You are on page 1of 272

‫‪Table of Contents‬‬

‫من أفضل ما قِيل عن الرواية‬

‫إهداء‬

‫نبذة حول اإلهداءات لمتاجر الكتب‬

‫شكر وتقدير‬

‫مقدمة‬

‫الفصل األول‬

‫الفصل الثاني‬

‫الفصل الثالث‬
‫الفصل الرابع‬

‫الفصل الخامس‬

‫الفصل السادس‬

‫الفصل السابع‬

‫الفصل الثامن‬

‫الفصل التاسع‬

‫الفصل العاشر‬

‫الفصل الحادي عشر‬

‫الفصل الثاني عشر‬

‫الفصل الثالث عشر‬

‫الفصل الرابع عشر‬

‫الفصل الخامس عشر‬

‫الفصل السادس عشر‬

‫الفصل السابع عشر‬

‫الفصل الثامن عشر‬

‫الفصل التاسع عشر‬

‫الفصل العشرون‬

‫الفصل الحادي والعشرون‬


‫خاتمة‬

‫كلمة أخيرة بقلم بروس شناير‬

‫كلمة أخيرة بقلم آندرو «باني» هوانج‪ ،‬أحد مخترقي نظام إكس بوكس‬

‫قائمة المراجع‬
‫األخ األصغر‬
‫األخ األصغر‬
‫تأليف‬
‫كوري دوكتورو‬
‫ترجمة‬
‫أميرة علي عبد الصادق‬

‫األخ األصغر‬
Little Brother
‫كوري دوكتورو‬
Cory Doctorow

‫مراجعة‬
‫مصطفى محمد فؤاد‬

‫ت=========================================================دمك‬٢٠١٤ / ٤٢٤١ ‫رقم إي=========================================================داع‬: ٩٧٨ ٩٧٧ ٧١٩ ٩٩٤ ٠

‫مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‬


‫إن مؤسس======================ة هن======================داوي للتعليم والثقاف======================ة غ======================ير مس======================ئولة عن آراء المؤل======================ف وأفك======================اره‬
‫وإنم=========================================================================================================ا يعبِّر الكت=========================================================================================================اب عن آراء مؤلفه‬
‫ الق================================اهرة‬،١١٤٧١ ‫ مدين================================ة نص================================ر‬،‫ حي الس================================فارات‬،‫ عم================================ارات الفتح‬٥٤
‫جمهوري================================================================================================================ة مص================================================================================================================ر العربية‬
‫تليف****************************ون‬: + ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢        ‫ف****************************اكس‬: + ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣
‫البري*****************************************************************د اإللك*****************************************************************تروني‬: hindawi@hindawi.org
‫الموقع اإللكتروني‬: http://www.hindawi.org

‫الط======================================================================وبجي‬ ‫ محم======================================================================د‬:‫تص======================================================================ميم الغالف‬.

‫ والتي تنص على االستخدام في األغراض غير التجارية والترخيص بالمثل‬،‫نشرت هذه الترجمة بموجب رخصة المشاع اإلبداعي‬.
Arabic Language Translation Copyright © 2014 Hindawi Foundation for Education and Culture.
Licensed under a Creative Commons Attribution-Non-Commercial-ShareAlike 3.0 license
http://creativecommons.org/licenses/by-nc-sa/3.0/deed.ar
Little Brother
Copyright © 2008 Cory Doctorow, Cordoc-Co, Ltd.
http://craphound.com/littlebrother
Licensed under a Creative Commons Attribution-Non-Commercial-ShareAlike 3.0 license
http://creativecommons.org/licenses/by-nc-sa/3.0/
‫من أفضل ما قِيل عن الرواية‬
‫رواي==ة مث==يرة عن تم==رد الم==ولعين بالتكنولوجي==ا‪ ،‬تض==اهي في أهميته==ا وخطورته==ا قض==ايا مش=اركة الملف=ات‪ ،‬وحري==ة التعب==ير‪،‬‬

‫‪.‬وزجاجات المياه المعبَّأة على متن الطائرات‬


‫»سكوت ويسترفيلد‪ ،‬مؤلف روايتي «القبحاء» و«المغمورون‬

‫يمكنني التحدث عن رواية «األخ األصغر» من ناحية منظورها السياسي الثاقب أو استخدامها الرائع للتكنولوجيا — وكالهم==ا‬

‫يجعل من قراءة هذا الكتاب ضرورة — لكن ما يأسرني ح ًّقا هو عالمية النضوج الفك==ري لم==اركوس وص==راعه‪ ،‬وهي الخ==برة‬

‫‪.‬التي سيدركها أي مراهق في العصر الحالي؛ اللحظة التي تختار فيها معنى حياتك وكيف ستصل إليه‬
‫»ستيفن تشارلز جولد‪ ،‬مؤلف روايتي «القافز» و«االنعكاس‬

‫أُوصِ ي بقراءة رواية «األخ األصغر» أكثر من أي كتاب آخر قرأته هذا العام‪ ،‬ولَ َكم أو ُّد أن أجعل=ه يص=ل إلى أي=دي أك=بر ع=دد‬
‫‪.‬ممكن من المراهقين ذوي الثالثة عشر ربي ًعا‪ ،‬ذكورً ا كانوا أم ً‬
‫إناثا‬

‫ذلك ألنني أعتقد أن هذا الكتاب من شأنه تغيير حياة من يقرؤه‪ ،‬وألن بعض الشباب — ربما القلي==ل منهم فق==ط — لن يص==يروا‬

‫كما كانوا بعد قراءته؛ فربما سيتغيرون على المستوى السياسي أو التكنولوجي‪ ،‬وربما س==تكون ه==ذه الرواي==ة األولى من نوعه==ا‬

‫التي تنال حبهم أو تخاطب ذواتهم الغريبة التي يخفونه==ا داخلهم‪ .‬ربم=ا س==يرغبون في النق=اش بش==أنها واالختالف معه==ا‪ ،‬وربم==ا‬

‫سيرغبون في تشغيل أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم ورؤية م==ا به==ا‪ .‬ال أعلم؛ فق==د جعلت==ني ه==ذه الرواي==ة أرغب في الع==ودة لس==ن‬
‫ً‬
‫تفردا‬ ‫ً‬
‫ثانية وقراءتها للمرة األولى‪ ،‬ثم الخروج للعالم وجعله مكا ًنا أفضل أو أكثر غرابة أو أكثر‬ ‫‪.‬الثالثة عشرة‬
‫»نيل جايمن‪ ،‬مؤلف رواية «أبناء أنانسي‬

‫إن رواية «األخ األصغر» مغامرة واقعية بشكل مخيف‪ ،‬تدور حول كيف يمكن إساءة استغالل تكنولوجيا األمن الق==ومي لل==زج‬

‫باألمريكيين األبرياء في السجون ظلمًا وبهتا ًنا‪ .‬قرصان كمبيوتر مراهق يتحول فيما بعد إلى بط==ل يتح==دى الحكوم==ة دفاعً= ا عن‬

‫حريات==ه األساس==ية‪ .‬إن==ه كت==اب زاخ==ر باألح==داث ال==تي تتعل==ق بالش==جاعة والتكنولوجي==ا ومظ==اهرات العص==يان ال==رقمي‪ ،‬كوس==يلة‬

‫‪.‬لالحتجاج المدني لمحبي التكنولوجيا‬


‫»باني هوانج‪ ،‬مؤلف كتاب «قرصنة اإلكس بوكس‬

‫راو نشط متقد الذهن على وعي بجميع تفاصيل ألعاب الواقع البديل‪ ،‬مع تقديمه رؤية جديدة مذهلة حول كي==ف‬
‫كوري دوكتورو ٍ‬
‫يمكن لهذه األلعاب أن تفرض نفسها في السياق الزاخر بالمخاطر لهجوم إره==ابي‪ .‬إن «األخ األص==غر» رواي==ة عبقري==ة تط==رح‬

‫أمل لبالدنا في المستقبل‬


‫أكبر ٍ‬
‫‪.‬مناقشة جريئة؛ وهي أن قراصنة الكمبيوتر ومحترفي ألعابه ربما يكونون َ‬
‫»جين ماكجونيكال‪ ،‬مصممة لعبة «آي لوف بيز‬

‫الكتاب المناسب في الوقت المناسب بقلم الكاتب المناسب … ليست مصادفة بحتة أن تكون أفضل رواية لكوري دوكتورو على‬

‫‪.‬اإلطالق حتى اآلن‬


‫»جون سكالزي‪ ،‬مؤلف رواية «حرب العجوز‬
‫إنها رواية عن النضج في المستقبل القريب حيث تس==تمر األم==ور في المض==ي ب==الطريق ال==ذي تس==ير في==ه اآلن‪ .‬إنه==ا رواي==ة عن‬

‫القرصنة كعادة ذهنية‪ ،‬لكنها تتعلق في المقام األول بالنضج والتغير والنظر للعالم والتساؤل عما يمكن=ك= فعل==ه بش==أن م==ا يح==دث‬

‫‪.‬به‪ ،‬وجاء التعبير فيها عن صوت المراهقين صاد ًقا‪ .‬لم أتمكن من تركها من يدي حتى انتهيت منها‪ .‬لقد أحببتها‬
‫»جو والتون‪ ،‬مؤلف رواية «فارذينج‬

‫إن رواية «األخ األصغر» جديرة بأن تكون الشقيقة الصغرى لرواية جورج أورويل «‪ »١٩٨٤‬فهي تتس==م بالحيوي==ة والنض==ج‬

‫‪.‬الفكري‪ ،‬واألهم أنها مخيفة بعض الشيء‬


‫»برايان كيه فون‪ ،‬مؤلف رواية «واي‪ :‬الرجل األخير‬

‫تمثل رواية «األخ األصغر» تح=ذيرً ا متف=ائاًل ؛ إذ إنه=ا تس=تقرئ األح=داث الحالي=ة وتس=تنتج منه=ا لت=ذكرنا بالتهدي=دات المتزاي=دة‬

‫باستمرار للحرية‪ ،‬لكنها تشير في ال=وقت نفس=ه إلى أن الحري=ة تكمن جوهر ًّي=ا في أفعالن=ا وتوجهاتن=ا الفردي=ة‪ .‬وفي ظ=ل عالمن=ا‬

‫المتزايد في استبداده‪ =،‬آمل بوجه خاص أن يقرأ المراهقون والشباب الصغار هذه الرواية‪ ،‬ثم يقنعون أقرانهم وآب==اءهم ومعلميهم‬

‫‪.‬بذلك أيضًا‬
‫»دان جيلمور‪ ،‬مؤلف كتاب «نحن اإلعالم‬
‫إهداء*‬
‫‪.‬إلى آليس‪ ،‬التي تكملني‬
‫نبذة حول اإلهداءات لمتاجر الكتب‬
‫ب مختلف؛ وهو إما متجر أُكنُّ له ح ًّبا‪ ،‬أو ساعدني في اكتشاف كتب كان له=ا‬
‫لمتجر كت ٍ‬
‫ِ‬ ‫كل فصل من فصول هذه الرواية مُه ًدى‬

‫الفضل في توسيع مداركي‪ ،‬أو أعانني في مسيرتي المهنية‪ .‬ولم تدفع لي هذه المتاجر أي مبالغ مالية مقابل ه==ذه اإله==داءات —‬
‫بل إنني لم أخبرها بشأنها أي ً‬
‫ضا — لكن هذا ما بدا لي صوابًا‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬فإنني أطمح في أن تقرأ هذا الكتاب اإللكتروني‪ ،‬ثم‬

‫!تقرر شراء النسخة الورقية منه؛ لذا من المنطقي أن أقترح عليك بعض األماكن التي يمكنك العثور عليه فيها‬
‫شكر وتقدير‬
‫‪.‬أدين في هذا الكتاب بفضل كبير للعديد من ال ُك َّت اب واألصدقاء والمرشدين واألبطال الذين جعلوا منه أمرً ا ممك ًنا‬

‫لقراصنة الكمبيوتر والمؤم==نين بأهمي==ة التش=فير في الحف==اظ على األمن والخصوص==ية‪ :‬ب=اني ه=وانج‪ ،‬وس==يث ش==ون‪ ،‬وإد فيلتن‪،‬‬

‫‪.‬وأليكس هالدرمن‪ ،‬وجويدز‪ ،‬وناتالي يريمجينكو‪ ،‬وإيمانويل جولدستين‪ =،‬وآرون سوارتز‬

‫لألبطال‪ :‬ميتش كابور‪ ،‬وجون جيلمور‪ ،‬وجون بيري بارلو‪ ،‬والري ليسيج‪ ،‬وشاري ستيل‪ ،‬وسيندي ك=ون‪ ،‬وفري=د ف=ون ل=ومن‪،‬‬

‫‪.‬وجامي بويل‪ ،‬وجورج أورويل‪ ،‬وآبي هوفمان‪ ،‬وجو تريبي‪ ،‬وبروس شناير‪ ،‬وروس داوسون‪ ،‬وهاري كوبيتو‪ ،‬وتيم أورايلي‬

‫لل ُك َّتاب‪ :‬ب==روس س==تيرلينج‪ ،‬وك==اثي كوج==ا‪ ،‬وس==كوت ويس==ترفيلد‪ ،‬وجاس==تين الربليس==تير‪ ،‬وب==ات ي==ورك‪ ،‬وآن==الي ن==ويتس‪ ،‬ودان‬

‫‪.‬جيلمور‪ ،‬ودانيال بينكووتر‪ ،‬وكيفين بوسلين‪ ،‬ووندي جروسمن‪ ،‬وجاي ليك‪ ،‬وبن روسينبوم‬

‫لألصدقاء‪ :‬فيونا روميو‪ ،‬وكوين نورتن‪ ،‬وداني أوبراين‪ ،‬وجون جيل=برت‪ ،‬ودان=ا بوي=د‪ =،‬وزاك هان=ا‪ ،‬وإيملي هيرس=ون‪ ،‬وج=راد‬
‫كون‪ ،‬وجون هينس==ون‪ ،‬وآمان==دا فوبيس==تر‪ ،‬وش==يني ج=اردين‪ ،‬وم==ارك فراونفيل==در‪ ،‬وديفي==د بيس==كوفيتش‪ ،‬وج==ون باتي==ل‪ ،‬وك==ارل‬

‫‪.‬ليفيسك‪ ،‬وكيت مايلز‪ ،‬ونيل وتارا‪-‬لي دوكتورو‪ ،‬ورايل دورنفيست‪ ،‬وكين سنايدر‬

‫‪.‬للمرشدين‪ :‬جودي ميريل‪ ،‬وروز وجورد دوكتورو‪ ،‬وهاريت وولف‪ ،‬وجيم كيلي‪ ،‬وديمون نايت‪ ،‬وسكوت إدلمن‬
‫ً‬
‫كتابة‬ ‫‪.‬شكرً ا لكم جمي ًع ا على منحي األدوات التي مكنتني من التفكير في هذه األفكار والتعبير عنها‬
‫مقدمة‬
‫جاءت كتابتي لرواية «األخ األصغر» في ظل حالة من الحماس اإلبداعي المتأجج اعترتني في الفترة ما بين ‪ ٧‬مايو ‪ ٢٠٠٧‬و‬

‫‪ ٢‬يوليو ‪٢٠٠٧‬؛ أي استغرقت كتابتها ثمانية أسابيع بالضبط‪ ،‬بدءًا من اليوم الذي راودتني في==ه الفك=رة ح==تى الي==وم ال==ذي أنهيت‬

‫تأليفها فيه (وكان على آليس — التي أُه=دي إليه=ا ه=ذا الكت=اب — تحمُّلي وأن=ا أس=طر نهاي=ة الفص=ل األخ=ير الس=اعة الخامس=ة‬

‫صباحً ا بالفن==دق ال==ذي ك َّنا نقيم ب=ه في روم==ا لالحتف=ال ب==ذكرى زواجن=ا)‪ .‬كنت أحلم أن يخ==رج الكت==اب من بين ي==دي ويك=ون في‬

‫صيغته النهائية دون عرق أو جلبة … لكن األمر لم يكن بالقدر نفسه تقريبًا من المتعة التي ظننت أن==ه س==يكون عليه==ا‪ ،‬فوص==ل‬

‫عدد ما كتبته= من كلمات في بعض األيام إلى عشرة آالف كلمة‪ ،‬انحنيت فيها لساعات طويلة على لوحة المف=اتيح في المط=ارات‬

‫ومترو األنفاق وسيارات األجرة وأي مكان يمكنني الكتابة فيه‪ .‬كان الكتاب يحاول الخروج من رأسي بأي ثمن؛ فصرت ال أنام‬

‫‪.‬طوياًل ‪ ،‬وال أتناول الطعام كثيرً ا إلى أن بدأ أصدقائي يتساءلون عما إذا كنت على ما يرام أم ال‬
‫عندما كان والدي طالبًا جامع ًّيا في ستينيات القرن الماضي‪ ،‬كان ضمن القليلين «المتمردين= على الثقاف==ة الس==ائدة» ال==ذين ك==انوا‬

‫يرون أن الكمبيوتر شيء جيد‪ ،‬فكان الكم==بيوتر في نظ==ر أغلب الش==باب آن==ذاك تجري= ً=دا للمجتم==ع من ص==فته البش==رية؛ إذ يح==وِّ ل‬

‫تطوها أو تتلفه==ا»؛ م==ا‬


‫تثن هذه البطاقة أو تخرمها أو ِ‬
‫طالب الجامعات إلى أرقام على بطاقات بيانات مُثقبة مكتوب عليها‪« :‬ال ِ‬
‫تطوني أو تتلفني»‪ .‬كان ي َ‬
‫ُنظ= ر للكم==بيوتر‬ ‫دفع بعض الطالب الرتداء شارات تحمل عبارة‪« :‬أنا طالب‪ :‬ال تثنِني أو تخرمني أو ِ‬
‫‪.‬على أنه وسيلة لزيادة قدرة السلطات الحكومية على فرض نظام صارم على الناس وإخضاعهم إلرادتها‬

‫حين كنت في السابعة عشرة من عمري‪ ،‬ب==دا وك==أن الع==الم في طريق==ه نح==و مزي==د من الحري==ة‪ ،‬فك==ان حائ==ط ب==رلين على وش==ك‬

‫السقوط‪ ،‬وانتشرت أجهزة الكمبيوتر — التي كانت قبل ذلك الحين بسنوات قليلة شي ًئا غريبًا وعجيبً=ا — في ك=ل مك=ان‪ ،‬وك=ان‬

‫«المودم» الذي كنت أستخدمه لالتصال بأنظم=ة لوح=ات النش=رات المحلي=ة يص=لني آن=ذاك بالع=الم أجم=ع ع=بر ش=بكة اإلن=ترنت‬

‫وخدمات تجارية إلكترونية‪ ،‬مثل خدمة جيني‪ .‬وازداد افتتاني — الذي الزمني طوال حياتي — بقض=ايا النش=طاء عن==دما رأيت‬

‫كيف أن المشكلة الرئيسية في ممارسة النشطاء عملهم؛ وهي التنظيم‪ ،‬غدت أيسر على نحو يتزايد بسرعة البرق (ال أزال أذكر‬

‫المرة األولى التي تحولت فيها الستخدام قاعدة بيانات بنظام الدمج البريدي من إرسال الرسائل اإلخباري==ة بالبري==د م==ع اس==تخدام‬

‫عناوين مكتوبة بخط اليد)‪ .‬اس ُتخدِمت ك==ذلك في االتح==اد الس==وفييتي أدوات االتص=ال لتوص==يل المعلوم==ات — والث==ورة — إلى‬

‫‪.‬أقاصي أكبر الدول االستبدادية التي شهدتها األرض على وجه اإلطالق‬
‫بيد أنه بعد مضي ‪ ١٧‬عامًا‪ ،‬اختلفت األمور ً‬
‫كلية؛ فاستوعبت األنظمة أجهزة الكمبيوتر التي أحبها‪ ،‬وصارت ُتستخدَ م للتجس==س‬

‫صتت وكالة األمن القومي األمريكي==ة على الخط=وط الهاتفي==ة بس=ائر الوالي==ات المتح=دة في‬
‫علينا‪ ،‬والتحكم فينا‪ ،‬والوشاية بنا‪ .‬فتن َّ‬
‫مخالفة منها للقانون‪ ،‬وأفلتت من العقاب‪ .‬وتراقبنا كذلك ش=ركات ت=أجير الس=يارات وهيئ==ات الم==رور والنق=ل الع=ام أينم==ا ذهبن==ا‪،‬‬
‫ً‬
‫موشية ببياناتنا للمتطفلين ورج=ال الش=رطة والمج=رمين ال==ذين يتمكن=ون= من الوص=ول غ==ير الق=انوني‬ ‫وترسل لنا تذاكر مؤتمتة‪=،‬‬

‫لقواعد البيانات الخاصة بهذه الجهات‪ .‬هذا فضاًل عن احتفاظ إدارة أمن النقل األمريكي==ة بقائم==ة «للممن==وعين من الس==فر ج= ًّ=وا»‬
‫تضم أفرا ًدا لم تسبق إدانتهم بأية جريمة‪ ،‬ومع ذلك ُي َعد سفرهم ًّ‬
‫جوا أمرً ا ب=الغ الخط=ورة‪ .‬إن األس=ماء بالقائم=ة س=رية‪ ،‬والق=انون‬

‫الذي يفرض تطبيقها سري‪ ،‬والمعايير التي تحكم إضافة األفراد إليها سرية‪ .‬فتضم هذه القائمة أطفااًل يبلغ==ون من العم==ر أربع==ة‬

‫‪.‬أعوام وأعضا ًء بمجلس الشيوخ األمريكي ومحاربين قدامى حائزين على أوسمة؛ أي أبطال حرب حقيقيين‬

‫َمن أع==رفهم من ذوي الس==بعة عش==ر ربيعً = ا ي==دركون تم==ام اإلدراك م==ا يمكن أن ينط==وي علي==ه الكم==بيوتر من خط==ر‪ ،‬فك==ابوس‬

‫االستبداد — الذي شهدته حقبة الستينيات من القرن العشرين — ع==اود من جدي==د‪ .‬إن الص==ناديق الص==غيرة المغري==ة الموج==ودة‬

‫على مكاتب هؤالء الشباب أو في جيوبهم تراقب جميع تحرك=اتهم وتط==وقهم‪ ،‬مج==رِّ د ًة إي==اهم على نح=و منظم من تل==ك الحري==ات‬

‫‪.‬الجديدة التي تمتعت أنا بها‪ ،‬وأحسنت استغاللها في مرحلة الشباب‬

‫هذا فضاًل عن االستغالل الواضح لهؤالء الشباب كحقل تجارب لدولة تكنولوجية من نوع جديد كلنا نمضي في الطريق نحوها؛‬

‫أيض =ا)‪،‬‬ ‫ً‬


‫قرصنة لمصنفات اآلخرين (في دور السينما أو المتاحف‪ ،‬بل والمق==اهي ً‬ ‫وهي الدولة التي ي َُعد فيها التقاط صورة ما إما‬

‫أو إرهابًا (في األماكن العامة)‪ ،‬بينما يمكن فيها التقاط صور لنا وتعقبنا وتسجيل ما نفعله مئات المرات في اليوم من ج==انب أي‬

‫صاحب متجر أو ض=ابط أو مس=ئول ب=يروقراطي‪ ،‬أو ديكت=اتور حق=ير‪ .‬إن=ه ع=الم يمكن في=ه ت=برير أي إج=راء — بم=ا في ذل=ك‬

‫‪.‬التعذيب — بالتذرُّ ع بهجمات الحادي عشر من سبتمبر من عام ‪ ٢٠٠١‬بالواليات المتحدة حتى يصمت المعارضون كافة‬

‫‪.‬لكن ليس علينا االستمرار في هذا الطريق‬

‫إذا كنت تحب الحرية‪ ،‬وتعتقد أن الخصوصية تمنح اإلنسان كرامته‪ ،‬وكذلك حقه في فعل ما يريد دون تدخل من أح=د‪ ،‬وتجرب=ة‬

‫ير ُد بذهنه من أفكار غريبة شريطة أال يُلحق الضرر باآلخرين؛ فلديك قضية مشتركة مع أولئك الشباب الذين ُتستخدَ م برامج‬
‫ما ِ‬
‫‪.‬تصفح الويب والهواتف المحمولة خاصتهم لتتبعهم ومالحقتهم في كل مكان‬

‫‪.‬إذا كنت تؤمن بأن الرد على الكالم السيئ هو المزيد من الكالم — وليس الرقابة — فهذه معركتك إذن‬

‫إذا كنت تؤمن بمجتمع قانون يفرض فيه الحكام علينا القواعد‪ ،‬ويخضعون لها في الوقت نفسه‪ ،‬ف==أنت ج==زء من الص==راع ال==ذي‬

‫‪.‬يخوضه هؤالء الشباب عندما يطالبون بحقهم في العيش وفق ميثاق الحقوق ذاته الذي يخضع له الراشدون‬

‫َيه ُدف هذا الكتاب ألن يكون جز ًءا من النقاش حول ما يعنيه مجتمع المعلومات‪ :‬هل يعني المراقب==ة الكامل==ة أو حري==ة لم ُتع= َ‬
‫=رف‬

‫‪.‬من قبل؟ إنه ليس اسمًا فحسب‪ ،‬بل فعل … شيء تفعله‬
‫الفصل األول‬
‫أهدي هذا الفصل لمتجر باكافينيكس بوكس في تورونتو بكندا‪ =.‬هو أقدم متجر لكتب الخيال العلمي في العالم‪ ،‬ويرجع له الفض==ل‬

‫فيما أنا عليه اآلن‪ .‬دخلته متجواًل للمرة األولى في سن العاشرة تقريبًا ملتم ًسا النصح بشأن ما يمكنني قراءت==ه‪ .‬ص==حبتني يومه==ا‬

‫تانيا هاف (نعم‪ ،‬تانيا هاف الشهيرة‪ ،‬لكنه==ا آن==ذاك لم تكن ق==د أص==بحت بع= ُد الكاتب==ة المعروف==ة آن==ذاك!) إلى قس==م الكتب القديم==ة‪=،‬‬

‫ووضعت في يدي نسخة من رواية «المزغب الصغير» للكاتب هنري بيم بايبر‪ ،‬لتغيِّر بذلك حياتي إلى األبد‪ .‬وببلوغي الثامن==ة‬
‫ً‬
‫دروس =ا لم تف==ارقني‬ ‫عشرة‪ ،‬كنت أعمل في هذا المتجر — حيث اضطلعت بعمل تانيا عند تقاعدها للتف==رغ للكتاب==ة — وتعلمت‬
‫طوال حياتي حول كيفية شراء الناس للكتب ولماذا‪ .‬ومن وجهة نظ=ري‪ ،‬ينبغي لك=ل ك==ات ٍ‬
‫ب العم= ُل في متج=ر للكتب (وق==د عم=ل‬

‫بالفعل العديد من ال ُك َّتاب في متجر باكا على م==ر الس==نين! وفي ال==ذكرى الثالثين للمتج==ر‪ ،‬جم==ع الق==ائمون علي==ه مقتطف==ات أدبي==ة‬
‫مختارة للقصص التي ألفها ُك َّتاب عملوا به‪ ،‬وهم‪ :‬ميشيل ساجارا (المعروف=ة ً‬
‫أيض=ا باس=م ميش=يل ويس=ت)‪ ،‬وتاني=ا ه=اف‪ ،‬ون=الو‬
‫‪.‬هوبكينسن‪ ،‬وتارا تاالن … وأنا)‬

‫***‬
‫ً‬
‫واحدا من‬ ‫أنا طالب في السنة النهائية بمدرسة سيزار شافيز الثانوية في حي ميشن المشمس بمدينة= سان فرانسيسكو؛ ما يجعلني‬

‫‪ w1n5t0n‬أكثر الناس خضو ًعا للمراقبة في الع==الم‪ .‬أُد َعى م==اركوس ي==الو‪ ،‬لكن حينم==ا ب==دأت ه==ذه القص==ة‪ ،‬كنت أُع= َ‬
‫=رف باسم‬
‫‪».‬وي َ‬
‫ُنطق «وينستون‬

‫نت موظ ًفا معن ًّيا بش=ئون الت==أديب يفتق=ر إلى المعرف=ة متخل ًف=ا عن ركب‬ ‫وال ي َ‬
‫ُنطق «دابليو وان إن فايف تي زيرو إن»‪ ،‬إال إذا ُك َ‬

‫‪».‬المعاصرة‪ ،‬حتى إنك ما زلت تطلق على اإلنترنت «طريق المعلومات فائق السرعة‬
‫أعرف شخ ً‬
‫صا على هذا القدر من الجهل يُد َع ى فريد بينسان‪ ،‬وهو أحد النواب الثالثة لمدير مدرسة سيزار شافيز‪ ،‬شخص قليل‬
‫‪.‬الحيلة للغاية‪ .‬لكن إذا كان ال بد من سجَّ ان‪ ،‬فقليل الحيلة أفضل من المدرك ً‬
‫جيدا لألمور‬
‫في صبيحة أحد أيام الجمعة‪ ،‬قال بينسان ع==بر مك==بر الص=وت‪« :‬م=اركوس ي=الو‪ ».‬ه=ذا المك==بر ليس ً‬
‫جي=دا في األس=اس‪ ،‬وعن=د‬

‫اجتماعه بغمغمة= بينسان المعتادة‪ ،‬يكون الصوت الناتج أشبه بش=خص يص==ارع لهض=م بوريت==و محش==و س==يئ الص==نع‪ ،‬من كون==ه‬

‫‪.‬إعال ًنا مدرس ًّي ا‪ .‬بيد أن اإلنسان يجيد االنتباه إلى اسمه وسط التشوش الصوتي … إنها إحدى سمات البقاء‬
‫ُ‬
‫التقطت حقيب==تي‪ ،‬وأن==زلت شاش==ة الكم==بيوتر المحم==ول لكن ليس للنهاي==ة؛ إذ لم أرد إفس==اد عملي==ات التنزي==ل ال==تي كنت أجريه==ا‪،‬‬

‫‪.‬وتأهبت لقدري المحتوم‬

‫»‪.‬احضر إلى مكتب اإلدارة فورً ا«‬

‫رمقتني السيدة جالفيس‪ ،‬معلمتي لمادة الدراسات االجتماعية‪ ،‬بنظرة استغراب‪ ،‬فبادل ُتها إياها‪ ،‬فكان الس==بب ال==ذي يع==اقبني علي==ه‬

‫بينسان دو ًم ا هو اختراقي جدران (نظم) الحماية اإللكترونية للمدرسة ببراعة‪ ،‬وخداعي لبرنامج التعرف على األفراد بالمش==ية‪،‬‬

‫وتخريبي لشرائح التتبُّع اإللكترونية ال==تي يتتبعونن=ا به==ا‪ .‬ج=الفيس طيِّب=ة القلب‪ ،‬على أي==ة ح=ال؛ فهي ال تتحام=ل عليَّ لمث==ل ه==ذه‬
‫األفعال أب ًدا (ال سيما أنني أساعدها في التعامل مع حساب بري==د ال==ويب الخ==اص به==ا لتتمكن من التح==دث م==ع أخيه==ا المجن==د في‬

‫‪.‬العراق)‬

‫ضربني صديقي داريل على مؤخرتي عند مروري به‪ .‬أعرف داريل منذ الطفولة‪ ،‬فكن==ا نه==رب م ًع= ا من الحض==انة‪ ،‬ومن==ذ ذل==ك‬

‫الحين وأنا دائمًا أدخله في مشكالت وأخرج==ه منه==ا‪ .‬رفعت ذراعيَّ ف==وق رأس==ي ك==المالكمين المح==ترفين‪ ،‬وخ==رجت من حص==ة‬

‫‪.‬الدراسات االجتماعية‪ ،‬وبدأت سيري نحو المكتب كالمتهم الموجهة إليه األنظار‬

‫كنت في منتصف الطريق عندما رنَّ هاتفي‪ .‬ك=ان ذل=ك أح=د األم=ور المحظ=ورة األخ=رى — ف=الهواتف ممنوع=ة منعً= ا با ًّت=ا في‬

‫مدرسة شافيز الثانوي==ة — لكن لم==اذا يوقف==ني ذل==ك عن اس==تخدامها؟ اختفيت عن األنظ==ار في دورة المي==اه‪ ،‬وأغلقت الب==اب على‬

‫نفسي في الحمام الموج==ود بالمنتص==ف (فاألبع=د= يك==ون دائ ًم==ا األق==ذر؛ لتوج==ه الكث==يرين إلي==ه مباش=رة أماًل منهم في اله==روب من‬

‫الرائحة الكريهة وما يثير االشمئزاز؛ لذا فالحمام الموجود بالمنتصف هو األكثر نظافة ونف ًعا)‪ .‬تحققت من الهاتف؛ فوج==دت أن‬

‫جهاز الكمبيوتر المكتبي الموجود بالمنزل قد أرسل رسالة بالبريد اإللكتروني لهاتفي للتنبيه بأمر مستجد في لعب==ة «ه==اراجوكو‬

‫‪.‬فان مادنس»‪ ،‬وهي تصادف أن تكون اللعبة األفضل على اإلطالق‬

‫ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهي؛ فليس هناك ما هو أسوأ من قضاء أيام الجمعة في المدرسة بأية حال؛ ولذلك أسعدني ما‬

‫‪.‬تسنى لي من عذر للهروب‬

‫‪.‬سرت متمهاًل ما تبقى من الطريق إلى مكتب بينسان‪ ،‬ولوحت له بيدي أثناء دخولي سريعً ا من الباب‬

‫قال‪« :‬أليس اس==مك «دابلي==و وان إن ف==ايف تي زي==رو إن»؟» ك==ان فري==دريك بينس==ان — رقم الض==مان االجتم==اعي ‪-٠٣-٥٤٥‬‬

‫‪ ،٢٣٤٣‬تاريخ الميالد ‪ ١٥‬أغسطس ‪ ،١٩٦٢‬اسم األم قبل الزواج دي بونا‪ ،‬مسقط الرأس بيتلوما — يفوقني طواًل بكث==ير‪ ،‬فأن==ا‬

‫قصير ال يتجاوز طولي نحو مائة وسبعين سنتيمترً ا‪ ،‬في حين يبلغ هو من الطول حوالي مترين‪ ،‬وق==د م==ر على ممارس==ته لك==رة‬

‫السلة في الجامعة فترة طويلة‪ ،‬أسفرت عن ترهل عضالت صدره التي تظهر على نحو مخجل أسفل القمصان قص=يرة األكم==ام‬

‫التي يحصل عليها مجا ًنا عبر اإلنترنت‪ .‬بدا دائمًا بمظهر َمنْ على وشك أن يض==ربك بق==وة على مؤخرت==ك‪ ،‬وه==و على اس==تعداد‬

‫‪.‬باستمرار لرفع صوته إلحداث تأثير درامي‪ .‬وقد بدأت هاتان السمتان في فقدان فعاليتهما بفعل التكرار‬

‫»‪.‬أجبته‪« :‬ال‪ ،‬لألسف‪ .‬لم أسمع من قبل عن شخصية الروبوت الفضائي «اآلر تو دي تو» هذه التي تتحدث عنها‬
‫تهجى االسم مرة أخرى قائاًل ‪« :‬دابليو وان إن فايف تي زيرو إن»‪ ،‬ورمق==ني بنظ==رة ش==ك َّ‬
‫قطب فيه==ا جبين==ه‪ ،‬وانتظ==ر م==ني أن‬

‫أرتعد خو ًفا‪ .‬كان ذلك اسمي‪ ،‬بالطبع‪ ،‬وطالما كان ك=ذلك لس=نوات‪ .‬إن=ه الهوي==ة ال==تي اس==تخدمتها عن==د نش=ري األفك=ار بمنت==ديات‬

‫الرسائل التي كنت أساهم عبرها في مجال أبح==اث األمن التط==بيقي‪ ،‬مث==ل ه==روبي من المدرس==ة وتعطيلي آلي==ة تعقب المفك==رات‬

‫‪.‬على هاتفي‪ .‬لكن بينسان لم يكن يعرف أن ذلك اسمي‪ .‬لم يعرفه في الواقع سوى عدد قليل من الناس الذين أثق فيهم ثقة عمياء‬
‫قلت له‪« :‬امممم … ال يذكرني بأي شيء‪ ».‬كنت قد ن َّفذت ً‬
‫عددا من العمليات الرائعة بأرجاء المدرسة مستخدمًا هذا االس==م —‬

‫وما يشعرني بفخر شديد عملي على أدوات للقضاء على شرائح التتبع — وإذا تمكن بينسان من الربط بين الهويتين‪ ،‬فسأقع في‬

‫‪.‬مشكلة‪ .‬لم ينادني أحد من قبل في المدرسة بهذا االسم‪ ،‬وال حتى وينستون‪ ،‬بما في ذلك أصدقائي‪ .‬فاسمي ماركوس فقط‬

‫استراح بينسان على كرسيه خلف المكتب‪ ،‬وضرب بخاتمه الخاص بالتخرج بعص==بية على ال==دفتر الموج==ود أمام==ه‪ .‬ك==ان يفع==ل‬

‫ذلك متى بدأت األمور تسوء بالنسبة له‪ .‬يطلق العبو البوكر على مثل هذه التصرفات «األمارة»؛ أي الش==يء ال==ذي يس==مح ل==ك‬

‫‪.‬بمعرفة ما يدور برأس شخص آخر‪ .‬وقد كنت أعلم أمارات بينسان عن ظهر قلب‬

‫»‪.‬ماركوس‪ ،‬أرجو أن تكون مدر ًكا مدى خطورة ما نتحدث عنه«‬

‫توض=ح لي م==ا ال==ذي نتح==دث عن==ه‪ ،‬س==يدي‪ ».‬أق==ول «س==يدي» دائ ًم==ا ألف==راد الس=لطة عن==دما أعبث معهم‪ .‬وه==ذه«‬
‫ِّ‬ ‫سأفعل عندما‬

‫‪«».‬أمارتي‬
‫َّ‬
‫هز بينسان رأسه‪ ،‬ونظر ألسفل … أمارة أخرى‪ .‬سيبدأ اآلن في الص=ياح ب==وجهي في أي=ة لحظ=ة‪« .‬اس==مع‪ ،‬ي==ا ف==تى! آن األوان‬

‫فص=ل قب==ل انته==اء ه==ذا االجتم==اع‪ .‬ه==ل‬ ‫ً‬


‫محظوظ= ا إن لم ُت َ‬ ‫لتواجه حقيقة معرفتنا بما كنت تفعله‪ ،‬وأننا لن نتهاون في هذا‪ .‬ستكون‬

‫»ترغب في التخرج؟‬

‫»… سيد بينسان‪ ،‬لم توضح لي بع ُد المشكلة«‬

‫ضرب يده بعنف على المكتب‪ ،‬ثم أشار بإصبعه إليَّ ‪ ،‬وقال‪« :‬المشكلة‪ ،‬ي==ا س==يد ي==الو‪ ،‬هي أن==ك اش==تركت في م==ؤامرة إجرامي==ة‬

‫لتخريب نظام المدرسة األمني‪ ،‬وعرَّ فت زمالءك الطالب بإجراءات مضادة لألمن‪ .‬أنت تعلم أننا قد فص==لنا ج=راثيال أوري==ارتي‬

‫األسبوع الماضي الستخدامها أحد أجهزتك‪ ».‬كانت أوريارتي بريئة من التهمة ال=تي ُن ِس=بت إليه==ا؛ فق=د ابت==اعت جه=از تش=ويش‬

‫السلك ًّيا من متجر متخصص في بيع األدوات التي ته ُّم متعاطي المخدرات يقع ب==القرب من محط==ة ب==ارت بش=ارع ‪ ،١٦‬وتس==بب‬

‫‪.‬ذلك الجهاز في إجراءات مضادة لألمن في رواق المدرسة‪ .‬لم أكن أنا السبب‪ ،‬لكنني شعرت بالتعاطف معها‬

‫»وهل تعتقد أن لي ًيدا في ذلك؟«‬


‫لدينا معلومات استخباراتية موثوق==ة تش==ير إلى أن==ك «دابلي==و وان إن ف==ايف تي زي==رو إن»‪ — ».‬تهجى االس==م ثاني= ً‬
‫=ة‪ ،‬وب==دأت«‬

‫أتساءل ما إذا لم يكن قد أدرك بعد= أن الرقم «وان» يشير إلى الحرف «ي» وال==رقم «ف==ايف» يش==ير للح==رف «س»‪ .‬اس==تطرد‬

‫بينسان حديث==ه‪« :‬ونعلم أن ه==ذه الشخص==ية مس==ئولة عن س==رقة االختب==ارات القياس==ية الع==ام الماض=ي‪ ».‬لم أكن أن==ا المس==ئول في‬

‫الحقيقة عن هذه الواقعة‪ ،‬لكنها كانت عملية بارعة‪ ،‬وش=عرت بش=يء من اإلط=راء لس=ماعي أنه=ا منس=وبة إليَّ ‪« .‬ومن ثم‪ ،‬ف=أنت‬

‫»‪.‬عرضة للسجن عدة سنوات ما لم تتعاون معي‬

‫»‪.‬لديك «معلومات استخباراتية موثوقة»؟ أود أن أراها«‬

‫»‪.‬حملق في وجهي‪ ،‬وقال‪« :‬موقفك هذا لن يساعدك‬


‫إذا كان لديك دليل‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬فأعتقد أن عليك االتصال بالشرطة‪ ،‬وتسليمي لهم؛ فيبدو األمر خط==يرً ا للغاي==ة‪ ،‬وال أود أن أق==ف«‬

‫»‪.‬في طريق تحقيق مناسب تجريه السلطات المختصة‬

‫»أتريدني أن أتصل بالشرطة؟«‬

‫»‪.‬ووالديَّ — على ما أعتقد — فالمصلحة تقتضي ذلك«‬

‫حدق ك ٌّل منا في اآلخر‪ .‬من الواضح أنه كان متوقعً ا أن أنهار فور إبالغه إياي هذا الخ==بر الص==ادم‪ ،‬لكن==ني لم أفع==ل‪ .‬ك==ان ل==ديَّ‬
‫أسلوب في االنتصار على أمثال بينس==ان بالتح==ديق فيهم؛ فكنت أتوج==ه بنظ==ري قلياًل ناحي==ة يس==ار رءوس==هم‪ ،‬وأفك==ر في كلم==ات‬

‫‪.‬أغاني أيرلندية شعبية قديمة من النوعية المكونة من ثالثمائة بيت‪ .‬وكان ذلك يجعلني أبدو هاد ًئا ومتز ًنا تمامًا‬

‫وك==ان الجن==اح على الط==ائر‪ ،‬والط==ائر على البيض==ة‪ ،‬والبيض==ة على العش‪ ،‬والعش على الورق==ة‪ ،‬والورق==ة على الغص==ين‪«،‬‬

‫والغصين على الغصن الصغير‪ ،‬والغصن الصغير على الغصن الكبير‪ ،‬والغصن الكب==ير على الش=جرة‪ ،‬والش=جرة في المس=تنقع‬

‫»… … والمستنقع بالوادي … أووه! يا له من مستنقع جميل! بالوادي … أووه‬

‫»‪.‬قال بينسان‪« :‬يمكنك العودة للفصل اآلن‪ ،‬وسأستدعيك عندما تكون الشرطة مستعدة للحديث معك‬

‫»هل ستتصل بهم اآلن؟«‬

‫»… إجراءات االتصال بالشرطة معقدة‪ .‬كنت أتمنى أن نتمكن من تسوية األمر سريعً ا وبهدوء‪ ،‬لكن طالما أنك مصمم«‬

‫»‪.‬قلت له‪« :‬بوسعي االنتظار لحين االتصال بهم‪ ،‬ال مانع لدي في ذلك‬
‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬فتأهبت لهجوم عنيف من جانبه‬ ‫‪.‬ضرب بخاتمه‬

‫»… صاح بينسان‪« :‬اذهب! لتخرج من مكتبي أيها الفتى اللعين البائس‬

‫خرجت من المكتب‪ ،‬دون أن أبدي أي تعبير على وجهي‪ .‬لم يكن ينوي االتصال بالش==رطة؛ فل==و ك==ان لدي==ه م==ا يكفي من األدل==ة‬

‫لتقديمها للشرطة‪ ،‬ال َّتصل بهم من البداية‪ .‬لقد كان ُيكِنُّ لي كرهًا شدي ًدا‪ ،‬وأعتقد أنه قد تن==اهى إلى س==معه بعض اإلش==اعات غ==ير‬

‫‪.‬المؤكدة عني‪ ،‬ورغب في تخويفي ألؤكدها له‬

‫أخذت أسير في الرواق بنشاط والمباالة‪ ،‬مع الحفاظ على مشيتي موزونة ومدروس==ة مراع==ا ًة لك==اميرات التع==رف على المش==ية‪.‬‬

‫جرى تركيب هذه الكاميرات منذ عام واحد‪ ،‬وقد أحببتها لغبائها المطلق‪ .‬كان ل=دينا في الس=ابق ك=اميرات للتع=رف على الوج=وه‬

‫بكل مكان عام تقريبًا في المدرسة‪ ،‬غير أن المحكمة أصدرت حكمًا بعدم دستورية ذلك؛ لذا‪ ،‬أنفق بينسان والكث==يرون غ==يره من‬

‫الموظفين اإلداريين المرضى بجنون االرتياب أموالنا التي دفعناها مقابل الكتب المدرسية على هذه الك==اميرات الغبي==ة ال==تي من‬

‫!المفترض أن تميز األفراد بمشيتهم‬


‫ً‬
‫ثانية مع ترحيب حار من السيدة جالفيس‪ .‬أخرجت أدوات المدرسة المعتادة‪ ،‬وعُدت ألجواء الفص==ل‬ ‫عدت إلى الفصل‪ ،‬وجلست‬

‫الدراسي‪ .‬كانت أفض==ل ه==ذه األدوات على اإلطالق في التجس==س هي أجه==زة الكم==بيوتر المدرس==ية المحمول==ة؛ فهي تس==جل ك==ل‬

‫ضغطة مفتاح‪ ،‬وتراقب كل صور استخدام الشبكة للكشف عن أي كلمات أساسية مريبة‪ ،‬وتحسب كل نق==رة‪ ،‬وتتعقب ك==ل فك==رة‬
‫ت الفك=رة بريقه=ا بالنس==بة لي في‬
‫خاطفة تنشرها على الشبكة‪ .‬حصلنا على هذه األجهزة في السنة قبل النهائي=ة بالمدرس==ة‪ ،‬وفق= َد ِ‬
‫غضون بضعة أشهر فحسب؛ فما إن اك ُتشِ ف أن هذه األجهزة «المجانية» تهدف لتحقيق المصلحة للس==لطة — فك==انت تع==رض‬

‫ضا سلسلة من اإلعالنات البغيضة — حتى بدأ الطالب يشعرون فجأة بأنها ثقيلة ومرهقة ج ًّدا‬
‫‪.‬أي ً‬

‫كان اختراق الكمبيوتر المدرسي المحمول الخاص بي سهاًل ‪ ،‬فت==وفرت ص==يغة االخ==تراق على اإلن==ترنت في غض==ون ش==هر من‬

‫ظهور الجه=از‪ ،‬وك=انت بس=يطة تمامً=ا‪ ،‬ك=ل م==ا علي=ك فعل==ه ه==و تنزي=ل ص=ورة ق=رص في==ديو رقمي‪ ،‬ونس=خها‪ ،‬ثم إدخاله=ا إلى‬

‫الكمبيوتر‪ =،‬وتشغيلها أثناء الضغط في الوقت ذاته على مجموعة من المفاتيح المختلفة‪ ،‬وسيتولى قرص الفيديو ال==رقمي م==ا تبقى‬

‫من المهمة؛ فيثبت مجموعة مختلفة من البرامج الخفية على الجهاز‪ ،‬وهي البرامج التي س==تظل خفي==ة ح==تى لمجلس التعليم عن==د‬

‫إجرائه فحوص السالمة اليومية عن بُعد لألجهزة‪ .‬وتوجَّ ب عليَّ بين الحين واآلخ==ر تح==ديث البرن==امج لخ==داع أح==دث اختب==ارات‬
‫ً‬
‫بسيطا مقابل بعض التحكم في الجهاز‬ ‫‪.‬المجلس‪ ،‬لكنَّ ذلك كان ثم ًنا‬

‫بدأت برنامجً ا اسمه «آي إم بارنويد»‪ ،‬وهو برنامج مراسالت فورية سري كنت أستخدمه عندما أرغب في إجراء محادثة غير‬

‫‪.‬مسجلة أثناء الحصص الدراسية‪ .‬كان داريل متصاًل بالفعل آنذاك‬

‫»اللعبة مستمرة! شيء كبير حدث في لعبة «هاراجوكو فان مادنس»‪ ،‬يا صاح! هل ستأتي معي؟«‬

‫»‪.‬مستحيل! إذا أُمسِ ك بي للمرة الثالثة وأنا أحاول الهرب‪ ،‬فسأُف َ‬


‫صل‪ .‬أنت تعلم ذلك! سنذهب بعد دوام المدرسة«‬

‫أمامك وقت الغداء‪ ،‬ثم قاعة الدراسة‪ ،‬أليس كذلك؟ مجموع ذلك ساعتان؛ أي وقت وفير الكتشاف ما حدث في اللعبة‪ ،‬والعودة«‬

‫»‪.‬قبل أن يالحظ أحد غيابنا‪ .‬سأجعل كل الفريق يخرج معنا‬

‫=رعت على اإلطالق‪ .‬أعلم أن=ني ق=د أش=رت ل=ذلك مس=ب ًقا‪ ،‬لكنه=ا معلوم=ة تس=تحق«‬
‫هاراجوكو فان مادنس» هي أفضل لعبة اخ ُت ِ‬
‫التكرار‪ .‬إنها إحدى ألعاب الواقع البديل‪ ،‬وتدور فكرتها ح=ول عص=ابة من الم==راهقين الياب==انيين المعاص=رين يكتش==فون ج=وهرة‬

‫شافية ذات قوة خارقة في معبد في هاراجوكو‪ ،‬وهو المكان ال=ذي ابتك=ر في=ه المراهق=ون الياب=انيون الرائع=ون ك=ل ثقاف=ة ثانوي=ة‬

‫مهمة ظهرت في األعوام العشرة الماضية‪ .‬يطاردهم رهبان أش=رار‪ ،‬والي=اكوزا (المافي=ا الياباني=ة)‪ ،‬وكائن=ات فض=ائية‪ ،‬ومفتش=و‬

‫ضرائب‪ ،‬وآباء‪ ،‬وذكاء اصطناعي خبيث‪ .‬يحل هؤالء األعداء رسائل الالعبين المش=فرة ال==تي يل==زم علين==ا فكه==ا‪ ،‬ويس==تخدمونها‬

‫‪.‬للتوصل إلى أدلة تؤدي بدورها إلى مزيد من الرسائل المشفرة واألدلة‬

‫تخيل أنك تقضي أفضل فترة بعد الظهيرة على اإلطالق في التجول بشوارع مدينة= ما‪ ،‬متفحصًا غري=بي األط=وار‪ ،‬واإلعالن=ات‬

‫أغ=ان‬
‫ٍ‬ ‫توزع باليد‪ ،‬ومج==انين الش==وارع‪ ،‬والمح=ال غ==ير التقليدي==ة‪ =.‬ه==ذا فض=اًل عن مط==اردة تتطلب من==ك البحث في‬
‫العجيبة التي َّ‬

‫وأفالم قديمة عجيبة‪ ،‬وثقافة مراهقين من جميع أنحاء العالم‪ ،‬ومن كل األزمان واألماكن‪ .‬وهي مسابقة يحصل الفريق الفائز بها‬

‫— والمكون من أربعة أفراد — على جائزة رائعة؛ وهي قضاء عشرة أيام في طوكيو‪ ،‬يتنزهون فيها على جس==ر ه==اراجوكو‪،‬‬

‫ويستمتعون بأحدث ما توص=لت إلي=ه التكنولوجي=ا في منطق=ة أكيهاب=ارا‪ ،‬ويش=ترون جمي=ع منتج=ات الطع=ام ال=تي تحم=ل ص=ورة‬

‫ُعرف باسم «الفتى أتوم» في اليابان‬


‫‪.‬شخصية «الفتى أسترو» الكرتونية‪ ،‬غير أنه ي َ‬
‫‪.‬تلك هي لعبة «هاراجوكو فان مادنس»‪ .‬وعندما تحل ً‬
‫لغزا أو اثنين‪ ،‬لن يمكنك= التراجع بعد ذلك ً‬
‫أبدا‬
‫ً‬
‫ثانية«‬ ‫»‪.‬ال‪ ،‬لن أفعل‪ .‬ال‪ ،‬ال تطلب حتى ذلك‬

‫أنا بحاجة إليك يا دي‪ .‬أنت أفضل رفاقي‪ .‬أقسم لك بأنني سأحرص على دخولنا وخروجنا دون أن يعلم أحد‪ .‬أنت تعلم أن ذلك«‬

‫»بإمكاني‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫»‪.‬أعلم أنه بإمكانك«‬

‫»إذن‪ ،‬ستأتي؟«‬

‫»!كال«‬

‫»‪.‬باهلل عليك يا داريل! لن تندم إذا مت قبل أن تحضر مزي ًدا من الحصص في المدرسة«‬

‫»‪.‬ولن أندم إذا مت قبل أن أقضي مزي ًدا من الوقت في لعب إحدى ألعاب الواقع البديل أيضًا«‬
‫ً‬
‫مزيدا من الوقت مع فانيسا باك‪ ،‬أليس كذلك؟«‬ ‫تقض‬
‫»نعم‪ ،‬لكنك قد تندم إذا لم ِ‬
‫كانت فان أحد أعضاء فريقي‪ ،‬وقد التحقت بمدرسة خاصة للفتيات في منطقة إيست باي‪ ،‬لكنني كنت أعلم أنها س==تهرب لتنض==م‬

‫إليَّ وتنفذ المهمة معي‪ .‬كان داريل معجبًا بها لسنوات‪ ،‬حتى قبل أن تتبدى مفاتنها العديدة= بوصولها مرحلة البل==وغ‪ .‬وق==ع داري==ل‬

‫!في حب عقلها‪ .‬أمر محزن ح ًّقا‬

‫»!أيها الحقير«‬

‫»ستأتي؟«‬

‫وهز رأسه‪ ،‬ثم أومأ بها مواف ًقا‪ .‬غمزت بعيني له‪ ،‬ثم بدأت االتصال بباقي أعضاء الفريق‬
‫َّ‬ ‫‪.‬نظر إليَّ ‪،‬‬

‫•••‬

‫لم أكن دائمًا ولِ ًعا بألعاب الواق==ع الب==ديل‪ ،‬فل==دي س==ر خط==ير‪ ،‬وه=و أن==ني اعت==دت على ألع==اب تقمص األدوار في إط=ار ط==بيعي‪.‬‬

‫ويعكس هذا االسم طبيعة هذه األلعاب بالضبط؛ ففيها يجري الالعب في األرجاء مرتديًا أزياء التمثيل‪ ،‬ويتح==دث بلكن==ة غريب==ة‪،‬‬

‫متظاهرً ا بأنه جاسوس عظيم أو مصاص دماء أو فارس من القرون الوس==طى‪ .‬وهي تش==به لعب==ة «اإلمس==اك ب==العلم» م==ع بعض‬

‫مالمح لعب األدوار الدرامية وألعاب محاربي التنين‪ ،‬وأفضلها تلك التي لعبناها في مخيمات الكشافة خ==ارج المدين==ة في س==نوما‬

‫أو شبه الجزيرة‪ .‬وكان من الممكن أن تص==ير ه==ذه المالحم‪ ،‬ال==تي تس==تمر ثالث==ة أي==ام‪ ،‬خط==ير ًة للغاي==ة‪ ،‬م==ع رحالت الس==ير على‬

‫األقدام نهارً ا‪ ،‬والمعارك الملحمية باستخدام السيوف المصنوعة من الخيزران والمطاط الزبدي‪ ،‬وإلقاء التعاويذ السحرية ب==رمي‬

‫أكياس صغيرة مملوءة بالحبوب والصياح «كرة نارية!» وهكذا‪ .‬لعبة ممتعة‪ ،‬وإن كانت بلهاء بعض الشيء‪ .‬لكنه==ا ليس==ت على‬

‫القدر نفسه من غرابة التحدث عم=ا يخط=ط ل=ه الج=ني الص=غير ال=ذي تلعب ب=ه أثن=اء جلوس=ك على مائ=دة ممل=وءة بالمش=روبات‬
‫ً‬
‫نشاطا بدن ًّيا من الدخول في غيبوبة وأنت ممس==ك بالف==أرة‬ ‫الغازية منخفضة السعرات‪ ،‬والمجسمات الصغيرة الملونة؛ وهي أكثر‬

‫‪.‬أمام لعبة يشترك فيها عدد كبير من الالعبين في المنزل‬


‫كانت األلعاب المصغرة التي كنا نمارسها في الفنادق هي ما أوقعتني في مشكالت‪ ،‬فمع وصول أي م==ؤتمر للخي==ال العلمي إلى‬

‫المدينة‪ ،‬كان أحد ممارسي ألعاب تقمص األدوار في إطار طبيعي يقنع القائمين على الم==ؤتمر بالس==ماح لن==ا بممارس==ة بعض من‬

‫األلعاب المصغرة التي تبلغ مدتها ست ساعات في الم==ؤتمر‪ ،‬متطفلين على قيم=ة ت==أجيرهم للمك=ان‪ .‬وك=ان تواج==د مجموع==ة من‬

‫الشباب المتحمسين يركضون في األرجاء مرتدين مالبس تمثيل يضفي حيوية على الحدث‪ ،‬وكنا نستمتع وسط أفراد حتى أكثر‬

‫‪.‬انحرا ًفا من الناحية االجتماعية م َّنا‬

‫لكن عيب الفنادق أن زوَّ ارها ال يقتصرون على هواة الخيال العلمي فحس=ب‪ ،‬وإنم=ا تض=م ك==ذلك الكث==ير ممن ال يمارس=ون ه=ذه‬

‫‪.‬األلعاب‪ .‬أشخاص عاديون‪ ،‬من واليات تبدأ أسماؤها وتنتهي بحروف متحركة‪ ،‬يقضون إجازاتهم‬

‫‪.‬وفي بعض األحيان‪ ،‬يسيء هؤالء األفراد فهم طبيعة األلعاب‬

‫لنكتفِ بهذا القدر من الحديث في هذا الشأن‪ ،‬حس ًنا؟‬

‫•••‬

‫انتهت الحصة بعد عشر دقائق‪ ،‬ولم يترك لي ذلك الكثير من الوقت لالستعداد‪ =.‬كانت المهم==ة األولى هي التعام==ل م==ع ك==اميرات‬

‫التعرف على المشية المزعجة‪ .‬ومثلما أشرت من قبل‪ ،‬كانت هذه الكاميرات في البداية للتع==رف على الوج==وه‪ ،‬لكن ص==در حكم‬

‫بعدم دستورية استخدامها‪ .‬وعلى حد علمي‪ ،‬لم تصل محكمة بع ُد إلى قرار بش==أن م==ا إذا ك==انت ك==اميرات التع==رف على المش==ية‬

‫‪.‬هذه قانونية أم ال‪ .‬لكن إلى أن تفعل‪ ،‬ال مفر من التعامل معها‬

‫المشية هي الطريقة التي تسير بها‪ ،‬ويبرع الناس في تحدي==د ه==ذ الطريق=ة‪ .‬عن=د انض==مامك لرحل==ة تخ=ييم الم=رة القادم=ة‪ ،‬الح=ظ‬
‫اهتزاز ضوء المصباح اليدوي أثناء اقتراب صديق آ ٍ‬
‫ت من بعيد نح==وك‪ ،‬فمن الم==رجح أن تتمكن= من التع==رُّ ف علي==ه من حرك==ة‬
‫ً‬
‫شخص=ا‬ ‫الضوء فقط؛ أي الطريقة المم=يزة ال=تي يه=تز به=ا إلى أعلى وأس=فل‪ ،‬وال=تي يمكن أن تبعث برس=الة لعقولن=ا ب=أنَّ هن=اك‬

‫‪.‬يقترب م َّنا‬

‫يلتقط برنامج التعرف على المشية صورً ا لحركتك‪ ،‬ويحاول عزلك في الصور كصورة ظلية‪ ،‬ثم مطابق=ة ه=ذه الص==ورة الظلي=ة‬

‫بقاعدة بيانات لمعرفة ما إذا كانت هذه القاعدة ستتعرف على هويتك أم ال‪ .‬إنه نوع من معرفات القياس الحيوي‪ ،‬مث==ل بص==مات‬

‫األصابع‪ ،‬أو مسح شبكية العين‪ ،‬لكنه ينطوي على تناقضات تفوق بكثير ه==ذه المعرف==ات األخ==رى‪ .‬ويح==دث «تن==اقض» القي==اس‬

‫الحيوي عندما يتطابق القياس مع أكثر من شخص واحد؛ فال يشترك أحد معك في بصمة إص==بعك‪ ،‬أم==ا المش==ية فيش==اركك فيه==ا‬

‫‪.‬كثيرون‬

‫ليس تما ًم ا‪ ،‬بالطبع‪ ،‬فمشيتك بحذافيرها تنفرد بها وحدك‪ ،‬وال أحد غيرك يشترك معك فيها‪ .‬بيد أن المشكلة تتمث==ل في التغ==يرات‬

‫التي تطرأ على هذه المشية وف ًقا لمدى شعورك باإلرهاق‪ ،‬ومما تتكون األرض=ية ال=تي تمش==ي عليه=ا‪ ،‬وم=ا إذا كنت ق=د أجه==دت‬
‫كاحلك أثناء لعب كرة السلة‪ ،‬أو استبدلت حذاءك مؤخرً ا؛ ومن َث َّم‪ ،‬يشوش النظام بشكل ما ص==ورتك الجانبي==ة‪ً ،‬‬
‫باحث==ا عن أف==راد‬

‫‪.‬يسيرون مثلك‬
‫يتشابه الكثير من الناس معك في مشيتهم‪ ،‬أضف إلى ذلك أنه من السهل عليك تغيير الطريقة التي تسير بها‪ ،‬وأبس==ط مث==ال على‬

‫ذلك أن تخلع إحدى فردتي الحذاء‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬ستسير بالطبع مثلما تفع==ل دائ ًم==ا عن==د خل==ع إح==دى ف==ردتي ح==ذائك‪ ،‬وبالت==الي‬

‫ستكشف الكاميرات في النهاية عن هويتك‪ .‬ولهذا‪ ،‬أ ُ ِّ‬


‫فض=ل إض==فاء بعض العش==وائية على األس==لوب ال==ذي أتبع==ه في خ==داع تقني==ة‬

‫التعرف على المشية؛ فأضع حفنة من الحصى في كل فردة حذاء‪ .‬وسيلة فعال==ة ورخيص==ة‪ ،‬وال تب==دو فيه==ا خطوت==ان متم==اثلتين‪=.‬‬

‫هذا إلى جانب حصولك على تدليك رائع للقدمين بتط=بيق علم المنعكس=ات (إن=ني أم=زح! فعلم المنعكس=ات على الق=در نفس=ه من‬

‫‪.‬الفائدة العلمية كتقنية التعرف على المشية)‬

‫‪.‬اعتادت الكاميرات إصدار إنذار في كل مرة يدخل فيها شخص ال تتعرف عليه إلى حرم المدرسة‬

‫‪.‬لكن ذلك لم يُج ِد نفعً ا‬

‫فكان اإلنذار يصدر كل عشر دقائق؛ عند مجيء ساعي البريد‪ ،‬وعند وصول أحد أولياء األمور‪ ،‬وعند ذهاب العم==ال إلص==الح‬

‫‪.‬ملعب كرة السلة‪ ،‬وعند ارتداء أحد الطالب حذا ًء جدي ًدا‬

‫ومن ثم‪ ،‬فإنها تحاول حال ًّيا تع ُّقب من يوجد أين ومتى‪ .‬وإذا خرج شخص م==ا من بواب==ات المدرس==ة أثن==اء الحص==ص المدرس==ية‪،‬‬

‫! ُت َ‬
‫فحص مشيته لمعرفة ما إذا كانت تطابق مشية أيٍّ من الطالب‪ .‬وإن كان األمر كذلك‪ ،‬يص ُدر اإلنذار على الفور‬

‫تطوِّ ق الممرات المغطاة بالحصى مدرسة ش==افيز الثانوي==ة‪ ،‬وأحب دائ ًم==ا االحتف==اظ بحفن==تين من ه==ذا الحص==ى في حقيب==ة الظه==ر‬

‫الخاصة بي‪ ،‬كإجراء احتياطي‪ .‬مرَّ رت لداريل في هدوء عشرً ا أو خمس عشرة حصاة صغيرة مس==تدقة األط==راف‪ ،‬ووض==عناها‬

‫‪.‬في حذاءينا‬

‫أوشكت الحصة على االنتهاء‪ ،‬وأدركت حينها أنني لم أتحقق بع ُد من موقع لعبة «هاراجوكو فان م=ادنس» اإللك=تروني لمعرف=ة‬

‫‪.‬مكان الدليل التالي! فقد كان تركيزي بالكامل منص ًّب ا على الهروب‪ ،‬ولم أزعج نفسي باكتشاف المكان الذي سنهرب إليه‬

‫توجهت إلى الكمبيوتر المدرسي المحمول الخاص بي‪ ،‬وضغطت على لوحة المفاتيح‪ .‬كان مزو ًدا ببرنامج تص==فح ال==ويب ال==ذي‬

‫علينا استخدامه‪ ،‬وهو إصدار مؤمَّن مزود ببرنامج تجسس من برن=امج التص=فح «إن=ترنت إكس=بلورر»‪ ،‬ذل=ك البرن=امج الحق=ير‬

‫‪.‬الكثير األعطال الذي تنتجه شركة مايكروسوفت‪ ،‬والذي ال يستخدمه أحد دون األربعين عامًا طوعًا‬

‫كانت لدي نسخة من برنامج التصفح «فايرفوكس» على محرك اليو إس بي ال ُم==د َمج= في س==اعة الي==د الخاص==ة بي‪ ،‬لكن ذل==ك لم‬

‫يكن كافيًا؛ فقد كان نظام تشغيل الكمبيوتر المدرسي المحمول هو «فيستا فور سكولز»‪ ،‬وهو نظام تشغيل عتيق مص==مم إليه==ام‬

‫‪.‬اإلداريين بالمدارس بأنهم يتحكمون في البرامج التي يمكن للطالب تشغيلها‬

‫لكن نظام التشغيل «فيستا فور سكولز» هو في حد ذاته أسوأ أعدائه؛ فيوجد الكثير من البرامج ال==تي ال ي==رغب ه==ذا النظ==ام في‬

‫أن تتمكن من إغالقها‪ ،‬مثل برامج رصد ضغطات لوحة المفاتيح‪ ،‬وبرامج الرقابة‪ .‬وهذه البرامج تعمل في وضع خاص يجعلها‬

‫‪.‬غير مرئية للنظام‪ ،‬وال يمكنك التخلص منها ألنك ال تعرف بوجودها في المقام األول‬
‫يكون غير مرئي لنظام التشغيل‪ ،‬فال يظهر في قوائم محرك األقراص الص==لبة‪ ،‬وال في أداة ‪ $SYS$‬أي برنامج يبدأ اسمه ﺑ‬
‫وبتشغيلي إياها صارت غير ‪ $SYS$Firefox.‬مراقبة العمليات؛ لذا‪ ،‬حملَ ْ‬
‫ت نسخة «الفايرفوكس» التي كنت أستخدمها اسم‬

‫‪.‬مرئية لنظام ويندوز‪ ،‬وبالتالي لبرامج التجسس الموجودة بالشبكة‬


‫صار يعمل على الجهاز اآلن برنامج تصفح ويب مستقل‪ ،‬ول=زم الحص==ول على اتص=ال ش==بكة مس==تقل ً‬
‫أيض=ا؛ فش=بكة المدرس=ة‬

‫كانت تسجل ك=ل نق=رة داخ=ل النظ=ام وخارج=ه‪ ،‬م=ا يع=د أم=رً ا س=ي ًئا إذا كنت تخط=ط لتص=فح موق=ع «ه=اراجوكو ف=ان م=ادنس»‬

‫‪.‬اإللكتروني للحصول على بعض المتعة بعي ًدا عن المنهج الدراسي‬

‫وح ُّل هذه المشكلة شيء بارع اسمه «تور» (أو مُوجِّ ه االتصال المجهول)‪ .‬وموجه االتصال المجهول هو موقع على اإلن==ترنت‬

‫يتلقى طلبات الوصول لصفحات معينة على الويب‪ ،‬ثم يمررها إلى موجِّ هات أخرى من النوع نفس==ه‪ ،‬وهك==ذا‪ ،‬ح==تى يق==رر أح==د‬

‫هذه الموجهات أخيرً ا الوصول إلى الصفحة وتمريرها ع==بر الموجه==ات إلى أن تص==ل إلي==ك‪ .‬واالنتق==ال بين موجه==ات االتص==ال‬

‫المجهول مشفر‪ ،‬ما يعني أن المدرسة ال يمكنها رؤية ما تطلبه‪ ،‬والموجهات ال يمكنها معرفة هوية من تعمل له‪ .‬ويوج==د العدي=د=‬

‫من العقد هنا؛ ف َمن وضع هذا البرنامج ه==و المكتب األم==ريكي لألبح==اث البحري==ة لمس==اعدة الع==املين ب==ه في اإلفالت من ب==رامج‬

‫‪.‬الرقابة في دول مثل سوريا والصين‪ .‬ومعنى ذلك أن تصميمه يتالءم تمامًا مع التشغيل في حدود مدرسة ثانوية أمريكية عادية‬

‫ينجح «تور» ألن المدرسة لديها الئحة سوداء مح==دودة من العن==اوين اإللكتروني==ة المحظ==ورة على الطالب زيارته==ا‪ ،‬وعن=اوين‬

‫حول==ني ك= ٌّل من برن==امج «ف==ايرفوكس» و«ت==ور» إلى‬


‫العقد تتغير باستمرار؛ ومن ثم ما من سبيل أمام المدرس==ة لتعقبه==ا كله==ا‪َّ .‬‬
‫الرجل الخفي الذي ال يتأثر بتجسس مجلس التعليم‪ ،‬ويتحقق بحرية من موقع لعبة «هاراجوكو فان مادنس»‪ ،‬ويتعرف على م==ا‬

‫‪.‬يستجد به‬

‫ها هو ذا دليل جديد‪ .‬ومثل جميع أدلة «هاراجوكو فان مادنس»‪ ،‬ينطوي هذا الدليل على مك==ون م=ادي‪ ،‬وآخ=ر على اإلن==ترنت‪،‬‬

‫وث==الث ذه==ني‪ .‬المك==ون الموج==ود على اإلن==ترنت ه==و لغ==ز ينبغي ل==ك حل==ه‪ ،‬ويتطلب البحث عن أجوب==ة لمجموع==ة من األس==ئلة‬

‫الغامضة‪ .‬تضمنت هذه المجموعة عد ًد ا من األسئلة حول الحبكات الدرامية في الدوجنشي؛ وهي كتب القصص المصورة ال==تي‬

‫يرسمها هواة المانجا؛ وهي القصص المصورة اليابانية‪ .‬ويمكن أن تصل الدوجنشي في حجمها لحجم القصص المص==ورة ال==تي‬

‫=ان س==خيفة ح ًّق==ا‪،‬‬


‫تستلهم أفكارها منها‪ ،‬غير أنها أكثر غرابة منها‪ ،‬مع وجود روايات متداخلة‪ ،‬وفي بعض األحي==ان أح==داث وأغ= ٍ‬
‫‪.‬والعديد= من قصص الحب بالطبع؛ فيحب الجميع رؤية شخصياتهم المفضلة في األلعاب وقد وقعوا في الحب‬

‫سيلزم عليَّ حل هذه األلغاز في وقت الحق‪ ،‬عندما أعود إلى المنزل‪ ،‬فمن األيسر حلها برفقة الفريق بالكامل‪ ،‬مع تنزيل العدي==د‬
‫‪.‬من ملفات الدوجنشي‪ ،‬وتصفحها سري ًعا ً‬
‫بحثا عن أجوبة لأللغاز‬
‫كنت قد انتهيت لتوي من تجميع األدل==ة كله==ا في س==جل القصاص==ات حينم==ا دق الج==رس‪ ،‬وش==رعنا في اله==روب‪ .‬دسس==ت خفي= ً‬
‫=ة‬

‫الحصى في جانب حذائي البوت القصير‪ ،‬كان حذا ًء أسترال ًّيا من ط==راز «بالندس==تونز» يص==ل ارتفاع==ه إلى الكاح==ل‪ ،‬رائ==ع في‬
‫الركض والتسلق‪ ،‬وتصميمُه الخالي من األربطة الذي يساعد في ارتدائه وخلعه يجعله مالئمًا م==ع أجه==زة الكش==ف عن المع==ادن‬

‫‪.‬المنتشرة في كل مكان اآلن‬


‫لزم علينا أي ً‬
‫ضا‪ ،‬بالطبع‪ ،‬تجنب المراقبة المادية‪ ،‬بيد= أن ذلك يصير أيسر في ك==ل م==رة يض==يفون فيه==ا طبق==ة جدي==دة من أس==اليب‬

‫التجسس المادي؛ فكل األجراس والصفارات تمنح هيئة المدرسين الحبيبة ش==عورً ا خاط ًئ==ا تما ًم==ا باألم==ان‪ .‬أس==رعنا بين الجم==وع‬

‫التي مألت األروقة‪ ،‬متوجهين إلى المخرج الجانبي المفضل لدي‪ .‬كنا قد تجاوزن==ا نص==ف الطري==ق عن==دما ق==ال داري==ل بص==وت‬

‫»‪.‬خفيض‪« :‬اللعنة! لقد نسيت‪ .‬معي في الحقيبة كتاب من المكتبة‬

‫قلت له وأنا أسحبه إلى أول دورة مياه نمر بها‪« :‬أتمزح؟!» كتب المكتبة أم==ر س==يئ؛ فك==ل كت==اب منه==ا م==زود بش==ريحة لتحدي==د‬

‫الهوية باستخدام الموجات الالسلكية‪ ،‬وتكون هذه الش=ريحة ملص=قة بتجلي=د الكت==اب‪ ،‬م=ا ي==تيح ألمن==اء المكتب=ة التحق=ق من الكتب‬

‫بتمريرها على جهاز قارئ لهذه الشرائح‪ ،‬ويس==مح ألرف==ف المكتب==ة بالتنبي=ه= عن==دما تك==ون أح==د الكتب الموج==ودة علي==ه في غ==ير‬

‫‪.‬أماكنها‬

‫لكنها تسمح كذلك للمدرسة باقتفاء أثرك على ال=دوام‪ ،‬وهي واح==دة من الثغ=رات القانوني==ة؛ فال تس==مح المح=اكم للم=دارس بتعقب‬

‫«الطالب» باس==تخدام ش==رائح تحدي =د= الهوي==ة باس==تخدام الموج==ات الالس==لكية‪ ،‬لكن بإمك==ان الم==دارس تعقب «كتب المكتب==ة»‪،‬‬

‫‪.‬واستخدام السجالت المدرسية إلخبارها َمن على األرجح يحمل أ ًّيا من كتب المكتبة‬

‫كنت أحمل في حقيبتي محفظة فاراداي؛ وهي محفظة صغيرة محشوة بشبكة من األسالك النحاسية التي تحجب بفاعلي==ة الطاق==ة‬

‫صمِّم إلبطال مفع==ول‬ ‫ً‬


‫مبطلة مفعول شرائح تحديد= الهوية باستخدام الموجات الالسلكية‪ .‬بيد= أن هذا النوع من المحافظ ُ‬ ‫الالسلكية‪،‬‬

‫… بطاقات الهوية وأجهزة اإلرسال‪/‬االستقبال المستخدمة في أكشاك تحصيل الرسوم‪ ،‬وليس لكتب من قبيل‬
‫‪.‬قلت ممتع ً‬
‫ضا‪« :‬مقدمة في الفيزياء؟» كان الكتاب بحجم القاموس‬
‫الفصل الثاني‬
‫أهدي هذا الفصل لموقع أمازون اإللكتروني‪ ،‬أكبر موقع ل==بيع الكتب على اإلن==ترنت في الع==الم‪ .‬إن==ه م==ذهل؛ فه==و متج==ر يمكن==ك‬

‫الحصول منه فعل ًّيا على أي كتاب ُنشِ ر على اإلطالق (باإلضافة إلى أي شيء آخر تقريبًا‪ ،‬بدءًا من أجهزة الكم==بيوتر المحم==ول‬

‫ووصواًل إلى مَباشِ ر الجبن)‪ ،‬وهو المكان الذي وصل بالتوصيات إلى مستوى كبير‪ ،‬وال==ذي يس==مح للعمالء بالتواص==ل المباش==ر‬

‫مع بعضهم البعض‪ ،‬ويقوم باالبتكار الدائم ألساليب حديثة وأكثر فاعلية لربط القُرَّ اء بالكتب‪ .‬ولطالما تعامل معي موقع أم==ازون‬

‫على أفضل وجه؛ حتى إن «جيف بيزوس» نفسه — مؤسس الموقع — أرسل مراجعة نقدية كقارئ لرواي==تي األولى! ك==ذلك‪،‬‬

‫فإنني مولع بالتسوق على هذا الموقع (بالنظر إلى جداول بياناتي‪ ،‬يتضح أنني أشتري شي ًئا ما من موق=ع أم=ازون ك=ل س==تة أي=ام‬

‫تقريبًا)‪ .‬هذا ويعمد الموقع إلعادة ابتكار ما يع==تزم أن يك==ون متج==رً ا ل==بيع الكتب يلي==ق ب==القرن الح==ادي والعش==رين‪ ،‬وال يمكن==ني‬

‫‪.‬التفكير في مجموعة أفراد أفضل من القائمين عليه في مواجهة مثل هذه المجموعة الشائكة من المشكالت‬
‫***‬
‫قال داريل‪« :‬أفكر في التخصص في الفيزياء عند ذهابي إلى بيركلي‪ ».‬ك=ان وال==ده أس= ً‬
‫=تاذا بجامع==ة كاليفورني=ا في ب=يركلي؛ م=ا‬

‫‪.‬يعني أن داريل سيُع َفى من رسوم التعليم عند التحاقه بالجامعة‪ ،‬وهو األمر الذي لم يكن قط محل نقاش داخل أسرته‬

‫»حس ًنا‪ ،‬لكن لماذا لم تبحث عن هذا الكتاب على اإلنترنت؟«‬

‫»‪.‬قال والدي إنه ينبغي لي قراءته‪ ،‬كما أنني لم أخطط الرتكاب أية جرائم اليوم«‬

‫»‪.‬الهروب من المدرسة ليس جريمة‪ ،‬وإنما مخالفة للقانون‪ ،‬وهما أمران مختلفان كل االختالف«‬

‫»ماذا سنفعل يا ماركوس؟«‬

‫حس= ًنا‪ ،‬ال يمكن==ني إخف==اؤه؛ ل==ذا س==يلزم عليَّ وض==عه في الم==ايكروويف‪ُ ».‬ي َع==د القض==اء على ش==رائح تحدي==د الهوي==ة باس==تخدام«‬

‫الموجات الالسلكية من األمور السيئة والمخيفة‪ ،‬فما من صاحب متجر يرغب في أن يتج==ول زب==ائن م==اكرون بأرج==اء متج==ره‪،‬‬

‫تاركين خلفهم مجموعة من البضائع المبعثرة وقد فقدت الباركود غير المرئي الخاص بها‪ ،‬ومن ثم رفض==ت الجه==ات المُص = ِّنعة‬

‫تطبيق «إشارة تعطيل» يمكن إرسالها السلك ًّيا إلى شريحة تحديد الهوية إليقاف تش==غيلها‪ .‬إال أن==ه يمكن إع==ادة برمج==ة الش==رائح‬
‫باستخدام الكمبيوتر المناسب‪ ،‬لكنني أكره فعل ذلك بكتب المكتبة‪ =.‬ال يشبه األمر تمزيق صفحات من الكتاب‪ ،‬لكنه ال ي==زال فعاًل‬

‫كريهًا؛ ألن الكتاب ذا الشريحة المُعادة برمجتها ال يمكن وضعه على األرفف‪ ،‬وال يمكن العث==ور علي==ه‪ .‬ويص==بح بالت==الي ك==إبرة‬

‫‪.‬وسط كومة من القش‬

‫لم يع ُْد أمامي بذلك سوى خيار واحد؛ أال وهو وضع ذلك الشيء في المايكروويف‪ .‬ثالثون ثانية بالض==بط في الم==ايكروويف من‬

‫شأنها تدمير أية شريحة تحديد= هوية في السوق‪ .‬وعن=دما يعي==د داري=ل الكت==اب إلى المكتب=ة‪ =،‬لن تس==تجيب الش==ريحة للق=ارئ على‬

‫اإلطالق‪ ،‬وما سيكون من المكتبة إال أن تطبع شريحة جديدة له‪ ،‬وتعيد= تشفيرها بمعلومات فهرسة الكتاب‪ ،‬وس==ينتهي ب==ه األم==ر‬

‫‪.‬نظي ًفا وأني ًقا مرة أخرى على الرف‬


‫‪.‬كل ما احتجنا إليه هو المايكروويف‬

‫»‪.‬قلت لداريل‪« :‬دقيقتين وغرفة استراحة المعلمين ستكون خالية‬

‫«لتنس األمر! مستحيل أن أفعل ذلك‪ .‬سأذهب إلى الفصل‬


‫َ‬ ‫»‪.‬نزع داريل كتابه من يدي‪ ،‬وتوجه صوب الباب قائاًل ‪:‬‬

‫ثانية قائاًل ‪« :‬لتهدأ يا داريل! سيسير كل شيء على ما يرام‬


‫ً‬ ‫»‪.‬أمسكت بمرفقه سريعً ا‪ ،‬وسحبته إلى الداخل‬

‫مس=ك بي م==رة أخ=رى فحس=ب‪ ،‬فسأ ُ َ‬


‫فص=ل‪ .‬أتس==مع م=ا«‬ ‫غرفة استراحة المعلمين؟! لعلك لم تنصت إلى حديثي يا ماركوس‪ .‬إذا أ ُ ِ‬
‫»‪.‬أقول؟ أُفصل‬

‫قلت له‪« :‬لن يُم َسك بك‪ ».‬فآخر مكان يمكن أن يوجد فيه أي معلم بعد هذا ال==وقت ه==و غرف==ة االس==تراحة‪« .‬س==ندخل من الجه==ة‬

‫الخلفية‪ ».‬كان بالغرفة مطبخ صغير بأحد جوانبها المزود بم==دخل للمعلمين ال==ذين يرغب==ون في ال==دخول س==ري ًعا للحص==ول على‬

‫كوب من القهوة‪ ،‬وهنالك كان يوجد المايكروويف — الذي تفوح منه دائ ًم ا رائحة الفشار والحساء المسكوب — أعلى الثالج==ة‬

‫‪.‬الصغيرة‬

‫همهم داري==ل مس==تنكرً ا‪ .‬ففك==رت س==ري ًعا‪ ،‬وقلت ل==ه‪« :‬انظ==ر‪ ،‬ه==ا ق==د دق الج==رس بالفع==ل‪ ،‬إذا ذهبت إلى قاع==ة الدراس==ة اآلن‪،‬‬

‫فستحصل على إنذار للتأخير‪ ،‬من األفضل أال تظهر على اإلطالق اآلن‪ .‬بوسعي دخول أية غرف==ة في ه==ذه المدرس==ة والخ==روج‬
‫ً‬
‫خلسة يا داريل‪ ،‬لقد رأيتني أفعل ذلك من قبل‪ .‬سأحميك يا صديقي‬ ‫»‪.‬منها‬
‫ً‬
‫ثانية مستنكرً ا‪ .‬كانت هذه إحدى أمارات داريل؛ عندما يبدأ في الهمهمة‪ ،‬يكون على وشك الرضوخ‬ ‫‪.‬همهم‬

‫‪.‬لننطلق!» قلت ذلك‪ ،‬ومضينا في طريقنا«‬

‫نفذنا الخطة بال أخطاء‪ .‬تجاوزنا الفصول‪ ،‬ونزلنا على الساللم الخلفية إلى الطابق السفلي‪ ،‬ثم صعدنا الساللم األمامية الموج==ودة‬

‫أمام غرفة استراحة المعلمين بالضبط‪ .‬ما من صوت داخل الغرفة‪ ،‬أدرت مقبض الباب بهدوء‪ ،‬وسحبت داريل إلى الداخل قب==ل‬

‫‪.‬أن أغلق الباب في هدوء تام‬


‫ً‬
‫نظافة مما كان عليه آخر مرة دخلت فيها هنا الستخدامه‪ .‬لففت الكتاب بعناي==ة‬ ‫دخل الكتاب بالكاد في المايكروويف الذي بدا أقل‬

‫في مناديل ورقية قبل أن أضعه داخل المايكروويف‪ ،‬وأنا أهمس‪« :‬يا إلهي! المعلمون قذرون ح ًّقا‪ ».‬لم ينطق داريل الذي ظهر‬

‫‪.‬على وجهه التوتر والشحوب‬

‫ُدمِّرت شريحة تحديد الهوية في وابل من الومضات التي بدت جميلة ح ًّقا (وإن لم تكن على القدر نفس==ه من الجم==ال ال==ذي ت==راه‬

‫‪.‬عند وضع عنب مجمد في المايكروويف‪ ،‬وهو ما ينبغي لك مشاهدته لتصديقه)‬

‫‪.‬واآلن‪ ،‬حان وقت الخروج خلسة من المدرسة دون أن يتعرف علينا أحد‪ ،‬والهروب من المكان‬

‫فتح داريل الباب‪ ،‬وشرع في الخروج‪ ،‬وأنا في أعقاب==ه‪ .‬وبع==د ثاني==ة واح==دة‪ ،‬ك==ان يق==ف على أص==ابع ق==دمي‪ ،‬ومرفق==اه يص==دمان‬

‫‪.‬صدري بقوة‪ ،‬وهو يحاول الرجوع للخلف للدخول مرة أخرى للمطبخ المشابه للخزانة في حجمه الذي كنا قد تركناه للتو‬

‫»!همس في إلحاح‪« :‬عُد إلى الداخل‪ ،‬سريعً ا … إنه تشارلز‬


‫لم أكن على وفاق مع تشارلز ووكر‪ .‬كنا في الصف الدراسي ذاته‪ ،‬ومضى على معرفتي به مثلما مضى على معرفتي بداريل‪،‬‬

‫لكن هذه هي أوجه التشابه الوحيدة بيننا‪ =.‬فطالما كان ضخم البنيان مقارنة بسنه‪ ،‬وصار اآلن أكثر ضخامة بممارسته ك=رة الق=دم‬

‫وحصوله على المنشطات‪ .‬وقد كان يعاني من مشكالت تتعلق بالتحكم في الغض==ب؛ فأفق==دني إح==دى أس==ناني اللبني==ة في الص==ف‬
‫ً‬
‫نشاطا في المدرسة‬ ‫‪.‬الثالث‪ .‬لكنه تمكن من تفادي المتاعب الناجمة عن تلك المشكالت بأن أصبح أكثر الواشين‬

‫واش يجد متعة كبيرة في إبالغ المعلمين بأية مخالفات يكتشفها‪ .‬كان بينس==ان يحب تش==ارلز‪ ،‬وك==ان‬
‫ٍ‬ ‫يا له من مزيج سيئ! متنمر‬
‫ً‬
‫جاهزا للتجول خلسة في أروق==ة مدرس==ة ش==افيز‬ ‫تشارلز يدَّعي دومًا أنه يعاني من مشكلة غير محددة في المثانة؛ ما منحه عذرً ا‬
‫ً‬
‫‪.‬باحثا عمن يمكنه الوشاية به‬

‫آخر مرة الحظ فيها تشارلز بعض التراب عليَّ ‪ ،‬انتهى األمر بتوقفي عن ممارسة ألعاب تقمص األدوار في إط==ار ط==بيعي‪ .‬ولم‬
‫ً‬
‫ثانية‬ ‫‪.‬يكن لدي استعداد ألن يُمسِ ك بي تشارلز‬

‫»ماذا يفعل؟«‬

‫»‪.‬أجابني داريل وهو يرتعش‪« :‬إنه قادم في هذا االتجاه‪ ،‬هذا ما يفعله‬
‫ً‬
‫تخطيط= ا ً‬
‫جي=دا‬ ‫فقلت له‪« :‬حس ًنا‪ ،‬ح=ان وقت الت=دابير المض=ادة لح=االت الط=وارئ‪ ».‬وأخ=رجت ه=اتفي‪ ،‬كنت ق=د خططت ل=ذلك‬
‫ً‬
‫ثانية‪ .‬بعثت برسالة بريد إلكتروني للخادم الموجود بمنزلي‪ ،‬وبدأ في العمل‬ ‫‪.‬مقدمًا‪ ،‬ما كان تشارلز ليمسك بي‬

‫=وان‪ ،‬جن جن==ون ه==اتف تش==ارلز؛ فق==د أرس==لت إلي==ه عش==رات اآلالف من الرس==ائل النص==ية والمكالم==ات العش==وائية‬
‫وبعد بضع ث= ٍ‬
‫المتزامنة؛ ما جعله يطلق كل رنة وطنين يمكنه إصداره‪ ،‬واستمر في ذلك‪ُ .‬ن ِّفذ الهجوم باستخدام تقني==ة الب==وت نت‪ ،‬األم==ر ال==ذي‬
‫‪.‬شعرت بالسوء حياله‪ ،‬بيد أن الغرض منه كان ً‬
‫جيدا‬

‫والبوت نت هي شبكات تض=م أجه==زة الكم==بيوتر المص=ابة‪ .‬فعن==دما يص==اب جه==از كم==بيوتر بف==يروس أو ف==يروس متنق==ل‪ ،‬يبعث‬

‫برسالة لقناة محادثة على نظام المحادثات عبر اإلنترنت (آي آر سي)‪ .‬تخ==بر ه==ذه الرس==الة س==يد الب==وت نت — وه==و من نش==ر‬

‫الفيروس المتنقل — أن أجهزة الكمبيوتر مستعدة لتنفيذ أوامره‪ .‬تتمتع هذه الش==بكات بق==وة هائل==ة؛ إذ إنه==ا ق==د تض==م اآلالف‪ ،‬ب==ل‬

‫حتى مئات اآلالف‪ ،‬من أجهزة الكمبيوتر المنتشرة بجميع أنحاء اإلنترنت‪ ،‬والمرتبطة باتصاالت قوي==ة عالي==ة الس==رعة‪ ،‬وتعم==ل‬

‫على أجهزة الكمبيوتر الشخصية المنزلية السريعة‪ .‬تعم==ل أجه==زة الكم==بيوتر الشخص==ية بطبيعته==ا لحس==اب مالكيه==ا‪ ،‬لكن عن==دما‬

‫‪.‬يطلب منها مهمة سيد البوت نت‪ ،‬تهب لتلبية أوامره كالعبيد‬
‫ً‬
‫هبوط= ا‬ ‫يع ُّج اإلنترنت بأجهزة الكمبيوتر المصابة‪ ،‬حتى إن سعر تأجير ساعة أو اثنتين على إحدى ش==بكات الب==وت نت ق==د هب==ط‬
‫ً‬
‫شديدا‪ .‬تعمل هذه الشبكات في الغالب لصالح مرس==لي البري==د العش==وائي كش==بكات بري==د عش==وائي موزع==ة رخيص==ة الثمن‪ ،‬تمأل‬

‫صندوق بريدك بإعالنات عن أدوية معالجة الضعف الجنسي أو بفيروسات جديدة من شأنها إصابة جهازك وتشغيله كعضو في‬

‫‪.‬شبكة البوت نت‬


‫ثوان فحسب على شبكة مكونة من ثالثة آالف جهاز كم==بيوتر شخص==ي‪ ،‬وجعلت كاًّل من ه==ذه األجه==زة يرس==ل‬
‫ٍ‬ ‫استأجرت عشر‬
‫ُ‬
‫التقطت رقم==ه من ورق==ة‬ ‫رس==الة نص==ية أو مكالم==ة بتقني==ة نق==ل الص==وت ع==بر بروتوك==ول اإلن==ترنت إلى ه==اتف تش==ارلز‪ ،‬ال==ذي‬

‫‪.‬مالحظات الصقة على مكتب بينسان أثناء إحدى زياراتي المشئومة له‬

‫غنيٌّ عن القول أن هاتف تشارلز لم يكن مُع ًّدا للتعامل مع ذلك‪ .‬أواًل ‪ ،‬مألت الرسائل النصية القص==يرة ذاك==رة هاتف==ه؛ م==ا عط==ل‬

‫العمليات الروتينية= التي كان بحاجة لفعلها‪ ،‬مثل التعامل مع المتصل‪ ،‬وتسجيل كل األرقام الزائفة لهذه المكالم==ات ال==واردة (ه==ل‬

‫تعلم أنه من «السهل بالفعل» تزييف الرقم المحدد لهوية المتصل؟ يوجد نحو خمسين طريقة لفعل ذلك؛ ابحث فقط على جوجل‬

‫‪.‬عن «تزييف هوية المتصل»)‬

‫حدق تشارلز في الهاتف مشدو ًها‪ ،‬وأخذ يلكم فيه بعنف‪ ،‬وحاجباه يعقدان ويتلويان أثن==اء ص==راعه م==ع م=ا أص==اب أع==ز أجهزت==ه‬

‫الشخصية‪ .‬كانت الخطة تسير كما ينبغي حتى ذل==ك الحين‪ ،‬لكن==ه لم يكن يفع==ل م==ا ك==ان من المف==ترض أن يفعل==ه بع=د= ذل==ك؛ فمن‬

‫‪.‬المفترض أن يبحث عن مكان يجلس فيه‪ ،‬ويحاول التوصل إلى كيفية إلعادة هاتفه لحالته الطبيعية‬
‫َّ‬
‫‪.‬هز داريل كتفي‪ ،‬فأبعدت عيني عن الشق الموجود في الباب‬

‫»همس داريل‪« :‬ماذا يفعل؟‬

‫لقد خربت هاتفه‪ ،‬لكن كل ما يفعله هو التحديق فيه بداًل من أن يتحرك بعي ًدا‪ ».‬لم يكن من السهل إع==ادة تش==غيل ذل==ك الش==يء؛«‬

‫فما أن ُتمأَل الذاكرة عن آخرها حتى يصير من الصعب عليه==ا تحمي==ل الرم==ز ال==ذي تحتاج==ه لح==ذف الرس==ائل الزائف==ة‪ ،‬ولم يكن‬

‫‪.‬هاتفه مزو ًدا بخاصية المسح المُجمَّع للرسائل‪ ،‬وبالتالي كان عليه حذف آالف الرسائل كلها يدو ًّيا‬

‫دفعني داريل إلى الخلف‪ ،‬وأخذ يحدق من الباب‪ .‬وبعد لحظات‪ ،‬بدأت كتفاه في االرتعاش‪ .‬تملك==ني ال==رعب؛ إذ اعتق==دت أن==ه ق==د‬

‫‪.‬أصيب بالذعر‪ ،‬لكنني عندما سحبته للخلف‪ ،‬رأيت أنه كان يضحك بشدة‪ ،‬حتى إن الدموع بدأت تسيل على وجنتيه‬

‫لقد أمسكت به جالفيس للتو لوجوده في األروقة أثناء الحصص الدراس==ية‪ ،‬وإلخ==راج هاتف==ه … ك==ان علي==ك أن ت==رى انفعاله==ا«‬

‫»‪.‬عليه؛ لقد كانت تستمتع بذلك ح ًّقا‬

‫تصافحنا بجدية‪ =،‬وعدنا إلى الرواق‪ ،‬نزلنا على الساللم‪ ،‬ثم خرجنا من الباب الخلفي‪ ،‬وتجاوزنا الس==ياج‪ ،‬لنخ==رج في النهاي==ة إلى‬

‫ضوء الشمس الباهر لفترة ما بعد الظهيرة في حي ميش==ن‪ ،‬لم يب= ُد ش==ارع فالينس==يا به==ذا الق==در من الجم==ال من قب==ل‪ .‬نظ=رت في‬

‫‪:‬ساعة يدي‪ ،‬وصِ حت‬

‫»!هيا لنسرع! سيقابلنا باقي مجموعة األصدقاء عند الترام بعد عشرين دقيقة«‬

‫•••‬

‫لمحتنا فان أواًل ‪ .‬كانت تسير وسط مجموعة من السائحين الكوريين‪ ،‬فيما ُي َعد أح==د أس==اليبها المفض==لة للتموي==ه عن==د هروبه==ا من‬

‫المدرسة‪ .‬منذ أن ظهرت المدونات التي يمكن التدوين فيها من خالل األجهزة المحمولة‪ ،‬والتي ُتع َنى بالتغيب عن المدرسة دون‬
‫إذن‪ ،‬والعالم من حولنا صار ملي ًئ ا بأصحاب المتاجر والمتظاهرين بالصالح المتطفلين الذين يتك َّفلون بالتقاط صور لنا وتحميلها‬

‫‪.‬على اإلنترنت؛ حيث يمكن لإلداريين بالمدارس فحصها بعناية‬

‫خرجت فان من الجمع الذي كانت تسير وسطه‪ ،‬وركضت سري ًعا نحونا‪ .‬كان داريل يكنُّ لفان مش==اعر من==ذ زمن بعي==د‪ ،‬وك==انت‬

‫هي على درجة من اللطف جعلها تتظاهر بأنها ليس==ت على علم بمش==اعره‪ .‬ع=انقتني‪ ،‬ثم انتقلت إلى داري==ل‪ ،‬وقبَّلت==ه قبل==ة أخوي==ة‬
‫‪.‬سريعة على وجنته جعلت وجهه بالكامل يتورد خجاًل‬

‫كانا ثنائ ًّيا عجيبًا؛ فداريل ثقيل الوزن بعض الشيء‪ ،‬وإن كان ذلك يليق به‪ ،‬وبشرته وردي=ة تتح=ول معه=ا وجنت=اه لل=ون األحم=ر‬

‫كلما ركض أو أثاره شيء ما‪ .‬نمت لحيته منذ كان في الرابعة عشرة من عمره‪ ،‬لكنه بدأ — نشكر ال==رب — في حالقته==ا بع==د‬

‫‪.‬فترة قصيرة تطلق عليها مجموعة األصدقاء اسم «سنوات لينكن»‪ .‬وكان طوياًل ‪ ،‬طوياًل للغاية كالعبي كرة السلة‬

‫ونحيفة‪ ،‬وشعرُها أسو َد منسداًل تضع في==ه ش==رائط عجيب==ة متقن==ة الص==نع تبحث‬
‫ً‬ ‫على الجانب اآلخر‪ ،‬كانت فان أقصر مني قلياًل ‪،‬‬

‫عنها على اإلنترنت‪ .‬بشرتها نحاسية جميلة‪ ،‬وعيناها سوداوان‪ .‬تحب األقراط الزجاجية كبيرة الحجم التي تطقطق وتقرق==ع معً = ا‬

‫‪.‬عندما ترقص‬

‫»تساءلت فان‪« :‬أين خولو؟‬

‫‪.‬سألها داريل بصوت مختنق‪« :‬كيف حالك يا فان؟» طالما تتأخر كلماته في أية محادثة تضم فان‬

‫‪.‬بأفضل حال يا دي‪ .‬ماذا عنك؟» يا إلهي‪ ،‬كم كانت قاسية! كاد داريل يفقد الوعي«‬

‫أنقذه خولو من خزي اجتماعي بظهوره فجأة في تلك اللحظة‪ ،‬مرتديًا سترة بيسبول جلدية كبيرة المقاس‪ ،‬وحذاء رياض = ًّيا أني ًق==ا‪،‬‬

‫وقبعة ذات خلفية شبكية عليها إعالن للمصارع المكسيكي المُق َّنع المفض==ل ل==دينا «إل س==انتو االبن»‪ .‬خول==و ه==و خوس==يه ل==ويس‬

‫توريز‪ ،‬العضو الرابع واألخير بمجموعتنا‪ .‬التحق خولو بمدرسة كاثوليكية شديدة الصرامة في منطقة أوتر ريتش==موند‪ ،‬ومن ثم‬

‫لم يكن من السهل عليه الخروج منها‪ ،‬لكنه كان يفعل دائمًا؛ م==ا ك==ان بينن==ا َمن ه==و أفض==ل في التس==لل من خول==و ص==ديقنا‪ .‬أحب‬

‫خولو سترته لتدليها ألسفل — ما ُي َعد ضربًا من األناقة في هذه األنحاء من المدينة — وإلخفائها كل ال==زي الس==خيف لمدرس==ته‬

‫‪.‬الكاثوليكية‪ ،‬الذي كان هد ًف ا للحمقى المتطفلين الذين وضعوا مدونة التغيب عن المدرسة كإشارة مرجعية بهواتفهم‬

‫بعد أن تبادل جميعنا التحية‪ ،‬سألتهم‪« :‬من مستعد للذهاب؟» أخ==رجت ه==اتفي‪ ،‬وعرض=ت عليهم خريط==ة «نظ=ام النق==ل الس==ريع‬
‫بمنطقة الخليج (بارت)» التي أنزلتها عبر اإلنترنت‪« .‬وف ًقا لم==ا توص==لت إلي==ه‪ ،‬علين==ا التوج==ه إلى «نيك==و» ثاني= ً‬
‫=ة‪ ،‬ثم تجاوزه==ا‬

‫بمربع سكني واحد وصواًل إلى «أوفيريل»‪ ،‬ونتجه يسارً ا بعد ذل==ك ح==تى نص==ل ف==ان نيس‪ ،‬وفي مك==ان م==ا هن==اك‪ ،‬س==نعثر على‬

‫»‪.‬اإلشارة الالسلكية‬

‫تجهمت فان‪ ،‬وقالت‪« :‬هذا مكان خط==ير بحي تِن==درلوين‪ ».‬م==ا ك==ان بإمك==اني أن أجادله==ا في ذل==ك؛ فق==د ك==ان ح ًّي==ا غري ًب==ا بس==ان‬

‫فرانسيسكو‪ ،‬تدخله عبر مدخل فندق هيلتون األمامي‪ ،‬وبه كل عناصر الجذب السياحية‪ ،‬مثل منعطف الترام ومطاعم العائالت‪.‬‬

‫القوادين‪ ،‬وأفجر العاهرات‪ ،‬وت==اجري المخ==درات‪ ،‬والمش==ردين‬


‫لكن عندما تدخل إليه من الجانب اآلخر‪ ،‬تصبح في مركز أعتى َّ‬
‫المحطمين في المدينة‪ =.‬ما كان أيٌّ م َّنا في السن المناسبة لتكون ل==ه أي==ة عالق==ة بم==ا يبيع==ه أو يش==تريه ه==ؤالء الن==اس (وإن ك==انت‬

‫تِندرلوين تضم عد ًدا من العاهرات في سننا‪).‬‬

‫أجبت فان قائاًل ‪« :‬لننظر إلى الجانب المشرق هنا؛ ما من أحد يرغب في الذهاب لهذا المكان إال في وضح النهار؛ وبالتالي‪ ،‬لن‬

‫»‪».‬يقرب أيٌّ من الالعبين اآلخرين المكان حتى الغد باكرً ا‪ .‬هذا ما نطلق عليه في ألعاب الواقع البديل «ميزة األسبقية‬
‫»!رمقني خولو بنظرة غاضبة‪ ،‬وقال‪« :‬تتحدث كما لو كان ذلك أمرً ا ً‬
‫جيدا‬

‫»‪.‬أجبته‪« :‬هذا أفضل من أكل سوشي قنفذ البحر‬

‫فقالت فان‪« :‬هل سنظل نتحدث أو نفوز؟» كانت فان — من بعدي — أكثر الالعبين تحم ًسا في مجموعتنا بال منازع‪ ،‬وكانت‬

‫‪.‬شديدة الجدية بشأن الفوز‬

‫‪.‬انطلقنا‪ ،‬أربعة أصدقاء مخلصين‪ ،‬لحل اللغز‪ ،‬وتحقيق الفوز في اللعبة … وخسارة كل ما اهتممنا به لألبد‬

‫•••‬

‫كان المكون المادي لدليل اليوم هو مجموعة من إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) — كانت هناك إح==داثيات‬

‫لجميع المدن الرئيسية ال==تي ُتم= َ‬


‫=ارس فيه==ا لعب==ة «ه==اراجوكو ف==ان م==ادنس» — حيث س==نجد إش==ارة واي ف==اي لنقط==ة الوص==ول‬

‫الالسلكية‪ .‬كانت هذه اإلشارة تعترضها عم= ًدا نقط=ة واي ف=اي أخ=رى قريب=ة مخب=أة ح=تى ال يمكن ل=برامج البحث عن إش=ارات‬

‫الواي فاي المعتادة العثور عليها‪ ،‬وهي األدلة التي تشير ل==ك بمكان==ك في نط==اق نقط==ة الوص==ول المفتوح==ة لش==خص م==ا‪ ،‬وال==تي‬

‫‪.‬يمكنك= استخدامها مجا ًنا‬

‫سيكون علينا البحث عن نقطة الوصول «المخبأة» من خالل قياس قوة النقطة «المرئي==ة»‪ ،‬والعث==ور على المنطق==ة ال==تي تك==ون‬

‫فيها أكثر ضع ًف ا‪ ،‬وهناك سنجد الدليل اآلخر‪ .‬في المرة األخيرة‪ ،‬كان الدليل في طبق اليوم بمطعم السوشي ال==راقي «أن==زو» في‬

‫فندق «نيكو» في تِندرلوين‪ =.‬وهذا الفندق مملوك للخطوط الجوية اليابانية‪ ،‬أحد رع==اة لعب==ة «ه=اراجوكو ف==ان م==ادنس»‪ .‬أح==دث‬

‫العاملون بالمكان هرجً ا ومرجً ا عند عثورنا أخيرً ا على الدليل‪ ،‬وقدموا لنا حس=اء الميس=و‪ ،‬وجعلون=ا نج=رب السوش=ي المُع= َّد من‬

‫قنفذ البحر وله قوام الجُبن السائل‪ ،‬ورائحة روث كالب سائل‪ .‬لكن طعمه كان «ح ًّقا» رائ ًعا‪ ،‬أو هكذا أخبرني داريل‪ .‬فم==ا كنت‬

‫‪.‬ألتناول هذا الشيء‬

‫باستخدام برنامج العثور على إشارات الواي فاي المُثبَّت بهاتفي‪ ،‬التقطت إشارة الواي فاي على بعد نحو ثالثة مربع==ات س==كنية‬

‫من أوفيريل‪ ،‬قبل شارع هايد بالضبط‪ ،‬أمام مركز تدليك آسيوي مريب مُعلَّقة على نافذته الفتة تومض بالضوء األحمر مكت==وب‬

‫‪.‬عليها «مغلق»‪ .‬كان اسم الشبكة «هاراجوكو إف إم»‪ ،‬وبالتالي عرفنا أننا في المكان الصحيح‬

‫»‪.‬قال داريل‪« :‬إذا كان الدليل بالداخل‪ ،‬فلن أدخل‬

‫»سألتهم‪« :‬هل معكم جميعً ا أجهزة العثور على إشارات الواي فاي؟‬
‫كان هاتفا داريل وفان مزو َد ْي ن ببرامج مدمجة للعثور على إشارات الواي فاي‪ ،‬في حين كان مع خولو — الذي ما كانت أناقته‬

‫‪.‬لتسمح له بحمل هاتف أكبر من خنصر يده — جهاز توجيهي صغير منفصل‬

‫»‪.‬لتنتشروا إذن‪ ،‬وتذكروا أننا نبحث عن ضعف شديد في اإلشارة يزداد سوءًا كلما تحركتم تجاهه«‬

‫قدم ما‪ .‬تأوَّ ه صوت أنثوي‪ ،‬فاستدرت قلِ ًقا من أن أجد أمامي عاهرة مدمن==ة‬
‫تراجعت خطوة للخلف ألجد نفسي واق ًفا فوق أصابع ٍ‬
‫‪.‬تطعنني لكسري أصابع قدمها‬
‫لكنني وجدت نفسي وجهًا لوجه مع فتاة في نفس عم=ري‪ .‬ك==ان ش==عرها ًّ‬
‫كث==ا ذا ل=ون وردي ف=اتح‪ ،‬ووجهه==ا ح=اد المالمح ش==بيهًا‬
‫بالقوارض‪ ،‬وترتدي نظارة شمس كبيرة هي في الواقع مثل النظارات الواقية التي تستخدمها القوات الجوي==ة‪ ،‬وترت==دي س==روااًل‬

‫مخط ًطا تحت فستان أسود قديم الطراز‪ ،‬معلق به الكث==ير من ُدمى الزين=ة الياباني==ة الص==غيرة لشخص=يات كرتوني=ة‪ ،‬وق=ادة‬
‫َّ‬ ‫ضي ًقا‬

‫‪.‬عالميين قدامى‪ ،‬وشعارات لمشروبات غازية أجنبية‬

‫‪.‬رفعت الفتاة كاميرا‪ ،‬والتقطت صورة لي مع فريقي‬

‫»‪.‬وقالت‪« :‬ابتسموا! فأنتم في برنامج الكاميرا الخفية الخاصة بالتغيب عن المدرسة‬

‫»… قلت لها‪« :‬مُحال! لن‬

‫بل سأفعل‪ .‬سأرسل هذه الصورة لضابط التغيب عن المدرس==ة في غض==ون ثالثين ثاني==ة‪ ،‬ه==ذا إن لم تبتع==دوا أنتم األربع==ة عن«‬

‫هذا الدليل‪ ،‬وتفسحوا لي الطريق أنا وصديقاتي للحصول عليه‪ .‬يمكنكم المجيء إلى هنا بعد ساعة واح==دة‪ ،‬وس==يكون لكم‪ .‬أعتق==د‬

‫»‪.‬أن ذلك عادل تمامًا‬

‫نظرت خلفها‪ ،‬فرأيت ثالث فتيات أخريات يرتدين مالبس مشابهة؛ إحداهن شعرها أزرق‪ ،‬والثانية أخضر‪ ،‬والثالث==ة أرج==واني‪.‬‬

‫»«ومن أنتن؟ فرقة مصاصات اآليس كريم؟‬

‫فأجابتني‪« :‬نحن الفريق الذي سيهزم فريقكم شر هزيمة بلعبة «هاراجوكو فان مادنس»‪ ،‬وأنا من س==أحمِّل «في ه==ذه اللحظ==ة»‬

‫»… »صورتكم على اإلنترنت‪ ،‬وأجلب عليكم «مشاكل عدة‬

‫شعرت بفان خلفي وهي تتقدم لألمام‪ .‬اشتهرت مدرسة البن==ات ال==تي ك==انت ت==ذهب إليه==ا بالش==جارات‪ ،‬وكنت موق ًن==ا بأنه==ا ك==انت‬

‫‪.‬تتأهب لتوجيه لكمة قوية لهذه الفتاة‬

‫‪.‬في تلك اللحظة‪ ،‬تغير العالم لألبد‬

‫شعرنا أواًل بذلك التمايل المُسبِّب للغثيان لإلسمنت تحت أقدامنا‪ ،‬والذي يعرفه ب==ديه ًّيا ك==ل ش==خص يعيش في كاليفورني==ا … إن==ه‬

‫«زلزال»‪ .‬كان أول شيء فكرت فيه — كعادتي دومًا — هو الهروب‪« :‬عند الوقوع في مش==كلة‪ ،‬أو الش==عور بالش==ك‪ ،‬تح==رك‬

‫في دوائر‪ ،‬صِ ح‪ ،‬واصرخ‪ ».‬لكن الحقيقة هي أننا كنا جمي ًعا في أكثر األماكن أم ًنا‪ ،‬وليس في مبنى قد ينه==ار ف==وق رءوس==نا‪ ،‬أو‬

‫‪.‬في منتصف الطريق حيث يمكن إلفريز ما أن يسقط ليسحق جماجمنا‬


‫تكون الزالزل هادئة هدوءًا مخي ًفا — في البداية على أية حال — لكن ه=ذا الزل=زال لم يكن هاد ًئ=ا‪ ،‬ب=ل ص=اخبًا‪ ،‬جل َب ُت= ُه مدوي=ة‬

‫على نحو ال يُص َّدق؛ فهو أعلى من أي شيء سمعته من قبل‪ .‬وصل الصوت في شدته لدرج==ة جعلت==ني أس==قط على ركب==تيَّ ‪ ،‬ولم‬
‫أكن وحدي في ذلك‪َّ ،‬‬
‫فهز داريل ذراعي‪ ،‬وأشار إلى المباني‪ .‬أبصرنا حينها سحابة سوداء ض==خمة تظه==ر من الج==انب الش==مالي‬

‫‪.‬الشرقي‪ ،‬من اتجاه الخليج‬

‫‪.‬دوت دمدمة أخرى‪ ،‬وتمددت سحابة الدخان لتتخذ الشكل األسود المنتشر الذي طالما شاهدناه في األفالم‬
‫‪.‬ن َّفذ أحدهم تفجيرً ا … تفجيرً ا هائاًل‬

‫تبع ذلك المزيد من الدمدمة واالرتجاج‪ .‬وأطلت الرءوس من النوافذ على طول الشارع‪ ،‬وعيوننا جميعً ا معلقة بالسحابة الممت==دة‬

‫‪.‬في صمت‬

‫‪.‬حينذاك‪ ،‬انطلقت صفارات اإلنذار‬

‫سبق لي سماع صفارات مثل هذه من قبل‪ ،‬حينم=ا ك=انوا يخت=برون ص=فارات ال=دفاع الم=دني ظه=يرة أي=ام الثالث=اء‪ .‬بي=د أن=ني لم‬

‫أسمعها تنطلق دون موعد محدد من قبل‪ ،‬إال في أفالم الحرب القديمة وألعاب الفيديو التي يقذف فيه==ا ش==خصٌ م==ا آخ= َ‬
‫=ر بالقناب==ل‬

‫‪.‬من فوق‪ .‬كانت مثل صفارات إنذار الغارات الجوية‪ .‬بدت غير حقيقية على اإلطالق‬

‫توجهوا إلى المالجئ فورً ا‪ ».‬دوى الصوت من كل مكان في اللحظة ذاته==ا‪ .‬ك==انت هن==اك مك==برات ص==وت على بعض أعم==دة«‬

‫‪.‬الكهرباء؛ الشيء الذي لم تسبق لي مالحظته من قبل مطل ًقا‪ ،‬وانطلقت جميعها في وقت واحد‬

‫توجهوا إلى المالجئ فورً ا‪ ».‬مالجئ؟ نظر ك ٌّل منا إلى اآلخر في ارتباك‪ .‬أية مالجئ؟ أخذت السحابة تتص=اعد‪ ،‬وتتم=دد‪ .‬ه=ل«‬

‫كانت نووية؟ هل كنا نلفظ أنفاسنا األخيرة؟‬


‫‪.‬جذبت الفتاة ذات الشعر الوردي صديقاتها‪ ،‬وانطلقن أسفل التل‪ ،‬عائدا ٍ‬
‫ت إلى محطة بارت عند السفح‬

‫توجهوا إلى المالجئ فورً ا‪ ».‬صار هناك صراخ اآلن‪ ،‬والكثيرون يركض=ون من حولن==ا‪ .‬تف==رق الس==ائحون في ك==ل اتج=اه —«‬

‫يمكنك دائ ًما تحديد السائحين؛ فهم من تعني كاليفورنيا لديهم الدفء‪ ،‬ويقض=ون عطالتهم بس=ان فرانسيس=كو متجم=دين= من ال=برد‬

‫‪.‬وهم يرتدون فانالت وبناطيل قصيرة‬

‫صاح داريل في أذني بصوت يكاد ال يكون مسموعً ا وس==ط دوي الص==فارات ال==تي انض==مت إليه==ا ص==فارات الش==رطة المعت==ادة‪:‬‬

‫‪«.‬علينا أن نرحل!» علت أصوات عشرات سيارات شرطة سان فرانسيسكو وهي تمر بجانبنا‬

‫»‪.‬توجهوا إلى المالجئ فورً ا«‬

‫صحت في أصدقائي‪« :‬لننزل إلى محطة بارت‪ ».‬فأو َم ُئوا برءوسهم‪ .‬اقترب بعضنا من بعض‪ ،‬وشرعنا في التحرك سري ًعا إلى‬

‫‪.‬أسفل التل‬
‫الفصل الثالث‬
‫أه==دي ه==ذا الفص==ل لمتج==ر بوردرالن==دز ب==وكس‪ ،‬ذل==ك المتج==ر المس==تقل الم==دهش المتخص==ص في كتب الخي==ال العلمي‪ .‬يق==ع‬

‫بوردرالندز على الجهة المقابلة من مدرسة سيزار شافيز الثانوية الخيالية التي تتناولها ه==ذه الرواي==ة‪ ،‬وال تقتص==ر ش==هرته على‬

‫ما يقيمه من نوا ٍد للكتب وحفالت توقيع وفعاليات رائعة فحسب‪ ،‬وإنم==ا ك==ذلك القط==ة المص==رية الص==لعاء المذهل==ة‪ ،‬ريبلي‪ ،‬ال==تي‬

‫تحب الجلوس كالتمثال على الكمبيوتر في مقدمة المتجر‪ .‬يكاد يكون بوردرالندز أكثر متاجر الكتب المُحبَّب==ة للقُ=رَّ اء ال=تي يمكن‬

‫أن تبغيها؛ إذ يمتلئ باألماكن المريحة للجلوس والقراءة‪ ،‬ويزخر ببائعين واسعي االطالع بكل ما له عالقة بالخيال العلمي‪ .‬ه==ذا‬

‫فضاًل عن أنهم على استعداد دائ ًم ا لتلقي طلبات الشراء لكتبي (عبر اإلنترنت أو الهاتف) وتركها عندهم ح==تى أو ِّقع عليه==ا عن==د‬

‫!ذهابي إليهم‪ ،‬ثم شحنها داخل الواليات المتحدة مجا ًنا‬

‫***‬
‫مررنا بالكثير من الناس في طريقنا إلى محطة بارت بشارع باول‪ ،‬كانوا يركض==ون أو يس==يرون ش=احبي الوج==وه ص=امتين‪ ،‬أو‬

‫يصرخون مذعورين‪ .‬انكمش المشردون مرتعدين= عند المداخل‪ ،‬وأخذوا يشاهدون ما يحدث‪ ،‬في حين ص==احت ع==اهرة س==مراء‬

‫‪.‬طويلة في شابين بشوارب بشأن شيء ما‬

‫وكلما اقتربنا من محطة بارت‪ ،‬زاد تزاحم األجساد حولنا سو ًءا‪ .‬وعند وصولنا إلى السلم المؤدي إلى المحطة باألس==فل‪ ،‬احتش==د‬

‫الناس هائجين؛ كانوا يحاولون شق طريقهم ألس=فل ع==بر الس==لم الض=يق‪ .‬اص=طدم وجهي بظه=ر ش=خص م=ا‪ ،‬بينم==ا ارتطم آخ=ر‬

‫‪.‬بظهري‬
‫ً‬
‫متشبثا بمعص==مه‪.‬‬ ‫كان داريل ال يزال بجانبي؛ فحالت ضخامة جسده من أن يدفعه الناس‪ .‬أما خولو‪ ،‬فكان خلف داريل مباشر ًة‪،‬‬
‫ُ‬
‫‪.‬لمحت فانيسا على بُعد بضعة أمتار وقد حاصرها عدد أكبر من الناس‬

‫»!سمعتها تصيح خلفي‪« :‬عليك اللعنة! أيها المنحرف‪ ،‬ارفع يديك= عني‬

‫جاهدت ألستدير عكس اتجاه الحشد‪ ،‬فرأيت فان تنظر باشمئزاز ناحية رجل أكبر منها س ًّنا يرتدي بذلة أنيقة ويبتسم في وجهه==ا‬

‫‪.‬ابتسامة متكلفة‪ .‬كانت تبحث في حقيبتها عن شيء ما أعرفه‬

‫»‪.‬صحت وسط الضجيج‪« :‬ال تر ِّشيه ببخاخ الدفاع عن النفس! فسيصيبنا جميعً ا‬

‫ومع ذكر كلمة «بخاخ الدفاع عن النفس»‪ ،‬بدا الذعر على وجه الرجل‪ ،‬واختفى متراجعً ا للخلف‪ ،‬وإن ظل الحشد يدفعه لألمام‪.‬‬

‫رأيت أمامي سيدة في منتصف العمر ترتدي مالبس غريبة‪ ،‬تترنح ثم تسقط‪ .‬أخذت تصرخ‪ ،‬ورأيتها تح==اول جاه==د ًة النه==وض‪،‬‬
‫ُ‬
‫انحنيت ألعينها على الوقوف‪ ،‬وك==دت أس==حقها تح==تي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اقتربت منها‪،‬‬ ‫لكن دون جدوى؛ إذ كان ضغط الحشد قو ًّيا للغاية‪ .‬وعندما‬
‫ً‬
‫متجاوزا إياها‪ ،‬لكن بحلول ذلك الوقت ال أعتقد أنه==ا ك==انت تش==عر ب==أي‬ ‫وانتهى األمر بأنْ خطوت فوق بطنها مع دفع الحشد لي‬

‫‪.‬شيء‬
‫لم ينتبنِي مثل هذا الذعر من قبل في حياتي‪ .‬عال الصراخ في جميع األرج==اء‪ ،‬وتزاي==د ع==دد الس==اقطين على األرض‪ ،‬والض==غط‬

‫‪.‬من الخلف متواصل دون رحمة كالجرافة‪ .‬كان ذلك كل ما بوسعي فعله للبقاء واق ًفا على قدميَّ‬
‫ك َّن ا في الباحة المكشوفة حيث ماكينات بوابة العبور لداخل المحطة‪ .‬لم يكن الوضع هنا أفضل؛ فالمك==ان المط= َّ=وق أرج==ع ص==دى‬

‫األصوات من حولنا في هدير أحدث طني ًن ا برأسي‪ ،‬كما أصابتني رائحة كل هذه األجسام والشعور بها برُهاب األم==اكن المغلق==ة‬

‫‪.‬الذي لم أكن أعرف أنني عرضة له على اإلطالق‬

‫ظل الزحام متواصاًل على الساللم المؤدية ألسفل‪ ،‬وأعداد أكبر من الناس تشق طريقها بال==دفع ع=بر ماكين==ات بواب==ة العب==ور‪ ،‬ثم‬

‫‪.‬على الساللم المتحركة وصواًل إلى أرصفة المحطة‪ .‬لكن كان من الواضح لي أن النهاية لن تكون سعيدة‬

‫»قلت لداريل‪« :‬ماذا عن محاولة العودة ألعلى؟‬

‫»!فأجابني‪« :‬نعم‪ ،‬بالتأكيد‪ =،‬فهذا بشع‬

‫‪:‬نظرت إلى فانيسا … كان من المحال أن تتمكن من سماعي‪ .‬تمكنت من إخراج هاتفي‪ ،‬وأرسلت إليها رسالة نصها‬

‫»‪.‬سنخرج من هنا«‬

‫أبصرتها وقد شعرت باهتزاز هاتفها‪ ،‬نظرت فيه ثم وجهت بصرها نحوي‪ ،‬وأومأت برأسها بقوة‪ .‬في تلك األثن==اء‪ ،‬ك==ان داري==ل‬

‫‪.‬قد أخبر خولو باألمر‬

‫»صاح داريل في أذني‪« :‬ما الخطة؟‬

‫»!فأجبته صائحً ا ومشيرً ا إلى الحشد عديم الرحمة‪« :‬ينبغي لنا العودة للخلف‬

‫»!قال‪« :‬هذا مستحيل‬

‫»!وسيزداد استحالة كلما انتظرنا«‬

‫هز كتفيه المباال ًة‪ .‬ش َّقت فان طريقها وصواًل إليَّ ‪ ،‬وتشبثت بمعصمي‪ .‬أمسكت بداريل الذي أمسك بدوره بخول=و بي=ده األخ=رى‪،‬‬

‫‪.‬وشققنا طريقنا إلى الخارج‬

‫لم يكن األمر سهاًل ‪ .‬كنا نتحرك حوالي ثالث بوص=ات في الدقيق=ة في أول األم=ر‪ ،‬وص=رنا أبط=أ بوص=ولنا إلى الس=اللم‪ .‬لم يكن‬

‫الناس الذين مررنا بهم سعداء أيضً ا بدفعنا لهم إلفساح الطريق‪ .‬ر َش َق َنا البعضُ بالسباب‪ ،‬وبدا على أحدهم أنه ك==ان س==يلكمني إذا‬

‫تمكن من تحرير ذراعيه‪ .‬مررنا بثالثة= أفراد ُدهِسوا تحت األقدام‪ ،‬لكن ما كان من سبيل أمامي لمساعدتهم‪ .‬في تلك اللحظ==ة‪ ،‬لم‬

‫أكن حتى أفكر في مساعدة أحد؛ فكل ما كان يشغل تفكيري آنذاك هو البحث عن أية مس==احات فارغ==ة أمامن==ا للتح==رك عبره==ا‪،‬‬

‫‪.‬وقبضة داريل المُح َكمة على رسغي‪ ،‬وتشبثي المستميت بفان خلفي‬

‫تحررنا أخيرً ا باندفاعنا للخارج كسدادة زجاجة الخمر بعد فترة بدت كأمد الدهر‪ ،‬وعيونن==ا تط==رف في الض==وء الرم==ادي المفعم‬

‫بالدخان‪ .‬كانت صفارات إنذار الغارات الجوية ال تزال تدوي‪ ،‬وصفارات عربات الطوارئ وهي تن==دفع= في ش==ارع م==اركت ق==د‬

‫عال ص==وتها أك==ثر‪ .‬وخلت الش==وارع تقري ًب==ا من الن==اس؛ فلم يع=د= به==ا س==وى من يح==اولون مح==اوالت يائس==ة للوص==ول إلى تحت‬
‫األرض‪ .‬كان أكثرهم يبكون‪ .‬لمحت مجموعة من المقاعد الخالية — التي دأب السكارى القذرون الجل==وس عليه==ا — وأش==رت‬

‫‪.‬إليها‬

‫‪.‬تحركنا نحوها‪ ،‬وأكتافنا منحنية لألمام بفعل صفارات اإلنذار والدخان‪ .‬وعند وصولنا إليها‪ ،‬سقط داريل على وجهه‬
‫ً‬
‫ملطخا باللون األحمر الذي أخذ ينتشر‪ ،‬فرفعت قميصه لتكشف‬ ‫صرخنا جمي ًعا‪ ،‬وأمسكت فانيسا به‪ ،‬وأدارته‪ .‬كان جانب قميصه‬

‫‪.‬عن جرح عميق وطويل في جانبه القصير البدين‬

‫»!قال خولو وهو يضم قبضتيه‪« :‬طعنه أحدهم في الزحام‪ .‬يا إلهي‪ ،‬هذا مريع‬
‫ً‬
‫ثانية ثم أرجع رأسه للوراء مرة أخرى‬ ‫‪.‬تأوه داريل‪ ،‬ونظر إلينا‪ ،‬ثم إلى جانبه‪ ،‬وتأوه‬

‫خلعت فانيسا سترتها الجينز‪ ،‬ثم نزعت قميصًا قطن ًّيا بقلنسوة كانت ترتديه أسفل السترة‪ ،‬ل َّفته وضغطت ب==ه على ج==انب داري==ل‪.‬‬
‫ً‬
‫قائلة ‪« :‬أمسك برأسه‪ ،‬وأبقها مرتفعة‪ ».‬ثم قالت لخولو‪« :‬ارفع قدميه … لف معطفك أو أي شيء‪ ».‬وتحرك‬ ‫وجهت حديثها لي‬

‫خولو سريعً ا‪ .‬كانت والدة فانيسا ممرضة‪ ،‬وكانت الفتاة تحصل كل صيف في المخيم على تدريب على اإلسعافات األولية‪ ،‬وق==د‬

‫أحبت مشاهدة الناس وهم يتلقون اإلسعافات األولية بشكل خاطئ في األفالم السينمائية‪ ،‬والسخرية منهم‪ .‬أس==عدني ح ًّق==ا وجوده==ا‬

‫‪.‬معنا‬

‫جلسنا هناك لفترة طويلة ممسكين بالقميص بجانب داريل‪ ،‬وظل يصر على أنه بخير‪ ،‬وأن علينا السماح له بالنهوض‪ ،‬في حين‬

‫‪.‬ظلت فان تأمره بالصمت وعدم التحرك وإال ستركل مؤخرته‬

‫»قال خولو‪« :‬ما رأيكم في االتصال بالنجدة؟‬

‫شعرت بأنني أحمق‪ ،‬أمسكت بهاتفي سري ًع ا‪ ،‬وطلبت رقم النجدة‪ ،‬وما حصلت عليه لم يكن حتى إشارة بأن الرقم مشغول‪ ،‬وإنما‬

‫كان أشبه بأنين صادر عن شبكة الهواتف‪ .‬ال يُس َم ع مثل هذا الصوت إال إذا كان هناك ثالثة ماليين شخص يطلبون الرقم نفس==ه‬

‫في اللحظة ذاتها‪ .‬من بحاجة لشبكات بوت نت في وجود إرهابيين؟‬

‫»سأل خولو‪« :‬ماذا عن ويكيبيديا؟‬

‫»‪.‬فأجبته‪« :‬ال هاتف‪ ،‬ال بيانات‬

‫قال داريل‪ ،‬وهو يشير إلى الشارع‪« :‬ماذا عنهم؟» نظرت حيث أشار‪ ،‬معتق ًدا أنني سأرى شرط ًّيا أو مسع ًفا‪ ،‬غير أن==ني لم أج==د‬
‫ً‬
‫‪.‬أحدا‬

‫»‪.‬قلت له‪« :‬ال بأس يا صديقي‪ ،‬لتسترح فقط‬

‫»!ال‪ ،‬أيها األحمق‪ .‬ماذا عن هؤالء … رجال الشرطة في السيارات؟ هناك«‬

‫ثوان‪ ،‬كانت سيارة شرطة‪ ،‬أو إسعاف‪ ،‬أو مط==افئ تم==ر ب==الجوار‪ .‬يمكن أن يم==دونا ببعض المس==اعدة‪ .‬كم‬
‫ٍ‬ ‫كان مح ًّقا؛ فكل خمس‬

‫!كنت أحمق‬

‫»‪.‬قلت‪« :‬هيا بنا إذن! لنذهب حيث يمكنهم رؤيتك‪ ،‬ونلوح ألحدهم‬
‫لم يرق األمر لفانيسا‪ ،‬لكنني رأيت أن أي شرطي ما كان ليقف لشاب يلوح بقبعته في الطريق‪ ،‬ليس في ذل==ك الي==وم‪ ،‬وربم==ا م==ا‬

‫كان سيوقفهم هو رؤية داريل ينزف‪ .‬تجادلت معها لبرهة‪ ،‬ثم حسم داريل األمر بالوقوف مترنحً ا على قدميه‪ ،‬والسير بتثاقل في‬

‫‪.‬اتجاه شارع ماركت‬


‫أول سيارة مرت بصفارتها المدوية — وكانت سيارة إسعاف — لم ته==دئ ح==تى من س==رعتها وم==رت مس= ً‬
‫=رعة‪ ،‬وك==ذلك فعلت‬

‫سيارة الشرطة التي مرت بعدها‪ ،‬وسيارة المط==افئ‪ ،‬وس==يارات الش==رطة الثالث التالي==ة‪ .‬لم يكن داري==ل في حال==ة جي==دة؛ فوجه==ه‬

‫‪.‬شاحب وكان يلهث‪ .‬وقميص فان غارق في الدماء‬

‫سئمت مرور السيارات أمامي دون توقف‪ ،‬وفي المرة التالية ال=تي ظه=رت فيه==ا س==يارة بش=ارع م==اركت‪ ،‬تق=دمت إلى منتص==ف‬

‫الطريق ملوحً ا بذراعيَّ ف=وق رأس=ي‪ ،‬وأن=ا أص=يح‪« :‬قِ=ف!» دارت الس=يارة لتتوق=ف‪ ،‬وحينئ= ٍ=ذ فق=ط الحظت أنه=ا لم تكن س=يارة‬

‫‪.‬شرطة‪ ،‬أو إسعاف‪ ،‬أو مطافئ‬

‫كانت سيارة جيب عسكرية‪ ،‬تشبه الهامر المصفحة‪ ،‬غير أنها لم تحمل أية شارة عسكرية عليها‪ .‬رجعت الس==يارة بق==وة لتتوق==ف‬

‫أمامي مباشر ًة‪ ،‬فوثبت للخلف‪ ،‬وفقدت توازني لينتهي بي الحال مرتميًا على الطريق‪ .‬شعرت باألبواب ُتف َتح بجواري‪ ،‬ثم رأيت‬

‫فوضى من األقدام المنتعلة أحذية البوت تتحرك بالقرب مني‪ .‬نظرت ألعلى‪ ،‬فرأيت مجموعة من األفراد ذوي مظهر عس==كري‬

‫يرتدون أردية سروالية تغطي الجسم بأكمله‪ .‬كانوا يحملون بنادق ض==خمة‪ ،‬ويرت==دون أقنع==ة للوقاي==ة من الغ==از م==زودة بلوح==ات‬

‫‪.‬للوجه فاتحة اللون‬

‫ُصوبة نحوي‪ .‬لم يصوب أحد سالحً ا نحوي من قبل‪ ،‬لكن ك==ل م==ا س==معته‬
‫وقبل أن أتمكن من اإلشارة إليهم‪ ،‬كانت هذه البنادق م َّ‬
‫عن هذه التجربة صحيح‪ .‬إنك تتوق==ف عن الح=راك تمامً=ا‪ ،‬ويتوق==ف ال==زمن‪ ،‬وت==دوي ض==ربات قلب==ك في أذني==ك‪ .‬فتحت فمي‪ ،‬ثم‬

‫‪.‬أغلقته‪ ،‬ثم ببطء شديد‪ =،‬مددت يديَّ أمامي‬

‫أبقى الرجل المُسلَّح المغطى الوجه والعينين سالحه موجهًا نحوي‪ .‬لم أتنفس‪ ،‬في حين كانت فان تصرخ بشيء ما‪ ،‬وكان خول==و‬

‫يصيح‪ ،‬نظرت إليهما لثانية‪ ،‬عندئ ٍذ وضع شخص ما كي ًسا خش ًنا فوق رأسي‪ ،‬وأغلقه بإحكام ح==ول قص==بتي الهوائي==ة‪ .‬فع==ل ذل==ك‬

‫بسرعة وقوة هائلتين حتى إنه لم يسعني الوقت ألستنشق الهواء قبل أن يُغلَق عليَّ ‪ُ .‬دفِعت على نحو ٍ‬
‫قاس وفاتر في ال==وقت ذات==ه‬
‫على بطني‪ ،‬والتف شيء ما مرتين حول معصميَّ ‪ ،‬ثم أُحكِم غلق==ه‪ .‬ك==ان ل==ه ملمس األس==الك ال==تي ُتح= َ‬
‫=زم به==ا األش==ياء في ِر َزم‪،‬‬

‫‪.‬ويوجع بشدة‪ .‬أخذت أصرخ‪ ،‬غير أن صوتي ُكتِم بفعل الكيس الذي كان فوق رأسي‬

‫خيم الظالم الدامس حولي‪ ،‬حاولت سماع ما كان يحدث ألصدقائي‪ ،‬فسمعتهم يصرخون ع=بر قم=اش الكيس الك=اتم للص=وت‪ ،‬ثم‬

‫‪ُ .‬سحِبت من معصميَّ ألقف على قدميَّ ‪ ،‬وذراعاي مكبَّالن خلف ظهري‪ ،‬وكتفاي متألمتان بشدة‬

‫تعثرت لبضع خطوات‪ ،‬ثم دفعت ي ٌد ما رأسي بقوة ألسفل‪ ،‬ألصير بعد ذلك داخل السيارة الهامر‪ُ .‬دفِع ك==ذلك العدي=د= من األف=راد‬

‫‪.‬اآلخرين بقسوة إلى جانبي‬


‫صحت مناديًا على أصدقائي‪ ،‬فتلقيت ضربة قوي==ة على رأس==ي آلمت==ني‪ .‬س==معت خول==و ي==رد عليَّ ‪ ،‬ثم ش==عرت بأن==ه تلقى ض==ربة‬

‫‪.‬مماثلة‪ .‬أخذت رأسي تطِ ن كالجرس‬

‫أخذت أصيح في الجنود‪« :‬اسمعوني! لسنا سوى طالب بالمرحلة الثانوية‪ ،‬وأردت أن أوقف سيارتكم ألن ص==ديقي ي==نزف‪ ،‬لق==د‬

‫تعرض للطعن‪ ».‬لم تكن لدي أدنى فكرة عما كان يُس َمع من ه=ذا الكالم ع=بر الكيس الك=اتم للص=وت‪ ،‬لكن=ني واص=لت الح=ديث‪:‬‬

‫»… «اسمعوني! ثمة سوء فهم هنا‪ ،‬يلزم نقل صديقي إلى المستشفى‬

‫وجَّ ه شخص ما ضربة أخرى على رأسي‪ ،‬وشعرت أنهم يستخدمون هِراوة أو شي ًئا من هذا القبيل؛ إذ كانت الض==ربة أق==وى من‬

‫أية ض=ربة تلقيته=ا على رأس=ي من قب==ل‪ .‬زاغت عين==اي‪ ،‬واغرورقت=ا بال==دموع‪ ،‬وش=عرت ح ًّق=ا بع==دم الق==درة على التنفس‪ .‬وبع=د‬

‫‪.‬لحظات‪ ،‬التقطت أنفاسي‪ ،‬لكنني لم أنطق‪ ،‬فقد تعلمت الدرس‬

‫من كان هؤالء المهرجون؟ إنهم ال يرتدون أية شارات‪ .‬ربما كانوا إرهابيين! لم أُومن باإلرهابيين ح ًّقا من قبل َقط … ما أعنيه‬

‫هو أنه من الناحية النظرية كان هناك إرهابيون في مكان ما بالعالم‪ ،‬بيد أنهم ال يمثلون في الواقع أي خطر علي‪ ،‬فهناك ماليين‬

‫الطرق التي يمكن أن ألقى حتفي بها في هذا العالم — مثل أن تدهس==ني س==يارة مس==رعة يقوده==ا س==كير في ش==ارع فالينس==يا —‬

‫وهي الطرق األكثر احتمااًل ومباشر ًة من اإلرهابيين‪ .‬فمن لقوا حتفهم على يد اإلرهابيين= أق==ل بكث==ير ممن م==اتوا ج==رَّ اء الس==قوط‬

‫في دورات المي==اه‪ ،‬أو تعرض=وا للص=عق بالكهرب==اء على نح==و عرض=ي‪ .‬فلم يكن اإلره=ابيون يث=يرون قلقي أك==ثر من التع=رض‬

‫‪.‬للبرق‬

‫لكن بجلوس=ي في الخل=ف بتل==ك الس=يارة اله=امر‪ ،‬ورأس==ي داخ=ل ذل==ك الكيس‪ ،‬وي==داي مكبلت==ان خل=ف ظه==ري‪ ،‬وت=رنحي لألم=ام‬

‫‪.‬والخلف‪ ،‬وتورم الكدمات برأسي؛ بدا اإلرهاب فجأة أخطر بكثير‬

‫تأرجحت السيارة لألمام والخلف‪ ،‬وصعدت أعلى التل‪ ،‬واستنتجت أننا متوجهون إلى منطقة نوب هي=ل‪ ،‬وب=دا من الزاوي=ة ال=تي‬

‫‪.‬نسير بها أننا نمضي في أكثر الطرق انحدارً ا؛ شارع باول على ما أعتقد‬

‫هبطنا بعد ذلك بالقدر نفسه من االنحدار‪ .‬وإذا صحت خريطتي الذهنية‪ =،‬فقد كنا نتوجه ألسفل باتج==اه منطق==ة فيش==رمانز وارف‪.‬‬

‫يمكنك= الصعود على متن قارب هناك والهرب‪ ،‬ويناسب ذل==ك فرض==ية اإلره==اب‪ ،‬لكن لم==اذا يخط==ف اإلره==ابيون مجموع==ة من‬

‫!طالب المرحلة الثانوية؟‬

‫تأرجحت السيارة لتقف على منحدر‪ ،‬توقف المحرك‪ ،‬ثم فُتِحت األبواب‪ ،‬جرَّ ني شخص ما من ذراعيَّ خارج السيارة‪ ،‬ثم دفعني‬

‫ثوان‪ ،‬تعثرت بسلم فوالذي ل==ترتطم قص==بتا س==اقيَّ ب==ه‪ .‬دفعت==ني الي==دان الموجودت==ان‬
‫ٍ‬ ‫وأنا أترنح على الطريق المُمهَّد‪ .‬وبعد بضع‬

‫خلفي مرة أخرى‪ .‬صعدت السلم بحذر‪ ،‬وأن==ا غ==ير ق==ادر على اس==تخدام ي==ديَّ ‪ .‬ص==عدت الدرج==ة الثالث==ة‪ ،‬وم==ددت ق==دمي للدرج==ة‬
‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬غير أن يدين أخريين أمسكتا بي من األمام‪ ،‬وسحبتاني على أرضية فوالذي==ة‪ ،‬ثم‬ ‫الرابعة‪ ،‬لكنها لم تكن هناك‪ .‬كدت أسقط‬

‫‪.‬دفعتاني للجلوس على ركبتيَّ ‪ ،‬وكبلتا يديَّ بشيء ما من خلفي‬


‫مزيد من الحركة‪ ،‬وشعور بأجسام أخرى ُتص َّفد بجواري … تأوهات وأصوات مكتومة … ضحك‪ ،‬ثم فترة ب==دت كأم==د ال==دهر‬

‫صبتان‪ ،‬أستنشق ما أخرجه من أنفاس‪ ،‬وأسمع صوت أنفاسي في أذنيَّ‬


‫‪.‬من الظالم وعيناي مع َّ‬
‫•••‬

‫تمكنت في الواقع من النوم في ذلك المكان‪ ،‬جاثيًا على ركبتيَّ وقد انقطعت الدورة الدموية بس=اقيَّ ‪ ،‬والظالم يخيم برأس=ي داخ=ل‬

‫الكيس‪ .‬كان جسمي قد أفرز كمية هائلة من األدرينالين في مجرى الدم بجسمي خالل ثالثين دقيقة‪ .‬ولما كان بإمكان هذه الم==ادة‬

‫‪.‬منح اإلنسان القوة لفعل أي شيء من أجل إنقاذ أحبائه‪ ،‬والوثب فوق بنايات مرتفعة‪ ،‬فما يسفر عنها يكون دائمًا بشعًا‬

‫استيقظت على يد شخص ما تسحب الكيس من فوق رأس=ي‪ .‬لم يكون==وا قس==اة وال ح==ذرين‪ ،‬وإنم==ا ف==اترين فحس=ب‪ ،‬مث==ل العام==ل‬

‫‪.‬بالمطعم وهو يصنع شطائر البرجر‬

‫كانت اإلضاءة بالغرفة ساطعة للغاية؛ ما اضطرني لغلق عي==نيَّ بق==وة‪ ،‬لكن==ني تمكنت من فتحهم==ا ش==ي ًئا فش==ي ًئا إلى أن فُتِحت==ا عن‬

‫‪.‬آخرهما ونظرت حولي‬

‫كنا جميعً ا في مؤخرة شاحنة ضخمة ذات ‪ ١٦‬عجلة‪ .‬تمكنت من رؤية أماكن العجالت على أبع==اد منتظم=ة بامت==داد النظ=ر‪ ،‬لكن‬

‫مؤخرة هذه الشاحنة كانت قد تحولت إلى شيء أشبه بسجن أو موقع عسكري متنقل‪ .‬اصطفت مكاتب فوالذية بج==انب الج==دران‬

‫تعلوها شاشات مسطحة مصقولة ترتكز إلى أذرع مزودة بمفاصل تسمح بتغيير مواقعه==ا في دائ==رة ح==ول مش==غليها‪ ،‬وأم==ام ك==ل‬

‫مكتب كرسي مكتبي رائع مُحلى بمقابض ُتستخ َدم من أجل تعديل= كل ميليمتر من س==طح الجل==وس‪ ،‬وك==ذلك االرتف==اع واالنح==دار‬

‫‪.‬واالنحراف‬

‫جاء بعد ذلك الجزء الخاص بالسجن‪ .‬في مقدمة الشاحنة‪ ،‬وبأبعد نقطة عن األبواب‪ ،‬كانت القض==بان الفوالذي==ة المثبت==ة بمس==امير‬

‫‪.‬في جانبي العربة‪ ،‬وفي هذه القضبان الفوالذية= قُيِّد المساجين‬

‫لمحت فان وخولو على الفور‪ .‬لعل داريل كان من بين المقيدين الموجودين هنا بالخلف‪ ،‬بيد أن الج==زم ب==ذلك ك==ان مس==تحياًل ؛ إذ‬

‫‪.‬إن العشرات منهم جلسوا مترهلين أمامي حاجبين عني الرؤية‪ .‬مألت المكان بالخلف رائحة خوف وعرق كريهة‬

‫نظرت فانيسا إليَّ ‪ ،‬ولم تب ِد أي رد فعل‪ .‬مأله=ا الف==زع‪ ،‬ش==أنها ش==أني‪ ،‬وك==ذلك خول==و؛ فأخ==ذت عين==اه ت==دوران في ك==ل مك==ان في‬

‫‪.‬اهتياج‪ ،‬وظهر بياضهما‪ .‬لقد كنت مذعورً ا‪ ،‬كما أردت التبول بشدة‬

‫بحثت حولي عن معتقِلينا‪ ،‬كنت قد تجنبت النظر إليهم حتى ذلك الحين‪ ،‬مثلما تتجنب النظر إلى الظالم في الخزانة عندما تتخيل‬

‫‪.‬وجود عفريت داخلها‪ ،‬فأنت ال ترغب في أن تعلم أنك على حق‬

‫غير أنه كان عليَّ التحقق على نحو أفضل من أولئك الحمقى ال==ذين اختطفون==ا‪ ،‬ف==أردت أن أع==رف إن ك==انوا إره==ابيين أم ال‪ .‬لم‬
‫أكن أعلم كيف يبدو اإلرهابيون‪ ،‬وإن فعلت البرامج التليفزيونية أقصى ما في وسعها إلقناعي بأن اإلرهابيين عرب ذوو َ‬
‫بش==رة‬

‫وطواق مخيطة‪ ،‬ومالبس قطنية فضفاضة تتدلى حتى كواحلهم‬


‫ٍ‬ ‫‪.‬داكنة‪ ،‬ولِحً ى طويلة‪،‬‬
‫لم يكن معتقلونا كذلك؛ فهم أشبه بفرق مشجعي كرة القدم الذين يقدمون عرو ً‬
‫ضا في استراحة المباري==ات‪ ،‬فب=دَوا أمريك==يين على‬

‫نحو ال يمكنني= تعيينه على وجه التحديد‪ =:‬عظام فك جيدة‪ ،‬وقصة شعر قصيرة أنيقة ب==دت غ==ير عس==كرية على اإلطالق‪ .‬ارت==دوا‬

‫جميعً ا‪ ،‬رجااًل ونساءً‪ ،‬مالبس بيضاء وبُني=ة الل=ون‪ ،‬وابتس=موا دون تحف=ظ لبعض==هم البعض أثن==اء جلوس=هم ب==الطرف اآلخ=ر من‬

‫الشاحنة‪ ،‬وهم يتبادلون المزاح ويشربون القهوة في أكواب بالستيكية‪ .‬ما كان أولئك بعرب من أفغانس==تان‪ ،‬ب==ل ب==دوا س==ياحً ا من‬

‫‪.‬نبراسكا‬

‫حدقت في شابة ذات بشرة بيضاء وش==عر ب==ني وال==تي ب==دت في نفس عم==ري تقري ًب==ا‪ .‬ب==دت فاتن==ة نوعً= ا م=ا في ال==زي العس==كري‬
‫َ‬
‫حدقت في شخص ما لفترة طويلة‪ ،‬فس=ينظر ناحيت=ك في النهاي==ة‪ ،‬وه=ذا م=ا فعلت==ه‪ ،‬وتح=ول وجهه=ا فج=أة إلى هيئ=ة‬ ‫المخيف‪ .‬إذا‬
‫‪.‬مختلفة تمامًا تخلو من المشاعر‪ ،‬بل آلية أي ً‬
‫ضا‪ ،‬وتالشت البسمة في لمح البصر‬

