رجل مثليٌّ أحببت االستماع إليه .كان يقدم نصائح فج==ة لكنه==ا جي==دة،
لكنني في تلك الليلة لم يمك ِّن ي الضحك .معظم المتصلين أرادوا استشارته في مشكلة عجزهم عن إقامة عالقة مع زوج==اتهم من==ذ
.وقوع الهجمات .طاردني ذلك الموضوع حتى في البرامج اإلذاعية التي تدور حول الجنس
بكل جانب من جانبي الغرفة؛ إحداهما تطل على حي ميشن بالكامل ،واألخرى تطل على الشارع الموجود أم==ام منزلن==ا .ك==انت
.السيارات تمر في هذا الشارع طوال الليل ،لكن ثمة شي ًئا مختل ًفا في صوت ذلك المحرك الذي سمعته
ذهبت إلى النافذة المطلة على الشارع ،وسحبت الس=تائر .رأيت باألس=فل ش=احنة بيض=اء ال تحم=ل أي==ة عالم==ات مم=يزة ،ويعل==و
سقفها أجهزة هوائي السلكية فاق عددها أي عدد= أجهزة هوائي سبق لي رؤيته==ا على أي==ة س==يارة .أخ==ذت تس==ير ببطء ش==ديد في
توقفت وفُتِح فجأة أحد األبواب الخلفية بها .خرج منها رجل يرت==دي زي وزارة األمن الوط==ني؛ ص==ار
ْ أثناء مشاهدتي للشاحنة،
بوسعي التعرف عليهم على بعد مئات األمت==ار .حم=ل مع==ه جه= ً
=ازا عكس ض==وءًا أزرق على وجه==ه .أخ==ذ يس==ير جيئ==ة وذهابً=ا،
مستكش ًفا الجيران أواًل مع تسجيل مالحظات على جهازه ،ثم توجه إلينا .ك==ان هن==اك ش=يء م==ألوف في طريق==ة مش==يته وب=النظر
… ألسفل
ُّ
أفلت ً
جهاز ا للعثور على إشارات الواي فاي! وزارة األمن الوطني تبحث عن ُع َقد شبكة «إكس نت». اكتشفت أنه كان يستخدم
الستائر من يدي ،وبحثت في الغرفة عن جهاز اإلكس بوكس .تركته قيد التشغيل أثن==اء ت==نزيلي لبعض أفالم الص==ور المتحرك==ة
الرائعة التي صممها مستخدمو شبكة «إكس نت» لخطاب الرئيس الذي تحدث في==ه عن أن تحقي==ق األمن ال يُق=دَّر بثمن =.ج==ذبت
.القابس من الحائط ،ثم أسرعت عائ ًدا إلى النافذة ،وأحدثت فتحة صغيرة في الستائر
أخذ الرجل ينظر في جهاز العثور على إشارات الواي فاي مجد ًدا ،وهو يسير جيئة وذهابًا أمام منزلنا .وبعد لحظات ،ع==اد إلى
أخرجت الكاميرا ،والتقطت أكثر عدد ممكن من الصور للشاحنة وما عليها من أجهزة هوائي .وبع==د ذل==ك ،فتحت ه==ذه الص==ور
باستخدام برنامج مجاني لتحرير الصور يُسمَّى «جيمب» ،وحذفت كل ما في الصور فيما عدا الشاحنة ،فمس==حت الش==ارع وأي
ومن ثم ،نشرتها على شبكة «إكس نت» ،وكتبت كل ما يمكنني كتابته عن الش==احنة .ك==انوا يبحث==ون بال ش==ك عن ش==بكة «إكس
وال عالج لذلك سوى ممارسة لعبة القراصنة .كنت موق ًنا بوجود العدي=د= من الالع==بين رغم الس==اعة المت==أخرة من اللي==ل .االس==م
الحقيقي لهذه اللعبة هو «كلوك وورك بالندر» ،وكانت مشروع هواة صممه مراهق==ون من فنلن==دا مهووس==ون بموس==يقى ال==ديث
ميتال« .كلوك وورك بالندر» مجانية تمامًا ،وتقدم من المتعة ما يماثل ما تقدمه أية لعبة أخ=رى يبل==غ اش==تراكها ١٥دوالرً ا في
».الشهر ،مثل «إندرز يونيفيرس» و«ميدل إيرث كويست» و«ديسكوورلد دان ِجنز
سجلت الدخول مرة أخرى في اللعبة .كنت ال أزال على ظهر سفينة «زومبي تشارجر» في انتظار من يجدد نش==اطي .ك==رهت
».نحن أعضاء فريق واحد ،باإلضافة إلى أنك ستجني نقاط خبرة«
!يا له من أحمق
»!حدد موقعك«
».سان فرانسيسكو«
سجلت الخروج من اللعبة .ثمة شيء غريب يجري فيها .انتقلت إلى مدونات اليف جورنال ،وأخذت أتص==فحها .تص==فحت نح==و
يحب مدونو شبكة اليف جورنال االختبارات :ما الشخصية الخيالية التي تشبهك؟ هل أنت محب رائع؟ أي الكواكب أكثر ش==بهًا
بك؟ من الشخصية السينمائية التي تظن أنها تشبهك؟ ما طبيعتك العاطفية؟ فيجيبون عن هذه األسئلة ،وك==ذلك يفع==ل أص==دقاؤهم،
لكن االختبار الذي انتشر بجميع المدونات على شبكة «إكس نت» في تلك الليلة ه==و م==ا أخ==افني؛ فق==د ك==ان أبع==د م==ا يك==ون عن
ما نوعك؟
عيَّنت االختبارات النتائج على خريطة عليها دبابيس ملونة لإلشارة إلى المدارس واألحياء ،مع توص==يات تافه==ة ألم==اكن ش==راء
.البيتزا وغيرها
.ذكر
١٢.
.شافيز الثانوية
.بتريرو هيل
لم يكن في مدرستي بأسرها سوى اثنين فقط تتماشى بياناتهما مع هذه البيانات ،وينطب==ق األم==ر نفس==ه على أغلب الم==دارس .إذا
.أردت التوصل إلى هوية مستخدمي شبكة «إكس نت» ،يمكنك= استخدام هذه االختبارات للعثور عليهم جميعً ا
كان هذا سي ًئا بما فيه الكفاية ،لكن األسوأ هو أنه عنى ضم ًنا أن شخ ً
صا ما من وزارة األمن الوطني كان يس==تخدم ش==بكة «إكس
.نت» للوصول إلينا .تعرضت الشبكة الختراق من جانب وزارة األمن الوطني
•••
أعطيت أقراص «إكس نت» للمئات من األفراد الذين أعطوها بدورهم آلخرين .ع=رفت َمن أعطيتهم األق==راص معرف=ة جي=دة،
بهم في النادي ،ومن عرفتهم من المدرسة .أعضاء فريقي في ألعاب الواقع البديل كانوا األق==رب لي ،لكن==ني ع==رفت الكث==ير من
».الناس ووثقت فيهم بما فيه الكفاية إلعطائهم أقراص «إكس نت
أيقظت خولو من النوم بأن طلبته على هاتفه المحمول ،وأغلقت السماعة بعد الرنة األولى ثالث مرات متتالية .بعد دقيق==ة ،ك==ان
على ش==بكة «إكس نت» وتمك َّنا من إج==راء محادث==ة آمن==ة .جعلت==ه يق==رأ م==ا نش==رته في م==دونتي عن الش==احنات ذات اله==وائي
».كال ،ليس األمر بهذا السوء ،لكننا بحاجة لمعرفة من يمكننا الوثوق به«
»كيف؟«
»هذا ما أردت سؤالك عنه … كم من الناس يمكنك= أن تثق بهم ثقة عمياء؟«
».أريد الجمع بين عدد من األفراد الجديرين بالثقة ح ًّقا ،وإعداد شبكة ثقة لتبادل المفاتيح«
شبكة الثقة هي إحدى أدوات التشفير الرائعة التي قرأت عنها ،لكنني لم أجربها من قبل ،وهي وسيلة واقي==ة من الخ==داع تجعل==ك
تتأكد من أنك تتحدث مع أفراد تث==ق بهم ،ولكن دون أن يتمكن أح==د من االس==تماع إليكم .المش==كلة هي أنه==ا تتطلب من==ك االلتق==اء
.فعل ًّي ا باألفراد الموجودين في الشبكة مرة واحدة على األقل لكي تبدأ
»فهمت ما تعنيه= بالتأكيد =.ليست فكرة سيئة ،لكن كيف ستجمع الجميع للتوقيع على الشهادات الخاصة بالمفاتيح؟«
»هذا ما أردت سؤالك عنه … كيف يمكننا فعل ذلك دون أن يُل َقى القبض علينا؟«
:فكتبت
:واستطرد
».نلتقي جمي ًع ا في مكان ما كما لو كانت حفلة مراهقين ،وبذلك يكون لدينا عذر جاهز إذا ظهر أحد يسأل عما نفعله«
»أين؟«
»!مسابح سوترو«
الفصل العاشر
أهدي هذا الفصل لمتجر آندرسونز بوكش==وب ،وه=و متج==ر كتب أطف=ال أس=طوري في ش==يكاجو .آندرس=ونز متج==ر ق==ديم ت==ديره
عائلة ،بدأ كمتجر لألدوية قديم الطراز يبيع الكتب إلى جانب عمل=ه األساس=ي .أم=ا اآلن ،فق=د ص=ار إمبراطوري=ة عظيم=ة لكتب
األطفال متعددة الفروع ،ويتمتع بأساليب مبتكرة لبيع الكتب تحقق التواصل بين األطفال والكتب بأس==اليب رائع==ة ح ًّق==ا .وأفض==ل
هذه األساليب معارض الكتب المتحركة التي يقيمها المتجر ،وتش==حن فيه==ا خزان==ات كتب ض==خمة دوارة ،ممل==وءة بكتب أطف==ال
ً
جاهزا بين أيديهم .رائعة ،وتتوجه إلى المدارس على شاحنات لتجلب لألطفال معرض كتب
***
ماذا ستفعل إذا اكتشفت وجود جاسوس في محيطك؟ يمكنك اتهامه ،واإلمساك به ،وإخراجه من ذل=ك المحي=ط .لكن ،حينئ=ذٍ ،ق=د
.ينتهي األمر بمواجهة جاسوس آخر ،ويكون أكثر حر ً
صا من سابقه ،وال تتمكن= من القبض عليه بهذه السهولة
إليك فكرة أفضل :ابدأ باعتراض اتصاالت هذا الجاسوس ،وزوده هو وقادته بمعلومات خاطئة .لنفترض أن قادته َوجَّ هوه لجمع
معلومات عن تحركاتك .لتدعه يتتبعك ،وي==دوِّ ن ك==ل المالحظ==ات ال==تي يحتاجه==ا ،لكن افتح بالبخ==ار األظ==رف ال==تي يرس==لها إلى
مركز قيادته ،وضع تقريرً ا وهم ًّيا آخر ب=داًل من التقري=ر ال=ذي كتب=ه عن تحركات=ك .وإن أردت ،يمكن=ك أن تجعل=ه يب=دو غريبً=ا
وغير جدير بالثقة ،فيتخلصوا منه .بوسعك أيضً ا اصطناع أزمات تجعل أ ًّيا من الجانبين يكشف عن هوي=ات جواس=يس آخ=رين.
ُعرف ذلك بهج==وم ال==دخيل ،وإذا فك==رت في==ه ،فس=تجده مخي ًف=ا للغاي==ة .من يت==دخل في اتص=االتك ،يمكن أن يخ==دعك بأس=اليب ال
ي َ
ُ .ت َ
حصى
يوجد ،بالطبع ،وسيلة رائعة للتحايل على هجوم الدخيل؛ أال وهي استخدام التشفير .بالتشفير ،ال يهم إذا كان العدو بوسعه رؤية
.رسائلك؛ ألنه لن يمكنه فك شفرتها ،وتغييرها ،وإعادة إرسالها .وهذا أحد األسباب الرئيسية الستخدام التشفير
لكن تذكر :لكي ينجح التشفير ،يلزم أن يك==ون ل==ديك مف==اتيح لألف==راد ال==ذين ت==رغب في التح==دث معهم .علي==ك أنت وش==ريكك في
المحادثة تبادل سر أو اثنين؛ أي بعض المفاتيح التي يمكنك استخدامها لتشفير رسائلك وفك هذا التشفير من أج==ل إبع==اد ال==دخيل
.عنكما
.ومن هنا جاءت فكرة المفاتيح العامة .وهي فكرة معقدة بعض الشيء ،لكنها متميزة للغاية في الوقت نفسه
في تشفير المفاتيح العامة ،يحصل كل مستخدم على مفتاحين؛ وهما سلس==لتان طويلت==ان من الرم==وز الرياض==ية الغامض==ة ،ولكن
لهما خاصية شبه سحرية؛ وهي أنه أ ًّيا كان ما تشفره بأحدهما ،س ُي َفك تشفيره من خالل اآلخر ،والعكس صحيح .هذا فضاًل عن
أنهما المفتاحان الوحيدان اللذان يمكنهما فعل ذلك ،فإذا تمكنت من فك شفرة رسالة ما بأحد المفتاحين ،فستعلم أن المفتاح اآلخر
لنفترض اآلن أنك جاسوس ،وترغب في التحدث مع رؤسائك .مفتاحهم العام معروف للجميع ،وك==ذلك مفتاح==ك الع==ام .في حين
.ال أحد يعرف مفتاحك الخاص سواك ،وال أحد يعرف مفاتيحهم الخاصة سواهم
ت==رغب في إرس==ال رس==الة إليهم .أواًل :ستش==فرها باس==تخدام مفتاح==ك الخ==اص .يمكن=ك= إرس==الها مباش==ر ًة ،وس==ينجح األم==ر ألنهم
سيعلمون عند وصولها أنك من أرسلها .كيف؟ ألنهم إذا كان بإمكانهم فك شفرتها باستخدام مفتاح==ك الع==ام ،فمع==نى ذل==ك أنه==ا ال
يمكن أن تكون قد ُ
شفرت إال باستخدام مفتاحك الخاص .ويشبه ذلك وضع ختمك أو توقيعك أسفل رس==الة لتق==ول« :أن==ا من كتب
».هذه الرسالة ،وليس ً
أحدا آخر .ال يمكن أن يكون أحد قد عبث بها أو غيَّرها
لألسف ،لن يحافظ ذلك على سرية رسالتك؛ وذلك ألن مفتاحك العام معروف بالفعل ً
جيدا لعدد كبير من الناس (ال ب==د أن يك==ون
كذلك ،وإال فسيقتصر إرسالك للرسائل على العدد الص=غير من الن=اس ال=ذين يعرف=ون مفتاح=ك الع=ام) .وأي ش=خص تم=ر علي=ه
الرس==الة س==يمكنه قراءته==ا ،لكن لن يمكن==ه تغييره==ا وجعله==ا تب==دو كأن==ك أنت من أرس==لها؛ ومن ث َّم ،إذا كنت ت==رغب في أال يعلم
تشفيرها مرتين :التشفير األول — وهو مفتاح رئيسك العام — ال يفك إال باس=تخدام مفت=اح رئيس=ك الخ=اص ،والتش=فير الث=اني
— وهو مفتاحك الخ=اص — ال يف=ك إال باس=تخدام مفتاح=ك الع=ام .وب=ذلك ،عن=دما يتلقى رؤس=اؤك الرس=الة ،س=يفكون ش=فرتها
.باستخدام كال المفتاحين ،وبذلك سيتأكدون من( :أ) أنك من كتبتها =،و(ب) أنهم وحدهم يمكنهم قراءتها
إنه أمر رائع .يوم اكتشفته ،تبادلت المفاتيح مع داري==ل على الف==ور ،وقض==ينا ش==هورً ا في س==عادة غ==امرة بتبادلن==ا رس==ائلنا ش==ديدة
.السرية التي تعلقت بمكان التقائنا بعد= المدرسة ،وما إذا كانت فان ستالحظ اهتمامه بها أم ال
لكن إذا كنت ترغب في فهم األمن ،فعليك بالتفكير في أكثر االحتماالت المدفوعة بجنون االرتياب .على سبيل المث==ال ،م==اذا إذا
جعلتك تظن أن مفتاحي العام هو مفتاح رئيسك العام؟ ستشفر الرسالة باستخدام مفتاحك الخاص ومفتاحي العام ،في حين س==أفك
أنا شفرتها ،وأقرؤها ،وأعيد تشفيرها باستخدام المفتاح العام الحقيقي لرئيسك ،وأرسلها .وكل ما يعرف==ه رئيس==ك في العم==ل ه==و
.أنه ما من أحد يمكن أن يكون قد كتب الرسالة سواك ،وما من أحد سواه يمكن أن يكون قد قرأها
.وبذلك أكون قد لعبت دور الدخيل ،وأجلس كالعنكبوت داخل الشبكة ،وتصبح كل أسرارك مل ًكا لي
ومن ثم ،فإن أيسر طريقة للتغلب على هذا االحتمال هي نشر مفتاحك العام على نطاق واسع؛ وذل=ك ألن=ه إذا ص=ار من اليس=ير
بالفعل على أي أحد معرفة مفتاحك الحقيقي ،فستزداد األمور صعوبة على الدخيل .غير أن نشر شيء ما ،ال يق==ل ص==عوبة عن
الحفاظ عليه س ًّرا .لتنظر مثاًل إلى مليارات الدوالرات التي ُتن َف==ق على إعالن==ات الش==امبو وغيره==ا إلعالم أك==بر ع==دد ممكن من
رؤسائك تحتسون القهوة ،وأفصح ك ٌّل منكم لآلخر عن مفاتيحه .ب==ذلك ،لن يك==ون هن==اك أي دخالء! إذ س==تكون متيق ًن==ا تما ًم==ا من
إلى هذا الحد ،األمر جيد تمامًا .لكن ثمة عائ ًقا طبيع ًّيا هنا ،وهو :كم من الناس يمكنك= االلتق=اء بهم فعل ًّي=ا وتب=ادل المف=اتيح معهم؟
كم من الساعات في اليوم يمكنك= تكريسها لعمل يشبه كتابة دليل هاتف خاص بك؟ كم من هؤالء الناس يرغبون في تكريس هذا
الوقت لك؟
من المفيد التفكير في األمر من منظور مثال دليل الهاتف ،فقد امتأل العالم من قبل بالعديد من أدلة الهواتف ،وك==ان الم==رء كلم==ا
احتاج رقمًا ،بحث عنه في الدليل .لكن في حال==ة األرق==ام العدي==دة ال==تي ت==رغب في الرج==وع إليه==ا في أي ي==وم ،يل==زم علي==ك إم==ا
معرفتها عن ظهر قلب ،أو سؤال شخص آخر عنها .وحال ًّيا أي ً
ضا ،عندما أك==ون خ==ارج الم==نزل ومعي ه==اتفي المحم==ول ،أس==أل
خولو أو داريل إذا كان لديهما الرقم الذي أبحث عنه ،فهذا أسرع وأيسر من البحث عنه على اإلن==ترنت ،ه==ذا فض =اًل عن أنهم==ا
ُع=رف ﺑ «الثق==ة االنتقالي=ة»؛ أي سيكونان أكثر موثوقية أيضً ا .إذا كان لدى خولو الرقم ،فأنا أثق فيه ،وفي الرقم أي ً
ضا .هذا م=ا ي َ
.الثقة التي تنتقل بأنحاء شبكة عالقاتنا
وشبكة الثقة تشبه ذلك ،لكن على نطاق أكبر .لنفترض أنني قابلت خولو ،وحصلت على مفتاحه .يمكنني= وضع هذا المفت==اح في
«سلسلة مفاتيحي»؛ أي مجموعة المفاتيح التي وقعت عليها بمفتاحي الخ==اص .يع==ني ذل==ك أن==ه يمكن=ك= ف==ك تش==فير ه==ذا المفت==اح
باس==تخدام مفت==احي الع==ام ،وتك==ون متأك = ًدا من أن==ني — أو أي ش==خص لدي==ه مفت==احي — أق==ول «إن ه==ذا المفت==اح يخص ه==ذا
».الشخص
فأعطيك سلسلة مفاتيحي ،وإذا كنت تثق فيَّ لتقابلني ح ًّقا وتتحقق من صحة كل المفاتيح الموجودة فيها ،يمكنك أخذها وإض==افتها
صا آخ=ر ،وتعطي=ه سلس=لة المف=اتيح بأكمله=ا ،ف=تزداد السلس=لة ك=برً ا ،وإذا كنت تث=ق في
إلى سلسلة مفاتيحك؛ ومن ثم ،تقابل شخ ً
.الرجل التالي في السلسلة ،وهو يثق في الشخص التالي في سلسلته ،وهكذا ،فستكون مؤ َّم ًنا تمامًا
وبذلك نصل إلى حفالت توقيع المفاتيح ،وهي تعني ما يشير إليه اسمها بالضبط :حفلة يلتقي فيها الجميع ،ويوقع ك== ٌّل منهم على
مفاتيح اآلخرين .عندما تبادلت أنا وداريل المفاتيح ،كان ذلك بمثابة حفل توقيع مفاتيح مصغر ال يحض==ره س==وى اث==نين يتس==مان
يتكون أساس شبكة الثقة ،وهكذا تتسع الشبكة .وبخروج كل ش==خص في
بالحزن والولع بالتكنولوجيا .لكن بعدد= أكبر من الناسَّ ،
سلسلة مفاتيحك إلى العالم والتقائه بمزيد من الن==اس ،يمكن==ه إض==افة المزي==د والمزي==د من األس==ماء للسلس==لة .ليس علي==ك االلتق==اء
.بأناس جدد ،عليك فقط الوثوق في أن المفتاح المو َّقع عليه الذي حصلت عليه من الناس في شبكتك صحيح
قلت لخولو« :لتقل لهم فقط إنها حفلة خاصة ج ًّدا ،ال يُس َمح فيه==ا بال==دخول إال للم==دعوين فق==ط ،واطلب منهم ع==دم إحض==ار أح==د
».نظر خولو إليَّ من خلف قهوته ،وقال« :أنت تمزح ،أليس كذلك؟ إذا أخبرت الناس بذلك ،فسيحضرون المزيد من األصدقاء
فقلت« :اللعنة!» وقضيت ليلة كل أسبوع في تلك األثن==اء عن==د خول==و ،ألبقي على الك==ود مح=د ًَّثا على الش==بكة المس==تقلة .وك==انت
شركة «بيجسبلين» تدفع لي مبل ًغا من المال لفعل ذلك ،ما يعد غريبًا ح ًّقا .لم يخطر ببالي من قبل أنني سأتلقى مااًل مقابل كتاب==ة
.األكواد
ماذا نفعل إذن؟ ال نريد أن يكون هناك أحد في الحفلة سوى من نثق فيهم فقط ،وال نريد في الوقت نفسه أن نذكر السبب ح==تى«
بحث خولو عن األخطاء وصححها ،بينما كنت أتابعه .كان يطلق على ذل==ك اس==م «البرمج==ة القص==وى» ،وه==و االس==م المح==رج
بعض الشيء .أما اآلن ،فنطلق عليه «البرمجة» فقط .وشخصان أفضل من واحد في اكتشاف األخطاء .هناك مقولة في مج==ال
».البرمجة تقول «كلما زاد عدد مطوري ومختبري األكواد ،أصبحت أخطاؤها سطحية
أخذنا نعمل على تقارير األخطاء ،ونستعد إلنت==اج النس==خة المُن َّقح==ة الجدي==دة =.تم تح==ديث ك==ل ش==يء آل ًّي==ا في الخلفي==ة؛ ومن ثم لن
يحتاج مستخدمونا لفعل أي شيء ،وإنما سيجدون نسخة أفضل من البرنامج جاهزة بين أيديهم كل أس==بوع .ك==ان ش==عورً ا غري ًب==ا
ً
«غدا !»للغاية أن أعلم أن الكود الذي كتبته سيستخدمه مئات اآلالف من البشر
».ماذا سنفعل؟ يا إلهي ليست لدي أية فكرة .أعتقد أننا سنستسلم لألمر الواقع فحسب«
تذكرت ممارستنا للعبة «هاراجوكو فان م==ادنس» .طالم==ا واجهن==ا العدي=د= من التح==ديات االجتماعي==ة ال==تي تض==منت مجموع==ات
حس ًن ا ،أنت على حق .لكن دعنا على األقل نحاول الحفاظ على هذا السر .لتخبر الحض==ور بأن==ه بإمك==انهم اص==طحاب ش==خص«
».واحد فقط على األكثر معهم ،ويجب أن يكون شخصً ا قد مضى على معرفتهم الشخصية به خمس سنوات على األقل
رفع خولو عينيه من على الشاشة ،وقال« :يا إلهي! ستنجح ه==ذه الفك==رة ،أك==اد أج==زم ب==ذلك .إذا طلبت م==ني ع==دم إحض==ار أح==د
معي ،فكل ما سيرد بذهني« :من يظن نفسه بحق الجحيم؟» لكنك عندما تصيغ طلب=ك على ه=ذا النح=و ،فس==يبدو أش=به بمغ=امرة
».بوليسية مثيرة
عثرت على خطأ .احتسينا بعض القهوة .عدت للمنزل ،ولعبت لعبة «كلوك وورك بالندر» لبعض الوقت ،محاواًل عدم التفكير
•••
مسابح سوترو بسان فرانسيسكو عبارة عن أطالل رومانية زائفة .عند افتتاحه==ا في ع==ام ،١٨٩٦ك==انت أض==خم مرك==ز مس==ابح
داخلي في العالم ،وهو عبارة عن مشمس زج==اجي ض=خم على الط==راز الفيكت==وري يمتلئ بالمس=ابح وأح==واض االس==تحمام ،ب==ل
ومنزلق مائي قديم أي ً
ضا .وقد تدهورت أحواله==ا في الخمس==ينيات من الق==رن العش==رين ،وأحرقه==ا مالكوه==ا للحص==ول على مبل==غ
التأمين في عام .١٩٦٦ولم يتبق منها سوى متاه=ة من الص=خور المت=أثرة بالعوام=ل الجوي=ة داخ=ل واجه=ة ج=رف ص=لب على
شاطئ المحيط .وهي تبدو للعالم أجمع كأطالل رومانية متحطمة وغامض==ة ،وخلفه==ا مجموع==ة من الكه==وف تط==ل على البح==ر.
يبعد= شاطئ المحيط كثيرً ا عن متنزه «جولدن جيت» ،وهو جرف مقفر تصطف عليه المنازل ذات القباب باهظ==ة التكلف==ة ال==تي
تنحدر على الجرف وصواًل إلى شاطئ ضيق تنتشر عليه قناديل البحر وراكبو األمواج الش==جعان (المج==انين) .وتوج==د ص==خرة
بيضاء ضخمة تنتأ من المياه الضحلة القريبة من الشاطئ ،وهي ما يُطلَق عليها «سيل روك» (صخرة الفقمة)؛ إذ ك==انت دو ًم==ا
.المكان الذي تحتشد فيه أسود البحر إلى أن ُنقِلت لبيئة أكثر مالءمة للسائحين في منطقة فيشرمانز وارف
ومع حلول الظالم ،يخلو المكان تقريبً=ا من أي مخل=وق ،ويص==ير الج==و ق=ارس ال==برودة م==ع تن==اثر رذاذ ملحي يمكن=ه النف=اذ إلى
.عظامك إذا سمحت له بذلك .ويضم المكان صخورً ا حادة ،وزجاجً ا متكسرً ا ،وإبر مخدرات مستعملة هنا وهناك
كان إحضار األغطية التي من المشمع وقفازات التدفئة= الكيميائية فكرتي .علم خول==و من أين سنحض==ر الجع==ة؛ فق==د ك==ان ألخي==ه
األكبر خافير صديق يقدم خدمة توصيل المشروبات الكحولية لمن هم دون السن القانونية .كل ما عليك فعل==ه ه==و دف==ع م==ا يكفي
من المال له ،وسيحضر إلى مكان حفلتك حاماًل صناديق الثلج وكل ما تريده من زجاجات الجعة .أنفقت على ذل==ك ق==درً ا كب==يرً ا
من المال الذي حصلت عليه من برمجة الشبكة المستقلة ،وحضر الرج==ل في موع==ده :الثامن==ة مس==اءً ،وك==انت س=اعة جي==دة بع==د
قال وهو يمسك طرف قبعة رعاة البقر التي كان يرتديها« :واآلن ،لتتوخوا الح=ذر أيه=ا الش=باب!» ك=ان رجاًل ب==دي ًنا من س=اموا
ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة ،ويرتدي قمي ً
صا بدون أكمام يمكن==ك أن ت==رى ع==بره ش==عر إبطي==ه وبطن==ه وكتفي==ه .أخ==رجت
أورا ًقا فئة عشرين دوالرً ا من رزمة المال التي كانت معي وأعطيته إياها .كان يرفع السعر بنسبة ١٥٠بالمائة ،م==ا ي َُع==د ربحً = ا
ً
.جيدا
نظر إلى رزمة الم=ال ال=تي بين ي==ديَّ ،وق=ال — وال ت=زال االبتس=امة على وجه==ه« :أتعلم أن=ه بوس==عي س=رقة ه==ذا الم=ال من=ك
».قال أخيرً ا« :إنني أمزح معك .لكن لتتو َّخ الحذر بشأن هذه األموال؛ ال تظهرها للجميع هكذا
».ازدادت ابتسامته اتسا ًعا ،وقال« :ماذا؟! إنهم ال يتعدون كونهم فرقة بوليسية تعِسة .هؤالء ال ُخرقاء ال يعلمون أي شيء
نظرت إلى شاحنته ،ولمحت من زجاج السيارة األمامي بطاقة «فاستراك» واضحة للعيان .وتساءلت كم سيمر من الوقت حتى
»سترافقكم فتيات الليلة ،أليس كذلك؟ أهذا هو السبب في أنكم أتيتم بكل هذه الجعة؟«
ابتسمت ،ولوحت له بيدي كما لو كان يسير تجاه شاحنته ،وهو ما كان عليه فعل==ه بالفع==ل .أدرك أخ==يرً ا م==ا كنت ألمح ل==ه ،فق==اد
ً
مبتعدا دون أن تغيب عنه االبتسامة للحظة .شاحنته
ساعدني خولو على إخفاء صناديق المشروبات المثلجة بين الصخور المتحطمة ،مستعينين بمصابيح الصمامات الثنائية الباعث==ة
للضوء المثبتة= بعصابات الرأس .وما إن ص==ارت الص==ناديق في مكانه==ا ح==تى ألقين==ا بعض سالس==ل مف==اتيح الص==مامات الثنائي==ة
.الباعثة للضوء البيضاء في كل صندوق ،لتتوهج عند رفع األغطية المصنوعة من الستيروفوم ،و ُتيسر لك رؤية ما تفعله
كانت ليلة معتمة غاب عنها القمر ،وأنارت لن==ا بالك==اد مص==ابيح الش==وارع القص==ية .علمت أن كاًّل من==ا س==يبرز ك==وهج في م==دى
األشعة تحت الحم=راء ،لكن م=ا كن=ا لنتمكن من جم=ع مجموع=ة من الن=اس معً= ا دون أن ُن َ
الح= ظ .وبإمك=اني قب=ول فك=رة رؤيتن=ا
ال أُك ِث ُر في الشراب في الحقيقة .تضمنت الحفالت التي ارتدتها منذ كنت في الرابعة عشرة من عمري جعة ومشروبات مُسكِرة
وعقاقير هلوسة ،لكنني كرهت الت=دخين (وإن كنت مولعً= ا إلى ح=د كب=ير بكع=ك البراون=يز المحش=و بالحش=يش من حين آلخ=ر)،
وعقاقير الهلوسة تستغرق فترة طويلة لتحدث مفعولها؛ فتتطلب عطلة نهاية أسبوع كاملة لالنتشاء بها ثم التخلص من مفعوله==ا.
أما الجعة ،فال بأس بها لكنني ال أرى ما يميزها .ما أُفضِّله هو مشروبات الكوكتي==ل القوي==ة كتل==ك ال==تي تق==دم في أواني الخ==زف
على شكل بركان ،وتتكون من ست طبقات على النار ،وبها قرد بالستيكي على الحاف==ة .لكن إعج==ابي به==ا في الغ==الب ن==ابع من
.طريقة تقديمها
ً
ثانية ذلك ق==د يرج==ع لن==وع المش==روبات أحب ال ُّس ْكر في الواقع ،لكنني ال أحب آثاره بعد ذلك ،وإن كنت ال أعاني منها ً
أبدا .لكن
رغم ذلك ،فإنه ال يمكن إقامة حفل دون وضع صندوق أو اثنين من الجعة فوق الثلج ،فذلك أمر متو َّقع؛ إذ يحرر الحض==ور من
القيود .يرتكب الناس أفعااًل حمقاء بعد شرب قدر كبير من الجعة ،لكن أصدقائي ال يملك==ون س==يارات .كم==ا أن الن==اس يرتكب==ون
.أفعااًل حمقاء على أية حال ،سواء أكان السبب هو شرب الجعة أم تدخين الحشيش أو غيرهما ،ال يهم
.فتحت أنا وخولو زجاجتي جعة« :آن ُكر ستيم» له ،و«باد اليت» لي .قرعنا الزجاجتين معً ا ،وجلسنا على إحدى الصخور
».فأجابني« :بلى
».وأنا أيضًا«
لذهن صافٍ
ٍ ً
تركيزا في محتواها الكحولي؛ فقد كنت بحاجة شربنا في صمت .كانت «باد اليت» أقل أنواع الجعة في الصندوق
استدار ناحيتي ،وقال« :كال ،ال أشعر أحيا ًنا بالخوف ،وإنما دومًا؛ فالخوف ال يفارقني من=ذ وق=وع التفج=يرات .ب==ل إن==ني أص=ل
ابتسم ،وقال« :ربما لن أفعل ،أو باألحرى لن أستمر في ذلك بعد اآلن .ما أعنيه هو أن مساعدتك تسعدني ح ًّقا .كان أمرً ا رائ ًعا
.بالفعل ،وال أتذكر أي شيء فعلته بهذه األهمية من قبل .لكن ،يا ماركوس ،يجب أن أقول لك …» ثم توقف عن الكالم
وفي النهاية ،قال« :ال يمكنني االستمرار في ذلك لألبد ،ربما حتى لشهر واحد آخر .أعتقد أنني ق==د انتهيت من ذل==ك؛ فه==و أم==ر
».محفوف بالمخاطر .إنها وزارة األمن الوطني ،وال يمكنك شنُّ حرب عليها ،فهو ح ًّقا ضرب من الجنون
».قلت له بصوت بدا فيه قدر من المرارة أكثر مما كنت أبغيه« =:إنك تتحدث مثل فان
ال أقصد انتقادك يا صديقي ،فأنا أرى أن شجاعتك في فعل ذلك أمر عظيم ،لكنني ال أتمتع بهذه الشجاعة ،وال يمكن==ني العيش«
»ماذا تعني؟«
أعني أنني خارج اللعبة .سأصير واح ًدا ممن يتظاهرون بأن كل شيء على ما يرام ،وأن ك==ل األم==ور س==تعود لطبيعته==ا يو ًم==ا«
ما .سأعود الستخدام اإلنترنت مثلم==ا كنت أفع==ل دو ًم==ا ،وال أس==تخدم ش==بكة «إكس نت» إال لأللع==اب فق==ط .لن أك==ون ج==زءًا من
أعلم أنني بذلك أتركك وحي ًدا .ال أريد ذلك ،ص==دقني .وأتم==نى أن تتخلى عن ه==ذا األم==ر معي .ال يمكن==ك إعالن الح==رب على«
حكومة الواليات المتحدة .إنه ليس شجارً ا ستفوز به .مشاهدتك وأنت تحاول ذل==ك يش==به مش==اهدة ط==ائر ي==رتطم بالش==باك م==رارً ا
:عند اعتقالنا؟ هل نسيت ما كانت عليه بالدنا قبل فرضهم السيطرة عليها؟» لكن ذلك لم يكن ما أراد هو سماعه مني ،وإنما
»ما هو؟«
».لم أكن ألذكره ،غير أنني أريدك أن تفهم السبب وراء ما أفعله«
أكره أن أقول ذلك ،لكنك «أبيض» ،وأن==ا لس==ت ك==ذلك .عن==د القبض على بيض البش==رة وبح==وزتهم كوك==ايين ،يقض==ون بعض«
الوقت في مراكز إعادة التأهيل ،أما ذوو البشرة الداكنة ،فعند إلقاء القبض عليهم بنفس التهمة ،يُل َقون في السجن عشرين عا ًم==ا.
يرى البيض الشرطة في الشارع ،فيزداد شعورهم باألمان .أما ذوو البشرة الداكنة ،فيتساءلون عند رؤيتهم لرجال الش==رطة م==ا
إذا كانوا سيخضعون للتفتيش أم ال .أتزعجك طريقة تعامل وزارة األمن الوطني معك؟ هك==ذا ك==ان الق=انون دو ًم==ا معن==ا في ه==ذه
».البالد
ً
شجاعة لمجرد أنني أبيض ،لكنني عرفت م==ا ك==ان كان ذلك ظلمًا ب ِّي ًنا؛ فليس لي يد في كوني أبيض البشرة ،ولم أظن أنني أكثر
خولو يتحدث عنه .إذا أوقف رجال الشرطة شخصً ا م==ا في حي ميش==ن وطلب==وا االطالع على هويت==ه ،فعلى األرجح يك==ون ه==ذا
الشخص ليس أبيض .وأ ًّيا كانت المخاطر التي أواجهها ،فإن خولو يواجه أكثر منها .وأ ًّيا كانت العقوبة التي سأواجهها ،فخول==و
.سيواجه ما هو أشد
».ليس عليك قول أي شيء .أردت فقط أن تعرف هذا السبب لتتفهم موقفي«
رأيت أفرا ًدا يسيرون في الممر الجانبي في اتجاهنا .كانوا أص==دقاء خول==و :فت==يين مكس==يكيين= وفت==اة أعرفه==ا من الج==وار ،ك==انت
قصيرة غريبة األطوار ترتدي دومًا نظارة «بادي هولي» سوداء جميل==ة جعلته==ا تب==دو كطالب==ة فن==ون في فيلم للم==راهقين نب==ذها
عرَّ فهم خولو عليَّ ،وق َّد م لهم زجاجات جعة .لم تأخذ الفتاة الزجاجة ،وأخرجت بداًل منها قارورة فودكا صغيرة فضية اللون من
حقيبتها ،وقدمتها لي .أخذت رشفة — للفودكا الدافئة مذاق ال تستسيغه من أول مرة — وأث==نيت على الق==ارورة المزين==ة برس==م
قالت لي — بينما كنت أمرر سلسلة مفاتيح أخرى على القارورة« :إنها قارورة يابانية ،يزين هؤالء اليابانيون زجاجات الخمر
صديقيه اللذين عرفهما منذ معسكر الكمبيوتر في الصف الرابع .انضم إلينا المزيد من الناس … خمسة ،ثم عشرة ،ثم عشرون
طلبنا من المدعوين الحضور الساعة التاسعة والنصف بالضبط ،وانتظرنا حتى الساعة العاشرة إال الربع لحض==ور أي ش==خص
آخر .نحو ثالثة أرباع العدد= الذي جاء كان من أصدقاء خولو ،أما أنا ف==دعوت من كنت أث==ق فيهم ح ًّق==ا .لعلي كنت أك==ثر تمي= ً
=يزا
من خولو أو أقل شعبية .اآلن ،وبعد أن أخبرني بتخليه عني ،جعلني ذلك أعتقد أنه أقل تمي= ً
=يزا م==ني .كنت غاض=بًا للغاي==ة من==ه،
لكنني حاولت أال أظهر ذلك بالتركيز على االختالط باآلخرين في الحفل .لكنه لم يكن غب ًّي==ا ،وع==رف م==ا ك==ان يعتري==ني ،وك==ان
قلت وأنا أتسلق بعض الصخور« :حس ًن ا ،يا شباب!» انتبه لي بعض من كانوا بالقرب مني ،أما من كانوا بالخلف فاستمروا في
الثرثرة .لوحت بذراعيَّ في الهواء ك ُح َّكام المباريات الرياضية ،لكن الظالم كان دامسً ا .وفي النهاية ،خطرت ببالي فكرة ،وهي
ً
واح=دا تل=و أن أضيء سلسلة مفاتيح مصابيح الص=مامات الثنائي=ة الباعث=ة للض=وء ،وأص=وبها تج=اه ك=ل من يتح=دث في الخل=ف
رحبت بهم ،وشكرتهم على الحضور ،ثم طلبت منهم االقتراب ألتمكن= من شرح سبب اجتماعنا في ذلك المك==ان .ك==ان بإمك==اني
.رؤية اهتمامهم بالسرية التي تحيط األمر ،وفضولهم ،وتحمسهم بفعل الجعة
حس ًنا ،إليكم السبب في اجتماعنا هذا .تستخدمون جمي ًعا شبكة «إكس نت» ،وظهور هذه الشبكة للنور بعد إحكام وزارة األمن«
الوطني سيطرتها على المدينة ليس مصادفة .صممت «إكس نت» منظمة تكرس جهودها للحرية الشخصية بهدف حمايتن==ا من
ضباط وزارة األمن الوطني ،وعمالئها السريين ».كنت قد أعددت ه=ذا الخط=اب مس=ب ًقا بالتع==اون م==ع خول=و .م=ا كن==ا لنع==ترف
بمسئوليتنا عن هذا األمر برمته ،ليس ألي أحد؛ فهذا ينطوي على خطورة كبيرة .لكننا سنقول إننا لسنا سوى مجندين في جيش
واصلت خطابي قائاًل « :شبكة «إكس نت» ليست مؤمَّنة تأمي ًنا كاماًل ؛ إذ يسهل على الجانب اآلخ==ر اس==تخدامها مثلن==ا بالض==بط.
نعلم أن هناك جواسيس ل=وزارة األمن الوط==ني تس==تخدمهم اآلن .هم يتبع==ون أس=اليب قرص==نة الهندس=ة االجتماعي==ة بغي=ة جعلن=ا
نفصح عن هوياتنا ليتمكنوا من القبض علينا .وإذا أردنا لشبكة «إكس نت» النج=اح ،فعلين==ا معرف==ة كي==ف نح==ول دون تجسس=هم
توقفت لحظات ألمنحهم فرصة الستيعاب ما قلته .أشار خولو إلى أن العلم بأنك على وشك ال==دخول في خلي==ة ثوري==ة ق==د يك==ون
أنكم رائعون ،وأهل للثقة ،وهذه الثقة هي ما أريد مشاركته معكم الليل==ة .بعض==كم على علم بالفع==ل بش==بكة الثق==ة وحفالت توقي==ع
واآلن ما أريده منكم الليلة هو التعارف ،ومعرفة إلى أي مدى يمكنكم الوثوق بعضكم في بعض .سنس==اعدكم في إنت==اج أزواج«
اتسم هذا الجزء بالصعوبة؛ فأن تطلب من الحضور جلب أجهزة الكم==بيوتر المحم=ول الخاص=ة بهم معهم م=ا ك==ان لينجح ،لكنن=ا
.ظللنا بحاجة لفعل شيء معقد ما كان لينجح بالورقة والقلم ً
أبدا
رفعت ألعلى الكمبيوتر المحمول الذي َجمَّع ُته أنا وخولو الليلة الماضية من الص==فر ،وقلت« :إن==ني أث==ق في ه==ذا الجه==از؛ فك==ل
يوجد على هذا الجهاز برنامج إلنتاج المفاتيح ،وعلى ك ٍّل منكم المجيء إلى هنا وإدخال أي بيانات عشوائية إليه — اضغطوا«
على أي م==زيج من المف==اتيح وحرك==وا الف==أرة — وس==وف يس==تخدم البرن==امج ذل==ك كأس==اس إلص==دار مفت==اح خ==اص وآخ==ر ع==ام
عشوائيَّين لك= ٍّل منكم ،ويعرض=هما على الشاش=ة .ويمكن لك= ٍّل منكم التق=اط ص=ورة لمفتاح=ه الخ=اص باس=تخدام ك=اميرا اله=اتف،
والضغط على أي مفتاح للتخلص منه إلى األبد؛ فهو لن يخزن على الق==رص على اإلطالق ،وس==يعرض ل==ك بع==د ذل==ك مفتاح==ك
».العام .حينئ ٍذ ،تنادي جميع من تبادلهم الثقة هنا ،فيلتقطون صورة للشاشة وأنت تقف بجانبها ليعرفوا بذلك صاحب المفتاح
تابعت قائاًل « :وعند عودتكم لمنازلكم ،عليكم بتحويل الصور إلى مفاتيح .أخشى أن ذلك سيتطلب ً
جهدا ،لكن سيلزم عليكم فعله
مرة واحدة فقط ،وسيكون عليكم توخي الحذر الشديد في كتابتها؛ خطأ واحد كا ٍ
ف لتعرضكم للخطر .لحسن الح==ظ ،ل==دينا وس==يلة
تمكننا من معرفة ما إذا كنتم قد نفذتم األمر كما ينبغي أم ال؛ تحت كل مفتاح هناك رقم أقصر بكثير يس =مَّى «البص==مة» .م==ا إن
».تسجل المفتاح حتى يصير بإمكانك إنتاج بصمة منه ومقارنتها بالبصمة األصلية .وإن كانتا متوافقتين ،تكون قد نجحت
.بدا الجميع مرتب ًكا أمامي .حس ًنا ،كان ما طلبته غريبًا بالفعل ،لكن ظل عليهم فعله
الفصل الحادي عشر
أهدي هذا الفصل لمتجر كتب يونيفرستي بوكستور في جامعة واشنطن ،والذي ينافس قسم الخيال العلمي الخاص به العدي =د= من
المتاجر المتخصصة في كتب الخيال العلمي .يرجع الفضل في ذلك لمسئول المشتريات المخلص حاد البصيرة ،دواين ويلكينز.
دواين عاشق للخيال العلمي بمعنى الكلمة؛ التقيت به للمرة األولى في مؤتمر الخي==ال العلمي ال==دولي في تورونت==و ع==ام .٢٠٠٣
ويتضح هذا العشق في االختيارات االنتقائية المستنيرة المعروضة في المتجر .وأحد المؤشرات المهم==ة لعظم==ة أي متج==ر كتب
هو جودة المالحظات النقدية الملصقة على األرفف؛ وهي قطع صغيرة من الورق المق= َّ=وى مكت==وب عليه==ا مالحظ==ات الع==املين
في المتجر (بخط اليد غالبًا) ُتع ِّدد= مزايا الكتب التي قد تفوت عليك .استفاد العاملون ب==المتجر من توجيه==ات دواين؛ إذ ُت َع==د ه==ذه
***
:نهض خولو ،وقال
من هنا البداية يا شباب! هكذا نعرف إلى أي فريق تنتمي .قد ال ترغب في الخروج إلى الشوارع ،والقبض علي==ك لم==ا تعتنق==ه«
من معتقدات ،لكن إذا كانت لديك معتقدات بالفعل ،فسيسمح لنا ذلك اإلجراء بمعرفتها .سنكوِّ ن ب==ذلك ش==بكة ثق==ة توض==ح لن==ا من
».معنا ومن علينا .إذا أردنا استرجاع بالدنا ،ينبغي لنا فعل ذلك … ينبغي لنا فعل شيء مثل ذلك
.رفع أحد الحضور يده ممس ًكا بزجاجة جعة ،كانت آنج
»لتنعتني بالغباء ،لكنني ال أفهم أ ًّيا مما تقوله .لماذا تريدنا أن نفعل ذلك؟«
نظرت أنا وخولو ك ٌّل منا لآلخر .بدا كل شيء واضحً ا للغاية عند تنظيمنا له« .شبكة «إكس نت» ليست وس==يلة فق==ط لممارس==ة
األلعاب المجانية ،وإنما هي شبكة االتصال الحرة األخ==يرة في أمريك==ا .إنه==ا الوس==يلة األخ==يرة للتواص==ل دون تطف==ل من وزارة
.األمن الوطني .ولكي تنجح ،علينا التأكد من أن من نتحدث معه ليس متطفاًل ؛ أي أن نتأكد من هوية من نرسل إليه الرسائل
».ومن هنا ،يأتي دوركم .لقد دعوناكم إلى هنا ألننا نثق فيكم ،وأعني هنا ثقة حقيقية؛ أي إننا نأتمنكم على حياتنا
عند وقوع التفجيرات» — ش=عرت بانقب=اض وألم في ص=دري عن=د ق=ولي ذل=ك — «قُ ِبض عليَّ وعلى أص=دقائي في ش=ارع«
ماركت ،ولسبب ما ،قررت وزارة األمن الوطني أن وجودن==ا في ذل==ك المك==ان جعلن=ا موض==ع ش==بهة .غط==وا رءوس==نا بأكي==اس،
.ووضعونا على ظهر سفينة ،وظلوا يستجوبوننا أليام .أهانونا ،وتالعبوا بعقولنا ،ثم أطلقوا سراحنا
أطلقوا سراحنا جمي ًعا ما عدا شخصً ا واح ًدا ،وهو أعز أص==دقائي .ك==ان معن==ا عن==د القبض علين==ا ،وق==د تع==رض إلص==ابة ،وك==ان
ً
ثانية قط .أما هم ،فنفوا رؤيتهم له مطل ًقا ،وقالوا إننا إذا أخبرنا أي أحد بم==ا ح==دث ،فسيقبض==ون بحاجة لرعاية طبية ،ولم يظهر
محاربة وزارة األمن الوطني … كل نفس … وكل يوم في حياتي مُكرَّ س لهذا الهدف حتى نتح==رر من جدي==د .يمكن أليٍّ منكم
كيف أعرف من يمكنني الوثوق به ،لكنني أعرف من ال يمكنني الوثوق به؛ وهم كبار السن … آباؤن==ا … الب==الغون .التجس==س
لديهم يتعلق دومًا بشخص آخر ،شخص سيئ .وعندما يفكرون في شخص قُ ِبض عليه وأُرسِ ل إلى سجن سري ،يكون ذلك دائمًا
واستطردت« :إنهم ينسون ما كان عليه الحال عندما كانوا في نفس س=ننا ،وك=انوا مح=ل ش=ك دومً=ا! كم م=رة ركبتم فيه=ا حافل=ة
واألسوأ من ذلك أنهم يتحولون إلى بالغين في سن أصغر كل يوم ،فكان يُقال في الماضي« :إي=اك والوث==وق في أح==د يبل==غ من«
»».السن أكثر من ٣٠عا ًم ا» .وأنا أقول« :إياكم والوثوق في أي وغد يزيد عمره عن ٢٥عامًا
أثار هذا التعليق ضحك الحضور ،وضحكت هي أيضً ا معهم .كانت جميلة على نحو غريب تظهر في مالمحها مشابهة للخي==ول
بوجهها وفكها الطويلين« .إنني ال أم==زح ح ًّق==ا .فلنتأم==ل الموض==وع م ًع= ا :من انتخب ه==ؤالء المه==رجين؟ من س==مح لهم ب==احتالل
صو ت لوضع الكاميرات في الفصول المدرسية وتتبعنا باستخدام شرائح التجسس الكريهة في الس==يارات وبطاق==ات
مدينتنا؟ من َّ
».المرور الخاصة بنا؟ لم يفعل ذلك شخص يبلغ من العمر ١٦عامًا .قد نكون أغبياء أو صغار السن ،لكننا لسنا حثالة
»ثم سألت ،وهي تخرج هاتفها« :أين أذهب للحصول على مفتاحيَّ ؟
سنقوم بذلك هناك في البقعة المنعزلة الموجودة عند الكهوف .سأصحبك إلى هناك ،وأعد لكِ الكمبيوتر =،ثم تفعلين م==ا يت==وجب«
».عليك فعله ،وتأخذين الكمبيوتر إلى أصدقائك اللتقاط الصور لمفتاحك العام حتى يتمكنوا من توقيعه عند العودة لمنازلهم
ثم رفعت صوتي قائاًل « :يا إلهي! ثمة شيء آخ==ر! ال أص==دق أن==ني كنت سأنس==ى ذل==ك! «عليكم بمس==ح ه==ذه الص==ور بمج==رد أن
».تسجلوا المفاتيح!» آخر ما نبغيه هو سلسلة من الصور لنا جميعً ا أثناء االتفاق على خطتنا على موقع فليكر
سمعت بعض الضحكات الخافتة العصبية سليمة الني==ة ،ثم أطف==أ خول==و الن==ور ،وح==ال الظالم المف==اجئ دون رؤي==تي ألي ش==يء.
تكيفت عيناي تدريج ًّي ا ،وبدأت في التوجه ناحية الكهف .كان هناك شخص يتحدث خلفي … إنها آنج .اس==تدرت وابتس==مت له==ا،
»هل عنيت ح ًّقا ما قلته بشأن الكيس الذي وضِ ع على رأسك وما إلى ذلك؟«
فأجبتها« :نعم ،لقد حدث ذلك بالفعل .لم أخبر أح ًدا به من قبل ،لكنه حدث ».فكرت لحظ==ة ،ثم ت==ابعت الح==ديث« :أتعلمين ،م==ع
مرور الوقت دون اإلفصاح عما حدث ،بدأ يبدو ككابوس .كانت تجربة عصيبة ح ًّقا ».توقفت ،وصعدت إلى الكهف« .يسعدني
».البوح بذلك أخيرً ا .لو ظل حبي ًسا بداخلي أكثر من ذلك ،لكنت قد بدأت أشك في صحتي العقلية
وضعت الكمبيوتر المحمول على صخرة جافة ،وبدأت تشغيله باستخدام قرص الفيديو الرقمي وهي تراقبني« .س==أعيد التش==غيل
».مع كل شخص .هذا قرص نظام «بارانويد لينكس» قياسي ،لكن أظن أنكم ستثقون بكلمتي هنا
.إلحداث نوع من العشوائية ،ولصوت األمواج المتكسرة على الشاطئ ،ولضوضاء االحتفال حيث توجد الجعة
ً
حاملة الكمبيوتر المحمول الذي ظهر على شاشته بحروف مضيئة بيض==اء مفتاحُه==ا الع==ام ،وبص==متها، خرجت الفتاة من الكهف
.وعنوان بريدها اإللكتروني .رفعت الشاشة بجوار وجهها ،وانتظرت حتى أخرجت هاتفي
صورة لها وللشاشة .اتسم األمر بالبهجة والمرح .تمتعت تلك الفتاة بشخصية فاتنة ح ًّقا … تجعلك ال ترغب في الضحك عليها،
وإنما معها .يا إلهي ،كان األمر مرحً ا ح ًّقا! لقد أعلنا حربًا سرية على الشرطة السرية .من كنا نظن أنفسنا؟
وعلى مدار الساعة التالية أو نحوها ،أخ==ذ الجمي==ع يلتقط==ون الص==ور ويص==ممون المف=اتيح .ك==ان عليَّ االلتق==اء بك==ل ش==خص في
الحفل .كنت على معرفة بالكثير منهم — فبعضهم دعوته بنفسي — واآلخرون أصدقاء أص==دقائي أو مقرب==ون لهم .ل==زم علين==ا
ً
أفرادا صالحين .أن نكون جمي ًعا أصدقاء مقربين .وهكذا كان الحال بالفعل في نهاية الليلة؛ كانوا جميعً ا
ما إن انتهى الجميع حتى ذهب خولو لتصميم مفتاح==ه ،ثم اس=تدار مبتع= ًدا ومبتس=مًا في وجهي ابتس=امة خجول=ة ،لكن=ني كنت ق==د
تجاوزت غضبي منه؛ فكان يفعل ما ينبغي له فعله .كنت أعلم أنه مهما قال ،فسيظل دائمًا موجو ًدا لمؤازرتي .لق==د دخلن==ا س==جن
.وزارة األمن الوطني م ًعا ،وكذلك فان .ومهما حدث ،فسيظل ذلك الحدث يربط بيننا لألبد
صممت مفتاحي ،ودرت على الحضور ليلتقط لي ك ٌّل منهم صورة .وبعد ذلك ،صعدت إلى البقعة العالية التي تحدثت من فوقها
أظن أن كثيرين منكم قد الحظوا وجود خلل خطير في هذا اإلجراء ،أال وهو :ماذا إذا كان ه==ذا الكم==بيوتر المحم==ول ال يمكن«
»بالثقة؟
.سمعت المزيد من الضحكات الخافتة سليمة النية التي عكست قدرً ا أكبر من األلفة وتأثير الجعة
أعني ما أقوله ح ًّقا .إذا لم نسر على الطريق السليم ،يمكن أن يوقعنا ذلك جمي ًعا — يوقعكم جمي ًعا — في مشكالت ال حص==ر«
واصلت حديثي« :ولذلك ،سأفعل هذا» ،رفعت مطرقة كنت قد جلبتها من صندوق أدوات والدي .وضعت الكم==بيوتر المحم==ول
ولوحت بالمطرقة في حين س=لط خول==و ض=وء سلس=لة مفاتيح=ه عليَّ أثن=اء التل=ويح .هش==مت الجه=از …
بجانبي على الصخرةَّ ،
.لطالما حلمت بتحطيم كمبيوتر محمول بالمطرقة ،وها أنا ذا أفعل ذلك .غمرني شعور رائع … وسيئ في الوقت نفسه
طرااخ! تنهار الشاشة إلى ماليين القطع الصغيرة لتكشف عن لوحة المفاتيح .واصلت الض=رب إلى أن تحطمت لوح==ة المف=اتيح
لتكشف عن اللوحة األم ومحرك األقراص الصلبة .طرااخ! صوبت هذه المرة مباشرة على محرك األق==راص الص==لبة ،ض==اربًا
إياه بكل ما أوتيت من قوة .ضربته ثالث مرات قبل أن ينفلق الصندوق ليكشف عن الوسائط الدقيق==ة داخل==ه .واص==لت الض==رب
إلى أن لم يتبق به شيء أكبر من قداحة السجائر ،ثم وضعت كل ه==ذا الحط==ام في كيس قمام==ة .أخ==ذ الجم==ع يهت==ف بق==وة ،وعال
.الصوت لدرجة أقلقتني من أن أح ًد ا في مكان ما بأعلى قد يسمع صوتنا الذي عال على صوت األمواج ،فيطلب الشرطة
».هتفت فيهم« :حس ًن ا! واآلن ،إذا أردتم مصاحبتي ،فسآخذ هذا الكيس للشاطئ ،وأتركه في الماء المالح لعشر دقائق
لم يستجب أحد لدعوتي في البداية ،ثم تقدمت آنج وأمسكت بذراعي في يدها الدافئة ،وهمست في أذني« :كان ذل==ك جمياًل » ،ثم
كان الظالم دام ًس ا عند البحر ،ويوحي بالخطر حتى مع أضواء سالسل المفاتيح التي كانت معنا .الصخور حادة وزلق=ة يص=عب
السير عليها ،ناهيك عن محاولة التوازن بكيس بالستيكي ممل==وء بس==تة أرط==ال من اإللكتروني==ات المحطم==ة .زلَّت ق==دمي م==رة،
وظننت أنني سأجرح نفسي ،لكنها أمسكت بي بقبضة قوية على نحو مدهش ،وساعدتني في الحف==اظ على ات==زاني .قرَّ ب==ني ذل==ك
.منها لحد سمح لي بأن أشم رائحة عطرها الذي شابه رائحة السيارات الجديدة .أحببت تلك الرائحة
قلت لها« :شكرً ا» ،وأنا أنظر في عينيها الكبيرتين الل=تين ب=دتا أك=بر ع=بر نظارته=ا ذات اإلط=ار األس=ود والط=ابع الرج=الي .لم
أستطع تحديد لونهما في الظالم ،لكن==ني خمنت أنهم==ا داكنت==ان بن==ا ًء على ش==عرها ال==داكن وبش==رتها الخمري==ة .ب==دت من المنطق==ة
=حكت .لم جثمت وأنزلت الكيس في البحر تار ًكا الماء المالح يغمره .أنزلت قدمي قلياًل وغم==رت ح==ذائي في الم==اء .س= ُ
=ببت ،فض= ْ ُ
.ننطق تقريبًا بأية كلمة منذ= بدأنا السير نحو البحر .كان ثمة شيء ساحر في صمتنا ذلك
لم أكن آنذاك قد قبَّلت في حياتي سوى ثالث فتيات فقط ،هذا فضاًل عن الفتيات التي قبلتني لحظ==ة ع==ودتي للمدرس==ة واس==تقبالي
استقبال األبطال .ليس ذلك برقم هائل ،لكنه ليس بالصغير ً
أيض=ا .ك==انت ل==دي ق==درة معقول==ة على استش==عار م==ا تري==ده الفتي==ات،
وأظن أنه كان بوسعي تقبيلها .لم تكن مثيرة بالمعنى التقليدي ،لكنْ ثمة شيء يوحي به اجتماع فتاة وشاطئ وليل .هذا باإلضافة
لكنني لم أقبِّلها أو أمسك يدها .أمضينا — بداًل من ذلك — لحظات ال أجد لها وص ًفا سوى أنها روحاني==ة .األم==واج المتكس==رة،
ُ
وتنهدت .يا لها من رحلة شاقة! ك==ان ال ي=زال أم=امي الكث==ير ألفعل==ه من والليل ،والبحر ،والصخور ،وأنفاسنا .طالت اللحظات،
.كتابة في تلك الليلة ،ووضع كل هذه المفاتيح في سلسلة مفاتيحي ،وتوقعيها ثم نشرها ،لتبدأ بذلك شبكة الثقة
•••
بعد انقضاء الحفل ،انتظر خولو صديق أخيه لي==أتي ويأخ==ذ ص==ناديق الب==يرة .س=رت م==ع ب==اقي الحض==ور على الطري==ق وص==واًل
ألقرب محطة حافالت ،وصعدت على متن إحداها .لم يستخدم أيٌّ منا ،بالطبع ،تذكرة رسمية .ك==ان مس==تخدمو «إكس نت» ق==د
اعتادوا نسخ تذاكر ح=افالت أش=خاص آخ=رين ً
ثالث==ا أو أرب=ع م=رات يوم ًّي=ا ،وانتح=ال هوي==ة جدي==دة في ك=ل م=رة يركب==ون فيه=ا
.الحافالت
كان من الصعب البقاء هادئين في الحافلة .كنا جمي ًع ا سكارى بعض الشيء ،والنظر في وجوهنا في أضواء الحافلة البراقة كان
مدعاة للضحك .عال صوتنا كثيرً ا ،واستخدم السائق نظام االتص=ال ال==داخلي ليطلب من=ا خفض أص==واتنا م=رتين ،ثم أخبرن==ا في
أثار ذلك ضحكنا مرة أخرى ،ونزلنا من الحافلة وسط مجموعة من األفراد اآلخ==رين قب==ل أن يتص==ل بالش==رطة بالفع==ل .وص==لنا
آنذاك لحي نورث بيتش؛ حيث كان الكثير من الحافالت وسيارات األجرة ومحطة بارت في شارع ماركت والمقاهي والن==وادي
.ذات الالفتات المضاءة بمصابيح النيون؛ ما فرَّ ق جمعنا ،وذهب ك ٌّل منا في طريق
وصلت إلى المنزل ،وقمت بتشغيل «إكس بوكس» الخاص بي .بدأت تسجيل المفاتيح من شاشة هاتفي .كان عماًل مماًّل ويبعث
.كان رأسي قد أوشك على السقوط عندما ظهرت نافذة رسالة فورية جديدة على الشاشة
»!أيها البطل«
:لم أتعرف على االسم المستعار — سبيكسجريل — لكنني خمنت من يكون المتحدث .كتبت بحذر
»!مرحبًا«
وأنا كذلك ،فقلما ألتقِي شابات ذكيات يتمتعن= في الوقت نفسه بالجاذبية وال==وعي االجتم==اعي .ي==ا إلهي! إن==ك ال تعطين الفتي==ات«
».فرصً ا كثيرة
َّ
.دق قلبي بقوة بين أضلعي
ً
بقشيش=ا؛ فهن يجته==دن في عملهن .س=أظل هن==ا ط=وال« مرح ًب==ا ،ه==ل من أح==د هن==ا؟ إن==ني أه==رم هن==ا .ال َ
تنس إعط==اء الن==ادالت
».األسبوع
».أنا هنا … أنا هنا! لم أتمكن من الكتابة فقط بسبب الضحك الشديد«
.امممم
»أصحبك؟«
حس ًنا ،سأصحبك أنا إذن .يوم السبت … متنزه دول=وريس … حف=ل موس==يقي غ==ير ق=انوني في اله==واء الطل=ق .إن لم ت=ذهب«،
»انتظري! ماذا؟«
»ألم َّ
تط لع على شبكة «إكس نت»؟ الموضوع منتشر للغاية .هل سمعت من قبل عن فرقة «سبيدهورز»؟«
كدت أختن==ق؛ فق==د ك=انت ه==ذه فرق==ة ت==رودي دو ،وت=رودي دو هي الم=رأة ال=تي دفعت لي ولخول=و الم=ال لتح==ديث ك=ود الش==بكة
.المستقلة
».نعم ،سمعت عنها«
ستقيم هذه الفرقة حفاًل ضخمًا ،وقد تمكنت من التعاقد م==ع نح==و خمس==ين فرق==ة إلحي=اء الحف==ل .س==يقيمونه على مالعب التنس«،
شعرت أنني مغيَّب عما يدور ح=ولي .كي==ف ف=اتني ذل==ك؟ ك=ان هن=اك متج=ر كتب يتس=م بالفوض=وية في ش=ارع فالينس==يا اعت==دت
المرور عليه أحيا ًنا في طريقي إلى المدرسة .علَّق ذلك المتجر ملص ًقا لصورة إحدى الثائرات ُت َ
دعى «إيما جول==دمان» وتحته==ا
تعليق« :إن لم يمك ِّني الرقص ،فال أريد أن أكون جزءًا من ثورتكم ».بذلت ك==ل طاق==اتي في البحث عن كيفي==ة الس==تخدام ش==بكة
«إكس نت» في تنظيم مناضلين مخلصين يتمكنون من التشويش على جهود وزارة األمن الوطني ،لكن ذلك ك==ان أك==ثر تم= ً
=يزا.