‫»خاطبتها قائاًل ‪« :‬لتسمعيني‪ ،‬ال أعلم ما يحدث هنا‪ ،‬لكنني في حاجة ماسة للذهاب إلى دورة المياه؟‬

‫‪.‬فأشاحت بوجهها عني كما لو أنها لم تسمعني‬

‫»‪.‬إنني جاد فيما أقوله‪ ،‬وإذا لم أذهب اآلن‪ ،‬فستكون العواقب وخيمة‪ ،‬سيصير المكان هنا كريه الرائحة ح ًّقا«‬

‫‪.‬استدارت ناحية زمالئها‪ ،‬وكانوا ثالثة‪ .‬تبادلوا الحديث بصوت منخفض لم أتمكن من سماعه بسبب مراوح أجهزة الكمبيوتر‬

‫»‪.‬ثم عادت للنظر إليَّ ‪ ،‬وقالت‪« :‬لتصبر عشر دقائق‪ ،‬وسيذهب ك ٌّل منكم لقضاء حاجته‬

‫ال أعتقد أن بوسعي الصبر عشر دقائق‪ ».‬أظهرت شي ًئا من اإللحاح في صوتي أكثر مما كنت أشعر به في الحقيقة‪« .‬عن جد«‬

‫»‪.‬يا سيدتي! ال بد أن أذهب اآلن‬

‫ثانية‪ ،‬ثم تقدم أحدهم لألمام‪ ،‬ك==ان أك==بر س = ًّنا‬


‫ً‬ ‫هزت رأسها‪ ،‬ونظرت إليَّ كما لو كنت فاشاًل مثيرً ا للشفقة‪ .‬تشاورت مع أصدقائها‬
‫َّ‬

‫منها‪ ،‬في بداية الثالثينيات‪ ،‬عريض المنكبين= على نحو يعكس ممارسته للرياضة‪ .‬بدا صين ًّيا أو كور ًّيا — فان نفس==ها ال يمكنه==ا‬

‫‪.‬التمييز بين الصينيين والكوريين في بعض األحيان — لكن هيئته أوحت بأنه «أمريكي» على نحو ال يمكنني تحديده بالضبط‬
‫ً‬
‫وبخاخ= ا للفلف==ل أو التواب=ل‬ ‫مسدس=ا‪ ،‬وص=اع ًقا كهربائ ًّي==ا‪،‬‬
‫ً‬ ‫أزاح معطفه الرياضي جانبًا ليجعلني أرى ما كان يعلقه بجانبه؛ فرأيت‬
‫ً‬
‫ثانية‬ ‫‪.‬الحارة‪ ،‬قبل أن ينزل معطفه‬

‫»‪.‬قال‪« :‬ال ُتثِر المشكالت‬

‫»‪.‬فأجبته مواف ًقا‪« :‬بالتأكيد‬

‫لمس شي ًئا ما في حزامه‪ ،‬ففُ َّكت األصفاد خلف ظه=ري‪ ،‬وس=قط ذراع=اي خلفي فج=أة‪ .‬ك=ان األم==ر أش==به بارتدائ==ه ح==زام الرج==ل‬
‫الوطواط متعدد= االستخدامات؛ جهاز السلكي للتحكم عن بعد في األصفاد! أظن أن ذلك كان منطق ًّيا؛ فل==و َ‬
‫كنت س==جَّ ا ًنا‪ ،‬م==ا كنت‬

‫لترغب في االنحناء أمام الس==جناء لتص==بح ك==ل ه==ذه المع==دات المميت==ة في مس==توى نظ==رهم؛ إذ ق==د يس==حبون س==الحك بأس==نانهم‪،‬‬

‫‪.‬ويضغطون على الزناد بألسنتهم أو شيء من هذا القبيل‬


‫كانت يداي ال تزاالن مكبلتين خلف ظهري بالرباط البالستيكي‪ ،‬وبعد أن فُ َّكت عني األصفاد‪ ،‬شعرت بأن س==اقيَّ ق==د تحولت==ا إلى‬

‫كتلتين من الفلين بمكوثي في وضعية واحدة‪ .‬اختصارً ا لما حدث‪ ،‬س==قطت على وجهي‪ ،‬وأخ==ذت أرفس ب==وهن في س==اقيِّ الل==تين‬

‫‪.‬مألهما الوخز‪ ،‬محاواًل االستناد عليهما ألنهض‬

‫جذبني الرجل بعنف ألقف على قدميَّ ‪ ،‬وأخذت أت==رنح وص==واًل إلى أقص==ى نقط==ة بم==ؤخرة الش==احنة حيث وُ ِ‬
‫ض=ع حم==ام ص==غير‬

‫متنقل‪ .‬حاولت البحث عن داريل في طريقي‪ ،‬لكنه ربما كان أح==د األف==راد الخمس=ة أو الس=تة الجالس==ين بتره==ل‪ ،‬وربم==ا ليس أ ًّي=ا‬

‫‪.‬منهم‬

‫»‪.‬قال الرجل‪« :‬لتدخل‬

‫هززت معصميَّ بعنف‪ ،‬وقلت له‪« :‬لتنزع هذا‪ ،‬من فضلك!» ك==انت أص=ابعي كأص=ابع الس=جق أرجواني=ة الل=ون ج=راء ربطه=ا‬

‫‪.‬باألصفاد البالستيكية= لساعات‬

‫‪.‬لم يحرك الرجل ساك ًنا‬

‫فقلت له‪ ،‬محاواًل أال يبدو في صوتي سخرية أو غضب (ولم يكن ذلك يس=يرً ا)‪« :‬انظ==ر‪ ،‬إم=ا أن تف=ك معص=ميَّ ‪ ،‬أو ت=دخل معي‬

‫لتساعدني في قضاء حاجتي؛ فالذهاب لدورة المياه ال يمكن أن يتم دون استخدام األيدي‪ ».‬أطلق شخص ما في الشاحنة ضحكة‬

‫نصف مكبوتة‪ =.‬لم أَرُق للرجل‪ ،‬تمكنت من تبيُّن ذلك من الطريقة التي كان يصرُّ به==ا عض==الت فكي==ه‪ .‬ي==ا إلهي! كم ك==ان ه==ؤالء‬

‫!الناس على أهبة االستعداد‬

‫م َّد يده إلى حزامه‪ ،‬وأخرج زردية رائعة متعددة االستخدامات‪ ،‬أظهر منها س==كي ًنا َخطِ= ر المظه==ر‪ ،‬وقط==ع األص==فاد البالس==تيكية‬

‫‪.‬لتتحرر يداي‬

‫‪.‬شكرته‬

‫فدفعني داخل دورة المياه‪ .‬كانت يداي ال فائدة منهما‪ ،‬كما لو كانتا قطعتين من الصلص=ال في نهاي=ة معص=ميَّ ‪ .‬وعن=دما ه=ززت‬

‫أصابعي بصعوبة‪ ،‬شعرت بوخز فيه==ا‪ ،‬ثم تح==ول ال==وخز إلى ألم ش==ديد ك==دت أص==رخ من==ه‪ .‬أن==زلت قاع==دة المرح==اض‪ ،‬وخلعت‬

‫‪.‬سروالي‪ ،‬ثم جلست‪ ،‬فلم أكن واث ًقا أنه بإمكاني الصمود واق ًفا على قدميَّ‬
‫تحررت مثانتي‪ ،‬وكذلك عيناي‪ ،‬فأخذت أبكي في صمت وأنا أهتز لألمام والخلف مع نزول الدموع والمخاط على وجهي‪ .‬ك==ان‬

‫‪.‬ذلك كل ما بوسعي فعله ألمنع نفسي من النشيج؛ وضعت يدي على فمي‪ ،‬وكتمت صوتي‪ .‬لم أرغب في إرضائهم بسماع ذلك‬
‫وأخيرً ا‪ ،‬انتهيت من قضاء حاجتي‪ ،‬وكان الرجل يناديني ويضرب الباب بعنف‪َّ .‬‬
‫نظفت وجهي ق==در اإلمك==ان باس==تخدام المنادي==ل‬

‫الورقية‪ ،‬ثم وضعتها في المرحاض‪ ،‬وطردت الماء‪ .‬بحثت بعد ذلك عن حوض‪ ،‬لكنني لم أجد سوى زجاج==ة متين=ة= لمُع ِّقم ي==دين=‬

‫‪.‬مغطاة بالئحة مكتوب عليها بخط صغير الجراثيم التي يعمل على إزالتها‪ .‬مسحت يديَّ ببعض منه‪ ،‬وخرجت من الحمام‬

‫»سألني الرجل‪« :‬ماذا كنت تفعل بالداخل؟‬


‫فأجبت==ه‪« :‬أس==تخدم المرح==اض‪ ».‬جعل==ني أس==تدير‪ ،‬وأمس==ك بي==ديَّ ‪ ،‬فش==عرت بأص==فاد بالس==تيكية جدي==دة توض==ع حولهم==ا‪ .‬ت==ورم‬

‫معصماي منذ فك األصفاد السابقة منهما‪ ،‬وأوجعت األصفاد الجديدة بشرتي الحساسة‪ ،‬لكنني أبيت أن أمنحه الرضا بأن أصرخ‬

‫‪.‬من األلم‬

‫دفعني حتى وصلت إلى مكاني‪ ،‬وأمسك بالشخص التالي الذي اتضح لي في تلك اللحظة أنه خولو‪ .‬انتفخ وجه==ه‪ ،‬وك==انت هن==اك‬

‫‪.‬كدمة كريهة على وجنته‬

‫سألته‪« :‬هل أنت بخير؟» فوضع الرج==ل ذو الح==زام متع==دد االس==تخدامات ي==ده على جبه==تي‪ ،‬ودفع==ني بق==وة‪ ،‬لترت==د رأس==ي بع==د‬
‫ً‬
‫جاهدا إع==ادة ترك==يز نظ==ري‪« :‬ممن==وع‬ ‫دق الساعة‪ .‬وقال بينما كنت أحاول‬ ‫ً‬
‫محدثة صو ًتا مثل ِّ‬ ‫ارتطامها بجدار الشاحنة المعدني‬

‫»!الكالم‬

‫‪.‬لم يرقني هؤالء الناس‪ ،‬وقررت في تلك اللحظة أنهم سيدفعون ثمن كل ما يفعلونه‬

‫ذهب جميع السجناء إلى دورة المياه واح ًد ا تلو اآلخر‪ ،‬ثم عادوا إلى أماكنهم‪ .‬وعند االنتهاء من ذلك‪ ،‬عاد الحارس إلى أصدقائه‬

‫وتناول كوبًا آخ==ر من القه==وة‪ .‬الحظت أنهم ك==انوا يش==ربون من وع==اء ض==خم من «س==تاربكس» موض==وع في خزان==ة‪ ،‬وأخ==ذوا‬

‫‪.‬يتحدثون على نحو يصعب تمييزه تضمن قدرً ا كبيرً ا من الضحك‬

‫فُتِح بعد ذلك الباب الموجود في مؤخرة الشاحنة‪ ،‬كان الهواء نق ًّيا‪ ،‬ال يمل=ؤه ال==دخان مث=ل ذي قب==ل‪ ،‬لكن يش=وبه بعض األوزون‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬لمحت الظالم وقد خيم‪ ،‬والسماء تمطر الرذاذ الذي اشتهرت ب==ه س=ان‬ ‫وفي الجزء الذي رأيته بالخارج قبل أن يُغلَق الباب‬

‫‪.‬فرانسيسكو‪ ،‬ويشوبه ضباب رقيق‬

‫كان الرجل ال==ذي دخ=ل إلى الش=احنة يرت==دي ز ًّي==ا عس==كر ًّيا … ز ًّي==ا عس==كر ًّيا أمريك ًّي==ا‪ .‬ألقى التحي==ة العس==كرية على األف==راد في‬

‫‪.‬الشاحنة‪ ،‬وردوا له التحية‪ ،‬وعندئ ٍذ علمت أنني لم أكن سجين بعض اإلرهابيين‪ =،‬وإنما سجين الواليات المتحدة األمريكية‬

‫•••‬

‫نصبوا ستارً ا صغيرً ا في آخر الشاحنة‪ ،‬ثم جاءوا ليأخذونا واح= ًدا تل==و اآلخ==ر‪ ،‬ف َّكوا أص==فادنا وقادون==ا إلى م==ؤخرة الش==احنة‪ .‬م==ا‬

‫تمكنت من استنتاجه — وأنا أعد الثواني في رأسي — أن مدة المقابلة مع ك= ٍّل م َّنا اس==تمرت س==بع دق==ائق‪ .‬ارتجفت رأس==ي إث==ر‬

‫‪.‬الجفاف وانسحاب الكافيين‬

‫كان دوري الثالث‪ ،‬قادتني السيدة ذات الشعر القصير إلى مكان التحقيق‪ .‬عن قرب‪ ،‬ب==دت مرهق==ة‪ :‬عيناه==ا منتفخت==ان‪ ،‬وخط==وط‬

‫‪.‬كالحة تحيط بجانبي فمها‬

‫قلت لها عفو ًّيا‪« :‬شكرً ا!» وهي تفك أصفادي باستخدام جهاز التحكم عن بعد‪ =،‬ثم سحبتني ألقف على قدميَّ ‪ .‬كرهت نفس=ي له==ذه‬

‫‪.‬الدماثة العفوية‪ ،‬لكنها كانت مغروسة بداخلي‬


‫لم تحرك ساك ًنا‪ .‬سرت أمامها حتى وصلنا إلى مؤخرة الشاحنة‪ ،‬ثم خلف الس=تار‪ .‬ك=ان هن==اك كرس=ي واح==د قاب==ل للطي جلس=ت‬

‫عليه‪ .‬نظر إليَّ اثنان من خاطفينا‪ ،‬وهما السيدة ذات الشعر القصير‪ ،‬والرجل ذو الحزام متعدد= االستخدامات‪ .‬كانا يجلس==ان على‬

‫‪.‬كرسيين مريحين رائعين‬

‫‪.‬كانت هناك طاولة صغيرة بينهما منثورة عليها محتويات محفظتي وحقيبة الظهر الخاصة بي‬

‫»‪.‬قالت السيدة ذات الشعر القصير‪« :‬مرحبًا ماركوس‪ ،‬نريد أن نطرح عليك بعض األسئلة‬

‫سألتهما‪« :‬هل أنا رهن االعتقال؟» لم يكن ذلك سؤااًل عديم الجدوى‪ ،‬فإذا لم تكن رهن االعتقال‪ ،‬فثم==ة ح==دود لم==ا يمكن لرج==ال‬

‫الشرطة فعله معك وما ال يمكنهم فعله‪ :‬أواًل ‪ ،‬ال يمكنهم احتجازك لألبد دون اعتقالك‪ ،‬م==ع منح==ك مكالم==ة هاتفي==ة‪ ،‬والس==ماح ل==ك‬

‫محام‪ .‬هل كان ذلك ليحدث؟‬


‫ٍ‬ ‫!بالتحدث إلى‬

‫قالت وهي تمسك هاتفي‪« :‬ما هذا؟» أظهرت الشاشة رسالة الخطأ التي تظهر عن=د محاول==ة الوص==ول إلى بيان==ات اله==اتف دون‬

‫إدخال كلمة المرور الصحيحة‪ .‬كانت رسالة بذيئة= نو ًعا ما — يد متحرك==ة ت==ؤدي حرك==ة غ==ير مهذب==ة يعرفه==ا الجمي==ع — فأن==ا‬

‫‪.‬أحب تخصيص جهازي‬

‫كررت سؤالي‪« :‬هل أنا رهن االعتق==ال؟» ال يمكنهم إرغام==ك على اإلجاب==ة عن أي==ة أس==ئلة إذا لم تكن رهن االعتق==ال‪ ،‬وعن==دما‬

‫‪.‬تسألهم ما إذا كنت رهن االعتقال أم ال‪ ،‬ينبغي لهم اإلجابة‪ .‬هذا ما ينص عليه القانون‬

‫»‪.‬ر َّدت السيدة بحدة‪« :‬أنت م َ‬


‫ُحتجز من قِبل وزارة األمن الوطني‬

‫»هل أنا رهن االعتقال؟«‬


‫ً‬
‫قائلة‪« :‬وإال …» لكنَّ ذلك كان مفهومًا ضمن ًّيا«‬ ‫‪.‬ستكون أكثر تعاو ًنا‪ ،‬يا ماركوس‪ ،‬بدءًا من هذه اللحظة‪ ».‬لم تستطرد‬

‫بمحام‪ ،‬وأرغب في معرفة ما أنا متهم به‪ ،‬وأريد أن أرى أي تحقيق هوية لكليكما‬
‫ٍ‬ ‫»‪.‬قلت‪« :‬أود االتصال‬

‫‪.‬نظر ك ٌّل منهما لآلخر‬

‫ثم قالت السيدة ذات الشعر القصير‪« :‬أعتقد ح ًّقا أنه يجدر بك إعادة النظر في أسلوب تعاملك مع هذا الموقف‪ ،‬وأعتقد أن علي==ك‬

‫فعل ذلك اآلن‪ .‬لقد عثرنا على عدد من األجهزة المريبة بحوزتك‪ ،‬ووجدناك وشركاءك بالقرب من موق==ع أس==وأ هج==وم إره==ابي‬

‫تعرض==ت ل==ه البالد على اإلطالق‪ .‬وب==الجمع بين ه==اتين الحقيق==تين‪ ،‬يتض==ح أن الوض==ع ليس في ص==الحك ي==ا م==اركوس‪ .‬يمكن==ك‬

‫»التعاون معنا‪ ،‬وإال فستندم أشد الندم‪ .‬واآلن‪ ،‬ما هذا؟‬

‫»!هل تظنون أنني إرهابي؟ إنني في السابعة عشرة«‬

‫هذه هي السن المناسبة تمامًا؛ فتنظيم القاع==دة يفض==ل تجني==د الش==باب المث==اليين س==ريعي الت==أثر‪ .‬لق==د بحثن==ا عن==ك على جوج==ل‪«،‬‬

‫»‪.‬ووجدنا أنك نشرت الكثير من األمور السيئة للغاية على اإلنترنت‬

‫محام«‬
‫ٍ‬ ‫»‪.‬أريد التحدث إلى‬
‫نظرت إليَّ السيدة ذات الشعر القص==ير كم==ا ل==و كنت حش==رة‪ ،‬ثم ق==الت‪« :‬إن==ك تظن خط==أ ً أن الش=رطة قبض==ت علي==ك الرتكاب==ك‬

‫=دوا محتماًل ‪ .‬ل==و كنت‬


‫جريمة ما‪ ،‬عليك أن تتجاوز هذه الفكرة؛ فأنت محتجز من قِبل حكومة الواليات المتحدة بوصفك مقاتاًل ع= ًّ‬

‫عدوا … أقصى ما بوسعك ح ًّقا‪ ،‬فثمة أم=اكن مظلم==ة‬


‫ً‬ ‫مكانك‪ ،‬لبذلت أقصى ما بوسعي للتفكير في كيفية إقناعنا بأنك لست مقاتاًل‬

‫يمكن للمقاتلين األعداء االختفاء فيها‪ ،‬أماكن بعيدة حالكة الظالم يتغيبون= فيه==ا عن األنظ==ار تما ًم==ا … لألب==د‪ .‬ه==ل تس==معني أيه==ا‬

‫الفتى؟ أريدك أن تفتح هذا الهاتف‪ ،‬ثم تفك شفرة الملفات الموجودة في ذاكرت==ه‪ ،‬وأري==دك أن ت==برر س==بب تواج==دك في الش==ارع‪،‬‬

‫»‪.‬وتوضح ما تعرفه بشأن الهجوم الذي تعرضت له هذه المدينة‬

‫قلت حان ًق ا‪« :‬لن أفتح هاتفي من أجلكم‪ ».‬تضم ذاكرة هاتفي كافة أنواع األغراض الخاصة من صور‪ ،‬ورسائل بريد إلكتروني‪،‬‬

‫»‪.‬وبعض برامج القرصنة واأللعاب التي كنت قد ثبَّتها‪« .‬هذه أغراض خاصة‬

‫»ماذا تود إخفاءه؟«‬

‫محام«‬
‫ٍ‬ ‫»‪.‬لدي الحق في الخصوصية‪ ،‬وأريد التحدث مع‬

‫»‪.‬هذه آخر فرصة لك يا فتى‪ ،‬األمناء ليس لديهم ما يخفونه«‬

‫محام ‪ ».‬سيدفع والداي أتعابه‪ .‬األسئلة المتكررة بشأن أن تكون رهن االعتقال واض==حة في ه==ذه النقط==ة‪ ،‬ك==ل«‬
‫ٍ‬ ‫أريد التحدث مع‬

‫ما عليك فعله هو المداومة على طلب االلتق=اء بأح=د المح=امين‪ ،‬بص=رف النظ=ر عم=ا يقول=ه الض=باط أو يفعلون=ه؛ فالتح=دث م=ع‬

‫محام لن يفيدك إطال ًقا‪ .‬قال هذان االثنان إنهما ليسا شرطيين‪ ،‬لكن إذا لم يكن ذلك اعتقااًل ‪ ،‬فماذا يكون؟‬
‫ٍ‬ ‫الشرطة دون حضور‬

‫‪.‬ما أدركته بعد ذلك أنه ربما كان ينبغي لي فتح هاتفي لهما‬
‫الفصل الرابع‬
‫أهدي هذا الفصل لسلسلة متاجر الكتب األمريكية بارنز آند نوبل‪ .‬مع اختفاء متاجر الكتب الصغيرة‪ ،‬شرعت متاجر ب==ارنز آن==د‬

‫نوبل في تشييد هذه القالع الضخمة للقراءة بجميع أنحاء البالد‪ .‬ومن خالل احتوائه==ا على عش==رات اآلالف من الكتب (ال تض=م‬

‫متاجر الكتب بالمراكز التجارية الكبرى واألرفف الدوارة بمتاجر البقالة سوى نسبة صغيرة من هذا الكم فحسب)‪ ،‬وفتح أبوابها‬

‫لساعات طويلة تناسب العائالت‪ ،‬والع==املين‪ ،‬وغ==يرهم من القُ==رَّ اء المحتملين؛= أبقت سلس==لة مت==اجر ب==ارنز آن==د نوب==ل على عم==ل‬

‫الكثير من ال ُك َّتاب‪ ،‬بضمها كتبًا ال يمكن للمتاجر الصغيرة تحمُّل تكلفة االحتفاظ بها على أرففها المحدودة‪ .‬ولطالما تبنت مت==اجر‬
‫بارنز آند نوبل برامج فعالة للتواصل مع المجتمع‪ .‬هذا وقد أقمت بع ً‬
‫ضا من أفضل حفالت التوقي==ع لكت==بي — س==واء من ناحي==ة‬

‫الحضور أو التنظيم — في ه=ذه المت=اجر‪ ،‬مث=ل الحفالت الض=خمة ال=تي أقيمت بف=رع سلس=لة مت=اجر الكتب في مي=دان يوني=ون‬

‫بنيويورك؛ حيث ُعقِد حفل التوقيع الضخم بعد= حفل توزيع جوائز نبيوال‪ ،‬وفرع شيكاجو الذي استضاف الحدث بعد حفل توزيع‬
‫جوائز نبيوال ببضع سنوات‪ .‬أهم ما يميز بارنز آند نوبل أن البائعين «الخبراء» يتمتع==ون= بق==در هائ==ل من المعرف==ة فيم==ا يتعل==ق‬

‫بالخيال العلمي‪ ،‬والقصص المصورة الهزلية‪ ،‬وقصص المانجا‪ ،‬واأللعاب‪ ،‬وم==ا ش==ابه ذل==ك من الكتب‪ ،‬ول==ديهم ش==غف ومعرف==ة‬

‫‪.‬بهذا المجال‪ ،‬األمر الذي يتجلى في االختيار الرائع للكتب المعروضة في واجهات المتاجر‬

‫***‬
‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬ووض==عوا الكيس م=رة أخ==رى على رأس=ي‪ ،‬وترك==وني هن==اك‪ .‬وبع==د ف==ترة طويل==ة من ال=وقت‪ ،‬ب==دأت الش=احنة في‬ ‫قيدوني‬

‫أرض=ا على الف==ور‪ .‬ك==انت س==اقاي َخ= دِرتين تما ًم==ا كم==ا ل==و كانت==ا‬
‫ً‬ ‫ِبت ألقف على قدميَّ ‪ .‬سقطت‬ ‫ً‬
‫متجهة أسفل التل‪ ،‬ثم ُجذ ُ‬ ‫التحرك‬

‫‪.‬قطعتين من الثلج‪ ،‬فيما عدا ركبتيَّ اللتين تورمتا وصارتا مؤلمتين عند اللمس نتيجة للساعات الطويلة التي ظللت فيها جاثيًا‬

‫جذبتني بعض األي==دي من كتفيَّ وق==دميَّ ‪ ،‬ورفعت==ني ككيس البط==اطس‪ .‬س==معت بعض األص==وات من ح==ولي‪ ،‬دون أن أتمكن من‬

‫‪.‬تمييزها‪ .‬كان هناك أحد يبكي وآخر يسبُّ‬

‫نزلت‪ ،‬وأُعيد تكبيلي بقضيب آخر‪ .‬لم َ‬


‫تقو ركبتاي على حملي أكثر من ذلك‪ ،‬فانحنيت لألمام‪ ،‬لينتهي‬ ‫ُ‬ ‫ُحم ُ‬
‫ِلت لمسافة صغيرة‪ ،‬ثم أ ِ‬
‫‪.‬بي الحال ملتويًا على األرض كبسكويت العُقديَّة‪ ،‬ممد ًدا= عكس اتجاه األغالل وممس ًكا بمعصميَّ‬
‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬وفي تلك المرة‪ ،‬راودني شعور بأننا لسنا داخل شاحنة؛ فاألرضية تحتي ك==انت تتماي==ل برق==ة‪ ،‬وته==تز بفع==ل‬ ‫أخذنا نتحرك‬

‫محركات ديزل قوية؛ فأدركت أننا على متن سفينة! ش==عرت ب==الهلع‪ ،‬إن==ني أُرحَّ ل من الش==واطئ األمريكي==ة إلى مك==ان «آخ==ر»‪،‬‬

‫روعت==ني‪ ،‬وأص==ابتني بالش==لل‪ ،‬وع==دم الق==درة على‬


‫ومن يدري ما هذا المكان؟ سبق أن انتابني الفزع من قب==ل‪ ،‬لكن ه==ذه الفك==رة َّ‬
‫الكالم‪ .‬أدركت أنني ق==د ال أرى وال==ديَّ ثاني= ً‬
‫=ة أب= ًدا‪ ،‬وش==عرت بالفع==ل ببعض القيء يح==ترق في حلقي‪ ،‬ش==عرت باالختن==اق داخ==ل‬

‫الكيس الموجود على رأسي‪ ،‬ولم أعد قادرً ا تقريبًا على التنفس‪ ،‬األم==ر ال==ذي ازداد نتيج==ة للوض==ع الغ==ريب الملت==وي ال==ذي كنت‬

‫‪.‬عليه‬
‫لكن من رحمة األقدار أننا لم نمكث طوياًل في الماء‪ .‬بدا األمر وكأنه قد مضى س=اعة‪ ،‬لكن=ني أعلم اآلن أنن=ا لم نمكث في الم=اء‬

‫سوى خمس عشرة دقيقة فحسب‪ ،‬ثم شعرت بأن السفينة ترسو‪ ،‬وبوقع خطوات من حولي على ظهره==ا‪ ،‬والمس==اجين اآلخ==رون‬
‫ً‬
‫ثاني==ة على‬ ‫ُت َفك قيودهم ويُح َملون أو يُقادون بعي ًدا‪ =.‬وعندما حان دوري‪ ،‬حاولت الوقوف مرة أخرى‪ ،‬لكنني لم أستطع‪ ،‬فحملوني‬

‫قاس مجرد من أي شعور‬


‫‪.‬نحو ٍ‬
‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬كنت داخل زنزانة‬ ‫‪.‬وعند رفعهم الكيس من على رأسي‬

‫ص=دِئة‪.‬‬
‫ع=ال‪ ،‬تؤمنه=ا قض=بان َ‬
‫ٍ‬ ‫كانت زنزانة قديمة متهالكة تفوح منها رائحة هواء البحر‪ ،‬احتوت على نافذة واحدة على ارتفاع‬

‫كان الظالم ال يزال يخيم على المكان بالخارج‪ ،‬وعلى أرضية الزنزانة و ِجدت بطاني==ة‪ ،‬ومرح==اض مع==دني ص==غير دون قاع==دة‬

‫‪.‬ومثبَّت بالحائط‪ .‬ك َّش ر الحارس الذي خلع الكيس عن رأسي في وجهي‪ ،‬ثم أغلق الباب الفوالذي الصلب خلفه‬
‫ضا والدماء تعود إليهما وإلى يديَّ ثاني= ً‬
‫=ة‪ .‬تمكنت أخ==يرً ا من الوق==وف‪ ،‬ثم الس==ير جيئ==ة‬ ‫أخذت أدلك ساقيَّ برفق‪ ،‬مُصدِرً ا أني ًنا خفي ً‬

‫وذهابًا‪ .‬سمعت أنا ًسا آخرين يتحدثون‪ ،‬ويبكون‪ ،‬ويصيحون‪ .‬أخذت أصيح أنا أي ً‬
‫ضا‪« :‬خولو! داريل! فانيسا!» شرعت أص==وات‬
‫أخرى في مجموعة الزنزانات في الصياح منادين على أسماء أش==خاص ً‬
‫أيض=ا‪ ،‬أو مطلقين الس==باب‪ ،‬واألص==وات األق==رب م==ني‬

‫‪.‬بدت كالسكارى على نواصي الشوارع الذين أفقدتهم الخمر صوابهم‪ ،‬ربما كان ذلك حالي أيضًا‬

‫صاح الحراس فينا لنهدأ‪ ،‬األمر الذي لم يسفر إال عن صياحنا بصوت أعلى‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬كنا جميعً= ا نع==وي ونص==رخ بك==ل م==ا‬

‫!أوتينا من قوة‪ ،‬ولم ال؟ ماذا كان لدينا لنخسره؟‬

‫•••‬

‫المرة التالية التي حضروا فيها الستجوابي‪ ،‬كنت قذرً ا‪ ،‬مره ًقا‪ ،‬عط ًشا‪ ،‬وجائ ًعا‪ .‬ض=م فري=ق االس=تجواب الجدي=د= الس=يدة القاس=ية‬

‫ذات الشعر القصير‪ ،‬إلى جانب ثالثة رجال ضِ خام الجثة‪ ،‬وقد أخذوا يديرونني كقطعة لحم‪ .‬كان أحدهم أس==ود البش==رة‪ ،‬في حين‬

‫كان االثنان اآلخران أبيضين‪ ،‬وإن كان أحدهما يب==دو من أص==ول التيني==ة‪ =.‬وحم==ل جميعهم أس==لحة‪ .‬إن األم==ر ك==ان يش==به إعال ًن==ا‬

‫‪.‬إلحدى كبريات شركات المالبس والذي تخلله جزء من لعبة حربية‬

‫أخذوني من زنزانتي‪ ،‬وكبلوا معصميَّ وكاحليَّ ‪ .‬انتبهت لما حولي أثناء سيرنا‪ ،‬فسمعت صوت مياه بالخارج‪ ،‬وظننت أننا ربم==ا‬

‫نكون في ألكتراز‪ ،‬فهو في نهاية األمر سجن‪ ،‬وإن تحول إلى معلم سياحي منذ فترة طويلة‪ .‬إنه السجن الذي ت==ذهب إلي==ه لرؤي==ة‬

‫المكان الذي قضى فيه آل كابوني وأفراد عصابته المعاصرون له مدة عقوبتهم‪ .‬لكنني سبق أن زرت س==جن ألك==تراز في إح==دى‬

‫ص ِد ًئا‪ ،‬عتيق الطراز‪ .‬أما ذلك المكان‪ ،‬فيب==دو= أن ت==اريخ تش==ييده يع==ود للح==رب العالمي==ة الثاني==ة‪،‬‬
‫الرحالت المدرسية‪ ،‬كان قديمًا‪َ ،‬‬
‫‪.‬وليس الحقبة االستعمارية‬

‫احتوى المكان على رموز باركود مطبوعة ب=الليزر على أوراق الص=قة‪ ،‬وموض=وعة على أب=واب الزنزان=ات‪ .‬ه=ذا فض=اًل عن‬

‫‪.‬األرقام‪ ،‬لكن فيما عدا ذلك‪ ،‬ما من سبيل لمعرفة َمن أو ما يوجد خلف أبواب هذه الزنزانات‬
‫كانت غرفة االستجواب حديثة الطراز‪ ،‬ومنارة بأضواء فلوريسنت‪ ،‬وم==زودة بمقاع==د مريح==ة — ليس أن==ا من س==يجلس عليه==ا‪،‬‬

‫فمقعدي كرسي حديقة بالستيكي قابل للطي — وطاولة خشبية كبيرة كالمستخدمة في قاع==ات االجتماع==ات‪ .‬ك==انت هن==اك م==رآة‬
‫معلقة على الحائط‪ ،‬مثل المسلسالت البوليسية بالضبط‪ ،‬واستنتجت أن شخ ً‬
‫صا ما يراقبنا من خلفه==ا بال ش==ك‪ .‬جلبت الس==يدة ذات‬

‫الشعر القصير ورفاقها القهوة ألنفسهم من وعاء ضخم موضوع على مائدة بأحد ج==وانب الغرف==ة (ك==ان بإمك==اني تمزي==ق عنقه==ا‬

‫بأسناني‪ ،‬واالستيالء على القهوة في تلك اللحظة)‪ ،‬ثم وضعت كوبًا بالستيك ًّيا من الماء بجواري‪ ،‬دون تحرير معصميَّ المكبلين‬

‫!خلف ظهري كي أتمكن من الوصول إليه‪ .‬أمر مضحك ح ًّقا‬

‫»قالت السيدة‪« :‬مرحبًا يا ماركوس! ماذا عن نظرتك لوضعك اليوم؟‬

‫‪.‬لم أنطق‬
‫أتعلم‪ ،‬ليس هذا أسوأ ما يمكن أن تصل إليه األم==ور‪ ،‬وإنم==ا «أفض==لها» من اآلن فص= ً‬
‫=اعدا‪ .‬ح==تى عن==دما تخبرن==ا بم==ا نري==د أن«‬

‫نعرفه‪ ،‬وإن نجح ذلك في إقناعنا بأنك كنت في المكان الخط=أ في الت=وقيت الخط=أ‪ ،‬فق=د ص=رت مش=بوهًا اآلن‪ .‬س==نراقبك في أي‬

‫»‪.‬مكان تذهب إليه‪ ،‬وأي شيء تفعله‪ .‬لقد تصرفت كما لو كان لديك شيء تخفيه‪ ،‬ونحن ال نحب ذلك‬

‫كم كان ذلك مثيرً ا للشفقة‪ ،‬لكن كل ما ك==ان بوس==عي التفك==ير فيه==ا آن==ذاك ه==و عب==ارة «إقناعن==ا بأن==ك كنت في المك==ان الخط==أ في‬

‫التوقيت الخطأ‪ ».‬هذا أسوأ ما حدث لي على اإلطالق‪ .‬لم أشعر مطل ًقا بمثل هذا الشعور السيئ أو الخ==وف من قب==ل‪ .‬ك==انت ه==ذه‬

‫‪.‬الكلمات الخمس «المكان الخطأ في التوقيت الخطأ» بمثابة طوق النجاة لي‬

‫طقطقت السيدة ذات الشعر القص==ير أص==ابعها أم==ام وجهي وهي تق==ول‪« :‬م==اركوس‪ ،‬أين ذهبت ي==ا م==اركوس؟» ارتس==مت على‬

‫وجهها ابتسامة بسيطة؛ ما جعلني أمقت نفسي لسماحي له=ا برؤي==ة خ==وفي‪« .‬يمكن أن يص==ير الوض==ع أس==وأ من ذل==ك بكث==ير ي==ا‬

‫ماركوس‪ .‬ليس هذا أسوأ مكان يمكننا وضعك فيه‪ ،‬هناك ما هو أسوأ بكثير‪ ».‬م َّدت يدها أسفل الطاولة‪ ،‬وأخرجت حقيبة جلدية‪،‬‬

‫فتحتها وأخ=رجت منه=ا ه=اتفي‪ ،‬وجه=از تص=يد‪/‬تقلي=د= ش=رائح تحدي=د الهوي=ة باس=تخدام الموج=ات الالس=لكية‪ ،‬وجه=از البحث عن‬
‫ً‬
‫واحدا تلو اآلخر‬ ‫‪.‬إشارات الواي فاي‪ ،‬وأجهزة الذاكرة المحمولة‪ .‬أخذت تضعها على الطاولة‬

‫إليك ما نريده منك؛ عليك أن تحل شفرة الهاتف لنا اليوم‪ .‬إن فعلت ذلك‪ ،‬فسنمنحك امتي=از الخ=روج من الزنزان=ة واالغتس=ال‪«.‬‬

‫ك شفرة البيانات المخزن==ة على‬ ‫ً‬


‫ثانية‪ ،‬ونطلب منك ف َّ‬ ‫سيُس َمح لك باالستحمام‪ ،‬والسير في أرجاء فناء التريُّض‪ .‬وغ ًدا‪ ،‬سنستدعيك‬

‫أجهزة الذاكرة هذه‪ .‬إذا فعلت ذلك‪ ،‬فسيُس َمح لك باألكل في قاعة الطعام‪ .‬وفي اليوم التالي‪ ،‬سنطلب من==ك كلم==ات م==رور بري==دك‬

‫»‪.‬اإللكتروني‪ ،‬وبذلك س ُتم َنح امتيازات الدخول إلى المكتبة‬

‫»كدت أنطق بكلمة «ال»‪ ،‬كما لو كانت جشأة تحاول الخروج من فمي‪ ،‬لكنها لم تخرج‪ ،‬وجاءت بداًل منها‪« :‬لماذا؟‬

‫نريد التأكد من أنك ما تبدو عليه بالفعل‪ .‬هذا من أجل سالمتك يا ماركوس‪ .‬أنت تقول إنك بريء‪ ،‬ربما تكون كذلك ح ًّقا‪ ،‬غير«‬

‫أنني ال أفهم لماذا يتصرف شخص بريء كما لو كان لديه الكثير ليخفي==ه‪ .‬لكن لنف==ترض ص==حة م==ا تدعي==ه؛ ك==ان من الممكن أن‬

‫»تكون على ذلك الجسر عند انفجاره‪ ،‬أو والداك‪ ،‬أو أصدقاؤك‪ .‬أال ترغب في أن نقبض على من هاجموا بالدنا؟‬
‫األمر كان مضح ًكا‪ ،‬لكن العجيب أنها عندما ذكرت حصولي على «امتي==ازات»‪ ،‬أص==ابني خ==وف دفع==ني لالستس==الم‪ ،‬فش==عرت‬

‫بأنني فعلت «شي ًئ ا ما» جعل الحال ينتهي بي حيث كنت‪ ،‬كما لو كنت أنا المخطئ إلى حد ما‪ ،‬وبوسعي فعل شيء ما لتغيير م==ا‬

‫‪.‬يحدث‬

‫لكن ما إن انتقلت السيدة ذات الشعر القصير للح==ديث عن ذل==ك اله==راء المتعل==ق ﺑ «األمن» و«الس==المة» ح==تى اس==تعدت ق==وتي‬

‫الذهنية‪ =،‬وقلت لها‪« :‬إنك تتحدثين‪ ،‬يا سيدتي‪ ،‬عن االعتداء على بالدي‪ ،‬لكن م==ا أراه ح==تى اآلن ه==و أنكم أنتم من اعت==ديتم عليَّ‬

‫م==ؤخرً ا‪ .‬ظننت أن==ني أعيش في دول==ة به==ا دس==تور حيث أتمت==ع ﺑ «حق==وق»‪ ،‬وأن ِ‬
‫ت تتح==دثين= عن ال==دفاع عن حري==تي من خالل‬

‫»!الضرب بميثاق الحقوق عرض الحائط‬

‫بدت على وجهها لمحة انزعاج سرعان ما تالشت‪« .‬يا لها من مبالغة يا م==اركوس! م==ا من أح==د اعت==دى علي==ك‪ .‬لق==د احتجزت==ك‬

‫حكومة بالدك سعيًا منها للحصول على تفاصيل بشأن أسوأ هجوم إرهابي تعرضت له أراضينا‪ .‬بوسعك مس==اعدتنا في مجابه==ة‬

‫هذه الحرب التي يشنها أعداء أمتنا علينا‪ .‬أتبغي الحفاظ على ميثاق الحقوق؟ ساعدنا إليقاف األشرار من تدمير م==دينتنا‪ =.‬واآلن‪،‬‬

‫»‪.‬أمامك ثالثون ثانية بالضبط لفك شفرة هاتفك قبل أن نرسلك إلى زنزانتك مرة أخرى‪ ،‬فعلينا مقابلة كثيرين غيرك اليوم‬
‫نظرت في ساعة يدها‪ ،‬وحرَّ ُ‬
‫كت أنا معصميَّ ‪ ،‬فقعقعت األصفاد التي حالت دون وصولي للهاتف لفك شفرته‪ .‬نعم‪ ،‬كنت س==أفعل‬
‫ذلك‪ .‬لقد أخبرت==ني عن س==بيلي للحري==ة … للع==الم‪ ،‬لوال==ديَّ … ومنح==ني ذل==ك األم==ل‪ ،‬وه==ددتني اآلن بإرس==الي للزنزان==ة ثاني= ً‬
‫=ة‪،‬‬

‫‪.‬وإبعادي عن ذلك السبيل‪ ،‬فتبدد= األمل‪ ،‬وما سيطر على تفكيري آنذاك هو كيف أحييه من جديد‬

‫فأخذت أحرك معصميَّ ألصل إلى ه=اتفي‪ ،‬وأف=ك الش=فرة كم==ا أرادت‪ ،‬لكن م==ا ك=ان منه=ا إال أن أخ==ذت تنظ=ر إليَّ ب==برود‪ ،‬م==ع‬

‫‪.‬التحقق من ساعتها‬

‫أدركت في النهاية ما تري=ده م==ني‪ ،‬فقلت‪« :‬كلم==ة الم=رور هي …» إنه==ا تري=دني أن أنط=ق بكلم==ة الم==رور‪ ،‬هن=ا‪ ،‬حيث يمكنه=ا‬

‫تسجيلها ويمكن لزمالئها سماعها‪ .‬لم ترد أن أفك شفرة الهاتف فق=ط‪ ،‬وإنم=ا أرادت أن تخض=عني له=ا؛ أن أص=ير بين قبض=تيها‪،‬‬
‫ً‬
‫ثانية‪« :‬كلم==ة الم==رور هي …» ثم أخبرته==ا به==ا‪ ،‬ودع==وت هللا أن يعين==ني؛ لق==د‬ ‫وأتخلى عن كافة أسراري‪ ،‬وخصوصيتي‪ .‬قلت‬

‫‪.‬خضعت إلرادتها‬

‫ابتسمت ابتسامة متكلفة يبدو أنها البديل الفاتر لديها لرقصة االنتصار‪ ،‬وقادني الح=راس بع=د ذل=ك بعي= ًدا‪ =.‬وعن=دما أُغلِ=ق الب=اب‪،‬‬

‫‪.‬رأيتها تنحني على الهاتف لتدخل كلمة المرور‬

‫أتمنى القول إنني تنبأت مسب ًقا بإمكانية حدوث ذلك‪ ،‬وأنشأت كلمة مرور مزيفة تفتح قسمًا ال ضرر من==ه على اإلطالق به==اتفي‪،‬‬

‫‪.‬بيد أنني لم أكن بهذا القدر من جنون االرتياب (أو باألحرى البراعة) من قبل‬

‫لعلك تتساءل اآلن‪ :‬ما األسرار الغامضة التي احتوى عليه==ا ه==اتفي‪ ،‬وأجه==زة ال==ذاكرة المحمول==ة‪ ،‬وبري==دي اإللك==تروني‪ ،‬فلس=ت‬

‫!سوى شاب في النهاية؟‬


‫الحقيقة أن لدي كل شيء ألخفيه‪ ،‬وال شيء؛ فباستخدام ه==اتفي وأجه==زة ال==ذاكرة المحمول==ة خاص==تي‪ ،‬يمكن التع==رف جي= ً=دا على‬

‫أصدقائي‪ ،‬ورأيي فيهم‪ ،‬وجميع الحماقات ال=تي قمن==ا به==ا‪ .‬يمكن ك=ذلك ق=راءة س=جالت المج=ادالت اإللكتروني==ة ال==تي أجريناه=ا‪،‬‬

‫‪.‬والتسويات التي توصلنا إليها‬

‫كما ترى‪ ،‬أنا ال أحذف أي شيء‪ .‬ولماذا أفعل ذلك؟ فالتخزين رخيص التكلف==ة‪ ،‬وال ت==دري م==تى س==تحتاج الع==ودة له==ذه األم==ور‪،‬‬

‫وبخاصة السخيف منها‪ .‬أتعرف ذلك الشعور الذي ينتابك أحيا ًنا أثناء جلوسك في مترو األنفاق‪ ،‬وم==ا من أح==د تتح==دث مع==ه‪ ،‬ثم‬

‫تتذكر فجأة شجارً ا عني ًفا وقع لك من قبل‪ ،‬وشي ًئا رهيبًا قلته‪ ،‬حس ًنا‪ ،‬ليس األمر بالسوء الذي تتذكره عاد ًة‪ .‬وإمكانية الع==ودة لتل==ك‬
‫ً‬
‫ثانية وسيلة رائعة لتذكيرك بأنك لست الشخص البشع الذي تظنه‪ .‬تج==اوزت أن==ا وداري==ل الكث==ير من الش==جارات ال==تي ال‬ ‫األمور‬

‫‪.‬يسعني إحصاؤها على هذا النحو‬

‫ليس ذلك السبب الوحيد؛ فأنا أعلم أن ثمة خصوص==ية له==اتفي‪ ،‬وأجه==زة ال==ذاكرة المحمول==ة الخاص==ة بي‪ ،‬ويرج==ع ذل==ك إلى علم‬

‫التشفير؛ أي تعمية الرسائل‪ .‬والمنطق الرياضي القائم عليه علم التش==فير جي==د ووجي==ه‪ ،‬ونحن جمي ًع= ا نص==ل للتش==فير ذات==ه ال==ذي‬

‫تستخدمه البنوك ووكالة األمن القومي‪ .‬يوجد نوع واحد فقط من التشفير يس==تخدمه أي ش==خص‪ ،‬أي تش=فير ع==ام يمكن ألي أح==د‬

‫‪.‬استخدامه‪ ،‬وهكذا تعرف أنه يؤدي وظيفته‬

‫ثمة شيء يشعرك بحريتك ح ًّقا في أن يكون لديك جانب بحياتك خاص بك «وح==دك»‪ ،‬ال يمكن ألح==د رؤيت==ه س==واك‪ ،‬إن==ه أش==به‬

‫بالتعري‪ ،‬أو قضاء الحاجة؛ فكل منا يتعرى بين الحين واآلخر‪ ،‬ويتحتم عليه دخ==ول دورة المي==اه لقض==اء حاجت==ه‪ .‬م==ا من ش==يء‬

‫مخجل‪ ،‬أو منحرف‪ ،‬أو غريب في أيٍّ من هذين األمرين‪ ،‬لكن ماذا إذا حكمت عليك من اآلن فص==اع ًدا أن==ك كلم==ا أردت قض==اء‬

‫!حاجتك‪ ،‬سيتحتم عليك فعل ذلك في غرفة زجاجية موضوعة في منتصف ميدان تايمز‪ ،‬تتعرى فيها مؤخرتك؟‬

‫حتى وإن لم يكن بجسمك جانب معيب أو غريب — األمر الذي ال يتمتع به أغلبنا — فستكون غ=ريب األط=وار ح ًّق=ا إن راقت‬

‫‪.‬لك هذه الفكرة‪ .‬معظمنا سيهرب من الموقف وهو يصرخ‪ ،‬أو يحاول حبسها في داخله حتى ينفجر‬

‫مخز‪ ،‬وإنما شيء خاص‪ ،‬إنه يتعلق بأن حياتك تخصك وحدك‬
‫ٍ‬ ‫‪.‬ال يتعلق األمر هنا بفعل شيء‬

‫كانوا يسلبونني ذلك شي ًئا فشي ًئ ا‪ .‬أثناء عودتي للزنزانة‪ ،‬عاودني ذلك الشعور بأنني أستحق ما يحدث لي؛ فقد خ==رقت الكث==ير من‬
‫ُّ‬
‫وأفلت دون عقاب في أغلب األحيان‪ .‬لعل هذه هي العدال==ة‪ ،‬لع==ل ه==ذا ج==زاء م==ا فعلت==ه في الماض==ي‪ .‬في‬ ‫القوانين طوال حياتي‪،‬‬

‫‪.‬النهاية‪ ،‬ما أتى بي لذلك المكان هو هروبي من المدرسة‬

‫ُس ِم ح لي باالستحمام‪ ،‬والسير بأرجاء الفناء‪ .‬علت السماء الفناء الذي فاحت منها رائح==ة منطق==ة الخليج‪ ،‬لكن فيم==ا ع==دا ذل==ك‪ ،‬لم‬

‫أر أ ًّيا من السجناء اآلخرين أثناء فترة التريض‪ ،‬وشعرت بضجر ش==ديد‬
‫تكن لديَّ أية فكرة عن المكان الذي كنت اح َت َجز فيه‪ .‬لم َ‬
‫أثناء تجولي بال هدف‪ .‬حاولت سماع أي صوت قد يساعدني في فهم ماهية ذلك المكان‪ ،‬لكن كل ما سمعته كان ص==وت مركب==ة‬

‫‪.‬ما بين الحين واآلخر‪ ،‬أو محادثات بعيدة‪ ،‬أو طائرة تحط في مكان ما بالجوار‬
‫أعادوني إلى الزنزانة‪ ،‬وقدموا لي الطعام‪ ،‬نصف بي==تزا ب==الببروني من مح==ل «ج==وت هي==ل بي==تزا» ال==ذي أعرف==ه جي= ً=دا في حي‬

‫بتريرو هيل‪ .‬ذكرتني علبة البيتزا‪ ،‬بما عليها من رسم مألوف ورقم اله==اتف ‪ ،٤١٥‬بأن==ه من ي==وم واح==د فق==ط كنت ح= ًّرا في بل==د‬

‫حر‪ ،‬وصرت اآلن سجي ًنا‪ .‬كان يساورني القلق دائ ًما بشأن داريل وأصدقائي اآلخرين‪ ،‬ربما أبدَوا قدرً ا أكبر من التعاون وأُطلِق‬

‫‪.‬سراحهم‪ ،‬ربما أخبروا والديَّ بما حدث‪ ،‬فأخذا يجريان اتصاالتهما في جنون‬

‫‪.‬وربما ال‬

‫خلت الزنزانة من أية محتويات‪ ،‬ك=انت فارغ=ة ك=روحي‪ .‬تخيلت أن الحائ=ط الموج=ود أم=ام م=ا أن=ام علي=ه شاش=ة‪ ،‬وأن بإمك=اني‬

‫ممارسة القرصنة في تلك اللحظة ألفتح باب الزنزانة‪ .‬تخيلت مكتبي‪ ،‬وم==ا علي==ه من مش==روعات‪ :‬العلب المعدني=ة= القديم==ة ال==تي‬

‫كنت أحوِّ لها إلى جهاز لتضخيم الصوت‪ ،‬وكاميرا الطائرات الورقية التي كنت أصممها‪ ،‬وجه==از الكم==بيوتر المحم==ول المُص=مَّم‬

‫‪.‬في المنزل‬

‫أردت الخروج من ذلك المكان‪ .‬أردت العودة إلى المنزل واس==تعادة أص=دقائي‪ ،‬ومدرس=تي‪ ،‬ووال==ديَّ ‪ ،‬وحي=اتي‪ .‬أردت أن أك=ون‬

‫‪.‬قادرً ا على الذهاب حيثما شئت‪ ،‬وال أظل أسي ُر جيئة وذهابًا في المكان نفسه‬

‫•••‬

‫حصلوا بعد ذلك على كلمات المرور ألجهزة اليو إس بي خاصتي‪ .‬احتوت تلك األجهزة على بعض الرسائل المثيرة التي س==بق‬

‫لي تنزيله==ا من مجموع==ات النق==اش على اإلن==ترنت‪ ،‬وبعض س==جالت المحادث==ات‪ ،‬وأم==ور س==اعدني فيه==ا بعض األف==راد بمنحي‬

‫المعلومات التي كنت بحاجة إليها لتنفيذ ما كنت أفعل==ه‪ .‬ك==ل ذل==ك ك=ان مت==وفرً ا على جوج==ل ب==الطبع‪ ،‬لكن==ني ال أظن أن ذل==ك في‬

‫‪.‬صالحي‬

‫خرجت للتريض مرة أخرى بعد ظهيرة ذلك اليوم‪ ،‬وفي تلك المرة كان هناك بعض األفراد في الفناء‪ :‬أربع==ة رج==ال وس==يدتان‪،‬‬

‫‪».‬من جميع األعمار واألعراق‪ .‬أظن أن كثيرين غيري كانوا ينفذون أوامر ما ل َِج ْني «االمتيازات‬

‫سمحوا لي بقضاء نصف ساعة في الفناء‪ ،‬فحاولت تبادل أطراف الحديث مع من بدا أكثر طبيعية بين السجناء اآلخرين‪ ،‬والذي‬
‫َ‬
‫التفت‬ ‫كان شا ًّبا أسود البشرة في نفس سني تقريبًا‪ ،‬وكان شعره قصيرً ا مجع ًدا‪ .‬لكن عندما قدمت نفسي ل==ه وم==ددت ي==دي نح==وه‪،‬‬

‫على الفور ناحي==ة الك==اميرات المعلق==ة على نح==و ين==ذر بالس==وء في زواي==ا الفن==اء‪ ،‬وواص==ل س==يره دون أن يب==دي أي تغي==ير على‬

‫‪.‬اإلطالق في التعبير المرتسم على وجهه‬


‫ً‬
‫ثانية إلى المبنى‪ ،‬فُتِح الباب وخ=رجت من==ه … فانيس==ا! لم أس==عد من قب==ل برؤي==ة‬ ‫لكن حينذاك‪ ،‬وقبل أن ينادوا اسمي‪ ،‬ويدخلوني‬
‫وجه صديق بهذا القدر‪ .‬بدت مرهقة َ‬
‫وغضِ بة‪ ،‬لكن دون إصابات‪ .‬عندما رأتني هتفت باس==مي‪ ،‬وركض==ت نح==وي‪ .‬احتض==ن ك= ٌّل‬

‫‪.‬م َّنا اآلخر بقوة‪ ،‬وأدركت أنني كنت أرتعد‪ =،‬ثم أدركت أنها ترتعد أيضًا‬

‫»قالت وهي تمسك بي على مدى ذراعيها‪« :‬هل أنت بخير؟‬

‫»‪.‬فأجبتها‪« :‬أنا بخير‪ ،‬قالوا لي إنهم سيطلقون سراحي إذا أخبرتهم بكلمات المرور الخاصة بي‬
‫»‪.‬يطرحون عليَّ أسئلة باستمرار بشأنك أنت وداريل«‬

‫‪.‬دوى صوت في مكبر الصوت‪ ،‬يأمرنا بالتوقف عن الحديث والمشي‪ ،‬لكننا تجاهلناه‬

‫»‪.‬قلت على الفور‪« :‬أجيبيهم‪ .‬أجيبي على كل أسئلتهم‪ ،‬إن كان هذا سيضمن إطالق سراحك‬

‫»كيف حال داريل وخولو؟«‬

‫»‪.‬لم أرهما«‬

‫فُتِح الباب بعنف‪ ،‬واندفع منه أربعة حراس ضخام البنية‪ ،‬أمسك اثنان بي‪ ،‬في حين أمسك االثنان اآلخران بفانيسا‪ .‬دفع==اني على‬

‫األرض‪ ،‬وأدارا رأسي بعي ًدا= عن فانيس=ا‪ ،‬لكن=ني س=معتها تلقى نفس المعامل==ة‪ .‬أع=ادا تكبي=ل معص=ميَّ باألص=فاد البالس==تيكية‪ ،‬ثم‬

‫‪.‬جذباني ألقف على قدميَّ ‪ ،‬وأدخالني مرة أخرى إلى زنزانتي‬


‫لم أحصل على عشاء في تلك الليل==ة‪ ،‬وال فط==ور ً‬
‫أيض=ا في الص==باح الت==الي‪ .‬لم يحض==ر أح==د ويص==حبني إلى غرف==ة االس==تجواب‬
‫النتزاع المزيد من أسراري‪ .‬لم ُت َ‬
‫نتزع األصفاد البالس==تيكية‪ =.‬ش==عرت بوج==ع في كتفيَّ ‪ ،‬ثم ألم‪ ،‬ثم تخ==در‪ ،‬ثم وج==ع م==رة أخ==رى‪،‬‬

‫‪.‬وفقدت شعوري بيديَّ تمامًا‬

‫‪.‬أردت التبول‪ ،‬لكنني لم أستطع فتح سحاب سروالي‪ ،‬واشتدت حاجتي للتبول‬

‫‪.‬فتبولت في سروالي‬

‫حضروا بعد ذلك الصطحابي بعد أن صار البول بار ًدا دب ًقا؛ ما جعل سروالي الجي==نز — ال==ذي ك=ان ق==ذرً ا بالفع==ل — يلتص==ق‬

‫بساقيَّ ‪ .‬جاءوا الصطحابي‪ ،‬وقادوني عبر الرواق الطويل المصطفة على جانبيه األبواب‪ ،‬كل باب عليه باركود‪ ،‬وك==ل ب==اركود‬

‫يشير لسجين مثلي‪ .‬ساروا حتى وصلوا بي إلى غرفة االستجواب‪ ،‬كانت الغرفة أشبه بكوكب مختلف عندما دخلته==ا‪ ،‬ع==الم ك==ل‬

‫األشياء فيه طبيعية‪ =،‬ال تفوح منها رائحة البول‪ .‬شعرت بقذارة شديدة وخ==زي عظيم‪ ،‬وع==اودني الش==عور ب==أنني أس==تحق ك==ل م==ا‬

‫‪.‬يحدث لي‬

‫كانت السيدة ذات الشعر القصير تجلس بالفع==ل في الغرف==ة‪ ،‬ك==ان مظهره==ا مثال ًّي==ا‪ :‬ش==عرها مص=فف‪ ،‬وق==د زينت وجهه==ا ببعض‬

‫‪.‬مستحضرات تجميل‪ .‬شممت رائحة المواد التي وضعتها على شعرها‪ .‬جعدت أنفها أمامي‪ ،‬وشعرت بالخزي داخلي‬

‫»حس ًنا‪ ،‬لقد كنت فتى مشاغبًا للغاية‪ ،‬أليس كذلك؟ ما هذه القذارة؟«‬

‫يا للخزي! نظرت ألسفل نحو الطاولة‪ ،‬لم أحتمل النظر ألعلى‪ .‬أردت إخبارها بكلمة المرور لبريدي اإللكتروني‪ ،‬واالبتعاد عن‬

‫‪.‬ذلك المكان‬

‫»عما كنت تتحدث مع صديقتك في الفناء؟«‬

‫»‪.‬ضحكت وأنا أنظر إلى الطاولة‪ ،‬ثم أجبتها‪« :‬أخبرتها أن تجيب عن أسئلتكم … أن تتعاون معكم‬

‫»إذن‪ ،‬أنت من يصدر األوامر؟«‬


‫شعرت بالدم يغلي في عروقي‪ ،‬وأجبتها‪« :‬باهلل عليكِ ! نحن نلعب «لعبة م ًعا»‪ ،‬اسمها «ه==اراجوكو ف==ان م==ادنس»‪ ،‬وأن==ا «قائ==د‬

‫الفريق»‪ .‬لسنا إرهابيين‪ ،‬نحن طالب بالمرحلة الثانوية‪ ،‬وأنا ال أوجِّ ه لها أية أوامر‪ .‬لقد أخبرته==ا بض==رورة تح==ري «الص==دق»‬

‫»‪.‬معكم حتى ندرأ عنا أية شبهات‪ ،‬ونخرج من هنا‬

‫‪.‬لم تنطق للحظة‬

‫»سألتها‪« :‬كيف حال داريل؟‬

‫» َمن؟«‬

‫داريل‪ ،‬لقد ألقيتم القبض علينا م ًعا‪ ،‬إنه صديقي‪ ،‬وقد تلقى طعنة في محطة بارت بشارع باول؛ له==ذا ص==عدنا ألعلى إلحض==ار«‬

‫»‪.‬المساعدة له‬

‫»‪.‬فأجابت‪« :‬إذن‪ ،‬فأنا على يقين أنه بخير‬


‫ً‬
‫موجودا هنا؟‬ ‫ت ال تعلمين؟ أليس‬
‫»اضطربت معدتي‪ ،‬وكدت أتقيَّأ‪« .‬أن ِ‬
‫من موجود هنا‪ ،‬ومن ليس موجو ًدا أمر لن نناقشه معك‪ ،‬أب ًدا‪ ،‬ما من سبيل لتعرف ذل=ك‪ .‬لق=د رأيت‪ ،‬ي=ا م=اركوس‪ ،‬م=ا يح==دث«‬

‫عندما ال تتعاون معنا‪ ،‬ورأيت ما يحدث عندما تعصي أوامرنا‪ .‬لقد تعاونت معنا قلياًل ‪ ،‬وأوصلك ذل==ك تقري ًب==ا للمرحل==ة ال==تي ق==د‬

‫»‪.‬تستعيد معها حريتك‪ .‬إذا أردت تحويل هذا االحتمال إلى واقع‪ ،‬فعليك أن تلتزم باإلجابة عن أسئلتي‬

‫‪.‬لم أنطق‬

‫»‪.‬بدأت تتعلم‪ ،‬هذا جيد‪ .‬واآلن‪ ،‬لتخبرنا بكلمات المرور لبريدك اإللكتروني‪ ،‬من فضلك«‬

‫كنت مستع ًّد ا لذلك‪ ،‬أعطيتهم كل شيء‪ :‬عنوان الخادم‪ ،‬واسم المستخدم‪ ،‬وكلمة المرور‪ .‬لم يكن لذلك أهمي==ة؛ فأن==ا ال أحتف==ظ بأي==ة‬

‫رسائل بريد إلكتروني على الخادم‪ .‬لقد أنزلته==ا كله==ا‪ ،‬واحتفظت به==ا على جه==از الكم==بيوتر المحم==ول الخ==اص بي في الم==نزل‪،‬‬

‫والذي ينزل كل بريدي من على الخادم كل س==تين ثاني==ة‪ ،‬ويحذف==ه‪ .‬لن يحص==لوا على أي ش==يء من بري==دي؛ فق==د م ُِس=ح من على‬

‫‪.‬الخادم‪ ،‬و ُخ ِّزن على جهاز الكمبيوتر المحمول في المنزل‬

‫أعادوني إلى الزنزانة‪ ،‬لكنهم حرروا يديَّ ‪ ،‬وسمحوا لي باالستحمام‪ ،‬ومنحوني س==روااًل برتقال ًّي==ا من زي الس==جن ألرتدي==ه‪ =.‬ك==ان‬

‫مقاسه كبيرً ا للغاية‪ ،‬وتدلى فوق وركيَّ مثل فتى عصابات مكسيكي في حي ميشن‪ .‬من هنا ت==أتي ص==يحة الس==راويل الفضفاض==ة‬

‫‪.‬المتدلية … من السجن‪ ،‬وهي أقل متعة في الحقيقة عندما ال تكون تعبيرً ا عن الموضة‬

‫أخذوا سروالي الجينز بعي ًدا‪ ،‬وقضيت يومًا آخ==ر في الزنزان==ة‪ .‬ك==انت الحوائ==ط من اإلس==منت المليء بالخ==دوش ف==وق ش==بكة من‬

‫الفوالذ‪ ،‬اتضح ذلك ألن الفوالذ قد تعرض للصدأ في الهواء المالح‪ ،‬والشبكة لمعت بلونها البرتقالي المائل إلى األحمر عبر لون‬

‫‪.‬الطالء األخضر‪ .‬كانت تلك النافذة تفصل بيني وبين والديَّ ‪ ،‬إنهما بالخارج في مكان ما‬
‫ً‬
‫ثانية في اليوم التالي‬ ‫‪.‬جاءوا إليَّ‬
‫»‪.‬قضينا يو ًم ا في قراءة بريدك حتى اآلن‪ ،‬وقد غيرنا كلمة المرور حتى ال يتمكن جهاز الكمبيوتر بمنزلك من الحصول عليه«‬
‫‪.‬حس ًنا‪ ،‬بالطبع فعلوا ذلك‪ ،‬لو كنت مكانهم لفعلت ذلك أيضً ا‪ .‬هذا ما أدركته عندما فكرت في األمر‬

‫لدينا معلومات عنك‪ ،‬يا ماركوس‪ ،‬تكفي لسجنك مدة طويلة للغاية‪ ،‬حيازتك لهذه األشياء …» وأش==ارت إلى مجموع==ة أدواتي«‬

‫الصغيرة … «والبيانات التي استعدناها من هاتفك وأجهزة ال=ذاكرة الخاص=ة ب=ك‪ ،‬باإلض=افة إلى الم=واد المخرب==ة ال=تي س=نعثر‬

‫عليها بال شك إذا هاجمنا منزلك‪ ،‬وحصلنا على جهاز الكمبيوتر الخاص بك‪ .‬كل ذلك يكفي لسجنك حتى يتق==دم ب==ك العم==ر‪ ،‬ه==ل‬

‫»تفهم ذلك؟‬

‫قاض القول بأن هذه األشياء تش ِّكل أية جريمة حقيقية‪ ،‬إنها حرية تعبير‪ ،‬ومحاوالت ابتكار‬
‫لم أصدق األمر لوهلة‪ ،‬ال يمكن ألي ٍ‬
‫‪.‬تكنولوجية‪ ،‬وليست جريمة‬

‫قاض؟‬ ‫لكن من قال إن هؤالء األشخاص سيجعلونني أَ ُ‬


‫مثل أمام أي ٍ‬
‫»‪.‬نحن نعلم أين تعيش‪ ،‬ونعلم من هم أصدقاؤك‪ .‬نحن نعلم كيف تعمل‪ ،‬وكيف تفكر«‬

‫أدركت حينذاك ما كان يحدث؛ سيطلقون سراحي‪ .‬بدت إض==اءة الحج==رة في تل==ك اللحظ==ة أك==ثر س==طوعً ا‪ .‬س==معت ص==وتي وأن==ا‬

‫‪.‬أتنفس أنفاسً ا قصيرة‬

‫»نريد أن نعرف شي ًئا واح ًدا فقط‪ :‬كيف وصلت المتفجرات إلى الجسر؟«‬

‫‪.‬توقفت أنفاسي‪ ،‬وأظلمت الغرفة من جديد‬

‫»ماذا؟«‬

‫أجابت‪« :‬كانت هناك عشرة متفجرات تم نشرها بطول الجسر كله‪ ،‬ولم تكن في صناديق السيارات‪ ،‬لق==د تم زرعه==ا هن==اك‪ ،‬من‬

‫»زرعها هناك؟ وكيف وصلت إلى هناك؟‬


‫ً‬
‫ثانية‪« :‬ماذا؟‬ ‫»قلت‬

‫قالت وهي تنظر إليَّ في حزن‪« :‬هذه فرصتك األخيرة يا ماركوس‪ ،‬لقد أبليت بال ًء حس= ًنا ح==تى اآلن‪ .‬لتخبرن==ا به==ذه المعلوم==ة‪،‬‬

‫محام‪ ،‬والدفاع عن نفسك في المحكم==ة‪ .‬هن==اك بال ش==ك ظ==روف مخفف==ة‬


‫ٍ‬ ‫ويمكنك حينها العودة إلى منزلك‪ .‬يمكنك الحصول على‬

‫»‪.‬يمكنك استخدامها لتفسير أفعالك‪ .‬أخبرنا فقط بهذه المعلومة‪ ،‬وسنطلق سراحك‬

‫ال أعلم عم=ا تتح==دثين!» أخ==ذت أبكي‪ ،‬ولم أهتم ح==تى ب=ذلك‪ .‬خال=ط دم==وعي النش=يج والنحيب‪« .‬ليس=ت ل==دي أدنى فك==رة عم=ا«‬

‫»!تتحدثين‬

‫»‪.‬هزت رأسها‪ ،‬وقالت‪« :‬أرجوك يا ماركوس‪ ،‬دعنا نساعدك‪ ،‬فأنت تعلم اآلن أننا نحصل دائمًا على ما نريد‬

‫كان هناك صوت ثرثرة في عقلي يقول لي إنهم «مخبولون»‪ .‬لملمت شتات نفسي‪ ،‬وحاولت جاه ًدا إيقاف دموعي‪« .‬اسمعي ي==ا‬
‫سيدتي‪ ،‬إن هذا لجنون‪ ،‬لقد بحثتم في أغراضي‪َّ ،‬‬
‫واط لعتم عليها كلها‪ .‬أنا طالب بالمرحلة الثانوية في السابعة عشرة من عمري‪،‬‬

‫»… ولست إرهاب ًّيا! ال يُع َقل أن تكوني جادة في تفكيرك أنني‬
‫هزت رأسها وهي تقول لي‪« :‬ألم تدرك بعد‪ ،‬يا ماركوس‪ ،‬أننا جادون؟ إنك تحصل على درجات مرتفع==ة في دراس==تك‪ ،‬ظننت=ك‬

‫‪.‬أكثر ذكاءً‪ ».‬نقرت أصابعها‪ ،‬ورفعني الحراس من إبطيَّ‬


‫عدت إلى زنزانتي‪ ،‬ودارت برأسي أحاديث عدة فيما يطلق عليه الفرنسيون «روح ال ُّسلَّم»؛ أي ال==ردود الدفاعي==ة الالذع==ة ال==تي‬

‫ترد على ذهنك بعد تركك للغرفة ونزول==ك على الس==لم‪ .‬تخيلت أن==ني ق==د وقفت أم==ام تل==ك الس==يدة‪ ،‬وواجهته==ا مخ==برً ا إياه==ا أن==ني‬

‫مواطن أحب حريتي‪ ،‬ما يجعل مني وطن ًّيا‪ ،‬ومنها خائنة‪ .‬وتخيلت أنني ق==د أخجلته==ا لتحويله==ا البالد إلى معس==كر مُس=لَّح‪ ،‬وأن==ني‬

‫‪.‬كنت فصيحً ا وألمع ًّيا في حديثي حتى إنني أبكيتها‬

‫لكنني لم أتذكر أ ًّي ا من هذه الكلمات الرائعة عندما جاءوا لجرِّ ي من زنزانتي في اليوم التالي‪ ،‬كل ما كنت أفكر في==ه ه==و حري==تي‬

‫‪ ….‬ووالديَّ‬
‫»قالت السيدة‪« :‬مرحبًا يا ماركوس‪ ،‬كيف حالك؟‬

‫ُالزم لها‪ .‬لمس==ت‬ ‫ُ‬


‫نظرت ألسفل إلى الطاولة‪ ،‬كان قد تكوم أمامها عدد من الوثائق‪ ،‬وإلى جوارها كوب ستاربكس البالستيكي الم ِ‬
‫بعض الراحة في رؤية ذلك الكوب بشكل أو ب==آخر؛ إذ ذك==رني ب==أن عال ًم==ا حقيق ًّي==ا موج= ً‬
‫=ودا في مك==ان م==ا بالخ==ارج‪ ،‬خل==ف تل==ك‬

‫‪.‬الجدران‬

‫قالت‪« :‬لقد انتهينا من التحقيق معك في الوقت الحاض==ر»‪ ،‬ثم ص==متت‪ .‬ربم==ا م==ا ك==انت تعني=ه= أنه==ا س==تطلق س==راحي‪ ،‬أو لعله==ا‬

‫‪.‬قصدت إلقائي في هاوية ال قرار لها‪ ،‬ونسيان وجودي لألبد‬

‫نطقت قائاًل ‪« :‬وماذا أيضً ا؟‬


‫ُ‬ ‫»وأخيرً ا‬
‫ً‬
‫ثانية أننا جادون تمامًا فيما نفعله‪ ،‬لقد تعرضت بالدنا ألسوأ هج==وم ش==هدته أراض==يها على اإلطالق‪ .‬كم من«‬ ‫وأريد أن أؤكد لك‬

‫حادث كالحادي عشر من سبتمبر تريدنا أن نشهد قبل أن يكون لديك استعداد للتعاون معنا؟ إن تفاصيل م=ا نجري=ه من تحقيق=ات‬

‫»أمر سري‪ ،‬ولن ندخر جه ًدا للقبض على المجرمين المنفذين لهذه الجرائم المشينة‪ .‬هل تفهم ما أقوله؟‬

‫»‪.‬تمتمت‪« :‬نعم‬

‫سنعيدك إلى منزلك اليوم‪ ،‬لكنك رجل مشبوه اآلن‪ .‬لقد توصلنا إلى أنك لست فوق الشبهات‪ ،‬والسبب الوحيد إلطالقنا س==راحك«‬

‫هو أننا قد انتهينا من استجوابك في الوقت الحاضر‪ ،‬لكن من اآلن فصاع ًدا‪ ،‬أنت م ِْلكنا‪ ،‬سنراقبك على ال==دوام‪ ،‬وننتظ==ر ص==دور‬

‫»أية زلة منك‪ .‬هل تفهم أن بإمكاننا مراقبتك عن كثب دومًا؟‬

‫»‪.‬تمتمت‪« :‬نعم‬

‫حس ًنا‪ ،‬لن تنبس ببنت شفة عما ح=دث هن==ا ألي أح=د على اإلطالق‪ ،‬ه=ذه مس=ألة أمن ق=ومي‪ .‬أتعلم أن عقوب==ة الخيان=ة في وقت«‬

‫»الحرب ال تزال اإلعدام؟‬

‫»‪.‬تمتمت‪« :‬نعم‬
‫قالت بص=وت خفيض معبِّر ًة عن رض=اها‪« :‬ف=تى مطي=ع‪ ».‬ثم اس=تطردت ح=ديثها‪« :‬ل=دينا بعض األوراق هن=ا نري=دك أن توق=ع‬

‫عليها‪ ».‬ودفعت كومة األوراق على الطاولة تجاهي‪ .‬لُصِ ق على ك ٍّل منها ورقة مالحظات مطبوع عليها َ‬
‫«و ِّقع هنا»‪ .‬ف = َّ‬
‫ك أح==د‬

‫‪.‬الحراس أصفادي‬

‫أخذت أتصفح األوراق‪ ،‬دمعت عيناي ودارت رأسي‪ ،‬لم أستطع فهم أيٍّ منها‪ .‬حاولت ف==ك ش==فرة المف==ردات القانوني==ة‪ .‬لق==د كنت‬

‫‪.‬أوقع — على ما يبدو — على بيان بأنني قد اح ُت ِجزت واس ُت ِ‬


‫جوبت طو ًعا وبإرادتي الحرة‬

‫»قلت‪« :‬ماذا سيحدث إذا لم أوقع؟‬

‫‪.‬انتزعت األوراق مني‪ ،‬ونقرت أصابعها مرة أخرى‪ ،‬فجذبني الحراس بعنف ألقف على قدميَّ‬
‫صحت‪« :‬انتظري! أرجوكِ ! سأوقع عليها!» سحبني الحراس إلى الباب‪ ،‬وكان كل ما يمكنني رؤيته ه==و ذل==ك الب==اب‪ ،‬وك==ل م==ا‬

‫‪.‬بوسعي التفكير فيه هو إغالقه خلفي‬

‫أضعت الفرصة من بين يديَّ ‪ ،‬أخذت أبكي وأتوسل ليُس َمح لي بتوقي==ع األوراق‪ .‬اق==ترابي إلى ه==ذا الح==د من الحري==ة‪ ،‬وانتزاعه==ا‬
‫مني فجأة جعلني على استعداد= لفعل أي شيء‪ .‬ال يسعني تذكر عدد المرات التي سمعت فيها شخ ً‬
‫صا ما يقول‪« :‬يا إلهي! الموت‬

‫أفضل عندي من فعل هذا أو ذاك»‪ ،‬حتى إنني نفسي ردَّدتها أحيا ًنا‪ ،‬بيد أن هذه المرة األولى التي أدركت فيها ما تعنيه ح ًّقا هذه‬

‫‪.‬العبارة؛ كان الموت أفضل عندي من العودة إلى الزنزانة‬

‫‪.‬أخذت أتوسل وهم يقودونني عبر الرواق‪ ،‬وأردد أنني سأوقع على أي شيء‬
‫ً‬
‫ثانية إليها‪ ،‬وأجلسوني‪ .‬وضع أحدهم القلم في يدي‬ ‫‪.‬فنادت السيدة الحراس‪ ،‬وتوقفوا‪ .‬جلبوني‬

‫‪.‬ووقعت‪ ،‬بالطبع‪ ،‬على كل األوراق‬

‫•••‬
‫عندما ع=دت إلى الزنزان=ة‪ ،‬وج=دت س=روالي الجي=نز وال=تي ش=يرت‪ ،‬وق=د تم غس=لهما وطيهم=ا‪ ،‬ف=احت منهم=ا رائح=ة الم ِّ‬
‫ُنظف‪،‬‬

‫ارتديتهما‪ =،‬وغسلت وجهي‪ ،‬ثم جلست على ما أنام عليه وحدقت في الحائط‪ .‬لقد سلبوني كل ش==يء؛ أواًل ‪ ،‬حري==تي‪ ،‬ثم كرام==تي‪.‬‬

‫‪.‬كنت على استعداد= للتوقيع على أي شيء؛ وإن كان اعترا ًفا باغتيال أبراهام لينكون‬

‫‪.‬حاولت أن أبكي‪ ،‬لكن يبدو أن عينيَّ قد جف بهما الدمع‬

‫حضروا الصطحابي مرة أخرى‪ .‬اقترب مني أحد الحراس بكيس شبيه بالكيس الذي وضعوه على رأسي عندما أمسكوا بنا أول‬

‫‪.‬مرة منذ أيام أو ربما أسابيع‬

‫نزل الكيس على رأس==ي‪ ،‬وأُغلِ==ق بإحك==ام على عنقي‪ .‬خيم الظالم الحال==ك ح==ولي‪ ،‬وك=ان الج==و خان ًق==ا‪ُ .‬رفِعت ألق==ف على ق==دمي‬

‫وسرت عبر األروقة‪ ،‬ثم صعدت على ساللم‪ ،‬وسرت بعد ذلك على حصى ثم َمع َبر خشبي‪ ،‬ومنه إلى سطح سفينة من الف==والذ‪.‬‬

‫‪ُ .‬ك بِّلت يداي خلف ظهري في قضيب‪ .‬جثوت على ظهر السفينة‪ ،‬واستمعت لصوت محركات الديزل‬
‫ً‬
‫رذاذا‪ ،‬وغمر الماء مالبسي‪ .‬إنني بالخ==ارج‪ ،‬وإن‬ ‫تحركت السفينة‪ ،‬وتسللت رائحة هواء مالح إلى داخل الكيس‪ .‬أمطرت السماء‬

‫‪.‬كانت رأسي داخل كيس‪ .‬أنا بالخارج‪ ،‬في العالم‪ ،‬وتبعدني عن حريتي لحظات‬

‫بعيدا عن السفينة وصواًل إلى أرض غير مستوية‪ .‬صعدت بعد ذلك ثالث درجات معدنية‪ =.‬فكوا قيود ي==ديَّ‬
‫جاءوا إليَّ ‪ ،‬وقادوني ً‬

‫‪.‬ونزعوا الكيس من على رأسي‬

‫عدت إلى الشاحنة‪ ،‬وكانت السيدة ذات الش==عر القص==ير تجلس هن==اك أم==ام المكتب الص==غير ال==ذي ك==انت تجلس أمام==ه من قب==ل‪.‬‬

‫حملت في يدها كي ًسا بسحَّ اب بداخله هاتفي‪ ،‬واألجهزة الصغيرة األخرى‪ ،‬ومحفظتي‪ ،‬وفكة النقود التي ك=انت بجي=وبي‪ .‬ن=اولتني‬

‫‪.‬الكيس دون أن تتفوه بكلمة‬

‫وضعت أغراضي في جيوبي‪ ،‬وراودني شعور ش==ديد الغراب==ة عن==د ع==ودة ك==ل ش=يء إلى مكان==ه الم==ألوف‪ ،‬وارت==دائي لمالبس=ي‬

‫‪.‬المُعتادة‪ .‬خارج باب الشاحنة الخلفي‪ ،‬سمعت األصوات المألوفة لمدينتي التي اعتدتها‬

‫ناولتني إحدى الحارسات حقيبة ظهري‪ ،‬م َّدت يدها نحوي‪ ،‬وما كان مني إال أن نظ==رت إلى الحقيب==ة فق==ط‪ ،‬فأنزلته==ا‪ ،‬وابتس==مت‬

‫‪.‬ابتسامة متهكمة‪ =،‬ثم أشارت بيدها إلى فمها بما يعني أن أغلق فمي تمامًا‪ ،‬وأشارت نحوي‪ ،‬ثم فتحت الباب‬
‫ً‬
‫رذاذا‪ ،‬وكنت أنظر إلى شارع ضيق تندفع فيه الس==يارات والش==احنات‬ ‫كانت الدنيا نهارً ا بالخارج‪ ،‬والسماء ملبدة بالغيوم وتمطر‬

‫عاجزا عن الحركة على درجة السلم العليا بالشاحنة‪ ،‬مح ِّد ًقا نحو حريتي‬
‫ً‬ ‫‪.‬والدراجات سري ًعا‪ .‬وقفت‬
‫اهتزت ركبتاي‪ ،‬فعلمت حينه=ا أنهم ك=انوا يخ==دعونني م=رة أخ=رى‪ ،‬وس=رعان م=ا سيمس==ك بي الح=راس‪ ،‬ويجرون==ني ثاني= ً‬
‫=ة إلى‬

‫الداخل‪ ،‬وسيوضع الكيس على رأسي‪ ،‬وأعود على متن السفينة من جدي==د‪ =،‬وأ ُ َ‬
‫رس=ل إلى الس=جن حيث يُل َقى على س==معي ع==دد ال‬

‫‪.‬نهائي من األسئلة التي ال جواب لها‪ .‬منعت نفسي بالكاد من إقحام قبضتي داخل فمي‬

‫أرغمت نفسي بعد= ذلك على نزول إحدى درجات ال ُّسلم‪ ،‬ثم درجة أخرى‪ ،‬ثم األخيرة‪ .‬خطوت بحذائي الرياض==ي مُح =د ًِثا ص==و ًتا‬

‫فوق القاذورات بأرضية الطريق‪ :‬زجاج مكسور‪ ،‬إبرة‪ ،‬حصى‪ .‬أخذت أسير خطوة تلو األخرى حتى وصلت إلى أول الطريق‪،‬‬

‫‪.‬وحينها صعدت إلى الرصيف‬

‫‪.‬لم يمسك بي أحد‬

‫‪.‬لقد نلت حريتي‬

‫‪.‬حينذاك‪ ،‬طوقتني ذراعان قويتان؛ فكدت أبكي‬


‫الفصل الخامس‬
‫أه==دي ه==ذا الفص=ل إلى متج=ر س=يكريت هي==دكوارترز في ل==وس أنجل=وس‪ ،‬ذل=ك المتج=ر الخالب للقص=ص المص==ورة الهزلي=ة‪،‬‬

‫واألفضل في نظري على اإلطالق في العالم‪ .‬إن سيكريت هيدكوارترز متجر صغير ينتقي ما يضمه من كتب‪ .‬كل م==رة أدخل==ه‬

‫فيها‪ ،‬أخرج محماًل بثالث أو أربع مجموعات لم أسمع عنها من قبل‪ .‬يبدو األمر كما لو كان مالكاه — ديف وديفيد — يتمتعان‬

‫ثوان من دخ==ولي المتج==ر‪ .‬لق==د استكش=فت نح==و ثالث==ة‬


‫ٍ‬ ‫بقدرة خارقة على التنبؤ بما أبحث عنه بالضبط‪ ،‬فيعرضانه من أجلي قبل‬

‫أرباع القصص المصورة الهزلية المفضلة لدي بالتجول في أرجاء هذا المتجر؛ حيث أمسك بقصة مثيرة‪ ،‬وأغوص في كرس==ي‬

‫مريح‪ ،‬ألنتقل معها إلى عالم آخر‪ .‬هذا وعند صدور مجموعتي القصصية الثانية‪ ،‬والتي حملت عنوان «تعدي الميقات»‪ ،‬تعاق==د‬

‫المتجر مع رسام محلي يُد َعى مارتن سينريدا إلعداد قصة مصورة هزلية صغيرة قائم==ة على القص==ة األولى في ذل==ك الكت==اب‪،‬‬

‫والتي حملت عنوان «جريمة طباعة»‪ .‬لقد رحلت عن لوس أنجلوس منذ عام تقريبًا‪ ،‬وأكثر ما أفتقده فيه=ا ه=و متج=ر س=يكريت‬
‫‪.‬هيدكوارترز‬

‫***‬

‫لكنهما كانتا ذراعي فان‪ ،‬كانت تبكي‪ ،‬وتحتضنني بق==وة ح==تى ك==دت ال أتمكن من التنفس‪ .‬لم أهتم‪ ،‬واحتض==نتها ب==دوري‪ ،‬ودفنت‬

‫‪.‬وجهي في شعرها‬

‫»قالت‪« :‬أنت بخير؟‬

‫»‪.‬تمالكت نفسي وأجبتها‪« :‬نعم‪ ،‬بخير‬

‫وأخ==يرً ا‪ ،‬تركت==ني لتطوق==ني ذراع==ان أخري==ان؛ إن==ه خول==و! ك==ان االثن==ان هن==اك‪ .‬همس خول==و في أذني‪« :‬أنت س==الم ي==ا أخي»‪،‬‬

‫‪.‬واحتضنني أقوى مما فعلت فانيسا‬

‫»وعندما تركني‪ ،‬نظرت حولي وسألتهما‪« :‬أين داريل؟‬

‫»‪.‬نظر ك ٌّل منهما لآلخر‪ ،‬وقال خولو‪« :‬لعله ال يزال في الشاحنة‬

‫استدرنا‪ ،‬ونظرنا إلى الحافلة الموجودة بنهاية الطري=ق‪ ،‬ك=انت ش=احنة ذات ‪ ١٨‬عجل=ة بيض=اء الل=ون يتع=ذر وص=فها‪ ،‬والس=اللم‬

‫القابلة للطي قد أ ُعيدت إلى داخل الشاحنة بالفعل‪ ،‬توهجت المصابيح الخلفية لها ب==اللون األحم==ر‪ ،‬وس==ارت للخل==ف في اتجاهن==ا‪،‬‬
‫‪.‬مصدر ًة صو ًتا متواصاًل‬

‫»هتفت أثناء إسراعها نحونا «انتظروا! انتظروا! ماذا عن داريل؟» اقتربت الشاحنة‪ ،‬وواصلت أنا الهتاف‪« :‬ماذا عن داريل؟‬

‫أمسك خولو وفانيسا بذراعيَّ وسحباني بعي ًد ا‪ ،‬قاومتهما وأنا أصيح‪ .‬خرجت الشاحنة من الطريق الضيق‪ ،‬واستدارت لتدخل إلى‬

‫‪.‬الشارع‪ ،‬ثم توجهت أسفل التل‪ ،‬وانطلقت في طريقها‪ .‬حاولت الركض خلفها‪ ،‬لكن فان وخولو منعاني‬

‫طوقت ركبتيَّ بذراعيَّ ‪ ،‬وأخ==ذت أبكي بحرق==ة لم تش==هدها عين==اي من==ذ كنت طفاًل ص==غيرً ا‪ ،‬لم أتمكن من‬
‫ُ‬ ‫جلست على الرصيف‪،‬‬

‫‪.‬التوقف عن البكاء أو االرتجاف‬


‫أعانني خولو وفانيسا على الوقوف‪ ،‬والتحرك بضع خطوات على الطريق‪ .‬ك=انت هن=اك محط=ة ح=افالت به=ا مقع=د؛ فأجلس=اني‬
‫عليه‪ .‬كان االثنان يبكيان أي ً‬
‫ضا‪ ،‬عانق ك ٌّل منا اآلخر لبعض الوقت‪ ،‬وعلمت حينها أننا كنا نبكي داريل الذي لم يتوقع أيٌّ من==ا أن‬

‫أبدا‬ ‫ً‬
‫ثانية ً‬ ‫‪.‬يراه‬

‫•••‬

‫كنا شمال الحي الصيني‪ ،‬حيث يب==دأ حي ن=ورث بيتش ال==ذي يمتلئ بع==دد من ن==وادي التع=ري ذات الالفت==ات المض=اءة بمص=ابيح‬

‫البيت» في‬
‫ال==نيون‪ ،‬ومتج==ر الكتب األس==طوري المن==اهض للثقاف==ة الس==ائدة «س==يتي اليتس» حيث تأسس==ت حرك==ة ش==عر «جي==ل ِ‬
‫‪.‬الخمسينيات من القرن العشرين‬

‫كنت أعرف تلك المنطقة جي ًدا؛ إذ تضم المطعم اإليطالي المفضل لدى والديَّ ‪ ،‬وه==و المطعم ال==ذي أحبَّا اص==طحابي إلي==ه لتن==اول‬

‫‪.‬أطباق المكرونة الضخمة‪ ،‬والكميات الهائلة من المثلجات اإليطالية والتين المُحلَّى‪ ،‬ثم القهوة اإليطالية المركزة‬
‫‪.‬صار المكان مختل ًف ا اآلن؛ فهو المكان الذي تذوقت فيه طعم الحرية ألول مرة منذ ما بدا لي ً‬
‫أمدا بعي ًدا‬

‫فتشنا جيوبنا‪ ،‬وعثرنا على ما يكفي من المال لحجز مائ==دة بمطعم إيط==الي اف==ترش موائ==ده على الرص==يف تحت مظل==ة‪ .‬أش==علت‬

‫النادلة الجميلة سخان الغاز باستخدام قداحة الشواء‪ ،‬وتلقت طلباتنا‪ ،‬ثم ذهبت إلى الداخل‪ .‬شعوري بإعطاء األوامر‪ ،‬والتحكم في‬

‫‪.‬مصيري‪ ،‬كان أفضل شعور راودني على اإلطالق‬

‫»حدثتهما سائاًل ‪« :‬كم مضى من الوقت على وجودنا هناك؟‬

‫»‪.‬فأجابت فانيسا‪« :‬ستة أيام‬

‫»‪.‬وقال خولو‪« :‬أحصيتهم خمسة‬

‫أحص«‬
‫ِ‬ ‫»‪.‬وأنا لم‬

‫سألتني فانيسا‪« :‬ماذا فعلوا بك؟» لم أرد التحدث في األمر‪ ،‬لكن االثنان كانا ينظران نحوي‪ .‬وما إن بدأت الح==ديث ح==تى تع==ذر‬

‫عليَّ التوقف‪ .‬أخبرتهما بكل شيء‪ ،‬بما في ذلك اضطراري للتبول في س==روالي‪ .‬أخ==ذا يس==تمعان إلى ك==ل م==ا أقول==ه في ص==مت‪.‬‬

‫توقفت لحظات أثناء تق==ديم النادل=ة للمش=روبات الغازي=ة‪ ،‬وانتظ=رت ح==تى ابتع==دت عن م=رمى الس=مع‪ ،‬ثم أنهيت ح=ديثي‪ .‬ك==انت‬

‫الذكريات تتالشى في ذهني أثناء الحديث‪ ،‬وعند انتهائي‪ ،‬لم يكن بإمكاني الق=ول م=ا إذا كنت أغ=الي في التعب=ير عن الحقيق=ة‪ ،‬أم‬

‫‪.‬أقلل من مدى سوئها‪ .‬كانت ذكرياتي أشبه بالسمكة الصغيرة التي أحاول اإلمساك بها‪ ،‬وتتملص من قبضتي أحيا ًنا‬
‫َّ‬
‫هز خولو رأسه وقال‪« :‬لقد عاملوك بقسوة يا صديقي‪ ».‬أخبرنا بما حدث له هناك؛ خضع لالستجواب ال=ذي دار أغلب=ه ح=ولي‪،‬‬

‫والتزم الصدق معهم‪ ،‬وتحدث بصراحة عما حدث في ذلك اليوم‪ ،‬وعن صداقتنا‪ .‬جعلوه يعيد= ما قال==ه م==رارً ا وتك==رارً ا‪ ،‬لكنهم لم‬

‫يمارسوا معه الحيل الذهنية= كما فعلوا معي‪ .‬وكان يتناول وجباته في قاعة الطعام مع آخرين‪ ،‬و ُسمِح له بقضاء بعض الوقت في‬

‫‪.‬غرفة بها تليفزيون حيث ع ُِرضت أشهر أفالم العام الماضي على شرائط فيديو‬
‫اختلفت قصة فانيسا قلياًل ؛ فبعد= أن أغض==بتهم بس==بب ح==ديثها معي‪ ،‬أخ==ذوا مالبس==ها‪ ،‬وجعلوه==ا ترت==دي رداء الس==جن‪ :‬الس==روال‬

‫البرتقالي اللون‪ ،‬وتركوها في الزنزانة لمدة يومين دون أن يتحدث معها أحد‪ ،‬وإن قدموا لها الطعام بانتظام‪ .‬باستثناء ذلك كانت‬

‫‪.‬قصتها مشابهة لقصة خولو‪ :‬األسئلة ذاتها التي أُخذت ُتعاد عليها مرارً ا وتكرارً ا‬

‫»قال خولو‪« :‬كانوا يبغضونك ح ًّقا‪ ،‬وقسوا عليك للغاية‪ ،‬فلماذا؟‬

‫‪:‬لم يمك ِّني تصور السبب وراء ذلك‪ ،‬لكنني تذكرت بعد ذلك عبارة‬

‫»‪.‬يمكنك= التعاون معنا‪ ،‬وإال فستندم أشد الندم«‬

‫ألنني لم أوافق على فك شفرة هاتفي لهم في تلك الليل==ة األولى؛ وله==ذا ميَّزوني عن اآلخ==رين في المعامل==ة‪ ».‬لم أص==دق ذل==ك‪«،‬‬
‫‪.‬لكن لم يكن هناك تفسير آخر‪ .‬كان انتقامًا مح ً‬
‫ضا‪ .‬أصابتني الفكرة بدوار؛ فكل ما فعلوه كان عقابًا لي لتحدي سلطتهم‬

‫»‪.‬كنت خائ ًفا‪ ،‬أما اآلن فصرت غاضبًا‪ .‬قلت بهدوء‪« :‬هؤالء األوغاد! فعلوا ذلك انتقامًا مني لتعبيري عن رأيي بصوت ٍ‬
‫عال‬

‫‪.‬سبَّ خولو‪ ،‬واندفعت فانيسا كذلك في ترديد الشتائم بالكورية‪ ،‬األمر الذي كانت تفعله فقط عند حنقها بشدة‬

‫»‪.‬قلت هام ًسا وأنا أشرع في تناول المشروب الغازي‪« :‬سأنال منهم … سأنال منهم‬
‫َّ‬
‫»‪.‬هز خولو رأسه‪ ،‬وقال‪« :‬ال يمكنك‪ ،‬أنت تعلم‪ .‬ال يمكنك مجابهة ذلك‬

‫•••‬

‫لم يرغب أيٌّ منا في التحدث طوياًل عن الثأر آنذاك‪ ،‬وأخذنا نتحدث — بداًل من ذلك — حول ما سنفعله فيما بع==د‪ .‬ك==ان علين==ا‬

‫الذهاب إلى منازلنا‪ .‬انقطع الشحن عن هواتفنا‪ ،‬وخال ذلك الحي من هواتف العملة العمومية منذ سنوات‪ .‬كنا بحاجة للذهاب إلى‬

‫‪.‬منازلنا فقط‪ .‬فكرت حتى في استقالل سيارة أجرة‪ ،‬لكن لم يكن بحوزتنا ما يكفي من المال لفعل ذلك‬

‫ومن ثم سرنا‪ .‬وعند الزاوية‪ ،‬وضعنا بعض العمالت المعدنية في صندوق صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» وتوقفنا لقراءة‬

‫‪.‬الصفحة األولى‪ .‬مرت خمسة أيام على التفجيرات‪ ،‬لكن الحدث ال يزال يحتل الصفحة األولى‬
‫ُ‬
‫وافترضت حينها أنها كانت تتحدث عن جسر «جولدن جيت»‪ ،‬لكنني‬ ‫تحدثت السيدة ذات الشعر القصير عن تفجير «الجسر»‪،‬‬

‫‪».‬كنت مخط ًئا؛ فما فجره اإلرهابيون هو جسر «باي‬

‫تساءلت‪« :‬لماذا بحق الجحيم يفجرون جسر باي؟ جسر جولدن جيت هو المطبوع على كل البطاق==ات البريدي==ة‪ ».‬وح==تى من لم‬

‫تسبق له زيارة سان فرانسيسكو‪ ،‬يعرف على األرجح شكل جسر جولدن جيت؛ فهو ذلك الجسر المُعلَّق الكبير البرتق==الي الل==ون‬

‫الذي يمتد من قاعدة عسكرية قديمة ُتس َمى «برسيديو» إلى «سوساليتو»؛ حيث تقع بجانب م==دن «واين ك==انتري» الب==اهرة بم==ا‬
‫تحويه من معارض فنية ومتاجر الشموع الم َّ‬
‫ُعطرة‪ .‬والجسر أشبه بصورة فنية‪ ،‬وه==و يك==اد يك==ون رم= ً‬
‫=زا لوالي==ة كاليفورني==ا‪ .‬إذا‬

‫‪.‬ذهبت لمتنزه «ديزني الند كاليفورنيا آدفنتشر»‪ ،‬فستجد نسخة مُص َّغرة منه على البوابات‪ ،‬مع خط حديد أحادي فوقه‬

‫‪.‬لذا‪ ،‬كان من الطبيعي أن أفترض أنه إذا كان هناك جسر ليتفجر في سان فرانسيسكو‪ ،‬فسيكون ذلك الجسر‬
‫قال خولو‪« :‬ربما أخافتهم الكاميرات وخالفها؛ فيفحص الحرس القومي السيارات دائمًا بطرفي الجس==ر‪ ،‬وهن==اك ك==ذلك ح==واجز‬

‫االنتحار وغيرها بط=ول الجس=ر‪ ».‬اعت=اد الن=اس االنتح=ار من على جس=ر «جول=دن جيت» من=ذ افتتاح=ه ع=ام ‪ ،١٩٣٧‬وتوق=ف‬

‫‪.‬إحصاء عدد المنتحرين بعد حالة االنتحار األلف في عام ‪١٩٩٥‬‬

‫قالت فانيسا‪« :‬نعم‪ ،‬هذا فضاًل عن أن جسر باي يؤدي إلى مكان ما بالفعل‪ ».‬فيمتد= جسر ب==اي من وس==ط س==ان فرانسيس==كو إلى‬

‫أوكالند‪ ،‬ومن ثم إلى بيركلي‪ ،‬وهي المناطق الموجودة شرق الخليج ويقطنها الكثير ممن يعيشون ويعملون في المدينة‪ .‬إنها من‬

‫المناطق الوحيدة في منطقة الخليج التي يمكن ألي شخص عادي تحم=ل تكلف=ة م=نزل كب=ير بم=ا في=ه الكفاي=ة به=ا‪ ،‬وهن=اك ك=ذلك‬
‫الجامعة‪ ،‬ومجموعة من الصناعات الخفيفة‪ .‬تشق شبكة ب==ارت طريقه==ا تحت منطق==ة الخليج‪ ،‬وتص==ل بين الم==دينتين= ً‬
‫أيض=ا‪ ،‬لكن‬

‫الجسر هو م==ا يش==هد أغلب حرك==ة الم==رور‪ .‬جول==دن جيت جس==ر رائ==ع إذا كنت س==ائحً ا أو متقاع= ًدا ثر ًّي==ا تعيش في منطق==ة واين‬

‫‪.‬كانتري‪ ،‬لكنه مزخرف إلى حد كبير‪ ،‬في حين أن جسر باي هو — أو كان — عماد سان فرانسيسكو‬

‫فكرت لدقيقة في األمر‪ ،‬ثم قلت‪« :‬أنتما على حق‪ ،‬لكنني ال أظن أن األم==ر يقتص==ر على ذل==ك فحس==ب‪ .‬نحن نفك==ر دائ ًم==ا في أن‬

‫اإلرهابيين يهاجمون المعالم المهمة ألنهم يكرهونها‪ ،‬اإلره=ابيون ال يكره=ون المع=الم المهم=ة أو الجس=ور أو الط=ائرات‪ .‬إن م=ا‬

‫يريدونه فقط هو اإلفس=اد‪ ،‬وإخاف==ة الن==اس؛ أي نش==ر ال==ذعر‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬ك==ان من المنطقي أن يس==تهدفوا جس=ر ب==اي بع==د أن مألت‬

‫الكاميرات جسر جول==دن جيت‪ ،‬وص==ارت الط==ائرات مجه==زة بمع==دات الكش==ف عن المع==ادن واألش==عة الس==ينية‪ ».‬اس==تغرقت في‬

‫التفكير أك==ثر مح==د ًقا ِبا ْن ِش=دَا ٍه في الس==يارات المتس=ارعة على الطري==ق‪ ،‬وفي الن=اس ال==ذين يس==يرون على األرص=فة‪ ،‬في المدين=ة=‬

‫بأكملها من حولي‪« .‬اإلرهابيون ال يكرهون الطائرات أو الجسور‪ ،‬وإنم==ا يحب==ون اإلره==اب‪ ».‬كي==ف لم أفك==ر في ذل==ك من قب==ل‬

‫‪.‬مطل ًقا؟! أعتقد أن التعامل معي كإرهابي لبضعة أيام كان كافيًا لتوضيح أفكاري‬

‫حدق فيَّ خولو وفانيسا‪« .‬أنا محق‪ ،‬أليس كذلك؟ كل هذا الهراء المتعلق باألشعة السينية والتحقق من بطاقات الهوي==ة‪ ،‬ك==ل ذل==ك‬

‫»ال قيمة له‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫‪.‬فأومآ برأسهما ببطء‬

‫استطردت حديثي‪ ،‬وقد صار صوتي عاليًا أجشَّ ‪« :‬بل أسوأ مما ال قيمة ل==ه‪ ،‬فق=د أدت إلى دخلون=ا الس=جن‪ ،‬م==ع داري==ل …» لم‬

‫‪.‬أفكر في داريل منذ جلوسنا‪ ،‬عاد اآلن إلى ذهني صديقي المفقود الذي ال أثر له‪ .‬توقفت عن الحديث‪ ،‬وصررت فكيَّ‬
‫»‪.‬قال خولو‪« :‬ينبغي لنا إخبار والدينا‬

‫»‪.‬وردت فانيسا‪« :‬يجب أن نقابل محاميًا‬

‫فكرت في سرد قصتي‪ ،‬وإخبار العالم بما حدث معي‪ ،‬وفي مقاطع الفيديو التي ستظهر ال محالة وأظهر فيها وأنا أبكي كحي==وان‬

‫‪.‬متذلِّل‬

‫»‪.‬نطقت دون تفكير‪« :‬ال يمكننا إخبارهم بأي شيء‬

‫»ردت فانيسا‪« :‬ماذا تقصد؟‬


‫ت م=ا قالت=ه تل=ك الس=يدة؛ إذا أفص=حنا عم=ا ح=دث‪ ،‬فسيقبض=ون علين=ا‬
‫فكررت ما قلته‪« :‬ال يمكننا إخبارهم بأي شيء‪ .‬لق=د س=مع ِ‬
‫ً‬
‫»‪.‬مجددا‪ ،‬ويفعلون بنا ما فعلوه مع داريل‬

‫»… قال خولو‪« :‬أنت تمزح بالتأكيد! أتريدنا أن‬

‫قلت له‪« :‬أريد مجابهتهم‪ ،‬أريد أن أبقى ًّ‬


‫حرا حتى أتمكن من فعل ذلك‪ .‬إذا أفشينا الس==ر‪ ،‬فس=يُقال عن==ا ص==بية ص==غار ح==ديثنا من‬

‫»‪.‬نسج الخيال‪ .‬هذا فضاًل عن أننا ال نعلم أين اح ُت ِجزنا! لن يصدقنا أحد‪ ،‬وفي أحد األيام‪ ،‬سيأتون للقبض علينا‬

‫سأخبر والديَّ أنني كنت في أحد المخيم==ات الموج==ودة بالج=انب اآلخ==ر من الخليج‪ ،‬وذهبت للق=ائكم هن=اك حيث حوص=رنا ولم«‬

‫نتمكن من مغادرة المكان هناك سوى اليوم‪ .‬تشير الصحف إلى أن الناس ما زالوا يعودون إلى منازلهم من تلك المخيمات ح==تى‬

‫»‪.‬اآلن‬

‫»قالت فانيسا‪« :‬ال يمكنني فعل ذلك‪ .‬بعد كل ما فعلوه بك‪ ،‬كيف يمكن حتى أن تفكر في ذلك؟‬

‫لقد حدث ذلك لي‪ ،‬وهنا تكمن الفكرة‪ .‬األمر بيني وبينهم اآلن‪ ،‬سوف أتغلب عليهم‪ ،‬وسأنقذ داريل‪ ،‬لن أقب==ل بالهزيم==ة‪ .‬أم==ا إذا«‬

‫»‪.‬تدخل أهلنا‪ ،‬فسينتهي األمر‪ .‬لن يصدقنا أحد أو يهتم‪ ،‬لكن إذا نفذنا ما أقوله‪ ،‬فسوف يهتم الناس‬

‫»سأل خولو‪« :‬ماذا ستفعل؟ وما خطتك؟‬

‫فأجبت‪« :‬ال أعلم بعد‪ ،‬أعطني فرصة حتى صباح الغد‪ ،‬على األقل‪ ».‬كنت أعلم أنهما إذا أبقيا األمر س= ًّرا لي==وم واح==د‪ ،‬فس==يظل‬

‫‪.‬كذلك لألبد‪ .‬ستزداد شكوك أهلنا إن «تذكرنا» فجأة أننا كنا محتجزين في سجن سري‪ ،‬ولم نكن في أحد المخيمات‬

‫‪.‬نظر خولو وفانيسا ك ٌّل منهما لآلخر‬


‫ً‬
‫واحدا‬ ‫ً‬
‫واحدا‪ ،‬يومًا‬ ‫قلت‪« :‬كل ما أطلبه هو فرصة‪ ،‬وسنتوصل في تلك األثناء إلى القصة التي سنرويها ونحبكها‪ .‬امنحاني يومًا‬

‫»‪.‬فقط‬
‫ً‬
‫ثانية قاصدين منازلنا‪ .‬كنت أعيش في حي بتريرو هيل‪ ،‬وفانيسا‬ ‫أومأ خولو وفانيسا برأسيهما في تجهُّم‪ ،‬وانطلقنا م ًعا أسفل التل‬

‫في نورث ميشن‪ ،‬وخولو في نو فالي … ثالثة أحياء مختلفة تمام االختالف‪ ،‬وال يبعد ك ٌّل منه==ا عن اآلخ=ر س=وى بض==ع دق==ائق‬

‫‪.‬سيرً ا على األقدام‬

‫انتقلنا إلى شارع ماركت‪ ،‬وتوقفنا كالذي أصابته صاعقة‪ .‬طوقت المتاريس الشارع من كل زاوية‪ ،‬وتحولت مفارق الط==رق إلى‬

‫ممر واحد‪ ،‬ومألت الشارع بالكامل شاحنات ذات ‪ ١٨‬عجل==ة ليس له==ا مع==الم واض==حة مث==ل الش=احنة ال==تي حملتن==ا والكيس على‬

‫بعيدا عن أرصفة السفن وصواًل إلى الحي الصيني‬


‫‪.‬رءوسنا ً‬

‫احت==وت ك==ل ش==احنة على ثالث درج==ات معدني==ة في الج==زء الخلفي منه==ا‪ ،‬وض==جت بالنش==اط ب==دخول الجن==ود ورج==ال الش==رطة‬

‫الب َذل شارات صغيرة على طياته==ا وال==تي ك==ان يتم فحص==ها من قب==ل الجن==ود أثن==اء‬
‫الب َذل إليها‪ ،‬وخروجهم منها‪ .‬حملت ِ‬
‫ومرتدي ِ‬
‫دخول حامليها وخروجهم … شارات ترخيص السلكية‪ .‬عند عبورنا بإحدى تلك الشاحنات‪ ،‬ألقيت نظرة عليها‪ ،‬فرأيت الش==عار‬

‫‪.‬المُعتاد لوزارة األمن الوطني‪ .‬لمحني أحد الجنود أثناء تحديقي في الشاحنة‪ ،‬فرمقني بنظرة مُح ِّدقة غاضبة‬
‫أدركت معنى تلك النظرة‪ ،‬فواصلت المسير‪ .‬انفصلت عن فان وخولو عند فان نيس‪ .‬تعلق ك ٌّل منا باآلخر وبكينا‪ ،‬وتعاهدنا على‬

‫‪.‬االتصال ببعضنا البعض‬

‫كان هناك طريقان للوصول إلى بتريرو هيل؛ أحدهما يَسِ ر واآلخر عَسِ ر‪ ،‬يم=ر الطري=ق ال َع ِس=ر ببعض من أش=د التالل انح=دارً ا‬

‫في المدينة‪ =،‬تلك التالل التي تقع عليها مطاردات السيارات في أفالم الحركة واإلثارة‪ ،‬والتي تعلق فيها السيارات في الهواء عند‬

‫تحليقه=ا ف==وق القمم‪ .‬كنت دو ًم==ا أس=لك الطري==ق ال َع ِس=ر إلى الم=نزل‪ ،‬ش=وارعه جميعه=ا س=كنية تض=م من==ازل قديم=ة من الط=راز‬

‫الفيكتوري يُطلَق عليها اسم «السيدات المتبرجات»؛ لم=ا تتس=م ب=ه من طالء ص=ارخ مُت َقن‪ ،‬وح=دائق أمامي=ة زاخ=رة بالحش=ائش‬

‫الطويلة واألزهار ال َعطِ رة‪ .‬تحدق القطط األليفة فيك أثناء سيرك من خلف سياجات هذه المنازل‪ ،‬وتك==اد تخل==و الش==وارع من أي‬

‫‪.‬مُشرَّ دين‬

‫خيم الهدوء التام على تلك الشوارع؛ ما جعلني أتمنى لو كنت قد سلكت الطريق اآلخر عبر حي ميشن‪ ،‬وال==ذي لع==ل أفض==ل م==ا‬

‫يوصف به أنه «صاخب»؛ فهو نابض بالحياة والضجيج‪ ،‬ويعج بالسكارى المشاكسين‪ ،‬وم==دمني الكوك==ايين الح==انقين‪ ،‬وم==دمني‬

‫المخدرات فاقدي الوعي‪ ،‬وكذلك العديد= من األسر التي تدفع أمامها عربات أطفال‪ ،‬وسيدات عجائز منهمك==ات في القي==ل والق==ال‬

‫على أعتاب المنازل‪ ،‬وسيارات منخفضة تسير جنبًا إلى جنب مع سيارات بمكبرات صوت كبيرة‪ .‬ضمت الشوارع أيضً ا ش==بابًا‬

‫بوهيميين (هيبيز)‪ ،‬وطالب موسيقى اإليمو‪ ،‬بل وبعض عازفي موسيقى «البانك روك» القديمة أيضًا‪ ،‬ورج==ااًل بك==روش ت==برز‬

‫من تحت قمص==ان فرق==ة «دي==د كيني==ديز» ال==تي يرت==دونها‪ .‬ه==ذا فض =اًل عن رج==ال يرت==دون مالبس النس==اء‪ ،‬وش==باب عص==ابات‬

‫غاضبين‪ ،‬وفناني جرافيتي‪ ،‬ومطوري المباني القديمة المرتبكين الذين يحاولون تفادي التع==رض للقت==ل أثن==اء تنفي==ذ اس==تثماراتهم‬

‫‪.‬العقارية‬

‫وصلت إلى حي جوت هيل‪ ،‬ومررت بجانب مطعم «جوت هيل بيتزا» الذي ذ َّكرني بالسجن ال==ذي اح ُت ِج==زت في==ه‪ .‬اض==طررت‬

‫للجلوس على المقعد الموجود أمام المطعم حتى توقف جسدي عن االرتعاش‪ ،‬أبصرت حينه==ا الش==احنة أعلى الت==ل‪ ،‬ش==احنة ذات‬

‫‪ ١٨.‬عجلة تنزل من الجانب الخلفي لها ثالث درجات معدنية‪ =.‬وقفت‪ ،‬وواصلت المسير‪ .‬شعرت بعيون تراقبني من كل اتجاه‬

‫أسرعت الخطى فيما تبقى من الطريق وصواًل إلى المنزل‪ .‬لم أنظر إلى المنازل ذات الطالء الص==ارخ‪ ،‬أو الح==دائق‪ ،‬أو القط==ط‬

‫‪.‬األليفة؛ فلم أرفع عيني من على األرض‬

‫وقفت سيارتا والديَّ في الممر أمام المنزل‪ ،‬رغم أننا كنا في منتصف النهار‪ ،‬بيد أنه كان أمرً ا منطق ًّيا؛ إذ يعم==ل أبي في منطق==ة‬

‫شرق الخليج‪ ،‬وبالتالي ل==زم الم==نزل إلى حين االنته==اء من العم==ل بالجس==ر‪ .‬أم==ا أمي … حس= ًنا‪ ،‬لم ِ‬
‫أدر لم==اذا ك==انت وال==دتي في‬

‫‪.‬المنزل‬

‫‪.‬لقد كانا في المنزل من أجلي‬

‫قب==ل أن أنتهي من فتح الب==اب‪ُ ،‬س=حِب بق==وة من بين ي==ديَّ ‪ ،‬وفُتِح على مص==راعيه‪ .‬وق==ف وال==داي يح==دقان فيَّ ‪ ،‬وق==د ب==دا عليهم==ا‬

‫الشحوب واإلنهاك‪ ،‬وانتفخت عيونهما‪ .‬تسمَّر ثالثتنا في أماكننا للحظة‪ ،‬ثم اندفعا نحوي‪ ،‬وسحباني إلى داخل المنزل بق=وة ح=تى‬
‫كدت أقع من بين أيديهما‪ =.‬أخذا يتحدثان سريعً ا وبصوت ٍ‬
‫عال‪ ،‬وكل ما ك=ان بإمك=اني س=ماعه ه=و ثرث=رة ه=ادرة ال تتض=ح فيه=ا‬
‫الكلمات‪ .‬احتضناني وبكيا‪ ،‬وبكيت أنا أي ً‬
‫ض ا‪ .‬وقفنا على هذه الحال في الردهة الصغيرة ونحن نبكي وننطق بكلم==ات مبهم==ة إلى‬

‫نهكت قوانا‪ ،‬وقصدنا المطبخ‬‫ُ‬


‫‪.‬أن أ ِ‬
‫تصرفت كعادتي دومًا عند عودتي إلى الم==نزل؛ أحض==رت لنفس==ي كو ًب==ا من الم==اء من الفل==تر الموج==ود في الثالج==ة‪ ،‬وأخ==رجت‬

‫قطعتين من البسكويت من «علبة البسكويت» التي أرسلتها لنا خالتي من إنجلترا‪ .‬كان له==ذه التص==رفات االعتيادي==ة أثره==ا على‬

‫‪.‬قلبي الذي هدأت دقاته‪ ،‬واستعاد تواصله مع عقلي‪ ،‬وسرعان ما كان ثالثتنا جالسين على المائدة‬

‫»سأالني في اللحظة ذاتها تقريبًا‪« :‬أين ُكنت؟‬

‫ُوص=رت في أوكالن==د‪ =.‬كنت هن==اك برفق==ة بعض أص==دقائي‪،‬‬


‫كنت قد فكرت في ذلك في طريق عودتي للمنزل؛ فأجبتهما‪« :‬لقد ح ِ‬
‫»‪.‬نعمل على أحد المشروعات‪ ،‬وأُقيم علينا الحجر الصحي‬

‫»لمدة خمسة أيام؟«‬

‫فأجبت‪« :‬نعم‪ ،‬كان أمرً ا سي ًئا ح ًّقا‪ ».‬قرأت عن الحجر الصحي في الصحيفة‪ ،‬واقتبست مما نشرته بال خجل‪ .‬واص==لت ح==ديثي‪:‬‬

‫«نعم‪ ،‬كل من قُ ِبض عليه إثر التفجيرات وُ ضِ ع في الحجر الصحي؛ فقد اع ُتقِد أننا تعرضنا لهجوم بأحد أنواع البكتيريا المقاومة‬

‫للمضادات الحيوية؛ فكدسونا داخل حاويات شحن في مناطق إرساء السفن كس==مك الس==ردين؛ ح==رارة ورطوب==ة ش==ديدتان داخ==ل‬

‫»‪.‬الحاويات‪ ،‬وقليل من الطعام أيضًا‬

‫قال أبي‪« :‬يا إلهي!» وضرب بك َّفيه على المائدة‪ .‬يُدرِّ س والدي في ب==يركلي ثالث==ة أي==ام في األس==بوع؛ حيث يعم==ل م==ع ع==دد من‬

‫الخريجين في برنامج علم المكتبات‪ .‬أم=ا ب==اقي ال==وقت‪ ،‬فيق==دم استش==ارات للعمالء في المدين==ة وفي ش==به الجزي==رة‪ ،‬من ش=ركات‬
‫إنترنت الجيل الجديد التي يرتبط عملها كثيرً ا بالسجالت‪ .‬اتسم بالحِلم لطبيعة عمله في أمانة المكتبات‪ ،‬لكنه كان متطر ًفا أص==ياًل‬

‫في الستينيات‪ ،‬ومارس المصارعة قلياًل في المدرسة الثانوية‪ .‬سبق أن رأيته في ش==دة حنق==ه من حين آلخ==ر — ب==ل تس==ببت في‬

‫مثل هذا الحنق في بعض األحيان — وعند وصول غضبه إلى أقص==ى م==دى ل==ه يمكن أن يفق==ده ص==وابه على نح==و خط==ير‪ .‬في‬

‫‪.‬إحدى المرات‪ ،‬قذف بأرجوحة من صنع شركة إيكيا عبر حديقة جدي بسبب تف ُّككها مرات عدة أثناء محاولة تجميعه إياها‬

‫أما أمي‪ ،‬فقالت‪« :‬همجيون!» عاشت والدتي في أمريكا منذ مرحل==ة المراهق==ة‪ ،‬غ==ير أن أص==ولها البريطاني==ة تظه==ر دو ًم==ا عن==د‬

‫مقابلتها ضباط الشرطة‪ ،‬أو العاملين في الرعاية الصحية‪ ،‬أو أمن المطارات‪ ،‬أو المشرَّ دين من األمريكان‪ .‬وفي تلك اللحظ==ات‪،‬‬

‫تظهر كلمة «همجيون» وتعود لكنتها البريطانية بقوة‪ .‬ذهبنا إلى لندن مرتين لزيارة عائلتها‪ ،‬وال يمكنني الق==ول إن ك==انت أك==ثر‬

‫‪.‬تحضرً ا من سان فرانسيسكو أم ال‪ ،‬لكنها أكثر ازدحامًا‬

‫‪.‬لكنهم أفرجوا عنا‪ ،‬ونقلونا بالمراكب إلى هنا اليوم‪ ».‬وهنا بدأت في االرتجال«‬

‫»سألتني أمي‪« :‬هل أنت موجوع؟ جوعان؟‬

‫»نعسان؟«‬
‫نعم‪ ،‬أنا كل ما قلتماه … وكذلك «البليد»‪ ،‬و«الرزين»‪ ،‬و«كثير العُطاس» و«الخجول»‪ ».‬اعتدنا تب=ادل النك=ات في األس=رة«‬

‫حول قصة األقزام السبعة‪ .‬ارتسمت ابتسامة بسيطة على وجهيهما‪ ،‬لكن عيونهما ال تزال تبللها الدموع‪ .‬أشفقت عليهما ح ًّقا‪ ،‬لقد‬

‫»‪ُ .‬ج َّن ا بالتأكيد من القلق‪ ،‬وأسعدتني فرصة تغيير الموضوع‪« .‬أود أن أتناول الطعام‪ ،‬بال شك‬

‫»‪.‬قال أبي‪« :‬سأطلب بيتزا من مطعم جوت هيل‬

‫فقلت له‪« :‬ال‪ ،‬ليس ذاك‪ ».‬نظرا إليَّ باندهاش شديد‪ =،‬فلطالما عشقت بيتزا جوت هيل؛ فأن==ا كنت ألتهمه==ا بنهم‪ ،‬أزدرده==ا إلى أن‬

‫تنتهي أو أش==عر ب==االمتالء‪ .‬ح==اولت أن أبتس==م‪ ،‬وقلت في ض==عف‪« :‬ال أش==عر بالرغب==ة في تن==اول البي==تزا‪ ،‬لنطلب بعض الطع==ام‬

‫‪.‬بالكاري‪ ،‬ما رأيكما؟» حم ًدا هلل أن سان فرانسيسكو مركز الوجبات السريعة‬

‫ذهبت أمي إلى درج قوائم مطاعم الوجبات السريعة (مزيد من التصرفات االعتيادية التي كان لها أثر ك==وب الم==اء عن==د نزول==ه‬

‫في حلق جافٍّ متوجع)‪ ،‬وأخذت تقلب فيها‪ .‬قض=ينا بض=ع دق=ائق في ح=يرة من أمرن=ا بقائم=ة أح=د مط=اعم الوجب=ات الباكس=تانية‬

‫الحالل في شارع فالينسيا‪ ،‬واستقر خياري على مشويات تندوري متنوعة‪ ،‬وسبانخ بالقشدة ممزوجة ب==الجبن‪ ،‬ومش==روب الس==ي‬

‫‪.‬المانجو المملح (مذاقه أفضل بكثير مما قد يبدو) وبعض المعجنات الصغيرة المقليَّة المحاَّل ة في شراب السكر‬
‫ً‬
‫مجددا‪ ،‬اتصل والداي بأسر فان وخولو وداري==ل (ب==الطبع)‪ ،‬وح=اولوا اإلبالغ عن فق==داننا‪.‬‬ ‫ما إن طلبنا الطعام حتى بدأت األسئلة‬
‫كانت الشرطة تسجل األسماء‪ ،‬غير أن «الغائبين» كانوا ُ‬
‫كثرً ا؛ وما كانت الشرطة لتفتح مل ًفا ألحد إال إذا مر على غياب==ه س==بعة‬

‫‪.‬أيام‬

‫في تلك األثناء‪ ،‬ظهرت الماليين من مواقع «البحث عن المفقودين» على اإلنترنت‪ ،‬بعض==ها مواق==ع قديم==ة ش==بيهة بموق==ع م==اي‬

‫سبيس كانت قد أفلست‪ ،‬ورأت فرصة جديدة في ك==ل االهتم==ام المنص==ب على المفق==ودين‪ .‬ففي النهاي==ة‪ ،‬فق==دت بعض األس==ر من‬

‫أص===حاب رءوس األم===وال المغ===امرة بعض أفراده===ا في منطق===ة الخليج‪ ،‬ولعلهم إذا ع===ادوا‪ ،‬فس===تجذب تل===ك المواق===ع بعض‬

‫االستثمارات الجديدة‪ =.‬انتزعت كمبيوتر أبي المحمول من بين يديه‪ ،‬وأخذت أتصفح هذه المواق==ع‪ .‬وج==دتها امتألت باإلعالن==ات‪،‬‬

‫‪.‬بالطبع‪ ،‬وصور المفقودين التي كان أغلبها من حفالت التخرج أو الزفاف أو ما شابه‪ .‬كان أمرً ا بشعً ا‬

‫عثرت على صورتي ورأيتها مرتبطة بصور فان وخول==و وداري==ل‪ .‬ك==ان هن==اك نم==وذج ص==غير لتحدي==د من ُع ِث==ر عليهم‪ ،‬وآخ=ر‬

‫لتدوين المالحظات حول األفراد اآلخرين المفقودين‪ .‬مألت حقول البيانات لي ولخولو وف==ان‪ ،‬وت==ركت الج==زء الخ==اص ب==داريل‬

‫‪.‬فار ًغا‬
‫ً‬
‫شخص=ا م=ا ش=رب من إح=دى‬ ‫قال أبي‪« :‬لق=د نس=يت داري=ل‪ ».‬لم يكن أبي يحب داري=ل كث=يرً ا؛ ففي إح=دى الم=رات اكتش=ف أن‬
‫ُ‬
‫فأدنت داريل؛ ما أشعرني بخزي دائم‪ .‬الحقيقة هي أننا — بالطبع — كنا نله==و‬ ‫الزجاجات الموجودة في خزانة الخمر خاصته‪،‬‬

‫‪.‬م ًع ا‪ ،‬ونجرب خليط الفودكا بالمياه الغازية أثناء إحدى جلسات اللعب التي استمرت طوال الليل‬

‫»‪.‬أجبت أبي‪ ،‬والكذب طعمه مرير في فمي‪« :‬لم يكن معنا‬

‫»‪.‬قالت أمي‪« :‬يا إلهي!» واعتصرت يديها م ًعا‪« .‬لقد افترضنا عند عودتك للمنزل أنكم كنتم جميعً ا معً ا‬
‫حوص=ر على األرجح في ب==يركلي‪ .‬ك=ان‬
‫ِ‬ ‫أجبتها بمزيد من األكاذيب‪« :‬ال‪ ،‬كان من المفترض أن نقابله‪ ،‬لكننا لم نره مطل ًق=ا‪ .‬لق==د‬

‫»‪.‬سيستقل أحد قطارات بارت إلينا‬


‫َّ‬
‫وهز أبي رأسه وأغلق عينيه‪ ،‬ثم قال‪« :‬أال تعلم ما حدث في بارت؟‬ ‫»أ َّنت أمي‪،‬‬

‫‪.‬هززت رأسي‪ ،‬توقعت ما سيفضي إليه هذا الحديث‪ ،‬وشعرت بأن المكان يضيق بي‬

‫»‪.‬قال أبي‪« :‬لقد تفجرت‪ ،‬فجَّ رها األوغاد في الوقت نفسه الذي فجروا فيه الجسر‬

‫لم يرد ذلك في الصفحة األولى من صحيفة «كرونيكل»‪ ،‬لكن انفجار محطة قطارات تحت الم==اء ليس بص==ورة ملفت==ة لألنظ==ار‬

‫كصور جسر يتدلى متكسرً ا على الخليج‪ .‬نفق قطارات بارت من محطة إيمباركديرو في س=ان فرانسيس=كو وص=واًل إلى محط=ة‬

‫‪.‬ويست أوكالند غمرته المياه بالكامل‬

‫•••‬

‫عدت إلى كمبيوتر أبي‪ ،‬وتصفحت العناوين الرئيسية‪ .‬أُحص=ي القتلى ب=اآلالف‪ ،‬وإن لم يكن ذل=ك مؤك= ًدا‪ ،‬وال ت=زال األع=داد في‬

‫تزايد ما بين السيارات التي سقطت إلى عمق ‪ ١٩١‬قدمًا في البح=ر‪ ،‬ومن غرق=وا في القط=ارات‪ .‬ادَّعى أح=د الص==حفيين أن==ه ق==د‬

‫التقى ﺑ «م==زور هوي==ات» س=اعد «العش=رات» من الن=اس في اله=روب من حي=اتهم القديم==ة من خالل االختف=اء بع==د الهجم=ات‪،‬‬

‫‪.‬والحصول على بطاقات هوية مزورة ليخلصوا بذلك من زيجات سيئة‪ ،‬وديون متراكمة‪ ،‬وحياة بائسة‬

‫بللت الدموع عي َنيْ أبي‪ ،‬في حين أخذت أمي تبكي‪ .‬احتضنني كالهم==ا م==رة أخ==رى‪ ،‬وأخ==ذا يربِّت==ان عليَّ بأي==ديهما كم==ا ل==و كان==ا‬

‫‪.‬يُطمئنان نفسيهما أنني معهما ح ًّقا‪ .‬أخذا يرددان على سمعي أنهما يحبانني‪ ،‬فأخبرتهما أنني أبادلهما الحب‬
‫ً‬
‫مقارنة بعادتهما‪ =.‬أخبرتهم==ا‬ ‫تناولنا عشا ًء صحبته الدموع‪ ،‬وشرب ك ٌّل من أبي وأمي بعض كئوس من الخمر‪ ،‬وهو ما يعد كثيرً ا‬

‫أنني أشعر بالنعاس — ما كان حقيقة بالفعل — وانس==حبت إلى غرف==تي بال==دور العل==وي‪ ،‬لكن==ني لم أكن ذاه ًب==ا للن==وم؛ فق==د كنت‬

‫‪.‬بحاجة لتصفح اإلنترنت‪ ،‬والتحقق مما كان يحدث‪ .‬كان عليَّ التحدث إلى خولو وفانيسا‪ ،‬والبدء في البحث عن داريل‬

‫صعدت إلى غرفتي وفتحت الباب‪ ،‬لم أكن قد رأيت س=ريري من=ذ م=ا ب==دا لي ده=رً ا‪ .‬اس==تلقيت علي=ه‪ ،‬م=ددت ي=دي إلى المنض==دة‬
‫المجاورة للسرير‪ ،‬وجذبت الكمبيوتر المحمول الخاص بي‪ .‬ال بد أنني لم أوصله ً‬
‫جيدا بالكهرباء — الشاحن الكهرب==ائي بحاج==ة‬

‫لهزه بعض الشيء — ومن ثم فرغ من الشحن أثناء غيابي‪ .‬أعدت وضعه في المقبس‪ ،‬وانتظرت دقيق==ة أو اثن==تين ليش==حن قب==ل‬
‫أن أحاول تشغيله من جديد‪ ،‬واستغللت ذلك الوقت في خلع مالبسي‪ ،‬واإللقاء به==ا في القمام==ة؛ ال أرغب في رؤيته==ا ثاني= ً‬
‫=ة أب= ًدا‪.‬‬

‫ارتديت تي شيرت‪ ،‬وسروااًل قصيرً ا نظيفين‪ .‬كان للمالبس المغسولة الخارجة لتوه==ا من األدراج ملمس م==ألوف وم==ريح‪ ،‬مث==ل‬

‫‪.‬حضن والديَّ‬
‫شغلت الكمبيوتر المحمول‪ ،‬ودسست عد ًد ا من الوسائد خلفي أعلى السرير‪ .‬اعتدلت في جلستي للخلف‪ ،‬فتحت غطاء الكمبيوتر‪=،‬‬

‫ووضعته على فخذيَّ ‪ .‬كان ال يزال في مرحلة بدء التشغيل‪ ،‬بدت الرموز التي تظهر على الشاشة جميلة ح ًّقا‪ ،‬ظهرت جميعه==ا‪،‬‬
‫ثم بدأ الجهاز في إعطائي تحذيرات بانخفاض الطاقة‪ .‬تحققت من كابل الطاقة مرة أخرى‪ ،‬وهززته؛ ف==اختفت التح==ذيرات‪ .‬ك==ان‬

‫‪.‬المقبس الكهربائي غريب األطوار ح ًّقا‬

‫في الواقع‪ ،‬كان األمر سي ًئا لدرجة حالت دون فعلي أي شيء‪ ،‬وفي كل مرة أت==رك فيه==ا كاب==ل الطاق==ة من ي==دي‪ ،‬ينقط==ع اتص==اله‬

‫‪.‬بالكمبيوتر الذي يبدأ بدوره في الشكوى من انخفاض طاقة البطارية‪ .‬فحصته عن كثب‬

‫كان صندوق الكمبيوتر بأكمله قد أُزيح بعض الشيء عن مكانه األصلي‪ ،‬وعند الشق الذي يفص==ل جزئي==ه‪ ،‬ك==ان هن==اك تجوي==ف‬

‫‪.‬بزاوية يبدأ ضي ًقا ثم يتسع في اتجاه الخلف‬

‫في بعض األحيان‪ ،‬ينظر المرء إلى جهاز ما‪ ،‬ويكتشف شي ًئا كهذا‪ ،‬فيتساءل‪« :‬هل كان ذلك حاله دومًا؟» ربما لم يالحظه فق==ط‬

‫‪.‬من قبل‬

‫لكنه ليس من الممكن أن يحدث ذلك مع جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي‪ ،‬لقد صممته بنفسي؛ فبع==د أن وزع مجلس التعليم‬

‫علينا جمي ًعا أجهزة الكمبيوتر المحمولة المدرسية‪ ،‬ما ك==ان وال==داي ليش==تريا لي جه==از كم==بيوتر‪ ،‬وإن ك=ان الكم==بيوتر المحم==ول‬

‫‪.‬المدرسي ال يخصني فعل ًّيا‪ ،‬وما كان مسموحً ا لي بتثبيت برامج أو إجراء أي تعديل عليه‬

‫كنت قد ا َّدخرت بعض الم=ال من وظ=ائف غريب==ة عملت به=ا‪ ،‬وأعي=اد كريس=ماس‪ ،‬وأعي=اد ميالد‪ =،‬وبعض المع==امالت التجاري=ة‬

‫‪.‬الحكيمة على موقع إي باي‪ .‬وعند جمعها‪ ،‬صار معي ما يكفي لشراء جهاز حالته مزرية ومضى على استعماله خمسة أعوام‬
‫ً‬
‫جهازا آخر‪ .‬يمكنك= شراء صناديق للكمبيوتر المحمول‪ ،‬مثل صناديق الكمبيوتر الشخصي المكتبي‪،‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬صمَّمت مع داريل‬
‫وإن كانت أكثر تخص ً‬
‫صا من أجهزة الكمبيوتر القديم==ة العادي==ة‪ .‬لق=د ص=ممت بعض أجه=زة الكم=بيوتر الشخص==ية بالتع==اون م=ع‬

‫داريل على مر األعوام‪ ،‬بالبحث عن قطعه على موقع كريجزليست وعروض بي=ع األغ=راض المس=تعملة في المن=ازل‪ ،‬وش=راء‬

‫بعض األغراض رخيصة الثمن ج ًّدا من البائعين الت==ايوانيين ال==ذين عثرن==ا عليهم على اإلن==ترنت‪ .‬وق==د توص==لت إلى أن تص==ميم‬

‫‪.‬كمبيوتر محمول هو أفضل سبيل للحصول على اإلمكانيات التي أردتها بالسعر الذي يمكنني تحمُّله‬

‫لتصميم كمبيوتر محمول خاص بك‪ ،‬عليك أواًل شراء «كمبيوتر محمول غير كامل األجزاء»؛ وه==و جه==از ال يحت==وي إال على‬

‫عدد قليل فقط من األجزاء‪ ،‬وجميع الفتحات الصحيحة‪ .‬الجيد في األمر أنه ما إن انتهيت من تص=ميمي ح=تى ص=ار ل=ديَّ جه=از‬

‫أخف بنحو نصف كيلو جرام من جهاز «ديل» الذي كنت أرغب في ش==رائه‪ ،‬وأس==رع‪ ،‬وتبل==غ تكلفت==ه ثلث م==ا كنت س==أدفعه في‬

‫جهاز «ديل»‪ .‬أما الجانب السيئ‪ ،‬فهو أن تجميع كمبيوتر محمول أشبه بتصميم تلك السفن ال==تي توض==ع داخ==ل زجاج=ات؛ فه==و‬

‫عمل دقيق تستخدم فيه المالقط الصغيرة والنظارات المُكبِّرة في محاولة لجعل كل قطعة تتالءم في مكانها داخل ذلك الص==ندوق‬

‫الصغير‪ .‬وعلى عكس الكمبيوتر الشخصي الكامل — الفارغ أغلبه — كل ملِّيمتر مكعب من الكمبيوتر المحمول تشغله قطع==ة‬

‫ما‪ .‬وفي كل مرة أظن أن ثمة مشكلة ما في الجهاز‪ ،‬أفك أجزاءه وأعيدها ألكتشف أن شي ًئا ما كان يح==ول دون إغالق==ه بإحك==ام‪،‬‬

‫‪.‬فأبدأ في إصالحه من جديد‬


‫ومن ثم‪ ،‬علمت «بالضبط» ما من المفترض أن يبدو عليه الشق في الكمبيوتر المحمول الخاص بي عندما يك==ون مغل ًق==ا‪ ،‬وليس‬

‫‪.‬هذا هو الشكل الذي من المفترض أن يكون عليه‬

‫ك أجزائ=ه‪ .‬ت=أففت‪ ،‬ووض=عته‬


‫أخذت أهز في الشاحن الكهربائي‪ ،‬لكن دون جدوى‪ .‬ما كانت أمامي فرصة لتشغيل الجهاز دون ف ِّ‬

‫‪.‬بجانب السرير‪ .‬سأفحصه صباحً ا‬

‫•••‬

‫هذا ما فكرت فيه على أية حال‪ ،‬لكن ما حدث هو أنه بعد مرور ساعتين‪ ،‬كنت ال أزال أحدق في السقف‪ ،‬وأتذكر كل م==ا فعل==وه‬

‫‪.‬بي‪ ،‬وما كان ينبغي لي فعله وكل ما أثار ندمي وما كان يجدر بي قوله‬

‫نهضت من السرير‪ .‬كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل‪ ،‬سمعت والديَّ يخل==دان للن==وم في الحادي=ة عش=رة‪ .‬أمس=كت ب==الكمبيوتر‬
‫المحم==ول‪ ،‬أف==رغت مس==احة على مكت==بي‪ ،‬ثب ُّ‬
‫َّت مص==ابيح الص==مامات الثنائي==ة الباعث==ة للض==وء ص==غيرة الحجم ب==ذراعي النظ==ارة‬

‫المُكبِّرة‪ ،‬وأخرجت مجموعة من المفكات بالغة الدقة‪ .‬بع==د دقيق=ة‪ ،‬كنت ق=د فتحت ص==ندوق الجه==از‪ ،‬وأخ=رجت لوح==ة المف=اتيح‪،‬‬

‫وأخذت أحدق في مكونات=ه الداخلي=ة‪ .‬اس=تخدمت عب=وة من اله=واء المض=غوط في تنظي=ف المروح=ة من ال=تراب ال=ذي التقطت=ه‪،‬‬

‫‪.‬وفحصت الجهاز‬

‫ثمة شيء غير صحيح‪ ،‬لم أستطع تحديده‪ ،‬لكنني تذكرت أنني لم أفتح ذلك الصندوق منذ شهور‪ .‬ولحسن الحظ‪ ،‬في المرة الثالثة‬
‫ً‬
‫ثانية ‪ ،‬كنت أكثر فطنة؛ فالتقطت صورة لمكوناته الداخلية وكل جزء منها في مكانه الصحيح‪.‬‬ ‫التي فتحته فيها وجاهدت إلغالقه‬

‫لكنني لم أكن بالقدر الكافي من الفطنة؛ فأواًل ‪ ،‬تركت الصورة على محرك األقراص الصلبة‪ ،‬ولم يكن بوسعي بالتالي الوص==ول‬

‫إليها عندما تكون أجزاء الكمبيوتر المحمول مف َّككة‪ .‬لكنني طبعته==ا بع=د= ذل==ك‪ ،‬ووض==عتها في درج األوراق المبع==ثرة حيث ألقي‬

‫بجميع بطاقات الضمان‪ ،‬والرسوم البيانية لتوصيل مسامير الدوائر الكاملة‪ .‬أخذت أقلِّب فيها — بدت أكثر فوضوية مما أت==ذكر‬

‫— وأخرجت الصورة‪ .‬وضعتها بجانب الكمبيوتر‪ ،‬وأخذت أد ِّقق النظر في كل األجزاء محاواًل الوصول إلى ما يب==دو في غ==ير‬

‫‪.‬مكانه‬

‫حددت المشكلة أخيرً ا‪ .‬لم يكن الكابل الشريطيُّ الذي يصل لوحة المفاتيح باللوحة األم موصاًل على نحو سليم‪ .‬كان ذلك غري ًب==ا؛‬

‫إذ لم يكن هناك عزم دوران في ذلك المكان‪ ،‬وما كان شيء ليزيح ذلك الكابل عن مكان=ه أثن=اء العم=ل المعت=اد للجه=از‪ .‬ح=اولت‬
‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬فاكتشفت أن القابس لم يكن مُث َّب ًتا على نحو سيئ فحسب‪ ،‬وإنما كان هن==اك ش==يء بين==ه وبين‬ ‫الضغط عليه ليعود إلى مكانه‬

‫ضا‪ .‬أخرجت ذلك الشيء بالملقط‪ ،‬وسلَّطت عليه الضوء‬


‫‪.‬اللوحة أي ً‬

‫كان هناك شيء غريب في لوحة المفاتيح؛ قطعة سميكة صغيرة الحجم يبلغ سمكها ‪ ١٦ / ١‬فق==ط من البوص==ة‪ ،‬وليس عليه==ا أي==ة‬

‫عالمات‪ .‬كانت موصلة بلوحة المفاتيح؛ بعبارة أخرى‪ ،‬وُ ضِ عت في مكان متميز لتسجيل ك=ل ض=غطة مفت=اح أثن=اء كت=ابتي على‬

‫‪.‬الكمبيوتر‬

‫!كانت أداة تجسس‬


‫علت ضربات قلبي في أذنيَّ ‪ .‬خيم الظالم والهدوء على المنزل‪ ،‬لكنه لم يكن ظالمًا مريحً ا‪ .‬ثم==ة عي==ون بالخ==ارج‪ ،‬عي==ون وآذان‬

‫تراقب==ني‪ .‬الرقاب==ة ال==تي واجهته==ا في المدرس==ة لحقت بي في الم==نزل‪ ،‬لكن ه==ذه الم==رة لم يكن مجلس التعليم وح==ده من يتتب==ع‬

‫‪.‬خطواتي‪ ،‬وإنما انضمت إليه وزارة األمن الوطني أيضًا‬

‫خرج أداة التجسس‪ ،‬لكنني فكرت أن أ ًّيا ك==ان من وض==عها في ذل==ك المك==ان س==يعلم بإزالته==ا‪ ،‬فتركته==ا حيث وُ ِ‬
‫ض=عت‪ ،‬م==ا‬ ‫ُ‬
‫كدت أ ِ‬
‫‪.‬أشعرني بالغثيان‬

‫بحثت عن أي آثار عبث أخرى بالجهاز؛ لم أتوصل إلى شيء‪ ،‬لكن هل يع==ني ذل==ك ع==دم وجوده==ا؟ تس==لل أح==دهم إلى غرف==تي‪،‬‬

‫ك أج=زاء الكم=بيوتر المحم=ول الخ=اص بي وأع=اد تجميعه=ا‪ .‬هن=اك الكث=ير من وس=ائل التنص=ت يمكن‬
‫وزرع ذلك الجهاز؛ لقد ف َّ‬
‫‪.‬تركيبها بأجهزة الكمبيوتر‪ ،‬وما كان بإمكاني التوصل إليها كلها قط‬

‫أعدت تجميع أجزاء الجهاز بأصابع َخدِرة‪ .‬لم يُغلَق الصندوق جي ًدا تلك المرة‪ ،‬لكن ظل كابل الطاق==ة بال==داخل‪ .‬ش==غلت الجه==از‪،‬‬

‫‪.‬ووضعت أصابعي على لوحة المفاتيح مُعتقِ ًدا أنني سأجري بعض عمليات الفحص وأرى ما كان يحدث‬

‫‪.‬لكنني لم أستطع‬

‫‪.‬اللعنة! لعل الغرفة مزودة بوسائل تنصت‪ .‬لعل هناك كاميرا تتجسس عليَّ في تلك اللحظة‬

‫الزمني جنون االرتياب منذ عودتي إلى المنزل‪ ،‬لكن في تلك اللحظة‪ ،‬صرت مذعورً ا ج ًّدا‪ .‬ش==عرت أن==ني ع==دت للس==جن‪ ،‬وإلى‬

‫‪.‬غرفة االستجواب‪ ،‬تالحقني كيانات أخضعتني لسلطتها بالكامل‪ .‬جعلني ذلك أشعر برغبة في البكاء‬

‫‪.‬ثمة حل واحد فقط‬

‫ذهبت إلى دورة المياه‪ ،‬ونزعت ل َّفة ورق المرحاض‪ ،‬ووضعت ب==داًل منه==ا ل َّفة أخ=رى جدي=دة‪ .‬لحس=ن الح=ظ‪ ،‬ك=انت القديم==ة ق==د‬

‫ق==اربت على االنته==اء‪ .‬تخلص==ت مم==ا تبقى فيه==ا من ورق‪ ،‬وبحثت في ص==ندوق قط==ع الغي==ار الخ==اص بي إلى أن ع==ثرت على‬

‫مظروف بالستيكي صغير مليء بصمامات ثنائية باعثة للضوء ذات لون أبيض ش==ديد الس==طوع‪ ،‬كنت ق==د نزعته==ا من مص==باح‬

‫دبوس=ا لص==نع الثق==وب‪ ،‬ثم جلبت س==ل ًكا‪،‬‬


‫ً‬ ‫دراجة قديمة‪ .‬أدخلت موصالت هذه الصمامات في األنبوب الكرتونيِّ بعناية‪ ،‬مستخدمًا‬

‫وأوصلتها كلها في سلسلة باستخدام مشابك معدنية‪ =.‬لويت األسالك داخل الموصالت وربطته==ا ببطاري==ة طاقته==ا تس==عة فولت==ات‪.‬‬

‫وبذلك‪ ،‬صار لديَّ أنبوب مطوق بصمامات ثنائية باعثة للضوء توجيهي==ة ش==ديدة الس==طوع بإمك==اني رفعه==ا أم==ام عي==ني والنظ==ر‬

‫‪.‬عبرها‬
‫صممت أنبوبًا كهذا العا َم المنصر َم ليكون مشروعي بمعرض العلوم‪ ،‬الذي ُ‬
‫ط ِردت منه عندما كشفت عن وجود كاميرات مخبأة‬

‫في نصف فصول مدرسة شافيز الثانوية‪ .‬إن كاميرات الفيديو بالغة الصغر أقل تكلفة من وجب=ة عش=اء بمطعم جي=د حال ًّي=ا‪ ،‬ومن‬

‫ثم فهي تظهر في كل مكان‪ .‬يضعها مختلسو النظر من العاملين في المحالت في غرف تغي==ير المالبس‪ ،‬أو ص==الونات اكتس==اب‬

‫سمرة البشرة‪ ،‬ويمارسون انحرافهم الجنسي مع اللقطات التي يسجلونها لعمالئهم … وأحيا ًنا ينشرونها فقط على اإلن==ترنت‪ .‬إن‬
‫معرف==ة كيفي==ة تحوي==ل ل َّفة ورق مرح==اض وبعض األغ==راض المس==تعملة تتكل==ف حفن==ة من ال==دوالرات إلى جه==از للكش==ف عن‬

‫‪.‬الكاميرات ُت َعد ضربًا من الذكاء‬

‫هذه أبسط وسيلة للكشف عن كاميرات التجسس؛ إذ تحتوي هذه الك==اميرات على عدس==ات بالغ==ة الص==غر‪ ،‬لكنه==ا تعكس الض==وء‬

‫بقوة‪ .‬تعمل هذه الوسيلة على أفض==ل نح==و في الغ==رف المظلم==ة؛ فعلي==ك بالتح==ديق في األنب==وب‪ ،‬وفحص الج==دران وغيره==ا من‬

‫األماكن التي قد توضع فيها ك=اميرات ببطء إلى أن ت==رى ومض==ة انعك==اس‪ ،‬وإذا اس==تمر االنعك==اس أثن==اء تحرك==ك‪ ،‬فتك==ون ه==ذه‬

‫‪.‬عدسة‬

‫خلت غرفتي من أية كاميرات‪ ،‬أو باألص=ح خلت من أي=ة ك=اميرات يمكن=ني الكش=ف عنه=ا‪ ،‬ربم=ا احت=وت على أجه=زة تجس=س‬

‫س==معية‪ ،‬ب==الطبع‪ ،‬وربم==ا ن==وع أفض==ل من الك==اميرات‪ ،‬وربم==ا ال ش=يء على اإلطالق‪ .‬ه==ل يمكن ألح==د أن يلوم==ني على جن=ون‬

‫االرتياب الذي انتابني؟‬

‫‪.‬لقد أحببت الكمبيوتر المحمول الخاص بي‪ ،‬وأسميته «سالمجندي»‪ ،‬وهو الذي يعني أي شيء مصنوع من قطع غيار‬

‫عندما تطلق اسمًا على الكمبيوتر المحمول الخ=اص ب=ك‪ ،‬ف=اعلم أن ثم=ة عالق=ة وثيق=ة ح ًّق=ا بينكم=ا‪ =.‬رغم ذل=ك‪ ،‬ش=عرت في تل=ك‬
‫ً‬
‫ثانية أب ًدا‪ ،‬أردت أن ألقي به من النافذة‪ .‬من يدري ماذا فعلوا به؟ من يدري كيف زرع==وا في==ه‬ ‫اللحظات أنني ال أرغب في لمسه‬

‫أجهزة التنصت؟‬

‫أنزلت الغطاء علي==ه‪ ،‬ووض=عته في أح=د األدراج‪ ،‬ونظ=رت إلى الس=قف‪ .‬ك=ان ال=وقت مت==أخرً ا‪ ،‬ووجب عليَّ الخل=ود للن==وم‪ ،‬لكن‬

‫‪.‬هيهات أن أنام اآلن‪ ،‬هناك من يتجسس عليَّ ‪ ،‬بل يتجسس على الجميع‪ .‬لقد تغير العالم لألبد‬

‫حادثت نفسي‪« :‬سأجد سبياًل لالنتقام منهم‪ ».‬كان عه ًدا قطعته على نفسي‪ ،‬علمت ذلك عندما سمعته‪ ،‬رغم أن==ني لم أقط==ع عه= ً=دا‬

‫‪.‬من قبل‬

‫‪.‬لم أستطع النوم بعد ذلك‪ ،‬هذا فضاًل عن أنني توصلت إلى فكرة ما‬

‫في مكان ما داخل خزانتي‪ ،‬كان هناك صندوق مُغلَّف بغالف بالستيكي يشتمل على جهاز «إكس بوكس يونيفرس==ال» ال ي==زال‬

‫في عبوته المُغلَ قة‪ .‬بيعت أجهزة «إكس بوكس» جميعها بسعر أقل بكثير من تكلفتها؛ فشركة مايكروسوفت تجني أغلب أموالها‬

‫من فرض رسوم على الشركات للحصول على حق بي=ع ألع=اب «إكس ب=وكس»‪ .‬بي=د أن ط=راز «يونيفرس=ال» ك=ان األول من‬

‫‪.‬جهاز «إكس بوكس» الذي قررت شركة مايكروسوفت تقديمه دون مقابل على اإلطالق‬

‫في فترة أعياد الميالد الماضية‪ ،‬انتشرت بجمي==ع األنح==اء مجموع==ة من الفش==لة المث==يرين للش==فقة يرت==دون زي المح==اربين بلعب==ة‬

‫«هالو»‪ ،‬وأخذوا يوزعون حقائب تحوي أجهزة األلعاب هذه بأسرع ما في وسعهم‪ .‬وأعتق==د أن األم==ر ق==د نجح؛ فيق==ول الجمي==ع‬

‫إنهم باعوا عد ًدا هائاًل من األلعاب‪ .‬كانت هناك بالطبع إجراءات مضادة للتأكد من أن َمن يحصل على األجه==زة ال يلعب س==وى‬

‫‪.‬األلعاب التي أصدرتها شركات اشترت تراخيص من شركة مايكروسوفت لصنعها‬


‫ك فتى من معهد= ماساتشوستس للتكنولوجيا ش==فرة جه==از‬
‫ضرب قراصنة الكمبيوتر بهذه اإلجراءات المضادة عرض الحائط؛ فف َّ‬
‫«إكس بوكس»‪ ،‬وألَّف كتابًا حقق أعلى المبيعات حول هذا الموضوع؛ ومن ثم كانت نهاية ط==راز «‪ ،»٣٦٠‬ومن بع==ده «إكس‬

‫بوكس المحمول» الذي لم ي ُدم طوياًل (والذي كان يزن ثالثة أرطال!) وكان من المفترض لطراز «يونيفرس==ال» أن يص==مد في‬

‫ك شفرته طلبة بالمرحلة الثانوية من البرازيل‪ ،‬كانوا قراصنة لنظام لينكس يعيشون في أح==د أحي==اء‬
‫وجه هذه االنتهاكات‪ .‬و َمن ف َّ‬
‫‪.‬الفقراء العشوائية‬

‫‪.‬إياك واالستهانة بعزيمة شاب لديه وفرة في الوقت‪ ،‬ونقص في المال‬

‫ما إن نشر الطلبة البرازيليون صيغة فك الشفرة حتى جُنَّ جنوننا‪ ،‬وسرعان ما ظهرت العشرات من نظم التشغيل البديلة لجهاز‬

‫«إكس ب==وكس يونيفرس==ال»‪ ،‬ك==ان المفض==ل ل==ديَّ ه==و «بارانوي==د إكس ب==وكس»‪ ،‬وه==و أح==د ص==ور نظ==ام «بارانوي==د لينكس»‪.‬‬
‫ً‬
‫خصوص=ا للمعارض==ين الص==ينيين‬ ‫«بارانوي==د لينكس» ه==و نظ==ام تش==غيل يف==ترض أن مش==غله م==راقب من الحكوم==ة (وه==و ُم َع= ٌّد‬
‫والسوريين)‪ ،‬ويفع==ل ك==ل م=ا بإمكان=ه للحف=اظ على س=رية اتص=االتك ووثائق==ك‪ ،‬ب==ل إن==ه ينش==ئ ً‬
‫أيض=ا مجموع=ة من االتص=االت‬

‫«التافهة» التي من المفترض أن تخفي حقيقة فعلك ألي شيء سري؛ لذا‪ ،‬بينما تتلقى رسالة سياسية كل حرف منه==ا على ح==دة‪،‬‬

‫يتظاهر نظام «بارانويد لينكس» بتصفح الويب‪ ،‬وملء االستبيانات‪ ،‬والمغازلة بغرف المحادثة‪ .‬وفي هذه األثناء‪ ،‬ح==رف واح==د‬

‫‪.‬من بين كل خمسمائة حرف تتلقاه يكون رسالة حقيقية؛ أي إبرة وسط كوم قش‬

‫كنت قد نسخت قرص فيديو رقم ًّيا لنظ=ام «بارانوي==د إكس ب==وكس» عن==د ظه==وره للم==رة األولى‪ ،‬لكن لم تس==نح لي الفرص==ة ق=ط‬

‫إلفراغ محتويات عبوة جهاز «إكس بوكس» الموجودة في خزانتي‪ ،‬والبحث عن جهاز تليفزيون لتوص==يله ب==ه‪ ،‬وم==ا إلى ذل==ك؛‬

‫‪.‬فغرفتي مزدحمة بما فيه الكفاية‪ ،‬وما من حاجة لجعل برامج مايكروسوفت الكثيرة األعطال تشغل مكان عملي القيِّم‬

‫لكن==ني سأض==حي الليل==ة‪ .‬اس==تغرق االس==تعداد والت==أهب للعم==ل عش==رين دقيق==ة‪ .‬كمن الج==زء األص==عب في ع==دم امتالكي جه==از‬

‫تليفزيون‪ ،‬لكنني تذكرت في النهاية أن لديَّ بروجيكتور صغيرً ا بشاشة إل س==ي دي م==زودة بموص==الت آر س==ي إي==ه تليفزيوني==ة‬
‫قياسية في الخلف‪ .‬قمت بتوصيل جهاز العرض بجهاز «إكس بوكس»‪ ،‬وسلَّ ْط ُته على الجانب الخلفي لباب الغرفة‪ ،‬وثب ُّ‬
‫َّت نظ==ام‬

‫‪«».‬بارانويد لينكس‬

‫وبذلك أكون قد تأهبت للعمل‪ ،‬وبدأ نظام «بارانويد لينكس» في البحث عن أجهزة «إكس بوكس يونيفرسال» أخ==رى ليتواص==ل‬

‫معها‪ .‬كل جه=از «إكس ب=وكس يونيفرس=ال» م=زود بنظ=ام الس=لكي م=دمج للعب الجم=اعي‪ ،‬وب=ذلك يمكن=ك= االتص=ال بجيران=ك‬

‫باستخدام الرابط الالسلكي‪ ،‬وكذلك ب==اإلنترنت إذا ك==ان ل==ديك اتص==ال إن==ترنت الس==لكي‪ .‬ع==ثرت على ثالث==ة ج==يران مختلفين في‬

‫المجال المحيط بي‪ ،‬منهم اثنان يتصل جهازا «إكس بوكس يونيفرسال» الخاصان بهما باإلنترنت‪ .‬يفضل نظام «بارانويد إكس‬

‫بوكس» هذا اإلعداد؛ فبإمكانه استراق بعض من اتصاالت اإلنترنت لدى جيراني‪ ،‬واستخدامها في ال==دخول على اإلن==ترنت من‬

‫خالل شبكة األلعاب‪ .‬ما كان الجيران ليخسروا شي ًئا بسبب استراقي التصالهم ب=اإلنترنت؛ إذ إنهم ي=دفعون س=عرً ا ثاب ًت=ا التص=ال‬

‫‪.‬اإلنترنت‪ ،‬وال يتصفحون في الغالب اإلنترنت في الثانية صباحً ا‬


‫أفضل ما في األمر هو الشعور الذي منحني إياه كل ذلك؛ وهو أنني الممسك بزمام األمور‪ .‬التكنولوجي==ا ال==تي أس==تخدمها تعم==ل‬

‫من أجلي‪ ،‬تخدمني‪ ،‬تحميني‪ ،‬وليست تتجسس عليَّ ؛ له==ذا أحببت التكنولوجي==ا‪ :‬إذا اس==تخدمتها على النح==و الص==حيح‪ ،‬يمكنه==ا أن‬

‫‪.‬تمنحك القوة والخصوصية‬

‫بدأ عقلي يعمل آنذاك بأقصى طاقته‪ ،‬كانت هناك عدة أسباب لتشغيلي نظام «بارانويد إكس ب==وكس»؛ أهمه==ا أن أي أح==د يمكن==ه‬

‫صنع األلعاب له‪ .‬كان هناك بالفعل منف=ذ لمح=اكي أنظم=ة ألع=اب اآلركي=د= المتع=ددة؛ فيتمكن الم=رء فعل ًّي=ا من ممارس=ة أي=ة لعب=ة‬

‫صمِّمت على اإلطالق‪ ،‬بدءًا من ألع=اب ب=ونج وألع=اب أجه=زة أب=ل المنزلي=ة وألع=اب نظم كوليك=وفيجن وألع=اب نظم إن إي إس‬
‫ُ‬

‫‪.‬ودريم كاست وهكذا‬

‫األفضل مما سبق هو كل األلعاب الرائعة متعددة الالعبين التي ُتصمَّم خصوصًا لنظ==ام «بارانوي==د إكس ب==وكس»‪ ،‬وهي ألع==اب‬

‫هواة مجانية يمكن ألي أحد تشغيلها‪ .‬وعند الجمع بين كل ذلك‪ ،‬يصبح لديك نظام ألع==اب مج==اني مليء باأللع==اب المجاني==ة ال==تي‬

‫‪.‬يمكنها منحك وصواًل مجان ًّيا لإلنترنت‬

‫أما األفضل على اإلطالق — بقدر ما يعنيني — فهو أن نظام «بارانويد إكس بوكس» مصاب بجنون االرتياب؛ إذ يشفر ك==ل‬

‫البيانات في الحال‪ ،‬يمكنك= استراقه كما تشاء‪ ،‬لكنك لن تصل أب ًدا إلى هوية المتحدث‪ ،‬أو عمَّا يتحدث‪ ،‬أو م==ع َمن‪ .‬ش==بكة وبري==د‬
‫ُ‬
‫كنت بحاجة إليه‬ ‫‪.‬إلكتروني ومراسالت فورية مجهولة الهوية‪ ،‬وهذا بالضبط ما‬

‫‪.‬كل ما انبغى لي فعله اآلن هو إقناع جميع من أعرفهم باستخدامه‬


‫الفصل السادس‬
‫أهدي هذا الفصل إلى متجر باولز بوكس‪ ،‬مدينة الكتب األسطورية الموجودة في بورتالن==د بوالي==ة أوريج==ون‪ .‬ه=و أك==بر متج==ر‬

‫للكتب في العالم‪ ،‬كيان مترامي األطراف متعدد الطوابق من األرفف الشاهقة ويعبق برائحة الورق‪ ،‬تعلو أرفف==ه الكتب الجدي==دة‬

‫بجوار القديمة — األمر الذي طالما أحببته — وكل مرة عرَّ جت عليه فيها‪ ،‬حوى عد ًدا هائاًل من كتبي‪ ،‬واتس=م الق=ائمون علي=ه‬

‫بالكرم الشديد؛= إذ طالما طلبوا مني التوقيع على أعمالي لديهم‪ .‬الموظف==ون ب==ه ودودون‪ ،‬والكتب مذهل==ة‪ ،‬ه==ذا فض=اًل عن وج==ود‬

‫!منفذ لهم في مطار بورتالند؛= ومن َث َّم فهو أفضل متاجر الكتب بالمطارات في اعتقادي‬

‫***‬

‫ما ال يصدقه عقل أن والديَّ أرغماني على الذهاب إلى المدرسة في اليوم التالي‪ ،‬لم يغلبني النوم العميق إال في الثالث==ة ص==باحً ا‪،‬‬

‫وفي السابعة كان أبي يقف بجوار السرير يهددني بسحبي من كاحليَّ ‪ .‬تمكنت من النهوض — وكانت الرائحة المنبعثة من فمي‬
‫‪.‬قاتلة — والدخول لالستحمام‬

‫جعلت أمي تعطيني قطعة خبز محمص وثمرة موز‪ ،‬وتمنيت بشدة أن يسمح لي والداي بشرب القهوة في المنزل‪ ،‬كان بوس==عي‬
‫ً‬
‫خلسة في طريقي إلى المدرسة‪ ،‬لكن رؤيتهم==ا وهم==ا يرش==فان قهوتهم==ا بينم==ا أج==رُّ في ق==دميَّ بأرج==اء‬ ‫الحصول على كوب منها‬

‫‪.‬المنزل وأنا أرتدي مالبسي‪ ،‬وأضع الكتب في الحقيبة؛ كانت مؤلمة‬

‫سرت إلى المدرسة آالف المرات من قبل‪ ،‬لكن اليوم كان مختل ًفا‪ .‬صعدت التالل ونزلت من عليها وصواًل إلى حي ميشن حيث‬

‫مألت الش=احنات األرج==اء‪ .‬رأيت أجه==زة استش==عار جدي==دة‪ ،‬وك=اميرات لمراقب==ة حرك==ة الم==رور مثبَّت==ة في الكث==ير من عالم=ات‬

‫التوقف‪ ،‬ورأيت أحد األفراد حوله العديد من معدات المراقبة‪ ،‬في انتظار تركيبها مع أول فرصة‪ .‬كان الهجوم على جس==ر ب==اي‬

‫‪.‬هو كل ما يحتاجونه‬

‫أدى كل ذلك إلى جعل المدينة= تبدو أكثر خضو ًعا‪ ،‬مثل أن يكون المرء داخل مِصعد ويشعر باإلحراج بسبب ت==دقيق النظ==ر في==ه‬

‫‪.‬من المجاورين له‪ ،‬والكاميرات المحيطة به من كل مكان‬

‫أعد لي محل القهوة التركي‪ ،‬الواقع في شارع ‪ ،٢٤‬كوبًا من القهوة التركية والذي تحسَّن ب==ه م==زاجي‪ .‬والقه==وة التركي==ة س==ميكة‬

‫مثل الطين؛ فهي سميكة لدرجة تسمح بإيقاف ملعقة فيها‪ ،‬وتحوي قدرً ا من الكافيين أكثر بكثير من المشروبات الخفيفة مثل ريد‬

‫بول‪ .‬ومثلما تذكر موسوعة ويكيبيديا‪ ،‬هكذا تحقق النص==ر على اإلمبراطوري==ة العثماني==ة‪ :‬فرس==ان جُنَّ جن==ونهم ت==زودوا ب==القهوة‬

‫‪.‬الداكنة القوية‬

‫»‪.‬أخرجت بطاقة السحب ألدفع ثمن القهوة‪ ،‬لكن تغير وجه صاحب المحل‪ ،‬وقال‪« :‬لم نعد= نقبل بها‬

‫ماذا؟ لِ َم ؟» اعتدت دفع ثمن القهوة باستخدام هذه البطاقة لسنوات في هذا المحل‪ ،‬وطالما تشاجر معي هذا الرجل مخبرً ا إي==اي«‬

‫أنني صغير ج ًّدا على شرب القهوة‪ ،‬وكان يرفض تق=ديمها لي أثن==اء س=اعات ال==دوام الدراس=ي‪ ،‬القتناع==ه ب==أنني كنت أه=رب من‬

‫‪.‬المدرسة‪ ،‬لكن على مر السنين‪ ،‬تطور بيني وبينه بعض التفاهم‬


‫َّ‬
‫»‪.‬هز رأسه في حزن‪ ،‬وقال‪« :‬لن تفهم‪ .‬اذهب إلى المدرسة يا بني‬
‫ً‬
‫رغبة في الفهم من إخباري أنني لن أفهم‪ .‬تملقته‪ ،‬وطلبت منه أن يخبرني‪ .‬ب=دا علي=ه أن=ه س=يقذف بي‬ ‫ما من وسيلة تجعلني أكثر‬
‫‪.‬إلى الخارج‪ ،‬لكنني عندما سألته ما إذا كان يظن أنني لست ً‬
‫جيدا بشكل كا ٍ‬
‫ف للتسوق بالمحل‪ ،‬أفصح بما يعلمه‬

‫قال وهو ينظر بأنحاء محله الصغير بما يحويه من أحواض البذور والحبوب الجافة‪ ،‬وأرففه المليئة بالبقالة التركية‪« :‬إنه األمن‬

‫… الحكومة تراقبنا جمي ًع= ا اآلن‪ ،‬ورد ذل==ك في الص==حف‪ .‬ص==ادق الك==ونجرس على ق==انون مكافح==ة اإلره==اب الث==اني ب==األمس‪،‬‬

‫وصار بإمكانهم اآلن مراقبة ك=ل م==رة تس=تخدم فيه=ا بطاقت==ك‪ ،‬وأن=ا أرفض ذل==ك‪ ،‬أرفض أن يس=اعدهم محلي في التجس=س على‬

‫»‪.‬عمالئي‬

‫‪.‬فغر فاهي من الدهشة‬

‫لعلك ال ترى في ذلك مشكلة كبيرة‪ ،‬فما المش=كلة في أن تعلم الحكوم=ة بش=رائك للقه=وة؟ ألنه=ا به=ذه الطريق=ة تع=رف أين أنت«‬

‫وأين كنت‪ .‬لماذا تركت تركيا في اعتقادك؟ عندما تعيش في مكان تتجسس فيها الحكومة دائمًا على الناس‪ ،‬ال يكون ذل==ك جي= ً=دا‪.‬‬
‫»‪.‬انتقلت إلى هنا منذ عشرين عامًا ً‬
‫بحثا عن الحرية … ولن أساعدهم في سلبها‬

‫انفجرت قائاًل ‪« :‬ستخسر كثيرً ا من المبيعات‪ ».‬أردت أن أخبره أنه بطل‪ ،‬وأص==افحه‪ ،‬لكن ه==ذه الكلم==ات هي ال==تي خ==رجت من‬

‫»‪.‬فمي‪« .‬فالجميع يستخدمون بطاقات السحب‬

‫لعلهم لن يستخدموها كثيرً ا بعد اآلن‪ ،‬لعل العمالء سيأتون إلى هنا ألنهم يعلمون أنني أحب الحرية أيضً ا‪ .‬إنني أشير بذلك إلى«‬

‫»‪.‬مخرج‪ ،‬ولعل متاجر أخرى ستتبع نهجي‪ .‬لقد تنامى إلى سمعي أن االتحاد األمريكي للحريات المدنية سيقاضيهم لما يفعلونه‬

‫قلت وأنا أعني ما أقوله‪« :‬لن أتعامل مع أحد سواك من اآلن فصاع ًدا‪ ».‬ووضعت يدي في جي==بي‪ ،‬وقلت‪« :‬لكن==ني ال أمل==ك أي‬

‫»‪.‬أموال سائلة‬

‫»‪.‬ز َّم شفتيه‪ ،‬وأومأ برأسه‪ ،‬ثم قال‪« :‬هذا ما يقوله كثيرون‪ ،‬ال بأس‪ ،‬فلتعطِ ثمن قهوة اليوم لالتحاد األمريكي للحريات المدنية‬
‫ً‬
‫حديثا أطول من أي حديث آخر دار بيننا منذ مجيئي لهذا المحل‪ .‬لم تكن‬ ‫وفي غضون دقيقتين‪ ،‬كنت قد تبادلت مع البائع التركي‬

‫لدي أدنى فكرة أنه ي ِّك ن كل هذه المشاعر‪ ،‬واقتصرت نظرتي له على أنه تاجر الكافيين الودود في الحي‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فقد صافحته‬

‫‪.‬وعندما غادرت المحل‪ ،‬شعرت بأننا قد ش َّكلنا فري ًقا م ًعا … فري ًقا سر ًّيا‬

‫•••‬

‫تغيبت عن المدرسة يومين‪ ،‬لكن يبدو أنه لم يفُتني الكثير من الدروس؛ فقد أغلقت المدرسة أبوابها في أحد ه==ذين الي==ومين أثن==اء‬

‫ص=ص للح==داد على َمن فُقِ==دوا ومن اع ُتقِ==د أنهم لق==وا‬


‫محاولة المدينة استرداد أحوالها الطبيعية‪ .‬أما اليوم التالي‪ ،‬فيب==دو أن==ه ق==د ُخ ِّ‬

‫حتفهم‪ .‬نشرت الصحف السير الذاتية للمفقودين‪ ،‬وبيانات تذكارية شخص==ية عنهم‪ .‬زخ=ر اإلن==ترنت بال َّنعاي==ا المختص==رة‪ ،‬اآلالف‬

‫‪.‬منها‬
‫ُحر ج في األمر أنني كنت أحد هؤالء المنعيين‪ .‬خطوت إلى داخل فناء المدرسة دون أن أعرف ذلك‪ ،‬ثم سمعت صياحً ا وبعد‬
‫الم ِ‬
‫لحظات كان قد التف حولي المئات‪ ،‬يربتون على ظهري بقوة‪ ،‬ويصافحونني‪ ،‬بل وقبَّلتني فتاتان ال أعرفهم=ا‪ ،‬وك=انت أك=ثر من‬

‫‪.‬قبالت ودودة فحسب؛ شعرت بأنني نجم روك شهير‬

‫انطبق الحال على معلميَّ إلى حد كب==ير؛ فبكت الس==يدة ج=الفيس بق==در م==ا بكت أمي‪ ،‬واحتض==نتني ثالث م==رات قب==ل أن تترك==ني‬

‫ألذهب إلى مقعدي وأجلس عليه‪ .‬كان هناك شيء جديد في مقدمة الفصل‪ ،‬إنها كاميرا‪ .‬لمحتني السيدة جالفيس وأنا أحدق فيه==ا‪،‬‬

‫‪.‬فأعطتني ورقة إذن مطبوعة على إحدى أوراق المدرسة المُصوَّ رة‬

‫كان مجلس سان فرانسيسكو لقطاع المدارس الموحدة قد عقد جلسة طارئة في نهاي==ة األس==بوع‪ ،‬واتف==ق بإجم==اع األص==وات على‬

‫طلب إذن من وال َدي كل طفل في المدينة لوضع كاميرات دوائر تليفزيوني==ة مغلق==ة في ك==ل فص==ل وك==ل رواق بالمدرس==ة‪ .‬ينص‬

‫الق=انون على ع==دم إرغامن==ا على ال==ذهاب إلى الم==دارس وق==د مألته==ا الك==اميرات في ك==ل مك==ان‪ ،‬لكن==ه ال ي==ذكر أي ش=يء بش=أن‬

‫«تطوعنا» للتخلي عن حقوقنا الدستورية‪ .‬ذكر الخطاب أن المجلس لديه ثقة في أنه سيحصل على موافقة كامل==ة من اآلب==اء في‬

‫المدينة‪ ،‬لكنه سيعد الترتيبات لتعليم الطلبة الذين يعترض والداهم على ذلك في مجموعة منفصلة من الفصول «غ==ير الخاض==عة‬

‫‪».‬للحماية‬

‫لماذا توجد كاميرات في فصولنا اآلن؟ اإلرهابيون … بالطبع؛ فتفجير اإلرهابيين ألح==د الجس==ور تلميح ب==أن الم==دارس س==تكون‬

‫‪.‬هي الهدف التالي‪ .‬كانت هذه النتيجة التي توصل إليها المجلس على أية حال‬

‫‪.‬قرأت هذه المذكرة ثالث مرات‪ ،‬ثم رفعت يدي‬

‫»‪.‬نعم يا ماركوس«‬

‫»… سيدة جالفيس … بشأن هذه المذكرة«‬

‫»‪.‬نعم يا ماركوس«‬

‫»أليس الهدف من اإلرهاب هو بث الرعب في نفوسنا؟ لهذا يُسمَّى إرهابًا‪ ،‬أليس كذلك؟«‬

‫أعتقد ذلك‪ ».‬حدق الطلبة فيَّ ‪ .‬لم أكن أفضل طالب المدرس==ة‪ ،‬لكن==ني كنت أحب المناقش==ات الجي==دة داخ==ل الفص==ل‪ ،‬ف==انتظروا«‬

‫‪.‬سماع ما كنت سأقوله بعد ذلك‬

‫إذن‪ ،‬ألسنا ننفذ ما يريده م َّن ا اإلرهابيون؟ أال يكون النصر لهم إذا فزعنا‪ ،‬ووضعنا كاميرات في الفص==ول المدرس==ية‪ ،‬وم=ا إلى«‬

‫»ذلك؟‬

‫‪.‬سمعت بعض الضحكات الفاترة العصبية‪ .‬رفع طالب آخر يده‪ ،‬وكان تشارلز‪ .‬سمحت له السيدة جالفيس بالحديث‬

‫»‪.‬وضع الكاميرات في الفصول يؤمننا‪ ،‬األمر الذي يقلل من شعورنا بالخوف«‬

‫»سألته — دون االنتظار بالسماح لي بالحديث‪« :‬يؤمننا من ماذا؟‬

‫‪.‬فأجاب‪« :‬من اإلرهاب‪ ».‬وأومأ اآلخرون برءوسهم‬


‫»… وكيف يكون ذلك؟ إذا اندفع مفجِّ ر انتحاري إلى هنا‪ ،‬وفجرنا جميعً ا«‬

‫»… يا سيدة جالفيس‪ ،‬إن ماركوس ينتهك سياسة المدرسة‪ .‬ليس من المفترض أن نمزح بشأن الهجمات اإلرهابية«‬

‫» َمن الذي يمزح؟«‬


‫قالت السيدة جالفيس‪« :‬شكرً ا لكما‪ ».‬بدت غير سعيدة على اإلطالق‪ .‬شعرْ ُ‬
‫ت باألسف لفرض سيطرتي على فصلها‪« .‬أرى هذه‬

‫المناقشة مثيرة ح ًّق ا‪ ،‬لكنني أود تأجيلها إلحدى الحصص المستقبلية‪ ،‬فأظن أن هذه األمور مثيرة لالنفعال ج = ًّدا بدرج==ة ال تس==مح‬

‫»لنا بمناقشتها اليوم‪ .‬واآلن‪ ،‬لنعد إلى المنادين بحق المرأة في االقتراع‪ ،‬أيمكننا ذلك؟‬

‫ومن ثم‪ ،‬قضينا ما تبقى من الساعة في التحدث عن المنادين بحق الم==رأة في االق==تراع‪ ،‬وم==ا ابتك==روه من اس==تراتيجيات ض==غط‬

‫جديدة إليصال أربع سيدات إلى كل عضو من أعضاء الكونجرس‪ ،‬والضغط علي=ه بإخب==اره م==ا سيص=ير بمس==تقبله السياس=ي إذا‬

‫استمر في إنكاره حق المرأة في االقتراع‪ .‬كان ذلك‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬ما أحببته ح ًّقا‪ :‬أفراد ضعفاء يج=برون الكب==ار األقوي=اء على‬

‫الصدق‪ .‬لكنني لم أستطع التركيز في ذلك اليوم‪ ،‬ال بد أن السبب هو غياب داريل‪ .‬أحب كالنا الدراسات االجتماعية‪ ،‬كنا نخرج‬

‫ثوان من جلوسنا لنتحدث معً ا عن الدرس‬


‫ٍ‬ ‫‪.‬جهازي الكمبيوتر المدرسي المحمول ونتواصل عبر الرسائل الفورية بعد‬

‫نسخت عشرين قرصً ا لنظام «بارانويد إكس ب==وكس» الليل==ة الماض==ية‪ ،‬وجلبته==ا كله==ا في حقيب==تي‪ .‬وزعته==ا على من كنت أعلم‬

‫أنهم يعشقون األلعاب ح ًّقا‪ .‬امتلك جميعهم جهاز «إكس بوكس يونيفرسال» أو اث==نين الع==ام الماض==ي‪ ،‬بي=د= أن أغلبهم توق==ف عن‬

‫استخدامه؛ فاأللعاب باهظة التكلفة وليست على درجة كبيرة من المتع=ة‪ .‬كلمتهم على انف=راد بين الحص=ص‪ ،‬وفي ف=ترة الغ=داء‪،‬‬

‫وفي قاعة الدراسة‪ ،‬وتغنينا بمزايا ألعاب «بارانويد إكس بوكس»؛ فهي ألعاب اجتماعية مجاني==ة ممتع==ة يس==هل إدمانه==ا‪ ،‬يلعبه==ا‬

‫‪.‬الكثير من األفراد الرائعين بجميع أنحاء العالم‬

‫إن التخلي عن شيء ما لبيع آخر هو ما يُطلَق عليه «صفقة شفرات الحالقة»؛ إذ تمنحك ش==ركات مث==ل جيليت ماكين==ات حالق==ة‬

‫مجا ًنا‪ ،‬ثم تخدعك بتحميلك تكلفة شراء الشفرات‪ .‬وخراطيش الطابعات أس==وأ من ذل==ك؛ ف==أغلى أن==واع الش==امبانيا في الع==الم ُت َع==د‬

‫قورنت بحبر الطابعات القاذفة للحبر الذي يكلف الكثير حتى تحصل عليه‬
‫‪.‬رخيصة إذا ما ِ‬
‫تعتمد صفقات شفرات الحالقة على عجز المستهلك عن الحصول على الشفرات من جهة أخرى‪ ،‬فإذا كان بإمك=ان جيليت ج=ني‬

‫تسعة دوالرات من شفرات قابلة لالستبدال يبلغ سعرها عشرة دوالرات‪ ،‬فلماذا ُتقام شركة منافس==ة لج==ني أربع==ة دوالرات فق==ط‬

‫‪.‬من بيع شفرة مماثلة‪ ،‬إن هامش الربح البالغ ‪ ٨٠‬بالمائة هو ما يبهر أي رجل أعمال ويثيره‬

‫لذا‪ ،‬تبذل الشركات التي تمارس ه==ذا األس=لوب في العم=ل — مث==ل مايكروس=وفت — جه= ًدا كب==يرً ا لجع==ل المنافس==ة معه==ا على‬

‫«الشفرات» صعبة و‪/‬أو غير قانونية‪ .‬وفي حالة مايكروسوفت‪ ،‬ينطوي كل جهاز «إكس بوكس» على إجراءات مض=ادة لمن=ع‬

‫‪».‬المستخدم من تشغيل برامج أصدرتها جهات لم تدفع أموااًل لمايكروسوفت مقابل حق بيع برامج «إكس بوكس‬

‫من قابلتهم لم يهتموا كثيرً ا بهذا األمر‪ ،‬وابتهجوا عندما أخبرتهم أن األلعاب غير خاضعة للرقابة؛ فأية لعبة على اإلنترنت حال ًّيا‬

‫مليئة بكافة صور األمور البغيض==ة‪ .‬أواًل ‪ :‬هن==اك المنحرف==ون جنس= ًّيا ال==ذين يح==اولون إخراج==ك من منزل==ك لمك==ان بعي==د لتص==ير‬
‫ضحيتهم كما في فيلم «صمت الحِمالن»‪ ،‬وهناك أي ً‬
‫ضا رج==ال الش==رطة ال==ذين يتظ==اهرون بالس==ذاجة لإليق==اع ب==المنحرفين‪ .‬لكن‬

‫األسوأ هم المراقبون الذين يقضون أغلب وقتهم في التجس=س على المحادث=ات ال=تي نجريه=ا‪ ،‬ويبلغ=ون عن=ا النتهاكن=ا «ش=روط‬

‫الخدمة» التي تنص على عدم المغازلة أو السباب أو استخدام «لغ==ة ص=ريحة أو ض==منية تش==ير على نح==و مهين إلى أي ج=انب‬

‫»‪.‬يتعلق بالجنس أو التوجه الجنسي‬


‫لست بالشخص المُثار جنس ًّيا دومًا‪ ،‬لكنني شاب في السابعة عشرة أي ً‬
‫ضا من عم==ري والجنس موض==وع يط==رأ على أي==ة محادث==ة‬

‫من حين آلخر‪ ،‬لكنه إذا طرأ على محادثة أثناء اللعب‪ ،‬فليساعدك الرب‪ ،‬إنه يخرب كل شيء‪ .‬ال تخضع ألعاب «بارانويد إكس‬

‫‪.‬بوكس» للرقابة ألنها ال تدار بواسطة شركة؛ فهي ليست سوى ألعاب صممها قراصنة الكمبيوتر من أجلها ذاتها‬

‫ومن ثم راقت الفكرة لهؤالء الشباب العاشقين لأللعاب‪ ،‬تهافتوا على األقراص‪ ،‬ووعدوني بإعداد نسخ منها ألصدقائهم؛ فالمتعة‬

‫‪.‬األكبر من األلعاب تكون عند لعبها مع األصدقاء‬

‫وعند عودتي للمنزل‪ ،‬قرأت أن مجموعة من اآلب=اء ق=د قاض=وا مجلس إدارة المدرس=ة بس=بب ك=اميرات المراقب=ة في الفص=ول‪،‬‬

‫‪.‬لكنهم فشلوا في محاولة الحصول على إنذار قضائي مبدئي ضده‬

‫•••‬

‫ال أعلم من ابتكر مصطلح «إكس نت» (الشبكة الموسعة)‪ ،‬لكنه صار شائ ًعا؛ ففي المواصالت العام==ة‪ ،‬تس==مع الن==اس يتح==دثون‬

‫عنه‪ .‬اتصلت بي فان لتسألني عما إذا كنت قد سمعت به‪ ،‬وكدت أختنق عند اكتشافي ما كانت تتح=دث عن=ه؛ إن األق=راص ال=تي‬

‫بدأت توزيعها األسبوع الماضي قد ُتنوقِلت و ُنسِ خت ح==تى وص==لت إلى أوكالن==د في خالل أس==بوعين‪ .‬جعل==ني ذل==ك الخ==بر أتلفت‬

‫‪.‬حولي كما لو كنت قد خرقت قانو ًنا ما‪ ،‬ووزارة األمن الوطني ستأتي العتقالي لألبد‬

‫مرت األسابيع عصيبة‪ .‬كانت محطات بارت قد توقفت تمامً=ا عن الحص=ول على األج=رة نق= ًدا‪ ،‬وتح=ولت إلى البطاق=ات «غ=ير‬

‫التالمسية» التي تعمل بتقنية تحديد الهوية باستخدام الموجات الالسلكية‪ ،‬والتي يلوح بها المستخدم عن==د ماكين==ات بواب==ة العب==ور‬

‫الدوَّ ارة للدخول‪ .‬كانت رائعة ومريحة‪ ،‬لكن في كل مرة أستخدمها‪ ،‬أفكر في خض==وعي للمراقب==ة‪ .‬نش==ر ش==خص م==ا على ش==بكة‬
‫ً‬
‫رابطا لتقرير صادر عن مؤسسة الحدود اإللكتروني==ة ح==ول الط==رق ال==تي يمكن اس==تخدام مث==ل ه==ذه البطاق==ات به==ا‬ ‫«إكس نت»‬

‫‪.‬لتعقب الناس‪ ،‬وتضمَّن التقرير قصصً ا مختصرة عن بعض الجماعات الصغيرة التي تظاهرت في محطات بارت‬

‫صرت أستخدم شبكة «إكس نت» في كل شيء تقريبًا‪ ،‬فأنشأت عن==وان بري==د إلك=تروني مزي ًف=ا من خالل «ح=زب القراص=نة»‪،‬‬

‫وهو حزب سياسي سويدي يمقت الرقابة على اإلنترنت‪ ،‬ويعد بالمحافظة على سرية حسابات البري==د من الجمي==ع‪ ،‬بم==ا في ذل==ك‬

‫الشرطة‪ .‬دخلت عليه حصر ًّيا عبر شبكة «إكس نت»‪ ،‬متنقاًل من اتصال إنترنت لجار لآلخ=ر‪ ،‬م==ع الحف=اظ على س=رية هوي==تي‬

‫— أو هكذا تمنيت — إلى أن وصلت إلى السويد‪ .‬لم أعد أستخدم اسم «وينس==تون»؛ ف==إذا ك==ان بينس==ان ق==د تمكن من اكتش==افه‪،‬‬

‫يمكن ألي أحد فعل ذلك‪ .‬كان اسمي المستعار الجديد الذي ارتجلته هو «مايكي»‪ .‬وصلني الكثير من رسائل البريد اإللك==تروني‬
‫من أشخاص س==معوا في غ==رف المحادث==ة ومنت==ديات الرس==ائل أن بوس==عي مس==اعدتهم في استكش==اف األخط==اء بعملي==ات التهيئ=ة=‬

‫‪.‬واالتصاالت على شبكة «إكس نت» وإصالحها‬

‫افتقدت لعبة «هاراجوكو فان مادنس»‪ ،‬فقد علَّقت الشركة اللعبة ألجل غير مُس ًّمى‪ ،‬وقالت إنها ت=رى — ألس=باب أمني=ة — أن‬

‫إخفاء أشياء‪ ،‬ثم إرسال أفراد للبحث عنها‪ ،‬ليس بالفكرة الجيدة‪ .‬ماذا إذا ظن أحدهم أنها قنبلة؟ م=اذا إذا وض=ع ش=خص م=ا قنبل=ة‬

‫في المكان ذاته؟‬

‫!ماذا إذا أصابني البرق أثناء السير ممس ًك ا بمظلة؟ لنحظر استخدام المظالت إذن! ونهاجم تهديدات البرق‬

‫واصلت استخدام الكمبيوتر المحمول‪ ،‬رغم إصابتي بقشعريرة في بدني في كل مرة أستخدمه فيه==ا‪ .‬أ ًّي==ا ك==ان من يتنص==ت علي==ه‬

‫سيتساءل عن سبب عدم استخدامي له‪ ،‬فتوصلت إلى أن أجري بعض التصفح العشوائي عليه كل يوم‪ ،‬مع تقليل مقدار تصفحي‬

‫يوم ًّيا‪ ،‬ليظن بذلك من كان يراقبني بأنني أغيِّر من عاداتي ت==دريج ًّيا‪ ،‬وليس على نح==و مف==اجئ‪ .‬وك==ان م==ا أفعل==ه في الغ==الب ه==و‬

‫‪.‬قراءة النعايا المروعة التي ُنشِ رت على اإلنترنت … اآلالف من أصدقائي وجيراني لقوا حتفهم في قاع الخليج‬

‫والحقيقة هي أن ما كنت أؤديه من واجبات مدرسية أخذ يقل بالفعل شي ًئا فشي ًئا بمرور األيام؛ إذ كان لدي عمل في مك==ان آخ==ر‪.‬‬
‫كنت أعد ً‬
‫نسخا جديدة من «بارانويد إكس بوكس» كل يوم‪ ،‬نحو خمسين أو ستين‪ ،‬وأوزعها على ناس في المدينة= وق==د س==معت‬

‫‪.‬برغبتهم في إعداد ستين نسخة بأنفسهم وتوزيعها على أصدقائهم‬

‫لم أقلق كثيرً ا بشأن القبض عليَّ لفعل ذلك؛ إذ كان يحميني قدر جي=د من التش=فير‪ ،‬والتش=فير يع=ني «الكتاب=ة الس=رية»‪ ،‬ويرج==ع‬

‫تاريخه إلى العصر الروماني (باألصح كان أغسطس قيصر مناصرً ا قو ًّيا للتشفير‪ ،‬وأحب ابتك==ار ش==فرات خاص==ة ب==ه‪ ،‬بعض==ها‬

‫‪.‬نستخدمه حال ًّيا في تشفير جوهر ال ِّنكات في البريد اإللكتروني)‬

‫والتشفير نوع من العمليات الرياضية … نوع معقد‪ .‬لن أحاول شرحه بالتفصيل؛ ألنه ليس ل==ديَّ من المعرف==ة ب==ه م==ا يس==مح لي‬

‫‪.‬بفهمه جي ًدا؛ لذا يمكنك تصفح موسوعة ويكيبيديا إذا أردت معرفته ح ًّقا‬

‫لكن فيما يلي تعريف التشفير في سلسلة أدل==ة «كليفس ن==وتس» الدراس==ية‪ :‬بعض العملي==ات الرياض==ية يس==هل تنفي==ذها للغاي==ة في‬

‫اتجاه واحد‪ ،‬في حين يصعب للغاية تنفيذها في االتجاه المغاير؛ فيسهل ضرب عددين أوليَّين والتوصل إلى عدد ضخم‪ ،‬لكن من‬

‫‪.‬الصعوبة بمكان معرفة العددين= األوليَّين اللذين ض ُِربا للحصول على عدد محدد ضخم‬

‫ويعني ذلك أنه إذا كان بإمكانك الوصول إلى طريقة لتشفير شيء ما بضرب أعداد أولية كب==يرة في بعض==ها البعض‪ ،‬يك==ون من‬

‫الصعب فك شفرته دون معرفة هذه األعداد األولية … هذا صعب للغاية؛ بمع==نى أن تريلي==ون ع==ام من العم==ل المتواص==ل لك==ل‬

‫‪.‬أجهزة الكمبيوتر التي اخ ُت ِرعت على اإلطالق لن يمكنها فعل ذلك‬

‫تشتمل أية رسالة مُش َّفرة على أربعة أج==زاء‪ :‬الرس==الة األص==لية‪ ،‬و ُتس=مَّى «النص غ==ير المش=فر»؛ والرس==الة المُش= َّفرة‪ ،‬و ُتس=مَّى‬

‫«النص المُش َّفر»؛ ونظام التشفير‪ ،‬ويُس َمى «الشفرة»‪ .‬وأخيرً ا‪ ،‬المفتاح‪ ،‬وهو األشياء السرية التي تضعها في الشفرة م==ع النص‬

‫‪.‬غير المشفر إلنشاء النص المُش َّفر‬


‫هذا وقد جرت العادة أن يح=اول واض==عو الش=فرة ع==دم إطالع أي ش=خص على ك==ل ذل=ك‪ .‬تمتل=ك ك==ل هيئ==ة وحكوم==ة الش=فرات‬

‫والمفاتيح الخاصة بها‪ .‬النازيون والحلفاء لم يرغبوا في أن يعرف الطرف اآلخر كيفية تشفيرهم لرسائلهم‪ ،‬ناهي==ك عن المف==اتيح‬

‫التي يمكن استخدامها في ف ِّكها‪ .‬تبدو هذه فكرة جيدة‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫‪.‬خطأ‬

‫في المرة األولى التي سمعت فيها عن هذا النوع من تحليل العوامل األولية هذه‪ ،‬قلت على الفور‪« :‬كال‪ ،‬بالطبع هذا هراء‪ .‬كان‬
‫ما عنيته هو أنه من الصعب بالتأكيد إجراء مثل هذا التحليل‪ ،‬بغض النظ==ر عن نوع==ه‪ .‬بي=د= أن==ه ك==ان من المس==تحيل ً‬
‫أيض=ا على‬

‫اإلنسان الطيران‪ ،‬أو الصعود للقمر‪ ،‬أو امتالك محرك أقراص صلبة يسع ألكثر من عدد قليل من وحدات الكيلوبايت‪ .‬ال بد أن‬

‫ك شفرة هذه الرسائل‪ ».‬وتخيلت جباًل مجو ًفا ملي ًئا بعلم==اء الرياض==يات الت==ابعين لوكال==ة األمن‬
‫شخصً ا ما قد توصل إلى وسيلة لف ِّ‬

‫‪.‬القومي وهم يقرءون كل رسالة بريد إلكتروني في العالم ويضحكون ضحكات خافتة‬

‫في الواقع‪ ،‬كان هذا ما حدث إبَّان الحرب العالمية الثانية؛ ولذلك‪ ،‬ال تشبه الحياة كثيرً ا لعبة «قلعة ولفنشتاين» التي قضيت أيامًا‬

‫‪.‬أطارد فيها النازيين‬

‫الفكرة هي أن الشفرات يصعب الحف=اظ على س=ريتها؛ فهي تنط=وي على الكث=ير من العملي=ات الرياض==ية‪ ،‬وإذا اس= ُتخدِمت على‬
‫نطاق واسع‪ ،‬فعلى كل من يستخدمها أن يحافظ على س==ريتها ً‬
‫أيض=ا‪ .‬وإذا غيَّر أح==د موقف==ه‪ ،‬فس==يكون علي==ك العث==ور على ش==فرة‬

‫‪.‬جديدة‬

‫أُطلِق على شفرة النازيين اسم «إنيجما»‪ ،‬وقد استخدموا كمبيوتر ميكانيك ًّيا صغيرً ا يُس=مَّى جه=از إنيجم==ا لتش==فير الرس==ائل وف= ِّ‬
‫ك‬

‫شفرتها‪ .‬واحتاجت كل غواصة وسفينة ومحطة واح ًدا من هذه األجه=زة؛ ومن ثم ك=ان من الحتمي أن يض=ع الحلف=اء في النهاي=ة‬

‫‪.‬أيديهم على أحدها‬

‫وعندما فعلوا ذلك‪ ،‬ف َّك وا شفرة الجهاز‪ .‬قاد ذلك العمل بطلي األول على اإلطالق — وهو رج==ل ُي==د َعى آالن ت==ورينج — ال==ذي‬

‫يرجع له الفضل إلى حد كبير في اختراع الكمبيوتر كما نعرفه اليوم‪ .‬لكن لسوء حظه‪ ،‬كان مثل ًّيا؛ لذا‪ ،‬بعد أن وض==عت الح==رب‬

‫أوزارها‪ ،‬أجبرته الحكومة البريطانية الغبية على أن يُح َقن بهرمونات من أجل «عالجه» من المثليَّة‪ ،‬ثم انتحر‪ .‬أه==داني داري==ل‬

‫سيرة تورينج الذاتية في عيد ميالدي الرابع عشر — وكانت مغلفة في عش=رين طبق==ة من ال==ورق وموض==وعة في لعب==ة س==يارة‬

‫‪.‬الرجل الوطواط‪ ،‬كعادته مع الهدايا — وصرت عاش ًقا لتورينج منذ ذلك الحين‬

‫وبذلك‪ ،‬امتلك الحلفاء جهاز إنيجما‪ ،‬وصار بإمكانهم اعتراض سبيل الكثير من رسائل الن==ازيين الالس==لكية‪ ،‬األم==ر ال==ذي لم يكن‬

‫‪.‬مه ًّم ا؛ إذ إن كل قائد لديه مفتاح سري خاص به‪ .‬ولما كان الحلفاء ال يمتلكون أي مفاتيح‪ ،‬لم يكن امتالك الجهاز ليفيدهم‬

‫توص=ل إلى أن علم==اء التش==فير‬


‫َّ‬ ‫وهنا تعترض السرية التشفير‪ ،‬فقد كانت شفرة إنيجما معيبة‪ =.‬وما إن فحصها تورينج جي ًدا ح==تى‬

‫النازيين قد ارتكبوا خطأ ً رياض ًّيا‪ .‬وبالحصول على جهاز إنيجم=ا‪ ،‬تمكن ت=ورينج من التوص=ل إلى كيفي=ة ف=ك ش=فرة أي=ة رس=الة‬

‫‪.‬نازية‪ ،‬بغض النظر عن المفتاح الذي تستخدمه‬


‫كلَّف ذل==ك الن==ازيين الح==رب‪ .‬وأع==ني أن تل==ك أخب==ار جي==دة‪ ،‬ال ُت ِس =ئْ فهمي‪ .‬لتأخ==ذها كلم==ة من العب محن==ك في لعب==ة «قلع==ة‬

‫‪.‬ولفنشتاين»؛ فأنت لن ترغب في أن يحكم النازيون هذا البلد‬

‫وبعد الحرب‪ ،‬قضى علماء التشفير وق ًت==ا ط==وياًل يفك==رون في ذل==ك‪ .‬ك==انت المش==كلة أن ت==ورينج أك==ثر ذك==ا ًء ممن اخ==ترع جه==از‬

‫‪«.‬إنيجما»‪ .‬فعند وضع شفرة ما‪ ،‬يكون هناك شخص أكثر ذكا ًء يتوصل إلى وسيلة لفكها‬

‫وكلما أطالوا التفكير في ذلك‪ ،‬أدركوا أن أي أحد يمكنه التوصل إلى نظام أمني ال يسعه التوصل إلى كيفي==ة خرق==ه‪ .‬لكن م==ا من‬

‫‪.‬أحد يمكنه التوصل إلى ما قد يفعله شخص أكثر ذكا ًء‬

‫هذا وينبغي لك نشر الشفرة لتعلم ما إذا كانت تعمل أم ال‪ ،‬وعليك إخبار أكبر ع=دد= ممكن من الن==اس بكيفي=ة عمله==ا ليتمكن=وا من‬

‫‪.‬فعل كل ما بوسعهم الختبار مدى أمنها‪ .‬وكلما مضى وقت دون أن يعثر أحد على عيب فيها‪ ،‬كنت أكثر أما ًنا‬

‫وهذا ما يفي=د حال ًّي=ا‪ .‬إذا أردت أن تك=ون آم ًن=ا‪ ،‬فيجب أال تس=تخدم ش=فرة ف َّكر فيه=ا عبق=ري م=ا األس=بوع الماض=ي‪ ،‬وإنم=ا علي=ك‬

‫استخدام ما ظ==ل الن==اس يس==تخدمونه ألط==ول ف==ترة ممكن==ة دون أن يتوص==ل أح==د إلى كيفي==ة اختراق==ه‪ .‬وس==واء أكنت مص==ر ًفا‪ ،‬أم‬

‫‪.‬إرهاب ًّيا‪ ،‬أم حكومة‪ ،‬أم مراه ًقا‪ ،‬فإنك تستخدم الشفرات ذاتها‬

‫إذا حاولت استخدام شفرتك الخاصة‪ ،‬فثمة احتمال أن يتوصل أحد ما إلى عيب أغفلته‪ ،‬وسيفعل كما فعل ت==ورينج من خالل ف==ك‬

‫‪.‬شفرة جميع رسائلك «السرية»‪ ،‬والضحك بينه وبين نفسه على ما تفعله من نميمة ساذجة ومعامالت مالية وأسرار عسكرية‬

‫‪.‬ومن ثم‪ ،‬علمت أن التشفير سيحميني من المتطفلين‪ ،‬لكنني لم أكن مستع ًّدا بعد للتعامل مع المدرجات اإلحصائية التكرارية‬

‫•••‬

‫=دوارة أثن=اء ت=وجهي إلى محط=ة ش=ارع ‪.٢٤‬‬


‫نزلت من أح==د قط=ارات محط==ة ب=ارت‪ ،‬ول=وحت ببط=اقتي على ماكين==ة العب=ور ال= َّ‬
‫وكالمعتاد‪ ،‬امتألت المحطة بغريبي األطوار‪ ،‬والسكارى‪ ،‬وبعض المتعص==بين دين ًّي==ا‪ ،‬ورج==ال مكس==يكيين= مت==وترين يح==دقون في‬

‫األرض‪ ،‬وبعض شباب العصابات‪ .‬أشحت بوجهي بعي ًدا عنهم عند وصولي إلى الساللم‪ ،‬وص=عدت إلى الس=طح‪ .‬ك=انت حقيب=تي‬

‫فارغة اآلن بعد توزيعي ألقراص «بارانويد إكس بوكس»؛ ما خفف الحم=ل عن كتفيَّ ‪ ،‬وأس=رع من خط=اي عن=د خ=روجي إلى‬

‫‪.‬الشارع‪ .‬كان المبشرون ال يزالون يمارسون عملهم‪ ،‬ينصحون الناس باإلسبانية واإلنجليزية عن يسوع وما إلى ذلك‬

‫اختفى بائعو نظارات الشمس المقلدة‪ ،‬لكن ح َّل محلهم أفراد يبيعون= كالبًا آلية تغني النش==يد الوط==ني‪ ،‬وبإمكانه==ا رف==ع أرجله==ا إذا‬

‫أظهرت لها صورة أسامة بن الدن‪ .‬ال بد أن شي ًئا رائ ًعا كان يجري في عقولها الص==غيرة‪ ،‬وعق==دت الع==زم بي==ني وبين نفس==ي أن‬
‫ً‬
‫جديدا للغاية في األلعاب‪ ،‬وقد انتق==ل م==ؤخرً ا فق==ط من الجه==ات‬ ‫أشتري بعضها وأفككها فيما بعد‪ =.‬كان التعرف على الوجوه أمرً ا‬

‫‪.‬العسكرية إلى نوادي القمار لكشف عمليات الغش … لتنفيذ القانون‬

‫بدأت السير في شارع ‪ ٢٤‬نحو حي بتريرو هي==ل والم==نزل‪ ،‬كتف==اي مائلت==ان‪ ،‬وأنفي تش==م رائح==ة البوريت==و تنبعث من المط==اعم‪،‬‬

‫‪.‬وعقلي يفكر في العشاء‬


‫ال أعلم ما الذي جعلني ألقي نظرة خاطفة خلفي‪ ،‬لكنني فعلت‪ ،‬لعله شيء يتعلق بالحاسة السادسة المتعلقة ب==الالوعي‪ .‬لق==د علمت‬

‫‪.‬أن هناك من يتتبعني‬

‫رأيت رجلين يتمتعان ببشرة بيضاء وبنيان قوي وشوارب خفيفة جعلتني أشعر أنهما إم=ا ش=رطيان أو مثليَّان يمارس=ان رياض==ة‬
‫ً‬
‫وهبوطا في حي كاسترو‪ ،‬بي=د= أن المثليِّين يقص==ون ش==عرهم ع==اد ًة على نح==و أفض==ل‪ .‬ارت==ديا س==ترتين‬ ‫ركوب الدراجات صعو ًدا‬

‫قصيرتين مضادتين للمطر بلون اإلسمنت القديم‪ ،‬وسراويل من جينز أزرق‪ ،‬مع اختفاء الح==زامين‪ .‬فك==رت في ك==ل ش==يء يمكن‬

‫أن يضعه شرطي في حزامه‪ ،‬متذكرً ا الحزام متعدد= االستخدامات الذي كان يرتديه رجل وزارة األمن الوطني في الشاحنة‪ .‬وقد‬

‫‪.‬ارتدى كالهما سماعات رأس بلوتوث‬

‫واصلت المسير‪ ،‬وقلبي ينتفض بين ضلوعي‪ .‬توقعت ذلك منذ= ش==رعت فيم==ا أفعل==ه‪ .‬ت==وقعت من وزارة األمن الوط==ني اكتش==اف‬

‫أمري‪ .‬اتخذت جميع االحتياطات‪ ،‬لكن السيدة ذات الشعر القصير أخبرتني أنها ستراقبني‪ ،‬وأنني شخص مش==بوه‪ .‬أدركت أن==ني‬

‫في انتظار إلقاء القبض عليَّ والزج بي في السجن‪ .‬ولِ َم ال؟ لماذا يكون داريل في السجن‪ ،‬وأنا ال؟ ما الذي أوصلت نفسي إلي==ه؟‬

‫‪.‬إنني لم أملك الشجاعة إلخبار والديَّ — أو والديه — بما حدث لنا ح ًّقا‬

‫أسرعت الخطى‪ ،‬وأخذت أفكر‪ .‬م=ا من ش=يء ي=دينني= قانو ًن==ا في حقيب=تي … إلى ح=د م=ا على أي==ة ح=ال؛ ف=الكمبيوتر المدرس=ي‬

‫المحمول عليه برنامج االختراق الذي يسمح لي بإجراء المراسالت الفوري==ة وم==ا إلى ذل==ك‪ ،‬لكن نص==ف طالب المدرس==ة ل==ديهم‬

‫البرنامج نفسه‪ .‬هذا وقد غيرت كيفية تشفير األشياء الموجودة على هاتفي؛ فصار لدي اآلن بالفعل قسم مزي==ف يمكن أن أحول==ه‬

‫إلى نص غير مشفر بكلمة مرور واحدة‪ ،‬لكن كل األمور المهمة مخبَّأة‪ ،‬وتحتاج إلى كلمة م==رور أخ==رى ل ُتف َتح‪ .‬ب==دا ذل==ك القس==م‬

‫المخفي ككم مهمل عش==وائي — فعن==د تش==فير البيان==ات‪ ،‬يص==بح من العس==ير تمييزه==ا عن األم==ور المتداخل==ة العش==وائية — ولن‬

‫‪.‬يمكنهم مطل ًقا العلم بوجودها‬

‫تحو حقيبتي أية أق=راص‪ ،‬وخال جه=از الكم=بيوتر المحم=ول الخ=اص بي من أي دلي=ل ي=دينني‪ .‬لكنهم إذا فك=روا‪ ،‬ب=الطبع‪ ،‬في‬
‫لم ِ‬
‫‪.‬إجراء فحص دقيق لجهاز «إكس بوكس» الخاص بي‪ ،‬فسينتهي أمري ال محالة‬

‫وقفت في مكاني‪ .‬لقد فعلت ما في وسعي لتأمين نفسي‪ ،‬وحان الوقت لمواجهة قدري‪ .‬دخلت أقرب مطعم يبيع البوريتو‪ ،‬وطلبت‬
‫ً‬
‫واحدا بقطع لحم الخنزير الصغيرة وصلصة إضافية لكي يُق َبض عليَّ ومعدتي ممتلئة‪ =.‬حص==لت ً‬
‫أيض =ا على ك==وب من مش==روب‬

‫‪.‬األورتشاتا‪ ،‬وهو مشروب أرز مثلج يشبه بودينج= األرز السائل شبه المُحلى (مذاقه أفضل من الوصف)‬

‫جلست ألتناول الطعام‪ ،‬ونزلت عليَّ السكينة‪ .‬كنت على وشك دخ==ول الس==جن لم==ا ارتكبت=ه= من «ج==رائم»‪ ،‬أو ربم==ا ال‪ ،‬فلم تع==د‬

‫حريتي منذ أن اعتقلوني سوى إجازة مؤقتة‪ ،‬ولم أعد أنا وبالدي صديقين‪ ،‬بل صرنا عدوين‪ ،‬وأدركت أن==ني لن أتمكن أب= ً=دا من‬

‫‪.‬االنتصار عليها‬

‫دخل الرجالن إلى المطعم بينما كنت أنهي البوريتو‪ ،‬وأنهض لطلب بعض التشورو — وهي عجائن مقلية جي = ًدا مض==اف إليه==ا‬

‫‪.‬سكر مخلوط بالقرفة — للتحلية‪ .‬أعتقد أنهما كانا ينتظران في الخارج‪ ،‬وتعبا من تضييعي للوقت‬
‫وقفا خلفي عند نافذة البيع يدفعانني‪ .‬أخذت حل==وى التش==ورو من الس==يدة العج==وز الجميل==ة‪ ،‬ودفعت له==ا ثمنه==ا‪ .‬تن==اولت قض==متين‬

‫‪.‬سري ًع ا قبل أن أستدير‪ .‬أردت على األقل تناول القليل من الحلوى؛ فقد تكون آخر حلوى أحصل عليها لفترة طويلة‬

‫عندما استدرت‪ ،‬كانا على مقربة مني لدرجة جعلتني أرى البثرة الموجودة على وجنة َمن وقف على اليس==ار‪ ،‬والمخ==اط الج==اف‬

‫‪.‬على أنف اآلخر‬

‫‪.‬قلت محاواًل تجاوزهما‪« :‬من فضلكما!» فتحرك الرجل ذو المخاط على أنفه ليحجب طريقي‬

‫‪.‬قال‪« :‬أيمكنك= االنضمام إلينا والخروج من هنا؟» وأشار إلى باب المطعم‬
‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬فوضع هذه المرة ي==ده على ص=دري‪ .‬ك=ان يتنفس س=ريعً ا من أنف=ه؛ م=ا جع==ل المخ=اط‬ ‫قلت‪« :‬آسف‪ ،‬فأنا آكل»‪ ،‬وتحركت‬
‫‪.‬الجاف يهتز‪ .‬أعتقد أن أنفاسي أنا أي ً‬
‫ضا كانت قوية‪ ،‬لكن من الصعب الجزم بذلك مع دقات قلبي العنيفة‬

‫»‪.‬فتح الرجل اآلخر جيبًا بسترته ليكشف عن شارة شرطة سان فرانسيسكو‪ ،‬وقال‪« :‬شرطة! تعا َل معنا‪ ،‬من فضلك‬

‫»‪.‬قلت له‪« :‬دعني أحضر أشيائي فقط‬

‫فأجابني‪« :‬سنهتم بهذا األمر‪ ».‬واقترب ذو المخاط الجاف على أنفه مني‪ ،‬ووضع قدمه بين قدميَّ ‪ُ .‬ي َّت َبع هذا األسلوب في بعض‬
‫‪.‬الفنون القتالية أي ً‬
‫ض ا؛ إذ يسمح لك بمعرفة ما إذا كان الشخص الذي أمامك ينقل جسمه في استعداد للتحرك أم ال‬

‫‪.‬لكنني لم أكن أعتزم الهروب؛ فأنا أعلم أنني ال أستطيع الهروب من القدر‬
‫الفصل السابع‬
‫أهدي هذا الفصل لمتجر بوكس أوف واندر بمدينة= نيويورك‪ ،‬أقدم وأضخم متجر كتب أطفال في مانهاتن‪ .‬يقع على بُع==د بض==عة‬

‫مربعات سكنية من مكاتب «تور بوكس» في مبنى فالتيرن‪ .‬وكل مرة أذهب فيها إلى «تور بوكس»‪ ،‬أنسل خلسة دائمًا لزيارة‬

‫بوكس أوف واندر لالطالع على ما يزخر به من كتب أطفال جديدة وقديم==ة ون==ادرة‪ .‬أعش==ق جم==ع اإلص==دارات الن==ادرة لقص==ة‬

‫«آليس في بالد العجائب»‪ ،‬وال يكف متجر بوكس أوف واندر عن إبهاري بإص==دار مح==دود جمي==ل له==ذه القص==ة‪ .‬ينظم المتج==ر‬
‫ً‬
‫مقارنة بأي متجر آخر للكتب دخلته‬ ‫‪.‬كذلك عد ًدا هائاًل من الفعاليات لألطفال‪ ،‬ويتمتع بواحد من أكثر األجواء جاذبية‬

‫***‬

‫قاداني إلى الخارج حتى وصلنا إلى ناصية الشارع حيث وقفت سيارة شرطة ال تحمل أي==ة عالم==ات‪ ،‬لكن لم يص==عب على أح==د‬

‫في ذلك الحي اكتشاف أنها كانت سيارة شرطة؛ فالشرطة وحدها هي التي تقود سيارات «كراون فيكتوريا» كبيرة اآلن بعد أن‬
‫وصل سعر جالون البنزين إلى سبعة دوالرات‪ ،‬كما أن رجال الشرطة وحدهم هم الذين يمكنهم االنتظار ص ًّفا ثانيًا في منتصف‬

‫شارع فان نيس دون أن َتسحب سياراتهم قُطعان سيارات السحب الضارية الخاصة بالمرور‪ ،‬التي تجوب األرج==اء وتق==وم على‬

‫‪.‬تطبيق قواعد االنتظار غير المفهومة بسان فرانسيسكو‪ ،‬وجمع الغرامات إلطالق سراح سيارتك بعد سحبها‬

‫امتخط الرجل الذي كان المخاط الجاف على أنفه‪ .‬جلست في المقعد الخلفي برفقته‪ .‬أما زميله‪ ،‬فجلس في المقعد األمامي‪ ،‬وأخذ‬

‫يكتب بإصبع واحد على كمبيوتر محم=ول ق=ديم مُج=دَّد ب=دا كم=ا ل=و ك=ان «فري=د فلينس=تون» — الشخص=ية الكرتوني=ة ال=تي من‬

‫‪.‬العصر الحجري — أول مالك له‬


‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬وقال‪« :‬ال نريد سوى أن نطرح عليك بعض األسئلة الروتينية‬ ‫»‪.‬فحص الرجل ذو المخاط بطاقة هويتي بعناية‬

‫‪.‬قلت‪« :‬هل يمكنني رؤية شارتيكما؟» كان من الواضح أنهما شرطيان‪ ،‬لكن لن يضر أن أجعلهما يعلمان أنني أعرف حقوقي‬

‫لوَّ ح ذو المخاط بشارته أمامي سري ًع ا‪ ،‬فلم أستطع أن ألقي نظرة جيدة عليها‪ ،‬لكن زميله ذا البثرة الذي جلس في المقعد األمامي‬

‫أتاح لي رؤية شارته جي ًدا‪ .‬رأيت رقم قسمهما‪ ،‬وتذكرت رقم الشارة المكون من أربعة أرقام‪ .‬كان س==هاًل ‪١٣٣٧ :‬؛ إذ يس==تخدمه‬

‫‪».‬قراصنة الكمبيوتر لكتابة «لييت»؛ أي ما يعني «الصفوة‬

‫‪.‬اتسم كالهما باألدب الشديد‪ ،‬ولم يحاول أيٌّ منهما إرهابي مثلما فعل ضباط وزارة األمن الوطني عندما كنت رهن االعتقال‬

‫»هل أنا رهن االعتقال؟«‬

‫»‪.‬قال ذو المخاط‪« :‬أنت رهن االعتقال لمدة قصيرة للغاية لضمان أمنك واألمن العام‬

‫ناول رخصة القيادة الخاصة بي لصاحب البثرة‪ ،‬الذي نقل ما بها ببطء على الكمبيوتر‪ .‬رأيته يخطئ في الكتابة‪ ،‬وكدت أصحح‬

‫‪.‬له‪ ،‬لكنني رأيت بعد ذلك أنه من األفضل أن أظل صام ًتا‬

‫»هل من شيء تود إخباري به يا ماركوس؟ هل ينادونك مارك؟«‬


‫فأجبته‪« :‬يمكنك مناداتي ماركوس‪ ».‬كان ذو المخاط — على ما يبدو — رجاًل لطي ًف=ا‪ ،‬فيم==ا ع==دا ب==الطبع اختطاف==ه لي ألدخ==ل‬

‫‪.‬سيارته‬

‫»هل هناك أي شيء تود إخباري به يا ماركوس؟«‬

‫»مثل ماذا؟ هل أنا رهن االعتقال؟«‬

‫»فقال ذو المخاط‪« :‬لست رهن االعتقال اآلن‪ ،‬هل تود أن تكون كذلك؟‬

‫»‪.‬فأجبته‪« :‬كال‬

‫حس ًنا‪ ،‬نحن نراقبك منذ مغادرتك محطة بارت‪ ،‬وبطاقة «فاس==ت ب==اس» الخاص==ة ب==ك تش==ير إلى أن==ك ق==د ركبت القط==ار لع==دة«‬

‫»‪.‬أماكن غريبة في العديد من األوقات غير المعتادة‬

‫أشعرتني كلماته باالرتياح؛ فلم يتعلق األمر إذن بشبكة «إكس نت» على اإلطالق‪ .‬لقد كانوا يراقبون استخدامي لمترو األنفاق‪،‬‬

‫!وأرادوا أن يعرفوا سبب اتسامه بالغرابة مؤخرً ا‪ .‬يا له من غباء مطبق‬

‫»‪.‬إذن‪ ،‬فأنتم تتبعون جميع من يخرج من محطات بارت ولديه تاريخ رحالت غريب؟ ال بد أنكم مشغولون ح ًّقا«‬

‫ليس الجميع يا ماركوس‪ .‬يصلنا تنبيه عندما يخرج أي شخص له تاريخ رحالت غير معت==اد‪ ،‬ويس==اعدنا ذل==ك في تق==ييم م==ا إذا«‬

‫كنا بحاجة للتحقيق في األمر أم ال‪ .‬وفي حالتك‪ ،‬جئنا إليك لرغبتنا في معرفة سبب امتالك فتى ذكي مثلك تاريخ رحالت عجيبًا‬

‫»‪.‬كهذا‬

‫هكذا‪ ،‬وبعد أن اختفى شبح دخول السجن الذي كان يلوح أم==امي‪ ،‬ازداد غض==بي‪ .‬ال يح==ق له==ؤالء الن==اس التجس==س عليَّ … ي==ا‬

‫إلهي! محطة بارت ليس من حقها «مساعدتهم» في ذلك‪ .‬أين أبلغت بطاقة م==رور م==ترو األنف==اق خاص==تي عن «نم==ط رحالتي‬

‫غير المعتاد»؟‬

‫»‪.‬قلت لهما‪« :‬أعتقد أنني أرغب في أن يتم اعتقالي اآلن‬

‫‪.‬رجع الرجل ذو المخاط بظهره إلى الخلف‪ ،‬ونظر إليَّ رافعً ا أحد حاجبيه‬

‫»ح ًّقا؟ وما التهمة؟«‬

‫»حس ًنا‪ ،‬أنت تعني أن ركوب المواصالت العامة على نحو غير معتاد ليس جريمة؟«‬

‫‪.‬أغمض ذو البثرة عينيه‪ ،‬وفركهما بإبهاميه‬

‫تنهد ذو المخاط على نحو مصطنع‪ ،‬وقال‪« :‬انظر يا ماركوس‪ ،‬نحن نؤي==دك= فيم==ا تق==ول‪ .‬إنن==ا نس==تخدم ه==ذا النظ==ام للقبض على‬

‫المجرمين واإلرهابيين وتجار المخدرات‪ .‬لعلك أنت نفسك تاجر مخدرات‪ ،‬وبطاقة «فاست باس» وسيلة جيدة للتنقل في أرجاء‬

‫»‪.‬المدينة= دون التعرف على هويتك‬

‫»ما الخطأ في أن أكون مجهول الهوية؟ لقد استفاد من ذلك الرئيس توماس جيفرسن‪ .‬وبالمناسبة‪ ،‬هل أنا رهن االعتقال؟«‬

‫»‪.‬قال ذو البثرة‪« :‬لنأخذه إلى المنزل‪ ،‬ونتحدث مع والديه‬


‫»… قلت‪« :‬أعتقد أن هذه فكرة رائعة‪ ،‬فأنا موقن أنَّ والديَّ يتوقان لمعرفة أين ُتن َفق أموال الضرائب التي يدفعانها‬

‫تماديت في حديثي‪ .‬كان ذو المخاط يح==اول الوص==ول إلى مقبض الب==اب‪ ،‬لكن==ه اس==تدار نح==وي‪ ،‬وق==د ب==رزت في وجه==ه أوردت==ه‬

‫الخافقة‪« .‬لماذا ال تخرس اآلن وال يزال ذلك خي==ارً ا أمام==ك؟ بع==د ك==ل م==ا ح==دث في األس==بوعين الماض==يين‪ ،‬لن يض==رك كث==يرً ا‬

‫التعاون معنا‪ .‬أتعلم‪ ،‬لعله ينبغي أن نقبض عليك‪ .‬يمكن أن تقضي يومًا أو اثنين في السجن بينما يبحث عن==ك محامي==ك‪ .‬والكث==ير‬

‫»يمكن أن يحدث في ذلك الوقت … الكثير‪ .‬ما رأيك؟‬

‫‪.‬لم أنطق‪ .‬أصابني الدوار والغضب‪ ،‬وصرت مخبواًل فزعًا‬

‫‪.‬تمكنت أخيرً ا من قول‪« :‬أنا آسف»‪ ،‬وكرهت نفسي للمرة الثانية لنطقي بها‬

‫انتقل ذو المخاط إلى المقعد األمامي‪ ،‬وأدار ذو البثرة السيارة منطل ًقا في شارع ‪ ٢٤‬ثم إلى حي بتريرو هيل‪ .‬لقد عرف==ا عن==واني‬

‫‪.‬من بطاقة هويتي‬

‫فتحت أمي الباب عندما د َّقا الجرس‪ ،‬مع إبقاء السلسلة مغلقة‪ .‬ألقت نظرة خاطفة من ورائ==ه‪ ،‬فرأت==ني وق==الت‪« :‬م==اركوس؟! من‬

‫»هذان الرجالن؟‬

‫أجاب ذو المخاط‪« :‬شرطة»‪ ،‬وأظهر شارته لها‪ ،‬مع السماح له=ا بإلق=اء نظ=رة جي=دة عليه=ا دون أن يس=تلها س=ريعً ا على النح=و‬

‫»الذي فعله معي‪« .‬هل يمكننا الدخول؟‬

‫‪.‬أغلقت أمي الباب‪ ،‬وفتحت السلسلة‪ ،‬وسمحت لهما بالدخول‪ .‬قاداني للداخل‪ ،‬ورمقت أمي ثالثتنا بإحدى نظراتها التي أعرفها‬

‫»ماذا يحدث؟«‬

‫أشار ذو المخاط إليَّ ‪ ،‬وقال‪« :‬أردنا أن نطرح على ابنك بعض األسئلة الروتينية= بشأن تحركاته‪ ،‬لكنه رفض الرد عليها‪ ،‬ورأينا‬

‫»‪.‬أنه من األفضل إحضاره إلى هنا‬

‫ت يا والدتي العجوز«‬
‫!هل هو رهن االعتقال؟» جاءت لهجة والدتي حادة‪ .‬أحسن ِ‬
‫ت مواطنة أمريكية يا سيدتي؟‬
‫»قال ذو البثرة‪« :‬هل أن ِ‬
‫»رمقته بنظرة يملؤها الغضب‪ ،‬وقالت بلهجة جنوبية قوية‪« :‬بالطبع! هل أنا رهن االعتقال؟‬

‫‪.‬تبادل الشرطيان النظر أحدهما لآلخر‬

‫بادر ذو البثرة الحديث قائاًل ‪« :‬يبدو أننا بدأنا بداية سيئة‪ .‬لقد توصلنا إلى أن ابن==ك يس==تخدم المواص==الت العام==ة على نح==و غ==ير‬
‫ً‬
‫أشخاص=ا لهم نم==ط رحالت غ==ير معت==اد‪ =،‬أو يتش==ابه م==ع‬ ‫معتاد‪ ،‬وذلك في إطار برنامج جديد وقائي لتنفيذ القانون‪ ،‬وعندما نحدد‬

‫»‪.‬شخص مثير للشبهات‪ ،‬نواصل التحقيق في األمر‬

‫»قالت أمي‪« :‬انتظر! كيف علمتم بكيفية استخدام ابني للمواصالت العامة؟‬

‫»‪.‬أجابها قائاًل ‪« :‬بطاقة «فاست باس»؛ فهي تتعقب الرحالت‬


‫فقالت والدتي وهي تطوي ذراعيها على صدرها‪« :‬فهمت‪ ».‬وطيُّ والدتي لذراعيها على صدرها عالمة سيئة‪ .‬كان األمر سي ًئا‬

‫بالفعل لعدم تقديمها الشاي لهما — عند والدتي‪ ،‬كان هذا يعني عدم ترحيبها بهما — لكن طيها لذراعيها ك==ان معن==اه أن األم==ر‬

‫‪.‬سينتهي نهاية سيئة لهما‪ .‬في تلك اللحظة‪ ،‬أردت الذهاب لشراء باقة كبيرة من الورود لها‬

‫»‪.‬رفض ماركوس إخبارنا بسبب تحركاته على هذا النحو«‬

‫»هل تعنيان أنكما تعتقدان أن ابني إرهابي بسبب نهجه في ركوب المواصالت؟«‬

‫قال ذو البثرة‪« :‬ليس اإلرهابيون وحدهم من نقبض عليهم باتباع هذه الطريقة‪ ،‬هناك أيضً ا تجار المخدرات وشباب العصابات‪،‬‬

‫»‪.‬بل وسارقو المتاجر ممن هم بالقدر الكافي من الذكاء الرتكاب جرائمهم في حي مختلف في كل مرة‬

‫»أتعتقدان أن ابني تاجر مخدرات؟«‬

‫‪.‬شرع ذو البثرة في الحديث‪« :‬ليس هذا ما نقوله …» فص َّفقت والدتي أمامه إلسكاته‬

‫»‪.‬ماركوس‪ ،‬ناولني رجا ًء حقيبة الظهر خاصتك«‬

‫‪.‬ففعلت‬

‫‪.‬فتحت والدتي الحقيبة‪ ،‬وفتشتها‪ ،‬بعد أن أدارت ظهرها لنا‬

‫أيها الشرطيان‪ ،‬أستطيع أن أؤكد لكما اآلن أنه ما من مخدرات أو متفج==رات أو أي==ة حُليٍّ رخيص==ة مس==روقة في حقيب==ة اب==ني‪«.‬‬

‫»‪.‬أعتقد بذلك أننا نكون قد انتهينا مما نحن بصدده‪ =.‬أريد االطالع على رق َميْ شارتيكما قبل أن تغادرا‪ ،‬من فضلكما‬

‫رمقها ذو المخاط بنظرة استهزاء‪ ،‬وقال لها‪« :‬يقاضي االتحاد األمريكي للحري==ات المدني=ة= ثالثمائ==ة ش==رطي من جه==از ش==رطة‬

‫»‪.‬سان فرانسيسكو يا سيدتي؛ ومن َث َّم‪ ،‬عليكِ انتظار دورك‬

‫•••‬

‫أعدت لي أمي كوبًا من الشاي‪ ،‬ووبختني لتناولي العشاء رغم علمي بإعدادها الفالف==ل‪ .‬حض==ر وال==دي إلى الم==نزل بينم==ا كن==ا ال‬
‫وتناوبت مع أمي إخباره بما حدث‪َّ .‬‬
‫هز والدي رأسه‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬نزال على المائدة‪،‬‬

‫إنهما يؤديان عملهما فحسب يا ليليان‪ ».‬كان ال يزال يرتدي السترة الزرقاء والس==روال الك==اكي ال==ذين اعت==اد ارت==داءهما أثن==اء«‬

‫»‪.‬عمله كمستشار في وادي السيليكون‪ .‬استطرد حديثه قائاًل ‪« :‬لم يعد العالم كما كان األسبوع الماضي‬

‫أنزلت والدتي كوب الشاي الذي كانت تشربه‪« .‬درو‪ ،‬هذا سخف! ابنك ليس إرهاب ًّيا‪ ،‬واستخدامه لجه==از النق==ل الع==ام ليس س==ببًا‬

‫»‪.‬الستجواب الشرطة له‬

‫خلع والدي سترته‪ ،‬وقال‪« :‬هذا ما نفعله دو ًما في العمل‪ ،‬فهكذا يمكن استخدام الكمبيوتر للوصول إلى كافة األخط==اء والح==االت‬

‫الشاذة والنتائج‪ .‬نطلب من الكمبيوتر إنشاء ملف تعريفي لسجل عادي في قاعدة البيان==ات‪ ،‬ثم نطلب من==ه الكش==ف عن الس==جالت‬

‫الموجودة في قاعدة البيانات البعيدة تمامًا عما هو عادي‪ .‬إنه جزء مما يعرف بتحليل ب==ايزي‪ ،‬ال==ذي يُس==تخدم من==ذ ف==ترة طويل==ة‪.‬‬

‫»… ودونه ال يمكننا تصفية البريد العشوائي‬


‫»سألته‪« :‬إذن‪ ،‬فما تقوله هو أن الشرطة يجب أن تفعل بنا مثلما تفعل أداة تصفية البريد العشوائي؟‬

‫!لم يغضب والدي قط عند جدالي معه‪ ،‬لكن الليلة بدا توتره في تزايد‪ =.‬رغم ذلك‪ ،‬لم أستطع المقاومة؛ فوالدي يناصر الشرطة‬

‫ما أقوله هو أنه من المنطقي تما ًم ا أن تجري الشرطة تحقيقاتها بأن تبدأ بالتنقيب في البيانات‪ ،‬ثم جمع المعلومات حيث يتدخل«‬

‫العنصر البشري للتوصل إلى س==بب الخ==روج عن المعت==اد‪ .‬وال أرى أن جه==از الكم==بيوتر يجب أن يخ==بر الش==رطة بمن تعتقل==ه‪،‬‬
‫»‪.‬وإنما يساعدها فحسب في تفتيش كوم القش ً‬
‫بحثا عن إبرة‬

‫قلت‪« :‬لكن بحصولهم على كل هذا الكم من البيانات من نظام النقل‪ ،‬فإنهم يخلقون ك==وم القش‪ .‬إن==ه كم هائ==ل من البيان==ات‪ ،‬وم==ا‬

‫»‪.‬من شيء يستحق البحث عنه فيه‪ ،‬من وجهة نظر الشرطة‪ .‬إنه مضيعة تامة للوقت‬

‫أتفهم عدم رضاك عما تسبب فيه هذا النظام من إزعاج ل==ك ي==ا م==اركوس‪ ،‬لكن==ك من بين ك==ل الن==اس علي==ك أن تق==در خط==ورة«‬

‫»‪.‬الموقف‪ .‬ما من ضرر وقع‪ ،‬أليس كذلك؟ بل إنهما أوصالك إلى المنزل أيضًا‬

‫‪.‬فكرت في أنهما هدداني بالسجن‪ ،‬لكنني لم أجد داعيًا لذكر ذلك‬

‫»‪.‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإنك لم تخبرنا بع ُد أين ذهبت ليصبح لك هذا النمط غير المعتاد من التحركات«‬

‫‪.‬أخرستني هذه الكلمات‬

‫أعتقد أنك تثق في حُكمي‪ ،‬ولذلك لم تتجسس عليَّ ‪ ».‬كثيرً ا ما ك==ان يق==ول ذل==ك‪« .‬ه==ل تري==دني ح ًّق==ا أن أفس==ر ك==ل رحل==ة قمت«‬

‫»بها؟‬

‫•••‬

‫َّت جهاز البروجيكتور بالس==قف ليلقي بإض==اءته على‬ ‫ُ‬


‫التقطت جهاز «اإلكس بوكس»‪ .‬كنت قد ثب ُّ‬ ‫ُ‬
‫وصلت إلى غرفتي حتى‬ ‫ما إن‬

‫الحائط فوق سريري (لزم عليَّ إنزال اللوحة الجدارية الرائعة إلعالن موسيقى البانك روك‪ ،‬الذي أزلته من على أعمدة خطوط‬

‫‪.‬الهاتف وألصقته على ألواح كبيرة من الورق األبيض)‬

‫قمت بتشغيل جهاز «إكس بوكس»‪ ،‬وشاهدته وهو يظهر على الشاشة‪ .‬كنت سأرسل بري ًدا إلكترون ًّيا إلى فان وخولو ألخبرهم==ا‬

‫‪.‬بشأن شجاري مع الشرطيين‪ ،‬لكن ما إن وضعت أصابعي على لوحة المفاتيح حتى تراجعت‬

‫حو لوا جهاز «سالمجندي» القديم المسكين الخاص بي إلى خائن‪.‬‬


‫تسلل إلى داخلي شعور يشبه ما شعرت به عندما أدركت أنهم َّ‬
‫‪.‬وهذه المرة كان شعورً ا بأن شبكة «إكس نت» العزيزة قد تشي بموقع كل من يستخدمها لوزارة األمن الوطني‬

‫والسبب في ذلك الشعور هو ما قاله وال==دي‪« :‬نطلب من الكم==بيوتر إنش==اء مل==ف تع==ريفي لس==جل ع==ادي في قاع==دة البيان==ات‪ ،‬ثم‬

‫»‪.‬نطلب منه الكشف عن السجالت الموجودة في قاعدة البيانات البعيدة= تمامًا عما هو عادي‬

‫كانت شبكة «إكس نت» مؤمَّنة ألن مستخدميها ال يتصلون مباشر ًة باإلنترنت‪ ،‬وإنما كانوا يتنقلون من جهاز إكس بوكس آلخر‬

‫حتى يعثروا على جهاز متصل باإلنترنت‪ ،‬ثم يُدخِلوا ما لديهم كبيانات مُش َّفرة غير قابلة لف ِّ‬
‫ك ش==فرتها‪ .‬وال يمكن ألح==د أن يح==دد‬

‫حزم بيانات اإلنترنت ال==تي تمث==ل ش==بكة إكس نت‪ ،‬واألخ=رى ال==تي ال تمث==ل س=وى اتص=االت ص==ريحة للعملي==ات المص==رفية أو‬
‫التجارة اإللكتروني=ة أو غ=ير ذل=ك من االتص=االت المش= َّفرة‪ .‬فال يمكن التوص=ل إلى من يرب=ط ش=بكة إكس نت بعض=ها ببعض‪،‬‬

‫‪.‬ناهيك عمَّن يستخدمها‬

‫لكن ماذا عن «اإلحصائيات البايزية» التي تحدث عنها أبي؟ سبق لي التالعب بهذه التحليالت من قبل‪ .‬حاولت أن==ا وداري==ل في‬

‫إحدى المرات إنشاء أداة تصفية بريد عشوائي أفضل خاصة بن=ا‪ ،‬وعن==د تص=فية البري==د العش==وائي تحت=اج للعملي=ات اإلحص=ائية‬

‫البايزية‪ .‬توماس بايزي رياضي بريطاني عاش في القرن الثامن عشر‪ ،‬لم ُيعِره أحد اهتمامًا إال بعد= نحو مائتي ع==ام من وفات==ه‪،‬‬

‫وذلك عندما أدرك علماء الكمبيوتر أن أسلوبه في تحليل الكميات الهائلة من البيانات إحصائ ًّيا يمكن أن يكون له فائدة مذهلة مع‬

‫‪.‬تالل المعلومات التي نعاصرها اآلن‬

‫إليك بعض المعلومات حول كيفية عمل اإلحصائيات البايزية‪ .‬لنفترض أن لديك مجموعة من رسائل البريد العشوائي‪ ،‬تأخذ كل‬

‫=رف ه=ذا باس==م «الم==درج اإلحص=ائي لتك=رار الكلم=ات»‪ ،‬ويوض=ح‬


‫كلمة في هذه الرس=ائل وتحص=ي ع=دد م=رات ظهوره=ا‪ .‬يُع= َ‬
‫احتمالية أن تكون أية مجموعة من الكلمات بري ًدا عش==وائ ًّيا‪ .‬واآلن‪ ،‬فلتأخ==ذ ك ًّم==ا ه==ائاًل من البري==د اإللك==تروني غ==ير العش==وائي‪،‬‬

‫‪.‬وتكرر ما فعلته من قبل‬

‫وأحص الكلمات التي تظهر فيها‪ .‬استخدم بعد ذلك المدرج اإلحص==ائي لتك==رار‬
‫ِ‬ ‫انتظر حتى تصلك رسالة بريد إلكتروني جديدة‪،‬‬

‫الكلمات في الرسالة المُر َّش حة لحساب احتمالية انتمائها لمجموعة «البريد العشوائي» أو «البريد غير العش==وائي»‪ ،‬وإذا اتض==ح‬

‫أنها بريد عشوائي‪ ،‬فقم بتعديل= المدرج اإلحصائي «للبريد العشوائي» وف ًقا لذلك‪ .‬هناك العديد= من الطرق لتحس==ين ه==ذه التقني==ة‪،‬‬

‫مثل البحث عن الكلمات في أزواج‪ ،‬م==ع التخلص من البيان==ات القديم==ة‪ ،‬لكن ه==ذا ه==و ج==وهر عمله==ا‪ .‬إنه==ا إح==دى تل==ك األفك==ار‬

‫‪.‬البسيطة الرائعة التي تبدو واضحة بعد سماعك عنها‬

‫ولها العديد من التطبيقات؛ فيمكنك أن تطلب من الكمبيوتر أن يحصي الخط==وط في إح==دى الص==ور‪ ،‬وت==رى م==ا إذا ك==انت أش==به‬

‫بمدرج إحصائي تك==راري لخط=وط «قط=ة» أم «كلب»‪ .‬ويمكن أن تكش=ف عن م==واد إباحي=ة‪ ،‬أو احتي=ال مص=رفي‪ ،‬أو رس=ائل‬

‫‪.‬عدائية في منتدى إلكتروني أو ما شابه … كلها أشياء مفيدة بالطبع‬

‫وهذا أمر سيئ فيما يتعلق بشبكة «إكس نت»؛ فإذا كنت تتجسس على اإلنترنت بالكامل — وهذا بالطبع ما تفعله وزارة األمن‬

‫الوطني — فال يمكن=ك تحدي=د= من يم=رر ح=زم بيان=ات «إكس نت» من خالل النظ=ر في محتوي=ات ه=ذه الح=زم‪ ،‬وذل=ك بفض=ل‬

‫‪.‬التشفير‬

‫ما بإمكانك فعله ح ًّقا هو معرفة من يرسل أكبر نسبة معلومات مشفرة مقارنة باآلخرين؛ فجلسة العمل على اإلن=ترنت للمتص=فح‬

‫صا مُش َّفرً ا؛ ومن َث َّم‪ ،‬إذا ك==ان ‪ ٩٥‬بالمائ==ة مم==ا يرس=ل‬
‫صا غير مشفر‪ ،‬و‪ ٥‬بالمائة ن ًّ‬
‫العادي يكون على األرجح ‪ ٩٥‬بالمائة منها ن ًّ‬

‫به شخص ما ن ًّ‬


‫صا مُش َّفرً ا‪ ،‬فقد ُترسِ ل شرطيين في نفس معرفة الشرطيين ذي المخاط وذي البثرة بالكمبيوتر لس==ؤالهما عم==ا إذا‬

‫‪.‬كان مستخدم شبكة إكس نت تاجر مخدرات أو إرهاب ًّيا أم ال‬


‫يحدث ذلك دومًا في الصين‪ .‬يتوصل أح==د المعارض==ين األذكي==اء إلى فك==رة بش=أن االلتف==اف ح=ول «ج==دار الحماي==ة العظيم» في‬

‫الصين‪ ،‬وهو الجدار المستخ َدم للرقابة على اتص==االت اإلن==ترنت في الدول==ة بأكمله==ا‪ ،‬من خالل اس==تخدام اتص==ال مُش= َّفر بجه==از‬

‫كمبيوتر في دولة أخرى‪ .‬وال يستطيع الحزب الشيوعي هناك تحديد ما يتصفحه المع==ارض على اإلن==ترنت؛ فربم==ا يك==ون م==وا َّد‬

‫إباحية‪ ،‬أو إرشادات لصنع القنابل‪ ،‬أو رسائل جنسية من صديقته في الفلبين‪ ،‬أو موا َّد سياسية‪ ،‬أو أخبارً ا جيدة عن العِلمولوجيا‪.‬‬

‫ليس عليهم أن يعرفوا‪ ،‬كل ما عليهم معرفته هو أن نس==بة االس==تخدام المش= َّفر للش==بكة من ه==ذا الش==اب أك==ثر بكث==ير من جيران==ه‪،‬‬

‫‪.‬عندئ ٍ=ذ يرسلونه إلى أحد معسكرات العمل القسريِّ ليكون عبرة لآلخرين عندما يرون ما يحدث لمن يظنون أنفسهم أذكياء‬

‫حتى ذلك الحين‪ ،‬كنت على استعداد للمراهنة على أن شبكة «إكس نت» خاضعة لرقابة وزارة األمن الوطني‪ ،‬لكن ه==ذا الح==ال‬

‫لن يدوم لألبد‪ .‬وبعد الليلة‪ ،‬لم أكن متأك ًدا من أنني أفضل حااًل من أي معارض صيني‪ .‬إنني أعرِّ ض ك==ل من يقوم==ون بال==دخول‬

‫على تلك الشبكة للخطر؛ فالقانون ال يأْ َبه بما إذا كنت ترتكب جرمًا ح ًّقا‪ ،‬ورجال=ه على اس=تعداد= لوض=عك تحت المِجه=ر لمج=رد‬
‫نمطا سلوك ًّيا غريبًا إحصائ ًّيا‪ .‬وما كان بيدي إيقاف ذلك؛ فبعد تشغيل شبكة «إكس نت»‪ ،‬صارت كيا ًنا مستقاًّل‬
‫‪.‬أنك تتبع ً‬

‫‪.‬عزمت على إصالح ذلك بطريقة أخرى‬

‫تمنيت التحدث مع خولو في هذا الشأن‪ .‬كان خولو يعمل لدى إحدى ش==ركات توف==ير خ==دمات اإلن==ترنت تحم==ل اس==م «بيجس==بلين‬

‫نت»‪ ،‬والتي قد وظفته وهو في سن الثانية عشرة؛ ففاقت معرفته باإلنترنت ما أعرفه بكثير‪ .‬وإذا ك==ان هن==اك من يع==رف كي==ف‬

‫‪.‬نظل بعي ًدا عن السجن‪ ،‬فسيكون هو‬

‫لحسن الحظ‪ ،‬خططت أنا وفان وخولو لاللتقاء لشرب القهوة الليلة التالية في مكاننا المفضل في حي ميشن بعد الدوام المدرسي‪.‬‬

‫كان ذلك — رسم ًّي ا — موعد االجتماع األسبوعي لفريق «هاراجوكو فان مادنس»‪ ،‬بيد أنه مع إلغاء اللعبة وغياب داري==ل‪ ،‬لم‬

‫يتع َّد األمر كونه تجم ًعا أسبوع ًّيا للبكاء‪ ،‬تصحبه نحو ست مكالمات هاتفية ورسائل فورية يوم ًّيا من قبيل‪« :‬هل أنت بخ==ير؟ ه=ل‬

‫‪.‬حدث ذلك بالفعل؟» كان من األفضل أن نجد شي ًئا آخر نتحدث عنه‬

‫•••‬
‫»قالت فانيسا‪« :‬لقد فقدت صوابك‪ .‬هل أنت مجنون ً‬
‫كلية‪ ،‬أم ماذا؟‬

‫جاءت فان بزي مدرسة الفتيات الذي كانت ترتديه؛= وذلك ألنه ك==ان من الص==عب عليه==ا أن تقط==ع الطري==ق الطوي==ل للع==ودة إلى‬

‫منزلها في حافلة المدرسة التي تسير بها أعلى جسر سان ماتيو ثم تعود إلى المدينة‪ .‬لقد كرهت الظهور في أم==اكن عام==ة ب==زي‬

‫المدرسة األشبه بزي بطل==ة قص==ص المانج==ا المص==ورة «س==يلور م==ون» المؤلَّف من تن==ورة بثني==ات‪ ،‬وس==ترة‪ ،‬وج==وارب تص==ل‬

‫للركبتين‪ .‬وقد كانت في حالة مزاجية سيئة منذ وصولها إلى المقهى الذي كان يعج بطالب موسيقى اإليمو الجذابين= األكبر منها‬

‫‪.‬س ًّن ا‪ ،‬الذين أطلقوا ضحكات خافتة وأنظارهم مثبتة على القهوة التي يشربونها عند دخولها المقهى‬
‫سأل ُتها‪« :‬ماذا تريدينني أن أفعل يا فان؟» بدأ الغضب يتملكني أنا أيضً ا‪ .‬لم تعد المدرسة ُتحت َم==ل اآلن بع==د إلغ=اء اللعب==ة وغي=اب‬

‫داريل‪ .‬وطوال اليوم أثناء الحصص المدرسية‪ ،‬كنت أعزي نفسي بالتفكير في التقائي بفريقي … أو باألصح َمن تبقى منه‪ .‬أم==ا‬

‫‪.‬اآلن‪ ،‬فنحن نتشاجر‬

‫أريدك أن تتوقف عن المجازفة يا مايكي‪ ».‬وقف حينها شعر رأسي من الهلع‪ .‬كنا نستخدم‪ ،‬ب==الطبع‪ ،‬دو ًم==ا أس==ماء الفري==ق في«‬

‫ضا باستخدامي لشبكة «إكس نت»‪ ،‬أفزع==ني س==ماعه على المأل في مك==ان‬ ‫ً‬
‫مرتبطا أي ً‬ ‫اجتماعاتنا‪ ،‬لكن اآلن وبعد أن صار اسمي‬

‫‪.‬عام‬
‫ً‬
‫ثانية‬ ‫»‪.‬رددت بحدة‪« :‬ال تستخدمي هذا االسم على المأل‬

‫فهزت فان رأسها‪ ،‬وقالت‪« :‬هذا بالضبط ما أتحدث عنه‪ .‬قد يكون مآلك السجن لما تفعله ي=ا م=اركوس‪ ،‬وال يقتص=ر ذل=ك علي=ك‬

‫»… وحدك‪ ،‬بل العديد من الناس‪ ،‬بعد ما حدث لداريل‬

‫أفعل ذلك من أجل داريل!» أدار طلبة موسيقى اإليمو مقاعدهم للنظر إلينا‪ ،‬فخفضت صوتي‪ ،‬واس==تطردت‪« :‬أفع==ل ذل==ك ألن«‬

‫»‪.‬البديل هو السماح لهم باإلفالت بكل ما فعلوه‬

‫»‪.‬هل تعتقد أن بإمكانك إيقافهم؟ لقد فقدت صوابك‪ .‬إنهم الحكومة«‬

‫»‪.‬فأجبت‪« :‬وال تزال هذه بالدنا‪ .‬ال يزال من حقنا فعل ذلك‬
‫ْ‬
‫التقطت نفسين عميقين ونهضت‪ ،‬ثم قالت‪« :‬آسفة‪ ،‬ال يمكنني فعل ذلك‪ ،‬ال يمكنني مش==اهدتك‬ ‫بدت فان وقد أوشكت على البكاء‪.‬‬

‫وأنت تفعل ذلك‪ .‬إنه أشبه بمشاهدة تحطم سيارة بالتصوير البطيء‪ .‬س==تدمر نفس==ك‪ ،‬وح==بي ل==ك يمنع==ني من مش==اهدة ذل==ك وه==و‬

‫»‪.‬يحدث‬

‫«اعتن بنفس==ك ي==ا م==اركوس‪».‬‬


‫ِ‬ ‫م==الت عليَّ ‪ ،‬ع==انقتني بش==دة‪ ،‬وطبعت قبل==ة قوي==ة على وجن==تي اق==تربت فيه==ا من فمي‪ ،‬ثم ق==الت‪:‬‬

‫ضا‪ ،‬لكن على وجنته مباشر ًة‪ ،‬ثم غادرت‬ ‫‪.‬اشتعلت النار في فمي باقتراب شفتيها منه‪ .‬قب ْ‬
‫َّلت خولو أي ً‬

‫‪.‬حدقت أنا وخولو ك ٌّل منا في اآلخر بعد رحيلها‬

‫»!وضعت يديَّ على وجهي‪ ،‬وأخيرً ا قلت‪« :‬اللعنة‬

‫»‪.‬ربَّت خولو على ظهري‪ ،‬وطلب لي كوبًا آخر من القهوة‪ ،‬وقال‪« :‬سيكون الحال على ما يرام‬

‫ينس وال==داها ق=ط الع==دد«‬


‫اعتقدت أن فان — دون كل الناس — س=تتفهم‪ ».‬نص==ف عائل==ة ف==ان تعيش في كوري=ا الش=مالية‪ ،‬ولم َ‬
‫‪.‬الكبير من ذويهم الذين يعيشون في ظل حكم ديكتاتور َخ ِبل‪ ،‬وال يملكون الهروب إلى أمريكا مثلما فعال هما‬
‫َّ‬
‫»‪.‬هز خولو كتفيه‪ ،‬وقال‪« :‬لعل ذلك ما أفزعها؛ فهي تعلم مدى الخطورة التي يمكن أن يصل إليها األمر‬
‫ً‬
‫ثانية مطل ًقا‬ ‫‪.‬علمت ما كان يتحدث عنه؛ ُز َّج باثنين من أعمام فان في السجن‪ ،‬ولم يظهرا‬

‫»‪.‬فقلت‪« :‬نعم‪ ،‬أعلم‬

‫»لماذا لم تكن على شبكة إكس نت ليلة أمس؟«‬


‫شعرت باالمتنان لتغيير الموضوع‪ .‬شرحت له الموضوع بالكامل‪ ،‬بم==ا في ذل==ك التحلي==ل الب==ايزي وخ==وفي من ع==دم تمكنن==ا من‬

‫‪.‬استخدام شبكة إكس نت كما اعتدنا دون التعرض لالعتقال‪ .‬استمع إليَّ باهتمام‬

‫أفهم ما تقوله‪ .‬المشكلة أنه لو تضمن اتص=ال اإلن=ترنت لش=خص م=ا ق=درً ا كب=يرً ا من التش=فير‪ ،‬فس=ي َُعد غريبً=ا‪ .‬وفي ح=ال ع=دم«‬

‫»‪.‬استخدام التشفير‪ ،‬يصير من اليسير على األشرار التجسس عليك‬

‫»… نعم‪ ،‬حاولت طوال اليوم الوصول لحل‪ .‬ربما يمكننا إبطاء االتصال‪ ،‬ونشره على عدد أكبر من حسابات األفراد«‬

‫فأجابني‪« :‬لن يفيد ذلك‪ .‬إلبطاء االتصال بالقدر الك=افي لالختف=اء وس=ط البيان==ات المتداخل==ة‪ ،‬س==يكون علي==ك في األس=اس إيق=اف‬

‫»‪.‬تشغيل الشبكة‪ ،‬األمر الذي ال ي َُعد اختيارً ا‬

‫»قلت له‪« :‬أنت على حق‪ ،‬لكن ماذا بأيدينا فعله غير ذلك؟‬

‫»ماذا إذا غيرنا تعريف كلمة «عادي»؟«‬

‫لهذا عينت شركة «بيجسبلين» خولو للعمل معها وه=و في س=ن الثاني==ة عش=رة؛ فعن==دما تك=ون أمام=ه مش=كلة له=ا حاَّل ن س==يئان‪،‬‬

‫ت م==ا‬
‫يتوصل إلى حل ثالث مختلف تمامًا ق==ائم على اس==تبعاد كاف==ة افتراض==اتك‪ .‬أوم==أت برأس==ي بق==وة‪ ،‬وقلت ل==ه‪« :‬اس==تمر‪ ،‬ه==ا ِ‬
‫»‪.‬عندك‬

‫ماذا إذا كان مستخدم اإلنترنت العادي بسان فرانسيسكو ينطوي استخدامه الع=ادي لإلن==ترنت على ق==در أك==بر من التش=فير؟ إذا«‬

‫تمكنا من تغيير التوزيع بحيث تكون نسبة النص غير المشفر إلى النص المُش َّفر متعادلة‪ ،‬فسيبدو مس==تخدمو ش==بكة «إكس نت»‬

‫»‪.‬مثل المستخدمين العاديين‬

‫لكن كيف نفعل ذلك؟ ال يأبه الناس كثيرً ا بشأن خصوصيتهم بقيامهم بتصفح اإلنترنت من خالل رابط مُش َّفر‪ ،‬وال يرون أهمية«‬

‫»‪.‬في أن يعلم المتجسِّسون ما يبحثون عنه على جوجل‬

‫نعم‪ ،‬لكن صفحات اإلنترنت تمثل نسبة صغيرة من استخدام البيانات‪ .‬وإذا جعلن=ا الن=اس ي==نزلون دو ًم==ا بض==عة ملف=ات مُش= َّفرة«‬

‫»‪.‬ضخمة يوم ًّيا‪ ،‬فسيبلغ النص المُش َّفر اآلالف من صفحات اإلنترنت‬

‫»‪.‬قلت له‪« :‬تتحدث عن شبكة مستقلة‬

‫»‪.‬فأجابني‪« :‬لقد فهمت ما أقصده‬

‫الشبكة المستقلة هي ما جعل شركة «بيجسبلين نت» واحدة من أكثر شركات توفير خدمات اإلنترنت المستقلة نجاحً ا في العالم‪.‬‬

‫عندما بدأت كبرى شركات التسجيالت الموسيقية في مقاضاة عمالئها لتنزيل المق==اطع الموس==يقية الخاص==ة به==ا‪ ،‬أص==اب ال==ذعر‬

‫الكث=ير من ش=ركات التس=جيالت الموس==يقية المس=تقلة ومن يتع=املون معه=ا من فن=انين‪ .‬فكي==ف تج=ني الش=ركات الم=ال بمقاض=اة‬

‫عمالئها؟‬
‫توصلت مؤ ِّس َسة شركة «بيجسبلين» إلى اإلجابة عن هذا السؤال؛ فعقدت اتفا ًقا مع أي فنان يرغب في التعاون مع معجبيه بداًل‬

‫من مح==اربتهم‪ :‬إذا أعطيت ش==ركة «بيجس==بلين» تص==ريحً ا لتوزي==ع موس==يقاك على عمالئه==ا‪ ،‬فس==وف تمنح==ك نس==بة من رس==وم‬
‫االشتراك حسب مدى شعبية موسيقاك‪ .‬إن المشكلة الكبرى للفنان المستقل ليست القرصنة‪ ،‬وإنما ع==دم الش==هرة؛ بمع==نى أال يهتم‬

‫‪.‬أحد بما فيه الكفاية بألحانك لسرقتها‬

‫ونجحت الفك==رة؛ إذ و َّقعت المئ==ات من ش==ركات إنت==اج الموس==يقى والفن==انين م==ع ش==ركة «بيجس==بلين»‪ .‬وكلم==ا زادت الموس==يقى‬

‫بالموقع‪ ،‬زاد عدد المعجبين الذين يحصلون على خدمة اإلنترنت من شركة «بيجسبلين»‪ ،‬وزاد مقدار المال الذي يحصل علي==ه‬

‫الفنانون‪ .‬وفي خالل عام‪ ،‬حصدت الشركة مائة ألف عميل جديد‪ ،‬وصار لديها اآلن ملي==ون عمي==ل؛ أي أك==ثر من نص==ف عمالء‬

‫‪.‬االتصاالت واسعة النطاق في المدينة‬

‫قال خولو‪« :‬عملت على تط=وير ك=ود الش=بكة المس=تقلة لش=هور اآلن‪ُ .‬كتِبت ال=برامج األص=لية على نح=و س=ريع وس=يئ للغاي=ة‪،‬‬

‫ويمكن جعلها أكثر كفاءة بقليل من العمل‪ ،‬لكنني لم أج==د ال==وقت فحس==ب‪ .‬تمثلت إح==دى أهم المه==ام في تش==فير االتص==االت؛ ألن‬

‫ترودي تفضل ذلك‪ ».‬ترودي دو هي مؤسِّسة شركة «بيجسبلين»‪ .‬كانت فيما سبق أسطورة البانك روك في س==ان فرانسيس==كو‪،‬‬

‫المغنية= الرئيسية في الفرقة النسوية الفوضوية «سبيدهورز»‪ ،‬وكان لديها ول==ع بش=أن الخصوص=ية‪ .‬ك==ان بوس=عي تص==ديق أنه=ا‬

‫‪.‬تشفر ما تقدمه من خدمات موسيقية بنا ًء على مبادئ عامة‬

‫»هل سيكون ذلك صعبًا؟ أعني كم سيستغرق من الوقت؟«‬

‫أجاب خولو‪« :‬حس ًنا‪ ،‬يتوفر قدر هائل من األكواد المش َّفرة مجا ًنا على اإلنترنت‪ ،‬بالطبع‪ ».‬وفعل مثلما فع==ل عن==د محاولت==ه ح==ل‬

‫مشكلة كود معقد‪ :‬ش==رد بذهن==ه‪ ،‬ونق==ر براحتي==ه على الطاول==ة‪ ،‬فانس==كبت بعض القه==وة في ص==حن الفنج==ان‪ .‬ش==عرت برغب==ة في‬

‫‪.‬الضحك‪ .‬قد يكون كل شيء مدمرً ا ومخي ًفا‪ ،‬لكن خولو سيكتب ذلك الكود‬

‫»هل بوسعي المساعدة؟«‬

‫»نظر إليَّ ‪ ،‬وقال‪« :‬ماذا؟ أتعتقد أنني غير قادر على تدبر األمر؟‬

‫»ماذا؟«‬

‫أعني أنك أنهيت العم==ل على ش==بكة إكس نت بالكام==ل دون أن تخ==برني … دون أن تتح==دث معي‪ .‬اعتق==دت أن==ك لم تحتج إلى«‬

‫»‪.‬مساعدتي في هذا األمر‬

‫أخرستني كلماته‪ ،‬وكررت قولي‪« :‬ماذا؟» بدا خولو حان ًقا ح ًّقا اآلن‪ .‬كان من الجلي أن ذلك يعتمل في صدره منذ ف==ترة طويل=ة‪.‬‬

‫»… «خولو‬

‫نظر نحوي‪ ،‬وتمكنت من رؤية غضبه الشديد‪ =.‬كيف لم أنتبه لذلك؟ يا إلهي! أكون مغفاًل ح ًّقا في بعض األحيان‪ .‬قال‪« :‬انظر ي==ا‬

‫صديقي‪ ،‬ليس هذا باألمر المهم — كان يقصد بشكل واضح أنه مهم للغاية — كل ما هنالك أنك لم تطلب المس==اعدة ق==ط‪ .‬إن==ني‬

‫ضا‪ .‬كان بإمكاني ح ًّقا المساعدة في ذلك‬


‫»‪.‬أكره وزارة األمن الوطني‪ ،‬وداريل كان صديقي أي ً‬

‫شعرت بخجل شديد من نفسي‪ ،‬وقلت له‪« :‬اسمع يا خولو‪ ،‬كان ذلك غبا ًء مني ح ًّقا‪ .‬لقد نف=ذت األم=ر في الثاني=ة ص=باحً ا تقريبً=ا‪.‬‬

‫كنت خباًل حينها‪ .‬إنني …» لم أتمكن من التفسير‪ .‬نعم‪ ،‬لقد كان على حق‪ ،‬وهذه هي المشكلة‪ .‬ك==انت الثاني==ة ص==باحً ا‪ ،‬لكن ك==ان‬
‫بإمكاني مع ذلك التحدث معه في األمر في اليوم التالي أو الذي يليه‪ .‬لم أفعل ألنني كنت أعلم ما كان س=يقوله‪ ،‬ك=ان س=يقول إن=ه‬

‫عمل محفوف بالمخاطر‪ ،‬وإنني بحاجة إلعادة النظر فيه‪ .‬طالما تمكن خولو من تحويل ما يراودني من أفكار في الثانية ص==باحً ا‬

‫إلى كود حقيقي‪ ،‬لكن ما كان يتوصل إليه كان دائمًا مختل ًفا بعض الشيء عم=ا كنت أتوص=ل إلي=ه‪ .‬لق=د أردت المش=روع لنفس=ي‪،‬‬

‫‪.‬وتملكتني شخصية مايكي تمامًا‬

‫قلت أخيرً ا‪« :‬آسف‪ ،‬إنني آسف ح ًّقا‪ ،‬فأنت معك كل الحق‪ .‬لقد فزعت فقط‪ ،‬وكان تصرفي أحمق‪ .‬إنني بحاج==ة لمس==اعدتك ح ًّق==ا‪،‬‬

‫»‪.‬وال يمكنني تنفيذ هذا العمل بدونك‬

‫»هل تعني ما تقوله؟«‬

‫»‪.‬بالطبع أعنيه‪ .‬فأنت أفضل مصمم أكواد رأيته‪ .‬إنك لعبقري ح ًّقا يا خولو‪ ،‬وسيشرفني أن تعينني في ذلك«‬

‫أخذ ينقر بأصابعه أكثر‪ ،‬ثم قال‪« :‬إنه فقط … أنت تعلم‪ .‬إنك القائد‪ ،‬وفان الش==خص ال==ذكي‪ ،‬وداري==ل ك==ان … نائب==ك‪ ،‬من ينظم‬

‫»‪.‬كل شيء ويراقب التفاصيل‪ .‬أما البرمجة‪ ،‬فهذه كانت مهمتي؛ لذا‪ ،‬شعرت كما لو أنك تقول إنك لست بحاجة إليَّ‬
‫»… يا إلهي! يا لي من أحمق! إنك أكثر من أعرفهم كفاءة — يا خولو — في فعل ذلك‪ .‬إنني ح ًّقا‪ ،‬ح ًّقا«‬
‫حس ًنا‪ ،‬ال بأس‪ .‬كفى‪ ،‬إنني أصدقك‪ .‬وضعنا اآلن يُر َثى له؛ لذا يمكنك بالطبع المساعدة‪ ،‬وربما يمكننا أن ندفع لك ً‬
‫أيض =ا مقاب==ل«‬

‫»‪.‬خدماتك؛ فلدي ميزانية صغيرة للمبرمِجين المتعاقِدين من الخارج‬

‫‪.‬ح ًّقا؟» لم يدفع لي أحد المال مقابل تصميم األكواد من قبل«‬

‫بالتأكيد‪ =،‬فأنت على األرجح بالكفاءة التي تؤهلك لذلك‪ ».‬ابتسم ابتسامة عريضة‪ ،‬ولكمني في كتفي‪ .‬يتس==م خول==و بطب==ع ه==ادئ«‬

‫‪.‬في أغلب األحيان؛ ولذلك أفزعني كثيرً ا ما حدث بيننا منذ قليل‬

‫دفعت ثمن القهوة‪ ،‬وغادرنا المقهى‪ .‬اتصلت بوالديَّ ‪ ،‬وأعلَمتهما بما كنت أفعله‪ .‬أص=رَّ ت وال=دة خول=و على إع=داد الش=طائر لن=ا‪.‬‬

‫حبسنا أنفسنا في غرفته مع جهاز الكمبيوتر الخاص به وك==ود الش==بكة المس==تقلة‪ ،‬وب==دأنا واح==د ًة من أعظم عملي==ات البرمج==ة في‬

‫التاريخ‪ .‬ما إن خلدت أسرة خولو للنوم في الحادية عشرة والنصف تقريبًا ح==تى تمك َّنا من اختط==اف ماكين==ة القه==وة إلى غرفت==ه‪،‬‬

‫‪.‬وأخذنا نرتشف من مخزون البن السحري‬

‫إذا لم تسبق لك برمجة كمبيوتر‪ ،‬يجدر بك أن تفعل‪ ،‬ما من شيء يضاهيها في العالم أجمع‪ .‬عندما تبرمج كمبيوتر‪ ،‬فإنه ينفذ م==ا‬

‫تمليه عليه بالضبط‪ .‬إنه أشبه بتصميم ماكينة؛ أ ًّي=ا ك=انت؛ س=واء أك=انت س=يارة‪ ،‬أو ص=نبورً ا‪ ،‬أو مفص=ل ب=اب‪ ،‬وذل=ك باس=تخدام‬

‫‪.‬العمليات الرياضية واإلرشادات‪ .‬إن األمر مذهل ح ًّقا؛ ويمكن أن يمأل قلبك بالرهبة‬

‫الكمبيوتر أك==ثر األجه==زة ال==تي ق==د تس==تخدمها تعقي= ًدا على اإلطالق؛ فه==و مؤلَّف من الباليين= من أجه==زة الترانزيس==تور متناهي==ة‬

‫الصِّغر التي يمكن تهيئتها لتشغيل أي برنامج قد تتخيله‪ ،‬لكن عندما تجلس أمام لوح==ة المف==اتيح‪ ،‬وتكتب س==طرً ا من الك==ود‪ ،‬تنف==ذ‬

‫‪.‬هذه األجهزة ما تمليه عليها‬

‫‪.‬معظمنا لن يتسنى له مطل ًقا صناعة سيارة‪ ،‬أو نظام طيران‪ ،‬أو تصميم مبنى أو تخطيط مدينة‬
‫ً‬
‫تعقيدا بكثير‪ =،‬وم==ع ذل==ك ي==رقص على أي‬ ‫فهذه ماكينات أو أشياء معقدة‪ ،‬وتقع خارج نطاق قدرتي وقدرتك‪ ،‬لكن الكمبيوتر أكثر‬

‫نغمة تعزفها‪ .‬يمكنك= تعلم كتابة كود بسيط في فترة وجيزة‪ .‬لتبدأ بلغة مثل بايثون‪ ،‬وهي اللغة ال==تي ُكتِبت لمنح غ==ير الم==برمجين‬

‫وسيلة أيسر لجعل الكمبيوتر يلبي رغباتهم‪ .‬عليك فعل ذلك‪ ،‬وإن كنت لن تمارس البرمجة إال ليوم واحد فقط‪ ،‬أو لف==ترة وج==يزة‬

‫من الوقت‪ .‬يمكن ألجهزة الكمبيوتر أن تتحكم فيك‪ ،‬أو تخفف من عبء عمل=ك؛ لكن==ك إذا أردت التحكم في أجهزت==ك‪ ،‬فعلي=ك أن‬

‫‪.‬تتعلم كتابة األكواد‬

‫‪.‬أسفرت تلك الليلة عن كتابتنا الكثير من األكواد‬


‫الفصل الثامن‬
‫أهدي هذا الفصل لمتجر بوردرز‪ ،‬ذلك العمالق العالمي لبيع الكتب الموجود في جميع مدن العالم‪ .‬لن أنس==ى أب= ً=دا دخ==ول متج==ر‬

‫بوردرز الضخم في شارع أورشارد في سنغافورة‪ ،‬واكتشاف رف محمَّل برواياتي! لس==نوات ع==دة‪ ،‬استض==اف ه==ذا المتج==ر في‬

‫فرعه في شارع أكس=فورد بلن==دن= أمس==يات ب==ات كاديج==ان الش==هرية للخي==ال العلمي؛ حيث يق==رأ المؤلف==ون المحلي==ون والزائ==رون‬

‫أعمالهم‪ ،‬ويتحدثون عن الخيال العلمي‪ ،‬ويلتقون بمعجبيهم‪ =.‬عندما أكون في مدينة= غريبة (وهو ما يحدث كثيرً ا)‪ ،‬وأحتاج لكتاب‬

‫رائع لرحلتي التالية‪ ،‬دائ ًما ما أدخل أحد متاجر بوردرز وأجده زاخرً ا بالخيارات المذهلة‪ .‬وأنا متح==يز بوج==ه خ=اص لفرع==ه في‬

‫‪.‬ميدان يونيون بسان فرانسيسكو‬

‫***‬
‫ُ‬
‫لست الوحيد الذي عرَّ ضته المدرجات اإلحصائية التكرارية للمشكالت؛ فأنماط التحرك واالستخدام غير طبيعية لدى الكثير من‬
‫‪».‬الناس‪ .‬صار النمط غير الطبيعي هو الشائع‪ ،‬بل إنه أصبح عمل ًّيا «الطبيعي أو العادي‬
‫امتألت شبكة «إكس نت» بهذه القصص‪ ،‬وكذلك الصحف ونشرات األخب==ار التليفزيوني==ة‪ .‬أزواج ُت َ‬
‫كتش=ف خي==انتهم لزوج==اتهم‪،‬‬

‫وزوجات ُتكت َشف خيانتهن ألزواجهن‪ ،‬شباب يتضح خروجهم وإقامتهم عالقات غير شرعية م=ع رفيق=ات أو رفق=اء لهم‪ ،‬ش=باب‬

‫‪.‬لم يخبروا آباءهم بإصابتهم باإليدز يُكت َشف ذهابهم للمستشفى للحصول على األدوية‬

‫هؤالء هم من لديهم شيء يريدون إخفاءه‪ ،‬ليسوا مذنبين‪ =،‬وإنما لديهم أسرار‪ .‬وهناك عدد أكبر من الناس ليس لديهم م==ا يخفون==ه‬

‫على اإلطالق‪ ،‬لكنهم يستاءون من القبض عليهم ومساءلتهم‪ .‬تخيل أن شخصًا ما حبس==ك في م==ؤخرة إح==دى س==يارات الش==رطة‪،‬‬

‫‪.‬وطلب منك إثبات أنك «لست» إرهاب ًّيا‬

‫لم يقتصر األمر على المواصالت العامة فحسب‪ .‬يحتفظ أغلب السائقين في منطقة الخليج ببطاقة مرور «فاستراك» في الواقي‬

‫من الشمس بسياراتهم‪ .‬و«فاستراك» هي «محفظة» صغيرة تعمل بالموجات الالسلكية وتدفع الرسوم بالنيابة عنك عن==د عب==ور‬
‫الجسور‪ ،‬مُج ِّن ً‬
‫بة إياك عناء الوقوف في طابور لساعات في ساحات دفع رسوم المرور‪ .‬وقد زودوا تكلفة الدفع ً‬
‫نقدا ثالث م==رات‬

‫لتجاوز الجسر (وإن كانوا يتالعبون بذلك دو ًما‪ ،‬من خالل التصريح بأن «فاستراك» أقل تكلفة‪ ،‬وليس أن الدفع نق= ً=دا — ال==ذي‬
‫يكون دافعه مجهول الهوية — أكثر تكلفة)‪ .‬واختفت المعارضة تمامًا عندما ُخفِض عدد= حارات الدفع ً‬
‫نقدا إلى حارة واحدة لكل‬

‫‪.‬جسر؛ ما ترتب عليه أن طوابير الدفع نق ًدا صارت أطول‬

‫ومن ثم‪ ،‬إذا كنت أحد المواطنين المحليين‪ ،‬أو تقود سيارة مؤجرة من وكالة محلية‪ ،‬فستحمل بطاق==ة «فاس==تراك»‪ .‬لكن س==احات‬

‫دفع رسوم المرور ليست المكان الوحيد الذي ُت َ‬


‫قر أ فيه بطاقة «فاستراك»‪ .‬لقد وضعت وزارة األمن الوطني أجهزة لقراءة ه==ذه‬

‫البطاقات بجميع أنحاء المدينة؛ وعندما تتجاوزها‪ ،‬تسجل الوقت ورقم بطاقة هويت==ك لتعكس على نح==و أفض==ل َمن ذهب‪ ،‬وأين‪،‬‬

‫ومتى‪ ،‬في قاعدة بيانات تعززها «كاميرات مراقبة السرعة»‪ ،‬و«كاميرات تجاوز اإلش==ارة الحم==راء»‪ ،‬وغيره==ا من ك==اميرات‬

‫‪.‬رصد لوحات أرقام السيارات المنتشرة في كل مكان‬


‫لم يفك==ر أح==د كث==يرً ا في ه==ذا األم==ر‪ .‬واآلن‪ ،‬بع==د أن انتب==ه الن=اس‪ ،‬ب==دأنا جميعً= ا في مالحظ==ة تفاص==يل ص==غيرة‪ ،‬مث==ل حقيق==ة أن‬

‫‪«.‬فاستراك» ال يمكن إيقافه‬

‫ومن ثم‪ ،‬إذا كنت تقود سيارة ما‪ ،‬فمن المرجح أن تستوقفك إحدى سيارات شرطة سان فرانسيسكو لتعرف سبب تكرار زيارتك‬

‫‪.‬لمتجر هوم ديبو مؤخرً ا‪ ،‬وذهابك إلى مدينة سنوما في منتصف الليل األسبوع الماضي‬

‫أخذت المظاهرات البسيطة‪ ،‬التي اندلعت في أرجاء المدينة= في عطلة نهاية األسبوع‪ ،‬في التزايد؛ فخرج خمسون أل==ف ف==رد في‬

‫مسيرة بشارع ماركت بعد أسبوع من هذه المراقبة‪ .‬بيد أنني لم أُعِ رْ ذلك اهتما ًما؛ فمن احتلوا مدينتي لم يهتموا بما أراده أهلها‪،‬‬

‫‪.‬إنهم جيش مظ َّفر‪ ،‬وقد علموا شعورنا تجاه ذلك‬

‫في صبيحة أحد األيام‪ ،‬وعند نزولي لتناول الفطور في الموعد المحدد تمامًا‪ ،‬سمعت أبي يخبر أمي أن أكبر ش==ركتين لس==يارات‬

‫األجرة تقدم «خصمًا» لمن يستخدمون بطاقات خاصة لدفع األجرة‪ ،‬وال=تي من المف=ترض أن تزي==د من أمن الس=ائقين من خالل‬

‫تقليل كم النقود التي يحملونها‪ .‬تساءلت عما يمكن أن ُتستخ َدم فيه المعلومات المتعلقة بمن استقل سيارات األجرة والمك==ان ال=ذي‬

‫‪.‬توجه إليه‬

‫أدركت مدى اقترابي من الهدف‪ .‬انتشر عميل الشبكة المستقلة الجديد كتحديث تلقائي مع بدء تدهور األح==وال‪ ،‬وأخ==برني خول==و‬

‫أن ‪ ٨٠‬بالمائة من حركة البيانات التي رآها في شركة بيجسبلين صارت اآلن مُش َّفرة‪ .‬ولعله بذلك يكون قد تم إنقاذ شبكة «إكس‬

‫‪».‬نت‬

‫‪.‬لكن أبي كان يدفعني للجنون‬

‫أثناء تناولنا الفطور في أحد األيام‪ ،‬أخبرته بشأن الشباب الذين شهدت تفتيش الشرطة لهم بشكل كامل في إحدى محطات ب==ارت‬

‫»‪.‬في اليوم السابق‪ ،‬فكان رده‪« :‬لقد أصبت بجنون االرتياب يا ماركوس‬

‫»‪.‬هذا سخف يا أبي‪ ،‬إنهم ال يقبضون على أي إرهابيين‪ ،‬أليس كذلك؟ كل ما يفعلونه هو إرهاب الناس«‬

‫ربما لم يلقوا القبض على أي إرهابيين= بعد‪ ،‬لكنهم يقبضون على الكثير بالتأكيد من المجرمين من الشوارع‪ ،‬ومثال على ذل==ك«‬
‫َ‬
‫تعرضت للس==رقة على ي==د‬ ‫تجار المخدرات؛ فيُقال إنه قد أُلقي القبض على العشرات منهم منذ بدء هذه اإلجراءات‪ .‬أتذكر عندما‬

‫عدد من م==دمني المخ==درات؟ إذا لم نقبض على من ي==بيعون تل==ك المخ==درات لهم‪ ،‬فس==تزداد األم==ور س==وءًا‪ ».‬كنت ق==د تعرض=ت‬

‫لهجوم العام السابق‪ ،‬لكن من هاجموني اتسموا بالرقي ح ًّقا؛ فقال لي شاب نحيف رائحته كريهة إنه يحم==ل س==الحً ا‪ ،‬وطلب م==ني‬

‫اآلخر إعطاءه محفظتي‪ .‬لكنهما سمحا لي باالحتفاظ ببطاقة هويتي‪ ،‬وإن أخذا بطاقة السحب وبطاقة «فاست باس»‪ .‬رغم ذل==ك‪،‬‬

‫‪.‬أفزعني ذلك الحادث ح ًّقا‪ ،‬وجعلني أصاب بجنون االرتياب وأنظر خلفي طوال الوقت على مدى أسابيع‬

‫قلت‪« :‬لكن معظم من يستوقفونهم ال يفعلون شي ًئا خاط ًئا يا أبي‪ ».‬بدأت أنزعج‪ ،‬هل هذا رأي والدي؟! «ه==ذا جن==ون‪ .‬في مقاب==ل‬
‫»‪.‬كل شخص مذنب يلقون القبض عليه‪ ،‬يعاقبون اآلالف من األبرياء‪ .‬هذا ليس ً‬
‫جيدا‬
‫األبرياء؟ أزواج خائنون؟ تجار مخدرات؟ تدافع عن هؤالء‪ ،‬لكن ماذا عن كل األبرياء الذين لق=وا حتفهم؟ إذا لم يكن ل=ديك أي«‬

‫»… شيء تخفيه‬

‫داع‪ ».‬أثبتت المدرجات اإلحصائية التكرارية الخاصة بوال==دي أنه==ا لألس==ف طبيعي==ة ح==تى«‬
‫إذن‪ ،‬فلن يهمك إن استوقفوك دون ٍ‬
‫‪.‬اآلن‬

‫»‪.‬أجابني‪« :‬سأعتبره واجبي‪ ،‬سأشعر بالفخر‪ ،‬وسيزيد ذلك من شعوري باألمان‬

‫‪.‬القول أيسر من الفعل‬

‫•••‬

‫لم تحب فانيسا تحدثي عن هذا الموضوع‪ ،‬لكن فطنتها به جعلت من الصعب عليَّ إبعادها عن==ه لف==ترة طويل==ة‪ .‬كن==ا نلتقي دو ًم==ا‪،‬‬

‫ونتحدث عن الطقس والمدرسة وغير ذلك‪ ،‬ثم أنتقل بطريقة ما إلى هذا الموضوع‪ .‬لم تأبه فانيسا عن==د ح==دوث ذل==ك — فهي لم‬
‫ً‬
‫ثانية — لكن كان بإمكاني أن أرى أن هذا يزعجها‬ ‫‪.‬تغضب مني‬

‫‪.‬ومع ذلك‪ ،‬لم أكف‬

‫ثم قال أبي‪« :‬سأعتبره واجبي»‪ ،‬أيمكنك تصديق ذلك؟ يا إلهي! كدت أخبره بدخولي السجن سائاًل إي==اه إذا ك==ان يظن أن ذل==ك«‬

‫»!»«واجبنا‬

‫‪.‬كنا نجلس على النجيل في متنزه «دولوريس» بعد الدوام المدرسي‪ ،‬نشاهد الكالب وهي تطارد األطباق الطائرة‬

‫عرجت فان على منزلها‪ ،‬وبدلت مالبسها لترتدي تي شيرت قديمًا إلحدى فرق موس==يقى «التكن==و بريج==ا» البرازيلي==ة المفض==لة‬

‫لديها‪ ،‬وهي كيريوكا بروبياديو‪ ،‬والتي تعني الشاب المحظور المولود في ريو دي جانيرو‪ .‬حصلت على ذل==ك ال==تي ش==يرت في‬

‫إحدى الحفالت التي حضرناها جمي ًع ا قبل ذلك الحين بعامين؛ إذ هربنا حينها لخوض مغامرة مذهلة في س=احة «ك=او ب==االس»‪.‬‬

‫وقد زاد طولها نحو بوصة أو اثنتين منذ ذلك الحين؛ لذا أصبح التي شيرت ضي ًقا ويكشف عن بطنها م ِ‬
‫ُظه==رً ا ُس =رَّ تها الص==غيرة‬

‫‪.‬المسطحة‬

‫استلقت فان في الشمس التي ألقت بأشعتها الهادئة على المكان‪ ،‬وأغلقت عينيها خلف نظارتها الشمس==ية‪ ،‬وأص==ابع ق==دميها ته==تز‬

‫في حذائها الخفيف‪ .‬أعرف فان منذ أمد بعيد‪ ،‬وعندما أفكر فيها‪ ،‬أرى غالبًا الفتاة الصغيرة التي أعرفها‪ ،‬التي ترتدي المئات من‬

‫األساور المصنوعة من أجزاء علب المشروبات الغازية وما تحدثه من قعقعة‪ ،‬والتي تع==زف على البي==انو‪ ،‬وال يمكنه==ا ال==رقص‬

‫‪.‬وإن توقفت حياتها على ذلك‪ .‬لكن بجلوسها في ذلك المتنزه‪ ،‬رأيتها فجأة على حقيقتها‬
‫فتاة مثيرة للغاية‪ .‬كان األمر أشبه بالنظر إلى صورة مزهريَّة‪ ،‬ومالحظة أنها صورة لوجهين أي ً‬
‫ضا‪ .‬كان بإمكاني رؤية أن ف==ان‬
‫‪.‬لم تتغير‪ ،‬لكن بإمكاني أي ً‬
‫ضا رؤية كم هي باهرة الجمال‪ ،‬األمر الذي لم ألحظه قط من قبل‬

‫‪.‬علم داريل ذلك بالطبع طوال الوقت‪ ،‬وأعتقد أنني شعرت بالحزن عند إدراكي ذلك‬
‫قالت فان‪« :‬ال يمكنك أن تخبر والدك‪ ،‬فستعرضنا جمي ًعا للخطر‪ ».‬أغلقت عينيها وأخذ صدرها يصعد ويهب=ط م==ع أنفاس==ها‪ ،‬م=ا‬

‫‪.‬كان مش ِّت ًتا لالنتباه على نحو محرج ح ًّقا‬

‫ت القبض على وال==دي‪،‬‬


‫قلت بوج==ه ع==ابس‪« :‬نعم‪ ،‬لكن المش==كلة هي أن==ني أعلم أن==ه ال يع==ني م==ا يقول==ه على اإلطالق‪ .‬إذا ألقي ِ‬
‫وأجبر ِت ِه على إثبات أنه ليس متحر ًشا باألطفال‪ ،‬أو إرهاب ًّيا يتاجر في المخدرات‪ ،‬فسوف يجن جنونه ويصبح خ==ارج الس==يطرة؛‬

‫فهو يكره االنتظار عند اتصاله لالستعالم عن فاتورة بطاقته االئتماني==ة‪ =.‬واحتج==ازه في م==ؤخرة ش==احنة واس==تجوابه لم==دة س==اعة‬

‫»‪.‬سيصيبه بتمدد= في األوعية‬

‫السبب الوحيد إلفالت من يفعلون ذلك من العقاب هو أن األفراد الطبيعيين أكثر اعتدا ًدا بأنفسهم من غير الطبيع==يين‪ .‬إذا قُ ِبض«‬

‫»‪.‬على الجميع‪ ،‬فستكون كارثة‪ .‬لن يذهب أحد إلى أي مكان‪ ،‬وسينتظرون جميعً ا استجواب الشرطة لهم‪ .‬ستكون أزمة حقيقية‬

‫!يا إلهي‬

‫»!قلت لها‪« :‬فان‪ ،‬إنكِ عبقرية‬

‫‪.‬فقالت‪« :‬بالطبع‪ ».‬ابتسمت ابتسامة هادئة‪ =،‬ونظرت إليَّ بعينين= شبه مغمضتين على نحو يكاد يكون رومانس ًّيا‬

‫»‪.‬عن جد‪ ،‬يمكننا فعل هذا‪ .‬يمكننا التالعب في ملفات التعريف بسهولة‪ ،‬وسيصبح إلقاء القبض على الناس يسيرً ا«‬

‫‪.‬جلست فان‪ ،‬وأزاحت شعرها عن وجهها‪ ،‬ونظرت إليَّ ‪ .‬شعرت باضطراب بسيط في معدتي‪ ،‬معتق ًدا أنها منبهرة بي ح ًّقا‬

‫قلت لها‪« :‬إنها أجهزة نسخ شرائح تحديد الهوية بالموجات الالسلكية‪ .‬من اليسير للغاية صنعها‪ .‬كل م==ا علين==ا فعل==ه ه==و تمري==ر‬

‫البرنامج الثابت (الفيرموير) أمام جهاز كتابة‪/‬قراءة بثمن عشرة دوالرات من متجر «راديو شاك»‪ ،‬وينتهي األمر‪ .‬نتجول بع==د‬

‫ذلك بين الناس ونبدل البطاقات بينهم عشوائ ًّي ا‪ ،‬مع تبديل أكواد بطاقات «فاست باس» و«فاستراك» الخاصة بهم‪ .‬سيجعل ذل==ك‬

‫»‪.‬الجميع يبدون غرباء وحمقى‪ ،‬والجميع سيبدون مذنبين؛ ومن ثم تحدث أزمة حقيقية‬
‫ُ‬
‫أدركت حينها أنها وصلت لحالة من الغضب حالت دون تحدثها معي‬ ‫‪.‬زمَّت فان شفتيها‪ ،‬وأنزلت النظارة الشمسية‪.‬‬
‫ً‬
‫مسرعة كما لو كانت تركض‬ ‫‪.‬قالت وهي تنهض‪« :‬ودا ًعا يا ماركوس‪ ».‬وقبل أن أدرك ما يحدث‪ ،‬كانت تسير بعي ًدا=‬

‫»!قلت وأنا أنهض وأركض وراءها‪« :‬فان! فان! انتظري‬

‫ُجبر ًة إياي على الركض للحاق بها‬ ‫ْ‬


‫‪.‬أسرعت في خطاها م ِ‬
‫‪.‬قلت لها وأنا أجذبها من ذراعها‪« :‬اللعنة‪ ،‬فان!» أبعدتني= عنها بعنف حتى كدت ألكم نفسي في وجهي‬

‫أنت مريض نفس ًّي ا يا ماركوس! ستعرض حياة كل من يستخدمون شبكة «إكس نت» التي صممتها للخطر‪ ،‬وف==وق ك==ل ذل==ك‪«،‬‬

‫»ستحول المدينة بأسرها إلى مشتبه فيهم بتهمة اإلرهاب‪ .‬أليس بوسعك التوقف قبل أن تلحق الضرر بهؤالء الناس؟‬

‫فتحت فمي وأغلقت==ه م==رتين‪ ،‬ثم قلت‪« :‬المش==كلة ليس==ت فيَّ ي==ا ف=ان‪ ،‬ب==ل فيهم‪ .‬لس=ت أن=ا من يقبض على الن==اس‪ ،‬وي==زج بهم في‬

‫»‪.‬السجون‪ ،‬ويجعلهم يختفون‪ ،‬وزارة األمن الوطني هي من يفعل ذلك‪ ،‬وأنا أناضل لردعها‬

‫»كيف؟ بزيادة األمر سوءًا؟«‬


‫»… ربما يجب أن يزيد األمر سوءًا ليتحسن بعد ذلك يا فان‪ .‬أليس هذا ما قلته؟ إذا قُ ِبض على الجميع«‬

‫أعن أنه يجب إلقاء القبض على الجميع‪ .‬إذا أردت االحتجاج‪ ،‬فعليك باالنضمام لحركة االحتجاج==ات‪«.‬‬
‫لم يكن هذا ما أعنيه‪ ،‬لم ِ‬
‫»افعل شي ًئا إيجاب ًّيا‪ .‬ألم تتعلم أي شيء من داريل؟ أي شيء على اإلطالق؟‬

‫أجبتها وقد بدأت أفقد أعصابي‪« :‬بالتأكيد‪ =،‬تعلمت‪ .‬تعلمت أنه ال يمكن الوثوق في هؤالء الناس‪ ،‬وأننا نعينهم على ما يفعلونه إذا‬

‫ت ي==ا ف==ان؟ أن تظلي خائف==ة دو ًم==ا‪ ،‬وتل==تزمي‬


‫ت أن ِ‬
‫لم نجابههم‪ ،‬وأنهم سيحولون البل==د إلى س==جن إذا س==محنا لهم ب==ذلك‪ .‬م==اذا تعلم ِ‬
‫الهدوء‪ ،‬وتطأطئي رأسك أماًل في أاَّل يالحظك أحد؟ هل تعتق==دين= أن األم==ور ستتحس==ن؟ إذا لم نفع==ل أي ش==يء‪ ،‬فس==يكون األم==ر‬

‫أس==وأ مم==ا نحن علي==ه اآلن‪ ،‬وس==يظل يس==وء ويس==وء من اآلن فص==اع ًدا‪ .‬أتري==دين مس==اعدة داري==ل؟ س==اعديني إذن في االنتص==ار‬

‫»!عليهم‬

‫ها هو العهد الذي قطعته على نفسي يظهر من جديد؛= وهو أال أح=رر داري=ل‪ ،‬وإنم=ا أوق=ع ب=وزارة األمن الوط=ني بالكام=ل‪ .‬إن=ه‬

‫‪.‬ضرب من الجنون‪ ،‬أنا نفسي علمت ذلك‪ .‬لكن هذا ما خططت لفعله‪ ،‬وال شك في ذلك‬

‫دفعتني فان بقوة بكلتا يديها‪ .‬تمتعت بالقوة بفضل األلعاب الرياضية المدرسية — سالح الشيش‪ ،‬واللكروس‪ ،‬واله==وكي‪ ،‬وكاف==ة‬
‫ألعاب مدارس الفتيات األخرى — وانتهى بي األمر على م==ؤخرتي على أح==د أرص==فة س==ان فرانسيس==كو الق==ذرة‪ .‬ابتع= ْ‬
‫=دت‪ ،‬ولم‬

‫‪.‬ألحق بها‬

‫»‪.‬ليس المهم في أنظمة األمن كيفية عملها‪ ،‬وإنما كيفية تعطيلها«‬

‫كان هذا السطر األول في أول مشاركة لي بمدونة «أوبن ريفولت» (أي تمرد صريح)‪ ،‬الموقع الذي أنشأته على ش==بكة «إكس‬

‫‪.‬نت»‪ .‬كتبت باسم «مايكي»‪ ،‬وكنت متأهبًا لخوض المعركة‬

‫ربما يكون الهدف من الفحص اآللي هو إلقاء القبض على اإلرهابيين‪ =،‬ولعله سيفضي إلى ذل=ك آجاًل أو ع=اجاًل ‪ ،‬لكن المش==كلة«‬

‫»‪.‬أنه يلقي القبض علينا نحن أيضً ا‪ ،‬رغم أننا لم نرتكب أي جُرم‬

‫»‪.‬كلما زاد عدد من يُل َقى القبض عليهم‪ ،‬ازداد هذا النظام ضع ًفا‪ .‬إذا ألقى القبض على عدد كبير ج ًّدا‪ ،‬فستكون نهايته«‬

‫»هل الفكرة واضحة؟«‬

‫شاركت اإلرشادات الخاص==ة بي لتص==ميم جه==از نس==خ ش==رائح تحدي=د= الهوي==ة باس==تخدام الموج==ات الالس==لكية‪ ،‬وبعض النص==ائح‬
‫لالقتراب على نحو كا ٍ‬
‫ف من الناس لقراءة بطاقاتهم ونسخها‪ .‬وضعت جهاز نسخ الشرائح الخ==اص بي في جيب س==ترة س==باقات‬

‫السيارات الجلدية السوداء األنيقة خاصتي ذات الجيوب المخفية‪ ،‬وذهبت للمدرسة‪ .‬تمكنت من نسخ ست بطاقات في الطريق ما‬

‫‪.‬بين المنزل ومدرسة شافيز الثانوية‬

‫‪.‬أرادوا الحرب؛ فها هي الحرب إذن‬

‫•••‬
‫ً‬
‫درس=ا في الرياض=يات ينبغي ل=ك‬ ‫في حال عزمت يومًا على ارتكاب حماقة ما كتصميم جه=از كش=ف آلي عن اإلره=اب‪ ،‬فإلي=ك‬

‫‪.‬تعلمه أواًل ‪ .‬عنوان الدرس هو‪« :‬إشكال النتائج اإليجابية الخاطئة»‪ ،‬وهو درس صعب‬

‫لنفترض أن هناك مرضًا جدي ًدا اسمه «سوبر إيدز» ال يصاب به سوى واحد في المليون فق==ط‪ ،‬وط==ورت اختب==ارً ا للكش==ف عن‬

‫هذا المرض تبلغ نسبة دقته ‪ ٩٩‬بالمائة؛ بمعنى أن نتيجة هذا االختبار تكون صحيحة في ‪ ٩٩‬بالمائة من الحاالت (تكون النتيجة‬

‫‪.‬إيجابية عندما يكون الشخص الخاضع لالختبار مصابًا به‪ ،‬وسلبية عندما يكون سليمًا)‪ .‬وأخضعت مليون شخص لالختبار‬

‫واحد من بين مليون شخص مصاب بسوبر إيدز‪ ،‬وواحد من بين مائة يخض==عون لالختب==ار س==تظهر نتيجت==ه «إيجابي==ة خاطئ==ة»‬

‫(بمعنى أن االختبار سيشير إلى أنه مصاب بمرض «سوبر إيدز» رغم عدم إصابته به)‪ .‬هذا ما تعنيه= الدقة البالغة ‪ ٩٩‬بالمائة؛‬
‫ً‬
‫واحدا بالمائة خطأ‬ ‫‪.‬أي إن‬

‫ما نسبة واحد بالمائة من المليون؟‬

‫‪١٠٠٠٠ = ١٠٠ / ١٠٠٠٠٠٠‬‬

‫من بين مليون شخص‪ ،‬هناك شخص واحد مصاب بسوبر إيدز‪ .‬إذا أخض==عت ملي==ون ش==خص عش==وائ ًّيا لالختب==ار‪ ،‬فس==تجد على‬

‫األرجح حالة واحدة مصابة بمرض «سوبر إيدز»‪ .‬لكن اختبارك لن يحدد إصابة شخص واحد فقط بالمرض‪ ،‬بل عش==رة آالف‬

‫‪.‬شخص‬

‫‪.‬سيعمل االختبار‪ ،‬الذي تبلغ نسبة دقته ‪ ٩٩‬بالمائة‪ ،‬بعدم دقة تبلغ ‪ ٩٩٫٩٩‬بالمائة‬

‫هذا هو إشكال النتائج اإليجابية الخاطئة‪ .‬عندما تحاول العثور على ش=يء ن=ادر ح ًّق=ا‪ ،‬يل=زم أن تتط=ابق دق=ة اختب=ارك م=ع ن=درة‬

‫الشيء الذي تبحث عن==ه‪ .‬وإذا كنت تح=اول اإلش=ارة إلى وح==دة بكس==ل واح==دة على شاش==تك‪ ،‬يع==د القلم الرص==اص ح=اد الط==رف‬

‫مؤشرً ا جي ًدا؛ فطرف القلم الرصاص أصغر بكث=ير (وأك==ثر دق==ة) من وح=دات البكس==ل‪ .‬لكن ط=رف القلم الرص=اص ال يفي==د في‬

‫‪.‬اإلشارة إلى «ذرة» واحدة في شاشتك‪ .‬ستحتاج لهذا الغرض إلى مؤشر — اختبار — يبلغ عرض طرفه ذرة واحدة أو أقل‬

‫‪:‬هذا هو إشكال النتائج اإليجابية الخاطئة‪ ،‬وفيما يلي كيفية تطبيقه على اإلرهاب‬

‫اإلرهابيون نادرون ح ًّقا؛ ففي مدينة= تعداد سكانها عشرون مليو ًنا‪ ،‬مثل نيويورك‪ ،‬قد يكون هناك إرهابي أو اثنان‪ ،‬وربما عشرة‬

‫‪.‬على األكثر؛ أي ‪ ٠٫٠٠٠٠٥ = ٢٠٠٠٠٠٠٠ / ١٠‬بالمائة؛ أي واحد على عشرين ألف جزء من المائة في المائة‬

‫هذا نادر للغاية‪ .‬لنفترض اآلن أن لديك برنامجً ا يمكنه= البحث في جميع السجالت المص==رفية‪ ،‬أو س==جالت الم==رور من س==احات‬

‫دفع الرس=وم ب=الطرق‪ ،‬أو س=جالت النق=ل الع==ام‪ ،‬أو س=جالت المكالم=ات الهاتفي==ة في المدين==ة‪ ،‬والقبض على اإلره=ابيين في ‪٩٩‬‬

‫‪.‬بالمائة من الحاالت‬

‫من بين عشرين مليون شخص‪ ،‬سيتعرف اختبار تبلغ دقته ‪ ٩٩‬بالمائة على مائتي ألف شخص على أنهم إرهابيون‪ ،‬لكن عش==رة‬

‫‪.‬منهم فقط سيكونون كذلك‪ .‬للقبض على اإلرهابيين ح ًّقا‪ ،‬سينبغي القبض على مائتي ألف شخص بريء والتحقيق معهم‬
‫الجدير بالذكر أن اختبارات الكشف عن اإلرهابيين ال تقترب في دقتها على اإلطالق من ‪ ٩٩‬بالمائ==ة؛ فهي تبل==غ نح==و ‪ ،٦٠‬ب==ل‬

‫‪.‬وحتى ‪ ،٤٠‬بالمائة في بعض األحيان‬

‫يعني كل ذلك أن وزارة األمن الوطني قد عرَّ ضت نفسها للفشل الذريع؛ فهي تحاول اكتشاف أحداث نادرة للغاية — تحدي==د م==ا‬