.حفل موسيقي ضخم … لم تكن لدي أدنى فكرة عن كيفية إقامة حفل كهذا ،لكنني سعدت بأن ً
أحدا ما تمكن من ذلك
.اآلن ،وبعد أن فكرت في األمر ،شعرت بفخر شديد الستخدامهم شبكة «إكس نت» في فعل ذلك
•••
كنت مره ًق ا للغاية في اليوم التالي .فقد استمرت محادثتي مع آنج — باألحرى مغازلتي لها — حتى الرابع==ة ص==باحً ا .ولحس==ن
حظي ،كان يوم السبت وتمكنت من النوم حتى وقت متأخر .لكن نظ=رً ا لت=أثير الخم=ر وع==دم الن=وم الجي=د ،كنت بالك=اد أس==تطيع
.ترتيب أفكاري
بحلول وقت الغداء ،نهضت من السرير ،ونزلت إلى الشارع .تهاديت وصواًل إلى مقهى التركي لشراء قهوتي .اعتدت في تل==ك
.األيام شراء قهوتي من هناك عندما أكون وحدي ،كما لو كنت أنا والتركي قد صرنا عضوين في تنظيم سري
في طريقي إلى المقهى ،مررت بالكثير من رسوم الجرافيتي حديث==ة اإلنش==اء .أحببت الجرافي==تي في حي ميش==ن؛ إذ ك==ان يتمث==ل
عاد ًة في جداريات ضخمة مزخرفة أو رسوم تهكمي=ة= يطبعه==ا طالب الفن==ون باإلستنس==ل .م==ا أعجب==ني ه==و اس==تمرار الرس==امين
الجداريين في حي ميشن فيما يفعلونه رغم مراقبة رجال وزارة األمن الوطني ،وهو ما أظنه صورة أخرى من صور اس==تخدام
شبكة «إكس نت»؛ فال بد أنهم امتلكوا كافة السبل لمعرفة ما كان يحدث ،ومن أين يأتون بالطالء ،وم=ا الك=اميرات ال=تي ك=انت
توقفت ،وأخذت أفكر :هل غادر أحد «حفلتي» الليلة الماضية ،وجاء إلى هنا بعلبة طالء؟ فقد كان الكثير من الحضور يقطنون
.ذلك الحي
حصلت على قهوتي ،وتجولت بأنح=اء المدين==ة =.أخ==ذت أفك==ر فيم=ا إذا ك==ان عليَّ االتص=ال بأح==د ومعرف=ة م=ا إذا ك=انوا يري==دون
الحصول على فيلم أو أي شيء آخر .هكذا كان الحال في أيام السبت المليئة بالكس==ل .لكن بمن سأتص==ل؟ ف==ان ال تتح==دث معي،
أخذت قهوتي ،وعدت للمنزل ،وبحثت قلياًل على مدونات «إكس نت» .تلك المدونات مجهولة المؤلِّف ال يمكن تتبع ُك َّتابه=ا ،إال
إذا كان المؤلف على قدر من الغباء ليضع اسمه عليها .ويوجد عدد كبير منها ،وأغلبها ال عالقة له بالسياسة ،لكن الكث==ير منه==ا
.لم يكن كذلك ح ًّق ا؛ فتناولت موضوعات عن المدارس وما تشهده من ظلم ،ورجال الشرطة ،والرسم على الجدران
اكتشفت أن خطط الحفل في المتنزه قد انتشرت على الشبكة منذ أسابيع؛ إذ تناقلتها الم==دونات لتتح==ول إلى حرك==ة متكامل==ة دون
».أن أالحظها .وحمل الحفل اسم« :ال تثق في أحد أكبر من ٢٥عامًا
.وهذا يفسر من أين أتت آنج بتلك العبارة .كانت شعارً ا ً
جيدا
•••
صبيحة يوم اإلثنين قررت التحقق من متجر الكتب الفوضوي مجد ًدا ،وأرى ما إذا كان بإمك==اني الحص==ول على أح==د ملص==قات
مررت بشارع ١٦وحي ميشن في طريقي للمدرسة ،ثم شارع فالينسيا وعبرته .وجدت المتجر مغل ًقا ،لكنني ع==رفت مواعي==ده؛
.إذ كانت مكتوبة على الباب وتأكدت من أن الملصق ال يزال معل ًقا به
اندهشت أثناء سيري في شارع فالينسيا من ك ِّم المرات التي رأيت فيها شعار «ال تثق في أحد أكبر من ٢٥عامًا»؛ فقد عرض
نصف المتاجر بضائع عليها الشعار؛ من علب غذاء ،وتي شيرتات ،ومقالم أقالم رصاص ،وقبعات .أما متاجر الهيبيز =،فكانت
أسرع بالتأكيد في هذا الشأن .وبانتشار األفكار الجديدة على اإلن==ترنت في غض=ون ي==وم أو اث==نين ،ص==ارت المت==اجر أفض==ل في
عرض بضائعها في واجهات العرض لتتماشى مع هذه األفكار ،فربم==ا يهب==ط مقط==ع في==ديو طري==ف على موق==ع يوتي==وب لرج==ل
ينطلق بمركب=ات نفاث=ة من م=اء الص=ودا ليهب=ط في ص=ندوق بري=دك ي=وم اإلث=نين =،وبحل=ول ي=وم الثالث=اء ،تتمكن من ش=راء تي
لكنه من المذهل أن ترى ش=ي ًئا ينتق=ل من ش=بكة «إكس نت» إلى مت=اجر بي=ع األدوات ال=تي تهم مس=تخدمي المخ=درات .وتوج=د
سراويل جينز مس==تعملة مكت==وب عليه==ا بعناي==ة الش==عار بقلم الح==بر الج==اف المس==تخ َدم في الم==دارس الثانوي==ة بعناي==ة ،فض=اًل عن
كان مكتوبًا ،وشعرت كما لو كانت الكلمات تبادلنا االبتسام .كان هناك شيء مبهج للغاية في فكرة أنه بإمكاننا جمي ًعا الوثوق في
.بعضنا البعض ،وأن العدو يمكن تحديده =.كنت أعلم أن ذلك لم يكن صحيحً ا تمامًا ،لكنه لم يكن خاط ًئا تمامًا أيضًا
دخلت السيدة جالفيس ،ملَّ َست على شعرها ،ووضعت الكمبيوتر المحمول المدرسي الخاص بها على مكتبه==ا ،وق==امت بتش==غيله.
.التقطت الطبشورة ،واستدارت لتواجه السبورة؛ فضحكنا جمي ًعا … بسالمة نية ،لكننا ضحكنا
استدارت لنا ،وكانت تضحك هي أي ً
ضا .قالت« :يبدو أن الغرور قد أص==اب ك==اتبي الش==عارات في ه==ذه البالد .كم منكم يعلم من
نظر ك ٌّل منا لآلخر ،وقال أحدنا« :الهيبيز؟» فضحكنا .ينتشر ه=ؤالء الهيب=يز في جمي=ع أنح=اء س=ان فرانسيس=كو ،س=واء الن=وع
القديم منهم من متعاطي المخدرات ذوي الذقون القذرة والتي شيرتات المصبوغة ،أو النوع الجديد األكثر تأن ًقا ،والذين يهتم==ون
.بممارسة ألعاب تافهة أكثر من احتجاجهم على أي شيء على أرض الواقع
حس ًنا ،إنهم الهيبيز =.لكننا عندما نفكر في الهيبيز اآلن ،ال نفكر إال في المالبس والموسيقى .والمالبس والموس=يقى من األم=ور«
لقد سمعتم عن حركة الحقوق المدنية التي هدفت للقض==اء على التمي==يز العنص==ري .ش==باب أمث==الكم من ال==بيض والس==ود اس==تقلوا
حافالت إلى الجنوب لدعم حق السود في االنتخاب ،واالحتجاج على التمييز الع==رقي الرس==مي للدول==ة .ك==انت كاليفورني==ا إح==دى
المناطق الرئيسية التي ظهر فيها قادة الحقوق المدنية =.كنا دومًا أكثر اهتمامًا بالسياسة من باقي الدولة .هذا فضاًل عن أننا أيضًا
الجزء الذي تمكن فيه السود من الحصول على وظائف بالمصانع التابعة للنقاب==ات العمالي==ة مث==ل ال==بيض؛ ومن ثم ك==انوا أفض==ل
كان الطالب في بيركلي يرسلون باستمرار أعدا ًدا كبيرة من الرُّ ك=اب األح=رار إلى الجن=وب ،وك=ان اختي=ارهم يتم من ط=اوالت
استعالمات خاصة في الحرم الجامعي عند تقاطع شارعي بانكروفت وتيليج==راف .ولعلكم الحظتم وج==ود ه==ذه الط==اوالت ح==تى
.يومنا هذا
حاولت الجامعة إيقافهم ،ومنع رئيس الجامعة العمل السياسي في الحرم ،لكن شباب الحقوق المدنية م==ا ك==انوا ليتوقف==وا .ح=اولت
الشرطة إلقاء القبض على طالب سابق بالجامعة كان يوزع منشورات من إحدى هذه الطاوالت ،ووضعوه في عرب==ة الش==رطة،
لكن ٣٠٠٠طالب حاصروا الشاحنة ورفضوا أن تتزحزح من مكانها .لم يدعوهم يأخذون الشاب إلى السجن .وقفوا على سقف
المتطرفة ،مثل جماعات القوة السوداء من قبيل «بالك بانثرز» (الفهود السود) ،وم==ا ظه==ر بع==د ذل==ك من الجماع==ات الحقوقي==ة
للشواذ جنس ًّيا مثل «بين==ك ب=انثرز» ً
أيض=ا ،وك=ذلك الجماع=ات النس=ائية المتطرف==ة ،مث==ل «المنش=قات الس=حاقيات» الالتي أردن
»القضاء على الرجال تمامًا! والييبيز … هل سمع أيٌّ منكم من قبل عن الييبيز؟
.فقلت« :أليس هم من رفعوا البنتاجون؟» شاهدت فيلمًا وثائق ًّيا ذات مرة عن ذلك
فض==حكت الس==يدة ج==الفيس ،وق==الت« :كنت ق==د نس==يت ذل==ك ،لكن نعم إنهم ه==ؤالء! ك==ان الييب==يز أش==به بهيب==يز ش==ديدي االهتم==ام
بالسياسة ،لكنهم لم يكونوا جادين بشأن السياسة مثلما نفكر فيها حال ًّيا .فكانوا مرحين للغاية ومبتك==رين للم==زح .ألق==وا بالم==ال في
بورصة نيويورك ،وأحاطوا بالبنتاجون بآالف المتظاهرين ،ونطقوا بتعويذة سحرية كان من المفترض أن ترفعه وتحلق ب==ه في
الهواء .اخترعوا نوعً ا تخيل ًّي ا من عقار هلوسة يمكن رشه على الناس باستخدام مسدسات الرش ،وأخذوا يصوبونه تجاه بعضهم
=دعى «وايفي
البعض ،ويتظاهرون ب==أنهم تحت ت==أثير المخ==درات .ك==انوا مض==حكين ،وم==ادة تليفزيوني==ة رائع==ة؛ ق==ام أح==دهم ،و ُي= َ
وكانت أهم اللحظات في تاريخهم المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في عام ١٩٦٨؛ حيث دعوا لمظاهرات للتنديد= ب==الحرب
على فيتنام؛ فتوافد على شيكاجو كل يوم اآلالف من المتظاهرين الذين ناموا في المتنزهات ،ورابطوا أمام مقر الم==ؤتمر .نف==ذوا
ال تتع==رض للمراس==لين الص==حفيين ،فأوس==عوا المراس==لين ض==ربًا ،وانتقم المراس==لون منهم ب==أن أظه==روا م==ا ح==دث ح ًّق==ا في تل==ك
كانت عبارة «ال تثق في أحد أكبر من ٣٠عامً=ا» من المق=والت المفض=لة ل==دى الييب=يز ،وقص==دوا به==ا أن من ولِ=دوا قب=ل وقت
معين — وهو عندما كانت أمريكا تحارب أعداء مثل النازيين — م=ا ك=انوا ليفهم=وا أب= ًدا م=ا يعني=ه حب=ك لبالدك بق=در يجعل=ك
ترفض محاربة الفيتناميين =.وكانوا يرون أن==ه ببل==وغ س=ن الثالثين =،تتبل==د مواقف==ك ويص==ير من الص==عب علي==ك فهم س==بب ن==زول
كانت سان فرانسيسكو نقطة االنطالق لتلك األحداث .تأسست الجيوش الثورية هن=ا ،وفجَّ ر بعض=ها مب=اني أو نهب بنو ًك=ا دفاعً= ا
عن قضاياهم .صار الكثير من أولئك الش==باب بع==د ذل==ك أك==ثر أو أق==ل نض==جً ا ،في حين انتهى الم==آل ب==آخرين منهم في الس==جن،
وحقق بعض من لم يكملوا تعليمهم الجامعي منهم إنجازات مدهشة ،مثل ستيف جوبز وستيف وازنياك اللذين أسس==ا ش==ركة أب==ل
قبل مثلما هو اآلن .وفجأة ،بدا أن مظاهرات الشوارع البسيطة غير المثيرة أو المجدية التي أقامها البالغون ليس==ت غ==ير مجدي==ة
.نظرت إليَّ طوياًل ،كما لو كانت تفكر في اإلجابة .لم ينطق أحد ،وترقبنا جمي ًعا سماع ما ستقوله
قالت« :إنهم لم يفشلوا ،لكنهم انهاروا داخل ًّيا بعض الشيء؛ فدخل بعضهم السجن بتهمة المخ==درات أو أم==ور أخ==رى ،وبعض==هم
غيَّر موقفه ،وصاروا مواليين للنظام ،ويذهبون للمحاضرات ليخبروا الجميع كم كانوا أغبياء فيم==ا فعل==وا ،ويتح==دثون عن م==دى
.جشعهم وغبائهم
لكنهم غيَّروا العالم بالفعل؛ فوضعت حرب فيتنام أوزارها ،وفقدت الطاعة العمياء واالمتثال — التي أسماها الناس وطني==ة —
بريقها إلى حد كبير ،وشهدت حقوق السود والم=رأة والمثل=يين= تق=دمًا كب=يرً ا ،ه==ذا فض=اًل عن حق=وق األمريك==يين ذوي األص==ول
المكسيكية ،وحقوق المعاقين ،والمفهوم الشامل للحريات المدنية الذي نشأ أو تعزز على يد هؤالء األفراد .وحركة االحتجاجات
قال تشارلز« :ال أصدق أنكِ تتحدثين عنهم بهذا الشكل ».كان يستند= على كرسيه حتى صار شبه واقف ،ووجهه النحي==ل الح==اد
المالمح قد تحول للَّون األحمر .كانت له عينان كبيرتان المعتان ،وشفتان كبيرت==ان ،وعن==د إث==ارة مش==اعره ،ك==ان يش==به الس==مكة
.بعض الشيء
إن من وصفتِهم لتوِّ ك إرهابيين … إرهابيون حقيقيون؛ لقد فج==روا منش==آت ،وف ًق==ا لقول==ك .ح==اولوا ت==دمير البورص==ة .ض=ربوا«
»!رجال الشرطة ،ومنعوهم من القبض على من كانوا يخرقون القانون .لقد هاجمونا
أومأت السيدة جالفيس برأسها ببطء .كان بوسعي أن أرى أنها تفكر في الكيفية التي ستتعامل به==ا م==ع تش==ارلز ال==ذي ب==دا وكأن==ه
على وشك االنفجار .قالت« :يطرح تشارلز نقطة مهم=ة؛ لم يكن الييب=يز عمالء أج=انب ،ب=ل مواط=نين أمريك=يين .عن=دما تق=ول
»… «لقد هاجمونا» ،عليك أن تحدد من «هم» ومن «نحن» .عندما يكون من يفعل ذلك هم شركاؤك في الوطن
صاح فيها مقاطعً ا ،وقد نهض من على مقع=ده« :ه=راء! ك=انت البالد في حال=ة ح=رب آن=ذاك ،وه=ؤالء الن=اس ق=دموا ي=د الع=ون
والدعم للعدو .من اليسير تحديد= من «هم» ومن «نحن» :إذا كان المرء يدعم أمريكا ،فهو «منا» ،وإن كان ي==دعم من يطلق==ون
األمريكيين ه==و أن األمريك==يين ق==د ذهب==وا إلى فيتن==ام ،وأخ==ذوا يح==اربون على أراض==يها .على الج=انب اآلخ==ر ،رأى البعض أن
.تشارلز كان على حق في أنه يجب عدم السماح للناس بارتكاب ما يخالف القانون
تبادل الجميع نقا ًشا مثمرً ا فيما عدا تشارلز الذي لم يفعل شي ًئا سوى الصياح في اآلخرين ،ومقاطعتهم عند محاولتهم التعبير عن
.آرائهم .حاولت السيدة جالفيس جعله ينتظر دوره في التحدث عدة مرات ،لكنه لم يستجب أليٍّ منها
.كنت أبحث عن شيء بالكمبيوتر المدرسي المحمول الخاص بي ،شيء عرفت أنني كنت قد قرأته من قبل
وجدته ،فنهضت واق ًفا .نظرت إليَّ السيدة جالفيس مترقبة ما كنت سأفعله .تابع اآلخرون في الفصل نظرتها المح ِّدقة ،وه==دَ ءُوا.
.تشارلز نفسه نظر إليَّ بعد فترة قصيرة ،وعيناه الكبيرتان الالمعتان تقدحان كراهية نحوي
قلت« :أري==د ق==راءة ش==يء م==ا عليكم ،إنه==ا فق==رة قص==يرة« :تنش==أ الحكوم==ات بين الن==اس مس==ت ِمدَّة س==لطاتها العادل==ة من موافق==ة
المحكومين ،وإنه عندما يصبح أي شكل من أشكال الحكم في أي وقت من األوقات هادمًا ومدمرً ا لهذه الغايات ،يصبح من ح==ق
الشعب أن يغيِّره أو يطيح به ويش ِّكل حكومة جديدة مقيمًا أساس==ها على المب==ادئ ،ومنظ ًم==ا س==لطاتها وف==ق الكيفي==ة ال==تي تب==دو ل==ه
تنتشر هذه السلسلة في جميع أنحاء المملكة المتحدة ،هذا فضاًل عن منافذها بالقرب من الساحات الرياض==ية في مانه==اتن ودبلين
بأيرلندا .ودخول هذه المتاجر أمر خطير؛ إذ نادرً ا م==ا أخ==رج منه==ا دون المس==اس بمحفظ==تي .وال ريب أن ه==ذه السلس==لة تتمت==ع
بالريادة ح ًّقا فيما يتعلق بتحقيق التواصل بين الجمهور العريض للخي==ال العلمي المع==روض في األفالم والم==واد التليفزيوني==ة من
.ناحية وكتب الخيال العلمي من الناحية األخرى ،ما له أهمية بال شك لمستقبل هذا المجال
***
ألنه بدا لي أن مؤسسي هذه البالد قد قالوا إن الحكومات يجب أال تستمر إال إذا رأينا أنها تعم==ل لص=الحنا ،وإذا لم نع==د نراه==ا«
»!هز تشارلز رأسه ،وقال« :كان ذلك منذ مئات السنين! وقد تغير الحال اآلن
حس= ًنا ،لم يع==د ل==دينا مل==ك مثاًل .إنهم يتح==دثون عن حكوم==ة تأسس==ت ألن الج==د األك==بر ألح==د الحمقى آمن ب==أن ال=رب ق==د كلف==ه«
ماذا؟ من تحدث عن تفجير أية منشآت؟ إن الييبيز والهيبيز وكل هؤالء الناس رأوا أن الحكومة لم تعد تصغي إليهم … انظر«
إلى الطريقة التي عو ِم ل بها من حاولوا دعم حق الناخبين في اإلدالء بأصواتهم في الجنوب! لق==د تعرض==وا للض=رب واالعتق=ال
»…
قالت السيدة جالفيس« :والقتل في بعض األحيان» ،ثم رفعت يديها =،وانتظرت مني أنا وتشارلز أن نجلس ،وقالت« :ك==اد وقتن==ا
ينتهي لهذا اليوم ،لكنني أريد أن أثني عليكم جمي ًعا لواحدة من أفضل الحصص التي درَّ ستها .كانت هذه مناقشة رائعة ،وتعلمت
السياسي تجاه حركات الحق==وق المدني==ة والحرك==ات المناهض==ة للح==رب في منطق==ة الخليج من ناحي==ة ،وردود األفع==ال السياس==ية
الحالية لجهات الحقوق المدنية= تجاه الحرب على اإلرهاب من ناحي==ة أخ==رى .البحث ال يق==ل عن ثالث ص==فحات ،لكن يمكن أن
»نعم يا ماركوس؟«
».كان ذلك رائعً ا .لم تكن لدي كل هذه المعلومات عن حقبة الستينيات«
والسبعينيات أيضً ا .كان هذا المكان دومًا مكا ًنا مثيرً ا للعيش فيه وذلك في أوقات مفعمة باألحداث السياسية .لقد أعجبني كثيرً ا«
».شكرً ا لكِ .وردت الفكرة على ذهني فجأة ،فلم أق ِّدر قط المعنى الحقيقي لهذه الكلمات قبل اليوم«
».قالت وهي تصافحني« :حس ًنا يا ماركوس ،هذا كالم يحب أي معلم أن يسمعه .ال يسعني االنتظار حتى أقرأ بحثك
•••
اشتريت ملصق «إيما جولدمان» في طريقي إلى المنزل ،وألصقته فوق مكتبي وثبَّته على ملصق أس==ود أني==ق .اش==تريت ك==ذلك
ً
مطبوعة عليه عبارة «ال تثق في أحد أكبر من ٢٥عامًا» ،وصورة لشخصي َتي «شارع سمس==م»؛ جروف==ر وإيلم==و، تي شيرت
وهما يطردان البال َغين جوردن وسوزان .أضحكني ذلك ،واكتشفت فيما بعد أنه كان هناك نحو ست مس==ابقات للرس==وم ببرن==امج
«فوتوش==وب» لتص==ميم ش==عار على اإلن==ترنت على مواق==ع مث==ل ف==ارك ،وورث ،١٠٠٠وبيت==ا .وانتش==رت المئ==ات من الص==ور
وجدتني آنج متاحً ا على اإلنترنت ثانية ،وأخذنا نتغازل عبر الرسائل الفورية ح==تى وقت مت==أخر من اللي==ل م==رة أخ==رى .ع==ادت
.الشاحنة البيضاء ذات أجهزة الهوائي ،فأغلقت جهاز «إكس بوكس» إلى أن رحلت الشاحنة .اعتدنا جميعً ا فعل ذلك
تحمست آنج بشدة لهذا الحفل الذي من المتوقع أن يكون مذهاًل ،وقد اشترك فيه عدد كبير للغاية من الفِرق ،ح==تى إن==ه قي==ل إنهم
».كيف سيحصلون على تصريح لما سيحدثونه من صخب طوال الليل في ذلك المتنزه؟ المنازل تحيط به من كل جانب«
».ههههههههه«
لكنني شعرت بشيء من العصبية ،فأنا أصطحب تلك الفتاة الرائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في موعد غ==رامي في عطل==ة
.نهاية األسبوع — أو بمعنى أدق ،هي من كان يصطحبني — إلى حفل صاخب غير قانوني مقام وسط حي مزدحم
•••
.ممتع
بدأ الناس يتدفقون على متنزه دولوريس طوال فترة ما بعد الظهيرة الطويلة ليوم الس==بت ،وق==د ب==رزوا من بين الع==بي األطب==اق
الطائرة ،ومن يتجولون بكالبهم ،وبعض=هم لعب باألطب=اق الط=ائرة أو تج=ول ب=الكالب .لم يكن من الواض=ح ح ًّق=ا كي=ف سيس=ير
الحفل ،لكن كان هناك الكثير من رجال الشرطة والعمالء السريين في المكان .ك==ان من الممكن تحدي==د العمالء الس==ريين؛ ألنهم
مثل الضابطين اللذين أمسكا بي منذ أيام؛ فاتسموا بقصة شعر كاسترو وبنية جسم قوي==ة :رج=ال قص=ار القام=ة ب=دناء ذوو ش==عر
قصير وشوارب غير مهذبة =.تجولوا في المكان بمظهر أخرق غير مريح في بناطيلهم القصيرة الكبيرة وقمصانهم الفضفاض==ة،
.التي أخفت خلفها — بال شك — ترسانة من األسلحة المعلقة فيما بين صدورهم وخصورهم
كان متنزه دولوريس جمياًل مشمسً ا يضم نخياًل ،ومالعب تنس ،والعديد= من التالل واألشجار المنتظمة التي يمكن الركض فيه==ا
.أو االسترخاء عندها .ينام المشردون هناك لياًل ،لكن هكذا كان الحال أيضً ا في أي مكان آخر في سان فرانسيسكو
قابلت آنج في الشارع عند متجر الكتب الفوضوي ،كان ذلك اقتراحي .أدركت فيما بعد أنني ظهرت بمظهر من يحاول أن يبدو
شا ًّبا معاصرً ا أمام تلك الفتاة ،لكنني كنت ألُقسم حينها أنني قد اخترت ذلك المكان ألنه مناسب للمقابلة .عند وصولي إلى هناك،
».وجدتها تقرأ في كتاب اسمه «ارفع يديك على الحائط أيها السافل
أعادت الكتاب لمكانه على الرف ،وأخ=ذت أفك=ر ه=ل من المف==ترض أن أعانقه==ا أم ال؛ فالن=اس في كاليفورني==ا يع==انقون بعض=هم
ضا أحيا ًنا على الوجنتين =.كنت متحيرً ا للغاية بشأن ذلك
.البعض دومًا عند التالقي أو الوداع ،ويقبِّلون بعضهم البعض أي ً
ْ
فحسمت هي المسألة بأن جذبتني نحوها لتعانقني ،وشدَّت رأسي ألس==فل ألص==ل إليه==ا ،وقبَّلت==ني بق==وة على وجن==تي ،ثم دغ==دغت
.عنقي بشفتيها .ضحكت ودفعتها ً
بعيدا
اشتريت بعض الملصقات اللطيفة التي تحمل عبارة «هذا الهاتف مُرا َقب» ،والتي هي مصمَّمة بحجم يتناسب مع وض==عها على
سماعات الهواتف العمومية التي ال تزال تص=طف في ش=وارع «ميش=ن» ،وه=و الحي ال=ذي يمكن أن تص=ادف في=ه ً
أناس=ا غ=ير
.سرنا م ًع ا ،ونسيم الليل يحفنا .أخبرت آنج بما رأيته في المتنزه عند رحيلي
».قالت« :أراهن على أن هناك المئات من الشاحنات التابعة لهم متوقفة بجميع أرجاء الحي .أفضل الشاحنات للقبض عليك
»».نظرت حولنا ،وقلت« :تمنيت أن تقولي شي ًئا من قبيل« :حس ًنا ،ال يمكنهم فعل أي شيء
ال أظن أن هذه هي الفكرة ح ًّقا ،وإنما الفكرة هي وضع الكثير من الم=دنيين= في وض=ع يك==ون على رج=ال الش=رطة في=ه اتخ=اذ«
القرار فيما إذا كانوا سيتعاملون مع هؤالء األفراد العاديين على أنهم إرهابيون أم ال .األمر أشبه قلياًل بالتشويش ،لكن باستخدام
».فهمت ما تعنيه«
البوريتو في حي ميشن تقليد؛ فهو يتسم بثمنه الرخيص ،وكِبر حجمه ،ومذاقه الشهي .تخيل لفائف بحجم البازوك==ا محش= َّ=وة بلحم
مشويٍّ حار ،وجواك==امولي ،وصلص=ة مكس==يكية ح=ارة ،وطم=اطم ،وفاص=وليا مقلي=ة بع=د طهيه=ا ،وأرز ،وبص=ل ،وكزب=رة .إن
».العالقة بين البوريتو ومطاعم «تاكو بيل» مثل العالقة بين سيارات اللعبة «هوت ويلز» وشركة سيارات «المبورجيني
يوجد نحو مائتي مطعم للبوريتو في حي ميشن ،جميعها كريه للغاية ،والمقاعد فيها غير مريح=ة ،وتك=اد تخل=و من ال=ديكور —
بعض الملصقات السياحية المكسيكية الكئيبة= والصور الثالثي==ة األبع==اد المض==اءة الم==ؤطرة ليس==وع وأم==ه — و ُتع= َ
=زف فيه==ا َ خال
الموسيقى المكسيكية الصاخبة .لعل أهم ما يميزها هو نوع اللحم الغريب الذي يملئون ب=ه اللف=ائف .والمط=اعم الجي=دة ح ًّق=ا تق=دم
.المخ واللسان ،وهما طلبان ال أطلبهما أب ًدا ،لكن من الجيد أن تعرف أنهما موجودان
المكان الذي ذهبنا إليه كان يقدم المخ واللسان؛ ولكننا لم نطلب أ ًّيا منهما .طلبت ش=رائح لحم بق=ري ،في حين طلبت هي ش=رائح
أشبه ببخاخ للفلفل للدفاع عن النفس .وجهت الزجاجة ناحية محتوي==ات الملف==وف ،ورش==ته بم==ادة زيتي==ة حم==راء ص==افية ،وص==ل
»… كابسيسين«
نعم ،المادة الموجودة في بخاخ الفلفل .يشبه ذلك ما تحتويه ه==ذه العلب==ة ،لكن==ه مخف==ف قلياًل ،ومذاق==ه أفض==ل بكث==ير ،لتفك==ر ب==ه«
أعادت لف خبز البوريتو بعناية مثل متعاطي المخدرات الذي يلف س=يجارة ،م==ع ث==ني الط=رفين إلى ال==داخل ،ثم إع=ادة ل ِّفه=ا في
.ورق الفويل .أزالت الورق من أحد الطرفين ،ورفعته إلى فمها مع موازنته على شفتيها
.وإلى أن قضمته ،لم أكن أصدق أنها ستفعلها؛ فما وضعته على طعامها هو في الواقع سالح للدفاع عن النفس
فأجبته==ا« :نعم» ،فأن==ا أحب الطع==ام الح==ار ،وأطلب دو ًم==ا م==ع الطع==ام بنكه==ة الك==اري أرب==ع ثم==رات فلف==ل ح==ار في المط==اعم
.الباكستانية
أتعرف ما تشعر به عندما تتناول قضمة كبيرة من الفجل الحار أو الفجل الياباني أو أي ش=يء من ه=ذا القبي=ل ،وتش=عر بانس=داد
في جيوبك األنفية وقصبتك الهوائية ،وامتالء رأسك بهواء شديد السخونة يحاول الخروج عبر أنفك المرتشحة وعينيك المبللتين
بالدموع؟ والشعور كما لو أن بخارً ا على وشك الخروج من أذنيك مثل الشخصيات الكرتونية؟
فهو أشبه بوضع ي=دك على موق=د س=اخن ،لكن الف=ارق هن=ا ه=و أن=ك ال تض=ع ي=دك =،وإنم=ا الج=زء ال=داخلي بالكام=ل من رأس=ك
.والمريء وصواًل إلى معدتك =.تبلل جسمي بالكامل بالعرق ،وبدأت أختنق
دون أن تنطق آنج بكلمة ،مررت لي مشروب األورتشاتا ،وتمكنت من وضع الشفاطة في فمي ،وأخ==ذت أمص بق==وة ،متجر ًع= ا
هناك مقياس يُس َّم ى مقياس سكوفيل نستخدمه نحن عشاق الطعام الحار لتعيين مدى المذاق الحار للفلفل .الكابسيس==ين الص==افي«
يبلغ نحو ١٥مليون وحدة سكوفيل ،والتاباسكو حوالي .٥٠٠٠٠أما رذاذ الفلفل ،فهو صحي ويبلغ ثالث==ة ماليين =.وه==ذه الم==ادة
ال تتعدى ٢٠٠٠٠٠؛ أي مثل فلفل «سكوتش بونيت» لطيف ،عملت على إعدادها لم==دة ع==ام تقري ًب==ا .وبعض الم==واد القوي==ة ق==د
تصل إلى مليون أو نحو ذلك؛ أي أقوى عشرين مرة من التاباسكو ،وذلك حار للغاي==ة .وم=ع ه=ذه ال=درجات من الطع==ام الح=ار،
».يغمر مخك اإلندورفين تما ًما ،وهو أفضل في تخدير الجسم من الحشيش ،ويعود عليك بالنفع
.بدأ الشعور يعود إلى جيوبي األنفية مجد ًدا =،وتمكنت من التنفس دون لهاث
».قالت لي وهي تغمز بعينها« =:تشعر بمثل هذه النار ،بالطبع ،عند دخولك دورة المياه
!يا إلهي
عند مغادرتنا للمطعم ،وتوجُّ هنا إلى متنزه دولوريس ،طوقت خصري بذراعها ،واكتشفت أن طولها يتناسب م==ع وض==ع ذراعي
حول كتفيها .وهذا شيء جديد؛ فلم أكن بالشاب الطويل قط ،وجميع من واعدتهن كن في نفس طولي؛ الفتيات المراهقات يكبرن
.أسرع من الشباب ،ما يعد قسوة من الطبيعة .كان ذلك لطي ًفا ،و َم َنحني شعورً ا ً
جيدا
انعطفنا إلى شارع ،٢٠وسرنا نحو متنزه دولوريس ،وقبل أن نتقدم خطوة واح=دة ،ش==عرنا ب=الطنين ،ك=ان أش==به بط==نين ملي=ون
نحلة .تدفق الكثير من الناس إلى المتنزه ،وعندما نظرت إليه ،رأيت أن ازدحام==ه ق==د زاد مئ==ات الم==رات عم==ا ك==ان علي==ه أثن==اء
أثارني ذلك المشهد .كانت ليلة جميلة ،وكنا على وشك االحتفال ،االحتفال بحق باألكل والشرب واالبتهاج كما لو أن==ه لن يك==ون
.هناك غد
هرولنا سري ًع ا دون أن ينطق أحدنا بكلمة .امتأل المكان برجال الشرطة ذوي الوجوه المت==وترة ،لكن م==ا ك==ان بإمك==انهم فع==ل أي
شيء؛ فأعداد الناس في المتنزه كبيرة .لست جي ًدا في حصر أع=داد الحش=ود ،لكن الص=حف أش=ارت فيم=ا بع=د إلى أن المنظمين
.قالوا إن عدد= الحضور بلغ ،٢٠٠٠٠في حين قال رجال الشرطة إنه كان ،٥٠٠٠ولعل ذلك يعني أنهم كانوا ١٢٥٠٠
وأ ًّيا كان العدد =،فقد كان أكبر عدد من الناس وقفت بينه في إطار حدث غير قانوني ،وغير مح==دد موع==ده ،وغ==ير حاص==ل على
.تصريح بإقامته
كنا بينهم في لحظة .ال أعتقد أن ذلك الجمع قد ضم أي أحد أكبر من ٢٥عامًا ،وإن كنت ال أستطيع الجزم ب==ذلك .ك==ان الجمي==ع
يبتسم .وقد ضم أي ً
ضا بعض صغار السن ممن ال تتجاوز أعمارهم ١٠أو ١٢عامًا؛ ما زاد شعوري باالرتي==اح ،فم==ا ك==ان أح==د
ليفعل أي شيء أحمق وهناك أطفال في هذه السن في المكان .ال أحد يرغب في أذى أطفال صغار .وك==ان من المتوق==ع فق==ط أن
.اآلخر .لم يتطلب بقاؤنا م ًعا تشابك أصابعنا .كان ذلك للمتعة فقط ،وقد كان ممت ًعا للغاية
كانت الفِرق الموسيقية كلها داخل مالعب التنس ،ومعها اآلالت من الجيتار وأجهزة مزج الصوت واألورج والطبول .اكتش==فت
فيما بعد على شبكة «إكس نت» مجموعة من الصور على موقع فليكر توضح تهريب هذه المعدات إلى داخ==ل المت==نزه ،قطع==ة
تلو األخرى ،في حقائب المالبس الرياضية ،وتحت المعاطف .هذا باإلضافة إلى مكبرات الص=وت الض=خمة ،مث=ل ال=تي تراه=ا
في أماكن إمدادات السيارات ،وبينها كومة من بطاريات السيارات .ضحكت ،فيا لها من براعة! هكذا كانوا سيزودون مع==داتهم
بالطاقة .من حيث وقفت ،رأيت أنها بطاريات سيارة هجين==ة ط==راز «ب==ريس» .أخ==رج أح==دهم محتوي==ات س==يارة ص==ديقة للبيئ==ة
لتوفير الطاقة الالزمة للحفل .امتدت البطاريات إلى خارج المالعب ،وتكومت قبالة السور ،وقُيِّدت بالكوم==ة األساس==ية بأس==الك
.مع ربطها بحلقة السلسلة .أحصيتها … مائتا بطارية! يا للهول! بلغ وزن هذه األشياء ط ًّنا
ال يمكن أن يكونوا قد نظموا ذلك دون بريد إلكتروني ،ومواقع ويكي ،وقوائم بريدي==ة ،وال يمكن ألف==راد بمث==ل ه==ذا ال==ذكاء فع==ل
.ذلك على شبكة اإلنترنت العامة .لقد تم كل ذلك على شبكة «إكس نت» ،أراهن بعمري على ذلك
أخذنا نتنقل بين الجموع لفترة من الوقت أثناء استعداد= الفِرق الموسيقية وتش==اورها م==ع بعض==ها البعض .رأيت ت==رودي دو على
بُعد في مالعب التنس .بدت وكأنها في قفص ،مثل مصارع محترف .كانت ترتدي فانلة مقطعة ب==دون أكم==ام ،وش==عرها عب==ارة
عن ضفائر طويلة ذات لون وردي براق تصل إلى خصرها ،وترتدي س==روااًل عس==كر ًّيا َّ
ممو ًه==ا ،وح==ذاء ض==خمًا ع==الي الرقب==ة
ْ
أمسكت بس==ترة درج==ات بخاري==ة ثقيل==ة ارت==دتها ك==درع ،ولعله==ا ك==انت درعً= ا بجزء معدني فوق األصابع .وبينما كنت أشاهدها،
حاولت التلويح لها ،ربما ألترك انطبا ًعا لدى آنج ،لكنها لم ترني ،وبدوت كاألحمق بعض الشيء ،فت==وقفت .ك=انت الطاق==ة ال=تي
سرت في الحشد مذهلة .نسمع عاد ًة عن «الذبذبات» و«الطاقة» التي تسري في المجموعات الكبيرة من الن==اس ،لكن==ك س==تظن
لكنه ليس صورة بالغية؛ فاالبتسامات على كل وجه كبيرة وتستشري كالعدوى .األجسام جميعها تتح==رك قلياًل م==ع إيق==اع غ==ير
مسموع ،واألكتاف تهتز .الناس يتمايلون في سيرهم ،يتمازحون ويضحكون .األصوات كلها يشوبها التوتر والحم==اس ،كم==ا ل==و
.كانت ألعابًا نارية على وشك االنطالق .وال يسعك فعل أي شيء سوى أن تكون جزءًا مما يحدث … ألنك كذلك بالفعل
عندما بدأت الفرق الموسيقية في العزف ،غلب عليَّ تأثير الحش==د الم==تزاحم .الع==رض األول ك==ان نو ًع= ا من الموس==يقى الش==عبية
الصربية لم أعرف كيفية الرقص على إيقاعها .أعلم كيف أرقص على نوعين بالضبط من الموسيقى :الترانس (أج==ر ق==دميَّ في
المكان ،وأدع الموسيقى تحركني) ،والبانك (أرقص وأضرب األرض بقوة حتى تؤلم==ني ق==دماي أو أش==عر باإلره==اق أو يح==دث
كالهما) .والعرض التالي كان لمجموعة من فناني «الهيب هوب» من أوكالند ،ي==دعمهم فرق==ة ث==راش ميت==ال .وص==عدت بع==دها
.فرقة موسيقى بابل جم بوب ،ثم فرقة سبيدهورز ،وأمسكت ترودي دو بالميكروفون
اسمي ترودي دو ،ومن يثق بي ،فهو أحمق .أبلغ من العمر اثنين وثالثين عامًا ،وبذلك أكون قد تج=اوزت س=ن األهلي==ة للثق==ة«.
ً
مفروغا منه ،وأسمح لآلخرين في ال==وقت نفس==ه لقد ضعت ،وأنا محاصرة بالطريقة القديمة للتفكير؛ فال أزال أرى حريتي أمرً ا
ْ
تحولت إلى ما ه=و أش=به بمعس=كرات عم=ل قس=ري أو س=جون ،وتعلم=ون قيم=ة بسلبي إياها .أنتم أول جيل يشبُّ في أمريكا وقد
»!حريتكم تمامًا
هتفت الجماهير بقوة ،وأخذت ترودي تعزف بسرعة وعصبية على أوتار الجيتار ،في حين كانت عازفة الب==اس المص==احبة له=ا
— وهي فتاة بدينة ضخمة البنيان تقص شعرها كالمثليَّات ،وترتدي حذاء بوت أضخم من حذاء ترودي ،وعلى وجهها ابتسامة
كبيرة للغاية — تعزف معها بسرعة وقوة .أردت أن أقف=ز في مك=اني ،فقف=زت ،وك=ذلك فعلت آنج .أخ=ذنا نتص=بب عر ًق=ا طيل=ة
المساء ،وقد امتأل األفق برائحة عرق أجسامنا ودخ=ان الماريجوان=ا؛ فاألجس=ام الدافئ=ة ك=انت تت=دافع من جمي=ع األنح=اء حولن=ا،
.فأخذنا نردد وراءها أكثر من مرة في صوت أشبه بصوت حيوان ضخم يزأر
عزفت ترودي بعنف على أوتار الجيتار الذي كانت تمسك به ،في حين انضمت إليها عازفة الجيتار األخرى ،وهي فتاة ضئيلة
.الحجم يمتلئ وجهها بثقوب األقراط ،وعلت بصوت موسيقاها إلى أعلى طبقة
هذه مدينتنا! وهذه بالدنا ،ال يمكن إلرهابي أن يسلبنا إياها ما دمنا أحرارً ا .وإذا فقدنا هذه الحرية ،يك==ون النص==ر لإلره==ابيين«.
لنستع ِْد حريتنا! لنستع ِْد حريتنا! فأنتم على درجة كافية من صغر السن والتهور لتعرفوا أنه بإمك==انكم االنتص==ار ،وح==دكم يمكنكم
•••
ُ
رقصت إلى أن بلغت من اإلرهاق درجة عجزت معها عن الرقص ألية خطوة أخرى ،ورقصت آنج بجواري .كن==ا ،في حقيق==ة
األمر ،نحك جسدينا المبللين بالعرق أحدنا باآلخر لعدة ساعات ،لكن ذل==ك لم ي==ثرني على اإلطالق ،ول==ك أن تص==دق ذل==ك أو ال
»!تصدقه .واصلنا الرقص ،وضِ عنا وسط اإليقاع الرائع ،والموسيقى ،والصياح … «لنستعْ=ِد حريتنا! لنستع ِْد حريتنا
عندما لم أعد قادرً ا على الرقص ،سحبتها من يدها وأحكمت هي قبضتها على يدي كم==ا ل==و كنت أنق==ذها من الس==قوط من س==طح
أحد المباني .سحبتني إلى خارج الحشد حيث كان الهواء أكثر برودة وانتعا ًشا .وهناك ،على أطراف متنزه دولوريس ،وقفنا في
الهواء البارد والعرق على جسدينا صار بار ًدا كالثلج في الحال .سرت القشعريرة في جسدينا ،فألقت بذراعيها ح==ول خص==ري،
وقالت آمرة« :لتد ِّفئني!» لم أكن بحاجة لتلميح .عانقتها ،دوت ضربات قلبها بإيق=اع النغم=ات المتس=ارعة على المس=رح ،وال=تي
.قالت« :انزل إلى هنا ،فلم أحضر معي سلمًا» ،حاولت االبتسام ،لكن من الصعب فعل ذلك أثناء التقبيل
كما قلت من قبل ،لم أقبِّل في حياتي سوى ثالث فتيات ،منهن اثنتان لم ُتقبِّال أح ًدا من قبل ،والثالثة اعتادت المواعدة من =ذ= ك==انت
دس=ته
لم تشبه قبلة آنج قبلة أيٍّ منهن؛ فقد جعلت فمها كله ناعمًا ،مثل القلب الناضج ألي==ة ثم==رة ،ولم تقحم لس==انها في فمي ،ب==ل َّ
ً
واحدا .س=معت نفس=ي أت=أوه، برقة ،ومصت شفتيَّ إلى داخل فمها في الوقت ذاته ،فشعرت كما لو أن فمي وفمها قد صارا كيا ًنا
بهدوء ورقة ،نزلنا على الحشائش .رقدنا على جانبينا ،تعلق ك= ٌّل م َّنا ب==اآلخر ونحن نتب==ادل القُب==ل .اختفى الع==الم من حولن==ا ،ولم
َ
.يبق سوى القبل
وصلت يداي إلى مؤخرتها ،خص=رها ،ثم ط=رف قميص=ها … بطنه=ا الدافئ=ة وس=رتها الناعم=ة ،ثم ارتفعت ي=داي ألعلى ببطء.
.تأوهت هي األخرى
قالت« :ليس هنا ،لننتقل إلى هناك ».وأشارت إلى الجانب اآلخر من الشارع؛ حيث كنيسة كبيرة بيضاء هي التي منحت مت==نزه
«ميشن دولوريس» وحي ميشن اسمهما .أمسك ك ٌّل منا بيد اآلخ==ر ،وتحركن==ا س==ريعًا ع==ابرين الطري==ق إلى الكنيس==ة .اص==طفت
ً
ثانية .امتدت يداي في سرعة وج==رأة أمامها أعمدة ضخمة .دفعتني ألستند بظهري على أحد هذه األعمدة ،وسحبت وجهي إليها
همست في فميُ « :تخلَ ع من الخلف ».أثارني ذلك بشدة .مددت يدي إلى ظهرها القوي العريض ،وع==ثرت أص==ابعي المرتعش==ة
على اإلبزيم .تحسسته قلياًل في ارتباك ،متذكرً ا كل النكات ح==ول م==دى س==وء الرج==ال في ف==ك ص==درية النس==اء .وق==د كنت س==ي ًئا
كان صوتها أعلى من أي شيء سمعته من قبل ،صوت أشبه باهتياج بدني ،كما لو أن شي ًئا يخلعك من مكانك … أعلى ص==وت
.توقفت الفرقة الموسيقية عن العزف ،وتغير ضجيج الحشد في االتجاه المقابل من الشارع .شعروا بالذعر والغضب
.سمعت صوت طقطقة عند تشغيل مكبرات الصوت في السيارات ،وبطاريات السيارات في مالعب التنس
»!لنستع ِْد حريتنا«
.كان هتا ًفا متحديًا يشبه صوت الصياح عند ركوب األمواج أو السقوط من أعلى جرف
تحركت قوات الشرطة في صفوف حاملين درو ًعا بالستيكية =،ومرتدين خوذات كخوذة دارث فيدر في فيلم حرب النج==وم ال==تي
تغطي الوجه بالكامل ،وحمل ك ٌّل منهم هراوة سوداء ونظارة لألشعة تحت الحمراء .ب=د َْوا كجن==ود في فيلم ح==ربي ت==دور أحداث==ه
في المستقبل .تقدموا خطوة لألمام معً ا ،وضرب ك ٌّل منهم بهراوته على الدرع التي كانت معه ليطل==ق ص==وت طقطق==ة كانش==قاق
.األرض .ومع كل خطوة ،طقطقة أخرى .وصاروا بذلك يحاصرون المتنزه من كل جانب ،وأخذوا يقتربون
ً
ثانية « :تفرقوا في الحال!» حينذاك حلقت مروحيات فوق المكان ،لكن دون أضواء غامرة .لم يكن ارتداء عال الصوت المدوي
داع ،فق=د ك=انت هن=اك أجه=زة منظ=ار باألش=عة تحت الحم=راء في الس=ماء
قوات الشرطة لنظارات األش=عة تحت الحم=راء دون ٍ
ُ
سحبت آنج قبالة بوابة الكنيسة لنختفي عن نظر رجال الشرطة والمروحيات .أيضًا.
دوى صوت في مكبرات الصوت قائاًل « :لنستع ِْد حريتن==ا!» ك==ان ص==وت ص==ياح ت==رودي دو الث==وري ،وس==معت ص==وت أوت==ار
.جيتارها ،ثم َع ْزف الطبول ،ومن بعده صوت باس عمي ًقا
.ردد الحشد« :لنستع ِْد حريتنا!» وخرجوا من المتنزه ليصلوا إلى صفوف الشرطة
لم أشهد حربًا من قبل ،لكنني علمت في تلك اللحظات ما تكون عليه بالتأكيد .علمت ما يكون عليه الح==ال عن==دما ينطل==ق ش==باب
خائف في هجوم عبر ميدان القتال تجاه قوة معادية ،وهم يعلم=ون م=ا س=يحدث لهم ،لكنهم يركض=ون في وج==ه الع=دو رغم ذل=ك
.ويصيحون في حماس
عال الصوت المدوي« :تفرقوا في الحال!» كان صادرً ا من الشاحنات المتوقفة حول المت==نزه ،وهي الش==احنات ال==تي دخلت إلى
كان ذلك عندما غشي المكان ما يشبه الضباب الرقيق والذي صدر عن المروحي==ات ،وكن==ا على حافت==ه .تس==بب ه==ذا الش=يء في
.شعوري بأن أعلى رأسي على وشك االنفجار ،وبوخز في الجيوب األنفية ،وتورم ودموع في عينيَّ ،وانسداد في حلقي
.كان كرذاذ الفلفل ،وقوته ال تبلغ ٢٠٠ألف وحدة سكوفيل ،وإنما مليو ًنا ونص ًفا .لقد استخدمته الشرطة ضد الحشد
لم أر ما حدث بعد ذلك ،لكنني س=معت م=ا طغى على ص=وت اختن=اقي أن=ا وآنج ،وتعل=ق ك= ٌّل من=ا ب=اآلخر .أواًل ص=وت اختن=اق
.ومحاولة تقيؤ ،ثم تو ُّقف صوت الجيتار والطبول والباس ،ثم سعال
والمروحيات قد غمرت متنزه دولوريس باألنوار حتى صار الوقت أشبه بالصباح .توجهت األنظار كلها إلى المت==نزه ،م==ا ك==ان
.أمرً ا جي ًدا؛ ألنه مع كل هذه األضواء ،صرت أنا وآنج مرئيين تمامًا
.قالت آنج« :ماذا سنفعل؟» كان صوتها مكتومًا خائ ًف ا .لم أثق في قدرتي على التحدث للحظة ،وأخذت أبتلع ريقي عدة مرات
أجبتها« :نبتعد ،هذا كل ما يمكننا فعله :االبتعاد عن هنا ،كما لو كنا نمر بالمكان فحسب .ونتوجه إلى المتنزه ،ثم نستدير يس==ارً ا
».حتى نصل إلى شارع ،١٦كما لو كنا مارين فقط ،وال عالقة لنا بما يحدث
».لن ينجح ذلك ً
أبدا«
كال ،إذا ركضنا فسيطاردوننا ،لكننا إذا سرنا فربما سيعتقدون أننا لم ن==رتكب أي ج==رم ،وي==دعوننا وش==أننا .هن==اك الكث==ير ممن«
».عليهم اعتقالهم .سيشغلهم ذلك طوياًل
امتأل المتنزه باألفراد الذين أخذوا يلهثون وينبشون بأظافرهم وجوه رج==ال الش==رطة .س==حبتهم الق==وات من آب==اطهم ،ثم وض==عت
.األغالل البالستيكية في معاصمهم ،ودفعتهم إلى داخل الشاحنات كما لو كانوا ُدمًى
وهذا ما فعلناه بالضبط .أمسك ك ٌّل منا بيد اآلخر ،وسرنا سري ًعا على نح==و يظه==ر أنن==ا في عجل==ة من أمرن==ا ،كم==ا ل==و كن==ا اث==نين
يرغبان في تجنب مشكالت يحدثها آخرون .وهي الطريقة نفسها التي تتبعها عندما تحاول التظاهر بأنك لم تر متسواًل ما ،أو ال
.ونجحنا
وصلنا إلى ناصية الشارع ،وتابعنا المسير .لم يجرؤ أيٌّ م َّنا على التحدث حتى تجاوزنا مربعين سكنيين .وأخيرً ا ،أخرجت نفسً ا
بلغنا شارع ،١٦وانعطفنا نحو شارع ميشن .كان ذلك الحي ،في المعتاد ،مخي ًفا للغاية في الثانية صباحً ا ي==وم الس==بت ،لكن==ه في
تلك الليلة ،بعث على الراحة بمن يملئونه من مدمني المخ==درات وتجاره==ا ،والع=اهرات ،والس==كارى .لم يكن ب==ه رج=ال ش==رطة
».فأجابت« :المنزل .ما أرغب فيه اآلن هو العودة للمنزل ،والقهوة فيما بعد
وافقتها الرأي .كانت تعيش في شارع هايز فالي .وقعت عيني على س==يارة أج=رة ك==انت تم==ر أمامن==ا ،فص=حت مح==اواًل إيقافه==ا.
.كانت هذه معجزة إلى حد ما؛ فمن الصعب العثور على سيارة أجرة عند الحاجة إليها في سان فرانسيسكو
.فر َّد ت باإليجاب .نظر قائد السيارة إلينا من النافذة .فتحت الباب الخلفي للسيارة حتى ال يرحل
.وضعت يديها خلف رأسي ،وجذبت وجهي نحوها .قبَّلتني بقوة في فمي ،لم تكن قبلة مثيرة جنس ًّيا ،لكنها حميمية
توجهت إلى المنزل ،وقد أصابني الدوار ،وكانت عيناي ت==دمعان =،ومزق==ني الش==عور ب==الخزي؛ ل==تركي ك==ل أولئ==ك المس==تخدمين
.لشبكة «إكس نت» تحت رحمة رجال وزارة األمن الوطني وشرطة سان فرانسيسكو
•••
.صبيحة يوم اإلثنين ،كان فريد بينسان يقف خلف مكتب السيدة جالفيس
وما إن جلسنا على مقاعدنا حتى قال« :السيدة جالفيس لن تدرس لكم هذه المادة من اآلن فصاع ًدا ».تمتع بينسان بن==برة ص==وت
تنم عن الثقة بالنفس ،وهي ما الحظته على الفور .انحنيت لألمام ألتحقق مما يفعله تشارلز ،فوجدت==ه يبتس=م كم=ا ل=و ك=ان الي=وم
»لماذا؟«
فأجاب دون حتى أن يحاول إخفاء مدى سعادته« :تنص سياسة المجلس على عدم مناقشة ش==ئون الم==وظفين م==ع أح==د فيم==ا ع==دا
وواصل الحديث قائاًل « :سنبدأ وح=دة جدي=دة الي==وم ح=ول األمن الوط=ني .تحت=وي أجه=زة الكم==بيوتر المحمول==ة ال=تي معكم على
كانت الشاشة األولى مزينة بشعار وزارة األمن الوط==ني ،والعن==وان الت==الي« :م=ا يجب على ك==ل أم=ريكي معرفت==ه بش=أن األمن
».الوطني
•••
ً
جالس=ا رتبت لقا ًء مع آنج بعد دوام المدرسة في مقهى بالحي الذي تعيش فيه .قف==زت في أح==د قط==ارات ب==ارت ،ووج==دت نفس==ي
خلف رجلين يرتديان بذلتين =.كانا ينظران في صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» التي خصصت صفحة كاملة لخبر «ش==غب
الشباب» في متنزه ميشن دولوريس .كانا يتهامسان حول الخبر ،ثم قال أحدهما لآلخر« :إنهم كمن تعرض==وا لغس==يل مخ أو م==ا
معرفتي بهذه السلسلة أثناء إقامتي في أحد الفنادق في مدينة= «تيرا هوت» في إن==ديانا (ك==ان من المخط==ط أن ألقي خطا ًب==ا الح ًق==ا
في ذلك اليوم بمعهد روز هولمان للتكنولوجيا) .كان المتجر بجوار الفندق ،وكنت بحاج==ة ح ًّق==ا لش==يء أق==رؤه ،م==رَّ على س==فري
على الطريق شهر كامل ،وقرأت كل ما كان في حقيبتي رغم أنه كان ال يزال أمامي خمس م==دن أخ==رى عليَّ زيارته==ا قب==ل أن
أعود لدياري .عندما حدقت في األرفف ،عرضت عليَّ إحدى الموظفات في المتجر المس==اعدة .كنت آن==ذاك ق==د س==بق لي العم==ل
في متاجر للكتب ،وعلمت أن موظ ًفا مطل ًع ا في متجر للكتب أمر رائع للغاية؛ لذا قلت لها« :بالتأكيد» ،وبدأت أشرح لها ذوقي،
طارحً ا أسماء المؤلفين الذين أستمتع بكتاباتهم ،فابتسمت وقالت« :لدي الكتاب الذي تبحث عنه ».وذهبت لتحضر لي نسخة من
روايتي األولى «هائم في المملكة الساحرة» .أخذت أضحك ،وقدمت لها نفسي ،وتبادلنا أطراف حديث رائع عن الخيال العلمي
!حتى إنني تأخرت على موعد الخطاب الذي كنت سألقيه
***
».قالت آنج في اشمئزاز« :عاهرات ،بل في الواقع هذه إهانة للعاهرات الكا َّدات في كل مكان ،إنما هم نفعيون
كن==ا ننظ==ر في مجموع==ة من الص==حف ال==تي اش==تريناها وجلبناه==ا إلى المقهى .تض==منت جميعه==ا أخب==ارً ا عن الحف==ل في مت==نزه
دولوريس جعلته يبدو كحفل لمجموعة من الشباب المعربدين السكارى الذين ه=اجموا الش=رطة .وص=فت ص=حيفة «ي=و إس إي=ه
توداي» ما أسفر عنه «الشغب» من تكلفة ،وتضمن ذلك تكلفة تنظيف مخلفات رذاذ الفلف=ل الناتج==ة عن قناب==ل الغ=از ،وأزم=ات
الربو التي مأل المصابون بها غرف الطوارئ بمستشفيات المدينة ،هذا فضاًل عن تكلفة التعامل مع « ٨٠٠مثير للش==غب» أُلقي
.القبض عليهم
قلت له==ا« :الحقيق==ة على ش==بكة إكس نت ».كنت ق==د حفظت مجموع==ة من الم==دونات ومق==اطع الفي==ديو والص==ور على ه==اتفي،
فعرضتها عليها .تضمنت تلك المواد روايات لشهود عيان ض ُِربوا وتعرضوا لقناب=ل الغ==از .وأوض=ح الفي==ديو أنن=ا كن=ا ن=رقص،
ونلهو ،ونلقي خطبًا سياسية سلمية ،ونهتف بعبارة «لنستعْ=ِد حريتنا!» وترودي دو تحدثنا عن أننا الجي==ل الوحي==د ال==ذي يمكن أن
».ما ،لكن كل ما يعرضونه اآلن هو جريمة ،أما الخالف فهو أكبر بكثير
حس ًنا ،فهمت ما تقصدينه =.لماذا إذن ال يفعلون ذلك؟ يكاد الصحفيون ال يبحثون في الم==دونات ،ناهي==ك عن تتب==ع ش==بكة «إكس«
»ماذا؟«
اكتب كل شيء ،وضعه في مكان واحد ،مع كل الروابط .مكان واحد يمكنك الرج==وع إلي==ه يه==دف ألن تص==ل إلي==ه الص==حافة«،
وتتضح لها الصورة كاملة .وصِ له بتعليمات االستخدام على شبكة إكس نت .يمكن لمستخدمي اإلن==ترنت الوص==ول إلى الش==بكة،
».شريطة أال يكونوا يهتمون بمعرفة وزارة األمن الوطني لما يتصفحونه
أنزلت القهوة من يدي ،أمسكت بهاتفي ،ووضعته في جيبي .نهضت من مكاني ،ورحلت سريعً ا .خرجت من المقهى ،واخ==ترت
.اتجاهًا عشوائ ًّي ا ،وواصلت المسير .توتر وجهي ،وتدفق الدم إلى معدتي التي اضطربت بدورها
أخذت أفكر« :إنهم يعلمون من َ
أنت .يعلمون من هو مايكي ».إذا اكتشفت آنج ذلك ،فمعناه أن وزارة األمن الوطني قد توصلت
إليه أي ً
ض ا .لقد هلكت .علمت منذ إطالق سراحي من شاحنة وزارة األمن الوطني أنه سيأتي اليوم الذي يلقون القبض في==ه علي،
.كادت آنج تمسك بي عند وصولي إلى شارع ماركت ،وكانت تلهث بشدة ،وبدا عليها الغضب الشديد
توقفت ،ونظرت إليها .اهتزت صورتها أمام عينيَّ .لم يمك ِّني التركيز على أي ش=يء ،وش==عرت برغب=ة في القف=ز إلى منتص=ف
.الطريق أمام إحدى عربات الترام التي كانت تمر سري ًعا بجوارنا؛ إذ كنت أفضل الموت على القبض علي مرة أخرى
صاحت آنج باسمي ،ثم فعلت شي ًئا ال أرى الناس يفعلونه إال في األفالم؛ لق==د ص==فعتني … ص==فعتني ص==فعة قوي==ة على وجهي،
يا إلهي! أنا آسفة .السبب الوحيد وراء معرفتي بهويتك= هو ابتزازي لخولو .بعد الحفل ،تتبعتك قلياًل في محاولة لمعرفة ما إذا«
كنت شخصً ا لطي ًفا ح ًّقا كما بدا عليك أم أنك قاتل متخفٍّ .مضى على معرف=تي بخول=و ف=ترة طويل=ة ،وعن=دما س=ألته عن=ك ،أخ=ذ
يتحدث عنك كما لو كنت أحد العظماء ،لكنني استشعرت أن ثمة شي ًئا يخفيه عني ،فقد مضى على معرفتنا ف==ترة طويل==ة ،وك==ان
يواعد أختي الكبرى في معسكر الكمبيوتر عندما كان ص==غيرً ا في الس==ن .كنت أعلم عن==ه بعض األم==ور الس==يئة ،فأخبرت==ه أن==ني
».وبالتالي أخبركِ «
».كال ،أخبرني أن أذهب للجحيم .ثم أطلعته على شيء يتعلق بي لم أخبره ألحد من قبل قط«
»ما هو؟«
نظرت إليَّ ،ثم حولنا ،ثم إليَّ ثانية ،وقالت« :حس ًنا ،لن أجعلك تقسم على الحفاظ على السر ألن ذلك ال معنى له؛ فأن==ا إم==ا أث==ق
فدخلت سري ًعا إلى المكتب حيث كانت ست نسخ ،وضعت إحداها في حقيبتي ،وغادرت المك==ان .وعن==دما وص==لت إلى الم==نزل،
».مسحتها ضوئ ًّي ا ،ورفعتها على أحد خوادم حزب القراصنة في الدنمارك
ت من فعل ذلك؟«
»هل أن ِ
».تورد وجهها خجاًل ،وقالت« :نعم
يا للهول!» كان ذلك خبرً ا مذهاًل ؛ فقد صرح مجلس التعليم أن اختبارات قانون «تحس==ين تعليم األطف==ال» ق==د تكل==ف وض==عها«
عشرات الماليين من الدوالرات ،وسيضطر المجلس إلنفاق هذا المبلغ ثاني==ة بع==د تس==رب االختب==ارات ،ووص==فوا الح==ادث بأن==ه
«إرهاب تعليمي» .واستمرت التنبؤات بال نهاية في األخبار بش==أن ال==دوافع السياس==ية لمُس==رِّ ب االختب==ارات ،وم==ا إذا ك==ان ذل==ك
ً
ساخطا صا ،أو متعه ًدا حكوم ًّيا
.احتجاجً ا من أحد المدرسين ،أو كان المسئول أحد الطالب ،أو ل ًّ
»هل «أنتِ» من فعل ذلك؟«
».نعم ،أنا«
ت خولو بذلك«
»… وأخبر ِ
ألنني أردته أن يتأكد من أنني سأحافظ على السر .وإذا اطلع على سري ،فسيكون لديه م==ا يمكن==ه اس==تخدامه ض==دي لل==زج بي«
»».في السجن إذا فتحت فمي .شيء مقابل شيء ،كما ورد في حوار في فيلم «صمت الحمالن
».فأخبركِ «
»… لكن«
».أخبرته بعد ذلك بمدى إعجابي بك ،وما كنت أنويه من أن أجعل من نفسي أضحوكة بفرض نفسي عليك .حينذاك ،أخبرني«
.لم أتمكن من قول أي شيء آنذاك .نظرت ألسفل على أصابع قدمي ،فجذبت آنج يديَّ ،وضغطت عليهما
أعتذر عن ضغطي على خولو الستخالص هذه المعلومات منه .قرار اطالعي عليها كان لك ،هذا إن اتخذت َ
أنت هذا الق==رار«
ت
».قلت لها ،وقد بدأت أهدأ بعد أن عرفت كيف علمت بهويتي« :كال ،من الجيد أن تعرفي … أن ِ
».فقالت« :أنا … كما عهدتني
»ما هو؟«
ما من سبيل لقول ما سأقوله دون أن أبدو أحمق ،فسأقوله وحسب .يتواعد الن==اس — أو أ ًّي=ا ك=ان م=ا نفعل=ه — ثم ينفص=لون«.