‫‪.‬إذا كان المرء إرهاب ًّيا — باستخدام أنظمة غير دقيقة‬

‫‪.‬ليس من الغريب إذن على اإلطالق أن نتمكن من إحداث مثل هذه الفوضى‬

‫•••‬

‫خطوت خارج الباب األمامي للمنزل وأنا أ ُ َ‬


‫ص ِّفر صبيحة أحد أيام الثالثاء بعد= أسبوع من عملي==ة «النت==ائج اإليجابي==ة الخاطئ==ة»‪.‬‬

‫كنت أش==عر باالس==تمتاع الش==ديد وأن==ا أس==تمع لمقط==ع موس==يقي جدي==د أنزلت==ه من ش==بكة «إكس نت» الليل==ة الس==ابقة؛ حيث يرس=ل‬

‫‪.‬الكثيرون إلى «مايكي» هدايا رقمية صغيرة لشكره على بث األمل في نفوسهم‬

‫انتقلت إلى شارع ‪ ،٢٣‬وسلكت بحذر الطريق الضيق المكون من درجات صخرية الذي تم شقه في ج==انب الت==ل‪ ،‬وعن==د ن==زولي‬

‫الدرجات‪ ،‬مررت بالسيد «وينر دوج»‪ .‬لم أعرف اسمه الحقيقي‪ ،‬لكنني أراه كل يوم تقريبًا وهو يم ِّشي كالبه «الوينر» الثالث==ة‬

‫الالهثة أعلى الدَّرج وصواًل إلى المتنزه الصغير‪ .‬والمرور بجانب السيد وينر دوج وكالب==ه على ال =دَّرج أم==ر مس==تحيل؛ فينتهي‬

‫بي الحال دومًا عال ًق ا بسلسلة أحدها‪ ،‬أو داخل إحدى الحدائق األمامية لمنزل ما‪ ،‬أو جاثمًا على مِصد إح==دى الس==يارات المتوقف==ة‬

‫‪.‬بجوار حاجز على طرف الرصيف‬

‫‪.‬من الواضح أن السيد وينر دوج شخص مهم؛ فبيده ساعة فاخرة ويرتدي دومًا بذلة أنيقة‪ .‬افترضت أنه يعمل في وسط المدينة‬

‫ذلك اليوم وعند مروري بالس==يد وي==نر دوج‪ ،‬قمت بتش==غيل جه==از نس==خ ش==رائح تحدي==د الهوي==ة بالموج==ات الالس==لكية ال==ذي ك==ان‬
‫ً‬
‫موجودا بالفعل في جيب سترتي الجلدية‪ .‬نسخ الجه==از األرق==ام الموج==ودة على بطاق=ات االئتم==ان الخاص==ة ب==ه ومف==اتيح س==يارته‬

‫‪.‬وجواز سفره واألوراق المالية فئة مائة دوالر التي احتوت عليها محفظته‬

‫بيد أن الجهاز — أثناء إجرائه لذلك — كان يُب ِّدل هذه األرقام بأرقام جديدة أ ُ ِخ==ذت من أش==خاص آخ==رين م==ررت بهم من قب==ل‪.‬‬

‫كان األمر أشبه بتبديل= لوحات األرقام بين مجموعة من السيارات‪ ،‬لكن بش==كل غ==ير م==رئي وف==وري‪ .‬ابتس==مت ابتس==امة اعت==ذار‬

‫للسيد وينر دوج‪ ،‬وواصلت نزول الدَّرج‪ .‬توقفت عن=د ثالث س=يارات ف=ترة كافي=ة لمبادل=ة أرق=ام «فاس=تراك» الخاص=ة به=ا م=ع‬

‫‪.‬األرقام المأخوذة من جميع السيارات التي مررت بها في اليوم السابق‬


‫ً‬
‫مقارنة بالكثير من مستخدمي ش==بكة «إكس‬ ‫قد تظن أنني كنت عدوان ًّيا بعض الشيء أثناء فعل ذلك‪ ،‬لكنني كنت حذرً ا وحريصًا‬

‫نت»؛ فتوصلت فتاتان تدرسان الهندسة الكيميائية في جامعة كاليفورني==ا في ب==يركلي إلى طريق==ة تص==ميم م==ادة غ==ير ض==ارة من‬

‫أدوات المطبخ من شأنها تشغيل أجهزة الكشف عن المتفجرات‪ .‬نثرتا تلك المادة على سترات أس==اتذتهما وحق==ائبهم‪ ،‬مس==تمتعتين‬

‫بما تفعالنه‪ ،‬ثم اختبأتا وأخذتا تراقبان أولئك األساتذة وهم يحاولون دخول قاعات المحاضرات والمكتبات في الح==رم الج==امعي‪،‬‬

‫‪.‬فيوقفهم بعنف رجال األمن الجدد الذين انتشروا في كل مكان‬


‫رغب آخرون في التوصل إلى كيفية لنثر مواد على أظرف الخطابات تجع==ل أجه==زة الكش==ف تش==ير إلى احتوائه==ا على الجم==رة‬

‫‪.‬الخبيثة‪ ،‬لكن اعتقد الجميع أنهم مجانين‪ .‬ولحسن الحظ‪ ،‬لم يب ُد أن بإمكانهم فعل ذلك‬

‫مررت بمستشفى سان فرانسيسكو العام‪ ،‬وأومأت برأسي في رضا عندما رأيت الصفوف الطويلة أمام األب==واب األمامي==ة‪ .‬ك==ان‬
‫بها‪ ،‬بالطبع‪ ،‬نقطة تفتيش للشرطة‪ ،‬وكان هناك عدد ك=ا ٍ‬
‫ف من مس=تخدمي ش=بكة «إكس نت» يعمل==ون كأطب==اء مقيمين وع=املين‬

‫بالكافيتريات وأية وظيفة أخرى داخل المستشفى؛ ما أسفر عن تعرض شارات الجميع للخلط والتبديل‪ .‬كنت ق==د ق==رأت أن نق==اط‬

‫‪.‬التفتيش األمنية أضافت ساعة ليوم عمل الجميع‪ ،‬وهددت النقابات باالحتجاج ما لم يتصرف المستشفى حيال ذلك‬

‫بعد بضعة مربعات سكنية‪ ،‬رأيت طابورً ا أطول لدخول محطة بارت‪ .‬سار رجال الشرطة جيئة وذهابًا مشيرين للناس للخروج‬

‫من الطابور وطالبين منهم التنحي جانبًا لالستجواب‪ ،‬وتفتيش الحقائب‪ ،‬والتفتيش الذاتي‪ .‬ظلوا ُتر َفع عليهم القضايا لما يفعلون==ه‪،‬‬

‫‪.‬لكن لم يبد أن ذلك يعرقل من خطاهم‬

‫وصلت المدرسة مبكرً ا بعض الشيء‪ ،‬وقررت السير لشارع ‪ ٢٢‬لتناول القهوة‪ .‬مررت بإحدى نقاط تفتيش الشرطة حيث كانوا‬

‫‪.‬يوقِفون السيارات للتفتيش الثانوي‬

‫لم يختلف الحال كثيرً ا في المدرسة؛ كان حراس األمن عند أجهزة الكشف عن المعادن يتحققون من بطاقات هويتن==ا المدرس==ية‪،‬‬

‫ويستبعدون الطالب ذوي التحركات الغريبة ويستجوبونهم‪ .‬ما من حاجة للق==ول إن تحركاتن==ا جميعً= ا ك==انت غريب==ة للغاي==ة‪ ،‬وإن‬

‫‪.‬الحصص لم تبدأ إال بعد ساعة أو أكثر‬


‫سادت الفوضى الفصول‪ .‬ال أعتق==د أن أح= ً=دا ك==ان بوس==عه الترك==يز‪ .‬س==معت مص= ً‬
‫=ادفة اث==نين من المدرس==ين يتح==دثان عن ال==وقت‬

‫‪.‬الطويل الذي استغرقه رجوعهما من المدرسة إلى المنزل اليوم السابق‪ ،‬واعتزامهما التسلل خلسة مبكرً ا في ذلك اليوم‬

‫!حاولت جاه ًد ا منع نفسي من الضحك‪ .‬إشكال النتائج اإليجابية الخاطئة يحقق النجاح للمرة الثانية‬

‫بالتأكيد سمحوا لنا بالمغادرة مبكرً ا‪ ،‬فتوجهت للمنزل بأن سلكت الطريق الطويل متجواًل في أرجاء حي ميشن إللقاء نظرة على‬

‫الفوضى الشديدة التي ع َّج بها‪ .‬طوابير طويلة من السيارات … أناس اصطفوا حول المربعات السكنية ل==دخول محط==ات ب==ارت‬

‫… وآخرون يسبُّون عند ماكينات الصرف اآللي لعدم إخراجها المال؛ بسبب تجميد أرصدتهم للتحق=ق مم==ا إذا ك==انوا يمارس==ون‬
‫ً‬
‫نشاطا مريبًا (وهنا تكمن خطورة ربط حسابك الجاري ببطاقة «فاستراك» أو «فاست باس»!)‬

‫وصلت إلى المنزل‪ ،‬أعددت لنفسي شطيرة‪ ،‬ودخلت على شبكة «إكس نت»‪ .‬كان يومًا جي ًدا‪ ،‬والناس من جمي==ع أنح==اء المدين==ة‬

‫مبتهجين بشأن ما حققوه من نجاح‪ .‬لقد أصبنا مدينة سان فرانسيسكو بالشلل‪ ،‬وأكدت التقارير اإلخبارية ذل==ك‪ ،‬ووص==فته بجن==ون‬
‫ً‬
‫ملقية باللوم على «األمن» الفاشل الذي من المفترض أن يحمينا من اإلرهاب‪ .‬وخصص قسم «األعم==ال‬ ‫وزارة األمن الوطني‪،‬‬

‫التجارية» بصحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» صفحته األولى بالكامل لتقدير التكلفة االقتصادية لإلجراءات األمني==ة ل==وزارة‬

‫األمن الوطني‪ ،‬والناتجة عن تعطل االجتماعات وضياع بعض ساعات العمل وغير ذل==ك‪ .‬وأش==ار أح==د االقتص==اديين بالص==حيفة‬

‫‪.‬إلى أن أسبو ًعا من هذا الهراء سيكلف المدينة أكثر مما تكبدته= من تفجير جسر باي‬
‫!لَ َك ْم أسعدتني هذه األخبار‬

‫أفضل ما في األم=ر أن وال=دي ع==اد مت==أخرً ا تل==ك الليل==ة … مت==أخرً ا للغاي=ة … لق=د ت=أخر ثالث س=اعات‪ .‬لم=اذا؟ إليق=اف األمن‬

‫‪.‬سيارته‪ ،‬وتعرضه للتفتيش واالستجواب … مرتين‬

‫!تعرض لذلك مرتين‬


‫الفصل التاسع‬
‫أهدي هذا الفصل إلى كام َبس ب==وكس‪/‬ش==ركة ب==وكس المح==دودة‪ ،‬أق==دم متج=ر كتب مس==تقل في غ==رب الوالي==ات المتح==دة‪ .‬أفرع==ه‬

‫منتشرة بجميع أرجاء كاليفورنيا في سان فرانسيس=كو‪ ،‬وب=رلينجيم‪ ،‬وم=اونتن في=و‪ ،‬وب=الو ألت=و‪ ،‬لكن األفض==ل على اإلطالق ه=و‬

‫فرعه الرائع وسط متنزه «داون تاون ديزني» في أناهايم‪ .‬ل==ديَّ ول==ع ش==ديد بمت==نزه دي==زني الن==د (علي==ك االطالع على رواي==تي‬

‫األولى «هائم في المملكة الساحرة» لتصدق ما أقوله)‪ .‬وفي كل مرة أقطن في كاليفورني==ا‪ ،‬أبت==اع لنفس==ي بطاق==ة س==نوية ل==دخول‬

‫ديزني الند‪ .‬وفي كل مرة أزوره فيها‪ ،‬أمرُّ على فرع كام َبس بوكس في «داون ت=اون دي==زني»‪ .‬يزخ=ر ه=ذا المتج==ر بمجموع==ة‬
‫رائعة من الكتب المحظورة (بل والخطيرة) عن ديزني‪ ،‬وكذلك بمجموعة رائعة من كتب األطفال والخيال العلمي‪ ،‬ه==ذا فض =اًل‬

‫‪.‬عن الكابتشينو الرائع الذي يعده المقهى المجاور له‬

‫***‬
‫تملَّك الغضب من والدي حتى ظننت أنه سينفجر‪ .‬سبق أن قلت إنني لم أره يفقد رباطة جأشه إال فيما َن==در‪ ،‬لكن في تل==ك الليل==ة‪،‬‬

‫‪.‬استشاط غضبًا كما لم يفعل من قبل‬

‫لن تصدق ما حدث‪ .‬ذلك الشرطي‪ ،‬الذي لم يتجاوز عم==ره ثماني==ة عش==ر عا ًم==ا‪ ،‬أخ==ذ ي==ردد‪« :‬لكن‪ ،‬ي==ا س==يدي‪ ،‬لم==اذا كنت في«‬

‫بيركلي البارحة إذا ك==ان عميل==ك في م==اونتن في==و؟» ظللت أش==رح ل==ه أن==ني أُدرِّ س في ب==يركلي‪ ،‬فيق==ول لي‪« :‬ظننت أن==ك تعم==ل‬

‫»‪.‬مستشارً ا»‪ ،‬ثم نعيد= الكرَّ ة‪ .‬كان األمر أشبه بمسلسل كوميدي أصاب فيه شعاع الغباء رجال الشرطة‬

‫أضاف‪« :‬واألسوأ من ذلك أنه أصر على أنني كنت في بيركلي اليوم أيضً ا‪ ،‬وظللت أنك==ر‪ ،‬وه==و م ِ‬
‫ُص=ر‪ .‬وبع==د ذل==ك أظه==ر لي‬
‫بيان استخدام بطاقة «فاستراك» الخاص بي‪ ،‬والذي أشار إلى أنني قُ ُ‬
‫دت سيارتي على جس=ر س=ان م=اتيو ثالث م=رات في ذل=ك‬

‫»!اليوم‬

‫أضاف أبي وهو يأخذ نفسًا عمي ًقا جعلني أعلم أنه يتميز من الغيظ‪« :‬ال يقتصر األمر على ذل==ك فحس==ب؛ فل==ديهم معلوم==ات عن‬

‫األماكن التي ذهبت إليها‪ ،‬وهي أماكن ليس بها ساحات لدفع رس==وم على الس==يارات‪ .‬إنهم يراقب==ون بطاق==ة الم==رور خاص==تي في‬

‫»!الشارع عشوائ ًّيا‪ .‬والنتيجة خاطئة! يا للهول‪ ،‬إنهم يتجسسون علينا جمي ًعا‪ ،‬وال يفعلون ذلك حتى بكفاءة‬

‫كنت قد دخلت إلى المطبخ حيث أخذ أبي يدين بحدة ما حدث له‪ ،‬وصرت اآلن أشاهده من المدخل‪ .‬التقت نظراتي م==ع نظ==رات‬

‫والدتي‪ ،‬ورفع كالنا حاجبيه كما لو ك َّنا نقول‪« :‬من سيقول له عبارة «س==بق أن أخبرت==ك ب==ذلك»؟» فأوم==أت برأس==ي له==ا‪ .‬يمكن‬

‫‪.‬ألمي استخدام قدراتها كزوجة المتصاص غضبه على نحو ال أتمتع به كابن‬

‫‪.‬هتفت أمي باسمه‪ ،‬وأمسكت بذراعه ليتوقف عن السير جيئة وذهابًا في المطبخ ملوحً ا بذراعيه كو َّعاظ الشوارع‬

‫»أجابها بحدَّة‪« :‬ماذا؟‬

‫قالت مع الحفاظ على هدوء صوتها واتزانه‪« :‬أظن أنك مدين باعت==ذار لم==اركوس‪ ».‬كنت أن==ا وأبي األخ==رقين في الم==نزل‪ ،‬أم==ا‬

‫‪.‬أمي فاتسمت بالرزانة‬


‫نظر والدي إليَّ وقد ضاقت عيناه لتفكيره دقيقة‪ ،‬ثم قال أخيرً ا‪« :‬حس= ًنا‪َ ،‬‬
‫أنت على ح==ق‪ .‬كنت أتح==دث عن الرقاب==ة الفعال==ة‪ ،‬لكن‬

‫كنت مُح ًّقا‪ .‬كان ذلك سخ ًفا‪ ».‬م َّد والدي ي==ده وص==افحني‪ ،‬ثم ع==انقني عنا ًق==ا قو ًّي==ا غ==ير‬
‫أولئك ليسوا سوى هواة‪ .‬أنا آسف يا بُني‪َ ،‬‬

‫‪.‬متوقع‬

‫يا إلهي! ما الذي نفعله في هذه البالد يا ماركوس؟ يستحق جيلك أن يرث ما هو أفض==ل من ذل==ك‪ ».‬عن==دما انتهى من عن==اقي‪«،‬‬

‫‪.‬تمكنت من رؤية التجاعيد العميقة في وجهه؛ خطوط لم أرها من قبل قط‬

‫عُدت إلى غرفتي بالدور العلوي‪ ،‬ومارست بعض األلعاب على شبكة «إكس نت»‪ .‬تضمنت الشبكة لعب==ة قراص==نة آل==يين جي==دة‬
‫ً‬
‫ثاني==ة‪.‬‬ ‫متعددة الالعبين؛= حيث تتلقى طلبًا كل يوم أو يومين لتنشيط جميع أعضاء طاقم سفينتك قبل أن تتمكن من السلب والنهب‬
‫كانت من األلعاب التي أمقتها‪ ،‬لكن ال يسعني التوقف عن لعبها؛ إذ تنطوي على طلبا ٍ‬
‫ت متكررة ال تتحقق من خالله==ا أي==ة متع==ة‬

‫ونزاع بين الالعبين (أي شجار لمعرفة َمن سيصير قبطان السفينة)‪ .‬هذا فضاًل عن عدم تضمنها الكثير من األلغاز‬
‫ٍ‬ ‫في إكمالها‪،‬‬

‫الرائعة التي يلزم عليك حلُّها‪ .‬وممارسة هذه اللعبة في الغالب تجعلني أشعر بالحنين للعبة «هاراجوكو فان مادنس» التي تع==ني‬

‫‪.‬الركض بأرجاء العالم الفعلي‪ ،‬وحل األلغاز على اإلنترنت‪ ،‬وإعداد الخطط لفريقك‬

‫‪.‬أما في ذلك اليوم‪ ،‬فكانت لعبة القراصنة هي كل ما احتجت إليه … ترفيه بدون تفكير‬

‫!مسكين والدي‬

‫أنا المُالم فيما حدث له‪ .‬كان سعي ًدا من قبل‪ ،‬واث ًقا في أن ما يدفعه من ضرائب يُن َفق للحفاظ على أمنه‪ ،‬وقد دمرت هذه الثق==ة‪ .‬ال‬

‫ريب أنها كانت ثقة في غير محلها‪ ،‬لكنها ساعدته في مواصلة حياته‪ .‬عند رؤيتي له اآلن بائسًا مُحطمًا‪ ،‬أتس==اءل أيهم==ا أفض==ل‪:‬‬

‫وضوح الرؤية مع العيش في يأس‪ ،‬أم العيش في عالم األوهام؟ عاودني الشعور بالخزي — ذلك الش=عور ال=ذي ظ=ل ي=راودني‬

‫‪.‬منذ إفصاحي عن كلمات المرور‪ ،‬وإخضاعهم لي — ما أصابني بالفتور والرغبة في الهروب من نفسي فقط‬

‫كنت أؤدي في تلك اللعبة دور مالح على سفينة القراصنة «زومبي تش==ارجر»‪ ،‬وق==د فق==د ذل==ك المالح نش==اطه بينم==ا كنت غ==ير‬

‫متصل باإلنترنت؛ ومن ثم‪ ،‬لزم عليَّ االتص==ال بب==اقي الالع==بين على س==فينتي بالمراس==لة الفوري==ة إلى أن ع==ثرت على َمن لدي==ه‬

‫استعداد= لتجديد نشاطي‪ .‬ألهت==ني اللعب==ة‪ ،‬وراقت لي في الواق==ع‪ .‬فثم==ة ش==يء رائ==ع بش=أن تلقي خدم==ة من ش==خص ال تعرف==ه على‬

‫‪.‬اإلطالق‪ .‬ولما كانت اللعبة على شبكة «إكس نت»‪ ،‬فقد علمت أن جميع الغرباء هم في الواقع أصدقاء‪ ،‬بصورة ما‬

‫»!حدد موقعك«‬

‫يعن ذل=ك أنه=ا فت=اة؛ فالفتي=ان ل=ديهم مي=ل غ=ريب للعب‬


‫كانت الشخصية التي جددت نشاطي هي ل=يزانيتور‪ ،‬وهي أن=ثى‪ ،‬وإن لم ِ‬
‫‪.‬أدوار الفتيات‬
‫‪:‬أجبت على السؤال قائاًل‬

‫»‪.‬سان فرانسيسكو«‬

‫»ال أيها الغبي! أعني أين أنت في سان فرانسيسكو؟«‬


‫ت منحرفة جنس ًّيا؟«‬
‫»لماذا‪ ،‬هل أن ِ‬
‫هذا السؤال من شأنه عاد ًة إنهاء أية محادثة؛ فأية لعبة تمتلئ‪ ،‬بالطبع‪ ،‬بالمنحرفين جنس= ًّيا والم==ائلين جنس= ًّيا لألطف==ال‪ ،‬باإلض==افة‬

‫إلى أفراد الشرطة الذين يتظاهرون بأنهم ضحايا له==ؤالء المنح==رفين (وإن كنت أطمح — بال ش==ك — في أال يك==ون هن==اك أي‬
‫‪.‬شرطيين على شبكة «إكس نت»!) وأي اتهام كهذا كا ٍ‬
‫ف لتغيير الموضوع بنسبة تسعين في المائة‬

‫»ميشن؟ بتريرو هيل؟ نوي؟ إيست باي؟«‬

‫»‪.‬أيمكنكِ تجديد= نشاطي فحسب؟ شكرً ا«‬


‫ْ‬
‫‪:‬توقفت عن تجديد النشاط‪ ،‬وسألت‬

‫»هل أنت خائف؟«‬

‫»وما شأنكِ ؟«‬

‫»‪.‬مجرد فضول«‬

‫ارتبت في أمرها‪ ،‬من الواضح أن دافعها لم يكن الفضول فقط‪ .‬اعتبرني مجنو ًنا باالرتي==اب‪ ،‬لكن==ني س==جلت الخ==روج من اللعب==ة‬

‫‪».‬وأوقفت تشغيل جهاز «إكس بوكس‬

‫•••‬

‫نظر إليَّ والدي صبيحة اليوم التالي أثن==اء جلوس==نا على المائ==دة‪ ،‬وق=ال‪« :‬على األق=ل‪ ،‬يب=دو أن األم=ور في طريقه=ا للتحس=ن‪».‬‬

‫‪.‬وأعطاني صحيفة «كرونيكل» مفتوحة على الصفحة الثالثة‬

‫صرح أحد المتحدثين= باسم وزارة األمن الوطني أن مكتب س=ان فرانسيس==كو ق==د طلب زي=ادة في الميزاني==ة والم==وظفين بنس==بة«‬

‫»‪ ٣٠٠.‬في المائة من مكتب العاصمة‬

‫ماذا؟‬

‫أمس‪«،‬‬
‫ِ‬ ‫أكد اللواء جرايام ساذرالند‪ ،‬قائد العمليات بوحدة وزارة األمن الوطني في شمال كاليفورنيا‪ ،‬الطلب في مؤتمر ص==حفي‬

‫مش==يرً ا إلى أن تزاي= ًدا في األنش==طة المش==بوهة بمنطق==ة الخليج ه==و ال==دافع وراء الطلب‪ ،‬وج==اء على لس==انه‪« :‬نت==ابع ارتفاعً= ا في‬

‫»»‪.‬األنشطة والمحادثات السرية‪ ،‬ونعتقد أن المخربين يصممون إنذارات أمنية زائفة إلحباط جهودنا‬

‫‪.‬حدقت في الصحيفة مشدوهًا؛ هذا محال‬

‫هذه اإلنذارات الزائفة هي في الغالب بمثابة تشويش على أجه==زة الكش=ف وال==تي ته==دف إلخف=اء الهجم=ات الحقيقي==ة‪ ،‬والس==بيل«‬
‫»‪.‬الوحيد للتغلب عليها هو زيادة أعداد العاملين والمُحلِّلين لنتمكن من التحقيق في كل دليل تحقي ًقا شاماًل‬

‫»‪.‬أشار ساذرالند إلى أنه يأسف للتأخيرات التي تشهدها المدينة‪ =،‬ويتعهد= بالقضاء عليها«‬

‫تخيلت المدينة= وقد زاد عدد ضباط وزارة األمن الوطني فيها أربعة أو خمسة أضعاف‪ ،‬ضباط دفعت بهم الوزارة لتع==ويض م==ا‬

‫‪.‬تسببت فيه أفكاري الغبية‪ .‬كانت فان على حق‪ .‬كلما زادت مقاومتي لهم‪ ،‬ازدادت األحوال سوءًا‬
‫أشار أبي إلى الصحيفة‪ ،‬وقال‪« :‬قد يكون ه==ؤالء الن==اس حمقى‪ ،‬لكنهم حمقى منهجي==ون‪ .‬لن يكف==وا عن ال==دفع ب==الموارد المتاح==ة‬

‫لحل هذه المشكلة حتى ينجحوا في ذلك‪ .‬بالتنقيب عن جميع البيانات الخاصة بالمدينة م==ع تتب==ع ك==ل دلي==ل‪ ،‬س==يلقون القبض على‬

‫»‪.‬اإلرهابيين‬

‫»!جن جنوني‪ ،‬وصحت في أبي‪« :‬أبي! هل تسمع ما تقوله؟! إنهم يتحدثون عن التحقق من كل فرد في مدينة= سان فرانسيسكو‬

‫فأجابني‪« :‬نعم‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬وسيقبضون على كل زوج خائن يحتال في نفقة زوجته‪ ،‬وكل تاجر مخدرات‪ ،‬وكل مج==رم حق==ير‪،‬‬

‫»‪.‬وكل إرهابي‪ .‬اصبر فقط‪ ،‬وقد يكون هذا أفضل ما يحدث على اإلطالق في هذه البالد‬

‫»قل إنك تمزح‪ ،‬أرجوك‪ .‬هل تعتقد أن ذلك ما وضِ ع الدستور من أجله؟ ماذا عن ميثاق الحقوق؟«‬

‫»‪.‬ميثاق الحقوق وضِ ع قبل أن يظهر التنقيب عن البيانات«‬

‫كان هاد ًئا للغاية ومقتن ًعا بأنه على حق‪ .‬استطرد حديثه قائاًل ‪« :‬الحق في حرية التجمع أم==ر جي==د‪ ،‬لكن لم==اذا ال يُس= َمح للش==رطة‬

‫»بالتنقيب في شبكتك االجتماعية للكشف عما إذا كانت لك عالقة بإرهابيين أو مرتكبي جرائم اغتصاب جماعي؟‬

‫»!فأجبته‪« :‬ألن في ذلك انتها ًكا لخصوصيتي‬

‫»وما المشكلة في ذلك؟ هل تفضل الخصوصية على القبض على اإلرهابيين؟«‬

‫يا إلهي! كم كرهت الجدال مع أبي على هذا النحو! كنت بحاجة لش==رب القه==وة في تل==ك اللحظ==ة‪ .‬قلت ل==ه‪« :‬باهلل علي==ك ي==ا أبي!‬

‫»‪.‬سلبُنا خصوصيتنا لن يجعلنا نقبض على اإلرهابيين‪ ،‬بل كل ما سيسفر عنه هو إزعاج الناس األبرياء‬

‫»كيف لك أن تعرف أنه لن يؤدي للقبض على اإلرهابيين؟«‬

‫»أين اإلرهابيون الذين قُ ِبض عليهم بفضله؟«‬

‫»!أنا موقن بأننا سنشهد اعتقاالت قريبًا‪ .‬انتظر وسترى«‬

‫»… أبي! ما الذي ح َّل بك منذ ليلة أمس؟ لقد أغضبك بشدة إيقاف رجال الشرطة لك البارحة«‬

‫ال تخاطبني بهذه اللهجة يا ماركوس‪ .‬ما ح َّل بي منذ ليلة أمس هو أن الفرصة قد سنحت لي إلعادة التفكير في األمر‪ ،‬وق==راءة«‬
‫َّ‬
‫وهز الصحيفة‪ ،‬ثم واصل الحديث‪« :‬السبب في إيقافهم لي هو أن المجرمين يشوش==ون على عملهم بفعالي==ة‪ ،‬وهم بحاج==ة‬ ‫هذا‪».‬‬

‫لتعديل أساليبهم في التغلب على هذا التشويش‪ ،‬لكنهم سينجحون‪ ،‬وإلى أن يحدث ذلك‪ ،‬اإليقاف على الطريق بين الحين واآلخ==ر‬

‫»‪.‬ثمن بسيط‪ .‬ليس اآلن بالوقت المناسب للدفاع عن ميثاق الحقوق‪ ،‬وإنما إلجراء بعض التضحيات للحفاظ على أمن مدينتنا‬

‫لم أتمكن من االنتهاء من تناول الخبز المحمص‪ .‬وضعت الطبق في غ َّسالة األطباق‪ ،‬وغ==ادرت الم==نزل متوج ًه==ا إلى المدرس==ة؛‬

‫‪.‬لزم عليَّ الخروج من هنا‬

‫•••‬
‫لم يسعد مستخدمو شبكة «إكس نت» بزيادة رقابة الشرطة‪ ،‬لكنهم ما كانوا ليذعنوا لذلك‪ .‬اتصل شخص ما بأحد البرامج‪ ،‬ال==تي‬

‫تسمح بالمداخالت الهاتفية‪ ،‬على محطة «كيه كيو إي دي» التليفزيوني==ة‪ ،‬وق=ال إن الش=رطة تض==يع وقته==ا ه==درً ا‪ ،‬وإن=ه بوس=عنا‬

‫‪.‬إفساد النظام أسرع مما يمكنهم حلُّه‪ .‬وتصدر تسجيل هذه المداخلة عمليات التنزيل بشبكة «إكس نت» في تلك الليلة‬

‫تشاهدون اآلن برنامج «كاليفورنيا اليف»‪ ،‬ومعنا متص==ل مجه==ول يتح==دث من ه==اتف عم==ومي في س==ان فرانسيس==كو‪ ،‬ولدي==ه«‬

‫»‪.‬معلومات عن حاالت التأخير التي شهدناها هذا األسبوع بجميع أنحاء المدينة‪ .‬تفضل‪ ،‬أنت على الهواء‬

‫ليست هذه سوى البداية فقط‪ ،‬ال يزال عملنا في مهده‪ =.‬ليعينوا ماليين الخنازير‪ ،‬ويقيموا نقطة تفتيش عند كل زاوية‪ .‬سنش==وش«‬

‫على عملهم جمي ًع ا! وما كل هذا الحديث الفارغ عن اإلرهابيين؟ لسنا إرهابيين! باهلل عليكم! نحن نشوش على النظام ألنن==ا نك==ره‬

‫»‪.‬وزارة األمن الوطني‪ ،‬ونحب هذه المدينة‪ =.‬إرهابيون؟ ال يمكنني حتى تهجئة كلمة «جهاد» … سالم‬

‫بدا أحمق‪ ،‬ليس فقط لعدم اتساق كلماته‪ ،‬وإنما للهجته الشامتة أيضً ا‪ .‬بدا كطفل يفخر بنفسه على نحو غير الئق‪ ،‬وقد كان ك==ذلك‬

‫‪.‬بالفعل‬

‫احتدم الجدل حول ذلك على شبكة «إكس نت»؛ فرأى كثيرون أن مداخلت==ه عماًل أحم==ق‪ ،‬في حين وج==ده آخ==رون بطاًل ‪ .‬أقلق==ني‬

‫احتمال أن تكون كاميرا ما قد صورته أثناء استخدامه للهاتف العمومي‪ ،‬أو مرت بطاقة «فاست باس» الخاصة ب==ه على ق==ارئ‬

‫لشرائح تحديد= الهوية باستخدام الموجات الالسلكية‪ ،‬وتمنيت أن يكون بالذكاء الكافي لمسح بصمات أصابعه من على عملة رب==ع‬

‫الدوالر‪ ،‬وإبقاء القلنسوة على رأسه‪ ،‬وترك كل ما يحتوي على شرائح تحديد الهوية في المنزل‪ .‬لكنني شككت في ذلك‪ ،‬وفكرت‬

‫‪.‬في تلقيه زيارة قريبًا في المنزل من الشرطة للقبض عليه‬

‫كنت أعلم بوق==وع ح==دث مهم على ش==بكة «إكس نت» عن==دما أتلقى فج=أة الماليين من رس=ائل البري==د اإللك==تروني من أش=خاص‬

‫يريدون إطالع «مايكي» على أحدث المستجدات‪ .‬كنت ال أزال أقرأ بشأن ذلك الفتى — الذي ال يعرف تهجئة كلمة جه==اد —‬

‫عندما تلقى صندوق بريدي واباًل من الرسائل‪ .‬حمل الجميع رسالة لي — راب==ط لالي==ف جورن==ال على ش==بكة «إكس نت» —‬

‫إحدى المدونات مجهولة االسم العديدة التي قامت على نظام نشر الوثائق على برنامج «فري نت» الذي استخدمه أيضًا أنصار‬

‫‪.‬الديمقراطية الصينيون‬

‫»‪.‬كادوا يمسكون بنا«‬

‫عمدنا الليلة إلى إحداث تشويش في منطقة إمباركديرو‪ .‬تسكعنا في األنحاء مانحين الجميع كود بطاقة «فاستراك» أو «فاست«‬

‫باس» أو مفتاح باب أو مفتاح سيارة جدي ًد ا‪ ،‬ونثرنا بعض مسحوق البارود الزائف في الهواء‪ .‬مأل رجال الشرطة المكان‪ ،‬لكننا‬
‫»‪.‬كنا أمكر منهم؛ كنا نتردد= على ذلك المكان كل ليلة‪ ،‬ولم ي َ‬
‫ُلق القبض علينا من قبل‬

‫لكنهم أمسكوا بنا الليلة‪ ،‬أخطأنا خطأ ً أحمق أوقعنا في أيديهم‪ ،‬وه=و أن مالبس=نا ك=انت متس=خة بمس=حوق الب=ارود‪ .‬ألقى عمي=ل«‬

‫سري القبض على صديقي‪ ،‬ثم علينا جمي ًعا‪ .‬كانوا يراقبون مجموعتنا منذ فترة طويلة‪ ،‬وك=انت معهم واح=دة من تل=ك الش=احنات‬

‫»‪.‬بالقرب من المكان‪ .‬أدخلوا أربعة منا فيها‪ ،‬وفلت الباقون‬


‫ازدحمت الشاحنة كعلبة السردين بكافة صنوف البشر‪ :‬شباب‪ ،‬شيوخ‪ ،‬س=ود‪ ،‬بيض‪ ،‬أغني=اء‪ ،‬فق=راء‪ ،‬كلهم مش==تبه فيهم‪ ،‬وك=ان«‬

‫هناك شرطيان يحاوالن طرح أسئلة علينا‪ ،‬في حين واصل العمالء السريون جلب المزيد منا إلى الشاحنة‪ .‬ح==اول معظم الن==اس‬

‫الوصول إلى أول الصف لالنتهاء من التحقيق‪ ،‬ومن ثم أخذنا نتراجع للخلف‪ .‬استغرق بقاؤنا داخل الشاحنة ساعات‪ ،‬ك=ان الج=و‬

‫»‪.‬شديد الحرارة‪ ،‬واالزدحام في ازدياد‪ ،‬وليس العكس‬

‫نحو الساعة الثامنة مساءً‪ ،‬تبدلت المناوبة‪ ،‬ودخل شرطيان جديدان الش==احنة ليعنف==ا االث==نين اآلخ==رين الل==ذين م==رَّ على بقائهم==ا«‬

‫داخل الشاحنة وقت طويل‪ .‬احتدم الشجار بينهم‪ ،‬ثم رحل الشرطيان القديمان‪ ،‬وجلس االثن==ان الجدي==دان خل==ف مكتبيهم==ا‪ ،‬وأخ==ذا‬

‫»‪.‬يتهامسان لبعض الوقت‬

‫ثم وقف أحدهما‪ ،‬وأخذ يصيح في الجميع‪« :‬لتعودوا جميعكم إلى منازلكم‪ ،‬بإمكانن==ا فع==ل م==ا ه=و أهم من إزع=اجكم بمزي==د من«‬

‫»‪».‬األسئلة‪ .‬إن كنتم قد ارتكبتم خطأ ً ما‪ ،‬فال تكرروه‪ ،‬وليكن ذلك تحذيرً ا لكم جميعً ا‬

‫أثار ذلك استياء شدي ًدا من عدد من الرجال داخل الش==احنة‪ ،‬فيم==ا يع==د موق ًف==ا مض==ح ًكا للغاي==ة؛ إذ إنهم من==ذ عش==ر دق==ائق ك==انوا«‬

‫يتذمرون من احتجازهم‪ ،‬واآلن هم غاضبون من إطالق س=راحهم‪ ،‬كم=ا ل=و ك=ان لس=ان ح=الهم يق=ول‪« :‬فليح=دد ه=ؤالء الض=باط‬

‫»!»موقفهم‬

‫لكننا تفرقنا سري ًعا‪ ،‬وخرجنا من الشاحنة‪ ،‬وعدنا إلى منازلنا لنكتب ه==ذه الكلم==ات‪ :‬العمالء الس==ريون في ك==ل مك==ان بح==ق‪ ،‬إذا«‬

‫كنت تعمل على إحداث تشويش‪ ،‬فتو َّخ الحذر‪ ،‬وتأهب للهروب عند وقوع أية مشكالت‪ .‬وإذا أُلقي القبض عليك‪ ،‬فتح َّل بالصبر؛‬

‫»‪.‬فهم مشغولون للغاية‪ ،‬وقد يطلقون سراحك على الفور‬

‫نحن السبب وراء انشغالهم إلى هذا الحد! كل من كانوا داخل تلك الشاحنة كانوا هن==اك ألنن==ا تس==ببنا في التش==ويش عليهم؛ ل==ذا‪«،‬‬

‫»!لنواصل المسيرة‬

‫=ق بهم ق==ط — ك==ادوا يقض==ون م==ا تبقى لهم من العم==ر معتقلين‬
‫شعرت برغبة في التقيؤ‪ .‬هؤالء األربعة — الشباب الذين لم ألت= ِ‬
‫‪.‬بسبب شيء بدأته‬

‫‪.‬بسبب شيء أخبرتهم أن يفعلوه‪ .‬لم أختلف كثيرً ا عن اإلرهابيين‬

‫•••‬

‫حص=لت وزارة األمن الوط=ني على الموافق=ة على زي=ادة الميزاني=ة‪ ،‬وظه=ر ال=رئيس على شاش=ة التليفزي=ون م=ع ح=اكم الوالي=ة‬

‫جبرنا على مشاهدة ذلك في اجتماع باليوم الت==الي في المدرس==ة‪ .‬ابتهج أبي‪ ،‬لق==د ك==ره ال==رئيس‬‫ُ‬
‫ليخبرنا بأن األمن ال يُقدَّر بثمن‪ .‬أ ِ‬
‫منذ يوم انتخابه‪ ،‬وكان رأيه أنه ال يختلف عن الرئيس السابق الذي كان بدوره كارث==ة محقق==ة‪ .‬أم==ا اآلن‪ ،‬فال يك==ف عن الح==ديث‬

‫‪.‬عن مدى حزم ذلك الرئيس الجديد ونشاطه‬

‫قالت لي أمي في إحدى الليالي بعد عودتي من المدرسة‪« :‬لتخفف من ح=دتك في التعام=ل م=ع وال==دك‪ ».‬عملت أمي من الم==نزل‬

‫قدر استطاعتها؛ فهي إخصائية حرة في مجال «تبديل محل اإلقامة» تساعد البريطانيين على االس==تقرار في س==ان فرانسيس==كو‪،‬‬
‫المرس=لة من بريط==انيين من جمي==ع‬
‫َ‬ ‫وكانت المفوضية العليا البريطانية تدفع لها المال مقابل الرد على رسائل البريد اإللك==تروني‬

‫أنحاء البالد حيرتهم طباع األمريكيين الغريبة‪ .‬جنت رزقها من تفسير طباع األمريكيين‪ ،‬وقالت إن==ه من األفض=ل فع==ل ذل==ك في‬

‫‪.‬الوقت الراهن من المنزل‪ ،‬حيث ال تضطر لرؤية أي أمريكيين= أو التحدث معهم‬

‫لست متوه ًما بشأن بريطانيا‪ ،‬ربما تكون أمريكا على استعداد لتجاهل دس=تورها في ك=ل م=رة يه=دد= فيه=ا أح=د الجه=اديين البالد‪،‬‬

‫لكنني تعلمت من مشروعي المستقل في مادة الدراسات االجتماعية في الصف التاسع أن البريطانيين ليس ل==ديهم دس==تور‪ ،‬ولكن‬

‫لديهم قوانين يشيب لها شعر رأسك؛ إذ يمكنهم وضعك في السجن لم==دة ع==ام كام==ل إذا ك==انوا متأك==دين تما ًم==ا من أن==ك إره==ابي‪،‬‬

‫لكنهم ال يملكون أدلة كافية إلثبات ذلك‪ .‬والسؤال هن==ا ه=و كي=ف يكون=ون متأك==دين إذا لم تكن ل=ديهم أدل=ة كافي=ة لإلثب=ات؟ كي==ف‬

‫وصلوا إلى هذا اليقين؟ هل شهدوا ارتكابك جرائم اإلرهاب في حلم أقرب للواقع؟‬

‫هذا فضاًل عن أن المراقبة في أمريكا تب==دو عم==ل ه==واة بج==انب نظيرته==ا في بريطاني==ا؛ فق==اطن لن==دن الع==ادي تلتق==ط الك==اميرات‬

‫صورته ‪ ٥٠٠‬مرة يوم ًّي ا فقط أثناء سيره في الشوارع‪ ،‬وكذلك كل لوحة أرقام تحملها أية س==يارة في أي مك==ان بالدول==ة‪ .‬الجمي==ع‬

‫— بدءًا من البنوك ووصواًل لشركة النقل العام — متحمس لتتبع خطواتك‪ ،‬والوشاية بك إذا ظنوا أنك مح==ل أي==ة ش==بهة‪ ،‬مهم==ا‬

‫‪.‬صغرت‬

‫لكن هذه لم تكن وجهة نظر أمي؛ فقد رحلت عن بريطانيا وهي في المرحل==ة الثانوي==ة‪ ،‬ولم تش==عر ق==ط أن أمريك==ا وطنه==ا‪ ،‬رغم‬

‫‪.‬زواجها من شاب من مدينة= بيتلوما وتربيتها اب ًنا هنا‪ .‬ظلت هذه دومًا في نظرها أرض الهمجيين‪ ،‬وبريطانيا هي الوطن‬

‫أبي مخطئ يا أمي‪ ،‬من المفترض أن تكوني أكثر الناس علمًا بذلك‪ .‬كل ما يجعل له==ذا البل==د ش=أ ًنا عظي ًم==ا ُ‬
‫ض= ِرب ب==ه ع=رض«‬

‫ت أنهم لم يلقوا القبض على أي إرهابيين؟ وكل م==ا يفك==ر في==ه أبي ه==و‪« :‬نحن بحاج==ة‬
‫الحائط‪ ،‬وأبي يوافق على ذلك‪ .‬هل الحظ ِ‬
‫»‪.‬ألن نتمتع= باألمان»‪ ،‬لكنه يجب أن يعلم أن معظمنا ال يشعر باألمان‪ ،‬وأن ما يغلب علينا هو الشعور الدائم بالخطر‬

‫أعلم كل ذلك يا ماركوس‪ ،‬وصدقني‪ ،‬أنا ال يعجبني ما يحدث لهذا البلد‪ ،‬لكن والدك …» ثم توقفت لحظات‪ ،‬وتابعت‪« :‬عندما«‬

‫»… لم تعد إلى المنزل بعد الهجمات‪ ،‬ظن‬

‫‪.‬ثم نهضت‪ ،‬وأعدت لنفسها كوبًا من الشاي‪ .‬كانت هذه عادتها عند شعورها باالنزعاج أو االضطراب‬
‫ً‬
‫قائلة‪« :‬ظننا أنك قد لقيت حتفك يا ماركوس‪ .‬هل تعي ما أقوله؟ أخذنا نبكيك أيامًا‪ .‬تخيلنا أن=ك ص=رت أش==الء‬ ‫استطردت حديثها‬

‫»‪.‬في قاع المحيط جراء االنفجار‪ ،‬وأنك قُتِلت ألن حقيرً ا ما قرر قتل المئات من الغرباء إلثبات وجهة نظر ما‬

‫استوعبت ما قالته ببطء‪ ،‬أعني أنني كنت أعي شعورهما بالقلق؛ فقد مات كث==يرون في االنفج==ارات‪ ،‬وتش==ير التق==ديرات الحالي==ة‬

‫‪.‬أنهم أربعة آالف‪ .‬وما من شخص ال يعرف أح ًدا لم يعد إلى منزله في ذلك اليوم‪ .‬في مدرستي‪ ،‬اختفى اثنان‬

‫كان والدك على استعداد للقتل … قتل أي أحد‪ .‬لقد جن جنونه‪ .‬لم تره من قبل بهذا الحال‪ ،‬وأنا كذلك‪ =.‬فقد صوابه تما ًم==ا‪ .‬ك==ان«‬

‫يجلس على هذه المائدة‪ ،‬ويستمر في السباب‪ ،‬والنطق بألفاظ سيئة لم أسمعها منه من قبل قط‪ .‬وفي أحد األيام — ثالث يوم بع==د‬
‫األحداث — رنَّ الهاتف‪ ،‬وظن أنك من يتحدث‪ ،‬لكنه كان شخ ً‬
‫صا أخطأ في الرقم؛ فألقى والدك بالهاتف بق==وة ليتحطم إلى آالف‬

‫‪.‬القطع‪ ».‬كنت أتساءل بالفعل عن هاتف المطبخ الجديد‬

‫ثمة شيء انكسر داخل والدك‪ .‬إنه يحبك‪ ،‬كالنا يحبك‪ .‬أنت أهم شيء في حياتنا‪ ،‬وال أعتقد أنك تدرك ذل==ك‪ .‬ه==ل ت==ذكر عن==دما«‬

‫»كنت في العاشرة من عمرك‪ ،‬ورحلت أنا إلى لندن فترة طويلة؟ هل تذكر ذلك؟‬

‫‪.‬أومأت برأسي في صمت‬

‫كنا نستعد للطالق يا ماركوس‪ .‬ال يهم السبب في ذلك اآلن‪ .‬كانت مرحلة سيئة في حياتنا‪ ،‬كتلك التي يمر بها أي اث=نين يحب==ان«‬

‫أحدهما اآلخر عندما يتوقف ك ٌّل منهما عن االهتمام باآلخر لبضع سنوات‪ ،‬لكن والدك جاء إلي‪ ،‬وأقنع==ني ب==العودة من أجل==ك‪ .‬لم‬

‫»‪.‬نحتمل فكرة أن نفعل ذلك بك‪ .‬وعاد الحب بيننا مجد ًدا‪ ،‬ويرجع السبب إليك في بقائنا معً ا اليوم‬

‫‪.‬شعرت ب ُغ َّ‬
‫ص ة في حلقي؛ فهذه أول مرة أعرف فيها ذلك‪ .‬لم يخبرني أحد بهذا األمر من قبل‬

‫لذا‪ ،‬فإن والدك يمر بمرحلة عصيبة اآلن‪ ،‬فهو ليس في حالته الذهنية الطبيعية‪ .‬سيستغرق األمر بعض الوقت قب==ل أن يتع==افى«‬

‫»‪.‬ويعود الرجل الذي أحببته‪ =،‬ونحن بحاجة لتفهمه حتى ذلك الحين‬

‫عانقتني بعد ذلك عنا ًقا طوياًل ‪ ،‬والحظت حينها كم نحل ذراعاها‪ ،‬وارتخى جلد رقبتها‪ .‬طالما ك==انت ص=ورة وال==دتي في نظ==ري‬

‫صورة امرأة شابة بشوشة ذات بشرة شاحبة ووجنتين ورديتين‪ =،‬ترمق من أمامها بنظ=رة ح=ادة من وراء نظارته=ا ذات اإلط=ار‬

‫المعدني‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فبدت أشبه بسيدة عجوز‪ .‬أنا من فعلت ذلك بها‪ ،‬وكذلك اإلرهابيون‪ ،‬ووزارة األمن الوط=ني‪ .‬كن=ا جميعً= ا في‬

‫‪.‬جانب‪ ،‬وأمي وأبي وكل من تعرضوا لخداعنا في الجانب اآلخر‬

‫•••‬

‫لم أستطع النوم في تلك الليلة‪ .‬ظلت كلمات أمي تتردد= في ذهني‪ .‬كان أبي متوترً ا وصام ًتا على العش==اء‪ ،‬ولم نتح==دث تقري ًب==ا؛ إذ‬

‫لم أثق في أال يز َّل لساني‪ ،‬باإلضافة إلى انزعاج أبي بش==أن آخ==ر األخب==ار؛ وهي أن تنظيم القاع==دة ه==و المس==ئول دون ش==ك عن‬

‫التفجيرات‪ .‬كانت قد أعلنت س==ت جماع==ات إرهابي==ة مختلف==ة مس==ئوليتها عن الهج==وم‪ ،‬غ==ير أن الفي==ديو ال==ذي ُن ِش=ر للقاع==دة على‬

‫‪.‬اإلنترنت هو الوحيد الذي كشف عن معلومات تقول وزارة األمن الوطني إنها لم تكشف عنها ألحد قط‬

‫استلقيت في السرير‪ ،‬واستمعت ألحد البرامج اإلذاعي==ة ال==تي ُت َبث في وقت مت==أخر من اللي==ل وتس==مح بالم==داخالت الهاتفي==ة‪ .‬دار‬

‫موضوع الحلقة حول المشكالت الجنسية‪ ،‬ومقدم البرنامج رجل مثليٌّ أحببت االستماع إليه‪ .‬كان يقدم نصائح فج==ة لكنه==ا جي==دة‪،‬‬

‫‪.‬وكان مضح ًكا للغاية‬

‫لكنني في تلك الليلة لم يمك ِّن ي الضحك‪ .‬معظم المتصلين أرادوا استشارته في مشكلة عجزهم عن إقامة عالقة مع زوج==اتهم من==ذ‬

‫‪.‬وقوع الهجمات‪ .‬طاردني ذلك الموضوع حتى في البرامج اإلذاعية التي تدور حول الجنس‬

‫‪.‬أوقفت تشغيل الراديو‪ ،‬وسمعت صوت مُحرِّ ك في الشارع‬


‫تقع غرفتي في الطابق العلوي بمنزلنا‪ ،‬وهو أحد المنازل ذات الطالء الصارخ‪ .‬س==قف الغرف==ة س==قف عليَّة مائ==ل‪ ،‬وتوج==د ناف==ذة‬

‫بكل جانب من جانبي الغرفة؛ إحداهما تطل على حي ميشن بالكامل‪ ،‬واألخرى تطل على الشارع الموجود أم==ام منزلن==ا‪ .‬ك==انت‬

‫‪.‬السيارات تمر في هذا الشارع طوال الليل‪ ،‬لكن ثمة شي ًئا مختل ًفا في صوت ذلك المحرك الذي سمعته‬

‫ذهبت إلى النافذة المطلة على الشارع‪ ،‬وسحبت الس=تائر‪ .‬رأيت باألس=فل ش=احنة بيض=اء ال تحم=ل أي==ة عالم==ات مم=يزة‪ ،‬ويعل==و‬

‫سقفها أجهزة هوائي السلكية فاق عددها أي عدد= أجهزة هوائي سبق لي رؤيته==ا على أي==ة س==يارة‪ .‬أخ==ذت تس==ير ببطء ش==ديد في‬

‫‪.‬الشارع‪ ،‬وطبق صغير أعالها يدور‬

‫توقفت وفُتِح فجأة أحد األبواب الخلفية بها‪ .‬خرج منها رجل يرت==دي زي وزارة األمن الوط==ني؛ ص==ار‬
‫ْ‬ ‫أثناء مشاهدتي للشاحنة‪،‬‬
‫بوسعي التعرف عليهم على بعد مئات األمت==ار‪ .‬حم=ل مع==ه جه= ً‬
‫=ازا عكس ض==وءًا أزرق على وجه==ه‪ .‬أخ==ذ يس==ير جيئ==ة وذهابً=ا‪،‬‬

‫مستكش ًفا الجيران أواًل مع تسجيل مالحظات على جهازه‪ ،‬ثم توجه إلينا‪ .‬ك==ان هن==اك ش=يء م==ألوف في طريق==ة مش==يته وب=النظر‬

‫… ألسفل‬
‫ُّ‬
‫أفلت‬ ‫ً‬
‫جهاز ا للعثور على إشارات الواي فاي! وزارة األمن الوطني تبحث عن ُع َقد شبكة «إكس نت»‪.‬‬ ‫اكتشفت أنه كان يستخدم‬

‫الستائر من يدي‪ ،‬وبحثت في الغرفة عن جهاز اإلكس بوكس‪ .‬تركته قيد التشغيل أثن==اء ت==نزيلي لبعض أفالم الص==ور المتحرك==ة‬

‫الرائعة التي صممها مستخدمو شبكة «إكس نت» لخطاب الرئيس الذي تحدث في==ه عن أن تحقي==ق األمن ال يُق=دَّر بثمن‪ =.‬ج==ذبت‬

‫‪.‬القابس من الحائط‪ ،‬ثم أسرعت عائ ًدا إلى النافذة‪ ،‬وأحدثت فتحة صغيرة في الستائر‬

‫أخذ الرجل ينظر في جهاز العثور على إشارات الواي فاي مجد ًدا‪ ،‬وهو يسير جيئة وذهابًا أمام منزلنا‪ .‬وبعد لحظات‪ ،‬ع==اد إلى‬

‫‪.‬الشاحنة وقادها مبتع ًدا‬

‫أخرجت الكاميرا‪ ،‬والتقطت أكثر عدد ممكن من الصور للشاحنة وما عليها من أجهزة هوائي‪ .‬وبع==د ذل==ك‪ ،‬فتحت ه==ذه الص==ور‬

‫باستخدام برنامج مجاني لتحرير الصور يُسمَّى «جيمب»‪ ،‬وحذفت كل ما في الصور فيما عدا الشاحنة‪ ،‬فمس==حت الش==ارع وأي‬

‫‪.‬شيء يمكن أن يحدد هويتي‬

‫ومن ثم‪ ،‬نشرتها على شبكة «إكس نت»‪ ،‬وكتبت كل ما يمكنني كتابته عن الش==احنة‪ .‬ك==انوا يبحث==ون بال ش==ك عن ش==بكة «إكس‬

‫‪.‬نت»‪ ،‬بوسعي تخمين ذلك‬

‫‪.‬وبذلك جفاني النوم تمامًا‬

‫وال عالج لذلك سوى ممارسة لعبة القراصنة‪ .‬كنت موق ًنا بوجود العدي=د= من الالع==بين رغم الس==اعة المت==أخرة من اللي==ل‪ .‬االس==م‬

‫الحقيقي لهذه اللعبة هو «كلوك وورك بالندر»‪ ،‬وكانت مشروع هواة صممه مراهق==ون من فنلن==دا مهووس==ون بموس==يقى ال==ديث‬

‫ميتال‪« .‬كلوك وورك بالندر» مجانية تمامًا‪ ،‬وتقدم من المتعة ما يماثل ما تقدمه أية لعبة أخ=رى يبل==غ اش==تراكها ‪ ١٥‬دوالرً ا في‬

‫‪».‬الشهر‪ ،‬مثل «إندرز يونيفيرس» و«ميدل إيرث كويست» و«ديسكوورلد دان ِجنز‬
‫سجلت الدخول مرة أخرى في اللعبة‪ .‬كنت ال أزال على ظهر سفينة «زومبي تشارجر» في انتظار من يجدد نش==اطي‪ .‬ك==رهت‬

‫‪.‬هذا الجزء من اللعبة‬

‫‪:‬كتبت مخاطبًا أحد القراصنة‬

‫»يا صاح! هال تجدد نشاطي؟«‬

‫‪:‬فصمت لحظات‪ ،‬وهو ينظر إلي‪ ،‬ثم قال‬

‫»ولماذا أفعل ذلك؟«‬

‫»‪.‬نحن أعضاء فريق واحد‪ ،‬باإلضافة إلى أنك ستجني نقاط خبرة«‬

‫!يا له من أحمق‬

‫»!حدد موقعك«‬

‫»‪.‬سان فرانسيسكو«‬

‫‪.‬بدأ األمر يبدو مألو ًفا‬

‫»أين في سان فرانسيسكو؟«‬

‫سجلت الخروج من اللعبة‪ .‬ثمة شيء غريب يجري فيها‪ .‬انتقلت إلى مدونات اليف جورنال‪ ،‬وأخذت أتص==فحها‪ .‬تص==فحت نح==و‬

‫‪.‬ست مدونات قبل أن أعثر على شيء جمَّد الدماء في عروقي‬

‫يحب مدونو شبكة اليف جورنال االختبارات‪ :‬ما الشخصية الخيالية التي تشبهك؟ هل أنت محب رائع؟ أي الكواكب أكثر ش==بهًا‬

‫بك؟ من الشخصية السينمائية التي تظن أنها تشبهك؟ ما طبيعتك العاطفية؟ فيجيبون عن هذه األسئلة‪ ،‬وك==ذلك يفع==ل أص==دقاؤهم‪،‬‬

‫‪.‬ويقارن الجميع النتائج‪ .‬هذه متعة ال ضرر فيها‬

‫لكن االختبار الذي انتشر بجميع المدونات على شبكة «إكس نت» في تلك الليلة ه==و م==ا أخ==افني؛ فق==د ك==ان أبع==د م==ا يك==ون عن‬

‫‪«»:‬المتعة التي ال ضرر فيها‬

‫ما نوعك؟‬

‫ما صفك الدراسي؟‬

‫ما المدرسة التي تذهب إليها؟‬

‫أين تعيش في المدينة؟‬

‫عيَّنت االختبارات النتائج على خريطة عليها دبابيس ملونة لإلشارة إلى المدارس واألحياء‪ ،‬مع توص==يات تافه==ة ألم==اكن ش==راء‬

‫‪.‬البيتزا وغيرها‬

‫‪:‬لكن انظر إلى تلك األسئلة‪ ،‬وفكر في إجاباتي عليها‬

‫‪.‬ذكر‬
‫‪١٢.‬‬

‫‪.‬شافيز الثانوية‬

‫‪.‬بتريرو هيل‬

‫لم يكن في مدرستي بأسرها سوى اثنين فقط تتماشى بياناتهما مع هذه البيانات‪ ،‬وينطب==ق األم==ر نفس==ه على أغلب الم==دارس‪ .‬إذا‬

‫‪.‬أردت التوصل إلى هوية مستخدمي شبكة «إكس نت»‪ ،‬يمكنك= استخدام هذه االختبارات للعثور عليهم جميعً ا‬
‫كان هذا سي ًئا بما فيه الكفاية‪ ،‬لكن األسوأ هو أنه عنى ضم ًنا أن شخ ً‬
‫صا ما من وزارة األمن الوطني كان يس==تخدم ش==بكة «إكس‬

‫‪.‬نت» للوصول إلينا‪ .‬تعرضت الشبكة الختراق من جانب وزارة األمن الوطني‬

‫‪.‬كان هناك جواسيس بيننا‬

‫•••‬

‫أعطيت أقراص «إكس نت» للمئات من األفراد الذين أعطوها بدورهم آلخرين‪ .‬ع=رفت َمن أعطيتهم األق==راص معرف=ة جي=دة‪،‬‬

‫وكونت صداقات مع المئات من الناس على م==ر‬


‫وبعضهم كنت على عالقة وطيدة به؛ فقد عشت في المنزل ذاته طوال عمري‪َّ ،‬‬
‫السنين‪ ،‬بدءًا بزمالئي في الحضانة‪ ،‬وحتى من لعبت معهم ك==رة الق==دم‪ ،‬وألع==اب تقمص األدوار في إط==ار ط==بيعي‪ ،‬ومن التقيت‬

‫بهم في النادي‪ ،‬ومن عرفتهم من المدرسة‪ .‬أعضاء فريقي في ألعاب الواقع البديل كانوا األق==رب لي‪ ،‬لكن==ني ع==رفت الكث==ير من‬

‫‪».‬الناس ووثقت فيهم بما فيه الكفاية إلعطائهم أقراص «إكس نت‬

‫‪.‬كنت بحاجة إليهم اآلن‬

‫أيقظت خولو من النوم بأن طلبته على هاتفه المحمول‪ ،‬وأغلقت السماعة بعد الرنة األولى ثالث مرات متتالية‪ .‬بعد دقيق==ة‪ ،‬ك==ان‬

‫على ش==بكة «إكس نت» وتمك َّنا من إج==راء محادث==ة آمن==ة‪ .‬جعلت==ه يق==رأ م==ا نش==رته في م==دونتي عن الش==احنات ذات اله==وائي‬

‫‪.‬الالسلكي‪ ،‬وعاد لمحادثتي بعد دقيقة مذعورً ا‬

‫»هل أنت متأكد من أنهم يبحثون عنا؟«‬

‫‪.‬وألجيبه عن سؤاله‪ ،‬وجهته لالختبار‬

‫»!يا إلهي! لقد قُضي علينا«‬

‫»‪.‬كال‪ ،‬ليس األمر بهذا السوء‪ ،‬لكننا بحاجة لمعرفة من يمكننا الوثوق به«‬

‫»كيف؟«‬

‫»هذا ما أردت سؤالك عنه … كم من الناس يمكنك= أن تثق بهم ثقة عمياء؟«‬

‫»‪.‬نحو ‪ ٢٠‬أو ‪«٣٠‬‬

‫»‪.‬أريد الجمع بين عدد من األفراد الجديرين بالثقة ح ًّقا‪ ،‬وإعداد شبكة ثقة لتبادل المفاتيح«‬
‫شبكة الثقة هي إحدى أدوات التشفير الرائعة التي قرأت عنها‪ ،‬لكنني لم أجربها من قبل‪ ،‬وهي وسيلة واقي==ة من الخ==داع تجعل==ك‬

‫تتأكد من أنك تتحدث مع أفراد تث==ق بهم‪ ،‬ولكن دون أن يتمكن أح==د من االس==تماع إليكم‪ .‬المش==كلة هي أنه==ا تتطلب من==ك االلتق==اء‬

‫‪.‬فعل ًّي ا باألفراد الموجودين في الشبكة مرة واحدة على األقل لكي تبدأ‬

‫»فهمت ما تعنيه= بالتأكيد‪ =.‬ليست فكرة سيئة‪ ،‬لكن كيف ستجمع الجميع للتوقيع على الشهادات الخاصة بالمفاتيح؟«‬

‫»هذا ما أردت سؤالك عنه … كيف يمكننا فعل ذلك دون أن يُل َقى القبض علينا؟«‬

‫‪.‬كتب خولو شي ًئا ما‪ ،‬ثم مسحه‪ ،‬وكتب ثم مسح‬

‫‪:‬فكتبت‬

‫»‪.‬داريل كان سيعرف«‬

‫»‪.‬يا إلهي‪ ،‬كان هذا ما يبرع فيه ح ًّقا«‬

‫‪:‬لم يكتب خولو أي شيء‪ ،‬ثم‬

‫»ما رأيك في إعداد حفلة؟«‬

‫‪:‬واستطرد‬

‫»‪.‬نلتقي جمي ًع ا في مكان ما كما لو كانت حفلة مراهقين‪ ،‬وبذلك يكون لدينا عذر جاهز إذا ظهر أحد يسأل عما نفعله«‬

‫»‪.‬هذا حل رائع! أنت عبقري يا خولو«‬


‫»‪.‬أعرف ذلك‪ ،‬وما سيسعدك أكثر أنني أعلم أي ً‬
‫ضا أين يمكننا إقامة هذه الحفلة«‬

‫»أين؟«‬

‫»!مسابح سوترو«‬
‫الفصل العاشر‬
‫أهدي هذا الفصل لمتجر آندرسونز بوكش==وب‪ ،‬وه=و متج==ر كتب أطف=ال أس=طوري في ش==يكاجو‪ .‬آندرس=ونز متج==ر ق==ديم ت==ديره‬

‫عائلة‪ ،‬بدأ كمتجر لألدوية قديم الطراز يبيع الكتب إلى جانب عمل=ه األساس=ي‪ .‬أم=ا اآلن‪ ،‬فق=د ص=ار إمبراطوري=ة عظيم=ة لكتب‬

‫األطفال متعددة الفروع‪ ،‬ويتمتع بأساليب مبتكرة لبيع الكتب تحقق التواصل بين األطفال والكتب بأس==اليب رائع==ة ح ًّق==ا‪ .‬وأفض==ل‬

‫هذه األساليب معارض الكتب المتحركة التي يقيمها المتجر‪ ،‬وتش==حن فيه==ا خزان==ات كتب ض==خمة دوارة‪ ،‬ممل==وءة بكتب أطف==ال‬
‫ً‬
‫جاهزا بين أيديهم‬ ‫‪.‬رائعة‪ ،‬وتتوجه إلى المدارس على شاحنات لتجلب لألطفال معرض كتب‬

‫***‬

‫ماذا ستفعل إذا اكتشفت وجود جاسوس في محيطك؟ يمكنك اتهامه‪ ،‬واإلمساك به‪ ،‬وإخراجه من ذل=ك المحي=ط‪ .‬لكن‪ ،‬حينئ=ذٍ‪ ،‬ق=د‬
‫‪.‬ينتهي األمر بمواجهة جاسوس آخر‪ ،‬ويكون أكثر حر ً‬
‫صا من سابقه‪ ،‬وال تتمكن= من القبض عليه بهذه السهولة‬
‫إليك فكرة أفضل‪ :‬ابدأ باعتراض اتصاالت هذا الجاسوس‪ ،‬وزوده هو وقادته بمعلومات خاطئة‪ .‬لنفترض أن قادته َوجَّ هوه لجمع‬

‫معلومات عن تحركاتك‪ .‬لتدعه يتتبعك‪ ،‬وي==دوِّ ن ك==ل المالحظ==ات ال==تي يحتاجه==ا‪ ،‬لكن افتح بالبخ==ار األظ==رف ال==تي يرس==لها إلى‬

‫مركز قيادته‪ ،‬وضع تقريرً ا وهم ًّيا آخر ب=داًل من التقري=ر ال=ذي كتب=ه عن تحركات=ك‪ .‬وإن أردت‪ ،‬يمكن=ك أن تجعل=ه يب=دو غريبً=ا‬

‫وغير جدير بالثقة‪ ،‬فيتخلصوا منه‪ .‬بوسعك أيضً ا اصطناع أزمات تجعل أ ًّيا من الجانبين يكشف عن هوي=ات جواس=يس آخ=رين‪.‬‬

‫‪.‬باختصار‪ ،‬أنت ستهزمهم‬

‫ُعرف ذلك بهج==وم ال==دخيل‪ ،‬وإذا فك==رت في==ه‪ ،‬فس=تجده مخي ًف=ا للغاي==ة‪ .‬من يت==دخل في اتص=االتك‪ ،‬يمكن أن يخ==دعك بأس=اليب ال‬
‫ي َ‬

‫‪ُ .‬ت َ‬
‫حصى‬

‫يوجد‪ ،‬بالطبع‪ ،‬وسيلة رائعة للتحايل على هجوم الدخيل؛ أال وهي استخدام التشفير‪ .‬بالتشفير‪ ،‬ال يهم إذا كان العدو بوسعه رؤية‬

‫‪.‬رسائلك؛ ألنه لن يمكنه فك شفرتها‪ ،‬وتغييرها‪ ،‬وإعادة إرسالها‪ .‬وهذا أحد األسباب الرئيسية الستخدام التشفير‬

‫لكن تذكر‪ :‬لكي ينجح التشفير‪ ،‬يلزم أن يك==ون ل==ديك مف==اتيح لألف==راد ال==ذين ت==رغب في التح==دث معهم‪ .‬علي==ك أنت وش==ريكك في‬

‫المحادثة تبادل سر أو اثنين؛ أي بعض المفاتيح التي يمكنك استخدامها لتشفير رسائلك وفك هذا التشفير من أج==ل إبع==اد ال==دخيل‬

‫‪.‬عنكما‬

‫‪.‬ومن هنا جاءت فكرة المفاتيح العامة‪ .‬وهي فكرة معقدة بعض الشيء‪ ،‬لكنها متميزة للغاية في الوقت نفسه‬

‫في تشفير المفاتيح العامة‪ ،‬يحصل كل مستخدم على مفتاحين؛ وهما سلس==لتان طويلت==ان من الرم==وز الرياض==ية الغامض==ة‪ ،‬ولكن‬

‫لهما خاصية شبه سحرية؛ وهي أنه أ ًّيا كان ما تشفره بأحدهما‪ ،‬س ُي َفك تشفيره من خالل اآلخر‪ ،‬والعكس صحيح‪ .‬هذا فضاًل عن‬

‫أنهما المفتاحان الوحيدان اللذان يمكنهما فعل ذلك‪ ،‬فإذا تمكنت من فك شفرة رسالة ما بأحد المفتاحين‪ ،‬فستعلم أن المفتاح اآلخر‬

‫‪.‬هو الذي شفرها (والعكس صحيح)‬


‫ومن ثم‪ ،‬تأخذ أ ًّيا من هذين المفتاحين (ال يهم أيهما) و«تنشره»؛ أي تجعله علن ًّيا تمامًا‪ ،‬و ُتعلِم به الجمي==ع‪ .‬وله==ذا ال يخفى لم==اذا‬

‫‪».‬يطلقون عليه «مفتاحك العام‬

‫أبدا بأن يعرف ما هو‪ ،‬وهذا ما يُطلَق عليه «مفتاحك الخاص»‬


‫أما المفتاح الثاني‪ ،‬فتخفيه‪ ،‬وال تصرح به ألحد‪ ،‬وال تسمح ألحد ً‬

‫!… أمر منطقي‬

‫لنفترض اآلن أنك جاسوس‪ ،‬وترغب في التحدث مع رؤسائك‪ .‬مفتاحهم العام معروف للجميع‪ ،‬وك==ذلك مفتاح==ك الع==ام‪ .‬في حين‬

‫‪.‬ال أحد يعرف مفتاحك الخاص سواك‪ ،‬وال أحد يعرف مفاتيحهم الخاصة سواهم‬

‫ت==رغب في إرس==ال رس==الة إليهم‪ .‬أواًل ‪ :‬ستش==فرها باس==تخدام مفتاح==ك الخ==اص‪ .‬يمكن=ك= إرس==الها مباش==ر ًة‪ ،‬وس==ينجح األم==ر ألنهم‬

‫سيعلمون عند وصولها أنك من أرسلها‪ .‬كيف؟ ألنهم إذا كان بإمكانهم فك شفرتها باستخدام مفتاح==ك الع==ام‪ ،‬فمع==نى ذل==ك أنه==ا ال‬
‫يمكن أن تكون قد ُ‬
‫شفرت إال باستخدام مفتاحك الخاص‪ .‬ويشبه ذلك وضع ختمك أو توقيعك أسفل رس==الة لتق==ول‪« :‬أن==ا من كتب‬
‫»‪.‬هذه الرسالة‪ ،‬وليس ً‬
‫أحدا آخر‪ .‬ال يمكن أن يكون أحد قد عبث بها أو غيَّرها‬
‫لألسف‪ ،‬لن يحافظ ذلك على سرية رسالتك؛ وذلك ألن مفتاحك العام معروف بالفعل ً‬
‫جيدا لعدد كبير من الناس (ال ب==د أن يك==ون‬

‫كذلك‪ ،‬وإال فسيقتصر إرسالك للرسائل على العدد الص=غير من الن=اس ال=ذين يعرف=ون مفتاح=ك الع=ام)‪ .‬وأي ش=خص تم=ر علي=ه‬

‫الرس==الة س==يمكنه قراءته==ا‪ ،‬لكن لن يمكن==ه تغييره==ا وجعله==ا تب==دو كأن==ك أنت من أرس==لها؛ ومن ث َّم‪ ،‬إذا كنت ت==رغب في أال يعلم‬

‫‪.‬اآلخرون ما تقوله‪ ،‬فستحتاج إلى حل أفضل‬


‫لذا‪ ،‬بداًل من مجرد تشفير الرسالة باستخدام مفتاحك الخاص‪ ،‬بوسعك أي ً‬
‫ضا تشفيرها بمفتاح رئيس==ك الع==ام‪ ،‬وب==ذلك يك==ون ق==د تم‬

‫تشفيرها مرتين‪ :‬التشفير األول — وهو مفتاح رئيسك العام — ال يفك إال باس=تخدام مفت=اح رئيس=ك الخ=اص‪ ،‬والتش=فير الث=اني‬

‫— وهو مفتاحك الخ=اص — ال يف=ك إال باس=تخدام مفتاح=ك الع=ام‪ .‬وب=ذلك‪ ،‬عن=دما يتلقى رؤس=اؤك الرس=الة‪ ،‬س=يفكون ش=فرتها‬

‫‪.‬باستخدام كال المفتاحين‪ ،‬وبذلك سيتأكدون من‪( :‬أ) أنك من كتبتها‪ =،‬و(ب) أنهم وحدهم يمكنهم قراءتها‬

‫إنه أمر رائع‪ .‬يوم اكتشفته‪ ،‬تبادلت المفاتيح مع داري==ل على الف==ور‪ ،‬وقض==ينا ش==هورً ا في س==عادة غ==امرة بتبادلن==ا رس==ائلنا ش==ديدة‬

‫‪.‬السرية التي تعلقت بمكان التقائنا بعد= المدرسة‪ ،‬وما إذا كانت فان ستالحظ اهتمامه بها أم ال‬

‫لكن إذا كنت ترغب في فهم األمن‪ ،‬فعليك بالتفكير في أكثر االحتماالت المدفوعة بجنون االرتياب‪ .‬على سبيل المث==ال‪ ،‬م==اذا إذا‬

‫جعلتك تظن أن مفتاحي العام هو مفتاح رئيسك العام؟ ستشفر الرسالة باستخدام مفتاحك الخاص ومفتاحي العام‪ ،‬في حين س==أفك‬

‫أنا شفرتها‪ ،‬وأقرؤها‪ ،‬وأعيد تشفيرها باستخدام المفتاح العام الحقيقي لرئيسك‪ ،‬وأرسلها‪ .‬وكل ما يعرف==ه رئيس==ك في العم==ل ه==و‬

‫‪.‬أنه ما من أحد يمكن أن يكون قد كتب الرسالة سواك‪ ،‬وما من أحد سواه يمكن أن يكون قد قرأها‬

‫‪.‬وبذلك أكون قد لعبت دور الدخيل‪ ،‬وأجلس كالعنكبوت داخل الشبكة‪ ،‬وتصبح كل أسرارك مل ًكا لي‬

‫ومن ثم‪ ،‬فإن أيسر طريقة للتغلب على هذا االحتمال هي نشر مفتاحك العام على نطاق واسع؛ وذل=ك ألن=ه إذا ص=ار من اليس=ير‬

‫بالفعل على أي أحد معرفة مفتاحك الحقيقي‪ ،‬فستزداد األمور صعوبة على الدخيل‪ .‬غير أن نشر شيء ما‪ ،‬ال يق==ل ص==عوبة عن‬
‫الحفاظ عليه س ًّرا‪ .‬لتنظر مثاًل إلى مليارات الدوالرات التي ُتن َف==ق على إعالن==ات الش==امبو وغيره==ا إلعالم أك==بر ع==دد ممكن من‬

‫‪.‬الناس بشيء ما يرغب مُعلِن ما في إعالمهم به‬


‫ً‬
‫تكلفة للتغلب على مشكلة الدخيل؛ أال وهي شبكة الثق=ة‪ .‬لنف=ترض أن==ك قب==ل مغ==ادرة مرك==ز قيادت=ك‪ =،‬جلس=ت م==ع‬ ‫ثمة طريقة أقل‬

‫رؤسائك تحتسون القهوة‪ ،‬وأفصح ك ٌّل منكم لآلخر عن مفاتيحه‪ .‬ب==ذلك‪ ،‬لن يك==ون هن==اك أي دخالء! إذ س==تكون متيق ًن==ا تما ًم==ا من‬

‫‪.‬هوية أصحاب المفاتيح التي تعلمها؛ ألنهم من أعطوك إياها‬

‫إلى هذا الحد‪ ،‬األمر جيد تمامًا‪ .‬لكن ثمة عائ ًقا طبيع ًّيا هنا‪ ،‬وهو‪ :‬كم من الناس يمكنك= االلتق=اء بهم فعل ًّي=ا وتب=ادل المف=اتيح معهم؟‬

‫كم من الساعات في اليوم يمكنك= تكريسها لعمل يشبه كتابة دليل هاتف خاص بك؟ كم من هؤالء الناس يرغبون في تكريس هذا‬

‫الوقت لك؟‬

‫من المفيد التفكير في األمر من منظور مثال دليل الهاتف‪ ،‬فقد امتأل العالم من قبل بالعديد من أدلة الهواتف‪ ،‬وك==ان الم==رء كلم==ا‬

‫احتاج رقمًا‪ ،‬بحث عنه في الدليل‪ .‬لكن في حال==ة األرق==ام العدي==دة ال==تي ت==رغب في الرج==وع إليه==ا في أي ي==وم‪ ،‬يل==زم علي==ك إم==ا‬
‫معرفتها عن ظهر قلب‪ ،‬أو سؤال شخص آخر عنها‪ .‬وحال ًّيا أي ً‬
‫ضا‪ ،‬عندما أك==ون خ==ارج الم==نزل ومعي ه==اتفي المحم==ول‪ ،‬أس==أل‬

‫خولو أو داريل إذا كان لديهما الرقم الذي أبحث عنه‪ ،‬فهذا أسرع وأيسر من البحث عنه على اإلن==ترنت‪ ،‬ه==ذا فض =اًل عن أنهم==ا‬

‫ُع=رف ﺑ «الثق==ة االنتقالي=ة»؛ أي‬ ‫سيكونان أكثر موثوقية أيضً ا‪ .‬إذا كان لدى خولو الرقم‪ ،‬فأنا أثق فيه‪ ،‬وفي الرقم أي ً‬
‫ضا‪ .‬هذا م=ا ي َ‬
‫‪.‬الثقة التي تنتقل بأنحاء شبكة عالقاتنا‬

‫وشبكة الثقة تشبه ذلك‪ ،‬لكن على نطاق أكبر‪ .‬لنفترض أنني قابلت خولو‪ ،‬وحصلت على مفتاحه‪ .‬يمكنني= وضع هذا المفت==اح في‬

‫«سلسلة مفاتيحي»؛ أي مجموعة المفاتيح التي وقعت عليها بمفتاحي الخ==اص‪ .‬يع==ني ذل==ك أن==ه يمكن=ك= ف==ك تش==فير ه==ذا المفت==اح‬

‫باس==تخدام مفت==احي الع==ام‪ ،‬وتك==ون متأك = ًدا من أن==ني — أو أي ش==خص لدي==ه مفت==احي — أق==ول «إن ه==ذا المفت==اح يخص ه==ذا‬

‫»‪.‬الشخص‬

‫فأعطيك سلسلة مفاتيحي‪ ،‬وإذا كنت تثق فيَّ لتقابلني ح ًّقا وتتحقق من صحة كل المفاتيح الموجودة فيها‪ ،‬يمكنك أخذها وإض==افتها‬

‫صا آخ=ر‪ ،‬وتعطي=ه سلس=لة المف=اتيح بأكمله=ا‪ ،‬ف=تزداد السلس=لة ك=برً ا‪ ،‬وإذا كنت تث=ق في‬
‫إلى سلسلة مفاتيحك؛ ومن ثم‪ ،‬تقابل شخ ً‬

‫‪.‬الرجل التالي في السلسلة‪ ،‬وهو يثق في الشخص التالي في سلسلته‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فستكون مؤ َّم ًنا تمامًا‬

‫وبذلك نصل إلى حفالت توقيع المفاتيح‪ ،‬وهي تعني ما يشير إليه اسمها بالضبط‪ :‬حفلة يلتقي فيها الجميع‪ ،‬ويوقع ك== ٌّل منهم على‬

‫مفاتيح اآلخرين‪ .‬عندما تبادلت أنا وداريل المفاتيح‪ ،‬كان ذلك بمثابة حفل توقيع مفاتيح مصغر ال يحض==ره س==وى اث==نين يتس==مان‬

‫يتكون أساس شبكة الثقة‪ ،‬وهكذا تتسع الشبكة‪ .‬وبخروج كل ش==خص في‬
‫بالحزن والولع بالتكنولوجيا‪ .‬لكن بعدد= أكبر من الناس‪َّ ،‬‬
‫سلسلة مفاتيحك إلى العالم والتقائه بمزيد من الن==اس‪ ،‬يمكن==ه إض==افة المزي==د والمزي==د من األس==ماء للسلس==لة‪ .‬ليس علي==ك االلتق==اء‬

‫‪.‬بأناس جدد‪ ،‬عليك فقط الوثوق في أن المفتاح المو َّقع عليه الذي حصلت عليه من الناس في شبكتك صحيح‬

‫‪.‬لذلك‪ ،‬فإن شبكة الثقة والحفالت ال غنى إلحداهما عن األخرى‬


‫•••‬

‫قلت لخولو‪« :‬لتقل لهم فقط إنها حفلة خاصة ج ًّدا‪ ،‬ال يُس َمح فيه==ا بال==دخول إال للم==دعوين فق==ط‪ ،‬واطلب منهم ع==دم إحض==ار أح==د‬

‫»‪.‬معهم‪ ،‬وإال فلن يُس َمح لهم بالدخول‬

‫»‪.‬نظر خولو إليَّ من خلف قهوته‪ ،‬وقال‪« :‬أنت تمزح‪ ،‬أليس كذلك؟ إذا أخبرت الناس بذلك‪ ،‬فسيحضرون المزيد من األصدقاء‬

‫فقلت‪« :‬اللعنة!» وقضيت ليلة كل أسبوع في تلك األثن==اء عن==د خول==و‪ ،‬ألبقي على الك==ود مح=د ًَّثا على الش==بكة المس==تقلة‪ .‬وك==انت‬

‫شركة «بيجسبلين» تدفع لي مبل ًغا من المال لفعل ذلك‪ ،‬ما يعد غريبًا ح ًّقا‪ .‬لم يخطر ببالي من قبل أنني سأتلقى مااًل مقابل كتاب==ة‬

‫‪.‬األكواد‬

‫ماذا نفعل إذن؟ ال نريد أن يكون هناك أحد في الحفلة سوى من نثق فيهم فقط‪ ،‬وال نريد في الوقت نفسه أن نذكر السبب ح==تى«‬

‫»‪.‬نحصل على مفاتيح الجميع‪ ،‬ونتمكن= من مراسلتهم ًّ‬


‫سرا‬

‫بحث خولو عن األخطاء وصححها‪ ،‬بينما كنت أتابعه‪ .‬كان يطلق على ذل==ك اس==م «البرمج==ة القص==وى»‪ ،‬وه==و االس==م المح==رج‬

‫بعض الشيء‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فنطلق عليه «البرمجة» فقط‪ .‬وشخصان أفضل من واحد في اكتشاف األخطاء‪ .‬هناك مقولة في مج==ال‬

‫»‪.‬البرمجة تقول «كلما زاد عدد مطوري ومختبري األكواد‪ ،‬أصبحت أخطاؤها سطحية‬

‫أخذنا نعمل على تقارير األخطاء‪ ،‬ونستعد إلنت==اج النس==خة المُن َّقح==ة الجدي==دة‪ =.‬تم تح==ديث ك==ل ش==يء آل ًّي==ا في الخلفي==ة؛ ومن ثم لن‬

‫يحتاج مستخدمونا لفعل أي شيء‪ ،‬وإنما سيجدون نسخة أفضل من البرنامج جاهزة بين أيديهم كل أس==بوع‪ .‬ك==ان ش==عورً ا غري ًب==ا‬
‫ً‬
‫«غدا‬ ‫!»للغاية أن أعلم أن الكود الذي كتبته سيستخدمه مئات اآلالف من البشر‬

‫»‪.‬ماذا سنفعل؟ يا إلهي ليست لدي أية فكرة‪ .‬أعتقد أننا سنستسلم لألمر الواقع فحسب«‬

‫تذكرت ممارستنا للعبة «هاراجوكو فان م==ادنس»‪ .‬طالم==ا واجهن==ا العدي=د= من التح==ديات االجتماعي==ة ال==تي تض==منت مجموع==ات‬

‫‪.‬كبيرة من الناس كجزء من اللعبة‬

‫حس ًن ا‪ ،‬أنت على حق‪ .‬لكن دعنا على األقل نحاول الحفاظ على هذا السر‪ .‬لتخبر الحض==ور بأن==ه بإمك==انهم اص==طحاب ش==خص«‬

‫»‪.‬واحد فقط على األكثر معهم‪ ،‬ويجب أن يكون شخصً ا قد مضى على معرفتهم الشخصية به خمس سنوات على األقل‬

‫رفع خولو عينيه من على الشاشة‪ ،‬وقال‪« :‬يا إلهي! ستنجح ه==ذه الفك==رة‪ ،‬أك==اد أج==زم ب==ذلك‪ .‬إذا طلبت م==ني ع==دم إحض==ار أح==د‬

‫معي‪ ،‬فكل ما سيرد بذهني‪« :‬من يظن نفسه بحق الجحيم؟» لكنك عندما تصيغ طلب=ك على ه=ذا النح=و‪ ،‬فس==يبدو أش=به بمغ=امرة‬

‫»‪.‬بوليسية مثيرة‬

‫عثرت على خطأ‪ .‬احتسينا بعض القهوة‪ .‬عدت للمنزل‪ ،‬ولعبت لعبة «كلوك وورك بالندر» لبعض الوقت‪ ،‬محاواًل عدم التفكير‬

‫ت في نوم عميق‬ ‫ْ‬


‫غطط ُ‬ ‫‪.‬في مجددي النشاط ذوي األسئلة المتطفلة‪ ،‬ثم‬

‫•••‬
‫مسابح سوترو بسان فرانسيسكو عبارة عن أطالل رومانية زائفة‪ .‬عند افتتاحه==ا في ع==ام ‪ ،١٨٩٦‬ك==انت أض==خم مرك==ز مس==ابح‬

‫داخلي في العالم‪ ،‬وهو عبارة عن مشمس زج==اجي ض=خم على الط==راز الفيكت==وري يمتلئ بالمس=ابح وأح==واض االس==تحمام‪ ،‬ب==ل‬
‫ومنزلق مائي قديم أي ً‬
‫ضا‪ .‬وقد تدهورت أحواله==ا في الخمس==ينيات من الق==رن العش==رين‪ ،‬وأحرقه==ا مالكوه==ا للحص==ول على مبل==غ‬

‫التأمين في عام ‪ .١٩٦٦‬ولم يتبق منها سوى متاه=ة من الص=خور المت=أثرة بالعوام=ل الجوي=ة داخ=ل واجه=ة ج=رف ص=لب على‬

‫شاطئ المحيط‪ .‬وهي تبدو للعالم أجمع كأطالل رومانية متحطمة وغامض==ة‪ ،‬وخلفه==ا مجموع==ة من الكه==وف تط==ل على البح==ر‪.‬‬

‫=رف عنه=ا أنه=ا ُتغ= ِ‬


‫=رق الس=ائحين ال=ذين ي=أتون‬ ‫وفي المد والجزر الهائجين‪ ،‬تندفع األمواج عبر الكهوف وفوق األطالل‪ .‬وق=د ُع= ِ‬
‫‪.‬لزيارتها بين الحين واآلخر‬

‫يبعد= شاطئ المحيط كثيرً ا عن متنزه «جولدن جيت»‪ ،‬وهو جرف مقفر تصطف عليه المنازل ذات القباب باهظ==ة التكلف==ة ال==تي‬

‫تنحدر على الجرف وصواًل إلى شاطئ ضيق تنتشر عليه قناديل البحر وراكبو األمواج الش==جعان (المج==انين)‪ .‬وتوج==د ص==خرة‬

‫بيضاء ضخمة تنتأ من المياه الضحلة القريبة من الشاطئ‪ ،‬وهي ما يُطلَق عليها «سيل روك» (صخرة الفقمة)؛ إذ ك==انت دو ًم==ا‬

‫‪.‬المكان الذي تحتشد فيه أسود البحر إلى أن ُنقِلت لبيئة أكثر مالءمة للسائحين في منطقة فيشرمانز وارف‬

‫ومع حلول الظالم‪ ،‬يخلو المكان تقريبً=ا من أي مخل=وق‪ ،‬ويص==ير الج==و ق=ارس ال==برودة م==ع تن==اثر رذاذ ملحي يمكن=ه النف=اذ إلى‬

‫‪.‬عظامك إذا سمحت له بذلك‪ .‬ويضم المكان صخورً ا حادة‪ ،‬وزجاجً ا متكسرً ا‪ ،‬وإبر مخدرات مستعملة هنا وهناك‬

‫‪.‬إنه مكان رائع لالحتفال‬

‫كان إحضار األغطية التي من المشمع وقفازات التدفئة= الكيميائية فكرتي‪ .‬علم خول==و من أين سنحض==ر الجع==ة؛ فق==د ك==ان ألخي==ه‬

‫األكبر خافير صديق يقدم خدمة توصيل المشروبات الكحولية لمن هم دون السن القانونية‪ .‬كل ما عليك فعل==ه ه==و دف==ع م==ا يكفي‬

‫من المال له‪ ،‬وسيحضر إلى مكان حفلتك حاماًل صناديق الثلج وكل ما تريده من زجاجات الجعة‪ .‬أنفقت على ذل==ك ق==درً ا كب==يرً ا‬

‫من المال الذي حصلت عليه من برمجة الشبكة المستقلة‪ ،‬وحضر الرج==ل في موع==ده‪ :‬الثامن==ة مس==اءً‪ ،‬وك==انت س=اعة جي==دة بع==د‬

‫أيض=ا ص==ندو ًقا‬


‫غروب الشمس‪ .‬أخرج صناديق الجعة المثلجة الستة من شاحنته‪ ،‬ونزل بها إلى أطالل المسابح‪ ،‬وأحض==ر مع==ه ً‬

‫‪.‬إضاف ًّيا للزجاجات الفارغة‬

‫قال وهو يمسك طرف قبعة رعاة البقر التي كان يرتديها‪« :‬واآلن‪ ،‬لتتوخوا الح=ذر أيه=ا الش=باب!» ك=ان رجاًل ب==دي ًنا من س=اموا‬
‫ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة‪ ،‬ويرتدي قمي ً‬
‫صا بدون أكمام يمكن==ك أن ت==رى ع==بره ش==عر إبطي==ه وبطن==ه وكتفي==ه‪ .‬أخ==رجت‬

‫أورا ًقا فئة عشرين دوالرً ا من رزمة المال التي كانت معي وأعطيته إياها‪ .‬كان يرفع السعر بنسبة ‪ ١٥٠‬بالمائة‪ ،‬م==ا ي َُع==د ربحً = ا‬
‫ً‬
‫‪.‬جيدا‬

‫نظر إلى رزمة الم=ال ال=تي بين ي==ديَّ ‪ ،‬وق=ال — وال ت=زال االبتس=امة على وجه==ه‪« :‬أتعلم أن=ه بوس==عي س=رقة ه==ذا الم=ال من=ك‬

‫»‪.‬بسهولة؛ فأنا مجرم في النهاية‬


‫وضعت المال في جيبي‪ ،‬ونظرت مباشر ًة في عينيه‪ =.‬كان غبا ًء مني أن أظهر له ما كنت أحمل=ه من م==ال‪ ،‬لكن=ني كنت أعلم أن==ه‬

‫‪.‬يلزم مجابهة مثل هذه المواقف في بعض األحيان‬

‫»‪.‬قال أخيرً ا‪« :‬إنني أمزح معك‪ .‬لكن لتتو َّخ الحذر بشأن هذه األموال؛ ال تظهرها للجميع هكذا‬

‫»‪.‬فأجبته‪« :‬شكرً ا لك‪ .‬لكن األمن الوطني سيحمون ظهري‬

‫»‪.‬ازدادت ابتسامته اتسا ًعا‪ ،‬وقال‪« :‬ماذا؟! إنهم ال يتعدون كونهم فرقة بوليسية تعِسة‪ .‬هؤالء ال ُخرقاء ال يعلمون أي شيء‬

‫نظرت إلى شاحنته‪ ،‬ولمحت من زجاج السيارة األمامي بطاقة «فاستراك» واضحة للعيان‪ .‬وتساءلت كم سيمر من الوقت حتى‬

‫‪.‬يُل َقى القبض عليه‬

‫»سترافقكم فتيات الليلة‪ ،‬أليس كذلك؟ أهذا هو السبب في أنكم أتيتم بكل هذه الجعة؟«‬

‫ابتسمت‪ ،‬ولوحت له بيدي كما لو كان يسير تجاه شاحنته‪ ،‬وهو ما كان عليه فعل==ه بالفع==ل‪ .‬أدرك أخ==يرً ا م==ا كنت ألمح ل==ه‪ ،‬فق==اد‬
‫ً‬
‫مبتعدا دون أن تغيب عنه االبتسامة للحظة‬ ‫‪.‬شاحنته‬

‫ساعدني خولو على إخفاء صناديق المشروبات المثلجة بين الصخور المتحطمة‪ ،‬مستعينين بمصابيح الصمامات الثنائية الباعث==ة‬

‫للضوء المثبتة= بعصابات الرأس‪ .‬وما إن ص==ارت الص==ناديق في مكانه==ا ح==تى ألقين==ا بعض سالس==ل مف==اتيح الص==مامات الثنائي==ة‬

‫‪.‬الباعثة للضوء البيضاء في كل صندوق‪ ،‬لتتوهج عند رفع األغطية المصنوعة من الستيروفوم‪ ،‬و ُتيسر لك رؤية ما تفعله‬

‫كانت ليلة معتمة غاب عنها القمر‪ ،‬وأنارت لن==ا بالك==اد مص==ابيح الش==وارع القص==ية‪ .‬علمت أن كاًّل من==ا س==يبرز ك==وهج في م==دى‬

‫األشعة تحت الحم=راء‪ ،‬لكن م=ا كن=ا لنتمكن من جم=ع مجموع=ة من الن=اس معً= ا دون أن ُن َ‬
‫الح= ظ‪ .‬وبإمك=اني قب=ول فك=رة رؤيتن=ا‬

‫‪.‬كمجموعة صغيرة من شباب سكارى يحتفلون على الشاطئ‬

‫ال أُك ِث ُر في الشراب في الحقيقة‪ .‬تضمنت الحفالت التي ارتدتها منذ كنت في الرابعة عشرة من عمري جعة ومشروبات مُسكِرة‬

‫وعقاقير هلوسة‪ ،‬لكنني كرهت الت=دخين (وإن كنت مولعً= ا إلى ح=د كب=ير بكع=ك البراون=يز المحش=و بالحش=يش من حين آلخ=ر)‪،‬‬

‫وعقاقير الهلوسة تستغرق فترة طويلة لتحدث مفعولها؛ فتتطلب عطلة نهاية أسبوع كاملة لالنتشاء بها ثم التخلص من مفعوله==ا‪.‬‬

‫أما الجعة‪ ،‬فال بأس بها لكنني ال أرى ما يميزها‪ .‬ما أُفضِّله هو مشروبات الكوكتي==ل القوي==ة كتل==ك ال==تي تق==دم في أواني الخ==زف‬

‫على شكل بركان‪ ،‬وتتكون من ست طبقات على النار‪ ،‬وبها قرد بالستيكي على الحاف==ة‪ .‬لكن إعج==ابي به==ا في الغ==الب ن==ابع من‬

‫‪.‬طريقة تقديمها‬
‫ً‬
‫ثانية ذلك ق==د يرج==ع لن==وع المش==روبات‬ ‫أحب ال ُّس ْكر في الواقع‪ ،‬لكنني ال أحب آثاره بعد ذلك‪ ،‬وإن كنت ال أعاني منها ً‬
‫أبدا‪ .‬لكن‬

‫‪.‬التي ُتق َّدم في أواني الخزف التي على شكل بركان‬

‫رغم ذلك‪ ،‬فإنه ال يمكن إقامة حفل دون وضع صندوق أو اثنين من الجعة فوق الثلج‪ ،‬فذلك أمر متو َّقع؛ إذ يحرر الحض==ور من‬

‫القيود‪ .‬يرتكب الناس أفعااًل حمقاء بعد شرب قدر كبير من الجعة‪ ،‬لكن أصدقائي ال يملك==ون س==يارات‪ .‬كم==ا أن الن==اس يرتكب==ون‬

‫‪.‬أفعااًل حمقاء على أية حال‪ ،‬سواء أكان السبب هو شرب الجعة أم تدخين الحشيش أو غيرهما‪ ،‬ال يهم‬
‫‪.‬فتحت أنا وخولو زجاجتي جعة‪« :‬آن ُكر ستيم» له‪ ،‬و«باد اليت» لي‪ .‬قرعنا الزجاجتين معً ا‪ ،‬وجلسنا على إحدى الصخور‬

‫»أخبرتهم أن الموعد التاسعة مساءً‪ ،‬أليس كذلك؟«‬

‫»‪.‬فأجابني‪« :‬بلى‬

‫»‪.‬وأنا أيضًا«‬
‫لذهن صافٍ‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫تركيزا في محتواها الكحولي؛ فقد كنت بحاجة‬ ‫شربنا في صمت‪ .‬كانت «باد اليت» أقل أنواع الجعة في الصندوق‬

‫‪.‬في تلك الليلة‬

‫»ونطقت أخيرً ا‪« :‬هل تشعر أحيا ًنا بالخوف؟‬

‫استدار ناحيتي‪ ،‬وقال‪« :‬كال‪ ،‬ال أشعر أحيا ًنا بالخوف‪ ،‬وإنما دومًا؛ فالخوف ال يفارقني من=ذ وق=وع التفج=يرات‪ .‬ب==ل إن==ني أص=ل‬

‫»‪.‬إلى درجة من الذعر في بعض األحيان تجعلني ال أرغب في النهوض من السرير‬

‫»لماذا تفعل ذلك إذن؟«‬

‫ابتسم‪ ،‬وقال‪« :‬ربما لن أفعل‪ ،‬أو باألحرى لن أستمر في ذلك بعد اآلن‪ .‬ما أعنيه هو أن مساعدتك تسعدني ح ًّقا‪ .‬كان أمرً ا رائ ًعا‬

‫‪.‬بالفعل‪ ،‬وال أتذكر أي شيء فعلته بهذه األهمية من قبل‪ .‬لكن‪ ،‬يا ماركوس‪ ،‬يجب أن أقول لك …» ثم توقف عن الكالم‬

‫‪.‬سألته‪« :‬ماذا؟» رغم علمي بما كان سيتلو ذلك من قول‬

‫وفي النهاية‪ ،‬قال‪« :‬ال يمكنني االستمرار في ذلك لألبد‪ ،‬ربما حتى لشهر واحد آخر‪ .‬أعتقد أنني ق==د انتهيت من ذل==ك؛ فه==و أم==ر‬

‫»‪.‬محفوف بالمخاطر‪ .‬إنها وزارة األمن الوطني‪ ،‬وال يمكنك شنُّ حرب عليها‪ ،‬فهو ح ًّقا ضرب من الجنون‬

‫»‪.‬قلت له بصوت بدا فيه قدر من المرارة أكثر مما كنت أبغيه‪« =:‬إنك تتحدث مثل فان‬

‫ال أقصد انتقادك يا صديقي‪ ،‬فأنا أرى أن شجاعتك في فعل ذلك أمر عظيم‪ ،‬لكنني ال أتمتع بهذه الشجاعة‪ ،‬وال يمكن==ني العيش«‬

‫»‪.‬في رعب دائم‬

‫»ماذا تعني؟«‬

‫أعني أنني خارج اللعبة‪ .‬سأصير واح ًدا ممن يتظاهرون بأن كل شيء على ما يرام‪ ،‬وأن ك==ل األم==ور س==تعود لطبيعته==ا يو ًم==ا«‬

‫ما‪ .‬سأعود الستخدام اإلنترنت مثلم==ا كنت أفع==ل دو ًم==ا‪ ،‬وال أس==تخدم ش==بكة «إكس نت» إال لأللع==اب فق==ط‪ .‬لن أك==ون ج==زءًا من‬

‫»‪.‬مخططاتك بعد= اآلن‬

‫‪.‬لم أقل أي شيء‬

‫أعلم أنني بذلك أتركك وحي ًدا‪ .‬ال أريد ذلك‪ ،‬ص==دقني‪ .‬وأتم==نى أن تتخلى عن ه==ذا األم==ر معي‪ .‬ال يمكن==ك إعالن الح==رب على«‬

‫حكومة الواليات المتحدة‪ .‬إنه ليس شجارً ا ستفوز به‪ .‬مشاهدتك وأنت تحاول ذل==ك يش==به مش==اهدة ط==ائر ي==رتطم بالش==باك م==رارً ا‬

‫»‪.‬وتكرارً ا محاواًل الخروج‬


‫أرادني أن أقول أي شيء‪ ،‬وما كنت أريد قوله هو‪« :‬باهلل عليك يا خولو! شكرً ا جزياًل على تخليك ع==ني! ه==ل نس==يت م==ا ح==دث‬

‫‪:‬عند اعتقالنا؟ هل نسيت ما كانت عليه بالدنا قبل فرضهم السيطرة عليها؟» لكن ذلك لم يكن ما أراد هو سماعه مني‪ ،‬وإنما‬

‫»‪.‬أتفهم موقفك يا خولو‪ ،‬وأحترم اختيارك«‬

‫‪:‬ارتشف ما تبقى في زجاجته‪ ،‬وأخرج واحدة أخرى وفتحها‪ ،‬ثم قال‬

‫»‪.‬ثمة سبب آخر«‬

‫»ما هو؟«‬

‫»‪.‬لم أكن ألذكره‪ ،‬غير أنني أريدك أن تفهم السبب وراء ما أفعله«‬

‫»باهلل عليك يا خولو! ما هو؟«‬

‫أكره أن أقول ذلك‪ ،‬لكنك «أبيض»‪ ،‬وأن==ا لس==ت ك==ذلك‪ .‬عن==د القبض على بيض البش==رة وبح==وزتهم كوك==ايين‪ ،‬يقض==ون بعض«‬

‫الوقت في مراكز إعادة التأهيل‪ ،‬أما ذوو البشرة الداكنة‪ ،‬فعند إلقاء القبض عليهم بنفس التهمة‪ ،‬يُل َقون في السجن عشرين عا ًم==ا‪.‬‬

‫يرى البيض الشرطة في الشارع‪ ،‬فيزداد شعورهم باألمان‪ .‬أما ذوو البشرة الداكنة‪ ،‬فيتساءلون عند رؤيتهم لرجال الش==رطة م==ا‬

‫إذا كانوا سيخضعون للتفتيش أم ال‪ .‬أتزعجك طريقة تعامل وزارة األمن الوطني معك؟ هك==ذا ك==ان الق=انون دو ًم==ا معن==ا في ه==ذه‬

‫»‪.‬البالد‬
‫ً‬
‫شجاعة لمجرد أنني أبيض‪ ،‬لكنني عرفت م==ا ك==ان‬ ‫كان ذلك ظلمًا ب ِّي ًنا؛ فليس لي يد في كوني أبيض البشرة‪ ،‬ولم أظن أنني أكثر‬

‫خولو يتحدث عنه‪ .‬إذا أوقف رجال الشرطة شخصً ا م==ا في حي ميش==ن وطلب==وا االطالع على هويت==ه‪ ،‬فعلى األرجح يك==ون ه==ذا‬

‫الشخص ليس أبيض‪ .‬وأ ًّيا كانت المخاطر التي أواجهها‪ ،‬فإن خولو يواجه أكثر منها‪ .‬وأ ًّيا كانت العقوبة التي سأواجهها‪ ،‬فخول==و‬

‫‪.‬سيواجه ما هو أشد‬

‫»‪.‬قلت له‪« :‬ال أعرف ما يجب أن أقول‬

‫»‪.‬ليس عليك قول أي شيء‪ .‬أردت فقط أن تعرف هذا السبب لتتفهم موقفي«‬

‫رأيت أفرا ًدا يسيرون في الممر الجانبي في اتجاهنا‪ .‬كانوا أص==دقاء خول==و‪ :‬فت==يين مكس==يكيين= وفت==اة أعرفه==ا من الج==وار‪ ،‬ك==انت‬

‫قصيرة غريبة األطوار ترتدي دومًا نظارة «بادي هولي» سوداء جميل==ة جعلته==ا تب==دو كطالب==ة فن==ون في فيلم للم==راهقين نب==ذها‬

‫‪.‬مجتمعها ثم عاودت الظهور بعد تحقيق نجاح مبهر‬

‫عرَّ فهم خولو عليَّ ‪ ،‬وق َّد م لهم زجاجات جعة‪ .‬لم تأخذ الفتاة الزجاجة‪ ،‬وأخرجت بداًل منها قارورة فودكا صغيرة فضية اللون من‬

‫حقيبتها‪ ،‬وقدمتها لي‪ .‬أخذت رشفة — للفودكا الدافئة مذاق ال تستسيغه من أول مرة — وأث==نيت على الق==ارورة المزين==ة برس==م‬

‫‪».‬متكرر لشخصيات لعبة الفيديو «بارابا ذا رابر‬

‫قالت لي — بينما كنت أمرر سلسلة مفاتيح أخرى على القارورة‪« :‬إنها قارورة يابانية‪ ،‬يزين هؤالء اليابانيون زجاجات الخمر‬

‫»‪.‬بشخصيات مستمدة من لعب األطفال‪ .‬أمر منحرف تمامًا‬


‫قدمت نفسي لها‪ ،‬وكذلك هي؛ فقالت‪« :‬آنج» وصافحتني‪ .‬كانت يداها دافئ=تين= ج=افتين‪ ،‬وأظافره=ا قص=يرة‪ .‬عرَّ ف=ني خول=و على‬

‫صديقيه اللذين عرفهما منذ معسكر الكمبيوتر في الصف الرابع‪ .‬انضم إلينا المزيد من الناس … خمسة‪ ،‬ثم عشرة‪ ،‬ثم عشرون‬

‫‪.‬لتصير المجموعة كبيرة للغاية‬

‫طلبنا من المدعوين الحضور الساعة التاسعة والنصف بالضبط‪ ،‬وانتظرنا حتى الساعة العاشرة إال الربع لحض==ور أي ش==خص‬
‫آخر‪ .‬نحو ثالثة أرباع العدد= الذي جاء كان من أصدقاء خولو‪ ،‬أما أنا ف==دعوت من كنت أث==ق فيهم ح ًّق==ا‪ .‬لعلي كنت أك==ثر تمي= ً‬
‫=يزا‬
‫من خولو أو أقل شعبية‪ .‬اآلن‪ ،‬وبعد أن أخبرني بتخليه عني‪ ،‬جعلني ذلك أعتقد أنه أقل تمي= ً‬
‫=يزا م==ني‪ .‬كنت غاض=بًا للغاي==ة من==ه‪،‬‬

‫لكنني حاولت أال أظهر ذلك بالتركيز على االختالط باآلخرين في الحفل‪ .‬لكنه لم يكن غب ًّي==ا‪ ،‬وع==رف م==ا ك==ان يعتري==ني‪ ،‬وك==ان‬

‫‪.‬إحباطه جل ًّيا لي‪ ،‬وهو أمر جيد‬

‫قلت وأنا أتسلق بعض الصخور‪« :‬حس ًن ا‪ ،‬يا شباب!» انتبه لي بعض من كانوا بالقرب مني‪ ،‬أما من كانوا بالخلف فاستمروا في‬

‫الثرثرة‪ .‬لوحت بذراعيَّ في الهواء ك ُح َّكام المباريات الرياضية‪ ،‬لكن الظالم كان دامسً ا‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬خطرت ببالي فكرة‪ ،‬وهي‬
‫ً‬
‫واح=دا تل=و‬ ‫أن أضيء سلسلة مفاتيح مصابيح الص=مامات الثنائي=ة الباعث=ة للض=وء‪ ،‬وأص=وبها تج=اه ك=ل من يتح=دث في الخل=ف‬

‫‪.‬اآلخر‪ ،‬ثم تجاهي‬

‫‪.‬تدريج ًّيا‪ ،‬هدأ الجمع‬

‫رحبت بهم‪ ،‬وشكرتهم على الحضور‪ ،‬ثم طلبت منهم االقتراب ألتمكن= من شرح سبب اجتماعنا في ذلك المك==ان‪ .‬ك==ان بإمك==اني‬

‫‪.‬رؤية اهتمامهم بالسرية التي تحيط األمر‪ ،‬وفضولهم‪ ،‬وتحمسهم بفعل الجعة‬

‫حس ًنا‪ ،‬إليكم السبب في اجتماعنا هذا‪ .‬تستخدمون جمي ًعا شبكة «إكس نت»‪ ،‬وظهور هذه الشبكة للنور بعد إحكام وزارة األمن«‬

‫الوطني سيطرتها على المدينة ليس مصادفة‪ .‬صممت «إكس نت» منظمة تكرس جهودها للحرية الشخصية بهدف حمايتن==ا من‬

‫ضباط وزارة األمن الوطني‪ ،‬وعمالئها السريين‪ ».‬كنت قد أعددت ه=ذا الخط=اب مس=ب ًقا بالتع==اون م==ع خول=و‪ .‬م=ا كن==ا لنع==ترف‬

‫بمسئوليتنا عن هذا األمر برمته‪ ،‬ليس ألي أحد؛ فهذا ينطوي على خطورة كبيرة‪ .‬لكننا سنقول إننا لسنا سوى مجندين في جيش‬

‫‪«.‬مايكي» نعمل على تنظيم المقاومة المحلية‬

‫واصلت خطابي قائاًل ‪« :‬شبكة «إكس نت» ليست مؤمَّنة تأمي ًنا كاماًل ؛ إذ يسهل على الجانب اآلخ==ر اس==تخدامها مثلن==ا بالض==بط‪.‬‬

‫نعلم أن هناك جواسيس ل=وزارة األمن الوط==ني تس==تخدمهم اآلن‪ .‬هم يتبع==ون أس=اليب قرص==نة الهندس=ة االجتماعي==ة بغي=ة جعلن=ا‬

‫نفصح عن هوياتنا ليتمكنوا من القبض علينا‪ .‬وإذا أردنا لشبكة «إكس نت» النج=اح‪ ،‬فعلين==ا معرف==ة كي==ف نح==ول دون تجسس=هم‬

‫»‪.‬علينا‪ .‬علينا تكوين شبكة داخل الشبكة‬

‫توقفت لحظات ألمنحهم فرصة الستيعاب ما قلته‪ .‬أشار خولو إلى أن العلم بأنك على وشك ال==دخول في خلي==ة ثوري==ة ق==د يك==ون‬

‫‪.‬صادمًا بعض الشيء‬


‫ال أطلب منكم هنا فعل أي شيء؛ ليس عليكم إحداث تشويش أو أي شيء من هذا القبي==ل‪ .‬لق==د دعون==اكم إلى هن==ا ألنن==ا نع==رف«‬

‫أنكم رائعون‪ ،‬وأهل للثقة‪ ،‬وهذه الثقة هي ما أريد مشاركته معكم الليل==ة‪ .‬بعض==كم على علم بالفع==ل بش==بكة الثق==ة وحفالت توقي==ع‬

‫‪.‬المفاتيح‪ ،‬لكن لمن ال يعلم فسأوضحها سريعً ا …» وفعلت‬

‫واآلن ما أريده منكم الليلة هو التعارف‪ ،‬ومعرفة إلى أي مدى يمكنكم الوثوق بعضكم في بعض‪ .‬سنس==اعدكم في إنت==اج أزواج«‬

‫»‪.‬من المفاتيح ومشاركتها فيما بينكم‬

‫اتسم هذا الجزء بالصعوبة؛ فأن تطلب من الحضور جلب أجهزة الكم==بيوتر المحم=ول الخاص=ة بهم معهم م=ا ك==ان لينجح‪ ،‬لكنن=ا‬
‫‪.‬ظللنا بحاجة لفعل شيء معقد ما كان لينجح بالورقة والقلم ً‬
‫أبدا‬

‫رفعت ألعلى الكمبيوتر المحمول الذي َجمَّع ُته أنا وخولو الليلة الماضية من الص==فر‪ ،‬وقلت‪« :‬إن==ني أث==ق في ه==ذا الجه==از؛ فك==ل‬

‫ض=ع علي==ه من ق==رص في==ديو رقمي‪ .‬إذا ك==ان‬


‫مكوِّ ن فيه صنعناه بأيدينا‪ .‬ويعمل بنسخة ثورية حديثة لنظام «بارانوي==د لينكس» وُ ِ‬
‫»‪.‬هناك أي كمبيوتر جدير بالثقة في العالم‪ ،‬فقد يكون هذا الجهاز‬

‫يوجد على هذا الجهاز برنامج إلنتاج المفاتيح‪ ،‬وعلى ك ٍّل منكم المجيء إلى هنا وإدخال أي بيانات عشوائية إليه — اضغطوا«‬

‫على أي م==زيج من المف==اتيح وحرك==وا الف==أرة — وس==وف يس==تخدم البرن==امج ذل==ك كأس==اس إلص==دار مفت==اح خ==اص وآخ==ر ع==ام‬

‫عشوائيَّين لك= ٍّل منكم‪ ،‬ويعرض=هما على الشاش=ة‪ .‬ويمكن لك= ٍّل منكم التق=اط ص=ورة لمفتاح=ه الخ=اص باس=تخدام ك=اميرا اله=اتف‪،‬‬

‫والضغط على أي مفتاح للتخلص منه إلى األبد؛ فهو لن يخزن على الق==رص على اإلطالق‪ ،‬وس==يعرض ل==ك بع==د ذل==ك مفتاح==ك‬

‫»‪.‬العام‪ .‬حينئ ٍذ ‪ ،‬تنادي جميع من تبادلهم الثقة هنا‪ ،‬فيلتقطون صورة للشاشة وأنت تقف بجانبها ليعرفوا بذلك صاحب المفتاح‬
‫تابعت قائاًل ‪« :‬وعند عودتكم لمنازلكم‪ ،‬عليكم بتحويل الصور إلى مفاتيح‪ .‬أخشى أن ذلك سيتطلب ً‬
‫جهدا‪ ،‬لكن سيلزم عليكم فعله‬
‫مرة واحدة فقط‪ ،‬وسيكون عليكم توخي الحذر الشديد في كتابتها؛ خطأ واحد كا ٍ‬
‫ف لتعرضكم للخطر‪ .‬لحسن الح==ظ‪ ،‬ل==دينا وس==يلة‬

‫تمكننا من معرفة ما إذا كنتم قد نفذتم األمر كما ينبغي أم ال؛ تحت كل مفتاح هناك رقم أقصر بكثير يس =مَّى «البص==مة»‪ .‬م==ا إن‬

‫»‪.‬تسجل المفتاح حتى يصير بإمكانك إنتاج بصمة منه ومقارنتها بالبصمة األصلية‪ .‬وإن كانتا متوافقتين‪ ،‬تكون قد نجحت‬

‫‪.‬بدا الجميع مرتب ًكا أمامي‪ .‬حس ًنا‪ ،‬كان ما طلبته غريبًا بالفعل‪ ،‬لكن ظل عليهم فعله‬
‫الفصل الحادي عشر‬
‫أهدي هذا الفصل لمتجر كتب يونيفرستي بوكستور في جامعة واشنطن‪ ،‬والذي ينافس قسم الخيال العلمي الخاص به العدي =د= من‬

‫المتاجر المتخصصة في كتب الخيال العلمي‪ .‬يرجع الفضل في ذلك لمسئول المشتريات المخلص حاد البصيرة‪ ،‬دواين ويلكينز‪.‬‬

‫دواين عاشق للخيال العلمي بمعنى الكلمة؛ التقيت به للمرة األولى في مؤتمر الخي==ال العلمي ال==دولي في تورونت==و ع==ام ‪.٢٠٠٣‬‬

‫ويتضح هذا العشق في االختيارات االنتقائية المستنيرة المعروضة في المتجر‪ .‬وأحد المؤشرات المهم==ة لعظم==ة أي متج==ر كتب‬

‫هو جودة المالحظات النقدية الملصقة على األرفف؛ وهي قطع صغيرة من الورق المق= َّ=وى مكت==وب عليه==ا مالحظ==ات الع==املين‬

‫في المتجر (بخط اليد غالبًا) ُتع ِّدد= مزايا الكتب التي قد تفوت عليك‪ .‬استفاد العاملون ب==المتجر من توجيه==ات دواين؛ إذ ُت َع==د ه==ذه‬

‫‪.‬المالحظات هي األفضل على اإلطالق‬

‫***‬
‫‪:‬نهض خولو‪ ،‬وقال‬

‫من هنا البداية يا شباب! هكذا نعرف إلى أي فريق تنتمي‪ .‬قد ال ترغب في الخروج إلى الشوارع‪ ،‬والقبض علي==ك لم==ا تعتنق==ه«‬

‫من معتقدات‪ ،‬لكن إذا كانت لديك معتقدات بالفعل‪ ،‬فسيسمح لنا ذلك اإلجراء بمعرفتها‪ .‬سنكوِّ ن ب==ذلك ش==بكة ثق==ة توض==ح لن==ا من‬

‫»‪.‬معنا ومن علينا‪ .‬إذا أردنا استرجاع بالدنا‪ ،‬ينبغي لنا فعل ذلك … ينبغي لنا فعل شيء مثل ذلك‬

‫‪.‬رفع أحد الحضور يده ممس ًكا بزجاجة جعة‪ ،‬كانت آنج‬

‫»لتنعتني بالغباء‪ ،‬لكنني ال أفهم أ ًّيا مما تقوله‪ .‬لماذا تريدنا أن نفعل ذلك؟«‬

‫نظرت أنا وخولو ك ٌّل منا لآلخر‪ .‬بدا كل شيء واضحً ا للغاية عند تنظيمنا له‪« .‬شبكة «إكس نت» ليست وس==يلة فق==ط لممارس==ة‬

‫األلعاب المجانية‪ ،‬وإنما هي شبكة االتصال الحرة األخ==يرة في أمريك==ا‪ .‬إنه==ا الوس==يلة األخ==يرة للتواص==ل دون تطف==ل من وزارة‬

‫‪.‬األمن الوطني‪ .‬ولكي تنجح‪ ،‬علينا التأكد من أن من نتحدث معه ليس متطفاًل ؛ أي أن نتأكد من هوية من نرسل إليه الرسائل‬

‫»‪.‬ومن هنا‪ ،‬يأتي دوركم‪ .‬لقد دعوناكم إلى هنا ألننا نثق فيكم‪ ،‬وأعني هنا ثقة حقيقية؛ أي إننا نأتمنكم على حياتنا‬

‫‪.‬همهم البعض مستنكرً ا؛ إذ بدا الحديث درام ًّيا وغب ًّيا‬


‫ُ‬
‫‪:‬نهضت مرة أخرى‪ ،‬وقلت‬

‫عند وقوع التفجيرات» — ش=عرت بانقب=اض وألم في ص=دري عن=د ق=ولي ذل=ك — «قُ ِبض عليَّ وعلى أص=دقائي في ش=ارع«‬

‫ماركت‪ ،‬ولسبب ما‪ ،‬قررت وزارة األمن الوطني أن وجودن==ا في ذل==ك المك==ان جعلن=ا موض==ع ش==بهة‪ .‬غط==وا رءوس==نا بأكي==اس‪،‬‬

‫‪.‬ووضعونا على ظهر سفينة‪ ،‬وظلوا يستجوبوننا أليام‪ .‬أهانونا‪ ،‬وتالعبوا بعقولنا‪ ،‬ثم أطلقوا سراحنا‬

‫أطلقوا سراحنا جمي ًعا ما عدا شخصً ا واح ًدا‪ ،‬وهو أعز أص==دقائي‪ .‬ك==ان معن==ا عن==د القبض علين==ا‪ ،‬وق==د تع==رض إلص==ابة‪ ،‬وك==ان‬
‫ً‬
‫ثانية قط‪ .‬أما هم‪ ،‬فنفوا رؤيتهم له مطل ًقا‪ ،‬وقالوا إننا إذا أخبرنا أي أحد بم==ا ح==دث‪ ،‬فسيقبض==ون‬ ‫بحاجة لرعاية طبية‪ ،‬ولم يظهر‬

‫»‪.‬علينا ونختفي لألبد‬


‫‪.‬ارتعد جسدي من الخزي … ذلك الخزي اللعين‪ .‬سلط خولو الضوء عليَّ‬
‫قلت‪« :‬يا إلهي! أنتم أول من أخبرهم بذلك‪ .‬إذا ذاع الخبر‪ ،‬فتأكدوا أنهم سيعلمون من سرَّ به وسيصلون إلي‪ ».‬أخذت المزي=د من‬
‫األنفاس العميقة‪ ،‬واستطردت حديثي‪« :‬لذلك‪ ،‬تط==وعت على ش==بكة «إكس نت»‪ ،‬وص==ار مح==ور حي==اتي من اآلن فص= ً‬
‫=اعدا ه==و‬

‫محاربة وزارة األمن الوطني … كل نفس … وكل يوم في حياتي مُكرَّ س لهذا الهدف حتى نتح==رر من جدي==د‪ .‬يمكن أليٍّ منكم‬

‫»‪.‬الزج بي في السجن اآلن إن أراد‬


‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬وقالت‪« :‬لن نشي بك‪ ،‬هذا مستحيل‪ .‬أعرف الجميع هنا ح==ق المعرف==ة ويمكن==ني أن أع==دك ب==ذلك‪ .‬ال أعلم‬ ‫رفعت آنج يدها‬

‫كيف أعرف من يمكنني الوثوق به‪ ،‬لكنني أعرف من ال يمكنني الوثوق به؛ وهم كبار السن … آباؤن==ا … الب==الغون‪ .‬التجس==س‬

‫لديهم يتعلق دومًا بشخص آخر‪ ،‬شخص سيئ‪ .‬وعندما يفكرون في شخص قُ ِبض عليه وأُرسِ ل إلى سجن سري‪ ،‬يكون ذلك دائمًا‬

‫صا ذا بشرة داكنة‪ =،‬شا ًّبا‪ ،‬أجنب ًّيا‬


‫»‪.‬شخصً ا آخر … شخ ً‬

‫واستطردت‪« :‬إنهم ينسون ما كان عليه الحال عندما كانوا في نفس س=ننا‪ ،‬وك=انوا مح=ل ش=ك دومً=ا! كم م=رة ركبتم فيه=ا حافل=ة‬

‫ورمقكم الجميع بنظرة ارتياب على أنكم دائمًا مصدر المشكالت؟‬

‫واألسوأ من ذلك أنهم يتحولون إلى بالغين في سن أصغر كل يوم‪ ،‬فكان يُقال في الماضي‪« :‬إي=اك والوث==وق في أح==د يبل==غ من«‬

‫»‪».‬السن أكثر من ‪ ٣٠‬عا ًم ا»‪ .‬وأنا أقول‪« :‬إياكم والوثوق في أي وغد يزيد عمره عن ‪ ٢٥‬عامًا‬

‫أثار هذا التعليق ضحك الحضور‪ ،‬وضحكت هي أيضً ا معهم‪ .‬كانت جميلة على نحو غريب تظهر في مالمحها مشابهة للخي==ول‬

‫بوجهها وفكها الطويلين‪« .‬إنني ال أم==زح ح ًّق==ا‪ .‬فلنتأم==ل الموض==وع م ًع= ا‪ :‬من انتخب ه==ؤالء المه==رجين؟ من س==مح لهم ب==احتالل‬

‫صو ت لوضع الكاميرات في الفصول المدرسية وتتبعنا باستخدام شرائح التجسس الكريهة في الس==يارات وبطاق==ات‬
‫مدينتنا؟ من َّ‬
‫»‪.‬المرور الخاصة بنا؟ لم يفعل ذلك شخص يبلغ من العمر ‪ ١٦‬عامًا‪ .‬قد نكون أغبياء أو صغار السن‪ ،‬لكننا لسنا حثالة‬

‫»‪.‬حينئ ٍذ قلت‪« :‬أريد طباعة هذه الكلمات على تي شيرت‬

‫‪.‬فقالت الفتاة‪« :‬فكرة جيدة!» وابتسم ك ٌّل منا لآلخر‬

‫»ثم سألت‪ ،‬وهي تخرج هاتفها‪« :‬أين أذهب للحصول على مفتاحيَّ ؟‬

‫سنقوم بذلك هناك في البقعة المنعزلة الموجودة عند الكهوف‪ .‬سأصحبك إلى هناك‪ ،‬وأعد لكِ الكمبيوتر‪ =،‬ثم تفعلين م==ا يت==وجب«‬

‫»‪.‬عليك فعله‪ ،‬وتأخذين الكمبيوتر إلى أصدقائك اللتقاط الصور لمفتاحك العام حتى يتمكنوا من توقيعه عند العودة لمنازلهم‬

‫ثم رفعت صوتي قائاًل ‪« :‬يا إلهي! ثمة شيء آخ==ر! ال أص==دق أن==ني كنت سأنس==ى ذل==ك! «عليكم بمس==ح ه==ذه الص==ور بمج==رد أن‬

‫»‪.‬تسجلوا المفاتيح!» آخر ما نبغيه هو سلسلة من الصور لنا جميعً ا أثناء االتفاق على خطتنا على موقع فليكر‬

‫سمعت بعض الضحكات الخافتة العصبية سليمة الني==ة‪ ،‬ثم أطف==أ خول==و الن==ور‪ ،‬وح==ال الظالم المف==اجئ دون رؤي==تي ألي ش==يء‪.‬‬

‫تكيفت عيناي تدريج ًّي ا‪ ،‬وبدأت في التوجه ناحية الكهف‪ .‬كان هناك شخص يتحدث خلفي … إنها آنج‪ .‬اس==تدرت وابتس==مت له==ا‪،‬‬

‫‪.‬فبادلتني االبتسام ولمعت أسنانها في الظالم‬


‫»‪.‬قلت لها‪« :‬شكرً ا على ما قلتِه‪ .‬كان ذلك رائعً ا‬

‫»هل عنيت ح ًّقا ما قلته بشأن الكيس الذي وضِ ع على رأسك وما إلى ذلك؟«‬

‫فأجبتها‪« :‬نعم‪ ،‬لقد حدث ذلك بالفعل‪ .‬لم أخبر أح ًدا به من قبل‪ ،‬لكنه حدث‪ ».‬فكرت لحظ==ة‪ ،‬ثم ت==ابعت الح==ديث‪« :‬أتعلمين‪ ،‬م==ع‬

‫مرور الوقت دون اإلفصاح عما حدث‪ ،‬بدأ يبدو ككابوس‪ .‬كانت تجربة عصيبة ح ًّقا‪ ».‬توقفت‪ ،‬وصعدت إلى الكهف‪« .‬يسعدني‬

‫»‪.‬البوح بذلك أخيرً ا‪ .‬لو ظل حبي ًسا بداخلي أكثر من ذلك‪ ،‬لكنت قد بدأت أشك في صحتي العقلية‬

‫وضعت الكمبيوتر المحمول على صخرة جافة‪ ،‬وبدأت تشغيله باستخدام قرص الفيديو الرقمي وهي تراقبني‪« .‬س==أعيد التش==غيل‬

‫»‪.‬مع كل شخص‪ .‬هذا قرص نظام «بارانويد لينكس» قياسي‪ ،‬لكن أظن أنكم ستثقون بكلمتي هنا‬

‫»قالت الفتاة‪« :‬األمر كله يتعلق بالثقة‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫»‪.‬فأجبتها‪« :‬بلى … إنها الثقة‬


‫ُ‬
‫تراجعت بضع خطوات أثناء تشغيلها لبرنامج إنتاج المفاتيح‪ ،‬مس==تم ًعا لص==وت كتابته==ا على لوح==ة المف==اتيح واس==تخدامها للف==أرة‬

‫‪.‬إلحداث نوع من العشوائية‪ ،‬ولصوت األمواج المتكسرة على الشاطئ‪ ،‬ولضوضاء االحتفال حيث توجد الجعة‬
‫ً‬
‫حاملة الكمبيوتر المحمول الذي ظهر على شاشته بحروف مضيئة بيض==اء مفتاحُه==ا الع==ام‪ ،‬وبص==متها‪،‬‬ ‫خرجت الفتاة من الكهف‬

‫‪.‬وعنوان بريدها اإللكتروني‪ .‬رفعت الشاشة بجوار وجهها‪ ،‬وانتظرت حتى أخرجت هاتفي‬

‫=ة‪ .‬ت==وجهت إلى المعرب==دين بالحف=ل‪ ،‬وجعلت كاًّل منهم يلتق=ط‬


‫ف=التقطت ص=ورة له==ا ثم وض==عت اله==اتف في جي==بي ثاني= ً‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ابتسمت‪،‬‬

‫صورة لها وللشاشة‪ .‬اتسم األمر بالبهجة والمرح‪ .‬تمتعت تلك الفتاة بشخصية فاتنة ح ًّقا … تجعلك ال ترغب في الضحك عليها‪،‬‬

‫وإنما معها‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كان األمر مرحً ا ح ًّقا! لقد أعلنا حربًا سرية على الشرطة السرية‪ .‬من كنا نظن أنفسنا؟‬

‫وعلى مدار الساعة التالية أو نحوها‪ ،‬أخ==ذ الجمي==ع يلتقط==ون الص==ور ويص==ممون المف=اتيح‪ .‬ك==ان عليَّ االلتق==اء بك==ل ش==خص في‬

‫الحفل‪ .‬كنت على معرفة بالكثير منهم — فبعضهم دعوته بنفسي — واآلخرون أصدقاء أص==دقائي أو مقرب==ون لهم‪ .‬ل==زم علين==ا‬
‫ً‬
‫أفرادا صالحين‬ ‫‪.‬أن نكون جمي ًعا أصدقاء مقربين‪ .‬وهكذا كان الحال بالفعل في نهاية الليلة؛ كانوا جميعً ا‬

‫ما إن انتهى الجميع حتى ذهب خولو لتصميم مفتاح==ه‪ ،‬ثم اس=تدار مبتع= ًدا ومبتس=مًا في وجهي ابتس=امة خجول=ة‪ ،‬لكن=ني كنت ق==د‬

‫تجاوزت غضبي منه؛ فكان يفعل ما ينبغي له فعله‪ .‬كنت أعلم أنه مهما قال‪ ،‬فسيظل دائمًا موجو ًدا لمؤازرتي‪ .‬لق==د دخلن==ا س==جن‬

‫‪.‬وزارة األمن الوطني م ًعا‪ ،‬وكذلك فان‪ .‬ومهما حدث‪ ،‬فسيظل ذلك الحدث يربط بيننا لألبد‬

‫صممت مفتاحي‪ ،‬ودرت على الحضور ليلتقط لي ك ٌّل منهم صورة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬صعدت إلى البقعة العالية التي تحدثت من فوقها‬

‫‪.‬قبل قليل‪ ،‬وطلبت من الجميع االنتباه‬

‫أظن أن كثيرين منكم قد الحظوا وجود خلل خطير في هذا اإلجراء‪ ،‬أال وهو‪ :‬ماذا إذا كان ه==ذا الكم==بيوتر المحم==ول ال يمكن«‬

‫الوثوق فيه؟ ماذا إذا كان يسجل ًّ‬


‫سرا توجيهاتنا؟ ماذا إذا كان يتجس==س علين==ا؟ م==اذا إذا كنت أن==ا وخوس==يه ل==ويس غ==ير ج==ديرين‬

‫»بالثقة؟‬
‫‪.‬سمعت المزيد من الضحكات الخافتة سليمة النية التي عكست قدرً ا أكبر من األلفة وتأثير الجعة‬

‫أعني ما أقوله ح ًّقا‪ .‬إذا لم نسر على الطريق السليم‪ ،‬يمكن أن يوقعنا ذلك جمي ًعا — يوقعكم جمي ًعا — في مشكالت ال حص==ر«‬

‫»‪.‬لها قد يكون من بينها السجن‬

‫‪.‬صارت الضحكات الخافتة أكثر عصبية‬

‫واصلت حديثي‪« :‬ولذلك‪ ،‬سأفعل هذا»‪ ،‬رفعت مطرقة كنت قد جلبتها من صندوق أدوات والدي‪ .‬وضعت الكم==بيوتر المحم==ول‬

‫ولوحت بالمطرقة في حين س=لط خول==و ض=وء سلس=لة مفاتيح=ه عليَّ أثن=اء التل=ويح‪ .‬هش==مت الجه=از …‬
‫بجانبي على الصخرة‪َّ ،‬‬
‫‪.‬لطالما حلمت بتحطيم كمبيوتر محمول بالمطرقة‪ ،‬وها أنا ذا أفعل ذلك‪ .‬غمرني شعور رائع … وسيئ في الوقت نفسه‬

‫طرااخ! تنهار الشاشة إلى ماليين القطع الصغيرة لتكشف عن لوحة المفاتيح‪ .‬واصلت الض=رب إلى أن تحطمت لوح==ة المف=اتيح‬

‫لتكشف عن اللوحة األم ومحرك األقراص الصلبة‪ .‬طرااخ! صوبت هذه المرة مباشرة على محرك األق==راص الص==لبة‪ ،‬ض==اربًا‬

‫إياه بكل ما أوتيت من قوة‪ .‬ضربته ثالث مرات قبل أن ينفلق الصندوق ليكشف عن الوسائط الدقيق==ة داخل==ه‪ .‬واص==لت الض==رب‬

‫إلى أن لم يتبق به شيء أكبر من قداحة السجائر‪ ،‬ثم وضعت كل ه==ذا الحط==ام في كيس قمام==ة‪ .‬أخ==ذ الجم==ع يهت==ف بق==وة‪ ،‬وعال‬

‫‪.‬الصوت لدرجة أقلقتني من أن أح ًد ا في مكان ما بأعلى قد يسمع صوتنا الذي عال على صوت األمواج‪ ،‬فيطلب الشرطة‬

‫»‪.‬هتفت فيهم‪« :‬حس ًن ا! واآلن‪ ،‬إذا أردتم مصاحبتي‪ ،‬فسآخذ هذا الكيس للشاطئ‪ ،‬وأتركه في الماء المالح لعشر دقائق‬

‫لم يستجب أحد لدعوتي في البداية‪ ،‬ثم تقدمت آنج وأمسكت بذراعي في يدها الدافئة‪ ،‬وهمست في أذني‪« :‬كان ذل==ك جمياًل »‪ ،‬ثم‬

‫‪.‬سرنا معً ا تجاه البحر‬

‫كان الظالم دام ًس ا عند البحر‪ ،‬ويوحي بالخطر حتى مع أضواء سالسل المفاتيح التي كانت معنا‪ .‬الصخور حادة وزلق=ة يص=عب‬

‫السير عليها‪ ،‬ناهيك عن محاولة التوازن بكيس بالستيكي ممل==وء بس==تة أرط==ال من اإللكتروني==ات المحطم==ة‪ .‬زلَّت ق==دمي م==رة‪،‬‬

‫وظننت أنني سأجرح نفسي‪ ،‬لكنها أمسكت بي بقبضة قوية على نحو مدهش‪ ،‬وساعدتني في الحف==اظ على ات==زاني‪ .‬قرَّ ب==ني ذل==ك‬

‫‪.‬منها لحد سمح لي بأن أشم رائحة عطرها الذي شابه رائحة السيارات الجديدة‪ .‬أحببت تلك الرائحة‬

‫قلت لها‪« :‬شكرً ا»‪ ،‬وأنا أنظر في عينيها الكبيرتين الل=تين ب=دتا أك=بر ع=بر نظارته=ا ذات اإلط=ار األس=ود والط=ابع الرج=الي‪ .‬لم‬

‫أستطع تحديد لونهما في الظالم‪ ،‬لكن==ني خمنت أنهم==ا داكنت==ان بن==ا ًء على ش==عرها ال==داكن وبش==رتها الخمري==ة‪ .‬ب==دت من المنطق==ة‬

‫‪.‬المتوسطية‪ ،‬ربما يونانية أو إسبانية أو إيطالية‬

‫=حكت‪ .‬لم‬ ‫جثمت وأنزلت الكيس في البحر تار ًكا الماء المالح يغمره‪ .‬أنزلت قدمي قلياًل وغم==رت ح==ذائي في الم==اء‪ .‬س= ُ‬
‫=ببت‪ ،‬فض= ْ‬ ‫ُ‬

‫‪.‬ننطق تقريبًا بأية كلمة منذ= بدأنا السير نحو البحر‪ .‬كان ثمة شيء ساحر في صمتنا ذلك‬

‫لم أكن آنذاك قد قبَّلت في حياتي سوى ثالث فتيات فقط‪ ،‬هذا فضاًل عن الفتيات التي قبلتني لحظ==ة ع==ودتي للمدرس==ة واس==تقبالي‬
‫استقبال األبطال‪ .‬ليس ذلك برقم هائل‪ ،‬لكنه ليس بالصغير ً‬
‫أيض=ا‪ .‬ك==انت ل==دي ق==درة معقول==ة على استش==عار م==ا تري==ده الفتي==ات‪،‬‬
‫وأظن أنه كان بوسعي تقبيلها‪ .‬لم تكن مثيرة بالمعنى التقليدي‪ ،‬لكنْ ثمة شيء يوحي به اجتماع فتاة وشاطئ وليل‪ .‬هذا باإلضافة‬

‫‪.‬إلى أنها كانت ذكية‪ ،‬وعاطفية‪ ،‬ومخلصة‬

‫لكنني لم أقبِّلها أو أمسك يدها‪ .‬أمضينا — بداًل من ذلك — لحظات ال أجد لها وص ًفا سوى أنها روحاني==ة‪ .‬األم==واج المتكس==رة‪،‬‬
‫ُ‬
‫وتنهدت‪ .‬يا لها من رحلة شاقة! ك==ان ال ي=زال أم=امي الكث==ير ألفعل==ه من‬ ‫والليل‪ ،‬والبحر‪ ،‬والصخور‪ ،‬وأنفاسنا‪ .‬طالت اللحظات‪،‬‬

‫‪.‬كتابة في تلك الليلة‪ ،‬ووضع كل هذه المفاتيح في سلسلة مفاتيحي‪ ،‬وتوقعيها ثم نشرها‪ ،‬لتبدأ بذلك شبكة الثقة‬

‫‪.‬تنهدت الفتاة أيضًا‬

‫»!قلت لها‪« :‬هيا لنذهب‬

‫»!فقالت‪« :‬نعم‪ ،‬هيا‬

‫!عدنا للحفل‪ .‬كم كانت جميلة تلك الليلة‬

‫•••‬
‫بعد انقضاء الحفل‪ ،‬انتظر خولو صديق أخيه لي==أتي ويأخ==ذ ص==ناديق الب==يرة‪ .‬س=رت م==ع ب==اقي الحض==ور على الطري==ق وص==واًل‬

‫ألقرب محطة حافالت‪ ،‬وصعدت على متن إحداها‪ .‬لم يستخدم أيٌّ منا‪ ،‬بالطبع‪ ،‬تذكرة رسمية‪ .‬ك==ان مس==تخدمو «إكس نت» ق==د‬
‫اعتادوا نسخ تذاكر ح=افالت أش=خاص آخ=رين ً‬
‫ثالث==ا أو أرب=ع م=رات يوم ًّي=ا‪ ،‬وانتح=ال هوي==ة جدي==دة في ك=ل م=رة يركب==ون فيه=ا‬

‫‪.‬الحافالت‬

‫كان من الصعب البقاء هادئين في الحافلة‪ .‬كنا جمي ًع ا سكارى بعض الشيء‪ ،‬والنظر في وجوهنا في أضواء الحافلة البراقة كان‬

‫مدعاة للضحك‪ .‬عال صوتنا كثيرً ا‪ ،‬واستخدم السائق نظام االتص=ال ال==داخلي ليطلب من=ا خفض أص==واتنا م=رتين‪ ،‬ثم أخبرن==ا في‬

‫‪.‬النهاية بأن نخرس وإال فسيتصل بالشرطة‬

‫أثار ذلك ضحكنا مرة أخرى‪ ،‬ونزلنا من الحافلة وسط مجموعة من األفراد اآلخ==رين قب==ل أن يتص==ل بالش==رطة بالفع==ل‪ .‬وص==لنا‬

‫آنذاك لحي نورث بيتش؛ حيث كان الكثير من الحافالت وسيارات األجرة ومحطة بارت في شارع ماركت والمقاهي والن==وادي‬

‫‪.‬ذات الالفتات المضاءة بمصابيح النيون؛ ما فرَّ ق جمعنا‪ ،‬وذهب ك ٌّل منا في طريق‬

‫وصلت إلى المنزل‪ ،‬وقمت بتشغيل «إكس بوكس» الخاص بي‪ .‬بدأت تسجيل المفاتيح من شاشة هاتفي‪ .‬كان عماًل مماًّل ويبعث‬

‫‪.‬على النوم‪ .‬كنت شبه سكران‪ ،‬وأصابني ذلك بالنعاس‬

‫‪.‬كان رأسي قد أوشك على السقوط عندما ظهرت نافذة رسالة فورية جديدة على الشاشة‬

‫»!أيها البطل«‬

‫‪:‬لم أتعرف على االسم المستعار — سبيكسجريل — لكنني خمنت من يكون المتحدث‪ .‬كتبت بحذر‬

‫»!مرحبًا«‬

‫»‪.‬هذه أنا‪ ،‬من حفل الليلة«‬


‫ثم لصقت مجموعة تشفير في نافذة المحادثة‪ .‬كنت قد أدخلت بالفعل مفتاحها الع=ام في سلس=لة مف=اتيحي؛ ل=ذلك طلبت من عمي==ل‬

‫‪.‬المراسلة الفورية أن يحاول فك تشفير الكود باستخدام هذا المفتاح‬

‫»‪.‬هذه أنا‪ ،‬من حفل الليلة«‬

‫!لقد كانت هي‬

‫»‪.‬من الغريب لقاؤك هنا«‬


‫ْ‬
‫‪.‬كتبت‪ ،‬ثم شفرت ما كتبته= بمفتاحي العام‪ ،‬وأرسلته‬

‫»‪.‬سعدت للغاية بلقائك«‬

‫وأنا كذلك‪ ،‬فقلما ألتقِي شابات ذكيات يتمتعن= في الوقت نفسه بالجاذبية وال==وعي االجتم==اعي‪ .‬ي==ا إلهي! إن==ك ال تعطين الفتي==ات«‬

‫»‪.‬فرصً ا كثيرة‬
‫َّ‬
‫‪.‬دق قلبي بقوة بين أضلعي‬
‫ً‬
‫بقشيش=ا؛ فهن يجته==دن في عملهن‪ .‬س=أظل هن==ا ط=وال«‬ ‫مرح ًب==ا‪ ،‬ه==ل من أح==د هن==ا؟ إن==ني أه==رم هن==ا‪ .‬ال َ‬
‫تنس إعط==اء الن==ادالت‬

‫»‪.‬األسبوع‬

‫‪:‬ضحكت بصوت مرتفع‪ ،‬وأجبتها‬

‫»‪.‬أنا هنا … أنا هنا! لم أتمكن من الكتابة فقط بسبب الضحك الشديد«‬

‫»‪.‬على األقل‪ ،‬حس الدعابة في المراسالت الفورية لدي ال يزال قو ًّيا«‬

‫‪.‬امممم‬

‫»‪.‬سعدت بلقائك أيضًا للغاية«‬

‫»نعم‪ ،‬أعلم ذلك‪ .‬إلى أين ستصحبني؟«‬

‫»أصحبك؟«‬

‫»في مغامرتنا التالية؟«‬

‫»‪.‬ليست لدي أية خطط في الحقيقة«‬

‫حس ًنا‪ ،‬سأصحبك أنا إذن‪ .‬يوم السبت … متنزه دول=وريس … حف=ل موس==يقي غ==ير ق=انوني في اله==واء الطل=ق‪ .‬إن لم ت=ذهب‪«،‬‬

‫»‪.‬فأنت مُع َّقد‬

‫»انتظري! ماذا؟«‬
‫»ألم َّ‬
‫تط لع على شبكة «إكس نت»؟ الموضوع منتشر للغاية‪ .‬هل سمعت من قبل عن فرقة «سبيدهورز»؟«‬

‫كدت أختن==ق؛ فق==د ك=انت ه==ذه فرق==ة ت==رودي دو‪ ،‬وت=رودي دو هي الم=رأة ال=تي دفعت لي ولخول=و الم=ال لتح==ديث ك=ود الش==بكة‬

‫‪.‬المستقلة‬
‫»‪.‬نعم‪ ،‬سمعت عنها«‬

‫ستقيم هذه الفرقة حفاًل ضخمًا‪ ،‬وقد تمكنت من التعاقد م==ع نح==و خمس==ين فرق==ة إلحي=اء الحف==ل‪ .‬س==يقيمونه على مالعب التنس‪«،‬‬

‫»‪.‬ويجلبون شاحناتهم المحملة بمكبرات الصوت ليشعلوا الليلة حماسًا‬

‫شعرت أنني مغيَّب عما يدور ح=ولي‪ .‬كي==ف ف=اتني ذل==ك؟ ك=ان هن=اك متج=ر كتب يتس=م بالفوض=وية في ش=ارع فالينس==يا اعت==دت‬

‫المرور عليه أحيا ًنا في طريقي إلى المدرسة‪ .‬علَّق ذلك المتجر ملص ًقا لصورة إحدى الثائرات ُت َ‬
‫دعى «إيما جول==دمان» وتحته==ا‬

‫تعليق‪« :‬إن لم يمك ِّني الرقص‪ ،‬فال أريد أن أكون جزءًا من ثورتكم‪ ».‬بذلت ك==ل طاق==اتي في البحث عن كيفي==ة الس==تخدام ش==بكة‬
‫«إكس نت» في تنظيم مناضلين مخلصين يتمكنون من التشويش على جهود وزارة األمن الوطني‪ ،‬لكن ذلك ك==ان أك==ثر تم= ً‬
‫=يزا‪.‬‬
‫‪.‬حفل موسيقي ضخم … لم تكن لدي أدنى فكرة عن كيفية إقامة حفل كهذا‪ ،‬لكنني سعدت بأن ً‬
‫أحدا ما تمكن من ذلك‬

‫‪.‬اآلن‪ ،‬وبعد أن فكرت في األمر‪ ،‬شعرت بفخر شديد الستخدامهم شبكة «إكس نت» في فعل ذلك‬

‫•••‬

‫كنت مره ًق ا للغاية في اليوم التالي‪ .‬فقد استمرت محادثتي مع آنج — باألحرى مغازلتي لها — حتى الرابع==ة ص==باحً ا‪ .‬ولحس==ن‬

‫حظي‪ ،‬كان يوم السبت وتمكنت من النوم حتى وقت متأخر‪ .‬لكن نظ=رً ا لت=أثير الخم=ر وع==دم الن=وم الجي=د‪ ،‬كنت بالك=اد أس==تطيع‬

‫‪.‬ترتيب أفكاري‬

‫بحلول وقت الغداء‪ ،‬نهضت من السرير‪ ،‬ونزلت إلى الشارع‪ .‬تهاديت وصواًل إلى مقهى التركي لشراء قهوتي‪ .‬اعتدت في تل==ك‬

‫‪.‬األيام شراء قهوتي من هناك عندما أكون وحدي‪ ،‬كما لو كنت أنا والتركي قد صرنا عضوين في تنظيم سري‬

‫في طريقي إلى المقهى‪ ،‬مررت بالكثير من رسوم الجرافيتي حديث==ة اإلنش==اء‪ .‬أحببت الجرافي==تي في حي ميش==ن؛ إذ ك==ان يتمث==ل‬

‫عاد ًة في جداريات ضخمة مزخرفة أو رسوم تهكمي=ة= يطبعه==ا طالب الفن==ون باإلستنس==ل‪ .‬م==ا أعجب==ني ه==و اس==تمرار الرس==امين‬

‫الجداريين في حي ميشن فيما يفعلونه رغم مراقبة رجال وزارة األمن الوطني‪ ،‬وهو ما أظنه صورة أخرى من صور اس==تخدام‬

‫شبكة «إكس نت»؛ فال بد أنهم امتلكوا كافة السبل لمعرفة ما كان يحدث‪ ،‬ومن أين يأتون بالطالء‪ ،‬وم=ا الك=اميرات ال=تي ك=انت‬

‫ضا أن بعض الكاميرات قد ُر َّشت بالطالء‬


‫‪.‬تعمل‪ .‬وقد الحظت أي ً‬

‫!»لعلهم استخدموا شبكة «إكس نت‬


‫على جانب سور إحدى ساحات السيارات‪ُ ،‬‬
‫ط ِبعت عبارة‪« :‬ال تثق في أحد أكبر من ‪ ٢٥‬عامًا» بح==روف تقط==ر ب==الطالء ويبل==غ‬

‫‪.‬ارتفاعها عشر أقدام‬

‫توقفت‪ ،‬وأخذت أفكر‪ :‬هل غادر أحد «حفلتي» الليلة الماضية‪ ،‬وجاء إلى هنا بعلبة طالء؟ فقد كان الكثير من الحضور يقطنون‬

‫‪.‬ذلك الحي‬
‫حصلت على قهوتي‪ ،‬وتجولت بأنح=اء المدين==ة‪ =.‬أخ==ذت أفك==ر فيم=ا إذا ك==ان عليَّ االتص=ال بأح==د ومعرف=ة م=ا إذا ك=انوا يري==دون‬

‫الحصول على فيلم أو أي شيء آخر‪ .‬هكذا كان الحال في أيام السبت المليئة بالكس==ل‪ .‬لكن بمن سأتص==ل؟ ف==ان ال تتح==دث معي‪،‬‬

‫… وال أظن أنني كنت على استعداد= للتحدث مع خولو‪ ،‬وداريل‬

‫‪.‬حس ًنا‪ ،‬ال يمكنني االتصال بداريل‬

‫أخذت قهوتي‪ ،‬وعدت للمنزل‪ ،‬وبحثت قلياًل على مدونات «إكس نت»‪ .‬تلك المدونات مجهولة المؤلِّف ال يمكن تتبع ُك َّتابه=ا‪ ،‬إال‬

‫إذا كان المؤلف على قدر من الغباء ليضع اسمه عليها‪ .‬ويوجد عدد كبير منها‪ ،‬وأغلبها ال عالقة له بالسياسة‪ ،‬لكن الكث==ير منه==ا‬

‫‪.‬لم يكن كذلك ح ًّق ا؛ فتناولت موضوعات عن المدارس وما تشهده من ظلم‪ ،‬ورجال الشرطة‪ ،‬والرسم على الجدران‬

‫اكتشفت أن خطط الحفل في المتنزه قد انتشرت على الشبكة منذ أسابيع؛ إذ تناقلتها الم==دونات لتتح==ول إلى حرك==ة متكامل==ة دون‬

‫»‪.‬أن أالحظها‪ .‬وحمل الحفل اسم‪« :‬ال تثق في أحد أكبر من ‪ ٢٥‬عامًا‬
‫‪.‬وهذا يفسر من أين أتت آنج بتلك العبارة‪ .‬كانت شعارً ا ً‬
‫جيدا‬

‫•••‬

‫صبيحة يوم اإلثنين قررت التحقق من متجر الكتب الفوضوي مجد ًدا‪ ،‬وأرى ما إذا كان بإمك==اني الحص==ول على أح==د ملص==قات‬

‫‪.‬إيما جولدمان‪ .‬كنت بحاجة لذلك التذكير‬

‫مررت بشارع ‪ ١٦‬وحي ميشن في طريقي للمدرسة‪ ،‬ثم شارع فالينسيا وعبرته‪ .‬وجدت المتجر مغل ًقا‪ ،‬لكنني ع==رفت مواعي==ده؛‬

‫‪.‬إذ كانت مكتوبة على الباب وتأكدت من أن الملصق ال يزال معل ًقا به‬

‫اندهشت أثناء سيري في شارع فالينسيا من ك ِّم المرات التي رأيت فيها شعار «ال تثق في أحد أكبر من ‪ ٢٥‬عامًا»؛ فقد عرض‬

‫نصف المتاجر بضائع عليها الشعار؛ من علب غذاء‪ ،‬وتي شيرتات‪ ،‬ومقالم أقالم رصاص‪ ،‬وقبعات‪ .‬أما متاجر الهيبيز‪ =،‬فكانت‬

‫أسرع بالتأكيد في هذا الشأن‪ .‬وبانتشار األفكار الجديدة على اإلن==ترنت في غض=ون ي==وم أو اث==نين‪ ،‬ص==ارت المت==اجر أفض==ل في‬

‫عرض بضائعها في واجهات العرض لتتماشى مع هذه األفكار‪ ،‬فربم==ا يهب==ط مقط==ع في==ديو طري==ف على موق==ع يوتي==وب لرج==ل‬

‫ينطلق بمركب=ات نفاث=ة من م=اء الص=ودا ليهب=ط في ص=ندوق بري=دك ي=وم اإلث=نين‪ =،‬وبحل=ول ي=وم الثالث=اء‪ ،‬تتمكن من ش=راء تي‬

‫‪.‬شيرتات عليها مشاهد من هذا الفيديو‬

‫لكنه من المذهل أن ترى ش=ي ًئا ينتق=ل من ش=بكة «إكس نت» إلى مت=اجر بي=ع األدوات ال=تي تهم مس=تخدمي المخ=درات‪ .‬وتوج=د‬

‫سراويل جينز مس==تعملة مكت==وب عليه==ا بعناي==ة الش==عار بقلم الح==بر الج==اف المس==تخ َدم في الم==دارس الثانوي==ة بعناي==ة‪ ،‬فض=اًل عن‬

‫‪.‬البادجات التي يتم وضعها على المالبس‬

‫‪.‬تنتشر األخبار السعيدة سريعًا‬


‫كان ذلك مكتوبًا على السبورة عند دخولي حصة الدراسات االجتماعية للسيدة جالفيس‪ .‬جلسنا جمي ًعا على مقاعدنا‪ ،‬وابتسمنا لِما‬

‫كان مكتوبًا‪ ،‬وشعرت كما لو كانت الكلمات تبادلنا االبتسام‪ .‬كان هناك شيء مبهج للغاية في فكرة أنه بإمكاننا جمي ًعا الوثوق في‬

‫‪.‬بعضنا البعض‪ ،‬وأن العدو يمكن تحديده‪ =.‬كنت أعلم أن ذلك لم يكن صحيحً ا تمامًا‪ ،‬لكنه لم يكن خاط ًئا تمامًا أيضًا‬

‫دخلت السيدة جالفيس‪ ،‬ملَّ َست على شعرها‪ ،‬ووضعت الكمبيوتر المحمول المدرسي الخاص بها على مكتبه==ا‪ ،‬وق==امت بتش==غيله‪.‬‬

‫‪.‬التقطت الطبشورة‪ ،‬واستدارت لتواجه السبورة؛ فضحكنا جمي ًعا … بسالمة نية‪ ،‬لكننا ضحكنا‬
‫استدارت لنا‪ ،‬وكانت تضحك هي أي ً‬
‫ضا‪ .‬قالت‪« :‬يبدو أن الغرور قد أص==اب ك==اتبي الش==عارات في ه==ذه البالد‪ .‬كم منكم يعلم من‬

‫»أين أتت هذه العبارة؟‬

‫نظر ك ٌّل منا لآلخر‪ ،‬وقال أحدنا‪« :‬الهيبيز؟» فضحكنا‪ .‬ينتشر ه=ؤالء الهيب=يز في جمي=ع أنح=اء س=ان فرانسيس=كو‪ ،‬س=واء الن=وع‬

‫القديم منهم من متعاطي المخدرات ذوي الذقون القذرة والتي شيرتات المصبوغة‪ ،‬أو النوع الجديد األكثر تأن ًقا‪ ،‬والذين يهتم==ون‬

‫‪.‬بممارسة ألعاب تافهة أكثر من احتجاجهم على أي شيء على أرض الواقع‬

‫حس ًنا‪ ،‬إنهم الهيبيز‪ =.‬لكننا عندما نفكر في الهيبيز اآلن‪ ،‬ال نفكر إال في المالبس والموسيقى‪ .‬والمالبس والموس=يقى من األم=ور«‬

‫‪.‬الثانوية التي منحت لحقبة الستينيات أهميتها‬

‫لقد سمعتم عن حركة الحقوق المدنية التي هدفت للقض==اء على التمي==يز العنص==ري‪ .‬ش==باب أمث==الكم من ال==بيض والس==ود اس==تقلوا‬

‫حافالت إلى الجنوب لدعم حق السود في االنتخاب‪ ،‬واالحتجاج على التمييز الع==رقي الرس==مي للدول==ة‪ .‬ك==انت كاليفورني==ا إح==دى‬

‫المناطق الرئيسية التي ظهر فيها قادة الحقوق المدنية‪ =.‬كنا دومًا أكثر اهتمامًا بالسياسة من باقي الدولة‪ .‬هذا فضاًل عن أننا أيضًا‬

‫الجزء الذي تمكن فيه السود من الحصول على وظائف بالمصانع التابعة للنقاب==ات العمالي==ة مث==ل ال==بيض؛ ومن ثم ك==انوا أفض==ل‬

‫‪.‬حااًل بعض الشيء من السود في الجنوب‬

‫كان الطالب في بيركلي يرسلون باستمرار أعدا ًدا كبيرة من الرُّ ك=اب األح=رار إلى الجن=وب‪ ،‬وك=ان اختي=ارهم يتم من ط=اوالت‬

‫استعالمات خاصة في الحرم الجامعي عند تقاطع شارعي بانكروفت وتيليج==راف‪ .‬ولعلكم الحظتم وج==ود ه==ذه الط==اوالت ح==تى‬

‫‪.‬يومنا هذا‬

‫حاولت الجامعة إيقافهم‪ ،‬ومنع رئيس الجامعة العمل السياسي في الحرم‪ ،‬لكن شباب الحقوق المدنية م==ا ك==انوا ليتوقف==وا‪ .‬ح=اولت‬

‫الشرطة إلقاء القبض على طالب سابق بالجامعة كان يوزع منشورات من إحدى هذه الطاوالت‪ ،‬ووضعوه في عرب==ة الش==رطة‪،‬‬

‫لكن ‪ ٣٠٠٠‬طالب حاصروا الشاحنة ورفضوا أن تتزحزح من مكانها‪ .‬لم يدعوهم يأخذون الشاب إلى السجن‪ .‬وقفوا على سقف‬

‫‪».‬العربة‪ ،‬وأخذوا يلقون ال ُخ َطب عن «التعديل األول للدستور» و«حرية التعبير‬


‫أثار ذلك «حركة حرية التعبير»‪ ،‬وكانت تلك بداية الهيبيز‪ ،‬لكنه==ا ك==انت ً‬
‫أيض=ا مص==در ظه==ور المزي==د من الحرك==ات الطالبي==ة‬

‫المتطرفة‪ ،‬مثل جماعات القوة السوداء من قبيل «بالك بانثرز» (الفهود السود)‪ ،‬وم==ا ظه==ر بع==د ذل==ك من الجماع==ات الحقوقي==ة‬
‫للشواذ جنس ًّيا مثل «بين==ك ب=انثرز» ً‬
‫أيض=ا‪ ،‬وك=ذلك الجماع=ات النس=ائية المتطرف==ة‪ ،‬مث==ل «المنش=قات الس=حاقيات» الالتي أردن‬

‫»القضاء على الرجال تمامًا! والييبيز … هل سمع أيٌّ منكم من قبل عن الييبيز؟‬

‫‪.‬فقلت‪« :‬أليس هم من رفعوا البنتاجون؟» شاهدت فيلمًا وثائق ًّيا ذات مرة عن ذلك‬

‫فض==حكت الس==يدة ج==الفيس‪ ،‬وق==الت‪« :‬كنت ق==د نس==يت ذل==ك‪ ،‬لكن نعم إنهم ه==ؤالء! ك==ان الييب==يز أش==به بهيب==يز ش==ديدي االهتم==ام‬

‫بالسياسة‪ ،‬لكنهم لم يكونوا جادين بشأن السياسة مثلما نفكر فيها حال ًّيا‪ .‬فكانوا مرحين للغاية ومبتك==رين للم==زح‪ .‬ألق==وا بالم==ال في‬

‫بورصة نيويورك‪ ،‬وأحاطوا بالبنتاجون بآالف المتظاهرين‪ ،‬ونطقوا بتعويذة سحرية كان من المفترض أن ترفعه وتحلق ب==ه في‬

‫الهواء‪ .‬اخترعوا نوعً ا تخيل ًّي ا من عقار هلوسة يمكن رشه على الناس باستخدام مسدسات الرش‪ ،‬وأخذوا يصوبونه تجاه بعضهم‬

‫=دعى «وايفي‬
‫البعض‪ ،‬ويتظاهرون ب==أنهم تحت ت==أثير المخ==درات‪ .‬ك==انوا مض==حكين‪ ،‬وم==ادة تليفزيوني==ة رائع==ة؛ ق==ام أح==دهم‪ ،‬و ُي= َ‬

‫جرافي»‪ ،‬بجعل المئات من المتظاهرين يرتدون زي س=انتا كل=وز ل ُت ِ‬


‫ظه=ر الك=اميرات إلق=اء ض=باط الش=رطة القبض على س=انتا‬

‫‪.‬كلوز وجرَّ هم له في األخبار‪ ،‬وقد حشدوا الكثير من الناس‬

‫وكانت أهم اللحظات في تاريخهم المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في عام ‪١٩٦٨‬؛ حيث دعوا لمظاهرات للتنديد= ب==الحرب‬

‫على فيتنام؛ فتوافد على شيكاجو كل يوم اآلالف من المتظاهرين الذين ناموا في المتنزهات‪ ،‬ورابطوا أمام مقر الم==ؤتمر‪ .‬نف==ذوا‬

‫=دعى بيجس==س لالنتخاب==ات الرئاس==ية‪ .‬وقعت مص==ادمات بين‬


‫العديد من األعمال المثيرة الغريبة ذلك العام‪ ،‬مثل ترشيح خنزير ي= َ‬
‫الشرطة والمتظاهرين في الشوارع‪ ،‬وكان ذلك قد حدث عدة مرات من قبل‪ ،‬لكن شرطة شيكاجو لم تكن بال==ذكاء الك==افي بحيث‬

‫ال تتع==رض للمراس==لين الص==حفيين‪ ،‬فأوس==عوا المراس==لين ض==ربًا‪ ،‬وانتقم المراس==لون منهم ب==أن أظه==روا م==ا ح==دث ح ًّق==ا في تل==ك‬

‫=ار من ش==رطة ش==يكاجو‪،‬‬


‫المظ==اهرات؛ ومن ثم ش==اهد المواطن==ون في جمي==ع أنح==اء البالد أبن==اءهم وهم يتعرض==ون العت==داء ض= ٍ‬
‫‪».‬وأطلقوا على ذلك «شغب الشرطة‬

‫كانت عبارة «ال تثق في أحد أكبر من ‪ ٣٠‬عامً=ا» من المق=والت المفض=لة ل==دى الييب=يز‪ ،‬وقص==دوا به==ا أن من ولِ=دوا قب=ل وقت‬

‫معين — وهو عندما كانت أمريكا تحارب أعداء مثل النازيين — م=ا ك=انوا ليفهم=وا أب= ًدا م=ا يعني=ه حب=ك لبالدك بق=در يجعل=ك‬

‫ترفض محاربة الفيتناميين‪ =.‬وكانوا يرون أن==ه ببل==وغ س=ن الثالثين‪ =،‬تتبل==د مواقف==ك ويص==ير من الص==عب علي==ك فهم س==بب ن==زول‬

‫‪.‬الشباب إلى الشوارع‪ ،‬وتركهم العمل‪ ،‬وقيامهم بأعمال جنونية‬

‫كانت سان فرانسيسكو نقطة االنطالق لتلك األحداث‪ .‬تأسست الجيوش الثورية هن=ا‪ ،‬وفجَّ ر بعض=ها مب=اني أو نهب بنو ًك=ا دفاعً= ا‬

‫عن قضاياهم‪ .‬صار الكثير من أولئك الش==باب بع==د ذل==ك أك==ثر أو أق==ل نض==جً ا‪ ،‬في حين انتهى الم==آل ب==آخرين منهم في الس==جن‪،‬‬

‫وحقق بعض من لم يكملوا تعليمهم الجامعي منهم إنجازات مدهشة‪ ،‬مثل ستيف جوبز وستيف وازنياك اللذين أسس==ا ش==ركة أب==ل‬

‫»‪.‬ألجهزة الكمبيوتر واخترعا الكمبيوتر الشخصي‬


‫أثار ذلك انتباهي ح ًّقا‪ .‬كنت على علم ببعض منه‪ ،‬لكنني لم أستمع ألحد يتحدث عن األمر كذلك من قبل‪ ،‬أو لعل==ه لم يهم==ني من‬

‫قبل مثلما هو اآلن‪ .‬وفجأة‪ ،‬بدا أن مظاهرات الشوارع البسيطة غير المثيرة أو المجدية التي أقامها البالغون ليس==ت غ==ير مجدي==ة‬

‫‪».‬مثلما ظننت‪ ،‬ولعل لها مكا ًنا في حركة «إكس نت‬

‫»رفعت يدي‪ ،‬وسألت‪« :‬هل نجحوا؟ هل نجح الييبيز؟‬

‫‪.‬نظرت إليَّ طوياًل ‪ ،‬كما لو كانت تفكر في اإلجابة‪ .‬لم ينطق أحد‪ ،‬وترقبنا جمي ًعا سماع ما ستقوله‬

‫قالت‪« :‬إنهم لم يفشلوا‪ ،‬لكنهم انهاروا داخل ًّيا بعض الشيء؛ فدخل بعضهم السجن بتهمة المخ==درات أو أم==ور أخ==رى‪ ،‬وبعض==هم‬

‫غيَّر موقفه‪ ،‬وصاروا مواليين للنظام‪ ،‬ويذهبون للمحاضرات ليخبروا الجميع كم كانوا أغبياء فيم==ا فعل==وا‪ ،‬ويتح==دثون عن م==دى‬

‫‪.‬جشعهم وغبائهم‬

‫لكنهم غيَّروا العالم بالفعل؛ فوضعت حرب فيتنام أوزارها‪ ،‬وفقدت الطاعة العمياء واالمتثال — التي أسماها الناس وطني==ة —‬

‫بريقها إلى حد كبير‪ ،‬وشهدت حقوق السود والم=رأة والمثل=يين= تق=دمًا كب=يرً ا‪ ،‬ه==ذا فض=اًل عن حق=وق األمريك==يين ذوي األص==ول‬

‫المكسيكية‪ ،‬وحقوق المعاقين‪ ،‬والمفهوم الشامل للحريات المدنية الذي نشأ أو تعزز على يد هؤالء األفراد‪ .‬وحركة االحتجاجات‬

‫»‪.‬الحالية هي نِتاج مباشر لهذه الصور من النضال‬

‫قال تشارلز‪« :‬ال أصدق أنكِ تتحدثين عنهم بهذا الشكل‪ ».‬كان يستند= على كرسيه حتى صار شبه واقف‪ ،‬ووجهه النحي==ل الح==اد‬

‫المالمح قد تحول للَّون األحمر‪ .‬كانت له عينان كبيرتان المعتان‪ ،‬وشفتان كبيرت==ان‪ ،‬وعن==د إث==ارة مش==اعره‪ ،‬ك==ان يش==به الس==مكة‬

‫‪.‬بعض الشيء‬

‫»‪.‬تسمرت السيدة جالفيس قلياًل ‪ ،‬ثم قالت‪« :‬واص ْل حديثك يا تشارلز‬

‫إن من وصفتِهم لتوِّ ك إرهابيين … إرهابيون حقيقيون؛ لقد فج==روا منش==آت‪ ،‬وف ًق==ا لقول==ك‪ .‬ح==اولوا ت==دمير البورص==ة‪ .‬ض=ربوا«‬

‫»!رجال الشرطة‪ ،‬ومنعوهم من القبض على من كانوا يخرقون القانون‪ .‬لقد هاجمونا‬

‫أومأت السيدة جالفيس برأسها ببطء‪ .‬كان بوسعي أن أرى أنها تفكر في الكيفية التي ستتعامل به==ا م==ع تش==ارلز ال==ذي ب==دا وكأن==ه‬

‫على وشك االنفجار‪ .‬قالت‪« :‬يطرح تشارلز نقطة مهم=ة؛ لم يكن الييب=يز عمالء أج=انب‪ ،‬ب=ل مواط=نين أمريك=يين‪ .‬عن=دما تق=ول‬

‫»… «لقد هاجمونا»‪ ،‬عليك أن تحدد من «هم» ومن «نحن»‪ .‬عندما يكون من يفعل ذلك هم شركاؤك في الوطن‬

‫صاح فيها مقاطعً ا‪ ،‬وقد نهض من على مقع=ده‪« :‬ه=راء! ك=انت البالد في حال=ة ح=رب آن=ذاك‪ ،‬وه=ؤالء الن=اس ق=دموا ي=د الع=ون‬

‫والدعم للعدو‪ .‬من اليسير تحديد= من «هم» ومن «نحن»‪ :‬إذا كان المرء يدعم أمريكا‪ ،‬فهو «منا»‪ ،‬وإن كان ي==دعم من يطلق==ون‬

‫»‪».‬النار على األمريكيين‪ ،‬فهو «منهم‬

‫»هل من أحد آخر يريد التعليق على هذا؟«‬


‫ارتفع العديد= من األيدي‪ ،‬وطلبت السيدة جالفيس منهم التحدث‪ .‬أشار البعض إلى أن الس==بب وراء إطالق الفيتن==اميين= الن==ار على‬

‫األمريكيين ه==و أن األمريك==يين ق==د ذهب==وا إلى فيتن==ام‪ ،‬وأخ==ذوا يح==اربون على أراض==يها‪ .‬على الج=انب اآلخ==ر‪ ،‬رأى البعض أن‬

‫‪.‬تشارلز كان على حق في أنه يجب عدم السماح للناس بارتكاب ما يخالف القانون‬

‫تبادل الجميع نقا ًشا مثمرً ا فيما عدا تشارلز الذي لم يفعل شي ًئا سوى الصياح في اآلخرين‪ ،‬ومقاطعتهم عند محاولتهم التعبير عن‬

‫‪.‬آرائهم‪ .‬حاولت السيدة جالفيس جعله ينتظر دوره في التحدث عدة مرات‪ ،‬لكنه لم يستجب أليٍّ منها‬

‫‪.‬كنت أبحث عن شيء بالكمبيوتر المدرسي المحمول الخاص بي‪ ،‬شيء عرفت أنني كنت قد قرأته من قبل‬

‫وجدته‪ ،‬فنهضت واق ًفا‪ .‬نظرت إليَّ السيدة جالفيس مترقبة ما كنت سأفعله‪ .‬تابع اآلخرون في الفصل نظرتها المح ِّدقة‪ ،‬وه==دَ ءُوا‪.‬‬

‫‪.‬تشارلز نفسه نظر إليَّ بعد فترة قصيرة‪ ،‬وعيناه الكبيرتان الالمعتان تقدحان كراهية نحوي‬

‫قلت‪« :‬أري==د ق==راءة ش==يء م==ا عليكم‪ ،‬إنه==ا فق==رة قص==يرة‪« :‬تنش==أ الحكوم==ات بين الن==اس مس==ت ِمدَّة س==لطاتها العادل==ة من موافق==ة‬

‫المحكومين‪ ،‬وإنه عندما يصبح أي شكل من أشكال الحكم في أي وقت من األوقات هادمًا ومدمرً ا لهذه الغايات‪ ،‬يصبح من ح==ق‬

‫الشعب أن يغيِّره أو يطيح به ويش ِّكل حكومة جديدة مقيمًا أساس==ها على المب==ادئ‪ ،‬ومنظ ًم==ا س==لطاتها وف==ق الكيفي==ة ال==تي تب==دو ل==ه‬

‫»‪».‬أفضل مالءمة لتحقيق سالمته ورفاهيته‬


‫الفصل الثاني عشر‬
‫أهدي هذا الفصل إلى فوربيدن بالنِت‪ ،‬سلسلة متاجر كتب الفانتازيا والخيال العلمي واأللعاب والمجالت الهزلية وأفالم الفي==ديو‪.‬‬

‫تنتشر هذه السلسلة في جميع أنحاء المملكة المتحدة‪ ،‬هذا فضاًل عن منافذها بالقرب من الساحات الرياض==ية في مانه==اتن ودبلين‬

‫بأيرلندا‪ .‬ودخول هذه المتاجر أمر خطير؛ إذ نادرً ا م==ا أخ==رج منه==ا دون المس==اس بمحفظ==تي‪ .‬وال ريب أن ه==ذه السلس==لة تتمت==ع‬

‫بالريادة ح ًّقا فيما يتعلق بتحقيق التواصل بين الجمهور العريض للخي==ال العلمي المع==روض في األفالم والم==واد التليفزيوني==ة من‬

‫‪.‬ناحية وكتب الخيال العلمي من الناحية األخرى‪ ،‬ما له أهمية بال شك لمستقبل هذا المجال‬

‫***‬

‫‪:‬ارتسمت على وجه السيدة جالفيس ابتسامة عريضة‪ ،‬وسألت‬

‫»هل يعلم أحد مصدر هذه الفقرة؟«‬


‫آن واحد‪« :‬إعالن االستقالل األمريكي‬
‫»‪.‬نطق مجموعة من الطالب في ٍ‬
‫‪.‬فأومأت برأسي‬

‫»لماذا قرأت علينا ذلك يا ماركوس؟«‬

‫ألنه بدا لي أن مؤسسي هذه البالد قد قالوا إن الحكومات يجب أال تستمر إال إذا رأينا أنها تعم==ل لص=الحنا‪ ،‬وإذا لم نع==د نراه==ا«‬

‫»كذلك‪ ،‬فعلينا إسقاطها‪ .‬هذا ما ينص عليه اإلعالن‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫»!هز تشارلز رأسه‪ ،‬وقال‪« :‬كان ذلك منذ مئات السنين! وقد تغير الحال اآلن‬

‫»ما الذي تغير؟«‬

‫حس= ًنا‪ ،‬لم يع==د ل==دينا مل==ك مثاًل ‪ .‬إنهم يتح==دثون عن حكوم==ة تأسس==ت ألن الج==د األك==بر ألح==د الحمقى آمن ب==أن ال=رب ق==د كلف==ه«‬

‫منتخبة ديمقراط ًّيا‬


‫َ‬ ‫»… بالمسئولية‪ ،‬وقتل جميع معارضيه‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فلدينا حكومة‬

‫»‪.‬قلت له‪« :‬أنا لم أنتخب هذه الحكومة‬

‫»وهذا يمنحك الحق إذن بتفجير المنشآت؟«‬

‫ماذا؟ من تحدث عن تفجير أية منشآت؟ إن الييبيز والهيبيز وكل هؤالء الناس رأوا أن الحكومة لم تعد تصغي إليهم … انظر«‬

‫إلى الطريقة التي عو ِم ل بها من حاولوا دعم حق الناخبين في اإلدالء بأصواتهم في الجنوب! لق==د تعرض==وا للض=رب واالعتق=ال‬

‫»…‬

‫قالت السيدة جالفيس‪« :‬والقتل في بعض األحيان»‪ ،‬ثم رفعت يديها‪ =،‬وانتظرت مني أنا وتشارلز أن نجلس‪ ،‬وقالت‪« :‬ك==اد وقتن==ا‬

‫ينتهي لهذا اليوم‪ ،‬لكنني أريد أن أثني عليكم جمي ًعا لواحدة من أفضل الحصص التي درَّ ستها‪ .‬كانت هذه مناقشة رائعة‪ ،‬وتعلمت‬

‫ضا‪ .‬شكرً ا لكم جمي ًعا على مشاركاتكم‬


‫‪.‬منكم جمي ًعا الكثير فيها‪ ،‬وآمل أن تكونوا قد تعلمتم من بعضكم البعض أي ً‬
‫وأري==د أن أعطي واج ًب==ا ب==درجات إض==افية لمن ي==رغب منكم في بعض التح==دي‪ ،‬أري==د منكم كتاب==ة بحث يق==ارن بين رد الفع==ل‬

‫السياسي تجاه حركات الحق==وق المدني==ة والحرك==ات المناهض==ة للح==رب في منطق==ة الخليج من ناحي==ة‪ ،‬وردود األفع==ال السياس==ية‬

‫الحالية لجهات الحقوق المدنية= تجاه الحرب على اإلرهاب من ناحي==ة أخ==رى‪ .‬البحث ال يق==ل عن ثالث ص==فحات‪ ،‬لكن يمكن أن‬

‫»‪.‬يزيد عن ذلك كما تشاءون‪ .‬أتطلع من اآلن لرؤية ما ستتوصلون إليه‬


‫َّ‬
‫‪.‬دق الجرس بعد لحظات‪ ،‬وغادر الجميع الفصل‪ ،‬لكنني تخلفت عنهم‪ ،‬وانتظرت أن تالحظني السيدة جالفيس‬

‫»نعم يا ماركوس؟«‬

‫»‪.‬كان ذلك رائعً ا‪ .‬لم تكن لدي كل هذه المعلومات عن حقبة الستينيات«‬

‫والسبعينيات أيضً ا‪ .‬كان هذا المكان دومًا مكا ًنا مثيرً ا للعيش فيه وذلك في أوقات مفعمة باألحداث السياسية‪ .‬لقد أعجبني كثيرً ا«‬

‫»‪.‬اقتباسك من إعالن االستقالل؛ كان ذلك في منتهى الذكاء‬

‫»‪.‬شكرً ا لكِ ‪ .‬وردت الفكرة على ذهني فجأة‪ ،‬فلم أق ِّدر قط المعنى الحقيقي لهذه الكلمات قبل اليوم«‬

‫»‪.‬قالت وهي تصافحني‪« :‬حس ًنا يا ماركوس‪ ،‬هذا كالم يحب أي معلم أن يسمعه‪ .‬ال يسعني االنتظار حتى أقرأ بحثك‬

‫•••‬

‫اشتريت ملصق «إيما جولدمان» في طريقي إلى المنزل‪ ،‬وألصقته فوق مكتبي وثبَّته على ملصق أس==ود أني==ق‪ .‬اش==تريت ك==ذلك‬
‫ً‬
‫مطبوعة عليه عبارة «ال تثق في أحد أكبر من ‪ ٢٥‬عامًا»‪ ،‬وصورة لشخصي َتي «شارع سمس==م»؛ جروف==ر وإيلم==و‪،‬‬ ‫تي شيرت‬

‫وهما يطردان البال َغين جوردن وسوزان‪ .‬أضحكني ذلك‪ ،‬واكتشفت فيما بعد أنه كان هناك نحو ست مس==ابقات للرس==وم ببرن==امج‬

‫«فوتوش==وب» لتص==ميم ش==عار على اإلن==ترنت على مواق==ع مث==ل ف==ارك‪ ،‬وورث ‪ ،١٠٠٠‬وبيت==ا‪ .‬وانتش==رت المئ==ات من الص==ور‬

‫‪.‬الجاهزة والتي يمكن وضعها على كافة السلع‬


‫رفعت أمي حاجبها عند رؤيتها التي شيرت‪ ،‬في حين َّ‬
‫هز أبي رأسه‪ ،‬وطلب م==ني أال أقحم نفس==ي في أي==ة مش==كالت‪ ،‬وأش==عرني‬

‫‪.‬رد فعله بأن ما أفعله مبرَّ ر بعض الشيء‬

‫وجدتني آنج متاحً ا على اإلنترنت ثانية‪ ،‬وأخذنا نتغازل عبر الرسائل الفورية ح==تى وقت مت==أخر من اللي==ل م==رة أخ==رى‪ .‬ع==ادت‬

‫‪.‬الشاحنة البيضاء ذات أجهزة الهوائي‪ ،‬فأغلقت جهاز «إكس بوكس» إلى أن رحلت الشاحنة‪ .‬اعتدنا جميعً ا فعل ذلك‬

‫تحمست آنج بشدة لهذا الحفل الذي من المتوقع أن يكون مذهاًل ‪ ،‬وقد اشترك فيه عدد كبير للغاية من الفِرق‪ ،‬ح==تى إن==ه قي==ل إنهم‬

‫‪.‬سيقيمون مسرحً ا ثانيًا للعروض الثانوية‬

‫»‪.‬كيف سيحصلون على تصريح لما سيحدثونه من صخب طوال الليل في ذلك المتنزه؟ المنازل تحيط به من كل جانب«‬

‫»‪.‬تصريح؟ أي تصريح؟ لتحدثني عن تصريحك في أن تكون إنسا ًنا«‬

‫»في هذا مخالفة للقانون؟«‬

‫»ماذا؟! هل أنت قلق ح ًّقا بشأن مخالفة القانون؟«‬


‫»‪.‬معكِ حق«‬

‫»‪.‬ههههههههه«‬

‫لكنني شعرت بشيء من العصبية‪ ،‬فأنا أصطحب تلك الفتاة الرائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في موعد غ==رامي في عطل==ة‬

‫‪.‬نهاية األسبوع — أو بمعنى أدق‪ ،‬هي من كان يصطحبني — إلى حفل صاخب غير قانوني مقام وسط حي مزدحم‬

‫‪.‬وكان من المفترض أن يكون األمر ممتعً ا على األقل‬

‫•••‬

‫‪.‬ممتع‬

‫بدأ الناس يتدفقون على متنزه دولوريس طوال فترة ما بعد الظهيرة الطويلة ليوم الس==بت‪ ،‬وق==د ب==رزوا من بين الع==بي األطب==اق‬

‫الطائرة‪ ،‬ومن يتجولون بكالبهم‪ ،‬وبعض=هم لعب باألطب=اق الط=ائرة أو تج=ول ب=الكالب‪ .‬لم يكن من الواض=ح ح ًّق=ا كي=ف سيس=ير‬

‫الحفل‪ ،‬لكن كان هناك الكثير من رجال الشرطة والعمالء السريين في المكان‪ .‬ك==ان من الممكن تحدي==د العمالء الس==ريين؛ ألنهم‬

‫مثل الضابطين اللذين أمسكا بي منذ أيام؛ فاتسموا بقصة شعر كاسترو وبنية جسم قوي==ة‪ :‬رج=ال قص=ار القام=ة ب=دناء ذوو ش==عر‬

‫قصير وشوارب غير مهذبة‪ =.‬تجولوا في المكان بمظهر أخرق غير مريح في بناطيلهم القصيرة الكبيرة وقمصانهم الفضفاض==ة‪،‬‬

‫‪.‬التي أخفت خلفها — بال شك — ترسانة من األسلحة المعلقة فيما بين صدورهم وخصورهم‬

‫كان متنزه دولوريس جمياًل مشمسً ا يضم نخياًل ‪ ،‬ومالعب تنس‪ ،‬والعديد= من التالل واألشجار المنتظمة التي يمكن الركض فيه==ا‬

‫‪.‬أو االسترخاء عندها‪ .‬ينام المشردون هناك لياًل ‪ ،‬لكن هكذا كان الحال أيضً ا في أي مكان آخر في سان فرانسيسكو‬

‫قابلت آنج في الشارع عند متجر الكتب الفوضوي‪ ،‬كان ذلك اقتراحي‪ .‬أدركت فيما بعد أنني ظهرت بمظهر من يحاول أن يبدو‬

‫شا ًّبا معاصرً ا أمام تلك الفتاة‪ ،‬لكنني كنت ألُقسم حينها أنني قد اخترت ذلك المكان ألنه مناسب للمقابلة‪ .‬عند وصولي إلى هناك‪،‬‬

‫‪».‬وجدتها تقرأ في كتاب اسمه «ارفع يديك على الحائط أيها السافل‬

‫»قلت لها‪« :‬عنوان لطيف! هل هذه لغة تحدثك مع والدتك؟‬


‫فأجابت‪« :‬ولغتك أنت أي ً‬
‫ضا‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬هذا كتاب يتحدث عن تاريخ إحدى الجماعات المش=ابهة للييب==يز‪ ،‬لكنه==ا من نيوي==ورك‪.‬‬

‫«بن السافل»‪ .‬قامت الفكرة على تكوين جماع==ة تص==نع‬


‫استخدم جميع أفراد تلك الجماعة كلمة «السافل» كاسم أخير لهم‪ ،‬مثل‪ِ :‬‬
‫األحداث‪ ،‬لكن باسم ال يمكن نشره في الصحافة على اإلطالق‪ ،‬وذلك للتالعب بوسائل اإلعالم اإلخبارية‪ .‬أم==ر مض==حك ح ًّق==ا‪».‬‬

‫أعادت الكتاب لمكانه على الرف‪ ،‬وأخ=ذت أفك=ر ه=ل من المف==ترض أن أعانقه==ا أم ال؛ فالن=اس في كاليفورني==ا يع==انقون بعض=هم‬

‫ضا أحيا ًنا على الوجنتين‪ =.‬كنت متحيرً ا للغاية بشأن ذلك‬
‫‪.‬البعض دومًا عند التالقي أو الوداع‪ ،‬ويقبِّلون بعضهم البعض أي ً‬
‫ْ‬
‫فحسمت هي المسألة بأن جذبتني نحوها لتعانقني‪ ،‬وشدَّت رأسي ألس==فل ألص==ل إليه==ا‪ ،‬وقبَّلت==ني بق==وة على وجن==تي‪ ،‬ثم دغ==دغت‬
‫‪.‬عنقي بشفتيها‪ .‬ضحكت ودفعتها ً‬
‫بعيدا‬

‫»سألتها‪« :‬هل ترغبين في تناول البوريتو؟‬


‫»هل هذا سؤال أو إعالم بما سنفعله؟«‬

‫»‪.‬ال هذا وال ذاك‪ ،‬إنما أمر«‬

‫اشتريت بعض الملصقات اللطيفة التي تحمل عبارة «هذا الهاتف مُرا َقب»‪ ،‬والتي هي مصمَّمة بحجم يتناسب مع وض==عها على‬
‫سماعات الهواتف العمومية التي ال تزال تص=طف في ش=وارع «ميش=ن»‪ ،‬وه=و الحي ال=ذي يمكن أن تص=ادف في=ه ً‬
‫أناس=ا غ=ير‬

‫‪.‬قادرين على تحمل تكلفة شراء هاتف محمول‬

‫‪.‬سرنا م ًع ا‪ ،‬ونسيم الليل يحفنا‪ .‬أخبرت آنج بما رأيته في المتنزه عند رحيلي‬

‫»‪.‬قالت‪« :‬أراهن على أن هناك المئات من الشاحنات التابعة لهم متوقفة بجميع أرجاء الحي‪ .‬أفضل الشاحنات للقبض عليك‬

‫»‪».‬نظرت حولنا‪ ،‬وقلت‪« :‬تمنيت أن تقولي شي ًئا من قبيل‪« :‬حس ًنا‪ ،‬ال يمكنهم فعل أي شيء‬

‫ال أظن أن هذه هي الفكرة ح ًّقا‪ ،‬وإنما الفكرة هي وضع الكثير من الم=دنيين= في وض=ع يك==ون على رج=ال الش=رطة في=ه اتخ=اذ«‬

‫القرار فيما إذا كانوا سيتعاملون مع هؤالء األفراد العاديين على أنهم إرهابيون أم ال‪ .‬األمر أشبه قلياًل بالتشويش‪ ،‬لكن باستخدام‬

‫»الموسيقى بداًل من األدوات اإللكترونية‪ .‬تمارس التشويش‪ ،‬أليس كذلك؟‬


‫»‪.‬أنسى أحيا ًن ا أن جميع أصدقائي ال يعلمون أن ماركوس ومايكي شخص واحد‪ .‬أجبتها‪« :‬بلى‪ ،‬قلياًل‬

‫»‪.‬يشبه ذلك التشويش باستخدام مجموعة من الفرق الموسيقية الرائعة«‬

‫»‪.‬فهمت ما تعنيه«‬

‫البوريتو في حي ميشن تقليد؛ فهو يتسم بثمنه الرخيص‪ ،‬وكِبر حجمه‪ ،‬ومذاقه الشهي‪ .‬تخيل لفائف بحجم البازوك==ا محش= َّ=وة بلحم‬

‫مشويٍّ حار‪ ،‬وجواك==امولي‪ ،‬وصلص=ة مكس==يكية ح=ارة‪ ،‬وطم=اطم‪ ،‬وفاص=وليا مقلي=ة بع=د طهيه=ا‪ ،‬وأرز‪ ،‬وبص=ل‪ ،‬وكزب=رة‪ .‬إن‬

‫‪».‬العالقة بين البوريتو ومطاعم «تاكو بيل» مثل العالقة بين سيارات اللعبة «هوت ويلز» وشركة سيارات «المبورجيني‬

‫يوجد نحو مائتي مطعم للبوريتو في حي ميشن‪ ،‬جميعها كريه للغاية‪ ،‬والمقاعد فيها غير مريح=ة‪ ،‬وتك=اد تخل=و من ال=ديكور —‬
‫بعض الملصقات السياحية المكسيكية الكئيبة= والصور الثالثي==ة األبع==اد المض==اءة الم==ؤطرة ليس==وع وأم==ه — و ُتع= َ‬
‫=زف فيه==ا‬ ‫َ‬ ‫خال‬

‫الموسيقى المكسيكية الصاخبة‪ .‬لعل أهم ما يميزها هو نوع اللحم الغريب الذي يملئون ب=ه اللف=ائف‪ .‬والمط=اعم الجي=دة ح ًّق=ا تق=دم‬

‫‪.‬المخ واللسان‪ ،‬وهما طلبان ال أطلبهما أب ًدا‪ ،‬لكن من الجيد أن تعرف أنهما موجودان‬

‫المكان الذي ذهبنا إليه كان يقدم المخ واللسان؛ ولكننا لم نطلب أ ًّيا منهما‪ .‬طلبت ش=رائح لحم بق=ري‪ ،‬في حين طلبت هي ش=رائح‬

‫‪.‬دجاج‪ ،‬وحصل كالنا على كوب كبير من األورتشاتا‬


‫ْ‬
‫فتحت لفافة البوريتو‪ ،‬وأخرجت من حقيبتها زجاج=ة ص==غيرة‪ ،‬ك=انت علب=ة من الف=والذ ال=ذي ال يص==دأ‪ ،‬ب==دت‬ ‫ما إن جلسنا حتى‬

‫أشبه ببخاخ للفلفل للدفاع عن النفس‪ .‬وجهت الزجاجة ناحية محتوي==ات الملف==وف‪ ،‬ورش==ته بم==ادة زيتي==ة حم==راء ص==افية‪ ،‬وص==ل‬

‫‪.‬بعض منها إلي‪ ،‬فانسد حلقي ودمعت عيناي‬

‫»باهلل عليكِ ‪ ،‬ماذا تفعلين في هذا الملفوف المسكين؟«‬


‫»‪.‬نظرت إليَّ بابتسامة شريرة‪ ،‬وقالت‪« :‬أنا مدمنة للطعام الحار‪ ،‬وهذا زيت كابسيسين في بخاخ‬

‫»… كابسيسين«‬

‫نعم‪ ،‬المادة الموجودة في بخاخ الفلفل‪ .‬يشبه ذلك ما تحتويه ه==ذه العلب==ة‪ ،‬لكن==ه مخف==ف قلياًل ‪ ،‬ومذاق==ه أفض==ل بكث==ير‪ ،‬لتفك==ر ب==ه«‬

‫»‪.‬كقطرة حارة كاجونية للعين‬

‫‪.‬شعرت بالتهاب في عيني لمجرد التفكير في ذلك‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬أنت تمزحين بالتأكيد‪ .‬لن تأكلي ذلك‬

‫»‪.‬رفعت حاجبيها‪ ،‬وقالت‪« :‬أتتحداني يا بني؟ فلتشاهدني فحسب‬

‫أعادت لف خبز البوريتو بعناية مثل متعاطي المخدرات الذي يلف س=يجارة‪ ،‬م==ع ث==ني الط=رفين إلى ال==داخل‪ ،‬ثم إع=ادة ل ِّفه=ا في‬

‫‪.‬ورق الفويل‪ .‬أزالت الورق من أحد الطرفين‪ ،‬ورفعته إلى فمها مع موازنته على شفتيها‬

‫‪.‬وإلى أن قضمته‪ ،‬لم أكن أصدق أنها ستفعلها؛ فما وضعته على طعامها هو في الواقع سالح للدفاع عن النفس‬

‫‪.‬قضمت‪ ،‬مضغت‪ ،‬بلعت‪ ،‬وعبرت بكل ما لديها عن تناولها عشاء شه ًّيا‬

‫»قالت في براءة‪« :‬أترغب في قضمة؟‬

‫فأجبته==ا‪« :‬نعم»‪ ،‬فأن==ا أحب الطع==ام الح==ار‪ ،‬وأطلب دو ًم==ا م==ع الطع==ام بنكه==ة الك==اري أرب==ع ثم==رات فلف==ل ح==ار في المط==اعم‬

‫‪.‬الباكستانية‬

‫‪.‬أعدت الورق على الملفوف‪ ،‬وتناولت قضمة كبيرة‬

‫‪.‬وكان ذلك خطأ كبيرً ا‬

‫أتعرف ما تشعر به عندما تتناول قضمة كبيرة من الفجل الحار أو الفجل الياباني أو أي ش=يء من ه=ذا القبي=ل‪ ،‬وتش=عر بانس=داد‬

‫في جيوبك األنفية وقصبتك الهوائية‪ ،‬وامتالء رأسك بهواء شديد السخونة يحاول الخروج عبر أنفك المرتشحة وعينيك المبللتين‬

‫بالدموع؟ والشعور كما لو أن بخارً ا على وشك الخروج من أذنيك مثل الشخصيات الكرتونية؟‬

‫‪.‬كان ذلك أسوأ بكثير‬

‫فهو أشبه بوضع ي=دك على موق=د س=اخن‪ ،‬لكن الف=ارق هن=ا ه=و أن=ك ال تض=ع ي=دك‪ =،‬وإنم=ا الج=زء ال=داخلي بالكام=ل من رأس=ك‬

‫‪.‬والمريء وصواًل إلى معدتك‪ =.‬تبلل جسمي بالكامل بالعرق‪ ،‬وبدأت أختنق‬

‫دون أن تنطق آنج بكلمة‪ ،‬مررت لي مشروب األورتشاتا‪ ،‬وتمكنت من وضع الشفاطة في فمي‪ ،‬وأخ==ذت أمص بق==وة‪ ،‬متجر ًع= ا‬

‫‪.‬نصف المشروب مرة واحدة‬

‫هناك مقياس يُس َّم ى مقياس سكوفيل نستخدمه نحن عشاق الطعام الحار لتعيين مدى المذاق الحار للفلفل‪ .‬الكابسيس==ين الص==افي«‬

‫يبلغ نحو ‪ ١٥‬مليون وحدة سكوفيل‪ ،‬والتاباسكو حوالي ‪ .٥٠٠٠٠‬أما رذاذ الفلفل‪ ،‬فهو صحي ويبلغ ثالث==ة ماليين‪ =.‬وه==ذه الم==ادة‬

‫ال تتعدى ‪٢٠٠٠٠٠‬؛ أي مثل فلفل «سكوتش بونيت» لطيف‪ ،‬عملت على إعدادها لم==دة ع==ام تقري ًب==ا‪ .‬وبعض الم==واد القوي==ة ق==د‬
‫تصل إلى مليون أو نحو ذلك؛ أي أقوى عشرين مرة من التاباسكو‪ ،‬وذلك حار للغاي==ة‪ .‬وم=ع ه=ذه ال=درجات من الطع==ام الح=ار‪،‬‬

‫»‪.‬يغمر مخك اإلندورفين تما ًما‪ ،‬وهو أفضل في تخدير الجسم من الحشيش‪ ،‬ويعود عليك بالنفع‬

‫‪.‬بدأ الشعور يعود إلى جيوبي األنفية مجد ًدا‪ =،‬وتمكنت من التنفس دون لهاث‬

‫»‪.‬قالت لي وهي تغمز بعينها‪« =:‬تشعر بمثل هذه النار‪ ،‬بالطبع‪ ،‬عند دخولك دورة المياه‬

‫!يا إلهي‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬أنت مجنونة‬

‫»‪.‬حديث جيد من رجل هوايته تركيب أجهزة الكمبيوتر المحمول‪ ،‬وتحطيمها«‬

‫‪.‬قلت لها‪« :‬أصبتِ»‪ ،‬ولمست جبهتي‬

‫»أخرجت البخاخ‪ ،‬وقالت‪« :‬أترغب في القليل؟‬

‫»!قلت سري ًعا لدرجة جعلت كلينا يضحك‪« :‬مرريه‬

‫عند مغادرتنا للمطعم‪ ،‬وتوجُّ هنا إلى متنزه دولوريس‪ ،‬طوقت خصري بذراعها‪ ،‬واكتشفت أن طولها يتناسب م==ع وض==ع ذراعي‬

‫حول كتفيها‪ .‬وهذا شيء جديد؛ فلم أكن بالشاب الطويل قط‪ ،‬وجميع من واعدتهن كن في نفس طولي؛ الفتيات المراهقات يكبرن‬
‫‪.‬أسرع من الشباب‪ ،‬ما يعد قسوة من الطبيعة‪ .‬كان ذلك لطي ًفا‪ ،‬و َم َنحني شعورً ا ً‬
‫جيدا‬

‫انعطفنا إلى شارع ‪ ،٢٠‬وسرنا نحو متنزه دولوريس‪ ،‬وقبل أن نتقدم خطوة واح=دة‪ ،‬ش==عرنا ب=الطنين‪ ،‬ك=ان أش==به بط==نين ملي=ون‬

‫نحلة‪ .‬تدفق الكثير من الناس إلى المتنزه‪ ،‬وعندما نظرت إليه‪ ،‬رأيت أن ازدحام==ه ق==د زاد مئ==ات الم==رات عم==ا ك==ان علي==ه أثن==اء‬

‫‪.‬توجهي للقاء آنج‬

‫أثارني ذلك المشهد‪ .‬كانت ليلة جميلة‪ ،‬وكنا على وشك االحتفال‪ ،‬االحتفال بحق باألكل والشرب واالبتهاج كما لو أن==ه لن يك==ون‬

‫‪.‬هناك غد‬

‫هرولنا سري ًع ا دون أن ينطق أحدنا بكلمة‪ .‬امتأل المكان برجال الشرطة ذوي الوجوه المت==وترة‪ ،‬لكن م==ا ك==ان بإمك==انهم فع==ل أي‬

‫شيء؛ فأعداد الناس في المتنزه كبيرة‪ .‬لست جي ًدا في حصر أع=داد الحش=ود‪ ،‬لكن الص=حف أش=ارت فيم=ا بع=د إلى أن المنظمين‬

‫‪.‬قالوا إن عدد= الحضور بلغ ‪ ،٢٠٠٠٠‬في حين قال رجال الشرطة إنه كان ‪ ،٥٠٠٠‬ولعل ذلك يعني أنهم كانوا ‪١٢٥٠٠‬‬

‫وأ ًّيا كان العدد‪ =،‬فقد كان أكبر عدد من الناس وقفت بينه في إطار حدث غير قانوني‪ ،‬وغير مح==دد موع==ده‪ ،‬وغ==ير حاص==ل على‬

‫‪.‬تصريح بإقامته‬

‫كنا بينهم في لحظة‪ .‬ال أعتقد أن ذلك الجمع قد ضم أي أحد أكبر من ‪ ٢٥‬عامًا‪ ،‬وإن كنت ال أستطيع الجزم ب==ذلك‪ .‬ك==ان الجمي==ع‬
‫يبتسم‪ .‬وقد ضم أي ً‬
‫ضا بعض صغار السن ممن ال تتجاوز أعمارهم ‪ ١٠‬أو ‪ ١٢‬عامًا؛ ما زاد شعوري باالرتي==اح‪ ،‬فم==ا ك==ان أح==د‬

‫ليفعل أي شيء أحمق وهناك أطفال في هذه السن في المكان‪ .‬ال أحد يرغب في أذى أطفال صغار‪ .‬وك==ان من المتوق==ع فق==ط أن‬

‫‪.‬يكون حفاًل ربيع ًّيا عظيمًا‬


‫اكتشفت أن ما يجب فعله هو التوجه إلى مالعب التنس‪ .‬شققنا طريقنا بحذر وس==ط الجم==ع‪ ،‬ولكي نبقى م ًع= ا أمس==ك ك= ٌّل من==ا بي=د=‬

‫‪.‬اآلخر‪ .‬لم يتطلب بقاؤنا م ًعا تشابك أصابعنا‪ .‬كان ذلك للمتعة فقط‪ ،‬وقد كان ممت ًعا للغاية‬

‫كانت الفِرق الموسيقية كلها داخل مالعب التنس‪ ،‬ومعها اآلالت من الجيتار وأجهزة مزج الصوت واألورج والطبول‪ .‬اكتش==فت‬

‫فيما بعد على شبكة «إكس نت» مجموعة من الصور على موقع فليكر توضح تهريب هذه المعدات إلى داخ==ل المت==نزه‪ ،‬قطع==ة‬

‫تلو األخرى‪ ،‬في حقائب المالبس الرياضية‪ ،‬وتحت المعاطف‪ .‬هذا باإلضافة إلى مكبرات الص=وت الض=خمة‪ ،‬مث=ل ال=تي تراه=ا‬

‫في أماكن إمدادات السيارات‪ ،‬وبينها كومة من بطاريات السيارات‪ .‬ضحكت‪ ،‬فيا لها من براعة! هكذا كانوا سيزودون مع==داتهم‬

‫بالطاقة‪ .‬من حيث وقفت‪ ،‬رأيت أنها بطاريات سيارة هجين==ة ط==راز «ب==ريس»‪ .‬أخ==رج أح==دهم محتوي==ات س==يارة ص==ديقة للبيئ==ة‬

‫لتوفير الطاقة الالزمة للحفل‪ .‬امتدت البطاريات إلى خارج المالعب‪ ،‬وتكومت قبالة السور‪ ،‬وقُيِّدت بالكوم==ة األساس==ية بأس==الك‬

‫‪.‬مع ربطها بحلقة السلسلة‪ .‬أحصيتها … مائتا بطارية! يا للهول! بلغ وزن هذه األشياء ط ًّنا‬

‫ال يمكن أن يكونوا قد نظموا ذلك دون بريد إلكتروني‪ ،‬ومواقع ويكي‪ ،‬وقوائم بريدي==ة‪ ،‬وال يمكن ألف==راد بمث==ل ه==ذا ال==ذكاء فع==ل‬

‫‪.‬ذلك على شبكة اإلنترنت العامة‪ .‬لقد تم كل ذلك على شبكة «إكس نت»‪ ،‬أراهن بعمري على ذلك‬

‫أخذنا نتنقل بين الجموع لفترة من الوقت أثناء استعداد= الفِرق الموسيقية وتش==اورها م==ع بعض==ها البعض‪ .‬رأيت ت==رودي دو على‬

‫بُعد في مالعب التنس‪ .‬بدت وكأنها في قفص‪ ،‬مثل مصارع محترف‪ .‬كانت ترتدي فانلة مقطعة ب==دون أكم==ام‪ ،‬وش==عرها عب==ارة‬

‫عن ضفائر طويلة ذات لون وردي براق تصل إلى خصرها‪ ،‬وترتدي س==روااًل عس==كر ًّيا َّ‬
‫ممو ًه==ا‪ ،‬وح==ذاء ض==خمًا ع==الي الرقب==ة‬
‫ْ‬
‫أمسكت بس==ترة درج==ات بخاري==ة ثقيل==ة ارت==دتها ك==درع‪ ،‬ولعله==ا ك==انت درعً= ا‬ ‫بجزء معدني فوق األصابع‪ .‬وبينما كنت أشاهدها‪،‬‬

‫‪.‬بالفعل‪ ،‬كما فهمت بعد ذلك‬

‫حاولت التلويح لها‪ ،‬ربما ألترك انطبا ًعا لدى آنج‪ ،‬لكنها لم ترني‪ ،‬وبدوت كاألحمق بعض الشيء‪ ،‬فت==وقفت‪ .‬ك=انت الطاق==ة ال=تي‬

‫سرت في الحشد مذهلة‪ .‬نسمع عاد ًة عن «الذبذبات» و«الطاقة» التي تسري في المجموعات الكبيرة من الن==اس‪ ،‬لكن==ك س==تظن‬

‫‪.‬على األرجح أن ذلك صورة بالغية إلى أن تجربه بنفسك‬

‫لكنه ليس صورة بالغية؛ فاالبتسامات على كل وجه كبيرة وتستشري كالعدوى‪ .‬األجسام جميعها تتح==رك قلياًل م==ع إيق==اع غ==ير‬

‫مسموع‪ ،‬واألكتاف تهتز‪ .‬الناس يتمايلون في سيرهم‪ ،‬يتمازحون ويضحكون‪ .‬األصوات كلها يشوبها التوتر والحم==اس‪ ،‬كم==ا ل==و‬

‫‪.‬كانت ألعابًا نارية على وشك االنطالق‪ .‬وال يسعك فعل أي شيء سوى أن تكون جزءًا مما يحدث … ألنك كذلك بالفعل‬

‫عندما بدأت الفرق الموسيقية في العزف‪ ،‬غلب عليَّ تأثير الحش==د الم==تزاحم‪ .‬الع==رض األول ك==ان نو ًع= ا من الموس==يقى الش==عبية‬

‫الصربية لم أعرف كيفية الرقص على إيقاعها‪ .‬أعلم كيف أرقص على نوعين بالضبط من الموسيقى‪ :‬الترانس (أج==ر ق==دميَّ في‬

‫المكان‪ ،‬وأدع الموسيقى تحركني)‪ ،‬والبانك (أرقص وأضرب األرض بقوة حتى تؤلم==ني ق==دماي أو أش==عر باإلره==اق أو يح==دث‬

‫كالهما)‪ .‬والعرض التالي كان لمجموعة من فناني «الهيب هوب» من أوكالند‪ ،‬ي==دعمهم فرق==ة ث==راش ميت==ال‪ .‬وص==عدت بع==دها‬

‫‪.‬فرقة موسيقى بابل جم بوب‪ ،‬ثم فرقة سبيدهورز‪ ،‬وأمسكت ترودي دو بالميكروفون‬
‫اسمي ترودي دو‪ ،‬ومن يثق بي‪ ،‬فهو أحمق‪ .‬أبلغ من العمر اثنين وثالثين عامًا‪ ،‬وبذلك أكون قد تج=اوزت س=ن األهلي==ة للثق==ة‪«.‬‬
‫ً‬
‫مفروغا منه‪ ،‬وأسمح لآلخرين في ال==وقت نفس==ه‬ ‫لقد ضعت‪ ،‬وأنا محاصرة بالطريقة القديمة للتفكير؛ فال أزال أرى حريتي أمرً ا‬
‫ْ‬
‫تحولت إلى ما ه=و أش=به بمعس=كرات عم=ل قس=ري أو س=جون‪ ،‬وتعلم=ون قيم=ة‬ ‫بسلبي إياها‪ .‬أنتم أول جيل يشبُّ في أمريكا وقد‬

‫»!حريتكم تمامًا‬

‫هتفت الجماهير بقوة‪ ،‬وأخذت ترودي تعزف بسرعة وعصبية على أوتار الجيتار‪ ،‬في حين كانت عازفة الب==اس المص==احبة له=ا‬

‫— وهي فتاة بدينة ضخمة البنيان تقص شعرها كالمثليَّات‪ ،‬وترتدي حذاء بوت أضخم من حذاء ترودي‪ ،‬وعلى وجهها ابتسامة‬

‫كبيرة للغاية — تعزف معها بسرعة وقوة‪ .‬أردت أن أقف=ز في مك=اني‪ ،‬فقف=زت‪ ،‬وك=ذلك فعلت آنج‪ .‬أخ=ذنا نتص=بب عر ًق=ا طيل=ة‬

‫المساء‪ ،‬وقد امتأل األفق برائحة عرق أجسامنا ودخ=ان الماريجوان=ا؛ فاألجس=ام الدافئ=ة ك=انت تت=دافع من جمي=ع األنح=اء حولن=ا‪،‬‬

‫‪.‬وأخذت تثب ألعلى أيضًا‬

‫»!صاحت ترودي‪« :‬ال تثق في أحد أكبر من ‪ ٢٥‬عامًا‬

‫‪.‬فأخذنا نردد وراءها أكثر من مرة في صوت أشبه بصوت حيوان ضخم يزأر‬

‫عزفت ترودي بعنف على أوتار الجيتار الذي كانت تمسك به‪ ،‬في حين انضمت إليها عازفة الجيتار األخرى‪ ،‬وهي فتاة ضئيلة‬

‫‪.‬الحجم يمتلئ وجهها بثقوب األقراط‪ ،‬وعلت بصوت موسيقاها إلى أعلى طبقة‬

‫هذه مدينتنا! وهذه بالدنا‪ ،‬ال يمكن إلرهابي أن يسلبنا إياها ما دمنا أحرارً ا‪ .‬وإذا فقدنا هذه الحرية‪ ،‬يك==ون النص==ر لإلره==ابيين‪«.‬‬

‫لنستع ِْد حريتنا! لنستع ِْد حريتنا! فأنتم على درجة كافية من صغر السن والتهور لتعرفوا أنه بإمك==انكم االنتص==ار‪ ،‬وح==دكم يمكنكم‬

‫»!قيادتنا للنصر! لنستع ِْد حريتنا‬


‫‪.‬هتفنا بقوة‪« :‬لنستع ِْد حريتنا!» وهي تعزف بقوة على الجيتار‪ .‬رددنا وراءها‪ ،‬وعال الصوت َّ‬
‫ليهز أرجاء المكان‬

‫•••‬
‫ُ‬
‫رقصت إلى أن بلغت من اإلرهاق درجة عجزت معها عن الرقص ألية خطوة أخرى‪ ،‬ورقصت آنج بجواري‪ .‬كن==ا‪ ،‬في حقيق==ة‬

‫األمر‪ ،‬نحك جسدينا المبللين بالعرق أحدنا باآلخر لعدة ساعات‪ ،‬لكن ذل==ك لم ي==ثرني على اإلطالق‪ ،‬ول==ك أن تص==دق ذل==ك أو ال‬

‫»!تصدقه‪ .‬واصلنا الرقص‪ ،‬وضِ عنا وسط اإليقاع الرائع‪ ،‬والموسيقى‪ ،‬والصياح … «لنستعْ=ِد حريتنا! لنستع ِْد حريتنا‬

‫عندما لم أعد قادرً ا على الرقص‪ ،‬سحبتها من يدها وأحكمت هي قبضتها على يدي كم==ا ل==و كنت أنق==ذها من الس==قوط من س==طح‬

‫أحد المباني‪ .‬سحبتني إلى خارج الحشد حيث كان الهواء أكثر برودة وانتعا ًشا‪ .‬وهناك‪ ،‬على أطراف متنزه دولوريس‪ ،‬وقفنا في‬

‫الهواء البارد والعرق على جسدينا صار بار ًدا كالثلج في الحال‪ .‬سرت القشعريرة في جسدينا‪ ،‬فألقت بذراعيها ح==ول خص==ري‪،‬‬

‫وقالت آمرة‪« :‬لتد ِّفئني!» لم أكن بحاجة لتلميح‪ .‬عانقتها‪ ،‬دوت ضربات قلبها بإيق=اع النغم=ات المتس=ارعة على المس=رح‪ ،‬وال=تي‬

‫‪.‬سارت اآلن سريعة عنيفة ال تصاحبها أية كلمات‬


‫فاحت منها رائحة العرق‪ ،‬رائحة نفاذة قوية رائعة‪ .‬كنت أعلم أن الرائحة نفسها فاحت مني‪ .‬كان أنفي عند قمة رأسها‪ ،‬ووجهه=ا‬

‫كت يديها إلى عنقي وجذب ْته نحوها‬


‫‪.‬أمام الترقوة لدي بالضبط‪ .‬حرَّ ْ‬

‫‪.‬قالت‪« :‬انزل إلى هنا‪ ،‬فلم أحضر معي سلمًا»‪ ،‬حاولت االبتسام‪ ،‬لكن من الصعب فعل ذلك أثناء التقبيل‬

‫كما قلت من قبل‪ ،‬لم أقبِّل في حياتي سوى ثالث فتيات‪ ،‬منهن اثنتان لم ُتقبِّال أح ًدا من قبل‪ ،‬والثالثة اعتادت المواعدة من =ذ= ك==انت‬

‫‪.‬في الثانية عشرة من عمرها‪ ،‬وكانت تعاني من مشكالت نفسية‬

‫دس=ته‬
‫لم تشبه قبلة آنج قبلة أيٍّ منهن؛ فقد جعلت فمها كله ناعمًا‪ ،‬مثل القلب الناضج ألي==ة ثم==رة‪ ،‬ولم تقحم لس==انها في فمي‪ ،‬ب==ل َّ‬
‫ً‬
‫واحدا‪ .‬س=معت نفس=ي أت=أوه‪،‬‬ ‫برقة‪ ،‬ومصت شفتيَّ إلى داخل فمها في الوقت ذاته‪ ،‬فشعرت كما لو أن فمي وفمها قد صارا كيا ًنا‬

‫‪.‬جذبتها نحوي واحتضنتها بقوة أكبر‬

‫بهدوء ورقة‪ ،‬نزلنا على الحشائش‪ .‬رقدنا على جانبينا‪ ،‬تعلق ك= ٌّل م َّنا ب==اآلخر ونحن نتب==ادل القُب==ل‪ .‬اختفى الع==الم من حولن==ا‪ ،‬ولم‬
‫َ‬
‫‪.‬يبق سوى القبل‬

‫وصلت يداي إلى مؤخرتها‪ ،‬خص=رها‪ ،‬ثم ط=رف قميص=ها … بطنه=ا الدافئ=ة وس=رتها الناعم=ة‪ ،‬ثم ارتفعت ي=داي ألعلى ببطء‪.‬‬

‫‪.‬تأوهت هي األخرى‬

‫قالت‪« :‬ليس هنا‪ ،‬لننتقل إلى هناك‪ ».‬وأشارت إلى الجانب اآلخر من الشارع؛ حيث كنيسة كبيرة بيضاء هي التي منحت مت==نزه‬

‫«ميشن دولوريس» وحي ميشن اسمهما‪ .‬أمسك ك ٌّل منا بيد اآلخ==ر‪ ،‬وتحركن==ا س==ريعًا ع==ابرين الطري==ق إلى الكنيس==ة‪ .‬اص==طفت‬
‫ً‬
‫ثانية‪ .‬امتدت يداي في سرعة وج==رأة‬ ‫أمامها أعمدة ضخمة‪ .‬دفعتني ألستند بظهري على أحد هذه األعمدة‪ ،‬وسحبت وجهي إليها‬

‫‪.‬إلى قميصها‪ ،‬ورفعته ألخلعه عنها‬

‫همست في فمي‪ُ « :‬تخلَ ع من الخلف‪ ».‬أثارني ذلك بشدة‪ .‬مددت يدي إلى ظهرها القوي العريض‪ ،‬وع==ثرت أص==ابعي المرتعش==ة‬

‫على اإلبزيم‪ .‬تحسسته قلياًل في ارتباك‪ ،‬متذكرً ا كل النكات ح==ول م==دى س==وء الرج==ال في ف==ك ص==درية النس==اء‪ .‬وق==د كنت س==ي ًئا‬

‫متحسس=ا ن=داوة إبطيه=ا — م=ا ك=ان مث==يرً ا وليس مث=يرً ا‬


‫ً‬ ‫بالفع==ل‪ ،‬لكنه=ا فُ َّكت فج=أة‪ ،‬فله َث ْ‬
‫ت في فمي‪ .‬م=ررت ي=ديَّ على جس==مها‬

‫‪.‬لالشمئزاز لسبب ما — ثم جان َبي نهديها‬

‫‪.‬حينئذٍ‪ ،‬انطلقت صفارات اإلنذار‬

‫كان صوتها أعلى من أي شيء سمعته من قبل‪ ،‬صوت أشبه باهتياج بدني‪ ،‬كما لو أن شي ًئا يخلعك من مكانك … أعلى ص==وت‬

‫‪.‬يمكن ألذنيك أن تتعامل معه‪ ،‬بل وأعلى‬

‫»!عال صوت مدوٍّ ‪« :‬تفرقوا في الحال‬

‫»!هذا تجمع غير قانوني‪ .‬تفرقوا في الحال«‬

‫‪.‬توقفت الفرقة الموسيقية عن العزف‪ ،‬وتغير ضجيج الحشد في االتجاه المقابل من الشارع‪ .‬شعروا بالذعر والغضب‬

‫‪.‬سمعت صوت طقطقة عند تشغيل مكبرات الصوت في السيارات‪ ،‬وبطاريات السيارات في مالعب التنس‬
‫»!لنستع ِْد حريتنا«‬

‫‪.‬كان هتا ًفا متحديًا يشبه صوت الصياح عند ركوب األمواج أو السقوط من أعلى جرف‬

‫»!لنستع ِْد حريتنا«‬

‫‪.‬هدر الجمع بصوت اقشعرَّ له بدني‪ ،‬وأخذوا يرددونه مرارً ا وتكرارً ا‬

‫تحركت قوات الشرطة في صفوف حاملين درو ًعا بالستيكية‪ =،‬ومرتدين خوذات كخوذة دارث فيدر في فيلم حرب النج==وم ال==تي‬

‫تغطي الوجه بالكامل‪ ،‬وحمل ك ٌّل منهم هراوة سوداء ونظارة لألشعة تحت الحمراء‪ .‬ب=د َْوا كجن==ود في فيلم ح==ربي ت==دور أحداث==ه‬

‫في المستقبل‪ .‬تقدموا خطوة لألمام معً ا‪ ،‬وضرب ك ٌّل منهم بهراوته على الدرع التي كانت معه ليطل==ق ص==وت طقطق==ة كانش==قاق‬

‫‪.‬األرض‪ .‬ومع كل خطوة‪ ،‬طقطقة أخرى‪ .‬وصاروا بذلك يحاصرون المتنزه من كل جانب‪ ،‬وأخذوا يقتربون‬
‫ً‬
‫ثانية ‪« :‬تفرقوا في الحال!» حينذاك حلقت مروحيات فوق المكان‪ ،‬لكن دون أضواء غامرة‪ .‬لم يكن ارتداء‬ ‫عال الصوت المدوي‬

‫داع‪ ،‬فق=د ك=انت هن=اك أجه=زة منظ=ار باألش=عة تحت الحم=راء في الس=ماء‬
‫قوات الشرطة لنظارات األش=عة تحت الحم=راء دون ٍ‬
‫ُ‬
‫سحبت آنج قبالة بوابة الكنيسة لنختفي عن نظر رجال الشرطة والمروحيات‬ ‫‪.‬أيضًا‪.‬‬

‫دوى صوت في مكبرات الصوت قائاًل ‪« :‬لنستع ِْد حريتن==ا!» ك==ان ص==وت ص==ياح ت==رودي دو الث==وري‪ ،‬وس==معت ص==وت أوت==ار‬

‫‪.‬جيتارها‪ ،‬ثم َع ْزف الطبول‪ ،‬ومن بعده صوت باس عمي ًقا‬

‫‪.‬ردد الحشد‪« :‬لنستع ِْد حريتنا!» وخرجوا من المتنزه ليصلوا إلى صفوف الشرطة‬

‫لم أشهد حربًا من قبل‪ ،‬لكنني علمت في تلك اللحظات ما تكون عليه بالتأكيد‪ .‬علمت ما يكون عليه الح==ال عن==دما ينطل==ق ش==باب‬

‫خائف في هجوم عبر ميدان القتال تجاه قوة معادية‪ ،‬وهم يعلم=ون م=ا س=يحدث لهم‪ ،‬لكنهم يركض=ون في وج==ه الع=دو رغم ذل=ك‬

‫‪.‬ويصيحون في حماس‬

‫عال الصوت المدوي‪« :‬تفرقوا في الحال!» كان صادرً ا من الشاحنات المتوقفة حول المت==نزه‪ ،‬وهي الش==احنات ال==تي دخلت إلى‬

‫‪.‬المكان خالل الثواني القليلة الماضية‬

‫كان ذلك عندما غشي المكان ما يشبه الضباب الرقيق والذي صدر عن المروحي==ات‪ ،‬وكن==ا على حافت==ه‪ .‬تس==بب ه==ذا الش=يء في‬

‫‪.‬شعوري بأن أعلى رأسي على وشك االنفجار‪ ،‬وبوخز في الجيوب األنفية‪ ،‬وتورم ودموع في عينيَّ ‪ ،‬وانسداد في حلقي‬

‫‪.‬كان كرذاذ الفلفل‪ ،‬وقوته ال تبلغ ‪ ٢٠٠‬ألف وحدة سكوفيل‪ ،‬وإنما مليو ًنا ونص ًفا‪ .‬لقد استخدمته الشرطة ضد الحشد‬

‫لم أر ما حدث بعد ذلك‪ ،‬لكنني س=معت م=ا طغى على ص=وت اختن=اقي أن=ا وآنج‪ ،‬وتعل=ق ك= ٌّل من=ا ب=اآلخر‪ .‬أواًل ص=وت اختن=اق‬

‫‪.‬ومحاولة تقيؤ‪ ،‬ثم تو ُّقف صوت الجيتار والطبول والباس‪ ،‬ثم سعال‬

‫‪.‬تال ذلك صوت صراخ‬


‫اس==تمر الص==راخ ط==وياًل ‪ ،‬وعن==دما تمكنت من النظ==ر ثاني= ً‬
‫=ة‪ ،‬وج==دت الش==رطة ق==د س==لطت أجه==زة المنظ==ار على جب==اه الش==باب‪،‬‬

‫والمروحيات قد غمرت متنزه دولوريس باألنوار حتى صار الوقت أشبه بالصباح‪ .‬توجهت األنظار كلها إلى المت==نزه‪ ،‬م==ا ك==ان‬

‫‪.‬أمرً ا جي ًدا؛ ألنه مع كل هذه األضواء‪ ،‬صرت أنا وآنج مرئيين تمامًا‬

‫‪.‬قالت آنج‪« :‬ماذا سنفعل؟» كان صوتها مكتومًا خائ ًف ا‪ .‬لم أثق في قدرتي على التحدث للحظة‪ ،‬وأخذت أبتلع ريقي عدة مرات‬

‫أجبتها‪« :‬نبتعد‪ ،‬هذا كل ما يمكننا فعله‪ :‬االبتعاد عن هنا‪ ،‬كما لو كنا نمر بالمكان فحسب‪ .‬ونتوجه إلى المتنزه‪ ،‬ثم نستدير يس==ارً ا‬

‫»‪.‬حتى نصل إلى شارع ‪ ،١٦‬كما لو كنا مارين فقط‪ ،‬وال عالقة لنا بما يحدث‬
‫»‪.‬لن ينجح ذلك ً‬
‫أبدا«‬

‫»‪.‬هذا كل ما يمكنني التفكير فيه«‬

‫»أال تعتقد أنه يجدر بنا الركض؟«‬

‫كال‪ ،‬إذا ركضنا فسيطاردوننا‪ ،‬لكننا إذا سرنا فربما سيعتقدون أننا لم ن==رتكب أي ج==رم‪ ،‬وي==دعوننا وش==أننا‪ .‬هن==اك الكث==ير ممن«‬
‫»‪.‬عليهم اعتقالهم‪ .‬سيشغلهم ذلك طوياًل‬

‫امتأل المتنزه باألفراد الذين أخذوا يلهثون وينبشون بأظافرهم وجوه رج==ال الش==رطة‪ .‬س==حبتهم الق==وات من آب==اطهم‪ ،‬ثم وض==عت‬

‫‪.‬األغالل البالستيكية في معاصمهم‪ ،‬ودفعتهم إلى داخل الشاحنات كما لو كانوا ُدمًى‬

‫»سألتها‪« :‬حس ًنا؟‬

‫»‪.‬فأجابت‪« :‬حس ًنا‬

‫وهذا ما فعلناه بالضبط‪ .‬أمسك ك ٌّل منا بيد اآلخر‪ ،‬وسرنا سري ًعا على نح==و يظه==ر أنن==ا في عجل==ة من أمرن==ا‪ ،‬كم==ا ل==و كن==ا اث==نين‬

‫يرغبان في تجنب مشكالت يحدثها آخرون‪ .‬وهي الطريقة نفسها التي تتبعها عندما تحاول التظاهر بأنك لم تر متسواًل ما‪ ،‬أو ال‬

‫‪.‬ترغب في التورط بأحد الشجارات في الشارع‬

‫‪.‬ونجحنا‬

‫وصلنا إلى ناصية الشارع‪ ،‬وتابعنا المسير‪ .‬لم يجرؤ أيٌّ م َّنا على التحدث حتى تجاوزنا مربعين سكنيين‪ .‬وأخيرً ا‪ ،‬أخرجت نفسً ا‬

‫‪.‬لم أكن أعلم أنني كنت أحبسه‬

‫بلغنا شارع ‪ ،١٦‬وانعطفنا نحو شارع ميشن‪ .‬كان ذلك الحي‪ ،‬في المعتاد‪ ،‬مخي ًفا للغاية في الثانية صباحً ا ي==وم الس==بت‪ ،‬لكن==ه في‬

‫تلك الليلة‪ ،‬بعث على الراحة بمن يملئونه من مدمني المخ==درات وتجاره==ا‪ ،‬والع=اهرات‪ ،‬والس==كارى‪ .‬لم يكن ب==ه رج=ال ش==رطة‬

‫‪.‬بهراوات أو قنابل غاز‬

‫»سألتها‪ ،‬ونحن نستنشق هواء الليل‪« :‬أترغبين في بعض القهوة؟‬

‫»‪.‬فأجابت‪« :‬المنزل‪ .‬ما أرغب فيه اآلن هو العودة للمنزل‪ ،‬والقهوة فيما بعد‬
‫وافقتها الرأي‪ .‬كانت تعيش في شارع هايز فالي‪ .‬وقعت عيني على س==يارة أج=رة ك==انت تم==ر أمامن==ا‪ ،‬فص=حت مح==اواًل إيقافه==ا‪.‬‬

‫‪.‬كانت هذه معجزة إلى حد ما؛ فمن الصعب العثور على سيارة أجرة عند الحاجة إليها في سان فرانسيسكو‬

‫»هل معكِ ما يكفي من المال لدفع األجرة؟«‬

‫‪.‬فر َّد ت باإليجاب‪ .‬نظر قائد السيارة إلينا من النافذة‪ .‬فتحت الباب الخلفي للسيارة حتى ال يرحل‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬تصبحين على خير‬

‫‪.‬وضعت يديها خلف رأسي‪ ،‬وجذبت وجهي نحوها‪ .‬قبَّلتني بقوة في فمي‪ ،‬لم تكن قبلة مثيرة جنس ًّيا‪ ،‬لكنها حميمية‬

‫‪.‬همست في أذني‪« :‬تصبح على خير»‪ ،‬ودخلت السيارة سريعً ا‬

‫توجهت إلى المنزل‪ ،‬وقد أصابني الدوار‪ ،‬وكانت عيناي ت==دمعان‪ =،‬ومزق==ني الش==عور ب==الخزي؛ ل==تركي ك==ل أولئ==ك المس==تخدمين‬

‫‪.‬لشبكة «إكس نت» تحت رحمة رجال وزارة األمن الوطني وشرطة سان فرانسيسكو‬

‫•••‬

‫‪.‬صبيحة يوم اإلثنين‪ ،‬كان فريد بينسان يقف خلف مكتب السيدة جالفيس‬

‫وما إن جلسنا على مقاعدنا حتى قال‪« :‬السيدة جالفيس لن تدرس لكم هذه المادة من اآلن فصاع ًدا‪ ».‬تمتع بينسان بن==برة ص==وت‬

‫تنم عن الثقة بالنفس‪ ،‬وهي ما الحظته على الفور‪ .‬انحنيت لألمام ألتحقق مما يفعله تشارلز‪ ،‬فوجدت==ه يبتس=م كم=ا ل=و ك=ان الي=وم‬

‫‪.‬عيد ميالده‪ ،‬وحصل على أفضل هدية في العالم‬

‫‪:‬رفعت يدي‪ ،‬وسألت‬

‫»لماذا؟«‬

‫فأجاب دون حتى أن يحاول إخفاء مدى سعادته‪« :‬تنص سياسة المجلس على عدم مناقشة ش==ئون الم==وظفين م==ع أح==د فيم==ا ع==دا‬

‫»‪.‬الموظف نفسه ولجنة التأديب‬

‫وواصل الحديث قائاًل ‪« :‬سنبدأ وح=دة جدي=دة الي==وم ح=ول األمن الوط=ني‪ .‬تحت=وي أجه=زة الكم==بيوتر المحمول==ة ال=تي معكم على‬

‫»‪.‬النصوص الجديدة‪ .‬افتحوها‪ ،‬رجاءً‪ ،‬وانتقلوا إلى الشاشة األولى‬

‫كانت الشاشة األولى مزينة بشعار وزارة األمن الوط==ني‪ ،‬والعن==وان الت==الي‪« :‬م=ا يجب على ك==ل أم=ريكي معرفت==ه بش=أن األمن‬

‫»‪.‬الوطني‬

‫‪.‬أردت إلقاء الكمبيوتر على األرض‬

‫•••‬
‫ً‬
‫جالس=ا‬ ‫رتبت لقا ًء مع آنج بعد دوام المدرسة في مقهى بالحي الذي تعيش فيه‪ .‬قف==زت في أح==د قط==ارات ب==ارت‪ ،‬ووج==دت نفس==ي‬

‫خلف رجلين يرتديان بذلتين‪ =.‬كانا ينظران في صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» التي خصصت صفحة كاملة لخبر «ش==غب‬
‫الشباب» في متنزه ميشن دولوريس‪ .‬كانا يتهامسان حول الخبر‪ ،‬ثم قال أحدهما لآلخر‪« :‬إنهم كمن تعرض==وا لغس==يل مخ أو م==ا‬

‫»شابه‪ .‬يا إلهي! هل كنا يومًا بهذا الغباء؟‬

‫‪.‬نهضت‪ ،‬وانتقلت لمقعد آخر‬


‫الفصل الثالث عشر‬
‫أهدي هذا الفصل إلى سلسلة متاجر كتب بوكس‪-‬إيه‪-‬مليون الضخمة التي تنتشر في جميع أنحاء الواليات المتح==دة‪ .‬ك==انت بداي==ة‬

‫معرفتي بهذه السلسلة أثناء إقامتي في أحد الفنادق في مدينة= «تيرا هوت» في إن==ديانا (ك==ان من المخط==ط أن ألقي خطا ًب==ا الح ًق==ا‬

‫في ذلك اليوم بمعهد روز هولمان للتكنولوجيا)‪ .‬كان المتجر بجوار الفندق‪ ،‬وكنت بحاج==ة ح ًّق==ا لش==يء أق==رؤه‪ ،‬م==رَّ على س==فري‬

‫على الطريق شهر كامل‪ ،‬وقرأت كل ما كان في حقيبتي رغم أنه كان ال يزال أمامي خمس م==دن أخ==رى عليَّ زيارته==ا قب==ل أن‬

‫أعود لدياري‪ .‬عندما حدقت في األرفف‪ ،‬عرضت عليَّ إحدى الموظفات في المتجر المس==اعدة‪ .‬كنت آن==ذاك ق==د س==بق لي العم==ل‬

‫في متاجر للكتب‪ ،‬وعلمت أن موظ ًفا مطل ًع ا في متجر للكتب أمر رائع للغاية؛ لذا قلت لها‪« :‬بالتأكيد»‪ ،‬وبدأت أشرح لها ذوقي‪،‬‬

‫طارحً ا أسماء المؤلفين الذين أستمتع بكتاباتهم‪ ،‬فابتسمت وقالت‪« :‬لدي الكتاب الذي تبحث عنه‪ ».‬وذهبت لتحضر لي نسخة من‬

‫روايتي األولى «هائم في المملكة الساحرة»‪ .‬أخذت أضحك‪ ،‬وقدمت لها نفسي‪ ،‬وتبادلنا أطراف حديث رائع عن الخيال العلمي‬
‫!حتى إنني تأخرت على موعد الخطاب الذي كنت سألقيه‬

‫***‬

‫»‪.‬قالت آنج في اشمئزاز‪« :‬عاهرات‪ ،‬بل في الواقع هذه إهانة للعاهرات الكا َّدات في كل مكان‪ ،‬إنما هم نفعيون‬

‫كن==ا ننظ==ر في مجموع==ة من الص==حف ال==تي اش==تريناها وجلبناه==ا إلى المقهى‪ .‬تض==منت جميعه==ا أخب==ارً ا عن الحف==ل في مت==نزه‬

‫دولوريس جعلته يبدو كحفل لمجموعة من الشباب المعربدين السكارى الذين ه=اجموا الش=رطة‪ .‬وص=فت ص=حيفة «ي=و إس إي=ه‬

‫توداي» ما أسفر عنه «الشغب» من تكلفة‪ ،‬وتضمن ذلك تكلفة تنظيف مخلفات رذاذ الفلف=ل الناتج==ة عن قناب==ل الغ=از‪ ،‬وأزم=ات‬

‫الربو التي مأل المصابون بها غرف الطوارئ بمستشفيات المدينة‪ ،‬هذا فضاًل عن تكلفة التعامل مع ‪« ٨٠٠‬مثير للش==غب» أُلقي‬

‫‪.‬القبض عليهم‬

‫‪.‬لم تناصرنا أية صحيفة‬

‫قلت له==ا‪« :‬الحقيق==ة على ش==بكة إكس نت‪ ».‬كنت ق==د حفظت مجموع==ة من الم==دونات ومق==اطع الفي==ديو والص==ور على ه==اتفي‪،‬‬

‫فعرضتها عليها‪ .‬تضمنت تلك المواد روايات لشهود عيان ض ُِربوا وتعرضوا لقناب=ل الغ==از‪ .‬وأوض=ح الفي==ديو أنن=ا كن=ا ن=رقص‪،‬‬

‫ونلهو‪ ،‬ونلقي خطبًا سياسية سلمية‪ ،‬ونهتف بعبارة «لنستعْ=ِد حريتنا!» وترودي دو تحدثنا عن أننا الجي==ل الوحي==د ال==ذي يمكن أن‬

‫‪.‬يؤمن بالصراع من أجل نيل حريته‬

‫»‪.‬قالت‪« :‬علينا تعريف الناس بذلك‬

‫»‪.‬فأجبتها باكتئاب‪« :‬نعم‪ ،‬هذه نظرية جيدة‬

‫»حس ًنا‪ ،‬لماذا في اعتقادك ال تتخذ الصحافة جانبنا مطل ًقا؟«‬

‫»‪.‬ألن من بها عاهرات‪ ،‬كما قلتِ«‬


‫نعم‪ ،‬لكن العاهرات يفعلن ما يفعلن من أجل المال‪ ،‬ويمكن للصحافة بيع المزيد من الص==حف واإلعالن==ات إذا عرض==وا خال ًف==ا«‬

‫»‪.‬ما‪ ،‬لكن كل ما يعرضونه اآلن هو جريمة‪ ،‬أما الخالف فهو أكبر بكثير‬

‫حس ًنا‪ ،‬فهمت ما تقصدينه‪ =.‬لماذا إذن ال يفعلون ذلك؟ يكاد الصحفيون ال يبحثون في الم==دونات‪ ،‬ناهي==ك عن تتب==ع ش==بكة «إكس«‬

‫»‪.‬نت»؛ فهي ليست بالمكان المالئم للبالغين‬

‫»قالت‪« :‬نعم‪ ،‬يمكننا تغيير ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫»ماذا؟«‬

‫اكتب كل شيء‪ ،‬وضعه في مكان واحد‪ ،‬مع كل الروابط‪ .‬مكان واحد يمكنك الرج==وع إلي==ه يه==دف ألن تص==ل إلي==ه الص==حافة‪«،‬‬

‫وتتضح لها الصورة كاملة‪ .‬وصِ له بتعليمات االستخدام على شبكة إكس نت‪ .‬يمكن لمستخدمي اإلن==ترنت الوص==ول إلى الش==بكة‪،‬‬

‫»‪.‬شريطة أال يكونوا يهتمون بمعرفة وزارة األمن الوطني لما يتصفحونه‬

‫»أتعتقدين أن ذلك سينجح؟«‬

‫»‪.‬نعم‪ ،‬وإن لم ينجح‪ ،‬ففعله أمر إيجابي«‬

‫»ولماذا سيستمعون إلينا؟«‬

‫»ومن ال يستمع إلى مايكي؟«‬

‫أنزلت القهوة من يدي‪ ،‬أمسكت بهاتفي‪ ،‬ووضعته في جيبي‪ .‬نهضت من مكاني‪ ،‬ورحلت سريعً ا‪ .‬خرجت من المقهى‪ ،‬واخ==ترت‬

‫‪.‬اتجاهًا عشوائ ًّي ا‪ ،‬وواصلت المسير‪ .‬توتر وجهي‪ ،‬وتدفق الدم إلى معدتي التي اضطربت بدورها‬
‫أخذت أفكر‪« :‬إنهم يعلمون من َ‬
‫أنت ‪ .‬يعلمون من هو مايكي‪ ».‬إذا اكتشفت آنج ذلك‪ ،‬فمعناه أن وزارة األمن الوطني قد توصلت‬
‫إليه أي ً‬
‫ض ا‪ .‬لقد هلكت‪ .‬علمت منذ إطالق سراحي من شاحنة وزارة األمن الوطني أنه سيأتي اليوم الذي يلقون القبض في==ه علي‪،‬‬

‫‪.‬ويقصونني لألبد بإرسالي إلى حيث ذهب داريل‬

‫‪.‬لقد انتهى كل شيء‬

‫‪.‬كادت آنج تمسك بي عند وصولي إلى شارع ماركت‪ ،‬وكانت تلهث بشدة‪ ،‬وبدا عليها الغضب الشديد‬

‫»قالت‪« :‬اللعنة‪ ،‬ماذا حدث؟‬

‫‪.‬أبعدتها عني‪ ،‬وواصلت السير‪ .‬لقد انتهى كل شيء‬


‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬وقالت‪« :‬توقف يا ماركوس‪ ،‬إنك تخيفني‪ .‬باهلل عليك‪ ،‬لتتحدث إليَّ‬ ‫»‪.‬أمسكت بي‬

‫توقفت‪ ،‬ونظرت إليها‪ .‬اهتزت صورتها أمام عينيَّ ‪ .‬لم يمك ِّني التركيز على أي ش=يء‪ ،‬وش==عرت برغب=ة في القف=ز إلى منتص=ف‬

‫‪.‬الطريق أمام إحدى عربات الترام التي كانت تمر سري ًعا بجوارنا؛ إذ كنت أفضل الموت على القبض علي مرة أخرى‬

‫صاحت آنج باسمي‪ ،‬ثم فعلت شي ًئا ال أرى الناس يفعلونه إال في األفالم؛ لق==د ص==فعتني … ص==فعتني ص==فعة قوي==ة على وجهي‪،‬‬

‫»!وقالت‪« :‬فلت ِجبْني‪ ،‬عليك اللعنة‬


‫‪.‬نظرت إليها‪ ،‬ووضعت يدي على وجهي الذي شعرت فيه بوخز شديد‬

‫ت بهوي==تي‪ ،‬فق==د انتهى ك==ل ش==يء‪.‬‬


‫قلت لها‪« :‬ليس من المفترض أن يعلم أحد بهويتي‪ ،‬ه==ذا ك==ل م==ا في األم==ر ببس==اطة‪ .‬إذا علم ِ‬
‫»‪.‬بمجرد أن يعلم اآلخرون بهويتي‪ ،‬فقد انتهى كل شيء أيضًا‬

‫يا إلهي! أنا آسفة‪ .‬السبب الوحيد وراء معرفتي بهويتك= هو ابتزازي لخولو‪ .‬بعد الحفل‪ ،‬تتبعتك قلياًل في محاولة لمعرفة ما إذا«‬

‫كنت شخصً ا لطي ًفا ح ًّقا كما بدا عليك أم أنك قاتل متخفٍّ ‪ .‬مضى على معرف=تي بخول=و ف=ترة طويل=ة‪ ،‬وعن=دما س=ألته عن=ك‪ ،‬أخ=ذ‬

‫يتحدث عنك كما لو كنت أحد العظماء‪ ،‬لكنني استشعرت أن ثمة شي ًئا يخفيه عني‪ ،‬فقد مضى على معرفتنا ف==ترة طويل==ة‪ ،‬وك==ان‬

‫يواعد أختي الكبرى في معسكر الكمبيوتر عندما كان ص==غيرً ا في الس==ن‪ .‬كنت أعلم عن==ه بعض األم==ور الس==يئة‪ ،‬فأخبرت==ه أن==ني‬

‫»‪.‬سأفضح أمره إذا لم يخبرني‬

‫»‪.‬وبالتالي أخبركِ «‬

‫»‪.‬كال‪ ،‬أخبرني أن أذهب للجحيم‪ .‬ثم أطلعته على شيء يتعلق بي لم أخبره ألحد من قبل قط«‬

‫»ما هو؟«‬

‫نظرت إليَّ ‪ ،‬ثم حولنا‪ ،‬ثم إليَّ ثانية‪ ،‬وقالت‪« :‬حس ًنا‪ ،‬لن أجعلك تقسم على الحفاظ على السر ألن ذلك ال معنى له؛ فأن==ا إم==ا أث==ق‬

‫»‪.‬بك وإما ال‬


‫الع==ام الماض==ي …» ت==وقفت لحظ==ات‪ ،‬ثم اس==تطردت قائل= ً‬
‫=ة‪« :‬الع==ام الماض==ي‪ ،‬س==رقت االختب==ارات القياس==ية‪ ،‬ونش==رتها على«‬
‫ً‬
‫مص=ادفة بج=وار مكتب الن=اظر‪ ،‬ورأيت االختب=ارات في خزينت=ه‪ ،‬والب=اب مفت=وح‪،‬‬ ‫اإلنترنت‪ .‬كان ً‬
‫لهوا ال أكثر‪ ،‬فقد كنت أس=ير‬

‫فدخلت سري ًعا إلى المكتب حيث كانت ست نسخ‪ ،‬وضعت إحداها في حقيبتي‪ ،‬وغادرت المك==ان‪ .‬وعن==دما وص==لت إلى الم==نزل‪،‬‬

‫»‪.‬مسحتها ضوئ ًّي ا‪ ،‬ورفعتها على أحد خوادم حزب القراصنة في الدنمارك‬

‫ت من فعل ذلك؟«‬
‫»هل أن ِ‬
‫»‪.‬تورد وجهها خجاًل ‪ ،‬وقالت‪« :‬نعم‬

‫يا للهول!» كان ذلك خبرً ا مذهاًل ؛ فقد صرح مجلس التعليم أن اختبارات قانون «تحس==ين تعليم األطف==ال» ق==د تكل==ف وض==عها«‬

‫عشرات الماليين من الدوالرات‪ ،‬وسيضطر المجلس إلنفاق هذا المبلغ ثاني==ة بع==د تس==رب االختب==ارات‪ ،‬ووص==فوا الح==ادث بأن==ه‬

‫«إرهاب تعليمي»‪ .‬واستمرت التنبؤات بال نهاية في األخبار بش==أن ال==دوافع السياس==ية لمُس==رِّ ب االختب==ارات‪ ،‬وم==ا إذا ك==ان ذل==ك‬
‫ً‬
‫ساخطا‬ ‫صا‪ ،‬أو متعه ًدا حكوم ًّيا‬
‫‪.‬احتجاجً ا من أحد المدرسين‪ ،‬أو كان المسئول أحد الطالب‪ ،‬أو ل ًّ‬
‫»هل «أنتِ» من فعل ذلك؟«‬

‫»‪.‬نعم‪ ،‬أنا«‬

‫ت خولو بذلك«‬
‫»… وأخبر ِ‬
‫ألنني أردته أن يتأكد من أنني سأحافظ على السر‪ .‬وإذا اطلع على سري‪ ،‬فسيكون لديه م==ا يمكن==ه اس==تخدامه ض==دي لل==زج بي«‬

‫»‪».‬في السجن إذا فتحت فمي‪ .‬شيء مقابل شيء‪ ،‬كما ورد في حوار في فيلم «صمت الحمالن‬

‫»‪.‬فأخبركِ «‬

‫»‪.‬كال‪ ،‬لم يفعل«‬

‫»… لكن«‬

‫»‪.‬أخبرته بعد ذلك بمدى إعجابي بك‪ ،‬وما كنت أنويه من أن أجعل من نفسي أضحوكة بفرض نفسي عليك‪ .‬حينذاك‪ ،‬أخبرني«‬

‫‪.‬لم أتمكن من قول أي شيء آنذاك‪ .‬نظرت ألسفل على أصابع قدمي‪ ،‬فجذبت آنج يديَّ ‪ ،‬وضغطت عليهما‬
‫أعتذر عن ضغطي على خولو الستخالص هذه المعلومات منه‪ .‬قرار اطالعي عليها كان لك‪ ،‬هذا إن اتخذت َ‬
‫أنت هذا الق==رار«‬

‫»… على اإلطالق‪ .‬فما كان لي أن‬

‫ت‬
‫»‪.‬قلت لها‪ ،‬وقد بدأت أهدأ بعد أن عرفت كيف علمت بهويتي‪« :‬كال‪ ،‬من الجيد أن تعرفي … أن ِ‬
‫»‪.‬فقالت‪« :‬أنا … كما عهدتني‬

‫»‪.‬حس ًنا‪ ،‬يمكنني تقبل ذلك‪ .‬لكنْ ثمة شيء آخر«‬

‫»ما هو؟«‬

‫ما من سبيل لقول ما سأقوله دون أن أبدو أحمق‪ ،‬فسأقوله وحسب‪ .‬يتواعد الن==اس — أو أ ًّي=ا ك=ان م=ا نفعل=ه — ثم ينفص=لون‪«.‬‬

‫وعندما ينفصلون‪ ،‬يغضبون من بعضهم البعض‪ ،‬ويصل األمر لحد الكراهية في بعض األحي=ان‪ .‬التفك=ير في ح=دوث ذل=ك بينن=ا‬

‫»‪.‬نوع من برود المشاعر ح ًّقا‪ ،‬لكن — كما تعلمين — علينا التفكير في هذا االحتمال‬

‫أعدك بصدق أال أفشي سرك مهما كان ما ستفعله معي … أ ًّي==ا ك==ان ذل==ك‪ :‬خي==انتي م==ع فري==ق مش==جعات على س==ريري وأمي«‬
‫َ‬
‫شاهدة على ذلك … إرغ=امي على س=ماع بريت=ني س=بيرز … ت=دمير الكم=بيوتر المحم=ول الخ=اص بي‪ ،‬وتحطيم=ه بالمط=ارق‪،‬‬

‫»‪.‬وإغراقه في ماء البحر‪ .‬أعدك بذلك‪ ،‬أ ًّيا كان ما ستفعله معي على اإلطالق‬

‫»‪.‬تنفست الصعداء‪ ،‬وقلت‪« :‬حس ًنا‬

‫‪.‬فقالت‪« :‬يمكنك تقبيلي اآلن»‪ ،‬ورفعت وجهها ألعلى‬

‫•••‬

‫كان المشروع المهم التالي لمايكي على شبكة «إكس نت» هو إعداد ملخص للروايات الخاصة بحفل «ال تثق في أحد أكبر من‬

‫‪ ٢٥‬عامًا» في متنزه دولوريس‪ .‬صممت أكبر وأفضل موقع يمكنني تصميمه‪ ،‬وخططت فيه أقسامًا توض==ح الح==دث م==ع تحدي==د‬

‫‪.‬الموقع والوقت والتصنيف (مثل‪ :‬عنف الشرطة‪ ،‬رقص‪ ،‬في أعقاب الحفل‪ ،‬غناء)‪ .‬وحمَّلت الحفل الغنائي بأكمله‬

‫‪.‬وكان ذلك ما فعلته طوال ما تبقى من تلك الليلة‪ ،‬والليلتين التاليتين‬


‫مألت االقتراحات صندوق بريدي من صور التقطها المُرسِ لون بما معهم من كاميرات وهواتف‪ .‬وص==لت إليَّ بع==د ذل==ك رس==الة‬

‫بريد إلكتروني من اسم أعرفه‪ ،‬وهو دكتور إييفل‪ ،‬أحد القائمين الرئيسيين على تحديث نظ==ام «بارانوي==د لينكس»‪ .‬وك==ان نص==ها‬

‫‪:‬كالتالي‬

‫»مايكي«‬

‫لقد تابعت تجربتك على شبكة «إكس نت» باهتمام شديد‪ .‬وهنا في ألمانيا‪ ،‬لدينا خبرة كبيرة فيما يحدث عندما تخرج الحكومة«‬

‫»‪.‬عن السيطرة‬

‫ثمة شيء يجب أن تعرفه‪ ،‬وهو أن كل كاميرا لها «بصمة ضوضاء» مميزة يمكن استخدامها فيما بع==د لرب==ط إح==دى الص==ور«‬

‫بكاميرا ما‪ .‬ويعني ذلك أن الصور ال==تي تعي==د نش=رها على موقع==ك اإللك==تروني يمكن اس==تخدامها للتع==رف على مص==وريها‪ ،‬إذا‬

‫»‪.‬قُ ِبض عليهم فيما بعد لتهمة أخرى‬

‫لحس==ن الح==ظ‪ ،‬اس==تبعاد البص==مات ليس ص==عبًا‪ ،‬إذا اهتممت بفع==ل ذل==ك‪ .‬ثم==ة أداة في «بارانوي==د لينكس» لفع==ل ذل==ك يمكن==ك«‬

‫لمعرفة المزي==د عنه==ا‪ ،‬اطل==ع ‪: /usr/bin.‬استخدامها … اسمها «فوتونوماس» (أي صورة مجهولة)‪ .‬ستجدها بالمسار التالي‬

‫»‪.‬على صفحات الدليل‪ .‬لكنها سهلة االستخدام‬


‫ًّ‬
‫»‪.‬حظا سعي ًدا فيما تفعله‪ .‬احرص على أال يُق َبض عليك‪ .‬حافظ على حريتك‪ .‬حافظ على جنونك«‬

‫»دكتور إييفل«‬
‫ً‬
‫ثانية على الموقع‪ ،‬مع إضافة مالحظ=ة توض=ح م=ا أخ=برني ب=ه‬ ‫ألغيت البصمات من على جميع الصور التي نشرتها‪ ،‬ثم رفعتها‬

‫ضا‪ .‬كان لدينا جمي ًعا نظام «بارانويد إكس بوكس» األساسي؛ ومن ثم ك==ان‬
‫دكتور إييفل‪ ،‬منبهًا الجميع إلى ضرورة فعل ذلك أي ً‬

‫بإمكاننا جمي ًعا جعل صورنا مجهولة المص=در‪ .‬لكن لم يكن بإمك=اني فع=ل أي ش=يء للص=ور ال=تي تم تنزيله=ا بالفع=ل وتخزينه=ا‬

‫‪.‬بالذاكرة المؤقتة‪ ،‬لكن من اآلن فصاع ًدا سنكون أكثر فطنة‬

‫كان ذلك كل ما فكرت فيه تلك الليلة إلى أن نزلت لتناول الفطور في الصباح التالي‪ ،‬وفتحت أمي الراديو لالس==تماع إلى أخب==ار‬

‫‪.‬الصباح من شبكة اإلذاعة العامة الوطنية‬

‫قال المذيع أثناء شربي لعصير البرتقال‪« :‬تعرض وكالة األخبار العربية «الجزيرة» ص==ورً ا ومق==اطع في==ديو ورواي==ات لش==هود‬

‫عيان بشأن شغب الشباب الذي شهده متنزه ميشن دولوريس نهاية األسبوع الماض==ي‪ ».‬تمكنت بالك==اد من من==ع نفس==ي من إلق==اء‬
‫‪.‬العصير من فمي عبر الغرفة‪ ،‬لكنني اختنقت به قلياًل‬

‫أشار مراسلو الجزيرة إلى أن هذه الروايات قد ُنشِ رت على شبكة سرية اسمها «إكس نت» يستخدمها طلب==ة ومتع==اطفون م==ع«‬

‫تنظيم القاعدة في منطقة الخليج‪ .‬وقد انتشرت الشائعات حول وجود هذه الشبكة منذ فترة طويلة‪ ،‬لكن اليوم ه==و أول م==رة ُت==ذ َكر‬

‫»‪.‬فيها بوسائل اإلعالم‬


‫َّ‬
‫هزت أمي رأسها‪ ،‬وق=الت‪« :‬ه=ذا م=ا ك=ان ينقص=نا! كم=ا ل=و ك=ان فس=اد الش=رطة ليس كافيً=ا‪ ،‬يتظ=اهر الش=باب ب=أنهم في ح=رب‬

‫»‪.‬عصابات‪ ،‬مانحين الشرطة بذلك الفرصة لقمعهم ح ًّقا‬

‫تضمنت المدونات على شبكة «إكس نت» المئات من الروايات وملفات الوسائط المتعددة= المقدمة من شباب حض==روا ح==ادث«‬

‫‪:‬الشغب‪ ،‬ويدَّعون أن تج ُّم َعهم كان سلم ًّيا إلى أن هاجمتهم الشرطة‪ .‬وإليكم إحدى الروايات‬

‫لم نفعل شي ًئ ا سوى الرقص‪ .‬جلبت أخي الصغير معي‪ ،‬وعزفت الفرق الموسيقية‪ ،‬وتحدثنا ح=ول الحري=ة وفق=داننا له=ا لص=الح«‬

‫األوغاد الذين ي=دَّعون ك==رههم لإلره=ابيين‪ =،‬وم==ع ذل==ك يهاجمونن==ا رغم أنن==ا لس==نا إره=ابيين‪ =،‬وإنم==ا نحن أمريكي==ون‪ .‬أعتق==د أنهم‬

‫‪.‬يكرهون الحرية‪ ،‬ال يكرهوننا نحن‬

‫أخذنا نرقص والفِرق تعزف‪ ،‬وكان كل شيء ممت ًعا ح ًّقا‪ .‬بدأت بعد= ذل==ك ق==وات الش==رطة في الص==ياح فين==ا لنتف==رق‪ ،‬فهتفن==ا بأنن==ا‬

‫سنستعيد= حريتنا! هذا يعني أنه ينبغي لنا استعادة أمريكا من قبضتهم‪ .‬فرشونا ب==رذاذ الفلف==ل‪ .‬أخي في الثاني==ة عش==رة من عم==ره‪،‬‬

‫ومنعه ما حدث من الذهاب للمدرسة لمدة ثالثة أيام‪ .‬أبي وأمي األحمقان يلومانني على ما حدث‪ .‬م==اذا عن الش==رطة؟ ه==ل ن==دفع‬

‫لهم رواتبهم ليوفروا لنا الحماية — كما هو مفترض — فيرش==وننا ب==الرذاذ ب==داًل من ذل==ك دون أي س==بب وجي==ه‪ ،‬يرش==وننا كم==ا‬

‫»يرشون جنود األعداء؟‬

‫يمكن االطالع على روايات مشابهة‪ ،‬سواء مسموعة أو مرئية‪ ،‬على موقع الجزيرة اإللكتروني وشبكة «إكس نت»‪ .‬وللتع==رف‬

‫»‪.‬على كيفية الدخول على هذه الشبكة‪ ،‬ارجع للصفحة الرئيسية لموقع شبكة اإلذاعة العامة الوطنية على اإلنترنت‬

‫‪.‬نزل أبي من الدور العلوي‬

‫‪.‬سألني‪« :‬هل تستخدم شبكة «إكس نت»؟» وأطال النظر في وجهي‪ .‬شعرت بحرج شديد‬

‫فأجبته‪« :‬أستخدمها لممارسة ألعاب الفيديو‪ ،‬هذا م==ا يفعل==ه أغلب الن==اس‪ .‬ليس=ت س=وى ش==بكة الس==لكية‪ ،‬وه==ذا م==ا يفعل==ه الجمي==ع‬

‫»‪.‬بأجهزة «إكس بوكس» التي حصلوا عليها مجا ًنا العام الماضي‬

‫حملق فيَّ ‪ ،‬وقال‪« :‬ألعاب؟ يا ماركوس‪ ،‬إنك ال تدرك م==ا تفعل==ه‪ ،‬لكن==ك تحمي َمن يخطط==ون للهج==وم على بالدن==ا وت==دميرها‪ .‬ال‬

‫»أريدك أن تستخدم هذه الشبكة بعد اآلن‪ .‬هل ما أقوله واضح؟‬

‫أردت أن أجادله‪ .‬يا إلهي‪ ،‬كم أردت أن أهز كتفيه بيديَّ ‪ .‬لكنني لم أفعل‪ .‬وما كان مني إال أن نظرت بعي= ًدا‪ ،‬وقلت ل==ه‪« :‬ب=الطبع‬

‫‪.‬يا أبي»‪ ،‬ثم ذهبت إلى المدرسة‬

‫•••‬

‫في البداية‪ =،‬شعرت بالراحة عندما علمت أن السيد بينسان لن يستمر في ت=ولي مس==ئولية حص=ة الدراس=ات االجتماعي==ة‪ ،‬لكن من‬

‫‪.‬وقع عليها االختيار لتحل محله كانت بمثابة أسوأ كابوس لي‬
‫كانت صغيرة السن‪ ،‬حوالي ‪ ٢٨‬أو ‪ ٢٩‬عا ًم ا‪ ،‬وجميلة من كافة النواحي‪ ،‬شقراء تتحدث بلكنة جنوبية رقيقة عندما قدمت نفس==ها‬
‫لنا على أنها السيدة آندرسن‪َّ .‬‬
‫دق ذلك أول جرس إنذار على الفور؛ فلم أعلم أية سيدات تقل أعمارهن عن الستين يقدمن أنفسهن‬

‫‪.‬بلقب سيدة‬

‫‪.‬لكنني كنت على استعداد= للتغاضي عن ذلك‪ .‬فقد كانت صغيرة السن‪ ،‬جميلة‪ ،‬وبدت لطيفة؛ ومن ثم‪ ،‬فما من مشكلة‬

‫‪.‬لكن الحقيقة أنه كانت هناك مشكلة بالفعل‬

‫سألتنا السيدة آندرسن‪ ،‬وهي تستدير للسبورة لتكتب ص ًّفا من األرقام من واحد إلى عشرة‪« :‬ما الظروف التي يجب بموجبها أن‬

‫»تقوم الحكومة الفيدرالية بإيقاف العمل بميثاق الحقوق؟‬

‫»‪.‬أجبت دون أن أنتظر اإلذن بالحديث؛ فقد كانت اإلجابة واضحة‪« :‬ليس تحت أي ظرف‪ ،‬فالحقوق الدستورية مطلقة‬

‫نظرت في مخطط أسماء الطالب‪ ،‬وقالت‪« :‬ليس ذلك بالرأي المحنك‪ .‬لنفترض‪ ،‬يا م==اركوس‪ ،‬أن أح==د رج==ال الش==رطة أج==رى‬

‫تفتي ًشا على نحو غير صحيح؛ فتجاوز — على سبيل المثال — ما هو موضح في مذكرة التف==تيش‪ ،‬واكتش==ف دلياًل قو ًّي==ا يش==ير‬

‫ُترك المجرم ًّ‬


‫حرا طلي ًقا؟‬ ‫»إلى أن مجر ًم ا ما قد قتل والدك‪ ،‬وكان ذلك الدليل الوحيد المتوفر ضده‪ ،‬فهل من المفترض أن ي َ‬
‫كنت أعلم اإلجابة على هذا السؤال‪ ،‬لكنني لم أتمكن من شرحها ح ًّقا‪ ،‬ونطقت — أخيرً ا — قائاًل ‪« :‬نعم‪ ،‬لكن الشرطة يجب أال‬

‫»… تجري تفتي ًشا على نحو غير مالئم‬

‫فقاطعتني قائلة‪« :‬خطأ! الرد المناسب على سوء تصرف الشرطة هو اإلجراء التأديبي لرجال الشرطة‪ ،‬وليس معاقب==ة المجتم==ع‬

‫‪».‬بأسره بسبب خط ِأ شرطيٍّ واحد‪ ».‬ثم كتبت تحت الرقم واحد على السبورة‪« :‬اإلدانة الجنائية‬

‫»هل من ظروف أخرى يمكن مخالفة ميثاق الحقوق فيها؟«‬

‫»‪.‬رفع تشارلز يده‪ ،‬وقال‪« :‬نشر اإلشاعات الكاذبة في وقت األزمات‬


‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬وق=الت‪« :‬أحس=نت ي=ا تش=ارلز‪ .‬هن=اك العدي=د= من األح=وال ال=تي ال يك=ون فيه=ا التع=ديل= األول‬ ‫تحققت من مخطط األسماء‬

‫»‪.‬ملزمًا‪ ،‬لنذكر المزيد منها‬


‫ِ‬
‫»‪.‬رفع تشارلز يده ثانية‪ ،‬وقال‪« :‬تعريض أحد المسئولين عن تفعيل القانون للخطر‬

‫فقالت‪ ،‬وهي تكتب على السبورة‪« :‬نعم‪ ،‬الكشف عن هوية رجل ش==رطة أو ض==ابط مخ==ابرات متخ==فٍّ ‪ .‬ممت==از! ه==ل من أح==وال‬

‫»أخرى؟‬

‫اندفع تشارلز مجد ًدا دون أن ينتظر سماع اسمه‪ ،‬وقال‪« :‬األمن الوط==ني‪ ،‬والتش==هير‪ ،‬والفحش‪ ،‬وفس=اد القُص=ر‪ ،‬وأفالم األطف==ال‬

‫اإلباحية‪ ،‬ووصفات صنع القنابل‪ ».‬كتبت السيدة آندرسن سري ًعا على الس==بورة‪ ،‬لكنه==ا ت==وقفت عن==د «أفالم األطف=ال اإلباحي==ة»‪،‬‬

‫»‪.‬وقالت‪« :‬أفالم األطفال اإلباحية هي إحدى صور الفحش‬

‫‪.‬شعرت باالشمئزاز‪ .‬ليس هذا ما تعلمته أو آمنت به عن بالدي‪ .‬رفعت يدي‬

‫»نعم يا ماركوس؟«‬
‫»‪.‬ال أفهم ذلك! ما تقولينه يجعل من ميثاق الحقوق أمرً ا اختيار ًّيا‪ .‬إنه الدستور‪ ،‬ومن المفترض أن نتبعه= بكل ما فيه«‬
‫ً‬
‫قائلة‪« :‬هذه مبالغة معتادة في تبسيط األمور‪ ،‬لكن الحقيقة هي أن من وض=عوا الدس==تور ق==د‬ ‫ر َّدت علي‪ ،‬وهي تتظاهر باالبتسام‪،‬‬

‫هدفوا ألن يكون وثيقة حية ُتع َّدل بمرور الزمن‪ ،‬وقد أدركوا أن الجمهورية لن تتمكن= من االستمرار لألبد إذا لم تتمكن الحكومة‬

‫من الحكم وف ًقا الحتياجات العصر الذي توجد فيه‪ .‬لم يكن هدفهم مطل ًقا أن يُن َظر للدستور على أنه عقي==دة ديني==ة؛ فهم في النهاي==ة‬

‫»‪.‬قد جاءوا إلى هذه األرض هربًا من العقيدة الدينية‬

‫هززت رأسي‪ ،‬وقلت لها‪« :‬ماذا؟ كال‪ .‬لقد كانوا تجارً ا وحرفيين اتسموا بالوالء للملك إلى أن وضع سياسات تضر بمصالحهم‪،‬‬

‫»‪.‬وفرضها عليهم بقسوة‪ .‬أما الالجئون الدينيون‪ =،‬فجاءوا قبل ذلك بفترة طويلة‬

‫»‪.‬قالت‪« :‬بعض واضعي الدستور تعود أصولهم لالجئين دينيين‬

‫وميثاق الحقوق ليس بالشيء الذي ننتقي ونختار منه‪ .‬ما بغضه واضعو الدستور هو االستبداد‪ =،‬وه==و م==ا ج==اء ميث==اق الحق==وق«‬

‫ليمنعه‪ .‬لقد كانوا جي ًشا ثور ًّي ا‪ ،‬وأرادوا وضع مجموعة مبادئ يمكن للجميع االتفاق عليها‪ :‬الحياة‪ ،‬الحري==ة‪ ،‬البحث عن الس==عادة‪،‬‬

‫»‪.‬حق الشعب في اإلطاحة بمستبديه‬

‫قالت وهي تل==وح لي‪« :‬نعم‪ ،‬نعم … لق==د آمن==وا بح==ق الش==عب في التخلص من مل==وكهم‪ ،‬لكن …» علت وج==ه تش=ارلز ابتس=امة‬

‫‪.‬عريضة ازدادت اتساعً ا عندما قالت هذه الكلمات‬

‫لقد وضعوا ميثاق الحقوق ألنهم رأوا أن التمتع بحقوق مطلقة أفضل من أن نواجه خطر انتزاعها من قبل أي شخص‪ .‬يتضح«‬

‫ذلك في التعديل األول؛ فمن المفترض أن يحمينا من خالل منع الحكومة من إنشاء نوعين من الخطاب‪ :‬الخطاب المسموح ب==ه‪،‬‬

‫»‪.‬والخطاب اإلجرامي‪ .‬فلم يرغبوا في مواجهة خطر أن يتخذ أحمق ما قرارً ا بأن ما ال يستسيغه غير قانوني‬

‫»‪.‬ثم استدارت وكتبت‪« :‬الحياة‪ ،‬والحرية‪ ،‬والبحث عن السعادة‬

‫‪.‬لقد تقدمنا بعض الشيء في الدرس‪ ،‬لكن من الواضح أنكم مجموعة متفوقة‪ ».‬ضحك الطالب بعصبية«‬

‫دور الحكومة هو أن تؤمن لمواطنيها الحق في الحياة والحرية والبحث عن السعادة‪ ،‬به==ذا ال==ترتيب‪ .‬إذا أرادت الحكوم==ة فع==ل«‬

‫شيء ما من شأنه التقليل من سعادتنا‪ ،‬أو س=لبنا بعض حريتن=ا‪ ،‬فال ب=أس‪ ،‬ش=ريطة أن يك=ون اله=دف من ذل=ك ه=و إنق=اذ حياتن=ا؛‬

‫ولهذا‪ ،‬يمكن للشرطة احتجازك إذا رأت أنك تمثل خطرً ا على نفسك أو اآلخرين‪ ،‬فتسلبك حريتك وسعادتك لتحمي حيات==ك‪ .‬وإذا‬

‫»‪.‬كانت لديك حياة‪ ،‬يمكنك أن تحظى بالحرية والسعادة فيما بعد‬


‫ً‬
‫شخص=ا م=ا من إي==ذائنا في‬ ‫رفع البعض أي=ديهم‪« .‬أال يع=ني ذل==ك أن الش=رطة بإمكانه==ا فع==ل م=ا تبغي=ه إذا رأت أنه=ا تمن==ع ب==ذلك‬

‫»المستقبل؟‬

‫»‪.‬فقال طالب آخر‪« :‬نعم‪ ،‬يشير ما تقولينه إلى أن األمن الوطني أهم من الدستور‬

‫»شعرت بفخر شديد حينذاك بزمالئي‪ ،‬وقلت‪« :‬كيف يمكنك حماية الحرية بتعليق العمل بميثاق الحقوق؟‬
‫َّ‬
‫هز ت رأسها كما لو كنا أغبياء للغاية‪ ،‬وقالت‪« :‬إن المؤسسين «الث==وريين» أع==دموا الخون==ة والجواس==يس رم ًي==ا بالرص==اص‪ .‬لم‬
‫»… يؤمنوا بالحرية المطلقة‪ ،‬لم يؤمنوا بها عندما هددت الجمهورية‪ .‬واآلن‪ ،‬لتنظروا إلى مستخدمي شبكة «إكس نت» مثاًل‬

‫ً‬
‫جاهدا أال يبدو عليَّ االنزعاج‬ ‫‪.‬حاولت‬

‫هؤالء الذين يُطلَ ق عليهم المشوشون والذين ذكرتهم النشرات اإلخبارية هذا الصباح‪ .‬بعد= تعرض هذه المدينة للهجوم من …«‬

‫ض=عت للقبض على‬


‫جانب أناس أعلن=وا الح=رب على بالدن=ا‪ ،‬عم=د ه=ؤالء المشوش=ون إلى تخ=ريب اإلج=راءات األمني=ة ال=تي وُ ِ‬
‫»… المجرمين‪ ،‬ومنعهم من تكرار فعلتهم‪ .‬وقد فعلوا ذلك عن طريق تعريض المواطنين اآلخرين للخطر والمشكالت‬

‫قلت — أو باألحرى صحت‪ ،‬فقد أثارت غضبي بشدة‪« :‬لقد فعلوا ذلك ليوضحوا أن حقوقنا ق==د ُس=لِبت من==ا بحج==ة حمايتن==ا! لق==د‬

‫»‪.‬فعلوا ذلك ألن الحكومة كانت تعامل الجميع كما لو كانوا إرهابيين مشتبهًا فيهم‬

‫»‪.‬صاح تشارلز‪« :‬وأرادوا بالتالي أن يثبتوا أنه يجب عدم معاملتهم كإرهابيين‪ ،‬فتصرفوا كإرهابيين‪ ،‬وأرهبوا اآلخرين‬
‫ً‬
‫غيظا‬ ‫‪.‬تميَّزت‬

‫باهلل عليك‪ ،‬أرهبوا اآلخرين؟! لقد أوضحوا أن الرقابة العامة أخطر من اإلرهاب‪ .‬انظر ماذا حدث في المتنزه في عطلة نهاية«‬

‫»األسبوع الماضي‪ ،‬كان هؤالء الشباب يرقصون ويستمعون إلى الموسيقى‪ .‬كيف يكون ذلك إرهابًا؟‬

‫تحركت المعلمة عبر الفصل‪ ،‬ووقفت أمامي إلى أن توقفت عن الحديث‪ .‬قالت‪« :‬يبدو‪ ،‬يا ماركوس‪ ،‬أنك تظن أنه م==ا من ش==يء‬

‫تغير في هذا البلد‪ .‬ينبغي أن تفهم أن تفجير جس==ر ب==اي ق==د غ==ير ك==ل ش==يء‪ .‬ترق==د جثث اآلالف من أص==دقائنا وأقاربن==ا في ق==اع‬

‫»… الخليج‪ .‬هذا وقت الوحدة الوطنية في وجه الهجوم الغاشم الذي تعرضت له بالدنا‬

‫نهضت واق ًفا‪ ،‬لقد نلت كفايتي من هذا الهراء المتعلق بأن ك=ل ش=يء ق=د تغ=ير‪ ،‬قلت‪« :‬وح=دة وطني=ة؟ الفك=رة ال=تي تق=وم عليه=ا‬

‫أمريكا هي أننا دولة يُرحَّ ب فيها باالنشقاق‪ .‬نحن دولة المنش==قين والمق==اتلين ومن لم يكمل==وا تعليمهم الج==امعي وأص==حاب ال==رأي‬

‫»‪.‬الحر‬

‫تذكرت درس السيدة جالفيس السابق‪ ،‬واآلالف من طالب بيركلي الذين أحاطوا بسيارة الش==رطة عن==دما ح==اول الض==باط القبض‬
‫ً‬
‫حاملة ك = َّل من ك==انوا‬ ‫على شخص ما لتوزيعه منشورات عن الحقوق المدنية‪ =.‬لم يحاول أحد إيقاف هذه الشاحنات عندما ابتعدت‬
‫‪.‬يرقصون في المتنزه‪ .‬أنا أي ً‬
‫ضا لم أحاول‪ ،‬وفررت‬

‫‪.‬لعل كل شيء قد تغير بالفعل‬

‫قالت السيدة آندرسن موجهة خطابها إليَّ ‪« :‬أعتقد أنك تعرف مكان مكتب السيد بينسان‪ .‬ستذهب إلي==ه في الح=ال؛ فأن=ا لن أس=مح‬

‫بأي سلوك غير محترم في فصولي‪ .‬رغم ادعائك أن==ك تحب حري==ة التعب==ير‪ ،‬ف==أنت على اس==تعداد= بال ش==ك إلخ==راس أي أح==د ال‬

‫»‪.‬يوافقك الرأي‬

‫حملت الكمبيوتر المحمول المدرسي‪ ،‬وحقيبتي‪ ،‬واندفعت خارج الفص==ل‪ .‬ك==ان الب==اب هي==دروليك ًّيا؛ ومن ثم ك==ان من المح==ال أن‬

‫‪.‬يُغلَق بعنف‪ ،‬وإال فكنت قد فعلت‬


‫أسرعت إلى مكتب السيد بينسان‪ ،‬والتق َط ِ‬
‫ت الكاميرات صورتي أثن==اء ذل==ك‪ُ .‬س=جِّ لت مش==يتي‪ ،‬وش==رائح تحدي==د الهوي==ة باس==تخدام‬

‫الموجات الالسلكية التي احتوت عليها بطاقة هويتي بعثت بهويتي ألجهزة االستشعار الموج==ودة في ال==رواق‪ .‬ك==ان األم==ر أش==به‬

‫‪.‬بالتواجد داخل سجن‬

‫قال السيد بينسان‪« :‬أغلق الباب يا ماركوس‪ ».‬وأدار شاشة جهازه ألتمكن من مش=اهدة م=ا س=جله الفي=ديو في حص=ة الدراس=ات‬

‫‪.‬االجتماعية‪ .‬لقد كان يشاهد ما يحدث‬

‫»ماذا لديك لتدافع به عن نفسك؟«‬

‫»!لم يكن ذلك تعليمًا‪ ،‬وإنما كان ترويجً ا لفكر ما‪ .‬لقد أخبرتنا السيدة آندرسن أن الدستور ال أهمية له«‬

‫كال‪ ،‬إنما قالت إنه ليس عقيدة دينية‪ ،‬وقد هاجمتها كالمتطرفين‪ ،‬ما أثبت وجهة نظرها‪ .‬ي==ا م==اركوس‪ ،‬أنت من بين ك==ل الن==اس«‬

‫»… يجب أن تكون مدر ًكا أن كل شيء قد تغير عند تفجير الجسر‪ .‬فصديقك داريل‬

‫قاطعته وقد تملك الغضب مني‪« :‬إياك أن تنطق بكلمة عنه‪ ،‬فلست أهاًل للتح==دث عن==ه‪ .‬نعم‪ ،‬أن==ا أدرك بالفع==ل أن ك==ل ش==يء ق==د‬

‫»‪.‬تغير اآلن؛ فقد كنا أحرارً ا من قبل في هذه البالد‪ ،‬ولم نعد كذلك‬

‫»ماركوس‪ ،‬هل تعلم ما يعنيه= مصطلح «عدم التسامح»؟«‬

‫تراجعت؛ فكان بإمكانه فصلي من المدرسة بحجة «السلوك التهديدي»‪ ،‬وهي الحجة التي من المفترض اس==تخدامها م==ع أطف==ال‬

‫‪.‬العصابات الذين يحاولون إرهاب معلميهم‪ ،‬لكنه بالطبع ما كان ضميره ليؤنبه إذا استخدمها معي‬

‫»‪.‬فأجبته‪« :‬نعم‪ ،‬أعلم‬

‫»‪.‬فقال‪« :‬أظن إذن أنك مدين= لي باالعتذار‬

‫نظرت إليه‪ .‬حاول جاه ًدا إخفاء ابتسامته السادية‪ .‬أراد جز ٌء مني التذلل له لكي يسامحني رغم ما شعرت ب==ه من خ==زي‪ ،‬لكن==ني‬

‫‪.‬قمعت ذلك الجزء‪ ،‬وقررت أنني أُفضِّل الفصل على أن أعتذر له‬

‫قلت له ما تذكرت كل كلمة منه‪« :‬تنشأ الحكوم==ات بين الن==اس‪ ،‬مس==تمد ًة س==لطاتها العادل==ة من موافق==ة المحك==ومين‪ .‬وإن==ه عن==دما‬

‫يصبح أي شكل من أشكال الحكم في أي وقت من األوقات هاد ًم==ا وم==دمرً ا له==ذه الغاي==ات‪ ،‬يص==بح من ح==ق الش==عب أن يغيِّره أو‬

‫يطيح به ويش ِّكل حكومة جديدة مقيمًا أساسها على المبادئ‪ ،‬ومنظمًا سلطاتها وفق الكيفية ال=تي تب=دو ل=ه أفض=ل مالءم=ة لتحقي=ق‬

‫»‪.‬سالمته ورفاهيته‬

‫فهز رأسه‪ ،‬وقال‪َ « :‬تذ ُّكر األشياء شي ٌء وفهمها شي ٌء آخر يا بني‪ ».‬وانحنى على جهاز الكمبيوتر الخاص به‪ ،‬ونقر عليه بض==ع‬
‫َّ‬

‫نق=رات‪ ،‬فص=در عن الطابع=ة ص=وت‪ .‬أعط=اني ورق=ة دافئ=ة من أوراق خطاب=ات المدرس=ة مكت=وب عليه=ا أن=ني مفص=ول لم=دة‬

‫‪.‬أسبوعين‬

‫سأبعث برسالة بريد إلكتروني إلى والديك‪ .‬إذا ظللت موجو ًدا في المدرسة بع==د ثالثين دقيق==ة‪ ،‬فس=يُق َبض علي==ك بتهم==ة التع==دي«‬

‫»‪.‬على الممتلكات‬
‫‪.‬نظرت إليه‬

‫فواصل حديث==ه ق==ائاًل ‪« :‬ليس من مص==لحتك أن تعلن الح==رب عليَّ في مدرس==تي؛ فه==ذه ح==رب ال يمكن==ك االنتص==ار فيه==ا‪ .‬واآلن‬

‫»!لتخرج من هنا‬

‫‪.‬فغادرت المكتب‬
‫الفصل الرابع عشر‬
‫أهدي هذا الفصل إلى المتجر الذي ال مثيل له مِستيرياس جاالكسي في سان دييج==و بوالي==ة كاليفورني==ا‪ .‬ي==دعوني الق==ائمون على‬

‫ذلك المتجر لتوقيع كتبي هناك في كل مرة أذهب فيها إلى سان دييجو لحضور مؤتمر ما أو للتدريس (يقع مق==ر «ورش==ة عم==ل‬

‫كالرين للكتاب» في جامعة كاليفورنيا بسان دييجو في الهويا بوالية كاليفورنيا)‪ .‬وفي كل مرة أذهب إليها‪ ،‬يحشدون أكبر عدد‬

‫من القراء؛ فلهذا المتجر قاعدة عريضة من القراء المخلصين الذين يعلمون أنهم سيحصلون دائمًا على توصيات ممتازة وأفكار‬

‫رائعة فيه‪ .‬في صيف عام ‪ ،٢٠٠٧‬اصطحبت أفراد ورشة عمل الكت==اب من كالرين إلى المتج==ر بمناس==بة حف==ل منتص==ف اللي==ل‬

‫‪.‬الذي أقيم إلصدار الجزء األخير من سلسلة «هاري بوتر»‪ ،‬ولم أشهد مثل ذلك التجمع الممتع المرح في أي متجر من قبل‬

‫***‬

‫خلت شبكة «إكس نت» من الم==رح في منتص==ف ال==دوام الدراس==ي؛ إذ يك==ون جمي==ع مس==تخدميها في المدرس==ة‪ .‬كنت ق==د ط==ويت‬
‫الورقة ووضعتها في جيب بنطالي الجينز الخلفي‪ ،‬ثم ألقيت بها على مائدة المطبخ عندما وصلت إلى المنزل‪ .‬جلست في غرف==ة‬

‫المعيشة‪ ،‬وفتحت التليفزيون‪ .‬لم أكن أشاهده قط‪ ،‬لكن والديَّ كان=ا يفعالن؛ ف=التليفزيون والرادي==و والص==حف هي المص==در ال==ذي‬

‫‪.‬حصال منه على كل ما لديهما من أفكار بشأن العالم‬

‫كانت األخبار بشعة‪ ،‬وهناك العديد من األسباب للفزع‪ .‬جنود أمريكي==ون يلق==ون حتفهم بجمي==ع أنح==اء الع==الم‪ .‬وال يقتص==ر األم==ر‬

‫على الجنود فحسب‪ ،‬بل رجال الحرس الوطني أيضً ا الذين ظنوا أنهم أُرسِ لوا للمساعدة في إنقاذ الناس من األعاصير؛ فقد ُبعِثوا‬

‫‪.‬إلى الخارج ألعوام طويلة في حرب ال نهاية لها‬

‫أخذت أتنقل بين شبكات األخبار التي تنقل األخبار على مدار األربع والعش==رين س==اعة‪ ،‬واح==دة تل==و األخ==رى‪ ،‬وظه==ر بجميعه==ا‬

‫‪.‬مسئولون يخبرون المشاهدين لماذا يجب أن يفزعوا‪ ،‬ومجموعة من صور التفجيرات بجميع أنحاء العالم‬

‫أخذت أقلب إلى أن وجدتني أنظر في وجه مألوف لي‪ ،‬كان الرجل الذي دخل إلى الشاحنة‪ ،‬وتحدث مع صاحبة الشعر القص==ير‬

‫مقيدا في خلفية الشاحنة‪ .‬ارتدى ز ًّي==ا عس==كر ًّيا‪ ،‬والتعلي==ق على الشاش==ة عرَّ ف==ه بأن==ه الل==واء جراي==ام س==اذرالند‪ ،‬القائ==د‬
‫عندما كنت ً‬

‫‪.‬اإلقليمي بوزارة األمن الوطني‬

‫رفع مجموعة من الكتيبات‪ ،‬وقال‪« :‬أحمل في يدي كتيب==ات ك=انت ت==وزع فعل ًّي==ا فيم==ا ك==انوا ي==دعون أن==ه حف==ل غن==ائي في مت==نزه‬

‫دولوريس عطلة نهاية األسبوع الماضي‪ ».‬أتذكر بالفعل وجود العديد= من موزعي الكتيبات في الحف==ل‪ .‬أينم==ا وُ ِج==دت مجموع==ة‬

‫‪.‬من الناس في سان فرانسيسكو‪ ،‬توزع كتيبات‬

‫أري==دكم أن تنظ==روا لحظ==ات له==ذه الكتيب==ات‪ .‬دع==وني أق==رأ لكم عناوينه==ا‪« :‬دون موافق==ة المحك==وم‪ :‬دلي==ل الم==واطن لإلطاح==ة«‬

‫أيض=ا‪« :‬ه==ل وقعت تفج==يرات الح==ادي عش==ر من س==بتمبر فعاًل ؟» ه==ذا آخ==ر‪« ،‬كي==ف تس==تخدم‬
‫بالدول==ة‪ ».‬ه==ذا أح==دها‪ ،‬وهن==اك ً‬

‫إجراءاتهم األمنية ضدهم؟» توضح هذه الكتيبات الهدف الحقيقي من التجمع غير القانوني ليلة السبت؛ فلم يكن تجم ًعا غ==ير آمن‬
‫فحسب لآلالف من األفراد دون احتياطات مناسبة‪ ،‬أو ح=تى دورات مي=اه‪ ،‬وإنم==ا ك=ان حش= ً=دا للن=اس في ص=ف الع=دو‪ .‬لق==د ك==ان‬

‫‪.‬محاولة إلفساد الشباب بجعلهم يعتنقون فكرة أن أمريكا ال يجب أن تؤمن نفسها‬

‫لتنظروا إلى هذا الشعار‪« :‬ال تثق في أحد أكبر من ‪ ٢٥‬عامًا‪ ».‬ه==ل من وس==يلة أفض==ل لض==مان اس==تبعاد أي==ة مناقش==ة مدروس==ة‬

‫ومتوازنة وعاقلة عن رسالتك المروجة لإلرهاب من إقصاء البالغين‪ ،‬وقصر مجموعتك على شباب سريعي التأثر؟‬

‫عندما ذهبت الشرطة إلى هناك‪ ،‬رأت عملية حشد ألعداء أمريك=ا‪ ،‬وك=ان التجم==ع ق==د س=بَّب بالفع==ل إزعاجً= ا للمئ=ات من ق=اطني‬

‫‪.‬المنطقة التي أقيم فيها‪ ،‬والتي لم يُست َشر أيٌّ منهم في التخطيط لتلك الحفلة الصاخبة التي استمرت طوال الليل‬

‫فأمرتهم الشرطة بالتفرق — وهذا ما يتضح في جميع مق=اطع الفي=ديو — وعن=دما ح=اول المعرب=دون مهاجم=ة ق=وات الش=رطة‬

‫‪.‬بتشجيع من الموسيقيين الموجودين على المسرح‪ ،‬أخضعتهم القوات باستخدام األساليب السلمية لفضِّ التجمعات‬

‫و َمن قُ ِبض عليهم كانوا من زعماء الفتنة‪ ،‬والمُحرِّ ضين على الش==غب ال==ذين دفع==وا اآلالف من الش==باب الس==ريع الت==أثر لمهاجم==ة‬

‫صفوف الشرطة‪ ٨٢٧ .‬منهم ُح ِجزوا‪ ،‬والعديد من هؤالء كانت لديهم سوابق‪ .‬أكثر من مائ ٍة صدرت أوامر ب==القبض عليهم‪ ،‬وال‬

‫‪.‬يزالون قيد الحجز إلى اآلن‬

‫أيها السيدات والسادة‪ ،‬إن أمريكا تواجه حربًا على جبهات عدة‪ ،‬لكن أكبر خطر تواجهه هنا‪ ،‬على أرضها‪ ،‬سواء أكان ذلك بم==ا‬

‫»‪.‬يشنه اإلرهابيون علينا من هجمات أو من يتعاطفون معهم‬

‫رفع أحد الصحفيين يده سائاًل ‪« :‬سيادة اللواء ساذرالند‪ ،‬أنت ال تقصد بالتأكيد أن هؤالء الشباب متعاطفون مع اإلرهابيين ألنهم‬

‫»حضروا حفاًل في متنزه؟‬

‫ب==الطبع ال أقص==د ذل==ك‪ ،‬لكن عن==دما يق==ع الش==باب تحت ت==أثير أع==داء البالد‪ ،‬من اليس==ير أن تك==ون نه==ايتهم س==يئة؛ فكم ي==رغب«‬

‫اإلرهابيون في تجنيد صف خامس لتولي الحرب على الجبهة الداخلية بالنيابة عنهم‪ .‬لو كان هؤالء الش==باب أبن==ائي‪ ،‬لكنت قلقت‬

‫»‪.‬عليهم قل ًقا بال ًغا‬

‫»‪.‬قاطعه صحفي آخر قائاًل ‪« :‬لم يكن ذلك سوى حفل في الهواء الطلق سيادة اللواء‪ ،‬فما كانوا يتدربون على استخدام البنادق‬

‫أخرج اللواء مجموعة من الصور‪ ،‬وبدأ في رفعها ألعلى‪« :‬هذه صور التقطها الض=باط بك=اميرات األش=عة تحت الحم=راء قب=ل‬

‫رقص=ا عني ًف==ا‪ ،‬بعض==هم ُدهِس‬


‫ً‬ ‫الهجوم‪ ».‬حملها بجانب وجهه‪ ،‬وأخذ يقلبها واحدة تلو األخرى‪ .‬عرضت الصور أنا ًسا يرقص==ون‬

‫مورس بين األشجار‪ :‬فتاة وثالثة شباب‪ ،‬وشابان يتعانقان‪« .‬حض=ر الحف==ل أطف=ال‬
‫وداست عليه األقدام‪ .‬وانتقلت بعد ذلك لجنس ِ‬
‫في سن العاشرة‪ ،‬ووُ ِجد به خلط==ات قاتل==ة من المخ==درات‪ ،‬وت==رويج ألفك==ار‪ ،‬وموس==يقى أس=فرت عن عش==رات اإلص==ابات‪ .‬ومن‬

‫»‪.‬الغريب أال تكون هناك أية وفيات‬

‫أغلقت التليفزيون‪ .‬يجعلون األمر يبدو وكأنه ش==غب‪ .‬إذا ظن وال==داي أن==ني كنت في ذل==ك الحف==ل‪ ،‬فس==يقيدانني في س==ريري لم==دة‬

‫‪.‬شهر‪ ،‬ولن يسمحا لي بالخروج بعد ذلك إال وحول رقبتي طوق للتتبع‬

‫‪.‬وبمناسبة ذكر والديَّ ‪ ،‬فسيغضبان بشدة عندما يعلمان أنني موقوف عن الدراسة‬
‫•••‬

‫‪.‬لم يتقبال الخبر تقباًل حس ًنا‪ ،‬فأراد أبي معاقبتي بمنعي من الخروج‪ ،‬لكنني أقنعته أنا وأمي بتغيير رأيه‬
‫قالت أمي‪« :‬أنت تعلم أن نائب المدير يتوعد لماركوس منذ سنوات‪ .‬آخر مرة التقين==ا ب==ه‪ ،‬أخ= َ‬
‫=ذت تس=به لم==دة س=اعة بع==د اللق=اء‪،‬‬

‫»‪».‬وأظن أنك ذكرت مرارً ا وصف «أحمق بغيض‬


‫»… َّ‬
‫هز أبي رأسه‪ ،‬وقال‪« :‬إن تعطيل فصل دراسي للدخول في جدل ضد وزارة األمن الوطني‬

‫فقاطعته قائاًل ‪« :‬إنها حصة الدراسات االجتماعية يا أبي‪ ».‬لم أكن أهتم‪ ،‬لكن==ني ش==عرت أن==ه إذا ك==انت أمي ستس==اندني‪ ،‬يت==وجب‬

‫»عليَّ مساعدتها‪« .‬وكنا نتحدث عن وزارة األمن الوطني‪ .‬أليس من المفترض أن النقاش أمر صحي؟‬

‫فأجابني‪« :‬انظر يا بني»‪ ،‬لقد اعتاد مناداتي بلفظ «يا ب=ني» كث=يرً ا؛ م=ا جعل=ني أش=عر أن=ه ق=د توق=ف عن التفك=ير فيَّ كش=خص‬

‫ناضج‪ ،‬وبدأ — بداًل من ذلك — في التفكير فيَّ كيرقة حشرة لم تتكون بعد وبحاجة لإلرشاد لتخرج من ط==ور المراهق==ة‪ ،‬وق==د‬

‫كرهت ذلك‪ .‬واصل حديثه قائاًل ‪« :‬عليك أن تتعلم الت==أقلم م==ع حقيق==ة أنن==ا نعيش في ع==الم مختل==ف اآلن‪ .‬ال ريب أن ل==ديك الح==ق‬
‫ً‬
‫أشخاص=ا‬ ‫كاماًل في التعبير عن رأيك‪ ،‬لكن عليك أن تكون مستع ًّدا لما يسفر عنه ذلك من نتائج‪ .‬عليك مواجه==ة حقيق==ة أن هن==اك‬

‫يتعرضون لألذى‪ ،‬وال يرغبون في مناقشة أدق تفاصيل القانون الدستوري بينما حياتهم على المحك‪ .‬نحن في قارب نجاة اآلن‪،‬‬

‫»‪.‬وعندما تكون في قارب نجاة‪ ،‬ال يرغب أحد في سماع حديث عن مدى وضاعة القبطان‬

‫‪.‬منعت نفسي بالكاد من أن أدير عينيَّ في استهزاء مما يقوله‬


‫لقد ع ُِهد إليَّ بأسبوعين من الدراسة الحرة‪ ،‬أكتب فيهما ً‬
‫بحثا في كل مادة من المواد ال==تي أدرس==ها‪ ،‬م==ع االعتم==اد على المدين==ة«‬
‫ً‬
‫(بحثا في التاريخ‪ ،‬وآخر في الدراسات االجتماعية‪ ،‬وفي اللغة اإلنجليزي==ة‪ ،‬وفي الفيزي==اء)‪ .‬وذل==ك أفض==ل بكث==ير من‬ ‫كأساس لي‬

‫»‪.‬البقاء في المنزل ومشاهدة التليفزيون‬

‫•••‬

‫نظر إليَّ والدي شزرً ا‪ ،‬كما لو كان يشك في أنني أنوي فعل شيء ما‪ ،‬ثم أوم==أ برأس==ه‪ .‬ألقيت عليهم==ا تحي==ة المس==اء وذهبت إلى‬

‫غرفتي‪ .‬قمت بتشغيل جهاز «إكس بوكس»‪ ،‬وفتحت برنامجً ا لمعالجة الكلمات‪ ،‬وبدأت أدوِّ ن ما يرد على ذهني من أفكار بشأن‬

‫‪.‬األبحاث التي كنت سأكتبها‪ .‬ولم ال؟ فكان ذلك أفضل بالفعل من الجلوس فحسب في المنزل‬

‫•••‬

‫انتهى بي الحال ألراس==ل آنج على برن==امج المراس=الت الفوري=ة ل=وقت طوي=ل في تل=ك الليل==ة‪ .‬تع=اطفت معي بش=أن ك==ل ش=يء‪،‬‬

‫وأخبرتني أنها ستساعدني في أبحاثي إذا قابلتها بعد دوام المدرسة الليلة التالي==ة‪ .‬كنت أع==رف مك==ان مدرس==تها؛ إذ ك==انت ت==ذهب‬

‫إلى المدرسة ذاتها التي تذهب إليها فان‪ ،‬وكانت هذه المدرسة في الطريق إلى «إيس=ت ب==اي»‪ ،‬المك==ان ال=ذي لم أذهب إلي==ه من=ذ‬

‫‪.‬وقوع التفجيرات‬
‫ً‬
‫ثانية؛ ففي كل مرة أخلد فيها للنوم منذ الحفل‪ ،‬ال أفكر إال في شيئين‪ =:‬منظر الشباب وهو يتقدم‬ ‫كنت متحم ًسا للغاية لفكرة رؤيتها‬

‫لمجابهة الشرطة‪ ،‬وملمس جسدها أثناء اتكائنا على العمود‪ .‬كم كانت مذهلة! لم أصادق من قب==ل فت==اة به==ذا الق==در من الشراس==ة‪.‬‬

‫كنت أنا دائ ًم ا من أتقدم ناحية الفتيات‪ ،‬وهن يصددنني‪ .‬وكان لدي شعور بأن آنج لديها نفس ما ل==دي من رغب==ة جنس==ية‪ ،‬وك==انت‬

‫‪.‬هذه فكرة شديدة اإلثارة بالنسبة لي‬

‫نمت نومًا عمي ًق ا في تلك الليلة‪ ،‬وأحالم مثيرة راودتني عما يمكنني أن أفعله أنا وآنج إذا وج==دنا أنفس==نا في بقع==ة منعزل==ة بمك==ان‬

‫‪.‬ما‬

‫في اليوم التالي‪ ،‬بدأت العمل في أبحاثي‪ .‬سان فرانسيسكو مكان يص==لح للكتاب==ة عن==ه‪ .‬إذا كن==ا نتح==دث عن الت==اريخ‪ ،‬فهي تزخ==ر‬

‫بذلك بالتأكيد‪ =،‬بد ًءا من حمى الذهب (أي تدفق الناس الشديد على مواطن اكتش==اف ال==ذهب بالمدين==ة)‪ ،‬ووص==واًل إلى ورش بن==اء‬

‫السفن أثناء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ومعسكرات االعتقال اليابانية‪ ،‬وغير ذلك الكثير‪ .‬يضم كذلك متحف إكس==بلوراتوريم أفض==ل‬
‫ً‬
‫مقارنة بأي متحف آخر ذهبت إليه‪ ،‬وقد أعجبتني فيه على نحو غ==ريب معروض==ات إس==الة الترب==ة أثن==اء ال==زالزل‬ ‫المعروضات‬

‫العنيفة‪ .‬أما عن مادة اللغة اإلنجليزية‪ ،‬فهناك جاك لندن‪ ،‬وشعراء بيت‪ ،‬وكتاب الخيال العلمي مثل بات م==ورفي ورودي راك==ر‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بالدراسات االجتماعية‪ ،‬فهناك حركة الخطاب الحر‪ ،‬وسيزار شافيز‪ ،‬وحقوق المثليِّين‪ ،‬والحركة النس==ائية‪ ،‬وحرك==ة‬