وعندما ينفصلون ،يغضبون من بعضهم البعض ،ويصل األمر لحد الكراهية في بعض األحي=ان .التفك=ير في ح=دوث ذل=ك بينن=ا
».نوع من برود المشاعر ح ًّقا ،لكن — كما تعلمين — علينا التفكير في هذا االحتمال
أعدك بصدق أال أفشي سرك مهما كان ما ستفعله معي … أ ًّي==ا ك==ان ذل==ك :خي==انتي م==ع فري==ق مش==جعات على س==ريري وأمي«
َ
شاهدة على ذلك … إرغ=امي على س=ماع بريت=ني س=بيرز … ت=دمير الكم=بيوتر المحم=ول الخ=اص بي ،وتحطيم=ه بالمط=ارق،
».وإغراقه في ماء البحر .أعدك بذلك ،أ ًّيا كان ما ستفعله معي على اإلطالق
•••
كان المشروع المهم التالي لمايكي على شبكة «إكس نت» هو إعداد ملخص للروايات الخاصة بحفل «ال تثق في أحد أكبر من
٢٥عامًا» في متنزه دولوريس .صممت أكبر وأفضل موقع يمكنني تصميمه ،وخططت فيه أقسامًا توض==ح الح==دث م==ع تحدي==د
.الموقع والوقت والتصنيف (مثل :عنف الشرطة ،رقص ،في أعقاب الحفل ،غناء) .وحمَّلت الحفل الغنائي بأكمله
بريد إلكتروني من اسم أعرفه ،وهو دكتور إييفل ،أحد القائمين الرئيسيين على تحديث نظ==ام «بارانوي==د لينكس» .وك==ان نص==ها
:كالتالي
»مايكي«
لقد تابعت تجربتك على شبكة «إكس نت» باهتمام شديد .وهنا في ألمانيا ،لدينا خبرة كبيرة فيما يحدث عندما تخرج الحكومة«
».عن السيطرة
ثمة شيء يجب أن تعرفه ،وهو أن كل كاميرا لها «بصمة ضوضاء» مميزة يمكن استخدامها فيما بع==د لرب==ط إح==دى الص==ور«
بكاميرا ما .ويعني ذلك أن الصور ال==تي تعي==د نش=رها على موقع==ك اإللك==تروني يمكن اس==تخدامها للتع==رف على مص==وريها ،إذا
لحس==ن الح==ظ ،اس==تبعاد البص==مات ليس ص==عبًا ،إذا اهتممت بفع==ل ذل==ك .ثم==ة أداة في «بارانوي==د لينكس» لفع==ل ذل==ك يمكن==ك«
لمعرفة المزي==د عنه==ا ،اطل==ع : /usr/bin.استخدامها … اسمها «فوتونوماس» (أي صورة مجهولة) .ستجدها بالمسار التالي
»دكتور إييفل«
ً
ثانية على الموقع ،مع إضافة مالحظ=ة توض=ح م=ا أخ=برني ب=ه ألغيت البصمات من على جميع الصور التي نشرتها ،ثم رفعتها
ضا .كان لدينا جمي ًعا نظام «بارانويد إكس بوكس» األساسي؛ ومن ثم ك==ان
دكتور إييفل ،منبهًا الجميع إلى ضرورة فعل ذلك أي ً
بإمكاننا جمي ًعا جعل صورنا مجهولة المص=در .لكن لم يكن بإمك=اني فع=ل أي ش=يء للص=ور ال=تي تم تنزيله=ا بالفع=ل وتخزينه=ا
كان ذلك كل ما فكرت فيه تلك الليلة إلى أن نزلت لتناول الفطور في الصباح التالي ،وفتحت أمي الراديو لالس==تماع إلى أخب==ار
قال المذيع أثناء شربي لعصير البرتقال« :تعرض وكالة األخبار العربية «الجزيرة» ص==ورً ا ومق==اطع في==ديو ورواي==ات لش==هود
عيان بشأن شغب الشباب الذي شهده متنزه ميشن دولوريس نهاية األسبوع الماض==ي ».تمكنت بالك==اد من من==ع نفس==ي من إلق==اء
.العصير من فمي عبر الغرفة ،لكنني اختنقت به قلياًل
أشار مراسلو الجزيرة إلى أن هذه الروايات قد ُنشِ رت على شبكة سرية اسمها «إكس نت» يستخدمها طلب==ة ومتع==اطفون م==ع«
تنظيم القاعدة في منطقة الخليج .وقد انتشرت الشائعات حول وجود هذه الشبكة منذ فترة طويلة ،لكن اليوم ه==و أول م==رة ُت==ذ َكر
تضمنت المدونات على شبكة «إكس نت» المئات من الروايات وملفات الوسائط المتعددة= المقدمة من شباب حض==روا ح==ادث«
:الشغب ،ويدَّعون أن تج ُّم َعهم كان سلم ًّيا إلى أن هاجمتهم الشرطة .وإليكم إحدى الروايات
لم نفعل شي ًئ ا سوى الرقص .جلبت أخي الصغير معي ،وعزفت الفرق الموسيقية ،وتحدثنا ح=ول الحري=ة وفق=داننا له=ا لص=الح«
األوغاد الذين ي=دَّعون ك==رههم لإلره=ابيين =،وم==ع ذل==ك يهاجمونن==ا رغم أنن==ا لس==نا إره=ابيين =،وإنم==ا نحن أمريكي==ون .أعتق==د أنهم
أخذنا نرقص والفِرق تعزف ،وكان كل شيء ممت ًعا ح ًّقا .بدأت بعد= ذل==ك ق==وات الش==رطة في الص==ياح فين==ا لنتف==رق ،فهتفن==ا بأنن==ا
سنستعيد= حريتنا! هذا يعني أنه ينبغي لنا استعادة أمريكا من قبضتهم .فرشونا ب==رذاذ الفلف==ل .أخي في الثاني==ة عش==رة من عم==ره،
ومنعه ما حدث من الذهاب للمدرسة لمدة ثالثة أيام .أبي وأمي األحمقان يلومانني على ما حدث .م==اذا عن الش==رطة؟ ه==ل ن==دفع
لهم رواتبهم ليوفروا لنا الحماية — كما هو مفترض — فيرش==وننا ب==الرذاذ ب==داًل من ذل==ك دون أي س==بب وجي==ه ،يرش==وننا كم==ا
يمكن االطالع على روايات مشابهة ،سواء مسموعة أو مرئية ،على موقع الجزيرة اإللكتروني وشبكة «إكس نت» .وللتع==رف
».على كيفية الدخول على هذه الشبكة ،ارجع للصفحة الرئيسية لموقع شبكة اإلذاعة العامة الوطنية على اإلنترنت
.سألني« :هل تستخدم شبكة «إكس نت»؟» وأطال النظر في وجهي .شعرت بحرج شديد
فأجبته« :أستخدمها لممارسة ألعاب الفيديو ،هذا م==ا يفعل==ه أغلب الن==اس .ليس=ت س=وى ش==بكة الس==لكية ،وه==ذا م==ا يفعل==ه الجمي==ع
».بأجهزة «إكس بوكس» التي حصلوا عليها مجا ًنا العام الماضي
حملق فيَّ ،وقال« :ألعاب؟ يا ماركوس ،إنك ال تدرك م==ا تفعل==ه ،لكن==ك تحمي َمن يخطط==ون للهج==وم على بالدن==ا وت==دميرها .ال
أردت أن أجادله .يا إلهي ،كم أردت أن أهز كتفيه بيديَّ .لكنني لم أفعل .وما كان مني إال أن نظرت بعي= ًدا ،وقلت ل==ه« :ب=الطبع
•••
في البداية =،شعرت بالراحة عندما علمت أن السيد بينسان لن يستمر في ت=ولي مس==ئولية حص=ة الدراس=ات االجتماعي==ة ،لكن من
.وقع عليها االختيار لتحل محله كانت بمثابة أسوأ كابوس لي
كانت صغيرة السن ،حوالي ٢٨أو ٢٩عا ًم ا ،وجميلة من كافة النواحي ،شقراء تتحدث بلكنة جنوبية رقيقة عندما قدمت نفس==ها
لنا على أنها السيدة آندرسنَّ .
دق ذلك أول جرس إنذار على الفور؛ فلم أعلم أية سيدات تقل أعمارهن عن الستين يقدمن أنفسهن
.بلقب سيدة
.لكنني كنت على استعداد= للتغاضي عن ذلك .فقد كانت صغيرة السن ،جميلة ،وبدت لطيفة؛ ومن ثم ،فما من مشكلة
سألتنا السيدة آندرسن ،وهي تستدير للسبورة لتكتب ص ًّفا من األرقام من واحد إلى عشرة« :ما الظروف التي يجب بموجبها أن
».أجبت دون أن أنتظر اإلذن بالحديث؛ فقد كانت اإلجابة واضحة« :ليس تحت أي ظرف ،فالحقوق الدستورية مطلقة
نظرت في مخطط أسماء الطالب ،وقالت« :ليس ذلك بالرأي المحنك .لنفترض ،يا م==اركوس ،أن أح==د رج==ال الش==رطة أج==رى
تفتي ًشا على نحو غير صحيح؛ فتجاوز — على سبيل المثال — ما هو موضح في مذكرة التف==تيش ،واكتش==ف دلياًل قو ًّي==ا يش==ير
فقاطعتني قائلة« :خطأ! الرد المناسب على سوء تصرف الشرطة هو اإلجراء التأديبي لرجال الشرطة ،وليس معاقب==ة المجتم==ع
».بأسره بسبب خط ِأ شرطيٍّ واحد ».ثم كتبت تحت الرقم واحد على السبورة« :اإلدانة الجنائية
فقالت ،وهي تكتب على السبورة« :نعم ،الكشف عن هوية رجل ش==رطة أو ض==ابط مخ==ابرات متخ==فٍّ .ممت==از! ه==ل من أح==وال
»أخرى؟
اندفع تشارلز مجد ًدا دون أن ينتظر سماع اسمه ،وقال« :األمن الوط==ني ،والتش==هير ،والفحش ،وفس=اد القُص=ر ،وأفالم األطف==ال
اإلباحية ،ووصفات صنع القنابل ».كتبت السيدة آندرسن سري ًعا على الس==بورة ،لكنه==ا ت==وقفت عن==د «أفالم األطف=ال اإلباحي==ة»،
»نعم يا ماركوس؟«
».ال أفهم ذلك! ما تقولينه يجعل من ميثاق الحقوق أمرً ا اختيار ًّيا .إنه الدستور ،ومن المفترض أن نتبعه= بكل ما فيه«
ً
قائلة« :هذه مبالغة معتادة في تبسيط األمور ،لكن الحقيقة هي أن من وض=عوا الدس==تور ق==د ر َّدت علي ،وهي تتظاهر باالبتسام،
هدفوا ألن يكون وثيقة حية ُتع َّدل بمرور الزمن ،وقد أدركوا أن الجمهورية لن تتمكن= من االستمرار لألبد إذا لم تتمكن الحكومة
من الحكم وف ًقا الحتياجات العصر الذي توجد فيه .لم يكن هدفهم مطل ًقا أن يُن َظر للدستور على أنه عقي==دة ديني==ة؛ فهم في النهاي==ة
هززت رأسي ،وقلت لها« :ماذا؟ كال .لقد كانوا تجارً ا وحرفيين اتسموا بالوالء للملك إلى أن وضع سياسات تضر بمصالحهم،
».وفرضها عليهم بقسوة .أما الالجئون الدينيون =،فجاءوا قبل ذلك بفترة طويلة
وميثاق الحقوق ليس بالشيء الذي ننتقي ونختار منه .ما بغضه واضعو الدستور هو االستبداد =،وه==و م==ا ج==اء ميث==اق الحق==وق«
ليمنعه .لقد كانوا جي ًشا ثور ًّي ا ،وأرادوا وضع مجموعة مبادئ يمكن للجميع االتفاق عليها :الحياة ،الحري==ة ،البحث عن الس==عادة،
قالت وهي تل==وح لي« :نعم ،نعم … لق==د آمن==وا بح==ق الش==عب في التخلص من مل==وكهم ،لكن …» علت وج==ه تش=ارلز ابتس=امة
لقد وضعوا ميثاق الحقوق ألنهم رأوا أن التمتع بحقوق مطلقة أفضل من أن نواجه خطر انتزاعها من قبل أي شخص .يتضح«
ذلك في التعديل األول؛ فمن المفترض أن يحمينا من خالل منع الحكومة من إنشاء نوعين من الخطاب :الخطاب المسموح ب==ه،
».والخطاب اإلجرامي .فلم يرغبوا في مواجهة خطر أن يتخذ أحمق ما قرارً ا بأن ما ال يستسيغه غير قانوني
.لقد تقدمنا بعض الشيء في الدرس ،لكن من الواضح أنكم مجموعة متفوقة ».ضحك الطالب بعصبية«
دور الحكومة هو أن تؤمن لمواطنيها الحق في الحياة والحرية والبحث عن السعادة ،به==ذا ال==ترتيب .إذا أرادت الحكوم==ة فع==ل«
شيء ما من شأنه التقليل من سعادتنا ،أو س=لبنا بعض حريتن=ا ،فال ب=أس ،ش=ريطة أن يك=ون اله=دف من ذل=ك ه=و إنق=اذ حياتن=ا؛
ولهذا ،يمكن للشرطة احتجازك إذا رأت أنك تمثل خطرً ا على نفسك أو اآلخرين ،فتسلبك حريتك وسعادتك لتحمي حيات==ك .وإذا
»المستقبل؟
».فقال طالب آخر« :نعم ،يشير ما تقولينه إلى أن األمن الوطني أهم من الدستور
»شعرت بفخر شديد حينذاك بزمالئي ،وقلت« :كيف يمكنك حماية الحرية بتعليق العمل بميثاق الحقوق؟
َّ
هز ت رأسها كما لو كنا أغبياء للغاية ،وقالت« :إن المؤسسين «الث==وريين» أع==دموا الخون==ة والجواس==يس رم ًي==ا بالرص==اص .لم
»… يؤمنوا بالحرية المطلقة ،لم يؤمنوا بها عندما هددت الجمهورية .واآلن ،لتنظروا إلى مستخدمي شبكة «إكس نت» مثاًل
ً
جاهدا أال يبدو عليَّ االنزعاج .حاولت
هؤالء الذين يُطلَ ق عليهم المشوشون والذين ذكرتهم النشرات اإلخبارية هذا الصباح .بعد= تعرض هذه المدينة للهجوم من …«
قلت — أو باألحرى صحت ،فقد أثارت غضبي بشدة« :لقد فعلوا ذلك ليوضحوا أن حقوقنا ق==د ُس=لِبت من==ا بحج==ة حمايتن==ا! لق==د
».فعلوا ذلك ألن الحكومة كانت تعامل الجميع كما لو كانوا إرهابيين مشتبهًا فيهم
».صاح تشارلز« :وأرادوا بالتالي أن يثبتوا أنه يجب عدم معاملتهم كإرهابيين ،فتصرفوا كإرهابيين ،وأرهبوا اآلخرين
ً
غيظا .تميَّزت
باهلل عليك ،أرهبوا اآلخرين؟! لقد أوضحوا أن الرقابة العامة أخطر من اإلرهاب .انظر ماذا حدث في المتنزه في عطلة نهاية«
»األسبوع الماضي ،كان هؤالء الشباب يرقصون ويستمعون إلى الموسيقى .كيف يكون ذلك إرهابًا؟
تحركت المعلمة عبر الفصل ،ووقفت أمامي إلى أن توقفت عن الحديث .قالت« :يبدو ،يا ماركوس ،أنك تظن أنه م==ا من ش==يء
تغير في هذا البلد .ينبغي أن تفهم أن تفجير جس==ر ب==اي ق==د غ==ير ك==ل ش==يء .ترق==د جثث اآلالف من أص==دقائنا وأقاربن==ا في ق==اع
»… الخليج .هذا وقت الوحدة الوطنية في وجه الهجوم الغاشم الذي تعرضت له بالدنا
نهضت واق ًفا ،لقد نلت كفايتي من هذا الهراء المتعلق بأن ك=ل ش=يء ق=د تغ=ير ،قلت« :وح=دة وطني=ة؟ الفك=رة ال=تي تق=وم عليه=ا
أمريكا هي أننا دولة يُرحَّ ب فيها باالنشقاق .نحن دولة المنش==قين والمق==اتلين ومن لم يكمل==وا تعليمهم الج==امعي وأص==حاب ال==رأي
».الحر
تذكرت درس السيدة جالفيس السابق ،واآلالف من طالب بيركلي الذين أحاطوا بسيارة الش==رطة عن==دما ح==اول الض==باط القبض
ً
حاملة ك = َّل من ك==انوا على شخص ما لتوزيعه منشورات عن الحقوق المدنية =.لم يحاول أحد إيقاف هذه الشاحنات عندما ابتعدت
.يرقصون في المتنزه .أنا أي ً
ضا لم أحاول ،وفررت
قالت السيدة آندرسن موجهة خطابها إليَّ « :أعتقد أنك تعرف مكان مكتب السيد بينسان .ستذهب إلي==ه في الح=ال؛ فأن=ا لن أس=مح
بأي سلوك غير محترم في فصولي .رغم ادعائك أن==ك تحب حري==ة التعب==ير ،ف==أنت على اس==تعداد= بال ش==ك إلخ==راس أي أح==د ال
».يوافقك الرأي
حملت الكمبيوتر المحمول المدرسي ،وحقيبتي ،واندفعت خارج الفص==ل .ك==ان الب==اب هي==دروليك ًّيا؛ ومن ثم ك==ان من المح==ال أن
الموجات الالسلكية التي احتوت عليها بطاقة هويتي بعثت بهويتي ألجهزة االستشعار الموج==ودة في ال==رواق .ك==ان األم==ر أش==به
قال السيد بينسان« :أغلق الباب يا ماركوس ».وأدار شاشة جهازه ألتمكن من مش=اهدة م=ا س=جله الفي=ديو في حص=ة الدراس=ات
»!لم يكن ذلك تعليمًا ،وإنما كان ترويجً ا لفكر ما .لقد أخبرتنا السيدة آندرسن أن الدستور ال أهمية له«
كال ،إنما قالت إنه ليس عقيدة دينية ،وقد هاجمتها كالمتطرفين ،ما أثبت وجهة نظرها .ي==ا م==اركوس ،أنت من بين ك==ل الن==اس«
»… يجب أن تكون مدر ًكا أن كل شيء قد تغير عند تفجير الجسر .فصديقك داريل
قاطعته وقد تملك الغضب مني« :إياك أن تنطق بكلمة عنه ،فلست أهاًل للتح==دث عن==ه .نعم ،أن==ا أدرك بالفع==ل أن ك==ل ش==يء ق==د
».تغير اآلن؛ فقد كنا أحرارً ا من قبل في هذه البالد ،ولم نعد كذلك
تراجعت؛ فكان بإمكانه فصلي من المدرسة بحجة «السلوك التهديدي» ،وهي الحجة التي من المفترض اس==تخدامها م==ع أطف==ال
.العصابات الذين يحاولون إرهاب معلميهم ،لكنه بالطبع ما كان ضميره ليؤنبه إذا استخدمها معي
نظرت إليه .حاول جاه ًدا إخفاء ابتسامته السادية .أراد جز ٌء مني التذلل له لكي يسامحني رغم ما شعرت ب==ه من خ==زي ،لكن==ني
.قمعت ذلك الجزء ،وقررت أنني أُفضِّل الفصل على أن أعتذر له
قلت له ما تذكرت كل كلمة منه« :تنشأ الحكوم==ات بين الن==اس ،مس==تمد ًة س==لطاتها العادل==ة من موافق==ة المحك==ومين .وإن==ه عن==دما
يصبح أي شكل من أشكال الحكم في أي وقت من األوقات هاد ًم==ا وم==دمرً ا له==ذه الغاي==ات ،يص==بح من ح==ق الش==عب أن يغيِّره أو
يطيح به ويش ِّكل حكومة جديدة مقيمًا أساسها على المبادئ ،ومنظمًا سلطاتها وفق الكيفية ال=تي تب=دو ل=ه أفض=ل مالءم=ة لتحقي=ق
».سالمته ورفاهيته
فهز رأسه ،وقالَ « :تذ ُّكر األشياء شي ٌء وفهمها شي ٌء آخر يا بني ».وانحنى على جهاز الكمبيوتر الخاص به ،ونقر عليه بض==ع
َّ
نق=رات ،فص=در عن الطابع=ة ص=وت .أعط=اني ورق=ة دافئ=ة من أوراق خطاب=ات المدرس=ة مكت=وب عليه=ا أن=ني مفص=ول لم=دة
.أسبوعين
سأبعث برسالة بريد إلكتروني إلى والديك .إذا ظللت موجو ًدا في المدرسة بع==د ثالثين دقيق==ة ،فس=يُق َبض علي==ك بتهم==ة التع==دي«
».على الممتلكات
.نظرت إليه
فواصل حديث==ه ق==ائاًل « :ليس من مص==لحتك أن تعلن الح==رب عليَّ في مدرس==تي؛ فه==ذه ح==رب ال يمكن==ك االنتص==ار فيه==ا .واآلن
»!لتخرج من هنا
.فغادرت المكتب
الفصل الرابع عشر
أهدي هذا الفصل إلى المتجر الذي ال مثيل له مِستيرياس جاالكسي في سان دييج==و بوالي==ة كاليفورني==ا .ي==دعوني الق==ائمون على
ذلك المتجر لتوقيع كتبي هناك في كل مرة أذهب فيها إلى سان دييجو لحضور مؤتمر ما أو للتدريس (يقع مق==ر «ورش==ة عم==ل
كالرين للكتاب» في جامعة كاليفورنيا بسان دييجو في الهويا بوالية كاليفورنيا) .وفي كل مرة أذهب إليها ،يحشدون أكبر عدد
من القراء؛ فلهذا المتجر قاعدة عريضة من القراء المخلصين الذين يعلمون أنهم سيحصلون دائمًا على توصيات ممتازة وأفكار
رائعة فيه .في صيف عام ،٢٠٠٧اصطحبت أفراد ورشة عمل الكت==اب من كالرين إلى المتج==ر بمناس==بة حف==ل منتص==ف اللي==ل
.الذي أقيم إلصدار الجزء األخير من سلسلة «هاري بوتر» ،ولم أشهد مثل ذلك التجمع الممتع المرح في أي متجر من قبل
***
خلت شبكة «إكس نت» من الم==رح في منتص==ف ال==دوام الدراس==ي؛ إذ يك==ون جمي==ع مس==تخدميها في المدرس==ة .كنت ق==د ط==ويت
الورقة ووضعتها في جيب بنطالي الجينز الخلفي ،ثم ألقيت بها على مائدة المطبخ عندما وصلت إلى المنزل .جلست في غرف==ة
المعيشة ،وفتحت التليفزيون .لم أكن أشاهده قط ،لكن والديَّ كان=ا يفعالن؛ ف=التليفزيون والرادي==و والص==حف هي المص==در ال==ذي
كانت األخبار بشعة ،وهناك العديد من األسباب للفزع .جنود أمريكي==ون يلق==ون حتفهم بجمي==ع أنح==اء الع==الم .وال يقتص==ر األم==ر
على الجنود فحسب ،بل رجال الحرس الوطني أيضً ا الذين ظنوا أنهم أُرسِ لوا للمساعدة في إنقاذ الناس من األعاصير؛ فقد ُبعِثوا
أخذت أتنقل بين شبكات األخبار التي تنقل األخبار على مدار األربع والعش==رين س==اعة ،واح==دة تل==و األخ==رى ،وظه==ر بجميعه==ا
.مسئولون يخبرون المشاهدين لماذا يجب أن يفزعوا ،ومجموعة من صور التفجيرات بجميع أنحاء العالم
أخذت أقلب إلى أن وجدتني أنظر في وجه مألوف لي ،كان الرجل الذي دخل إلى الشاحنة ،وتحدث مع صاحبة الشعر القص==ير
مقيدا في خلفية الشاحنة .ارتدى ز ًّي==ا عس==كر ًّيا ،والتعلي==ق على الشاش==ة عرَّ ف==ه بأن==ه الل==واء جراي==ام س==اذرالند ،القائ==د
عندما كنت ً
رفع مجموعة من الكتيبات ،وقال« :أحمل في يدي كتيب==ات ك=انت ت==وزع فعل ًّي==ا فيم==ا ك==انوا ي==دعون أن==ه حف==ل غن==ائي في مت==نزه
دولوريس عطلة نهاية األسبوع الماضي ».أتذكر بالفعل وجود العديد= من موزعي الكتيبات في الحف==ل .أينم==ا وُ ِج==دت مجموع==ة
أري==دكم أن تنظ==روا لحظ==ات له==ذه الكتيب==ات .دع==وني أق==رأ لكم عناوينه==ا« :دون موافق==ة المحك==وم :دلي==ل الم==واطن لإلطاح==ة«
أيض=ا« :ه==ل وقعت تفج==يرات الح==ادي عش==ر من س==بتمبر فعاًل ؟» ه==ذا آخ==ر« ،كي==ف تس==تخدم
بالدول==ة ».ه==ذا أح==دها ،وهن==اك ً
إجراءاتهم األمنية ضدهم؟» توضح هذه الكتيبات الهدف الحقيقي من التجمع غير القانوني ليلة السبت؛ فلم يكن تجم ًعا غ==ير آمن
فحسب لآلالف من األفراد دون احتياطات مناسبة ،أو ح=تى دورات مي=اه ،وإنم==ا ك=ان حش= ً=دا للن=اس في ص=ف الع=دو .لق==د ك==ان
.محاولة إلفساد الشباب بجعلهم يعتنقون فكرة أن أمريكا ال يجب أن تؤمن نفسها
لتنظروا إلى هذا الشعار« :ال تثق في أحد أكبر من ٢٥عامًا ».ه==ل من وس==يلة أفض==ل لض==مان اس==تبعاد أي==ة مناقش==ة مدروس==ة
ومتوازنة وعاقلة عن رسالتك المروجة لإلرهاب من إقصاء البالغين ،وقصر مجموعتك على شباب سريعي التأثر؟
عندما ذهبت الشرطة إلى هناك ،رأت عملية حشد ألعداء أمريك=ا ،وك=ان التجم==ع ق==د س=بَّب بالفع==ل إزعاجً= ا للمئ=ات من ق=اطني
.المنطقة التي أقيم فيها ،والتي لم يُست َشر أيٌّ منهم في التخطيط لتلك الحفلة الصاخبة التي استمرت طوال الليل
فأمرتهم الشرطة بالتفرق — وهذا ما يتضح في جميع مق=اطع الفي=ديو — وعن=دما ح=اول المعرب=دون مهاجم=ة ق=وات الش=رطة
.بتشجيع من الموسيقيين الموجودين على المسرح ،أخضعتهم القوات باستخدام األساليب السلمية لفضِّ التجمعات
و َمن قُ ِبض عليهم كانوا من زعماء الفتنة ،والمُحرِّ ضين على الش==غب ال==ذين دفع==وا اآلالف من الش==باب الس==ريع الت==أثر لمهاجم==ة
صفوف الشرطة ٨٢٧ .منهم ُح ِجزوا ،والعديد من هؤالء كانت لديهم سوابق .أكثر من مائ ٍة صدرت أوامر ب==القبض عليهم ،وال
أيها السيدات والسادة ،إن أمريكا تواجه حربًا على جبهات عدة ،لكن أكبر خطر تواجهه هنا ،على أرضها ،سواء أكان ذلك بم==ا
رفع أحد الصحفيين يده سائاًل « :سيادة اللواء ساذرالند ،أنت ال تقصد بالتأكيد أن هؤالء الشباب متعاطفون مع اإلرهابيين ألنهم
ب==الطبع ال أقص==د ذل==ك ،لكن عن==دما يق==ع الش==باب تحت ت==أثير أع==داء البالد ،من اليس==ير أن تك==ون نه==ايتهم س==يئة؛ فكم ي==رغب«
اإلرهابيون في تجنيد صف خامس لتولي الحرب على الجبهة الداخلية بالنيابة عنهم .لو كان هؤالء الش==باب أبن==ائي ،لكنت قلقت
».قاطعه صحفي آخر قائاًل « :لم يكن ذلك سوى حفل في الهواء الطلق سيادة اللواء ،فما كانوا يتدربون على استخدام البنادق
أخرج اللواء مجموعة من الصور ،وبدأ في رفعها ألعلى« :هذه صور التقطها الض=باط بك=اميرات األش=عة تحت الحم=راء قب=ل
مورس بين األشجار :فتاة وثالثة شباب ،وشابان يتعانقان« .حض=ر الحف==ل أطف=ال
وداست عليه األقدام .وانتقلت بعد ذلك لجنس ِ
في سن العاشرة ،ووُ ِجد به خلط==ات قاتل==ة من المخ==درات ،وت==رويج ألفك==ار ،وموس==يقى أس=فرت عن عش==رات اإلص==ابات .ومن
أغلقت التليفزيون .يجعلون األمر يبدو وكأنه ش==غب .إذا ظن وال==داي أن==ني كنت في ذل==ك الحف==ل ،فس==يقيدانني في س==ريري لم==دة
.شهر ،ولن يسمحا لي بالخروج بعد ذلك إال وحول رقبتي طوق للتتبع
.وبمناسبة ذكر والديَّ ،فسيغضبان بشدة عندما يعلمان أنني موقوف عن الدراسة
•••
.لم يتقبال الخبر تقباًل حس ًنا ،فأراد أبي معاقبتي بمنعي من الخروج ،لكنني أقنعته أنا وأمي بتغيير رأيه
قالت أمي« :أنت تعلم أن نائب المدير يتوعد لماركوس منذ سنوات .آخر مرة التقين==ا ب==ه ،أخ= َ
=ذت تس=به لم==دة س=اعة بع==د اللق=اء،
فقاطعته قائاًل « :إنها حصة الدراسات االجتماعية يا أبي ».لم أكن أهتم ،لكن==ني ش==عرت أن==ه إذا ك==انت أمي ستس==اندني ،يت==وجب
»عليَّ مساعدتها« .وكنا نتحدث عن وزارة األمن الوطني .أليس من المفترض أن النقاش أمر صحي؟
فأجابني« :انظر يا بني» ،لقد اعتاد مناداتي بلفظ «يا ب=ني» كث=يرً ا؛ م=ا جعل=ني أش=عر أن=ه ق=د توق=ف عن التفك=ير فيَّ كش=خص
ناضج ،وبدأ — بداًل من ذلك — في التفكير فيَّ كيرقة حشرة لم تتكون بعد وبحاجة لإلرشاد لتخرج من ط==ور المراهق==ة ،وق==د
كرهت ذلك .واصل حديثه قائاًل « :عليك أن تتعلم الت==أقلم م==ع حقيق==ة أنن==ا نعيش في ع==الم مختل==ف اآلن .ال ريب أن ل==ديك الح==ق
ً
أشخاص=ا كاماًل في التعبير عن رأيك ،لكن عليك أن تكون مستع ًّدا لما يسفر عنه ذلك من نتائج .عليك مواجه==ة حقيق==ة أن هن==اك
يتعرضون لألذى ،وال يرغبون في مناقشة أدق تفاصيل القانون الدستوري بينما حياتهم على المحك .نحن في قارب نجاة اآلن،
».وعندما تكون في قارب نجاة ،ال يرغب أحد في سماع حديث عن مدى وضاعة القبطان
•••
نظر إليَّ والدي شزرً ا ،كما لو كان يشك في أنني أنوي فعل شيء ما ،ثم أوم==أ برأس==ه .ألقيت عليهم==ا تحي==ة المس==اء وذهبت إلى
غرفتي .قمت بتشغيل جهاز «إكس بوكس» ،وفتحت برنامجً ا لمعالجة الكلمات ،وبدأت أدوِّ ن ما يرد على ذهني من أفكار بشأن
.األبحاث التي كنت سأكتبها .ولم ال؟ فكان ذلك أفضل بالفعل من الجلوس فحسب في المنزل
•••
انتهى بي الحال ألراس==ل آنج على برن==امج المراس=الت الفوري=ة ل=وقت طوي=ل في تل=ك الليل==ة .تع=اطفت معي بش=أن ك==ل ش=يء،
وأخبرتني أنها ستساعدني في أبحاثي إذا قابلتها بعد دوام المدرسة الليلة التالي==ة .كنت أع==رف مك==ان مدرس==تها؛ إذ ك==انت ت==ذهب
إلى المدرسة ذاتها التي تذهب إليها فان ،وكانت هذه المدرسة في الطريق إلى «إيس=ت ب==اي» ،المك==ان ال=ذي لم أذهب إلي==ه من=ذ
.وقوع التفجيرات
ً
ثانية؛ ففي كل مرة أخلد فيها للنوم منذ الحفل ،ال أفكر إال في شيئين =:منظر الشباب وهو يتقدم كنت متحم ًسا للغاية لفكرة رؤيتها
لمجابهة الشرطة ،وملمس جسدها أثناء اتكائنا على العمود .كم كانت مذهلة! لم أصادق من قب==ل فت==اة به==ذا الق==در من الشراس==ة.
كنت أنا دائ ًم ا من أتقدم ناحية الفتيات ،وهن يصددنني .وكان لدي شعور بأن آنج لديها نفس ما ل==دي من رغب==ة جنس==ية ،وك==انت
نمت نومًا عمي ًق ا في تلك الليلة ،وأحالم مثيرة راودتني عما يمكنني أن أفعله أنا وآنج إذا وج==دنا أنفس==نا في بقع==ة منعزل==ة بمك==ان
.ما
في اليوم التالي ،بدأت العمل في أبحاثي .سان فرانسيسكو مكان يص==لح للكتاب==ة عن==ه .إذا كن==ا نتح==دث عن الت==اريخ ،فهي تزخ==ر
بذلك بالتأكيد =،بد ًءا من حمى الذهب (أي تدفق الناس الشديد على مواطن اكتش==اف ال==ذهب بالمدين==ة) ،ووص==واًل إلى ورش بن==اء
السفن أثناء الحرب العالمية الثانية ،ومعسكرات االعتقال اليابانية ،وغير ذلك الكثير .يضم كذلك متحف إكس==بلوراتوريم أفض==ل
ً
مقارنة بأي متحف آخر ذهبت إليه ،وقد أعجبتني فيه على نحو غ==ريب معروض==ات إس==الة الترب==ة أثن==اء ال==زالزل المعروضات
العنيفة .أما عن مادة اللغة اإلنجليزية ،فهناك جاك لندن ،وشعراء بيت ،وكتاب الخيال العلمي مثل بات م==ورفي ورودي راك==ر.
وفيما يتعلق بالدراسات االجتماعية ،فهناك حركة الخطاب الحر ،وسيزار شافيز ،وحقوق المثليِّين ،والحركة النس==ائية ،وحرك==ة
أحببت دومًا التعلم من أجل التعلم؛ أي ألكون أكثر وعيًا بالعالم من حولي ،ويمكنني فعل ذلك بالسير في أنحاء المدين==ة فحس==ب.
البيت» أواًل .احت==وى متج==ر «س==يتي اليتس» على مكتب==ة رائع==ة في ً
قررت أن أكتب بحثا في مادة اللغة اإلنجليزية عن «جي==ل ِ
أح==د األدوار العلوي==ة؛ حيث ألَّف آالن جي==نزبرج ورفاق==ه قص==ائدهم المتطرف==ة .ك==انت القص==يدة ال==تي قرأناه==ا في حص==ة اللغ==ة
:اإلنجليزية هي «عواء» ،والتي لن أنسى يومًا أبياتها األولى التي اقشعر لها بدني
يتضورون عرا ًة في حالة هيستيرية
َّ ُ
،رأيت أفضل العقول في جيلي وقد دمرها الجنونُ ،
باحثين عن إبر ِة مخ ِّد ٍر ساخطة
َ .يجرجرون أنفسهم عبر شوارع زنجي ٍة في الفجر
… هيبيز برءوس مالئكةٍ ،يتحرقون للوصال السماويِّ العتيق ،بالدينامو المرصع بالنجوم في ماكينة الليل
أعجبتني طريقة جمعه لهذه الكلمات م ًعا «يتضوَّ رون عرا ًة في حالة هيستيرية» ،فأنا أعلم ما يكون عليه ذلك الشعور .وعب==ارة
«أفضل العقول في جيلي» جعلتني أمعن في التفكير؛ ف=ذ َّكرتني ب=المتنزه والش=رطة وقناب=ل الغ=از .قُ ِبض على جي=نزبرج بتهم=ة
الفحش بسبب تلك القصيدة؛ وذلك بسبب بيت عن المثليين ،والذي ما كان لتطرف له عين اليوم .لقد أسعدني ذل==ك بص==ورة م==ا؛
.إذ علمت أننا قد حققنا بعض التقدم؛ فقد كانت القيود على هذه األمور أكثر مما هي عليه اآلن
نسيت نفسي في المكتبة مع قراءة تلك اإلص=دارات القديم=ة الجميل=ة من الكتب .غ=رقت في ق=راءة رواي=ة ج=اك ك=يرواك «على
الطريق» ،وهي الرواية التي اعتزمت قراءتها منذ وقت طوي==ل .أوم==أ أح==د الم==وظفين — ال==ذي ج==اء ليتفق==د ح==الي — برأس==ه
.مستحس ًن ا ما أفعله ،وأحضر لي نسخة رخيصة من الرواية وباعها لي مقابل ستة دوالرات
سرت إلى الحي الصيني ،وتناولت بعض الكعك المحلى والنودلز مع الصوص الحار الذي كنت أعتبره ًّ
حارا للغاية في السابق،
ً
ثانية أب ًدا ،ليس بعد أن ذقت وصفة آنج الخاصة .لكن لن يكون كذلك
بحلول فترة ما بعد الظهيرة ،استقللت قطار بارت ،ثم إح==دى الح=افالت ال==تي تقط==ع جس==ر س==ان م==اتيو ذها ًب==ا وإيا ًب==ا ألص==ل إلى
منطقة إيست باي .أخ==ذت أق=رأ النس=خة ال==تي حص=لت عليه==ا من رواي==ة «على الطري=ق» ،وألتفت بين الحين واآلخ=ر للمن=اظر
الطبيعي=ة ال==تي تم==ر س=ري ًعا بج=انبي« .على الطري==ق» رواي==ة تش==به الس=يرة الذاتي==ة لج=اك ك=يرواك ،وه=و ك==اتب س=كير م=دمن
للمخدرات كان يسافر متطفاًل بجميع أنحاء أمريكا ،ويعمل في وظائف تافه==ة ،يتس==كع في الش==وارع لياًل ويقاب==ل ً
أناس=ا وينفص=ل
ً
ولصوص=ا ،وحق==راء ،ومالئك==ة .م==ا من حبك==ة في الواق==ع للرواي==ة؛ فمن عنهم :هيبيز ،ومتشردين بوج==وه واجم==ة ،ومخ==ادعين،
المفترض أن كيرواك قد كتبها في ثالثة أسابيع على مجموعة أوراق كبيرة بينما هو غائب عن الوعي بفع=ل المخ=درات ،لكنه=ا
مجموعة من األحداث المذهلة المتتالية؛ فهو يقيم صداقات مع أش==خاص ذات نزع==ة لت==دمير ال==ذات ،مث==ل دين موري==ارتي ال==ذي
.ورطه في مخططات غريبة لم تنجح قط في الواقع ،لكنها نجحت في الوقت نفسه إذا كنت تعلم ما أعنيه
حملت الكلمات إيقا ًعا لغويًا كدت أسمعه في رأسي ،جعلني أرغب في االستلقاء في صندوق شاحنة نصف نقل ،واالس==تيقاظ في
مدينة صغيرة مغبرة في مكان ما بوسط الوادي على الطريق إلى لوس أنجل==وس ،أح==د تل=ك األم=اكن ال=تي تض=م محط==ة ب==نزين
ً
بسيط ا ،ثم أخرج بعد ذلك إلى الحقول ،وألتقي بأناس ،وأشاهد أشياء ،وأفعل أشياء أخرى .ومطعمًا
ً
مستيقظا لوقت متأخر من الليل للمراسلة الفوري==ة م==ع آنج ك==ان كانت الرحلة طويلة بالحافلة ،وال بد أنني قد غفوت قلياًل .البقاء
مره ًق ا لي بناء على جدول مواعيد نومي؛ إذ كانت أمي ال تزال تتوقع نزولي لتناول الفط=ور معه==ا هي ووال=دي .اس==تيقظت من
خرجت آنج من البوابة مرتدية زيها المدرسي .لم أرها من قبل في هذا الزي ،كان لطي ًفا على نحو غريب ،وذكرني بف==ان وهي
»!قالت« :مرحبًا
»!مرحبًا«
»ماذا تقرأ؟«
كنت أنتظر ذلك السؤال ،وميزت الفقرة .قلت لها« :اسمعي ذل=ك« :أخ=ذا يرقص=ان في الش=وارع كالمج=انين الس=عداء ،ومش=يت
بخطى متثاقلة خلفهما مثلما كنت أفعل طوال حياتي؛ أتتبع من يثيرون اهتمامي؛ ألن َمن أعتبرهم أناسًا بح==ق هم المج==انين ،من
لديهم من الجنون ما يجعلهم يعيشون ويتحدثون ويُن َقذون ويرغبون في كل شيء في ال=وقت نفس=ه وال يتث=اءبون أب= ًدا أو يقول=ون
شي ًئا معتا ًد ا ،بل يحترقون ويحترقون مثل األلعاب النارية الصفراء الخالبة التي تتفجر كالعناكب بين النجوم ،وفي وسطها ترى
»النحو؟
أخبرتها باألجزاء التي قرأتها ،ونحن نسير بتمهل على الرص==يف تج==اه محط==ة الح==افالت .وبمج==رد أن انعطفن==ا عن==د الناص==ية،
وضعت ذراعها حول خصري ،في حين علَّ ُ
قت ذراعي حول كتفيها .س==رت في الش=ارع م==ع فت==اة — رفيق==تي بالتأكي==د ،ولم ال؟ ْ
—.نتحدث عن هذا الكتاب الرائع .كنت في الجنة بالتأكيد؛= فقد جعلني ذلك أنسى مشاكلي لفترة قصيرة
»ماركوس؟«
استدرت ،فوجدت فان .ت==وقعت ذل==ك في عقلي الب==اطن ،وق==د علمت ذل=ك ألن عقلي ال=واعي لم ين==دهش كث==يرً ا .المدرس==ة ليس=ت
كبيرة ،وخرجت جميع الطالبات في الوقت ذاته .مضت أسابيع منذ آخر مرة تحدثت فيها مع فان ،وتلك األسابيع ب==دت ش==هورً ا؛
قلت لها« :مرحبًا ،فان!» وكبحت رغبتي في إنزال ذراعي عن كتفي آنج .بدت فان مندهشة ،لكنها ليست غاضبة .ك=انت أك==ثر
»آنجيال؟«
.أخرى
»كنتما؟«
شعرت كما لو أن فان كانت تسير خلفنا ،وتتنصت علينا ،رغم أنه بالسرعة التي كنا نسير به==ا ،س==يكون عليه==ا ال==ركض لتلح=ق
بنا .قاومت رغبتي الملحة في النظر خلفي قدر ما استطعت ،ثم فعلت في النهاية .سار خلفنا الكث==ير من طالب==ات المدرس==ة ،لكن
»وماذا حدث؟«
قلت مخف ً
ضا صوتي« :لم ترُق لها فكرة ش==بكة «إكس نت» ،ورأت أنه==ا س==تجلب علين==ا المت==اعب ،وأن==ني س==أوقع اآلخ==رين في
».مشكالت
.فأجبتها« :كال!» كان وجهي ساخ ًنا ،وشعرت أنني أبدو كاذبًا ،رغم صدقي
كال! صد ًقا! كانت عالقة صداقة فحسب؛ فهي وداريل … حس ًنا ،ليس بالضبط ،لكن داريل ك==ان معج ًب==ا به==ا ،وم==ا ك==ان يمكن«
»… ً
أبدا
كال ،يا آنج ،كال .لتصدقيني =،رجاءً ،وتنسي األمر .كانت فانيسا صديقة مقربة ،ولم نعد كذلك اآلن ،وهذا ما يزعجني ،لكن==ني«
»لم أكن معجبًا بها على هذا النحو قط ،حس ًنا؟
استرخت آنج قلياًل ،وقالت« :حس ًنا ،حس ًن ا! أنا آسفة! فأنا لست على وفاق معها في الحقيقة ،ولم نكن كذلك طوال السنوات ال==تي
ألتق بها من قبل قط؛ فلم تكن على وف==اق م==ع ف==ان ،ومن ثم لم يرده==ا
هكذا عرفت كيف عرف خولو آنج طوال هذه الفترة ،ولم ِ
.خولو أن تتردد= علينا
عانقتني طوياًل ،وتبادلنا القبل .مرت مجموعة من الفتيات بجوارنا ،وأخذن يصفرن؛ فاستقمنا ،وتوجهن==ا إلى محط==ة الح=افالت.
.كانت فان تسير أمامنا اآلن ،وال ُب َّد أنها مرت بنا أثناء تقبيلنا أحدنا لآلخر .شعرت بالغباء المطبق
وقفت بالطبع في المحطة ،وصعدت معنا الحافلة دون أن ينطق أيٌّ منا بكلمة .حاولت التحدث مع آنج طوال الطريق ،لكن ذل==ك
.كان غريبًا
ما خططنا له هو الذهاب لشرب القهوة ،ثم التوجه لمنزل آنج لقضاء الوقت م ًعا ،و«الدراسة»؛ أي التناوب على استخدام جهاز
«إكس بوكس» الخاص بها لالطالع على شبكة «إكس نت» .كانت وال==دتها تع==ود للم==نزل مت==أخر ًة ي==وم الثالث==اء؛ إذ ك==ان ذل==ك
موعد درس اليوجا والعشاء مع رفيقاتها .أما شقيقة آنج ،فكان ل==ديها موع==د م==ع رفيقه==ا؛ ومن ثم لم يكن معن==ا أح==د في الم==نزل،
والمفكرات وأجزاء من أجهزة الكمبيوتر الشخصي التي تخترق قدميك= بما عليهما من جوارب كالنباتات الشائكة .ومكتبها أسوأ
من األرضية؛ إذ تكدست عليه أك=وام من الكتب والمجالت الهزلي=ة ،ومن ثم انتهى بن=ا الح=ال على س=ريرها؛ األم=ر ال=ذي ك=ان
تالشى بعض الشيء الحرج الذي شعرت به بسبب رؤيتي لفان .قمنا بتشغيل جهاز «إكس بوكس» الخ=اص ب==آنج ،وال==ذي ك=ان
في منتصف مجموعة متشابكة من األسالك ،بعضها يصل إلى هوائي الس==لكي ربطت==ه بالناف==ذة ح==تى تتمكن من اس==تخدام ش==بكة
الواي فاي الخاصة بجيرانها .اتصلت بعض هذه األسالك بشاشتي كم=بيوتر محم=ول ق=ديمتين حولتهم=ا إلى شاش=تين منفص=لتين
تستندان إلى حاملين وتحيط بهما إلكترونيات مكشوفة .ووُ ضِ عت كل شاشة على كومود بج==وار الس==رير ،م==ا يع==د وض==عًا رائعً= ا
لمشاهدة األفالم أو المراسلة الفورية أثناء االس==تلقاء على الس==رير … فيمكنه==ا إدارة الشاش==تين على جانبيهم==ا ،واالس==تلقاء على
.جانبها ،وبذلك تكون الشاشة في زاوية معتدلة ،مهما كان الجانب الذي تستند عليه
كالنا عرف السبب الحقيقي لوجودنا في ذلك المكان ،ونحن جالسان أحدنا بجوار اآلخر ،أمام الكوم==ود المج==اور للس==رير .كنت
أرتعش قلياًل ،ومدر ًكا تما ًما لدفء ساقها وكتفها الملتصقتين بساقي وكتفي ،لكنني أردت الترك==يز في حرك==ات تس==جيل ال==دخول
.على شبكة «إكس نت» ،والتحقق من رسائل البريد اإللكتروني التي وصلتني ،وما إلى ذلك
وجدت رسالة من شاب قد اعتاد أن يبعث لي بمقاطع فيديو مضحكة سجلتها ك==اميرات الهوات==ف لرج==ال األمن الوط==ني بع==د أن
جن جنونهم .كان آخر فيديو= يعرض تفكيكهم لعربة أطفال بع==د أن أظه==ر أح==د الكالب البوليس==ية الخاص==ة بالكش==ف عن القناب==ل
اهتمامًا بها ،وذلك باستخدام المفكات في الش==ارع بمرس==ى الس==فن ،بينم==ا األغني==اء يس==يرون بج==وارهم ،يح==دقون ويتعجب==ون من
.غرابة ما يفعلون
ً
رابطا للفيديو ،وته==افت الن==اس على تنزيل==ه .ك==ان ذل==ك الش==اب ق==د وض==ع الفي==ديو على م==رآة أرش==يف اإلن==ترنت بمكتب==ة أعددت
اإلسكندرية في مصر ،حيث يعرضون أي شيء مجا ًنا طالما أنك تستخدمه وف==ق ت==رخيص المش==اع اإلب==داعي ال==ذي يس==مح ألي
أحد بإعادة استخدامه ومشاركته .واألرشيف األمريكي — الذي كان في حي بريسيديو الذي ال يبعد عنا سوى بضع دق==ائق —
جبر على التوقف عن عرض كل مقاطع الفيديو هذه بحج==ة األمن الوط==ني .أم==ا أرش==يف اإلس==كندرية ،فق==د اس==تقل في إدارت==ه،ُ
أ ِ
.وكان يعرض أي شيء يحرج الواليات المتحدة
ً
ح=دثا وق==ع عن==د أرسل إليَّ ذلك الشاب — واسمه كاميراسباي — مقطع فيديو أفضل من ذلك ه=ذه الم=رة ،وه==و مقط=ع يس=جل
م==دخل مب==نى مجلس المدين==ة في مرك==ز المدين==ة ،وه==و مب==نى أبيض ض=خم تغطي==ه التماثي==ل في الم==داخل الص==غيرة والزخ=ارف
واألوراق ذهبية اللون .أمَّنت وزارة األمن الوطني محي==ط المب==نى ،وع==رض الفي==ديو لقط==ة رائع==ة لنقط==ة التف==تيش حيث اق==ترب
.شخص يرتدي زي ضابط ،وأوضح بطاقة هويته ،ووضع حقيبته على سير األشعة السينية
كان كل شيء يسير على ما يرام إلى أن رأى أحد رجال وزارة األمن الوطني شي ًئا ما لم يرق له في األشعة السينية ،فسأل عنه
الجنرال الذي أدار عينيه مستهز ًئا ،ونطق بشيء غير مسموع (فقد ال ُتقِ==ط الفي==ديو من الجه==ة األخ==رى للطري==ق ،على م==ا يب==دو،
باستخدام عدس=ة تق=ريب مخب=أة مص==نوعة في الم==نزل؛ ومن ثم ك=انت أغلب األص=وات في الفي==ديو ألن=اس يم==رون في الش=ارع
.وضوضاء السيارات)
دار ج=دال بين الج=نرال ورج=ال وزارة األمن الوط=ني ،وكلم=ا ط=ال ج=دالهم ،ازداد ع=دد رج=ال األمن الوط=ني ال=ذين تجمع=وا
حولهم .وأخيرً اَّ ،
هز الجنرال رأسه في غضب ،ولوح بإص==بعه نح==و ص==در ض==ابط األمن الوط==ني ،ورف==ع حقيبت==ه ،وب==دأ يس==ير
.مبتع ًد ا .صاح فيه ضباط األمن الوطني ،لكنه لم يبطئ خطاه ،ولغة جسده تصرِّ ح بأنه غاضب للغاية
ثم حدث ما حدث! ركض الضباط خلف الجنرال .أبطأ كاميراسباي الفيديو عند ذلك المشهد ح==تى نتمكن من المش==اهدة باإليق==اع
البطيء منظرً ا تلو اآلخر .استدار الجنرال بعض الش==يء ،وارتس==مت على وجه==ه نظ==رة مفاده==ا« :لن أس==مح لكم ب==أي ح==ال أن
تقبضوا عليَّ » ،ثم تحولت إلى نظرة فزع بتوجيه ثالثة ضباط أمن وطني ضخام البنية الضرب إليه ليس==قط على الرص==يف ،ثم
اإلمساك به من المنتص=ف ،كاإلمس=اك بالخص=م في مب=اراة ك=رة ق=دم لتنهي حيات=ه المهني==ة .س=قط الج=نرال — ك=ان أش=يب في
منتصف العمر ،يعلو وجهه الجالل والتجاعيد — بعنف على األرض ،وارتد مرتين =.اصطدم وجهه بالرصيف ،ونفر ال==دم من
.أنفه
قيَّد ضباط األمن الوطني قدمي الجنرال ،مع ربط كاحليه ومعصميه .أخذ الجنرال يصيح بقوة ،ووجهه تح==ول للَّون األرج==واني
والدم يتدفق من أنفه .أوضحت اللقطات المقربة مرور األقدام بجواره .نظر الم==ارة للرج==ل في زي==ه العس==كري وق==د قُيِّد ،وك==ان
بإمكانك أن ترى من النظرة التي ارتسمت على وجهه أن ذلك ك==ان أس==وأ م==ا في األم==ر؛ اإلذالل وس==لب الكرام==ة .وك==انت ه==ذه
.نهاية المقطع
قلت وعيناي ال تزاالن معلقتين بالشاشة بعد أن انتهى الفيديو =،ويدي تعي==د تش==غيله« :ي==ا إلهي!» وك==زت آنج ،وعرض==ت عليه==ا
نشرته .استطعت بالكاد كتابة تعليق على الفيديو وأنا أنشره ،وأضفت مالحظة أسأل فيه=ا م=ا إذا ك=ان أح=د يمكن=ه التع=رف على
.الرجل العسكري الموجود في الفيديو =،وإن كان أحد يعلم أي شيء بخصوص هذه الحادثة
تحققت من السيرة الذاتية =.تضمنت صورة للجنرال في مؤتمر صحفي ،ومالحظات حول دوره في بعثة هايتي العس==يرة ،وك==ان
.حدَّثت ما نشرته
من الناحية النظرية ،كانت تلك فرصتي أنا وآنج للمغازلة ،لكن ذلك لم يكن ما انتهى بنا الحال لفعله .أخ==ذنا نتنق==ل بين م==دونات
شبكة «إكس نت» ،باحثين عن المزيد من الروايات عن ضباط األمن الوطني وهم يفتش==ون الن==اس ،ويلق==ون القبض ،ويعت==دون
عليهم .اعتدت تلك المهمة؛ إذ فعلت ذلك مع جميع المواد المصورة والروايات المتعلقة بالشغب في المتنزه ،وب==دأت فئ==ة جدي==دة
بمدونتي حول ذلك بعنوان «انتهاكات السلطة» ،واحتفظت بهذه األمور فيه==ا .ظلت آنج تق==ترح عليَّ مص==طلحات بحث جدي==دة،
وبحلول موعد عودة والدتها للمنزل ،تضمنت الفئة الجديدة بالمدونة سبعين تدوينة =،وحملت عنوان «إذالل الجنرال جايست في
».مجلس المدينة
•••
البيت» طوال اليوم التالي في المنزل ،فأخ==ذت أق==رأ رواي==ة ك==يرواك وأتص==فح «إكس نت» .كنت
عملت على بحثي عن «جيل ِ
ً
ثانية؛ فأرسلت إلى آنج رسالة أعتذر فيه=ا عن ع=دم أخطط للقاء آنج في المدرسة ،لكنني تراجعت عندما فكرت أنني سأرى فان
وردت إليَّ اقتراحات رائعة عن «انتهاك==ات الس==لطة» بكاف==ة ص==ورها؛ المئ==ات من الم==واد البس==يطة والمهم==ة ،ص==ور ومق==اطع
وانتشرت بالفعل .في صباح اليوم التالي ،كان هناك المزيد .أنشأ ش=خص م=ا مدون=ة جدي=دة باس=م «انتهاك=ات الس=لطة» ض=مت
.المئات من المواد األخرى .وأخذت األعداد تتزايد .تنافسنا في العثور على أكثر القصص ثراءً ،والصور جنو ًنا
كان اتفاقي مع والديَّ أن أتناول معهما الفطور صباح كل يوم ،وأتحدث معهما عن المش==روعات ال==تي كنت أعم==ل عليه==ا .أحب==ا
قراءتي لكيرواك .كان كتابًا مفضاًل لدى كليهما ،واكتشفت أن خزانة الكتب في غرفتهما احتوت على نسخة منه .جلبها لي أبي،
وقلبت في صفحاتها .كانت هناك فقرات مح=ددة بقلم ج=اف ،وص=فحات مطوي=ة ،ومالحظ=ات في اله=وامش .لق=د أحب أبي ذل=ك
.الكتاب ح ًّقا
ذكرني ذلك بوقت كان الحال فيه أفضل من تلك األي==ام ،وذل==ك عن==دما ك==ان بإمك==اني التح==دث م==ع وال==دي لخمس دق==ائق دون أن
يصيح ك ٌّل منا في وجه اآلخر حول اإلرهاب .تبادلنا أطراف حديث رائع على الفطور حول حبك==ة الرواي==ة ،وكاف==ة المغ==امرات
.المجنونة بها
العالم .تتألف حرك==ة «انتهاك==ات الس==لطة» من «إخ=وة ص=غار» يراقب==ون إج=راءات وزارة األمن الوط==ني لمكافح==ة اإلره==اب،
موثقين تجاوزاتها وإخفاقاتها .ما أثار األمر مقطع فيديو منتشر للجنرال كلود جايست ،وهو ج==نرال متقاع==د حاص==ل على ثالث
أكثر ما يثير االنتباه هو االهتمام العالمي ال==ذي أثارت==ه ه==ذه الحرك==ة ،ف==احتلت الص==ور الم==أخوذة من في==ديو جايس==ت الص==فحات
األولى بالصحف في كوريا ،وبريطانيا العظمى ،وألمانيا ،ومصر ،واليابان ،وأذاعت المحطات التليفزيونية بجميع أنحاء الع==الم
مقطع الفيديو في النشرات اإلخبارية الرئيسية ،ووصل األم==ر إلى ذروت==ه الليل==ة الماض==ية عن==دما ق==دم برن==امج «ناش==ونال ني==وز
».المعلقون على موقع بي بي سي اإللكتروني إلى أن نسخة البرنامج في قناة بي بي سي أمريكا لم تنقل التقرير
أذاعوا بعد ذلك بعض اللقاءات مع عدة شخص==يات :مراق==بين ألداء اإلعالم البريط==اني ،وش==اب من ح==زب القراص==نة الس==ويدي
يبدي مالحظات ساخرة حول الصحافة األمريكية الفاسدة ،ومذيع أخبار أم==ريكي متقاع==د يعيش في طوكي==و .وأذاع==وا بع==د ذل==ك
.مقط ًعا قصيرً ا من قناة الجزيرة مع مقارنة بين رواية الصحافة األمريكية ورواية وسائل اإلعالم اإلخبارية القومية في سوريا
شعرت بأن أبي وأمي يحدقان فيَّ ،وأنهما يعلمان ما كنت أفعله .لكنني عندما حملت أطباقي من على المائ==دة ،رأيت أنهم==ا كان==ا
.كان أبي يمسك فنجان القهوة بصعوبة؛ نظرً ا الهتزاز يديه ،وأمي تنظر إليه
».قال أبي أخيرً ا« :إنهم يحاولون تشويه سمعتنا ،يحاولون تخريب الجهود التي تهدف لحمايتنا
َّ
وهزت رأسها ،فص=عدت إلى غرف==تي ،وعملت على بحث ك=يرواك .وم=ا إن س=معت ص=وت فتحت فمي ،لكن أمي نظرت إلي،
».إغالق الباب مرتين حتى بدأت تشغيل جهاز «إكس بوكس» ،ودخلت على شبكة «إكس نت
مرحبًا مايكي! أنا كولين براون .أعمل منتجً ا بالبرنامج اإلخباري «ذا ناشونال» بهيئة= اإلذاعة الكندية .نعد تقري==رً ا عن ش==بكة«
إكس نت ،وقد بعثنا مراساًل إلى سان فرانسيسكو لتغطية الخبر من هناك .هل تهتم ب==إجراء لق=اء معن=ا للمناقش==ة ح=ول جماعت=ك
»وأنشطتها؟
»!ال ،شكرً ا؛ فاألولوية لدي للسرية ،وهذه ليست «جماعتي» .لكن شكرً ا إلعدادكم هذا التقرير«
يمكن أن نض==ع قنا ًع= ا على وجه==ك ،ونض==من أال يعلم أح==د بهويت==ك =.تعلم أن وزارة األمن الوط==ني سيس==عدها أن يظه==ر معن==ا«
جمعت المزيد من المعلومات عن كيرواك .وصلت رسالة أخرى تحمل الطلب نفسه من وكاالت إخبارية مختلفة« :كيه كيو إي
دي» أرادت االلتقاء بي وتسجيل لقاء إذاعي معي ،ومحطة في البرازي==ل ،وهيئ==ة اإلذاع==ة األس==ترالية ،وإذاع==ة ص=وت ألماني==ا.