‫‪.‬مناهضة الحرب … إلخ‬

‫أحببت دومًا التعلم من أجل التعلم؛ أي ألكون أكثر وعيًا بالعالم من حولي‪ ،‬ويمكنني فعل ذلك بالسير في أنحاء المدين==ة فحس==ب‪.‬‬

‫البيت» أواًل ‪ .‬احت==وى متج==ر «س==يتي اليتس» على مكتب==ة رائع==ة في‬ ‫ً‬
‫قررت أن أكتب بحثا في مادة اللغة اإلنجليزية عن «جي==ل ِ‬
‫أح==د األدوار العلوي==ة؛ حيث ألَّف آالن جي==نزبرج ورفاق==ه قص==ائدهم المتطرف==ة‪ .‬ك==انت القص==يدة ال==تي قرأناه==ا في حص==ة اللغ==ة‬

‫‪:‬اإلنجليزية هي «عواء»‪ ،‬والتي لن أنسى يومًا أبياتها األولى التي اقشعر لها بدني‬
‫يتضورون عرا ًة في حالة هيستيرية‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫‪،‬رأيت أفضل العقول في جيلي وقد دمرها الجنونُ ‪،‬‬
‫باحثين عن إبر ِة مخ ِّد ٍر ساخطة‬
‫َ‬ ‫‪.‬يجرجرون أنفسهم عبر شوارع زنجي ٍة في الفجر‬
‫… هيبيز برءوس مالئكةٍ‪ ،‬يتحرقون للوصال السماويِّ العتيق‪ ،‬بالدينامو المرصع بالنجوم في ماكينة الليل‬

‫أعجبتني طريقة جمعه لهذه الكلمات م ًعا «يتضوَّ رون عرا ًة في حالة هيستيرية»‪ ،‬فأنا أعلم ما يكون عليه ذلك الشعور‪ .‬وعب==ارة‬

‫«أفضل العقول في جيلي» جعلتني أمعن في التفكير؛ ف=ذ َّكرتني ب=المتنزه والش=رطة وقناب=ل الغ=از‪ .‬قُ ِبض على جي=نزبرج بتهم=ة‬

‫الفحش بسبب تلك القصيدة؛ وذلك بسبب بيت عن المثليين‪ ،‬والذي ما كان لتطرف له عين اليوم‪ .‬لقد أسعدني ذل==ك بص==ورة م==ا؛‬

‫‪.‬إذ علمت أننا قد حققنا بعض التقدم؛ فقد كانت القيود على هذه األمور أكثر مما هي عليه اآلن‬

‫نسيت نفسي في المكتبة مع قراءة تلك اإلص=دارات القديم=ة الجميل=ة من الكتب‪ .‬غ=رقت في ق=راءة رواي=ة ج=اك ك=يرواك «على‬

‫الطريق»‪ ،‬وهي الرواية التي اعتزمت قراءتها منذ وقت طوي==ل‪ .‬أوم==أ أح==د الم==وظفين — ال==ذي ج==اء ليتفق==د ح==الي — برأس==ه‬

‫‪.‬مستحس ًن ا ما أفعله‪ ،‬وأحضر لي نسخة رخيصة من الرواية وباعها لي مقابل ستة دوالرات‬
‫سرت إلى الحي الصيني‪ ،‬وتناولت بعض الكعك المحلى والنودلز مع الصوص الحار الذي كنت أعتبره ًّ‬
‫حارا للغاية في السابق‪،‬‬
‫ً‬
‫ثانية أب ًدا‪ ،‬ليس بعد أن ذقت وصفة آنج الخاصة‬ ‫‪.‬لكن لن يكون كذلك‬

‫بحلول فترة ما بعد الظهيرة‪ ،‬استقللت قطار بارت‪ ،‬ثم إح==دى الح=افالت ال==تي تقط==ع جس==ر س==ان م==اتيو ذها ًب==ا وإيا ًب==ا ألص==ل إلى‬

‫منطقة إيست باي‪ .‬أخ==ذت أق=رأ النس=خة ال==تي حص=لت عليه==ا من رواي==ة «على الطري=ق»‪ ،‬وألتفت بين الحين واآلخ=ر للمن=اظر‬

‫الطبيعي=ة ال==تي تم==ر س=ري ًعا بج=انبي‪« .‬على الطري==ق» رواي==ة تش==به الس=يرة الذاتي==ة لج=اك ك=يرواك‪ ،‬وه=و ك==اتب س=كير م=دمن‬
‫للمخدرات كان يسافر متطفاًل بجميع أنحاء أمريكا‪ ،‬ويعمل في وظائف تافه==ة‪ ،‬يتس==كع في الش==وارع لياًل ويقاب==ل ً‬
‫أناس=ا وينفص=ل‬
‫ً‬
‫ولصوص=ا‪ ،‬وحق==راء‪ ،‬ومالئك==ة‪ .‬م==ا من حبك==ة في الواق==ع للرواي==ة؛ فمن‬ ‫عنهم‪ :‬هيبيز‪ ،‬ومتشردين بوج==وه واجم==ة‪ ،‬ومخ==ادعين‪،‬‬

‫المفترض أن كيرواك قد كتبها في ثالثة أسابيع على مجموعة أوراق كبيرة بينما هو غائب عن الوعي بفع=ل المخ=درات‪ ،‬لكنه=ا‬

‫مجموعة من األحداث المذهلة المتتالية؛ فهو يقيم صداقات مع أش==خاص ذات نزع==ة لت==دمير ال==ذات‪ ،‬مث==ل دين موري==ارتي ال==ذي‬

‫‪.‬ورطه في مخططات غريبة لم تنجح قط في الواقع‪ ،‬لكنها نجحت في الوقت نفسه إذا كنت تعلم ما أعنيه‬

‫حملت الكلمات إيقا ًعا لغويًا كدت أسمعه في رأسي‪ ،‬جعلني أرغب في االستلقاء في صندوق شاحنة نصف نقل‪ ،‬واالس==تيقاظ في‬

‫مدينة صغيرة مغبرة في مكان ما بوسط الوادي على الطريق إلى لوس أنجل==وس‪ ،‬أح==د تل=ك األم=اكن ال=تي تض=م محط==ة ب==نزين‬
‫ً‬
‫بسيط ا‪ ،‬ثم أخرج بعد ذلك إلى الحقول‪ ،‬وألتقي بأناس‪ ،‬وأشاهد أشياء‪ ،‬وأفعل أشياء أخرى‬ ‫‪.‬ومطعمًا‬
‫ً‬
‫مستيقظا لوقت متأخر من الليل للمراسلة الفوري==ة م==ع آنج ك==ان‬ ‫كانت الرحلة طويلة بالحافلة‪ ،‬وال بد أنني قد غفوت قلياًل ‪ .‬البقاء‬

‫مره ًق ا لي بناء على جدول مواعيد نومي؛ إذ كانت أمي ال تزال تتوقع نزولي لتناول الفط=ور معه==ا هي ووال=دي‪ .‬اس==تيقظت من‬

‫‪.‬النوم‪ ،‬ركبت حافلة أخرى‪ ،‬ووصلت سريعًا إلى مدرسة آنج‬

‫خرجت آنج من البوابة مرتدية زيها المدرسي‪ .‬لم أرها من قبل في هذا الزي‪ ،‬كان لطي ًفا على نحو غريب‪ ،‬وذكرني بف==ان وهي‬

‫‪.‬مرتدية الزي نفسه‪ .‬عانقتني طوياًل ‪ ،‬وقبَّلتني بقوة على وجنتي‬

‫»!قالت‪« :‬مرحبًا‬

‫»!مرحبًا«‬

‫»ماذا تقرأ؟«‬

‫كنت أنتظر ذلك السؤال‪ ،‬وميزت الفقرة‪ .‬قلت لها‪« :‬اسمعي ذل=ك‪« :‬أخ=ذا يرقص=ان في الش=وارع كالمج=انين الس=عداء‪ ،‬ومش=يت‬

‫بخطى متثاقلة خلفهما مثلما كنت أفعل طوال حياتي؛ أتتبع من يثيرون اهتمامي؛ ألن َمن أعتبرهم أناسًا بح==ق هم المج==انين‪ ،‬من‬

‫لديهم من الجنون ما يجعلهم يعيشون ويتحدثون ويُن َقذون ويرغبون في كل شيء في ال=وقت نفس=ه وال يتث=اءبون أب= ًدا أو يقول=ون‬

‫شي ًئا معتا ًد ا‪ ،‬بل يحترقون ويحترقون مثل األلعاب النارية الصفراء الخالبة التي تتفجر كالعناكب بين النجوم‪ ،‬وفي وسطها ترى‬

‫»‪».‬انفجارً ا للضوء األزرق‪ ،‬ويصيح الجميع متحمسين‬


‫أمسكت بالكتاب‪ ،‬وق=رأت الفق=رة بنفس=ها‪ ،‬ثم ق=الت‪« :‬ي=ا إلهي! المج=انين الس=عداء! لكم أحببت ذل=ك! ه==ل الكت=اب كل==ه على ه=ذا‬

‫»النحو؟‬

‫أخبرتها باألجزاء التي قرأتها‪ ،‬ونحن نسير بتمهل على الرص==يف تج==اه محط==ة الح==افالت‪ .‬وبمج==رد أن انعطفن==ا عن==د الناص==ية‪،‬‬
‫وضعت ذراعها حول خصري‪ ،‬في حين علَّ ُ‬
‫قت ذراعي حول كتفيها‪ .‬س==رت في الش=ارع م==ع فت==اة — رفيق==تي بالتأكي==د‪ ،‬ولم ال؟‬ ‫ْ‬

‫‪ —.‬نتحدث عن هذا الكتاب الرائع‪ .‬كنت في الجنة بالتأكيد؛= فقد جعلني ذلك أنسى مشاكلي لفترة قصيرة‬

‫»ماركوس؟«‬

‫استدرت‪ ،‬فوجدت فان‪ .‬ت==وقعت ذل==ك في عقلي الب==اطن‪ ،‬وق==د علمت ذل=ك ألن عقلي ال=واعي لم ين==دهش كث==يرً ا‪ .‬المدرس==ة ليس=ت‬

‫كبيرة‪ ،‬وخرجت جميع الطالبات في الوقت ذاته‪ .‬مضت أسابيع منذ آخر مرة تحدثت فيها مع فان‪ ،‬وتلك األسابيع ب==دت ش==هورً ا؛‬

‫‪.‬إذ اعتدنا التحدث كل يوم‬

‫قلت لها‪« :‬مرحبًا‪ ،‬فان!» وكبحت رغبتي في إنزال ذراعي عن كتفي آنج‪ .‬بدت فان مندهشة‪ ،‬لكنها ليست غاضبة‪ .‬ك=انت أك==ثر‬

‫‪.‬شحوبًا وتوترً ا‪ .‬نظرت إلينا بإمعان‬

‫»آنجيال؟«‬

‫»‪.‬فقالت آنج‪« :‬مرحبًا فانيسا‬

‫»ما الذي تفعله هنا؟«‬


‫ُ‬
‫شعرت بإحراج مفاجئ لرؤية فان لي مص==طحبًا فت==اة‬ ‫قلت — محاواًل أن أحافظ على نبرة صوتي الحيادية‪« :‬جئت للقاء آنج‪».‬‬

‫‪.‬أخرى‬

‫»‪.‬قالت فان‪« :‬أوه! حس ًنا‪ ،‬سعدت بلقائك‬


‫ً‬
‫ثانية‪« :‬سعدنا بلقائك أيضً ا يا فانيسا‬ ‫»‪.‬قالت آنج‪ ،‬وهي تديرني لتوجهني ناحية محطة الحافالت‬

‫»ثم قالت لي‪« :‬هل تعرفها؟‬

‫»‪.‬نعم‪ ،‬منذ أمد بعيد«‬

‫»هل كانت رفيقتك؟«‬

‫»‪.‬ماذا؟ كال! مطل ًقا! كنا أصدقاء فقط«‬

‫»كنتما؟«‬

‫شعرت كما لو أن فان كانت تسير خلفنا‪ ،‬وتتنصت علينا‪ ،‬رغم أنه بالسرعة التي كنا نسير به==ا‪ ،‬س==يكون عليه==ا ال==ركض لتلح=ق‬

‫بنا‪ .‬قاومت رغبتي الملحة في النظر خلفي قدر ما استطعت‪ ،‬ثم فعلت في النهاية‪ .‬سار خلفنا الكث==ير من طالب==ات المدرس==ة‪ ،‬لكن‬

‫‪.‬ليس من بينهن فان‬


‫كانت برفقتي أنا وخوسيه لويس وداريل عند إلقاء القبض علينا‪ .‬اعتدنا ممارسة ألع==اب الواق==ع الب==ديل معً= ا‪ .‬جمعت بينن==ا نحن«‬

‫»‪.‬األربعة صداقة حميمة‬

‫»وماذا حدث؟«‬
‫قلت مخف ً‬
‫ضا صوتي‪« :‬لم ترُق لها فكرة ش==بكة «إكس نت»‪ ،‬ورأت أنه==ا س==تجلب علين==ا المت==اعب‪ ،‬وأن==ني س==أوقع اآلخ==رين في‬

‫»‪.‬مشكالت‬

‫»ولذلك‪ ،‬لم تعودا صديقين؟«‬

‫»‪.‬ابتعد= ك ٌّل منا عن اآلخر فقط«‬

‫»سرنا بضع خطوات‪ ،‬ثم سألتني آنج‪« :‬هل ترافقتما؟‬

‫‪.‬فأجبتها‪« :‬كال!» كان وجهي ساخ ًنا‪ ،‬وشعرت أنني أبدو كاذبًا‪ ،‬رغم صدقي‬

‫‪.‬توقفت آنج‪ ،‬وأوقفتني وأخذت تتطلع وجهي‬

‫»هل كنتما كذلك بالفعل؟«‬

‫كال! صد ًقا! كانت عالقة صداقة فحسب؛ فهي وداريل … حس ًنا‪ ،‬ليس بالضبط‪ ،‬لكن داريل ك==ان معج ًب==ا به==ا‪ ،‬وم==ا ك==ان يمكن«‬
‫»… ً‬
‫أبدا‬

‫»لكن لوال إعجاب داريل بها‪ ،‬لكنت فعلت‪ ،‬صحيح؟«‬

‫كال‪ ،‬يا آنج‪ ،‬كال‪ .‬لتصدقيني‪ =،‬رجاءً‪ ،‬وتنسي األمر‪ .‬كانت فانيسا صديقة مقربة‪ ،‬ولم نعد كذلك اآلن‪ ،‬وهذا ما يزعجني‪ ،‬لكن==ني«‬

‫»لم أكن معجبًا بها على هذا النحو قط‪ ،‬حس ًنا؟‬

‫استرخت آنج قلياًل ‪ ،‬وقالت‪« :‬حس ًنا‪ ،‬حس ًن ا! أنا آسفة! فأنا لست على وفاق معها في الحقيقة‪ ،‬ولم نكن كذلك طوال السنوات ال==تي‬

‫»‪.‬عرف ك ٌل منا اآلخر فيها‬

‫ألتق بها من قبل قط؛ فلم تكن على وف==اق م==ع ف==ان‪ ،‬ومن ثم لم يرده==ا‬
‫هكذا عرفت كيف عرف خولو آنج طوال هذه الفترة‪ ،‬ولم ِ‬
‫‪.‬خولو أن تتردد= علينا‬

‫عانقتني طوياًل ‪ ،‬وتبادلنا القبل‪ .‬مرت مجموعة من الفتيات بجوارنا‪ ،‬وأخذن يصفرن؛ فاستقمنا‪ ،‬وتوجهن==ا إلى محط==ة الح=افالت‪.‬‬

‫‪.‬كانت فان تسير أمامنا اآلن‪ ،‬وال ُب َّد أنها مرت بنا أثناء تقبيلنا أحدنا لآلخر‪ .‬شعرت بالغباء المطبق‬

‫وقفت بالطبع في المحطة‪ ،‬وصعدت معنا الحافلة دون أن ينطق أيٌّ منا بكلمة‪ .‬حاولت التحدث مع آنج طوال الطريق‪ ،‬لكن ذل==ك‬

‫‪.‬كان غريبًا‬

‫ما خططنا له هو الذهاب لشرب القهوة‪ ،‬ثم التوجه لمنزل آنج لقضاء الوقت م ًعا‪ ،‬و«الدراسة»؛ أي التناوب على استخدام جهاز‬

‫«إكس بوكس» الخاص بها لالطالع على شبكة «إكس نت»‪ .‬كانت وال==دتها تع==ود للم==نزل مت==أخر ًة ي==وم الثالث==اء؛ إذ ك==ان ذل==ك‬
‫موعد درس اليوجا والعشاء مع رفيقاتها‪ .‬أما شقيقة آنج‪ ،‬فكان ل==ديها موع==د م==ع رفيقه==ا؛ ومن ثم لم يكن معن==ا أح==د في الم==نزل‪،‬‬

‫‪.‬وراودتني أفكار منحرفة بشأن ذلك منذ خططنا لما سنفعله‬


‫وصلنا إلى منزلها‪ ،‬صعدنا مباشر ًة إلى غرفتها‪ ،‬وأغلقنا الباب‪ .‬كانت غرفتها في حال==ة كارثي==ة؛ إذ َّ‬
‫غطته==ا طبق==ات من المالبس‬

‫والمفكرات وأجزاء من أجهزة الكمبيوتر الشخصي التي تخترق قدميك= بما عليهما من جوارب كالنباتات الشائكة‪ .‬ومكتبها أسوأ‬

‫من األرضية؛ إذ تكدست عليه أك=وام من الكتب والمجالت الهزلي=ة‪ ،‬ومن ثم انتهى بن=ا الح=ال على س=ريرها؛ األم=ر ال=ذي ك=ان‬

‫‪.‬مناسبًا تمامًا لي‬

‫تالشى بعض الشيء الحرج الذي شعرت به بسبب رؤيتي لفان‪ .‬قمنا بتشغيل جهاز «إكس بوكس» الخ=اص ب==آنج‪ ،‬وال==ذي ك=ان‬

‫في منتصف مجموعة متشابكة من األسالك‪ ،‬بعضها يصل إلى هوائي الس==لكي ربطت==ه بالناف==ذة ح==تى تتمكن من اس==تخدام ش==بكة‬

‫الواي فاي الخاصة بجيرانها‪ .‬اتصلت بعض هذه األسالك بشاشتي كم=بيوتر محم=ول ق=ديمتين حولتهم=ا إلى شاش=تين منفص=لتين‬

‫تستندان إلى حاملين وتحيط بهما إلكترونيات مكشوفة‪ .‬ووُ ضِ عت كل شاشة على كومود بج==وار الس==رير‪ ،‬م==ا يع==د وض==عًا رائعً= ا‬

‫لمشاهدة األفالم أو المراسلة الفورية أثناء االس==تلقاء على الس==رير … فيمكنه==ا إدارة الشاش==تين على جانبيهم==ا‪ ،‬واالس==تلقاء على‬

‫‪.‬جانبها‪ ،‬وبذلك تكون الشاشة في زاوية معتدلة‪ ،‬مهما كان الجانب الذي تستند عليه‬

‫كالنا عرف السبب الحقيقي لوجودنا في ذلك المكان‪ ،‬ونحن جالسان أحدنا بجوار اآلخر‪ ،‬أمام الكوم==ود المج==اور للس==رير‪ .‬كنت‬

‫أرتعش قلياًل ‪ ،‬ومدر ًكا تما ًما لدفء ساقها وكتفها الملتصقتين بساقي وكتفي‪ ،‬لكنني أردت الترك==يز في حرك==ات تس==جيل ال==دخول‬

‫‪.‬على شبكة «إكس نت»‪ ،‬والتحقق من رسائل البريد اإللكتروني التي وصلتني‪ ،‬وما إلى ذلك‬

‫وجدت رسالة من شاب قد اعتاد أن يبعث لي بمقاطع فيديو مضحكة سجلتها ك==اميرات الهوات==ف لرج==ال األمن الوط==ني بع==د أن‬

‫جن جنونهم‪ .‬كان آخر فيديو= يعرض تفكيكهم لعربة أطفال بع==د أن أظه==ر أح==د الكالب البوليس==ية الخاص==ة بالكش==ف عن القناب==ل‬

‫اهتمامًا بها‪ ،‬وذلك باستخدام المفكات في الش==ارع بمرس==ى الس==فن‪ ،‬بينم==ا األغني==اء يس==يرون بج==وارهم‪ ،‬يح==دقون ويتعجب==ون من‬

‫‪.‬غرابة ما يفعلون‬
‫ً‬
‫رابطا للفيديو‪ ،‬وته==افت الن==اس على تنزيل==ه‪ .‬ك==ان ذل==ك الش==اب ق==د وض==ع الفي==ديو على م==رآة أرش==يف اإلن==ترنت بمكتب==ة‬ ‫أعددت‬

‫اإلسكندرية في مصر‪ ،‬حيث يعرضون أي شيء مجا ًنا طالما أنك تستخدمه وف==ق ت==رخيص المش==اع اإلب==داعي ال==ذي يس==مح ألي‬

‫أحد بإعادة استخدامه ومشاركته‪ .‬واألرشيف األمريكي — الذي كان في حي بريسيديو الذي ال يبعد عنا سوى بضع دق==ائق —‬

‫جبر على التوقف عن عرض كل مقاطع الفيديو هذه بحج==ة األمن الوط==ني‪ .‬أم==ا أرش==يف اإلس==كندرية‪ ،‬فق==د اس==تقل في إدارت==ه‪،‬‬‫ُ‬
‫أ ِ‬
‫‪.‬وكان يعرض أي شيء يحرج الواليات المتحدة‬
‫ً‬
‫ح=دثا وق==ع عن==د‬ ‫أرسل إليَّ ذلك الشاب — واسمه كاميراسباي — مقطع فيديو أفضل من ذلك ه=ذه الم=رة‪ ،‬وه==و مقط=ع يس=جل‬

‫م==دخل مب==نى مجلس المدين==ة في مرك==ز المدين==ة‪ ،‬وه==و مب==نى أبيض ض=خم تغطي==ه التماثي==ل في الم==داخل الص==غيرة والزخ=ارف‬
‫واألوراق ذهبية اللون‪ .‬أمَّنت وزارة األمن الوطني محي==ط المب==نى‪ ،‬وع==رض الفي==ديو لقط==ة رائع==ة لنقط==ة التف==تيش حيث اق==ترب‬

‫‪.‬شخص يرتدي زي ضابط‪ ،‬وأوضح بطاقة هويته‪ ،‬ووضع حقيبته على سير األشعة السينية‬

‫كان كل شيء يسير على ما يرام إلى أن رأى أحد رجال وزارة األمن الوطني شي ًئا ما لم يرق له في األشعة السينية‪ ،‬فسأل عنه‬

‫الجنرال الذي أدار عينيه مستهز ًئا‪ ،‬ونطق بشيء غير مسموع (فقد ال ُتقِ==ط الفي==ديو من الجه==ة األخ==رى للطري==ق‪ ،‬على م==ا يب==دو‪،‬‬

‫باستخدام عدس=ة تق=ريب مخب=أة مص==نوعة في الم==نزل؛ ومن ثم ك=انت أغلب األص=وات في الفي==ديو ألن=اس يم==رون في الش=ارع‬

‫‪.‬وضوضاء السيارات)‬

‫دار ج=دال بين الج=نرال ورج=ال وزارة األمن الوط=ني‪ ،‬وكلم=ا ط=ال ج=دالهم‪ ،‬ازداد ع=دد رج=ال األمن الوط=ني ال=ذين تجمع=وا‬
‫حولهم‪ .‬وأخيرً ا‪َّ ،‬‬
‫هز الجنرال رأسه في غضب‪ ،‬ولوح بإص==بعه نح==و ص==در ض==ابط األمن الوط==ني‪ ،‬ورف==ع حقيبت==ه‪ ،‬وب==دأ يس==ير‬

‫‪.‬مبتع ًد ا‪ .‬صاح فيه ضباط األمن الوطني‪ ،‬لكنه لم يبطئ خطاه‪ ،‬ولغة جسده تصرِّ ح بأنه غاضب للغاية‬

‫ثم حدث ما حدث! ركض الضباط خلف الجنرال‪ .‬أبطأ كاميراسباي الفيديو عند ذلك المشهد ح==تى نتمكن من المش==اهدة باإليق==اع‬

‫البطيء منظرً ا تلو اآلخر‪ .‬استدار الجنرال بعض الش==يء‪ ،‬وارتس==مت على وجه==ه نظ==رة مفاده==ا‪« :‬لن أس==مح لكم ب==أي ح==ال أن‬

‫تقبضوا عليَّ »‪ ،‬ثم تحولت إلى نظرة فزع بتوجيه ثالثة ضباط أمن وطني ضخام البنية الضرب إليه ليس==قط على الرص==يف‪ ،‬ثم‬

‫اإلمساك به من المنتص=ف‪ ،‬كاإلمس=اك بالخص=م في مب=اراة ك=رة ق=دم لتنهي حيات=ه المهني==ة‪ .‬س=قط الج=نرال — ك=ان أش=يب في‬

‫منتصف العمر‪ ،‬يعلو وجهه الجالل والتجاعيد — بعنف على األرض‪ ،‬وارتد مرتين‪ =.‬اصطدم وجهه بالرصيف‪ ،‬ونفر ال==دم من‬

‫‪.‬أنفه‬

‫قيَّد ضباط األمن الوطني قدمي الجنرال‪ ،‬مع ربط كاحليه ومعصميه‪ .‬أخذ الجنرال يصيح بقوة‪ ،‬ووجهه تح==ول للَّون األرج==واني‬

‫والدم يتدفق من أنفه‪ .‬أوضحت اللقطات المقربة مرور األقدام بجواره‪ .‬نظر الم==ارة للرج==ل في زي==ه العس==كري وق==د قُيِّد‪ ،‬وك==ان‬

‫بإمكانك أن ترى من النظرة التي ارتسمت على وجهه أن ذلك ك==ان أس==وأ م==ا في األم==ر؛ اإلذالل وس==لب الكرام==ة‪ .‬وك==انت ه==ذه‬

‫‪.‬نهاية المقطع‬

‫قلت وعيناي ال تزاالن معلقتين بالشاشة بعد أن انتهى الفيديو‪ =،‬ويدي تعي==د تش==غيله‪« :‬ي==ا إلهي!» وك==زت آنج‪ ،‬وعرض==ت عليه==ا‬

‫‪.‬المقطع‪ .‬شاهدته دون أن تنطق بكلمة‪ ،‬وفغرت فاها‬

‫»!قالت‪« :‬لتنشر ذلك! لتنشره! لتنشره‬

‫نشرته‪ .‬استطعت بالكاد كتابة تعليق على الفيديو وأنا أنشره‪ ،‬وأضفت مالحظة أسأل فيه=ا م=ا إذا ك=ان أح=د يمكن=ه التع=رف على‬

‫‪.‬الرجل العسكري الموجود في الفيديو‪ =،‬وإن كان أحد يعلم أي شيء بخصوص هذه الحادثة‬

‫‪».‬ضغطت بعد ذلك على زر «نشر‬


‫ً‬
‫ثانية‬ ‫‪.‬شاهدنا الفيديو‬

‫‪.‬وصلتني حينذاك رسالة بريد إلكتروني‬


‫أعرف ذلك الرجل ً‬
‫جيدا … يمكنك أن تجد سيرته الذاتي=ة على موس=وعة ويكيبي=ديا‪ .‬إن=ه الج=نرال كل=ود جايس=ت‪ ،‬قائ=د البعث=ة«‬

‫»‪.‬المشتركة لقوات حفظ السالم التابعة لألمم المتحدة في هايتي‬

‫تحققت من السيرة الذاتية‪ =.‬تضمنت صورة للجنرال في مؤتمر صحفي‪ ،‬ومالحظات حول دوره في بعثة هايتي العس==يرة‪ ،‬وك==ان‬

‫‪.‬من الواضح أنه نفس الشخص الموجود في مقطع الفيديو‬

‫‪.‬حدَّثت ما نشرته‬

‫من الناحية النظرية‪ ،‬كانت تلك فرصتي أنا وآنج للمغازلة‪ ،‬لكن ذلك لم يكن ما انتهى بنا الحال لفعله‪ .‬أخ==ذنا نتنق==ل بين م==دونات‬

‫شبكة «إكس نت»‪ ،‬باحثين عن المزيد من الروايات عن ضباط األمن الوطني وهم يفتش==ون الن==اس‪ ،‬ويلق==ون القبض‪ ،‬ويعت==دون‬

‫عليهم‪ .‬اعتدت تلك المهمة؛ إذ فعلت ذلك مع جميع المواد المصورة والروايات المتعلقة بالشغب في المتنزه‪ ،‬وب==دأت فئ==ة جدي==دة‬

‫بمدونتي حول ذلك بعنوان «انتهاكات السلطة»‪ ،‬واحتفظت بهذه األمور فيه==ا‪ .‬ظلت آنج تق==ترح عليَّ مص==طلحات بحث جدي==دة‪،‬‬

‫وبحلول موعد عودة والدتها للمنزل‪ ،‬تضمنت الفئة الجديدة بالمدونة سبعين تدوينة‪ =،‬وحملت عنوان «إذالل الجنرال جايست في‬

‫‪».‬مجلس المدينة‬

‫•••‬

‫البيت» طوال اليوم التالي في المنزل‪ ،‬فأخ==ذت أق==رأ رواي==ة ك==يرواك وأتص==فح «إكس نت»‪ .‬كنت‬
‫عملت على بحثي عن «جيل ِ‬
‫ً‬
‫ثانية؛ فأرسلت إلى آنج رسالة أعتذر فيه=ا عن ع=دم‬ ‫أخطط للقاء آنج في المدرسة‪ ،‬لكنني تراجعت عندما فكرت أنني سأرى فان‬

‫‪.‬اللقاء بحجة العمل على البحث‬

‫وردت إليَّ اقتراحات رائعة عن «انتهاك==ات الس==لطة» بكاف==ة ص==ورها؛ المئ==ات من الم==واد البس==يطة والمهم==ة‪ ،‬ص==ور ومق==اطع‬

‫‪.‬صوتية‪ .‬كانت الفكرة تنتشر‬

‫وانتشرت بالفعل‪ .‬في صباح اليوم التالي‪ ،‬كان هناك المزيد‪ .‬أنشأ ش=خص م=ا مدون=ة جدي=دة باس=م «انتهاك=ات الس=لطة» ض=مت‬

‫‪.‬المئات من المواد األخرى‪ .‬وأخذت األعداد تتزايد‪ .‬تنافسنا في العثور على أكثر القصص ثراءً‪ ،‬والصور جنو ًنا‬

‫كان اتفاقي مع والديَّ أن أتناول معهما الفطور صباح كل يوم‪ ،‬وأتحدث معهما عن المش==روعات ال==تي كنت أعم==ل عليه==ا‪ .‬أحب==ا‬

‫قراءتي لكيرواك‪ .‬كان كتابًا مفضاًل لدى كليهما‪ ،‬واكتشفت أن خزانة الكتب في غرفتهما احتوت على نسخة منه‪ .‬جلبها لي أبي‪،‬‬

‫وقلبت في صفحاتها‪ .‬كانت هناك فقرات مح=ددة بقلم ج=اف‪ ،‬وص=فحات مطوي=ة‪ ،‬ومالحظ=ات في اله=وامش‪ .‬لق=د أحب أبي ذل=ك‬

‫‪.‬الكتاب ح ًّقا‬

‫ذكرني ذلك بوقت كان الحال فيه أفضل من تلك األي==ام‪ ،‬وذل==ك عن==دما ك==ان بإمك==اني التح==دث م==ع وال==دي لخمس دق==ائق دون أن‬

‫يصيح ك ٌّل منا في وجه اآلخر حول اإلرهاب‪ .‬تبادلنا أطراف حديث رائع على الفطور حول حبك==ة الرواي==ة‪ ،‬وكاف==ة المغ==امرات‬

‫‪.‬المجنونة بها‬

‫‪.‬لكن صبيحة اليوم التالي على الفطور‪ ،‬التصق كالهما بالراديو‬


‫انتهاكات السلطة» … آخر صور الجن==ون على ش==بكة «إكس نت» س==يئة الس==معة بس=ان فرانسيس==كو‪ ،‬وال==تي أس==رت انتب==اه««‬

‫العالم‪ .‬تتألف حرك==ة «انتهاك==ات الس==لطة» من «إخ=وة ص=غار» يراقب==ون إج=راءات وزارة األمن الوط==ني لمكافح==ة اإلره==اب‪،‬‬

‫موثقين تجاوزاتها وإخفاقاتها‪ .‬ما أثار األمر مقطع فيديو منتشر للجنرال كلود جايست‪ ،‬وهو ج==نرال متقاع==د حاص==ل على ثالث‬

‫=دل جايس==ت ب==أي تص==ريح عن الح==ادث‪ ،‬لكن‬


‫نجوم‪ ،‬وضباط األمن الوطني يضربونه على الرص==يف أم==ام مجلس المدين==ة‪ =.‬لم ي= ِ‬
‫‪.‬التعليقات من الشباب الغاضبين بسبب ما يلقونه من معاملة جاءت سريعة وغاضبة‬

‫أكثر ما يثير االنتباه هو االهتمام العالمي ال==ذي أثارت==ه ه==ذه الحرك==ة‪ ،‬ف==احتلت الص==ور الم==أخوذة من في==ديو جايس==ت الص==فحات‬

‫األولى بالصحف في كوريا‪ ،‬وبريطانيا العظمى‪ ،‬وألمانيا‪ ،‬ومصر‪ ،‬واليابان‪ ،‬وأذاعت المحطات التليفزيونية بجميع أنحاء الع==الم‬

‫مقطع الفيديو في النشرات اإلخبارية الرئيسية‪ ،‬ووصل األم==ر إلى ذروت==ه الليل==ة الماض==ية عن==دما ق==دم برن==امج «ناش==ونال ني==وز‬

‫إيفنينج» بهيئة اإلذاعة البريطانية تقريرً ا خا ًّ‬


‫صا عن عدم تغطية أية وكالة أخب=ار أو محط==ة تليفزيوني==ة أمريكي==ة للخ==بر‪ .‬وأش==ار‬

‫»‪.‬المعلقون على موقع بي بي سي اإللكتروني إلى أن نسخة البرنامج في قناة بي بي سي أمريكا لم تنقل التقرير‬

‫أذاعوا بعد ذلك بعض اللقاءات مع عدة شخص==يات‪ :‬مراق==بين ألداء اإلعالم البريط==اني‪ ،‬وش==اب من ح==زب القراص==نة الس==ويدي‬

‫يبدي مالحظات ساخرة حول الصحافة األمريكية الفاسدة‪ ،‬ومذيع أخبار أم==ريكي متقاع==د يعيش في طوكي==و‪ .‬وأذاع==وا بع==د ذل==ك‬

‫‪.‬مقط ًعا قصيرً ا من قناة الجزيرة مع مقارنة بين رواية الصحافة األمريكية ورواية وسائل اإلعالم اإلخبارية القومية في سوريا‬

‫شعرت بأن أبي وأمي يحدقان فيَّ ‪ ،‬وأنهما يعلمان ما كنت أفعله‪ .‬لكنني عندما حملت أطباقي من على المائ==دة‪ ،‬رأيت أنهم==ا كان==ا‬

‫‪.‬ينظر ك ٌّل منهما لآلخر‬

‫‪.‬كان أبي يمسك فنجان القهوة بصعوبة؛ نظرً ا الهتزاز يديه‪ ،‬وأمي تنظر إليه‬

‫»‪.‬قال أبي أخيرً ا‪« :‬إنهم يحاولون تشويه سمعتنا‪ ،‬يحاولون تخريب الجهود التي تهدف لحمايتنا‬
‫َّ‬
‫وهزت رأسها‪ ،‬فص=عدت إلى غرف==تي‪ ،‬وعملت على بحث ك=يرواك‪ .‬وم=ا إن س=معت ص=وت‬ ‫فتحت فمي‪ ،‬لكن أمي نظرت إلي‪،‬‬

‫‪».‬إغالق الباب مرتين حتى بدأت تشغيل جهاز «إكس بوكس»‪ ،‬ودخلت على شبكة «إكس نت‬

‫مرحبًا مايكي! أنا كولين براون‪ .‬أعمل منتجً ا بالبرنامج اإلخباري «ذا ناشونال» بهيئة= اإلذاعة الكندية‪ .‬نعد تقري==رً ا عن ش==بكة«‬

‫إكس نت‪ ،‬وقد بعثنا مراساًل إلى سان فرانسيسكو لتغطية الخبر من هناك‪ .‬هل تهتم ب==إجراء لق=اء معن=ا للمناقش==ة ح=ول جماعت=ك‬

‫»وأنشطتها؟‬

‫!حدقت في الشاشة‪ .‬يا إلهي! إجراء لقاء معي بشأن «جماعتي»؟‬

‫»!ال‪ ،‬شكرً ا؛ فاألولوية لدي للسرية‪ ،‬وهذه ليست «جماعتي»‪ .‬لكن شكرً ا إلعدادكم هذا التقرير«‬

‫‪.‬بعد دقيقة واحدة‪ ،‬رسالة أخرى‬

‫يمكن أن نض==ع قنا ًع= ا على وجه==ك‪ ،‬ونض==من أال يعلم أح==د بهويت==ك‪ =.‬تعلم أن وزارة األمن الوط==ني سيس==عدها أن يظه==ر معن==ا«‬

‫»‪.‬المتحدث باسمها‪ ،‬وأنا أهتم بأن أوضح الموضوع من جانبك‬


‫‪.‬حفظت الرسالة‪ .‬كان مح ًّقا‪ ،‬لكن فعل ذلك كان ضربًا من الجنون؛ فأنا على يقين أنه أحد رجال األمن الوطني‬

‫جمعت المزيد من المعلومات عن كيرواك‪ .‬وصلت رسالة أخرى تحمل الطلب نفسه من وكاالت إخبارية مختلفة‪« :‬كيه كيو إي‬

‫دي» أرادت االلتقاء بي وتسجيل لقاء إذاعي معي‪ ،‬ومحطة في البرازي==ل‪ ،‬وهيئ==ة اإلذاع==ة األس==ترالية‪ ،‬وإذاع==ة ص=وت ألماني==ا‪.‬‬

‫‪.‬تتابعت الطلبات الصحفية‪ ،‬ورفضي لها بأدب طوال اليوم‬

‫‪.‬لم أقرأ الكثير في رواية كيرواك في ذلك اليوم‬

‫•••‬

‫قالت آنج‪« :‬فلتعقد مؤتمرً ا صحف ًّي ا»‪ ،‬عند جلوسنا في المقهى المجاور لمنزلها مساء ذلك اليوم‪ ،‬فلم تعد ل==دي رغب==ة في ال==ذهاب‬

‫‪.‬إليها في المدرسة بعد ذلك‪ ،‬والصعود على متن الحافلة نفسها مع فان مرة أخرى‬

‫ت صوابك؟«‬
‫»ماذا؟ هل فقد ِ‬
‫ً‬
‫مركزا تجاريًا ال يُس َمح فيه بالمنافس=ات بين الالع=بين‪ ،‬وح==دد موع= ًدا‪«.‬‬ ‫فلتفعل ذلك في لعبة «كلوك وورك بالندر»‪ .‬اختر فقط‬

‫»‪.‬يمكنك= تسجيل الدخول من هنا‬


‫بعض أجزاء لعبة «كلوك وورك بالندر» كانت أر ً‬
‫ض ا محايدة؛ ما يعني أنه كان بإمكاننا من الناحية النظرية إحضار عدد هائل‬

‫‪.‬من الصحفيين غير المتمرسين دون القلق من أن يقتلهم ممارسو اللعبة في منتصف المؤتمر الصحفي‬

‫»‪.‬ليست لدي أية فكرة عن المؤتمرات الصحفية«‬

‫شخص=ا ق==د كتب مق==ااًل عن كيفي==ة إقام==ة م==ؤتمر ص==حفي ن==اجح‪ .‬إذا تمكن«‬
‫ً‬ ‫لتبحث عنها على جوجل فق==ط‪ .‬من المؤك==د أن ثم==ة‬

‫»‪.‬الرئيس من فعل ذلك‪ ،‬فأنا موقنة أنه بوسعك فعله‪ ،‬فيبدو أنه يتمكن بالكاد من عقد رباط حذائه دون مساعدة‬

‫‪.‬طلبنا مزي ًدا من القهوة‬

‫»‪.‬قلت‪« :‬أنت فتاة ذكية للغاية‬

‫»‪.‬فقالت‪« :‬وجميلة‬

‫»‪.‬وذلك أيضًا«‬
‫الفصل الخامس عشر‬
‫أهدي هذا الفصل إلى سلسلة متاجر الكتب الكندية الوطنية العمالقة تشابترز‪/‬إين==ديجو‪ =.‬لق==د كنت أعم==ل في باك==ا — متج==ر كتب‬

‫الخيال العلمي المستقل — عندما فتحت سلسلة تشابترز أول متجر له==ا في تورونت==و‪ ،‬وعلمت أن ش==ي ًئا عظي ًم==ا ك==ان يح==دث في‬

‫هذا الوقت؛ ألن اثنين من أفضل عمالئنا وأكثرهم اطال ًعا مرَّ ا عليَّ في باك==ا إلخب==اري بأن==ه ق==د تم تعيينهم==ا إلدارة قس==م الخي==ال‬

‫العلمي هناك‪ .‬ومن البداية‪ ،‬رفعت تشابترز المعيار لما يجب أن يكون عليه متجر كتب ضخم‪ ،‬بم ِّد ساعات العمل في==ه‪ ،‬وإض==افة‬

‫مقهى لطيف بالمكان‪ ،‬والعديد من المقاعد‪ ،‬وتخصيص أماكن للخدمة الذاتية داخل المتجر‪ ،‬وض==م مجموع==ة متنوع==ة مذهل==ة من‬

‫‪.‬الكتب‬

‫***‬

‫أعلنت عن المؤتمر الصحفي بالمدونة‪ ،‬حتى قبل أن أرسل الدعوات للصحافة‪ .‬كان بوسعي أن أرى أن جميع هؤالء الصحفيين‬
‫يريدون أن يجعلوا مني قائ ًدا أو جنرااًل أو زعي ًما لحرب عصابات‪ ،‬وتوصلت إلى أن أحد سبل إصالح ذلك ه==و أن يك==ون معي‬

‫‪.‬مجموعة من مستخدمي شبكة «إكس نت» لإلجابة عن األسئلة أيضًا‬

‫بعثت بعد ذلك برس=ائل بري=د إلك=تروني إلى الص=حافة‪ ،‬وتن=وعت ال=ردود م=ا بين ح=يرة وتحمس‪ .‬مراس=لة واح=دة فق=ط من قن=اة‬

‫«فوكس» استشاطت غضبًا لوقاحتي في أن أطلب منه==ا أن تلعب لعب==ة ألظه==ر في برنامجه==ا التليفزي==وني‪ ،‬أم==ا الب==اقون‪ ،‬فب==دوا‬

‫‪.‬سعداء بالفكرة‪ ،‬وإن أراد العديد= منهم الكثير من الدعم الفني لتسجيل الدخول في اللعبة‬

‫حددت الموعد الساعة الثامنة مساءً‪ ،‬بع==د العش=اء‪ .‬ظلت أمي تؤنب==ني على األمس=يات ال=تي كنت أقض==يها خ=ارج الم==نزل إلى أن‬

‫صارحتها أخيرً ا بعالقتي بآنج؛ األمر الذي جعلها تبدو غريبة األطوار‪ ،‬وظلت تنظ==ر لي نظ==رة األم الس==عيدة بابنه==ا ال==ذي يك==بر‬

‫ت األمر بأن قطعت وع ًدا ألمي بأن أُحضِ ر آنج الليلة التالية إذا تمكنت من الذهاب للسينما‬ ‫ْ‬
‫واستغلل ُ‬ ‫أمام عينيها‪ .‬أرادت لقاء آنج‪،‬‬

‫‪.‬معها تلك الليلة‬


‫ً‬
‫ثانية (ما كانتا تبقيان في المنزل كثيرً ا في الواقع)‪ ،‬وبذلك كنت أنا وآنج وحدنا في غرفتها مع‬ ‫كانت والدة آنج وشقيقتها بالخارج‬

‫جهاز إكس بوكس الخاص بك ٍّل منا‪ .‬فصلت إحدى الشاشتين الموجودتين بجوار السرير‪ ،‬وأوصلتها بجهاز إكس بوكس الخاص‬

‫‪.‬بي‪ ،‬لنتمكن من تسجيل الدخول معً ا في آن واحد‬


‫ُ‬
‫‪.‬كان الجهازان متوقفين عن العمل‪ ،‬ومسجاًل فيهما الدخول على لعبة «كلوك وورك بالندر»‪ .‬لقد كنت أ ِ‬
‫سرع‬
‫ً‬
‫قائلة‪« :‬يتضمن سوق «باتش آي بيت» ‪٦٠٠‬‬ ‫قالت آنج‪« :‬ستسير األمور على ما يرام‪ ».‬حدقت في شاشتها‪ ،‬وواصلت الحديث‬

‫العب اآلن!» لقد اخترنا ذلك السوق ألنه األقرب لميدان القري=ة؛ حيث يظه=ر الالعب=ون الج=دد‪ =.‬إذا لم يكن الص=حفيون الع=بين‬

‫بالفعل في لعبة «كلوك وورك بالندر»‪ ،‬فذلك هو المكان الذي س==يظهرون في==ه‪ .‬في التدوين=ة= بم=دونتي‪ =،‬طلبت من الن==اس بوج==ه‬

‫عام االنتظار في الطريق بين «باتش آي بيت» وبوابة دخول الالعبين الجدد‪ =،‬وتوجيه أي شخص يبدو كصحفي يجه==ل المك==ان‬

‫‪.‬إلى السوق‬
‫»يا إلهي! ماذا سأقول لهم؟«‬

‫»‪.‬لتجب عن أسئلتهم فحسب‪ .‬وإذا لم يعجبك أي سؤال‪ ،‬فلتتجاهله‪ .‬يمكن ألحد آخر اإلجابة عنه‪ .‬ستسير األمور على ما يرام«‬

‫»‪.‬هذا جنون«‬

‫هذا رائع يا ماركوس‪ .‬إذا أردت االنتق==ام من وزارة األمن الوط==ني ح ًّق==ا‪ ،‬فعلي==ك إحراجه==ا‪ .‬وليس مع==نى ذل==ك أن تتف==وق على«‬

‫»‪.‬رجالها في إطالق النار‪ ،‬وإنما سالحك الوحيد هو القدرة على جعلهم يبدون= كالحمقى‬

‫استلقيت على السرير‪ ،‬وضعت آنج رأسي في حجرها‪ ،‬وأخذت تمرر يدها برفق على شعري‪ .‬غيَّرت قصة شعري ع==دة م==رات‬

‫قبل التفجيرات‪ ،‬وصبغته بكافة األلوان الغريبة‪ .‬لكن منذ أن خرجت من السجن‪ ،‬لم أع==د أهتم؛ فص==ار ط==وياًل وأش==عث‪ ،‬ف==دخلت‬
‫إلى الحمام‪ ،‬وقصصته بماكينة قص الشعر ليصل طوله إلى نصف بوصة من كافة األنح==اء‪ ،‬وهك==ذا لم يع=د= يتطلب مجه= ً‬
‫=ودا في‬

‫‪.‬العناية به‪ ،‬وجعلني غير ملحوظ عندما كنت أعمل على التشويش ونسخ شرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات الالسلكية‬

‫فتحت عينيَّ ‪ ،‬وحدقت في عينيها ال ُب ِّنيتين= الكبيرتين من خلف نظارتها‪ .‬كانت==ا مس==تديرتين‪ ،‬ص==افيتين‪ =،‬مع==برتين‪ .‬ك==انت تبرزهم==ا‬

‫‪.‬للخارج عندما تريد إضحاكي‪ ،‬أو تجعلهما رائقتين وحزينتين‪ =،‬أو ناعستين على نحو يجعلني أذوب فيهما‬

‫‪.‬وكان ذلك ما تفعله في تلك اللحظة‬

‫استقمت في جلستي بهدوء‪ ،‬وعانقتها‪ .‬بادلتني العناق‪ ،‬وقبَّل ك ٌّل منا اآلخر‪ .‬كانت مذهلة في التقبيل‪ .‬أعلم أنه سبق أن قلت ذل==ك‪،‬‬

‫‪.‬لكنها معلومة تستحق التكرار‪ .‬تبادلنا القبل كثيرً ا‪ ،‬لكن لسبب ما كنا نتوقف دائمًا قبل أن نتمادى لما هو أكثر من ذلك‬

‫أما اآلن‪ ،‬فقد أردت التمادي لما هو أكثر‪ .‬عثرت يدي على حافة التي شيرت الذي كانت ترتدي==ه‪ ،‬فرفعت==ه‪ .‬وض==عت ي==ديها على‬

‫رأسها‪ ،‬وانحنت للوراء قلياًل ‪ .‬كنت أعلم أنها ستفعل ذلك‪ ،‬كنت أعلم منذ= ليلة المتنزه‪ .‬لعل ذلك هو السبب وراء عدم تمادين==ا لم==ا‬
‫‪.‬هو أكثر في المرات السابقة؛ كنت أعلم أنني ال أستطيع الثقة في أنها ستتراجع‪ ،‬األمر الذي أخافني قلياًل‬

‫لكنني لم أكن خائ ًفا في تلك اللحظات‪ .‬المؤتمر الصحفي الذي أوش==ك على االنعق==اد‪ ،‬الش==جارات م==ع وال==ديَّ ‪ ،‬االهتم==ام الع==المي‪،‬‬

‫‪.‬الشعور بتحركات نشطة حول المدينة‪ =،‬كل ذلك جعلني أشعر باإلثارة الشديدة‬

‫‪.‬هذا فضاًل عن أنها جميلة‪ ،‬وذكية‪ =،‬وماهرة‪ ،‬وخفيفة الظل‪ ،‬وبدأت أحبها‬

‫انسل التي شيرت الذي كانت ترتديه‪ ،‬وقد س=اعدتني ح=تى أخلع=ه عنه=ا‪ .‬وض=عت ي=ديها خل=ف ظهره=ا وق=امت بش=يء‪ ،‬وك=انت‬

‫النتيجة أنني قد وجدت حمالة الصدر وهي تسقط‪ .‬حملقت مشدو ًها ولم أستطع الحركة أو التنفس‪ ،‬ثم قامت هي بشد التي شيرت‬

‫‪.‬الخاص بي ونزعته عني‪ ،‬ثم جذبتني ووضعت صدري العاري في مقابل صدرها‬
‫وتأوهن=ا‪ .‬ق َّبلَ ْ‬
‫ت ك=ل مك=ان في ص=دري‬ ‫تدحرجنا ببطء على السرير‪ ،‬والتصق ك ٌّل من=ا ب=اآلخر‪ ،‬واعتص=ر ك=ل من=ا جس=د اآلخ=ر َّ‬
‫ُ‬
‫فعلت أنا‪ .‬لم أستطع التنفس‪ ،‬لم أستطع التفكير‪ ،‬كل ما استطعت فعله فقط هو التحرك والتقبيل واللمس‬ ‫‪.‬وكذلك‬

‫زادت جرأتنا وتجاوزنا هذا‪ .‬قمت بخلع بنطالها عنها تدريج ًّيا‪ ،‬وفعلت هي كذلك بي‪ .‬وفي لحظة‪ ،‬كنا نحن االثنان مج==ردَين من‬

‫‪.‬المالبس‪ ،‬فيما عدا جوربي الذي قمت بخلعه بأصابع قدميَّ‬


‫حينذاك‪ ،‬وقعت عيناي على الساعة التي توضع بج==انب الس==رير وال==تي ت==دحرجت من==ذ وقت طوي==ل على األرض وظلت هن==اك‬

‫‪.‬تعكس نورها علينا‬


‫صِ حت‪« :‬اللعنة! سيبدأ بع=د دقيق=تين!» لم أك=د أص=دق أن=ني س=أتوقف عم=ا أوش=كت فعل=ه‪ ،‬أع=ني أن=ه ل=و أن ً‬
‫أح=دا س=ألني‪« :‬ي=ا‬

‫م=اركوس‪ ،‬أنت على وش=ك ممارس=ة الجنس ألول م=رة في حيات=ك على اإلطالق‪ ،‬ه=ل س=تتوقف عن فع=ل ذل=ك إذا فجَّ رت ه=ذه‬

‫‪.‬القنبلة النووية في الغرفة التي ستفعله فيها؟» فستكون إجابتي «ال» بيِّنة ال لبس فيها‬

‫‪.‬لكن الحقيقة هي أننا توقفنا بالفعل من أجل هذا‬

‫أمسكت آنج بي‪ ،‬وج==ذبت وجهي نح==و وجهه==ا‪ ،‬وأخ==ذت تقبل==ني إلى أن ظننت أن==ني س==أفقد وع==يي‪ .‬أمس==كنا بع==د ذل==ك بمالبس==نا‪،‬‬

‫‪».‬وارتديناها‪ ،‬ثم أمسكنا بلوحتي المفاتيح والفأرتين وتوجهنا إلى سوق «باتش آي بيت‬

‫•••‬

‫كان بإمكانك تحديد الصحفيين بسهولة؛ فهم غير المتمرسين الذين بدوا كسكارى م==ترنحين‪ ،‬يتم==ايلون لألم==ام والخل==ف‪ ،‬وألعلى‬

‫وأسفل‪ ،‬محاولين استيعاب كل شيء‪ ،‬ويضغطون أحيا ًنا على مفتاح خاطئ‪ ،‬ويقدمون للغرباء جزءًا من مخزون سلعهم أو كل==ه‪،‬‬

‫‪.‬أو يعانقونهم أو يركلونهم بين الحين واآلخر‬

‫ضا؛ فكنا جمي ًعا نلعب لعبة «كلوك وورك بالندر» متى كان لدينا وقت فراغ‬
‫كان من اليسير تحديد مستخدمي شبكة إكس نت أي ً‬

‫(أو لم تكن لدينا رغبة في تنفيذ الواجبات المنزلية)‪ ،‬ولنا هيئة مزين==ة؛ إذ نحم==ل أس==لحة أنيق==ة وأش==را ًكا على المف==اتيح ت==برز من‬

‫‪.‬ظهورنا لتمسك بأي شخص يحاول خطفها إلنفاد طاقتنا‬

‫عندما ظهرت‪ ،‬عرضت رسالة النظام العبارة التالي==ة‪« :‬دخ==ل م==ايكي س==وق «ب==اتش آي بيت»‪ :‬مرح ًب==ا أيه==ا المالح‪ ،‬نحن نق==دم‬

‫صفقة عادلة مقابل الغنيمة الجيدة‪ ».‬توقف جميع الالعبين على الشاش==ة عن الحرك==ة‪ ،‬ثم تجمع==وا ح==ولي‪ ،‬وانه==الت المحادث==ات‪.‬‬

‫فكرت في تشغيل الترحيل الصوتي‪ ،‬واستخدام سماعة رأس‪ ،‬لكنني عندما رأيت عدد الناس ال==ذين ك==انوا يح==اولون التح==دث في‬

‫‪.‬آن واحد‪ ،‬أدركت كم سيكون األمر مرب ًك ا‪ .‬كانت الرسائل النصية أيسر في تتبعها‪ ،‬وال يمكنهم االقتباس منها على نحو خاطئ‬

‫استكشفت الموقع من قبل مع آنج‪ ،‬كان اللعب معها أمرً ا عظيمًا؛ إذ كان بوسع ك= ٍّل من==ا تجدي==د نش==اط اآلخ==ر‪ .‬ك==ان هن==اك موق==ع‬

‫‪.‬مرتفع على مجموعة من صناديق مؤن الملح يمكنني الوقوف عليها‪ ،‬ويراني الجميع من كل مكان في السوق‬

‫مساء الخير‪ ،‬وشكرً ا لكم جمي ًعا على الحضور‪ .‬اسمي مايكي‪ ،‬ولست زعيمًا ألي شيء‪ .‬ح==ولكم في ك==ل مك==ان مس==تخدمو ش==بكة‬

‫إكس نت الذين لديهم ما يقولونه عن سبب وجودنا هنا مثلي تمامًا‪ .‬إنني أستخدم ش==بكة إكس نت ألن==ني أُومن بالحري==ة ودس==تور‬

‫الواليات المتحدة األمريكية‪ =.‬إنني أستخدم شبكة إكس نت ألن وزارة األمن الوطني قد حولت مدينتي إلى دول==ة ش=رطية جميعن==ا‬

‫فيها إرهابيون مشتبه فيهم‪ .‬إنني أستخدم شبكة إكس نت ألنني أرى أنه ال يمكن حماية الحرية باالعتداء على ميثاق الحقوق‪ .‬لقد‬

‫‪:‬عرفت معلومات عن الدستور في مدرسة بكاليفورنيا‪ ،‬ونشأت على حب بالدي لحريتها‪ .‬وإن كانت لدي فلسفة‪ ،‬فهي ما يلي‬
‫تنشأ الحكومات بين الناس‪ ،‬مستمد ًة سلطاتها العادلة من موافقة المحكومين‪ .‬وإنه عندما يصبح أي ش==كل من أش==كال الحكم في«‬

‫أي وقت من األوقات هادمًا ومدمرً ا لهذه الغايات‪ ،‬يصبح من ح==ق الش==عب أن يغيِّره أو يطيح ب==ه ويش= ِّكل حكوم==ة جدي==دة مقي ًم==ا‬
‫ِّ‬
‫ومنظ ًما سلطاتها وفق الكيفية التي تبدو له أفضل مالءمة لتحقيق سالمته ورفاهيته‬ ‫»‪.‬أساسها على المبادئ‪،‬‬

‫»‪.‬ليس ذلك من تأليفي‪ ،‬لكنني أُومن به‪ .‬وزارة األمن الوطني تحكمني دون موافقتي«‬

‫»‪.‬شكرً ا لكم«‬

‫كنت قد كتبت ه==ذه الكلم=ات في الي=وم الس=ابق‪ ،‬ووص=لت إلى ص==يغتها النهائي==ة بع=د ع=دد من المس=ودات بالتش=اور م=ع آنج‪ .‬إن‬

‫ثوان لكل من في اللعب==ة لقراءته==ا‪ .‬هت==ف الكث==ير من مس==تخدمي إكس‬


‫ٍ‬ ‫وضعها على اللعبة لم يستغرق سوى ثانية واحدة‪ ،‬وبضع‬

‫‪.‬نت مهللين‪ ،‬وارتفعت السيوف وصدحت الببغاوات وطارت فوق الرءوس‬


‫تدريج ًّيا‪ ،‬اطلع الصحفيون على هذه الكلمات أي ً‬
‫ضا‪ ،‬وانهالت المحادث==ات س=ريعً ا لدرج=ة تك==اد تح=ول دون قراءته==ا‪ ،‬والعدي=د= من‬

‫مستخدمي شبكة إكس نت يرددون عبارات من قبيل «بالض==بط!» و«أمريك==ا‪ ،‬فلتحبه==ا أو تتركه==ا!» و«رج==ال األمن الوط==ني‪،‬‬

‫‪.‬فلترحلوا!» و«أمريكا تخرج من سان فرانسيسكو»‪ ،‬كل الشعارات التي تناقلتها مدونات إكس نت‬

‫مايكي‪ ،‬معك بريا راجنيش من بي بي سي‪ .‬تقول إنك لست زعيمً=ا ألي=ة حرك=ة‪ ،‬لكن=ك ت=ؤمن ب=أن هن=اك حرك=ة بالفع=ل؟ ه=ل«‬

‫» ُتسمَّى إكس نت؟‬

‫هناك العديد من اإلجابات؛ فبعض الناس يقولون إنه لم تكن هناك حركة‪ ،‬والبعض يقول العكس‪ ،‬وتتعدد األفكار بشأن اسم ه==ذه‬

‫‪».‬الحركة‪ :‬إكس نت‪ ،‬اإلخوة الصغار‪ ،‬األخوات الصغيرات‪ ،‬واسمي المفضل «الواليات المتحدة األمريكية‬

‫أخذت األفكار تدور في رأسي‪ ،‬أطلقت العنان لها‪ ،‬محاواًل الوصول إلى ما يمكنني قوله‪ ،‬وم==ا إن توص==لت إلي==ه ح==تى كتبت م==ا‬

‫‪:‬يلي‬

‫»‪.‬أعتقد أن ذلك يجيب عن سؤالك‪ ،‬أليس كذلك؟ قد تكون هناك حركة واحدة أو أكثر‪ ،‬وقد يكون اسمها «إكس نت» أو ال«‬

‫مايكي‪ ،‬اسمي داج كريستينسين من «واشنطن إنترنت دايلي»‪ .‬في رأيك ماذا تفعل وزارة األمن الوط==ني لمن==ع وق==وع هج==وم«‬

‫»آخر على سان فرانسيسكو‪ ،‬إذا لم يكن ما تفعله مجديًا؟‬

‫مزيد من األفكار المتداخلة‪ .‬قال كثيرون إن اإلرهابيين والحكوم==ة واح==د؛ س==واء ب==المعنى الح==رفي للكالم أو بمع==نى أنهم==ا على‬

‫الدرجة نفسها من السوء‪ .‬وق==ال البعض إن الحكوم==ة ع==رفت كي==ف تقبض على اإلره==ابيين‪ ،‬لكنه==ا فض==لت ع==دم فع==ل ذل==ك ألن‬

‫‪«.‬رؤساء الحرب» أعيد انتخابهم‬

‫»‪.‬ال أعلم«‬

‫‪:‬كتبت أخيرً ا‬

‫ال أعلم ح ًّقا‪ .‬أسأل نفسي ه==ذا الس==ؤال كث==يرً ا ألن==ني ال أرغب في أن أتع==رض للتفج==ير‪ ،‬أو تتع==رض م==دينتي ل==ذلك‪ .‬وإليكم م==ا«‬

‫توصلت إليه‪ :‬إذا كانت مهمة وزارة األمن الوطني هي الحفاظ على أمننا‪ ،‬فهي فاشلة في ذلك؛ فكل الهراء الذي تفعله لن يحول‬
‫دون تفجير الجسر مرة أخرى‪ :‬تع ُّقبنا بأرجاء المدينة‪ =،‬سلبنا حريتنا‪ ،‬زرع الشك والعداء في نفوسنا بعضنا تجاه البعض‪ ،‬إطالق‬

‫»‪.‬صفة الخائنين على المعارضين‪ ،‬اإلرهاب يهدف لترهيب الناس‪ ،‬وهذا ما تفعله بي وزارة األمن الوطني‬

‫ليست لدي أية فرصة للتعبير عن رأيي فيما يفعله اإلرهابيون بي‪ ،‬لكن إذا كانت ه==ذه دول==ة ح=رة‪ ،‬يجب أن أك==ون ق=ادرً ا على«‬

‫»‪.‬األقل على أن أقول رأيي فيما يفعله رجال الشرطة بي‪ .‬يجب أن أكون قادرً ا على منعهم من إرهابي‬

‫»!أعلم أن هذه ليست إجابة جيدة‪ .‬آسف«‬

‫»ماذا تعني بقولك إن وزارة األمن الوطني لن توقف اإلرهابيين؟ كيف تعلم بذلك؟«‬

‫»من أنت؟«‬

‫»‪».‬أعمل لدى صحيفة «سيدني مورنينج هيرالد«‬

‫أبلغ من العمر ‪ ١٧‬عا ًم ا‪ ،‬ولست بالطالب المتفوق على الدوام أو أي شيء من هذا القبي==ل‪ .‬رغم ذل==ك‪ ،‬فق==د توص=لت إلى عم==ل«‬
‫شبكة تواصل ال يمكن ألحد التجسس عليها‪ ،‬وتوصلت أي ً‬
‫ضا لكيفية التشويش على ما تستخدمه ال=وزارة من تقني==ة لتتب=ع الن=اس؛‬

‫فتمكنت بذلك من تحويل أبرياء إلى مشتبه فيهم‪ ،‬ومذنبين إلى أبرياء في نظر الوزارة‪ ،‬ويمكنني بذلك أيضً ا إدخال مواد معدني==ة‬

‫على الطائرات أو التحايل على قائمة الممنوعين من السفر‪ .‬اكتشفت ذلك عن طريق البحث على اإلن==ترنت والتفك==ير‪ .‬وإذا ك==ان‬

‫»بإمكاني فعل ذلك‪ ،‬فبإمكان اإلرهابيين أيضً ا‪ .‬لقد أخبرونا بأنهم سلبوا حريتنا لتحقيق األمن لنا‪ ،‬فهل تشعر باألمان؟‬

‫»‪.‬في أستراليا؟ بالطبع‪ .‬نعم‪ ،‬أشعر باألمان«‬

‫‪.‬ضحك جميع القراصنة‬

‫طرح مزيد من الصحفيين أسئلة‪ ،‬بعضهم كان متعاط ًفا‪ ،‬والبعض اآلخ==ر ك==ان ع==دائ ًّيا‪ ،‬وعن==دما ش==عرت ب==التعب‪ ،‬أعطيت لوح==ة‬

‫المفاتيح آلنج‪ ،‬وتركتها تلعب دور مايكي لفترة من الوقت‪ .‬لم أعد أشعر في الحقيقة بأنني ومايكي شخص واحد؛ فم==ايكي ش==اب‬

‫يحادثه الصحفيون الدوليون‪ ،‬ومؤسس حركة‪ .‬أما ماركوس‪ ،‬فهو طالب مفصول من المدرسة‪ ،‬يتشاجر مع وال==ده‪ ،‬ويتس==اءل م==ا‬

‫‪.‬إذا كان جديرً ا بفتاته الرائعة أم ال‬

‫بحلول الساعة الحادية عشرة مساءً‪ ،‬كنت قد نلت كفايتي من ذلك المؤتمر‪ ،‬هذا فضاًل عن توق==ع وال==ديَّ ع==ودتي للم==نزل قري ًب==ا‪.‬‬

‫‪.‬سجلت الخروج من اللعبة‪ ،‬وكذلك فعلت آنج‪ ،‬واستلقينا هناك للحظات‪ .‬أمسكت بيدها‪ ،‬وضغطت عليها بقوة‪ ،‬وتعانقنا‬

‫‪.‬قبَّلتني‪ ،‬وهمست بشيء ما‬

‫»سألتها‪« :‬ماذا؟‬

‫»فأجابت‪« :‬قلت لك إنني أحبك‪ .‬ماذا؟ أتريد مني أن أرسلها إليك في تلغراف؟‬

‫»!يا إلهي«‬

‫»هل فاجأتك إلى هذا الحد؟«‬

‫»‪.‬ال‪ ،‬لكنني فقط … كنت سأصارحك بذلك أيضًا«‬


‫‪.‬قالت‪« :‬بالتأكيد‪ =،‬كنت ستفعل‪ ».‬وعضَّت طرف أنفي‬

‫»‪.‬فقلت لها‪« :‬كل ما في األمر أنني لم أقلها ألحد من قبل؛ لذلك كنت أتأهب لها‬

‫»‪.‬أنت لم تقلها بعد‪ .‬ال تظن أنني لم أالحظ ذلك‪ .‬نحن الفتيات نركز في هذه األمور«‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬أحبك يا آنج كارفيلي‬

‫»‪.‬وأنا أيضً ا أحبك يا ماركوس يالو«‬

‫‪.‬أخذنا يقبِّل كل منا اآلخر حتى كادت تنقطع أنفاسنا‪ .‬حينذاك‪ ،‬طرقت أمها الباب‬

‫»قالت‪« :‬آنجيال‪ ،‬أعتقد أنه قد حان وقت عودة صديقك لمنزله‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫ً‬
‫قائلة‪« :‬س==يقولون كم‬ ‫قالت وهي تلوح بيدها كما لو كانت تلوح ببلطة‪« :‬نعم يا أمي‪ ».‬وأثناء ارتدائي للجورب والحذاء‪ ،‬همست‬

‫كانت آنجيال فتاة مطيعة‪ ،‬من ك==ان يتوق==ع ح==دوث ذل==ك‪ .‬لطالم==ا قض==ت أوقاته==ا في الفن==اء الخلفي تس=اعد وال==دتها في ش=حذ تل==ك‬

‫»‪.‬البلطة‬
‫ُ‬
‫ضحكت‪ ،‬وقلت لها‪« :‬ليست لديكِ فكرة عن مدى الحرية التي تتمتعين= بها هنا‪ ،‬فما من سبيل أن يتركنا والداي وحدنا في غرف==ة‬

‫»‪.‬نومي حتى الساعة الحادية عشرة‬

‫‪».‬فقالت وهي تنظر في ساعتها‪١١ : ٤٥« :‬‬

‫‪.‬صحت‪« :‬اللعنة!» وربطت حذائي‬

‫قالت‪« :‬ارحل‪ ،‬اركض‪ ،‬تحرر! انظر يمي ًن=ا ويس=ارً ا قب=ل عب=ور الطري=ق! وداعً= ا‪ ،‬اتص=ل بي في أق=رب وقت‪ ،‬ال تتوق=ف ح=تى‬

‫»‪.‬لعناق! إذا لم تخرج من هنا قبل رقم عشرة‪ ،‬فستقع في مشكالت سيدي‪ .‬واحد‪ ،‬اثنان‪ ،‬ثالثة‬

‫أسكتها بأن زحفت على السرير‪ ،‬وقبَّلتها إلى أن توقفت عن محاولة الع ِّد‪ .‬نزلت على الدَّرج وجه==از إكس ب==وكس تحت ذراعي‪،‬‬

‫‪.‬راضيًا بما حققته من نصر‬

‫وقفت والدتها عند نهاية الدرج‪ .‬لم أقابلها سوى مرات معدودة‪ .‬ك=انت ص=ورة من ابنته=ا آنج‪ ،‬لكن أط=ول وأك=بر س= ًّنا‪ ،‬وترت=دي‬

‫عدسات الصقة بداًل من النظارات‪ .‬قالت آنج إن والدها كان أقصر منهما‪ .‬ب==دت وق==د ص==نفتني على نح==و م==تردد كف==تى ص==الح‪،‬‬

‫‪.‬وقدَّرت ذلك منها‬

‫»‪.‬قلت‪« :‬تصبحين على خير سيدة كارفيلي‬

‫‪.‬فأجابت‪« :‬تصبح على خير سيد يالو‪ ».‬اعتدنا تبادل التحية على هذا النحو منذ أن ناديتها بلقب سيدة كارفيلي في لقائنا األول‬

‫‪.‬وجدت نفسي أقف قل ًقا عند الباب‬

‫»سألتني‪« :‬ماذا هناك؟‬

‫»‪.‬فأجبتها‪« :‬شكرً ا الستضافتي هنا‬

‫»‪.‬مرحبًا بك دومًا في منزلنا أيها الشاب«‬


‫‪.‬وقلت أخيرً ا‪« :‬وشكرً ا على آنج‪ ».‬كرهت كم بدا ذلك مبتذاًل ‪ =،‬لكنها ابتسمت ابتسامة عريضة‪ ،‬وعانقتني‬

‫»‪.‬قالت‪« :‬على الرحب والسعة‬

‫أخذت أفكر وأنا في الحافلة طوال طريقي إلى المنزل في المؤتمر الص=حفي‪ ،‬ومغ=ازلتي آلنج‪ ،‬ووال=دتها ال=تي تبتس=م في وجهي‬

‫‪.‬وهي تقودني إلى الباب‬


‫ً‬
‫مقتبس=ا من المق=ال‬ ‫كانت أمي تنتظر قدومي للمنزل‪ .‬سألتني عن الفيلم‪ ،‬وأجبت عليها باإلجابة التي كنت قد أع==ددت له=ا مس==ب ًقا‪،‬‬

‫‪».‬النقدي الذي ُكتِب عن الفيلم في صحيفة «باي جارديان‬

‫عندما استغرقت في النوم‪ ،‬عادت األحالم تراودني عن المؤتمر الصحفي‪ .‬كنت فخورً ا به ح ًّقا؛ فمن الرائع أن يظهر كل أولئ==ك‬

‫الصحفيين المهمين= في اللعبة‪ ،‬وأن أجعلهم يستمعون إليَّ وإلى ك==ل من آمن==وا بم==ا كنت أُومن ب==ه‪ .‬نمت واالبتس==امة ترتس==م على‬

‫‪.‬شفتيَّ‬
‫•••‬

‫‪.‬كان ينبغي لي أن أكون أكثر وعيًا‬

‫»‪.‬زعيم شبكة إكس نت‪« :‬يمكنني إدخال مواد معدنية= على الطائرات‬

‫»‪.‬وزارة األمن الوطني تحكمني دون موافقتي«‬

‫»‪.‬شباب شبكة إكس نت‪« :‬الواليات المتحدة تخرج من سان فرانسيسكو‬

‫كانت هذه هي العناوين «الجيدة»‪ .‬أرسل إليَّ الجميع المقاالت الص==حفية كي أض==عها على المدون==ة‪ ،‬لكن ذل==ك ك==ان آخ==ر ش==يء‬

‫‪.‬أرغب في فعله‬

‫لقد أفسدت األمر‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ .‬لقد حضرت الجهات الصحفية المؤتمر الصحفي‪ ،‬وتوصلت إلى أنن==ا إره==ابيون أو أدوات في‬
‫ً‬
‫متحدثة عن‬ ‫أيديهم‪ .‬أسوأ ما حدث كان من مراسلة من فوكس نيوز ظهرت على الشاشة‪ ،‬وخصصت عشر دقائق للتعليق علينا‪،‬‬

‫‪«:‬خيانتنا الجنائية»‪ .‬كانت عبارتها األهم التي وجدتها تتكرر بجميع الجهات اإلخبارية هي‬

‫يقولون إنه ال اسم لهم‪ ،‬وقد وجدت لهم اسمًا؛ فلنطلق على هؤالء الشباب المُدلَّل اسم «قاع==دة كاليفورني==ا»؛ فهم ي==ؤدون عم==ل«‬
‫اإلرهابيين في الجبهة الداخلية‪ .‬وعندما تتعرض — أقصد عندما تتعرض وليس إذا تعرضت — كاليفورني==ا لهجم==ات مج= ً‬
‫=ددا‪،‬‬

‫»‪.‬فسيُل َقى باللوم على هؤالء الشباب المزعجين بقدر ما سيُل َقى على آل سعود‬

‫اتهمنا كذلك قادة حركة مناهضة الحرب بأنن==ا عناص==ر ذات آراء متطرف==ة‪ ،‬وظه==ر ش==خص على شاش==ة التليفزي==ون ليق==ول إنن==ا‬

‫‪.‬مجندون من وزارة األمن الوطني لتشويه سمعتهم‬

‫عقدت وزارة األمن الوطني مؤتمرً ا صحف ًّيا من جانبها لتعلن أنها ستضاعف قواتها األمني==ة في س==ان فرانسيس==كو‪ ،‬وأعلنت عن‬

‫عثورها على ناسخ لشرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات الالسلكية في مكان م==ا‪ ،‬وتمت تجربت==ه عل ًن==ا باس==تخدامه في تمثي==ل‬
‫ً‬
‫خاصة الذين ال تظه==ر‬ ‫سرقة سيارة‪ ،‬ونصحت الوزارة الجميع بضرورة الحذر من الشباب الذين يتصرفون تصرفات مشبوهة‪،‬‬

‫‪.‬أيديهم للعيان‬

‫كان ذلك أمرً ا جا ًّدا‪ .‬أنهيت بحثي عن كيرواك‪ ،‬وبدأت في بحث عن حرك==ة «ص==يف الحب»‪ ،‬وه==و ص==يف ع==ام ‪١٩٦٧‬؛ حيث‬

‫تجمع الهيبيز وأعضاء الحركة المناهضة للحرب إلى س==ان فرانسيس==كو‪ .‬إن من أسس==وا ش==ركة «بين آن==د ج==يريز» — وال==ذين‬

‫كانوا من الهيبيز أنفسهم — شيدوا متح ًفا للهيبيز في شارع هايت‪ ،‬باإلضافة إلى المع==ارض وس==جالت المحفوظ==ات ال==تي يمكن‬

‫‪.‬االطالع عليها بأنحاء المدينة‬

‫لكن التجول في األرجاء لم يكن يسيرً ا‪ .‬بحلول نهاية األسبوع‪ ،‬كنت قد خضعت للتفتيش أربع مرات في المتوسط يوم ًّي==ا‪ .‬تحق==ق‬

‫رجال الشرطة من بطاقة هويتي‪ ،‬وطرحوا عليَّ األسئلة بشأن س==بب وج==ودي في الش==ارع‪ ،‬م==ع ق==راءة متأني==ة لخط==اب مدرس==ة‬

‫ضح فيه أنني موقوف عن الدراسة‬


‫‪.‬شافيز المو َّ‬
‫حالفني الحظ‪ ،‬ولم ي َ‬
‫ُلق القبض عليَّ ‪ ،‬لكن باقي أعضاء شبكة إكس نت لم يكونوا بالقدر نفسه من الحظ‪ .‬وكل ليل==ة‪ ،‬ك==انت وزارة‬

‫األمن الوطني تعلن اعتقالها لع==دد أك==بر من «زعم==اء الفتن==ة» و«العمالء الس==ريين» بش==بكة إكس نت‪ ،‬أش==خاص لم أع==رفهم أو‬

‫أسمع عنهم من قبل امتألت بهم شاشات التليفزيون ومعهم أجهزة كشف عن شرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات الالس=لكية‪،‬‬

‫وغير ذلك من المعدات التي كانت في جيوبهم‪ .‬وأعلنوا أن الناس يرشدون عن أس==ماء بعينه==ا ض==من «ش==بكة إكس نت»‪ ،‬وأن==ه‬
‫‪.‬من المتوقع القبض على المزيد من الناس قريبًا‪ .‬واسم «مايكي» كان متداواًل‬

‫أحب أبي ذلك‪ .‬شاهدنا األخبار م ًع ا‪ ،‬وهو يحدق بإعجاب‪ ،‬وأنا منكمش من الخوف‪ .‬قال أبي‪« :‬يجدر بك أن ت==رى م==ا س==يفعلونه‬

‫مع هؤالء الشباب‪ .‬لقد رأيت ذلك بعيني‪ .‬سيأتون ببعض هؤالء الشباب‪ ،‬ويتحققون من قوائم أصدقائهم على برنامج المراسالت‬

‫الفورية وأرقام االتصال السريع على الهواتف الخاصة بهم‪ ،‬ويبحثون عن األسماء التي يتك=رر ظهوره=ا‪ ،‬والنم=اذج المتك=ررة‪،‬‬

‫»‪.‬ليلقوا القبض على المزيد من الشباب‪ .‬سوف يفككون تلك الشبكة تمامًا‬

‫ألغيت موع==د العش==اء م==ع آنج في مكانن==ا المفض==ل‪ ،‬وص==رت أقض==ي مزي= ًدا من ال==وقت ل==ديها في الم==نزل‪ ،‬وأطلقت عليَّ أخته==ا‬

‫الصغرى تينا اسم «الضيف»‪ ،‬فتقول على سبيل المثال‪« :‬هل سيتناول الضيف العشاء معنا الليلة؟» أحببت تينا‪ .‬ك==ل م==ا ك==انت‬

‫تهتم به هو الخروج‪ ،‬والذهاب إلى الحفالت‪ ،‬وااللتقاء بالشباب‪ ،‬لكنه==ا ك==انت ظريف==ة ومخلص==ة تما ًم==ا آلنج‪ .‬في إح==دى اللي==الي‪،‬‬

‫شخص=ا لطي ًف==ا‪ ،‬وأخ==تي مجنون==ة‬


‫ً‬ ‫وبينما كنا نغسل األطباق م ًعا‪ ،‬ج َّففت يديها وقالت لتفتح حوارً ا معي‪« :‬أتعلم يا ماركوس؟ تبدو‬

‫ضا أحبك‪ .‬لكن عليَّ أن أخبرك بشيء‪ :‬إذا تسببت في كسر قلبه==ا‪ ،‬فس==أتتبعك وأم==زق أحش==اءك‪ ،‬وس==يكون ذل==ك س==ي ًئا‬
‫بك‪ ،‬وأنا أي ً‬

‫»‪.‬ج ًّدا‬

‫طمأنتها بأن قلت لها إنني أُفضِّل أن أمزق أحش==ائي بنفس==ي ب==داًل من أن أكس==ر قلب آنج‪ .‬فأوم==أت برأس==ها وق==الت‪« :‬إذن‪ ،‬فنحن‬

‫»‪.‬متفقان على ذلك‬


‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬وتف ُّقدنا لمدونات ش==بكة إكس نت‪ .‬ك==ان ذل==ك م==ا نفعل==ه أغلب‬ ‫قلت آلنج‪« :‬إن أختك مجنونة!» أثناء استلقائنا على سريرها‬

‫‪.‬الوقت‪ :‬المغازلة وقراءة ما يرد على شبكة إكس نت‬

‫»‪.‬هل حادثتك عن «تمزيق األحشاء»؟ أكره فعلها لذلك‪ .‬إنها تحب التحدث على هذا النحو ال أكثر‪ .‬ال يتعلق األمر بك«‬

‫‪.‬قبَّلتها‪ ،‬وواصلنا القراءة‬

‫قالت‪« :‬استمع إلى ذلك‪ .‬ستعلن الشرطة نهاية ه==ذا األس==بوع عن القبض على أربعمائ==ة إلى س==تمائة ش==خص فيم==ا تعت==بره أك==بر‬

‫»‪.‬حملة مُن َّسقة على منشقي شبكة إكس نت حتى اآلن‬

‫‪.‬شعرت أنني سأتقيأ‬

‫أناس=ا يج==رون مزي= ًدا من التش==ويش ليظه==روا أنهم ليس==وا خ==ائفين‪ .‬أليس ذل==ك‬
‫قلت آلنج‪« :‬علين==ا إيق==اف ذل==ك‪ .‬تعلمين= أن هن==اك ً‬

‫»جنو ًنا؟‬

‫»‪.‬فقالت‪« :‬أعتقد أنها شجاعة‪ .‬ال يمكننا أن نسمح لهم بإخضاعنا عن طريق إخافتنا‬

‫ماذا؟ ال يا آنج‪ ،‬ال‪ .‬ال يمكننا أن نسمح ب==دخول المئ==ات من الن==اس إلى الس==جن‪ .‬أنت لم تدخلي==ه‪ ،‬لكن==ني دخلت==ه‪ .‬إن==ه أس==وأ مم==ا«‬

‫»‪.‬تظنين‪ .‬إنه أسوأ مما تتخيلينه‬


‫»‪.‬يمكنني التخيل ً‬
‫جيدا«‬
‫ً‬
‫ثانية‪ .‬إذا فعلت ذلك‪ ،‬فأنا الشخص الذي«‬ ‫توقفي عن ذلك‪ ،‬حس ًنا؟ فلتتحدثي بجدية للحظة‪ .‬لن أفعل ذلك‪ ،‬لن أرسل الناس للسجن‬

‫»‪.‬تتحدث عنه فان‬

‫أنا أتحدث بجدية يا ماركوس‪ .‬أتعتقد أن الناس ال يعلمون أن==ه يمكن أن ي==دخلوا الس==جن؟ إنهم يؤمن==ون بالقض==ية‪ ،‬وك==ذلك أنت‪«.‬‬

‫»‪.‬فلتجعلهم يعرفون ما هم مقدمون عليه‪ .‬لست أنت من يقرر ما المخاطر التي يمكنهم خوضها أو ال‬

‫»‪.‬إنها مسئوليتي ألنني إذا طلبت منهم أن يتوقفوا‪ ،‬فسيفعلون«‬

‫»‪.‬ظننت أنك لست القائد«‬

‫لست القائد‪ ،‬بالطبع لست كذلك‪ .‬لكن بإمكاني المساعدة إذا لجئوا إليَّ للحصول على إرشاد‪ .‬وطالما يفعلون ذل==ك‪ ،‬فأن==ا مس==ئول«‬

‫»عن مساعدتهم في البقاء آمنين‪ .‬تفهمين ما أعنيه‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫كل ما أفهمه هو أنك ستهرب عند ظهور بوادر وقوع أول مشكلة‪ .‬أعتقد أنك خائف من أن يكتشفوا هويتك‪ =.‬أعتقد أنك خ==ائف«‬

‫»‪.‬على نفسك‬

‫»‪.‬قلت‪ ،‬وأنا أستقيم في جلستي وأبتعد عنها‪« :‬هذا ليس منص ًفا‬

‫»ح ًّقا؟ َمن كاد يصاب بأزمة قلبية عندما علم أن هويته السرية قد ُكشِ ف عنها؟«‬

‫»كان ذلك مختل ًفا‪ .‬لم يكن األمر يتعلق بي‪ ،‬تعلمين ذلك‪ .‬لماذا تتصرفين هكذا؟«‬

‫»لماذا تتصرف «أنت» هكذا؟ لماذا ال تريد أن تكون الشاب الذي واتته الشجاعة ليبدأ كل ذلك؟«‬
‫»‪.‬هذه ليست شجاعة‪ ،‬وإنما انتحار«‬

‫»‪.‬ميلودراما مراهقين رخيصة يا مايكي«‬

‫»!ال تناديني بهذا االسم«‬

‫»أي اسم؟ «مايكي»؟ لماذا يا مايكي؟«‬


‫ً‬
‫عائدا إلى المنزل‬ ‫‪.‬ارتديت حذائي‪ ،‬وحملت حقيبتي‪ ،‬وسرت‬

‫»لماذا ال أقوم بالتشويش؟«‬

‫»‪.‬لن أخبر أح ًدا بعد ذلك بما عليه فعله؛ ألنني لست قائ ًدا ألحد‪ ،‬بغض النظر عما تراه فوكس نيوز«‬
‫رأيت أن ذلك الصواب‪ ،‬فقد تفعله َ‬
‫أنت أيضًا«‬ ‫َ‬ ‫ك بما أخطط لفعله‪ .‬وإذا‬
‫»‪.‬لكنني سأخبر َ‬
‫لن أقوم بالتشويش‪ .‬ليس هذا األسبوع‪ ،‬وربما ليس األس=بوع الت=الي ً‬
‫أيض=ا‪ ،‬وليس ألن=ني خ=ائف‪ ،‬وإنم=ا ألن=ني بال=ذكاء الك=افي«‬

‫ألعلم أن وجودي خارج السجن أفيد كثيرً ا من دخولي إياه‪ .‬لقد علموا كي==ف يوقف==ون خطتن==ا؛ ول==ذا علين==ا أن نتوص==ل إلى خط==ة‬
‫َّ‬
‫أفلت من‬ ‫جدي==دة‪ .‬ال أهتم م==ا الخط==ة‪ ،‬لكن==ني أري==دها أن تنجح‪ .‬من الغب==اء التع==رض لالعتق==ال؛ ف==األمر ال يتع==دى التش==ويش إذا‬

‫»‪.‬العقاب‬

‫ك‪ ،‬وأص=دقائهم‪ ،‬وأص=دقاء«‬


‫ك للقبض على أص=دقائ َ‬ ‫ثم=ة س=بب آخ=ر لع=دم ممارس=ة التش=ويش؛ إذا قُ ِبض علي= َ‬
‫ك‪ ،‬فق=د يس=تخدمون َ‬
‫ك حتى وإن لم يكونوا من مستخدمي شبكة إكس نت؛ وذلك ألن وزارة األمن الوطني‬
‫أصدقائهم‪ .‬وقد يلقون القبض على أصدقائ َ‬
‫»‪.‬تشبه الثور الهائج‪ ،‬وال يعنيهم إن كان من قبضوا عليه هو الشخص المطلوب أم ال‬

‫عليك ما تفعله«‬
‫َ‬ ‫»‪.‬ال أملي‬

‫لكن رجال وزارة األمن الوطني أغبياء‪ ،‬ونحن أذكياء‪ .‬التشويش يثبت أنه ليس بوسعهم مكافحة اإلره==اب؛ ألن==ه يؤك==د أنهم ال«‬

‫عليك‪ ،‬فسيجعلهم ذلك َيبدون وكأنهم أذكى منا‬


‫َ‬ ‫»‪.‬يمكنهم إيقاف مجرد مجموعة من الشباب‪ .‬فإذا أُلقي القبض‬

‫ليسوا أذكى م َّنا! العكس هو الص==حيح‪ .‬لنكن أك==ثر ذك==اءً‪ .‬لنص==ل إلى طريق==ة للتش==ويش عليهم‪ ،‬بغض النظ==ر عن ع==دد الحمقى«‬

‫»‪.‬الذين ينشرونهم في مدينتنا‬

‫‪.‬أرسلت ذلك‪ ،‬وذهبت للنوم‬

‫‪.‬افتقدت آنج‬

‫•••‬

‫لم أتحدث أنا وآنج على مدى األيام األربعة التالية‪ ،‬والتي تضمنت عطلة نهاية األسبوع‪ ،‬وعدت بعد ذلك إلى المدرسة‪ .‬اتص==لت‬

‫‪.‬بها كثيرً ا‪ ،‬وكتبت لها اآلالف من رسائل البريد اإللكتروني والرسائل الفورية التي لم أبعث بها‬

‫عدت إلى حصة الدراسات االجتماعية‪ ،‬رحبت بي الس==يدة آندرس==ن بانحن==اءة س==اخرة‪ ،‬وس==ألتني برق==ة كي==ف ك==انت «اإلج==ازة»‬

‫‪.‬خاصتي‪ .‬جلست‪ ،‬ولم أنطق بشيء‪ .‬كان بإمكاني سماع صوت تشارلز وهو يضحك ضحكة خافتة‬
‫كان الدرس عن «القدر المحتوم» المتمثل في فكرة أن األمريكيين= مُق َّدر لهم الهيمنة على الع==الم بأكمل==ه (أو على األق==ل ه==ذا م=ا‬

‫‪.‬جعلت آندرسن األمر يبدو عليه)‪ .‬وكان من الواضح أنها تحاول إثارتي كي أقول شي ًئا ما لتتمكن من طردي‬

‫شعرت بأن العيون جميعها في الفصل موجهة إليَّ ‪ ،‬وذكرني ذلك بمايكي ومن ينظ==رون إلي==ه نظ==رة تبجي==ل‪ .‬س==ئمت من العي==ون‬

‫‪.‬المعلقة عليَّ ‪ ،‬وشعرت بأنني أفتقد آنج‬

‫‪.‬قضيت ما تبقى من اليوم دون أن يخلف أي شيء أي تأثير عليَّ ‪ ،‬وال أظن أنني قد نطقت بثماني كلمات كاملة‬

‫‪.‬وأخيرً ا‪ ،‬انتهى اليوم‪ ،‬وركلت األبواب متوجهًا نحو البوابات‪ ،‬وحي ميشن السخيف ومنزلي الفاتر‬

‫لم أكد أخرج من البوابة حتى اصطدم بي شخص ما‪ .‬كان شا ًّبا متشر ًدا ربما يماثلني في العم==ر أو يك==برني قلياًل ‪ ،‬وك==ان يرت==دي‬
‫ً‬
‫جهازا لتقطي==ع الخش==ب‪ .‬انس==دل‬ ‫ضا‪ ،‬وحذا ًء رياض ًّيا متآكاًل كما لو كان قد دخل‬ ‫ً‬
‫ملوثا بالشحم‪ ،‬وبنطال جينز فضفا ً‬ ‫معط ًفا طوياًل‬

‫‪.‬شعره الطويل على وجهه‪ ،‬وغطت لحية شعثة عنقه في غير انتظام وصواًل إلى ياقة السترة المحبوكة عديمة اللون‬

‫لمحت كل هذه التفاصيل أثناء استلقائي بجواره على الرصيف‪ ،‬والناس يمرون بجانبنا ويرمقوننا بنظرات غريبة‪ .‬يب==دو أن==ه ق==د‬

‫اصطدم بي أثناء ركضه بشارع فالينسيا‪ ،‬وانحنى مع حمل حقيبة الظهر التي خ=رجت محتوياته=ا بج=واره على الرص=يف‪ ،‬وق=د‬

‫‪.‬غطته أقالم التحديد= في رسوم هندسية عابثة‬

‫‪.‬نهض ليجلس على ركبتيه‪ ،‬وأخذ يتأرجح لألمام والخلف‪ ،‬كما لو كان تحت تأثير الخمر أو اصطدمت رأسه‬

‫»قال‪« :‬آسف‪ ،‬لم أرك‪ ،‬هل أصبت بسوء؟‬

‫‪.‬نهضت أنا أيضً ا‪ ،‬لم أشعر بأنني أصبت بسوء‬

‫»‪.‬كال‪ ،‬لم يحدث شيء«‬

‫وقف وابتسم‪ .‬كانت أسنانه مستقيمة وناصعة البياض كما لو كانت في إعالن عن عيادة لتقويم األسنان‪ .‬م َّد يده نحوي‪ ،‬واتسمت‬

‫‪.‬قبضته بالقوة‬

‫أنا عن جد آسف‪ ».‬كان صوته أيضًا واضحً ا ودااًّل على الذكاء‪ .‬توقعت أن يكون صوته كالسكارى الذين يتحدثون مع أنفسهم«‬

‫‪.‬أثناء تجولهم في حي ميشن في وقت متأخر من الليل‪ ،‬لكن صوته بدا كموظف مطلع في متجر للكتب‬

‫»‪.‬قلت له‪« :‬ال بأس‬

‫‪.‬م َّد يده مرة أخرى‬

‫»‪.‬قال‪« :‬زيب‬

‫»‪.‬فقلت‪« :‬ماركوس‬
‫ً‬
‫ثانية«‬ ‫ً‬
‫مصادفة‬ ‫»!تشرفت بلقائك يا ماركوس‪ .‬أتمنى أن ألقاك‬

‫‪.‬حمل حقيبة ظهره ضاح ًكا‪ ،‬واستدار ومضى سريعً ا‬

‫•••‬
‫سرت ما تبقى من الطريق إلى المنزل في حالة من االرتباك‪ .‬كانت والدتي تجلس على طاولة المطبخ‪ .‬تبادلنا أط==راف الح==ديث‬

‫‪.‬عن أشياء غير مهمة‪ ،‬وما كانت عليه أحوالنا قبل أن يتغير كل شيء‬

‫صعدت إلى غرفتي‪ ،‬ارتميت بتثاقل على الكرس=ي‪ .‬وه==ذه الم==رة‪ ،‬لم أرغب في تس=جيل ال==دخول على ش==بكة إكس نت‪ .‬كنت ق==د‬

‫دخلت عليها صباح ذلك اليوم قبل الذهاب إلى المدرسة‪ ،‬واكتشفت أن مالحظتي ق==د أث==ارت ج==داًل واس==ع النط==اق بين َمن اتفق==وا‬

‫‪.‬معي ومن انزعجوا — ومعهم العذر في ذلك — من أنني أطلب منهم التخلي عن نشاطهم المفضل‬

‫كنت في خضم العمل على مشروعات عديدة= عندما بدأ كل ذلك؛ فقد كنت أصمم كاميرا ذات ثقب من مكعبات الليجو‪ ،‬وأمارس‬

‫التصوير الفوتوغرافي بالطائرات الورقية باستخدام كاميرا رقمية قديمة= ذات زر ي==برز من موض==ع غ==ريب يمت==د للخ==ارج عن==د‬

‫اإلطالق‪ ،‬ويرجع للخلف ببطء إلى شكله األصلي ليحرك مصراع الكاميرا على فترات زمنية منتظمة‪ =.‬ك==ان ل==ديَّ مك==بر معتم=د=‬

‫على صمامات مُفرَّ غة وضعته داخل علبة زيت زيتون صدئة متبعجة قديمة للغاي=ة‪ ،‬وال=ذي ب==دا ككش=ف أ َث=ري‪ .‬وم=ا إن انتهيت‬
‫‪.‬منه حتى َّ‬
‫خططت لتصميم قاعدة شحن لهاتفي‪ ،‬ومجموعة من مكبرات الصوت من علب التونة‬

‫تفقدت طاولة العمل الخاصة بي‪ ،‬وأمسكت أخيرً ا بالكاميرا ذات الثقب‪ .‬من الناحية المنهجية‪ ،‬تمتعت بالسرعة المناسبة ل==تركيب‬

‫‪.‬مكعبات الليجو‬

‫خلعت ساعة يدي‪ ،‬والخاتم الفضي السميك الذي يوضع في إصبعين‪ ،‬وكان على شكل قرد ومقاتل نينجا مت==أه َبين للقت==ال‪ .‬ألقيت‬

‫بالساعة والخاتم في الصندوق الصغير الذي احتفظت فيه بكل األشياء التي كنت أحملها في جي==وبي وح=ول عنقي قب=ل الخ=روج‬

‫لقضاء يومي‪ :‬الهاتف‪ ،‬والمحفظة‪ ،‬والمفاتيح وجهاز البحث عن إش=ارات ال=واي ف=اي‪ ،‬والنق=ود الفك=ة‪ ،‬والبطاري=ات‪ ،‬والك=ابالت‬

‫‪.‬القابلة للسحب … إلخ‪ .‬أفرغت كل ذلك في الصندوق‪ ،‬ووجدتني أمسك بشيء آخر ال أذكر وضعي له في جيبي‬
‫كان قطعة ورق رمادية ناعمة الملمس مثل النسيج الصوفي الناعم‪ ،‬وخشنة عن==د األط==راف حيث المك==ان ال==ذي ُم= ِّ‬
‫=زقت من==ه من‬

‫ورقة أكبر حجمًا‪ .‬ومكتوب على الورقة بخط دقيق ومكتوب بعناية تفوق أي خط آخر رأيته من قبل‪ .‬فتحت الورق==ة‪ ،‬ورفعته==ا‪.‬‬

‫غطت الكتابة جانبي الورقة من الزاوية اليسرى العلي=ا بأح=د ال=وجهين وص=واًل إلى توقي=ع غ=ير مق=روء بالج=انب األيمن األدنى‬

‫‪.‬بالوجه اآلخر‬

‫‪».‬وما كان في التوقيع سوى اسم‪« :‬زيب‬

‫‪:‬رفعت الورقة‪ ،‬وبدأت أقرأ ما فيها‬

‫»عزيزي ماركوس«‬

‫أنت ال تعرفني‪ ،‬لكنني أعرفك‪ .‬على مدار الشهور الثالثة الماضية‪ ،‬منذ= تفجير جسر باي‪ ،‬كنت مسجو ًنا على جزيرة «تريجر«‬

‫آيالند»‪ ،‬وقد كنت في الفناء في ذلك اليوم الذي تح==دثت في==ه م==ع فت==اة آس==يوية األص==ل‪ ،‬وأ ُ ِ‬
‫مس=ك ب==ك‪ .‬أحيي==ك على ش==جاعتك في‬

‫»‪.‬ذلك‬
‫أُصِ بت بانفجار في الزائدة الدودي==ة في الي==وم الت==الي‪ ،‬وانتهى بي الح==ال في المستش==فى‪ .‬وفي الس==رير المج==اور لي رق==د ش==اب«‬

‫ي==دعى داري==ل‪ .‬ظللن==ا م ًع= ا في مرحل==ة نقاه==ة لف==ترة طويل==ة‪ ،‬وعن==دما اس==تعدنا عافيتن==ا‪ ،‬ك==ان من المح==رج للغاي==ة لهم أن يطلق==وا‬

‫»‪.‬سراحنا‬

‫ومن ثم‪ ،‬قرروا أننا مذنبون بما ال يدع مجااًل للشك‪ .‬أخذوا يستجوبوننا ك==ل ي==وم‪ .‬لق==د خض==عت الس==تجواباتهم على م==ا أعتق==د‪«.‬‬

‫تخيل استمرار ذلك شهورً ا‪ .‬انتهى بي الحال مع داريل في زنزانة واحدة‪ ،‬وكنا نعلم أنهم يتنصتون علين==ا؛ ول==ذلك لم نتح==دث إال‬

‫في األمور غ==ير ذات الص==لة بالموض==وع‪ .‬لكن في اللي==ل‪ ،‬وبينم==ا نحن مس==تلقيان على س==ريرينا‪ ،‬كن==ا نتراس==ل في ه==دوء بنظ==ام‬

‫»‪.‬مورس (علمت أن أيام ممارستي لهواية الالسلكي ستؤتي ثمارها يومًا ما)‬

‫في البداية‪ ،‬كانت أسئلتهم لنا هي األسئلة الغبية ذاتها‪ :‬من فعل ذلك؟ وكيف؟ لكن بعد فترة قصيرة‪ ،‬انتقل==وا للتح==دث عن ش==بكة«‬

‫»‪.‬إكس نت‪ ،‬وبالطبع لم نكن قد سمعنا عنها من قبل‪ .‬لكن ذلك لم يجعلهم يكفوا عن سؤالنا عنها‬

‫أخبرني داريل أنهم أحضروا له أجهزة لنسخ شرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات الالسلكية‪ ،‬وأجهزة إكس بوكس‪ ،‬وجميع«‬

‫أنواع التقنيات األخرى‪ ،‬وطلبوا منه إخبارهم بهوي==ة من يس==تخدمونها‪ ،‬وأين تعلم==وا تع==ديلها‪ .‬أخ==برني داري==ل عن ألعاب==ك‪ ،‬وم==ا‬

‫»‪.‬تعلمته‬

‫س=ألتنا وزارة األمن الوط==ني‪ ،‬على وج=ه الخص==وص‪ ،‬عن أص==دقائنا‪ :‬من نع==رفهم؟ وم=ا ط==بيعتهم؟ وه==ل ل==ديهم أي انتم==اءات«‬

‫»سياسية؟ هل دخلوا في مشكالت بالمدرسة؟ هل هي مشكالت متعارضة مع القانون؟‬

‫أطلقنا على السجن اسم «جوانتانامو الخليج»‪ .‬مر أسبوع على خروجي من السجن‪ ،‬وأظن أن الجمي==ع ال يعلم==ون أن أبن==اءهم«‬

‫»‪.‬وبناتهم مسجونون وسط الخليج‪ .‬يمكنك سماع الناس لياًل يضحكون ويحتفلون على البر الرئيسي‬

‫خرجت األسبوع الماضي‪ .‬لن أخبرك كي==ف ح==دث ذل==ك خش==ية أن تق==ع ه==ذه الورق==ة في األي==دي الخاطئ==ة‪ .‬وربم==ا ينهج نهجي«‬

‫»‪.‬آخرون‬

‫أخبرني داريل كيف أجدك‪ ،‬وجعلني أعده بأن أخبرك بما علمته عن==د ع==ودتي‪ .‬واآلن‪ ،‬وبع==د أن فعلت ذل==ك‪ ،‬س=أرحل عن هن==ا«‬

‫»‪.‬كما فعلت العام المنصرم‪ .‬بطريقة أو بأخرى‪ ،‬سأرحل عن هذا البلد‪ .‬اللعنة على أمريكا‬

‫»‪.‬لتتح َّل بالقوة‪ .‬إنهم يهابونك‪ ،‬فلتنتقم لي منهم‪ ،‬واحرص على أال يُق َبض عليك«‬

‫»زيب«‬

‫اغرورقت عيناي بالدموع مع انتهائي من قراءة الرسالة‪ .‬ك=انت ل=دي قداح=ة في مك=ان م=ا على مكت=بي‪ ،‬كنت أس=تخدمها أحيا ًن=ا‬

‫لزيب بتدميرها والتأكد من أال يراها‬


‫لصهر المادة العازلة على األسالك‪ .‬أخرجتها‪ ،‬ووضعتها بجوار الرسالة‪ .‬علمت أنني أدين ِ‬
‫‪.‬أحد غيري‪ ،‬خشية أن تؤدي إلى توصل الشرطة إليه‪ ،‬أ ًّيا كان المكان الذي سيقصده‬

‫‪.‬حملت الشعلة والرسالة‪ ،‬لكنني لم أستطع فعل ذلك‬

‫‪.‬داريل‬
‫لقد نسيته تما ًم ا وسط كل ما أعيشه من مشكالت‪ :‬شبكة إكس نت‪ ،‬وآنج‪ ،‬ووزارة األمن الوطني‪ .‬لق==د ص=ار ش==بحً ا كم==ا ل=و ك==ان‬

‫صدي ًقا عرفته قديمًا وانتقل بعي ًدا= أو سافر ضمن برنامج لتبادل الطالب‪ .‬ط==وال ذل==ك ال==وقت‪ ،‬ك==انوا يس==تجوبونه‪ ،‬ويطلب==ون من==ه‬

‫الوشاية بي‪ ،‬وشرح شبكة إكس نت والمشوشين على عملهم‪ .‬لق==د ك==ان على جزي==رة «تريج==ر آيالن==د»‪ ،‬تل==ك القاع==دة العس==كرية‬
‫المهجورة التي تقع في منتصف الطريق على امتداد جسر باي المدمَّر‪ .‬لقد كان قريبًا لدرجة أنه كان بإمك==اني الس==باحة وص==واًل‬

‫‪.‬إليه‬

‫أنزلت القداحة من يدي‪ ،‬وقرأت الرسالة مرة أخرى‪ .‬وعن==دما انتهيت منه==ا‪ ،‬وج==دت نفس==ي أبكي وأنش==ج‪ .‬ع==اودتني ذك==رى ك==ل‬

‫شيء‪ :‬السيدة ذات الشعر القصير‪ ،‬واألسئلة التي طرحتها عليَّ ‪ ،‬ورائح=ة الب==ول الكريه=ة‪ ،‬وتيبس س=روالي بع==د أن جفف=ه الب=ول‬

‫‪.‬ليحوله إلى قماش خشن‬

‫»!ماركوس«‬

‫كان باب غرف==تي مفتوحً= ا بعض الش=يء‪ ،‬ووال=دتي تق=ف عن==ده تش=اهدني‪ ،‬وارتس==مت على وجهه==ا نظ=رة قلق=ة‪ .‬كم مض=ى على‬

‫وجودها هناك؟‬

‫»!مسحت الدموع من على وجهي‪ ،‬وتنشقت مخاط أنفي‪ .‬قلت لها‪« :‬مرحبًا‪ ،‬أمي‬

‫»دخلت الغرفة‪ ،‬وعانقتني‪ .‬سألتني‪« :‬ما بك؟ هل ترغب في التحدث معي؟‬

‫‪.‬كانت الرسالة على الطاولة‬

‫»هل هذه رسالة من صديقتك؟ هل كل شيء على ما يرام؟«‬

‫أعطتني بذلك حجة؛ وكان بإمكاني إلقاء اللوم في حالتي على وقوع مش==كالت م==ع آنج‪ ،‬وب==ذلك‪ ،‬س==تخرج من غرف==تي وتترك==ني‬

‫‪:‬لحالي‪ .‬فتحت فمي لفعل ذلك‪ ،‬وما قلته كان‬

‫»‪.‬لقد كنت في السجن‪ ،‬بمكان ما خلف الجسر‪ .‬كنت في السجن طوال تلك الفترة«‬

‫النشيج الذي صحب حديثي ب َّدل صوتي بصوت آخر‪ ،‬فبدا كصوت حيوان‪ ،‬حمار مثاًل أو مواء قطة ضخمة في اللي==ل‪ .‬أص==ابني‬

‫‪.‬ذلك النشيج باحتراق وألم في حلقي‪ ،‬وأخذت ألهث‬

‫ضمتني أمي بين ذراعيها كما كانت تفعل عندما كنت طفاًل صغيرً ا‪ ،‬وأخذت تمرر يدها في ش=عري‪ .‬همس=ت في أذني‪ ،‬وأخ=ذت‬

‫‪.‬تهزني حتى تبدد= النشيج تدريج ًّيا وبهدوء‬


‫ُ‬
‫جلست على طرف سريري‪ ،‬وجلست هي على كرسي مكتبي‪ ،‬وأخبرته==ا‬ ‫أخذت نف ًسا عمي ًقا‪ ،‬وأحضرت لي أمي كوبًا من الماء‪.‬‬

‫‪.‬بكل شيء‬

‫‪.‬كل شيء‬

‫‪.‬حس ًنا‪ ،‬معظمه‬


‫الفصل السادس عشر‬
‫أهدي هذا الفصل إلى متجر بوكسميث في سان فرانسيسكو بحي هايت‪-‬آشبيري ذي الطابع التاريخي الذي ال يبعد عن متجر بن‬

‫مبان على ناص=ية ش=ارعي «ه=ايت» و«آش=بيري» بالض=بط‪ .‬يع=رف الع=املون في ذل=ك المتج=ر كي=ف‬
‫ٍ‬ ‫آند جيريز سوى بضعة‬

‫يقيمون حفالت رائعة خاصة بال ُك َّتاب‪ .‬عندما كنت أعيش في سان فرانسيسكو‪ ،‬اعتدت الذهاب إلى هن==اك دو ًم==ا لس==ماع أح==اديث‬
‫بعض ال ُك َّتاب العظام (ال يمكنني نسيان حديث ويليام جيبسن)‪ .‬ويصدر المتجر ً‬
‫أيض=ا بطاق==ات قابل==ة للجم==ع والتب=ادل تش==به تل==ك‬

‫‪.‬الخاصة بالعبي البيسبول لكل مؤلف؛ لدي بطاقتان من حفلين أُقيما لي هناك‬

‫***‬

‫في البداية‪ =،‬بدت أمي مصدومة‪ ،‬ثم غاضبة‪ ،‬وأخيرً ا لم يعد وجهها يعبر عن أي شيء‪ ،‬ولم ُتب ِد أي تعب=ير س=وى أن فغ=رت فاه=ا‬

‫‪.‬فقط أثناء روايتي لها عن االستجواب‪ ،‬وتبليلي لسروالي‪ ،‬والكيس الذي وُ ضِ ع على رأسي‪ ،‬وداريل‪ .‬أعطيتها الرسالة‬
‫»لماذا …؟«‬

‫حملت تلك الكلمة كل اتهام مض=اد وجهت==ه لنفس=ي لياًل ‪ ،‬وك=ل لحظ==ة افتق==رت فيه==ا للش==جاعة الالزم==ة ألن أخ==بر الع==الم بالس==بب‬

‫‪.‬الحقيقي وراء ما كنت أفعله‪ ،‬ولماذا كنت أناضل‪ ،‬وما ألهمني ح ًّقا لتصميم شبكة إكس نت‬

‫‪:‬التقطت نفسً ا‪ ،‬وقلت لها‬

‫»‪.‬هددوني بالزج بي في السجن إذا تحدثت عن األمر‪ .‬ولن أظل هناك أليام‪ ،‬بل لألبد‪ .‬وقد كنت … كنت مرعوبًا«‬
‫ً‬
‫جالسة معي فترة طويلة دون أن تنبس ببنت شفة‪ ،‬ثم قالت أخيرً ا‪« :‬ماذا عن والد داريل؟‬ ‫»ظلت أمي‬

‫‪.‬كان سؤالها كغرز إبرة في صدري‪ .‬والد داريل؟ ال بد أنه افترض موت ابنه منذ= وقت طويل‬

‫أَ َولَ ْم يكن مي ًتا بالفعل؟ فهل يُع َق ل أن تطلق وزارة األمن الوطني سراحك بعد اعتقالها لك دون سبب قانوني لمدة ثالثة أشهر؟‬
‫‪.‬لكن زيب خرج‪ .‬لعل داريل سيخرج أي ً‬
‫ضا‪ .‬وربما يمكنني أنا وشبكة إكس نت أن نساعد داريل في أن يخرج‬

‫»‪.‬أجبتها‪« :‬لم أخبره‬

‫‪.‬بكت أمي حينذاك‪ ،‬ولم تكن بالشخص الذي يبكي بسهولة؛ فهذا أحد الطباع البريطانية‪ .‬فجعل ذلك نشيجها المختنق أسوأ‬
‫ً‬
‫قائلة‪« :‬سوف تخبره‪ .‬سوف تفعل‬ ‫»‪.‬تمكنت أخيرً ا من أن تتحدث‬

‫»‪.‬سأفعل«‬

‫»‪.‬لكن علينا أواًل أن نخبر والدك«‬

‫•••‬

‫لم يعد ألبي موعد محدد للرجوع إلى المنزل؛ فبين العمالء الذين يقدم لهم االستشارات — الذين زاد حجم أعم==الهم كث==يرً ا اآلن‬

‫حتى إن وزارة األمن الوطني بدأت عمليات تنقيب عن البيانات على شبه الجزيرة — والمسافة الطويلة إلى ب==يركلي‪ ،‬ك==ان من‬

‫‪.‬الممكن أن يعود للمنزل في أي وقت بين السادسة مسا ًء ومنتصف الليل‬


‫‪».‬تلك الليلة‪ ،‬اتصلت به أمي وأخبرته أن يحضر للمنزل حااًل ‪ .‬قال لها شي ًئا‪ ،‬فما كان منها إال أن كررت كلمة «حااًل‬

‫‪.‬وعند وصوله للمنزل‪ ،‬كنا قد تهيئنا في غرفة المعيشة وبيننا الرسالة على الطاولة الصغيرة‬

‫كانت رواية ما حدث أيسر في المرة الثانية؛ فالسر لم يعد يثقل صدري كما كان من قبل‪ .‬لم أُزيِّن حديثي‪ ،‬ولم أخ==فِ أي ش==يء‪.‬‬

‫‪.‬أفضيت بكل ما بداخلي‬

‫ل==وث‬
‫سمعت من قبل عن راحة اإلفضاء بكل ما بداخل المرء‪ ،‬لكنني لم أفهم قط ما يعنيه ذلك إلى أن فعلته‪ .‬إن كتم سر بداخلي َّ‬
‫‪.‬روحي‪ ،‬فأصابني بالخوف والخزي‪ ،‬وجعلني أمر بكل ما كانت آنج تقول إنني سأمر به‬

‫تسمَّر أبي في مكانه طوال ال=وقت أثن==اء تح=دثي‪ ،‬ووجه==ه ك==المنحوت من الص=خر‪ .‬عن=دما أعطيت=ه الرس=الة‪ ،‬قرأه=ا م=رتين‪ ،‬ثم‬
‫ً‬
‫ثانية بحذر على الطاولة‬ ‫‪.‬وضعها‬
‫َّ‬
‫‪.‬هز رأسه‪ ،‬ونهض متوجهًا ناحية الباب األمامي‬

‫»سألته أمي في انزعاج‪« :‬إلى أين أنت ذاهب؟‬


‫»‪.‬كل ما تمكن والدي من لفظه ً‬
‫الهثا وبصوت متهدج‪« :‬أحتاج للتمشية قلياًل‬

‫ً‬
‫شخص =ا‬ ‫حدقت أنا وأمي ك ٌّل منا في اآلخر في ارتباك‪ ،‬وانتظرنا عودته إلى المنزل‪ .‬حاولت تخيل ما يدور في رأسه‪ .‬لقد ص==ار‬

‫آخر منذ وقوع التفجيرات‪ ،‬وعلمت من أمي أن ما غيَّره األيام التي ظن فيها أنني قد لقيت حتفي؛ فق==د ظن أن اإلره==ابيين قتل==وا‬

‫‪.‬ابنه؛ ما أصابه بالجنون‬

‫أصابه بجنون جعله يفعل أي شيء تمليه عليه وزارة األمن الوطني‪ ،‬من االنتظام في صف كخروف صغير مطيع والسماح لهم‬

‫‪.‬بالتحكم فيه وتوجيهه‬

‫وقد علم اآلن أن تلك الوزارة هي التي ألقت بي في السجن‪ ،‬وتحفظت على شباب سان فرانسيسكو في سجن جوانتانامو الخليج‪.‬‬

‫كان األمر منطق ًّيا تمامًا بعد= أن فكرت فيه‪ .‬بالطبع‪ ،‬كانت جزي=رة «تريج=ر آيالن=د» هي ال=تي اع ُتقِلت فيه=ا‪ ،‬فم=ا المك=ان اآلخ=ر‬

‫الذي يبعد عن سان فرانسيسكو بعشر دقائق بالقارب؟‬

‫‪.‬عندما عاد أبي‪ ،‬بدا أكثر غضبًا من أي وقت مضى في حياته قاطبة‬

‫»!صاح فيَّ ‪« :‬كان عليك أن تخبرني‬

‫»‪.‬تدخلت أمي بيني وبينه‪ ،‬وقالت له‪« :‬أنت تلوم الشخص الخطأ‪ .‬ليس ماركوس من اختطف وأرهب‬
‫َّ‬
‫هز رأسه‪ ،‬وضرب األرض بقدمه‪ ،‬وقال‪« :‬إنني ال ألوم ماركوس‪ .‬أعلم بالضبط من ينبغي أن ألومه؛ إنه أنا‪ .‬أنا ووزارة األمن‬

‫»‪.‬الوطني الغبية‪ .‬فلتلبسا حذاءيكما‪ ،‬وتأتيا بمعطفيكما‬

‫»إلى أين نحن ذاهبون؟«‬

‫»‪.‬سنذهب لزيارة والد داريل‪ ،‬ثم إلى باربارا ستراتفورد«‬

‫•••‬
‫أعلم اسم باربارا ستراتفورد من مكان ما‪ ،‬لكنني ال أتذكر من أين‪ .‬اعتق==دت أنه==ا ربم==ا تك==ون ص==ديقة قديم=ة= لوال==ديَّ ‪ ،‬لكن==ني لم‬

‫‪.‬أستطع تحديد هويتها بالضبط‬

‫في تلك األثناء‪ ،‬توجهنا إلى منزل والد داريل‪ .‬لم أشعر بالراحة قط في وجود هذا الرجل الذي ك==ان يعم==ل مش==غاًل لالس==لكي في‬

‫البحرية‪ ،‬ويدير منزله إدارة عسكرية‪ .‬لقد َعلَّم داريل نظام مورس عندما كان صغيرً ا‪ ،‬ما اعتبرته دومًا أمرً ا رائعً ا‪ .‬وهو األم==ر‬

‫الذي جعلني أثق في خطاب زيب‪ .‬لكن في مقابل األمور الجيدة مثل نظام مورس‪ ،‬كان لوالد داريل نظ==ام عس==كري جن==وني ب==دا‬

‫أنه يتبعه= من أجله نفسه‪ ،‬مثل اإلصرار على طي مالءات األسِ رَّ ة طية عسكرية‪ ،‬وحلق الذقن مرتين يوم ًّيا‪ .‬وكانت هذه األم==ور‬

‫‪.‬تزعج داريل كثيرً ا‬

‫لم تحب والدة داريل ذلك أيضً ا؛ فغادرت المنزل عائد ًة ألسرتها في مينيسوتا عندما ك==ان داري==ل في العاش==رة من عم==ره‪ .‬وك==ان‬

‫‪.‬داريل يقضي إجازات الصيف وأعياد الميالد هناك‬

‫كنت أجلس في المقعد الخلفي بالسيارة‪ ،‬وكان بوسعي رؤية مؤخرة رأس أبي أثناء قيادته‪ .‬كانت عضالت عنقه متوترة‪ ،‬وظلت‬

‫‪.‬تنتفض مع طحنه ألسنان فكيه‬

‫أبقت أمي يدها على ذراعه‪ ،‬أما أنا فلم يكن هناك أحد للتخفي==ف ع==ني‪ .‬كم كنت أتم==نى االتص=ال ب==آنج‪ ،‬أو خول=و‪ ،‬أو ف=ان‪ .‬لعلي‬

‫‪.‬سأفعل ذلك في نهاية اليوم‬

‫قال أبي أثناء صعودنا المنعطفات الحادة لتلَّي «توين بيكس» وصواًل إلى الكوخ البسيط الذي كان يعيش فيه داريل ووالده‪« :‬ال‬

‫بد أنه قد دفن ابنه في عقله‪ ».‬خيم الضباب على تلَّي توين بيكس‪ ،‬كعادته لياًل في سان فرانسيسكو؛ ما جعل المصابيح األمامي==ة‬

‫للسيارة تعكس نورها علينا‪ .‬وفي كل مرة انعطفنا فيها عن==د ناص==ية‪ ،‬رأيت أودي==ة المدين==ة تمت=د= تحتن=ا‪ ،‬كمص=ابيح من األض=واء‬

‫‪.‬الوامضة تتبدل في السديم‬

‫»هل هذا هو المنزل؟«‬

‫أجبت‪« :‬نعم‪ ،‬هذا هو‪ ».‬مرت شهور منذ آخر مرة ذهبت فيها لداريل‪ ،‬لكنني قضيت ما يكفي من الوقت هنا على مدار األعوام‬

‫‪.‬الماضية ألتعرف عليه فور رؤيته‬

‫وقف ثالثتنا حول السيارة لبعض الوقت في انتظار من سيقرر الذهاب لقرع ج==رس الب==اب‪ .‬م==ا أدهش==ني أن==ني من ق==ررت فع==ل‬

‫‪.‬ذلك‬

‫قرعت الجرس‪ ،‬وانتظرنا جمي ًعا دقيقة حبسنا فيها أنفاسنا‪ .‬قرعته مرة أخ==رى‪ ،‬ك==انت س==يارة وال==د داري==ل أم==ام الم==نزل‪ ،‬ورأين==ا‬

‫‪.‬كذلك ضوءًا في غرفة المعيشة‪ .‬أوشكت على قرعه للمرة الثالثة إال أنه فُتِح‬

‫قال والد داريل‪« :‬ماركوس؟» اختلف تمامً=ا عن آخ=ر م=رة رأيت=ه فيه=ا‪ .‬ك=ان يرت=دي ب=ر ُنس حم=ام‪ ،‬غ=ير حلي=ق ال=ذقن‪ ،‬ح=افي‬

‫القدمين‪ ،‬وكانت أظافر قدميه طويلة وعيناه حمراوين‪ .‬زاد وزنه‪ ،‬وترهل جلد ذقنه تحت فكه العس=كري الق=وي‪ .‬وأص=بح ش=عره‬

‫‪.‬الخفيف ه ًّشا وغير منتظم‬


‫‪.‬أجبته‪« :‬سيد جلوفر‪ ».‬وقف والداي خلفي بالباب‬

‫»!قالت أمي‪« :‬مرحبًا‪ ،‬رون‬

‫»‪.‬وقال أبي‪« :‬رون‬


‫َ‬
‫»وأنت أي ً‬
‫ضا؟ ما الخطب؟«‬

‫»هل تسمح لنا بالدخول؟«‬

‫•••‬

‫بدت غرف=ة المعيش=ة كأح=د األقس=ام اإلخباري=ة ال=تي تع=رض ألطف=ال مُتخلًّى عنهم من قب=ل من يرع=ونهم وال=ذين قض=وا ش=هرً ا‬

‫محبوسين قبل إنقاذ الجيران لهم؛ فمألت الغرف==ة عب==وات الطع=ام المجم=د‪ ،‬وعلب الجع=ة وزجاج=ات العص==ير الفارغ==ة‪ ،‬وأك==وام‬
‫ٌ‬
‫كريهة‪ ،‬وسحقت أقدامنا ركامًا مبع==ثرً ا‪ .‬ودون ب==ول‬ ‫الصحف وأواني حبوب الفطور المتعفنة‪ .‬فاحت في المكان رائح ُة بول قطط‬

‫‪.‬القطط‪ ،‬كانت الرائحة ال ُتحت َمل مثل دورات مياه محطات الحافالت‬

‫‪.‬غطت األريكة مالءات وسخة‪ ،‬ووسادتان ملوثتان بالشحم‪ .‬ووسائد األريكة منبعجة‪ ،‬وتظهر عليها عالمات النوم‬
‫ً‬
‫لحظة صامتين‪ ،‬واإلحراج يطغى على كل شعور آخر لنا‪ .‬بدا والد داريل وكأنه يتمنى الموت‬ ‫‪.‬وقفنا جمي ًعا هناك‬

‫أبعد ببطء المالءات عن األريكة‪ ،‬وأزاح صوانيَّ الطعام المكدسة والمشحمة عن كرسيين‪ ،‬وحملها إلى المطبخ‪ ،‬وسمعنا صوت‬

‫‪.‬وقوعها على األرض‬

‫‪.‬جلسنا بحذر شديد في األماكن التي نظفها‪ ،‬ثم عاد وجلس معنا‬
‫»… قال بصوت مبهم‪« :‬آسف‪ ،‬ليست لدي أية قهوة ألقدمها لكم‪ .‬سيصلني المزيد من البقالة ً‬
‫غدا؛ لذلك فليس لدي‬

‫»‪.‬قال أبي‪« :‬رون‪ ،‬استمع لما سنقوله لك‪ .‬لدينا شيء نريد أن نخبرك به‪ ،‬وهو ليس باألمر الهين‬

‫‪.‬جلس كالتمثال أثناء تحدثي معه‪ ،‬وحملق في الرسالة‪ ،‬وقرأها دون أن يبدو عليه أنه فهمها‪ ،‬ثم قرأها مرة أخرى‪ ،‬وأعادها إليَّ‬
‫‪.‬كان يرتعش‬

‫»… إنه«‬

‫»‪».‬فقلت له‪« :‬داريل حي … إنه حي ومُعت َقل على جزيرة «تريجر آيالند‬

‫‪.‬وضع قبضته في فمه‪ ،‬وأصدر أني ًنا بشعًا‬

‫»‪.‬قال أبي‪« :‬لدينا صديقة تكتب في صحيفة «باي جارديان»‪ .‬إنها صحفية استقصائية‬

‫عرفت حينذاك أين سمعت ذلك االسم‪ .‬ك=انت ع=اد ًة ص=حيفة «جاردي=ان» األس==بوعية المجاني=ة تخس=ر الص=حفيين الع=املين به==ا‬

‫بانتقالهم للعمل على اإلنترنت والص=حف اليومي=ة الك=برى‪ ،‬لكن بارب=ارا س=تراتفورد ظلت هن=اك‪ .‬أت=ذ َّكر على نح=و مبهم تن=اول‬

‫‪.‬العشاء معها عندما كنت صغيرً ا‬

‫»قالت أمي‪« :‬سنذهب إليها اآلن‪ .‬هل تأتي معنا يا رون وتخبرها بقصة داريل؟‬
‫‪.‬وضع وجهه بين يديه‪ =،‬وأخذ نف ًسا عمي ًقا‪ .‬حاول أبي وضع يده على كتفيه‪ ،‬لكن السيد جلوفر أزاحها بعنف‬
‫»‪.‬وقال‪« :‬إنني بحاجة لتنظيف نفسي‪ .‬لتنتظروني قلياًل‬

‫نزل السيد جلوفر من الدور العلوي رجاًل آخر؛ فقد حلق ذقنه‪ ،‬ومشط شعره للخلف باستخدام ال ِجل‪ ،‬وارتدى ز ًّيا عسكر ًّيا تعلوه‬

‫‪.‬مجموعة من أوشحة المعارك على الصدر‪ .‬توقف عند نهاية السلم‪ ،‬وأومأ إلى الزي‬

‫»‪.‬قال‪« :‬ليست لدي مالبس نظيفة وأنيقة حال ًّيا‪ ،‬وبدا هذا الزي مالئ ًما في حال أرادت التقاط صور أو شيء من هذا القبيل‬

‫ركب هو ووالدي في المقعدين= األماميين‪ =،‬في حين جلست أنا في الخلف وراء السيد جلوفر‪ .‬وباقترابي منه‪ ،‬شممت رائحة جعة‬

‫‪.‬تفوح منه كما لو كانت تصدر من مسام جسده‬

‫•••‬

‫كنا في منتصف الليل عندما وصلنا إلى منزل باربارا ستراتفورد؛ فكانت تعيش خارج المدينة= في «ماونتن في==و»‪ .‬لم ينط==ق أيٌّ‬
‫منا بكلمة طوال سيرنا سريعًا بالس=يارة على طري=ق ‪ ،١٠١‬ومرورن=ا بج=وار مب=اني التكنولوجي=ا المتقدم=ة الممت=دة على ج=انبي‬

‫‪.‬الطريق السريع‬

‫كانت هذه منطقة مختلفة من الخليج عن تلك التي كنت أعيش فيها؛ إذ كانت أشبه بضواحي أمريكا التي أراها أحيا ًنا على شاشة‬

‫التليفزيون‪ :‬تملؤه=ا الط=رق الح=رة والتقس=يمات الفرعي=ة ال=تي هي عب=ارة عن من=ازل متماثل=ة … م=دن تخل=و من أي مش=ردين‬

‫!يدفعون عربات التسوق على األرصفة … لم تكن هناك أرصفة في األساس‬


‫ْ‬
‫هاتفت أمي باربارا ستراتفورد أثناء انتظارنا نزول السيد جلوفر من الطابق العلوي‪ .‬ك==انت الص==حفية نائم==ة‪ ،‬لكن أمي وص==لت‬

‫إلى درجة من التوتر جعلتها تنسى تمامًا اآلداب البريطاني==ة وم=ا يمثل==ه إيق=اظ س=يدة من الن==وم من إح=راج‪ .‬فأيقظته==ا‪ ،‬وأخبرته=ا‬

‫‪.‬بتوتر أنها تريد التحدث معها بشأن أمر ما‪ ،‬وأنها يجب أن تقابلها شخص ًّيا‬

‫أثناء صعودنا إلى منزل باربارا ستراتفورد‪ ،‬أول ما ورد في ذهني المنزل في المسلسل الكوميدي «برادي بانش»‪ ،‬وهو منزل‬

‫منخفض أمامه جدار عازل من الطوب‪ ،‬ومرجة مربعة نظيفة‪ .‬كان نمط تنظيم الطوب بالجدار الع==ازل تجري==د ًّيا‪ ،‬وثم==ة ه==وائي‬

‫‪.‬تليفزيون ذو تردد فائق العلو خلفه‪ .‬سرنا وصواًل للمدخل‪ ،‬ورأينا أن ثمة أضواء بالفعل داخل المنزل‬

‫فتحت الصحفية الباب قبل أن نقرع الجرس‪ .‬كانت في مثل س==ن وال==ديَّ تقري ًب==ا‪ .‬س==يدة رفيع==ة طويل==ة ذات أن==ف كمنق==ار الص=قر‬

‫وعينين حادتين يوجد الكثير من التجاعيد على جانبيها‪ .‬كانت ترت=دي بنط=ال جي==نز من الط==راز الس=ائد‪ ،‬ح==تى إن==ه يمكن رؤيت==ه‬

‫متاحً ا في المتاجر الصغيرة في شارع فالينسيا‪ ،‬وبل==وزة قطني==ة هندي==ة فضفاض==ة تص==ل إلى فخ==ذيها‪ .‬وعلى وجهه==ا نظ=ارة ذات‬

‫‪.‬عدسات مستديرة عكست الضوء في رواق المنزل‬

‫‪.‬ابتسمت لنا ابتسامة مصطنعة‬

‫ت الجميع كما أرى‬


‫»‪.‬قالت‪« :‬لقد اصطحب ِ‬
‫‪.‬أومأت أمي برأسها‪ ،‬وقالت‪« :‬ستفهمين السبب حااًل ‪ ».‬وظهر السيد جلوفر من خلف أبي‬
‫ت البحرية أيضًا«‬
‫»‪.‬واستدعي ِ‬
‫»‪.‬وكل ذلك في وقت قصير«‬

‫‪.‬قدم ك ٌّل منا نفسه لها‪ .‬تمتعت بقبضة يد قوية وأصابع طويلة‬

‫فُ ِر ش منزلها على الطراز الياباني؛ إذ احتوى على عدد قليل للغاية من قطع األثاث المتناس==بة بدق=ة‪ ،‬وس==الل فخاري=ة كب=يرة من‬

‫الخيزران المست السقف‪ .‬هذا إلى جانب ما بدا كقطعة كبيرة صدئة من محرك ديزل فوق قاعدة رخامية مصقولة‪ .‬أحببت ذل==ك‬

‫الطراز‪ .‬كانت األرضية خشبية قديمة‪ ،‬مصنفرة ومطلية‪ ،‬لكنها غير مغطاة بالطالء بالكامل بحيث يمكن رؤي==ة الش=قوق والحُف==ر‬
‫ً‬
‫خاصة عندما سرت عليه بقدميَّ اللتين تغطيهما الجوارب‬ ‫‪.‬تحت الطالء‪ .‬أحببت ذلك ح ًّقا‪،‬‬

‫»قالت‪« :‬لدي قهوة‪ ،‬من يريد بعضً ا منها؟‬


‫ُ‬
‫وحملقت في والديَّ متحديًا‬ ‫‪.‬رفعنا جمي ًعا أيدينا‪.‬‬

‫»‪.‬فقالت‪« :‬حس ًنا‬

‫اختفت في غرفة أخرى‪ ،‬وعادت بعد قليل تحمل صينية من الخ==يزران الخش==ن عليه==ا إبري==ق حاف=ظ للح==رارة س==عة ح==والي ل==تر‬

‫‪.‬ونصف‪ ،‬وستة أكواب ذات تصميم دقيق لكن تعلوها رسوم غير متقنة وغير مستوية‪ .‬أعجبني ذلك أيضًا‬

‫قالت وهي تصب القهوة وتقدمها لنا‪« :‬واآلن‪ ،‬أسعدتني رؤيتكم جمي ًعا‪ .‬أعتقد أن آخر مرة رأيت==ك فيه==ا‪ ،‬ي==ا م==اركوس‪ ،‬كنت في‬

‫»‪.‬السابعة تقريبًا من عمرك‪ .‬وكما أتذكر‪ ،‬كنت متحم ًسا للغاية بشأن ألعاب الفيديو الجديدة= خاصتك التي عرضتها لي‬

‫لم أت=ذكر ك=ل ذل=ك‪ ،‬لكن ه=ذا م=ا كنت علي=ه وأن=ا في الس=ابعة من عم=ري‪ .‬خمنت أن م=ا ك=انت تتح=دث عن=ه ه=و لعب=ة «س=يجا‬

‫‪».‬دريمكاست‬
‫أخرج ْ‬
‫ت مسجل شرائط‪ ،‬وإضمامة ورق صفراء‪ ،‬وقلمًا‪ ،‬وأدارت القلم‪« .‬أنا هنا ألستمع إلى كل م==ا س==تخبرونني ب==ه‪ ،‬ويمكن==ني‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ستنش=ر‪».‬‬ ‫أن أعدكم بالحف==اظ على س=رية ه==ذه المعلوم==ات‪ ،‬لكن ليس بإمك==اني أن أع==دكم ب==أنني س==أفعل أي ش==يء به==ا‪ ،‬أو أنه==ا‬

‫أسلوبها في قول ذلك جعلني أدرك أن أمي قد قدمت لنا خدم==ة هائل==ة باتص==الها بتل==ك الس==يدة وإيقاظه==ا من الن==وم‪ ،‬س==واء أك==انت‬

‫صديقة أم ال‪ .‬ال بد أنه أمر مزعج للغاية أن يكون المرء صحف ًّيا استقصائ ًّيا مه ًّم==ا؛ فهن==اك على األرجح أع==داد هائل==ة من الن==اس‬

‫‪.‬يرغبون في أن تتولى قضاياهم‬

‫أومأت أمي برأسها لي‪ .‬ورغم أنني كنت قد رويت القصة ثالث مرات تلك الليلة‪ُ ،‬عقِد لساني؛ فقد كان ذلك مختل ًفا عن روايته==ا‬

‫‪.‬لوالديَّ ووالد داريل‪ .‬لقد كان ذلك أشبه ببدء حركة جديدة في اللعبة‬

‫ش=ربت كوبً=ا ك=اماًل من القه=وة أثن=اء ش=رحي أللع=اب الواق=ع الب=ديل‪،‬‬


‫ُ‬ ‫بدأت ببطء‪ ،‬وشاهدت بارب=ارا وهي تس=جل المالحظ=ات‪.‬‬

‫وخروجي من المدرسة للعبها‪ .‬استمع أبي وأمي والسيد جلوفر بتركيز له==ذا الج==زء‪ .‬ص==ببت لنفس==ي كو ًب==ا آخ==ر‪ ،‬وش==ربته أثن==اء‬

‫‪.‬شرحي كيف قُ ِب ض علينا‪ .‬ومع انتهائي من القصة بالكامل‪ ،‬كنت قد أفرغت اإلبريق واشتدت حاجتي للتبول كثيرً ا‬
‫افتقر الحمام لألثاث مثل غرفة المعيشة‪ ،‬وكان به صابون عضوي ب==ني الل=ون وق=د ب==دت رائحت=ه مث=ل رائح==ة الطمي النظي=ف‪.‬‬

‫‪.‬عدت إليهم‪ ،‬ووجدتهم يراقبونني في هدوء‬

‫روى السيد جلوفر قصته بعد ذلك‪ .‬لم يكن لديه شيء ليقوله بشأن ما حدث‪ ،‬لكنه أوضح أنه من المح==اربين الق==دامى وابن==ه ف==تى‬

‫صالح‪ .‬وتحدث عن شعوره عند اعتقاده أن ابنه قد توفي‪ ،‬وعن انهيار مطلقته عندما اكتش==فت األم==ر ودخوله==ا المستش==فى‪ .‬بكى‬

‫‪.‬قلياًل ‪ ،‬دون خجل‪ ،‬وتدفقت الدموع على وجهه المليء بالتجاعيد لتسوِّ د ياقة الزي الرسمي الذي كان يرتديه‬
‫ً‬
‫حاملة زجاجة ويسكي أيرلندي‪ .‬قالت‪ ،‬وهي تضع أربعة أك==واب ص==غيرة‪،‬‬ ‫وعند االنتهاء‪ ،‬دخلت باربارا غرفة مختلفة‪ ،‬وجاءت‬

‫»‪.‬مع عدم إحضار كوب لي‪« :‬هذه زجاجة بوشميلز معتقة لمدة خمسة عشر عامًا‪ .‬أعتقد أن اآلن وقت مناسب لفتحها‬
‫ً‬
‫ثانية وأنهوا أك==وابهم‪،‬‬ ‫صبَّت لك ٍّل منهم كوبًا صغيرً ا‪ ،‬ثم رفعت كوبها‪ ،‬وارتشفت منه لتفرغ نصفه‪ .‬ونهج الباقون نهجها‪ .‬شربوا‬

‫‪.‬وأخذت هي تصب لهم‬

‫قالت‪« :‬حس ًنا‪ ،‬إليكم ما يمكنني قول=ه لكم اآلن‪ .‬إن=ني أص=دقكم‪ ،‬ليس فق=ط ألن=ني أع=رف ليلي=ان‪ ،‬لكن ألن القص=ة تب=دو ص=ادقة‪،‬‬

‫وتتماشى مع إشاعات أخرى سمعتها‪ .‬لكن ال يمكنني االعتم==اد على ش==هادتكم فق==ط‪ ،‬ومن ثم س==أحقق في ك==ل ج==انب من األم==ر‪،‬‬

‫وحياتكم ورواياتكم‪ .‬وينبغي أن أع==رف م=ا إذا ك==ان هن==اك أي ش=يء لم تخ==بروني ب==ه‪ ،‬أي ش==يء يمكن اس==تخدامه لتك==ذيبكم بع=د=‬

‫‪.‬اإلعالن عن ذلك‪ .‬إنني بحاجة لمعرفة كل شيء‪ .‬وقد يستغرق األمر أسابيع قبل أن أكون على استعداد= للنشر‬

‫شخص=ا يُن َفى وج==وده رس=م ًّيا‪ ،‬فالض=غط على وزارة األمن‬
‫ً‬ ‫عليكم أي ً‬
‫ضا بالتفكير في س==المتكم‪ ،‬وس==المة داري==ل‪ .‬إذا ك=ان داري=ل‬
‫الوطني يمكن أن يدفعهم لنقله إلى مكان أبعد بكثير‪ ،‬سوريا على سبيل المثال‪ .‬ويمكنهم أي ً‬
‫ضا فعل ما هو أسوأ من ذل==ك‪ ».‬ق==الت‬

‫‪.‬ذلك دون أي توضيح‪ .‬علمت أنها كانت تعني أنهم قد يقتلونه‬

‫سآخذ هذا الخطاب‪ ،‬وأمسحه ضوئ ًّيا اآلن‪ .‬أريد صورً ا لكما اآلن‪ ،‬والح ًّقا … يمكننا إرسال مصور فوت==وغرافي‪ ،‬لكن==ني أري==د«‬

‫»‪.‬توثيق ذلك على أدق نحو ممكن الليلة‬

‫ذهبت معها إلى مكتبها إلجراء المسح الضوئي‪ .‬توقعت أن أجد جهاز كمبيوتر حديث الطراز منخفض استهالك الطاقة يتناس==ب‬
‫ًّ‬
‫ومكتظ==ا ب==أجهزة كم==بيوتر شخص==ية حديث==ة ج= ًّدا‪ ،‬وشاش==ات مس==طحة‬ ‫مع الديكور‪ ،‬لكن ما وجدته كان مكتبًا به سرير احتي==اطي‬

‫كبيرة‪ ،‬وماسح ضوئي كبير بما فيه الكفاية لوضع فرخ كامل من ورق الصحف عليه‪ .‬كانت سريعة للغاية في المس==ح الض==وئي‬
‫أي ً‬
‫ضا‪ .‬والحظت استخدامها لنظام التشغيل «بارانويد لينكس»‪ ،‬األمر ال==ذي استحس==نته‪ .‬ه==ذه الس==يدة تأخ==ذ وظيفته==ا على محم==ل‬

‫‪.‬الجد‬

‫حاجزا فعااًل من الضوضاء‪ ،‬لكنني مع ذلك أغلقت الباب واقتربت منها‬


‫ً‬ ‫‪.‬أحدثت مراوح أجهزة الكمبيوتر‬

‫»!باربارا«‬

‫»‪.‬نعم«‬

‫»‪.‬بشأن ما قل ِت ِه عما يمكن استخدامه لتكذيبي«‬


‫»نعم؟«‬

‫»ما سأخبرك به لن تخبري به أح ًدا‪ ،‬أليس كذلك؟«‬

‫»‪.‬نظر ًّيا‪ .‬دعني أوضح لك شي ًئا؛ لقد دخلت السجن مرتين ألنني لم ِ‬
‫أش بمصدر أخباري«‬

‫»‪.‬حس ًنا‪ ،‬يا إلهي! السجن! حس ًنا‪ ».‬وأخذت نف ًسا عمي ًقا‪ ،‬وقلت لها‪« :‬لقد سمع ِ‬
‫ت عن شبكة إكس نت ومايكي«‬

‫»‪.‬نعم«‬

‫»‪.‬أنا مايكي«‬

‫فقالت‪« :‬أوه!» ش َّغلَ ِ‬


‫ت الماسح الضوئي‪ ،‬وقلبت الرسالة لتمسح الوجه اآلخر‪ .‬كانت تج=ري المس=ح بدق=ة وض=وح غ=ير معقول=ة‪،‬‬

‫‪ ١٠٠٠٠.‬نقطة لكل بوصة أو أكثر‪ .‬وعلى الشاشة‪ ،‬كانت المخرجات تشبه ناتج ميكروسكوب ماسح نفقي‬

‫»‪.‬حس ًنا‪ ،‬سيغير هذا األمر كثيرً ا«‬

‫»‪.‬نعم‪ ،‬أظن ذلك«‬

‫»والداك ال يعلمان؟«‬

‫»‪.‬نعم‪ ،‬وال أعلم إذا كنت أرغب في أن يعلما«‬

‫هذا أمر عليك أن تتوصل إلى قرار بشأنه‪ .‬عليَّ التفكير في ذلك‪ .‬هل يمكنك زيارتي في مكتبي؟ أود التح==دث مع==ك بش==أن م==ا«‬

‫»‪.‬يعنيه= ذلك بالضبط‬

‫»‪.‬هل لديكِ جهاز «إكس بوكس يونيفرسال»؟ يمكنني إحضار برنامج تثبيت«‬

‫نعم‪ ،‬أثق أنه يمكن ترتيب ذلك‪ .‬عندما تأتي لمكتبي‪ ،‬أخبر موظفة االستقبال أنك السيد براون لتتمكن من مق==ابلتي‪ .‬يعلم==ون م==ا«‬
‫يعنيه= ذلك‪ .‬لن يُسجَّ ل حضورك‪ ،‬وس ُتدمَّر تلقائ ًّيا ك ُّل الصور التي تلتقطها كاميرات األمن في ذلك اليوم‪ ،‬و ُت َّ‬
‫عطل الكاميرات حتى‬

‫»‪.‬ترحل‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬يا إلهي! تفكرين مثلما أفكر‬

‫ابتسمت‪ ،‬وربتت على كتفي بقوة وهي تقول‪« :‬إنني في خضم هذه األمور‪ ،‬يا بني‪ ،‬منذ وقت طويل للغاي==ة‪ ،‬وتمكنت خالل تل==ك‬

‫»‪.‬الفترة أن أقضي خارج السجن وق ًتا يفوق ما قضيته داخله؛ ولذا‪ ،‬فأنا وجنون االرتياب صديقان‬

‫•••‬

‫كنت أشبه بالزومبي في الي==وم الت==الي بالمدرس==ة؛ فلم أنم س==وى ثالث س==اعات فق==ط‪ ،‬ولم يفلح تن==اولي لثالث==ة أك==واب من القه==وة‬

‫التركية في تنشيط ذهني‪ .‬تكمن مشكلة الكافيين في سهولة التعود عليه؛ ومن ثم ينبغي زيادة الجرعات للوصول إلى ما هو فوق‬

‫‪.‬المستوى العادي‬
‫قضيت الليلة الماضية أفكر فيما ينبغي عليَّ فعله‪ .‬كان األمر أشبه ب==الجري في متاه==ة من المم==رات الص==غيرة المتعرج==ة‪ ،‬ال==تي‬

‫تتشابه جميعها ويؤدي ك ٌّل منها إلى النهاية المسدودة ذاته==ا‪ .‬عن==دما ذهبت إلى بارب==ارا‪ ،‬ك==انت تل==ك النهاي==ة‪ .‬ك==انت ه==ذه النتيج==ة‬

‫‪.‬بغض النظر عن نظرتي لها‬

‫بانتهاء اليوم الدراسي‪ ،‬كان كل ما أريده ه==و الع=ودة للم==نزل‪ ،‬وال==دخول إلى الس==رير‪ .‬لكن ك=ان ل==دي موع==د في ص=حيفة «ب=اي‬

‫جارديان» التي يقع مبناها مواجهً=ا لش=اطئ الخليج‪ .‬لم أرف==ع عي=نيَّ عن ق=دميَّ أثن=اء خ=روجي من البواب=ة‪ ،‬وعن=د وص=ولي إلى‬

‫‪.‬شارع ‪ ،٢٤‬الحظت سير شخص ما بجواري‪ .‬تعرفت على الحذاء‪ ،‬وتوقفت‬

‫»!آنج«‬

‫‪.‬عكس مظهرها حالة مماثلة لحالتي من قلة النوم وانتفاخ العينين‪ ،‬والتجاعيد حول جانبي فمها تعكس حزنها‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫انصرفت دون استئذان من المدرسة؛ فلم يعد بإمكاني التركيز بأي حال من األحوال‬ ‫»‪.‬قالت‪« :‬مرحبًا! مفاجأة‪.‬‬

‫»‪.‬امممم«‬

‫»‪.‬اخرس‪ ،‬وعانقني أيها األحمق«‬


‫ً‬
‫عضوا بجسدي قد ُبتِر وأعيد إليَّ‬ ‫‪.‬عانقتها‪ ،‬وغمرني شعور جيد‪ ،‬بل رائع‪ .‬شعرت كما لو أن‬

‫»‪.‬أحبك يا ماركوس يالو«‬

‫»‪.‬أحبك يا آنجيال كارفيلي«‬

‫قالت بصوت متقطع‪« :‬حس ًن ا‪ ،‬أعجبني ما نشرته عن سبب عدم ممارستك للتشويش‪ ،‬وأحترم ذلك‪ .‬ماذا فعلت بشأن العثور على‬

‫»طريقة للتشويش عليهم دون القبض عليك؟‬

‫أنا في طريقي لمقابلة ص=حفية استقص=ائية ستنش=ر قص=ة دخ=ولي الس=جن‪ ،‬وتدش=يني لش=بكة إكس نت‪ ،‬واحتج=از داري=ل غ=ير«‬

‫»‪».‬القانوني من جانب وزارة األمن الوطني في سجن سري بجزيرة «تريجر آيالند‬

‫»نظرت حولها‪ ،‬وقالت‪« :‬أوه! أال يمكنك= أن تفكر في أي شيء طموح؟‬

‫»أترغبين في المجيء؟«‬

‫»‪.‬نعم‪ ،‬سآتي‪ .‬وأريد منك أن تشرح لي القصة بالتفصيل إذا لم تكن تمانع«‬
‫ً‬
‫مقارنة بكل المرات التي رويت فيها القصة‪ ،‬كانت تلك المرة التي رويتها آلنج أثناء سيرنا إلى حي بوتريرو ثم ش==ارع ‪ ١٥‬هي‬

‫‪.‬األسهل‪ .‬أمسكت بيدي‪ ،‬وضغطت عليها بين الحين واآلخر‬

‫صعدنا الساللم م ًعا بسرعة وصواًل لمكاتب صحيفة «باي جارديان»‪ .‬كان قل==بي ي==دق بعن==ف‪ .‬وص=لت لمكتب االس==تقبال‪ ،‬وقلت‬

‫»‪.‬للفتاة الضجرة التي كانت تقف خلفه‪« :‬أنا هنا لمقابلة باربارا ستراتفورد‪ .‬اسمي السيد جرين‬

‫»أعتقد أنك تعني السيد براون؟«‬

‫»‪.‬قلت وقد تورد وجهي خجاًل ‪« :‬نعم‪ ،‬السيد براون‬


‫»فعلت شي ًئا بالكمبيوتر أمامها‪ ،‬ثم قالت‪« :‬تفضال بالجلوس‪ ،‬ستخرج باربارا حااًل ‪ .‬هل أجلب لكما أي شيء؟‬

‫‪.‬قلنا م ًعا‪« :‬قهوة‪ ».‬من أسباب إعجابي بآنج أيضً ا أننا كنا مدمنين= للشيء نفسه‬

‫أومأت موظفة االستقبال برأسها — وقد كانت امرأة جميلة من أصول التينية= تكبرنا بأعوام قليلة وترتدي مالبس هيب==يز قديم==ة‬

‫‪.‬الطراز — وخرجت لتعود بكوبين من القهوة يحمالن اسم الصحيفة‬

‫ارتشفنا القهوة في صمت مع مشاهدة الزوار والصحفيين وهم يمرون أمامنا‪ .‬وأخيرً ا‪ ،‬خرجت باربارا الستقبالنا‪ .‬ك==انت ترت==دي‬

‫‪.‬ما ارتدته= الليلة السابقة‪ .‬كان يليق بها‪ .‬رفعت حاجبها لي عندما الحظت إحضاري لصديقتي معي‬

‫»… قلت لها‪« :‬مرحبًا! هذه‬

‫قالت آنج‪ ،‬وهي تمد يدها‪« :‬الس==يدة ب==راون‪ ».‬ي==ا إلهي! نس==يت أن هويتن==ا من المف==ترض أن تك==ون س=رية‪ .‬دفعت==ني دفع==ة رقيق==ة‬

‫»‪.‬بمرفقها وقالت‪« :‬أعمل مع السيد جرين‬

‫قالت باربارا‪« :‬هيا بنا إذن‪ ».‬وسارت أمامنا إلى غرفة اجتماعات ذات حوائط زجاجية طويلة وستائرها مغلقة‪ .‬وضعت أمامن=ا‬

‫‪.‬صينية تحمل أطعمة عضوية كاملة تشبه بسكويت أوريو‪ ،‬ومسجاًل رقم ًّيا‪ ،‬وإضمامة ورق صفراء أخرى‬
‫ْ‬
‫»سألت‪« :‬هل ترغبان في تسجيل ذلك أيضًا؟‬

‫لم أفكر في ذلك في الواقع‪ .‬لكنني رأيت أنه قد يفيد في حال أردت تفنيد= ما ستنش=ره بارب=ارا‪ .‬لكن==ني إذا لم أكن واث ًق=ا فيه==ا‪ ،‬فأن=ا‬

‫‪.‬هالك على أية حال‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬ما من مشكلة‬

‫حس ًنا‪ ،‬لنبدأ‪ =.‬اسمي‪ ،‬يا فتاة‪ ،‬باربارا ستراتفورد‪ ،‬وأعم==ل ص==حفية استقص==ائية‪ .‬أعتق==د أن==ك تعلمين س==بب وج==ودي هن==ا‪ ،‬ول==دي«‬

‫»‪.‬فضول في أن أعرف سبب وجودك أيضًا‬

‫»قالت‪« :‬أعمل مع ماركوس على شبكة إكس نت‪ .‬هل هناك حاجة لمعرفة اسمي؟‬

‫ت ذل==ك‪ .‬ي==ا م==اركوس‪ ،‬لق==د طلبت من==ك أن تخ==برني به==ذه‬


‫فأجابت باربارا‪« :‬ليس اآلن‪ ،‬يمكن أن تظ==ل هويت==ك مجهول==ة إذا أرد ِ‬
‫القصة ألنني أرغب في معرفة عالقتها بالقصة التي أخبرتني بها بشأن صديقك داريل‪ ،‬والرسالة التي أريتني إياها‪ ،‬فأعتقد أنه=ا‬

‫ستكون عاماًل مساع ًدا جي ًدا؛ ويمكن==ني الق==ول إن ذل==ك ك==ان ه==و الس==بب وراء ش==بكة إكس نت‪ :‬الرغب==ة في االنتق==ام‪ .‬لكن تحر ًي==ا‬

‫‪.‬لألمانة‪ ،‬أفضل عدم نشر هذه القصة إذا لم أكن مضطرة لذلك‬

‫أفضل نشر قصة صادقة لطيفة عن السجن السري الذي ال يبعد كثيرً ا عن مدينتنا‪ ،‬دون الحاجة للدخول في مناقشة بشأن م==ا إذا‬

‫كان السجناء في ذلك السجن من النوعية التي يمكن أن تخرج من هناك لتؤسس حركة سرية تعمد لزعزع==ة اس==تقرار الحكوم==ة‬

‫»‪.‬الفيدرالية‪ .‬إنني على ثقة من قدرتك على تفهم ذلك‬

‫لقد تفهمته بالفعل‪ .‬إذا كانت شبكة إكس نت جزءًا من القصة‪ ،‬فسيرى بعض الن==اس أن من األج==در اعتق==ال ه==ؤالء الش==باب وإال‬

‫‪.‬فسيثيرون الشغب‬
‫قلت لها‪« :‬األمر بيدك‪ =.‬أعتقد أنه ينبغي لك إخبار العالم عن داريل‪ .‬وعندما تفعلين ذل=ك‪ ،‬س=تعلم وزارة األمن الوط=ني أن=ني ق=د‬

‫كش==فت الس==ر‪ ،‬وحين==ذاك س==يأتون للقبض عليَّ ‪ ،‬ولعلهم سيكتش==فون ب==ذلك أن لي عالق==ة بش==بكة إكس نت‪ ،‬ويربط==ون بي==ني وبين‬

‫»‪.‬مايكي‪ .‬ما أعنيه هو أنه بمجرد نشرك لقصة داريل‪ ،‬فستكون هذه نهايتي بأي حال‪ .‬وليست لدي مشكلة في ذلك‬

‫فقالت‪« :‬معك حق؛ وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟! حس ًنا‪ ،‬اتفقنا‪ .‬أريد منكما أن تخبراني بك=ل ش=يء يمكنكم=ا إخب=اري ب=ه‬
‫بشأن تأسيس شبكة إكس نت وتشغيلها‪ ،‬وأريد بعد ذلك شرحً ا مفصاًل ‪ :‬في َم تستخدمانها؟ و َمن أي ً‬
‫ضا يفعل ذلك؟ وكي==ف انتش==رت؟‬

‫»‪.‬ومن صمم البرنامج؟ كل شيء‬

‫»‪.‬قالت آنج‪« :‬سيستغرق ذلك بعض الوقت‬

‫ضا من بسكويت أوريو المُقلَّد‪« .‬قد تك=ون ه==ذه القص==ة‬


‫ردت باربارا‪« :‬لدي متسع من الوقت‪ ».‬وشر َبت بعض القهوة وأكلت بع ً‬

‫من أهم قصص الحرب على اإلرهاب‪ ،‬وقد تكون هي التي تطيح بالحكومة‪ .‬عندما تكون لديك قصة كهذه‪ ،‬عليك التعام==ل معه==ا‬

‫»‪.‬بحرص شديد‬
‫الفصل السابع عشر‬
‫أهدي هذا الفصل إلى سلسلة متاجر الكتب القومية بالمملكة المتحدة ووترستونز‪ ،‬وهي سلسلة متاجر‪ ،‬لكنَّ كاًّل منها يحمل طابع‬

‫‪.‬متجر مستقل رائع‪ ،‬ويزخر بالعديد من الكتب الرائعة المتنوعة (وبخاصة الكتب الصوتية)‪ ،‬هذا فضاًل عن الموظفين المطلِعين‬

‫***‬

‫قصصنا عليها كل شيء‪ .‬وجدت ذلك ممتعً ا في حقيقة األم=ر‪ .‬لطالم=ا ك=ان تعليم الن=اس اس=تخدام التكنولوجي=ا أم=رً ا مث=يرً ا‪ .‬ومن‬

‫أيض=ا‪ ،‬وش= َّكلنا‬


‫الجيد مشاهدة الناس وهي تكتشف كيف يمكن استخدام التكنولوجيا من حولهم لتيس=ير حي=اتهم‪ .‬ك=انت آنج رائع=ة ً‬
‫ً‬
‫ممتاز ا‪ .‬كنا نتبادل شرح كيفية عمل الشبكة‪ .‬وقد كانت باربارا بارعة في هذه األمور بالطبع‬ ‫‪.‬م ًعا فري ًقا‬

‫عرفنا حينذاك أنها قد غطت حروب التشفير صحف ًّيا‪ ،‬وهي الحروب التي وقعت في بداية التس==عينيات عن==دما ناض==لت جمعي==ات‬

‫الحريات المدنية‪ ،‬مثل مؤسسة الحدود اإللكترونية‪ ،‬لضمان حق األمريك=يين في اس=تخدام التش=فير الق=وي‪ .‬ك=انت معرف=تي بتل=ك‬
‫‪.‬الفترة محدودة‪ ،‬لكن باربارا شرحتها على نحو اقشعر له بدني‬

‫ال يُع َق ل األمر اآلن‪ ،‬لكن في وقت ما مضى صنفت الحكومة التشفير كنوع من العتاد الحربي‪ ،‬وجرَّ مت أي أحد يق==وم بتص==ديره‬

‫أو استخدامه‪ ،‬وذلك بدافع حماية األمن الوطني‪ .‬هل تفهم ما قلته؟ كان هناك نوع محظور قانو ًنا من «العمليات الرياض==ية» في‬

‫‪.‬بالدنا‬

‫ك==انت وكال==ة األمن الق=ومي المح=رك الحقيقي وراء ه==ذا الحظ==ر‪ .‬ك==ان ل=ديهم معي==ار للتش=فير ق=الوا إن==ه ق=وي لدرج=ة تكفي ألن‬

‫يستخدمه موظفو البن==وك وعمالؤهم‪ ،‬لكن==ه ليس بالق=در الك==افي من الق==وة بحيث ال تتمكن المافي=ا من االحتف=اظ بس=رية س=جالتها‬

‫عنهم‪ .‬كان يقال إن هذا المعيار — وهو معيار تشفير البيانات (المعتمد على مفتاح تش==فير بط==ول ‪ ٥٦‬بت) — ال يمكن كس==ره‬
‫ً‬
‫جهازا بتكلف==ة قيمته==ا ‪ ٢٥٠‬أل==ف دوالر يمكن==ه‬ ‫على اإلطالق‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬صمم أحد مؤسسي مؤسسة الحدود اإللكترونية األغنياء‬

‫‪.‬كسر الشفرات المعتمدة= على هذا المعيار في ساعتين‬

‫ومع ذلك‪ ،‬جادلت وكالة األمن القومي أنها يجب أن تتمتع بالقدرة على منع األمريكيين= من االحتفاظ بأسرار ال يمكنها انتزاعه==ا‬

‫منهم‪ .‬بعد ذل==ك‪ ،‬ض=ربت مؤسس==ة الح==دود اإللكتروني==ة ض=ربتها القاض==ية؛ ففي ع==ام ‪ ،١٩٩٥‬رفعت قض==ية بالنياب==ة عن ط==الب‬
‫رياضيات بالدراسات العليا من بيركلي يُد َعى دان بيرنستاين‪ .‬ك==ان بيرنس==تاين ق==د كتب مقال==ة عن التش==فير تتض==من ك= ً‬
‫=ودا يمكن‬

‫استخدامه لتصميم شفرة أقوى من شفرات معيار تشفير البيانات بماليين المرات‪ .‬ومن منظور وكال=ة األمن الق==ومي‪ ،‬فق=د ح=وَّ ل‬

‫‪.‬هذا مقالته إلى سالح‪ ،‬ومن ثم لم يعد بإمكانه نشرها‬

‫حس= ًنا‪ ،‬ق==د يك==ون من الص==عب العث==ور على ق= ٍ‬


‫=اض يفهم التش==فير‪ ،‬وم==ا يعني==ه‪ =.‬لكن م==ا ح==دث ه==و أن القاض==ي الع==ادي بمحكم==ة‬

‫االستئناف لم يكن متحم ًسا بشأن إخبار طالب الدراسات العليا بنوعية المقاالت التي يُس َمح لهم بكتابتها‪ .‬انتهت ح==روب التش==فير‬

‫بانتصار أصحاب الحق‪ ،‬وذلك عندما حكمت محكمة استئناف الدائرة التاس==عة ب=أن الك=ود ه=و ن=وع من التعب==ير يخض==ع لحماي==ة‬

‫التعديل= األول من الدستور … «ال يحق للدستور وضع أي قانون يحد من حرية التعبير‪ ».‬إذا اشتريت شي ًئا ما عبر اإلن==ترنت‪،‬‬
‫أو بعثت برسالة سرية‪ ،‬أو تحققت من حسابك المصرفي‪ ،‬فقد استخدمت التشفير الذي أتاحت==ه مؤسس==ة الح==دود اإللكتروني==ة‪ .‬من‬
‫األمور الجيدة أي ً‬
‫ضا أن وكالة األمن القومي ليست بهذا القدر من الذكاء‪ .‬أي شيء يعلمون كيف يفكون شفرته‪ ،‬يمكن==ك أن تتأك==د‬

‫‪.‬من أن اإلرهابيين= وأعضاء العصابات اإلجرامية يمكنهم التحايل عليه أيضًا‬

‫كانت باربارا ممن حققوا الشهرة بتغطية تل=ك القض=ية‪ ،‬وب==دأت حياته==ا المهني=ة= بتغطي=ة نهاي=ة حرك=ة الحق=وق المدني==ة في س=ان‬

‫‪.‬فرانسيسكو‪ ،‬ومن ثم عرفت التشابه بين الصراع من أجل الدستور في العالم الواقعي والصراع في فضاء اإلنترنت‬

‫ولذلك‪ ،‬فقد فهمت الفكرة‪ .‬ال أعتقد أنه كان بإمكاني شرح هذا األمر لوال=ديَّ ‪ ،‬لكن=ه ك=ان ب=األمر اليس=ير لبارب=ارا؛ فق=ط ط=رحت‬

‫أسئلة جيدة عن بروتوكوالت التشفير واإلجراءات األمنية التي نستخدمها‪ ،‬وتضمن ذلك بعض األس==ئلة ال==تي لم أع==رف اإلجاب==ة‬

‫‪.‬عليها‪ ،‬وبعضها يشير إلى نقاط ضعف محتملة في إجراءاتنا‬

‫شغلنا جهاز إكس بوكس‪ ،‬ودخلنا على شبكة إكس نت‪ .‬كانت هناك أربع عُقد واي فاي متاحة في غرف==ة االجتماع==ات‪ ،‬ف==وجهت‬
‫الجهاز للتغيير بين هذه العقد على فترات زمنية عش==وائية‪ ،‬وق==د أدركت ذل==ك ً‬
‫أيض=ا … بمج==رد أن ت==دخل على ش==بكة إكس نت‬

‫فعل ًّي ا‪ ،‬يكون األمر أشبه بالدخول على اإلنترنت‪ ،‬فيما عدا أن بعض األمور تكون أبطأ فقط‪ ،‬وك==ل ش==يء يك==ون مجه==ول الهوي==ة‬

‫‪.‬وال يمكن تتبعه‬

‫وبينما كان نشاطنا يتراجع‪ ،‬قلت س==ائاًل ‪« :‬وم==اذا اآلن؟» ج==ف ريقي من الكالم وش==عرت بحموض==ة ش==ديدة بس==بب القه==وة‪ .‬ه==ذا‬

‫فضاًل عن أن آنج ظلت تضغط على يدي تحت الطاولة على نح=و جعل==ني أرغب في اله==روب معه==ا وإيج=اد مك==ان آخ=ر يتمت==ع‬

‫‪.‬بالخصوصية إلنهاء معركتنا األولى‬

‫عليكما اآلن المغادرة‪ ،‬وسأتولى مهمتي الصحفية‪ ،‬والبحث عن كل األم==ور ال==تي أخبرتم==اني به==ا‪ ،‬ومحاول==ة التأك==د منه==ا ق==در«‬

‫استطاعتي‪ .‬سأسمح لكما برؤية ما سأنشره‪ ،‬وسأخبركما بموعد النشر‪ .‬وأفضِّل أال تتح==دثا عن ذل==ك م==ع أي ش=خص آخ=ر اآلن؛‬

‫ألنني أبغي السبق الصحفي‪ ،‬وأريد التأكد من أنني سأحصل على الخ==بر قب==ل تلويث==ه بالتوقع==ات الص==حفية وتلفي==ق وزارة األمن‬

‫‪.‬الوطني‬

‫سأتصل بوزارة األمن الوطني وأطلب منهم التعليق قبل النشر‪ ،‬لكنني سأفعل ذلك على نح=و ي=وفر ل=ك الحماي=ة إلى أقص=ى ح=د‬
‫‪.‬ممكن‪ ،‬وسأحرص أي ً‬
‫ضا على إطالعك على ما يحدث قبل حدوثه‬

‫ثمة شيء واحد يجب أن أوض=حه‪ :‬لم تع==د ه==ذه قص==تك بع==د اآلن‪ ،‬ب==ل قص==تي‪ .‬لق==د كنت كري ًم==ا للغاي==ة في إفص=احك عنه==ا لي‪،‬‬

‫وسأحاول رد الجميل لك‪ .‬لكن ليس لك الحق في تحريرها أو تغييرها أو إيقافي‪ .‬صار ذلك اآلن أم==رً ا واقعً= ا‪ ،‬ولن يتوق==ف‪ .‬ه==ل‬

‫»تفهم ذلك؟‬

‫لم أفكر في األمر على هذا النحو‪ ،‬لكنها عندما ق==الت ذل==ك‪ ،‬ك==ان واض==حً ا‪ .‬لق==د أطلقت الص==اروخ‪ ،‬وص==ار اآلن في اله==واء‪ ،‬وال‬

‫يمكنني إعادته لألرض‪ .‬سوف يسقط حيث يهدف‪ ،‬أو يحيد عن مساره‪ .‬لكنه اآلن في الهواء وال يمكن تغي=ير ذل=ك‪ .‬في وقت م=ا‬
‫بالمستقبل القريب‪ ،‬سأتخلى عن شخصية ماركوس … سأصبح شخصية عامة‪ ،‬سأكون الش==خص ال==ذي أبل==غ عم==ا تفعل==ه وزارة‬

‫‪.‬األمن الوطني‬

‫‪.‬سأهلك ال محالة‬

‫‪.‬أعتقد أن آنج كانت تفكر في األمر نفسه؛ إذ تلون وجهها بين األبيض واألخضر‬

‫»‪.‬وقالت‪« :‬لنخرج من هنا‬

‫•••‬

‫مرة أخرى لم تكن والدة آنج وأختها في البيت‪ ،‬ما سهل علينا تحديد= المكان الذي سنذهب إليه ذلك المساء‪ .‬كان الوقت قد تجاوز‬

‫‪.‬موعد العشاء‪ ،‬لكن والديَّ كانا يعلمان أنني سأقابل باربارا‪ ،‬ولن تزعجهما عودتي للمنزل متأخرً ا‬

‫عندما وصلت مع آنج إلى منزلها‪ ،‬لم تكن لدي رغبة في تشغيل جه==از إكس ب==وكس؛ فكنت ق==د نلت كف==ايتي من ش==بكة إكس نت‬

‫ليوم واحد‪ .‬كل ما كان بوسعي التفكير فيه هو آنج‪ ،‬وآنج فقط‪ .‬كنت أفكر قبل ذلك الحين في العيش بدونها‪ ،‬وأنها غاضبة م==ني‪،‬‬
‫ً‬
‫ثانية‬ ‫‪.‬وأنني لن أتحدث معها أو أقبِّلها‬
‫وهي أي ً‬
‫ضا كانت تفكر في األمر نفسه‪ .‬كان بوسعي رؤية ذلك في عينيها عند إغالقها باب غرفة النوم‪ ،‬ونظر ك= ٌّل من==ا لآلخ==ر‪.‬‬

‫‪.‬كم كنت مشتا ًقا إليها شو ًقا يشبه جوع الصائم عن الطعام أليام‪ ،‬أو التوق لكوب ماء بعد= لعب كرة القدم ثالث ساعات متواصلة‬

‫‪.‬رغم ذلك‪ ،‬فلم يشبه شعوري أ ًّيا من ذلك‪ .‬لقد كان شعورً ا لم أختبره من قبل قط‪ .‬لقد أردت افتراسها‬

‫حتى ذلك الحين‪ ،‬كانت هي دو ًم ا الطرف األكثر إثارة من الناحية الجنسية في عالقتنا‪ ،‬فكنت أدعها تضبط اإليقاع وتتحكم في==ه‪.‬‬

‫‪.‬وقد كان من المثير للغاية أن تمسك بي‪ ،‬وتخلع عني قميصي‪ ،‬وتجذب وجهي ناحية وجهها‬

‫‪.‬لكنني في تلك الليلة‪ ،‬لم أكن قادرً ا على التحكم في نفسي … وما كنت ألفعل‬

‫سمعت صوت باب الغرفة وهو يُغلَق فأمسكت طرف قميصها وجذبت==ه بق==وة‪ ،‬ال أك==اد أمنحه==ا وق ًت==ا ل==ترفع ذراعيه==ا وأن==ا أم==رر‬

‫‪.‬القميص عبر رأسها‪ .‬خلعت أنا اآلخر قميصي بعنف‪ ،‬منص ًتا إلى صوت قرقعة القطن أثناء انفتاق عقد الخيط‬

‫كانت عيناها تلتمعان‪ ،‬وفمها مفتوحً ا‪ ،‬وأنفاسها متسارعة وقصيرة‪ .‬كذلك كانت أنفاسي؛ كان ألنفاسي وقلبي ودمي جميعً= ا زئ==ير‬

‫‪.‬صائت في أذنيَّ‬
‫ُ‬
‫خلعت عنا بقية مالبسنا بحماس==ة مماثل==ة‪ ،‬ملق ًي==ا إياه==ا على أك==وام الغس==يل المتس==خ والنظي==ف على األرض==ية‪ .‬ك==انت هن==اك كتب‬

‫وأوراق متناثرة على السرير‪ ،‬فأزحتها جانبًا‪ .‬بعد ثانية من ذلك‪ ،‬استلقينا على فرش السرير غير المرتب‪ ،‬يلف ك==ل من==ا اآلخ==ر‬
‫ْ‬
‫=أوهت في فمي وأن==ا ك==ذلك‪ ،‬وش==عرت ب==أن ص==وتها يطن في أحب==الي الص==وتية‪ ،‬وه==و‬
‫بذراعيه‪ ،‬ثم عانقنا بعضنا البعض بق==وة‪ .‬ت=‬

‫‪.‬شعور أكثر حميمية من أي شعور مررت به من قبل‬


‫أفلتت مني ووصلت إلى الطاولة ال==تي بج==انب الس==رير‪ ،‬وفتحت بق==وة ال==درج وألقت كيس ص==يدلية أبيض على الس==رير أم==امي‪.‬‬

‫نظرت بداخل==ه‪ ،‬فوج==دت علب=ة من الع==وازل الذكري==ة‪ .‬ك=انت العلب==ة ال ت==زال مغلق==ة‪ .‬ابتس=مت في وجهه=ا وردت هي االبتس=امة‬

‫‪.‬وفتحت العلبة‬

‫•••‬

‫كنت أفكر منذ فترة طويلة فيما ستكون عليه ه==ذه العملي==ة‪ ،‬وكنت أتخيله==ا مئ==ات الم==رات ك==ل ي==وم‪ .‬وفي بعض األي==ام‪ ،‬كنت في‬

‫‪.‬الواقع ال أفكر في سواها‬

‫إنها لم تكن قط كما تصورت‪ .‬جوانب منها كانت أفضل‪ ،‬والكثير منها أسوأ‪ .‬في أثنائها شعرت أنها ستدوم طوياًل ‪ ،‬لكن بعد ذلك‬

‫‪.‬اتضح لي أنها انتهت في طرفة عين‬

‫‪.‬انتهى األمر وشعرت بعدها أن شي ًئا لم يتغير‪ ،‬لكنني أيضً ا شعرت باختالف‪ .‬كان شي ًئا قد تغير بيننا‬

‫كان األمر غريبًا‪ ،‬كنا خجلين ونحن نرتدي مالبسنا‪ ،‬ورحنا نتس==كع في الغرف==ة‪ ،‬ي==دير ك= ٌّل من==ا نظ==ره عن اآلخ==ر دون أن تلتقي‬
‫ُ‬
‫ذهبت إلى الحمام ووضعت العازل الذكري في منديل= وألقيته في صندوق القمامة‬ ‫‪.‬عيوننا‪ ،‬ثم‬

‫عندما عدت إلى الغرفة‪ ،‬كانت آنج تجلس على السرير وتلعب بجهاز إكس بوكس الخاص بها‪ .‬جلست بحذر بجانبها‪ ،‬وأمس==كت‬

‫‪.‬بيدها‪ .‬استدارت لتواجهني‪ ،‬وابتسمت‪ .‬كنا منهكي القوى ونرتعش‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬شكرً ا‬

‫‪.‬لم تقل شي ًئ ا‪ ،‬وأدارت رأسها ناحيتي‪ .‬ارتسمت على وجهها ابتسامة كبيرة‪ ،‬لكن ثمة دموع سالت على وجنتيها‬

‫»‪.‬عانقتها‪ ،‬واحتضنتها بقوة‪ .‬فهمست‪« :‬أنت رجل صالح يا ماركوس يالو‪ .‬شكرً ا لك‬

‫‪.‬لم أعلم ما ينبغي أن أقوله‪ ،‬لكنني احتضنتها بقوة‪ .‬وأخيرً ا‪ ،‬افترقنا‪ .‬اختفت دموعها‪ ،‬وظلت ابتسامتها على وجهها‬

‫أشارت لجهاز إكس بوكس الخاص بي الموجود على األرض بجوار السرير‪ .‬فهمت ما عنته‪ ،‬التقط ُته‪ ،‬وقمت بتشغيله وس==جلت‬

‫‪.‬الدخول‬

‫لم يكن من شيء جديد؛ الكثير من رسائل البري=د اإللك=تروني والمش=اركات الجدي=دة= بالم=دونات‪ ،‬ورس=ائل غ=ير مرغ=وب فيه=ا‪،‬‬

‫الكثير منها‪ .‬كان صندوق بريدي السويدي يتلقى العديد= من الرسائل غير المرغوب فيها؛ إذ اس= ُتخدِم كعن==وان رد للرس=ائل غ=ير‬

‫المرغوب فيها المر َسلة إلى مئات الماليين من حسابات اإلنترنت‪ ،‬ومن ثم عادت إليَّ ك==ل رس==ائل االس==تياء والبري==د المرت==د‪ .‬لم‬

‫أكن أعرف من يقوم بهذا‪ .‬ربما تحاول وزارة األمن الوطني إغراق بريدي بالرسائل حتى يتوق=ف عن العم=ل‪ ،‬أو ربم=ا يح=اول‬

‫الناس فقط خداعي‪ .‬لكن حزب القراصنة كانت لديه فالتر جيدة للغاي=ة‪ ،‬وك=انوا يمنح=ون ألي ش=خص ي=رغب فيه==ا ‪ ٥٠٠‬جيج=ا‬

‫‪.‬بايت من سعة تخزين البريد اإللكتروني؛ ومن ثم لم يكن من المحتمل أن يتم إغراق بريدي اإللكتروني في أية لحظة‬

‫عمدت إلى التخلص من كل الرسائل‪ ،‬بالضغط على مفتاح الحذف‪ .‬كان لدي صندوق بري==د منفص==ل لألم=ور ال==تي ك=انت تص==ل‬

‫مشفرة باستخدام مفتاحي العام؛ إذ كان من المحتمل أن يكون لها عالقة بشبكة إكس نت‪ ،‬ولها طبيعة حساسة‪ .‬لم ي==درك مرس==لو‬
‫البريد غير المرغوب فيه أن استخدام المفاتيح العامة من شأنه جعل بري==دهم أك==ثر قابلي=ة للتص=ديق‪ ،‬ومن ثم ك=ان األم=ر ناجحً= ا‬

‫‪.‬حتى ذلك الحين‬

‫وصلتني كذلك العشرات من الرسائل المُش َّفرة من أناس في شبكة الثقة‪ .‬تصفحتها سريعً ا؛ كانت رواب==ط لص==ور ومق==اطع في==ديو‬

‫تعرض انتهاكات جديدة لوزارة األمن الوطني‪ ،‬وروايات مرعبة عن حاالت هروب تمت بصعوبة‪ ،‬وتعني ًفا على أم==ور نش==رتها‬

‫‪.‬بالمدونة‪ .‬كلها أمور معتادة‬

‫وصلت بعد ذلك إلى رسالة ُش ِّف رت باستخدام مفتاحي العام فقط‪ ،‬وقد عنى ذلك أنه ما من أحد يمكنه قراءتها غيري‪ ،‬لكن لم تكن‬

‫ضح بها هو ماشا‪ ،‬وهو ما يمكن أن يكون اسمًا أو اسمًا مس==تعارً ا … م==ا من س==بيل‬
‫لدي أية فكرة عمن كتبها‪ .‬اسم المُرسِ ل المو َّ‬
‫‪.‬للتأكد من ذلك‬

‫»مايكي«‬

‫»‪.‬أنت ال تعرفني‪ ،‬لكنني أعرفك«‬

‫قُ ِبض عليَّ يوم تفجير الجسر‪ ،‬وخضعت لالستجواب‪ ،‬وتق==ررت ب==راءتي‪ .‬عرض==وا عليَّ وظيف==ة؛ وهي مس==اعدتهم في القبض«‬

‫»‪.‬على اإلرهابيين الذين قتلوا جيراني‬

‫بدا اتفا ًقا جي ًد ا في حينه‪ ،‬لكنني لم أدرك أن وظيفتي الحقيقية ستكون التجسس على الشباب ال==ذين رفض==وا تح= ُّ=ول م==دينتهم إلى«‬

‫»‪.‬دولة شرطية‬

‫لقد تسللت إلى شبكة إكس نت يوم تدشينها‪ .‬وتضمني شبكة الثقة الخاصة بك‪ .‬إذا أردت اإلفصاح عن هوي==تي‪ ،‬فك==ان بإمك==اني«‬

‫إرسال بريد إلكتروني لك من عنوان تثق فيه‪ ،‬بل ثالثة عن=اوين في الواق=ع؛ فأن=ا ج=زء ال يتج=زأ من ش=بكتك مث=ل أي ش=اب في‬

‫»‪.‬السابعة عشرة من عمره‪ .‬بعض من البريد اإللكتروني الذي وصلك تضمن معلومات خاطئة مني ومن رؤسائي‬

‫إنهم يجهل==ون هويت==ك‪ ،‬لكنهم أوش==كوا على معرفته==ا؛ فهم ال ينفك==ون يس==تقطبون ويس==اومون الن==اس‪ .‬إنهم ينقب==ون في مواق==ع«‬

‫الشبكات االجتماعية‪ ،‬ويستخدمون التهديدات لتحويل الشباب إلى واشين‪ .‬هناك المئات من الناس يعمل==ون لحس==اب وزارة األمن‬

‫»‪.‬الوطني على شبكة إكس نت في الوقت الحالي‪ .‬لدي أسماؤهم وأسماؤهم المستعارة ومفاتيحهم‪ :‬العامة والخاصة‬

‫في خالل أي==ام من تدش==ين ش==بكة إكس نت‪ ،‬عملن==ا على اس==تغالل نظ==ام «بارانوي==د لينكس»‪ .‬وعملي==ات االس==تغالل ح==تى اآلن«‬

‫»‪.‬صغيرة وواهية‪ ،‬لكن هذا لن يدوم طوياًل ‪ .‬وبمجرد أن يحدث هذا‪ ،‬ستهلك‬

‫أعتقد أن==ه من اآلمن أن أق=ول إن==ه إذا علم رؤس=ائي أن==ني أكتب ذل==ك‪ ،‬فس=وف يلق=ون بي في جوانتان=امو الخليج إلى أن يش=يب«‬

‫»‪.‬رأسي‬

‫حتى وإن لم يخترقوا نظام «بارانويد لينكس»‪ ،‬فثمة نسخ مقلدة منتشرة من أجهزة «بارانويد إكس بوكس»‪ ،‬وال تتماش==ى م==ع«‬

‫بيانات التدقيق‪ ،‬لكن كم من الناس ينظرون لهذه البيان==ات غ==يري وغ==يرك؟ الكث==ير من الش==باب ه==الكون بالفع==ل‪ ،‬وإن لم يعلم==وا‬

‫»‪.‬ذلك‬
‫ولم يعد أمام رؤسائي سوى اختيار أفضل وقت للقبض عليك والخروج بخبر عظيم في وسائل اإلعالم‪ .‬سيحدث ذلك ع==اجاًل ‪«،‬‬

‫»‪.‬وليس آجاًل ‪ .‬صدقني‬

‫»‪.‬ال ريب أنك تتساءل اآلن عن سبب إخباري لك بذلك«‬

‫»‪.‬وأنا أيضًا«‬

‫إليك السبب‪ :‬لقد ُكلِّفت بمحاربة اإلرهابيين‪ ،‬لكن==ني — ب==داًل من ذل==ك — أتجس==س على األمريك==يين ال==ذين يؤمن==ون ب==أمور ال«‬

‫تروق لوزارة األمن الوطني‪ .‬أتجسس على ناس ال يخطط==ون لتفج==ير جس==ور‪ ،‬وإنم==ا هم محتجُّ ون‪ .‬وال يمكن==ني االس==تمرار في‬

‫»‪.‬ذلك‬

‫لكن ال يمكنك أنت أيضً ا االستمرار‪ ،‬سواء أكنت تعلم ذلك أم ال؛ فكما أقول لك‪ ،‬إنها مسألة وقت فقط وستعود مكباًل باألص==فاد«‬

‫»‪.‬إلى جزيرة «تريجر آيالند»‪ .‬إنها ليست مسألة احتمال‪ ،‬وإنما وقت‬

‫»‪.‬انتهى ما لدي‪ .‬هناك بعض الناس في لوس أنجلوس قالوا إنهم سيوفرون لي األمان إذا أردت االبتعاد عن هنا«‬

‫»‪.‬أريد االبتعاد«‬

‫سأصطحبك معي إذا أردت ذلك‪ .‬المقاتل أفضل من الشهيد‪ .‬إذا تعاونت معي‪ ،‬يمكننا أن نتوصل إلى كيفي==ة نحق==ق به==ا النص==ر«‬

‫»!معً ا‪ .‬أنا ذكية= مثلك‪ ،‬صدقني‬

‫»ما رأيك؟«‬

‫»‪.‬إليك مفتاحي العام«‬

‫»ماشا«‬

‫»‪.‬عند الوقوع في مشكلة‪ ،‬أو الشعور بالشك‪ ،‬تحرَّ ك في دوائر‪ ،‬صِ ح‪ ،‬واصرخ«‬

‫هل سمعت هذه النصيحة من قبل؟ إنها ليست نصيحة جيدة‪ ،‬لكنها على األقل س=هلة التنفي=ذ‪ .‬نهض=ت من على الس=رير‪ ،‬وأخ=ذت‬
‫أسير جيئة وذهابًا‪َّ .‬‬
‫دق قلبي بعنف‪ ،‬وكذلك دمي مثلما ك==ان الح==ال عن==دما وص==لت إلى الم==نزل م==ع آنج‪ .‬لكن ه==ذه الم==رة لم تكن‬

‫‪.‬اإلثارة الجنسية هي السبب‪ ،‬وإنما الخوف الخالص‬

‫»سألتني آنج‪« :‬ماذا هناك؟ ماذا حدث؟‬

‫أشرت إلى الشاشة الموجودة عند طرف السرير الذي أجلس عنده‪ ،‬فاقتربت وأمسكت لوحة المفاتيح‪ ،‬وحركت بنانها على لوحة‬

‫‪.‬التأشير‪ ،‬وأخذت تقرأ في صمت‬

‫‪.‬وأنا أذرع الغرفة جيئة وذهابًا‬

‫»‪.‬قالت آنج‪« :‬كل هذه أكاذيب‪ ،‬ال شك؛ فوزارة األمن الوطني تحاول التالعب برأسك‬

‫‪.‬نظرت إليها‪ ،‬كانت تقضم شفتها‪ .‬بدا عليها عدم التصديق‬

‫»هل تعتقدين= ذلك؟«‬


‫»‪.‬بالتأكيد‪ =.‬ال يمكنهم هزيمتك؛ ولذلك فهم يطاردونك باستخدام إكس نت«‬

‫»‪.‬نعم«‬
‫ً‬
‫ثانية‬ ‫‪.‬عاودت الجلوس على السرير‪ ،‬وتسارعت أنفاسي‬

‫»!قالت آنج‪« :‬لتهدأ! ليست سوى محاولة للتالعب بك‪ .‬فلتعطني هذه‬

‫‪:‬لم تأخذ لوحة المفاتيح من يدي من قبل‪ ،‬لكن ثمة نوع جديد من الحميمية بدأ بيننا‪ .‬ضغطت على زر الرد‪ ،‬وكتبت‬

‫»!محاولة جيدة«‬

‫‪.‬كانت تكتب باسم مايكي اآلن أيضً ا‪ .‬اختلفت العالقة بيننا عما مضى‬

‫»‪.‬هيا‪ ،‬وقع‪ .‬سنرى ما ستقوله«‬

‫لم أعرف إذا كان هذا هو التصرف السليم أم ال‪ ،‬لكن لم تكن لدي أية أفكار أفضل من ذلك‪ .‬وقعت الرسالة‪ ،‬وش==فرتها باس==تخدام‬

‫‪.‬مفتاحي الخاص والمفتاح العام الذي قدمته ماشا لي‬

‫‪.‬وجاء الرد في الحال‬

‫»‪.‬ظننت أنك ستقول شي ًئا من هذا القبيل«‬

‫إليك نو ًع ا من القرصنة لم تفكر فيه من قبل‪ .‬يمكنني النقل النفقي لمقطع فيديو مجهول المصدر ع==بر بروتوك=ول نظ=ام أس==ماء«‬

‫النطاقات (دي إن إس)‪ .‬إليك بعض الروابط لمقاطع قد ترغب في االطالع عليها قبل أن تقرر أن ما أقوله هراء‪ .‬يسجل ه==ؤالء‬

‫الناس لبعضهم البعض‪ ،‬طوال الوقت‪ ،‬كنوع من الضمان ضد الخيانة‪ ،‬ومن اليسير للغاي==ة التجس==س عليهم أثن==اء تجسس==هم على‬

‫»‪.‬بعضهم البعض‬

‫»ماشا«‬

‫‪.‬أرفقت الكود األساسي لبرنامج بسيط بدا أنه يقوم بما ا َّدعت ماشا بالضبط‪ :‬نقل فيديو عبر بروتوكول دي إن إس‬

‫ألتوقف هنا لحظات‪ ،‬وأوضح شي ًئا ما‪ .‬في نهاية كل يوم‪ ،‬ال يكون كل بروتوكول من بروتوكوالت اإلنترنت س==وى تسلس==ل من‬

‫النص يُر َسل جيئة وذهابًا بترتيب مُحدد‪ =،‬ويشبه ذلك اإلتي=ان بش=احنة‪ ،‬ووض=ع س=يارة داخله=ا‪ ،‬ثم وض=ع دراج=ة بخاري=ة داخ=ل‬

‫صندوق السيارة‪ ،‬وبعد ذلك ربط دراجة بمؤخرة الدراجة البخارية‪ ،‬ثم تعليق حذاء تزلج بمؤخرة الدراجة‪ .‬بداًل من ذلك‪ ،‬يمكنك‬

‫‪ —.‬إذا أردت — ربط الشاحنة بحذاء التزلج مباشر ًة‬

‫‪.‬ومثال على ذلك بروتوكول إرسال البريد البسيط (إس إم تي بي) الذي يُستخ َدم إلرسال البريد اإللكتروني‬

‫‪:‬فيما يلي نموذج محادثة بيني وبين خادم البريد اإللكتروني الخاص بي أثناء إرسال رسالة إلى نفسي‬

‫‪ littlebrother.com.se.‬مرحبًا –‬

‫‪.‬يسعدني لقاؤك ‪ mail.pirateparty.org.se‬مرحبًا ‪250 mail.pirateparty.org.se‬‬

‫‪: m1k3y@littlebrother.com.se.‬رسالة من –‬
‫‪.‬تم تحديد المرسل … ‪250 2.1.0 m1k3y@littlebrother.com.se‬‬

‫‪: m1k3y@littlebrother.com.se.‬إلى –‬

‫‪.‬تم تحديد المرسل إليه … ‪250 2.1.5 m1k3y@littlebrother.com.se‬‬

‫‪.‬بيانات –‬

‫‪.‬أدخل رسالة تنتهي ﺑ «‪ ».‬على سطر منفصل ‪354‬‬

‫‪.‬عند الوقوع في مشكلة أو الشعور بالشك‪ ،‬تحرك في دوائر‪ ،‬صِ ح‪ ،‬واصرخ –‬

‫‪–.‬‬

‫‪.‬قُ ِبلت الرسالة لإلرسال ‪250 2.0.0 k5SMW0xQ006174‬‬

‫‪.‬إنهاء‬

‫‪.‬يغلق االتصال ‪221 2.0.0 mail.pirateparty.org.se‬‬

‫‪.‬أُنهي االتصال بواسطة مضيف أجنبي‬

‫تحددت قواعد هذه المحادثة في عام ‪ ١٩٨٢‬على يد جون بستيل‪ ،‬أحد المساهمين األساسيين في ظهور اإلن==ترنت‪ ،‬وال==ذي عم==ل‬

‫‪.‬على تشغيل أهم الخوادم بشبكة اإلنترنت تحت مكتبه في جامعة جنوب كاليفورنيا في الحقبة الماضية‬

‫واآلن‪ ،‬لتتخيل أنك قد أوصلت خادم بريد بإحدى جلسات المراسلة الفورية‪ .‬يمكنك= إرسال رسالة فورية إلى الخادم ال==ذي أرس==ل‬

‫‪ littlebrother.com.se»،‬عب======ارة‪« :‬مرحبًا‬ ‫وس======يكون رده‪250« :‬‬ ‫‪mail.pirateparty.org.se‬‬ ‫مرحبًا‬

‫يسعدني لقاؤك‪ ».‬بعبارة أخرى‪ ،‬يمكنك أن تج=ري المحادث=ة نفس=ها بالرس=ائل الفوري=ة مثلم=ا ‪mail.pirateparty.org.se،‬‬

‫تفعل عبر بروتوكول إس إم تي بي‪ .‬وبإجراء التعديالت السليمة‪ ،‬يمكن إتمام كل ما يح==دث في خ==ادم البري==د داخ==ل محادث==ة‪ ،‬أو‬

‫‪.‬جلسة على الويب‪ ،‬أو أي شيء آخر‬

‫يسمَّى ذلك ﺑ «النقل النفقي»‪ .‬تضع بروتوكول إس إم تي بي داخل «نفق» محادثة‪ ،‬ويمكنك= حينئ ٍذ إعادة وضع المحادث==ة داخ==ل‬

‫‪.‬نفق بروتوكول إس إم تي بي‪ ،‬هذا إن كنت غريب األطوار؛ فهذا يعني وضع النفق في نفق آخر‬

‫في الواقع‪ ،‬كل بروتوكول من بروتوكوالت اإلنترنت عرضة لهذه العملي=ة‪ .‬وه=ذا رائ=ع؛ إذ يع=ني أن=ك إذا كنت بش=بكة ال يمكن‬
‫الدخول عليها إال من الويب‪ ،‬يمكنك= إحداث نقل نفقي لبريدك عبر هذه الشبكة‪ ،‬ويمكن==ك ً‬
‫أيض=ا وض==ع ش==بكة الن==د للن==د المفض==لة‬

‫ضا وضع شبكة إكس نت داخلها (وهي الشبكة التي تعد نف ًقا للعشرات من البروتوكوالت)‬
‫‪.‬لديك داخلها‪ ،‬بل ويمكنك أي ً‬

‫وبروتوكول دي إن إس بروتوكول إنترنت قديم ومثير لالهتم=ام يع==ود تاريخ==ه إلى ع=ام ‪ ،١٩٨٣‬وه==و الوس==يلة ال=تي يغ==ير به=ا‬

‫إلى رقم بروتوك==ول اإلن==ترنت ال==ذي تس==تخدمه أجه==زة ‪ pirateparty.org.se،‬الكم==بيوتر الخ==اص ب==ك اس==م كم==بيوتر‪ =،‬مثل‬

‫الكمبيوتر فعل ًّيا للتواصل بعضها مع البعض عبر اإلنترنت‪ ،‬مثل ‪ .٢٠٤.١١.٥٠.١٣٦‬يعمل ه==ذا ال==بروتوكول بش==كل ع==ام على‬

‫نحو سريع وفعال‪ ،‬رغم تضمنه الماليين من األجزاء المتحركة‪ .‬فكل مزود خدمة إنترنت يشغل خاد ًم==ا له==ذا ال==بروتوكول‪ ،‬كم==ا‬
‫هو الحال مع معظم الحكومات والعديد= من جهات تشغيل الخدمة الخاصة‪ .‬تتصل كل هذه الخوادم م ًعا‪ ،‬وتصدر طلبات وتملؤها‬

‫‪.‬بعضها لبعض‪ .‬وبذلك‪ ،‬مهما كان االسم الذي تعطيه لجهاز الكمبيوتر الخاص بك مبهمًا‪ ،‬فسيتمكن من تحويله إلى رقم‬

‫ولك أن تصدق أو ال‪ ،‬هذا الملف كان مستن ًدا واح ًدا يدرج اسم كل كم==بيوتر ‪ HOSTS.‬قبل هذا البروتوكول‪ ،‬كان هناك ملف‬

‫متصل باإلنترنت وعنوانه‪ .‬وكل كمبيوتر عليه نسخة من ه==ذا المل==ف‪ .‬وفي النهاي==ة‪ ،‬أص==بح ذل==ك المل==ف كب==يرً ا للغاي==ة بحيث ال‬

‫ص=مِّم بروتوك=ول دي إن إس‪ ،‬وتم تش==غيله على خ=ادم ك==ان موج=و ًدا تحت مكتب ج=ون بس=تيل‪ .‬وإذا ح=رك‬
‫يمكن تناقله؛ ولذلك ُ‬

‫!عمال النظافة القابس‪ ،‬فقد االتصال باإلنترنت‪ .‬هذه حقيقة‬

‫الفكرة هي أن بروتوكول دي إن إس منتشر للغاية اآلن‪ .‬كل شبكة بها خادم لهذا البروتوكول‪ ،‬وكل هذه الخوادم مهيَّأة لالتصال‬

‫‪.‬بعضها بالبعض وبأفراد عشوائيين بجميع أنحاء اإلنترنت‬

‫ما فعلته ماشا هو التوصل إلى طريقة إلحداث نقل نفقي لفيديو عبر بروتوكول دي إن إس‪ .‬وكانت تقسم الفي==ديو إلى ماليين من‬

‫األجزاء‪ ،‬وتخبِّئ كل جزء في رسالة عادية على أحد خوادم بروتوكول دي إن إس‪ .‬وبتشغيل الك==ود ال==ذي ص==ممته‪ ،‬تمكنت من‬

‫نقل الفيديو من كل هذه الخوادم بجميع أنحاء اإلن==ترنت وبس==رعة هائل==ة‪ .‬ال ب==د أن ذل==ك ب==دا غري ًب==ا على الم==درجات اإلحص=ائية‬

‫‪.‬التكرارية بالشبكة‪ ،‬كما لو كنت أبحث عن عنوان كل كمبيوتر في العالم‬

‫بيد أنه كان يتمتع بميزتين ق َّدرتهما في آن واحد؛ أال وهما أنني كنت قادرً ا على الحصول على الفي==ديو بس==رعة ال==برق؛ بمج==رد‬

‫أن نقرت على الراب=ط األول‪ ،‬ب=دأت في تلقي ص=ور بملء الشاش=ة دون االنتظ=ار ط=وياًل ‪ ،‬وأن=ني لم تكن ل=دي فك=رة عن مك=ان‬
‫‪.‬استضافة هذا الفيديو‪ =.‬لقد كان الفيديو مجهول المصدر ً‬
‫كلية‬

‫في البداية‪ =،‬لم أالحظ حتى محتوى الفيديو؛= فقد أربكتني براعة هذه القرصنة‪ .‬نقل فيديو ع=بر بروتوك=ول دي إن إس! ك=ان ذل=ك‬

‫‪.‬بار ًعا وغريبًا‪ ،‬بل في الواقع منحر ًفا‬

‫‪.‬تدريج ًّيا‪ ،‬بدأت أدرك ما كنت أراه أمامي‬

‫كنت أشاهد طاولة بغرفة اجتماعات صغيرة معلقة بها مرآة على أحد الحوائط‪ .‬جلس==ت من قب==ل في تل==ك الغرف==ة‪ ،‬وذل==ك عن==دما‬

‫أجبرتني السيدة صاحبة الشعر القصير على اإلفصاح بكلمة المرور الخاصة بي‪ .‬وحول الطاول==ة خمس==ة كراس==يَّ وث==ير ٍة يجلس‬

‫على ك ٍّل منها شخص يبدو عليه االرتياح ويرتدي زي وزارة األمن الوط==ني‪ .‬إلى ج==انب الس==يدة ذات الش==عر القص==ير‪ ،‬تع==رفت‬
‫أي ً‬
‫ضا على اللواء جرايام ساذرالند‪ ،‬قائد منطقة الخليج التابع=ة ل=وزارة األمن الوط=ني‪ .‬أم=ا اآلخ=رون‪ ،‬فلم أرهم من قب==ل‪ .‬ك=انوا‬

‫‪.‬جميعً ا يشاهدون شاشة فيديو عند نهاية الطاولة يظهر بها وجه مألوف أكثر لي‬

‫اشتهر كيرت روني على المستوى القومي بالخبير االستراتيجي األول ل==رئيس الجمهوري==ة‪ ،‬وه==و من أع==اد الح==زب لف==ترة حكم‬

‫ثالثة‪ ،‬ويتقدم بحماس نحو ف=ترة رابع==ة‪ ،‬وق=د أُطلِ=ق علي==ه لقب «ع==ديم الرحم==ة»‪ .‬ش=اهدت تقري==رً ا ص=حف ًّيا ذات م==رة عن م=دى‬

‫صرامته في السيطرة على العاملين معه؛ فال ينفك يتصل بهم ويراسلهم بالرسائل الفورية ويتتبع كل حركة يقومون بها ويتحكم‬
‫في كل خطوة لهم‪ .‬كان كبيرً ا في السن‪ ،‬تعلو وجه=ه التجاعي=د‪ =،‬ل=ون عيني=ه رم=ادي ب=اهت‪ ،‬أنف=ه مس=طح ذو فتح=تين واس=عتين‪=،‬‬

‫ًّ‬
‫مكفهرا‬ ‫‪.‬وشفتاه رقيقتان‪ ،‬بدا وجهه‬

‫كان هو الموجود على الشاش=ة‪ .‬ك=ان يتح=دث واآلخ=رون يرك=زون في الشاش=ة‪ ،‬ويس=جلون مالحظ=ات بأقص=ى س=رعة ممكن=ة‪،‬‬

‫‪.‬محاولين أن تبدو عليهم البراعة‬

‫بفرض أنهم غاضبون من السلطة‪ ،‬ينبغي أن نوضح للشعب أن من يقع علي=ه الل=وم هم اإلره=ابيون وليس الحكوم=ة‪ .‬ه=ل …«‬

‫تفهمونني؟ إن الشعب ال يحب هذه المدينة؛ فهي في نظره مثل مدن المثليين= والملح==دين ال==ذين يس==تحقون الهالك في ن==ار جهنم‪.‬‬

‫‪.‬السبب الوحيد الهتمامه بسان فرانسيسكو هو أنها قد حالفها الحظ في هجوم اإلرهابيين اإلسالميين عليها‬

‫اقترب هؤالء الشباب بشبكة إكس نت من أن يكونوا مفيدين لنا؛ فكلما زاد تط==رفهم‪ ،‬زاد إدراك الش==عب النتش==ار التهدي==دات في‬

‫»‪.‬كل مكان‬

‫‪.‬انتهى المشاهدون من الكتابة‬

‫قالت السيدة ذات الشعر القصير‪« :‬أعتقد أنه بوسعنا التحكم في ذلك‪ .‬أحدث عمالؤنا في شبكة إكس نت تأثيرً ا كب==يرً ا‪ .‬ي==دير ك==ل‬

‫مدون من المدونين المنشوريين ما يصل إلى خمسين مدونة تتدفق بقنوات المحادث=ة‪ ،‬وت=ربطهم ببعض=هم البعض‪ ،‬م=ع االعتم=اد‬

‫»‪.‬في الغالب على خط الحزب الذي أعده مايكي هذا‪ .‬لكنهم أثبتوا أنهم بوسعهم إثارة أفعال متطرفة‪ ،‬حتى عندما يوقفهم مايكي‬

‫أومأ اللواء ساذرالند برأسه‪ ،‬وقال‪« :‬كنا نخطط لتركهم يعملون في الخفاء حتى ش==هر قب==ل االنتخاب==ات النص==فية‪ .‬ه==ذا م==ا تنص‬

‫»… عليه الخطة األصلية‪ ،‬لكن يبدو أن‬

‫قال روني‪« :‬لدينا خطة أخرى لالنتخابات العامة النصفية‪ .‬ومن نافلة القول أنه س==ينبغي لكم — على األرجح — أال تخطط==وا‬

‫للسفر لمدة شهر قب==ل ذل==ك الحين‪ .‬لتطلق==وا العن==ان لش==بكة إكس نت اآلن‪ ،‬في أق==رب وقت ممكن‪ .‬فكلم==ا اس==تمروا في االعت==دال‪،‬‬

‫»‪.‬صاروا عائ ًقا‪ .‬لِ َندَعْ هم متطرفين‬

‫‪.‬وتوقف مقطع الفيديو‬

‫جلست أنا وآنج على طرف السرير ونحن ننظر إلى الشاشة‪ .‬أعادت آنج تشغيل الفيديو‪ ،‬وشاهدناه مرة أخ==رى‪ .‬وك==ان أس==وأ في‬

‫‪.‬المرة الثانية‬

‫‪.‬أزحت لوحة المفاتيح جانبًا‪ ،‬ونهضت‬

‫قلت لها‪« :‬لقد سئمت الخوف ح ًّقا‪ .‬لنطلع باربارا على هذا الفيديو ونطلب منها أن تنشر األمر‪ ،‬وترفع كل ش=يء على اإلن==ترنت‬

‫»‪.‬ليعتقلوني‪ .‬على األقل‪ ،‬سأعرف ما سيحدث حينئ ٍذ‪ =.‬على األقل‪ ،‬سيكون هناك بعض اليقين في حياتي‬

‫جذبتني آنج نحوها‪ ،‬عانقتني‪ ،‬وهدأت من روعي‪ .‬قالت لي‪« :‬أعلم‪ ،‬يا حبي==بي‪ ،‬أعلم‪ .‬األم==ر برمت==ه بش==ع‪ .‬لكن==ك ال تفك==ر إال في‬

‫الجانب السيئ‪ ،‬وتتجاهل الجانب الجيد‪ .‬لقد أسست حركة‪ ،‬وخ==دعت حمقى ال==بيت األبيض ومحت==الي وزارة األمن الوط==ني‪ .‬لق==د‬

‫‪.‬وضعت نفسك في موقف يمكنك أن تتولى فيه مسئولية كشف الستار عن كافة أعمال وزارة األمن الوطني القذرة‬
‫بالطبع‪ ،‬سيسعون إللقاء القبض عليك‪ .‬هل ش=ككت لحظ=ة في ذل=ك؟ لطالم=ا علمت أنهم س=يفعلون ذل=ك‪ .‬لكنهم‪ ،‬ي=ا م=اركوس‪ ،‬ال‬

‫يعرفونك‪ .‬فلتفكر في األمر‪ :‬كل هؤالء الناس‪ ،‬واألموال‪ ،‬واألسلحة‪ ،‬والجواسيس لمواجهتك أنت طالب الثانوية البالغ من العمر‬

‫سبعة عشر عامًا … ال تزال الغلبة لك‪ .‬إنهم ال يعلم==ون أي ش==يء عن بارب==ارا‪ ،‬أو ِزيب‪ .‬لق==د شوش==ت على عملهم في ش==وارع‬

‫»‪.‬سان فرانسيسكو‪ ،‬وأحرجتهم أمام العالم؛ لذا‪ ،‬فلتتوقف عن التفكير على هذا النحو الكئيب‪ ،‬أال تفعل؟ أنت المنتصر عليهم‬

‫لكنهم س==يلقون القبض عليَّ ‪ .‬ه==ل تفهمين م==ا أقول==ه؟ س==يزجون بي في الس==جن لألب==د‪ .‬وليس الس==جن فق==ط‪ ،‬ب==ل س==يخفونني عن«‬

‫األنظار‪ ،‬مثلما فعلوا بداريل‪ .‬وربما ما هو أسوأ‪ ،‬ربما سيرسلونني إلى سوريا‪ .‬لماذا يتركونني في سان فرانسيس==كو؟ طالم==ا أن==ا‬

‫»‪.‬موجود في الواليات المتحدة‪ ،‬أنا عائق في طريقهم‬

‫‪.‬جلست آنج على السرير بجانبي‬

‫»وقالت‪« :‬هل هذا ما تقصده؟‬

‫»‪.‬نعم«‬

‫»حس ًنا‪ ،‬تعلم ما عليك فعله‪ ،‬أليس كذلك؟«‬

‫سألتها‪« :‬ماذا؟» فنظرت إلى لوحة المفاتيح الخاصة بي‪ .‬كان بوسعي رؤي==ة ال=دموع تس=يل على وجنتيه=ا‪ .‬قلت له==ا‪« :‬كال! لق==د‬

‫»فقدت صوابك‪ .‬هل تعتقدين أنني سأهرب مع مجنونة عرفتها على اإلنترنت؟ جاسوسة؟‬

‫»هل لديك فكرة أفضل من هذه؟«‬

‫»‪.‬ركلت كومة من مالبسها المعدة للغسيل في الهواء‪ ،‬وأنا أقول‪« :‬حس ًنا‪ ،‬سأستمر في التحدث معها‬

‫»‪.‬فقالت آنج‪« :‬نعم‪ ،‬تحدث معها‪ ،‬وأخبرها أنك وصديقتك ستهربان‬

‫»ماذا؟«‬

‫=رف ذل==ك«‬
‫اخرس أيها األحمق‪ .‬هل تظن نفسك في خطر؟ ال يقل الخطر الذي أتعرض ل==ه عم==ا تتع==رض ل==ه ي==ا م==اركوس‪ .‬يُع= َ‬
‫بالجرم بالتبعية‪ =.‬عندما تغادر‪ ،‬سأغادر معك‪ ».‬برز فكها للخارج على نحو متم=رد‪« .‬أنت وأن=ا … ص=رنا معً= ا اآلن‪ .‬علي=ك أن‬

‫»‪.‬تفهم ذلك‬

‫‪.‬جلسنا على السرير معً ا‬

‫»‪.‬قالت أخيرً ا بصوت خفيض‪« :‬إال إذا لم تكن تريدني‬

‫»أنت تمزحين‪ ،‬أليس كذلك؟«‬

‫»هل أبدو مازحة؟«‬

‫ما كنت ألرحل بدونك أب ًدا‪ ،‬يا آنج‪ ،‬لو كان لي االختيار‪ .‬وم==ا كنت ألطلب من==ك المجيء معي‪ ،‬لكن فرح==تي بعرض==ك ه==ذا ال«‬

‫»‪.‬توصف‬
‫َ‬
‫‪.‬ابتسمت لي‪ ،‬وأعطتني لوحة المفاتيح‬
‫لنر ما يمكنها أن تقدمه لنا«‬
‫»‪.‬لترسل رسالة بريد إلكتروني لهذه المدعوة ماشا‪َ .‬‬
‫أرسلت لها رسالة مُش َّفرة‪ ،‬وانتظرت ال==رد‪ .‬ف==داعبتني آنج بأنفه==ا وبادلته==ا القب==ل‪ ،‬وتعانقن==ا‪ .‬جعل==ني الخط==ر ال==ذي نحن بص==دده‪،‬‬

‫واتفاقنا على الهروب معً ا أنسى شعور الحرج الذي انتابني عند مضاجعتها‪ ،‬وأشعر بإثارة ش==ديدة ورغب==ة في القي==ام ب==ذلك م==رة‬

‫‪.‬أخرى‬

‫‪:‬كنا قد خلعنا نصف مالبسنا بالفعل عندما وصلت رسالة ماشا‬

‫»‪.‬اثنان؟ يا إلهي! كما لو أن األمر بحاجة لمزيد من التعقيد«‬

‫ال يمكنني الرحيل إال إلجراء استخبارات ميدانية= بعد وقوع حدث ضخم على شبكة إكس نت‪ .‬ه==ل تفهم==ني؟ ي==راقب رؤس==ائي«‬

‫»‪.‬كل تحركاتي‪ ،‬لكنني أتحرر من هذه المراقبة عندما يقع حادث جلل لمستخدمي شبكة إكس نت‪ .‬عندئ ٍذ‪ =،‬أ ُ َ‬
‫رسل للعمل الميداني‬

‫»‪.‬لتحقق شي ًئا ما مه ًّما؛ فأُر َسل للعمل الميداني‪ ،‬ونغادر جميعً ا‪ .‬نغادر نحن الثالثة‪ ،‬إذا كنت م ًّ‬
‫ُصرا على ذلك«‬

‫لكن عليك أن تسرع‪ .‬ال يمكنني= إرسال الكثير من رسائل البريد اإللكتروني إلي=ك‪ ،‬أتفهم م=ا أعني=ه؟ فهم يراقبون=ني‪ ،‬وأوش=كوا«‬

‫»‪.‬على التوصل إليك‪ .‬ليس أمامك متسع من الوقت‪ .‬أسابيع‪ ،‬ربما أيام فقط‬

‫أنا بحاجة إليك ألتمكن من الهرب‪ ،‬وهذا السبب وراء فعلي ذلك‪ ،‬إن كنت تتساءل عن السبب‪ .‬ال يمكنني الهرب وحدي‪ .‬إن==ني«‬

‫بحاجة إللهاء كبير على شبكة إكس نت‪ ،‬وهذا تخصصك‪ .‬ال تخ==ذلني ي==ا م==ايكي‪ ،‬وإال فسنص==ير — نحن االث==نين — في ع==داد‬

‫»‪.‬الموتى‪ .‬وكذلك فتاتك‬

‫»ماشا«‬

‫رنَّ هاتفي‪ ،‬فانتفض كالنا‪ .‬كانت أمي ترغب في معرفة متى سأعود للمنزل‪ .‬أخبرتها أن=ني في الطري=ق‪ .‬لم ت=ذكر بارب=ارا؛ فق=د‬

‫‪.‬اتفقنا على أال نتحدث في هذه األمور في الهاتف‪ .‬كانت تلك فكرة أبي‪ .‬لعله يعاني من جنون االرتياب مثلي‬

‫»‪.‬قلت آلنج‪« :‬يجب أن أذهب‬

‫»… آباؤنا سوف«‬

‫فقاطعتها قائاًل ‪« :‬أعلم‪ ،‬لقد رأيت ما حدث لوالديَّ عندما ظنا أنني لقيت حتفي‪ .‬ولن يكون الوضع أفضل إذا علم==ا أن==ني ه==ارب‪.‬‬

‫لكن أن أكون هاربًا أفضل من أن أكون مسجو ًنا في نظرهما‪ .‬هذا م==ا أظن==ه‪ .‬ب=أي ح==ال‪ ،‬م=ا إن نختفي ح==تى تتمكن بارب=ارا من‬

‫»‪.‬نشر كل شيء دون أن تقلق من إيقاعنا في مشكالت‬

‫تبادلنا القبل عند باب غرفتها‪ ،‬لكن ليس بالحرارة نفسها التي نقبل بها بعضنا البعض عند الفراق‪ .‬هذه الم==رة ك==انت قبل==ة لطيف==ة‬

‫‪.‬بطيئة‪ ،‬قبلة وداع‬

‫•••‬
‫ً‬
‫جيئ=ة وذهابً=ا‪ ،‬وتح=اول أال تنظ=ر في عي=ون الرك=اب‬ ‫تجعلك الرحالت بشبكة بارت مت=أماًل عمي=ق الفك=ر‪ .‬عن=دما يه=تز القط=ار‬

‫اآلخرين‪ ،‬وأال تقرأ اإلعالنات عن الجراحات التجميلية‪ ،‬والضامنين واختبارات الكشف عن اإليدز‪ ،‬وتحاول تجاه=ل الجرافي==تي‬

‫‪.‬وأال تنظر بتركيز إلى فرش األرض‪ ،‬حينئ ٍذ يبدأ رأسك يموج باألفكار‬
‫ً‬
‫جيئة وذهابًا‪ ،‬وتفكر في كل شيء تجاوزت عنه من قبل‪ ،‬ويمر أمام عينيك شريط حياتك بما فيه من لحظات جبن‪،‬‬ ‫يهتز جسدك‬

‫‪.‬أو حماقة‪ ،‬أو سذاجة‬

‫‪:‬يتوصل عقلك لنظريات من قبيل‬


‫إذا أرادت وزارة األمن الوطني القبض على مايكي‪ ،‬فهل من سبيل أفضل من جذبه لمكان مفتوح‪ ،‬وإرهابه لينظم ح= ً‬
‫=دثا عا ًّم==ا«‬

‫»ضخمًا على شبكة إكس نت؟ أال يستحق ذلك تسريب فيديو مشبوه؟‬

‫يتوصل عقلك إلى هذه األمور حتى وإن لم يسر القطار س=وى محط==تين أو ثالث محط=ات‪ .‬وعن==دما ت==نزل‪ ،‬وتب==دأ في التح==رك‪،‬‬
‫ً‬
‫ثانية‬ ‫‪.‬تجري الدماء ثانية في عروقك‪ ،‬وأحيا ًنا يساعدك عقلك في الخالص‬
‫‪.‬وأحيا ًنا‪ ،‬إلى جانب المشكالت‪ ،‬يمنحك عقلك حلواًل‬
‫الفصل الثامن عشر‬
‫أهدي هذا الفصل إلى متجر صوفيا بوكس متعدد اللغات في مدينة فانكوفر‪ ،‬ذلك المتجر المثير والمتنوع الزاخر بأفضل ص==ور‬

‫الثقافة الشعبية الغريبة والمثيرة من كافة األنحاء‪ .‬كان متجر صوفيا بجوار الفن==دق ال==ذي كنت أقيم في==ه أثن==اء زي==ارتي لف==انكوفر‬

‫إللقاء محاضرة في جامعة سايمون فريزر‪ ،‬وأرسل لي القائمون على المتجر رس==الة بري==د إلك==تروني لكي أع==رج عليهم وأوق==ع‬

‫الكتب التي كانوا يعرضونها بينما كنت في الجوار‪ .‬عندما وصلت هناك‪ ،‬اكتشفت مجموعة نفيسة من األعمال التي لم أرها من‬

‫قبل في مجموعة مذهلة من اللغات‪ ،‬بدءًا من الروايات المصورة ووص==واًل إلى األبح==اث األكاديمي=ة= الض==خمة‪ ،‬ويش==رف عليه==ا‬
‫فريق عاملين َحسنِي الطباع (بل ومرحين أي ً‬
‫ضا)‪ ،‬من الواضح أنهم كانوا يستمتعون= بعملهم‪ ،‬األمر الذي يدركه كل عميل يدخل‬

‫‪.‬من الباب‬

‫***‬
‫مرَّ عليَّ وقت كانت أحبُّ األمور فيه إلى قلبي على اإلطالق هي ارتداء َحر َملة والذهاب إلى الفنادق‪ ،‬متظ==اهرً ا أن==ني مص==اص‬

‫‪.‬دماء خفي يحدق فيه الجميع‬

‫األمر معقد‪ ،‬وليس غريبًا مثلما يبدو لك‪ .‬جمعت ألعاب تقمص األدوار في إطار طبيعيٍّ أفض َل عناصر لعبة «سجون وتن==انين»‬

‫‪.‬ولعب األدوار الدرامية ومؤتمرات الخيال العلمي‬

‫‪.‬أعلم أن ذلك قد ال يجعلها تبدو جذابة لك كما كانت في نظري وأنا في الرابعة عشرة من عمري‬

‫أفضل األلعاب كانت تلك التي نمارسها في معسكرات الكشافة خ==ارج المدين==ة‪ :‬المئ==ات من الم==راهقين من الجنس==ين‪ ،‬يواجه==ون‬

‫ازدحام مرور يوم الجمعة‪ ،‬ويتبادلون القصص‪ ،‬ويلعبون باأللعاب التي ُتحمل باليد‪ ،‬ويتف==اخرون لس==اعات‪ .‬بع==د ذل==ك ي==ترجلون‬

‫عن المركبات ليقفوا وسط الحشائش أمام مجموعة من الرجال والسيدات األكبر س ًّنا يرتدون درو ًعا سيئة مصنوعة في المنزل‪،‬‬

‫متبعجة ومليئة بالخدوش‪ ،‬مثلما كان حال الدروع في الزمن الماضي‪ ،‬ليست كما تص==ورها األفالم الس==ينمائية‪ ،‬وإنم==ا كم==ا يب==دو‬

‫‪.‬زي الجندي الذي ظل شهرً ا في األحراش‬

‫كان هؤالء األفراد يتلقون أجرً ا مقابل إدارة األلعاب‪ ،‬لكن ال يمكن أن ُتعيَّن في هذه المهمة إال إذا كنت من النوع الذي يمكن أن‬

‫يؤديها دون مقابل‪ .‬كانوا يقسموننا إلى فريقين بنا ًء على االستبيانات التي كنا نملؤها سل ًفا‪ ،‬ثم يخبروننا بمه==ام فريقن==ا بع==د ذل==ك‪،‬‬

‫‪.‬مثل تقسيمنا لفري َقي بيسبول‬

‫تحصل بعد ذلك على تعليمات توجيهية تشبه تلك التي يحصل عليها الجواسيس في األفالم السينمائية؛ وتتضمن بداخلها هويتك‪،‬‬

‫‪.‬ومهمتك‪ ،‬واألسرار التي تعلمها عن المجموعة‬

‫يلي ذلك العشاء‪ :‬نيران متوهجة‪ ،‬لحم يتقلب في األسياخ‪ ،‬توفو يئز على المقالة (في ش==مال كاليفورني==ا‪ ،‬النظ==ام الغ==ذائي النب==اتي‬
‫‪.‬ليس اختيارً ا)‪ ،‬وأسلوب األكل والشرب ال يمكن وصفه إال بأنه َش َرهٌ‬
‫يبدأ بعد ذلك المتحمسون في تقمص الشخصية التي يلعبونها‪ .‬أول لعبة مارستها أديت فيها دور ساحر‪ ،‬فحملت ً‬
‫كيس=ا ب==ه العدي==د‬

‫من أكياس حبات الفول التي من المفترض أن تمثل تعاويذ سحرية‪ .‬فكنت عندما ألقي واح= ًدا منه==ا‪ ،‬أص==يح باس==م التعوي==ذة ال==تي‬

‫ألقيها (كرة نار‪ ،‬صاروخ سحري‪ ،‬مخروط ضوء)‪ ،‬ويسقط الالعب أو «الوحش» الذي ألقيه علي==ه إذا نجحت في الرمي==ة‪ .‬وإن‬

‫لم أنجح‪ ،‬كنا نلجأ أحيا ًنا إلى أحد المُح ِّكمين للتسوية بيننا‪ ،‬بيد أنن==ا كن==ا غال ًب==ا نتح==رى النزاه==ة في اللعب‪ ،‬فال أح==د يحب اللج==وء‬

‫‪.‬لمُح ِّكم وسيط‬

‫وبحلول موعد النوم‪ ،‬نكون قد تقمص==نا جمي ًع= ا الشخص==يات ال==تي من المف==ترض أن نلعبه==ا‪ .‬عن==دما كنت في الرابع==ة عش=رة من‬

‫عمري‪ ،‬لم أكن على يقين تام من نبرة الصوت التي من المفترض أن يتحدث بها الساحر‪ ،‬لكن كان بإمك==اني أن أستش==ف بعض‬

‫األشياء عنها من األفالم والروايات‪ ،‬فكنت أتحدث بنبرة صوت تتسم بالبطء والروية‪ ،‬م==ع الحف==اظ على تعب==ير غ==امض مناس==ب‬

‫‪.‬على وجهي‪ ،‬والتفكير في أمور غامضة‬

‫كانت المهمة الموكلَة إلينا معقدة؛ إذ كان علينا استعادة أثر مقدس سرقه غول عمد إلخضاع الناس إلرادت=ه‪ .‬لم يهم ذل=ك كث==يرً ا‪،‬‬
‫أيض=ا َخ ْ‬
‫ص= ٌم س=ري‬ ‫وإنما ما كان يهم هو أنني لدي مهمة خاصة؛ أال وهي اإلمساك بعفريت صغير ليعمل مس=اع ًدا لي‪ ،‬وهن=اك ً‬

‫عتيد‪ =،‬وهو العب آخر في الفريق شارك في غارة قُتِلت فيه=ا أس=رتي عن=دما كنت طفاًل ص=غيرً ا وال يعلم ب=أنني س=أعود عازمً=ا‬

‫على االنتقام‪ .‬كان هناك‪ ،‬بالطبع‪ ،‬في مكان ما العب آخ==ر ي ِّكن لي الض==غينة نفس==ها‪ ،‬ومن ثم ك==ان عليَّ دو ًم==ا االح==تراس من أن‬

‫‪.‬أُطعن من الخلف‪ ،‬أو ُي َدسَّ لي طعام مسموم‬

‫على مدار اليومين التاليين‪ ،‬مارسنا اللعبة‪ .‬مرت بعض األوقات في نهاية األسبوع كان اللعب فيها مثل الغمضية‪ ،‬وأخرى مث==ل‬

‫تمارين النجاة في البرية‪ ،‬وأخرى مثل حل ألغاز الكلمات المتقاطعة‪ .‬وكان أداء الفائزين رائعً ا‪ .‬وال بد أن تكون صدي ًقا لآلخرين‬

‫في المهمة‪ .‬كان داريل الهدف في أول جريمة قتل أرتكبها‪ ،‬وقد بذلت أقصى جهدي في تلك المهمة‪ ،‬رغم أنه كان صديقي‪ .‬كان‬

‫‪.‬شخصًا لطي ًفا‪ ،‬كم كنت آس ًفا الضطراري أن أقتله‬

‫ألقيت عليه كرة النار أثناء بحثه عن الكنز بعد قضائنا على مجموعة من الوحوش‪ ،‬بممارسة لعب==ة «حج==ر – ورق==ة – مقص»‬

‫‪.‬مع كل وحش لتحديد من سيفوز في الصراع‪ .‬هذا أكثر متعة مما يبدو عليه‬

‫كان األمر أشبه بمعسكر صيفي لعشاق الدراما؛ فقد كنا نتحدث حتى أوقات متأخرة من الليل في الخيام‪ ،‬ونتطلع للنجوم‪ ،‬ونقف==ز‬

‫‪.‬في النهر عند شعورنا بالحرارة‪ ،‬ونضرب البعوض بأيدينا؛ فتجمع بيننا بعد ذلك صداقة حميمة‪ ،‬أو عداء أبدي‬

‫ال أعلم لماذا أرسل والدا تشارلز ابنهما لممارسة ألعاب تقمص األدوار في إطار طبيعي‪ ،‬فلم يكن من الن==وع ال==ذي يس==تمتع ح ًّق==ا‬

‫بهذه األنشطة‪ ،‬وإنما بأنشطة سادية مثل نزع أجنحة الذباب‪ .‬وربم=ا ال‪ ،‬لكن=ه لم يكن من الن==وع ال=ذي يم=ارس لعب==ة في الغاب=ات‬

‫مرتديًا ز ًّيا تمثيل ًّيا‪ .‬قضى تشارلز وقت=ه في المعس=كر متس=كعً ا في األرج=اء‪ ،‬مس=تهز ًئا بك=ل ش=يء وك=ل ش=خص‪ ،‬مح=اواًل إقن=اع‬

‫الجميع أننا ال نقضي وق ًتا جي ًد ا كما نظن‪ .‬ال ريب أنك قد قابلت هذا النوع من الناس من قبل‪ ،‬هذا النوع ال==ذي يس==عى دو ًم==ا ألن‬

‫‪.‬يؤكد أن الجميع غيره يقضون وق ًتا سي ًئا‬


‫مشكلة تشارلز األخرى هي أنه لم يكن باستطاعته استيعاب فكرة الصراع الزائ==ف؛ فم==ا إن تب==دأ ب==الجري في الغاب==ة‪ ،‬وتم==ارس‬

‫هذه األلعاب الموسعة شبه العسكرية حتى يصبح من السهل للغاية أن تتحمس لدرجة قد تم==زق فيه==ا عن==ق ش==خص آخ==ر‪ .‬وليس‬

‫هذا باألمر الجيد عندما تحمل سي ًفا أو هراوة أو رمحً ا أو أية أداة أخرى غير حقيقية؛ ول==ذلك‪ ،‬ال يُس= َمح أب= ًدا بالض==رب في ه==ذه‬

‫األلع=اب تحت أي ظ=رف‪ .‬فعن=دما تق=ترب من أي ش=خص لمقاتلت=ه‪ ،‬تب=دأ س=ريعً ا دورين للعب=ة «حج=ر – ورق=ة – مقص» م=ع‬

‫التعديالت بنا ًء على خبرتك‪ ،‬وأسلحتك‪ ،‬وحالتك‪ .‬ويسوي المح ِّكمون الخالفات‪ .‬فاألمر متحضر تما ًم==ا‪ ،‬وغ==ريب بعض الش==يء‪.‬‬

‫تركض خلف شخص ما في الغابة‪ ،‬وتمسك به‪ ،‬وتكش==ر عن أنياب==ك‪ ،‬ثم تجلس==ان م ًع= ا لتلعب==ا «حج==ر – ورق==ة – مقص»! لكن==ه‬

‫‪.‬ناجح‪ ،‬ويحافظ على المتعة والسالمة للجميع‬

‫ما كان بإمكان تشارلز استيعاب ذلك في الحقيقة‪ .‬أعتقد أن==ه ك==ان ق==ادرً ا تما ًم==ا على فهم أن القاع==دة هي ع==دم التالمس‪ ،‬لكن==ه في‬

‫الوقت نفسه قرر أن القاعدة ال تهم‪ ،‬وأنه لن يتقي=د به=ا‪ .‬طالب=ه به=ا المح ِّكم=ون ع=دة م=رات أثن=اء نهاي=ة األس=بوع‪ ،‬وظ=ل يع=دهم‬
‫ً‬
‫«مص=ادفة» في نهاي=ة أي‬ ‫ً‬
‫أرض=ا‬ ‫بااللتزام بها‪ ،‬ويحنث بعهده بعد ذل=ك‪ .‬ك=ان من أض=خمنا بني=ة هن=اك‪ ،‬ويحب ط=رح اآلخ=رين‬

‫‪.‬سباق‪ .‬وال يكون األمر ممتعً ا عندما تقع على أرض غابة تملؤها الصخور‬

‫كنت قد سددت ضربة قاتلة لداريل في أرض صغيرة مقطوعة الشجر في الغاب==ة حيث ك==ان يبحث عن الك==نز‪ ،‬وأخ==ذنا نض==حك‬

‫قلياًل على براعتي في التعقب خلسة‪ .‬وشرع داريل في لعب دور أحد الوحوش كان بإمكان الالعبين المقتولين االنتقال لممارسة‬

‫دور الوحوش‪ ،‬ما عنى أنه كلما طالت مدة اللعب‪ ،‬زاد عدد= الوحوش التي تط=اردك‪ ،‬األم=ر ال==ذي ع==نى ب=دوره أن الجمي==ع ك=ان‬

‫‪.‬عليهم االستمرار في اللعب‪ ،‬وصارت معارك اللعبة أكثر ملحمية‬


‫حينذاك‪ ،‬خرج تشارلز خلفي من األحراش‪ ،‬وطرحني أر ً‬
‫ضا بق==وة‪ ،‬فلم أتمكن من التنفس للحظ==ات‪ .‬ص==اح‪« :‬أمس==كت ب==ك!» لم‬

‫أعلم أنه هو إال قبل أن يصيح بلحظات‪ .‬لم أهتم به كثيرً ا قبل ذلك الحين‪ ،‬لكن==ني كنت على اس==تعداد لقتل==ه آن==ذاك‪ .‬نهض==ت ببطء‬

‫»!ألقف على قدميَّ ‪ ،‬ونظرت إليه وهو يلهث ويقول مبتسمًا‪« :‬أنت هالك ال محالة‪ ،‬لقد نلت منك‬

‫ابتسمت‪ ،‬وشعرت بألم في وجهي‪ .‬لمست شفتي العليا‪ ،‬فوجدتها ملطخة بالدماء‪ .‬كان أنفي ي==دمى وش==فتي مجروح==ة؛ إذ جرحه==ا‬

‫‪.‬جذر وقعت عليه بوجهي عندما طرحني تشارلز أرضًا‬

‫‪.‬مسحت الدم في بنطالي‪ ،‬وابتسمت‪ .‬تظاهرت بظني أن ما حدث كان مزحة‪ .‬ضحكت قلياًل ‪ ،‬وسرت نحوه‬

‫لم ينخدع تشارلز بذلك‪ ،‬وبدأ يتراجع بالفعل محاواًل االختفاء بين األش==جار‪ .‬تح==رك داري==ل لمهاجمت==ه من أح==د جانبي==ه‪ ،‬في حين‬

‫ضا‪ .‬هجمنا عليه س==ريعً ا لنس==مع في‬


‫هاجمته أنا من الجانب اآلخر‪ ،‬لكنه استدار فجأة وركض‪ .‬عرقله داريل‪ ،‬وأسقطه لينبطح أر ً‬

‫‪.‬تلك اللحظة صفارة أحد المحكمين‬

‫لم ير المحكم تشارلز وهو يخالف قواعد اللعبة معي‪ ،‬لكنه رأى أداء تشارلز في عطل=ة نهاي=ة األس=بوع تل=ك‪ .‬أع=اد تش=ارلز إلى‬

‫مدخل المعسكر‪ ،‬وأخبره أنه خارج اللعبة‪ .‬احتج تشارلز بقوة‪ ،‬لكن المح ِّكم لم يستمع إلى أيٍّ مما كان يقوله‪ ،‬األمر الذي أسعدنا‪.‬‬
‫‪.‬وما إن أُبعِد تشارلز حتى أخذ المح ِّكم يوبخنا نحن أي ً‬
‫ضا‪ ،‬مخبرً ا إيانا أن انتقامنا لم يكن مبرَّ رً ا شأنه شأن هجوم تشارلز علينا‬
‫سار األمر على ما يرام‪ .‬وفي تلك الليلة‪ ،‬م=ا إن انتهت األلع==اب ح=تى حص=لنا جمي ًع= ا على حم=ام س=اخن في حمام=ات الكش=افة‪.‬‬

‫سرقت أنا وداريل مالبس تشارلز ومنشفته‪ .‬ربطناها في عقد وألقينا بها في المبولة‪ .‬س==عد الكث==ير من الفتي==ة بالمش==اركة في نق==ع‬

‫‪.‬مالبسه معنا في المبولة؛ فقد كان تشارلز متحم ًسا في طرح اآلخرين أرضًا‬

‫كم كنت أتمنى أن أراه وهو يخرج من ال ُّدش ليكتشف ما حدث لمالبسه‪ ،‬فالقرار صعب‪ :‬إما أن تجري عاريًا بأنح==اء المعس==كر‪،‬‬

‫‪.‬أو تفك ال ُع َقد المح َكمة المبللة بالبول في مالبسك‪ ،‬وترتديها‬

‫فاختار تشارلز العري‪ .‬ولعلني كنت سأختار الشيء ذاته لو كنت مكانه‪ .‬اصطففنا جمي ًعا على الطري==ق بين الحمام==ات والس==قيفة‬

‫‪.‬حيث الحقائب‪ ،‬وأخذنا نصفق له‪ .‬تقدمت الصف والتصفيق‬

‫•••‬

‫لم تكن معسكرات الكشافة بعطالت نهاية األسبوع تقام سوى ثالث أو أربع مرات في العام‪ ،‬ما جعلني أنا وداريل — وكث==يرين‬

‫‪.‬غيرنا من ممارسي ألعاب تقمص األدوار في إطار طبيعي — نعاني من افتقار شديد لهذه األلعاب في حياتنا‬

‫لكن لحسن الحظ كانت ُت َ‬


‫مارس في فنادق المدينة ألعاب «ضوء الشمس اللعين»‪ ،‬وهي نوع آخ==ر من ألع==اب تقمص األدوار في‬

‫إطار طبيعي بين جماعات متنافسة من مصاصي الدماء وصائديهم‪ .‬وكانت لها قواعد غريب==ة‪ .‬يحص==ل الالعب==ون على بطاق==ات‬

‫لتساعدهم في تسوية المناوشات‪ ،‬ومن ثم فإن كل مناوشة تتضمن القليل من ممارسة لعبة ورق اس==تراتيجية‪ .‬ويمكن لمصاص==ي‬

‫الدماء أن يصبحوا غ==ير مرئ==يين بتغطي==ة أنفس==هم‪ ،‬ووض==ع أذرعهم متقاطع==ة على ص==دورهم‪ ،‬وعلى جمي==ع الالع==بين اآلخ=رين‬

‫التظاهر بأنهم ال يرونهم‪ ،‬واالستمرار في محادثاتهم بشأن خططهم وما إلى ذلك‪ .‬واالختب==ار الحقيقي لالعب الم==اهر ه==و م==ا إذا‬

‫‪.‬كنت أمي ًن ا بما فيه الكفاية لتكشف أسرارك أمام المنافس «غير المرئي» دون التصرف وكأنه في الغرفة‬

‫كانت ُتقام لعبة «ضوء الشمس اللعين» بشكل واسع مرتين كل شهر‪ ،‬وك==ان منظم==و اللعب==ة على عالق==ة جي==دة بفن==ادق المدين==ة‪،‬‬

‫ويعلنون عن أنهم سيشغلون عشر غرف غير محجوزة ليلة الجمع==ة‪ ،‬ويملئونه==ا ب==الالعبين ال==ذين يركض==ون في أنح==اء الفن==دق‪،‬‬

‫ويمارسون لعبة «ضوء الشمس اللعين» ممارسة هادئة في األروقة‪ ،‬وحول حوض السباحة‪ ،‬وما إلى ذل==ك‪ ،‬ويتن==اولون الطع==ام‬

‫في مطعم الفندق‪ ،‬ويدفعون مقاب==ل اس==تغالل ش==بكة ال==واي ف=اي بالفن==دق‪ .‬ك=انوا يغلق==ون ب==اب الحج=ز بع==د ظه==يرة ي==وم الجمع==ة‪،‬‬

‫ويرسلون لنا بري ًدا إلكترون ًّيا‪ ،‬ونتوجه مباشر ًة من المدرسة إلى الفندق الذي يختارونه ومعنا حقائب الظهر لنن==ام س==تة أو ثماني==ة‬

‫أفراد في الغرفة في عطلة نهاية األسبوع‪ ،‬ونعيش على األغذية السريعة‪ ،‬ونلعب حتى الثالثة صباحً ا‪ .‬ك=انت وس=يلة متع=ة جي=دة‬

‫‪.‬وآمنة حتى إن آباءنا كانوا يشجعوننا على ممارستها‬

‫كان المنظمون جهة خيرية تعليمية ش==هيرة تقيم ورش عم==ل تعليم الكتاب==ة وال==دراما وم==ا إلى ذل==ك للص==غار‪ .‬واس==تمرت إدارتهم‬

‫لأللعاب لعشر سنوات دون وقوع أي حادث؛ فلم تكن هناك أية خم=ور أو مخ==درات ح==تى ال يُل َقى القبض على المنظمين بس==بب‬

‫فساد بعض القُصَّر‪ .‬وكان عدد الالعبين يصل ما بين عش==رة إلى مائ==ة‪ ،‬حس==ب نهاي==ة األس==بوع‪ .‬وبمقاب==ل تكلف==ة مش==اهدة فيلمين‬

‫‪.‬سينمائيين‪ ،‬يمكنك الحصول على متعة خالصة لمدة يومين ونصف‬


‫لكن في أحد األيام‪ ،‬حالفهم الحظ في الحصول على مجموعة غرف في موناكو‪ ،‬وهو فن==دق بحي تِن==درلوين ال==ذي يق==دم خدمات==ه‬

‫للسائحين كبار السن من مدعي المعرفة بالفن؛ حيث تتضمن كل غرفة حوضًا به أسماك ذهبية‪ =،‬ويمتلئ رواق االستقبال بأن==اس‬

‫‪.‬كبار في السن بهيِّي الطلعة َحسنِي الملبس‪ ،‬يتباهون بنتائج العمليات التجميلية التي خضعوا لها‬

‫عاد ًة ما كان األرضيون — االسم الذي كنا نطلقه على غير الالعبين — يتجاهلوننا؛ إذ ينظرون إلينا على أننا شباب ع==ابثون‪.‬‬

‫لكن في نهاية األسبوع تلك‪ ،‬تصادف وجود محرر بإحدى المجالت السياحية اإليطالية‪ ،‬واهتم بما كن==ا نفعل==ه‪ .‬أوقف==ني عن==د أح==د‬

‫األركان أثناء سيري خِلسة في الرواق‪ ،‬آماًل في تحديد= مكان قائد الفريق المن==افس لي‪ ،‬واالنقض==اض علي==ه‪ ،‬ومصِّ دمائ==ه‪ .‬كنت‬

‫أقف قبالة الحائط مع طي ذراعيَّ على صدري‪ ،‬متظاهرً ا بأنني غير مرئي‪ ،‬عندما اقترب مني ذلك المحرر وس==ألني بإنجليزي==ة‬

‫‪.‬بلكنة غريبة عما كنت أنا أفعله مع أصدقائي في الفندق في عطلة نهاية األسبوع تلك‬

‫‪.‬حاولت ص َّده‪ ،‬لكنه لم يتراجع؛ لذلك فكرت في اختالق قصة ما ليرحل عني‬

‫‪.‬لم أتخيل أنه سينشر ما قلته‪ ،‬أو تتداوله الصحافة األمريكية بالفعل‬

‫»‪.‬قلت له‪« :‬نحن هنا ألن أميرنا مات‪ ،‬فكان علينا المجيء إلى هنا للبحث عن حاكم جديد‬

‫»أمير؟«‬

‫فأجبته متماديًا في التظاهر‪« :‬نعم‪ ،‬نحن «الشعب القديم»‪ .‬جئنا إلى أمريكا في القرن السادس عش=ر‪ ،‬وتأسس==ت من==ذ ذل==ك الحين‬

‫عائلتنا الملكية في غابات بنسلفانيا‪ .‬نعيش حياة بسيطة في الغابات‪ ،‬وال نستخدم التكنولوجيا الحديثة‪ =.‬لكن األمير ك==ان آخ==ر ف==رد‬

‫في األسرة الحاكمة‪ ،‬وتوفي األسبوع الماضي جراء مرض مس==بب لله==زال‪ .‬فخ==رج ش==باب عش==يرتي للعث==ور على س==اللة عم==ه‬

‫األكبر الذي كان قد ترك العشيرة لينضم للمجتمع المتحضر في عصر جدي‪ .‬ويُقال إنه أنجب‪ ،‬ومن ثم س==نعثر على آخ=ر أف=راد‬

‫»‪.‬ساللته ونعيدهم إلى وطنهم الصحيح‬

‫‪.‬لقد قرأت الكثير من روايات الفانتازيا‪ ،‬فاختلقت تلك القصة بسهولة‬

‫عثرنا على امرأة تعلم أفراد هذه الساللة‪ ،‬وأخبرتنا أن أحدهم يقيم في هذا الفندق؛ ولذلك جئنا للعثور عليه‪ .‬لكن تتبعتنا جماعة«‬

‫منافسة تسعى لمنعنا من جلب أميرنا لل=ديار‪ ،‬واإلبق=اء علين==ا ض==عفاء تس=هل الس=يطرة علين==ا؛ ومن ثم‪ ،‬يل==زم علين=ا الحف=اظ على‬
‫ً‬
‫شديدا‬ ‫»‪.‬السرية‪ ،‬فال نتحدث إلى «الشعب الجديد»= إذا استطعنا ذلك‪ .‬والتحدث معك اآلن يسبب لي إزعاجً ا‬

‫نظر إليَّ نظرة ماكرة‪ .‬كنت ق==د ح==ررت ي==ديَّ ‪ ،‬م==ا ع==نى أن==ني ص==رت «مرئ ًّي==ا» لمصاص==ي ال==دماء المنافس==ين‪ ،‬وك==انت إح==دى‬

‫مصاصات الدماء تتسلل ببطء آنذاك ناحيتنا‪ .‬وفي اللحظ==ة األخ==يرة‪ ،‬اس==تدرت ورأيته==ا وهي باس==طة ذراعيه==ا وتص==در ص==وت‬

‫‪.‬استهجان ناحيتنا مع رفعه بشدة‬

‫قافزا فوق أريكة جلدي=ة وملت ًّف=ا ح=ول أص=يص جعله=ا‬


‫فتحت ذراعيَّ ‪ ،‬ورددت عليها بصوت استهجان‪ ،‬ثم ركضت عبر الرواق ً‬

‫‪.‬تطاردني‪ .‬اكتشفت طري ًقا للهروب عبر بئر السلم وصواًل للنادي الصحي في الدور السفلي‪ ،‬فسلكته وهربت منها‬
‫ً‬
‫ثانية في عطلة نهاية األسبوع تلك‪ ،‬لكن==ني رويت م==ا ح==دث ألح==د رف==اقي في لعب==ة تقمص األدوار في إط==ار‬ ‫لم أر ذلك المحرر‬

‫‪.‬طبيعي‪ ،‬وقد أضاف مبالغات لها ورواها مرات عدة على مدار نهاية األسبوع‬

‫كانت هناك محررة في المجلة اإليطالية أعدت رسالة الماجستير الخاصة به==ا عن جماع==ات اآلميش المناهض==ة للتكنولوجي==ا في‬

‫ريف بنسلفانيا‪ ،‬ورأت قصتنا مث=يرة لالهتم=ام بش==دة‪ .‬واعتم==ا ًدا على المالحظ=ات واللق=اءات المس=جلة على ش=رائط لرئيس==ها في‬

‫العمل أثناء رحلته بسان فرانسيسكو‪ ،‬كتبت تلك المحررة مقااًل مذهاًل ومحز ًنا عن أه==الي العش==يرة الم==راهقين غري==بي األط==وار‬

‫‪.‬الذين قطعوا أمريكا باحثين عن «أميرهم»‪ .‬يا إلهي! يمكن نشر أي شيء هذه األيام‬

‫لكن الفكرة أن مثل هذه القصص يتم تداولها وإع==ادة نش==رها‪ .‬أواًل ‪ :‬الم==دونون اإليط==اليون‪ ،‬ثم بعض الم==دونين األمريك==ان‪ .‬أبل==غ‬

‫الن==اس بجمي==ع أنح==اء البالد عن رؤيتهم ألف==راد «الش==عب الق==ديم»‪ .‬وال أعلم م==ا إذا ك==انوا يختلق==ون ذل==ك‪ ،‬أم أن آخ==رين ك==انوا‬

‫‪.‬يمارسون اللعبة ذاتها‬

‫انتشرت القصة في وسائل اإلعالم وصواًل لصحيفة «نيويورك تايمز» التي تهتم كثيرً ا — لسوء الحظ — ب==التحقق من حقيق==ة‬

‫األخبار‪ .‬والمحرر الذي تولى الخبر فيها وصل في النهاي==ة إلى فن==دق مون=اكو ال==ذي أوص==له بمنظمي ألع=اب تقمص األدوار في‬

‫‪.‬إطار طبيعي‪ ،‬والذين أفصحوا له عن كل شيء وهم يضحكون‬

‫عندئ ٍذ‪ =،‬صارت ممارسة تلك األلعاب أقل إثارة لالهتم==ام‪ .‬وص==رنا ُن َ‬
‫ع=رف ب==أكبر المخ=ادعين في البالد‪ ،‬وبأنن==ا نع==اني من ك=ذب‬

‫مرضي وبأننا غريبو األطوار‪ .‬والصحافة التي خدعناها دون قصد وتناولت قصة «الشعب القديم» صارت آنذاك مهتمة بتبرئة‬

‫نفسها عن طريق اإلخبار عن مدى غرابتنا كممارسين لهذه األلعاب‪ .‬حينذاك‪ ،‬أخبر تشارلز الجميع في المدرس==ة أن==ني وداري==ل‬

‫‪.‬أهم العبين لتلك األلعاب في المدينة‬

‫لم تكن تلك الفترة جيدة بالنسبة لي‪ .‬بعض أعضاء الفريق لم يهتموا بما حدث‪ ،‬لكننا اهتممنا‪ .‬فكانت المضايقات عديمة الرحم==ة‪،‬‬

‫وتزعمها تشارلز‪ .‬فعثرت على مخالب بالستيكية في حقيبتي‪ ،‬وأخ==ذ بعض الش==باب في المدرس==ة يص==درون أص==وا ًتا كأص==وات‬

‫مصاصي الدماء في أفالم الكرتون استهزا ًء بي كلما مررت بهم‪ ،‬أو يتحدثون بلهجة أهالي ترانسيلفانيا (م==وطن دراك==وال) عن==د‬

‫‪.‬وجودي بجوارهم‬

‫نواح عدة‪ ،‬وأقل غرابة ج ًّدا‪ .‬لكنني كنت أش==عر بح==نين‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫بعد ذلك بفترة وجيزة‪ ،‬انتقلنا أللعاب الواقع البديل‪ .‬كانت أكثر متعة من‬

‫‪.‬بين الحين واآلخر‪ ،‬الرتداء حرملة مصاصي الدماء وقضاء عطالت نهاية األسبوع في الفندق‬

‫•••‬

‫إن المضاد لمفهوم «روح ال ُّسلَّم» هو عودة المواقف المحرج==ة في الحي==اة ألذهانن==ا كث==يرً ا‪ ،‬ح==تى بع==د م==رور ف==ترة طويل==ة على‬

‫وقوعها‪ .‬يمكنني تذكر كل شيء أحمق قلته أو فعلته‪ ،‬وبوضوح كامل‪ .‬فعندما كنت أشعر باإلحباط‪ ،‬كنت أبدأ في تذكر اللحظات‬

‫‪.‬األخرى التي راودني فيها الشعور ذاته‪ ،‬وتتتابع صور اإلهانات واحدة تلو األخرى في عقلي‬
‫فبينما كنت أحاول التركيز على ماشا وهالكي الوشيك‪ ،‬ظلت تطاردني ذكريات حادثة «الشعب القديم»‪ .‬فراودني آنذاك ش==عور‬

‫غامر مماثل بالهالك‪ ،‬فبتزايد تداول الصحافة لقصتي‪ ،‬تزايد احتمال اكتشاف شخص م==ا لحقيق==ة أن==ني من اختلقت القص==ة ال==تي‬
‫ً‬
‫وقميص=ا‬ ‫أخبرتها للمحرر اإليطالي الغبي الذي كان يرتدي بنطال جي==نز يحم==ل اس=م مص==مم أزي==اء ش==هير ب==ه درزات معقوف==ة‪،‬‬

‫‪.‬من ًّشى بال ياقة‪ ،‬ونظارة كبيرة الحجم بإطار معدني‬

‫‪.‬ثمة ما يمكنك= فعله بداًل من التركيز على أخطائك؛ أال وهو التعلم منها‬

‫نظرية جيدة على أية حال‪ .‬فلعل سبب استعادة عقلك الباطن لكل هذه الذكريات البائسة هو رغبته في التخلص منها حتى ال ترد‬
‫ً‬
‫ثانية‪ .‬ظل عقلي الباطن يعيد عليَّ هذه الذكريات على أمل أن أفعل شي ًئا ألنساها تمامًا‬ ‫‪.‬على ذهنك‬

‫طوال الطريق للمنزل‪ ،‬سيطرت عليَّ تلك الذكرى‪ ،‬وفكرة ما كان عليَّ فعله بشأن «ماش==ا» في ح==ال ك==انت تتالعب بي‪ .‬أردت‬

‫‪.‬تأمي ًنا ما‬

‫‪.‬وعندما وصلت إلى المنزل — وغمرتني األحضان الحزينة من أبي وأمي — توصلت إلى الحل‬

‫•••‬

‫تمثلت الحيلة في ضبط الوقت لكي يحدث ذلك سري ًعا على نحو ال تتمكن معه وزارة األمن الوطني من االس==تعداد= ل==ه‪ ،‬لكن م==ع‬

‫‪.‬تحديد فترة انتظار طويلة بما فيه الكفاية ليكون لدى مستخدمي شبكة إكس نت ما يكفي من الوقت للتجمع م ًعا في مكان واحد‬

‫تمثلت الحيلة في إعداد ذلك بحيث يحول عددنا الكبير دون القبض علينا جمي ًعا‪ ،‬وأن يكون ذلك في مكان ما يس==تطيع الص==حافة‬
‫ً‬
‫ثانية‬ ‫‪.‬والبالغون رؤيته‪ ،‬وبذلك ال تتمكن= وزارة األمن الوطني من مهاجمتنا بالغاز‬

‫تمثلت الحيلة في التوصل إلى شيء يؤيده اإلعالم مثل رفع البنتاجون في الهواء‪ ،‬وفي إعداد ش==يء يمكنن==ا التجم==ع حول==ه‪ ،‬مث==ل‬

‫‪.‬طالب بيركلي البالغ عددهم ‪ ٣٠٠٠‬طالب‪ ،‬الذين رفضوا السماح بأن يعتقل أيٌّ منهم ويُزج به إلى داخل سيارة شرطة‬

‫تمثلت الحيل==ة في وض==ع الص==حافة هن==اك لتك==ون على اس==تعداد ألن تعلن عم==ا فعلت==ه الش==رطة مثلم==ا فعلت في ع==ام ‪ ١٩٦٨‬في‬

‫‪.‬شيكاجو‬

‫‪.‬وسوف تكون هناك خدعة ما‬

‫غادرت المدرسة مبكرً ا ساعة في اليوم التالي‪ ،‬مستخدمًا أساليبي االعتيادية للخروج منها‪ ،‬م==ع ع==دم االهتم==ام بم==ا إذا ك==ان ذل==ك‬

‫‪.‬سيثير نو ًعا جدي ًد ا من أساليب مراقبة وزارة األمن الوطني من شأنه أن يؤدي لحصول والديَّ على إخطار ما‬

‫‪.‬على أية حال‪ ،‬آخر ما كان سيفكر فيه والداي بعد الغد هو ما إذا كنت أعاني من مشكلة في المدرسة أم ال‬

‫التقيت بآنج في منزلها‪ .‬كان عليها الخروج من المدرسة في موع=د أس=بق م==ني‪ ،‬لكنه=ا تظ=اهرت بإص=ابتها بمغص م==ؤلم وأنه==ا‬

‫‪.‬أوشكت على أن يغشى عليها‪ ،‬فأرسلوها إلى المنزل‬

‫بدأنا في نشر الخبر على شبكة إكس نت‪ .‬أرسلناه بالبريد اإللكتروني إلى أصدقائنا موضع الثقة‪ ،‬وأرسلته في رسائل فورية إلى‬

‫قوائم أصدقائنا المقربين‪ .‬تجولنا بجميع أرجاء لعبة «كلوك وورك بالندر» وأطلعنا رفاقنا في الفريق‪ .‬كانت هن==اك ص==عوبة في‬
‫منح الجميع معلومات كافية ليحضروا الحدث‪ ،‬لكن ليس بما فيه الكفاية لفضح أنفسنا أمام وزارة األمن الوطني‪ ،‬لكن أعتقد أنني‬

‫‪:‬حققت التوازن الصحيح‬


‫»‪.‬تجمع مصاصي الدماء ً‬
‫غدا«‬

‫إذا كنت قوط ًّيا‪ ،‬فلترت ِد مالبس مبهرة‪ .‬وإذا لم تكن قوط ًّيا‪ ،‬فاعثر على ق==وطي‪ ،‬واق==ترض من==ه بعض المالبس‪ .‬لتفك==ر كم==ا ل==و«‬

‫»‪.‬كنت مصاص دماء‬

‫يبدأ اللعب الساعة الثامنة صباحً ا بالضبط‪ .‬لتحضروا جمي ًعا وتتأهبوا للتقسيم إلى فرق‪ .‬تستمر اللعب==ة لم==دة ثالثين دقيق==ة‪ ،‬ومن«‬

‫»‪.‬ثم سيكون لديكم متسع من الوقت للرجوع للمدرسة بعد ذلك‬


‫ً‬
‫غ===========دا‪ .‬لترس===========لوا مف===========اتيحكم العام===========ة على العن===========وان الت===========الي«‬ ‫‪:‬س===========نعلن عن المك===========ان‬

‫وتتحقق==وا من رس==ائلكم الس==اعة الس==ابعة ص==باحً ا لالطالع على أي ‪m1k3y@littlebrother.pirateparty.org.se،‬‬

‫»‪.‬تحديث‪ .‬وإذا كان ذلك مبكرً ا للغاية في نظركم‪ ،‬فلتظلوا دون نوم طوال الليل‪ .‬هذا ما سنفعله‬

‫»‪.‬ستكون هذه أفضل متعة تحصلون عليها طوال العام … أضمن لكم ذلك«‬

‫»‪.‬صدقوني«‬

‫»مايكي«‬

‫‪:‬أرسلت بعد ذلك رسالة قصيرة إلى ماشا‬


‫ً‬
‫»غدا«‬

‫»مايكي«‬

‫‪:‬فأرسلت لي الرد بعد دقيقة‬

‫»‪.‬هكذا ظننت‪ .‬تجمع مصاصي دماء‪ ،‬أليس كذلك؟ إيقاعك سريع‪ .‬ارت ِد قبعة حمراء‪ ،‬وخفف من أمتعتك«‬

‫ماذا تحمل معك عند الهروب؟ حملت من الحقائب الثقيلة في معسكرات الكشافة ما يكفي ألن أعرف أن كل جرام زائ==د يض==يف‬

‫لما يقع على عاتقك من حمل بكل ما يعنيه ذلك من قوة جاذبية ساحقة تزي=د م=ع ك=ل خط=وة تخطوه=ا … ال يك=ون ذل=ك جرامً=ا‬

‫‪.‬واح ًدا‪ ،‬وإنما جرام تحمله لماليين الخطوات‪ .‬إنه طن‬

‫قالت آنج‪« :‬نعم‪ ،‬معك حق‪ .‬وال يجدر بك أن تأخذ من المالبس م=ا يكفي ألك=ثر من ثالث=ة أي=ام‪ ،‬فيمكن=ك غس=ل مالبس=ك في أي‬

‫حوض‪ .‬فأن تكون هناك بقعة على التي شيرت الخاص بك أفضل من أن تحمل حقيبة أكبر وأثقل من أن تستطيع إخفاءه=ا تحت‬

‫»‪.‬مقعد الطائرة‬
‫كانت قد خلعت حقيبة كتف من النايلون الباليستي‪ ،‬والتي كانت تمر حمالتها على صدرها بين نهديها — ما جعلني أتعرق قلياًل‬

‫— وتتعلق بانحراف على ظهرها‪ .‬اتسمت تلك الحقيبة باتساعها من ال==داخل‪ .‬وض==عتها على الس==رير‪ ،‬وأخ==ذت تك==دس المالبس‬

‫‪.‬بها اآلن‬
‫أعتقد أن ثالثة تي شيرتات وبنطااًل وبنطااًل قصيرً ا وثالث قط==ع مالبس داخلي=ة وثالث=ة أزواج من الج=وارب وس==ترة واح==دة؛«‬

‫»‪.‬ستفي بالغرض‬

‫أخرجت محتويات حقيبة األلع=اب الرياض=ية خاص=تها‪ ،‬والتقطت مس=احيق التجمي=ل‪ ،‬وق=الت‪« :‬س=أتذكر وض=ع فرش=اة األس=نان‬

‫»‪.‬صباح غد قبل التوجه إلى مركز المدينة‬


‫كانت مشاهدتها أثناء حزمها لحقائبها مثيرة لإلعجاب؛ فقد اتس==مت آنج بقوته==ا‪ .‬ك==ان أم==رً ا مخي ًف==ا ً‬
‫أيض=ا؛ إذ جعل==ني أدرك أن==ني‬

‫‪.‬سأرحل في اليوم التالي‪ .‬وربما يكون ذلك لفترة طويلة‪ ،‬وربما لألبد‬

‫سألتني‪« :‬هل أحضر جهاز إكس بوكس الخاص بي؟ فثمة أمور كثيرة أحتف==ظ به==ا على مح=رك األق==راص الص==لبة‪ :‬مالحظ==ات‬

‫»‪.‬ومسودات وبريد إلكتروني‪ .‬ال أريد أن تقع هذه األشياء في األيدي الخطأ‬

‫فأجبتها‪« :‬جميعها أمور مشفرة‪ .‬هذا المعتاد مع نظام «بارانويد إكس بوكس»‪ .‬فلتتركي جهاز اإلكس بوكس‪ ،‬سنجد الكث==ير من‬

‫هذه األجهزة في لوس أنجلوس‪ .‬عليكِ فقط بإنشاء حساب بحزب القراصنة‪ ،‬وإرسال رسالة بريد إلكتروني لنفسك تحم==ل نس==خة‬
‫»‪.‬من محرك األقراص الصلبة‪ .‬هذا ما سأفعله أنا أي ً‬
‫ضا عندما أعود للمنزل‬

‫ففعلت ما أخبرتها به‪ ،‬وانتظرت إرسال الرسالة‪ .‬كان األمر سيستغرق بضع ساعات ل ُتض= َغط البيان==ات ع==بر ش==بكة ال==واي ف==اي‬

‫‪.‬الخاصة بأحد جيرانها‪ ،‬وتصل إلى السويد‬

‫أغلقت بعد ذلك غطاء الحقيبة‪ ،‬وأحكمت غلق أربطة الضغط‪ .‬وبذلك‪ ،‬صار يتدلى على ظهرها ش=يء بحجم ك==رة الق==دم‪ .‬ح==دقت‬

‫فيه بإعجاب‪ .‬يمكنها السير في الشارع وهذه الحقيب==ة تحت كتفه==ا‪ ،‬ولن يلتفت أح==د إليه==ا؛ فهي تب==دو كم==ا ل==و ك==انت في طريقه==ا‬

‫‪.‬للمدرسة‬

‫بقي شيء واحد»‪ ،‬قالت ذلك وتوجهت ناحية الطاولة الموجودة بجوار السرير‪ ،‬وأخ==رجت كيس الع==وازل الذكري==ة‪ .‬أخرجته==ا«‬

‫‪.‬من الكيس‪ ،‬وفتحت الحقيبة ووضعتها بداخلها‪ ،‬ثم ضربتني على مؤخرتي‬

‫»قلت لها‪« :‬واآلن‪ ،‬ماذا؟‬

‫»اآلن‪ ،‬نذهب إلى منزلك‪ ،‬ونحزم أغراضك‪ .‬حان الوقت أللتقي بوالديك‪ ،‬أليس كذلك؟«‬

‫تركت الحقيبة وسط أكوام المالبس واألشياء المهملة المبعثرة على األرض‪ ،‬وكانت مستعدة ألن تترك كل شيء وته==رب‪ ،‬فق==ط‬

‫‪.‬حتى تبقى معي‪ ،‬حتى تدعم قضيتنا‪ .‬وقد جعلني هذا أشعر بالشجاعة أيضًا‬

‫•••‬

‫كانت أمي ال تزال في المنزل عند وصولنا‪ ،‬وكانت قد فتحت الكمبيوتر المحمول الخاص بها على مائ==دة المطبخ‪ ،‬وأخ==ذت ت==رد‬

‫على البريد اإللكتروني أثناء التحدث في سماعة الرأس المتصلة بالكمبيوتر‪ .‬كانت تساعد أح==د الرج==ال من يوركش==اير وعائلت==ه‬

‫‪.‬في التأقلم مع العيش في لويزيانا‬


‫دخلت من الباب‪ ،‬وتبعتني آنج‪ ،‬وقد ارتسمت ابتسامة عريض==ة على وجهه==ا كالمج==انين‪ ،‬لكن م==ع إحك=ام قبض==تها على ي==دي في‬

‫الوقت نفسه حتى إنني شعرت بطحن عظامي لبعضها البعض‪ .‬لم أعلم ما كان يقلقه==ا إلى ه==ذا الح==د‪ ،‬فم==ا ك==انت ستقض==ي وق ًت==ا‬

‫‪.‬طوياًل مع وال َديَّ بعد ذلك‪ ،‬حتى وإن لم تنجح الخطة‬

‫‪.‬أنهت أمي الحديث مع الرجل عند دخولنا‬

‫»قالت لي وهي تقبلني على وجنتي‪« :‬مرحبًا يا ماركوس‪ .‬من هذه؟‬

‫‪.‬أمي‪ ،‬هذه آنج‪ .‬آنج‪ ،‬هذه أمي ليليان‪ ».‬وقفت أمي وعانقت آنج«‬
‫وقالت وهي تنظر لها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها‪« :‬سعدت للغاية بلقائك عزيزتي‪ ».‬أعتق==د أن مظه==ر آنج ك==ان مقب==واًل‬

‫‪.‬للغاية؛ فقد كانت مالبسها جيدة وبسيطة‪ ،‬ومظهرها يعكس ما هي عليه من فطنة‬

‫قالت آنج بصوت تملؤه الثقة بالنفس‪« :‬سعدت بلقائك يا سيدة يالو‪ ».‬كانت أفضل مني بكثير مقارنة بما كنت عليه عندما التقيت‬

‫‪.‬بوالدتها‬

‫جيدا‪« :‬لتناديني ليليان يا عزيزتي‪ .‬هل ستتناولين العشاء معنا؟‬ ‫ً‬


‫قائلة مع تفحصها ً‬ ‫»فردت عليها أمي‬

‫»‪.‬أحب ذلك«‬

‫‪.‬هل تأكلين اللحم؟» تأقلمت أمي للغاية مع العيش في كاليفورنيا«‬

‫»‪.‬آكل أي شيء ال يأكلني أواًل «‬

‫»‪.‬فقلت‪« :‬إنها مدمنة= صلصة حارة‪ .‬يمكنكِ أن تقدمي لها إطارات قديمة‪ ،‬وستأكلها إذا طهوتها في صلصة حارة‬

‫‪.‬فلكمتني آنج لكمة خفيفة في كتفي‬

‫»‪.‬قالت أمي‪« :‬كنت سأطلب طعامًا تايالند ًّيا‪ =.‬سأضيف إلى الطلب طبقين حارين‬

‫شكرتها آنج بأدب‪ ،‬وانطلقت أمي في ابتهاج بأنحاء المطبخ لتحضر لنا كوبي عصير وطب ًقا من البسكويت‪ .‬وسألتنا ثالث مرات‬
‫‪.‬إذا كنا نريد بعض الشاي‪ .‬ارتبكت قلياًل‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬شكرً ا يا أمي‪ .‬سنصعد إلى أعلى قلياًل‬

‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬وقالت‪« :‬بالطبع‪ ،‬سيأتي والدك في خالل ساعة‪ ،‬وحينها سنأكل‬ ‫»‪.‬ضاقت عينا أمي لحظات‪ ،‬ثم ابتسمت‬

‫كانت جميع أغراض لعبة مصاصي الدماء مكوَّ مة في الجزء الخلفي من خزانتي‪ .‬سمحت آلنج بفحصها واختيار األنس==ب منه==ا‬

‫بينما أنا فعلت ذلك مع مالبسي‪ .‬لم أكن ذاهبًا لمكان أبعد من لوس أنجلوس حيث المت==اجر وك==ل م==ا ق==د أحت==اج إلي==ه من مالبس‪.‬‬

‫أفض=لها‪ ،‬وبنط==الي المفض==ل‪ ،‬ومزي==ل للع==رق‪ ،‬وخي==وط‬


‫ِّ‬ ‫وبالتالي‪ ،‬كل ما كنت بحاجة إليه هو جمع ثالث==ة أو أربع==ة تي ش==يرتات‬

‫‪.‬لتنظيف األسنان‬

‫»!صحت‪« :‬مال‬
‫فقالت آنج‪« :‬نعم‪ ،‬سأسحب كل ما في حسابي المصرفي أثناء عودتي للمنزل من إحدى ماكينات الصرف اآللي‪ .‬تبلغ م==دخراتي‬

‫»‪.‬نحو خمسمائة دوالر تقريبًا‬

‫»ح ًّقا؟«‬

‫»‪.‬عالم سأنفقها؟ منذ استخدامي لشبكة إكس نت‪ ،‬ولم أعد بحاجة لدفع أي رسوم خدمة«‬

‫»‪.‬أعتقد أن معي نحو ثالثمائة دوالر«‬

‫»‪.‬حس ًنا! لتسحبها في طريقنا إلى مركز المدينة= صباحً ا«‬

‫كانت لدي حقيبة كتب كب==يرة أس=تخدمها عن==د التنق=ل ب==أغراض كث==يرة بأنح=اء المدين=ة‪ =،‬فك==انت أق=ل وض=وحً ا من حقيب=ة التخ==ييم‬

‫‪.‬خاصتي‪ .‬فحصت آنج أكوام أغراضي بعنف‪ ،‬واختارت من بينها ما تفضله‬

‫‪.‬وما إن حزمنا الحقيبة ووضعناها تحت السرير حتى جلسنا معً ا عليه‬
‫»‪.‬قالت آنج‪« :‬يلزم علينا االستيقاظ مبكرً ا للغاية ً‬
‫غدا‬

‫»‪.‬نعم‪ ،‬الغد يوم مهم«‬

‫كانت الخطة هي إرسال رسائل توضح مجموعة من المواقع الزائفة لتجمع مصاصي الدماء غ ًدا‪ ،‬مع بعث الالعبين إلى مواق==ع‬

‫معينة تبعد= عن مركز المدينة= بضع دقائق سيرً ا على األقدام‪ .‬أعددنا روسمًا للطالء بالرش‪ ،‬عليه عبارة «مركز المدين =ة= لتجم==ع‬

‫مصاصي الدماء»‪ .‬وعزمنا على طالئه في تل=ك المواق=ع الس=اعة الخامس=ة ص=باحً ا تقريبً=ا‪ .‬ك=ان ذل=ك من ش=أنه أن يح=ول دون‬

‫إغالق وزارة األمن الوط=ني لمرك=ز المدين=ة قب=ل أن نص=ل إلى هن=اك‪ .‬ك=ان نظ=ام ال=رد اآللي على رس=ائل البري=د اإللك=تروني‬

‫الخاص بي مستع ًّدا إلرسال الرسائل في الس=ابعة ص==باحً ا‪ ،‬وك=ل م=ا عليَّ ه=و اإلبق=اء على جه=از إكس ب==وكس الخ=اص بي قي=د‬

‫‪.‬التشغيل عند خروجي‬

‫‪.‬قالت آنج‪« :‬كم من الوقت …» ثم تراجعت عن إكمال حديثها‬

‫ضا‪ .‬أعتقد أن األمر قد يستغرق وق ًتا طوياًل ‪ .‬لكن من يعلم؟ بنشر مقال بارب==ارا …» كنت ق==د‬
‫فأجبتها‪« :‬هذا ما كنت أفكر فيه أي ً‬

‫أيض=ا … واس=تطردت‪« :‬وك=ل ذل==ك‪ ،‬ربم=ا س=نكون أبط=ااًل في‬ ‫أعددت رسالة بريد إلكتروني ل ُت َ‬
‫رس=ل إليه==ا في الص==باح الت=الي ً‬

‫»‪.‬غضون أسبوعين‬

‫‪.‬فقالت‪« :‬ربما»‪ ،‬وتنهدت‬

‫‪.‬طوقتها بذراعي‪ ،‬وشعرت بارتعاد كتفيها‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬إنني مذعور‪ .‬أعتقد أنه من الجنون أال نصاب بالذعر‬

‫»‪.‬نعم‪ ،‬نعم«‬

‫استدعتنا أمي لتناول العشاء‪ .‬صافحت آنج أبي‪ .‬بدا قل ًقا غير حليق الذقن‪ .‬هكذا كان حال==ه من==ذ ذهبن==ا لمقابل==ة بارب==ارا‪ .‬لكن عن==د‬

‫‪.‬التقائه بآنج‪ ،‬عادت بعض مالمحه القديمة‪ .‬ق َّبلَته على وجنته‪ ،‬وأصر على أن تدعوه درو‬
‫كان العشاء جي ًدا ح ًّق ا‪ .‬وتالشى التحفظ عندما أخرجت آنج رذاذ الصلصلة الحارة وأضافتها إلى طبقها‪ ،‬وأخذت تشرح ما تعني==ه‬

‫وح==دات الس==كوفيل‪ .‬ح=اول وال==دي ت==ذوق ملء ش==وكة من طبقه=ا‪ ،‬وت==رنح س==ريعً ا إلى المطبخ ليش==رب ق==درً ا كب==يرً ا من الحليب‪.‬‬

‫العجيب أن أمي حاولت ذلك بعد أبي‪ ،‬وعبَّرت عن حبها له‪ .‬واتضح أن أمي كانت لها قدرة عجيبة على تناول الطعام الح==ار لم‬

‫‪.‬يُك َشف عنها بعد … قدرة طبيعية‬

‫قبل أن تغادر آنج‪ ،‬أصرت على منح والدتي رذاذ الصلصة الحارة‪ ،‬وقالت لها‪« :‬لدي زجاجة أخرى بالمنزل‪ ».‬كنت قد رأيته==ا‬
‫ً‬
‫قائلة‪« :‬يبدو أنك من نوع السيدات التي يجب أن تحصل على هذه‬ ‫»‪.‬وهي تضعها في حقيبة ظهرها‪ .‬واستطردت‬
‫الفصل التاسع عشر‬
‫أهدي هذا الفصل إلى متجر كتب مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا‪ ،‬وهو المتجر الذي لم تفُ ْتنِي زيارته في ك==ل رحل==ة لي‬

‫إلى بوسطن على مدار السنوات العش=ر الماض=ية‪ .‬ب=الطبع معه=د ماساتشوس==تس للتكنولوجي=ا ه==و أح==د المراك==ز المذهل=ة للثقاف=ة‬

‫الفكرية العالمية‪ ،‬ومتجر الكتب الموجود في حرم ذلك المعهد يرتقي للتوقعات المذهلة التي كانت لديَّ عندما وط َئ ْته ق==دماي أول‬

‫مرة‪ .‬فإلى جانب ما يحتويه من كتب رائعة نشرتها مطبعة معهد= ماساتشوستس للتكنولوجيا‪ ،‬يضم كذلك أكثر ما ُنشِ ر في مج==ال‬

‫التكنولوجيا المتطورة إثارة في العالم‪ ،‬بدءًا من مجالت القرص=نة اإللكتروني=ة مث==ل «‪ »٢٦٠٠‬ووص=واًل إلى مجموع==ات الكتب‬

‫األكاديمية المختارة حول تصميم ألعاب الفيديو‪ =.‬وهو أحد المتاجر التي أضطر فيها لطلب توصيل مشترياتي منه ألن حقيبتي ال‬

‫‪.‬تتسع لها‬

‫***‬
‫فيما يلي نص رسالة البريد اإللكتروني التي ُبعِثت اليوم التالي الساعة السابعة صباحً ا‪ ،‬بينما كنت أنا وآنج نطلي ب==الرش عب==ارة‬

‫‪«.‬مركز المدينة= لتجمع مصاصي الدماء» في أماكن استراتيجية بأنحاء المدينة‬

‫»قواعد تجمع مصاصي الدماء«‬

‫أنت من أفراد عشيرة مصاصي دماء ضوء النهار‪ .‬اكتشفت سر البقاء ح ًّيا في ضوء الشمس الساطع‪ .‬الس==ر ه==و ش==رب دم==اء«‬

‫»‪.‬مصاصي الدماء اآلخرين؛ فدم مصاص دماء آخر يمكن أن يمنحك القوة الالزمة للسير وسط األحياء‬

‫تحتاج لعضِّ أكبر عدد ممكن من مصاصي الدماء اآلخرين لتظل في اللعبة‪ .‬وإذا مرت دقيقة واحدة دون أن تعض فيها أح ًدا‪«،‬‬

‫فستخرج من اللعبة‪ .‬وعندما تخرج من اللعبة‪ ،‬عليك أن تعكس اتجاه القميص الذي ترتديه‪ ،‬وتصير حك ًم==ا؛ أي ت==راقب اث==نين أو‬

‫»‪.‬ثالثة من مصاصي الدماء لترى ما إذا كانوا يمارسون العض أم ال‬

‫ولعض مص==اص دم==اء آخ==ر‪ ،‬علي==ك أن تق==ول‪« :‬عض!» خمس م==رات قب==ل أن يقوله==ا ه==و‪ .‬ف==تركض إلى مص==اص دم==اء‪«،‬‬

‫وتتواصل معه بالعين‪ ،‬وتصيح «عض‪ ،‬عض‪ ،‬عض‪ ،‬عض‪ ،‬عض!» وإن قلتها قبل أن يفعل هو ذل==ك‪َ ،‬تعِشْ ويتح==ول ه==و إلى‬

‫»‪.‬رماد‬

‫»‪.‬مصاصو الدماء اآلخرون الذين تلتقي بهم بالموعد هم فريقك وعشيرتك‪ .‬دمهم ليس غذا ًء لك«‬

‫يمكنك أن تصير «غير مرئي» بالوقوف ثاب ًتا‪ ،‬وطي ذراعيك على صدرك‪ .‬وال يمكنك= عض مصاصي دم==اء غ==ير مرئ==يين‪«،‬‬

‫»‪.‬والعكس بالعكس‬

‫»‪ُ .‬ت َ‬
‫مار س هذه اللعبة بنظام الشرف‪ .‬يكمن الهدف في االستمتاع‪ ،‬وتقمص دور مصاص الدماء‪ ،‬وليس الفوز«‬

‫ستكون هناك حركة أخيرة باللعبة تتناقلها األلسن بمجرد بدء ظهور الفائزين‪ ،‬فيبدأ الفائزون حملة تهامس بين الالعبين عندما«‬

‫»‪.‬يحين الوقت المناسب‪ .‬ويلزم عليك نشر الهمسات بأسرع ما يمكنك‪ =،‬وانتظار اإلشارة‬

‫»مايكي«‬
‫»!عض عض عض عض عض«‬

‫كنا نأمل في أن يرغب مائة فرد في ممارسة لعبة تجمع مصاصي ال==دماء‪ ،‬وأرس==لنا نح==و م==ائتي دع==وة‪ ،‬لكن==ني عن==دما نهض==ت‬

‫!ألجلس مستقيمًا في الرابعة صباحً ا‪ ،‬وأمسكت بجهاز إكس بوكس‪ ،‬كان هناك ‪ ٤٠٠‬رد … أربعمائة‬

‫أدخلت تلك العناوين في نظام الرد اآللي على رسائل البري==د اإللك==تروني‪ ،‬وتس==للت خلس==ة من الم==نزل‪ .‬هبطت الس==اللم مس==تمعً ا‬

‫‪.‬لغطيط أبي في نومه‪ ،‬وأمي وهي تتقلب في السرير‪ .‬أغلقت الباب خلفي‬

‫في الرابعة والربع صباحً ا‪ ،‬كانت بتريرو هيل في هدوء الريف‪ .‬كانت هناك بعض أصوات بعيدة= لس==يارات‪ ،‬ولم تم==ر بج==واري‬
‫ُ‬
‫وسحبت مبل==غ ‪ ٣٢٠‬دوالرً ا فئ==ة ‪ ٢٠‬دوالرً ا‪ .‬لففته==ا‪ ،‬ووض==عت‬ ‫ُ‬
‫توقفت عند إحدى ماكينات الصرف اآللي‪،‬‬ ‫سوى سيارة واحدة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪.‬رباطا مطاط ًّيا حولها‪ ،‬وأدخلتها في جيب يف َتح ألعلى في جانب بنطال مصاص الدماء الذي كنت أرتديه‬

‫صا متغض ًنا‪ ،‬وبنط==ال بذل==ة س==هرات ُع= ِّدل ليحت==وي على م==ا يكفي من الجي==وب‬
‫كنت أرتدي ثانية حرملة مصاصي الدماء‪ ،‬وقمي ً‬

‫لحمل جميع أغراضي الصغيرة‪ .‬هذا إلى جانب حذاء عالي الرقبة مدقق الط==رف بأب==ازيم فض==ية على ش==كل جم==اجم‪ .‬ومش==طت‬

‫شعري في صورة لفات سوداء مضغوطة حول رأس==ي‪ .‬ك==انت آنج ستحض==ر مس==حوق التجمي==ل األبيض‪ ،‬ووع==دتني ب==أن تح==دد‬
‫ً‬
‫ثانية؟‬ ‫عينيَّ بقلم التحديد‪ ،‬وتطلي أظافري باللون األسود‪ .‬ول َم ال؟ فمن يدري متى سألعب مرتديًا ز ًّيا كهذا‬
‫ً‬
‫مجع=دا لخادم=ة قوطي=ة لع=وب‪.‬‬ ‫ضا‪ ،‬وترتدي سروااًل شبك ًّيا ضي ًقا‪ ،‬وفستا ًنا‬
‫قابلتني آنج أمام منزلها‪ .‬كانت تحمل حقيبة ظهرها أي ً‬

‫‪.‬لونت وجهها بطالء أبيض‪ ،‬ووضعت مسحوق تجميل تمثيلي واضح بعينيها‪ ،‬وامتأل عنقها وأصابعها بمجوهرات فضية‬

‫قلت لها‪« :‬تبدين رائعة!» وقالت لي العبارة ذاتها في نفس اللحظة‪ ،‬ثم ضحكنا بهدوء‪ ،‬وس=رنا خلس=ة في الش=وارع وفي جيوبن=ا‬

‫‪.‬عبوات الطالء بالرش‬

‫•••‬

‫أثناء تفقدي لمركز المدينة‪ =،‬فكرت فيما سيبدو عليه عندما يتجمع فيه ‪ ٤٠٠‬من ممارسي لعب=ة تجم=ع مصاص=ي ال=دماء‪ .‬ت=وقعت‬

‫وصولهم خالل عشر دقائق أمام مجلس المدينة‪ =.‬كانت الساحة العامة الكبيرة تعج بالفعل بالمترددين= عليها الذين تجنب==وا ببراع==ة‬

‫‪.‬المشردين المتسولين في المكان‬

‫لطالما كرهت مركز المدينة؛ فهو مجموعة من المباني الضخمة متعددة المستويات‪ ،‬مثل المحاكم‪ ،‬والمتاحف‪ ،‬والمباني المدني==ة‬

‫مثل مجلس المدينة‪ .‬اتسمت األرصفة باتساعها‪ ،‬والمباني بلونها األبيض‪ .‬تحتوي األدلة السياحية لسان فرانسيس==كو على ص==ور‬

‫‪.‬لهذه المباني لتبدو مثل مدينة إبكوت الترفيهية؛= أي مستقبلية وبسيطة‬

‫أما على أرض الواقع‪ ،‬فهي وسخة ومثيرة لالشمئزاز‪ .‬ين==ام المش==ردون على جمي==ع المقاع==د‪ ،‬ويخل==و الحي من أي أح==د بحل==ول‬

‫الساعة السادسة مسا ًء فيما عدا السكارى ومدمني المخدرات‪ .‬ولما لم يكن بالمكان سوى ن==وع واح==د من المب==اني‪ ،‬لم يكن هن==اك‬

‫سبب منطقي لتواجد الناس في المكان بعد غروب الشمس‪ .‬فهو أش==به بمرك==ز تج==اري أك==ثر من كون==ه ح ًّي==ا‪ ،‬واألعم==ال الوحي==دة‬
‫هناك هي متاجر الخمور‪ ،‬واألماكن التي تقدم الخدمات ألسر المحت==الين الخاض==عين للمحاكم==ة‪ ،‬والمش==ردين ال==ذين يتخ==ذون من‬

‫‪.‬المكان منزاًل لهم في الليل‬

‫استوعبت كل ذلك عندما قرأت تقريرً ا لمقابلة مع مخططة عمرانية عج==وز رائع==ة ُت= َ‬
‫=دعى جين جيك==وبس‪ ،‬وهي أول من وض==ع‬

‫يده بالفعل على الخطأ في تقسيم المدن بالطرق السريعة‪ ،‬مع حش==ر جمي==ع الفق==راء في مش==روعات اإلس==كان‪ ،‬واس==تخدام ق==وانين‬

‫‪.‬التقسيم إلى مناطق للتحكم المتزمت في من يفعل ماذا وأين‬

‫أوضحت جيكوبس أن المدن الحقيقية متناس=قة األج=زاء‪ ،‬وتزخ=ر بتن=وع كب=ير م=ا بين أغني=اء وفق=راء‪ ،‬أص=حاب بش=رة بيض=اء‬

‫وبشرة داكنة‪ =،‬أنجلو أمريكيين= ومكسيكيين‪ =،‬مناطق تجارية وسكنية‪ ،‬بل وصناعية أيضًا‪ .‬حي كه==ذا يجم==ع كاف==ة أص==ناف البش==ر‬

‫يمرون بأرجائه بجميع األوقات لياًل أو نهارً ا‪ ،‬ومن ثم تجد أعمااًل تلبي كافة االحتياجات‪ ،‬وأناسً ا يسيرون باألنحاء طوال الوقت‬

‫‪.‬يراقبون الطرقات‬

‫ال بد أنك مررت بذلك من قب==ل‪ .‬س=رت في حي ق==ديم بمدين==ة م=ا‪ ،‬واكتش=فت أن==ه ممل==وء بأفض==ل المت==اجر‪ ،‬والرج=ال المت==أنقين‪،‬‬

‫واألناس الذين يرتدون أحدث األزياء‪ ،‬والمطاعم الراقية‪ ،‬والمقاهي الحديثة‪ ،‬وربم==ا إح==دى قاع==ات الس==ينما الص==غيرة‪ ،‬ومن==ازل‬

‫أيض=ا س==و ًقا أني ًق==ا للفاكه==ة‪،‬‬


‫أيض=ا ب==الطبع ف==رع لمقهى «س==تاربكس»‪ ،‬لكنَّ هن==اك ً‬
‫تبرز عليها أعمال الطالء‪ .‬ربما يك==ون هن==اك ً‬
‫َّ‬
‫مخططة مث==ل‬ ‫وتاجرة زهور تبدو وكأنها تبلغ من العمر أرذله وهي تدور بعناية بين الزهور بنوافذ المتجر‪ .‬إنه النقيض لمنطقة‬

‫‪.‬المراكز التجارية‪ .‬وتمنحك شعورً ا بأنك في حديقة برية أو غابة تنمو أشجارها‬

‫ال يناقض تلك الصورة مكان أكثر من مركز المدينة‪ =.‬قرأت لقا ًء مع جيكوبس تحدثت فيه عن الحي الق==ديم العظيم ال==ذي ه==دموه‬

‫‪.‬ليبنوا هذا الحي‪ .‬كان ح ًّيا أقيمت مبانيه دون تصريح أو تناغم أو تخطيط‬

‫قالت جيكوبس إنها تتوقع في غضون أعوام قليل=ة أن يص=ير مرك=ز المدين=ة أح=د أس=وأ األحي=اء في المدين=ة‪ =،‬فيك=ون لياًل كم=دن‬

‫األشباح‪ ،‬مكا ًن ا يمتلئ بمتاجر الخمور والمخدرات والموتيالت المليئة بالبراغيث‪ .‬وفي اللقاء‪ ،‬لم تب ُد سعيدة بأنها أثبتت صحة ما‬

‫‪.‬قالته‪ ،‬وإنما بدت وكأنها تتحدث عن صديق متو ًّفى وهي تصف ما آل إليه حال مركز المدينة‬

‫صرنا في ساعة الذروة‪ ،‬وامتأل مركز المدينة= عن آخره‪ .‬تشكل محطة بارت بمرك==ز المدين==ة أيض=ا المحط==ة الرئيس==ية لخط==وط‬

‫الترام بالمدينة‪ =،‬ونقطة التحويل من خط آلخر‪ .‬وفي الثامنة صباحً ا‪ ،‬يك=ون هن=اك اآلالف من الن=اس يص=عدون أو يهبط=ون على‬

‫الساللم‪ ،‬ويدخلون سيارات األجرة والحافالت أو ينزلون منها‪ .‬توقفهم نقاط تفتيش وزارة األمن الوط==ني الموج==ودة في مختل==ف‬

‫المباني المدنية‪ ،‬ويحيط بهم المتسولون العدوانيون من كل مكان‪ .‬تفوح منهم رائحة الشامبو وماء الكولونيا‪ ،‬وقد خرج==وا لت==وهم‬

‫من تحت الدش‪ ،‬وارتدوا بذل العمل‪ ،‬وحملوا حقائبهم الجلدية وحق==ائب الكم==بيوتر المحم==ول‪ .‬في الثامن==ة ص==باحً ا‪ ،‬يك==ون مرك==ز‬
‫ً‬
‫مركزا لألعمال‬ ‫‪.‬المدينة‬
‫حضر بعد ذلك مصاصو الدماء‪ .‬نحو ثالثين= جاءوا من فان نيس‪ ،‬والعدد نفسه من م==اركت‪ .‬وت==دفق المزي==د من الج==انب اآلخ==ر‬

‫لماركت‪ ،‬والمزيد من فان نيس‪ .‬وصلوا إلى جانب المباني‪ ،‬والطالء األبيض على وج=وههم‪ ،‬وعي=ونهم مح=ددة ب=اللون األس=ود‪،‬‬

‫‪.‬ويرتدون مالبس سوداء وسترات جلدية وأحذية ضخمة عالية الرقبة للنقر على األرض‪ ،‬وقفازات شبكية عديمة األصابع‬

‫بدءوا يملئون الساحة العامة‪ .‬رمقهم بعض رجال األعمال بنظرات عاجلة‪ ،‬ثم أشاحوا بنظرهم بعي ًدا غير راغبين في أن يت==دخل‬

‫هؤالء الغرباء في واقعهم الشخصي أثناء تفكيرهم في الهراء الذي كانوا على وشك خوضه على مدى الساعات الثماني التالي==ة‪.‬‬

‫تحرك مصاصو الدماء في دوائر‪ ،‬غ=ير واثقين م==تى س==تبدأ اللعب==ة‪ .‬تجمع=وا في مجموع=ات كب=يرة في مك=ان واح==د م==ع ارت==داء‬

‫مالبس سوداء اللون؛ ما جعلهم يبدون= كتس==رب زيت لكن في االتج==اه المع==اكس‪ .‬ارت==دى كث==يرون منهم قبع==ات قديم=ة= الط==راز‪،‬‬

‫وقبعات مستديرة سوداء‪ ،‬وقبعات رسمية‪ .‬وارتدى الكثير من الفتيات أزياء الخادمات القوطيات اللعوبات األنيقة الكاملة وأحذية‬

‫‪.‬ذات نعال سميكة‬

‫حاولت تقدير األعداد‪ ،‬فوجدتها ‪ .٢٠٠‬وبع=د خمس دق=ائق‪ ،‬أص=بحت ‪ ٣٠٠‬ثم ‪ .٤٠٠‬وم=ا زال=وا يت=دفقون‪ .‬اص=طحب مصاص=و‬

‫‪.‬الدماء أصدقاءهم‬

‫‪.‬أمسك شخص ما بظهري‪ ،‬استدرت فرأيت آنج تضحك بشدة حتى إنها انحنت لألمام من شدة الضحك‬
‫لفظت الهثة‪« :‬انظر إليهم يا فتى‪ ،‬انظر إليهم جمي ًعا!» تضاعف عدد الن==اس في المي==دان مقارن= ً‬
‫=ة ببض==ع دق==ائق مض==ت‪ .‬لم تكن‬

‫!لدي أية فكرة عن عدد مستخدمي شبكة إكس نت‪ ،‬لكن ‪ ١٠٠٠‬منهم — بال ريب — حضروا إلى حفلتي الصغيرة‪ .‬يا إلهي‬

‫بدأ ضباط شرطة س=ان فرانسيس=كو ووزارة األمن الوط=ني في التج=ول باألرج=اء‪ ،‬وهم يتح=دثون في الالس=لكي ويتجمع=ون في‬

‫‪.‬مجموعات‪ .‬سمعت صوت صفارة إنذار آتيًا من بعيد‬

‫»‪.‬قلت وأنا أهز ذراع آنج‪« :‬هيا‪ ،‬هيا‪ ،‬لنذهب‬

‫اخترقنا الحشد م ًعا‪ ،‬وعند مقابلة أول مصاصي الدماء أمامنا‪ ،‬قلنا م ًعا بص==وت ع= ٍ‬
‫=ال‪« :‬عض عض عض عض عض!» ك==انت‬

‫الضحية فتاة مندهشة — لكن جميلة — مرسومًا على يديها نسيج عنكبوت‪ ،‬ولطخات من طالء األه=داب تس=يل على وجنتيه=ا‪.‬‬
‫ً‬
‫مدركة أنني قد نلت منها‬ ‫‪.‬قالت‪« :‬اللعنة!» وابتعدت‬

‫انتشرت ص==يحة «عض عض عض عض عض» بين مصاص==ي ال==دماء اآلخ==رين بجوارن==ا‪ ،‬فه==اجم البعض منهم آخ==رين‪ ،‬في‬
‫حين تحرك آخرون ً‬
‫بحثا عن ستار لهم يختبئون وراءه‪ .‬كنت قد حصلت على ض==حيتي لتل==ك الدقيق==ة‪ ،‬ومن ثم ح==اولت الت==واري‬

‫عن األنظار مس==تخدمًا األرض==يين كس==تار لي‪ .‬الجمي==ع ح==ولي يص==رخون «عض عض عض عض عض!» وتع=الت الهتاف==ات‬

‫‪.‬والضحكات والسباب‬

‫انتشر الصوت كالنار في الهشيم‪ .‬علم جميع مصاصي الدماء أن اللعبة قد ب==دأت اآلن‪ ،‬ومن ش==كلوا تجمع==ات أخ==ذوا يتس==اقطون‬

‫كالذباب‪ .‬كانوا يضحكون‪ ،‬ويلعنون‪ ،‬ويس==يرون مبتع==دين‪ =،‬ليعلم ب==ذلك َمن م==ا زال==وا داخ==ل اللعب==ة بب==دء اللعب‪ .‬وتزاي==دت أع==داد‬

‫‪.‬مصاصي الدماء مع كل لحظة‬


‫الساعة ‪ ،٨ : ١٦‬حان وقت اصطياد مصاص دماء آخر‪ .‬انحنيت ألسفل‪ ،‬وتحركت بين أرجل من يسيرون مستقيمي القامة أثن==اء‬

‫توجههم ناحية ساللم محطة بارت‪ .‬اهتزت أجس=امهم من الدهش==ة‪ ،‬وانحرف=وا في س==يرهم لتجن==بي‪ .‬تعلقت عين==اي بمجموع==ة من‬

‫األحذية السوداء عالية الرقبة مزينة بأشكال تنانين على األصابع؛ ومن ثم‪ ،‬لم أتوقع ما حدث عندما ق==ابلت مص==اص دم==اء آخ==ر‬

‫وجهًا لوجه‪ .‬كان شا ًّبا يبلغ من العمر ‪ ١٥‬أو ‪ ١٦‬عامًا‪ ،‬وقد صفف شعره بال ِجل للخلف‪ ،‬وارتدى سترة جلدي==ة مزين==ة بعق==ود من‬

‫‪.‬أنياب زائفة منقوشة عليها رموز مبهمة‬

‫أرض=ا معً= ا‪ .‬زحفت إلي==ه‪،‬‬


‫ً‬ ‫ما إن بدأ الفتى في اللفظ بعبارة «عض عض عض …» ح==تى تع==ثر ب==ه أح==د األرض==يين‪ ،‬وانبطح=ا‬

‫‪.‬وصحت‪« :‬عض عض عض عض عض!» قبل أن يتمكن= من تحرير نفسه‬

‫استمر توافد المزيد من مصاصي الدماء؛ ما أصاب الموظفين المتأنقين بالذعر‪ .‬غمرت اللعب==ة الرص==يف‪ ،‬ووص==لت إلى داخ==ل‬

‫فان نيس لتنتشر في اتجاه شارع ماركت‪ .‬علت أصوات الس==يارات وال=ترام‪ .‬س==معت المزي==د من ص=فارات اإلن==ذار‪ ،‬لكن حرك=ة‬

‫‪.‬المرور تشابكت اآلن في كل اتجاه‬

‫‪.‬كان ذلك رائعً ا بحق‬

‫!عض عض عض عض عض‬

‫صدر الصوت من كل مكان حولي‪ .‬امتأل المكان بمصاصي الدماء الذين أخ==ذوا يلعب==ون بعن==ف‪ ،‬وك==ان ص==وتهم أش==به باله==دير‪.‬‬

‫خاطرت بالوقوف منتصبًا‪ ،‬والنظر حولي؛ فوجدتني في منتصف حش==د ض==خم من مصاص==ي ال==دماء وص==ل إلى أقص==ى امت==داد‬

‫‪.‬نظري‬

‫!عض عض عض عض عض‬

‫كان ذلك أفضل من حفل متنزه دولوريس؛ فالحفل كان غاضبًا وصاخبًا‪ ،‬أما هذا … حس ًنا‪« ،‬ممتع» هو الوصف المالئم‪ .‬ك==ان‬

‫أشبه بالعودة إلى ساحة اللعب‪ ،‬وألعاب المطاردات المثيرة التي كنا نلعبها في استراحات الغداء مع شروق الشمس‪ ،‬مع مطاردة‬

‫‪.‬مئات األفراد لبعضهم البعض‪ .‬والبالغون والسيارات زادوا األمر متعة‬

‫‪.‬متعة» هي الكلمة المناسبة لوصف تلك اللعبة‪ .‬فصرنا جمي ًعا نضحك آنذاك«‬

‫‪.‬أخذ الضباط يحتشدون‪ ،‬وسمعت صوت المروحيات‪ .‬سينتهي األمر في أية لحظة اآلن‪ .‬حان الوقت للحركة األخيرة باللعبة‬

‫‪.‬أمسكت بأحد مصاصي الدماء‬

‫»الحركة األخيرة باللعبة‪ :‬عندما يأمرنا الضباط بالتفرق‪ ،‬نتظاهر باالختناق بالغاز‪ .‬انشر األمر‪ .‬ماذا قلت لك للتو؟«‬

‫كانت فتاة نحيلة قصيرة القامة حتى إنني ظننت أنها صغيرة السن ح ًّقا‪ ،‬لكن ب=دا من وجهه=ا وابتس=امتها أنه=ا ك=انت في الس=ابعة‬

‫»‪.‬عشرة أو الثامنة عشرة‪ .‬قالت‪« :‬يا إلهي! هذا تصرف شرير‬

‫»ماذا قلت لك؟«‬

‫»الحركة األخيرة باللعبة‪ :‬عندما يأمرنا الضباط بالتفرق‪ ،‬نتظاهر باالختناق بالغاز‪ .‬انشر األمر‪ .‬ماذا قلت لك للتو؟«‬
‫»‪.‬بالضبط‪ ،‬فلتنشريها اآلن«‬