•••
قالت آنج« :فلتعقد مؤتمرً ا صحف ًّي ا» ،عند جلوسنا في المقهى المجاور لمنزلها مساء ذلك اليوم ،فلم تعد ل==دي رغب==ة في ال==ذهاب
.إليها في المدرسة بعد ذلك ،والصعود على متن الحافلة نفسها مع فان مرة أخرى
ت صوابك؟«
»ماذا؟ هل فقد ِ
ً
مركزا تجاريًا ال يُس َمح فيه بالمنافس=ات بين الالع=بين ،وح==دد موع= ًدا«. فلتفعل ذلك في لعبة «كلوك وورك بالندر» .اختر فقط
.من الصحفيين غير المتمرسين دون القلق من أن يقتلهم ممارسو اللعبة في منتصف المؤتمر الصحفي
شخص=ا ق==د كتب مق==ااًل عن كيفي==ة إقام==ة م==ؤتمر ص==حفي ن==اجح .إذا تمكن«
ً لتبحث عنها على جوجل فق==ط .من المؤك==د أن ثم==ة
».الرئيس من فعل ذلك ،فأنا موقنة أنه بوسعك فعله ،فيبدو أنه يتمكن بالكاد من عقد رباط حذائه دون مساعدة
».فقالت« :وجميلة
».وذلك أيضًا«
الفصل الخامس عشر
أهدي هذا الفصل إلى سلسلة متاجر الكتب الكندية الوطنية العمالقة تشابترز/إين==ديجو =.لق==د كنت أعم==ل في باك==ا — متج==ر كتب
الخيال العلمي المستقل — عندما فتحت سلسلة تشابترز أول متجر له==ا في تورونت==و ،وعلمت أن ش==ي ًئا عظي ًم==ا ك==ان يح==دث في
هذا الوقت؛ ألن اثنين من أفضل عمالئنا وأكثرهم اطال ًعا مرَّ ا عليَّ في باك==ا إلخب==اري بأن==ه ق==د تم تعيينهم==ا إلدارة قس==م الخي==ال
العلمي هناك .ومن البداية ،رفعت تشابترز المعيار لما يجب أن يكون عليه متجر كتب ضخم ،بم ِّد ساعات العمل في==ه ،وإض==افة
مقهى لطيف بالمكان ،والعديد من المقاعد ،وتخصيص أماكن للخدمة الذاتية داخل المتجر ،وض==م مجموع==ة متنوع==ة مذهل==ة من
.الكتب
***
أعلنت عن المؤتمر الصحفي بالمدونة ،حتى قبل أن أرسل الدعوات للصحافة .كان بوسعي أن أرى أن جميع هؤالء الصحفيين
يريدون أن يجعلوا مني قائ ًدا أو جنرااًل أو زعي ًما لحرب عصابات ،وتوصلت إلى أن أحد سبل إصالح ذلك ه==و أن يك==ون معي
بعثت بعد ذلك برس=ائل بري=د إلك=تروني إلى الص=حافة ،وتن=وعت ال=ردود م=ا بين ح=يرة وتحمس .مراس=لة واح=دة فق=ط من قن=اة
«فوكس» استشاطت غضبًا لوقاحتي في أن أطلب منه==ا أن تلعب لعب==ة ألظه==ر في برنامجه==ا التليفزي==وني ،أم==ا الب==اقون ،فب==دوا
.سعداء بالفكرة ،وإن أراد العديد= منهم الكثير من الدعم الفني لتسجيل الدخول في اللعبة
حددت الموعد الساعة الثامنة مساءً ،بع==د العش=اء .ظلت أمي تؤنب==ني على األمس=يات ال=تي كنت أقض==يها خ=ارج الم==نزل إلى أن
صارحتها أخيرً ا بعالقتي بآنج؛ األمر الذي جعلها تبدو غريبة األطوار ،وظلت تنظ==ر لي نظ==رة األم الس==عيدة بابنه==ا ال==ذي يك==بر
ت األمر بأن قطعت وع ًدا ألمي بأن أُحضِ ر آنج الليلة التالية إذا تمكنت من الذهاب للسينما ْ
واستغلل ُ أمام عينيها .أرادت لقاء آنج،
جهاز إكس بوكس الخاص بك ٍّل منا .فصلت إحدى الشاشتين الموجودتين بجوار السرير ،وأوصلتها بجهاز إكس بوكس الخاص
العب اآلن!» لقد اخترنا ذلك السوق ألنه األقرب لميدان القري=ة؛ حيث يظه=ر الالعب=ون الج=دد =.إذا لم يكن الص=حفيون الع=بين
بالفعل في لعبة «كلوك وورك بالندر» ،فذلك هو المكان الذي س==يظهرون في==ه .في التدوين=ة= بم=دونتي =،طلبت من الن==اس بوج==ه
عام االنتظار في الطريق بين «باتش آي بيت» وبوابة دخول الالعبين الجدد =،وتوجيه أي شخص يبدو كصحفي يجه==ل المك==ان
.إلى السوق
»يا إلهي! ماذا سأقول لهم؟«
».لتجب عن أسئلتهم فحسب .وإذا لم يعجبك أي سؤال ،فلتتجاهله .يمكن ألحد آخر اإلجابة عنه .ستسير األمور على ما يرام«
».هذا جنون«
هذا رائع يا ماركوس .إذا أردت االنتق==ام من وزارة األمن الوط==ني ح ًّق==ا ،فعلي==ك إحراجه==ا .وليس مع==نى ذل==ك أن تتف==وق على«
».رجالها في إطالق النار ،وإنما سالحك الوحيد هو القدرة على جعلهم يبدون= كالحمقى
استلقيت على السرير ،وضعت آنج رأسي في حجرها ،وأخذت تمرر يدها برفق على شعري .غيَّرت قصة شعري ع==دة م==رات
قبل التفجيرات ،وصبغته بكافة األلوان الغريبة .لكن منذ أن خرجت من السجن ،لم أع==د أهتم؛ فص==ار ط==وياًل وأش==عث ،ف==دخلت
إلى الحمام ،وقصصته بماكينة قص الشعر ليصل طوله إلى نصف بوصة من كافة األنح==اء ،وهك==ذا لم يع=د= يتطلب مجه= ً
=ودا في
.العناية به ،وجعلني غير ملحوظ عندما كنت أعمل على التشويش ونسخ شرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات الالسلكية
فتحت عينيَّ ،وحدقت في عينيها ال ُب ِّنيتين= الكبيرتين من خلف نظارتها .كانت==ا مس==تديرتين ،ص==افيتين =،مع==برتين .ك==انت تبرزهم==ا
.للخارج عندما تريد إضحاكي ،أو تجعلهما رائقتين وحزينتين =،أو ناعستين على نحو يجعلني أذوب فيهما
استقمت في جلستي بهدوء ،وعانقتها .بادلتني العناق ،وقبَّل ك ٌّل منا اآلخر .كانت مذهلة في التقبيل .أعلم أنه سبق أن قلت ذل==ك،
.لكنها معلومة تستحق التكرار .تبادلنا القبل كثيرً ا ،لكن لسبب ما كنا نتوقف دائمًا قبل أن نتمادى لما هو أكثر من ذلك
أما اآلن ،فقد أردت التمادي لما هو أكثر .عثرت يدي على حافة التي شيرت الذي كانت ترتدي==ه ،فرفعت==ه .وض==عت ي==ديها على
رأسها ،وانحنت للوراء قلياًل .كنت أعلم أنها ستفعل ذلك ،كنت أعلم منذ= ليلة المتنزه .لعل ذلك هو السبب وراء عدم تمادين==ا لم==ا
.هو أكثر في المرات السابقة؛ كنت أعلم أنني ال أستطيع الثقة في أنها ستتراجع ،األمر الذي أخافني قلياًل
لكنني لم أكن خائ ًفا في تلك اللحظات .المؤتمر الصحفي الذي أوش==ك على االنعق==اد ،الش==جارات م==ع وال==ديَّ ،االهتم==ام الع==المي،
.الشعور بتحركات نشطة حول المدينة =،كل ذلك جعلني أشعر باإلثارة الشديدة
.هذا فضاًل عن أنها جميلة ،وذكية =،وماهرة ،وخفيفة الظل ،وبدأت أحبها
انسل التي شيرت الذي كانت ترتديه ،وقد س=اعدتني ح=تى أخلع=ه عنه=ا .وض=عت ي=ديها خل=ف ظهره=ا وق=امت بش=يء ،وك=انت
النتيجة أنني قد وجدت حمالة الصدر وهي تسقط .حملقت مشدو ًها ولم أستطع الحركة أو التنفس ،ثم قامت هي بشد التي شيرت
.الخاص بي ونزعته عني ،ثم جذبتني ووضعت صدري العاري في مقابل صدرها
وتأوهن=ا .ق َّبلَ ْ
ت ك=ل مك=ان في ص=دري تدحرجنا ببطء على السرير ،والتصق ك ٌّل من=ا ب=اآلخر ،واعتص=ر ك=ل من=ا جس=د اآلخ=ر َّ
ُ
فعلت أنا .لم أستطع التنفس ،لم أستطع التفكير ،كل ما استطعت فعله فقط هو التحرك والتقبيل واللمس .وكذلك
زادت جرأتنا وتجاوزنا هذا .قمت بخلع بنطالها عنها تدريج ًّيا ،وفعلت هي كذلك بي .وفي لحظة ،كنا نحن االثنان مج==ردَين من
م=اركوس ،أنت على وش=ك ممارس=ة الجنس ألول م=رة في حيات=ك على اإلطالق ،ه=ل س=تتوقف عن فع=ل ذل=ك إذا فجَّ رت ه=ذه
.القنبلة النووية في الغرفة التي ستفعله فيها؟» فستكون إجابتي «ال» بيِّنة ال لبس فيها
أمسكت آنج بي ،وج==ذبت وجهي نح==و وجهه==ا ،وأخ==ذت تقبل==ني إلى أن ظننت أن==ني س==أفقد وع==يي .أمس==كنا بع==د ذل==ك بمالبس==نا،
».وارتديناها ،ثم أمسكنا بلوحتي المفاتيح والفأرتين وتوجهنا إلى سوق «باتش آي بيت
•••
كان بإمكانك تحديد الصحفيين بسهولة؛ فهم غير المتمرسين الذين بدوا كسكارى م==ترنحين ،يتم==ايلون لألم==ام والخل==ف ،وألعلى
وأسفل ،محاولين استيعاب كل شيء ،ويضغطون أحيا ًنا على مفتاح خاطئ ،ويقدمون للغرباء جزءًا من مخزون سلعهم أو كل==ه،
ضا؛ فكنا جمي ًعا نلعب لعبة «كلوك وورك بالندر» متى كان لدينا وقت فراغ
كان من اليسير تحديد مستخدمي شبكة إكس نت أي ً
(أو لم تكن لدينا رغبة في تنفيذ الواجبات المنزلية) ،ولنا هيئة مزين==ة؛ إذ نحم==ل أس==لحة أنيق==ة وأش==را ًكا على المف==اتيح ت==برز من
عندما ظهرت ،عرضت رسالة النظام العبارة التالي==ة« :دخ==ل م==ايكي س==وق «ب==اتش آي بيت» :مرح ًب==ا أيه==ا المالح ،نحن نق==دم
صفقة عادلة مقابل الغنيمة الجيدة ».توقف جميع الالعبين على الشاش==ة عن الحرك==ة ،ثم تجمع==وا ح==ولي ،وانه==الت المحادث==ات.
فكرت في تشغيل الترحيل الصوتي ،واستخدام سماعة رأس ،لكنني عندما رأيت عدد الناس ال==ذين ك==انوا يح==اولون التح==دث في
.آن واحد ،أدركت كم سيكون األمر مرب ًك ا .كانت الرسائل النصية أيسر في تتبعها ،وال يمكنهم االقتباس منها على نحو خاطئ
استكشفت الموقع من قبل مع آنج ،كان اللعب معها أمرً ا عظيمًا؛ إذ كان بوسع ك= ٍّل من==ا تجدي==د نش==اط اآلخ==ر .ك==ان هن==اك موق==ع
.مرتفع على مجموعة من صناديق مؤن الملح يمكنني الوقوف عليها ،ويراني الجميع من كل مكان في السوق
مساء الخير ،وشكرً ا لكم جمي ًعا على الحضور .اسمي مايكي ،ولست زعيمًا ألي شيء .ح==ولكم في ك==ل مك==ان مس==تخدمو ش==بكة
إكس نت الذين لديهم ما يقولونه عن سبب وجودنا هنا مثلي تمامًا .إنني أستخدم ش==بكة إكس نت ألن==ني أُومن بالحري==ة ودس==تور
الواليات المتحدة األمريكية =.إنني أستخدم شبكة إكس نت ألن وزارة األمن الوطني قد حولت مدينتي إلى دول==ة ش=رطية جميعن==ا
فيها إرهابيون مشتبه فيهم .إنني أستخدم شبكة إكس نت ألنني أرى أنه ال يمكن حماية الحرية باالعتداء على ميثاق الحقوق .لقد
:عرفت معلومات عن الدستور في مدرسة بكاليفورنيا ،ونشأت على حب بالدي لحريتها .وإن كانت لدي فلسفة ،فهي ما يلي
تنشأ الحكومات بين الناس ،مستمد ًة سلطاتها العادلة من موافقة المحكومين .وإنه عندما يصبح أي ش==كل من أش==كال الحكم في«
أي وقت من األوقات هادمًا ومدمرً ا لهذه الغايات ،يصبح من ح==ق الش==عب أن يغيِّره أو يطيح ب==ه ويش= ِّكل حكوم==ة جدي==دة مقي ًم==ا
ِّ
ومنظ ًما سلطاتها وفق الكيفية التي تبدو له أفضل مالءمة لتحقيق سالمته ورفاهيته ».أساسها على المبادئ،
».ليس ذلك من تأليفي ،لكنني أُومن به .وزارة األمن الوطني تحكمني دون موافقتي«
».شكرً ا لكم«
كنت قد كتبت ه==ذه الكلم=ات في الي=وم الس=ابق ،ووص=لت إلى ص==يغتها النهائي==ة بع=د ع=دد من المس=ودات بالتش=اور م=ع آنج .إن
مستخدمي شبكة إكس نت يرددون عبارات من قبيل «بالض==بط!» و«أمريك==ا ،فلتحبه==ا أو تتركه==ا!» و«رج==ال األمن الوط==ني،
.فلترحلوا!» و«أمريكا تخرج من سان فرانسيسكو» ،كل الشعارات التي تناقلتها مدونات إكس نت
مايكي ،معك بريا راجنيش من بي بي سي .تقول إنك لست زعيمً=ا ألي=ة حرك=ة ،لكن=ك ت=ؤمن ب=أن هن=اك حرك=ة بالفع=ل؟ ه=ل«
هناك العديد من اإلجابات؛ فبعض الناس يقولون إنه لم تكن هناك حركة ،والبعض يقول العكس ،وتتعدد األفكار بشأن اسم ه==ذه
».الحركة :إكس نت ،اإلخوة الصغار ،األخوات الصغيرات ،واسمي المفضل «الواليات المتحدة األمريكية
أخذت األفكار تدور في رأسي ،أطلقت العنان لها ،محاواًل الوصول إلى ما يمكنني قوله ،وم==ا إن توص==لت إلي==ه ح==تى كتبت م==ا
:يلي
».أعتقد أن ذلك يجيب عن سؤالك ،أليس كذلك؟ قد تكون هناك حركة واحدة أو أكثر ،وقد يكون اسمها «إكس نت» أو ال«
مايكي ،اسمي داج كريستينسين من «واشنطن إنترنت دايلي» .في رأيك ماذا تفعل وزارة األمن الوط==ني لمن==ع وق==وع هج==وم«
مزيد من األفكار المتداخلة .قال كثيرون إن اإلرهابيين والحكوم==ة واح==د؛ س==واء ب==المعنى الح==رفي للكالم أو بمع==نى أنهم==ا على
الدرجة نفسها من السوء .وق==ال البعض إن الحكوم==ة ع==رفت كي==ف تقبض على اإلره==ابيين ،لكنه==ا فض==لت ع==دم فع==ل ذل==ك ألن
».ال أعلم«
:كتبت أخيرً ا
ال أعلم ح ًّقا .أسأل نفسي ه==ذا الس==ؤال كث==يرً ا ألن==ني ال أرغب في أن أتع==رض للتفج==ير ،أو تتع==رض م==دينتي ل==ذلك .وإليكم م==ا«
توصلت إليه :إذا كانت مهمة وزارة األمن الوطني هي الحفاظ على أمننا ،فهي فاشلة في ذلك؛ فكل الهراء الذي تفعله لن يحول
دون تفجير الجسر مرة أخرى :تع ُّقبنا بأرجاء المدينة =،سلبنا حريتنا ،زرع الشك والعداء في نفوسنا بعضنا تجاه البعض ،إطالق
».صفة الخائنين على المعارضين ،اإلرهاب يهدف لترهيب الناس ،وهذا ما تفعله بي وزارة األمن الوطني
ليست لدي أية فرصة للتعبير عن رأيي فيما يفعله اإلرهابيون بي ،لكن إذا كانت ه==ذه دول==ة ح=رة ،يجب أن أك==ون ق=ادرً ا على«
».األقل على أن أقول رأيي فيما يفعله رجال الشرطة بي .يجب أن أكون قادرً ا على منعهم من إرهابي
»ماذا تعني بقولك إن وزارة األمن الوطني لن توقف اإلرهابيين؟ كيف تعلم بذلك؟«
»من أنت؟«
أبلغ من العمر ١٧عا ًم ا ،ولست بالطالب المتفوق على الدوام أو أي شيء من هذا القبي==ل .رغم ذل==ك ،فق==د توص=لت إلى عم==ل«
شبكة تواصل ال يمكن ألحد التجسس عليها ،وتوصلت أي ً
ضا لكيفية التشويش على ما تستخدمه ال=وزارة من تقني==ة لتتب=ع الن=اس؛
فتمكنت بذلك من تحويل أبرياء إلى مشتبه فيهم ،ومذنبين إلى أبرياء في نظر الوزارة ،ويمكنني بذلك أيضً ا إدخال مواد معدني==ة
على الطائرات أو التحايل على قائمة الممنوعين من السفر .اكتشفت ذلك عن طريق البحث على اإلن==ترنت والتفك==ير .وإذا ك==ان
»بإمكاني فعل ذلك ،فبإمكان اإلرهابيين أيضً ا .لقد أخبرونا بأنهم سلبوا حريتنا لتحقيق األمن لنا ،فهل تشعر باألمان؟
طرح مزيد من الصحفيين أسئلة ،بعضهم كان متعاط ًفا ،والبعض اآلخ==ر ك==ان ع==دائ ًّيا ،وعن==دما ش==عرت ب==التعب ،أعطيت لوح==ة
المفاتيح آلنج ،وتركتها تلعب دور مايكي لفترة من الوقت .لم أعد أشعر في الحقيقة بأنني ومايكي شخص واحد؛ فم==ايكي ش==اب
يحادثه الصحفيون الدوليون ،ومؤسس حركة .أما ماركوس ،فهو طالب مفصول من المدرسة ،يتشاجر مع وال==ده ،ويتس==اءل م==ا
بحلول الساعة الحادية عشرة مساءً ،كنت قد نلت كفايتي من ذلك المؤتمر ،هذا فضاًل عن توق==ع وال==ديَّ ع==ودتي للم==نزل قري ًب==ا.
.سجلت الخروج من اللعبة ،وكذلك فعلت آنج ،واستلقينا هناك للحظات .أمسكت بيدها ،وضغطت عليها بقوة ،وتعانقنا
»سألتها« :ماذا؟
»فأجابت« :قلت لك إنني أحبك .ماذا؟ أتريد مني أن أرسلها إليك في تلغراف؟
»!يا إلهي«
».فقلت لها« :كل ما في األمر أنني لم أقلها ألحد من قبل؛ لذلك كنت أتأهب لها
».أنت لم تقلها بعد .ال تظن أنني لم أالحظ ذلك .نحن الفتيات نركز في هذه األمور«
.أخذنا يقبِّل كل منا اآلخر حتى كادت تنقطع أنفاسنا .حينذاك ،طرقت أمها الباب
»قالت« :آنجيال ،أعتقد أنه قد حان وقت عودة صديقك لمنزله ،أليس كذلك؟
ً
قائلة« :س==يقولون كم قالت وهي تلوح بيدها كما لو كانت تلوح ببلطة« :نعم يا أمي ».وأثناء ارتدائي للجورب والحذاء ،همست
كانت آنجيال فتاة مطيعة ،من ك==ان يتوق==ع ح==دوث ذل==ك .لطالم==ا قض==ت أوقاته==ا في الفن==اء الخلفي تس=اعد وال==دتها في ش=حذ تل==ك
».البلطة
ُ
ضحكت ،وقلت لها« :ليست لديكِ فكرة عن مدى الحرية التي تتمتعين= بها هنا ،فما من سبيل أن يتركنا والداي وحدنا في غرف==ة
قالت« :ارحل ،اركض ،تحرر! انظر يمي ًن=ا ويس=ارً ا قب=ل عب=ور الطري=ق! وداعً= ا ،اتص=ل بي في أق=رب وقت ،ال تتوق=ف ح=تى
».لعناق! إذا لم تخرج من هنا قبل رقم عشرة ،فستقع في مشكالت سيدي .واحد ،اثنان ،ثالثة
أسكتها بأن زحفت على السرير ،وقبَّلتها إلى أن توقفت عن محاولة الع ِّد .نزلت على الدَّرج وجه==از إكس ب==وكس تحت ذراعي،
وقفت والدتها عند نهاية الدرج .لم أقابلها سوى مرات معدودة .ك=انت ص=ورة من ابنته=ا آنج ،لكن أط=ول وأك=بر س= ًّنا ،وترت=دي
عدسات الصقة بداًل من النظارات .قالت آنج إن والدها كان أقصر منهما .ب==دت وق==د ص==نفتني على نح==و م==تردد كف==تى ص==الح،
.فأجابت« :تصبح على خير سيد يالو ».اعتدنا تبادل التحية على هذا النحو منذ أن ناديتها بلقب سيدة كارفيلي في لقائنا األول
أخذت أفكر وأنا في الحافلة طوال طريقي إلى المنزل في المؤتمر الص=حفي ،ومغ=ازلتي آلنج ،ووال=دتها ال=تي تبتس=م في وجهي
عندما استغرقت في النوم ،عادت األحالم تراودني عن المؤتمر الصحفي .كنت فخورً ا به ح ًّقا؛ فمن الرائع أن يظهر كل أولئ==ك
الصحفيين المهمين= في اللعبة ،وأن أجعلهم يستمعون إليَّ وإلى ك==ل من آمن==وا بم==ا كنت أُومن ب==ه .نمت واالبتس==امة ترتس==م على
.شفتيَّ
•••
».زعيم شبكة إكس نت« :يمكنني إدخال مواد معدنية= على الطائرات
كانت هذه هي العناوين «الجيدة» .أرسل إليَّ الجميع المقاالت الص==حفية كي أض==عها على المدون==ة ،لكن ذل==ك ك==ان آخ==ر ش==يء
.أرغب في فعله
لقد أفسدت األمر ،بشكل أو بآخر .لقد حضرت الجهات الصحفية المؤتمر الصحفي ،وتوصلت إلى أنن==ا إره==ابيون أو أدوات في
ً
متحدثة عن أيديهم .أسوأ ما حدث كان من مراسلة من فوكس نيوز ظهرت على الشاشة ،وخصصت عشر دقائق للتعليق علينا،
«:خيانتنا الجنائية» .كانت عبارتها األهم التي وجدتها تتكرر بجميع الجهات اإلخبارية هي
يقولون إنه ال اسم لهم ،وقد وجدت لهم اسمًا؛ فلنطلق على هؤالء الشباب المُدلَّل اسم «قاع==دة كاليفورني==ا»؛ فهم ي==ؤدون عم==ل«
اإلرهابيين في الجبهة الداخلية .وعندما تتعرض — أقصد عندما تتعرض وليس إذا تعرضت — كاليفورني==ا لهجم==ات مج= ً
=ددا،
».فسيُل َقى باللوم على هؤالء الشباب المزعجين بقدر ما سيُل َقى على آل سعود
اتهمنا كذلك قادة حركة مناهضة الحرب بأنن==ا عناص==ر ذات آراء متطرف==ة ،وظه==ر ش==خص على شاش==ة التليفزي==ون ليق==ول إنن==ا
عقدت وزارة األمن الوطني مؤتمرً ا صحف ًّيا من جانبها لتعلن أنها ستضاعف قواتها األمني==ة في س==ان فرانسيس==كو ،وأعلنت عن
عثورها على ناسخ لشرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات الالسلكية في مكان م==ا ،وتمت تجربت==ه عل ًن==ا باس==تخدامه في تمثي==ل
ً
خاصة الذين ال تظه==ر سرقة سيارة ،ونصحت الوزارة الجميع بضرورة الحذر من الشباب الذين يتصرفون تصرفات مشبوهة،
.أيديهم للعيان
كان ذلك أمرً ا جا ًّدا .أنهيت بحثي عن كيرواك ،وبدأت في بحث عن حرك==ة «ص==يف الحب» ،وه==و ص==يف ع==ام ١٩٦٧؛ حيث
تجمع الهيبيز وأعضاء الحركة المناهضة للحرب إلى س==ان فرانسيس==كو .إن من أسس==وا ش==ركة «بين آن==د ج==يريز» — وال==ذين
كانوا من الهيبيز أنفسهم — شيدوا متح ًفا للهيبيز في شارع هايت ،باإلضافة إلى المع==ارض وس==جالت المحفوظ==ات ال==تي يمكن
لكن التجول في األرجاء لم يكن يسيرً ا .بحلول نهاية األسبوع ،كنت قد خضعت للتفتيش أربع مرات في المتوسط يوم ًّي==ا .تحق==ق
رجال الشرطة من بطاقة هويتي ،وطرحوا عليَّ األسئلة بشأن س==بب وج==ودي في الش==ارع ،م==ع ق==راءة متأني==ة لخط==اب مدرس==ة
األمن الوطني تعلن اعتقالها لع==دد أك==بر من «زعم==اء الفتن==ة» و«العمالء الس==ريين» بش==بكة إكس نت ،أش==خاص لم أع==رفهم أو
أسمع عنهم من قبل امتألت بهم شاشات التليفزيون ومعهم أجهزة كشف عن شرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات الالس=لكية،
وغير ذلك من المعدات التي كانت في جيوبهم .وأعلنوا أن الناس يرشدون عن أس==ماء بعينه==ا ض==من «ش==بكة إكس نت» ،وأن==ه
.من المتوقع القبض على المزيد من الناس قريبًا .واسم «مايكي» كان متداواًل
أحب أبي ذلك .شاهدنا األخبار م ًع ا ،وهو يحدق بإعجاب ،وأنا منكمش من الخوف .قال أبي« :يجدر بك أن ت==رى م==ا س==يفعلونه
مع هؤالء الشباب .لقد رأيت ذلك بعيني .سيأتون ببعض هؤالء الشباب ،ويتحققون من قوائم أصدقائهم على برنامج المراسالت
الفورية وأرقام االتصال السريع على الهواتف الخاصة بهم ،ويبحثون عن األسماء التي يتك=رر ظهوره=ا ،والنم=اذج المتك=ررة،
».ليلقوا القبض على المزيد من الشباب .سوف يفككون تلك الشبكة تمامًا
ألغيت موع==د العش==اء م==ع آنج في مكانن==ا المفض==ل ،وص==رت أقض==ي مزي= ًدا من ال==وقت ل==ديها في الم==نزل ،وأطلقت عليَّ أخته==ا
الصغرى تينا اسم «الضيف» ،فتقول على سبيل المثال« :هل سيتناول الضيف العشاء معنا الليلة؟» أحببت تينا .ك==ل م==ا ك==انت
تهتم به هو الخروج ،والذهاب إلى الحفالت ،وااللتقاء بالشباب ،لكنه==ا ك==انت ظريف==ة ومخلص==ة تما ًم==ا آلنج .في إح==دى اللي==الي،
ضا أحبك .لكن عليَّ أن أخبرك بشيء :إذا تسببت في كسر قلبه==ا ،فس==أتتبعك وأم==زق أحش==اءك ،وس==يكون ذل==ك س==ي ًئا
بك ،وأنا أي ً
».ج ًّدا
طمأنتها بأن قلت لها إنني أُفضِّل أن أمزق أحش==ائي بنفس==ي ب==داًل من أن أكس==ر قلب آنج .فأوم==أت برأس==ها وق==الت« :إذن ،فنحن
».هل حادثتك عن «تمزيق األحشاء»؟ أكره فعلها لذلك .إنها تحب التحدث على هذا النحو ال أكثر .ال يتعلق األمر بك«
قالت« :استمع إلى ذلك .ستعلن الشرطة نهاية ه==ذا األس==بوع عن القبض على أربعمائ==ة إلى س==تمائة ش==خص فيم==ا تعت==بره أك==بر
أناس=ا يج==رون مزي= ًدا من التش==ويش ليظه==روا أنهم ليس==وا خ==ائفين .أليس ذل==ك
قلت آلنج« :علين==ا إيق==اف ذل==ك .تعلمين= أن هن==اك ً
»جنو ًنا؟
».فقالت« :أعتقد أنها شجاعة .ال يمكننا أن نسمح لهم بإخضاعنا عن طريق إخافتنا
ماذا؟ ال يا آنج ،ال .ال يمكننا أن نسمح ب==دخول المئ==ات من الن==اس إلى الس==جن .أنت لم تدخلي==ه ،لكن==ني دخلت==ه .إن==ه أس==وأ مم==ا«
أنا أتحدث بجدية يا ماركوس .أتعتقد أن الناس ال يعلمون أن==ه يمكن أن ي==دخلوا الس==جن؟ إنهم يؤمن==ون بالقض==ية ،وك==ذلك أنت«.
».فلتجعلهم يعرفون ما هم مقدمون عليه .لست أنت من يقرر ما المخاطر التي يمكنهم خوضها أو ال
لست القائد ،بالطبع لست كذلك .لكن بإمكاني المساعدة إذا لجئوا إليَّ للحصول على إرشاد .وطالما يفعلون ذل==ك ،فأن==ا مس==ئول«
كل ما أفهمه هو أنك ستهرب عند ظهور بوادر وقوع أول مشكلة .أعتقد أنك خائف من أن يكتشفوا هويتك =.أعتقد أنك خ==ائف«
».على نفسك
».قلت ،وأنا أستقيم في جلستي وأبتعد عنها« :هذا ليس منص ًفا
»ح ًّقا؟ َمن كاد يصاب بأزمة قلبية عندما علم أن هويته السرية قد ُكشِ ف عنها؟«
»كان ذلك مختل ًفا .لم يكن األمر يتعلق بي ،تعلمين ذلك .لماذا تتصرفين هكذا؟«
»لماذا تتصرف «أنت» هكذا؟ لماذا ال تريد أن تكون الشاب الذي واتته الشجاعة ليبدأ كل ذلك؟«
».هذه ليست شجاعة ،وإنما انتحار«
».لن أخبر أح ًدا بعد ذلك بما عليه فعله؛ ألنني لست قائ ًدا ألحد ،بغض النظر عما تراه فوكس نيوز«
رأيت أن ذلك الصواب ،فقد تفعله َ
أنت أيضًا« َ ك بما أخطط لفعله .وإذا
».لكنني سأخبر َ
لن أقوم بالتشويش .ليس هذا األسبوع ،وربما ليس األس=بوع الت=الي ً
أيض=ا ،وليس ألن=ني خ=ائف ،وإنم=ا ألن=ني بال=ذكاء الك=افي«
ألعلم أن وجودي خارج السجن أفيد كثيرً ا من دخولي إياه .لقد علموا كي==ف يوقف==ون خطتن==ا؛ ول==ذا علين==ا أن نتوص==ل إلى خط==ة
َّ
أفلت من جدي==دة .ال أهتم م==ا الخط==ة ،لكن==ني أري==دها أن تنجح .من الغب==اء التع==رض لالعتق==ال؛ ف==األمر ال يتع==دى التش==ويش إذا
».العقاب
عليك ما تفعله«
َ ».ال أملي
لكن رجال وزارة األمن الوطني أغبياء ،ونحن أذكياء .التشويش يثبت أنه ليس بوسعهم مكافحة اإلره==اب؛ ألن==ه يؤك==د أنهم ال«
ليسوا أذكى م َّنا! العكس هو الص==حيح .لنكن أك==ثر ذك==اءً .لنص==ل إلى طريق==ة للتش==ويش عليهم ،بغض النظ==ر عن ع==دد الحمقى«
.افتقدت آنج
•••
لم أتحدث أنا وآنج على مدى األيام األربعة التالية ،والتي تضمنت عطلة نهاية األسبوع ،وعدت بعد ذلك إلى المدرسة .اتص==لت
.بها كثيرً ا ،وكتبت لها اآلالف من رسائل البريد اإللكتروني والرسائل الفورية التي لم أبعث بها
عدت إلى حصة الدراسات االجتماعية ،رحبت بي الس==يدة آندرس==ن بانحن==اءة س==اخرة ،وس==ألتني برق==ة كي==ف ك==انت «اإلج==ازة»
.خاصتي .جلست ،ولم أنطق بشيء .كان بإمكاني سماع صوت تشارلز وهو يضحك ضحكة خافتة
كان الدرس عن «القدر المحتوم» المتمثل في فكرة أن األمريكيين= مُق َّدر لهم الهيمنة على الع==الم بأكمل==ه (أو على األق==ل ه==ذا م=ا
.جعلت آندرسن األمر يبدو عليه) .وكان من الواضح أنها تحاول إثارتي كي أقول شي ًئا ما لتتمكن من طردي
شعرت بأن العيون جميعها في الفصل موجهة إليَّ ،وذكرني ذلك بمايكي ومن ينظ==رون إلي==ه نظ==رة تبجي==ل .س==ئمت من العي==ون
.قضيت ما تبقى من اليوم دون أن يخلف أي شيء أي تأثير عليَّ ،وال أظن أنني قد نطقت بثماني كلمات كاملة
.وأخيرً ا ،انتهى اليوم ،وركلت األبواب متوجهًا نحو البوابات ،وحي ميشن السخيف ومنزلي الفاتر
لم أكد أخرج من البوابة حتى اصطدم بي شخص ما .كان شا ًّبا متشر ًدا ربما يماثلني في العم==ر أو يك==برني قلياًل ،وك==ان يرت==دي
ً
جهازا لتقطي==ع الخش==ب .انس==دل ضا ،وحذا ًء رياض ًّيا متآكاًل كما لو كان قد دخل ً
ملوثا بالشحم ،وبنطال جينز فضفا ً معط ًفا طوياًل
.شعره الطويل على وجهه ،وغطت لحية شعثة عنقه في غير انتظام وصواًل إلى ياقة السترة المحبوكة عديمة اللون
لمحت كل هذه التفاصيل أثناء استلقائي بجواره على الرصيف ،والناس يمرون بجانبنا ويرمقوننا بنظرات غريبة .يب==دو أن==ه ق==د
اصطدم بي أثناء ركضه بشارع فالينسيا ،وانحنى مع حمل حقيبة الظهر التي خ=رجت محتوياته=ا بج=واره على الرص=يف ،وق=د
.نهض ليجلس على ركبتيه ،وأخذ يتأرجح لألمام والخلف ،كما لو كان تحت تأثير الخمر أو اصطدمت رأسه
وقف وابتسم .كانت أسنانه مستقيمة وناصعة البياض كما لو كانت في إعالن عن عيادة لتقويم األسنان .م َّد يده نحوي ،واتسمت
.قبضته بالقوة
أنا عن جد آسف ».كان صوته أيضًا واضحً ا ودااًّل على الذكاء .توقعت أن يكون صوته كالسكارى الذين يتحدثون مع أنفسهم«
.أثناء تجولهم في حي ميشن في وقت متأخر من الليل ،لكن صوته بدا كموظف مطلع في متجر للكتب
».قال« :زيب
».فقلت« :ماركوس
ً
ثانية« ً
مصادفة »!تشرفت بلقائك يا ماركوس .أتمنى أن ألقاك
•••
سرت ما تبقى من الطريق إلى المنزل في حالة من االرتباك .كانت والدتي تجلس على طاولة المطبخ .تبادلنا أط==راف الح==ديث
.عن أشياء غير مهمة ،وما كانت عليه أحوالنا قبل أن يتغير كل شيء
صعدت إلى غرفتي ،ارتميت بتثاقل على الكرس=ي .وه==ذه الم==رة ،لم أرغب في تس=جيل ال==دخول على ش==بكة إكس نت .كنت ق==د
دخلت عليها صباح ذلك اليوم قبل الذهاب إلى المدرسة ،واكتشفت أن مالحظتي ق==د أث==ارت ج==داًل واس==ع النط==اق بين َمن اتفق==وا
.معي ومن انزعجوا — ومعهم العذر في ذلك — من أنني أطلب منهم التخلي عن نشاطهم المفضل
كنت في خضم العمل على مشروعات عديدة= عندما بدأ كل ذلك؛ فقد كنت أصمم كاميرا ذات ثقب من مكعبات الليجو ،وأمارس
التصوير الفوتوغرافي بالطائرات الورقية باستخدام كاميرا رقمية قديمة= ذات زر ي==برز من موض==ع غ==ريب يمت==د للخ==ارج عن==د
اإلطالق ،ويرجع للخلف ببطء إلى شكله األصلي ليحرك مصراع الكاميرا على فترات زمنية منتظمة =.ك==ان ل==ديَّ مك==بر معتم=د=
على صمامات مُفرَّ غة وضعته داخل علبة زيت زيتون صدئة متبعجة قديمة للغاي=ة ،وال=ذي ب==دا ككش=ف أ َث=ري .وم=ا إن انتهيت
.منه حتى َّ
خططت لتصميم قاعدة شحن لهاتفي ،ومجموعة من مكبرات الصوت من علب التونة
تفقدت طاولة العمل الخاصة بي ،وأمسكت أخيرً ا بالكاميرا ذات الثقب .من الناحية المنهجية ،تمتعت بالسرعة المناسبة ل==تركيب
.مكعبات الليجو
خلعت ساعة يدي ،والخاتم الفضي السميك الذي يوضع في إصبعين ،وكان على شكل قرد ومقاتل نينجا مت==أه َبين للقت==ال .ألقيت
بالساعة والخاتم في الصندوق الصغير الذي احتفظت فيه بكل األشياء التي كنت أحملها في جي==وبي وح=ول عنقي قب=ل الخ=روج
لقضاء يومي :الهاتف ،والمحفظة ،والمفاتيح وجهاز البحث عن إش=ارات ال=واي ف=اي ،والنق=ود الفك=ة ،والبطاري=ات ،والك=ابالت
.القابلة للسحب … إلخ .أفرغت كل ذلك في الصندوق ،ووجدتني أمسك بشيء آخر ال أذكر وضعي له في جيبي
كان قطعة ورق رمادية ناعمة الملمس مثل النسيج الصوفي الناعم ،وخشنة عن==د األط==راف حيث المك==ان ال==ذي ُم= ِّ
=زقت من==ه من
ورقة أكبر حجمًا .ومكتوب على الورقة بخط دقيق ومكتوب بعناية تفوق أي خط آخر رأيته من قبل .فتحت الورق==ة ،ورفعته==ا.
غطت الكتابة جانبي الورقة من الزاوية اليسرى العلي=ا بأح=د ال=وجهين وص=واًل إلى توقي=ع غ=ير مق=روء بالج=انب األيمن األدنى
.بالوجه اآلخر
»عزيزي ماركوس«
أنت ال تعرفني ،لكنني أعرفك .على مدار الشهور الثالثة الماضية ،منذ= تفجير جسر باي ،كنت مسجو ًنا على جزيرة «تريجر«
آيالند» ،وقد كنت في الفناء في ذلك اليوم الذي تح==دثت في==ه م==ع فت==اة آس==يوية األص==ل ،وأ ُ ِ
مس=ك ب==ك .أحيي==ك على ش==جاعتك في
».ذلك
أُصِ بت بانفجار في الزائدة الدودي==ة في الي==وم الت==الي ،وانتهى بي الح==ال في المستش==فى .وفي الس==رير المج==اور لي رق==د ش==اب«
ي==دعى داري==ل .ظللن==ا م ًع= ا في مرحل==ة نقاه==ة لف==ترة طويل==ة ،وعن==دما اس==تعدنا عافيتن==ا ،ك==ان من المح==رج للغاي==ة لهم أن يطلق==وا
».سراحنا
ومن ثم ،قرروا أننا مذنبون بما ال يدع مجااًل للشك .أخذوا يستجوبوننا ك==ل ي==وم .لق==د خض==عت الس==تجواباتهم على م==ا أعتق==د«.
تخيل استمرار ذلك شهورً ا .انتهى بي الحال مع داريل في زنزانة واحدة ،وكنا نعلم أنهم يتنصتون علين==ا؛ ول==ذلك لم نتح==دث إال
في األمور غ==ير ذات الص==لة بالموض==وع .لكن في اللي==ل ،وبينم==ا نحن مس==تلقيان على س==ريرينا ،كن==ا نتراس==ل في ه==دوء بنظ==ام
».مورس (علمت أن أيام ممارستي لهواية الالسلكي ستؤتي ثمارها يومًا ما)
في البداية ،كانت أسئلتهم لنا هي األسئلة الغبية ذاتها :من فعل ذلك؟ وكيف؟ لكن بعد فترة قصيرة ،انتقل==وا للتح==دث عن ش==بكة«
».إكس نت ،وبالطبع لم نكن قد سمعنا عنها من قبل .لكن ذلك لم يجعلهم يكفوا عن سؤالنا عنها
أخبرني داريل أنهم أحضروا له أجهزة لنسخ شرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات الالسلكية ،وأجهزة إكس بوكس ،وجميع«
أنواع التقنيات األخرى ،وطلبوا منه إخبارهم بهوي==ة من يس==تخدمونها ،وأين تعلم==وا تع==ديلها .أخ==برني داري==ل عن ألعاب==ك ،وم==ا
».تعلمته
س=ألتنا وزارة األمن الوط==ني ،على وج=ه الخص==وص ،عن أص==دقائنا :من نع==رفهم؟ وم=ا ط==بيعتهم؟ وه==ل ل==ديهم أي انتم==اءات«
أطلقنا على السجن اسم «جوانتانامو الخليج» .مر أسبوع على خروجي من السجن ،وأظن أن الجمي==ع ال يعلم==ون أن أبن==اءهم«
».وبناتهم مسجونون وسط الخليج .يمكنك سماع الناس لياًل يضحكون ويحتفلون على البر الرئيسي
خرجت األسبوع الماضي .لن أخبرك كي==ف ح==دث ذل==ك خش==ية أن تق==ع ه==ذه الورق==ة في األي==دي الخاطئ==ة .وربم==ا ينهج نهجي«
».آخرون
أخبرني داريل كيف أجدك ،وجعلني أعده بأن أخبرك بما علمته عن==د ع==ودتي .واآلن ،وبع==د أن فعلت ذل==ك ،س=أرحل عن هن==ا«
».كما فعلت العام المنصرم .بطريقة أو بأخرى ،سأرحل عن هذا البلد .اللعنة على أمريكا
».لتتح َّل بالقوة .إنهم يهابونك ،فلتنتقم لي منهم ،واحرص على أال يُق َبض عليك«
»زيب«
اغرورقت عيناي بالدموع مع انتهائي من قراءة الرسالة .ك=انت ل=دي قداح=ة في مك=ان م=ا على مكت=بي ،كنت أس=تخدمها أحيا ًن=ا
.داريل
لقد نسيته تما ًم ا وسط كل ما أعيشه من مشكالت :شبكة إكس نت ،وآنج ،ووزارة األمن الوطني .لق==د ص=ار ش==بحً ا كم==ا ل=و ك==ان
صدي ًقا عرفته قديمًا وانتقل بعي ًدا= أو سافر ضمن برنامج لتبادل الطالب .ط==وال ذل==ك ال==وقت ،ك==انوا يس==تجوبونه ،ويطلب==ون من==ه
الوشاية بي ،وشرح شبكة إكس نت والمشوشين على عملهم .لق==د ك==ان على جزي==رة «تريج==ر آيالن==د» ،تل==ك القاع==دة العس==كرية
المهجورة التي تقع في منتصف الطريق على امتداد جسر باي المدمَّر .لقد كان قريبًا لدرجة أنه كان بإمك==اني الس==باحة وص==واًل
.إليه
أنزلت القداحة من يدي ،وقرأت الرسالة مرة أخرى .وعن==دما انتهيت منه==ا ،وج==دت نفس==ي أبكي وأنش==ج .ع==اودتني ذك==رى ك==ل
شيء :السيدة ذات الشعر القصير ،واألسئلة التي طرحتها عليَّ ،ورائح=ة الب==ول الكريه=ة ،وتيبس س=روالي بع==د أن جفف=ه الب=ول
»!ماركوس«
كان باب غرف==تي مفتوحً= ا بعض الش=يء ،ووال=دتي تق=ف عن==ده تش=اهدني ،وارتس==مت على وجهه==ا نظ=رة قلق=ة .كم مض=ى على
وجودها هناك؟
»!مسحت الدموع من على وجهي ،وتنشقت مخاط أنفي .قلت لها« :مرحبًا ،أمي
أعطتني بذلك حجة؛ وكان بإمكاني إلقاء اللوم في حالتي على وقوع مش==كالت م==ع آنج ،وب==ذلك ،س==تخرج من غرف==تي وتترك==ني
».لقد كنت في السجن ،بمكان ما خلف الجسر .كنت في السجن طوال تلك الفترة«
النشيج الذي صحب حديثي ب َّدل صوتي بصوت آخر ،فبدا كصوت حيوان ،حمار مثاًل أو مواء قطة ضخمة في اللي==ل .أص==ابني
ضمتني أمي بين ذراعيها كما كانت تفعل عندما كنت طفاًل صغيرً ا ،وأخذت تمرر يدها في ش=عري .همس=ت في أذني ،وأخ=ذت
.بكل شيء
.كل شيء
مبان على ناص=ية ش=ارعي «ه=ايت» و«آش=بيري» بالض=بط .يع=رف الع=املون في ذل=ك المتج=ر كي=ف
ٍ آند جيريز سوى بضعة
يقيمون حفالت رائعة خاصة بال ُك َّتاب .عندما كنت أعيش في سان فرانسيسكو ،اعتدت الذهاب إلى هن==اك دو ًم==ا لس==ماع أح==اديث
بعض ال ُك َّتاب العظام (ال يمكنني نسيان حديث ويليام جيبسن) .ويصدر المتجر ً
أيض=ا بطاق==ات قابل==ة للجم==ع والتب=ادل تش==به تل==ك
.الخاصة بالعبي البيسبول لكل مؤلف؛ لدي بطاقتان من حفلين أُقيما لي هناك
***
في البداية =،بدت أمي مصدومة ،ثم غاضبة ،وأخيرً ا لم يعد وجهها يعبر عن أي شيء ،ولم ُتب ِد أي تعب=ير س=وى أن فغ=رت فاه=ا
.فقط أثناء روايتي لها عن االستجواب ،وتبليلي لسروالي ،والكيس الذي وُ ضِ ع على رأسي ،وداريل .أعطيتها الرسالة
»لماذا …؟«
حملت تلك الكلمة كل اتهام مض=اد وجهت==ه لنفس=ي لياًل ،وك=ل لحظ==ة افتق==رت فيه==ا للش==جاعة الالزم==ة ألن أخ==بر الع==الم بالس==بب
.الحقيقي وراء ما كنت أفعله ،ولماذا كنت أناضل ،وما ألهمني ح ًّقا لتصميم شبكة إكس نت
».هددوني بالزج بي في السجن إذا تحدثت عن األمر .ولن أظل هناك أليام ،بل لألبد .وقد كنت … كنت مرعوبًا«
ً
جالسة معي فترة طويلة دون أن تنبس ببنت شفة ،ثم قالت أخيرً ا« :ماذا عن والد داريل؟ »ظلت أمي
.كان سؤالها كغرز إبرة في صدري .والد داريل؟ ال بد أنه افترض موت ابنه منذ= وقت طويل
أَ َولَ ْم يكن مي ًتا بالفعل؟ فهل يُع َق ل أن تطلق وزارة األمن الوطني سراحك بعد اعتقالها لك دون سبب قانوني لمدة ثالثة أشهر؟
.لكن زيب خرج .لعل داريل سيخرج أي ً
ضا .وربما يمكنني أنا وشبكة إكس نت أن نساعد داريل في أن يخرج
.بكت أمي حينذاك ،ولم تكن بالشخص الذي يبكي بسهولة؛ فهذا أحد الطباع البريطانية .فجعل ذلك نشيجها المختنق أسوأ
ً
قائلة« :سوف تخبره .سوف تفعل ».تمكنت أخيرً ا من أن تتحدث
».سأفعل«
•••
لم يعد ألبي موعد محدد للرجوع إلى المنزل؛ فبين العمالء الذين يقدم لهم االستشارات — الذين زاد حجم أعم==الهم كث==يرً ا اآلن
حتى إن وزارة األمن الوطني بدأت عمليات تنقيب عن البيانات على شبه الجزيرة — والمسافة الطويلة إلى ب==يركلي ،ك==ان من
.وعند وصوله للمنزل ،كنا قد تهيئنا في غرفة المعيشة وبيننا الرسالة على الطاولة الصغيرة
كانت رواية ما حدث أيسر في المرة الثانية؛ فالسر لم يعد يثقل صدري كما كان من قبل .لم أُزيِّن حديثي ،ولم أخ==فِ أي ش==يء.
ل==وث
سمعت من قبل عن راحة اإلفضاء بكل ما بداخل المرء ،لكنني لم أفهم قط ما يعنيه ذلك إلى أن فعلته .إن كتم سر بداخلي َّ
.روحي ،فأصابني بالخوف والخزي ،وجعلني أمر بكل ما كانت آنج تقول إنني سأمر به
تسمَّر أبي في مكانه طوال ال=وقت أثن==اء تح=دثي ،ووجه==ه ك==المنحوت من الص=خر .عن=دما أعطيت=ه الرس=الة ،قرأه=ا م=رتين ،ثم
ً
ثانية بحذر على الطاولة .وضعها
َّ
.هز رأسه ،ونهض متوجهًا ناحية الباب األمامي
ً
شخص =ا حدقت أنا وأمي ك ٌّل منا في اآلخر في ارتباك ،وانتظرنا عودته إلى المنزل .حاولت تخيل ما يدور في رأسه .لقد ص==ار
آخر منذ وقوع التفجيرات ،وعلمت من أمي أن ما غيَّره األيام التي ظن فيها أنني قد لقيت حتفي؛ فق==د ظن أن اإلره==ابيين قتل==وا
أصابه بجنون جعله يفعل أي شيء تمليه عليه وزارة األمن الوطني ،من االنتظام في صف كخروف صغير مطيع والسماح لهم
وقد علم اآلن أن تلك الوزارة هي التي ألقت بي في السجن ،وتحفظت على شباب سان فرانسيسكو في سجن جوانتانامو الخليج.
كان األمر منطق ًّيا تمامًا بعد= أن فكرت فيه .بالطبع ،كانت جزي=رة «تريج=ر آيالن=د» هي ال=تي اع ُتقِلت فيه=ا ،فم=ا المك=ان اآلخ=ر
.عندما عاد أبي ،بدا أكثر غضبًا من أي وقت مضى في حياته قاطبة
».تدخلت أمي بيني وبينه ،وقالت له« :أنت تلوم الشخص الخطأ .ليس ماركوس من اختطف وأرهب
َّ
هز رأسه ،وضرب األرض بقدمه ،وقال« :إنني ال ألوم ماركوس .أعلم بالضبط من ينبغي أن ألومه؛ إنه أنا .أنا ووزارة األمن
•••
أعلم اسم باربارا ستراتفورد من مكان ما ،لكنني ال أتذكر من أين .اعتق==دت أنه==ا ربم==ا تك==ون ص==ديقة قديم=ة= لوال==ديَّ ،لكن==ني لم
في تلك األثناء ،توجهنا إلى منزل والد داريل .لم أشعر بالراحة قط في وجود هذا الرجل الذي ك==ان يعم==ل مش==غاًل لالس==لكي في
البحرية ،ويدير منزله إدارة عسكرية .لقد َعلَّم داريل نظام مورس عندما كان صغيرً ا ،ما اعتبرته دومًا أمرً ا رائعً ا .وهو األم==ر
الذي جعلني أثق في خطاب زيب .لكن في مقابل األمور الجيدة مثل نظام مورس ،كان لوالد داريل نظ==ام عس==كري جن==وني ب==دا
أنه يتبعه= من أجله نفسه ،مثل اإلصرار على طي مالءات األسِ رَّ ة طية عسكرية ،وحلق الذقن مرتين يوم ًّيا .وكانت هذه األم==ور
لم تحب والدة داريل ذلك أيضً ا؛ فغادرت المنزل عائد ًة ألسرتها في مينيسوتا عندما ك==ان داري==ل في العاش==رة من عم==ره .وك==ان
كنت أجلس في المقعد الخلفي بالسيارة ،وكان بوسعي رؤية مؤخرة رأس أبي أثناء قيادته .كانت عضالت عنقه متوترة ،وظلت
أبقت أمي يدها على ذراعه ،أما أنا فلم يكن هناك أحد للتخفي==ف ع==ني .كم كنت أتم==نى االتص=ال ب==آنج ،أو خول=و ،أو ف=ان .لعلي
قال أبي أثناء صعودنا المنعطفات الحادة لتلَّي «توين بيكس» وصواًل إلى الكوخ البسيط الذي كان يعيش فيه داريل ووالده« :ال
بد أنه قد دفن ابنه في عقله ».خيم الضباب على تلَّي توين بيكس ،كعادته لياًل في سان فرانسيسكو؛ ما جعل المصابيح األمامي==ة
للسيارة تعكس نورها علينا .وفي كل مرة انعطفنا فيها عن==د ناص==ية ،رأيت أودي==ة المدين==ة تمت=د= تحتن=ا ،كمص=ابيح من األض=واء
أجبت« :نعم ،هذا هو ».مرت شهور منذ آخر مرة ذهبت فيها لداريل ،لكنني قضيت ما يكفي من الوقت هنا على مدار األعوام
وقف ثالثتنا حول السيارة لبعض الوقت في انتظار من سيقرر الذهاب لقرع ج==رس الب==اب .م==ا أدهش==ني أن==ني من ق==ررت فع==ل
.ذلك
قرعت الجرس ،وانتظرنا جمي ًعا دقيقة حبسنا فيها أنفاسنا .قرعته مرة أخ==رى ،ك==انت س==يارة وال==د داري==ل أم==ام الم==نزل ،ورأين==ا
.كذلك ضوءًا في غرفة المعيشة .أوشكت على قرعه للمرة الثالثة إال أنه فُتِح
قال والد داريل« :ماركوس؟» اختلف تمامً=ا عن آخ=ر م=رة رأيت=ه فيه=ا .ك=ان يرت=دي ب=ر ُنس حم=ام ،غ=ير حلي=ق ال=ذقن ،ح=افي
القدمين ،وكانت أظافر قدميه طويلة وعيناه حمراوين .زاد وزنه ،وترهل جلد ذقنه تحت فكه العس=كري الق=وي .وأص=بح ش=عره
•••
بدت غرف=ة المعيش=ة كأح=د األقس=ام اإلخباري=ة ال=تي تع=رض ألطف=ال مُتخلًّى عنهم من قب=ل من يرع=ونهم وال=ذين قض=وا ش=هرً ا
محبوسين قبل إنقاذ الجيران لهم؛ فمألت الغرف==ة عب==وات الطع=ام المجم=د ،وعلب الجع=ة وزجاج=ات العص==ير الفارغ==ة ،وأك==وام
ٌ
كريهة ،وسحقت أقدامنا ركامًا مبع==ثرً ا .ودون ب==ول الصحف وأواني حبوب الفطور المتعفنة .فاحت في المكان رائح ُة بول قطط
.القطط ،كانت الرائحة ال ُتحت َمل مثل دورات مياه محطات الحافالت
.غطت األريكة مالءات وسخة ،ووسادتان ملوثتان بالشحم .ووسائد األريكة منبعجة ،وتظهر عليها عالمات النوم
ً
لحظة صامتين ،واإلحراج يطغى على كل شعور آخر لنا .بدا والد داريل وكأنه يتمنى الموت .وقفنا جمي ًعا هناك
أبعد ببطء المالءات عن األريكة ،وأزاح صوانيَّ الطعام المكدسة والمشحمة عن كرسيين ،وحملها إلى المطبخ ،وسمعنا صوت
.جلسنا بحذر شديد في األماكن التي نظفها ،ثم عاد وجلس معنا
»… قال بصوت مبهم« :آسف ،ليست لدي أية قهوة ألقدمها لكم .سيصلني المزيد من البقالة ً
غدا؛ لذلك فليس لدي
».قال أبي« :رون ،استمع لما سنقوله لك .لدينا شيء نريد أن نخبرك به ،وهو ليس باألمر الهين
.جلس كالتمثال أثناء تحدثي معه ،وحملق في الرسالة ،وقرأها دون أن يبدو عليه أنه فهمها ،ثم قرأها مرة أخرى ،وأعادها إليَّ
.كان يرتعش
»… إنه«
»».فقلت له« :داريل حي … إنه حي ومُعت َقل على جزيرة «تريجر آيالند
».قال أبي« :لدينا صديقة تكتب في صحيفة «باي جارديان» .إنها صحفية استقصائية
عرفت حينذاك أين سمعت ذلك االسم .ك=انت ع=اد ًة ص=حيفة «جاردي=ان» األس==بوعية المجاني=ة تخس=ر الص=حفيين الع=املين به==ا
بانتقالهم للعمل على اإلنترنت والص=حف اليومي=ة الك=برى ،لكن بارب=ارا س=تراتفورد ظلت هن=اك .أت=ذ َّكر على نح=و مبهم تن=اول
»قالت أمي« :سنذهب إليها اآلن .هل تأتي معنا يا رون وتخبرها بقصة داريل؟
.وضع وجهه بين يديه =،وأخذ نف ًسا عمي ًقا .حاول أبي وضع يده على كتفيه ،لكن السيد جلوفر أزاحها بعنف
».وقال« :إنني بحاجة لتنظيف نفسي .لتنتظروني قلياًل
نزل السيد جلوفر من الدور العلوي رجاًل آخر؛ فقد حلق ذقنه ،ومشط شعره للخلف باستخدام ال ِجل ،وارتدى ز ًّيا عسكر ًّيا تعلوه
.مجموعة من أوشحة المعارك على الصدر .توقف عند نهاية السلم ،وأومأ إلى الزي
».قال« :ليست لدي مالبس نظيفة وأنيقة حال ًّيا ،وبدا هذا الزي مالئ ًما في حال أرادت التقاط صور أو شيء من هذا القبيل
ركب هو ووالدي في المقعدين= األماميين =،في حين جلست أنا في الخلف وراء السيد جلوفر .وباقترابي منه ،شممت رائحة جعة
•••
كنا في منتصف الليل عندما وصلنا إلى منزل باربارا ستراتفورد؛ فكانت تعيش خارج المدينة= في «ماونتن في==و» .لم ينط==ق أيٌّ
منا بكلمة طوال سيرنا سريعًا بالس=يارة على طري=ق ،١٠١ومرورن=ا بج=وار مب=اني التكنولوجي=ا المتقدم=ة الممت=دة على ج=انبي
.الطريق السريع
كانت هذه منطقة مختلفة من الخليج عن تلك التي كنت أعيش فيها؛ إذ كانت أشبه بضواحي أمريكا التي أراها أحيا ًنا على شاشة
التليفزيون :تملؤه=ا الط=رق الح=رة والتقس=يمات الفرعي=ة ال=تي هي عب=ارة عن من=ازل متماثل=ة … م=دن تخل=و من أي مش=ردين
إلى درجة من التوتر جعلتها تنسى تمامًا اآلداب البريطاني==ة وم=ا يمثل==ه إيق=اظ س=يدة من الن==وم من إح=راج .فأيقظته==ا ،وأخبرته=ا
.بتوتر أنها تريد التحدث معها بشأن أمر ما ،وأنها يجب أن تقابلها شخص ًّيا
أثناء صعودنا إلى منزل باربارا ستراتفورد ،أول ما ورد في ذهني المنزل في المسلسل الكوميدي «برادي بانش» ،وهو منزل
منخفض أمامه جدار عازل من الطوب ،ومرجة مربعة نظيفة .كان نمط تنظيم الطوب بالجدار الع==ازل تجري==د ًّيا ،وثم==ة ه==وائي
.تليفزيون ذو تردد فائق العلو خلفه .سرنا وصواًل للمدخل ،ورأينا أن ثمة أضواء بالفعل داخل المنزل
فتحت الصحفية الباب قبل أن نقرع الجرس .كانت في مثل س==ن وال==ديَّ تقري ًب==ا .س==يدة رفيع==ة طويل==ة ذات أن==ف كمنق==ار الص=قر
وعينين حادتين يوجد الكثير من التجاعيد على جانبيها .كانت ترت=دي بنط=ال جي==نز من الط==راز الس=ائد ،ح==تى إن==ه يمكن رؤيت==ه
متاحً ا في المتاجر الصغيرة في شارع فالينسيا ،وبل==وزة قطني==ة هندي==ة فضفاض==ة تص==ل إلى فخ==ذيها .وعلى وجهه==ا نظ=ارة ذات
.قدم ك ٌّل منا نفسه لها .تمتعت بقبضة يد قوية وأصابع طويلة
فُ ِر ش منزلها على الطراز الياباني؛ إذ احتوى على عدد قليل للغاية من قطع األثاث المتناس==بة بدق=ة ،وس==الل فخاري=ة كب=يرة من
الخيزران المست السقف .هذا إلى جانب ما بدا كقطعة كبيرة صدئة من محرك ديزل فوق قاعدة رخامية مصقولة .أحببت ذل==ك
الطراز .كانت األرضية خشبية قديمة ،مصنفرة ومطلية ،لكنها غير مغطاة بالطالء بالكامل بحيث يمكن رؤي==ة الش=قوق والحُف==ر
ً
خاصة عندما سرت عليه بقدميَّ اللتين تغطيهما الجوارب .تحت الطالء .أحببت ذلك ح ًّقا،
اختفت في غرفة أخرى ،وعادت بعد قليل تحمل صينية من الخ==يزران الخش==ن عليه==ا إبري==ق حاف=ظ للح==رارة س==عة ح==والي ل==تر
.ونصف ،وستة أكواب ذات تصميم دقيق لكن تعلوها رسوم غير متقنة وغير مستوية .أعجبني ذلك أيضًا
قالت وهي تصب القهوة وتقدمها لنا« :واآلن ،أسعدتني رؤيتكم جمي ًعا .أعتقد أن آخر مرة رأيت==ك فيه==ا ،ي==ا م==اركوس ،كنت في
».السابعة تقريبًا من عمرك .وكما أتذكر ،كنت متحم ًسا للغاية بشأن ألعاب الفيديو الجديدة= خاصتك التي عرضتها لي
لم أت=ذكر ك=ل ذل=ك ،لكن ه=ذا م=ا كنت علي=ه وأن=ا في الس=ابعة من عم=ري .خمنت أن م=ا ك=انت تتح=دث عن=ه ه=و لعب=ة «س=يجا
».دريمكاست
أخرج ْ
ت مسجل شرائط ،وإضمامة ورق صفراء ،وقلمًا ،وأدارت القلم« .أنا هنا ألستمع إلى كل م==ا س==تخبرونني ب==ه ،ويمكن==ني َ
َ
ستنش=ر». أن أعدكم بالحف==اظ على س=رية ه==ذه المعلوم==ات ،لكن ليس بإمك==اني أن أع==دكم ب==أنني س==أفعل أي ش==يء به==ا ،أو أنه==ا
أسلوبها في قول ذلك جعلني أدرك أن أمي قد قدمت لنا خدم==ة هائل==ة باتص==الها بتل==ك الس==يدة وإيقاظه==ا من الن==وم ،س==واء أك==انت
صديقة أم ال .ال بد أنه أمر مزعج للغاية أن يكون المرء صحف ًّيا استقصائ ًّيا مه ًّم==ا؛ فهن==اك على األرجح أع==داد هائل==ة من الن==اس
أومأت أمي برأسها لي .ورغم أنني كنت قد رويت القصة ثالث مرات تلك الليلةُ ،عقِد لساني؛ فقد كان ذلك مختل ًفا عن روايته==ا
.لوالديَّ ووالد داريل .لقد كان ذلك أشبه ببدء حركة جديدة في اللعبة
وخروجي من المدرسة للعبها .استمع أبي وأمي والسيد جلوفر بتركيز له==ذا الج==زء .ص==ببت لنفس==ي كو ًب==ا آخ==ر ،وش==ربته أثن==اء
.شرحي كيف قُ ِب ض علينا .ومع انتهائي من القصة بالكامل ،كنت قد أفرغت اإلبريق واشتدت حاجتي للتبول كثيرً ا
افتقر الحمام لألثاث مثل غرفة المعيشة ،وكان به صابون عضوي ب==ني الل=ون وق=د ب==دت رائحت=ه مث=ل رائح==ة الطمي النظي=ف.
روى السيد جلوفر قصته بعد ذلك .لم يكن لديه شيء ليقوله بشأن ما حدث ،لكنه أوضح أنه من المح==اربين الق==دامى وابن==ه ف==تى
صالح .وتحدث عن شعوره عند اعتقاده أن ابنه قد توفي ،وعن انهيار مطلقته عندما اكتش==فت األم==ر ودخوله==ا المستش==فى .بكى
.قلياًل ،دون خجل ،وتدفقت الدموع على وجهه المليء بالتجاعيد لتسوِّ د ياقة الزي الرسمي الذي كان يرتديه
ً
حاملة زجاجة ويسكي أيرلندي .قالت ،وهي تضع أربعة أك==واب ص==غيرة، وعند االنتهاء ،دخلت باربارا غرفة مختلفة ،وجاءت
».مع عدم إحضار كوب لي« :هذه زجاجة بوشميلز معتقة لمدة خمسة عشر عامًا .أعتقد أن اآلن وقت مناسب لفتحها
ً
ثانية وأنهوا أك==وابهم، صبَّت لك ٍّل منهم كوبًا صغيرً ا ،ثم رفعت كوبها ،وارتشفت منه لتفرغ نصفه .ونهج الباقون نهجها .شربوا
قالت« :حس ًنا ،إليكم ما يمكنني قول=ه لكم اآلن .إن=ني أص=دقكم ،ليس فق=ط ألن=ني أع=رف ليلي=ان ،لكن ألن القص=ة تب=دو ص=ادقة،
وتتماشى مع إشاعات أخرى سمعتها .لكن ال يمكنني االعتم==اد على ش==هادتكم فق==ط ،ومن ثم س==أحقق في ك==ل ج==انب من األم==ر،
وحياتكم ورواياتكم .وينبغي أن أع==رف م=ا إذا ك==ان هن==اك أي ش=يء لم تخ==بروني ب==ه ،أي ش==يء يمكن اس==تخدامه لتك==ذيبكم بع=د=
.اإلعالن عن ذلك .إنني بحاجة لمعرفة كل شيء .وقد يستغرق األمر أسابيع قبل أن أكون على استعداد= للنشر
شخص=ا يُن َفى وج==وده رس=م ًّيا ،فالض=غط على وزارة األمن
ً عليكم أي ً
ضا بالتفكير في س==المتكم ،وس==المة داري==ل .إذا ك=ان داري=ل
الوطني يمكن أن يدفعهم لنقله إلى مكان أبعد بكثير ،سوريا على سبيل المثال .ويمكنهم أي ً
ضا فعل ما هو أسوأ من ذل==ك ».ق==الت
سآخذ هذا الخطاب ،وأمسحه ضوئ ًّيا اآلن .أريد صورً ا لكما اآلن ،والح ًّقا … يمكننا إرسال مصور فوت==وغرافي ،لكن==ني أري==د«
ذهبت معها إلى مكتبها إلجراء المسح الضوئي .توقعت أن أجد جهاز كمبيوتر حديث الطراز منخفض استهالك الطاقة يتناس==ب
ًّ
ومكتظ==ا ب==أجهزة كم==بيوتر شخص==ية حديث==ة ج= ًّدا ،وشاش==ات مس==طحة مع الديكور ،لكن ما وجدته كان مكتبًا به سرير احتي==اطي
كبيرة ،وماسح ضوئي كبير بما فيه الكفاية لوضع فرخ كامل من ورق الصحف عليه .كانت سريعة للغاية في المس==ح الض==وئي
أي ً
ضا .والحظت استخدامها لنظام التشغيل «بارانويد لينكس» ،األمر ال==ذي استحس==نته .ه==ذه الس==يدة تأخ==ذ وظيفته==ا على محم==ل
.الجد
»!باربارا«
».نعم«
».نظر ًّيا .دعني أوضح لك شي ًئا؛ لقد دخلت السجن مرتين ألنني لم ِ
أش بمصدر أخباري«
».حس ًنا ،يا إلهي! السجن! حس ًنا ».وأخذت نف ًسا عمي ًقا ،وقلت لها« :لقد سمع ِ
ت عن شبكة إكس نت ومايكي«
».نعم«
».أنا مايكي«
١٠٠٠٠.نقطة لكل بوصة أو أكثر .وعلى الشاشة ،كانت المخرجات تشبه ناتج ميكروسكوب ماسح نفقي
»والداك ال يعلمان؟«
هذا أمر عليك أن تتوصل إلى قرار بشأنه .عليَّ التفكير في ذلك .هل يمكنك زيارتي في مكتبي؟ أود التح==دث مع==ك بش==أن م==ا«
».هل لديكِ جهاز «إكس بوكس يونيفرسال»؟ يمكنني إحضار برنامج تثبيت«
نعم ،أثق أنه يمكن ترتيب ذلك .عندما تأتي لمكتبي ،أخبر موظفة االستقبال أنك السيد براون لتتمكن من مق==ابلتي .يعلم==ون م==ا«
يعنيه= ذلك .لن يُسجَّ ل حضورك ،وس ُتدمَّر تلقائ ًّيا ك ُّل الصور التي تلتقطها كاميرات األمن في ذلك اليوم ،و ُت َّ
عطل الكاميرات حتى
».ترحل
ابتسمت ،وربتت على كتفي بقوة وهي تقول« :إنني في خضم هذه األمور ،يا بني ،منذ وقت طويل للغاي==ة ،وتمكنت خالل تل==ك
».الفترة أن أقضي خارج السجن وق ًتا يفوق ما قضيته داخله؛ ولذا ،فأنا وجنون االرتياب صديقان
•••
كنت أشبه بالزومبي في الي==وم الت==الي بالمدرس==ة؛ فلم أنم س==وى ثالث س==اعات فق==ط ،ولم يفلح تن==اولي لثالث==ة أك==واب من القه==وة
التركية في تنشيط ذهني .تكمن مشكلة الكافيين في سهولة التعود عليه؛ ومن ثم ينبغي زيادة الجرعات للوصول إلى ما هو فوق
.المستوى العادي
قضيت الليلة الماضية أفكر فيما ينبغي عليَّ فعله .كان األمر أشبه ب==الجري في متاه==ة من المم==رات الص==غيرة المتعرج==ة ،ال==تي
تتشابه جميعها ويؤدي ك ٌّل منها إلى النهاية المسدودة ذاته==ا .عن==دما ذهبت إلى بارب==ارا ،ك==انت تل==ك النهاي==ة .ك==انت ه==ذه النتيج==ة
بانتهاء اليوم الدراسي ،كان كل ما أريده ه==و الع=ودة للم==نزل ،وال==دخول إلى الس==رير .لكن ك=ان ل==دي موع==د في ص=حيفة «ب=اي
جارديان» التي يقع مبناها مواجهً=ا لش=اطئ الخليج .لم أرف==ع عي=نيَّ عن ق=دميَّ أثن=اء خ=روجي من البواب=ة ،وعن=د وص=ولي إلى
»!آنج«
.عكس مظهرها حالة مماثلة لحالتي من قلة النوم وانتفاخ العينين ،والتجاعيد حول جانبي فمها تعكس حزنها
َ
ُ
انصرفت دون استئذان من المدرسة؛ فلم يعد بإمكاني التركيز بأي حال من األحوال ».قالت« :مرحبًا! مفاجأة.
».امممم«
قالت بصوت متقطع« :حس ًن ا ،أعجبني ما نشرته عن سبب عدم ممارستك للتشويش ،وأحترم ذلك .ماذا فعلت بشأن العثور على
أنا في طريقي لمقابلة ص=حفية استقص=ائية ستنش=ر قص=ة دخ=ولي الس=جن ،وتدش=يني لش=بكة إكس نت ،واحتج=از داري=ل غ=ير«
»».القانوني من جانب وزارة األمن الوطني في سجن سري بجزيرة «تريجر آيالند
»أترغبين في المجيء؟«
».نعم ،سآتي .وأريد منك أن تشرح لي القصة بالتفصيل إذا لم تكن تمانع«
ً
مقارنة بكل المرات التي رويت فيها القصة ،كانت تلك المرة التي رويتها آلنج أثناء سيرنا إلى حي بوتريرو ثم ش==ارع ١٥هي
صعدنا الساللم م ًعا بسرعة وصواًل لمكاتب صحيفة «باي جارديان» .كان قل==بي ي==دق بعن==ف .وص=لت لمكتب االس==تقبال ،وقلت
».للفتاة الضجرة التي كانت تقف خلفه« :أنا هنا لمقابلة باربارا ستراتفورد .اسمي السيد جرين
.قلنا م ًعا« :قهوة ».من أسباب إعجابي بآنج أيضً ا أننا كنا مدمنين= للشيء نفسه
أومأت موظفة االستقبال برأسها — وقد كانت امرأة جميلة من أصول التينية= تكبرنا بأعوام قليلة وترتدي مالبس هيب==يز قديم==ة
ارتشفنا القهوة في صمت مع مشاهدة الزوار والصحفيين وهم يمرون أمامنا .وأخيرً ا ،خرجت باربارا الستقبالنا .ك==انت ترت==دي
.ما ارتدته= الليلة السابقة .كان يليق بها .رفعت حاجبها لي عندما الحظت إحضاري لصديقتي معي
قالت آنج ،وهي تمد يدها« :الس==يدة ب==راون ».ي==ا إلهي! نس==يت أن هويتن==ا من المف==ترض أن تك==ون س=رية .دفعت==ني دفع==ة رقيق==ة
قالت باربارا« :هيا بنا إذن ».وسارت أمامنا إلى غرفة اجتماعات ذات حوائط زجاجية طويلة وستائرها مغلقة .وضعت أمامن=ا
.صينية تحمل أطعمة عضوية كاملة تشبه بسكويت أوريو ،ومسجاًل رقم ًّيا ،وإضمامة ورق صفراء أخرى
ْ
»سألت« :هل ترغبان في تسجيل ذلك أيضًا؟
لم أفكر في ذلك في الواقع .لكنني رأيت أنه قد يفيد في حال أردت تفنيد= ما ستنش=ره بارب=ارا .لكن==ني إذا لم أكن واث ًق=ا فيه==ا ،فأن=ا
حس ًنا ،لنبدأ =.اسمي ،يا فتاة ،باربارا ستراتفورد ،وأعم==ل ص==حفية استقص==ائية .أعتق==د أن==ك تعلمين س==بب وج==ودي هن==ا ،ول==دي«
»قالت« :أعمل مع ماركوس على شبكة إكس نت .هل هناك حاجة لمعرفة اسمي؟
ستكون عاماًل مساع ًدا جي ًدا؛ ويمكن==ني الق==ول إن ذل==ك ك==ان ه==و الس==بب وراء ش==بكة إكس نت :الرغب==ة في االنتق==ام .لكن تحر ًي==ا
.لألمانة ،أفضل عدم نشر هذه القصة إذا لم أكن مضطرة لذلك
أفضل نشر قصة صادقة لطيفة عن السجن السري الذي ال يبعد كثيرً ا عن مدينتنا ،دون الحاجة للدخول في مناقشة بشأن م==ا إذا
كان السجناء في ذلك السجن من النوعية التي يمكن أن تخرج من هناك لتؤسس حركة سرية تعمد لزعزع==ة اس==تقرار الحكوم==ة
لقد تفهمته بالفعل .إذا كانت شبكة إكس نت جزءًا من القصة ،فسيرى بعض الن==اس أن من األج==در اعتق==ال ه==ؤالء الش==باب وإال
.فسيثيرون الشغب
قلت لها« :األمر بيدك =.أعتقد أنه ينبغي لك إخبار العالم عن داريل .وعندما تفعلين ذل=ك ،س=تعلم وزارة األمن الوط=ني أن=ني ق=د
كش==فت الس==ر ،وحين==ذاك س==يأتون للقبض عليَّ ،ولعلهم سيكتش==فون ب==ذلك أن لي عالق==ة بش==بكة إكس نت ،ويربط==ون بي==ني وبين
».مايكي .ما أعنيه هو أنه بمجرد نشرك لقصة داريل ،فستكون هذه نهايتي بأي حال .وليست لدي مشكلة في ذلك
فقالت« :معك حق؛ وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟! حس ًنا ،اتفقنا .أريد منكما أن تخبراني بك=ل ش=يء يمكنكم=ا إخب=اري ب=ه
بشأن تأسيس شبكة إكس نت وتشغيلها ،وأريد بعد ذلك شرحً ا مفصاًل :في َم تستخدمانها؟ و َمن أي ً
ضا يفعل ذلك؟ وكي==ف انتش==رت؟
من أهم قصص الحرب على اإلرهاب ،وقد تكون هي التي تطيح بالحكومة .عندما تكون لديك قصة كهذه ،عليك التعام==ل معه==ا
».بحرص شديد
الفصل السابع عشر
أهدي هذا الفصل إلى سلسلة متاجر الكتب القومية بالمملكة المتحدة ووترستونز ،وهي سلسلة متاجر ،لكنَّ كاًّل منها يحمل طابع
.متجر مستقل رائع ،ويزخر بالعديد من الكتب الرائعة المتنوعة (وبخاصة الكتب الصوتية) ،هذا فضاًل عن الموظفين المطلِعين
***
قصصنا عليها كل شيء .وجدت ذلك ممتعً ا في حقيقة األم=ر .لطالم=ا ك=ان تعليم الن=اس اس=تخدام التكنولوجي=ا أم=رً ا مث=يرً ا .ومن
عرفنا حينذاك أنها قد غطت حروب التشفير صحف ًّيا ،وهي الحروب التي وقعت في بداية التس==عينيات عن==دما ناض==لت جمعي==ات
الحريات المدنية ،مثل مؤسسة الحدود اإللكترونية ،لضمان حق األمريك=يين في اس=تخدام التش=فير الق=وي .ك=انت معرف=تي بتل=ك
.الفترة محدودة ،لكن باربارا شرحتها على نحو اقشعر له بدني
ال يُع َق ل األمر اآلن ،لكن في وقت ما مضى صنفت الحكومة التشفير كنوع من العتاد الحربي ،وجرَّ مت أي أحد يق==وم بتص==ديره
أو استخدامه ،وذلك بدافع حماية األمن الوطني .هل تفهم ما قلته؟ كان هناك نوع محظور قانو ًنا من «العمليات الرياض==ية» في
.بالدنا
ك==انت وكال==ة األمن الق=ومي المح=رك الحقيقي وراء ه==ذا الحظ==ر .ك==ان ل=ديهم معي==ار للتش=فير ق=الوا إن==ه ق=وي لدرج=ة تكفي ألن
يستخدمه موظفو البن==وك وعمالؤهم ،لكن==ه ليس بالق=در الك==افي من الق==وة بحيث ال تتمكن المافي=ا من االحتف=اظ بس=رية س=جالتها
عنهم .كان يقال إن هذا المعيار — وهو معيار تشفير البيانات (المعتمد على مفتاح تش==فير بط==ول ٥٦بت) — ال يمكن كس==ره
ً
جهازا بتكلف==ة قيمته==ا ٢٥٠أل==ف دوالر يمكن==ه على اإلطالق .بعد ذلك ،صمم أحد مؤسسي مؤسسة الحدود اإللكترونية األغنياء
ومع ذلك ،جادلت وكالة األمن القومي أنها يجب أن تتمتع بالقدرة على منع األمريكيين= من االحتفاظ بأسرار ال يمكنها انتزاعه==ا
منهم .بعد ذل==ك ،ض=ربت مؤسس==ة الح==دود اإللكتروني==ة ض=ربتها القاض==ية؛ ففي ع==ام ،١٩٩٥رفعت قض==ية بالنياب==ة عن ط==الب
رياضيات بالدراسات العليا من بيركلي يُد َعى دان بيرنستاين .ك==ان بيرنس==تاين ق==د كتب مقال==ة عن التش==فير تتض==من ك= ً
=ودا يمكن
استخدامه لتصميم شفرة أقوى من شفرات معيار تشفير البيانات بماليين المرات .ومن منظور وكال=ة األمن الق==ومي ،فق=د ح=وَّ ل
االستئناف لم يكن متحم ًسا بشأن إخبار طالب الدراسات العليا بنوعية المقاالت التي يُس َمح لهم بكتابتها .انتهت ح==روب التش==فير
بانتصار أصحاب الحق ،وذلك عندما حكمت محكمة استئناف الدائرة التاس==عة ب=أن الك=ود ه=و ن=وع من التعب==ير يخض==ع لحماي==ة
التعديل= األول من الدستور … «ال يحق للدستور وضع أي قانون يحد من حرية التعبير ».إذا اشتريت شي ًئا ما عبر اإلن==ترنت،
أو بعثت برسالة سرية ،أو تحققت من حسابك المصرفي ،فقد استخدمت التشفير الذي أتاحت==ه مؤسس==ة الح==دود اإللكتروني==ة .من
األمور الجيدة أي ً
ضا أن وكالة األمن القومي ليست بهذا القدر من الذكاء .أي شيء يعلمون كيف يفكون شفرته ،يمكن==ك أن تتأك==د
كانت باربارا ممن حققوا الشهرة بتغطية تل=ك القض=ية ،وب==دأت حياته==ا المهني=ة= بتغطي=ة نهاي=ة حرك=ة الحق=وق المدني==ة في س=ان
.فرانسيسكو ،ومن ثم عرفت التشابه بين الصراع من أجل الدستور في العالم الواقعي والصراع في فضاء اإلنترنت
ولذلك ،فقد فهمت الفكرة .ال أعتقد أنه كان بإمكاني شرح هذا األمر لوال=ديَّ ،لكن=ه ك=ان ب=األمر اليس=ير لبارب=ارا؛ فق=ط ط=رحت
أسئلة جيدة عن بروتوكوالت التشفير واإلجراءات األمنية التي نستخدمها ،وتضمن ذلك بعض األس==ئلة ال==تي لم أع==رف اإلجاب==ة
شغلنا جهاز إكس بوكس ،ودخلنا على شبكة إكس نت .كانت هناك أربع عُقد واي فاي متاحة في غرف==ة االجتماع==ات ،ف==وجهت
الجهاز للتغيير بين هذه العقد على فترات زمنية عش==وائية ،وق==د أدركت ذل==ك ً
أيض=ا … بمج==رد أن ت==دخل على ش==بكة إكس نت
فعل ًّي ا ،يكون األمر أشبه بالدخول على اإلنترنت ،فيما عدا أن بعض األمور تكون أبطأ فقط ،وك==ل ش==يء يك==ون مجه==ول الهوي==ة
وبينما كان نشاطنا يتراجع ،قلت س==ائاًل « :وم==اذا اآلن؟» ج==ف ريقي من الكالم وش==عرت بحموض==ة ش==ديدة بس==بب القه==وة .ه==ذا
فضاًل عن أن آنج ظلت تضغط على يدي تحت الطاولة على نح=و جعل==ني أرغب في اله==روب معه==ا وإيج=اد مك==ان آخ=ر يتمت==ع
عليكما اآلن المغادرة ،وسأتولى مهمتي الصحفية ،والبحث عن كل األم==ور ال==تي أخبرتم==اني به==ا ،ومحاول==ة التأك==د منه==ا ق==در«
استطاعتي .سأسمح لكما برؤية ما سأنشره ،وسأخبركما بموعد النشر .وأفضِّل أال تتح==دثا عن ذل==ك م==ع أي ش=خص آخ=ر اآلن؛
ألنني أبغي السبق الصحفي ،وأريد التأكد من أنني سأحصل على الخ==بر قب==ل تلويث==ه بالتوقع==ات الص==حفية وتلفي==ق وزارة األمن
.الوطني
سأتصل بوزارة األمن الوطني وأطلب منهم التعليق قبل النشر ،لكنني سأفعل ذلك على نح=و ي=وفر ل=ك الحماي=ة إلى أقص=ى ح=د
.ممكن ،وسأحرص أي ً
ضا على إطالعك على ما يحدث قبل حدوثه
ثمة شيء واحد يجب أن أوض=حه :لم تع==د ه==ذه قص==تك بع==د اآلن ،ب==ل قص==تي .لق==د كنت كري ًم==ا للغاي==ة في إفص=احك عنه==ا لي،
وسأحاول رد الجميل لك .لكن ليس لك الحق في تحريرها أو تغييرها أو إيقافي .صار ذلك اآلن أم==رً ا واقعً= ا ،ولن يتوق==ف .ه==ل
»تفهم ذلك؟
لم أفكر في األمر على هذا النحو ،لكنها عندما ق==الت ذل==ك ،ك==ان واض==حً ا .لق==د أطلقت الص==اروخ ،وص==ار اآلن في اله==واء ،وال
يمكنني إعادته لألرض .سوف يسقط حيث يهدف ،أو يحيد عن مساره .لكنه اآلن في الهواء وال يمكن تغي=ير ذل=ك .في وقت م=ا
بالمستقبل القريب ،سأتخلى عن شخصية ماركوس … سأصبح شخصية عامة ،سأكون الش==خص ال==ذي أبل==غ عم==ا تفعل==ه وزارة
.األمن الوطني
.سأهلك ال محالة
.أعتقد أن آنج كانت تفكر في األمر نفسه؛ إذ تلون وجهها بين األبيض واألخضر
•••
مرة أخرى لم تكن والدة آنج وأختها في البيت ،ما سهل علينا تحديد= المكان الذي سنذهب إليه ذلك المساء .كان الوقت قد تجاوز
.موعد العشاء ،لكن والديَّ كانا يعلمان أنني سأقابل باربارا ،ولن تزعجهما عودتي للمنزل متأخرً ا
عندما وصلت مع آنج إلى منزلها ،لم تكن لدي رغبة في تشغيل جه==از إكس ب==وكس؛ فكنت ق==د نلت كف==ايتي من ش==بكة إكس نت
ليوم واحد .كل ما كان بوسعي التفكير فيه هو آنج ،وآنج فقط .كنت أفكر قبل ذلك الحين في العيش بدونها ،وأنها غاضبة م==ني،
ً
ثانية .وأنني لن أتحدث معها أو أقبِّلها
وهي أي ً
ضا كانت تفكر في األمر نفسه .كان بوسعي رؤية ذلك في عينيها عند إغالقها باب غرفة النوم ،ونظر ك= ٌّل من==ا لآلخ==ر.
.كم كنت مشتا ًقا إليها شو ًقا يشبه جوع الصائم عن الطعام أليام ،أو التوق لكوب ماء بعد= لعب كرة القدم ثالث ساعات متواصلة
.رغم ذلك ،فلم يشبه شعوري أ ًّيا من ذلك .لقد كان شعورً ا لم أختبره من قبل قط .لقد أردت افتراسها
حتى ذلك الحين ،كانت هي دو ًم ا الطرف األكثر إثارة من الناحية الجنسية في عالقتنا ،فكنت أدعها تضبط اإليقاع وتتحكم في==ه.
.وقد كان من المثير للغاية أن تمسك بي ،وتخلع عني قميصي ،وتجذب وجهي ناحية وجهها
.لكنني في تلك الليلة ،لم أكن قادرً ا على التحكم في نفسي … وما كنت ألفعل
سمعت صوت باب الغرفة وهو يُغلَق فأمسكت طرف قميصها وجذبت==ه بق==وة ،ال أك==اد أمنحه==ا وق ًت==ا ل==ترفع ذراعيه==ا وأن==ا أم==رر
.القميص عبر رأسها .خلعت أنا اآلخر قميصي بعنف ،منص ًتا إلى صوت قرقعة القطن أثناء انفتاق عقد الخيط
كانت عيناها تلتمعان ،وفمها مفتوحً ا ،وأنفاسها متسارعة وقصيرة .كذلك كانت أنفاسي؛ كان ألنفاسي وقلبي ودمي جميعً= ا زئ==ير
.صائت في أذنيَّ
ُ
خلعت عنا بقية مالبسنا بحماس==ة مماثل==ة ،ملق ًي==ا إياه==ا على أك==وام الغس==يل المتس==خ والنظي==ف على األرض==ية .ك==انت هن==اك كتب
وأوراق متناثرة على السرير ،فأزحتها جانبًا .بعد ثانية من ذلك ،استلقينا على فرش السرير غير المرتب ،يلف ك==ل من==ا اآلخ==ر
ْ
=أوهت في فمي وأن==ا ك==ذلك ،وش==عرت ب==أن ص==وتها يطن في أحب==الي الص==وتية ،وه==و
بذراعيه ،ثم عانقنا بعضنا البعض بق==وة .ت=
نظرت بداخل==ه ،فوج==دت علب=ة من الع==وازل الذكري==ة .ك=انت العلب==ة ال ت==زال مغلق==ة .ابتس=مت في وجهه=ا وردت هي االبتس=امة
.وفتحت العلبة
•••
كنت أفكر منذ فترة طويلة فيما ستكون عليه ه==ذه العملي==ة ،وكنت أتخيله==ا مئ==ات الم==رات ك==ل ي==وم .وفي بعض األي==ام ،كنت في
إنها لم تكن قط كما تصورت .جوانب منها كانت أفضل ،والكثير منها أسوأ .في أثنائها شعرت أنها ستدوم طوياًل ،لكن بعد ذلك
.انتهى األمر وشعرت بعدها أن شي ًئا لم يتغير ،لكنني أيضً ا شعرت باختالف .كان شي ًئا قد تغير بيننا
كان األمر غريبًا ،كنا خجلين ونحن نرتدي مالبسنا ،ورحنا نتس==كع في الغرف==ة ،ي==دير ك= ٌّل من==ا نظ==ره عن اآلخ==ر دون أن تلتقي
ُ
ذهبت إلى الحمام ووضعت العازل الذكري في منديل= وألقيته في صندوق القمامة .عيوننا ،ثم
عندما عدت إلى الغرفة ،كانت آنج تجلس على السرير وتلعب بجهاز إكس بوكس الخاص بها .جلست بحذر بجانبها ،وأمس==كت
.لم تقل شي ًئ ا ،وأدارت رأسها ناحيتي .ارتسمت على وجهها ابتسامة كبيرة ،لكن ثمة دموع سالت على وجنتيها
».عانقتها ،واحتضنتها بقوة .فهمست« :أنت رجل صالح يا ماركوس يالو .شكرً ا لك
.لم أعلم ما ينبغي أن أقوله ،لكنني احتضنتها بقوة .وأخيرً ا ،افترقنا .اختفت دموعها ،وظلت ابتسامتها على وجهها
أشارت لجهاز إكس بوكس الخاص بي الموجود على األرض بجوار السرير .فهمت ما عنته ،التقط ُته ،وقمت بتشغيله وس==جلت
.الدخول
لم يكن من شيء جديد؛ الكثير من رسائل البري=د اإللك=تروني والمش=اركات الجدي=دة= بالم=دونات ،ورس=ائل غ=ير مرغ=وب فيه=ا،
الكثير منها .كان صندوق بريدي السويدي يتلقى العديد= من الرسائل غير المرغوب فيها؛ إذ اس= ُتخدِم كعن==وان رد للرس=ائل غ=ير
المرغوب فيها المر َسلة إلى مئات الماليين من حسابات اإلنترنت ،ومن ثم عادت إليَّ ك==ل رس==ائل االس==تياء والبري==د المرت==د .لم
أكن أعرف من يقوم بهذا .ربما تحاول وزارة األمن الوطني إغراق بريدي بالرسائل حتى يتوق=ف عن العم=ل ،أو ربم=ا يح=اول
الناس فقط خداعي .لكن حزب القراصنة كانت لديه فالتر جيدة للغاي=ة ،وك=انوا يمنح=ون ألي ش=خص ي=رغب فيه==ا ٥٠٠جيج=ا
.بايت من سعة تخزين البريد اإللكتروني؛ ومن ثم لم يكن من المحتمل أن يتم إغراق بريدي اإللكتروني في أية لحظة
عمدت إلى التخلص من كل الرسائل ،بالضغط على مفتاح الحذف .كان لدي صندوق بري==د منفص==ل لألم=ور ال==تي ك=انت تص==ل
مشفرة باستخدام مفتاحي العام؛ إذ كان من المحتمل أن يكون لها عالقة بشبكة إكس نت ،ولها طبيعة حساسة .لم ي==درك مرس==لو
البريد غير المرغوب فيه أن استخدام المفاتيح العامة من شأنه جعل بري==دهم أك==ثر قابلي=ة للتص=ديق ،ومن ثم ك=ان األم=ر ناجحً= ا
وصلتني كذلك العشرات من الرسائل المُش َّفرة من أناس في شبكة الثقة .تصفحتها سريعً ا؛ كانت رواب==ط لص==ور ومق==اطع في==ديو
تعرض انتهاكات جديدة لوزارة األمن الوطني ،وروايات مرعبة عن حاالت هروب تمت بصعوبة ،وتعني ًفا على أم==ور نش==رتها
وصلت بعد ذلك إلى رسالة ُش ِّف رت باستخدام مفتاحي العام فقط ،وقد عنى ذلك أنه ما من أحد يمكنه قراءتها غيري ،لكن لم تكن
ضح بها هو ماشا ،وهو ما يمكن أن يكون اسمًا أو اسمًا مس==تعارً ا … م==ا من س==بيل
لدي أية فكرة عمن كتبها .اسم المُرسِ ل المو َّ
.للتأكد من ذلك
»مايكي«
قُ ِبض عليَّ يوم تفجير الجسر ،وخضعت لالستجواب ،وتق==ررت ب==راءتي .عرض==وا عليَّ وظيف==ة؛ وهي مس==اعدتهم في القبض«
بدا اتفا ًقا جي ًد ا في حينه ،لكنني لم أدرك أن وظيفتي الحقيقية ستكون التجسس على الشباب ال==ذين رفض==وا تح= ُّ=ول م==دينتهم إلى«
».دولة شرطية
لقد تسللت إلى شبكة إكس نت يوم تدشينها .وتضمني شبكة الثقة الخاصة بك .إذا أردت اإلفصاح عن هوي==تي ،فك==ان بإمك==اني«
إرسال بريد إلكتروني لك من عنوان تثق فيه ،بل ثالثة عن=اوين في الواق=ع؛ فأن=ا ج=زء ال يتج=زأ من ش=بكتك مث=ل أي ش=اب في
».السابعة عشرة من عمره .بعض من البريد اإللكتروني الذي وصلك تضمن معلومات خاطئة مني ومن رؤسائي
إنهم يجهل==ون هويت==ك ،لكنهم أوش==كوا على معرفته==ا؛ فهم ال ينفك==ون يس==تقطبون ويس==اومون الن==اس .إنهم ينقب==ون في مواق==ع«
الشبكات االجتماعية ،ويستخدمون التهديدات لتحويل الشباب إلى واشين .هناك المئات من الناس يعمل==ون لحس==اب وزارة األمن
».الوطني على شبكة إكس نت في الوقت الحالي .لدي أسماؤهم وأسماؤهم المستعارة ومفاتيحهم :العامة والخاصة
في خالل أي==ام من تدش==ين ش==بكة إكس نت ،عملن==ا على اس==تغالل نظ==ام «بارانوي==د لينكس» .وعملي==ات االس==تغالل ح==تى اآلن«
».صغيرة وواهية ،لكن هذا لن يدوم طوياًل .وبمجرد أن يحدث هذا ،ستهلك
أعتقد أن==ه من اآلمن أن أق=ول إن==ه إذا علم رؤس=ائي أن==ني أكتب ذل==ك ،فس=وف يلق=ون بي في جوانتان=امو الخليج إلى أن يش=يب«
».رأسي
حتى وإن لم يخترقوا نظام «بارانويد لينكس» ،فثمة نسخ مقلدة منتشرة من أجهزة «بارانويد إكس بوكس» ،وال تتماش==ى م==ع«
بيانات التدقيق ،لكن كم من الناس ينظرون لهذه البيان==ات غ==يري وغ==يرك؟ الكث==ير من الش==باب ه==الكون بالفع==ل ،وإن لم يعلم==وا
».ذلك
ولم يعد أمام رؤسائي سوى اختيار أفضل وقت للقبض عليك والخروج بخبر عظيم في وسائل اإلعالم .سيحدث ذلك ع==اجاًل «،
».وأنا أيضًا«
إليك السبب :لقد ُكلِّفت بمحاربة اإلرهابيين ،لكن==ني — ب==داًل من ذل==ك — أتجس==س على األمريك==يين ال==ذين يؤمن==ون ب==أمور ال«
تروق لوزارة األمن الوطني .أتجسس على ناس ال يخطط==ون لتفج==ير جس==ور ،وإنم==ا هم محتجُّ ون .وال يمكن==ني االس==تمرار في
».ذلك
لكن ال يمكنك أنت أيضً ا االستمرار ،سواء أكنت تعلم ذلك أم ال؛ فكما أقول لك ،إنها مسألة وقت فقط وستعود مكباًل باألص==فاد«
».إلى جزيرة «تريجر آيالند» .إنها ليست مسألة احتمال ،وإنما وقت
».انتهى ما لدي .هناك بعض الناس في لوس أنجلوس قالوا إنهم سيوفرون لي األمان إذا أردت االبتعاد عن هنا«
».أريد االبتعاد«
سأصطحبك معي إذا أردت ذلك .المقاتل أفضل من الشهيد .إذا تعاونت معي ،يمكننا أن نتوصل إلى كيفي==ة نحق==ق به==ا النص==ر«
»ما رأيك؟«
»ماشا«
».عند الوقوع في مشكلة ،أو الشعور بالشك ،تحرَّ ك في دوائر ،صِ ح ،واصرخ«
هل سمعت هذه النصيحة من قبل؟ إنها ليست نصيحة جيدة ،لكنها على األقل س=هلة التنفي=ذ .نهض=ت من على الس=رير ،وأخ=ذت
أسير جيئة وذهابًاَّ .
دق قلبي بعنف ،وكذلك دمي مثلما ك==ان الح==ال عن==دما وص==لت إلى الم==نزل م==ع آنج .لكن ه==ذه الم==رة لم تكن
أشرت إلى الشاشة الموجودة عند طرف السرير الذي أجلس عنده ،فاقتربت وأمسكت لوحة المفاتيح ،وحركت بنانها على لوحة
».قالت آنج« :كل هذه أكاذيب ،ال شك؛ فوزارة األمن الوطني تحاول التالعب برأسك
».نعم«
ً
ثانية .عاودت الجلوس على السرير ،وتسارعت أنفاسي
»!قالت آنج« :لتهدأ! ليست سوى محاولة للتالعب بك .فلتعطني هذه
:لم تأخذ لوحة المفاتيح من يدي من قبل ،لكن ثمة نوع جديد من الحميمية بدأ بيننا .ضغطت على زر الرد ،وكتبت
»!محاولة جيدة«
.كانت تكتب باسم مايكي اآلن أيضً ا .اختلفت العالقة بيننا عما مضى
لم أعرف إذا كان هذا هو التصرف السليم أم ال ،لكن لم تكن لدي أية أفكار أفضل من ذلك .وقعت الرسالة ،وش==فرتها باس==تخدام
إليك نو ًع ا من القرصنة لم تفكر فيه من قبل .يمكنني النقل النفقي لمقطع فيديو مجهول المصدر ع==بر بروتوك=ول نظ=ام أس==ماء«
النطاقات (دي إن إس) .إليك بعض الروابط لمقاطع قد ترغب في االطالع عليها قبل أن تقرر أن ما أقوله هراء .يسجل ه==ؤالء
الناس لبعضهم البعض ،طوال الوقت ،كنوع من الضمان ضد الخيانة ،ومن اليسير للغاي==ة التجس==س عليهم أثن==اء تجسس==هم على
».بعضهم البعض
»ماشا«
.أرفقت الكود األساسي لبرنامج بسيط بدا أنه يقوم بما ا َّدعت ماشا بالضبط :نقل فيديو عبر بروتوكول دي إن إس
ألتوقف هنا لحظات ،وأوضح شي ًئا ما .في نهاية كل يوم ،ال يكون كل بروتوكول من بروتوكوالت اإلنترنت س==وى تسلس==ل من
النص يُر َسل جيئة وذهابًا بترتيب مُحدد =،ويشبه ذلك اإلتي=ان بش=احنة ،ووض=ع س=يارة داخله=ا ،ثم وض=ع دراج=ة بخاري=ة داخ=ل
صندوق السيارة ،وبعد ذلك ربط دراجة بمؤخرة الدراجة البخارية ،ثم تعليق حذاء تزلج بمؤخرة الدراجة .بداًل من ذلك ،يمكنك
.ومثال على ذلك بروتوكول إرسال البريد البسيط (إس إم تي بي) الذي يُستخ َدم إلرسال البريد اإللكتروني
:فيما يلي نموذج محادثة بيني وبين خادم البريد اإللكتروني الخاص بي أثناء إرسال رسالة إلى نفسي
littlebrother.com.se.مرحبًا –
: m1k3y@littlebrother.com.se.رسالة من –
.تم تحديد المرسل … 250 2.1.0 m1k3y@littlebrother.com.se
: m1k3y@littlebrother.com.se.إلى –
.بيانات –
–.
.إنهاء
تحددت قواعد هذه المحادثة في عام ١٩٨٢على يد جون بستيل ،أحد المساهمين األساسيين في ظهور اإلن==ترنت ،وال==ذي عم==ل
.على تشغيل أهم الخوادم بشبكة اإلنترنت تحت مكتبه في جامعة جنوب كاليفورنيا في الحقبة الماضية
واآلن ،لتتخيل أنك قد أوصلت خادم بريد بإحدى جلسات المراسلة الفورية .يمكنك= إرسال رسالة فورية إلى الخادم ال==ذي أرس==ل
يسعدني لقاؤك ».بعبارة أخرى ،يمكنك أن تج=ري المحادث=ة نفس=ها بالرس=ائل الفوري=ة مثلم=ا mail.pirateparty.org.se،
تفعل عبر بروتوكول إس إم تي بي .وبإجراء التعديالت السليمة ،يمكن إتمام كل ما يح==دث في خ==ادم البري==د داخ==ل محادث==ة ،أو
يسمَّى ذلك ﺑ «النقل النفقي» .تضع بروتوكول إس إم تي بي داخل «نفق» محادثة ،ويمكنك= حينئ ٍذ إعادة وضع المحادث==ة داخ==ل
.نفق بروتوكول إس إم تي بي ،هذا إن كنت غريب األطوار؛ فهذا يعني وضع النفق في نفق آخر
في الواقع ،كل بروتوكول من بروتوكوالت اإلنترنت عرضة لهذه العملي=ة .وه=ذا رائ=ع؛ إذ يع=ني أن=ك إذا كنت بش=بكة ال يمكن
الدخول عليها إال من الويب ،يمكنك= إحداث نقل نفقي لبريدك عبر هذه الشبكة ،ويمكن==ك ً
أيض=ا وض==ع ش==بكة الن==د للن==د المفض==لة
ضا وضع شبكة إكس نت داخلها (وهي الشبكة التي تعد نف ًقا للعشرات من البروتوكوالت)
.لديك داخلها ،بل ويمكنك أي ً
وبروتوكول دي إن إس بروتوكول إنترنت قديم ومثير لالهتم=ام يع==ود تاريخ==ه إلى ع=ام ،١٩٨٣وه==و الوس==يلة ال=تي يغ==ير به=ا
إلى رقم بروتوك==ول اإلن==ترنت ال==ذي تس==تخدمه أجه==زة pirateparty.org.se،الكم==بيوتر الخ==اص ب==ك اس==م كم==بيوتر =،مثل
الكمبيوتر فعل ًّيا للتواصل بعضها مع البعض عبر اإلنترنت ،مثل .٢٠٤.١١.٥٠.١٣٦يعمل ه==ذا ال==بروتوكول بش==كل ع==ام على
نحو سريع وفعال ،رغم تضمنه الماليين من األجزاء المتحركة .فكل مزود خدمة إنترنت يشغل خاد ًم==ا له==ذا ال==بروتوكول ،كم==ا
هو الحال مع معظم الحكومات والعديد= من جهات تشغيل الخدمة الخاصة .تتصل كل هذه الخوادم م ًعا ،وتصدر طلبات وتملؤها
.بعضها لبعض .وبذلك ،مهما كان االسم الذي تعطيه لجهاز الكمبيوتر الخاص بك مبهمًا ،فسيتمكن من تحويله إلى رقم
ولك أن تصدق أو ال ،هذا الملف كان مستن ًدا واح ًدا يدرج اسم كل كم==بيوتر HOSTS.قبل هذا البروتوكول ،كان هناك ملف
متصل باإلنترنت وعنوانه .وكل كمبيوتر عليه نسخة من ه==ذا المل==ف .وفي النهاي==ة ،أص==بح ذل==ك المل==ف كب==يرً ا للغاي==ة بحيث ال
ص=مِّم بروتوك=ول دي إن إس ،وتم تش==غيله على خ=ادم ك==ان موج=و ًدا تحت مكتب ج=ون بس=تيل .وإذا ح=رك
يمكن تناقله؛ ولذلك ُ
الفكرة هي أن بروتوكول دي إن إس منتشر للغاية اآلن .كل شبكة بها خادم لهذا البروتوكول ،وكل هذه الخوادم مهيَّأة لالتصال
ما فعلته ماشا هو التوصل إلى طريقة إلحداث نقل نفقي لفيديو عبر بروتوكول دي إن إس .وكانت تقسم الفي==ديو إلى ماليين من
األجزاء ،وتخبِّئ كل جزء في رسالة عادية على أحد خوادم بروتوكول دي إن إس .وبتشغيل الك==ود ال==ذي ص==ممته ،تمكنت من
نقل الفيديو من كل هذه الخوادم بجميع أنحاء اإلن==ترنت وبس==رعة هائل==ة .ال ب==د أن ذل==ك ب==دا غري ًب==ا على الم==درجات اإلحص=ائية
بيد أنه كان يتمتع بميزتين ق َّدرتهما في آن واحد؛ أال وهما أنني كنت قادرً ا على الحصول على الفي==ديو بس==رعة ال==برق؛ بمج==رد
أن نقرت على الراب=ط األول ،ب=دأت في تلقي ص=ور بملء الشاش=ة دون االنتظ=ار ط=وياًل ،وأن=ني لم تكن ل=دي فك=رة عن مك=ان
.استضافة هذا الفيديو =.لقد كان الفيديو مجهول المصدر ً
كلية
في البداية =،لم أالحظ حتى محتوى الفيديو؛= فقد أربكتني براعة هذه القرصنة .نقل فيديو ع=بر بروتوك=ول دي إن إس! ك=ان ذل=ك
كنت أشاهد طاولة بغرفة اجتماعات صغيرة معلقة بها مرآة على أحد الحوائط .جلس==ت من قب==ل في تل==ك الغرف==ة ،وذل==ك عن==دما
أجبرتني السيدة صاحبة الشعر القصير على اإلفصاح بكلمة المرور الخاصة بي .وحول الطاول==ة خمس==ة كراس==يَّ وث==ير ٍة يجلس
على ك ٍّل منها شخص يبدو عليه االرتياح ويرتدي زي وزارة األمن الوط==ني .إلى ج==انب الس==يدة ذات الش==عر القص==ير ،تع==رفت
أي ً
ضا على اللواء جرايام ساذرالند ،قائد منطقة الخليج التابع=ة ل=وزارة األمن الوط=ني .أم=ا اآلخ=رون ،فلم أرهم من قب==ل .ك=انوا
.جميعً ا يشاهدون شاشة فيديو عند نهاية الطاولة يظهر بها وجه مألوف أكثر لي
اشتهر كيرت روني على المستوى القومي بالخبير االستراتيجي األول ل==رئيس الجمهوري==ة ،وه==و من أع==اد الح==زب لف==ترة حكم
ثالثة ،ويتقدم بحماس نحو ف=ترة رابع==ة ،وق=د أُطلِ=ق علي==ه لقب «ع==ديم الرحم==ة» .ش=اهدت تقري==رً ا ص=حف ًّيا ذات م==رة عن م=دى
صرامته في السيطرة على العاملين معه؛ فال ينفك يتصل بهم ويراسلهم بالرسائل الفورية ويتتبع كل حركة يقومون بها ويتحكم
في كل خطوة لهم .كان كبيرً ا في السن ،تعلو وجه=ه التجاعي=د =،ل=ون عيني=ه رم=ادي ب=اهت ،أنف=ه مس=طح ذو فتح=تين واس=عتين=،
ًّ
مكفهرا .وشفتاه رقيقتان ،بدا وجهه
كان هو الموجود على الشاش=ة .ك=ان يتح=دث واآلخ=رون يرك=زون في الشاش=ة ،ويس=جلون مالحظ=ات بأقص=ى س=رعة ممكن=ة،
بفرض أنهم غاضبون من السلطة ،ينبغي أن نوضح للشعب أن من يقع علي=ه الل=وم هم اإلره=ابيون وليس الحكوم=ة .ه=ل …«
تفهمونني؟ إن الشعب ال يحب هذه المدينة؛ فهي في نظره مثل مدن المثليين= والملح==دين ال==ذين يس==تحقون الهالك في ن==ار جهنم.
.السبب الوحيد الهتمامه بسان فرانسيسكو هو أنها قد حالفها الحظ في هجوم اإلرهابيين اإلسالميين عليها
اقترب هؤالء الشباب بشبكة إكس نت من أن يكونوا مفيدين لنا؛ فكلما زاد تط==رفهم ،زاد إدراك الش==عب النتش==ار التهدي==دات في
».كل مكان
قالت السيدة ذات الشعر القصير« :أعتقد أنه بوسعنا التحكم في ذلك .أحدث عمالؤنا في شبكة إكس نت تأثيرً ا كب==يرً ا .ي==دير ك==ل
مدون من المدونين المنشوريين ما يصل إلى خمسين مدونة تتدفق بقنوات المحادث=ة ،وت=ربطهم ببعض=هم البعض ،م=ع االعتم=اد
».في الغالب على خط الحزب الذي أعده مايكي هذا .لكنهم أثبتوا أنهم بوسعهم إثارة أفعال متطرفة ،حتى عندما يوقفهم مايكي
أومأ اللواء ساذرالند برأسه ،وقال« :كنا نخطط لتركهم يعملون في الخفاء حتى ش==هر قب==ل االنتخاب==ات النص==فية .ه==ذا م==ا تنص
قال روني« :لدينا خطة أخرى لالنتخابات العامة النصفية .ومن نافلة القول أنه س==ينبغي لكم — على األرجح — أال تخطط==وا
للسفر لمدة شهر قب==ل ذل==ك الحين .لتطلق==وا العن==ان لش==بكة إكس نت اآلن ،في أق==رب وقت ممكن .فكلم==ا اس==تمروا في االعت==دال،
جلست أنا وآنج على طرف السرير ونحن ننظر إلى الشاشة .أعادت آنج تشغيل الفيديو ،وشاهدناه مرة أخ==رى .وك==ان أس==وأ في
.المرة الثانية
قلت لها« :لقد سئمت الخوف ح ًّقا .لنطلع باربارا على هذا الفيديو ونطلب منها أن تنشر األمر ،وترفع كل ش=يء على اإلن==ترنت
».ليعتقلوني .على األقل ،سأعرف ما سيحدث حينئ ٍذ =.على األقل ،سيكون هناك بعض اليقين في حياتي
جذبتني آنج نحوها ،عانقتني ،وهدأت من روعي .قالت لي« :أعلم ،يا حبي==بي ،أعلم .األم==ر برمت==ه بش==ع .لكن==ك ال تفك==ر إال في
الجانب السيئ ،وتتجاهل الجانب الجيد .لقد أسست حركة ،وخ==دعت حمقى ال==بيت األبيض ومحت==الي وزارة األمن الوط==ني .لق==د
.وضعت نفسك في موقف يمكنك أن تتولى فيه مسئولية كشف الستار عن كافة أعمال وزارة األمن الوطني القذرة
بالطبع ،سيسعون إللقاء القبض عليك .هل ش=ككت لحظ=ة في ذل=ك؟ لطالم=ا علمت أنهم س=يفعلون ذل=ك .لكنهم ،ي=ا م=اركوس ،ال
يعرفونك .فلتفكر في األمر :كل هؤالء الناس ،واألموال ،واألسلحة ،والجواسيس لمواجهتك أنت طالب الثانوية البالغ من العمر
سبعة عشر عامًا … ال تزال الغلبة لك .إنهم ال يعلم==ون أي ش==يء عن بارب==ارا ،أو ِزيب .لق==د شوش==ت على عملهم في ش==وارع
».سان فرانسيسكو ،وأحرجتهم أمام العالم؛ لذا ،فلتتوقف عن التفكير على هذا النحو الكئيب ،أال تفعل؟ أنت المنتصر عليهم
لكنهم س==يلقون القبض عليَّ .ه==ل تفهمين م==ا أقول==ه؟ س==يزجون بي في الس==جن لألب==د .وليس الس==جن فق==ط ،ب==ل س==يخفونني عن«
األنظار ،مثلما فعلوا بداريل .وربما ما هو أسوأ ،ربما سيرسلونني إلى سوريا .لماذا يتركونني في سان فرانسيس==كو؟ طالم==ا أن==ا
».نعم«
سألتها« :ماذا؟» فنظرت إلى لوحة المفاتيح الخاصة بي .كان بوسعي رؤي==ة ال=دموع تس=يل على وجنتيه=ا .قلت له==ا« :كال! لق==د
»فقدت صوابك .هل تعتقدين أنني سأهرب مع مجنونة عرفتها على اإلنترنت؟ جاسوسة؟
».ركلت كومة من مالبسها المعدة للغسيل في الهواء ،وأنا أقول« :حس ًنا ،سأستمر في التحدث معها
»ماذا؟«
=رف ذل==ك«
اخرس أيها األحمق .هل تظن نفسك في خطر؟ ال يقل الخطر الذي أتعرض ل==ه عم==ا تتع==رض ل==ه ي==ا م==اركوس .يُع= َ
بالجرم بالتبعية =.عندما تغادر ،سأغادر معك ».برز فكها للخارج على نحو متم=رد« .أنت وأن=ا … ص=رنا معً= ا اآلن .علي=ك أن
».تفهم ذلك
ما كنت ألرحل بدونك أب ًدا ،يا آنج ،لو كان لي االختيار .وم==ا كنت ألطلب من==ك المجيء معي ،لكن فرح==تي بعرض==ك ه==ذا ال«
».توصف
َ
.ابتسمت لي ،وأعطتني لوحة المفاتيح
لنر ما يمكنها أن تقدمه لنا«
».لترسل رسالة بريد إلكتروني لهذه المدعوة ماشاَ .
أرسلت لها رسالة مُش َّفرة ،وانتظرت ال==رد .ف==داعبتني آنج بأنفه==ا وبادلته==ا القب==ل ،وتعانقن==ا .جعل==ني الخط==ر ال==ذي نحن بص==دده،
واتفاقنا على الهروب معً ا أنسى شعور الحرج الذي انتابني عند مضاجعتها ،وأشعر بإثارة ش==ديدة ورغب==ة في القي==ام ب==ذلك م==رة
.أخرى
ال يمكنني الرحيل إال إلجراء استخبارات ميدانية= بعد وقوع حدث ضخم على شبكة إكس نت .ه==ل تفهم==ني؟ ي==راقب رؤس==ائي«
».كل تحركاتي ،لكنني أتحرر من هذه المراقبة عندما يقع حادث جلل لمستخدمي شبكة إكس نت .عندئ ٍذ =،أ ُ َ
رسل للعمل الميداني
».لتحقق شي ًئا ما مه ًّما؛ فأُر َسل للعمل الميداني ،ونغادر جميعً ا .نغادر نحن الثالثة ،إذا كنت م ًّ
ُصرا على ذلك«
لكن عليك أن تسرع .ال يمكنني= إرسال الكثير من رسائل البريد اإللكتروني إلي=ك ،أتفهم م=ا أعني=ه؟ فهم يراقبون=ني ،وأوش=كوا«
».على التوصل إليك .ليس أمامك متسع من الوقت .أسابيع ،ربما أيام فقط
أنا بحاجة إليك ألتمكن من الهرب ،وهذا السبب وراء فعلي ذلك ،إن كنت تتساءل عن السبب .ال يمكنني الهرب وحدي .إن==ني«
بحاجة إللهاء كبير على شبكة إكس نت ،وهذا تخصصك .ال تخ==ذلني ي==ا م==ايكي ،وإال فسنص==ير — نحن االث==نين — في ع==داد
»ماشا«
رنَّ هاتفي ،فانتفض كالنا .كانت أمي ترغب في معرفة متى سأعود للمنزل .أخبرتها أن=ني في الطري=ق .لم ت=ذكر بارب=ارا؛ فق=د
.اتفقنا على أال نتحدث في هذه األمور في الهاتف .كانت تلك فكرة أبي .لعله يعاني من جنون االرتياب مثلي
فقاطعتها قائاًل « :أعلم ،لقد رأيت ما حدث لوالديَّ عندما ظنا أنني لقيت حتفي .ولن يكون الوضع أفضل إذا علم==ا أن==ني ه==ارب.
لكن أن أكون هاربًا أفضل من أن أكون مسجو ًنا في نظرهما .هذا م==ا أظن==ه .ب=أي ح==ال ،م=ا إن نختفي ح==تى تتمكن بارب=ارا من
تبادلنا القبل عند باب غرفتها ،لكن ليس بالحرارة نفسها التي نقبل بها بعضنا البعض عند الفراق .هذه الم==رة ك==انت قبل==ة لطيف==ة
•••
ً
جيئ=ة وذهابً=ا ،وتح=اول أال تنظ=ر في عي=ون الرك=اب تجعلك الرحالت بشبكة بارت مت=أماًل عمي=ق الفك=ر .عن=دما يه=تز القط=ار
اآلخرين ،وأال تقرأ اإلعالنات عن الجراحات التجميلية ،والضامنين واختبارات الكشف عن اإليدز ،وتحاول تجاه=ل الجرافي==تي
.وأال تنظر بتركيز إلى فرش األرض ،حينئ ٍذ يبدأ رأسك يموج باألفكار
ً
جيئة وذهابًا ،وتفكر في كل شيء تجاوزت عنه من قبل ،ويمر أمام عينيك شريط حياتك بما فيه من لحظات جبن، يهتز جسدك
»ضخمًا على شبكة إكس نت؟ أال يستحق ذلك تسريب فيديو مشبوه؟
يتوصل عقلك إلى هذه األمور حتى وإن لم يسر القطار س=وى محط==تين أو ثالث محط=ات .وعن==دما ت==نزل ،وتب==دأ في التح==رك،
ً
ثانية .تجري الدماء ثانية في عروقك ،وأحيا ًنا يساعدك عقلك في الخالص
.وأحيا ًنا ،إلى جانب المشكالت ،يمنحك عقلك حلواًل
الفصل الثامن عشر
أهدي هذا الفصل إلى متجر صوفيا بوكس متعدد اللغات في مدينة فانكوفر ،ذلك المتجر المثير والمتنوع الزاخر بأفضل ص==ور
الثقافة الشعبية الغريبة والمثيرة من كافة األنحاء .كان متجر صوفيا بجوار الفن==دق ال==ذي كنت أقيم في==ه أثن==اء زي==ارتي لف==انكوفر
إللقاء محاضرة في جامعة سايمون فريزر ،وأرسل لي القائمون على المتجر رس==الة بري==د إلك==تروني لكي أع==رج عليهم وأوق==ع
الكتب التي كانوا يعرضونها بينما كنت في الجوار .عندما وصلت هناك ،اكتشفت مجموعة نفيسة من األعمال التي لم أرها من
قبل في مجموعة مذهلة من اللغات ،بدءًا من الروايات المصورة ووص==واًل إلى األبح==اث األكاديمي=ة= الض==خمة ،ويش==رف عليه==ا
فريق عاملين َحسنِي الطباع (بل ومرحين أي ً
ضا) ،من الواضح أنهم كانوا يستمتعون= بعملهم ،األمر الذي يدركه كل عميل يدخل
.من الباب
***
مرَّ عليَّ وقت كانت أحبُّ األمور فيه إلى قلبي على اإلطالق هي ارتداء َحر َملة والذهاب إلى الفنادق ،متظ==اهرً ا أن==ني مص==اص
األمر معقد ،وليس غريبًا مثلما يبدو لك .جمعت ألعاب تقمص األدوار في إطار طبيعيٍّ أفض َل عناصر لعبة «سجون وتن==انين»
.أعلم أن ذلك قد ال يجعلها تبدو جذابة لك كما كانت في نظري وأنا في الرابعة عشرة من عمري
أفضل األلعاب كانت تلك التي نمارسها في معسكرات الكشافة خ==ارج المدين==ة :المئ==ات من الم==راهقين من الجنس==ين ،يواجه==ون
ازدحام مرور يوم الجمعة ،ويتبادلون القصص ،ويلعبون باأللعاب التي ُتحمل باليد ،ويتف==اخرون لس==اعات .بع==د ذل==ك ي==ترجلون
عن المركبات ليقفوا وسط الحشائش أمام مجموعة من الرجال والسيدات األكبر س ًّنا يرتدون درو ًعا سيئة مصنوعة في المنزل،
متبعجة ومليئة بالخدوش ،مثلما كان حال الدروع في الزمن الماضي ،ليست كما تص==ورها األفالم الس==ينمائية ،وإنم==ا كم==ا يب==دو
كان هؤالء األفراد يتلقون أجرً ا مقابل إدارة األلعاب ،لكن ال يمكن أن ُتعيَّن في هذه المهمة إال إذا كنت من النوع الذي يمكن أن
يؤديها دون مقابل .كانوا يقسموننا إلى فريقين بنا ًء على االستبيانات التي كنا نملؤها سل ًفا ،ثم يخبروننا بمه==ام فريقن==ا بع==د ذل==ك،
تحصل بعد ذلك على تعليمات توجيهية تشبه تلك التي يحصل عليها الجواسيس في األفالم السينمائية؛ وتتضمن بداخلها هويتك،
يلي ذلك العشاء :نيران متوهجة ،لحم يتقلب في األسياخ ،توفو يئز على المقالة (في ش==مال كاليفورني==ا ،النظ==ام الغ==ذائي النب==اتي
.ليس اختيارً ا) ،وأسلوب األكل والشرب ال يمكن وصفه إال بأنه َش َرهٌ
يبدأ بعد ذلك المتحمسون في تقمص الشخصية التي يلعبونها .أول لعبة مارستها أديت فيها دور ساحر ،فحملت ً
كيس=ا ب==ه العدي==د
من أكياس حبات الفول التي من المفترض أن تمثل تعاويذ سحرية .فكنت عندما ألقي واح= ًدا منه==ا ،أص==يح باس==م التعوي==ذة ال==تي
ألقيها (كرة نار ،صاروخ سحري ،مخروط ضوء) ،ويسقط الالعب أو «الوحش» الذي ألقيه علي==ه إذا نجحت في الرمي==ة .وإن
لم أنجح ،كنا نلجأ أحيا ًنا إلى أحد المُح ِّكمين للتسوية بيننا ،بيد أنن==ا كن==ا غال ًب==ا نتح==رى النزاه==ة في اللعب ،فال أح==د يحب اللج==وء
وبحلول موعد النوم ،نكون قد تقمص==نا جمي ًع= ا الشخص==يات ال==تي من المف==ترض أن نلعبه==ا .عن==دما كنت في الرابع==ة عش=رة من
عمري ،لم أكن على يقين تام من نبرة الصوت التي من المفترض أن يتحدث بها الساحر ،لكن كان بإمك==اني أن أستش==ف بعض
األشياء عنها من األفالم والروايات ،فكنت أتحدث بنبرة صوت تتسم بالبطء والروية ،م==ع الحف==اظ على تعب==ير غ==امض مناس==ب
كانت المهمة الموكلَة إلينا معقدة؛ إذ كان علينا استعادة أثر مقدس سرقه غول عمد إلخضاع الناس إلرادت=ه .لم يهم ذل=ك كث==يرً ا،
أيض=ا َخ ْ
ص= ٌم س=ري وإنما ما كان يهم هو أنني لدي مهمة خاصة؛ أال وهي اإلمساك بعفريت صغير ليعمل مس=اع ًدا لي ،وهن=اك ً
عتيد =،وهو العب آخر في الفريق شارك في غارة قُتِلت فيه=ا أس=رتي عن=دما كنت طفاًل ص=غيرً ا وال يعلم ب=أنني س=أعود عازمً=ا
على االنتقام .كان هناك ،بالطبع ،في مكان ما العب آخ==ر ي ِّكن لي الض==غينة نفس==ها ،ومن ثم ك==ان عليَّ دو ًم==ا االح==تراس من أن
على مدار اليومين التاليين ،مارسنا اللعبة .مرت بعض األوقات في نهاية األسبوع كان اللعب فيها مثل الغمضية ،وأخرى مث==ل
تمارين النجاة في البرية ،وأخرى مثل حل ألغاز الكلمات المتقاطعة .وكان أداء الفائزين رائعً ا .وال بد أن تكون صدي ًقا لآلخرين
في المهمة .كان داريل الهدف في أول جريمة قتل أرتكبها ،وقد بذلت أقصى جهدي في تلك المهمة ،رغم أنه كان صديقي .كان
ألقيت عليه كرة النار أثناء بحثه عن الكنز بعد قضائنا على مجموعة من الوحوش ،بممارسة لعب==ة «حج==ر – ورق==ة – مقص»
.مع كل وحش لتحديد من سيفوز في الصراع .هذا أكثر متعة مما يبدو عليه
كان األمر أشبه بمعسكر صيفي لعشاق الدراما؛ فقد كنا نتحدث حتى أوقات متأخرة من الليل في الخيام ،ونتطلع للنجوم ،ونقف==ز
.في النهر عند شعورنا بالحرارة ،ونضرب البعوض بأيدينا؛ فتجمع بيننا بعد ذلك صداقة حميمة ،أو عداء أبدي
ال أعلم لماذا أرسل والدا تشارلز ابنهما لممارسة ألعاب تقمص األدوار في إطار طبيعي ،فلم يكن من الن==وع ال==ذي يس==تمتع ح ًّق==ا
بهذه األنشطة ،وإنما بأنشطة سادية مثل نزع أجنحة الذباب .وربم=ا ال ،لكن=ه لم يكن من الن==وع ال=ذي يم=ارس لعب==ة في الغاب=ات
مرتديًا ز ًّيا تمثيل ًّيا .قضى تشارلز وقت=ه في المعس=كر متس=كعً ا في األرج=اء ،مس=تهز ًئا بك=ل ش=يء وك=ل ش=خص ،مح=اواًل إقن=اع
الجميع أننا ال نقضي وق ًتا جي ًد ا كما نظن .ال ريب أنك قد قابلت هذا النوع من الناس من قبل ،هذا النوع ال==ذي يس==عى دو ًم==ا ألن
هذه األلعاب الموسعة شبه العسكرية حتى يصبح من السهل للغاية أن تتحمس لدرجة قد تم==زق فيه==ا عن==ق ش==خص آخ==ر .وليس
هذا باألمر الجيد عندما تحمل سي ًفا أو هراوة أو رمحً ا أو أية أداة أخرى غير حقيقية؛ ول==ذلك ،ال يُس= َمح أب= ًدا بالض==رب في ه==ذه
األلع=اب تحت أي ظ=رف .فعن=دما تق=ترب من أي ش=خص لمقاتلت=ه ،تب=دأ س=ريعً ا دورين للعب=ة «حج=ر – ورق=ة – مقص» م=ع
التعديالت بنا ًء على خبرتك ،وأسلحتك ،وحالتك .ويسوي المح ِّكمون الخالفات .فاألمر متحضر تما ًم==ا ،وغ==ريب بعض الش==يء.
تركض خلف شخص ما في الغابة ،وتمسك به ،وتكش==ر عن أنياب==ك ،ثم تجلس==ان م ًع= ا لتلعب==ا «حج==ر – ورق==ة – مقص»! لكن==ه
ما كان بإمكان تشارلز استيعاب ذلك في الحقيقة .أعتقد أن==ه ك==ان ق==ادرً ا تما ًم==ا على فهم أن القاع==دة هي ع==دم التالمس ،لكن==ه في
الوقت نفسه قرر أن القاعدة ال تهم ،وأنه لن يتقي=د به=ا .طالب=ه به=ا المح ِّكم=ون ع=دة م=رات أثن=اء نهاي=ة األس=بوع ،وظ=ل يع=دهم
ً
«مص=ادفة» في نهاي=ة أي ً
أرض=ا بااللتزام بها ،ويحنث بعهده بعد ذل=ك .ك=ان من أض=خمنا بني=ة هن=اك ،ويحب ط=رح اآلخ=رين
.سباق .وال يكون األمر ممتعً ا عندما تقع على أرض غابة تملؤها الصخور
كنت قد سددت ضربة قاتلة لداريل في أرض صغيرة مقطوعة الشجر في الغاب==ة حيث ك==ان يبحث عن الك==نز ،وأخ==ذنا نض==حك
قلياًل على براعتي في التعقب خلسة .وشرع داريل في لعب دور أحد الوحوش كان بإمكان الالعبين المقتولين االنتقال لممارسة
دور الوحوش ،ما عنى أنه كلما طالت مدة اللعب ،زاد عدد= الوحوش التي تط=اردك ،األم=ر ال==ذي ع==نى ب=دوره أن الجمي==ع ك=ان
أعلم أنه هو إال قبل أن يصيح بلحظات .لم أهتم به كثيرً ا قبل ذلك الحين ،لكن==ني كنت على اس==تعداد لقتل==ه آن==ذاك .نهض==ت ببطء
»!ألقف على قدميَّ ،ونظرت إليه وهو يلهث ويقول مبتسمًا« :أنت هالك ال محالة ،لقد نلت منك
ابتسمت ،وشعرت بألم في وجهي .لمست شفتي العليا ،فوجدتها ملطخة بالدماء .كان أنفي ي==دمى وش==فتي مجروح==ة؛ إذ جرحه==ا
.مسحت الدم في بنطالي ،وابتسمت .تظاهرت بظني أن ما حدث كان مزحة .ضحكت قلياًل ،وسرت نحوه
لم ينخدع تشارلز بذلك ،وبدأ يتراجع بالفعل محاواًل االختفاء بين األش==جار .تح==رك داري==ل لمهاجمت==ه من أح==د جانبي==ه ،في حين
لم ير المحكم تشارلز وهو يخالف قواعد اللعبة معي ،لكنه رأى أداء تشارلز في عطل=ة نهاي=ة األس=بوع تل=ك .أع=اد تش=ارلز إلى
مدخل المعسكر ،وأخبره أنه خارج اللعبة .احتج تشارلز بقوة ،لكن المح ِّكم لم يستمع إلى أيٍّ مما كان يقوله ،األمر الذي أسعدنا.
.وما إن أُبعِد تشارلز حتى أخذ المح ِّكم يوبخنا نحن أي ً
ضا ،مخبرً ا إيانا أن انتقامنا لم يكن مبرَّ رً ا شأنه شأن هجوم تشارلز علينا
سار األمر على ما يرام .وفي تلك الليلة ،م=ا إن انتهت األلع==اب ح=تى حص=لنا جمي ًع= ا على حم=ام س=اخن في حمام=ات الكش=افة.
سرقت أنا وداريل مالبس تشارلز ومنشفته .ربطناها في عقد وألقينا بها في المبولة .س==عد الكث==ير من الفتي==ة بالمش==اركة في نق==ع
.مالبسه معنا في المبولة؛ فقد كان تشارلز متحم ًسا في طرح اآلخرين أرضًا
كم كنت أتمنى أن أراه وهو يخرج من ال ُّدش ليكتشف ما حدث لمالبسه ،فالقرار صعب :إما أن تجري عاريًا بأنح==اء المعس==كر،
فاختار تشارلز العري .ولعلني كنت سأختار الشيء ذاته لو كنت مكانه .اصطففنا جمي ًعا على الطري==ق بين الحمام==ات والس==قيفة
•••
لم تكن معسكرات الكشافة بعطالت نهاية األسبوع تقام سوى ثالث أو أربع مرات في العام ،ما جعلني أنا وداريل — وكث==يرين
.غيرنا من ممارسي ألعاب تقمص األدوار في إطار طبيعي — نعاني من افتقار شديد لهذه األلعاب في حياتنا
إطار طبيعي بين جماعات متنافسة من مصاصي الدماء وصائديهم .وكانت لها قواعد غريب==ة .يحص==ل الالعب==ون على بطاق==ات
لتساعدهم في تسوية المناوشات ،ومن ثم فإن كل مناوشة تتضمن القليل من ممارسة لعبة ورق اس==تراتيجية .ويمكن لمصاص==ي
الدماء أن يصبحوا غ==ير مرئ==يين بتغطي==ة أنفس==هم ،ووض==ع أذرعهم متقاطع==ة على ص==دورهم ،وعلى جمي==ع الالع==بين اآلخ=رين
التظاهر بأنهم ال يرونهم ،واالستمرار في محادثاتهم بشأن خططهم وما إلى ذلك .واالختب==ار الحقيقي لالعب الم==اهر ه==و م==ا إذا
.كنت أمي ًن ا بما فيه الكفاية لتكشف أسرارك أمام المنافس «غير المرئي» دون التصرف وكأنه في الغرفة
كانت ُتقام لعبة «ضوء الشمس اللعين» بشكل واسع مرتين كل شهر ،وك==ان منظم==و اللعب==ة على عالق==ة جي==دة بفن==ادق المدين==ة،
ويعلنون عن أنهم سيشغلون عشر غرف غير محجوزة ليلة الجمع==ة ،ويملئونه==ا ب==الالعبين ال==ذين يركض==ون في أنح==اء الفن==دق،
ويمارسون لعبة «ضوء الشمس اللعين» ممارسة هادئة في األروقة ،وحول حوض السباحة ،وما إلى ذل==ك ،ويتن==اولون الطع==ام
في مطعم الفندق ،ويدفعون مقاب==ل اس==تغالل ش==بكة ال==واي ف=اي بالفن==دق .ك=انوا يغلق==ون ب==اب الحج=ز بع==د ظه==يرة ي==وم الجمع==ة،
ويرسلون لنا بري ًدا إلكترون ًّيا ،ونتوجه مباشر ًة من المدرسة إلى الفندق الذي يختارونه ومعنا حقائب الظهر لنن==ام س==تة أو ثماني==ة
أفراد في الغرفة في عطلة نهاية األسبوع ،ونعيش على األغذية السريعة ،ونلعب حتى الثالثة صباحً ا .ك=انت وس=يلة متع=ة جي=دة
كان المنظمون جهة خيرية تعليمية ش==هيرة تقيم ورش عم==ل تعليم الكتاب==ة وال==دراما وم==ا إلى ذل==ك للص==غار .واس==تمرت إدارتهم
لأللعاب لعشر سنوات دون وقوع أي حادث؛ فلم تكن هناك أية خم=ور أو مخ==درات ح==تى ال يُل َقى القبض على المنظمين بس==بب
فساد بعض القُصَّر .وكان عدد الالعبين يصل ما بين عش==رة إلى مائ==ة ،حس==ب نهاي==ة األس==بوع .وبمقاب==ل تكلف==ة مش==اهدة فيلمين
للسائحين كبار السن من مدعي المعرفة بالفن؛ حيث تتضمن كل غرفة حوضًا به أسماك ذهبية =،ويمتلئ رواق االستقبال بأن==اس
.كبار في السن بهيِّي الطلعة َحسنِي الملبس ،يتباهون بنتائج العمليات التجميلية التي خضعوا لها
عاد ًة ما كان األرضيون — االسم الذي كنا نطلقه على غير الالعبين — يتجاهلوننا؛ إذ ينظرون إلينا على أننا شباب ع==ابثون.
لكن في نهاية األسبوع تلك ،تصادف وجود محرر بإحدى المجالت السياحية اإليطالية ،واهتم بما كن==ا نفعل==ه .أوقف==ني عن==د أح==د
األركان أثناء سيري خِلسة في الرواق ،آماًل في تحديد= مكان قائد الفريق المن==افس لي ،واالنقض==اض علي==ه ،ومصِّ دمائ==ه .كنت
أقف قبالة الحائط مع طي ذراعيَّ على صدري ،متظاهرً ا بأنني غير مرئي ،عندما اقترب مني ذلك المحرر وس==ألني بإنجليزي==ة
.بلكنة غريبة عما كنت أنا أفعله مع أصدقائي في الفندق في عطلة نهاية األسبوع تلك
.حاولت ص َّده ،لكنه لم يتراجع؛ لذلك فكرت في اختالق قصة ما ليرحل عني
.لم أتخيل أنه سينشر ما قلته ،أو تتداوله الصحافة األمريكية بالفعل
».قلت له« :نحن هنا ألن أميرنا مات ،فكان علينا المجيء إلى هنا للبحث عن حاكم جديد
»أمير؟«
فأجبته متماديًا في التظاهر« :نعم ،نحن «الشعب القديم» .جئنا إلى أمريكا في القرن السادس عش=ر ،وتأسس==ت من==ذ ذل==ك الحين
عائلتنا الملكية في غابات بنسلفانيا .نعيش حياة بسيطة في الغابات ،وال نستخدم التكنولوجيا الحديثة =.لكن األمير ك==ان آخ==ر ف==رد
في األسرة الحاكمة ،وتوفي األسبوع الماضي جراء مرض مس==بب لله==زال .فخ==رج ش==باب عش==يرتي للعث==ور على س==اللة عم==ه
األكبر الذي كان قد ترك العشيرة لينضم للمجتمع المتحضر في عصر جدي .ويُقال إنه أنجب ،ومن ثم س==نعثر على آخ=ر أف=راد
عثرنا على امرأة تعلم أفراد هذه الساللة ،وأخبرتنا أن أحدهم يقيم في هذا الفندق؛ ولذلك جئنا للعثور عليه .لكن تتبعتنا جماعة«
منافسة تسعى لمنعنا من جلب أميرنا لل=ديار ،واإلبق=اء علين==ا ض==عفاء تس=هل الس=يطرة علين==ا؛ ومن ثم ،يل==زم علين=ا الحف=اظ على
ً
شديدا ».السرية ،فال نتحدث إلى «الشعب الجديد»= إذا استطعنا ذلك .والتحدث معك اآلن يسبب لي إزعاجً ا
نظر إليَّ نظرة ماكرة .كنت ق==د ح==ررت ي==ديَّ ،م==ا ع==نى أن==ني ص==رت «مرئ ًّي==ا» لمصاص==ي ال==دماء المنافس==ين ،وك==انت إح==دى
مصاصات الدماء تتسلل ببطء آنذاك ناحيتنا .وفي اللحظ==ة األخ==يرة ،اس==تدرت ورأيته==ا وهي باس==طة ذراعيه==ا وتص==در ص==وت
.تطاردني .اكتشفت طري ًقا للهروب عبر بئر السلم وصواًل للنادي الصحي في الدور السفلي ،فسلكته وهربت منها
ً
ثانية في عطلة نهاية األسبوع تلك ،لكن==ني رويت م==ا ح==دث ألح==د رف==اقي في لعب==ة تقمص األدوار في إط==ار لم أر ذلك المحرر
.طبيعي ،وقد أضاف مبالغات لها ورواها مرات عدة على مدار نهاية األسبوع
كانت هناك محررة في المجلة اإليطالية أعدت رسالة الماجستير الخاصة به==ا عن جماع==ات اآلميش المناهض==ة للتكنولوجي==ا في
ريف بنسلفانيا ،ورأت قصتنا مث=يرة لالهتم=ام بش==دة .واعتم==ا ًدا على المالحظ=ات واللق=اءات المس=جلة على ش=رائط لرئيس==ها في
العمل أثناء رحلته بسان فرانسيسكو ،كتبت تلك المحررة مقااًل مذهاًل ومحز ًنا عن أه==الي العش==يرة الم==راهقين غري==بي األط==وار
.الذين قطعوا أمريكا باحثين عن «أميرهم» .يا إلهي! يمكن نشر أي شيء هذه األيام
لكن الفكرة أن مثل هذه القصص يتم تداولها وإع==ادة نش==رها .أواًل :الم==دونون اإليط==اليون ،ثم بعض الم==دونين األمريك==ان .أبل==غ
الن==اس بجمي==ع أنح==اء البالد عن رؤيتهم ألف==راد «الش==عب الق==ديم» .وال أعلم م==ا إذا ك==انوا يختلق==ون ذل==ك ،أم أن آخ==رين ك==انوا
انتشرت القصة في وسائل اإلعالم وصواًل لصحيفة «نيويورك تايمز» التي تهتم كثيرً ا — لسوء الحظ — ب==التحقق من حقيق==ة
األخبار .والمحرر الذي تولى الخبر فيها وصل في النهاي==ة إلى فن==دق مون=اكو ال==ذي أوص==له بمنظمي ألع=اب تقمص األدوار في
عندئ ٍذ =،صارت ممارسة تلك األلعاب أقل إثارة لالهتم==ام .وص==رنا ُن َ
ع=رف ب==أكبر المخ=ادعين في البالد ،وبأنن==ا نع==اني من ك=ذب
مرضي وبأننا غريبو األطوار .والصحافة التي خدعناها دون قصد وتناولت قصة «الشعب القديم» صارت آنذاك مهتمة بتبرئة
نفسها عن طريق اإلخبار عن مدى غرابتنا كممارسين لهذه األلعاب .حينذاك ،أخبر تشارلز الجميع في المدرس==ة أن==ني وداري==ل
لم تكن تلك الفترة جيدة بالنسبة لي .بعض أعضاء الفريق لم يهتموا بما حدث ،لكننا اهتممنا .فكانت المضايقات عديمة الرحم==ة،
وتزعمها تشارلز .فعثرت على مخالب بالستيكية في حقيبتي ،وأخ==ذ بعض الش==باب في المدرس==ة يص==درون أص==وا ًتا كأص==وات
مصاصي الدماء في أفالم الكرتون استهزا ًء بي كلما مررت بهم ،أو يتحدثون بلهجة أهالي ترانسيلفانيا (م==وطن دراك==وال) عن==د
.وجودي بجوارهم
.بين الحين واآلخر ،الرتداء حرملة مصاصي الدماء وقضاء عطالت نهاية األسبوع في الفندق
•••
إن المضاد لمفهوم «روح ال ُّسلَّم» هو عودة المواقف المحرج==ة في الحي==اة ألذهانن==ا كث==يرً ا ،ح==تى بع==د م==رور ف==ترة طويل==ة على
وقوعها .يمكنني تذكر كل شيء أحمق قلته أو فعلته ،وبوضوح كامل .فعندما كنت أشعر باإلحباط ،كنت أبدأ في تذكر اللحظات
.األخرى التي راودني فيها الشعور ذاته ،وتتتابع صور اإلهانات واحدة تلو األخرى في عقلي
فبينما كنت أحاول التركيز على ماشا وهالكي الوشيك ،ظلت تطاردني ذكريات حادثة «الشعب القديم» .فراودني آنذاك ش==عور
غامر مماثل بالهالك ،فبتزايد تداول الصحافة لقصتي ،تزايد احتمال اكتشاف شخص م==ا لحقيق==ة أن==ني من اختلقت القص==ة ال==تي
ً
وقميص=ا أخبرتها للمحرر اإليطالي الغبي الذي كان يرتدي بنطال جي==نز يحم==ل اس=م مص==مم أزي==اء ش==هير ب==ه درزات معقوف==ة،
.ثمة ما يمكنك= فعله بداًل من التركيز على أخطائك؛ أال وهو التعلم منها
نظرية جيدة على أية حال .فلعل سبب استعادة عقلك الباطن لكل هذه الذكريات البائسة هو رغبته في التخلص منها حتى ال ترد
ً
ثانية .ظل عقلي الباطن يعيد عليَّ هذه الذكريات على أمل أن أفعل شي ًئا ألنساها تمامًا .على ذهنك
طوال الطريق للمنزل ،سيطرت عليَّ تلك الذكرى ،وفكرة ما كان عليَّ فعله بشأن «ماش==ا» في ح==ال ك==انت تتالعب بي .أردت
.وعندما وصلت إلى المنزل — وغمرتني األحضان الحزينة من أبي وأمي — توصلت إلى الحل
•••
تمثلت الحيلة في ضبط الوقت لكي يحدث ذلك سري ًعا على نحو ال تتمكن معه وزارة األمن الوطني من االس==تعداد= ل==ه ،لكن م==ع
.تحديد فترة انتظار طويلة بما فيه الكفاية ليكون لدى مستخدمي شبكة إكس نت ما يكفي من الوقت للتجمع م ًعا في مكان واحد
تمثلت الحيلة في إعداد ذلك بحيث يحول عددنا الكبير دون القبض علينا جمي ًعا ،وأن يكون ذلك في مكان ما يس==تطيع الص==حافة
ً
ثانية .والبالغون رؤيته ،وبذلك ال تتمكن= وزارة األمن الوطني من مهاجمتنا بالغاز
تمثلت الحيلة في التوصل إلى شيء يؤيده اإلعالم مثل رفع البنتاجون في الهواء ،وفي إعداد ش==يء يمكنن==ا التجم==ع حول==ه ،مث==ل
.طالب بيركلي البالغ عددهم ٣٠٠٠طالب ،الذين رفضوا السماح بأن يعتقل أيٌّ منهم ويُزج به إلى داخل سيارة شرطة
تمثلت الحيل==ة في وض==ع الص==حافة هن==اك لتك==ون على اس==تعداد ألن تعلن عم==ا فعلت==ه الش==رطة مثلم==ا فعلت في ع==ام ١٩٦٨في
.شيكاجو
غادرت المدرسة مبكرً ا ساعة في اليوم التالي ،مستخدمًا أساليبي االعتيادية للخروج منها ،م==ع ع==دم االهتم==ام بم==ا إذا ك==ان ذل==ك
.سيثير نو ًعا جدي ًد ا من أساليب مراقبة وزارة األمن الوطني من شأنه أن يؤدي لحصول والديَّ على إخطار ما
.على أية حال ،آخر ما كان سيفكر فيه والداي بعد الغد هو ما إذا كنت أعاني من مشكلة في المدرسة أم ال
التقيت بآنج في منزلها .كان عليها الخروج من المدرسة في موع=د أس=بق م==ني ،لكنه=ا تظ=اهرت بإص=ابتها بمغص م==ؤلم وأنه==ا
بدأنا في نشر الخبر على شبكة إكس نت .أرسلناه بالبريد اإللكتروني إلى أصدقائنا موضع الثقة ،وأرسلته في رسائل فورية إلى
قوائم أصدقائنا المقربين .تجولنا بجميع أرجاء لعبة «كلوك وورك بالندر» وأطلعنا رفاقنا في الفريق .كانت هن==اك ص==عوبة في
منح الجميع معلومات كافية ليحضروا الحدث ،لكن ليس بما فيه الكفاية لفضح أنفسنا أمام وزارة األمن الوطني ،لكن أعتقد أنني
إذا كنت قوط ًّيا ،فلترت ِد مالبس مبهرة .وإذا لم تكن قوط ًّيا ،فاعثر على ق==وطي ،واق==ترض من==ه بعض المالبس .لتفك==ر كم==ا ل==و«
يبدأ اللعب الساعة الثامنة صباحً ا بالضبط .لتحضروا جمي ًعا وتتأهبوا للتقسيم إلى فرق .تستمر اللعب==ة لم==دة ثالثين دقيق==ة ،ومن«
».تحديث .وإذا كان ذلك مبكرً ا للغاية في نظركم ،فلتظلوا دون نوم طوال الليل .هذا ما سنفعله
».ستكون هذه أفضل متعة تحصلون عليها طوال العام … أضمن لكم ذلك«
».صدقوني«
»مايكي«
»مايكي«
».هكذا ظننت .تجمع مصاصي دماء ،أليس كذلك؟ إيقاعك سريع .ارت ِد قبعة حمراء ،وخفف من أمتعتك«
ماذا تحمل معك عند الهروب؟ حملت من الحقائب الثقيلة في معسكرات الكشافة ما يكفي ألن أعرف أن كل جرام زائ==د يض==يف
لما يقع على عاتقك من حمل بكل ما يعنيه ذلك من قوة جاذبية ساحقة تزي=د م=ع ك=ل خط=وة تخطوه=ا … ال يك=ون ذل=ك جرامً=ا
قالت آنج« :نعم ،معك حق .وال يجدر بك أن تأخذ من المالبس م=ا يكفي ألك=ثر من ثالث=ة أي=ام ،فيمكن=ك غس=ل مالبس=ك في أي
حوض .فأن تكون هناك بقعة على التي شيرت الخاص بك أفضل من أن تحمل حقيبة أكبر وأثقل من أن تستطيع إخفاءه=ا تحت
».مقعد الطائرة
كانت قد خلعت حقيبة كتف من النايلون الباليستي ،والتي كانت تمر حمالتها على صدرها بين نهديها — ما جعلني أتعرق قلياًل
— وتتعلق بانحراف على ظهرها .اتسمت تلك الحقيبة باتساعها من ال==داخل .وض==عتها على الس==رير ،وأخ==ذت تك==دس المالبس
.بها اآلن
أعتقد أن ثالثة تي شيرتات وبنطااًل وبنطااًل قصيرً ا وثالث قط==ع مالبس داخلي=ة وثالث=ة أزواج من الج=وارب وس==ترة واح==دة؛«
».ستفي بالغرض
أخرجت محتويات حقيبة األلع=اب الرياض=ية خاص=تها ،والتقطت مس=احيق التجمي=ل ،وق=الت« :س=أتذكر وض=ع فرش=اة األس=نان
.سأرحل في اليوم التالي .وربما يكون ذلك لفترة طويلة ،وربما لألبد
سألتني« :هل أحضر جهاز إكس بوكس الخاص بي؟ فثمة أمور كثيرة أحتف==ظ به==ا على مح=رك األق==راص الص==لبة :مالحظ==ات
».ومسودات وبريد إلكتروني .ال أريد أن تقع هذه األشياء في األيدي الخطأ
فأجبتها« :جميعها أمور مشفرة .هذا المعتاد مع نظام «بارانويد إكس بوكس» .فلتتركي جهاز اإلكس بوكس ،سنجد الكث==ير من
هذه األجهزة في لوس أنجلوس .عليكِ فقط بإنشاء حساب بحزب القراصنة ،وإرسال رسالة بريد إلكتروني لنفسك تحم==ل نس==خة
».من محرك األقراص الصلبة .هذا ما سأفعله أنا أي ً
ضا عندما أعود للمنزل
ففعلت ما أخبرتها به ،وانتظرت إرسال الرسالة .كان األمر سيستغرق بضع ساعات ل ُتض= َغط البيان==ات ع==بر ش==بكة ال==واي ف==اي
أغلقت بعد ذلك غطاء الحقيبة ،وأحكمت غلق أربطة الضغط .وبذلك ،صار يتدلى على ظهرها ش=يء بحجم ك==رة الق==دم .ح==دقت
فيه بإعجاب .يمكنها السير في الشارع وهذه الحقيب==ة تحت كتفه==ا ،ولن يلتفت أح==د إليه==ا؛ فهي تب==دو كم==ا ل==و ك==انت في طريقه==ا
.للمدرسة
بقي شيء واحد» ،قالت ذلك وتوجهت ناحية الطاولة الموجودة بجوار السرير ،وأخ==رجت كيس الع==وازل الذكري==ة .أخرجته==ا«
.من الكيس ،وفتحت الحقيبة ووضعتها بداخلها ،ثم ضربتني على مؤخرتي
»اآلن ،نذهب إلى منزلك ،ونحزم أغراضك .حان الوقت أللتقي بوالديك ،أليس كذلك؟«
تركت الحقيبة وسط أكوام المالبس واألشياء المهملة المبعثرة على األرض ،وكانت مستعدة ألن تترك كل شيء وته==رب ،فق==ط
.حتى تبقى معي ،حتى تدعم قضيتنا .وقد جعلني هذا أشعر بالشجاعة أيضًا
•••
كانت أمي ال تزال في المنزل عند وصولنا ،وكانت قد فتحت الكمبيوتر المحمول الخاص بها على مائ==دة المطبخ ،وأخ==ذت ت==رد
على البريد اإللكتروني أثناء التحدث في سماعة الرأس المتصلة بالكمبيوتر .كانت تساعد أح==د الرج==ال من يوركش==اير وعائلت==ه
الوقت نفسه حتى إنني شعرت بطحن عظامي لبعضها البعض .لم أعلم ما كان يقلقه==ا إلى ه==ذا الح==د ،فم==ا ك==انت ستقض==ي وق ًت==ا
.أمي ،هذه آنج .آنج ،هذه أمي ليليان ».وقفت أمي وعانقت آنج«
وقالت وهي تنظر لها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها« :سعدت للغاية بلقائك عزيزتي ».أعتق==د أن مظه==ر آنج ك==ان مقب==واًل
.للغاية؛ فقد كانت مالبسها جيدة وبسيطة ،ومظهرها يعكس ما هي عليه من فطنة
قالت آنج بصوت تملؤه الثقة بالنفس« :سعدت بلقائك يا سيدة يالو ».كانت أفضل مني بكثير مقارنة بما كنت عليه عندما التقيت
.بوالدتها
».أحب ذلك«
».فقلت« :إنها مدمنة= صلصة حارة .يمكنكِ أن تقدمي لها إطارات قديمة ،وستأكلها إذا طهوتها في صلصة حارة
».قالت أمي« :كنت سأطلب طعامًا تايالند ًّيا =.سأضيف إلى الطلب طبقين حارين
شكرتها آنج بأدب ،وانطلقت أمي في ابتهاج بأنحاء المطبخ لتحضر لنا كوبي عصير وطب ًقا من البسكويت .وسألتنا ثالث مرات
.إذا كنا نريد بعض الشاي .ارتبكت قلياًل
ً
ثانية ،وقالت« :بالطبع ،سيأتي والدك في خالل ساعة ،وحينها سنأكل ».ضاقت عينا أمي لحظات ،ثم ابتسمت
كانت جميع أغراض لعبة مصاصي الدماء مكوَّ مة في الجزء الخلفي من خزانتي .سمحت آلنج بفحصها واختيار األنس==ب منه==ا
بينما أنا فعلت ذلك مع مالبسي .لم أكن ذاهبًا لمكان أبعد من لوس أنجلوس حيث المت==اجر وك==ل م==ا ق==د أحت==اج إلي==ه من مالبس.
.لتنظيف األسنان
»!صحت« :مال
فقالت آنج« :نعم ،سأسحب كل ما في حسابي المصرفي أثناء عودتي للمنزل من إحدى ماكينات الصرف اآللي .تبلغ م==دخراتي
»ح ًّقا؟«
».عالم سأنفقها؟ منذ استخدامي لشبكة إكس نت ،ولم أعد بحاجة لدفع أي رسوم خدمة«
كانت لدي حقيبة كتب كب==يرة أس=تخدمها عن==د التنق=ل ب==أغراض كث==يرة بأنح=اء المدين=ة =،فك==انت أق=ل وض=وحً ا من حقيب=ة التخ==ييم
.وما إن حزمنا الحقيبة ووضعناها تحت السرير حتى جلسنا معً ا عليه
».قالت آنج« :يلزم علينا االستيقاظ مبكرً ا للغاية ً
غدا
كانت الخطة هي إرسال رسائل توضح مجموعة من المواقع الزائفة لتجمع مصاصي الدماء غ ًدا ،مع بعث الالعبين إلى مواق==ع
معينة تبعد= عن مركز المدينة= بضع دقائق سيرً ا على األقدام .أعددنا روسمًا للطالء بالرش ،عليه عبارة «مركز المدين =ة= لتجم==ع
مصاصي الدماء» .وعزمنا على طالئه في تل=ك المواق=ع الس=اعة الخامس=ة ص=باحً ا تقريبً=ا .ك=ان ذل=ك من ش=أنه أن يح=ول دون
إغالق وزارة األمن الوط=ني لمرك=ز المدين=ة قب=ل أن نص=ل إلى هن=اك .ك=ان نظ=ام ال=رد اآللي على رس=ائل البري=د اإللك=تروني
الخاص بي مستع ًّدا إلرسال الرسائل في الس=ابعة ص==باحً ا ،وك=ل م=ا عليَّ ه=و اإلبق=اء على جه=از إكس ب==وكس الخ=اص بي قي=د
ضا .أعتقد أن األمر قد يستغرق وق ًتا طوياًل .لكن من يعلم؟ بنشر مقال بارب==ارا …» كنت ق==د
فأجبتها« :هذا ما كنت أفكر فيه أي ً
أيض=ا … واس=تطردت« :وك=ل ذل==ك ،ربم=ا س=نكون أبط=ااًل في أعددت رسالة بريد إلكتروني ل ُت َ
رس=ل إليه==ا في الص==باح الت=الي ً
».غضون أسبوعين
».قلت لها« :إنني مذعور .أعتقد أنه من الجنون أال نصاب بالذعر
».نعم ،نعم«
استدعتنا أمي لتناول العشاء .صافحت آنج أبي .بدا قل ًقا غير حليق الذقن .هكذا كان حال==ه من==ذ ذهبن==ا لمقابل==ة بارب==ارا .لكن عن==د
.التقائه بآنج ،عادت بعض مالمحه القديمة .ق َّبلَته على وجنته ،وأصر على أن تدعوه درو
كان العشاء جي ًدا ح ًّق ا .وتالشى التحفظ عندما أخرجت آنج رذاذ الصلصلة الحارة وأضافتها إلى طبقها ،وأخذت تشرح ما تعني==ه
وح==دات الس==كوفيل .ح=اول وال==دي ت==ذوق ملء ش==وكة من طبقه=ا ،وت==رنح س==ريعً ا إلى المطبخ ليش==رب ق==درً ا كب==يرً ا من الحليب.
العجيب أن أمي حاولت ذلك بعد أبي ،وعبَّرت عن حبها له .واتضح أن أمي كانت لها قدرة عجيبة على تناول الطعام الح==ار لم
قبل أن تغادر آنج ،أصرت على منح والدتي رذاذ الصلصة الحارة ،وقالت لها« :لدي زجاجة أخرى بالمنزل ».كنت قد رأيته==ا
ً
قائلة« :يبدو أنك من نوع السيدات التي يجب أن تحصل على هذه ».وهي تضعها في حقيبة ظهرها .واستطردت
الفصل التاسع عشر
أهدي هذا الفصل إلى متجر كتب مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ،وهو المتجر الذي لم تفُ ْتنِي زيارته في ك==ل رحل==ة لي
إلى بوسطن على مدار السنوات العش=ر الماض=ية .ب=الطبع معه=د ماساتشوس==تس للتكنولوجي=ا ه==و أح==د المراك==ز المذهل=ة للثقاف=ة
الفكرية العالمية ،ومتجر الكتب الموجود في حرم ذلك المعهد يرتقي للتوقعات المذهلة التي كانت لديَّ عندما وط َئ ْته ق==دماي أول
مرة .فإلى جانب ما يحتويه من كتب رائعة نشرتها مطبعة معهد= ماساتشوستس للتكنولوجيا ،يضم كذلك أكثر ما ُنشِ ر في مج==ال
التكنولوجيا المتطورة إثارة في العالم ،بدءًا من مجالت القرص=نة اإللكتروني=ة مث==ل « »٢٦٠٠ووص=واًل إلى مجموع==ات الكتب
األكاديمية المختارة حول تصميم ألعاب الفيديو =.وهو أحد المتاجر التي أضطر فيها لطلب توصيل مشترياتي منه ألن حقيبتي ال
.تتسع لها
***
فيما يلي نص رسالة البريد اإللكتروني التي ُبعِثت اليوم التالي الساعة السابعة صباحً ا ،بينما كنت أنا وآنج نطلي ب==الرش عب==ارة
أنت من أفراد عشيرة مصاصي دماء ضوء النهار .اكتشفت سر البقاء ح ًّيا في ضوء الشمس الساطع .الس==ر ه==و ش==رب دم==اء«
».مصاصي الدماء اآلخرين؛ فدم مصاص دماء آخر يمكن أن يمنحك القوة الالزمة للسير وسط األحياء
تحتاج لعضِّ أكبر عدد ممكن من مصاصي الدماء اآلخرين لتظل في اللعبة .وإذا مرت دقيقة واحدة دون أن تعض فيها أح ًدا«،
فستخرج من اللعبة .وعندما تخرج من اللعبة ،عليك أن تعكس اتجاه القميص الذي ترتديه ،وتصير حك ًم==ا؛ أي ت==راقب اث==نين أو
ولعض مص==اص دم==اء آخ==ر ،علي==ك أن تق==ول« :عض!» خمس م==رات قب==ل أن يقوله==ا ه==و .ف==تركض إلى مص==اص دم==اء«،
وتتواصل معه بالعين ،وتصيح «عض ،عض ،عض ،عض ،عض!» وإن قلتها قبل أن يفعل هو ذل==كَ ،تعِشْ ويتح==ول ه==و إلى
».رماد
».مصاصو الدماء اآلخرون الذين تلتقي بهم بالموعد هم فريقك وعشيرتك .دمهم ليس غذا ًء لك«
يمكنك أن تصير «غير مرئي» بالوقوف ثاب ًتا ،وطي ذراعيك على صدرك .وال يمكنك= عض مصاصي دم==اء غ==ير مرئ==يين«،
».والعكس بالعكس
»ُ .ت َ
مار س هذه اللعبة بنظام الشرف .يكمن الهدف في االستمتاع ،وتقمص دور مصاص الدماء ،وليس الفوز«
ستكون هناك حركة أخيرة باللعبة تتناقلها األلسن بمجرد بدء ظهور الفائزين ،فيبدأ الفائزون حملة تهامس بين الالعبين عندما«
».يحين الوقت المناسب .ويلزم عليك نشر الهمسات بأسرع ما يمكنك =،وانتظار اإلشارة
»مايكي«
»!عض عض عض عض عض«
كنا نأمل في أن يرغب مائة فرد في ممارسة لعبة تجمع مصاصي ال==دماء ،وأرس==لنا نح==و م==ائتي دع==وة ،لكن==ني عن==دما نهض==ت
!ألجلس مستقيمًا في الرابعة صباحً ا ،وأمسكت بجهاز إكس بوكس ،كان هناك ٤٠٠رد … أربعمائة
أدخلت تلك العناوين في نظام الرد اآللي على رسائل البري==د اإللك==تروني ،وتس==للت خلس==ة من الم==نزل .هبطت الس==اللم مس==تمعً ا
.لغطيط أبي في نومه ،وأمي وهي تتقلب في السرير .أغلقت الباب خلفي
في الرابعة والربع صباحً ا ،كانت بتريرو هيل في هدوء الريف .كانت هناك بعض أصوات بعيدة= لس==يارات ،ولم تم==ر بج==واري
ُ
وسحبت مبل==غ ٣٢٠دوالرً ا فئ==ة ٢٠دوالرً ا .لففته==ا ،ووض==عت ُ
توقفت عند إحدى ماكينات الصرف اآللي، سوى سيارة واحدة.
ً
.رباطا مطاط ًّيا حولها ،وأدخلتها في جيب يف َتح ألعلى في جانب بنطال مصاص الدماء الذي كنت أرتديه
صا متغض ًنا ،وبنط==ال بذل==ة س==هرات ُع= ِّدل ليحت==وي على م==ا يكفي من الجي==وب
كنت أرتدي ثانية حرملة مصاصي الدماء ،وقمي ً
لحمل جميع أغراضي الصغيرة .هذا إلى جانب حذاء عالي الرقبة مدقق الط==رف بأب==ازيم فض==ية على ش==كل جم==اجم .ومش==طت
شعري في صورة لفات سوداء مضغوطة حول رأس==ي .ك==انت آنج ستحض==ر مس==حوق التجمي==ل األبيض ،ووع==دتني ب==أن تح==دد
ً
ثانية؟ عينيَّ بقلم التحديد ،وتطلي أظافري باللون األسود .ول َم ال؟ فمن يدري متى سألعب مرتديًا ز ًّيا كهذا
ً
مجع=دا لخادم=ة قوطي=ة لع=وب. ضا ،وترتدي سروااًل شبك ًّيا ضي ًقا ،وفستا ًنا
قابلتني آنج أمام منزلها .كانت تحمل حقيبة ظهرها أي ً
.لونت وجهها بطالء أبيض ،ووضعت مسحوق تجميل تمثيلي واضح بعينيها ،وامتأل عنقها وأصابعها بمجوهرات فضية
قلت لها« :تبدين رائعة!» وقالت لي العبارة ذاتها في نفس اللحظة ،ثم ضحكنا بهدوء ،وس=رنا خلس=ة في الش=وارع وفي جيوبن=ا
•••
أثناء تفقدي لمركز المدينة =،فكرت فيما سيبدو عليه عندما يتجمع فيه ٤٠٠من ممارسي لعب=ة تجم=ع مصاص=ي ال=دماء .ت=وقعت
وصولهم خالل عشر دقائق أمام مجلس المدينة =.كانت الساحة العامة الكبيرة تعج بالفعل بالمترددين= عليها الذين تجنب==وا ببراع==ة
لطالما كرهت مركز المدينة؛ فهو مجموعة من المباني الضخمة متعددة المستويات ،مثل المحاكم ،والمتاحف ،والمباني المدني==ة
مثل مجلس المدينة .اتسمت األرصفة باتساعها ،والمباني بلونها األبيض .تحتوي األدلة السياحية لسان فرانسيس==كو على ص==ور
أما على أرض الواقع ،فهي وسخة ومثيرة لالشمئزاز .ين==ام المش==ردون على جمي==ع المقاع==د ،ويخل==و الحي من أي أح==د بحل==ول
الساعة السادسة مسا ًء فيما عدا السكارى ومدمني المخدرات .ولما لم يكن بالمكان سوى ن==وع واح==د من المب==اني ،لم يكن هن==اك
سبب منطقي لتواجد الناس في المكان بعد غروب الشمس .فهو أش==به بمرك==ز تج==اري أك==ثر من كون==ه ح ًّي==ا ،واألعم==ال الوحي==دة
هناك هي متاجر الخمور ،واألماكن التي تقدم الخدمات ألسر المحت==الين الخاض==عين للمحاكم==ة ،والمش==ردين ال==ذين يتخ==ذون من
استوعبت كل ذلك عندما قرأت تقريرً ا لمقابلة مع مخططة عمرانية عج==وز رائع==ة ُت= َ
=دعى جين جيك==وبس ،وهي أول من وض==ع
يده بالفعل على الخطأ في تقسيم المدن بالطرق السريعة ،مع حش==ر جمي==ع الفق==راء في مش==روعات اإلس==كان ،واس==تخدام ق==وانين
أوضحت جيكوبس أن المدن الحقيقية متناس=قة األج=زاء ،وتزخ=ر بتن=وع كب=ير م=ا بين أغني=اء وفق=راء ،أص=حاب بش=رة بيض=اء
وبشرة داكنة =،أنجلو أمريكيين= ومكسيكيين =،مناطق تجارية وسكنية ،بل وصناعية أيضًا .حي كه==ذا يجم==ع كاف==ة أص==ناف البش==ر
يمرون بأرجائه بجميع األوقات لياًل أو نهارً ا ،ومن ثم تجد أعمااًل تلبي كافة االحتياجات ،وأناسً ا يسيرون باألنحاء طوال الوقت
.يراقبون الطرقات
ال بد أنك مررت بذلك من قب==ل .س=رت في حي ق==ديم بمدين==ة م=ا ،واكتش=فت أن==ه ممل==وء بأفض==ل المت==اجر ،والرج=ال المت==أنقين،
واألناس الذين يرتدون أحدث األزياء ،والمطاعم الراقية ،والمقاهي الحديثة ،وربم==ا إح==دى قاع==ات الس==ينما الص==غيرة ،ومن==ازل
.المراكز التجارية .وتمنحك شعورً ا بأنك في حديقة برية أو غابة تنمو أشجارها
ال يناقض تلك الصورة مكان أكثر من مركز المدينة =.قرأت لقا ًء مع جيكوبس تحدثت فيه عن الحي الق==ديم العظيم ال==ذي ه==دموه
.ليبنوا هذا الحي .كان ح ًّيا أقيمت مبانيه دون تصريح أو تناغم أو تخطيط
قالت جيكوبس إنها تتوقع في غضون أعوام قليل=ة أن يص=ير مرك=ز المدين=ة أح=د أس=وأ األحي=اء في المدين=ة =،فيك=ون لياًل كم=دن
األشباح ،مكا ًن ا يمتلئ بمتاجر الخمور والمخدرات والموتيالت المليئة بالبراغيث .وفي اللقاء ،لم تب ُد سعيدة بأنها أثبتت صحة ما
.قالته ،وإنما بدت وكأنها تتحدث عن صديق متو ًّفى وهي تصف ما آل إليه حال مركز المدينة
صرنا في ساعة الذروة ،وامتأل مركز المدينة= عن آخره .تشكل محطة بارت بمرك==ز المدين==ة أيض=ا المحط==ة الرئيس==ية لخط==وط
الترام بالمدينة =،ونقطة التحويل من خط آلخر .وفي الثامنة صباحً ا ،يك=ون هن=اك اآلالف من الن=اس يص=عدون أو يهبط=ون على
الساللم ،ويدخلون سيارات األجرة والحافالت أو ينزلون منها .توقفهم نقاط تفتيش وزارة األمن الوط==ني الموج==ودة في مختل==ف
المباني المدنية ،ويحيط بهم المتسولون العدوانيون من كل مكان .تفوح منهم رائحة الشامبو وماء الكولونيا ،وقد خرج==وا لت==وهم
من تحت الدش ،وارتدوا بذل العمل ،وحملوا حقائبهم الجلدية وحق==ائب الكم==بيوتر المحم==ول .في الثامن==ة ص==باحً ا ،يك==ون مرك==ز
ً
مركزا لألعمال .المدينة
حضر بعد ذلك مصاصو الدماء .نحو ثالثين= جاءوا من فان نيس ،والعدد نفسه من م==اركت .وت==دفق المزي==د من الج==انب اآلخ==ر
لماركت ،والمزيد من فان نيس .وصلوا إلى جانب المباني ،والطالء األبيض على وج=وههم ،وعي=ونهم مح=ددة ب=اللون األس=ود،
.ويرتدون مالبس سوداء وسترات جلدية وأحذية ضخمة عالية الرقبة للنقر على األرض ،وقفازات شبكية عديمة األصابع
بدءوا يملئون الساحة العامة .رمقهم بعض رجال األعمال بنظرات عاجلة ،ثم أشاحوا بنظرهم بعي ًدا غير راغبين في أن يت==دخل
هؤالء الغرباء في واقعهم الشخصي أثناء تفكيرهم في الهراء الذي كانوا على وشك خوضه على مدى الساعات الثماني التالي==ة.
تحرك مصاصو الدماء في دوائر ،غ=ير واثقين م==تى س==تبدأ اللعب==ة .تجمع=وا في مجموع=ات كب=يرة في مك=ان واح==د م==ع ارت==داء
مالبس سوداء اللون؛ ما جعلهم يبدون= كتس==رب زيت لكن في االتج==اه المع==اكس .ارت==دى كث==يرون منهم قبع==ات قديم=ة= الط==راز،
وقبعات مستديرة سوداء ،وقبعات رسمية .وارتدى الكثير من الفتيات أزياء الخادمات القوطيات اللعوبات األنيقة الكاملة وأحذية
حاولت تقدير األعداد ،فوجدتها .٢٠٠وبع=د خمس دق=ائق ،أص=بحت ٣٠٠ثم .٤٠٠وم=ا زال=وا يت=دفقون .اص=طحب مصاص=و
.الدماء أصدقاءهم
.أمسك شخص ما بظهري ،استدرت فرأيت آنج تضحك بشدة حتى إنها انحنت لألمام من شدة الضحك
لفظت الهثة« :انظر إليهم يا فتى ،انظر إليهم جمي ًعا!» تضاعف عدد الن==اس في المي==دان مقارن= ً
=ة ببض==ع دق==ائق مض==ت .لم تكن
!لدي أية فكرة عن عدد مستخدمي شبكة إكس نت ،لكن ١٠٠٠منهم — بال ريب — حضروا إلى حفلتي الصغيرة .يا إلهي
بدأ ضباط شرطة س=ان فرانسيس=كو ووزارة األمن الوط=ني في التج=ول باألرج=اء ،وهم يتح=دثون في الالس=لكي ويتجمع=ون في
اخترقنا الحشد م ًعا ،وعند مقابلة أول مصاصي الدماء أمامنا ،قلنا م ًعا بص==وت ع= ٍ
=ال« :عض عض عض عض عض!» ك==انت
الضحية فتاة مندهشة — لكن جميلة — مرسومًا على يديها نسيج عنكبوت ،ولطخات من طالء األه=داب تس=يل على وجنتيه=ا.
ً
مدركة أنني قد نلت منها .قالت« :اللعنة!» وابتعدت
انتشرت ص==يحة «عض عض عض عض عض» بين مصاص==ي ال==دماء اآلخ==رين بجوارن==ا ،فه==اجم البعض منهم آخ==رين ،في
حين تحرك آخرون ً
بحثا عن ستار لهم يختبئون وراءه .كنت قد حصلت على ض==حيتي لتل==ك الدقيق==ة ،ومن ثم ح==اولت الت==واري
عن األنظار مس==تخدمًا األرض==يين كس==تار لي .الجمي==ع ح==ولي يص==رخون «عض عض عض عض عض!» وتع=الت الهتاف==ات
.والضحكات والسباب
انتشر الصوت كالنار في الهشيم .علم جميع مصاصي الدماء أن اللعبة قد ب==دأت اآلن ،ومن ش==كلوا تجمع==ات أخ==ذوا يتس==اقطون
كالذباب .كانوا يضحكون ،ويلعنون ،ويس==يرون مبتع==دين =،ليعلم ب==ذلك َمن م==ا زال==وا داخ==ل اللعب==ة بب==دء اللعب .وتزاي==دت أع==داد
توجههم ناحية ساللم محطة بارت .اهتزت أجس=امهم من الدهش==ة ،وانحرف=وا في س==يرهم لتجن==بي .تعلقت عين==اي بمجموع==ة من
األحذية السوداء عالية الرقبة مزينة بأشكال تنانين على األصابع؛ ومن ثم ،لم أتوقع ما حدث عندما ق==ابلت مص==اص دم==اء آخ==ر
وجهًا لوجه .كان شا ًّبا يبلغ من العمر ١٥أو ١٦عامًا ،وقد صفف شعره بال ِجل للخلف ،وارتدى سترة جلدي==ة مزين==ة بعق==ود من
استمر توافد المزيد من مصاصي الدماء؛ ما أصاب الموظفين المتأنقين بالذعر .غمرت اللعب==ة الرص==يف ،ووص==لت إلى داخ==ل
فان نيس لتنتشر في اتجاه شارع ماركت .علت أصوات الس==يارات وال=ترام .س==معت المزي==د من ص=فارات اإلن==ذار ،لكن حرك=ة
!عض عض عض عض عض
صدر الصوت من كل مكان حولي .امتأل المكان بمصاصي الدماء الذين أخ==ذوا يلعب==ون بعن==ف ،وك==ان ص==وتهم أش==به باله==دير.
خاطرت بالوقوف منتصبًا ،والنظر حولي؛ فوجدتني في منتصف حش==د ض==خم من مصاص==ي ال==دماء وص==ل إلى أقص==ى امت==داد
.نظري
!عض عض عض عض عض
كان ذلك أفضل من حفل متنزه دولوريس؛ فالحفل كان غاضبًا وصاخبًا ،أما هذا … حس ًنا« ،ممتع» هو الوصف المالئم .ك==ان
أشبه بالعودة إلى ساحة اللعب ،وألعاب المطاردات المثيرة التي كنا نلعبها في استراحات الغداء مع شروق الشمس ،مع مطاردة
.متعة» هي الكلمة المناسبة لوصف تلك اللعبة .فصرنا جمي ًعا نضحك آنذاك«
.أخذ الضباط يحتشدون ،وسمعت صوت المروحيات .سينتهي األمر في أية لحظة اآلن .حان الوقت للحركة األخيرة باللعبة
»الحركة األخيرة باللعبة :عندما يأمرنا الضباط بالتفرق ،نتظاهر باالختناق بالغاز .انشر األمر .ماذا قلت لك للتو؟«
كانت فتاة نحيلة قصيرة القامة حتى إنني ظننت أنها صغيرة السن ح ًّقا ،لكن ب=دا من وجهه=ا وابتس=امتها أنه=ا ك=انت في الس=ابعة
»الحركة األخيرة باللعبة :عندما يأمرنا الضباط بالتفرق ،نتظاهر باالختناق بالغاز .انشر األمر .ماذا قلت لك للتو؟«
».بالضبط ،فلتنشريها اآلن«
.اختفت الفتاة وسط الحشد ،وأمسكت أنا بمصاص دماء آخر ،وقلت له العبارة ليمضي بعد ذلك لنشرها وسط الحشد
علمت أن آنج كانت تفعل ذلك أي ً
ضا في مكان ما وس==ط الحش=د .ربم==ا تض=من الحش==د بعض المتس=للين؛ أي مس=تخدمين م=زيفين
.لشبكة إكس نت .لكن ما جدوى تلك المعلومة لهم؟ ليس أمام الضباط خيار آخر .سيأمروننا بالتفرق وال جدال في ذلك
لزم عليَّ الوصول إلى آنج .خططنا لاللتقاء عند تمثال «المؤس==س» في الس==احة ،لكن الوص==ول إلى هن==اك ك==ان ص==عبًا .لم يع=د=
الحشد يتحرك ،بل كان يموج مثل الحشد الذي كان في األسفل بمحطة ب==ارت ي==وم وق==وع التفج==يرات .ح==اولت جاه= ً=دا اختراق==ه،
سقط المئات من مصاص=ي ال==دماء ح=ولي على األرض ،وأخ=ذوا يمس=كون بأعن=اقهم ويفرك=ون في عي=ونهم ويلهث==ون .ك=ان من
السهل التظاهر باإلصابة بالغاز ،فقد حظي جميعنا بفرصة التدقيق في المش==اهد المص==ورة للمحتفلين في مت==نزه دول==وريس بحي
»!تفرقوا في الحال«
سقطت على األرض ،وحميت حقيبتي .مددت يدي إلى قبعة البيسبول الحمراء الملوي==ة في ح==زام بنط==الي ،وثبته==ا بإحك==ام على
.رأسي ،ثم أمسكت بعنقي ،وأطلقت أصوا ًتا مروعة متظاهرً ا بمحاولة التقيؤ
لم يبق أحد واق ًف ا سوى األرضيين؛ أي الموظفين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى أعمالهم .نظرت إليهم ق=در م=ا تمكنت بينم=ا
هذه وزارة األمن الوطني .نأمركم بالتفرق في الحال .تفرقوا في الحال!» أصابني ذلك الصوت ب==ألم في بط==ني ،وضروس==ي«،
أصيب الموظفون بالرعب ،وكانوا يتحركون بأقصى س==رعة ل==ديهم ،لكن ليس في اتج==اه معين =.ب==دت المروحي==ات وكأنه==ا ف==وق
رأسك أينما وقفت .كان الضباط يقتحم=ون الحش=د في تل==ك اللحظ=ات ،وق==د ارت=دوا خ=وذاتهم ،وحم=ل بعض=هم دروعً= ا ،في حين
.ارتدى البعض أقنعة للوقاية من الغاز .أخذت ألهث على نحو أكثر شدة
أخذ بعد ذلك الموظفون يركضون .لعل هذا ما كنت سأفعله أنا أيضً ا لو كنت مكانهم .شاهدت رجاًل يخلع سترة يبلغ ثمنها ٥٠٠
دوالر ،ويلفها حول وجهه قبل أن يتوجه جنوبًا ناحي==ة حي ميش==ن ،فم==ا ك==ان إال أن تع==ثر وتم==دد على األرض ،وام==تزج س==بابه
.باألصوات المختنقة
لم يكن من المفترض حدوث ذلك؛ فك==ان المقص==ود من ادع==اء االختن==اق ه==و مفاج==أة الن==اس وإرب==اكهم ،وليس إص==ابتهم بال==ذعر
لم أسمع ذلك الصوت منذ= وقوع االنفجارات ،لكنني لم أن َس ُه مطل ًقا .ارتع==دت ل==ه فرائص==ي .جعلت==ني تل==ك الص==فارات أرغب في
الهروب فز ًعا .وقفت على قدميَّ ،والقبعة الحمراء على رأسي ،وعقلي ال يفك==ر إال في أم==ر واح==د فق==ط ،أال وه==و :آنج وتمث==ال
«».المؤسس
وقف الجميع اآلن منتصبي القامة ،وأخذوا يركضون في جميع األنحاء وهم يصرخون .دفعت الناس بعي ًدا عن طريقي ،محكمً==ا
قبضتي على حقيبتي وقبعتي ،ومتوجهًا ناحي=ة تمث=ال «المؤس=س» .ك=انت ماش=ا تبحث ع=ني ،في حين كنت أبحث أن=ا عن آنج.
أخذت أدفع في الناس ،وأطلق السباب .دفعت أحدهم بمرفقي ،في حين وطئ آخر على قدمي بقوة جعلتني أشعر كما لو أن شي ًئا
.قد تكسر بها .دفعته =،فنزل على األرض .حاول النهوض ،لكن شخصً ا ما سار فوقه .أخذت أشق طريقي دافعً ا الناس ً
بعيدا
ْ
فأمسكت يدان قويتان بمعصمي ومرفقي في حركة واح==دة مرن==ة ،وأع==ادت ذراعي بسطت ذراعي بعد ذلك ألدفع شخصً ا آخر،
استقمت مرة أخرى ،بفعل اليدين= القويتين اللتين جذبتاني من الخلف وصارتا تتحكم==ان فيَّ كم==ا ل==و كنت دمي==ة متحرك==ة .ك==انت
القبضة محكمة للغاية ،حتى إنه لم يكن بإمكاني التفكير في الخالص منها .لم أعد أفكر في الضجيج أو المروحيات أو آنج .ك==ل
ما كان بوسعي التفك=ير في=ه ه=و التح=رك في االتج=اه ال=ذي أرادني الش=خص ال=ذي أمس=ك بي أن أتح=رك في=ه .أدارني فص=رت
.مواجهًا له
كانت فتاة وجهها حاد المالمح شبيه بالقوارض وشبه مخبَّأ خلف نظارة شمس ضخمة .وفوق النظارة كتلة كثيفة من الش==عر ذي
ت!» كنت أعرفها ،فهي من التقطت صورتي وهددتني بأن تشي بي لمراقبي المتهربين من المدرس==ة .وك==ان ذل==ك
قلت لها« :أن ِ
قبل انطالق صفارات اإلنذار بخمس دقائق .كانت هي بعنفها ومكرها .ركض==نا م ًع= ا من تل==ك البقع==ة في تِن==درلوين بينم==ا النف==ير
.المزعج ينطلق خلفنا ،وقبضت علينا الشرطة معً ا .كنت معاديًا ،فقررت الشرطة أنني عدو
.همست في أذني كما لو كنا عاشقين« :مرحبًا يا مايكي!» شعرت برجفة في ظهري .تركت ذراعي ،وهززتها أنا بعنف
ت
»!قلت لها« :يا إلهي! هذه أن ِ
»!فقالت« :نعم ،أنا! سيمطروننا بالغاز بعد دقيقتين =،لنهرب سريعً ا
»».آنج صديقتي تنتظرني عند تمثال «المؤسس«
ألقت ماشا نظرة على الحشد ،وقالت« :مستحيل! سنهلك إذا حاولن==ا الوص==ول إلى هن==اك .س= ُن َ
مطر بالغ==از خالل دقيق==تين ،إذا لم
».قالت الفتاة« :إنك تعرف الكثير أيها اللعين! لقد رأيت وجهي ،ستأتي معي
صحت فيها ،وأخذت أقاوم إلى أن شعرت بأن ذراعي كادت تنخلع ،لكنها ظلت تدفعني لألمام .شعرت بألم مبرح في قدمي م==ع
تقدمنا جي ًدا عبر الحشد مع استخدامها لي ك=أداة ل=دفع من أمامه=ا .تغ=ير ص=وت المروحي=ات ،ودفعت=ني الفت=اة على نح=و أق=وى.
.حينها في المتنزه .أطلقوا علينا قنابل الغاز من أعلى؛ فكتمت أنفاسي ،وركضت
تجاوزنا الحشد ،وتركت الفتاة ذراعي ،فهززتها بعد تحررها .مش==يت مترنحً= ا بأس==رع م==ا يمكن==ني على الرص==يف حيث أخ==ذت
أعداد الناس تقل .كنا نتوج==ه ناحي=ة مجموع=ة من ض==باط وزارة األمن الوط=ني يحمل==ون دروعً= ا ض=د الش=غب ويرت==دون أقنع=ة
وخوذات .ومع اقترابنا منهم ،تحركوا ليمنعونا من المرور ،لكن ماشا رفعت شارة ،فتنحوا جانبًا كما لو ك==انت شخص==ية «أوبي
».وان كينوبي» بسلسلة أفالم حرب النجوم ،وتقول لهم« :ليس هؤالء من تبحثون عنهم
».قلت لها ونحن نسرع في شارع ماركت« :أيتها الحقيرة ،علينا العودة إلى آنج
أر صديقي منذ= شهور .ويظن على األرجح أنني قد لقيت حتفي. زمَّت شفتيهاَّ ،
هزت رأسها ،وقالت« :أشعر بك يا صديقي ،فلم َ
إنها أقدار الحرب .إذا عدنا إلى صديقتك آنج ،فسنصير في ع==داد الم==وتى .لكن م==ع مواص==لة المس==ير ،ل==دينا فرص==ة في النج==اة.
وطالما لدينا فرصة ،يكون أمامها هي ً
أيض=ا فرص==ة .ه==ؤالء الش==باب لن ي=ذهبوا إلى س=جن جوانتان==امو الخليج ،وإنم=ا س=تقبض
».الشرطة على بضع مئات على األرجح ليستجوبوهم ،وسيرسلون البقية إلى منازلهم
كنا نسير اآلن في شارع ماركت ،ومررنا بنوادي التعري حيث يجلس الس==كارى والم==دمنون وتف==وح منهم رائح==ة كريه==ة تش==به
رائحة المراحيض المفتوحة .أرشدتني ماشا إلى فجوة ص=غيرة في ب=اب مغل==ق ألح==د ن==وادي التع==ري .خلعت س==ترتها ،وقلبته==ا.
كانت بطانتها على شكل خطوط خفيفة ،ومع عكس فتحات السترة ،صارت مختلفة .أخرجت بعد ذلك قبع==ة ص==وفية من جيبه==ا،
ووضعتها على شعرها ،مع تركها له ينسدل بأناقة .أخرجت بعد ذلك بعض المناديل إلزالة مساحيق التجميل ،وأخذت تزيل م==ا
.كان على وجهها وأصابع يديها .وفي لحظات ،صارت فتاة مختلفة
قالت« :تغيير المالبس .اآلن حان دورك .لتتخلص من الحذاء ،والسترة ،والقبعة ».فهمت م==ا ك=انت تقص=ده .س==تبحث الش=رطة
بعناية عن أي أحد يبدو من مظهره أنه أحد أفراد تجم=ع مصاص=ي ال=دماء .تخلص=ت من القبع==ة تمامً=ا؛ لم ت=رق لي ق=ط قبع=ات
البيسبول .أقحمت بعد ذلك السترة في حقيبتي ،وأخرجت تي شيرت طويل األكم=ام علي=ه ص=ورة روزا لوكس=مبورج ،وارتديت=ه
على التي شيرت األسود الذي كنت أرتديه =.سمحت لماشا بإزال==ة مس==احيق التجمي==ل من على وجهي ،وتنظي==ف أظ==افري .وبع==د
»قالت« :أغلق هاتفك .هل تحمل أية شرائح لتحديد الهوية بالموجات الالسلكية؟
كنت أحمل بطاقة هوية الطالب ،وبطاقة الصرف اآللي ،وبطاقة «فاست باس» .وضعت ماشا كل ذلك في حقيب==ة فض==ية الل==ون
كانت تحملها ،كانت محفظة فاراداي مقاومة للموجات الالسلكية .لكن ما إن وضعت تلك المحفظة في جيبها ح==تى أدركت أن=ني
بدأت أستوعب حجم ما حدث للتو .تخيلت آنج معي في تلك اللحظة .كنا سنص=ير اث=نين أم==ام واح=د ،وك=انت ستس=اعدني في أن
.أرى ما إذا كان هناك أي شيء خطأ ،وإذا لم تكن ماشا كما ادعت
».ال حاجة لها ،لقد التوت قدمي .ما من برنامج تعرف على المشية يمكنه التعرف عليَّ اآلن«
أومأت برأسها مرة واحدة إيماءة محترف آلخر ،وعلقت حقيبتها .حملت حقيب==تي ً
أيض=ا ،وتحركن==ا .لم يس==تغرق تغي==ير مالبس==نا
نظرت في ساعتها ،هزت رأسها ،وقالت« :هيا! علينا أن نجري المقابلة .إياك والتفكير في الهرب! ل==ديك خي==اران اآلن :أن==ا أو
السجن .سيعملون على تحليل المشاهد المصورة لهذا الحشد أليام .لكن ما إن ينتهوا من فعل ذلك حتى يدخل كل وجه ظهر به==ا
».في قاعدة بيانات .وسينتبهون= إلى مغادرتنا المكان .نحن اآلن مجرمان مطلوبان للعدالة
•••
أخرجتنا ماشا من شارع ماركت عند المربع السكني التالي لنعود إلى تِندرلوين .كنت أعرف هذا الحي ،فهناك ذهبنا نبحث عن
».نقطة وصول مفتوحة بشبكة الواي فاي في اليوم الذي كنا نلعب فيه لعبة «هاراجوكو فان مادنس
تحركنا سريعً ا ،وتص==بب الع==رق على وجهي تحت ش==عري ،وامت==د إلى ظه=ري وص=واًل إلى م=ؤخرتي وفخ==ذيَّ .اش=تد األلم في
.قدمي ،ورأيت شوارع سان فرانسيسكو ونحن نمر بها ،ربما للمرة األخيرة على اإلطالق
لم يتحسن األمر بشق طريقنا صعو ًدا الت=ل ،والتح=رك تج=اه المنطق=ة ال=تي تص=ل بين تِن=درلوين الخص=بة وعق=ارات ن=وب هي=ل
الرائعة .تهدجت أنفاسي .وكانت أغلب الطرق التي قادتني إليها ماشا مجازات ضيقة ،ولم تسر في ش=وارع واس=عة إال لالنتق=ال
كنا قد خطونا لتونا إلى داخل أحد هذه المجازات ،واسمه «سابين بليس» عن==دما ظه==ر ش==خص م==ا فج==أة خلفن==ا ،وق==ال بص==وت
عند مدخل المجاز ،وقف تشارلز يرتدي ز ًّيا لتجمع مصاصي الدماء يدل على عدم الحماس مكو ًنا من بنطال جينز وتي ش=يرت
أسود اللون ،وعلى وجهه مساحيق بيضاء .قال« :مرحبًا يا ماركوس ،هل أنت ذاهب إلى مكان ما؟» ابتسم ابتس==امة عريض==ة،
لقد دخلت على شبكة إكس نت الخائنة تلك منذ شاهدتك وأنت توزع أقراص الفيديو الرقمية في المدرسة .وعندما علمت بأمر«
لعبة تجمع مصاصي الدماء ،فكرت في االنض==مام له==ا ،والمراقب==ة من بعي=د= ألرى م==ا إذا كنت ستحض==ر أم ال وم==ا كنت تفعل==ه.
لم أنطق .حمل هاتفه في يده ،وأشار إلينا .كان يسجل كل ما أقوم به .ولعله كان على استعداد لطلب رقم النجدة .٩١١وبجانبي
رأيتك وأنت تتزعم ما حدث ،وسجلت كل شيء يا ماركوس؛ ولذلك ،سأطلب اآلن الشرطة ،وسننتظرها هنا .وسيُزج ب==ك في«
وقالت موجهة حديثها لتشارلز« :وزارة األمن الوطني ،أيها الغبي! أعمل مع وزارة األمن الوطني ،وق==د س==اعدت ه==ذا الس==اذج
على الهرب ألوصله إلى رؤسائه« .كان» هذا ما أفعله ،وقد أفسدت اآلن كل شيء .ثمة اس==م ل==ذلك ،وه==و «إعاق==ة عم==ل األمن
تراجع تشارلز خطوة للوراء رافعً ا يديه أمامه .وقد ازداد ش==حوبًا من وراء مس==احيق التجمي==ل .ق==ال« :م==اذا؟ كال! أع==ني … لم
آخر ما نحتاجه هو مجموعة من المخبرين بالسنة قبل النهائية من المرحلة الثانوية «تقدم المساعدة» يا ص==اح .يمكن==ك إخب==ار«
».القاضي بذلك
تراجع أكثر للوراء ،لكن ماشا كانت سريعة ،أمسكت بمعصمه ،ولوته بأسلوب العبي الجودو نفسه الذي اتبعته معي في مرك==ز
ً
شريطا لتقييد= اليدين ،ل َّفته سريعً ا حول معصميه ً
شريطا بالستيك ًّيا، .المدينة .أدخلت يدها في جيبها بالخلف ،فأخرجت
•••
.األلم في قدمي ووزن حقيبتي .سقطت على وجهي على األرض ،انزلقت ،واحتكت وجنتي باألسفلت الوسخ
•••
اتضح لي فيما بعد أن ماشا كانت تعني ﺑ «إنها» شاحنة متحركة بشارع جانبي في منطقة نوب هيل ،شاحنة بست عشرة عجلة
تماث==ل في حجمه==ا ش==احنات وزارة األمن الوط==ني المنتش==رة في ك==ل مك==ان ،وال==تي ال ت==زال متواج==دة بنواص==ي ش==وارع س==ان
لكن تلك الشاحنة حملت على جانبها عبارة «ثالثة رج==ال وعرب==ة تتح==رك» ،والرج==ال الثالث==ة ك==انوا واض==حين للغاي==ة ،أخ==ذوا
جيئة وذهابًا من مبنى سكني طويل ذي مظلة خضراء وإليه .كانوا يحملون ً
أثاثا موض==وعًا في ص==ناديق تحم==ل أس==ما ًء ً يسيرون
.مطبوعة بعناية .أخذوا يشحنون الصندوق تلو اآلخر إلى الشاحنة ،ويرصونها بعناية فيها
سارت بنا حول الشاحنة مرة واحدة ،وظهر عليها عدم الرضا بشيء ما .وفي المرة التالية ،تواص==لت بعينه==ا م==ع الرج==ل ال==ذي
بينما كانت ماشا تقودنا سري ًع ا على درجات الشاحنة الثالث ثم إلى داخلها .قال الرجل« :تحت الطاولة الكب==يرة … تركن==ا لكم==ا
سحبتني ماشا أسفل الطاولة .كان المكان فاسد التهوية ،وهاد ًئا ،ومغ==برً ا أس==فلها .كتمت عطس==ة أثن==اء انحش==ارنا بين الص==ناديق.
.كان المكان ضي ًقا للغاية ،حتى إن كاًّل منا التصق باآلخر .أظن أن آنج ما كان ليتسع لها هذا المكان
».الخليج ،وإنما في سوريا .أعتقد أنهم يرسلون إلى سوريا َمن يريدونهم أن يختفوا ح ًّقا
»لماذا ترتكب شي ًئ ا بهذا القدر من الغباء بإعالن الحرب على وزارة األمن الوطني؟«
تحسست جيوبها ،وأخرجت هات ًفا .كان هاتف تشارلز .قالت« :الهاتف الخط=أ!» ثم أخ==رجت هات ًف=ا آخ=ر .ق=امت بتش==غيله ،ومأل
.النور الصادر من الشاشة حصننا الصغير .وبعد تحريك إصبعها عليه للحظة ،جعلتني أشاهد ما على الشاشة
…كانت الصورة التي التقطتها لنا قبيل وقوع التفجيرات .كانت الصورة التي تجمع بيني أنا وخولو وفان و
.داريل
كنت أحمل في يدي دلياًل على أن داريل كان معنا قبل دق==ائق من تحف==ظ وزارة األمن الوط==ني علين==ا ،إثبا ًت==ا على أن==ه ك==ان ح ًّي=ا
».قلت لها« :يجب أن تعطيني نسخة من هذه الصورة .أنا بحاجة إليها
فقالت لي ،وهي تخطف الهاتف من يدي« :سأعطيها لك عندما نذهب إلى لوس أنجلوس ،وتع==رف كي==ف تك==ون هار ًب==ا دون أن
تتسبب في القبض على كلينا ،وإرسالنا إلى سوريا .ال أري=دك أن تفك=ر في إنق=اذ ه=ذا الف=تى؛ فه=و في أم=ان حيث يوج=د … في
».الوقت الراهن
فكرت في محاولة أخذه منها بالقوة ،لكنها استعرضت من قبل مهارتها البدنية =.لعلها حاصلة على حزام أسود أو ش==يء من ه==ذا
.القبيل
جلسنا في الظالم نستمع للرج==ال الثالث==ة أثن==اء تحميلهم الص==ناديق واح= ًدا تل==و اآلخ==ر في الش==احنة ،وربطهم إياه==ا ،واألص==وات
المنبعثة منهم إثر ما يبذلونه من جهد .حاولت النوم ،لكنني لم أستطع .أما ماش=ا ،فلم ُتع= ِ
=ان من مش=كلة في ذل=ك .ك=انت تغ=ط في
.نومها
كان ال يزال هناك ضوء يمر عبر المجاز الضيق المليء بالمعوق=ات ال==ذي ي=ؤدي إلى اله==واء المنعش في الخ=ارج .ح==دقت في=ه
آنج حبيبتي .شعرها الذي يمس كتفيها برفق وهي تدير رأسها من جانب آلخر ،وتض==حك على ش==يء م==ا فعلت==ه .وجهه==ا عن==دما
رأيتها آخر مرة وهي تسقط بين الحشد بلعبة تجمع مصاصي الدماء .كل هؤالء الناس في اللعبة — مثل َمن ك==انوا في المت==نزه
—.منبطحون على األرض ويتلوون ،ورجال األمن الوطني يتدخلون بالهراوات .أولئك الذين اختفوا
.بشأن اإلرهابيين
.والد داريل المحطم ،الثمل ،غير حليق الذقن ،الذي اغتسل وارتدى زيَّه «لتلت َقط صورته» ،يبكي كالطفل الصغير
والدي ،وكيف تغير باختفائي على جزي==رة «تريج==ر آيالن==د» .لق==د تحطم ش==أنه ش==أن وال==د داري==ل ،لكن على طريقت==ه الخاص==ة.
•••
كانت أنفاس ماشا عميقة ومنتظمة ،لكنني عندما وصلت ببطء حذر إلى جيبها ألحصل على هاتفها ،عال صوت أنفاسها ،وبدَّلت
استدرت ألواجه الضوء ،وجالت بخاطري حينذاك ذكرى :تشارلز يخرج هاتفه ،يهزه في اتجاهن==ا ،ويوبخن==ا .ك==ان هاتف==ه يش==به
قطعة الشوكوالتة ،فضي اللون ،ملصقة علي==ه ش==عارات العش==رات من الش=ركات ال==تي دعمت تكلف==ة اله=اتف من خالل الش==ركة
.المصنعة للهاتف .وكان من النوع الذي تضطر للسماع فيه إلى إعالن تجاري في كل مرة تجري فيها اتصااًل
كان المكان داخل الشاحنة حالك الظلمة؛ وحال دون رؤيتي لله=اتف بوض==وح ،لكن ك==ان بإمك==اني الش==عور ب==ه .ه=ل ك=انت ه==ذه
.ملصقات للشركة على جوانبه؟ نعم ،فما سرقته من ماشا كان هاتف تشارلز
عدت إلى ماشا ثانية ببطء شديد إلى أن وصلت إلى جيبها الخلفي .كان هاتفها أكبر وأكثر سم ًكا ،وبه ك==اميرا أفض==ل .ومن يعلم
ماذا أيضًا؟
فعلت ذلك مرة من قبل؛ ما جعله أيسر بعض الشيء .مرة أخرى ببطء شديد إلى أن أخرجت=ه من جيبه=ا .ت=وقفت م=رتين عن=دما
أخرجت الهاتف من جيبها ،وكنت على وشك الرجوع للخلف عندما مدت يدها فجأة وبسرعة كاألفعى لتمس==ك بمعص==مي بق==وة،
.ابتلعت ريقي .شعرت بطحن العظام في معصمي .قضمت شفتي ألمنع نفسي من الصراخ
استمرت في الضغط على المفاتيح باستخدام يدها األخرى ،ثم سألتني وهي تظهر لي صورتي مع داري==ل وخول==و وف==ان« :ه==ل
لعل من األفضل أن أمسحها ،وأمنعها من إغوائك ».تحركت يدها الح==رة أك==ثر ،وأظه==ر اله==اتف رس==الة تأ ُّكد من رغبته==ا في«
وفي تلك اللحظة ،تحركت .كان تليفون تشارلز ال يزال في يدي .أنزلت=ه على ي=دها ال=تي تعص=ر به==ا معص==مي بأقص=ى ق=وتي،
لترتطم مفاصل أصابعي بالطاولة أعالنا .ضربت يدها بق==وة لدرج==ة أن اله==اتف تبع==ثرت أج=زاؤه ،وص=رخت عال ًي==ا ،وض==عفت
يدها .ظللت أتحرك ،فوصلت ليدها األخ=رى للحص=ول على هاتفه=ا ال=ذي ص=ار اآلن غ=ير مغل=ق ،وإبهامه=ا ال ي=زال ف=وق زر
تحركت إلى المجاز الضيق زح ًفا على ي==ديَّ وركب==تيَّ متوج ًه==ا ناحي==ة الض==وء .ش==عرت بي==ديها تض==ربانني على ق==دميَّ وك==احليَّ
مرتين ،ولزم عليَّ إزاحة بعض الصناديق التي كانت تحيط بن==ا كمق=ابر الفراعن==ة .س=قط بعض=ها خلفي ،وس=معت ص=وت ماش=ا
.تتأوه
َّ
كان باب الشاحنة الدوار مفتوحً ا بعض الشيء ،فزحفت حتى وصلت تحته .كانت ال=درجات ق=د أُزيحت ،ووج=دت نفس=ي مت=دليًا
فوق الطريق ،وسقطت على األسفلت برأسي أواًل ،مح= ً
=دثا ص=و ًتا رن في أذني مث==ل ق==رع األج=راس .وقفت على ق==دميَّ ممس= ًكا
بممتص الصدمات ،وسحبت مقبض الباب بعناء مغل ًقا إياه .صرخت ماشا داخل الش==احنة … ال ب==د أن==ني ق==د أغلقت الب==اب على
كثيرً ا دون وجهة ،وحينذاك لمحت الفتة ذا تاترد كافر .أثار االسم شي ًئا في ذهني … لقد سمعت عن هذا المكان من قبل .توقفنا
عند مقهى على الطري=ق (وحص=لنا على القه==وة) ،ثم دخلن==ا المتج=ر … مك=ان خالب من الخش=ب داكن الل=ون ،أرك==ان منعزل=ة
.للقراءة تمنحك الشعور وكأنك في المنزل ،وأرفف كتب على امتداد= البصر
***
لم يكن هناك أيٌّ من الرجال الثالثة في ه=ذه اللحظ=ة ،ف=انطلقت هاربً=ا .ش=عرت ب=ألم ش=ديد في رأس=ي ح=تى ظننت أن=ني أن=زف
بالتأكيد =،لكنني عندما وضعت ي==ديَّ على رأس==ي لم تكن هن=اك أي دم==اء .تيبس ك==احلي الملت==وي في الش==احنة ،ومن ثم ركض=ت
كدمية متحركة مكسورة ،ولم أتوقف سوى مرة واحدة فقط إللغاء حذف الص==ورة على ه==اتف ماش==ا .وأوقفت تش==غيل الالس==لكي
للحفاظ على شحن البطارية وألحول دون استخدامه في تعقبي .وضبطت مؤقت الخمول على س==اعتين ،أط==ول ف==ترة متاح==ة في
اإلعدادات .وحاولت ضبطه على أال يطلب كلمة مرور إليقاف وضع الخمول ،لكن ذلك نفسه تطلب كلم==ة م=رور .ك=ان س==يلزم
عليَّ الضغط على لوحة المفاتيح مرة واحدة على األقل كل ساعتين إلى أن أتمكن من الوصول إلى كيفي==ة إخ==راج الص==ورة من
لم تكن لدي خطة .كنت بحاجة لواحدة ،كنت بحاجة للجلوس والدخول على اإلنترنت ألكتشف ما كنت سأفعله بعد ذل==ك .س==ئمت
من السماح لآلخرين بوضع الخط==ط لي .لم أرغب في التص==رف بن==اء على م==ا فعلت==ه ماش==ا أو بس==بب وزارة األمن الوط==ني أو
.والدي … أو آنج! حس ًنا ،ربما أفعل شي ًئا بسبب آنج .ال بأس في ذلك على اإلطالق في الحقيقة
نزلت نحو أسفل التل ما ًّرا في المجازات الضيقة متى استطعت مندمجً ا م==ع الجم==وع في تِن==درلوين .لم تكن ل==دي أي==ة وجه==ة في
ذهني .ومع كل بضع دقائق ،كنت أضع يدي في جيبي ،وأمس برفق أحد المفاتيح به==اتف ماش==ا ألح==ول دون دخول==ه في وض==ع
ً
بارزا على نحو غريب وهو مفتوح في سترتي .الخمول .كان
توقفت ،واستندت إلى حائط أحد المباني .شعرت بألم شديد في كاحلي .أين كنت على أية حال؟
أوفيريل» ،شارع هايد ،أمام مركز تدليك آسيوي مريب .قدماي الخائنتان أوصلتاني إلى نقطة البداي==ة … لق==د أوص==لتاني إلى«
أردت أن أجلس على الرص==يف وأص==يح ب==أعلى ص==وتي ،لكن ذل==ك م==ا ك==ان ليح==ل مش==كالتي .ك==ان عليَّ االتص==ال ببارب==ارا
في حبور الهجمات على سان فرانسيسكو ،واعترف بأنه يعلم أين ومتى ستقع الهجمات التالي==ة ،وأن==ه لن يوقفه==ا ألنه==ا ستس==اعد
كانت هذه هي الخطة إذن :االتصال بباربارا ،وإعطاءه==ا المس==تندات لتنش==رها .ال ش==ك أن تجم==ع مصاص==ي ال==دماء ق==د أص==اب
الناس بالذعر ،وجعلهم يعتقدون أننا مجموعة من اإلرهابيين ح ًّقا .بالطبع ،عندما كنت أخطط لتلك اللعبة ،كنت أفكر كم س=تكون
.وسيلة إلهاء جيدة ،وليس كيف سينظر إليها اآلباء التقليديون في نِبراسكا
عزمت على االتصال بباربارا ،والتحلي بالذكاء عند فعل ذلك .فكنت سأتصل بها من هاتف عمومي ،مع وضع قلنسوة س==ترتي
على رأسي حتى ال تلتقط كاميرات الدوائر التليفزيونية المغلق=ة المتع==ذر اجتنابه==ا ص=ورة لي .أخ=رجت رب==ع دوالر من جي==بي،
توجهت أسفل التل إلى أن وصلت إلى محطة بارت والهواتف العمومية هناك .س=رت إلى محط==ة ال=ترام ،وهن=اك لمحت غالف
صحيفة «باي جارديان» لذلك األس=بوع ،وق=د تكدس=ت نس=خ الص=حيفة في كوم=ة عالي=ة بج=وار رج=ل أس=ود متش=رد ابتس=م في
».وجهي ،وقال« :تفضل ،اقرأ الغالف ،فهو مجاني … أما تصفح ما بداخل الصحيفة ،فسيكلفك خمسين سن ًتا
:كان العنوان الرئيسي مكتوبًا بحجم لم أره منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ،ونصه
».كيف احتجزت وزارة األمن الوطني أبناءنا وأصدقاءنا في سجون سرية بالقرب منا«
نظر ًّيا ،توزع تلك الصحيفة مجا ًنا ،لكن من الواضح أن ذلك الرجل قد حصل مبكرً ا على ع==دد من النس==خ من الس==وق المحلي==ة.
كان في يدي ربع دوالر .ألقيت به في الكوب الذي كان يمسك به ،وبحثت عن آخر .لم أهتم هذه المرة بمسح بصمات أص==ابعي
.من عليه
لقد أخبرونا بأن العالم قد تغير لألبد بعد تفجير جسر باي على يد مجهولين .لقي اآلالف من أصدقائنا وجيراننا حتفهم في ذلك«
.اليوم .ولم يُن َقذ أيٌّ منهم تقريبًا؛ ومن المفترض أن بقاياهم ترقد في قاع ميناء المدينة
لكن ثمة رواية مذهلة استمعت إليها هذه الص==حفية من ش==اب ألقت وزارة األمن الوط==ني القبض علي==ه بع==د دق==ائق من التفج==ير،
وهذه الرواية تشير إلى أن حكومتنا قد احتجزت على نحو مخالف للقانون الكثيرين ممن يُعت َقد أنهم ق=د لق=وا حتفهم على جزي=رة
»… «تريجر آيالند» ،التي أُخليت و ُمنِع دخول المدنيين إليها بعد= التفجيرات بفترة قصيرة
جلست على أحد المقاعد ألقرأ المقال كاماًل ؛ الحظت ما أصابني بقُ َشعْ ريرة في بدني ،وه==و أن==ني أجلس على المقع==د ذات=ه ال==ذي
جعلنا داريل يستريح عليه بعد هروبنا من محطة ب==ارت .ب=ذلت جه= ًدا ه=ائاًل لكي ال أنفج=ر في البك==اء في تل=ك اللحظ=ة .ع==ثرت
باربارا على بعض الصور التي تجمع بيني أن==ا وداري==ل ونحن نتس==كع معً= ا ،ووض==عتها بج==انب الخ==بر .ربم==ا مض==ى على تل==ك
الصور عام واحد ،لكنني ب==دوت أص==غر س= ًّنا بكث==ير فيه==ا ،كم==ا ل==و كنت في العاش==رة أو الحادي==ة عش==رة .لق==د ك==برت كث==يرً ا في
.الشهرين الماضيين
برعت باربارا في كتابة المقال؛ فشعرت بالغضب من أج=ل الش=باب المس=اكين ال==ذين كتبت عنهم ،ثم ت==ذكرت أنه==ا ك=انت تكتب
عني .ضمت المقالة أي ً
ضا رسالة زيب بعد تكبير حجم خط يده المُب َهم لتشغل نصف صفحة في الصحيفة .توص==لت بارب==ارا إلى
المزيد من المعلومات عن شباب آخرين فُقِدوا واع ُتقِد أنهم لقوا حتفهم .قائمة طويلة .وتساءلت باربارا كم من الش==باب اح ُت ِج==زوا
.على تلك الجزيرة والتي تقع على بُعد بضعة أميال فقط من آبائهم
أخرجت ربع دوالر آخ=ر من جي=بي ،ثم ب==دلت رأيي؛ فمن المؤك=د أن ه=اتف بارب==ارا ُم==را َقب .م=ا كنت ألتص==ل به=ا اآلن ،ليس
.مباشر ًة .كنت بحاجة إلى وسيط لالتصال بها ودعوتها لمقابلتي في مكان ما بالجنوب .عناصر كثيرة إلعداد= خطة
كيف كان لي أن أدخل على اإلنترنت؟ أخذ جهاز البحث عن شبكة الواي فاي في هاتفي يومض بشدة؛ فالشبكة الالسلكية حولي
في كل مكان ،لكن لم يكن لدي جهاز إكس بوكس أو تليفزيون أو قرص فيديو رقمي لنظام بارانوي==د إكس ب==وكس للب==دء .ش==بكة
.حينذاك لمحتهما :شابَّين من نفس عمري تقريبًا ،يتحركان بين جمع الناس أعلى ساللم محطة بارت
ما لفت نظري هو الطريقة التي كانا يتحركان بها .كانت حركتهما خرقاء بعض الشيء ،يدفعان المارة والسائحين برف==ق ،وك = ٌّل
منهما يضع إح=دى يدي=ه في جيب=ه ،وعن=دما تلتقي عيناهم=ا يض=حكان ض=حكة مكتوم=ة .ك=ان من الواض=ح تمامً=ا أنهم=ا يقوم=ان
بالتشويش ،لكن الناس من حولهما غفلوا عن ذلك .عندما تكون في ذلك الحي ،تتوق==ع أن تص==ادف مج==انين ومش==ردين؛ ل==ذلك ال
.تنظر في عين أحد ،وال تنظر حولك على اإلطالق إذا تمكنت من ذلك
.اقتربت من أحد الشابين .بدا صغيرً ا للغاية ،لكن ال يمكن أن يكون أصغر مني
.تظاهر بأنه ال يسمعني ،فلم يلتفت إليَّ مثلما يفعل المرء مع أي شخص مشرد
قلت له« :هيا! ليس أمامي متسع من الوقت ».أمسكت بكتفه ،وهمست في أذنه« :تسعى الشرطة ورائي ،أنا أحد أعضاء ش==بكة
».إكس نت
بدا الذعر عليه اآلن ،وبدا كما لو كان يرغب في الهرب ،وحينذاك اقترب صديقه منا .قلت لهما« :أنا ج==اد فيم==ا أقول==ه .لتس==معا
أمسكت صحيفة «باي جارديان» التي كنت أضعها تحت ذراعي ،وحركتها س=ريعً ا أمامهم=ا ،وقلت لهم=ا« :انتقال إلى الص=فحة
»٥.
.قال األول« :يا إلهي! نحن تافهان ح ًّقا!» ابتسم في وجهي كالمجنون ،في حين ضربني المكتنز ضربة خفيفة على ظهري
اصطحبتهما إلى المقعد الذي كنت أجلس عليه .الحظت بقعة قديمة ُب ِّنية اللون على الرصيف تحت المقعد .ه==ل ه==ذا دم داري==ل؟
قلت لهما« :أنا ماركوس ».ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أفصح عن اسمي الحقيقي لهذين الشابين اللذين يعرفان أنني مايكي .لق==د
.كشفت عن نفسي ،لكن «باي جارديان» كانت قد ربطت بين الشخصيتين بالفعل
قال ضئيل الجسم« :اسمي نيت» ،في حين قال اآلخر« :وأنا ليام .يا له من شرف أن نلتقي ب==ك! أنت أعظم األبط==ال في نظرنا
»…
قاطعته« :ال تقل ذلك … ال تقل ذلك .إن ما تفعالنه كما لو كنتم==ا تعلن==ان بوض==وح« :نحن نم==ارس التش==ويش ،ل==تزجوا بن==ا في
الشابين كانا يمج==دان م==ايكي ح ًّق==ا ،وكان==ا ليفعالن أي ش==يء أخبرهم==ا ب==ه .كان==ا يبتس==مان كاألغبي==اء .أزعج==ني ذل==ك ،وأش==عرني
.بالغثيان
اسمعا! أنا بحاجة للدخول على شبكة إكس نت اآلن دون أن أذهب إلى المنزل أو أي مكان بالقرب منه .ه==ل تعيش==ان ب==القرب«
»من هنا؟
فقال نيت« :أنا أعيش بالقرب من هنا ،أعلى شارع كاليفورنيا .سنس=ير قلياًل … أعلى التالل المرتفع=ة ».كنت ق=د ن=زلت عنه=ا
.لتوي ،وماشا ال تزال هناك بأعلى .لكن ذلك أفضل ما يمكنني توقعه على اإلطالق
•••
أعارني نيت قبعة البيسبول الخاصة به ،وتبادلن==ا الس==ترات م ًع= ا .لم أكن بحاج==ة للقل==ق بش==أن التع==رف على المش==ية م==ع اه==تزاز
.كاحلي؛ فقد كنت أعرج مثل ممثل ثانوي في أحد أفالم رعاة البقر
ً
مط=رزا كان نيت يعيش في شقة ضخمة بها أربع غرف نوم أعلى نوب هيل ،وك=ان للبناي=ة ب=واب يرت=دي معط ًف=ا أحم=ر الل=ون
باللون الذهبي .لمس قبعته ،وقال لنيت« :سيد نيت!» ورحب بنا جمي ًع= ا .ك==ان المك==ان نظي ًف==ا تما ًم==ا ،وف==احت من==ه رائح==ة طالء
.األثاث .حاولت أال أحدق ببله في ذلك البيت الذي يساوي نحو مليوني دوالر
فسر نيت األمر قائاًل « :كان والدي مصرف ًّيا في بن=ك اس=تثماري ،وك=ان لدي==ه العدي==د من بوليص=ات الت=أمين على الحي==اة .ت==وفي
عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري ،وحصلنا على قيمة كل هذه البوليصات ،وقد جعل أمي المستفيدة منه=ا رغم طالقهم=ا
».منذ سنوات
ومن النافذة التي تصل من األرضية إلى السقف ،ك=ان بإمكان=ك رؤي=ة منظ=ر رائ=ع للج=انب اآلخ=ر من ن=وب هي=ل وص=واًل إلى
منطقة فيشرمانز وارف والهيكل القبيح لجسر باي ،وحشد الرافع==ات والش==احنات .وس==ط الض==باب ،تمكنت من أن ألمح جزي==رة
«.تريجر آيالند» =.والنظر إلى أسفل من هذه المسافة العالية جعلني أشعر برغبة مجنونة في القفز
دخلت على اإلنترنت باستخدام جهاز إكس بوكس الخ==اص ب==ه وشاش==ة بالزم==ا ض==خمة في حج==رة المعيش==ة .أوض==ح لي كم من
شبكات الواي فاي كانت مرئية من موقعه العالي المتميز … فكان هناك نحو عشرين أو ثالثين شبكة .كانت بقعة جيدة بالنس==بة
امتأل صندوق بريد مايكي بالرسائل؛ ٢٠٠٠٠رسالة جديدة منذ غادرت أنا وآنج منزلها ذلك الصباح ،والكثير من هذه الرسائل
كان من جهات صحفية تطلب مقابالت متابعة ،لكن أغلبه==ا ك=ان من مس==تخدمي ش==بكة إكس نت ،أف==راد ق==رءوا الخ==بر بص==حيفة
«.باي جارديان» وأرادوا إخباري بأنهم سيفعلون أي شيء لمساعدتي ،أي شيء أحتاج إليه
كان مذاقه كالنار ،كالذهب .رشفته محاواًل أال أصاب باالختناق .لم أحب في الواقع المشروبات الكحولية الثقيلة ،لكن ذل==ك ك==ان
.وقلت له« :شكرً ا يا نيت ».فارتسمت على وجهه نظرة كما لو كنت قد منحته وسامًا للتو .كان فتى صالحً ا
.قلت وأنا أمسك بلوحة المفاتيح« :حس ًن ا!» راقبني الشابان بافتتان بينما كنت أتصفح بريدي على الشاشة الضخمة
.أهم شيء كنت أبحث عنه هو رسالة من آنج ،فمن المحتمل أن تكون قد هربت ،وهذا احتمال قائم دائمًا
مجرد األمل في ذلك كان حماقة مني .لم يكن هناك أي شيء منها .بدأت في تفق==د البري==د بأس==رع م==ا يمكن==ني =،مس= ً
=تبعدا طلب==ات
ليس لطي ًفا أن أستيقظ هذا الص==باح ألج==د الرس==الة ال==تي ظننت أن==ك س==تتخلص منه==ا على ص==فحات الجرائ==د .ليس لطي ًف==ا على«
لكنني استوعبت بعد= ذلك السبب وراء ما فعلته .ال أعلم إذا ما كان بإمكاني الموافقة على خطط==ك أم ال ،لكن من اليس==ير لي أن
إذا كنت تقرأ هذه الكلمات ،فذلك يعني أنك ق==د تمكنت على األرجح من االختف==اء ،وليس ذل==ك ب==األمر الس==هل .لق==د تعلمت ذل==ك،
.وغيره الكثير
بوسعي مساعدتك ،وينبغي لي فعل ذلك من أجلك ،فأنت تفعل ما بوسعك من أجلي( .وإن لم تكن تفعله بإذن مني).
ً
مقبوض=ا علي==ك ،وتخض==ع لقبض==ة أص==دقائنا في رد عليَّ إذا وص==لتك ه==ذه الرس==الة ،وكنت ب==الطريق ووح==دك ،أو رد إذا ك==ان
جوانتان==امو ،وتبحث عن وس==يلة إليق==اف األلم ال==ذي تش==عر ب==ه .إذا قبض==وا علي==ك ،فس==وف تفع==ل م==ا يملون==ه علي==ك .أعلم ذل==ك،
.وسأخوض المخاطرة
زفر ليام قائاًل « :يا إلهي!» أردت صفعه .استدرت ألقول له شي ًئا بشعًا والذعً ا ،لكنه كان يحدق فيَّ بعينين متسعتين كما لو كان
قال نيت« :هل أستطيع أن أقول … هل أستطيع أن أقول إن مساعدتي لك هي أعظم ش==رف لي في حي==اتي كله==ا؟ ه==ل يمكن==ني
داع لذلك .هذان االثنان مفتونان بي بالكامل ،رغم أنني لست نجمًا ،على األقل ليس من وجهة اًل
تورد وجهي خج .لم يكن هناك ٍ
.نظري
.خرجا في هدوء من الغرفة كجروين أساءا التصرف ،وشعرت بأنني آلة .أخذت أكتب سريعً ا
لقد هربت يا زيب ،وأنا اآلن هارب .أحت==اج إلى ك==ل مس=اعدة يمكن=ني الحص==ول عليه=ا .أري=د إنه==اء ذل==ك اآلن ».ت==ذكرت أن«
.أخرج هاتف ماشا من جيبي ،وأضغط على أزراره ألمنعه من الدخول في وضع الخمول
س==مح لي الفتي==ان باالغتس==ال ،ومنح==اني مالبس وحقيب==ة ظه==ر جدي==دة مليئ==ة بجمي==ع مس==تلزمات الط==وارئ من حل==وى الطاق==ة،
واألدوية =،والكمادات الساخنة والباردة ،وحقيبة نوم قديمة .وضعا كذلك جهاز «إكس بوكس يونيفرسال» فائضً ا ل==ديهما م= ً
=زودا
وحذفت رسائل الكراهية .توقعت إلى حد ما أن أرى رسالة من ماشا ،لكنها كانت على األرجح في منتصف الطري==ق إلى ل==وس
ً
ثانية .أنجلوس ،وأصابع يديها تؤلمها ،وفي وضع ال يسمح لها بالكتابة .لمست مفاتيح هاتفها
نصحني الفتيان بالنوم قلياًل .وللحظة قصيرة مخجلة ،دفعني جنون االرتياب للظن بأنهما يفكران في تسليمي للشرطة بمجرد أن
أستغرق في النوم .كانت فكرة غبي=ة؛ إذ ك=ان بإمكانهم=ا تس=ليمي بالق=در نفس=ه من الس=هولة وأن=ا مس=تيقظ .لم يكن بوس=عي فق=ط
استيعاب أنهما يبجالنني بشدة .كنت أدرك أن هناك من سيتبعون م==ا يقول=ه م==ايكي .وق==د التقيت ببعض==هم ذل=ك الص==باح يهتف==ون
«عض عض عض عض عض» ويؤدون دور مصاصي الدماء في مركز المدينة .لكن إعج==اب ه==ذين الش==ابين ك==ان شخص= ًّيا
على نحو أكبر .كانا شابين ساذجين لطيفين ،وكان من الممكن أن يكونا من أصدقائي في ف==ترة م==ا قب==ل إكس نت ،مج==رد فت==يين=
يخوضان مغامرات مراهقين .وقد تطوعا لالنضمام إلى صفوف جيشي؛ ومن ثم فأنا مسئول عنهما .إذا ُت ِركا لحالهما ،فسيُق َبض
».قلت لهما« :استمعا لما سأقوله يا شباب! ثمة شيء خطير أود أن أخبركما به
.كادا يقفان من فرط االنتباه .كان ذلك فكاه ًّيا ،إذا لم يكن مخي ًفا للغاية
إليكما ما أريد قوله .صار األمر خطيرً ا للغاية اآلن بعد أن س==اعدتماني .إذا أُلقي القبض عليكم==ا ،فس==يل َقى القبض عليَّ ك==ذلك«،
وسيحصلون على ما يريدونه منكما …» رفعت يدي ألستبق اعتراضهما ،وواصلت حديثي« :كال ،توقفا ،فأنتما لم تم==را به==ذه
التجربة .الجميع يفصح بما لديه ،الجميع ينهار .إذا أُلقي القبض عليكما ،فسوف تخبرانهم بك==ل ش==يء على الف==ور ،وبأس==رع م==ا
.يمكنكما =،وبأكبر قدر تعرفانه .سوف يحصلون على كل المعلومات في النهاية بأي حال .هذا أسلوبهم
لكن لن يُل َق ى القبض عليكما؛ هل تعلمان لماذا؟ ألنكما لستما مشوشين بعد اآلن .لقد توقفتما عن ه=ذا النش=اط .أنتم=ا …» أخ=ذت
أبحث في ذاك==رتي عن مص==طلحات من أفالم الجاسوس==ية ،وت=ابعت ح==ديثي …« :خلي==ة نائم==ة .توقف=ا عم==ا تفعالن==ه ،ع==ودا إلى
وعداني بكل إجالل ،وسمحت لهما بأن يدالني على المكان الذي سأنام فيه قلياًل ،لكنني جعلتهما يقسمان بأن يوقظ=اني م=رة ك==ل
.ساعة؛ فقد كان عليَّ الضغط على أزرار هاتف ماشا ،والتحقق من رد زيب عليَّ
•••
كان موعدنا في إحدى عربات قطارات بارت؛ ما أصابني بالعصبية؛ فتلك القطارات مليئة بالكاميرات ،لكن زيب ك==ان يعلم م==ا
يفعله .جعلني أقابله في العربة األخيرة لقطار خرج من محطة شارع باول في وقت اكتظت فيه العربة بالرك==اب .س==ار بج==انبي
.وسط الحشد ،وأفسح له الركاب مكا ًنا مثلما تفعل دومًا مع المشردين
ً
ثانية ».عندما نظرت في زجاج الباب داكن اللون ،رأيت أنه ما من أحد ق==ريب غمغم وهو يواجه باب العربة« :يسعدني لقاؤك
منا بما فيه الكفاية ليسترق السمع — ليس بدون أجهزة ميكروفون عالية الكفاءة .وإذا كانوا بالمعرفة الكافية لي==دخلوا هن==ا بمث==ل
»اخرس ،وال تتأسف .لقد كنت أشجع مني .هل أنت مستعد لالختفاء اآلن؟«
»ماذا؟«
»ح ًّقا؟«
فلتستمع إليَّ ! معي صورة ومقطع فيديو ،أش==ياء تثبت ش==ي ًئا م==ا ح ًّق==ا ».أدخلت ي==دي في جي==بي ،وض==غطت على أزرار ه==اتف«
ماشا .كنت قد اشتريت شاح ًنا له من ميدان يونيون في طريقي إلى المحطة ،وتوقفت بأحد المق=اهي ،ووض=عته في الكهرب=اء م==ا
ً
تنشيط ا شبه كامل« .أحتاج إلى توصيل هذه األشياء إلى باربارا ستراتفورد ،تلك الس==يدة ال==تي يكفي من الوقت لتنشيط البطارية
».تعمل في صحيفة «باي جارديان» .لكنهم يراقبونها بالتأكيد ليروا ما إذا كنت سأذهب إليها أم ال
أال تعتقد أنهم سيكونون في انتظاري أنا أي ً
ضا؟ إذا كنت تخطط ألن أق==ترب من م==نزل تل==ك الس==يدة أو مكتبه==ا مس==افة تق==ل عن«
»… الميل
»… أريدك أن تقنع فان بالمجيء لمقابلتي .هل أخبرك داريل من قبل عن فان؟ الفتاة«
أعتقد أنهم يراقبونها ،لكن ليس بالقدر نفسه .هذا فضاًل عن أن ف==ان ليس==ت مدان==ة ب==أي ش==يء؛ فهي لم تش==ارك ق==ط في أيٍّ من«
…» بلعت ريقي وواص=لت الح==ديث …« :مش=روعاتي؛ ومن ثم ،فق==د ال يهتم==ون ألمره=ا كث=يرً ا .وإذا طلبت إج=راء لق=اء م=ع
».صحيفة «باي جارديان» لتوضح لهم كيف أنني مليء بالتفاهات ،فسيسمحون لها بذلك
.أومأت برأسي
هل أنت متأكد؟ بعض ممن كانوا على جزيرة «تريجر آيالند» معنا تم ت==رحيلهم على متن مروحي==ات إلى خ==ارج البالد =.ثم==ة«
دول يمكن ألمريكا تصدير معتقليها إليها ليتذوقوا العذاب ألوا ًنا ،دول يمكن أن تمضي فيها م==ا تبقى ل==ك من عم==ر ،حيث تتم==نى
».أن ينهوا حياتك بسرعة ،بأن يأمروك بحفر خندق ،ثم يطلقون الرصاص عليك في رأسك من الخلف وأنت تقف عليه
هاجمونا ال يزالون أحرارً ا … على عكسنا .ال يمكنني االختف==اء لع==ام أو عش==رة أع==وام أو حي==اتي بأكمله==ا منتظ==رً ا أن ُتق=دَّم لي
•••
بعد ظهيرة ذلك اليوم ،غادرت فان المدرسة كعادتها ،وجلست في المقعد األخ=ير بالحافل==ة م=ع مجموع=ة من ص=ديقاتها تض=حك
وتمزح كعادتها دومًا .الحظها الركاب اآلخرون في الحافلة؛ إذ ك==ان ص==وتها عاليً=ا ج= ًّدا ،وك==انت ترت==دي تل==ك القبع==ة الض=خمة
الخرقاء خاصتها ،والتي بدت وكأنها إحدى قطع مالبس مسرحية مدرسية عن محاربي عص==ر النهض==ة ح==املي الس==يوف .وفي
لحظ==ة تجمَّعن م ًع= ا والتص==قن ببعض==هن البعض ،ثم اس==تدرن لينظ==رن من الناف==ذة الخلفي==ة للحافل==ة ،وأخ==ذن يش==رن بأص==ابعهن
.ويقهقهن .والفتاة التي صارت ترتدي قبعة فان اآلن كانت في نفس طولها تقريبًا ،ومشابهة لها من ظهرها
لم ُيعِر أحد اهتمامًا لفتاة آسيوية هادئة تنزل من الحافل=ة قب=ل محط=ة ب=ارت ببض=ع محط=ات .ك=انت ترت=دي ز ًّي=ا مدرس= ًّيا ق=ديمًا
ً
بسيطا ،وتنظر ألسفل في خجل وهي تنزل من الحافلة .هذا فضاًل عن أنه في تلك اللحظة ،شهقت الفت=اة الكوري=ة ذات الص=وت
عال لدرج==ة جعلت س==ائق الحافل==ة نفس==ه يبطئ من س==رعته ،ويس==تدير في
المرتفع ،وتبعتها صديقاتها ،وأخذن يضحكن بصوت ٍ
.مقعده ليرمقهن بنظرة احتقار
سارت فان سري ًع ا خافضة رأسها ،وشعرها مربوط من الخلف ،وأنزلت ياقة سترتها قديمة الطراز .كان كعب حذائها عاليًا؛ م==ا
جعلها أطول ببوص=تين على نح=و غ=ريب .خلعت العدس=ات الالص=قة ،وارت=دت نظارته=ا ذات العدس=ات الض=خمة ال=تي لم تكن
تفضلها ،والتي غطت نصف وجهه==ا .رغم أن==ني كنت أنتظره==ا في محط==ة الح==افالت ،وأتوق==ع رؤيته==ا ،بالك==اد تع==رفت عليه==ا.
ُ
.نهضت ،وسرت خلفها لنعبر الشارع ونتجاوز مسافة نصف مربع سكني
من كانوا يمرون بجانبي تحاشوا النظر إليَّ بأسرع ما يمكن؛ فقد بدوت كشاب متشرد يحمل الفتة كرتونية قذرة ويرتدي معط ًفا
ًّ
مكسو ا بسخام الشوارع ،ويحمل حقيبة ظهر ضخمة مليئة باألغراض وشريط الصق يرأب ش==قوقها .ال أح==د ي==رغب في النظ==ر
لفتى مشرد؛ ألنه إذا لقيت عيناه عينيك ،فقد يطلب منك بعض الفك==ة .س==رت في أرج==اء أوكالن==د طيل==ة ظه==يرة ذل==ك الي==وم ،ولم
يتحدث معي أحد سوى أحد شهود يهوه وأحد أتباع حركة العِلمولوجيا ،وكالهما كان يحاول إقن=اعي بتغي==ير م=ذهبي .ك=ان ش=ي ًئا
اتبعت فان اإلرشادات التي كتبتها لها بعناية .أعطاه==ا له==ا زيب بالطريق==ة نفس==ها ال==تي أعط==اني به==ا الرس==الة خ==ارج المدرس==ة؛
فاصطدم بها أثناء انتظارها للحافلة ،واعتذر لها كثيرً ا .كتبت الرس=الة بوض==وح وبس=اطة« :أعلم أن==ك لن ت==وافقي ،وأتفهم ذل==ك.
».لكن هذه أهم خدمة سأطلبها منك على اإلطالق .أرجوك ،أرجوك
وجاءت .كنت أعلم أنها ستفعل؛ فنحن يجمعن==ا ت==اريخ طوي=ل ،ولم يكن ي=روق له=ا ً
أيض=ا م==ا ح==دث للع=الم .باإلض=افة إلى ذل==ك،
.أخبرني صوت شرير في رأسي بأنها صارت محل شبهات اآلن بعد نشر مقال باربارا
ظللنا سائرين على هذا النحو حتى تجاوزنا ستة أو سبعة مربعات سكنية ،مع االنتباه لألش==خاص والس==يارات ال==تي ك==انت تس==ير
بجوارنا .أخبرني زيب عن أسلوب في التعقب يتناوب فيه خمسة أفراد مختلفين تعقبك؛ ما يجع==ل تع==يينهم أم==رً ا ش==به مس==تحيل؛
.ومن ثم ،ينبغي الذهاب إلى مكان مهجور تمامًا بحيث يتضح فيه أي شخص وضوحً ا تامًا
كان الممر الفوقي للطريق السريع ٨٨٠على بعد بضعة مربعات سكنية فقط من محط==ة كوليس==يم التابع==ة لش==بكة ب==ارت .ورغم
كثرة اللف والدوران الذي كانت تفعله فان ،فلم يستغرق األمر طوياًل لنص==ل إلي==ه .ك==انت الضوض==اء من أعلى تص==م اآلذان .لم
يكن هناك أحد آخر في الجوار على حد علمي .كنت قد حض=رت إلى ذل==ك المك==ان قب==ل أن أقترح==ه على ف==ان في الرس=الة ،م==ع
.االهتمام بالتحقق من األماكن التي يمكن ألحد االختفاء فيها .لم يكن هناك أي أماكن من هذا القبيل
.ما إن توقفت عند المكان المتفق عليه حتى تحركت سري ًعا للحاق بها .نظرت إليَّ والذعر يمأل عينيها من وراء نظارتها
.عانقتني بقوة لدرجة جعلتني ال أقوى على التنفس ،وعانقتها على نحو أقوى
.ثم قبلتني
… ليس على وجنتي وليس كأختي ،وإنما على شفتيَّ .قبلة ساخنة ملتهبة بدت وكأنها ستستمر لألبد =.غمرتني العاطفة تمامًا
.كال ،هذا كذب .فقد كنت أعرف بالضبط ما كنت أفعله؛ لقد قبَّلتها بدوري
»!توقفت بعد= ذلك ،وتراجعت دافعً ا إياها تقريبًا بعي ًدا= عني .نطقت ً
الهثا« :فان
»!فقالت« :آسفة
ً
ثانية« :فان »!كرَّ رت
.ثمة شيء حدث لي حينها ،شيء أظن أنه كان ينبغي لي أن أراه منذ زمن طويل ج ًّدا
يا إلهي! داريل كان مغر ًم ا بها طوال هذه السنين ،بينما كانت هي واقعة في حبي وتريدني أنا طوال ه==ذا ال==وقت .وفي النهاي==ة،
ُ
.ارتبطت بآنج .قالت آنج إنها كانت على خالف دائم مع فان .وأنا أركض هنا وهناك موق ًعا نفسي في المشكالت
فان ،أريدك أن تفعلي شي ًئا من أجلي ،شي ًئا مه ًّما .أريدك أن تقابلي باربارا س==تراتفورد ،الص==حفية في «ب==اي جاردي==ان» ال==تي«
.كتبت المقال .أريدك أن تعطيها شي ًئ ا ما ».وشرحت لها ما يتعلق بهاتف ماشا ،وأخبرتها بشأن الفيديو الذي أرسلته لي
كنت ُم ِح َّقة يا فان ،جزئ ًّي ا على األقل .ال يمكننا إصالح العالم من خالل تعريض اآلخرين للخطر .أريد حل المشكلة باإلفصاح«
عما أعرفه .كان ينبغي لي فعل ذلك من البداية =،كان ينبغي أن أتوجه مباشرة من الحجز إلى منزل والد داريل ألخبره بما أعلم.
لكنني اآلن معي أدلة .وهذه األدلة من شأنها تغيير العالم .هذا أملي األخير ،األمل الوحي=د في أن أح=رر داري==ل ،وأنعم بحي==اة ال
نظرت ألسفل ،وقلت لها« :ظننت أنكِ تعلمين .لقد ألقي القبض عليها ،وهي اآلن في جوانتانامو على جزيرة «تريجر آيالن==د».
لقد مر على وجودها هناك أيام إلى اآلن ».حاولت أال أفكر في ذلك ،وما قد يكون يحدث لها .لكنني لم أستطع التماسك في تل==ك
اللحظة ،وبدأت أبكي بحرقة .شعرت ب==ألم في بط==ني كم==ا ل==و كنت ق==د تعرض==ت للرك==ل .أمس==كت بخص==ري ألح==اول التماس==ك.
انحنيت هناك ،ووجدت نفسي بعد ذلك ملقى على جانبي على الحجارة المتكسرة تحت الطري=ق الس=ريع ،مح=اواًل التماس=ك وأن=ا
.أبكي
.ركعت فان بجانبي ،وقالت بصوت غاضب« :أعطني الهاتف!» أخرجته من جيبي ،وأعطيته لها
شعرت بالخجل ،توقفت عن البكاء واعتدلت في جلستي .أعرف أن المخاط كان ي=نزل على وجهي .نظ=رت إليَّ ف=ان باش=مئزاز
واضح .قلت لها« :يجب أن تمنعيه من الدخول في وضع الخمول .معي شاحن هنا ».بحثت في حقيبتي .لم أنم طوال الليل من==ذ
حصلت عليه .ضبطت المنبه لي==دق ك==ل ٩٠دقيق==ة ،ويوقظ==ني ألتمكن من إيقاف==ه من ال==دخول في وض==ع الخم==ول« .وال تغلقي==ه
».أيضًا
»ومقطع الفيديو؟«
قلت لها« :هذا أصعب .لقد أرس=لت نس=خة من==ه لنفس=ي بالبري==د اإللك=تروني ،لكن لم يمكن=ني= ال=دخول على ش=بكة إكس نت بع==د
ذلك ».إذا كانت هناك ضرورة ملحة ،كان بإمكاني العودة إلى نيت ولي==ام ،واس==تخدام جه==از إكس ب==وكس الخ==اص بهم==ا ثاني= ً
=ة،
لكنني لم أرد المجازفة بفعل ذلك .واصلت حديثي معها قائاًل « :سأخبركِ باسم المستخدم وكلمة المرور لحسابي على خادم بريد
حزب القراصنة .سيكون عليكِ استخدام أحد موجهات االتصال المجهول (تور) لل=دخول علي==ه … تعم=ل وزارة األمن الوط==ني
»!قالت وقد بدت عليها الدهشة بعض الشيء« :اسم المستخدم وكلمة المرور
ال أعتقد أن ذلك يهم بعد اآلن .إذا لم تنجحي في مهمتك ،فستكون تلك نه==ايتي … نهاي==ة م==اركوس ي==الو .لعلي سأحص==ل على«
».هوية جديدة ،لكنني ال أظن ذلك .أظن أنهم سيمسكون بي .أعتقد أنني عرفت دومًا أنهم سيقبضون عليَّ يومًا ما
»نظرت إليَّ بغضب اآلن« :يا لها من خسارة! وما الهدف من ذلك كله على أية حال؟
جرحتني تلك العبارة أكثر من أي شيء آخر كان من الممكن أن تقوله .كانت أشبه بركلة أخرى في البطن .األمر كله غ==ير ذي
ً
ثانية ،وال يزال األمن الوطني يخض==ع م==دينتي وبالدي لجن==ون جدوى وال طائل منه .داريل وآنج مفقودان ،وقد ال أرى أسرتي
.ال حدود له يمكن في خضمه فعل أي شيء تحت اسم إيقاف اإلرهاب
ْ
فرحلت وتركتني هناك .بدت فان وكأنها تنتظر مني قول شيء ما ،لكنني لم يكن لدي ما أقوله.
•••
وجدت زيب قد أحضر البيتزا لي عندما عدت إلى «المنزل» .كان الم==نزل عب==ارة عن خيم==ة نص==بها زيب لقض==اء الليل==ة تحت
ممر فوقي لطريق سريع في حي ميشن .كان لديه خيمة صغيرة من مخلف=ات الجيش ،مطبوع=ة عليه=ا عب==ارة «مجلس التنس=يق
»كانت البيتزا من مطعم «دومينوز» ،باردة ومتخثرة ،لكنها لذيذة رغم كل ذلك« .هل تحب األناناس على البيتزا؟
».ابتسم زيب بلطف في وجهي ،وقال« :ليس أمام من يحصلون على الطعام المجاني خيار
»طعام مجاني؟«
ً
ثانية وقال« :نعم ،طعام مجاني … من متجر الطعام المجاني ».ابتسم
ال يا أحمق .إنها من المتجر اآلخر .أال تعرف ذلك الصغير الموجود بالخلف ،ومصنوع من الصلب األزرق؟ ذلك الذي تفوح«
دفع رأسه للخلف وقهقه ،ثم قال« :نعم ،بالطبع .كان عليك أن ترى وجهك .ال بأس يا صديقي .إنها ليس==ت متعفن==ة أو أي ش==يء
من هذا القبيل .لقد كانت طازجة … مجرد طلب خاطئ ،ورُمي في صندوق القمامة .إنهم يرشون سم فئران فوق كل شيء في
وقت اإلغالق ،لكنك إذا أسرعت في الوصول إلى هناك ،فستكون بأمان .عليك أن ترى ما يتخلص من==ه مت==اجر البقال==ة! انتظ==ر
حتى موعد الفطور .سأعد لك سلطة فواك==ه لن تص==دقها! فم==ا إن تص=اب إح==دى ثم==رات الفراول==ة في الص==ندوق ب==العطب ح==تى
تجاهلت حديثه .كانت البيتزا جيدة ،فوجودها في صندوق القمامة ما كان ليلوثها أو أي شيء من هذا القبي==ل .إذا ك==ان هن==اك م==ا
يثير االشمئزاز فيها ،فهو أنها من مطعم دومينوز … أسوأ مطعم بيتزا في المدينة .لم أحب طعامه قط من قبل ،وقاطعته تما ًم==ا
.عندما علمت أنه يمول مجموعة من الساسة المخابيل الذين يظنون أن االحتباس الحراري والتطور مخططان شيطانيان
لكن كان ثمة سبيل آخر للنظر إليه .كش==ف لي زيب س= ًّرا … ش==ي ًئا لم أتوقع==ه؛ وه==و أن هن==اك عال ًم==ا ك==اماًل خف ًّي==ا في الخ==ارج،
».صالحيته ،لكنه ما كان ليتحول للون العفن األخضر بحلول منتصف الليل .أعني أنه زبادي؛ أي لبن متعفن في المقام األول
.بلعت ما بفمي .كان طعم البيتزا غريبًا .سم فئران .زبادي تالف .فراولة عطبة .سيستغرق ذلك وق ًتا إلى أن أعتاد عليه
.تناولت قضمة أخرى .في الواقع ،تكون بيتزا دومينوز أقل بشاعة عند الحصول عليها مجا ًنا
كانت حقيبة النوم الخاصة بليام وثيرة دافئة بعد يوم طويل مرهق انفع==اليٍّ .ال ب==د أن ف==ان ق==د اتص==لت ببارب==ارا اآلن ،وص==ارت
الصورة ومقطع الفيديو بحوزة باربارا .سوف أتصل بها في الصباح ،وأعرف منها ما يجب عليَّ فعله بع==د ذل==ك .س==يكون عليَّ
.المشاركة بعد أن تنشر الخبر لكي أدعم كل ما فيه
فكرت في ذلك وأنا أغلق عينيَّ .فكرت ما سيكون عليه الحال عندما أسلم نفسي ،والكاميرات تتابع مايكي سيئ الس==معة في ك==ل
.مكان حتى يصل إلى أحد تلك المباني الكبيرة ذات األعمدة في مركز المدينة
وبغيابي عن الوعي ،تحول صوت السيارات على المم==ر الف==وقي إلى م==ا يش==به ص==وت المحي==ط .ك==انت هن==اك خي==ام أخ==رى في
الجوار بها أفراد مشردون .قابلت بعضهم بعد ظهيرة ذلك اليوم قبل حلول الظالم ،وتراجعنا جمي ًعا لنربض بالقرب من خيامنا.
=اس .لكن لم يب= ُد أيٌّ منهم مجنو ًن==ا أو عني ًف==ا ،ب==ل مج==رد أش==خاص تعس==ر حظهم أو ً
كانوا جمي ًعا أكبر مني س ّنا ،ومظهرهم ف==ظ ق= ٍ
.اتخذوا قرارات خاطئة أو كال األمرين
استغرقت في النوم؛ إذ ال أتذكر أي شيء آخر حتى انعكس ضوء براق على وجهي .كان برا ًقا لدرجة أعمتني
ُ .ال بد أنني
فرد صوت آخر« :ضعوا الكيس على وجهه ».كان صو ًتا سمعته من قبل ،سمعته مرارً ا وتكرارً ا في أحالمي يوبخ==ني ويطلب
.مني كلمات المرور الخاصة بي .لقد كانت السيدة ذات الشعر القصير
غطى الكيس وجهي سري ًعا ،وأُح ِك م ربطه عند عنقي ما جعلني أشعر باالختناق وأتقيأ ما تناولته من بيتزا مجانية .ومع إصابتي
ض=عت على نقال==ة ،و ُرفِعت ،ثم ُحمِلت إلى داخ==ل س==يارة ص= ً
=عودا بالتشنج واالختناق ،ربطت أيا ٍد عتية معص==ميَّ ،ثم ك==احليَّ .وُ ِ
على بعض الدرجات المعدنية التي تصدر رني ًنا عند الصعود عليها .ألقوني على أرضية مبطنة .لم يكن هن==اك أي ص==وت على
.اإلطالق في مؤخرة الشاحنة عند إغالقهم لألبواب؛ فالتبطين بالعربة غطى على كل األصوات فيما عدا صوت اختناقي
ثانية ».شعرت بتماي==ل العرب==ة عن==د دخوله==ا إليَّ .كنت ال أزال أختن==ق ،مح==اواًل التق==اط أي نفس .مأل
ً قالت« :حس ًنا ،مرحبًا بك
شعرت بتزايد االختناق .ح==اولت استنش==اق أي ه==واء ،وبعض==ه ك==ان ي==دخل بالفع==ل إليَّ .الس==عال العمي==ق والمهل==ك ر َّج ص==دري
ً
مزيدا من األنفاس .وظهري ،وطردت المزيد من القيء .التقطت
».قالت« :أرأيت؟ ليس األمر شديد السوء .مرحبًا بك ثانية ،مايكي .لدينا مكان مميز للغاية سننقلك إليه
استلقيت على ظهري ،وشعرت باهتزاز الشاحنة .كانت رائح==ة قيء البي==تزا ناف==ذة في البداي==ة =،لكن م==ع جمي==ع المنبه==ات القوي==ة
األخرى ،اعتاد عليها مخي تدريج ًّي ا ،وأخذ يخرجها من نطاق أنفي إلى أن صارت رائحة ضعيفة فقط .واه==تزاز الش==احنة يك==اد
حينذاك ،طغت عليَّ حال==ة من اله==دوء العمي==ق الم==ذهل كم==ا ل=و كنت أتم==دد على الش=اطئ ،ومي=اه المحي=ط وص=لت إليَّ وأخ==ذت
تهدهدني برقة كأب يهدهد ابنه ،وحملتني عاليًا لتجرني إلى البحر الدافئ تحت أشعة الشمس الدافئ==ة .بع==د ك==ل م==ا ح==دث ،قُ ِبض
عليَّ ،لكن ذلك ال يهم .لقد أوصلت المعلومات إلى بارب==ارا ،وأسس==ت ش==بكة إكس نت .لق==د ربحت .وإذا لم أكن ق==د ربحت ،فق==د
فعلت كل ما بوسعي ،بل أكثر مما تخيلت يو ًما أنه بوسعي فعله .أخذت أسترجع كل ما حدث أثناء تحرك الس==يارة ،مت==ذكرً ا ك==ل
ما حققته ،بل حققناه .المدينة والدولة والعالم كله مليء بأن==اس ال يقبل==ون بالحي==اة ال==تي تري==دنا وزارة األمن الوط==ني أن نحياه=ا.
.تنهدت وابتسمت
ما أدركته بعد ذلك أنها كانت تتحدث طوال تلك الفترة .كنت غائبًا تمامًا في خيالي السعيد حتى إن ص==ورتها تالش==ت تما ًم==ا من
.أمامي
فتى ذكي مثلك ،من المفترض أن تعلم أنه من األفضل لك أال تعبث معنا .نحن نراقبك منذ أطلقنا سراحك .وكنا س==نقبض …«
عليك حتى وإن لم تذهب لتبكي لتلك الصحفية السحاقية الخائنة .إنني ال أفهم فحسب ما حدث … لقد كان بيننا اتف==اق ،أن==ا وأنت
»…
مرَّ ت الشاحنة على لوح معدني ،واهتزت ،ثم تغير االهتزاز .صرنا فوق الماء ،نتوجه إلى جزيرة «تريج==ر آيالن==د» =.ي==ا إلهي!
لم ينزعوا الكيس عن رأسي إلى أن وصلت إلى الزنزانة .ولم يهتموا بفك األصفاد عن معصميَّ وكاحليَّ ،فما ك==ان منهم إال أن
ألقوني من النقالة على األرض .كان المكان مظلمًا ،لكنني تمكنت من أن أرى في ضوء القمر — ال==ذي ي==دخل إلى الغرف==ة من
=و الزنزان==ة إال على مرح==اض وهيك==ل س==رير نافذة واح==دة عالي==ة ص==غيرة — أن المرتب==ة ق==د ُن= ِ
=زعت من على الس==رير .لم تحت= ِ
.وحوض وأنا فقط
ً
مجددا .كنت أع==رف أغلقت عينيَّ ،وتركت خيالي يأخذني بعي ًدا =.كان بوسعي توقع ما سيحدث بعد ذلك؛ التبول في مالبسي …
.ما يكون عليه األمر؛ فقد حدث لي من قبل .فاحت مني رائحة كريهة ،وشعرت بحكة وخزي ،مثل األطفال الصغار
ضحكت … بدا الصوت غريبًا ،فأعادني إلى واقعي من جديد .أخذت أضحك وأضحك .لقد وص==لت إلى أس==وأ م==ا يمكنهم فعل==ه
.بي ،ونجوت منه ،بل وتغلبت عليهم لشهور عدة وجعلتهم يظهرون بمظهر الحمقى والمستبدين .لقد انتصرت
.أطلقت العنان لمثانتي؛ فقد كانت موجعة وممتلئة على أية حال ،وما من وقت أفضل من اآلن
ً
ثانية .أخذني خيالي ً
بعيدا
•••
وفي الصباح ،فك حارسان يتسمان بالكفاءة والتجرد من المشاعر األصفاد عن معصميَّ وكاحليَّ .ظللت غير ق==ادر على الس==ير
… عندما وقفت ،كنت أشبه بالدمية المتحركة بال خيوط .فقد جلست في وضعية واح=دة لف=ترة طويل=ة للغاي=ة .ج=ذب الحارس=ان
ذراعيَّ ليضعاهما على كتفيهما ،وسحباني كما لو كانا يحمالنني في الرواق المألوف .التفت وتدلت رم==وز الب==اركود الموج==ودة
خطرت لي فكرة؛ فهتفت« :آنج! داريل!» فأسرع الحارسان في ج==ذبي .ك==ان من الواض==ح أنهم==ا انزعج==ا ،لكنهم==ا لم يعلم==ا م==ا
»!ينبغي لهما فعله .واصلت الهتاف« :هذا أنا ،ماركوس! تمسكا بالحرية
سمعت نشيجً ا خلف أحد األبواب ،وصاح شخص آخ==ر بلغ==ة ب==دت كالعربي==ة ،ثم علت أص==وات متن==افرة ،اآلالف من األص==وات
.جلبني الحارسان إلى غرفة جديدة كانت في السابق مخصصة لالستحمام؛ إذ كانت ال تزال رشاشات الدُّش معلقة فيها
ً
اشمئزازا من الرائحة .قالت السيدة ذات الشعر القصير« :مرحبًا يا مايكي! يبدو أن صباحك كان ملي ًئا باألحداث ».وأبدت
قالت« :لعله ينبغي لنا الس=ماح ل=ك باالغتس=ال ».أوم=أت برأس=ها ،فحمل=ني الحارس=ان لنقال=ة أخ=رى .احت=وت ه=ذه النقال=ة على
أشرطة مُقيِّدة بطولها .ألقيا بي عليه==ا ،ك=انت ب=اردة ك==الثلج ومبلل==ة تما ًم==ا .وقب==ل أن أدرك ،كان==ا ق==د أحكم=ا األربط==ة على كتفيَّ
وفخذيَّ وكاحليَّ .وبعد لحظات ،ربطا ثالث==ة أربط==ة أخ==رى .أمس==كت ي==د رج=ل الح=واجز الموج==ودة عن==د رأس==ي ،وفكت بعض
.الس َّقاطات .وبعد لحظات ،كنت قد انحنيت ألسفل ،وصار رأسي أسفل قدميَّ
قالت السيدة ذات الشعر القصير« :لنبدأ بشيء بسيط ».رفعت رأس=ي ألراه=ا .ك=انت ق=د جلس=ت على مكتب يعل=وه جه=از إكس
ً
قائلة« :أري==دك أن تخ==برني ،رج==اءً ،باس==م المس==تخدم بوكس متصل بتليفزيون مسطح الشاشة يبدو باهظ الثمن .واصلت حديثها
أعادني صوتها إلى الواقع ،وهي تسألني« :هل تعلم ما التعذيب بالغمر بالماء يا م==ايكي؟ ه==و أن ُتقيَّد على ه==ذا النح==و ،ونص==ب
=رف ذل==ك
الماء فوق رأسك إلى أن يصل إلى أنف==ك وي==نزل في فم==ك .ال يمكن==ك الحيلول==ة دون ح==دوث المنعكس البلع==ومي ،ويُع= َ
».باإلعدام الزائف .ومن موقعي هذا بالغرفة ،يمكنني القول بأنك لن تتمكن من مقاومة الشعور بأنك تموت
حاولت االبتعاد بخيالي ،لكنني كنت قد سمعت من قبل عن التعذيب بالغمر بالماء .لقد كان هذا هو ،تعذيب حقيقي .ولم تكن هذه
لم أستطع االبتعاد بخيالي ،فشعرت بضيق في صدري ،وارتعشت رموش عينيَّ .وكان بإمكاني الشعور بمياه البول على س==اقيَّ
.والعرق في شعري .وشعرت بحكة في جلدي بسبب البول الجاف
بدأت المياه تتقاطر على رأس=ي ،ملء مغرف==ة من الم=اء يُس= َكب برق==ة على ذق==ني وش=فتيَّ وص==واًل إلى فتح==تي أنفي المرتفع==تين
ألعلى .نزلت المياه في حلقي ،وبدأت تخنقني ،لكنني لم أسعل أو ألهث ،وأدخلته==ا في رئ==تيَّ .حبس==ت أنفاس==ي ،وأحكمت إغالق
كان هناك اضطراب خارج الغرفة ،صوت أشخاص يرتدون أحذية عالي==ة الرقب==ة ،وص==يحات غاض==بة حانق==ةُ .س=كِبت المغرف==ة
.على وجهي
سمعت السيدة ذات الش==عر القص==ير تق==ول ش==ي ًئا لش==خص م=ا في الغرف==ة ،ثم وجهت ح==ديثها لي قائل= ً
=ة« :اس==م المس==تخدم فق=ط ي=ا
»ماركوس ،هذا طلب بسيط؛ فما الذي يمكنني فعله باسم المستخدم الخاص بك على أية حال؟
هذه المرة ،كان ما نزل عليَّ مر ًة واحدة دلو كامل من الماء ،فيض ال يتوقف ،ال ريب أنه كان ً
دلوا ضخمًا .لم أستطع التحم==ل؛
فلهثت ولفظت الماء في رئتيَّ .س==علت وس=حبت المزي==د من الم==اء .كنت أعلم أنهم لن يقتل==وني ،لكن==ني لم أس==تطع إقن==اع جس==مي
.بذلك .كل ذرة في كياني علمت أنني سأموت .لم أستطع حتى أن أبكي … فلم يتوقف صب المياه عليَّ
ً
ثاني=ة ،وجعلت=ني أش=عر بحري=ق توقفت بعد= ذلك ،وأخذت أسعل .لكن من الزاوية التي جلست فيها ،سعلت المياه لتع=ود إلى أنفي
كان السعال عمي ًقا حتى إنه أشعرني باأللم في ضلوعي وفخذيَّ عندما الت==وى جس==دي في اتج=اه مع=اكس ل=ه .لكم ك=رهت خ=داع
.جسمي لي ،وعجز عقلي عن التحكم في جسمي ،لكنني لم أستطع فعل شيء حيال ذلك
وأخيرً ا ،خفَّ السعال بما يكفي ألن أستوعب ما كان يحدث حولي .عال صياح كما لو كان هناك من يتشاجر ويتص==ارع .فتحت
.عينيَّ وطرفت في الضوء البراق ،ثم رفعت عنقي ،وأنا ال أزال أسعل قلياًل
زاد عدد من كانوا في الغرفة عما كان عليه عند بدء التعذيب ،وكان أغلبهم يرتدون دروعً ا واقية للجسم ،وخوذات ،وأقنع==ة من
.البالستيك رمادي اللون .كانوا يصيحون في حراس الجزيرة الذين أخذوا يصيحون بدورهم وقد برزت العروق في أعناقهم
»!قال واحد ممن ارتدوا درو ًعا واقية« :سلموا أنفسكم! وارفعوا أيديكم ألعلى ،فأنتم رهن االعتقال
كانت السيدة ذات الشعر القصير تتحدث في هاتفها .لمحها أحد الرجال ذوي الدروع الواقية ،وتحرك سري ًعا إليها ليدفع اله==اتف
ً
بعيدا بيديه= اللتين غطاهما القفاز .خيم الصمت على الجميع بينما الهاتف يطير في الهواء عبر الغرف==ة الص==غيرة ل==يرتطم أخ==يرً ا
قُطِ ع الصمت بدخول ذوي الدروع الواقية إلى الغرفة .أمسك اثنان منهما بمن كان==ا يع==ذبانني .وتمكنت بالك==اد من االبتس==ام عن==د
.رؤيتي وجه السيدة ذات الشعر القصير عندما أمسك بها رجالن من كتفيها ،وأداراها ،وكبَّال معصميها بأصفاد بالستيكية
تحرك أحد الرجال ذوي الدروع لألمام من مدخل الباب .كان يحمل على كتفه كاميرا فيديو .كانت كاميرا ثقيل==ة تص==در ض==وءًا
أبيض يعمي العيون .كان يصور الغرفة بأكملها ،ودار حولي مرتين أثناء تصويره لي .وجدت نفسي أنتظر ساك ًنا تمامًا كما ل==و
»تمكنت من التحدث ولكن بصوت مختنق بعض الشيء« :هل يمكنك تحريري؟
تحرك اثنان من ذوي الدروع نحوي ،أحدهما سيدة ،وبدآ في فك األربطة عني .رفعا األقنعة عن وجهيهما وابتس==ما في وجهي.
.وتحت الصلبان الحمراء شارتان أخريان ،كانتا شارتي «دورية كاليفورنيا للطرق السريعة» .لقد كانا من شرطة الوالية
بدأت أتساءل ما كانت هذه القوات تفعله هناك ،حينذاك رأيت بارب==ارا س==تراتفورد .ك==ان من الواض==ح أنه==ا ق==د ُمنِعت من التق==دم
وظلت واقفة في الرواق ،لكنها أخذت تدفع من أمامها وتشق طريقها بصعوبة في تلك اللحظة .قالت وهي تركع بجانبي وتمسك
»!بي لتعانقني أطول وأقوى عناق شهدته في حياتي« :ها أنت ذا
.عندئ ٍ=ذ علمت ما حدث؛ جوانتانامو الخليج وقع في أيدي أعدائه .لقد نجوت
الفصل الحادي والعشرون
أهدي هذا الفصل إلى متجر كتب بيدجز بوكس في تورونتو بكندا =.يقع هذا المتجر — ال=ذي طالم=ا َّ
مثل عالم==ة مم==يزة بش=ارع
كوين ويست — أمام مبنى المحطة التليفزيونية «سيتي تي في» وعلى بُعد بضع خطوات من متجر باكا الق==ديم ال==ذي س==بق لي
العمل فيه .أحببنا في باكا تواجد متجر بيدجز بوكس بالقرب منا؛ فما كنا نمثله في مجال الخي==ال العلمي ،ك==ان بي==دجز يمثل==ه في
كل مجال آخر .احتوى المتجر على كل ما ال يمكنك= أن تجده في أي مكان آخ==ر؛ أش==ياء ال تعلم أن==ك تبحث عنه==ا إلى أن تراه==ا
أمام عينيك .يحتوي أيضً ا على أحد أفضل أم=اكن ع=رض الص=حف والمجالت ال=تي رأيته=ا في حي=اتي ،ص=فوف يعل=و بعض=ها
.بع ً
ضا من الصحف والمجالت الرائعة من جميع أنحاء العالم
***
تركوني مع باربارا في الغرفة ،واستخدمت رشاش الدُّش ال==ذي ال ي=زال يعم=ل ألنظ==ف نفس=ي؛ إذ ش=عرت فج=أة ب=اإلحراج لم==ا
.غطى جسدي من بول وقيء .وعندما انتهيت ،وجدت باربارا تبكي
ً
قائلة« :إن والديك »… شرعت في الحديث
.شعرت بأنني سأتقيأ مجد ًدا .يا إلهي! والداي المسكينان! ال بد أنهما عانيا كثيرً ا
»ماذا؟«
أنت ال تزال رهن االعتقال يا ماركوس .الجميع هنا كذلك .ال يمكن لهذه القوات اقتحام المكان وفتح األبواب على مص==اريعها«
».للجميع .كل المتواجدين هنا سيخضعون لنظام العدالة الجنائية ،وقد يستغرق ذلك شهورً ا
أمسكت بيديَّ ،وقالت« :ال ،وأعتقد أنن==ا س==نتمكن من اس==تدعائك للمحاكم==ة وإخراج==ك بكفال==ة س==ري ًعا .لكن «س=ريعً ا» مص==طلح
نس==بي ،فال أتوق==ع ح==دوث أي ش==يء الي==وم .وم==ع ذل==ك ،فلن يك==ون المك==ان كم==ا ك==ان تحت س==يطرة ه==ؤالء .سيتس==م باإلنس==انية،
.وستحصل على طعام حقيقي .لن تكون هناك تحقيقات ،وسيتمكن ذووك من زيارتك
واستبعاد وزارة األمن الوطني ال يعني أنك ستخرج من هنا بهذه السهولة .ما حدث هنا ه==و أنن==ا تخلص==نا من الص==ورة الغريب==ة
.لنظام العدالة الذي أسسه هؤالء الناس ،واستبدلنا به النظام القديم؛ النظام الذي يتضمن قضاة ومحامين ومحاكمات علنية
ومن ثم ،يمكننا أن نحاول نقلك إلى إحدى دور تأهيل األحداث في ال=بر الرئيس=ي .لكن الحي=اة في ه=ذه األم=اكن ش=اقة للغاي=ة ي=ا
خروج بكفالة! بالطبع ،لقد كنت مجرمًا .لم توجَّ ه لي اتهامات بعد ،لكن هناك العديد= من االتهامات التي يمكنهم التفكير فيها؛ فأن
انتهى؛ فالحاكم طرد رجال األمن الوطني من الوالية ،وألغى جميع نقاط التفتيش .أما النائب العام ،فأصدر أوامر بإلق==اء القبض
على ضباط تنفيذ القانون المتورطين في «االستجوابات تحت الضغط» والحبس السري .سيدخلون السجن ي==ا م==اركوس ،وك==ل
.لم يُح ِدث ما سمعته أي أثر في نفسي .سمعت الكلمات ،لكنها خلت من أي معنى تقريبًا .فبشكل ما ،انتهى األمر ولم ينت ِه
ً
قائلة« :انظر يا ماركوس ،أمامنا ساعة أو ساعتان تقريبًا قبل االنتهاء من كل ذلك ،وقبل أن يع==ودوا ويأخ==ذوك واصلت حديثها
مجد ًد ا .ما الذي تريد فعله؟ السير على الشاطئ؟ تناول الطعام؟ غرفة العاملين هنا مذهلة .لقد مررنا عليها في طريقنا إلى هن==ا،
».أخيرً ا سؤال أود اإلجابة عنه .قلت لها« :أريد العثور على آنج وداريل
•••
حاولت استخدام جهاز كمبيوتر كنت قد عثرت عليه للبحث عن أرقام زنزانتيهما =،لكنه كان بحاجة لكلمة مرور ،ومن ثم انتقلن==ا
للسير في األروقة ونحن نهتف باسميهما .وخلف أبواب الزنزان==ات ،أخ==ذ الس=جناء يص=رخون أو يبك=ون أو يتوس==لون إلين=ا لكي
نخرجهم .لم يدركوا بعد= ما حدث ،ولم يتمكن=وا من رؤي=ة حراس=هم الس=ابقين وق==د س=اقتهم ف=رق المه=ام الخاص=ة التابع==ة لوالي==ة
»!أخذت أهتف بصوت يعلو الضجيج« :آنج! آنج كارفيلي! داريل جلوفر! هذا أنا ماركوس
اجتزنا مجموعة الزنزانات بالكامل ،ولم يجب أحد .شعرت برغبة في البكاء .لقد رُحِّ ال إلى خارج البالد ،لعلهم==ا في س==وريا أو
.مكان أسوأ .لن أراهما ثانية ً
أبدا
جلست متك ًئا على حائط الرواق ،ووضعت ي==ديَّ على وجهي .رأيت وج==ه الس==يدة ذات الش==عر القص==ير وبس==متها المتكلف==ة وهي
تسألني عن كلمة المرور الخاصة بي .هي من فعلت ذلك .ستذهب إلى السجن ،لكن ذل==ك ليس كاف ًي==ا .ل==و رأيته==ا مج= ً
=ددا =،لربم==ا
»!قالت باربارا« :هيا! هيا يا ماركوس ،ال تستسلم ،ال يزال هناك الكثير من الزنزانات هنا ،هيا
كانت محقة؛ فجميع األبواب التي مررنا عليها قديمة وصدئة يعود تاريخه==ا للف==ترة ال==تي ُب==نيت فيه==ا القاع==دة أول م==رة .لكن في
نهاية الرواق ،كان هناك باب أمني حديث سميك مفت==وح بعض الش=يء .ج==ذبناه لنفتح==ه ،وغامرن=ا بال==دخول إلى ال=رواق المظلم
.بالداخل
كانت ال تزال هناك أربعة أبواب زنزانات أخرى ،وال تحمل رموز ب==اركود .ك==ل ب==اب علي==ه لوح==ة مف==اتيح إلكتروني==ة ص==غيرة
.معلقة عليه
!كان صوت آنج يهتف باسمي من وراء أقصى باب في الرواق .إنها آنج ،مالكي
»قرعت األبواب األخرى بعنف وأنا أصيح« :داريل ،داريل ،هل أنت هنا؟
».فسمعت صو ًتا ضعي ًفا أجشَّ ج ًّدا يقول« :أنا هنا … أنا آسف ،آسف بحق .أرجوك ،أنا آسف ج ًّدا
قلت وأنا أميل على باب زنزانته« :هذا أنا يا دي ،أنا ماركوس .لقد انتهى كل شيء؛ قبضت الش==رطة على الح==راس ،وط==ردوا
».رجال األمن الوطني من هنا .سنخضع للمحاكمات ،محاكمات علنية .وسنشهد ضدهم
حينذاك ،حضر رجال دورية كاليفورنيا إلى باب زنزانته .كانت كاميرا الفيديو ال تزال تصور م==ا يح=دث .ق=ال أح=دهم« :آنس==ة
.ستراتفورد؟» كان قناع وجهه مرفوعً ا ،وبدا كأي شرطي آخر جاء لحبسي وليس إنقاذي
فقالت باربارا« :كابتن سانشيز! لقد حددنا موقع اثنين من المساجين المهمين هن==ا .أرغب في إطالق س==راحهما والتحق==ق منهم==ا
».بنفسي
».أجابها« :لم نحصل بعد ،يا سيدتي ،على شفرات دخول هذه األبواب
فرفعت يدها ،وقالت« :لم يكن هذا ما اتفقنا عليه؛ لق==د اتفقن==ا على أن أتمكن من دخ==ول كاف==ة أرج=اء ه==ذا المك==ان ،وه==ذه أوام==ر
مباشرة من حاكم الوالية .لن نتزحزح من هنا إلى أن تفتح هاتين الزنزان==تين ».عال اله==دوء الت=ام وجهه==ا ،دون أي ت==وتر ،وق==د
».بدا الضابط بحاجة للنوم .قطب جبينه ،وقال« :سأرى ما يمكنني فعله
•••
أخيرً ا وبعد نص==ف س==اعة ،تمكن==وا من فتح الزنزان==ات .ح==اولوا ثالث م==رات ،لكنهم في النهاي==ة توص==لوا للش==فرات الص==حيحة،
وطابقوا بينها وبين شرائح تحدي==د الهوي==ة بالموج==ات الالس==لكية الموج==ودة على ش==ارات الهوي==ة ال==تي نزعوه==ا من على مالبس
كان بها سوى حشية واحدة فق==ط ،ولم يكن هن==اك س==رير أو ح==وض أو إض==اءة .خ==رجت تط==رف بعينيه==ا في ال==رواق ،وك==اميرا
الشرطة مسلطة عليها وضوؤها البراق يرتكز على وجهها .وقفت باربارا بيننا وبين الكاميرا لتحمينا منها .خرجت آنج م==ترددة
.من زنزانتها ،متثاقلة بعض الشيء في مشيتها .كان بعينيها ووجهها خطب ما .كانت تبكي ،لكن ليس هذا هو الخطب
محام
ٍ ».قالت« :لقد خدروني عندما لم أتوقف عن الصراخ في طلب
حينذاك احتضنتها .كانت ضعيفة ،لكنها بادلتني العناق .ف=احت منه=ا رائح==ة ب=ول وع=رق .لم أكن أفض=ل ح=ااًل منه=ا .لم أرد أن
كان قد مزق رداء المستشفى والت==ف ح==ول نفس==ه ع==اري الجس==د في نهاي==ة الزنزان==ة ،مح=اواًل حجب نفس==ه عن عدس==ة الك=اميرا
همس==ت في أذن==ه« :دي ،ه==ذا أن==ا م==اركوس .لق==د انتهى ك==ل ش==يء ،وأُلقي القبض على الح==راس .س==نخرج بكفال==ة ،ونع==ود إلى
».منازلنا
.ارتجف ،وأغلق عينيه بقوة ،وقال هامسً ا« :أنا آسف» ،ثم أشاح بوجهه ً
بعيدا
.أبعدني بعد= ذلك شرطي يرتدي در ًعا واقيًا ومعه باربارا ،وأعاداني إلى زنزانتي وأغلقا الباب ألقضي تلك الليلة فيها
•••
ال أتذكر الكثير عن ذهابي إلى قاعة المحكم==ة .كبَّلت==ني الش==رطة م==ع خمس==ة مس==اجين آخ==رين مض==ى على وج==ودهم جمي ًع= ا في
السجن مدة أطول مما قضيتها فيه .أحدهم فقط كان يتحدث العربية؛ كان رجاًل كبير السن ،وكان يرتعد =.أم==ا اآلخ==رون ،فك==انوا
جمي ًعا شبابًا .كنت الوحيد األبيض البشرة بينهم .وما إن تجمعنا على ظهر المعدية حتى الحظت أن جميع من في سجن جزي==رة
يمض على وجودي بذلك السجن سوى ليلة واحدة ،لكنها كانت طويلة للغاية .سقطت علين==ا بعض األض==واء ،ك==انت من ذل==ك
لم ِ
النوع الذي يجعلني أحني كتفي وأنظر إلى أسفل ،لكنني اليوم رفعت رأس=ي مث==ل الجمي=ع لل َّنظ=ر إلى الس==ماء الرمادي==ة مترامي==ة
نقلتنا الشرطة في حافالت كان من العسير الصعود إليها ونحن مكبلون باألصفاد ،فاستغرق صعود الجميع وق ًتا ط==وياًل .لم يهتم
أحد بذلك .لم نكن نحاول حل معضلة كيفية صعود ستة أشخاص مكبلين في سلسلة واحدة على ممشى حافلة ضيق ،وإنما ننظر
أر أ ًّي==ا منهم==ا .ك==ان الحش==د كب==يرً ا ،ولم يكن مس==موحً ا لن==ا ب==التحرك في==ه
لم يشغل بالي سوى العثور على داريل وآنج ،لكن==ني لم َ
بحرية .اتسم رجال شرطة الوالية بالرفق ،لكنهم كانوا مع ذلك ضخام البنية ويحملون الدروع واألسلحة .أخذت أتخي==ل رؤي==تي
لداريل وسط الجمع ،لكنه كان دومًا شخصً ا آخر له نفس هيئة األحدب المرهق التي بدا عليها داريل في زنزانته .لم يكن الوحيد
المدنية= على إفادتنا ،وطرحت علينا بضعة أسئلة — وعندما وصلت إليَّ ،ابتسمت في وجهي ووجهت لي التحية باالس==م — ثم
.قادتنا إلى قاعة المحكمة لنمثل أمام القاضي .كان القاضي يرتدي رداء القضاة المعروف ،وبدا في حالة مزاجية جيدة
كان من الجلي أن االتفاق الذي تم التوصل إليه هو أن ك َّل من كان لديه فرد في العائلة يمكنه دفع الكفال==ة ل==ه ،س=يُطلَق س==راحه،
في حين يُح َبس اآلخرون .تحدثت محامية االتحاد األمريكي للحريات المدنية= ط==وياًل م==ع القاض==ي ،وطلبت من==ه الس==ماح ببض==ع
ً
بعض=ا من ساعات ُتج َمع خاللها أسر السجناء لتحضر إلى قاعة المحكمة .تقبل القاضي األم==ر جي= ًدا ،لكن==ني عن==دما ت==ذكرت أن
أولئ==ك الس==جناء ك==انوا رهن االعتق==ال من==ذ تفج==ير الجس==ر ،واعت==برتهم أس==رهم في ع==داد الم==وتى ،دون محاكم==ة ،وتعرض==وا
عندما مثلت أمام القاضي ،نظر ألسفل نحوي وخلع نظارته .ب==دا مره ًق==ا ،وك==ذلك محامي==ة االتح==اد األم==ريكي للحري==ات المدني==ة
وحُجَّ اب المحكمة .سمعت خلفي همهمة مفاجئة عندما نطق الح==اجب باس==ميَّ .
دق القاض==ي بمطرقت==ه م==رة واح==دة دون أن يبع==د
قال« :ترى جهة االدعاء ،يا سيد يالو ،أنك قد تغادر البالد وتشكل خطرً ا على العدالة ،وأعتقد أن ل==ديهم ح ًّق==ا في ذل==ك؛ فمم==ا ال
ً
محجوزا لتخض==ع للمحاكم==ة ً
«تاريخا» أطول من باقي المتهمين هنا؛ ومن ثم ،فستظل شك فيه أن لديك ما يمكن أن نطلق عليه
أجبت=ه« :ك=انت ل=دي فرص=ة لله==رب .ك=ان ذل=ك األس=بوع الماض=ي عن==دما عرض=ت عليَّ فت=اة تهري==بي وإخ=راجي من المدين=ة
ومساعدتي في الحصول على هوية جديدة .لكنني سرقت هاتفها ،وهربت من الشاحنة .وس==لمت اله=اتف — ال==ذي احت=وى على
».دليل عن صديقي داريل جلوفر — إلى إحدى الصحفيات ،واختفيت هنا في المدينة
لقد قررت عدم الهروب ،وأن عليَّ مواجهة العدالة … قررت أن حريتي ال تساوي ش==ي ًئا إذا كنت رجاًل مطلو ًب==ا من العدال==ة«،
».أو كانت المدينة تحت سيطرة وزارة األمن الوطني وأصدقائي محتجزين .قررت أن حريتي ليست بقدر أهمية حرية البلد
».فأومأت برأسي ،وقلت« :نعم ،فعلت .عزمت على إعادته لصاحبته إن وجدتها
قال القاضي« :حس ًنا ،شكرً ا على هذه الخطبة ،سيد يالو .إنك لرجل مفوَّ ه ح ًّق=ا» ،ثم ح=دق في ممث==ل االدع=اء ،وواص=ل حديث==ه:
«وقد يراك البعض شجاعًا أي ً
ض ا للغاية .بثت األخبار هذا الصباح مقطع فيديو يوضح أنه كان لديك سبب مشروع لله==روب من
السلطات .وفي ضوء ذلك ،وحديثك اآلن ،سأسمح لك بالخروج بكفالة ،لكنني س=أطلب من ممث=ل االدع==اء إض=افة جنح==ة س=رقة
».بسيطة لحساب الكفالة بسبب سرقتك للهاتف .وبذلك ،أتوقع زيادة الكفالة بمبلغ ٥٠٠٠٠دوالر
َّ
.دق بمطرقته مرة أخرى ،وأمسكت المحامية بيدي بقوة
مجددا =،وارتدى نظارته .ظهر قشر شعره على كت َفي الرداء الذي كان يرتديه =،ونزل المزيد منه على نظارت=ه
ً نظر القاضي إليَّ
.عندما لمست شعره المتجعد
•••
استدرت ألغادر ،فأمسك بي شخص ما ،كان أبي .حملني — بكل ما تحمله الكلمة من مع==نى — وع==انقني بق==وة ح==تى ص==رَّ ت
ضلوع جسدي .عانقني كما كان يعانقني عندما كنت صب ًّيا صغيرً ا ،وي==دور بي في ألع==اب الط==يران الباعث==ة على القيء ،وال==تي
.دون أن تنطق بأية كلمة ،والدموع تغرق وجهها .ابتسمت وعال صوت بكائها ،ثم عانقتني هي أيضً ا ،وأحاطنا والدي بذراعيه
».فأجاب أبي بوجه متجهم« :سنذهب إليه اآلن .إنه ال …» ثم توقف ،واستطرد قائاًل بصوت مختنق« :إنهم يقولون إنه بخير
»ماذا عن آنج؟«
تفهمت ما حدث .فقد صرت متفهمًا م=ا تش=عر ب=ه أس=ر جمي=ع المحتج=زين .مأل المحكم=ة العن=اق وال=دموع ،وم=ا تمكن الحُجَّ اب
.أنفسهم من إيقافه
تحدثت إلى آنج ونحن في طريقنا إلى المستشفى حيث اح ُت ِجز داريل — كان مستشفى سان فرانسيس==كو الع==ام في نفس الش==ارع
الذي نحن فيه — واتفقت على مقابلتها بعد العشاء .تحدثت بهمس سريع؛ فوالدتها لم تقرر بعد= ما إذا كانت ستعاقبها أم ال ،لكن
ليسترقوا النظر من حول الضابطين ويلتقطوا الصور .برقت أضواء الكاميرات في عيوننا ،فهززت رأسي للتخلص منها .ك==ان
والداي قد أحضرا لي مالبس نظيفة ارتديتها في المقعد الخلفي بالس==يارة ،لكن==ني ش==عرت باالش==مئزاز من نفس==ي ،ح==تى بع==د أن
نادى بعض الصحفيين عليَّ ؛ فقد صرت مشهورً ا اآلن ،ونظر إليَّ ضابطا الوالية أيضً ا ،إما ألنهما تعرفا على وجهي أو لهتاف
.الصحفيين باسمي
قابلنا والد داريل عند باب غرفته بالمستشفى وهو يتح=دث بص=وت ه=امس تع=ذر على الص=حفيين س=ماعه .ك=ان يرت=دي مالبس
.مدنية =:بنطال جينز وسترة اعتدت رؤيته بهما ،لكن ظلت أوسمة خدمته معلقة على صدره
».قال« :إنه نائم ،استيقظ منذ فترة بسيطة وبدأ يبكي ،ولم يستطع التوقف؛ فأعطاه األطباء دوا ًء لمساعدته على النوم
ً
وممشطا ،وينام وفمه مفتوح .كانت هن==اك م==ادة بيض==اء عن==د ج==انبي تقدمنا إلى داخل الغرفة حيث كان داريل .كان شعره نظي ًفا
فمه .رقد معه في الغرفة ذاتها رجل أكبر س ًّنا ذو مالمح عربية في األربعين من عمره .أدركت بعد ذلك أنه الرج==ل ال==ذي ك==ان
ً
.مقيدا معي عند رحيلنا من جزيرة «تريجر آيالند» .لوح ك ٌّل منا لآلخر بخجل
تحولت بعد ذلك إلى داريل ،وأمسكت بيده .كانت أظافره مقضومة عن آخرها .كان يحب قضم أظافره عن==دما ك==ان طفاًل ،لكن==ه
أقلع عن ذلك عند دخولنا المدرسة الثانوية .أعتقد أن فان هي من جعلته يتوقف عن هذه العادة بأن أخبرته أن وض==عه ألص==ابعه
سمعت والديَّ ووالد داريل يبتعدون= عنا ويغلقون الستائر من حولنا .وضعت رأسي بجوار رأسه على الوسادة .ك==انت ل==ه لحي==ة
غط في نومه قلياًل ،وكدت أقول له« :أحبك!» وهي العبارة التي لم أنطق بها إال لشخص واح==د ليس من أف==راد العائل==ة ،عب==ارة
!كان من الغريب قولها لشاب مثلي .وفي النهاية ،ما كان مني إال أن أمسكت يده األخرى وضغطت عليها .داريل المسكين
خاتمة
أهدي هذا الفصل إلى منافذ بيع الكتب َهدسن بوكسِ لرز التي تنتشر تقريبًا في كافة مطارات الواليات المتحدة .أغلب هذه المنافذ
ال تعرض سوى عدد قليل من الكتب (وإن كانت في الغالب متنوعة على نحو مدهش) .لكن المنافذ الكبيرة منها — مثل المنف==ذ
الموجود بمطار أوهير بشيكاجو — ال تقل جودة عن أي متجر كتب بأي حي .إن لديها قدرة هائلة على إضفاء ط=ابع شخص=ي
على أي مطار ،وقد أنقذ منف==ذ َهدس==ن عقلي في أك==ثر من م==رة ت==وقفت فيه==ا لف==ترة طويل==ة في مط==ارات ش==يكاجو أثن==اء رحالت
***
اتصلت بي بارب=ارا في المكتب في عطل=ة نهاي=ة أس=بوع الراب=ع من يولي=و .لم أكن الوحي=د ال=ذي ذهبت للعم=ل في عطل=ة نهاي=ة
أسبوع عيد االستقالل ،لكنني الوحيد الذي كان عذره هو أن برنامج إطالق السراح المشروط الخاص بي ال يسمح لي بمغ==ادرة
.المدينة
لقد أدانوني ،في النهاية ،بسرقة هاتف ماشا .أمر ال يصدقه عقل! عقدت جهة االدعاء اتفا ًق==ا م==ع المحامي==ة الخاص==ة بي إلس==قاط
كافة التهم الموجه==ة إليَّ والمتعلق==ة بك= ٍّل من «اإلره==اب اإللك==تروني» و«إث==ارة الش==غب» في مقاب==ل أن أع==ترف بجنح==ة س==رقة
بسيطة .و ُحكِم عليَّ بثالثة= أشهر في برنامج إطالق سراح مشروط مع اإلقامة منتصف اليوم في دار لتأهي==ل األح==داث الم==ذنبين=
في حي ميشن ،فكنت أنام في تلك الدار حيث أتشارك المهجع مع مجموعة من المجرمين الحقيقيين ،وأفراد العصابات وم=دمني
».المخدرات ،وبعض المجانين بحق .أما فترة النهار ،فكانت لي «الحرية» في الخروج والذهاب إلى «العمل
» َمن؟«
جونستون ،كاري جونستون .برَّ أت المحكمة العس==كرية في جلس==اتها الس==رية س==احتها من أي ُج==رم ،وأُغلِ==ق المل==ف ،وس==تعود«
كاري جونستون هو اسم السيدة ذات الشعر القصيرُ .كشِ ف عن ذلك االسم في جلسات االس==تماع التمهيدي =ة= بمحكم==ة كاليفورني==ا
العليا ،لكن ذلك هو كل ما ُكشِ ف عنها؛ فلم تنطق بكلمة عمن كانت تتلقى منهم األوامر ،وما فعلته ،ومن ُس= ِجن ،ولم=اذا .فك=انت
أما المسئولون الفيدراليون ،فقد علت أصواتهم المعارضة المتذمرة لغلق الحاكم «غير القانوني وأحادي الجانب» لسجن جزيرة
«تريجر آيالند» =،وإجالء المحافظ لضباط الشرطة الفيدرالية من سان فرانسيسكو .انتهى الحال بالكثير من ه==ؤالء الض==باط في
وفي أحد األيام ،لم يصدر أي بيان عن البيت األبيض ،أو حكومة الوالية .وفي اليوم التالي ،انعقد مؤتمر صحفي مشترك ش==ا َب ُه
».التوتر والتحفظ أمام مقر الحاكم؛ حيث أعلن الحاكم ووزير األمن الوطني عن توصلهما «لتفهم مشترك
كانت وزارة األمن الوطني ستعقد محاكمة عسكرية سرية الجلس=ات للتحقي==ق في «أخط==اء التق==دير المحتمل==ة» ال==تي وقعت بع==د
الهجوم على جسر باي .ومن شأن المحكمة استخدام كل أداة متاح==ة ل==ديها لض==مان العق==اب المناس==ب لك==ل عم==ل إج==رامي .وفي
المقابل ،سيتناول مجلس الشيوخ بالوالية التحكم في عمليات وزارة األمن الوط=ني في كاليفورني=ا ،بحيث يك=ون للمجلس الق=درة
.على وقف كل تلك العمليات في الوالية ،والتفتيش عليها ،وإعادة تحديد= أولوياتها
علت أصوات الصحفيين بشدة ،وطرحت باربارا السؤال األول« :سيدي الحاكم ،مع كامل احترامي لك ،لدينا مقطع فيديو غ==ير
قابل للجدل يوضح أن ماركوس يالو — أحد مواطني هذه الوالي==ة ،والمول==ود على أرض==ها — ق==د تع==رض إلع==دام زائ==ف من
جانب ضباط وزارة األمن الوطني ،الذين يعملون كما هو واضح بناء على أوامر من ال==بيت األبيض .ه==ل ت==رغب الوالي==ة ح ًّق=ا
.في التخلي عن أي ادعاء بالعدالة لمواطنيها في مجابهة التعذيب الهمجي غير القانوني؟» ارتعش صوتها ،لكنه ظل واضحً ا
بسط الحاكم يديه ،وقال« :ستحقق المحاكم العسكرية العدالة .إذا أراد السيد يالو — أو أي شخص آخر لديه سبب إلدانة وزارة
األمن الوطني — مزي ًد ا من العدالة ،فلديه الحق بالطبع في اللجوء للقضاء إلقامة دعوى — فيما يتعلق باألض==رار ال==تي لحقت
وهذا ما فعلتهُ .رفِع ما يزيد عن عشرين ألف قضية مدني==ة ض==د وزارة األمن الوط==ني في األس=بوع ال=ذي تال تص==ريح الح=اكم.
تولى قضيتي االتحاد األمريكي للحريات المدنية= الذي قدم طلبات لالطالع على نتائج المحاكمات العسكرية السرية .وحتى ذل==ك
لم يكشف البيان الصحفي عن الكثير« :بعد تقصٍّ دقيق لألحداث التي وقعت في سان فرانسيس=كو ،ومرك=ز االعتق=ال الخ=اص«
بمكافحة اإلرهاب بجزيرة «تريجر آيالن=د» ،توص=لت المحكم=ة إلى أن أفع=ال الس=يدة جونس=تون ال تقتض=ي أي إج=راء ت=أديبي
»!آخر ».تضمن البيان كلمة «آخر» كما لو كانوا قد أنزلوا بها عقوبة بالفعل
ماذا؟! لقد حلمت بكاري جونستون كل ليلة منذ إطالق س==راحي من جوانتان==امو الخليج .رأيت وجهه==ا أم==امي ،وتل==ك االبتس==امة
ال بأس ،ال بأس .سأسجل مقطع فيديو عن ذلك ،وسأنشره في عطلة نهاية األسبوع .يشاهد الجميع مقاطع الفيديو أيام اإلث==نين؛«
».فالجميع عائدون من إجازات نهاية األسبوع يبحثون عن شيء مس ٍّل يتداولونه بأنحاء المدرسة أو المكتب
كنت أتردد على طبيب نفسي مرتين في األسبوع كجزء من برنامجي في دار التأهيل ،وعندما توقفت عن اعتبار ذلك نوعا من
العقاب ،بدأت أشعر بأنه أمر جيد .لقد ساعدني ذلك الطبيب في التركيز على األشياء الب َّناءة عند غضبي ،بداًل من تركه يسيطر
األخبار؛ إذ كانت تحصل عليها من أداة استعراض أخبار توفر األخبار متى ظهرت على الشبكة .ك==انت المدوِّ ن==ة الرس==مية لن==ا،
.وقد برعت في ذلك؛ إذ كانت تختار القصص المثيرة ،وترفعها على اإلنترنت كما لو كانت طاهية تقدم طلبات الفطور سريعً ا
اس==تدرت بين ذراعيه==ا ألواجهه==ا وأعانقه==ا .الحقيق==ة أنن==ا لم يكن ل==دينا الكث==ير من العم==ل في ذل==ك الي==وم ،ولم يكن مس==موحً ا لي
أيض=ا زي==ارتي هن==اك .كن==ا نلتقي في المكتب ،لكن ع==اد ًة م==ا يك==ون
بالخروج من دار التأهيل بعد موعد العشاء ،وال يمكنه==ا هي ً
حولنا الكثير من الناس ،األمر الذي وضع عقبات أمام عناقنا ،ووجودنا وحدنا في المكتب كان فيه إغ==واء كب==ير ،فحم==ل الكث==ير
قرأت آنج البيان الصحفي .ووضعت حوارً ا بصوتي بالتزامن مع التصوير الشهير لي في مكان التعذيب بالغمر بالماء ،وعيناي
.غاضبتان في إضاءة الكاميرا المزعجة ،والدموع تتدفق على وجهي ،وشعري يلوثه ويجدله القيء
أضفت بعد ذلك مقطع الفيديو الذي تظهر فيه جونستون وكيرت روني« :هذه جونس==تون وك==يرت روني ،الخب==ير االس==تراتيجي
إن الشعب ال يحب هذه المدينة؛= فهي في نظره مث==ل م==دن المثل==يين والملح==دين ال==ذين يس==تحقون الهالك في ن==ار جهنم .الس==بب«
».الوحيد الهتمامه بسان فرانسيسكو هو أنها قد حالفها الحظ في هجوم اإلرهابيين اإلسالميين عليها
إنه يتحدث عن المدينة= التي أعيش فيها .وف ًقا آلخر اإلحصائيات ،لقي ٤٢١٥من ج==يراني مص==رعهم في الي==وم ال==ذي يتح==دث «
عنه .لكن بعضهم ربما لم يلقوا مصرعهم ،وإنما اختفوا في السجن ذاته ال==ذي تعرض==ت في==ه للتع==ذيب .بعض اآلب==اء واألمه==ات
ً
ثانية؛ وذلك ألنهم قد اع ُتقِلوا في س==جن غ==ير ق==انوني هن==ا في خليج س==ان واألطفال والمحبين واإلخوة واألخوات لن يروا ذويهم
فرانسيسكو .لقد نقلتهم السفن إلى الخارج .السجالت دقيقة ،لكن كاري جونستون لديها مفاتيح التشفير ».عدت إلى فيديو= ك==اري
أضفت بعد ذلك فيديو جونستون أثناء إلقاء القبض عليها« .عندما ألقوا القبض عليها ،ظننت أن العدالة ستتحقق لكل من أهانتهم
وأخفتهم من على خريطة الوجود .لكن الرئيس …» وأوقفت الفيديو على صورة ثابت==ة لل==رئيس وه=و يض=حك ويلعب الجول=ف
في إحدى إجازاته العديدة «… وخبيره االستراتيجي األول …» واآلن صورة ثابتة ل==روني وه==و يص==افح قائ= ًدا إرهاب ًّي==ا س==يئ
السمعة كان دومًا في «صفنا» «… َّ
تدخال .لقد أرسالها إلى محكمة عسكرية س==رية ،وق==د ب==رَّ أت اآلن تل==ك المحكم==ة س==احتها.
ر َّكبت بالفي=ديو المئ=ات من اللقط=ات للس=جناء في زنزان=اتهم ال=تي نش=رتها بارب=ارا على موق=ع ص=حيفة «ب=اي جاردي=ان» ي=وم
تحريرنا« .نحن من انتخبنا هؤالء ،ونحن من يدفع لهم رواتبهم .من المفترض أن يكونوا في ص==فنا .من المف==ترض أن ي==دافعوا
عن حرياتنا .لكنهم …» ثم سلسلة من اللقطات لجونس==تون واآلخ=رين ال==ذين قُ= ِّدموا للمحاكم==ة «… خ=انوا ثقتن==ا .لم يتب= َّ
=ق على
موعد االنتخابات سوى أربعة أش==هر ،وه==ذه ف==ترة طويل=ة تكفي ألن تخرج==وا من بي=وتكم وتبحث==وا عن خمس=ة من ج==يرانكم …
.خمسة أشخاص قرروا التخلي عن حقهم في اإلدالء بأصواتهم ألن جميع المرشحين المتاحين أمامهم ال يروقون لهم
تحدثوا إلى جيرانكم .اجعلوهم يعدونكم بالتصويت .اجعلوهم يع==دونكم باس==ترداد البالد من المع= ِّ=ذبين والس==فاحين … من ه==ؤالء
».الذين سخروا من أصدقائي ودماؤهم لم تجف بعد في قاع الميناء .لِيعِدوكم بالتحدث إلى جيرانهم
.أغلبنا ال يريد أ ًّيا من هؤالء المرشحين .وهذا لن يجدي نف ًعا .يجب أن تختاروا … اختاروا الحرية«
اسمي ماركوس يالو .وقد تعرضت للتعذيب من قبل بالدي ،لكنني ال أزال أحبها .أبلغ من العمر س==بعة عش==ر عا ًم==ا ،وأري==د أن
جعلت الصورة تتالشى تدريج ًّيا وصواًل إلى شعار الموقع اإللكتروني ،صممته آنج بمساعدة من خولو الذي قدم لنا كل خ==دمات
كان المكتب مكا ًنا مثيرً ا لالهتمام .ع ُِرفنا ،من الناحية النظرية ،باسم «ائتالف المصوتين لتحري==ر أمريك==ا» ،لكن الجمي==ع أطل==ق
علينا اسم «مستخدمو شبكة إكس نت» .تأسست المنظمة — الخيرية غير الهادفة لل==ربح — بالتع==اون بين بارب==ارا وبعض من
أصدقائها المحامين بعد تحرير جزيرة «تريجر آيالند» مباشر ًة .قُ= ِّدم التموي=ل من بعض المليون==يرات ال=ذين يعمل==ون في مج=ال
التكنولوجيا ولم يمكنهم التصديق أن مجموعة من الفتيان ممارسي القرصنة قد تغلبوا على وزارة األمن الوطني .طلبوا من==ا في
بعض األحيان الذهاب إلى طريق ساند هيل؛ حيث يوجد جميع مستثمري رأس المال المخاطر ،وتقديم عرض قصير عن تقني==ة
.شبكة إكس نت .وكان هناك أعداد مهولة من المستثمرين المبتدئين= الذين يحاولون جني المال على شبكة إكس نت
أ ًّيا كان ما يحدث … لم تكن لي عالقة ب=ه .لق=د أص==بح ل=دي مكتب بواجه=ة تط=ل على الطري==ق بش=ارع فالينس=يا؛ حيث وزعن=ا
أقراص «بارانويد إكس بوكس» المضغوطة ،وأقمنا ورش عمل حول تصميم أجهزة هوائي واي فاي أك==ثر كف==اءة .وق==د تواف==د
علينا عدد مذهل من الناس العاديين= لتقديم التبرعات التي تمثلت إما في أم=وال نقدي=ة أو أجه=زة (يمكن تش=غيل نظ=ام «بارانوي=د
.لينكس» على أية أجهزة ،وليس فقط «إكس بوكس يونيفرسال») .لقد أحبونا
تمثلت خطتنا الكبرى في طرح لعبة «الواقع البديل» الخاصة بنا في سبتمبر؛ أي في وقت االنتخابات بالضبط ،وربطه==ا بحش==د
الناخبين وإرشادهم إلى صناديق االقتراع .فلم يصوِّ ت في اقتراع=ات االنتخاب=ات األخ=يرة س=وى ٤٢في المائ=ة من األمريك=يين=
فقط؛ أي إن األغلبية العظمى لغير المصوتين .حاولت كثيرً ا دعوة داريل وفان إلى إحدى جلسات التخطيط التي أقمناها ،لكنهما
استمرَّ ا في رفض الدعوة .كانا يقضيان وق ًتا طوياًل معً ا ،وأصرَّ ت فان على أن األمر ال عالقة ل==ه ب==العواطف على اإلطالق .لم
يعد داريل يتحدث معي كثيرً ا ،وإن كان يرسل إليَّ رسائل بريد إلكتروني طويلة عن أي شيء ال عالقة له باإلرهاب أو السجن
.أو فان
»!ضغطت آنج على يدي ،وقالت« :يا إلهي! كم أكره هذه المرأة
فأومأت برأسي ،وقلت لها« :إنها إحدى الجرائم التي ترتكبها هذه البالد في ح==ق الع==راق .إذا أرس==لوا تل==ك الم==رأة إلى م==دينتي،
».نعم ،بالفعل«
بالتأكيد!» كنت قد قدمت آنج للسيدة جالفيس قبل ذلك الوقت بأسبوعين ،وذلك عندما دعتني السيدة جالفيس على العشاء .وأعد«
اتحاد المعلمين جلسة استماع لها أمام مجلس قطاع المدارس الموحدة لتعود إلى وظيفتها القديمة .وق==د قِي==ل إن فري==د بينس==ان ق==د
ً
ثانية .قطع تقاعده (المبكر) ليشهد ضدها .كنت أتطلع لرؤيتها
».فأجابت« :بالتأكيد
تحققت من بريدي اإللكتروني مرة أخرى؛ بريد حزب القراصنة الخاص بي ،والذي ال أزال أستقبل عليه عد ًدا من الرسائل من
.مستخدمين سابقين لشبكة إكس نت لم يعثروا بعد على عنواني الخاص بائتالف المصوتين
.كانت الرسالة األخيرة من عنوان بريد إلكتروني مؤقت من أحد البرامج البرازيلية الجديدة المضادة للتتبع
ضحكت ،وأجبتها« :زيب .هل تتذكرينه؟ أعطيته عنوان بريد ماشا اإللكتروني .فكرت في أنه بما أن االثنين متخفيان ،يمكن==ني
»وأنت؟«
»أنا؟«
.قبَّلتني حينذاك ،وقبَّلتها .ومر بعض الوقت قبل أن نخرج لتناول البوريتو
كلمة أخيرة بقلم بروس شناير
.أعمل خبيرً ا تكنولوج ًّيا في مجال األمن؛ وظيفتي هي تأمين الناس
أنظر في األنظمة األمنية وكيفية اختراقها ،ثم كيفية جعلها أكثر أم ًنا ،ويشمل ذلك أنظمة الكم==بيوتر األمني==ة ،وأنظم==ة المراقب==ة،
.وأنظمة الطائرات األمنية ،وأنظمة التصويت اإللكتروني ،وشرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات الالسلكية وما إلى ذلك
وقد دعاني كوري دوكتورو لكتابة كلمة أخيرة لهذه الرواي=ة؛ ألن=ه أرادني أن أُطلِ=ع قُ=رَّ اءه على كم المتع=ة ال=تي تنط=وي عليه=ا
فكرة التأمين .إنه أمر ممتع على نحو مذهل ،أشبه بمطاردات القط والفأر؛ من سيتفوق على من ،الصياد أم الطريدة .أعتقد أن==ه
أكثر األعمال متعة على اإلطالق .فإذا أمتعتك مغامرة ماركوس في خداع كاميرات التع==رف على المش==ية بوض==ع الحص==ى في
.حذائه ،ففكر في كم المتعة التي قد تشعر بها إذا كنت أول من يفكر في هذه الخدعة على اإلطالق
والعمل في مجال األمن يعني اإللمام بالكثير عن التكنولوجيا ،وقد يعني المعرف==ة ب==الكمبيوتر والش==بكات ،أو الك==اميرات وكيفي==ة
عملها ،أو كيمياء الكشف عن القنابل .لكن األمن في حقيقة األمر هو أسلوب تفكير ،وماركوس خير مث==ال على ه==ذا األس==لوب؛
فهو دو ًم ا يبحث كيف يمكن لنظام أمني أن يفشل في أداء عمله .وأراهن على أن==ه ال يمكن أن ي==دخل أي متج==ر دون أن يح==اول
الكشف عن وسيلة لسرقة المعروضات فيه .ليس ألنه سيفعل ذلك — فثمة ف==ارق بين معرف==ة كيفي==ة االحتي==ال على نظ==ام أم==ني
.واالحتيال عليه بالفعل — ولكن من أجل التأكد أنه يعلم كيف يفعل ذلك
.هكذا يفكر العاملون في مجال األمن .فنحن ننظر دومًا في أنظمة األمن وكيفية التحايل عليها؛ وال يسعنا التوقف عن ذلك
ومن المهم التفكير على هذا النحو بغض النظر عن الجانب الذي تقف في==ه من العملي==ة األمني==ة .ف=إذا ع ُِه==د إلي==ك بمهم==ة تص==ميم
متجر مؤمَّن ضد السرقة ،يجدر بك اإللمام بكيفية القي=ام به=ذا الن=وع من الس=رقة .وإذا كنت تص=مم نظ=ام ك=اميرات يكش=ف عن
مشية األفراد ،يجدر بك الوضع في االعتبار وضع األفراد للحصى في أح==ذيتهم؛ وذل==ك ألن==ك إن لم تفع==ل ،فلن تص==مم ش==ي ًئا ذا
.نفع
ومن ثم ،أثناء تجولك في أي مكان ،خصص لحظات للتحقق من النظم األمني==ة من حول==ك .انظ==ر إلى الك=اميرات الموج=ودة في
المتاجر التي تتسوق فيها (واسأل نفسك :هل تحول دون وقوع الجرائم ح ًّقا؟ أو أنها تنقلها فقط للمتاجر المجاورة؟) الحظ كيفي==ة
سير العمل في أحد المطاعم (فإذا كنت تدفع ثمن ما تأكله بعد تناول==ه ،فلم==اذا ال يغ==ادر الن==اس المطعم دون دف==ع ثمن طع=امهم؟)
الحظ أمن المطارات (كيف يمكنك= إدخال س=الح إلى ط=ائرة م==ا؟) راقب م=ا يفعل==ه الص==راف في البن==ك (فنظ==ام البن==وك األم==ني
مصمم لمنع الصرافين من السرقة بالقدر نفسه الذي يمنع=ك= ب=ه من فع=ل ذل=ك) .حمل=ق في ك=ثيب النم=ل (إن األم==ر كل=ه متعل=ق
باألمن) .اقرأ الدستور ،والحظ كافة السبل التي يؤمن من خاللها الناس من الحكومة .الح==ظ إش==ارات الم==رور وأقف==ال األب==واب
وجميع النظم األمنية على شاشة التليفزيون واألفالم .توصل إلى كيفية عمله==ا ،والتهدي==دات ال==تي تس=اعد ه==ذه النظم في حمايتن==ا
.منها وتلك التي ال تساعد في حمايتنا منها ،وكيف تفشل في عملها وكيف يمكن استغاللها
اقض ما يكفي من الوقت لفعل ذلك ،وستجد نظرتك للعالم قد اختلفت .س==تبدأ في مالحظ==ة أن الكث==ير من النظم األمني==ة ال تفع==ل
ِ
ح ًّقا ما من المفترض أن تفعله ،وأن الكثير من نظم أمننا الوطني ي َُعد إهدارً ا للم=ال ،وس=وف ت=درك أن الخصوص=ية على الق=در
نفسه من األهمية كاألمن ،وليست مناقضة له ،وستتوقف عن القل=ق بش=أن األش=ياء ال=تي تقل=ق اآلخ=رين ،وتب=دأ في القل=ق بش=أن
وفي بعض األحيان ،ستالحظ شي ًئا بشأن األمن لم يفكر فيه أحد من قبل مطل ًقا ،وربما ستكتش==ف طريق==ة جدي==دة الخ==تراق نظ==ام
.أمني
.فالتصيد االحتيالي لم يتوصل إليه أحد إال منذ بضعة أعوام فقط
هذا ويذهلني عاد ًة مدى سهولة اختراق بعض النظم األمنية الشهيرة ،وهناك العديد= من األسباب وراء ذلك ،لكن أهمه==ا ه==و أن==ه
من المستحيل إثبات أن شي ًئا ما آمن .كل ما يمكنك فعله هو محاولة اختراقه ،وإن فشلت ،فستعلم أنه آمن بما فيه الكفاي==ة لمنع==ك
من اختراقه ،لكن ماذا إذا كان هناك شخص ما يفوقك ذكاءً؟ يمكن ألي ش==خص تص==ميم نظ==ام أم==ني م==نيع لدرج==ة أن==ه نفس==ه ال
.يمكنه خرقه
لتستغرق دقيقة للتفكير في هذا األمر ،فهو ليس واضحً ا .ليس هناك أحد مؤهل لتحليل ما يص==ممه من نظم أمني==ة بنفس==ه؛ إذ إن==ه
بذلك سيكون المصمم والمحلل شخصًا واح ًدا يعاني من أوجه القصور نفسها؛ ومن ثم ،يجب أن يكون من يحل==ل النظ==ام األم==ني
صا آخر؛ ألنه يجب أن يكون مؤ َّم ًنا من أمور ال ترد على ذهن المصمم
.شخ ً
وذلك يعني أننا جمي ًعا علينا تحليل النظم األمنية التي يصممها آخ==رون .وم==ا يث==ير الدهش==ة غال ًب==ا أن هن==اك دو ًم==ا من يتمكن= من
خرق هذه النظم .فما فعل=ه م=اركوس ليس بعي=د= المن=ال؛ فه=و يح=دث دومً=ا .م=ا علي=ك إال ال=دخول على اإلن=ترنت ،والبحث عن
«مفتاح يفتح كل األقفال» أو «فتح قفل كريبتونايت بقلم بيك»؛ وستجد عد ًدا من القصص المث==يرة للغاي==ة عن نظم أمني==ة منيع==ة
عندما يحدث ذلك ،اح==رص على نش==ره على اإلن==ترنت؛ فالس==رية واألمن ليس==ا م==ترادفين =،وإن كان==ا ك==ذلك في الظ==اهر .النظ==ام
.األمني السيئ فقط هو الذي يعتمد= على السرية ،أما النظام األمني الجيد ،فيعمل حتى وإن كانت جميع تفاصيله معل ًنا عنها
اشتريت قفل كريبتونايت لدراجة وكان من الممكن التغلب عليه بقلم بيك =،فأنت بذلك ال تكون قد حصلت على وسيلة أمنية جيدة
مقابل ما دفعت==ه من م==ال .وبالمث==ل ،إذا ك==ان بإمك==ان مجموع==ة من الفتي==ة األذكي==اء التغلب على تقني==ات مكافح==ة اإلره=اب ال==تي
.تستخدمها وزارة األمن الوطني ،فلن تؤدي بذلك مهمتها على أفضل نحو في التصدي لإلرهابيين الحقيقيين
.من الغباء التضحية بالخصوصية من أجل األمن ،واألكثر غبا ًء أال يفضي ذلك إلى توفير أمن فعلي
!لتغلق هذا الكتاب إذن وتنطلق؛ العالم مليء بالنظم األمنية =.لتخترق أحدها
بروس شناير
http://www.schneier.com
كلمة أخيرة بقلم آندرو «باني» هوانج ،أحد مخترقي نظام إكس بوكس
قراصنة الكمبيوتر مستكشفون … رواد رقميون ،تج=ري في دم=ائهم نزع=ة التش=كيك فيم=ا ه=و متع=ارف علي=ه ،وتث=يرهم دومً=ا
المشكالت المعقدة .وأي نظام معقد هو بمثابة تسلية ممتعة في نظر أي قرصان؛ ومن اآلث==ار الجانبي==ة ل==ذلك انج==ذابهم الط==بيعي
للمشكالت المتعلقة باألمن .والمجتمع نظ==ام كب==ير معق==د ،وه==و بالتأكي==د عرض==ة للقرص==نة؛ ومن ثم ،ص==ارت الص==ورة الش==ائعة
لقراصنة الكمبيوتر هي :المحطمون للمعتقدات التقليدية= وغير المنسجمين اجتماع ًّيا ،فهم َمن ي َت َحدَّون األعراف االجتماعية بغي==ة
التحدي ذاته .عندما اخترقت نظام إكس بوكس في عام ٢٠٠٢أثناء دراستي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ،لم يكن هدفي
حافزا طبيع ًّيا بداخلي ،وهو الحافز ذاته الذي يدفع إلص==الح جه==از «آي ب==ود»
ً هو التمرد أو إحداث أي ضرر ،وإنما كنت أتبع
ولألسف ،فإن الجمع بين عدم االمتثال لألعراف االجتماعية ومعرفة أمور «خطيرة» مثل كيفي==ة ق==راءة ش==رائح تحدي=د= الهوي==ة
بالموجات الالسلكية الموجودة على بطاقة االئتمان أو كيفية اختيار األقفال؛ ق=د يجع=ل الن==اس يخ=افون قراص==نة الكم=بيوتر =.لكن
الدوافع وراء ما يفعله أي قرصان بسيطة تمامًا مثل ما يدفع المرء ألن يكون مهندسً ا ،وهو أن==ه يحب تص==ميم األش==ياء .يس==ألني
الناس عاد ًة« :لماذا اخترقت نظام إكس بوكس األمني؟» وإجابتي بسيطة؛ أواًل :ألنني مالك ما أشتريه .وإذا أملى عليَّ أح==د م==ا
يمكنني وال يمكنني فعله فيما لدي من أجهزة ،فأنا إذن ال أملكها .وثانيًا :ألن ذلك متاح أم==امي … نظ==ام على الق==در الك==افي من
التعقيد ليمثل اختراقه تسلية جيدة بالنسبة لي .فألهاني كثيرً ا عن الليالي التي كنت أسهر فيها لتحضير رسالة ال==دكتوراه الخاص==ة
.بي
وقد كنت سعيد الحظ؛ فكوني طالبًا بالدراسات العليا بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عند اختراقي لنظام إكس بوكس ،أجاز ما
فعلته في نظر من لهم الحق في االهتمام بذلك .لكن الحق في القرصنة يجب أال يقتصر على األكاديميين= فق==ط .لق==د ب==دأت عملي
بالقرصنة منذ كنت صب ًّيا صغيرً ا في المدرس=ة االبتدائي=ة؛= إذ كنت أفك=ك أي جه=از إلك=تروني تص=ل إلي=ه ي=داي ،وك=ان وال=داي
يتحمالن تكلفة كل ذلك .واشتملت الكتب التي قرأتها على كتب حول تصميم نماذج الصواريخ ،وصناعة المتفج==رات واألس==لحة
النووية والمدفعية ،وهي الكتب التي كنت أستعيرها من مكتبة المدرسة (أظن أن الحرب الباردة قد َّأثرت على اختي==ارات الكتب
في المدارس الحكومية) .وقد أدخلت كذلك تعديالت على عدد من األلعاب النارية ،وتج==ولت في مواق==ع بن==اء المن==ازل في الحي
الذي كنت أسكن به في وسط غرب أمريكا .ورغم أنه لم تكن من الحكمة فعل هذه األمور ،فقد ك==انت تج==ارب مهم==ة في رحل==ة
أما ما نشهده حال ًّيا من أحداث ،فال يبشر القراصنة الطموحين ب==أي خ==ير .وق==د أوض==حت رواي==ة «األخ األص==غر» م==ا يمكن أن
نصل إليه في ظل هذه األوضاع الراهنة من عالم يختفي فيه التسامح االجتماعي كلي= ً
=ة م==ع األفك==ار الجدي==دة والمختلف==ة .ويعكس
حادث وقع مؤخرً ا كم اقتربنا من دخول عالم «األخ األصغر» .لقد ح==الفني الح==ظ ب==أن ق==رأت مس==ودة مبك==رة له==ذه الرواي==ة في
نوفمبر .٢٠٠٦وبعد شهرين من ذلك التاريخ — أي في يناير — ٢٠٠٧اشتبهت شرطة بوسطن في أجهزة تفجيرية وأغلقت
المدينة= لمدة يوم ،واتضح بعد ذلك أن هذه األجهزة لم تكن سوى لوحات دوائر إلكتروني=ة به=ا مص=ابيح ص=مامات ثنائي=ة باعث=ة
للضوء ُت ستخ َدم للترويج ألحد البرامج على شبكة «كارتون نتورك» .والفنانون الذين وضعوا هذا الجرافيتي لل=ترويج للبرن=امج
قُ ِبض عليهم باعتبارهم إرهابيين مشتبهًا بهم ،وأُدينوا في النهاية بجناية؛ وكان على منتجي الشبكة دفع ملي==وني دوالر كتس==وية،
الكمبيوتر ومحطمي التقاليد ،وربما مجموعة متواضعة من الشباب يمارسون لعبة «هاراجوكو فان مادنس»؛ إرهابيين؟
ثمة مصطلح لوصف هذا االختالل الوظيفي؛ أال وهو مرض المناعة الذاتية ،وفيه يزيد جهد النظام الدفاعي للجسم حتى يص==بح
غير قادر على التع=رف على نفس=ه ويه=اجم خالي=اه ،وفي النهاي=ة ي=دمر نفس=ه ذات ًّي=ا .وأمريك=ا اآلن على ش=فا اإلص=ابة بص=دمة
حساسية مفرطة فيما يتعلق بحرياتها ،ونحن بحاجة لوقاية أنفسنا من ذلك .والتكنولوجيا ال تشفي من جنون االرتياب هذا ،وإنما
في الواقع تزيده؛ إذ تحولنا إلى سجناء له .وإجبار الماليين على خلع مالبسهم الخارجية والسير حف=اة ع=بر أجه==زة الكش==ف عن
المعادن كل يوم ليس بحل أيضً ا ،وال يفيد ذلك إال في تذكير الناس كل يوم بأن هن==اك م==ا يجب أن يخش==وه ،في حين أن==ه ال يقيم
الحقيقة هي أنه ال يمكننا االعتماد على اآلخرين في إشعارنا بالحرية ،ومايكي لن يك==ون هن=اك لينق==ذنا في الي==وم ال==ذي نفق==د في==ه
حرياتنا بسبب جنون االرتياب؛ وذلك ألن مايكي بداخلي وداخلك … ورواي==ة «األخ األص==غر» ت==ذكير بأنن==ا بغض النظ==ر عن
مدى عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل ،لن نتمتع بالحرية من خالل النظم األمنية والتشفير وعمليات االستجواب ونقاط التفتيش،
وإنما سنتمتع بها عن طريق التحلي بالشجاعة واالقتناع بالعيش كل يوم بحرية والتصرف كمجتمع حر ،بغض النظ=ر عن حجم
.ونقتبس ،ونضفي تغييرات على كافة صنوف الفنون والثقافة التي أبدعها َمن حولنا و َمن سبقونا من األدباء
إذا كان هذا الكتاب قد نال إعجابك ،وترغب في معرفة المزيد عن موضوعه ،فهناك العديد من المص==ادر ال==تي يمكن=ك= اللج==وء
قرصنة الكمبيوتر موضوع رائع ،والعلوم كافة تقوم على إخبار اآلخرين بما فعلته ليتمكنوا من التحق==ق من ص=حته والتعلم من=ه
.وتطويره ،والقرصنة خير مثال على هذه العملية؛ ومن ثم ،فإن ما ُنشِ ر في هذا الشأن كثير
لتبدأ بكتاب آندرو «باني» هوانج الذي يحمل عنوان «قرصنة اإلكس بوكس» (دار نشر «نو ستارتش» .)٢٠٠٣ ،وهو كتاب
رائع يستعرض قصة باني ،وكيف تمكن — عندما ك==ان طال ًب==ا بالدراس=ات العلي==ا في معه==د ماساتشوس==تس للتكنولوجي==ا — من
إجراء هندسة عكسية آلليات نظام إكس بوكس المضادة للعبث ،ومهد الطري==ق ب==ذلك لجمي==ع عملي==ات القرص==نة التالي==ة المذهل==ة
.للنظام .وبرواية هذه القصة ،أسس باني مرجعً ا موثو ًقا للهندسة العكسية وقرصنة األجهزة
ه==ذا و ُي َع==د كتاب==ا ب==روس ش==ناير «أس=رار وأك==اذيب» (وايلي )٢٠٠٠ ،و«م=ا وراء الخ==وف» (ك==وبرنيكس )٢٠٠٣ ،من الكتب
المبسطة الموجَّ ه=ة لغ=ير المتخصص=ين ،وال=تي تتن=اول فهم مس=ألة األمن والتفك=ير فيه=ا تفك=يرً ا نق=د ًّيا .أم=ا كتاب=ه «علم التش=فير
التطبيقي» (وايلي ،)١٩٩٥ ،فيظل المصدر الموث==وق لفهم علم التش==فير .ول==بروس قائم==ة بريدي==ة ومدون==ة رائع==ة على العن==وان
إن التشفير واألمن هما عالم الهاوي الموهوب ،وحركة «السايفر بانك» (ال==تي ت==ؤمن ب==أن : schneier.com/blog.التالي
االس==تخدام الق==وي للتش==فير سيض==من األمن والخصوص==ية) مليئ==ة بالش==باب وربَّات ال==بيوت والمح==امين وكاف==ة ص==نوف الن==اس
هناك العديد من المجالت الرائعة المتخصصة في هذا المجال ،لكن أفضل مجلتين هما :٢٦٠٠« :ذا هاكر كوارترلي» ،وال==تي
تزخر بقصص تبا ٍه بعمليات قرصنة مو َّقعة بأسماء مستعارة ،ومجلة «ميك» التي تعرض إرشادات موثوق==ة لتنفي==ذ مش==روعات
»يزخ===ر بال ش===ك ع===الم اإلن===ترنت بالمص===ادر في ه===ذا الموض===وع ،ومن األمثل===ة على ذل===ك مدون===ة «فري===دوم ت===و تينكر
لص==احبيها إد فيلتن وأليكس جي==ه هال==درمن ،أس==تا َذي الهندس==ة المتم==يزين بجامع==ة )(www.freedom-to-tinker.com
.برينستون ،اللذين تتسم كتابتهما في مجال األمن والتنصت وتكنولوجيا مقاومة النسخ والتشفير بالوضوح
ال تف==وت ك==ذلك زي==ارة ص==فحة مش==روع نات==الي يريمجينك==و «ف==يرال روب==وتيكس» بموق==ع جامع==ة كاليفورني==ا في س==ان دييجو
تش===تري نات===الي وطالبه===ا كالب روب===وت لعب===ة من متج===ر «ت===ويز آر أس» (xdesign.ucsd.edu/feralrobots/).
ويزودونها بأسالك جديدة ليحولوها إلى أجهزة بارعة للكشف عن المخلفات السامة ،ثم يطلقون لها العنان في المتنزهات العامة
.حيث تتخلص المؤسسات الكبيرة من مخلفاتها ،ليوضحوا بعد ذلك مدى سمية األرض على نحو يناسب وسائل اإلعالم
هذا و ُي َعد النقل النفقي باستخدام بروتوكول دي إن إس حقيق ًّيا ،شأنه شأن الكثير من عمليات القرصنة الموضحة في هذا الكتاب.
وق========د نش========ر تفاص========يله الخب========ير المخض========رم في ه========ذا المج========ال دان كامينس========كي في ع========ام ٢٠٠٤
(www.doxpara.com/bo2004.ppt).
أما خبير «صحافة المواطن» دان جيلمور — الذي يدير حال ًّيا «مركز إعالم المواطن» في جامعة هارفرد وجامعة كاليفورنيا
.في بيركلي — فله كتاب رائع حول هذا الموضوع يحمل عنوان «نحن ،اإلعالم» (أورايلي)٢٠٠٤ ،
إذا أردت معرفة المزيد عن قرصنة شرائح تحدي=د= الهوي=ة بالموج=ات الالس=لكية ،فاب=دأ بمق=ال «أس=رار قرص=نة ش=رائح تحدي==د
.رايدرز )٢٠٠٦ ،نظرة مذهلة على مخاطر عالم شرائح تحديد الهوية بالموجات الالسلكية
يجري معمل نيل جيرشنفيلد «فاب الب» في معهد ماساتشوس==تس للتكنولوجي==ا عملي==ات قرص==نة ألول طابع==ات ثالثي==ة األبع==اد
رخيصة السعر في العالم يمكنها طباعة أي شيء على اإلطالق ،وه==ذه الحقيق==ة موثق==ة في كت==اب جيرش==نفيلد الرائ==ع ح==ول ه==ذا
يستعرض كذلك كت=اب «تش=كيل األش=ياء» ل=بروس س=تيرلينج (مطبع=ة معه=د ماساتشوس=تس للتكنولوجي=ا )٢٠٠٥ ،كي=ف يمكن
.استخدام شرائح تحديد= الهوية بالموجات الالسلكية وما شابه إلجبار الشركات على إصدار منتجات ال تتسبب في هالك العالم
وعلى ذكر بروس ستيرلينج ،فقد ألَّ ف أول كتاب ذي شأن حول قراصنة الكمبيوتر والقانون بعنوان« :قمع قراصنة الكمبيوتر»
هناك ع==دد كب==ير( (بانتام ،)١٩٩٣ ،وهو أول كتاب أيضًا يُن َشر من قِبل دار نشر كبرى ويصدر على اإلنترنت في الوقت نفسه
وقد ك=ان ).للحصول على نسخة ): (stuff.mit.edu/hacker/hacker.htmlمن النسخ متاح؛ ارجع إلى الصفحة التالية
.لقراءة هذا الكتاب الفضل في لفت انتباهي إلى مؤسسة الحدود اإللكترونية التي حالفني الحظ بالعمل معها مدة أربعة أعوام
هي منظم==ة خيري==ة قائم==ة على العض==وية ،وبه==ا مزاي==ا للطلب==ة .وتنف==ق ه==ذه ) (www.eff.orgمؤسس==ة الح==دود اإللكترونية
المؤسسة األموال التي يدفعها األفراد لها للحفاظ على اإلنترنت آم ًنا؛ أمام الحرية الشخصية ،وحرية التعبير ،ومراعاة األصول
القانونية =،وغير ذل==ك مم==ا ينص علي=ه ميث==اق الحق=وق .وه==ذه المؤسس=ة هي أك==ثر الجه=ات المدافع==ة عن الحري=ات فاعلي==ة على
اإلنترنت ،ويمكنك مشاركتها النضال عن طريق االشتراك في قائمتها البريدية ،والكتابة للمس==ئولين المنتخ==بين من قبل==ك عن==دما
يفكرون في التضحية بك بحجة مكافحة اإلره=اب أو القرص==نة أو المافي==ا أو أي أوه==ام أخ==رى تث==ير مخ==اوفهم .تس==اعد مؤسس==ة
الحدود اإللكترونية كذلك في تطوير موجهات االتصال المجهول (تور) ،وهي تقنية حقيقية يمكن==ك اس==تخدامها «اآلن» لتج==اوز
ولمؤسسة الحدود اإللكترونية موقع إلكتروني ضخم وزاخر بمعلومات مذهلة موجهة للجمهور من عامة الناس ،شأنها في ذل==ك
جميعها بدعمك =.والثقافة الحرة هي حركة طالبية دولية تكلف الطلبة بتأسيس جماعات محلية خاصة بهم في الم==دارس الثانوي==ة
.أو الجامعات التي يدرسون فيها ،فيما ُي َعد طريقة رائعة للمشاركة وإحداث فارق
يؤرخ العديد= من المواقع اإللكترونية الصراع من أجل الحريات على اإلنترنت ،لكن هذه المواق==ع كاف==ة ال تض==اهي في نش==اطها
وينبغي لك بالطبع زيارة ويكيبيديا =،تلك الموسوعة القائمة على المشاركة وتتك==ون من مق==االت يتم إرس=الها له==ا ع==بر اإلن==ترنت
بحيث يمكن ألي أحد تحريرها ،ويزيد عدد المدخالت فيها على المليون مدخل باللغة اإلنجليزية فقط .تتناول ويكيبيديا القرصنة
والتمرد على الثقافة السائدة بعمق مذهل وتحديث بسرعة النانوثانية .التحذير الوحيد هنا هو أنه ال يمكنك االطالع فحس==ب على
ما يُن َشر على هذه الموسوعة ،فمن األهمية بمكان أن تلقي نظرة على راب َطي «ت==اريخ الص==فحة» و«نق==اش» الموج==ودَين أعلى
كل صفحة بالموقع؛ لترى كيف تم التوصل إلى النسخة الحالية من المقال الذي تقرؤه ،وتدرك وجهات النظر المتنافس==ة حول==ه،
وال==ذي يع==د » (cryptome.org)،أما إذا أردت جني معرفة محظورة ح ًّق==ا ،فعلي==ك ب==المرور س=ري ًعا على موق==ع «كريبت==وم
السجل األكثر إذهااًل في العالم للمعلومات السرية والمحظورة والمتحررة .فيجمع ناشرو هذا الموقع ،الذين يتسمون بالش==جاعة،
.المواد التي تم انتزاعها من الدولة بموجب طلبات قانون حرية المعلومات األمريكي أو تسريبها بواسطة الواشين ،وينشرونها
وأفضل ما أُلِّف في تاريخ التشفير دون منازع رواية «كريبتونوميكون» لمؤلفها نيل ستيفنسن (أفون .)٢٠٠٢ ،يروي ستيفنسن
في هذه الرواية قصة آالن تورينج وجهاز إنيجما النازي ،ليقدم لنا بذلك رواية حرب ال يمكن للق==ارئ تركه==ا من بين يدي==ه قب==ل
.إتمام قراءتها
وحزب القراصنة ،الذي ُذكِر في رواية «األخ األصغر» ،حزب حقيقي وقائم بالفعل — في وقت كتابة ه==ذه الس==طور (يولي==و،
وال==دنمارك والوالي==ات المتح==دة وفرنس==ا .ال ي==زال التح==رر من التقليدي==ة ) — )٢٠٠٦ (www.piratpartiet.seفي السويد
وعلى ذكر التحرر من التقليدية ،فقد حاول بالفعل آبي هوفمان والييبيز رفع البنتاجون في الهواء ،وإلقاء األموال في البورصة،
والعمل مع مجموعة «ارفع يديك على الحائط أيها السافل» .وقد أُعي َدت طباعة كتاب آبي هوفمان المتميز الذي يتحدث فيه عن
خداع النظام ويحمل عنوان «اسرق هذا الكتاب» (فور وولز إيت ويندوز ،)٢٠٠٢ ،وهو متوفر ك==ذلك على اإلن==ترنت كموق==ع
لمزيد من المتعة من الثقافة المتمردة =،عليك بقراءة رواية ج==اك ك==يرواك «على الطري==ق» ،ويمكن ش==راء ه==ذه الرواي==ة من أي
متجر كتب قديمة= مقابل دوالر واح=د أو دوالرين فحس=ب .أم=ا قص=يدة آالن جي=نزبرج «ع=واء» ،فهي مت=وفرة على اإلن=ترنت،
لمزي==د من المعلوم==ات ،ابحث (archive.org).الخاص به==ا على موقع MP3ويمكنك سماعها بصوته إذا بحثت عن ملف
عن ألبوم «تيندرنس جانكشن» لفرقة فاجز ،والذي يتضمن تس==جياًل ص==وت ًّيا آلالن جي==نزبرج وآبي هوفم==ان أثن==اء مراس==م رف==ع
.البنتاجون
هذا وما كان الكتاب الذي بين يديك ليرى النور ل==وال رواي==ة « ،»١٩٨٤ذل==ك العم==ل الرائ==ع لج==ورج أوروي==ل ال==ذي غيَّر وج==ه
العالم؛ وهي أفضل رواية ُنشِ رت على اإلطالق حول انحراف المجتمع==ات عن الطري=ق الق=ويم .لق==د ق=رأت ه==ذه الرواي==ة للم==رة
األولى وأنا في الثانية عشرة من عمري ،ووصل عدد مرات قراءتي لها منذ ذل==ك الحين ثالثين أو أربعين م=رة ،وفي ك=ل م==رة
وتمثل هذه الرواية اآلن نموذجً ا لرواية الخيال العلمي المرعبة بحق ،وهي إحدى الروايات التي «غيرت العالم» بكل ما تحمله
ه==ذه العب==ارة من مع==نى .وص==ارت اآلن كلم==ة «أورويلي» مراد ًف==ا للدول==ة المس==تبدة ال==تي تم==ارس التع==ذيب والتفك==ير الم==زدوج
.والرقابة
تناول العديد= من الروائيين أجزا ًء من رواية «األخ األصغر» .ومن األمثلة على ذلك العم ُل الكوميدي الرائ==ع ل==دانيال بينك==ووتر
«آالن مينديلسون :ش==اب من الم==ريخ» (المنش==ور حال ًّي==ا كأح==د أج==زاء مجموع==ة « ٥رواي==ات» ،الص==ادر عن دار نش==ر ف==ارار
وستراوس وج=يروكس ،)١٩٩٧ ،وه=و كت==اب يل=زم على ك=ل عاش=ق للتكنولوجي==ا قراءت==ه؛ ف==إذا ش==عرت يو ًم==ا بأن=ك منب==وذ من
.مجتمعك لكونك شديد الذكاء أو الغرابة ،فعليك بقراءة هذا الكتاب .لقد غيَّر حياتي
ثمة رواية أخرى أكثر معاصرة بعنوان «حدث باألمس» (ريزوربيل )٢٠٠٤ ،بقلم سكوت ويسترفيلد .تستعرض ه==ذه الرواي==ة
مغامرات الشباب المبتكرين لالتجاهات الجديدة وال==داعمين ألس=لوب التش==ويش اإلعالني .وق==د ك=ان لس==كوت وزوجت==ه جاس==تين
!الربليستير دور في إلهامي بتأليف كتاب للشباب ،وتشاركهما في ذلك كاثي كوجا .شكرً ا لكم يا رفاق