‫‪.‬اختفت الفتاة وسط الحشد‪ ،‬وأمسكت أنا بمصاص دماء آخر‪ ،‬وقلت له العبارة ليمضي بعد ذلك لنشرها وسط الحشد‬
‫علمت أن آنج كانت تفعل ذلك أي ً‬
‫ضا في مكان ما وس==ط الحش=د‪ .‬ربم==ا تض=من الحش==د بعض المتس=للين؛ أي مس=تخدمين م=زيفين‬

‫‪.‬لشبكة إكس نت‪ .‬لكن ما جدوى تلك المعلومة لهم؟ ليس أمام الضباط خيار آخر‪ .‬سيأمروننا بالتفرق وال جدال في ذلك‬

‫لزم عليَّ الوصول إلى آنج‪ .‬خططنا لاللتقاء عند تمثال «المؤس==س» في الس==احة‪ ،‬لكن الوص==ول إلى هن==اك ك==ان ص==عبًا‪ .‬لم يع=د=‬

‫الحشد يتحرك‪ ،‬بل كان يموج مثل الحشد الذي كان في األسفل بمحطة ب==ارت ي==وم وق==وع التفج==يرات‪ .‬ح==اولت جاه= ً=دا اختراق==ه‪،‬‬

‫‪.‬وحينذاك انطلق الصوت من مكبر الصوت المعلق أسفل الطائرة المروحية‬

‫»!هذه وزارة األمن الوطني‪ .‬تفرقوا في الحال«‬

‫سقط المئات من مصاص=ي ال==دماء ح=ولي على األرض‪ ،‬وأخ=ذوا يمس=كون بأعن=اقهم ويفرك=ون في عي=ونهم ويلهث==ون‪ .‬ك=ان من‬

‫السهل التظاهر باإلصابة بالغاز‪ ،‬فقد حظي جميعنا بفرصة التدقيق في المش==اهد المص==ورة للمحتفلين في مت==نزه دول==وريس بحي‬

‫‪.‬ميشن تحت سحب رذاذ الفلفل‬

‫»!تفرقوا في الحال«‬

‫سقطت على األرض‪ ،‬وحميت حقيبتي‪ .‬مددت يدي إلى قبعة البيسبول الحمراء الملوي==ة في ح==زام بنط==الي‪ ،‬وثبته==ا بإحك==ام على‬

‫‪.‬رأسي‪ ،‬ثم أمسكت بعنقي‪ ،‬وأطلقت أصوا ًتا مروعة متظاهرً ا بمحاولة التقيؤ‬

‫لم يبق أحد واق ًف ا سوى األرضيين؛ أي الموظفين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى أعمالهم‪ .‬نظرت إليهم ق=در م=ا تمكنت بينم=ا‬

‫‪.‬كنت أمثل أنني أختنق وألهث‬

‫هذه وزارة األمن الوطني‪ .‬نأمركم بالتفرق في الحال‪ .‬تفرقوا في الحال!» أصابني ذلك الصوت ب==ألم في بط==ني‪ ،‬وضروس==ي‪«،‬‬

‫‪.‬وعظام فخذي‪ ،‬وعمودي الفقري‬

‫أصيب الموظفون بالرعب‪ ،‬وكانوا يتحركون بأقصى س==رعة ل==ديهم‪ ،‬لكن ليس في اتج==اه معين‪ =.‬ب==دت المروحي==ات وكأنه==ا ف==وق‬

‫رأسك أينما وقفت‪ .‬كان الضباط يقتحم=ون الحش=د في تل==ك اللحظ=ات‪ ،‬وق==د ارت=دوا خ=وذاتهم‪ ،‬وحم=ل بعض=هم دروعً= ا‪ ،‬في حين‬

‫‪.‬ارتدى البعض أقنعة للوقاية من الغاز‪ .‬أخذت ألهث على نحو أكثر شدة‬

‫أخذ بعد ذلك الموظفون يركضون‪ .‬لعل هذا ما كنت سأفعله أنا أيضً ا لو كنت مكانهم‪ .‬شاهدت رجاًل يخلع سترة يبلغ ثمنها ‪٥٠٠‬‬

‫دوالر‪ ،‬ويلفها حول وجهه قبل أن يتوجه جنوبًا ناحي==ة حي ميش==ن‪ ،‬فم==ا ك==ان إال أن تع==ثر وتم==دد على األرض‪ ،‬وام==تزج س==بابه‬

‫‪.‬باألصوات المختنقة‬

‫لم يكن من المفترض حدوث ذلك؛ فك==ان المقص==ود من ادع==اء االختن==اق ه==و مفاج==أة الن==اس وإرب==اكهم‪ ،‬وليس إص==ابتهم بال==ذعر‬

‫‪.‬وفرارهم على هذا النحو‬


‫علت الصرخات اآلن‪ ،‬صرخات عرفتها جي ًدا منذ ليلة المتنزه؛ إنها أصوات أن==اس م==ذعورين يركض==ون متخبطين في بعض==هم‬

‫‪.‬البعض أثناء محاولتهم المستميتة للفرار‬

‫‪.‬بدأت بعد ذلك صفارات إنذار الغارات الجوية‬

‫لم أسمع ذلك الصوت منذ= وقوع االنفجارات‪ ،‬لكنني لم أن َس ُه مطل ًقا‪ .‬ارتع==دت ل==ه فرائص==ي‪ .‬جعلت==ني تل==ك الص==فارات أرغب في‬

‫الهروب فز ًعا‪ .‬وقفت على قدميَّ ‪ ،‬والقبعة الحمراء على رأسي‪ ،‬وعقلي ال يفك==ر إال في أم==ر واح==د فق==ط‪ ،‬أال وه==و‪ :‬آنج وتمث==ال‬

‫‪«».‬المؤسس‬

‫وقف الجميع اآلن منتصبي القامة‪ ،‬وأخذوا يركضون في جميع األنحاء وهم يصرخون‪ .‬دفعت الناس بعي ًدا عن طريقي‪ ،‬محكمً==ا‬

‫قبضتي على حقيبتي وقبعتي‪ ،‬ومتوجهًا ناحي=ة تمث=ال «المؤس=س»‪ .‬ك=انت ماش=ا تبحث ع=ني‪ ،‬في حين كنت أبحث أن=ا عن آنج‪.‬‬

‫‪.‬كانت آنج في مكان ما‬

‫أخذت أدفع في الناس‪ ،‬وأطلق السباب‪ .‬دفعت أحدهم بمرفقي‪ ،‬في حين وطئ آخر على قدمي بقوة جعلتني أشعر كما لو أن شي ًئا‬
‫‪.‬قد تكسر بها‪ .‬دفعته‪ =،‬فنزل على األرض‪ .‬حاول النهوض‪ ،‬لكن شخصً ا ما سار فوقه‪ .‬أخذت أشق طريقي دافعً ا الناس ً‬
‫بعيدا‬
‫ْ‬
‫فأمسكت يدان قويتان بمعصمي ومرفقي في حركة واح==دة مرن==ة‪ ،‬وأع==ادت ذراعي‬ ‫بسطت ذراعي بعد ذلك ألدفع شخصً ا آخر‪،‬‬

‫=ال ك==اد ال يُس==مع وس==ط جلب==ة الحش==د‪،‬‬


‫خلف ظهري‪ .‬شعرت بأن كتفي كادت تنخلع‪ ،‬فانحنيت على الفور وص==رخت بص==وت ع= ٍ‬
‫‪.‬وصوت المروحيات‪ ،‬وعويل صفارات اإلنذار‬

‫استقمت مرة أخرى‪ ،‬بفعل اليدين= القويتين اللتين جذبتاني من الخلف وصارتا تتحكم==ان فيَّ كم==ا ل==و كنت دمي==ة متحرك==ة‪ .‬ك==انت‬

‫القبضة محكمة للغاية‪ ،‬حتى إنه لم يكن بإمكاني التفكير في الخالص منها‪ .‬لم أعد أفكر في الضجيج أو المروحيات أو آنج‪ .‬ك==ل‬

‫ما كان بوسعي التفك=ير في=ه ه=و التح=رك في االتج=اه ال=ذي أرادني الش=خص ال=ذي أمس=ك بي أن أتح=رك في=ه‪ .‬أدارني فص=رت‬

‫‪.‬مواجهًا له‬

‫كانت فتاة وجهها حاد المالمح شبيه بالقوارض وشبه مخبَّأ خلف نظارة شمس ضخمة‪ .‬وفوق النظارة كتلة كثيفة من الش==عر ذي‬

‫‪.‬اللون الوردي البراق الناتئ في جميع االتجاهات‬

‫ت!» كنت أعرفها‪ ،‬فهي من التقطت صورتي وهددتني بأن تشي بي لمراقبي المتهربين من المدرس==ة‪ .‬وك==ان ذل==ك‬
‫قلت لها‪« :‬أن ِ‬
‫قبل انطالق صفارات اإلنذار بخمس دقائق‪ .‬كانت هي بعنفها ومكرها‪ .‬ركض==نا م ًع= ا من تل==ك البقع==ة في تِن==درلوين بينم==ا النف==ير‬

‫‪.‬المزعج ينطلق خلفنا‪ ،‬وقبضت علينا الشرطة معً ا‪ .‬كنت معاديًا‪ ،‬فقررت الشرطة أنني عدو‬

‫‪.‬أما هي — ماشا — فصارت حليفتهم‬

‫‪.‬همست في أذني كما لو كنا عاشقين‪« :‬مرحبًا يا مايكي!» شعرت برجفة في ظهري‪ .‬تركت ذراعي‪ ،‬وهززتها أنا بعنف‬

‫ت‬
‫»!قلت لها‪« :‬يا إلهي! هذه أن ِ‬
‫»!فقالت‪« :‬نعم‪ ،‬أنا! سيمطروننا بالغاز بعد دقيقتين‪ =،‬لنهرب سريعً ا‬
‫»‪».‬آنج صديقتي تنتظرني عند تمثال «المؤسس«‬
‫ألقت ماشا نظرة على الحشد‪ ،‬وقالت‪« :‬مستحيل! سنهلك إذا حاولن==ا الوص==ول إلى هن==اك‪ .‬س= ُن َ‬
‫مطر بالغ==از خالل دقيق==تين‪ ،‬إذا لم‬

‫»‪.‬تصب به في المرة األولى‬

‫»‪.‬توقفت عن الحركة‪ ،‬وقلت لها‪« :‬لن أرحل بدون آنج‬


‫َّ‬
‫»‪.‬هزت كتفيها‪ ،‬وصاحت في أذني‪« :‬كما تشاء! ستهلك‬
‫بدأت في االندفاع عبر الحشد مبتعد ًة في اتجاه الشمال ناحية وسط المدينة‪ .‬وواص= ُ‬
‫=لت ال==دفع للوص==ول إلى تمث==ال «المؤس==س»‪.‬‬ ‫ْ‬

‫مثبتة بالخلف ببشاعة‪ ،‬وأُدِرت للخلف‪ ،‬و ُدفِعت لألمام‬


‫ً=‬ ‫‪.‬وبعد لحظات‪ ،‬عادت ذراعي‬

‫»‪.‬قالت الفتاة‪« :‬إنك تعرف الكثير أيها اللعين! لقد رأيت وجهي‪ ،‬ستأتي معي‬

‫صحت فيها‪ ،‬وأخذت أقاوم إلى أن شعرت بأن ذراعي كادت تنخلع‪ ،‬لكنها ظلت تدفعني لألمام‪ .‬شعرت بألم مبرح في قدمي م==ع‬

‫‪.‬كل خطوة‪ ،‬وبأن كتفي كادت تنخلع‬

‫تقدمنا جي ًدا عبر الحشد مع استخدامها لي ك=أداة ل=دفع من أمامه=ا‪ .‬تغ=ير ص=وت المروحي=ات‪ ،‬ودفعت=ني الفت=اة على نح=و أق=وى‪.‬‬

‫»!صاحت‪« :‬اركض! إنهم يلقون الغاز‬


‫تغير أي ً‬
‫ضا صوت الحشد؛ فأخذت تعلو أصوات االختناق والص==راخ‪ .‬س==معت ه==ذه الدرج==ة من الص==وت المرتف==ع من قب==ل؛ كن==ا‬

‫‪.‬حينها في المتنزه‪ .‬أطلقوا علينا قنابل الغاز من أعلى؛ فكتمت أنفاسي‪ ،‬وركضت‬

‫تجاوزنا الحشد‪ ،‬وتركت الفتاة ذراعي‪ ،‬فهززتها بعد تحررها‪ .‬مش==يت مترنحً= ا بأس==رع م==ا يمكن==ني على الرص==يف حيث أخ==ذت‬

‫أعداد الناس تقل‪ .‬كنا نتوج==ه ناحي=ة مجموع=ة من ض==باط وزارة األمن الوط=ني يحمل==ون دروعً= ا ض=د الش=غب ويرت==دون أقنع=ة‬

‫وخوذات‪ .‬ومع اقترابنا منهم‪ ،‬تحركوا ليمنعونا من المرور‪ ،‬لكن ماشا رفعت شارة‪ ،‬فتنحوا جانبًا كما لو ك==انت شخص==ية «أوبي‬

‫»‪.‬وان كينوبي» بسلسلة أفالم حرب النجوم‪ ،‬وتقول لهم‪« :‬ليس هؤالء من تبحثون عنهم‬

‫»‪.‬قلت لها ونحن نسرع في شارع ماركت‪« :‬أيتها الحقيرة‪ ،‬علينا العودة إلى آنج‬

‫أر صديقي منذ= شهور‪ .‬ويظن على األرجح أنني قد لقيت حتفي‪.‬‬ ‫زمَّت شفتيها‪َّ ،‬‬
‫هزت رأسها‪ ،‬وقالت‪« :‬أشعر بك يا صديقي‪ ،‬فلم َ‬
‫إنها أقدار الحرب‪ .‬إذا عدنا إلى صديقتك آنج‪ ،‬فسنصير في ع==داد الم==وتى‪ .‬لكن م==ع مواص==لة المس==ير‪ ،‬ل==دينا فرص==ة في النج==اة‪.‬‬
‫وطالما لدينا فرصة‪ ،‬يكون أمامها هي ً‬
‫أيض=ا فرص==ة‪ .‬ه==ؤالء الش==باب لن ي=ذهبوا إلى س=جن جوانتان==امو الخليج‪ ،‬وإنم=ا س=تقبض‬

‫»‪.‬الشرطة على بضع مئات على األرجح ليستجوبوهم‪ ،‬وسيرسلون البقية إلى منازلهم‬

‫كنا نسير اآلن في شارع ماركت‪ ،‬ومررنا بنوادي التعري حيث يجلس الس==كارى والم==دمنون وتف==وح منهم رائح==ة كريه==ة تش==به‬

‫رائحة المراحيض المفتوحة‪ .‬أرشدتني ماشا إلى فجوة ص=غيرة في ب=اب مغل==ق ألح==د ن==وادي التع==ري‪ .‬خلعت س==ترتها‪ ،‬وقلبته==ا‪.‬‬

‫كانت بطانتها على شكل خطوط خفيفة‪ ،‬ومع عكس فتحات السترة‪ ،‬صارت مختلفة‪ .‬أخرجت بعد ذلك قبع==ة ص==وفية من جيبه==ا‪،‬‬
‫ووضعتها على شعرها‪ ،‬مع تركها له ينسدل بأناقة‪ .‬أخرجت بعد ذلك بعض المناديل إلزالة مساحيق التجميل‪ ،‬وأخذت تزيل م==ا‬

‫‪.‬كان على وجهها وأصابع يديها‪ .‬وفي لحظات‪ ،‬صارت فتاة مختلفة‬

‫قالت‪« :‬تغيير المالبس‪ .‬اآلن حان دورك‪ .‬لتتخلص من الحذاء‪ ،‬والسترة‪ ،‬والقبعة‪ ».‬فهمت م==ا ك=انت تقص=ده‪ .‬س==تبحث الش=رطة‬

‫بعناية عن أي أحد يبدو من مظهره أنه أحد أفراد تجم=ع مصاص=ي ال=دماء‪ .‬تخلص=ت من القبع==ة تمامً=ا؛ لم ت=رق لي ق=ط قبع=ات‬

‫البيسبول‪ .‬أقحمت بعد ذلك السترة في حقيبتي‪ ،‬وأخرجت تي شيرت طويل األكم=ام علي=ه ص=ورة روزا لوكس=مبورج‪ ،‬وارتديت=ه‬

‫على التي شيرت األسود الذي كنت أرتديه‪ =.‬سمحت لماشا بإزال==ة مس==احيق التجمي==ل من على وجهي‪ ،‬وتنظي==ف أظ==افري‪ .‬وبع==د‬

‫‪.‬لحظات‪ ،‬صرت نظي ًفا‬

‫»قالت‪« :‬أغلق هاتفك‪ .‬هل تحمل أية شرائح لتحديد الهوية بالموجات الالسلكية؟‬

‫كنت أحمل بطاقة هوية الطالب‪ ،‬وبطاقة الصرف اآللي‪ ،‬وبطاقة «فاست باس»‪ .‬وضعت ماشا كل ذلك في حقيب==ة فض==ية الل==ون‬

‫كانت تحملها‪ ،‬كانت محفظة فاراداي مقاومة للموجات الالسلكية‪ .‬لكن ما إن وضعت تلك المحفظة في جيبها ح==تى أدركت أن=ني‬

‫… قد سلمتها بطاقة هويتي‪ .‬وإذا كانت من األعداء‬

‫بدأت أستوعب حجم ما حدث للتو‪ .‬تخيلت آنج معي في تلك اللحظة‪ .‬كنا سنص=ير اث=نين أم==ام واح=د‪ ،‬وك=انت ستس=اعدني في أن‬

‫‪.‬أرى ما إذا كان هناك أي شيء خطأ‪ ،‬وإذا لم تكن ماشا كما ادعت‬

‫»… ضع هذه الحصوات في حذائك قبل أن تلبسه«‬

‫»‪.‬ال حاجة لها‪ ،‬لقد التوت قدمي‪ .‬ما من برنامج تعرف على المشية يمكنه التعرف عليَّ اآلن«‬
‫أومأت برأسها مرة واحدة إيماءة محترف آلخر‪ ،‬وعلقت حقيبتها‪ .‬حملت حقيب==تي ً‬
‫أيض=ا‪ ،‬وتحركن==ا‪ .‬لم يس==تغرق تغي==ير مالبس==نا‬

‫‪.‬أكثر من دقيقة‪ .‬صرنا كشخصين آخرين في مظهرنا ومشيتنا‬

‫نظرت في ساعتها‪ ،‬هزت رأسها‪ ،‬وقالت‪« :‬هيا! علينا أن نجري المقابلة‪ .‬إياك والتفكير في الهرب! ل==ديك خي==اران اآلن‪ :‬أن==ا أو‬

‫السجن‪ .‬سيعملون على تحليل المشاهد المصورة لهذا الحشد أليام‪ .‬لكن ما إن ينتهوا من فعل ذلك حتى يدخل كل وجه ظهر به==ا‬

‫»‪.‬في قاعدة بيانات‪ .‬وسينتبهون= إلى مغادرتنا المكان‪ .‬نحن اآلن مجرمان مطلوبان للعدالة‬

‫•••‬

‫أخرجتنا ماشا من شارع ماركت عند المربع السكني التالي لنعود إلى تِندرلوين‪ .‬كنت أعرف هذا الحي‪ ،‬فهناك ذهبنا نبحث عن‬

‫‪».‬نقطة وصول مفتوحة بشبكة الواي فاي في اليوم الذي كنا نلعب فيه لعبة «هاراجوكو فان مادنس‬

‫»سألتها‪« :‬إلى أين نحن ذاهبان؟‬

‫»‪.‬فأجابتني‪« :‬نحن على وشك اللحاق بركوبة‪ .‬اصمت‪ ،‬ودعني أركز‬

‫تحركنا سريعً ا‪ ،‬وتص==بب الع==رق على وجهي تحت ش==عري‪ ،‬وامت==د إلى ظه=ري وص=واًل إلى م=ؤخرتي وفخ==ذيَّ ‪ .‬اش=تد األلم في‬

‫‪.‬قدمي‪ ،‬ورأيت شوارع سان فرانسيسكو ونحن نمر بها‪ ،‬ربما للمرة األخيرة على اإلطالق‬
‫لم يتحسن األمر بشق طريقنا صعو ًدا الت=ل‪ ،‬والتح=رك تج=اه المنطق=ة ال=تي تص=ل بين تِن=درلوين الخص=بة وعق=ارات ن=وب هي=ل‬

‫الرائعة‪ .‬تهدجت أنفاسي‪ .‬وكانت أغلب الطرق التي قادتني إليها ماشا مجازات ضيقة‪ ،‬ولم تسر في ش=وارع واس=عة إال لالنتق=ال‬

‫‪.‬من مجاز ضيق آلخر‬

‫كنا قد خطونا لتونا إلى داخل أحد هذه المجازات‪ ،‬واسمه «سابين بليس» عن==دما ظه==ر ش==خص م==ا فج==أة خلفن==ا‪ ،‬وق==ال بص==وت‬

‫‪.‬شابته فرحة شريرة‪« :‬توقفا مكانكما!» توقفنا واستدرنا للخلف‬

‫عند مدخل المجاز‪ ،‬وقف تشارلز يرتدي ز ًّيا لتجمع مصاصي الدماء يدل على عدم الحماس مكو ًنا من بنطال جينز وتي ش=يرت‬

‫أسود اللون‪ ،‬وعلى وجهه مساحيق بيضاء‪ .‬قال‪« :‬مرحبًا يا ماركوس‪ ،‬هل أنت ذاهب إلى مكان ما؟» ابتسم ابتس==امة عريض==ة‪،‬‬

‫»وواصل حديثه‪« =:‬من صديقتك؟‬

‫»ماذا تريد يا تشارلز؟«‬

‫لقد دخلت على شبكة إكس نت الخائنة تلك منذ شاهدتك وأنت توزع أقراص الفيديو الرقمية في المدرسة‪ .‬وعندما علمت بأمر«‬

‫لعبة تجمع مصاصي الدماء‪ ،‬فكرت في االنض==مام له==ا‪ ،‬والمراقب==ة من بعي=د= ألرى م==ا إذا كنت ستحض==ر أم ال وم==ا كنت تفعل==ه‪.‬‬

‫»وتعلم ماذا رأيت؟‬

‫لم أنطق‪ .‬حمل هاتفه في يده‪ ،‬وأشار إلينا‪ .‬كان يسجل كل ما أقوم به‪ .‬ولعله كان على استعداد لطلب رقم النجدة ‪ .٩١١‬وبجانبي‬

‫‪.‬ماشا‪ ،‬وقفت كلوح الخشب‬

‫رأيتك وأنت تتزعم ما حدث‪ ،‬وسجلت كل شيء يا ماركوس؛ ولذلك‪ ،‬سأطلب اآلن الشرطة‪ ،‬وسننتظرها هنا‪ .‬وسيُزج ب==ك في«‬

‫»‪.‬السجن لفترة طويلة للغاية‬

‫‪.‬خطت ماشا لألمام‬

‫ت تساعدينه على الهرب‪ .‬لقد رأيت كل شيء‬


‫»… فقال لها‪« :‬توقفي مكانك أيتها الجميلة! لقد رأيتك وأن ِ‬
‫‪.‬أخذت خطوة أخرى لألمام‪ ،‬وخطفت الهاتف من يده‪ .‬وضعت يدها األخرى خلف ظهرها‪ ،‬وأخرجتها ممسكة بمحفظة مفتوحة‬

‫وقالت موجهة حديثها لتشارلز‪« :‬وزارة األمن الوطني‪ ،‬أيها الغبي! أعمل مع وزارة األمن الوطني‪ ،‬وق==د س==اعدت ه==ذا الس==اذج‬

‫على الهرب ألوصله إلى رؤسائه‪« .‬كان» هذا ما أفعله‪ ،‬وقد أفسدت اآلن كل شيء‪ .‬ثمة اس==م ل==ذلك‪ ،‬وه==و «إعاق==ة عم==ل األمن‬

‫»‪.‬الوطني»‪ .‬ستتردد هذه العبارة على سمعك كثيرً ا منذ اآلن‬

‫تراجع تشارلز خطوة للوراء رافعً ا يديه أمامه‪ .‬وقد ازداد ش==حوبًا من وراء مس==احيق التجمي==ل‪ .‬ق==ال‪« :‬م==اذا؟ كال! أع==ني … لم‬

‫»!أكن أعلم! كنت أحاول تقديم المساعدة‬

‫آخر ما نحتاجه هو مجموعة من المخبرين بالسنة قبل النهائية من المرحلة الثانوية «تقدم المساعدة» يا ص==اح‪ .‬يمكن==ك إخب==ار«‬

‫»‪.‬القاضي بذلك‬
‫تراجع أكثر للوراء‪ ،‬لكن ماشا كانت سريعة‪ ،‬أمسكت بمعصمه‪ ،‬ولوته بأسلوب العبي الجودو نفسه الذي اتبعته معي في مرك==ز‬
‫ً‬
‫شريطا لتقييد= اليدين‪ ،‬ل َّفته سريعً ا حول معصميه‬ ‫ً‬
‫شريطا بالستيك ًّيا‪،‬‬ ‫‪.‬المدينة‪ .‬أدخلت يدها في جيبها بالخلف‪ ،‬فأخرجت‬

‫‪.‬كان ذلك آخر ما رأيته إذ انطلقت هاربًا‬

‫•••‬

‫ضا‪ .‬لم أتمكن من التحرك سريعً ا بسبب‬


‫كنت قد وصلت إلى نهاية المجاز قبل أن تصل إليَّ ‪ ،‬وتعرقلني من الخلف‪ ،‬وتلقي بي أر ً‬

‫‪.‬األلم في قدمي ووزن حقيبتي‪ .‬سقطت على وجهي على األرض‪ ،‬انزلقت‪ ،‬واحتكت وجنتي باألسفلت الوسخ‬

‫»قالت‪« :‬يا إلهي! يا لك من غبي! هل صدقت ذلك ح ًّقا؟‬

‫‪.‬خفق قلبي في صدري‪ .‬كانت تجثم فوقي‪ ،‬وسحبتني ألعلى ببطء‬

‫»هل أنا بحاجة لتقييد يديك= يا ماركوس؟«‬

‫‪.‬وقفت على قدميَّ ‪ .‬شعرت باأللم في كل جسمي‪ ،‬وأردت الموت‬

‫»‪.‬قالت لي‪« :‬هيا! إنها لم تعد= تبعد كثيرً ا‬

‫•••‬

‫اتضح لي فيما بعد أن ماشا كانت تعني ﺑ «إنها» شاحنة متحركة بشارع جانبي في منطقة نوب هيل‪ ،‬شاحنة بست عشرة عجلة‬

‫تماث==ل في حجمه==ا ش==احنات وزارة األمن الوط==ني المنتش==رة في ك==ل مك==ان‪ ،‬وال==تي ال ت==زال متواج==دة بنواص==ي ش==وارع س==ان‬

‫‪.‬فرانسيسكو وتنتصب فوقها أجهزة الهوائي‬

‫لكن تلك الشاحنة حملت على جانبها عبارة «ثالثة رج==ال وعرب==ة تتح==رك»‪ ،‬والرج==ال الثالث==ة ك==انوا واض==حين للغاي==ة‪ ،‬أخ==ذوا‬
‫جيئة وذهابًا من مبنى سكني طويل ذي مظلة خضراء وإليه‪ .‬كانوا يحملون ً‬
‫أثاثا موض==وعًا في ص==ناديق تحم==ل أس==ما ًء‬ ‫ً‬ ‫يسيرون‬

‫‪.‬مطبوعة بعناية‪ .‬أخذوا يشحنون الصندوق تلو اآلخر إلى الشاحنة‪ ،‬ويرصونها بعناية فيها‬

‫سارت بنا حول الشاحنة مرة واحدة‪ ،‬وظهر عليها عدم الرضا بشيء ما‪ .‬وفي المرة التالية‪ ،‬تواص==لت بعينه==ا م==ع الرج==ل ال==ذي‬

‫ضا واقيًا وقف=ازين س=ميكين‪ =.‬ك=ان وجه==ه س==محً ا‪ .‬ابتس==م لن=ا‬


‫كان يراقب الشاحنة‪ ،‬وهو رجل أسود كبير السن يرتدي حزامًا عري ً‬

‫بينما كانت ماشا تقودنا سري ًع ا على درجات الشاحنة الثالث ثم إلى داخلها‪ .‬قال الرجل‪« :‬تحت الطاولة الكب==يرة … تركن==ا لكم==ا‬

‫»‪.‬مكا ًنا هناك‬

‫ُض=رَّ بة‪ ،‬ومغلَّف==ة أرجله==ا بغالف‬


‫كانت الشاحنة نصف ممتلئة‪ ،‬لكن كان هناك ممر ضيق حول طاولة كبيرة ملقاة فوقها بطانية م َ‬
‫‪.‬فقاعات هوائية‬

‫سحبتني ماشا أسفل الطاولة‪ .‬كان المكان فاسد التهوية‪ ،‬وهاد ًئا‪ ،‬ومغ==برً ا أس==فلها‪ .‬كتمت عطس==ة أثن==اء انحش==ارنا بين الص==ناديق‪.‬‬

‫‪.‬كان المكان ضي ًقا للغاية‪ ،‬حتى إن كاًّل منا التصق باآلخر‪ .‬أظن أن آنج ما كان ليتسع لها هذا المكان‬

‫»!قلت لماشا وأنا أنظر إليها‪« :‬أيتها الساقطة‬


‫اخرس! من المفترض أن تلع==ق ح==ذائي ش==كرً ا لي‪ .‬ل=والي‪ ،‬لكنت س= ُتل َقى في الس=جن في خالل أس==بوع‪ .‬وليس في جوانتان==امو«‬

‫»‪.‬الخليج‪ ،‬وإنما في سوريا‪ .‬أعتقد أنهم يرسلون إلى سوريا َمن يريدونهم أن يختفوا ح ًّقا‬

‫‪.‬وضعت رأسي على ركبتيَّ ‪ ،‬وحاولت التنفس بعمق‬

‫»لماذا ترتكب شي ًئ ا بهذا القدر من الغباء بإعالن الحرب على وزارة األمن الوطني؟«‬

‫‪.‬فأجبتها‪ .‬أخبرتها عن إلقاء القبض عليَّ ‪ ،‬وعن داريل‬

‫تحسست جيوبها‪ ،‬وأخرجت هات ًفا‪ .‬كان هاتف تشارلز‪ .‬قالت‪« :‬الهاتف الخط=أ!» ثم أخ==رجت هات ًف=ا آخ=ر‪ .‬ق=امت بتش==غيله‪ ،‬ومأل‬

‫‪.‬النور الصادر من الشاشة حصننا الصغير‪ .‬وبعد تحريك إصبعها عليه للحظة‪ ،‬جعلتني أشاهد ما على الشاشة‬

‫…كانت الصورة التي التقطتها لنا قبيل وقوع التفجيرات‪ .‬كانت الصورة التي تجمع بيني أنا وخولو وفان و‬

‫‪.‬داريل‬

‫كنت أحمل في يدي دلياًل على أن داريل كان معنا قبل دق==ائق من تحف==ظ وزارة األمن الوط==ني علين==ا‪ ،‬إثبا ًت==ا على أن==ه ك==ان ح ًّي=ا‬

‫‪.‬ومعافى ومراف ًقا لنا‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬يجب أن تعطيني نسخة من هذه الصورة‪ .‬أنا بحاجة إليها‬

‫فقالت لي‪ ،‬وهي تخطف الهاتف من يدي‪« :‬سأعطيها لك عندما نذهب إلى لوس أنجلوس‪ ،‬وتع==رف كي==ف تك==ون هار ًب==ا دون أن‬

‫تتسبب في القبض على كلينا‪ ،‬وإرسالنا إلى سوريا‪ .‬ال أري=دك أن تفك=ر في إنق=اذ ه=ذا الف=تى؛ فه=و في أم=ان حيث يوج=د … في‬

‫»‪.‬الوقت الراهن‬

‫فكرت في محاولة أخذه منها بالقوة‪ ،‬لكنها استعرضت من قبل مهارتها البدنية‪ =.‬لعلها حاصلة على حزام أسود أو ش==يء من ه==ذا‬

‫‪.‬القبيل‬

‫جلسنا في الظالم نستمع للرج==ال الثالث==ة أثن==اء تحميلهم الص==ناديق واح= ًدا تل==و اآلخ==ر في الش==احنة‪ ،‬وربطهم إياه==ا‪ ،‬واألص==وات‬

‫المنبعثة منهم إثر ما يبذلونه من جهد‪ .‬حاولت النوم‪ ،‬لكنني لم أستطع‪ .‬أما ماش=ا‪ ،‬فلم ُتع= ِ‬
‫=ان من مش=كلة في ذل=ك‪ .‬ك=انت تغ=ط في‬

‫‪.‬نومها‬

‫كان ال يزال هناك ضوء يمر عبر المجاز الضيق المليء بالمعوق=ات ال==ذي ي=ؤدي إلى اله==واء المنعش في الخ=ارج‪ .‬ح==دقت في=ه‬

‫‪.‬عبر الظالم وفكرت في آنج‬

‫آنج حبيبتي‪ .‬شعرها الذي يمس كتفيها برفق وهي تدير رأسها من جانب آلخر‪ ،‬وتض==حك على ش==يء م==ا فعلت==ه‪ .‬وجهه==ا عن==دما‬

‫رأيتها آخر مرة وهي تسقط بين الحشد بلعبة تجمع مصاصي الدماء‪ .‬كل هؤالء الناس في اللعبة — مثل َمن ك==انوا في المت==نزه‬

‫‪ —.‬منبطحون على األرض ويتلوون‪ ،‬ورجال األمن الوطني يتدخلون بالهراوات‪ .‬أولئك الذين اختفوا‬

‫ُخرج من زنزانته ليخضع لسلسلة ال متناهي==ة من االس==تجوابات‬ ‫َّ‬


‫المقطب‪ .‬ي َ‬ ‫داريل المحتجز على جزيرة «تريجر آيالند» وجانبه‬

‫‪.‬بشأن اإلرهابيين‬
‫‪.‬والد داريل المحطم‪ ،‬الثمل‪ ،‬غير حليق الذقن‪ ،‬الذي اغتسل وارتدى زيَّه «لتلت َقط صورته»‪ ،‬يبكي كالطفل الصغير‬

‫والدي‪ ،‬وكيف تغير باختفائي على جزي==رة «تريج==ر آيالن==د»‪ .‬لق==د تحطم ش==أنه ش==أن وال==د داري==ل‪ ،‬لكن على طريقت==ه الخاص==ة‪.‬‬

‫‪.‬ووجهه‪ ،‬عندما أخبرته أين كنت‬

‫‪.‬علمت حينذاك أنه ال يمكنني الهرب‪ ،‬وأنه ينبغي لي البقاء والمواجهة‬

‫•••‬

‫كانت أنفاس ماشا عميقة ومنتظمة‪ ،‬لكنني عندما وصلت ببطء حذر إلى جيبها ألحصل على هاتفها‪ ،‬عال صوت أنفاسها‪ ،‬وبدَّلت‬

‫‪.‬وضعها‪ .‬تسمرت مكاني‪ ،‬ولم أتنفس لمدة دقيقتين كاملتين‬


‫ً‬
‫ثانية‪ .‬جذبت الهاتف من جيب سترتها ببطء شديد‪ ،‬وذراعي وأصابعي ت==رتعش من المجه==ود ال==ذي‬ ‫عادت في تؤدة تتنفس بعمق‬

‫‪.‬أبذله في التحرك بهذا البطء‬

‫‪.‬ثم حصلت عليه‪ .‬كان يشبه قطعة الشوكوالتة الصغيرة‬

‫استدرت ألواجه الضوء‪ ،‬وجالت بخاطري حينذاك ذكرى‪ :‬تشارلز يخرج هاتفه‪ ،‬يهزه في اتجاهن==ا‪ ،‬ويوبخن==ا‪ .‬ك==ان هاتف==ه يش==به‬

‫قطعة الشوكوالتة‪ ،‬فضي اللون‪ ،‬ملصقة علي==ه ش==عارات العش==رات من الش=ركات ال==تي دعمت تكلف==ة اله=اتف من خالل الش==ركة‬
‫‪.‬المصنعة للهاتف‪ .‬وكان من النوع الذي تضطر للسماع فيه إلى إعالن تجاري في كل مرة تجري فيها اتصااًل‬

‫كان المكان داخل الشاحنة حالك الظلمة؛ وحال دون رؤيتي لله=اتف بوض==وح‪ ،‬لكن ك==ان بإمك==اني الش==عور ب==ه‪ .‬ه=ل ك=انت ه==ذه‬

‫‪.‬ملصقات للشركة على جوانبه؟ نعم‪ ،‬فما سرقته من ماشا كان هاتف تشارلز‬

‫عدت إلى ماشا ثانية ببطء شديد إلى أن وصلت إلى جيبها الخلفي‪ .‬كان هاتفها أكبر وأكثر سم ًكا‪ ،‬وبه ك==اميرا أفض==ل‪ .‬ومن يعلم‬

‫ماذا أيضًا؟‬

‫فعلت ذلك مرة من قبل؛ ما جعله أيسر بعض الشيء‪ .‬مرة أخرى ببطء شديد إلى أن أخرجت=ه من جيبه=ا‪ .‬ت=وقفت م=رتين عن=دما‬

‫‪.‬تنفست بصوت مسموع وارتجف جسدها‬

‫أخرجت الهاتف من جيبها‪ ،‬وكنت على وشك الرجوع للخلف عندما مدت يدها فجأة وبسرعة كاألفعى لتمس==ك بمعص==مي بق==وة‪،‬‬

‫‪.‬وأطراف أصابعها تطحن العظام الصغيرة الضعيفة أسفل يدي‬


‫ُ‬
‫وحدقت في عي َني ماشا المحملِقتين الواسعتين‬ ‫ُ‬
‫‪.‬لهثت‬
‫ً‬
‫مخاطبة إياي وهي تأخذ الهاتف مني‪ ،‬وتضغط على لوحة مفاتيحه بيدها األخرى‪« :‬يا ل==ك من أحم==ق! كي==ف كنت تخط==ط‬ ‫قالت‬
‫ً‬
‫ثانية؟‬ ‫»لفتح ذلك‬

‫‪.‬ابتلعت ريقي‪ .‬شعرت بطحن العظام في معصمي‪ .‬قضمت شفتي ألمنع نفسي من الصراخ‬

‫استمرت في الضغط على المفاتيح باستخدام يدها األخرى‪ ،‬ثم سألتني وهي تظهر لي صورتي مع داري==ل وخول==و وف==ان‪« :‬ه==ل‬

‫»هذا ما اعتقدت أنك ستهرب به؟ هذه الصورة؟‬


‫‪.‬لم أنطق‪ ،‬وشعرت بأن معصمي سيتكسر‬

‫لعل من األفضل أن أمسحها‪ ،‬وأمنعها من إغوائك‪ ».‬تحركت يدها الح==رة أك==ثر‪ ،‬وأظه==ر اله==اتف رس==الة تأ ُّكد من رغبته==ا في«‬

‫‪.‬الحذف؛ فكان عليها النظر إليه للعثور على الزر الصحيح‬

‫وفي تلك اللحظة‪ ،‬تحركت‪ .‬كان تليفون تشارلز ال يزال في يدي‪ .‬أنزلت=ه على ي=دها ال=تي تعص=ر به==ا معص==مي بأقص=ى ق=وتي‪،‬‬

‫لترتطم مفاصل أصابعي بالطاولة أعالنا‪ .‬ضربت يدها بق==وة لدرج==ة أن اله==اتف تبع==ثرت أج=زاؤه‪ ،‬وص=رخت عال ًي==ا‪ ،‬وض==عفت‬

‫يدها‪ .‬ظللت أتحرك‪ ،‬فوصلت ليدها األخ=رى للحص=ول على هاتفه=ا ال=ذي ص=ار اآلن غ=ير مغل=ق‪ ،‬وإبهامه=ا ال ي=زال ف=وق زر‬

‫‪«.‬نعم»‪ .‬تشنجت أصابعها في الهواء أثناء انتزاع الهاتف من يدها‬

‫تحركت إلى المجاز الضيق زح ًفا على ي==ديَّ وركب==تيَّ متوج ًه==ا ناحي==ة الض==وء‪ .‬ش==عرت بي==ديها تض==ربانني على ق==دميَّ وك==احليَّ‬
‫مرتين‪ ،‬ولزم عليَّ إزاحة بعض الصناديق التي كانت تحيط بن==ا كمق=ابر الفراعن==ة‪ .‬س=قط بعض=ها خلفي‪ ،‬وس=معت ص=وت ماش=ا‬

‫‪.‬تتأوه‬
‫َّ‬
‫كان باب الشاحنة الدوار مفتوحً ا بعض الشيء‪ ،‬فزحفت حتى وصلت تحته‪ .‬كانت ال=درجات ق=د أُزيحت‪ ،‬ووج=دت نفس=ي مت=دليًا‬
‫فوق الطريق‪ ،‬وسقطت على األسفلت برأسي أواًل ‪ ،‬مح= ً‬
‫=دثا ص=و ًتا رن في أذني مث==ل ق==رع األج=راس‪ .‬وقفت على ق==دميَّ ممس= ًكا‬

‫بممتص الصدمات‪ ،‬وسحبت مقبض الباب بعناء مغل ًقا إياه‪ .‬صرخت ماشا داخل الش==احنة … ال ب==د أن==ني ق==د أغلقت الب==اب على‬

‫‪.‬أطراف أصابعها‪ .‬شعرت بالرغبة في التقيؤ‪ ،‬لكنني لم أفعل‬

‫‪.‬بل أغلقت باب الشاحنة بالقفل‬


‫الفصل العشرون‬
‫بالص=دفة البحت==ة؛ إذ كنت‬
‫ِّ‬ ‫أهدي هذا الفصل إلى ذا تاترد كافر‪ ،‬متجر الكتب المستقل المذهل في دِنفر‪ .‬عثرت على ذلك المتج==ر‬
‫أنا وآليس قد وصلنا لتونا إلى دِنفر عائدَين من لندن‪ .‬كان الوقت مبك==رً ا‪ ،‬والطقس ب= ً‬
‫=اردا‪ ،‬وأردن==ا بعض القه==وة؛ فأخ==ذنا نتج==ول‬

‫كثيرً ا دون وجهة‪ ،‬وحينذاك لمحت الفتة ذا تاترد كافر‪ .‬أثار االسم شي ًئا في ذهني … لقد سمعت عن هذا المكان من قبل‪ .‬توقفنا‬

‫عند مقهى على الطري=ق (وحص=لنا على القه==وة)‪ ،‬ثم دخلن==ا المتج=ر … مك=ان خالب من الخش=ب داكن الل=ون‪ ،‬أرك==ان منعزل=ة‬

‫‪.‬للقراءة تمنحك الشعور وكأنك في المنزل‪ ،‬وأرفف كتب على امتداد= البصر‬

‫***‬

‫لم يكن هناك أيٌّ من الرجال الثالثة في ه=ذه اللحظ=ة‪ ،‬ف=انطلقت هاربً=ا‪ .‬ش=عرت ب=ألم ش=ديد في رأس=ي ح=تى ظننت أن=ني أن=زف‬

‫بالتأكيد‪ =،‬لكنني عندما وضعت ي==ديَّ على رأس==ي لم تكن هن=اك أي دم==اء‪ .‬تيبس ك==احلي الملت==وي في الش==احنة‪ ،‬ومن ثم ركض=ت‬
‫كدمية متحركة مكسورة‪ ،‬ولم أتوقف سوى مرة واحدة فقط إللغاء حذف الص==ورة على ه==اتف ماش==ا‪ .‬وأوقفت تش==غيل الالس==لكي‬

‫للحفاظ على شحن البطارية وألحول دون استخدامه في تعقبي‪ .‬وضبطت مؤقت الخمول على س==اعتين‪ ،‬أط==ول ف==ترة متاح==ة في‬

‫اإلعدادات‪ .‬وحاولت ضبطه على أال يطلب كلمة مرور إليقاف وضع الخمول‪ ،‬لكن ذلك نفسه تطلب كلم==ة م=رور‪ .‬ك=ان س==يلزم‬

‫عليَّ الضغط على لوحة المفاتيح مرة واحدة على األقل كل ساعتين إلى أن أتمكن من الوصول إلى كيفي==ة إخ==راج الص==ورة من‬

‫‪.‬الهاتف‪ .‬وبالتالي‪ ،‬كنت بحاجة لشاحن‬

‫لم تكن لدي خطة‪ .‬كنت بحاجة لواحدة‪ ،‬كنت بحاجة للجلوس والدخول على اإلنترنت ألكتشف ما كنت سأفعله بعد ذل==ك‪ .‬س==ئمت‬

‫من السماح لآلخرين بوضع الخط==ط لي‪ .‬لم أرغب في التص==رف بن==اء على م==ا فعلت==ه ماش==ا أو بس==بب وزارة األمن الوط==ني أو‬

‫‪.‬والدي … أو آنج! حس ًنا‪ ،‬ربما أفعل شي ًئا بسبب آنج‪ .‬ال بأس في ذلك على اإلطالق في الحقيقة‬

‫نزلت نحو أسفل التل ما ًّرا في المجازات الضيقة متى استطعت مندمجً ا م==ع الجم==وع في تِن==درلوين‪ .‬لم تكن ل==دي أي==ة وجه==ة في‬

‫ذهني‪ .‬ومع كل بضع دقائق‪ ،‬كنت أضع يدي في جيبي‪ ،‬وأمس برفق أحد المفاتيح به==اتف ماش==ا ألح==ول دون دخول==ه في وض==ع‬
‫ً‬
‫بارزا على نحو غريب وهو مفتوح في سترتي‬ ‫‪.‬الخمول‪ .‬كان‬

‫توقفت‪ ،‬واستندت إلى حائط أحد المباني‪ .‬شعرت بألم شديد في كاحلي‪ .‬أين كنت على أية حال؟‬

‫أوفيريل»‪ ،‬شارع هايد‪ ،‬أمام مركز تدليك آسيوي مريب‪ .‬قدماي الخائنتان أوصلتاني إلى نقطة البداي==ة … لق==د أوص==لتاني إلى«‬

‫بثوان‪ ،‬وتغيُّر حياتي لألبد‬


‫ٍ‬ ‫‪.‬حيث ال ُتقِطت الصورة الموجودة بهاتف ماشا قبل انفجار جسر باي‬

‫أردت أن أجلس على الرص==يف وأص==يح ب==أعلى ص==وتي‪ ،‬لكن ذل==ك م==ا ك==ان ليح==ل مش==كالتي‪ .‬ك==ان عليَّ االتص==ال ببارب==ارا‬

‫‪.‬ستراتفورد‪ ،‬وإخبارها بما حدث‪ ،‬وإطالعها على صورة داريل‬


‫فيم كنت أفكر؟ كان عليَّ إطالعها على الفيديو الذي أرسلته إليَّ ماشا‪ ،‬ذلك الفيديو الذي تأمل فيه مدير مكتب رئيس الجمهورية‬

‫في حبور الهجمات على سان فرانسيسكو‪ ،‬واعترف بأنه يعلم أين ومتى ستقع الهجمات التالي==ة‪ ،‬وأن==ه لن يوقفه==ا ألنه==ا ستس==اعد‬

‫‪.‬في إعادة انتخاب رئيس الجمهورية‬

‫كانت هذه هي الخطة إذن‪ :‬االتصال بباربارا‪ ،‬وإعطاءه==ا المس==تندات لتنش==رها‪ .‬ال ش==ك أن تجم==ع مصاص==ي ال==دماء ق==د أص==اب‬

‫الناس بالذعر‪ ،‬وجعلهم يعتقدون أننا مجموعة من اإلرهابيين ح ًّقا‪ .‬بالطبع‪ ،‬عندما كنت أخطط لتلك اللعبة‪ ،‬كنت أفكر كم س=تكون‬

‫‪.‬وسيلة إلهاء جيدة‪ ،‬وليس كيف سينظر إليها اآلباء التقليديون في نِبراسكا‬

‫عزمت على االتصال بباربارا‪ ،‬والتحلي بالذكاء عند فعل ذلك‪ .‬فكنت سأتصل بها من هاتف عمومي‪ ،‬مع وضع قلنسوة س==ترتي‬

‫على رأسي حتى ال تلتقط كاميرات الدوائر التليفزيونية المغلق=ة المتع==ذر اجتنابه==ا ص=ورة لي‪ .‬أخ=رجت رب==ع دوالر من جي==بي‪،‬‬

‫‪.‬ومسحته في ذيل قميصي ألزيل بصمات أصابعي من عليه‬

‫توجهت أسفل التل إلى أن وصلت إلى محطة بارت والهواتف العمومية هناك‪ .‬س=رت إلى محط==ة ال=ترام‪ ،‬وهن=اك لمحت غالف‬

‫صحيفة «باي جارديان» لذلك األس=بوع‪ ،‬وق=د تكدس=ت نس=خ الص=حيفة في كوم=ة عالي=ة بج=وار رج=ل أس=ود متش=رد ابتس=م في‬

‫»‪.‬وجهي‪ ،‬وقال‪« :‬تفضل‪ ،‬اقرأ الغالف‪ ،‬فهو مجاني … أما تصفح ما بداخل الصحيفة‪ ،‬فسيكلفك خمسين سن ًتا‬

‫‪:‬كان العنوان الرئيسي مكتوبًا بحجم لم أره منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر‪ ،‬ونصه‬

‫»داخل سجن جوانتانامو الخليج«‬

‫‪:‬وتحته بخط أصغر حجمًا بعض الشيء‬

‫»‪.‬كيف احتجزت وزارة األمن الوطني أبناءنا وأصدقاءنا في سجون سرية بالقرب منا«‬

‫»‪.‬بقلم باربارا ستراتفورد‪ ،‬حصر ًّيا لصحيفة باي جارديان«‬


‫َّ‬
‫»!هز بائع الصحف رأسه‪ ،‬وقال‪« :‬هل تصدق ذلك؟ هنا في سان فرانسيسكو‪ .‬يا لها من حكومة حقيرة‬

‫نظر ًّيا‪ ،‬توزع تلك الصحيفة مجا ًنا‪ ،‬لكن من الواضح أن ذلك الرجل قد حصل مبكرً ا على ع==دد من النس==خ من الس==وق المحلي==ة‪.‬‬

‫كان في يدي ربع دوالر‪ .‬ألقيت به في الكوب الذي كان يمسك به‪ ،‬وبحثت عن آخر‪ .‬لم أهتم هذه المرة بمسح بصمات أص==ابعي‬

‫‪.‬من عليه‬

‫لقد أخبرونا بأن العالم قد تغير لألبد بعد تفجير جسر باي على يد مجهولين‪ .‬لقي اآلالف من أصدقائنا وجيراننا حتفهم في ذلك«‬

‫‪.‬اليوم‪ .‬ولم يُن َقذ أيٌّ منهم تقريبًا؛ ومن المفترض أن بقاياهم ترقد في قاع ميناء المدينة‬

‫لكن ثمة رواية مذهلة استمعت إليها هذه الص==حفية من ش==اب ألقت وزارة األمن الوط==ني القبض علي==ه بع==د دق==ائق من التفج==ير‪،‬‬

‫وهذه الرواية تشير إلى أن حكومتنا قد احتجزت على نحو مخالف للقانون الكثيرين ممن يُعت َقد أنهم ق=د لق=وا حتفهم على جزي=رة‬

‫»… «تريجر آيالند»‪ ،‬التي أُخليت و ُمنِع دخول المدنيين إليها بعد= التفجيرات بفترة قصيرة‬
‫جلست على أحد المقاعد ألقرأ المقال كاماًل ؛ الحظت ما أصابني بقُ َشعْ ريرة في بدني‪ ،‬وه==و أن==ني أجلس على المقع==د ذات=ه ال==ذي‬

‫جعلنا داريل يستريح عليه بعد هروبنا من محطة ب==ارت‪ .‬ب=ذلت جه= ًدا ه=ائاًل لكي ال أنفج=ر في البك==اء في تل=ك اللحظ=ة‪ .‬ع==ثرت‬

‫باربارا على بعض الصور التي تجمع بيني أن==ا وداري==ل ونحن نتس==كع معً= ا‪ ،‬ووض==عتها بج==انب الخ==بر‪ .‬ربم==ا مض==ى على تل==ك‬

‫الصور عام واحد‪ ،‬لكنني ب==دوت أص==غر س= ًّنا بكث==ير فيه==ا‪ ،‬كم==ا ل==و كنت في العاش==رة أو الحادي==ة عش==رة‪ .‬لق==د ك==برت كث==يرً ا في‬

‫‪.‬الشهرين الماضيين‬

‫برعت باربارا في كتابة المقال؛ فشعرت بالغضب من أج=ل الش=باب المس=اكين ال==ذين كتبت عنهم‪ ،‬ثم ت==ذكرت أنه==ا ك=انت تكتب‬
‫عني‪ .‬ضمت المقالة أي ً‬
‫ضا رسالة زيب بعد تكبير حجم خط يده المُب َهم لتشغل نصف صفحة في الصحيفة‪ .‬توص==لت بارب==ارا إلى‬

‫المزيد من المعلومات عن شباب آخرين فُقِدوا واع ُتقِد أنهم لقوا حتفهم‪ .‬قائمة طويلة‪ .‬وتساءلت باربارا كم من الش==باب اح ُت ِج==زوا‬

‫‪.‬على تلك الجزيرة والتي تقع على بُعد بضعة أميال فقط من آبائهم‬

‫أخرجت ربع دوالر آخ=ر من جي=بي‪ ،‬ثم ب==دلت رأيي؛ فمن المؤك=د أن ه=اتف بارب==ارا ُم==را َقب‪ .‬م=ا كنت ألتص==ل به=ا اآلن‪ ،‬ليس‬

‫‪.‬مباشر ًة ‪ .‬كنت بحاجة إلى وسيط لالتصال بها ودعوتها لمقابلتي في مكان ما بالجنوب‪ .‬عناصر كثيرة إلعداد= خطة‬

‫‪.‬ما كنت بحاجة إليه ح ًّقا هو شبكة إكس نت‬

‫كيف كان لي أن أدخل على اإلنترنت؟ أخذ جهاز البحث عن شبكة الواي فاي في هاتفي يومض بشدة؛ فالشبكة الالسلكية حولي‬

‫في كل مكان‪ ،‬لكن لم يكن لدي جهاز إكس بوكس أو تليفزيون أو قرص فيديو رقمي لنظام بارانوي==د إكس ب==وكس للب==دء‪ .‬ش==بكة‬

‫… واي فاي‪ ،‬واي فاي في كل مكان‬

‫‪.‬حينذاك لمحتهما‪ :‬شابَّين من نفس عمري تقريبًا‪ ،‬يتحركان بين جمع الناس أعلى ساللم محطة بارت‬

‫ما لفت نظري هو الطريقة التي كانا يتحركان بها‪ .‬كانت حركتهما خرقاء بعض الشيء‪ ،‬يدفعان المارة والسائحين برف==ق‪ ،‬وك = ٌّل‬

‫منهما يضع إح=دى يدي=ه في جيب=ه‪ ،‬وعن=دما تلتقي عيناهم=ا يض=حكان ض=حكة مكتوم=ة‪ .‬ك=ان من الواض=ح تمامً=ا أنهم=ا يقوم=ان‬

‫بالتشويش‪ ،‬لكن الناس من حولهما غفلوا عن ذلك‪ .‬عندما تكون في ذلك الحي‪ ،‬تتوق==ع أن تص==ادف مج==انين ومش==ردين؛ ل==ذلك ال‬

‫‪.‬تنظر في عين أحد‪ ،‬وال تنظر حولك على اإلطالق إذا تمكنت من ذلك‬

‫‪.‬اقتربت من أحد الشابين‪ .‬بدا صغيرً ا للغاية‪ ،‬لكن ال يمكن أن يكون أصغر مني‬

‫»قلت له‪« :‬مرحبًا! هل يمكنكما المجيء إلى هنا للحظات؟‬

‫‪.‬تظاهر بأنه ال يسمعني‪ ،‬فلم يلتفت إليَّ مثلما يفعل المرء مع أي شخص مشرد‬

‫قلت له‪« :‬هيا! ليس أمامي متسع من الوقت‪ ».‬أمسكت بكتفه‪ ،‬وهمست في أذنه‪« :‬تسعى الشرطة ورائي‪ ،‬أنا أحد أعضاء ش==بكة‬

‫»‪.‬إكس نت‬

‫بدا الذعر عليه اآلن‪ ،‬وبدا كما لو كان يرغب في الهرب‪ ،‬وحينذاك اقترب صديقه منا‪ .‬قلت لهما‪« :‬أنا ج==اد فيم==ا أقول==ه‪ .‬لتس==معا‬

‫»‪.‬ما لديَّ فقط‬


‫ً‬
‫ومكتنزا … مثل داريل‪ .‬سأل‪« :‬مرحبًا‪ ،‬ما الخطب؟‬ ‫»اقترب صديقه‪ ،‬كان أطول منه‬

‫‪.‬همس صديقه في أذنه‪ ،‬وبدا االثنان وكأنهما على وشك الهروب‬

‫أمسكت صحيفة «باي جارديان» التي كنت أضعها تحت ذراعي‪ ،‬وحركتها س=ريعً ا أمامهم=ا‪ ،‬وقلت لهم=ا‪« :‬انتقال إلى الص=فحة‬

‫»‪٥.‬‬

‫‪.‬ففعال‪ ،‬ونظرا إلى العنوان‪ ،‬والصورة … إنها صورتي‬

‫‪.‬قال األول‪« :‬يا إلهي! نحن تافهان ح ًّقا!» ابتسم في وجهي كالمجنون‪ ،‬في حين ضربني المكتنز ضربة خفيفة على ظهري‬

‫»… وقال‪« :‬مستحيل! أنت ﻣ‬

‫»وضعت يدي على فمه‪ ،‬وقلت‪« :‬هال تأتيان إلى هنا؟‬

‫اصطحبتهما إلى المقعد الذي كنت أجلس عليه‪ .‬الحظت بقعة قديمة ُب ِّنية اللون على الرصيف تحت المقعد‪ .‬ه==ل ه==ذا دم داري==ل؟‬

‫‪.‬أصابتني الفكرة بقشعريرة‪ .‬جلسنا‬

‫قلت لهما‪« :‬أنا ماركوس‪ ».‬ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أفصح عن اسمي الحقيقي لهذين الشابين اللذين يعرفان أنني مايكي‪ .‬لق==د‬

‫‪.‬كشفت عن نفسي‪ ،‬لكن «باي جارديان» كانت قد ربطت بين الشخصيتين بالفعل‬

‫قال ضئيل الجسم‪« :‬اسمي نيت»‪ ،‬في حين قال اآلخر‪« :‬وأنا ليام‪ .‬يا له من شرف أن نلتقي ب==ك! أنت أعظم األبط==ال في نظرنا‬

‫»…‬

‫قاطعته‪« :‬ال تقل ذلك … ال تقل ذلك‪ .‬إن ما تفعالنه كما لو كنتم==ا تعلن==ان بوض==وح‪« :‬نحن نم==ارس التش==ويش‪ ،‬ل==تزجوا بن==ا في‬

‫»‪.‬سجن جوانتانامو الخليج‪ ».‬ال يمكن أن تكونا أكثر وضوحً ا‬

‫‪.‬بدا ليام وكأنه على وشك البكاء‬


‫ً‬
‫ثاني=ة‪ .‬األم=ر الغ=ريب ال=ذي اتض=ح لي أن ه=ذين«‬ ‫ال تقلقا‪ ،‬فلم يُق َبض عليكم=ا‪ .‬س=أعطيكما بعض النص=ائح فيم=ا بع=د‪ ».‬ف=ابتهج‬

‫الشابين كانا يمج==دان م==ايكي ح ًّق==ا‪ ،‬وكان==ا ليفعالن أي ش==يء أخبرهم==ا ب==ه‪ .‬كان==ا يبتس==مان كاألغبي==اء‪ .‬أزعج==ني ذل==ك‪ ،‬وأش==عرني‬

‫‪.‬بالغثيان‬

‫اسمعا! أنا بحاجة للدخول على شبكة إكس نت اآلن دون أن أذهب إلى المنزل أو أي مكان بالقرب منه‪ .‬ه==ل تعيش==ان ب==القرب«‬

‫»من هنا؟‬

‫فقال نيت‪« :‬أنا أعيش بالقرب من هنا‪ ،‬أعلى شارع كاليفورنيا‪ .‬سنس=ير قلياًل … أعلى التالل المرتفع=ة‪ ».‬كنت ق=د ن=زلت عنه=ا‬

‫‪.‬لتوي‪ ،‬وماشا ال تزال هناك بأعلى‪ .‬لكن ذلك أفضل ما يمكنني توقعه على اإلطالق‬

‫»!قلت لهما‪« :‬هيا بنا‬

‫•••‬
‫أعارني نيت قبعة البيسبول الخاصة به‪ ،‬وتبادلن==ا الس==ترات م ًع= ا‪ .‬لم أكن بحاج==ة للقل==ق بش==أن التع==رف على المش==ية م==ع اه==تزاز‬

‫‪.‬كاحلي؛ فقد كنت أعرج مثل ممثل ثانوي في أحد أفالم رعاة البقر‬
‫ً‬
‫مط=رزا‬ ‫كان نيت يعيش في شقة ضخمة بها أربع غرف نوم أعلى نوب هيل‪ ،‬وك=ان للبناي=ة ب=واب يرت=دي معط ًف=ا أحم=ر الل=ون‬

‫باللون الذهبي‪ .‬لمس قبعته‪ ،‬وقال لنيت‪« :‬سيد نيت!» ورحب بنا جمي ًع= ا‪ .‬ك==ان المك==ان نظي ًف==ا تما ًم==ا‪ ،‬وف==احت من==ه رائح==ة طالء‬

‫‪.‬األثاث‪ .‬حاولت أال أحدق ببله في ذلك البيت الذي يساوي نحو مليوني دوالر‬

‫فسر نيت األمر قائاًل ‪« :‬كان والدي مصرف ًّيا في بن=ك اس=تثماري‪ ،‬وك=ان لدي==ه العدي==د من بوليص=ات الت=أمين على الحي==اة‪ .‬ت==وفي‬

‫عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري‪ ،‬وحصلنا على قيمة كل هذه البوليصات‪ ،‬وقد جعل أمي المستفيدة منه=ا رغم طالقهم=ا‬

‫»‪.‬منذ سنوات‬

‫ومن النافذة التي تصل من األرضية إلى السقف‪ ،‬ك=ان بإمكان=ك رؤي=ة منظ=ر رائ=ع للج=انب اآلخ=ر من ن=وب هي=ل وص=واًل إلى‬

‫منطقة فيشرمانز وارف والهيكل القبيح لجسر باي‪ ،‬وحشد الرافع==ات والش==احنات‪ .‬وس==ط الض==باب‪ ،‬تمكنت من أن ألمح جزي==رة‬

‫‪«.‬تريجر آيالند»‪ =.‬والنظر إلى أسفل من هذه المسافة العالية جعلني أشعر برغبة مجنونة في القفز‬

‫دخلت على اإلنترنت باستخدام جهاز إكس بوكس الخ==اص ب==ه وشاش==ة بالزم==ا ض==خمة في حج==رة المعيش==ة‪ .‬أوض==ح لي كم من‬

‫شبكات الواي فاي كانت مرئية من موقعه العالي المتميز … فكان هناك نحو عشرين أو ثالثين شبكة‪ .‬كانت بقعة جيدة بالنس==بة‬

‫‪.‬ألي مستخدم لشبكة إكس نت‬

‫امتأل صندوق بريد مايكي بالرسائل؛ ‪ ٢٠٠٠٠‬رسالة جديدة منذ غادرت أنا وآنج منزلها ذلك الصباح‪ ،‬والكثير من هذه الرسائل‬

‫كان من جهات صحفية تطلب مقابالت متابعة‪ ،‬لكن أغلبه==ا ك=ان من مس==تخدمي ش==بكة إكس نت‪ ،‬أف==راد ق==رءوا الخ==بر بص==حيفة‬

‫‪«.‬باي جارديان» وأرادوا إخباري بأنهم سيفعلون أي شيء لمساعدتي‪ ،‬أي شيء أحتاج إليه‬

‫‪.‬كان هذا كافيًا‪ .‬بدأت الدموع تنسال على وجنتيَّ‬


‫تبادل نيت وليام النظرات‪ .‬حاولت التوقف‪ ،‬لكن دون جدوى‪ .‬وتحول البك=اء إلى نش=يج‪ .‬توج=ه نيت إلى خزان==ة كتب من خش=ب‬
‫البلوط بأحد الجدران‪ ،‬وأخرج خزانة خمر من أحد أرففها ليكشف عن صف المع من الزجاج==ات‪ .‬ص==بَّ لي ً‬
‫كأس =ا من زجاج==ة‬

‫‪.‬ذات لون بني ذهبي‪ ،‬وجلبها إليَّ‬


‫»‪.‬قال‪« :‬ويسكي أيرلندي نادر … المفضل لدى أمي‬

‫كان مذاقه كالنار‪ ،‬كالذهب‪ .‬رشفته محاواًل أال أصاب باالختناق‪ .‬لم أحب في الواقع المشروبات الكحولية الثقيلة‪ ،‬لكن ذل==ك ك==ان‬

‫‪.‬مختل ًفا‪ .‬أخذت عدة أنفاس عميقة‬

‫‪.‬وقلت له‪« :‬شكرً ا يا نيت‪ ».‬فارتسمت على وجهه نظرة كما لو كنت قد منحته وسامًا للتو‪ .‬كان فتى صالحً ا‬

‫‪.‬قلت وأنا أمسك بلوحة المفاتيح‪« :‬حس ًن ا!» راقبني الشابان بافتتان بينما كنت أتصفح بريدي على الشاشة الضخمة‬

‫‪.‬أهم شيء كنت أبحث عنه هو رسالة من آنج‪ ،‬فمن المحتمل أن تكون قد هربت‪ ،‬وهذا احتمال قائم دائمًا‬
‫مجرد األمل في ذلك كان حماقة مني‪ .‬لم يكن هناك أي شيء منها‪ .‬بدأت في تفق==د البري==د بأس==رع م==ا يمكن==ني‪ =،‬مس= ً‬
‫=تبعدا طلب==ات‬

‫… الصحافة‪ ،‬ورسائل المعجبين‪ ،‬ورسائل الكراهية‪ ،‬والبريد غير المرغوب فيه‬

‫‪.‬حينذاك وجدت رسالة من زيب‬

‫ليس لطي ًفا أن أستيقظ هذا الص==باح ألج==د الرس==الة ال==تي ظننت أن==ك س==تتخلص منه==ا على ص==فحات الجرائ==د‪ .‬ليس لطي ًف==ا على«‬

‫‪.‬اإلطالق‪ .‬أشعرني ذلك بأنني … ُخدِعت‬

‫لكنني استوعبت بعد= ذلك السبب وراء ما فعلته‪ .‬ال أعلم إذا ما كان بإمكاني الموافقة على خطط==ك أم ال‪ ،‬لكن من اليس==ير لي أن‬

‫‪.‬أرى أن دوافعك كانت سليمة‬

‫إذا كنت تقرأ هذه الكلمات‪ ،‬فذلك يعني أنك ق==د تمكنت على األرجح من االختف==اء‪ ،‬وليس ذل==ك ب==األمر الس==هل‪ .‬لق==د تعلمت ذل==ك‪،‬‬

‫‪.‬وغيره الكثير‬

‫بوسعي مساعدتك‪ ،‬وينبغي لي فعل ذلك من أجلك‪ ،‬فأنت تفعل ما بوسعك من أجلي‪( .‬وإن لم تكن تفعله بإذن مني‪).‬‬
‫ً‬
‫مقبوض=ا علي==ك‪ ،‬وتخض==ع لقبض==ة أص==دقائنا في‬ ‫رد عليَّ إذا وص==لتك ه==ذه الرس==الة‪ ،‬وكنت ب==الطريق ووح==دك‪ ،‬أو رد إذا ك==ان‬

‫جوانتان==امو‪ ،‬وتبحث عن وس==يلة إليق==اف األلم ال==ذي تش==عر ب==ه‪ .‬إذا قبض==وا علي==ك‪ ،‬فس==وف تفع==ل م==ا يملون==ه علي==ك‪ .‬أعلم ذل==ك‪،‬‬

‫‪.‬وسأخوض المخاطرة‬

‫»‪.‬من أجلك يا مايكي‬

‫زفر ليام قائاًل ‪« :‬يا إلهي!» أردت صفعه‪ .‬استدرت ألقول له شي ًئا بشعًا والذعً ا‪ ،‬لكنه كان يحدق فيَّ بعينين متسعتين كما لو كان‬

‫‪.‬على وشك الجثو على ركبتيه وتقديسي‬

‫قال نيت‪« :‬هل أستطيع أن أقول … هل أستطيع أن أقول إن مساعدتي لك هي أعظم ش==رف لي في حي==اتي كله==ا؟ ه==ل يمكن==ني‬

‫»قول هذا فقط؟‬

‫داع لذلك‪ .‬هذان االثنان مفتونان بي بالكامل‪ ،‬رغم أنني لست نجمًا‪ ،‬على األقل ليس من وجهة‬ ‫اًل‬
‫تورد وجهي خج ‪ .‬لم يكن هناك ٍ‬
‫‪.‬نظري‬

‫»بلعت ريقي وقلت‪« :‬هل يمكن أن … هل تسمحان لي ببعض الخصوصية هنا؟‬

‫‪.‬خرجا في هدوء من الغرفة كجروين أساءا التصرف‪ ،‬وشعرت بأنني آلة‪ .‬أخذت أكتب سريعً ا‬

‫لقد هربت يا زيب‪ ،‬وأنا اآلن هارب‪ .‬أحت==اج إلى ك==ل مس=اعدة يمكن=ني الحص==ول عليه=ا‪ .‬أري=د إنه==اء ذل==ك اآلن‪ ».‬ت==ذكرت أن«‬

‫‪.‬أخرج هاتف ماشا من جيبي‪ ،‬وأضغط على أزراره ألمنعه من الدخول في وضع الخمول‬

‫س==مح لي الفتي==ان باالغتس==ال‪ ،‬ومنح==اني مالبس وحقيب==ة ظه==ر جدي==دة مليئ==ة بجمي==ع مس==تلزمات الط==وارئ من حل==وى الطاق==ة‪،‬‬
‫واألدوية‪ =،‬والكمادات الساخنة والباردة‪ ،‬وحقيبة نوم قديمة‪ .‬وضعا كذلك جهاز «إكس بوكس يونيفرسال» فائضً ا ل==ديهما م= ً‬
‫=زودا‬

‫‪.‬بنظام بارانويد إكس بوكس‪ .‬كانت لمسة لطيفة منهما‬


‫أخ==ذت أتفق==د بري=دي اإللك=تروني ألرى م==ا إذا ك=ان زيب ق==د رد عليَّ ‪ .‬بعثت ب==رد على رس=ائل اإلعج=اب‪ ،‬ورس=ائل الص=حافة‪،‬‬

‫وحذفت رسائل الكراهية‪ .‬توقعت إلى حد ما أن أرى رسالة من ماشا‪ ،‬لكنها كانت على األرجح في منتصف الطري==ق إلى ل==وس‬
‫ً‬
‫ثانية‬ ‫‪.‬أنجلوس‪ ،‬وأصابع يديها تؤلمها‪ ،‬وفي وضع ال يسمح لها بالكتابة‪ .‬لمست مفاتيح هاتفها‬

‫نصحني الفتيان بالنوم قلياًل ‪ .‬وللحظة قصيرة مخجلة‪ ،‬دفعني جنون االرتياب للظن بأنهما يفكران في تسليمي للشرطة بمجرد أن‬

‫أستغرق في النوم‪ .‬كانت فكرة غبي=ة؛ إذ ك=ان بإمكانهم=ا تس=ليمي بالق=در نفس=ه من الس=هولة وأن=ا مس=تيقظ‪ .‬لم يكن بوس=عي فق=ط‬

‫استيعاب أنهما يبجالنني بشدة‪ .‬كنت أدرك أن هناك من سيتبعون م==ا يقول=ه م==ايكي‪ .‬وق==د التقيت ببعض==هم ذل=ك الص==باح يهتف==ون‬

‫«عض عض عض عض عض» ويؤدون دور مصاصي الدماء في مركز المدينة‪ .‬لكن إعج==اب ه==ذين الش==ابين ك==ان شخص= ًّيا‬

‫على نحو أكبر‪ .‬كانا شابين ساذجين لطيفين‪ ،‬وكان من الممكن أن يكونا من أصدقائي في ف==ترة م==ا قب==ل إكس نت‪ ،‬مج==رد فت==يين=‬

‫يخوضان مغامرات مراهقين‪ .‬وقد تطوعا لالنضمام إلى صفوف جيشي؛ ومن ثم فأنا مسئول عنهما‪ .‬إذا ُت ِركا لحالهما‪ ،‬فسيُق َبض‬

‫‪.‬عليهما‪ .‬وليس ذلك سوى مسألة وقت‪ .‬فهما ساذجان للغاية‬

‫»‪.‬قلت لهما‪« :‬استمعا لما سأقوله يا شباب! ثمة شيء خطير أود أن أخبركما به‬

‫‪.‬كادا يقفان من فرط االنتباه‪ .‬كان ذلك فكاه ًّيا‪ ،‬إذا لم يكن مخي ًفا للغاية‬

‫إليكما ما أريد قوله‪ .‬صار األمر خطيرً ا للغاية اآلن بعد أن س==اعدتماني‪ .‬إذا أُلقي القبض عليكم==ا‪ ،‬فس==يل َقى القبض عليَّ ك==ذلك‪«،‬‬

‫وسيحصلون على ما يريدونه منكما …» رفعت يدي ألستبق اعتراضهما‪ ،‬وواصلت حديثي‪« :‬كال‪ ،‬توقفا‪ ،‬فأنتما لم تم==را به==ذه‬

‫التجربة‪ .‬الجميع يفصح بما لديه‪ ،‬الجميع ينهار‪ .‬إذا أُلقي القبض عليكما‪ ،‬فسوف تخبرانهم بك==ل ش==يء على الف==ور‪ ،‬وبأس==رع م==ا‬

‫‪.‬يمكنكما‪ =،‬وبأكبر قدر تعرفانه‪ .‬سوف يحصلون على كل المعلومات في النهاية بأي حال‪ .‬هذا أسلوبهم‬

‫لكن لن يُل َق ى القبض عليكما؛ هل تعلمان لماذا؟ ألنكما لستما مشوشين بعد اآلن‪ .‬لقد توقفتما عن ه=ذا النش=اط‪ .‬أنتم=ا …» أخ=ذت‬

‫أبحث في ذاك==رتي عن مص==طلحات من أفالم الجاسوس==ية‪ ،‬وت=ابعت ح==ديثي‪ …« :‬خلي==ة نائم==ة‪ .‬توقف=ا عم==ا تفعالن==ه‪ ،‬ع==ودا إلى‬

‫ضى عليَّ في النهاية‪ .‬إذا لم تسمعا ع==ني أي أخب==ار خالل‬


‫حياتكما الطبيعية‪ =.‬فبطريقة أو بأخرى‪ ،‬سأنهي كل هذا‪ .‬وإال فسوف يُق َ‬
‫‪ ٧٢‬ساعة‪ ،‬فاعتبراني مقبو ً‬
‫ضا عليَّ ‪ ،‬ولكما أن تفعال أي شيء حينها‪ .‬لكن على مدار األيام الثالثة التالية — ولألبد إذا فعلت ما‬

‫»أحاول فعله — عليكما بالتوقف عن ممارسة التشويش‪ .‬هل تعدانني بذلك؟‬

‫وعداني بكل إجالل‪ ،‬وسمحت لهما بأن يدالني على المكان الذي سأنام فيه قلياًل ‪ ،‬لكنني جعلتهما يقسمان بأن يوقظ=اني م=رة ك==ل‬

‫‪.‬ساعة؛ فقد كان عليَّ الضغط على أزرار هاتف ماشا‪ ،‬والتحقق من رد زيب عليَّ‬
‫•••‬

‫كان موعدنا في إحدى عربات قطارات بارت؛ ما أصابني بالعصبية؛ فتلك القطارات مليئة بالكاميرات‪ ،‬لكن زيب ك==ان يعلم م==ا‬

‫يفعله‪ .‬جعلني أقابله في العربة األخيرة لقطار خرج من محطة شارع باول في وقت اكتظت فيه العربة بالرك==اب‪ .‬س==ار بج==انبي‬

‫‪.‬وسط الحشد‪ ،‬وأفسح له الركاب مكا ًنا مثلما تفعل دومًا مع المشردين‬
‫ً‬
‫ثانية‪ ».‬عندما نظرت في زجاج الباب داكن اللون‪ ،‬رأيت أنه ما من أحد ق==ريب‬ ‫غمغم وهو يواجه باب العربة‪« :‬يسعدني لقاؤك‬

‫منا بما فيه الكفاية ليسترق السمع — ليس بدون أجهزة ميكروفون عالية الكفاءة‪ .‬وإذا كانوا بالمعرفة الكافية لي==دخلوا هن==ا بمث==ل‬

‫‪.‬هذه األجهزة‪ ،‬فنحن في عداد الموتى على أية حال‬


‫»فأجبته‪« :‬وأنا أي ً‬
‫ضا يا صديقي‪ .‬أنا … أنا آسف‪ ،‬أنت تعلم؟‬

‫»اخرس‪ ،‬وال تتأسف‪ .‬لقد كنت أشجع مني‪ .‬هل أنت مستعد لالختفاء اآلن؟«‬

‫»… فيما يتعلق بهذا الشأن«‬

‫»ماذا؟«‬

‫»‪.‬ليس هذا ما أخطط له«‬

‫»ح ًّقا؟«‬

‫فلتستمع إليَّ ! معي صورة ومقطع فيديو‪ ،‬أش==ياء تثبت ش==ي ًئا م==ا ح ًّق==ا‪ ».‬أدخلت ي==دي في جي==بي‪ ،‬وض==غطت على أزرار ه==اتف«‬

‫ماشا‪ .‬كنت قد اشتريت شاح ًنا له من ميدان يونيون في طريقي إلى المحطة‪ ،‬وتوقفت بأحد المق=اهي‪ ،‬ووض=عته في الكهرب=اء م==ا‬
‫ً‬
‫تنشيط ا شبه كامل‪« .‬أحتاج إلى توصيل هذه األشياء إلى باربارا ستراتفورد‪ ،‬تلك الس==يدة ال==تي‬ ‫يكفي من الوقت لتنشيط البطارية‬

‫»‪.‬تعمل في صحيفة «باي جارديان»‪ .‬لكنهم يراقبونها بالتأكيد ليروا ما إذا كنت سأذهب إليها أم ال‬
‫أال تعتقد أنهم سيكونون في انتظاري أنا أي ً‬
‫ضا؟ إذا كنت تخطط ألن أق==ترب من م==نزل تل==ك الس==يدة أو مكتبه==ا مس==افة تق==ل عن«‬

‫»… الميل‬

‫»… أريدك أن تقنع فان بالمجيء لمقابلتي‪ .‬هل أخبرك داريل من قبل عن فان؟ الفتاة«‬

‫ضا‪ ،‬مثلكم جمي ًعا ممن قُ ِبض عليهم؟«‬


‫»نعم‪ ،‬لقد أخبرني‪ .‬أال تظن أنها تحت المراقبة أي ً‬

‫أعتقد أنهم يراقبونها‪ ،‬لكن ليس بالقدر نفسه‪ .‬هذا فضاًل عن أن ف==ان ليس==ت مدان==ة ب==أي ش==يء؛ فهي لم تش==ارك ق==ط في أيٍّ من«‬

‫…» بلعت ريقي وواص=لت الح==ديث‪ …« :‬مش=روعاتي؛ ومن ثم‪ ،‬فق==د ال يهتم==ون ألمره=ا كث=يرً ا‪ .‬وإذا طلبت إج=راء لق=اء م=ع‬

‫»‪.‬صحيفة «باي جارديان» لتوضح لهم كيف أنني مليء بالتفاهات‪ ،‬فسيسمحون لها بذلك‬

‫‪.‬حدق في الباب فترة طويلة من الوقت‬

‫ثانية؟» لم يكن ذلك سؤااًل «‬


‫ً‬ ‫‪.‬أتعلم ما سيحدث عند القبض علينا‬

‫‪.‬أومأت برأسي‬

‫هل أنت متأكد؟ بعض ممن كانوا على جزيرة «تريجر آيالند» معنا تم ت==رحيلهم على متن مروحي==ات إلى خ==ارج البالد‪ =.‬ثم==ة«‬

‫دول يمكن ألمريكا تصدير معتقليها إليها ليتذوقوا العذاب ألوا ًنا‪ ،‬دول يمكن أن تمضي فيها م==ا تبقى ل==ك من عم==ر‪ ،‬حيث تتم==نى‬

‫»‪.‬أن ينهوا حياتك بسرعة‪ ،‬بأن يأمروك بحفر خندق‪ ،‬ثم يطلقون الرصاص عليك في رأسك من الخلف وأنت تقف عليه‬

‫‪.‬بلعت ريقي وأومأت برأسي‬


‫»‪.‬هل يستحق األمر المخاطرة؟ يمكننا االختفاء لفترة طويلة للغاية هنا‪ .‬ويومًا ما قد نستعيد= بالدنا‪ .‬يمكننا انتظار تلك اللحظة«‬
‫هززت رأسي معتر ً‬
‫ض ا‪ ،‬وقلت له‪« :‬ال يمكنك إنجاز شيء بدون فعل أي شيء‪ .‬هذه بالدنا‪ ،‬وقد سلبونا إياها‪ .‬اإلرهابيون ال==ذين‬

‫هاجمونا ال يزالون أحرارً ا … على عكسنا‪ .‬ال يمكنني االختف==اء لع==ام أو عش==رة أع==وام أو حي==اتي بأكمله==ا منتظ==رً ا أن ُتق=دَّم لي‬

‫»‪.‬الحرية على طبق من فضة‪ .‬الحرية شيء عليك أن تغتنمه بيديك‬

‫•••‬

‫بعد ظهيرة ذلك اليوم‪ ،‬غادرت فان المدرسة كعادتها‪ ،‬وجلست في المقعد األخ=ير بالحافل==ة م=ع مجموع=ة من ص=ديقاتها تض=حك‬

‫وتمزح كعادتها دومًا‪ .‬الحظها الركاب اآلخرون في الحافلة؛ إذ ك==ان ص==وتها عاليً=ا ج= ًّدا‪ ،‬وك==انت ترت==دي تل==ك القبع==ة الض=خمة‬

‫الخرقاء خاصتها‪ ،‬والتي بدت وكأنها إحدى قطع مالبس مسرحية مدرسية عن محاربي عص==ر النهض==ة ح==املي الس==يوف‪ .‬وفي‬

‫لحظ==ة تجمَّعن م ًع= ا والتص==قن ببعض==هن البعض‪ ،‬ثم اس==تدرن لينظ==رن من الناف==ذة الخلفي==ة للحافل==ة‪ ،‬وأخ==ذن يش==رن بأص==ابعهن‬

‫‪.‬ويقهقهن‪ .‬والفتاة التي صارت ترتدي قبعة فان اآلن كانت في نفس طولها تقريبًا‪ ،‬ومشابهة لها من ظهرها‬

‫لم ُيعِر أحد اهتمامًا لفتاة آسيوية هادئة تنزل من الحافل=ة قب=ل محط=ة ب=ارت ببض=ع محط=ات‪ .‬ك=انت ترت=دي ز ًّي=ا مدرس= ًّيا ق=ديمًا‬
‫ً‬
‫بسيطا‪ ،‬وتنظر ألسفل في خجل وهي تنزل من الحافلة‪ .‬هذا فضاًل عن أنه في تلك اللحظة‪ ،‬شهقت الفت=اة الكوري=ة ذات الص=وت‬

‫عال لدرج==ة جعلت س==ائق الحافل==ة نفس==ه يبطئ من س==رعته‪ ،‬ويس==تدير في‬
‫المرتفع‪ ،‬وتبعتها صديقاتها‪ ،‬وأخذن يضحكن بصوت ٍ‬
‫‪.‬مقعده ليرمقهن بنظرة احتقار‬

‫سارت فان سري ًع ا خافضة رأسها‪ ،‬وشعرها مربوط من الخلف‪ ،‬وأنزلت ياقة سترتها قديمة الطراز‪ .‬كان كعب حذائها عاليًا؛ م==ا‬

‫جعلها أطول ببوص=تين على نح=و غ=ريب‪ .‬خلعت العدس=ات الالص=قة‪ ،‬وارت=دت نظارته=ا ذات العدس=ات الض=خمة ال=تي لم تكن‬

‫تفضلها‪ ،‬والتي غطت نصف وجهه==ا‪ .‬رغم أن==ني كنت أنتظره==ا في محط==ة الح==افالت‪ ،‬وأتوق==ع رؤيته==ا‪ ،‬بالك==اد تع==رفت عليه==ا‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪.‬نهضت‪ ،‬وسرت خلفها لنعبر الشارع ونتجاوز مسافة نصف مربع سكني‬

‫من كانوا يمرون بجانبي تحاشوا النظر إليَّ بأسرع ما يمكن؛ فقد بدوت كشاب متشرد يحمل الفتة كرتونية قذرة ويرتدي معط ًفا‬
‫ًّ‬
‫مكسو ا بسخام الشوارع‪ ،‬ويحمل حقيبة ظهر ضخمة مليئة باألغراض وشريط الصق يرأب ش==قوقها‪ .‬ال أح==د ي==رغب في النظ==ر‬

‫لفتى مشرد؛ ألنه إذا لقيت عيناه عينيك‪ ،‬فقد يطلب منك بعض الفك==ة‪ .‬س==رت في أرج==اء أوكالن==د طيل==ة ظه==يرة ذل==ك الي==وم‪ ،‬ولم‬

‫يتحدث معي أحد سوى أحد شهود يهوه وأحد أتباع حركة العِلمولوجيا‪ ،‬وكالهما كان يحاول إقن=اعي بتغي==ير م=ذهبي‪ .‬ك=ان ش=ي ًئا‬

‫‪.‬مثيرً ا لالشمئزاز مثل أن يتحرش بك شخص منحرف جنس ًّيا‬

‫اتبعت فان اإلرشادات التي كتبتها لها بعناية‪ .‬أعطاه==ا له==ا زيب بالطريق==ة نفس==ها ال==تي أعط==اني به==ا الرس==الة خ==ارج المدرس==ة؛‬

‫فاصطدم بها أثناء انتظارها للحافلة‪ ،‬واعتذر لها كثيرً ا‪ .‬كتبت الرس=الة بوض==وح وبس=اطة‪« :‬أعلم أن==ك لن ت==وافقي‪ ،‬وأتفهم ذل==ك‪.‬‬

‫»‪.‬لكن هذه أهم خدمة سأطلبها منك على اإلطالق‪ .‬أرجوك‪ ،‬أرجوك‬
‫وجاءت‪ .‬كنت أعلم أنها ستفعل؛ فنحن يجمعن==ا ت==اريخ طوي=ل‪ ،‬ولم يكن ي=روق له=ا ً‬
‫أيض=ا م==ا ح==دث للع=الم‪ .‬باإلض=افة إلى ذل==ك‪،‬‬

‫‪.‬أخبرني صوت شرير في رأسي بأنها صارت محل شبهات اآلن بعد نشر مقال باربارا‬

‫ظللنا سائرين على هذا النحو حتى تجاوزنا ستة أو سبعة مربعات سكنية‪ ،‬مع االنتباه لألش==خاص والس==يارات ال==تي ك==انت تس==ير‬

‫بجوارنا‪ .‬أخبرني زيب عن أسلوب في التعقب يتناوب فيه خمسة أفراد مختلفين تعقبك؛ ما يجع==ل تع==يينهم أم==رً ا ش==به مس==تحيل؛‬

‫‪.‬ومن ثم‪ ،‬ينبغي الذهاب إلى مكان مهجور تمامًا بحيث يتضح فيه أي شخص وضوحً ا تامًا‬

‫كان الممر الفوقي للطريق السريع ‪ ٨٨٠‬على بعد بضعة مربعات سكنية فقط من محط==ة كوليس==يم التابع==ة لش==بكة ب==ارت‪ .‬ورغم‬

‫كثرة اللف والدوران الذي كانت تفعله فان‪ ،‬فلم يستغرق األمر طوياًل لنص==ل إلي==ه‪ .‬ك==انت الضوض==اء من أعلى تص==م اآلذان‪ .‬لم‬

‫يكن هناك أحد آخر في الجوار على حد علمي‪ .‬كنت قد حض=رت إلى ذل==ك المك==ان قب==ل أن أقترح==ه على ف==ان في الرس=الة‪ ،‬م==ع‬

‫‪.‬االهتمام بالتحقق من األماكن التي يمكن ألحد االختفاء فيها‪ .‬لم يكن هناك أي أماكن من هذا القبيل‬

‫‪.‬ما إن توقفت عند المكان المتفق عليه حتى تحركت سري ًعا للحاق بها‪ .‬نظرت إليَّ والذعر يمأل عينيها من وراء نظارتها‬

‫أيض=ا‪ .‬كنت أش==به باله=اربين َش=عِثي الهيئ==ة ح ًّق=ا‪ ،‬األم=ر‬


‫شهقت باسمي واغرورقت عيناها بالدموع‪ =.‬اكتشفت أنني كنت أبكي أنا ً‬

‫‪.‬المثير للغاية للمشاعر‬

‫‪.‬عانقتني بقوة لدرجة جعلتني ال أقوى على التنفس‪ ،‬وعانقتها على نحو أقوى‬

‫‪.‬ثم قبلتني‬

‫… ليس على وجنتي وليس كأختي‪ ،‬وإنما على شفتيَّ ‪ .‬قبلة ساخنة ملتهبة بدت وكأنها ستستمر لألبد‪ =.‬غمرتني العاطفة تمامًا‬

‫‪.‬كال‪ ،‬هذا كذب‪ .‬فقد كنت أعرف بالضبط ما كنت أفعله؛ لقد قبَّلتها بدوري‬
‫»!توقفت بعد= ذلك‪ ،‬وتراجعت دافعً ا إياها تقريبًا بعي ًدا= عني‪ .‬نطقت ً‬
‫الهثا‪« :‬فان‬

‫»!فقالت‪« :‬آسفة‬
‫ً‬
‫ثانية‪« :‬فان‬ ‫»!كرَّ رت‬

‫»… فقالت‪« :‬آسفة! أنا‬

‫‪.‬ثمة شيء حدث لي حينها‪ ،‬شيء أظن أنه كان ينبغي لي أن أراه منذ زمن طويل ج ًّدا‬

‫ت معجبة بي‪ ،‬أليس كذلك؟«‬


‫»أن ِ‬
‫»‪.‬أومأت برأسها في خزي‪ ،‬وقالت‪« :‬منذ سنوات‬

‫يا إلهي! داريل كان مغر ًم ا بها طوال هذه السنين‪ ،‬بينما كانت هي واقعة في حبي وتريدني أنا طوال ه==ذا ال==وقت‪ .‬وفي النهاي==ة‪،‬‬
‫ُ‬
‫‪.‬ارتبطت بآنج‪ .‬قالت آنج إنها كانت على خالف دائم مع فان‪ .‬وأنا أركض هنا وهناك موق ًعا نفسي في المشكالت‬

‫»‪.‬آسف للغاية يا فان«‬


‫فقالت وهي تشيح بنظرها ً‬
‫بعيد ا‪« :‬فلتنس األمر‪ .‬أعرف أنه ما من أمل‪ .‬أردت فقط أن أفعل ذلك لمرة واحدة‪ ،‬وذلك في حالة أال‬
‫ْ‬
‫قطعت حديثها‬ ‫‪ »….‬ثم‬

‫فان‪ ،‬أريدك أن تفعلي شي ًئا من أجلي‪ ،‬شي ًئا مه ًّما‪ .‬أريدك أن تقابلي باربارا س==تراتفورد‪ ،‬الص==حفية في «ب==اي جاردي==ان» ال==تي«‬

‫‪.‬كتبت المقال‪ .‬أريدك أن تعطيها شي ًئ ا ما‪ ».‬وشرحت لها ما يتعلق بهاتف ماشا‪ ،‬وأخبرتها بشأن الفيديو الذي أرسلته لي‬

‫»وما نفع ذلك يا ماركوس؟ ما الفائدة؟«‬

‫كنت ُم ِح َّقة يا فان‪ ،‬جزئ ًّي ا على األقل‪ .‬ال يمكننا إصالح العالم من خالل تعريض اآلخرين للخطر‪ .‬أريد حل المشكلة باإلفصاح«‬

‫عما أعرفه‪ .‬كان ينبغي لي فعل ذلك من البداية‪ =،‬كان ينبغي أن أتوجه مباشرة من الحجز إلى منزل والد داريل ألخبره بما أعلم‪.‬‬

‫لكنني اآلن معي أدلة‪ .‬وهذه األدلة من شأنها تغيير العالم‪ .‬هذا أملي األخير‪ ،‬األمل الوحي=د في أن أح=رر داري==ل‪ ،‬وأنعم بحي==اة ال‬

‫ت الشخص الوحيد الذي يمكنني الوثوق به لفعل ذلك‬


‫»‪.‬أقضيها متخفيًا هاربًا من الشرطة‪ .‬وأن ِ‬
‫»لماذا أنا؟«‬

‫ت محترف==ة‪ ،‬واألفض==ل من==ا جميعً= ا في ه==ذا الش==أن‪ .‬أن ِ‬


‫ت«‬ ‫تمزحين‪ ،‬أليس كذلك؟ انظري كيف تمكنت من الوص==ول إلى هن==ا‪ .‬أن ِ‬
‫ت‬
‫»‪.‬الشخص الوحيد الذي يمكنني الوثوق به؛ لهذا اخترتك أن ِ‬
‫‪.‬لماذا لم تعهد بذلك لصديقتك آنج؟» نطقت اسمها دون أي تغيير في نبرة صوتها على اإلطالق‪ ،‬وكأنها قالب طوب«‬

‫نظرت ألسفل‪ ،‬وقلت لها‪« :‬ظننت أنكِ تعلمين‪ .‬لقد ألقي القبض عليها‪ ،‬وهي اآلن في جوانتانامو على جزيرة «تريجر آيالن==د»‪.‬‬

‫لقد مر على وجودها هناك أيام إلى اآلن‪ ».‬حاولت أال أفكر في ذلك‪ ،‬وما قد يكون يحدث لها‪ .‬لكنني لم أستطع التماسك في تل==ك‬

‫اللحظة‪ ،‬وبدأت أبكي بحرقة‪ .‬شعرت ب==ألم في بط==ني كم==ا ل==و كنت ق==د تعرض==ت للرك==ل‪ .‬أمس==كت بخص==ري ألح==اول التماس==ك‪.‬‬

‫انحنيت هناك‪ ،‬ووجدت نفسي بعد ذلك ملقى على جانبي على الحجارة المتكسرة تحت الطري=ق الس=ريع‪ ،‬مح=اواًل التماس=ك وأن=ا‬

‫‪.‬أبكي‬

‫‪.‬ركعت فان بجانبي‪ ،‬وقالت بصوت غاضب‪« :‬أعطني الهاتف!» أخرجته من جيبي‪ ،‬وأعطيته لها‬

‫شعرت بالخجل‪ ،‬توقفت عن البكاء واعتدلت في جلستي‪ .‬أعرف أن المخاط كان ي=نزل على وجهي‪ .‬نظ=رت إليَّ ف=ان باش=مئزاز‬

‫واضح‪ .‬قلت لها‪« :‬يجب أن تمنعيه من الدخول في وضع الخمول‪ .‬معي شاحن هنا‪ ».‬بحثت في حقيبتي‪ .‬لم أنم طوال الليل من==ذ‬

‫حصلت عليه‪ .‬ضبطت المنبه لي==دق ك==ل ‪ ٩٠‬دقيق==ة‪ ،‬ويوقظ==ني ألتمكن من إيقاف==ه من ال==دخول في وض==ع الخم==ول‪« .‬وال تغلقي==ه‬

‫»‪.‬أيضًا‬

‫»ومقطع الفيديو؟«‬

‫قلت لها‪« :‬هذا أصعب‪ .‬لقد أرس=لت نس=خة من==ه لنفس=ي بالبري==د اإللك=تروني‪ ،‬لكن لم يمكن=ني= ال=دخول على ش=بكة إكس نت بع==د‬
‫ذلك‪ ».‬إذا كانت هناك ضرورة ملحة‪ ،‬كان بإمكاني العودة إلى نيت ولي==ام‪ ،‬واس==تخدام جه==از إكس ب==وكس الخ==اص بهم==ا ثاني= ً‬
‫=ة‪،‬‬

‫لكنني لم أرد المجازفة بفعل ذلك‪ .‬واصلت حديثي معها قائاًل ‪« :‬سأخبركِ باسم المستخدم وكلمة المرور لحسابي على خادم بريد‬
‫حزب القراصنة‪ .‬سيكون عليكِ استخدام أحد موجهات االتصال المجهول (تور) لل=دخول علي==ه … تعم=ل وزارة األمن الوط==ني‬

‫»‪.‬على التحقق ممن يسجلون الدخول على بريد حزب القراصنة‬

‫»!قالت وقد بدت عليها الدهشة بعض الشيء‪« :‬اسم المستخدم وكلمة المرور‬

‫»‪.‬أنا أثق بكِ يا فان‪ .‬أعلم أنه بإمكاني الوثوق بكِ «‬


‫َّ‬
‫»‪.‬هزت رأسها‪ ،‬وقالت‪« :‬أنت ال تفصح عن كلمات مرورك ً‬
‫أبدا يا ماركوس‬

‫ال أعتقد أن ذلك يهم بعد اآلن‪ .‬إذا لم تنجحي في مهمتك‪ ،‬فستكون تلك نه==ايتي … نهاي==ة م==اركوس ي==الو‪ .‬لعلي سأحص==ل على«‬

‫»‪.‬هوية جديدة‪ ،‬لكنني ال أظن ذلك‪ .‬أظن أنهم سيمسكون بي‪ .‬أعتقد أنني عرفت دومًا أنهم سيقبضون عليَّ يومًا ما‬

‫»نظرت إليَّ بغضب اآلن‪« :‬يا لها من خسارة! وما الهدف من ذلك كله على أية حال؟‬

‫جرحتني تلك العبارة أكثر من أي شيء آخر كان من الممكن أن تقوله‪ .‬كانت أشبه بركلة أخرى في البطن‪ .‬األمر كله غ==ير ذي‬
‫ً‬
‫ثانية‪ ،‬وال يزال األمن الوطني يخض==ع م==دينتي وبالدي لجن==ون‬ ‫جدوى وال طائل منه‪ .‬داريل وآنج مفقودان‪ ،‬وقد ال أرى أسرتي‬

‫‪.‬ال حدود له يمكن في خضمه فعل أي شيء تحت اسم إيقاف اإلرهاب‬
‫ْ‬
‫فرحلت وتركتني هناك‬ ‫‪.‬بدت فان وكأنها تنتظر مني قول شيء ما‪ ،‬لكنني لم يكن لدي ما أقوله‪.‬‬

‫•••‬

‫وجدت زيب قد أحضر البيتزا لي عندما عدت إلى «المنزل»‪ .‬كان الم==نزل عب==ارة عن خيم==ة نص==بها زيب لقض==اء الليل==ة تحت‬

‫ممر فوقي لطريق سريع في حي ميشن‪ .‬كان لديه خيمة صغيرة من مخلف=ات الجيش‪ ،‬مطبوع=ة عليه=ا عب==ارة «مجلس التنس=يق‬

‫‪».‬المحلي لمساعدة المشردين بسان فرانسيسكو‬

‫»كانت البيتزا من مطعم «دومينوز»‪ ،‬باردة ومتخثرة‪ ،‬لكنها لذيذة رغم كل ذلك‪« .‬هل تحب األناناس على البيتزا؟‬

‫»‪.‬ابتسم زيب بلطف في وجهي‪ ،‬وقال‪« :‬ليس أمام من يحصلون على الطعام المجاني خيار‬

‫»طعام مجاني؟«‬
‫ً‬
‫ثانية وقال‪« :‬نعم‪ ،‬طعام مجاني … من متجر الطعام المجاني‬ ‫»‪.‬ابتسم‬

‫»هل سرقت هذه؟«‬

‫ال يا أحمق‪ .‬إنها من المتجر اآلخر‪ .‬أال تعرف ذلك الصغير الموجود بالخلف‪ ،‬ومصنوع من الصلب األزرق؟ ذلك الذي تفوح«‬

‫»منه رائحة كريهة؟‬

‫»هل أحضرتها من القمامة؟«‬

‫دفع رأسه للخلف وقهقه‪ ،‬ثم قال‪« :‬نعم‪ ،‬بالطبع‪ .‬كان عليك أن ترى وجهك‪ .‬ال بأس يا صديقي‪ .‬إنها ليس==ت متعفن==ة أو أي ش==يء‬

‫من هذا القبيل‪ .‬لقد كانت طازجة … مجرد طلب خاطئ‪ ،‬ورُمي في صندوق القمامة‪ .‬إنهم يرشون سم فئران فوق كل شيء في‬

‫وقت اإلغالق‪ ،‬لكنك إذا أسرعت في الوصول إلى هناك‪ ،‬فستكون بأمان‪ .‬عليك أن ترى ما يتخلص من==ه مت==اجر البقال==ة! انتظ==ر‬
‫حتى موعد الفطور‪ .‬سأعد لك سلطة فواك==ه لن تص==دقها! فم==ا إن تص=اب إح==دى ثم==رات الفراول==ة في الص==ندوق ب==العطب ح==تى‬

‫»… يتخلصوا من الصندوق بالكامل‬

‫تجاهلت حديثه‪ .‬كانت البيتزا جيدة‪ ،‬فوجودها في صندوق القمامة ما كان ليلوثها أو أي شيء من هذا القبي==ل‪ .‬إذا ك==ان هن==اك م==ا‬

‫يثير االشمئزاز فيها‪ ،‬فهو أنها من مطعم دومينوز … أسوأ مطعم بيتزا في المدينة‪ .‬لم أحب طعامه قط من قبل‪ ،‬وقاطعته تما ًم==ا‬

‫‪.‬عندما علمت أنه يمول مجموعة من الساسة المخابيل الذين يظنون أن االحتباس الحراري والتطور مخططان شيطانيان‬

‫‪.‬رغم ذلك‪ ،‬كان من الصعب التخلص من شعور االشمئزاز‬

‫لكن كان ثمة سبيل آخر للنظر إليه‪ .‬كش==ف لي زيب س= ًّرا … ش==ي ًئا لم أتوقع==ه؛ وه==و أن هن==اك عال ًم==ا ك==اماًل خف ًّي==ا في الخ==ارج‪،‬‬

‫‪.‬أسلوب حياة دون المشاركة في النظام‬

‫»طعام مجاني من القمامة‪ ،‬ها؟«‬


‫فقال وهو يومئ برأسه بقوة‪« :‬وزب=ادي ً‬
‫أيض=ا … لس=لطة الفواك=ه‪ .‬إنهم يلق==ون ب==ه في القمام==ة في الي=وم الت==الي النته==اء ت==اريخ‬

‫»‪.‬صالحيته‪ ،‬لكنه ما كان ليتحول للون العفن األخضر بحلول منتصف الليل‪ .‬أعني أنه زبادي؛ أي لبن متعفن في المقام األول‬

‫‪.‬بلعت ما بفمي‪ .‬كان طعم البيتزا غريبًا‪ .‬سم فئران‪ .‬زبادي تالف‪ .‬فراولة عطبة‪ .‬سيستغرق ذلك وق ًتا إلى أن أعتاد عليه‬

‫‪.‬تناولت قضمة أخرى‪ .‬في الواقع‪ ،‬تكون بيتزا دومينوز أقل بشاعة عند الحصول عليها مجا ًنا‬

‫كانت حقيبة النوم الخاصة بليام وثيرة دافئة بعد يوم طويل مرهق انفع==اليٍّ ‪ .‬ال ب==د أن ف==ان ق==د اتص==لت ببارب==ارا اآلن‪ ،‬وص==ارت‬

‫الصورة ومقطع الفيديو بحوزة باربارا‪ .‬سوف أتصل بها في الصباح‪ ،‬وأعرف منها ما يجب عليَّ فعله بع==د ذل==ك‪ .‬س==يكون عليَّ‬
‫‪.‬المشاركة بعد أن تنشر الخبر لكي أدعم كل ما فيه‬

‫فكرت في ذلك وأنا أغلق عينيَّ ‪ .‬فكرت ما سيكون عليه الحال عندما أسلم نفسي‪ ،‬والكاميرات تتابع مايكي سيئ الس==معة في ك==ل‬

‫‪.‬مكان حتى يصل إلى أحد تلك المباني الكبيرة ذات األعمدة في مركز المدينة‬

‫وبغيابي عن الوعي‪ ،‬تحول صوت السيارات على المم==ر الف==وقي إلى م==ا يش==به ص==وت المحي==ط‪ .‬ك==انت هن==اك خي==ام أخ==رى في‬

‫الجوار بها أفراد مشردون‪ .‬قابلت بعضهم بعد ظهيرة ذلك اليوم قبل حلول الظالم‪ ،‬وتراجعنا جمي ًعا لنربض بالقرب من خيامنا‪.‬‬

‫=اس‪ .‬لكن لم يب= ُد أيٌّ منهم مجنو ًن==ا أو عني ًف==ا‪ ،‬ب==ل مج==رد أش==خاص تعس==ر حظهم أو‬ ‫ً‬
‫كانوا جمي ًعا أكبر مني س ّنا‪ ،‬ومظهرهم ف==ظ ق= ٍ‬
‫‪.‬اتخذوا قرارات خاطئة أو كال األمرين‬

‫استغرقت في النوم؛ إذ ال أتذكر أي شيء آخر حتى انعكس ضوء براق على وجهي‪ .‬كان برا ًقا لدرجة أعمتني‬
‫ُ‬ ‫‪.‬ال بد أنني‬

‫»‪.‬نطق صوت من خلف الضوء قائاًل ‪« :‬هذا هو‬

‫فرد صوت آخر‪« :‬ضعوا الكيس على وجهه‪ ».‬كان صو ًتا سمعته من قبل‪ ،‬سمعته مرارً ا وتكرارً ا في أحالمي يوبخ==ني ويطلب‬

‫‪.‬مني كلمات المرور الخاصة بي‪ .‬لقد كانت السيدة ذات الشعر القصير‬
‫غطى الكيس وجهي سري ًعا‪ ،‬وأُح ِك م ربطه عند عنقي ما جعلني أشعر باالختناق وأتقيأ ما تناولته من بيتزا مجانية‪ .‬ومع إصابتي‬
‫ض=عت على نقال==ة‪ ،‬و ُرفِعت‪ ،‬ثم ُحمِلت إلى داخ==ل س==يارة ص= ً‬
‫=عودا‬ ‫بالتشنج واالختناق‪ ،‬ربطت أيا ٍد عتية معص==ميَّ ‪ ،‬ثم ك==احليَّ ‪ .‬وُ ِ‬
‫على بعض الدرجات المعدنية التي تصدر رني ًنا عند الصعود عليها‪ .‬ألقوني على أرضية مبطنة‪ .‬لم يكن هن==اك أي ص==وت على‬

‫‪.‬اإلطالق في مؤخرة الشاحنة عند إغالقهم لألبواب؛ فالتبطين بالعربة غطى على كل األصوات فيما عدا صوت اختناقي‬

‫ثانية‪ ».‬شعرت بتماي==ل العرب==ة عن==د دخوله==ا إليَّ ‪ .‬كنت ال أزال أختن==ق‪ ،‬مح==اواًل التق==اط أي نفس‪ .‬مأل‬
‫ً‬ ‫قالت‪« :‬حس ًنا‪ ،‬مرحبًا بك‬

‫‪.‬القيء فمي وسال في قصبتي الهوائية‬


‫ً‬
‫ثانية؛ لذلك ال تقلق‬ ‫ً‬
‫قائلة‪« :‬لن ندعك تموت‪ .‬إذا توقفت عن التنفس‪ ،‬فسنحرص على أن تعاوده‬ ‫»!تابعت حديثها‬

‫شعرت بتزايد االختناق‪ .‬ح==اولت استنش==اق أي ه==واء‪ ،‬وبعض==ه ك==ان ي==دخل بالفع==ل إليَّ ‪ .‬الس==عال العمي==ق والمهل==ك ر َّج ص==دري‬
‫ً‬
‫مزيدا من األنفاس‬ ‫‪.‬وظهري‪ ،‬وطردت المزيد من القيء‪ .‬التقطت‬

‫»‪.‬قالت‪« :‬أرأيت؟ ليس األمر شديد السوء‪ .‬مرحبًا بك ثانية‪ ،‬مايكي‪ .‬لدينا مكان مميز للغاية سننقلك إليه‬

‫استلقيت على ظهري‪ ،‬وشعرت باهتزاز الشاحنة‪ .‬كانت رائح==ة قيء البي==تزا ناف==ذة في البداي==ة‪ =،‬لكن م==ع جمي==ع المنبه==ات القوي==ة‬

‫األخرى‪ ،‬اعتاد عليها مخي تدريج ًّي ا‪ ،‬وأخذ يخرجها من نطاق أنفي إلى أن صارت رائحة ضعيفة فقط‪ .‬واه==تزاز الش==احنة يك==اد‬

‫‪.‬يبعث على الراحة‬

‫حينذاك‪ ،‬طغت عليَّ حال==ة من اله==دوء العمي==ق الم==ذهل كم==ا ل=و كنت أتم==دد على الش=اطئ‪ ،‬ومي=اه المحي=ط وص=لت إليَّ وأخ==ذت‬

‫تهدهدني برقة كأب يهدهد ابنه‪ ،‬وحملتني عاليًا لتجرني إلى البحر الدافئ تحت أشعة الشمس الدافئ==ة‪ .‬بع==د ك==ل م==ا ح==دث‪ ،‬قُ ِبض‬

‫عليَّ ‪ ،‬لكن ذلك ال يهم‪ .‬لقد أوصلت المعلومات إلى بارب==ارا‪ ،‬وأسس==ت ش==بكة إكس نت‪ .‬لق==د ربحت‪ .‬وإذا لم أكن ق==د ربحت‪ ،‬فق==د‬

‫فعلت كل ما بوسعي‪ ،‬بل أكثر مما تخيلت يو ًما أنه بوسعي فعله‪ .‬أخذت أسترجع كل ما حدث أثناء تحرك الس==يارة‪ ،‬مت==ذكرً ا ك==ل‬

‫ما حققته‪ ،‬بل حققناه‪ .‬المدينة والدولة والعالم كله مليء بأن==اس ال يقبل==ون بالحي==اة ال==تي تري==دنا وزارة األمن الوط==ني أن نحياه=ا‪.‬‬

‫‪.‬سنظل نناضل إلى األبد‪ ،‬ولن يمكنهم حبسنا جميعً ا‬

‫‪.‬تنهدت وابتسمت‬

‫ما أدركته بعد ذلك أنها كانت تتحدث طوال تلك الفترة‪ .‬كنت غائبًا تمامًا في خيالي السعيد حتى إن ص==ورتها تالش==ت تما ًم==ا من‬

‫‪.‬أمامي‬

‫فتى ذكي مثلك‪ ،‬من المفترض أن تعلم أنه من األفضل لك أال تعبث معنا‪ .‬نحن نراقبك منذ أطلقنا سراحك‪ .‬وكنا س==نقبض …«‬

‫عليك حتى وإن لم تذهب لتبكي لتلك الصحفية السحاقية الخائنة‪ .‬إنني ال أفهم فحسب ما حدث … لقد كان بيننا اتف==اق‪ ،‬أن==ا وأنت‬

‫»…‬

‫مرَّ ت الشاحنة على لوح معدني‪ ،‬واهتزت‪ ،‬ثم تغير االهتزاز‪ .‬صرنا فوق الماء‪ ،‬نتوجه إلى جزيرة «تريج==ر آيالن==د»‪ =.‬ي==ا إلهي!‬

‫‪.‬آنج هناك‪ ،‬وكذلك داريل … ربما‬


‫•••‬

‫لم ينزعوا الكيس عن رأسي إلى أن وصلت إلى الزنزانة‪ .‬ولم يهتموا بفك األصفاد عن معصميَّ وكاحليَّ ‪ ،‬فما ك==ان منهم إال أن‬

‫ألقوني من النقالة على األرض‪ .‬كان المكان مظلمًا‪ ،‬لكنني تمكنت من أن أرى في ضوء القمر — ال==ذي ي==دخل إلى الغرف==ة من‬

‫=و الزنزان==ة إال على مرح==اض وهيك==ل س==رير‬ ‫نافذة واح==دة عالي==ة ص==غيرة — أن المرتب==ة ق==د ُن= ِ‬
‫=زعت من على الس==رير‪ .‬لم تحت= ِ‬
‫‪.‬وحوض وأنا فقط‬
‫ً‬
‫مجددا‪ .‬كنت أع==رف‬ ‫أغلقت عينيَّ ‪ ،‬وتركت خيالي يأخذني بعي ًدا‪ =.‬كان بوسعي توقع ما سيحدث بعد ذلك؛ التبول في مالبسي …‬

‫‪.‬ما يكون عليه األمر؛ فقد حدث لي من قبل‪ .‬فاحت مني رائحة كريهة‪ ،‬وشعرت بحكة وخزي‪ ،‬مثل األطفال الصغار‬

‫‪.‬لكنني تعايشت من قبل مع كل ذلك‬

‫ضحكت … بدا الصوت غريبًا‪ ،‬فأعادني إلى واقعي من جديد‪ .‬أخذت أضحك وأضحك‪ .‬لقد وص==لت إلى أس==وأ م==ا يمكنهم فعل==ه‬

‫‪.‬بي‪ ،‬ونجوت منه‪ ،‬بل وتغلبت عليهم لشهور عدة وجعلتهم يظهرون بمظهر الحمقى والمستبدين‪ .‬لقد انتصرت‬

‫‪.‬أطلقت العنان لمثانتي؛ فقد كانت موجعة وممتلئة على أية حال‪ ،‬وما من وقت أفضل من اآلن‬
‫ً‬
‫ثانية‬ ‫‪.‬أخذني خيالي ً‬
‫بعيدا‬

‫•••‬

‫وفي الصباح‪ ،‬فك حارسان يتسمان بالكفاءة والتجرد من المشاعر األصفاد عن معصميَّ وكاحليَّ ‪ .‬ظللت غير ق==ادر على الس==ير‬

‫… عندما وقفت‪ ،‬كنت أشبه بالدمية المتحركة بال خيوط‪ .‬فقد جلست في وضعية واح=دة لف=ترة طويل=ة للغاي=ة‪ .‬ج=ذب الحارس=ان‬

‫ذراعيَّ ليضعاهما على كتفيهما‪ ،‬وسحباني كما لو كانا يحمالنني في الرواق المألوف‪ .‬التفت وتدلت رم==وز الب==اركود الموج==ودة‬

‫‪.‬على األبواب بفعل الهواء المحمل باألمالح‬

‫خطرت لي فكرة؛ فهتفت‪« :‬آنج! داريل!» فأسرع الحارسان في ج==ذبي‪ .‬ك==ان من الواض==ح أنهم==ا انزعج==ا‪ ،‬لكنهم==ا لم يعلم==ا م==ا‬

‫»!ينبغي لهما فعله‪ .‬واصلت الهتاف‪« :‬هذا أنا‪ ،‬ماركوس! تمسكا بالحرية‬

‫سمعت نشيجً ا خلف أحد األبواب‪ ،‬وصاح شخص آخ==ر بلغ==ة ب==دت كالعربي==ة‪ ،‬ثم علت أص==وات متن==افرة‪ ،‬اآلالف من األص==وات‬

‫‪.‬المختلفة تدوي عاليًا‬

‫‪.‬جلبني الحارسان إلى غرفة جديدة كانت في السابق مخصصة لالستحمام؛ إذ كانت ال تزال رشاشات الدُّش معلقة فيها‬
‫ً‬
‫اشمئزازا من الرائحة‬ ‫‪.‬قالت السيدة ذات الشعر القصير‪« :‬مرحبًا يا مايكي! يبدو أن صباحك كان ملي ًئا باألحداث‪ ».‬وأبدت‬

‫»‪.‬فقلت مبتهجً ا‪« :‬لقد تبولت في مالبسي‪ .‬ينبغي أن تجربي ذلك‬

‫قالت‪« :‬لعله ينبغي لنا الس=ماح ل=ك باالغتس=ال‪ ».‬أوم=أت برأس=ها‪ ،‬فحمل=ني الحارس=ان لنقال=ة أخ=رى‪ .‬احت=وت ه=ذه النقال=ة على‬

‫أشرطة مُقيِّدة بطولها‪ .‬ألقيا بي عليه==ا‪ ،‬ك=انت ب=اردة ك==الثلج ومبلل==ة تما ًم==ا‪ .‬وقب==ل أن أدرك‪ ،‬كان==ا ق==د أحكم=ا األربط==ة على كتفيَّ‬
‫وفخذيَّ وكاحليَّ ‪ .‬وبعد لحظات‪ ،‬ربطا ثالث==ة أربط==ة أخ==رى‪ .‬أمس==كت ي==د رج=ل الح=واجز الموج==ودة عن==د رأس==ي‪ ،‬وفكت بعض‬

‫‪.‬الس َّقاطات‪ .‬وبعد لحظات‪ ،‬كنت قد انحنيت ألسفل‪ ،‬وصار رأسي أسفل قدميَّ‬
‫قالت السيدة ذات الشعر القصير‪« :‬لنبدأ بشيء بسيط‪ ».‬رفعت رأس=ي ألراه=ا‪ .‬ك=انت ق=د جلس=ت على مكتب يعل=وه جه=از إكس‬
‫ً‬
‫قائلة‪« :‬أري==دك أن تخ==برني‪ ،‬رج==اءً‪ ،‬باس==م المس==تخدم‬ ‫بوكس متصل بتليفزيون مسطح الشاشة يبدو باهظ الثمن‪ .‬واصلت حديثها‬

‫»‪.‬وكلمة المرور لبريدك اإللكتروني بحزب القراصنة‬


‫‪.‬أغلقت عينيَّ ‪ ،‬وجُلت بخيالي ً‬
‫بعيدا‬

‫أعادني صوتها إلى الواقع‪ ،‬وهي تسألني‪« :‬هل تعلم ما التعذيب بالغمر بالماء يا م==ايكي؟ ه==و أن ُتقيَّد على ه==ذا النح==و‪ ،‬ونص==ب‬

‫=رف ذل==ك‬
‫الماء فوق رأسك إلى أن يصل إلى أنف==ك وي==نزل في فم==ك‪ .‬ال يمكن==ك الحيلول==ة دون ح==دوث المنعكس البلع==ومي‪ ،‬ويُع= َ‬
‫»‪.‬باإلعدام الزائف‪ .‬ومن موقعي هذا بالغرفة‪ ،‬يمكنني القول بأنك لن تتمكن من مقاومة الشعور بأنك تموت‬

‫حاولت االبتعاد بخيالي‪ ،‬لكنني كنت قد سمعت من قبل عن التعذيب بالغمر بالماء‪ .‬لقد كان هذا هو‪ ،‬تعذيب حقيقي‪ .‬ولم تكن هذه‬

‫‪.‬سوى البداية فقط‬

‫لم أستطع االبتعاد بخيالي‪ ،‬فشعرت بضيق في صدري‪ ،‬وارتعشت رموش عينيَّ ‪ .‬وكان بإمكاني الشعور بمياه البول على س==اقيَّ‬
‫‪.‬والعرق في شعري‪ .‬وشعرت بحكة في جلدي بسبب البول الجاف‬

‫»‪.‬ظهرت فوقي‪ ،‬وقالت‪« :‬لنبدأ باسم المستخدم‬

‫‪.‬أغلقت عينيَّ بقوة‬

‫»‪.‬قالت‪« :‬فلتغمراه بالمياه‬

‫‪.‬سمعت صوت أشخاص يتحركون‪ ،‬فأخذت نفسًا عمي ًقا وحبسته‬

‫بدأت المياه تتقاطر على رأس=ي‪ ،‬ملء مغرف==ة من الم=اء يُس= َكب برق==ة على ذق==ني وش=فتيَّ وص==واًل إلى فتح==تي أنفي المرتفع==تين‬

‫ألعلى‪ .‬نزلت المياه في حلقي‪ ،‬وبدأت تخنقني‪ ،‬لكنني لم أسعل أو ألهث‪ ،‬وأدخلته==ا في رئ==تيَّ ‪ .‬حبس==ت أنفاس==ي‪ ،‬وأحكمت إغالق‬

‫‪.‬عينيَّ على نحو أقوى‬

‫كان هناك اضطراب خارج الغرفة‪ ،‬صوت أشخاص يرتدون أحذية عالي==ة الرقب==ة‪ ،‬وص==يحات غاض==بة حانق==ة‪ُ .‬س=كِبت المغرف==ة‬

‫‪.‬على وجهي‬
‫سمعت السيدة ذات الش==عر القص==ير تق==ول ش==ي ًئا لش==خص م=ا في الغرف==ة‪ ،‬ثم وجهت ح==ديثها لي قائل= ً‬
‫=ة‪« :‬اس==م المس==تخدم فق=ط ي=ا‬

‫»ماركوس‪ ،‬هذا طلب بسيط؛ فما الذي يمكنني فعله باسم المستخدم الخاص بك على أية حال؟‬
‫هذه المرة‪ ،‬كان ما نزل عليَّ مر ًة واحدة دلو كامل من الماء‪ ،‬فيض ال يتوقف‪ ،‬ال ريب أنه كان ً‬
‫دلوا ضخمًا‪ .‬لم أستطع التحم==ل؛‬

‫فلهثت ولفظت الماء في رئتيَّ ‪ .‬س==علت وس=حبت المزي==د من الم==اء‪ .‬كنت أعلم أنهم لن يقتل==وني‪ ،‬لكن==ني لم أس==تطع إقن==اع جس==مي‬

‫‪.‬بذلك‪ .‬كل ذرة في كياني علمت أنني سأموت‪ .‬لم أستطع حتى أن أبكي … فلم يتوقف صب المياه عليَّ‬
‫ً‬
‫ثاني=ة‪ ،‬وجعلت=ني أش=عر بحري=ق‬ ‫توقفت بعد= ذلك‪ ،‬وأخذت أسعل‪ .‬لكن من الزاوية التي جلست فيها‪ ،‬سعلت المياه لتع=ود إلى أنفي‬

‫‪.‬في جيوبي األنفية‬

‫كان السعال عمي ًقا حتى إنه أشعرني باأللم في ضلوعي وفخذيَّ عندما الت==وى جس==دي في اتج=اه مع=اكس ل=ه‪ .‬لكم ك=رهت خ=داع‬

‫‪.‬جسمي لي‪ ،‬وعجز عقلي عن التحكم في جسمي‪ ،‬لكنني لم أستطع فعل شيء حيال ذلك‬

‫وأخيرً ا‪ ،‬خفَّ السعال بما يكفي ألن أستوعب ما كان يحدث حولي‪ .‬عال صياح كما لو كان هناك من يتشاجر ويتص==ارع‪ .‬فتحت‬
‫‪.‬عينيَّ وطرفت في الضوء البراق‪ ،‬ثم رفعت عنقي‪ ،‬وأنا ال أزال أسعل قلياًل‬

‫زاد عدد من كانوا في الغرفة عما كان عليه عند بدء التعذيب‪ ،‬وكان أغلبهم يرتدون دروعً ا واقية للجسم‪ ،‬وخوذات‪ ،‬وأقنع==ة من‬

‫‪.‬البالستيك رمادي اللون‪ .‬كانوا يصيحون في حراس الجزيرة الذين أخذوا يصيحون بدورهم وقد برزت العروق في أعناقهم‬

‫»!قال واحد ممن ارتدوا درو ًعا واقية‪« :‬سلموا أنفسكم! وارفعوا أيديكم ألعلى‪ ،‬فأنتم رهن االعتقال‬

‫كانت السيدة ذات الشعر القصير تتحدث في هاتفها‪ .‬لمحها أحد الرجال ذوي الدروع الواقية‪ ،‬وتحرك سري ًعا إليها ليدفع اله==اتف‬
‫ً‬
‫بعيدا بيديه= اللتين غطاهما القفاز‪ .‬خيم الصمت على الجميع بينما الهاتف يطير في الهواء عبر الغرف==ة الص==غيرة ل==يرتطم أخ==يرً ا‬

‫‪.‬باألرض ويتهشم تمامًا‬

‫قُطِ ع الصمت بدخول ذوي الدروع الواقية إلى الغرفة‪ .‬أمسك اثنان منهما بمن كان==ا يع==ذبانني‪ .‬وتمكنت بالك==اد من االبتس==ام عن==د‬

‫‪.‬رؤيتي وجه السيدة ذات الشعر القصير عندما أمسك بها رجالن من كتفيها‪ ،‬وأداراها‪ ،‬وكبَّال معصميها بأصفاد بالستيكية‬

‫تحرك أحد الرجال ذوي الدروع لألمام من مدخل الباب‪ .‬كان يحمل على كتفه كاميرا فيديو‪ .‬كانت كاميرا ثقيل==ة تص==در ض==وءًا‬

‫أبيض يعمي العيون‪ .‬كان يصور الغرفة بأكملها‪ ،‬ودار حولي مرتين أثناء تصويره لي‪ .‬وجدت نفسي أنتظر ساك ًنا تمامًا كما ل==و‬

‫‪.‬كان أحد يرسم لي صورة‬

‫‪.‬كان أمرً ا سخي ًفا‬

‫»تمكنت من التحدث ولكن بصوت مختنق بعض الشيء‪« :‬هل يمكنك تحريري؟‬

‫تحرك اثنان من ذوي الدروع نحوي‪ ،‬أحدهما سيدة‪ ،‬وبدآ في فك األربطة عني‪ .‬رفعا األقنعة عن وجهيهما وابتس==ما في وجهي‪.‬‬

‫‪.‬الحظت وجود صلبان حمراء على كتفيهما وخوذتيهما‬

‫‪.‬وتحت الصلبان الحمراء شارتان أخريان‪ ،‬كانتا شارتي «دورية كاليفورنيا للطرق السريعة»‪ .‬لقد كانا من شرطة الوالية‬

‫بدأت أتساءل ما كانت هذه القوات تفعله هناك‪ ،‬حينذاك رأيت بارب==ارا س==تراتفورد‪ .‬ك==ان من الواض==ح أنه==ا ق==د ُمنِعت من التق==دم‬

‫وظلت واقفة في الرواق‪ ،‬لكنها أخذت تدفع من أمامها وتشق طريقها بصعوبة في تلك اللحظة‪ .‬قالت وهي تركع بجانبي وتمسك‬

‫»!بي لتعانقني أطول وأقوى عناق شهدته في حياتي‪« :‬ها أنت ذا‬

‫‪.‬عندئ ٍ=ذ علمت ما حدث؛ جوانتانامو الخليج وقع في أيدي أعدائه‪ .‬لقد نجوت‬
‫الفصل الحادي والعشرون‬
‫أهدي هذا الفصل إلى متجر كتب بيدجز بوكس في تورونتو بكندا‪ =.‬يقع هذا المتجر — ال=ذي طالم=ا َّ‬
‫مثل عالم==ة مم==يزة بش=ارع‬

‫كوين ويست — أمام مبنى المحطة التليفزيونية «سيتي تي في» وعلى بُعد بضع خطوات من متجر باكا الق==ديم ال==ذي س==بق لي‬

‫العمل فيه‪ .‬أحببنا في باكا تواجد متجر بيدجز بوكس بالقرب منا؛ فما كنا نمثله في مجال الخي==ال العلمي‪ ،‬ك==ان بي==دجز يمثل==ه في‬

‫كل مجال آخر‪ .‬احتوى المتجر على كل ما ال يمكنك= أن تجده في أي مكان آخ==ر؛ أش==ياء ال تعلم أن==ك تبحث عنه==ا إلى أن تراه==ا‬

‫أمام عينيك‪ .‬يحتوي أيضً ا على أحد أفضل أم=اكن ع=رض الص=حف والمجالت ال=تي رأيته=ا في حي=اتي‪ ،‬ص=فوف يعل=و بعض=ها‬
‫‪.‬بع ً‬
‫ضا من الصحف والمجالت الرائعة من جميع أنحاء العالم‬

‫***‬

‫تركوني مع باربارا في الغرفة‪ ،‬واستخدمت رشاش الدُّش ال==ذي ال ي=زال يعم=ل ألنظ==ف نفس=ي؛ إذ ش=عرت فج=أة ب=اإلحراج لم==ا‬
‫‪.‬غطى جسدي من بول وقيء‪ .‬وعندما انتهيت‪ ،‬وجدت باربارا تبكي‬
‫ً‬
‫قائلة‪« :‬إن والديك‬ ‫»… شرعت في الحديث‬

‫‪.‬شعرت بأنني سأتقيأ مجد ًدا‪ .‬يا إلهي! والداي المسكينان! ال بد أنهما عانيا كثيرً ا‬

‫»هل هما هنا؟«‬

‫»‪.‬فأجابت‪« :‬كال‪ ،‬األمر معقد‬

‫»ماذا؟«‬

‫أنت ال تزال رهن االعتقال يا ماركوس‪ .‬الجميع هنا كذلك‪ .‬ال يمكن لهذه القوات اقتحام المكان وفتح األبواب على مص==اريعها«‬

‫»‪.‬للجميع‪ .‬كل المتواجدين هنا سيخضعون لنظام العدالة الجنائية‪ ،‬وقد يستغرق ذلك شهورً ا‬

‫»سأضطر للبقاء هنا شهورً ا؟«‬

‫أمسكت بيديَّ ‪ ،‬وقالت‪« :‬ال‪ ،‬وأعتقد أنن==ا س==نتمكن من اس==تدعائك للمحاكم==ة وإخراج==ك بكفال==ة س==ري ًعا‪ .‬لكن «س=ريعً ا» مص==طلح‬

‫نس==بي‪ ،‬فال أتوق==ع ح==دوث أي ش==يء الي==وم‪ .‬وم==ع ذل==ك‪ ،‬فلن يك==ون المك==ان كم==ا ك==ان تحت س==يطرة ه==ؤالء‪ .‬سيتس==م باإلنس==انية‪،‬‬

‫‪.‬وستحصل على طعام حقيقي‪ .‬لن تكون هناك تحقيقات‪ ،‬وسيتمكن ذووك من زيارتك‬

‫واستبعاد وزارة األمن الوطني ال يعني أنك ستخرج من هنا بهذه السهولة‪ .‬ما حدث هنا ه==و أنن==ا تخلص==نا من الص==ورة الغريب==ة‬

‫‪.‬لنظام العدالة الذي أسسه هؤالء الناس‪ ،‬واستبدلنا به النظام القديم؛ النظام الذي يتضمن قضاة ومحامين ومحاكمات علنية‬

‫ومن ثم‪ ،‬يمكننا أن نحاول نقلك إلى إحدى دور تأهيل األحداث في ال=بر الرئيس=ي‪ .‬لكن الحي=اة في ه=ذه األم=اكن ش=اقة للغاي=ة ي=ا‬

‫»‪.‬ماركوس‪ .‬قد يكون هذا أفضل مكان لك إلى أن نخرجك بكفالة‬

‫خروج بكفالة! بالطبع‪ ،‬لقد كنت مجرمًا‪ .‬لم توجَّ ه لي اتهامات بعد‪ ،‬لكن هناك العديد= من االتهامات التي يمكنهم التفكير فيها؛ فأن‬

‫‪.‬تراودك أفكار سيئة عن الحكومة أمر مخالف للقانون‬


‫ضغطت على يدي مجد ًدا‪ ،‬وقالت‪« :‬أعلم أن ذلك سيئ‪ ،‬لكن هكذا يجب أن تسير األمور‪ .‬الفكرة هنا ه==و أن م==ا كن==ا بص==دده ق==د‬

‫انتهى؛ فالحاكم طرد رجال األمن الوطني من الوالية‪ ،‬وألغى جميع نقاط التفتيش‪ .‬أما النائب العام‪ ،‬فأصدر أوامر بإلق==اء القبض‬

‫على ضباط تنفيذ القانون المتورطين في «االستجوابات تحت الضغط» والحبس السري‪ .‬سيدخلون السجن ي==ا م==اركوس‪ ،‬وك==ل‬

‫»‪.‬ذلك بفضل ما قمت به‬

‫‪.‬لم يُح ِدث ما سمعته أي أثر في نفسي‪ .‬سمعت الكلمات‪ ،‬لكنها خلت من أي معنى تقريبًا‪ .‬فبشكل ما‪ ،‬انتهى األمر ولم ينت ِه‬
‫ً‬
‫قائلة‪« :‬انظر يا ماركوس‪ ،‬أمامنا ساعة أو ساعتان تقريبًا قبل االنتهاء من كل ذلك‪ ،‬وقبل أن يع==ودوا ويأخ==ذوك‬ ‫واصلت حديثها‬

‫مجد ًد ا‪ .‬ما الذي تريد فعله؟ السير على الشاطئ؟ تناول الطعام؟ غرفة العاملين هنا مذهلة‪ .‬لقد مررنا عليها في طريقنا إلى هن==ا‪،‬‬

‫»‪.‬ووجدنا بها أفضل أصناف الطعام‬

‫»‪.‬أخيرً ا سؤال أود اإلجابة عنه‪ .‬قلت لها‪« :‬أريد العثور على آنج وداريل‬

‫•••‬

‫حاولت استخدام جهاز كمبيوتر كنت قد عثرت عليه للبحث عن أرقام زنزانتيهما‪ =،‬لكنه كان بحاجة لكلمة مرور‪ ،‬ومن ثم انتقلن==ا‬

‫للسير في األروقة ونحن نهتف باسميهما‪ .‬وخلف أبواب الزنزان==ات‪ ،‬أخ==ذ الس=جناء يص=رخون أو يبك=ون أو يتوس==لون إلين=ا لكي‬

‫نخرجهم‪ .‬لم يدركوا بعد= ما حدث‪ ،‬ولم يتمكن=وا من رؤي=ة حراس=هم الس=ابقين وق==د س=اقتهم ف=رق المه=ام الخاص=ة التابع==ة لوالي==ة‬

‫‪.‬كاليفورنيا إلى أرصفة السفن بعد= تقييدهم باألصفاد البالستيكية‬

‫»!أخذت أهتف بصوت يعلو الضجيج‪« :‬آنج! آنج كارفيلي! داريل جلوفر! هذا أنا ماركوس‬

‫اجتزنا مجموعة الزنزانات بالكامل‪ ،‬ولم يجب أحد‪ .‬شعرت برغبة في البكاء‪ .‬لقد رُحِّ ال إلى خارج البالد‪ ،‬لعلهم==ا في س==وريا أو‬
‫‪.‬مكان أسوأ‪ .‬لن أراهما ثانية ً‬
‫أبدا‬

‫جلست متك ًئا على حائط الرواق‪ ،‬ووضعت ي==ديَّ على وجهي‪ .‬رأيت وج==ه الس==يدة ذات الش==عر القص==ير وبس==متها المتكلف==ة وهي‬
‫تسألني عن كلمة المرور الخاصة بي‪ .‬هي من فعلت ذلك‪ .‬ستذهب إلى السجن‪ ،‬لكن ذل==ك ليس كاف ًي==ا‪ .‬ل==و رأيته==ا مج= ً‬
‫=ددا‪ =،‬لربم==ا‬

‫‪.‬قتلتها؛ فهي تستحق ذلك‬

‫»!قالت باربارا‪« :‬هيا! هيا يا ماركوس‪ ،‬ال تستسلم‪ ،‬ال يزال هناك الكثير من الزنزانات هنا‪ ،‬هيا‬

‫كانت محقة؛ فجميع األبواب التي مررنا عليها قديمة وصدئة يعود تاريخه==ا للف==ترة ال==تي ُب==نيت فيه==ا القاع==دة أول م==رة‪ .‬لكن في‬

‫نهاية الرواق‪ ،‬كان هناك باب أمني حديث سميك مفت==وح بعض الش=يء‪ .‬ج==ذبناه لنفتح==ه‪ ،‬وغامرن=ا بال==دخول إلى ال=رواق المظلم‬

‫‪.‬بالداخل‬

‫كانت ال تزال هناك أربعة أبواب زنزانات أخرى‪ ،‬وال تحمل رموز ب==اركود‪ .‬ك==ل ب==اب علي==ه لوح==ة مف==اتيح إلكتروني==ة ص==غيرة‬

‫‪.‬معلقة عليه‬

‫»ناديت‪« :‬داريل؟ آنج؟‬


‫»ماركوس؟«‬

‫!كان صوت آنج يهتف باسمي من وراء أقصى باب في الرواق‪ .‬إنها آنج‪ ،‬مالكي‬

‫»!صحت‪« :‬آنج! هذا أنا‬

‫»‪.‬فقالت بصوت متهدج‪ ،‬ثم أخذت تبكي‪« :‬يا إلهي! ماركوس‬

‫»قرعت األبواب األخرى بعنف وأنا أصيح‪« :‬داريل‪ ،‬داريل‪ ،‬هل أنت هنا؟‬

‫»‪.‬فسمعت صو ًتا ضعي ًفا أجشَّ ج ًّدا يقول‪« :‬أنا هنا … أنا آسف‪ ،‬آسف بحق‪ .‬أرجوك‪ ،‬أنا آسف ج ًّدا‬

‫‪.‬بدا َو ِه ًنا … محطمًا‬

‫قلت وأنا أميل على باب زنزانته‪« :‬هذا أنا يا دي‪ ،‬أنا ماركوس‪ .‬لقد انتهى كل شيء؛ قبضت الش==رطة على الح==راس‪ ،‬وط==ردوا‬

‫»‪.‬رجال األمن الوطني من هنا‪ .‬سنخضع للمحاكمات‪ ،‬محاكمات علنية‪ .‬وسنشهد ضدهم‬

‫»‪.‬فرد عليَّ قائاًل ‪« :‬أنا آسف‪ .‬أرجوك‪ ،‬أنا آسف‬

‫حينذاك‪ ،‬حضر رجال دورية كاليفورنيا إلى باب زنزانته‪ .‬كانت كاميرا الفيديو ال تزال تصور م==ا يح=دث‪ .‬ق=ال أح=دهم‪« :‬آنس==ة‬

‫‪.‬ستراتفورد؟» كان قناع وجهه مرفوعً ا‪ ،‬وبدا كأي شرطي آخر جاء لحبسي وليس إنقاذي‬

‫فقالت باربارا‪« :‬كابتن سانشيز! لقد حددنا موقع اثنين من المساجين المهمين هن==ا‪ .‬أرغب في إطالق س==راحهما والتحق==ق منهم==ا‬

‫»‪.‬بنفسي‬

‫»‪.‬أجابها‪« :‬لم نحصل بعد‪ ،‬يا سيدتي‪ ،‬على شفرات دخول هذه األبواب‬

‫فرفعت يدها‪ ،‬وقالت‪« :‬لم يكن هذا ما اتفقنا عليه؛ لق==د اتفقن==ا على أن أتمكن من دخ==ول كاف==ة أرج=اء ه==ذا المك==ان‪ ،‬وه==ذه أوام==ر‬

‫مباشرة من حاكم الوالية‪ .‬لن نتزحزح من هنا إلى أن تفتح هاتين الزنزان==تين‪ ».‬عال اله==دوء الت=ام وجهه==ا‪ ،‬دون أي ت==وتر‪ ،‬وق==د‬

‫‪.‬كانت تعني ما تقول‬

‫»‪.‬بدا الضابط بحاجة للنوم‪ .‬قطب جبينه‪ ،‬وقال‪« :‬سأرى ما يمكنني فعله‬

‫•••‬

‫أخيرً ا وبعد نص==ف س==اعة‪ ،‬تمكن==وا من فتح الزنزان==ات‪ .‬ح==اولوا ثالث م==رات‪ ،‬لكنهم في النهاي==ة توص==لوا للش==فرات الص==حيحة‪،‬‬

‫وطابقوا بينها وبين شرائح تحدي==د الهوي==ة بالموج==ات الالس==لكية الموج==ودة على ش==ارات الهوي==ة ال==تي نزعوه==ا من على مالبس‬

‫‪.‬الحراس الذين ألقوا القبض عليهم‬


‫دخلوا زنزانة آنج أواًل ‪ .‬كانت ترتدي مالبس مرضى المستشفيات المفتوحة من الخلف‪ ،‬وزنزانتها أكثر ًّ‬
‫خلوا من زنزان==تي؛ فم==ا‬

‫كان بها سوى حشية واحدة فق==ط‪ ،‬ولم يكن هن==اك س==رير أو ح==وض أو إض==اءة‪ .‬خ==رجت تط==رف بعينيه==ا في ال==رواق‪ ،‬وك==اميرا‬

‫الشرطة مسلطة عليها وضوؤها البراق يرتكز على وجهها‪ .‬وقفت باربارا بيننا وبين الكاميرا لتحمينا منها‪ .‬خرجت آنج م==ترددة‬

‫‪.‬من زنزانتها‪ ،‬متثاقلة بعض الشيء في مشيتها‪ .‬كان بعينيها ووجهها خطب ما‪ .‬كانت تبكي‪ ،‬لكن ليس هذا هو الخطب‬
‫محام‬
‫ٍ‬ ‫»‪.‬قالت‪« :‬لقد خدروني عندما لم أتوقف عن الصراخ في طلب‬

‫حينذاك احتضنتها‪ .‬كانت ضعيفة‪ ،‬لكنها بادلتني العناق‪ .‬ف=احت منه=ا رائح==ة ب=ول وع=رق‪ .‬لم أكن أفض=ل ح=ااًل منه=ا‪ .‬لم أرد أن‬

‫‪.‬أتركها من بين يدي قط‬

‫‪.‬وفي تلك اللحظة‪ ،‬فتح رجال الشرطة زنزانة داريل‬

‫كان قد مزق رداء المستشفى والت==ف ح==ول نفس==ه ع==اري الجس==د في نهاي==ة الزنزان==ة‪ ،‬مح=اواًل حجب نفس==ه عن عدس==ة الك=اميرا‬

‫‪.‬وعيوننا‪ .‬ركضت إليه‬

‫همس==ت في أذن==ه‪« :‬دي‪ ،‬ه==ذا أن==ا م==اركوس‪ .‬لق==د انتهى ك==ل ش==يء‪ ،‬وأُلقي القبض على الح==راس‪ .‬س==نخرج بكفال==ة‪ ،‬ونع==ود إلى‬

‫»‪.‬منازلنا‬
‫‪.‬ارتجف‪ ،‬وأغلق عينيه بقوة‪ ،‬وقال هامسً ا‪« :‬أنا آسف»‪ ،‬ثم أشاح بوجهه ً‬
‫بعيدا‬

‫‪.‬أبعدني بعد= ذلك شرطي يرتدي در ًعا واقيًا ومعه باربارا‪ ،‬وأعاداني إلى زنزانتي وأغلقا الباب ألقضي تلك الليلة فيها‬

‫•••‬

‫ال أتذكر الكثير عن ذهابي إلى قاعة المحكم==ة‪ .‬كبَّلت==ني الش==رطة م==ع خمس==ة مس==اجين آخ==رين مض==ى على وج==ودهم جمي ًع= ا في‬

‫السجن مدة أطول مما قضيتها فيه‪ .‬أحدهم فقط كان يتحدث العربية؛ كان رجاًل كبير السن‪ ،‬وكان يرتعد‪ =.‬أم==ا اآلخ==رون‪ ،‬فك==انوا‬

‫جمي ًعا شبابًا‪ .‬كنت الوحيد األبيض البشرة بينهم‪ .‬وما إن تجمعنا على ظهر المعدية حتى الحظت أن جميع من في سجن جزي==رة‬

‫‪«.‬تريجر آيالند» داكنو اللون بدرجات متفاوتة‬

‫يمض على وجودي بذلك السجن سوى ليلة واحدة‪ ،‬لكنها كانت طويلة للغاية‪ .‬سقطت علين==ا بعض األض==واء‪ ،‬ك==انت من ذل==ك‬
‫لم ِ‬
‫النوع الذي يجعلني أحني كتفي وأنظر إلى أسفل‪ ،‬لكنني اليوم رفعت رأس=ي مث==ل الجمي=ع لل َّنظ=ر إلى الس==ماء الرمادي==ة مترامي==ة‬

‫‪.‬األطراف‪ ،‬مستمتعين= أثناء ركضنا وصواًل إلى أرصفة المعديات‬

‫نقلتنا الشرطة في حافالت كان من العسير الصعود إليها ونحن مكبلون باألصفاد‪ ،‬فاستغرق صعود الجميع وق ًتا ط==وياًل ‪ .‬لم يهتم‬

‫أحد بذلك‪ .‬لم نكن نحاول حل معضلة كيفية صعود ستة أشخاص مكبلين في سلسلة واحدة على ممشى حافلة ضيق‪ ،‬وإنما ننظر‬

‫‪.‬إلى المدينة من حولنا والمباني أعلى التل‬

‫أر أ ًّي==ا منهم==ا‪ .‬ك==ان الحش==د كب==يرً ا‪ ،‬ولم يكن مس==موحً ا لن==ا ب==التحرك في==ه‬
‫لم يشغل بالي سوى العثور على داريل وآنج‪ ،‬لكن==ني لم َ‬
‫بحرية‪ .‬اتسم رجال شرطة الوالية بالرفق‪ ،‬لكنهم كانوا مع ذلك ضخام البنية ويحملون الدروع واألسلحة‪ .‬أخذت أتخي==ل رؤي==تي‬

‫لداريل وسط الجمع‪ ،‬لكنه كان دومًا شخصً ا آخر له نفس هيئة األحدب المرهق التي بدا عليها داريل في زنزانته‪ .‬لم يكن الوحيد‬

‫‪.‬المحطم في ذلك المكان‬


‫وفي قاعة المحكمة‪ ،‬ساقونا إلى غرف المقابالت ونحن مكبلون باألصفاد‪ .‬حص==لت محامي==ة تابع==ة لالتح=اد األم==ريكي للحري==ات‬

‫المدنية= على إفادتنا‪ ،‬وطرحت علينا بضعة أسئلة — وعندما وصلت إليَّ ‪ ،‬ابتسمت في وجهي ووجهت لي التحية باالس==م — ثم‬

‫‪.‬قادتنا إلى قاعة المحكمة لنمثل أمام القاضي‪ .‬كان القاضي يرتدي رداء القضاة المعروف‪ ،‬وبدا في حالة مزاجية جيدة‬

‫كان من الجلي أن االتفاق الذي تم التوصل إليه هو أن ك َّل من كان لديه فرد في العائلة يمكنه دفع الكفال==ة ل==ه‪ ،‬س=يُطلَق س==راحه‪،‬‬

‫في حين يُح َبس اآلخرون‪ .‬تحدثت محامية االتحاد األمريكي للحريات المدنية= ط==وياًل م==ع القاض==ي‪ ،‬وطلبت من==ه الس==ماح ببض==ع‬
‫ً‬
‫بعض=ا من‬ ‫ساعات ُتج َمع خاللها أسر السجناء لتحضر إلى قاعة المحكمة‪ .‬تقبل القاضي األم==ر جي= ًدا‪ ،‬لكن==ني عن==دما ت==ذكرت أن‬

‫أولئ==ك الس==جناء ك==انوا رهن االعتق==ال من==ذ تفج==ير الجس==ر‪ ،‬واعت==برتهم أس==رهم في ع==داد الم==وتى‪ ،‬دون محاكم==ة‪ ،‬وتعرض==وا‬

‫‪.‬لالستجواب والعزل والتعذيب؛ أردت كسر أغاللهم بنفسي وتحريرهم جميعً ا‬

‫عندما مثلت أمام القاضي‪ ،‬نظر ألسفل نحوي وخلع نظارته‪ .‬ب==دا مره ًق==ا‪ ،‬وك==ذلك محامي==ة االتح==اد األم==ريكي للحري==ات المدني==ة‬
‫وحُجَّ اب المحكمة‪ .‬سمعت خلفي همهمة مفاجئة عندما نطق الح==اجب باس==مي‪َّ .‬‬
‫دق القاض==ي بمطرقت==ه م==رة واح==دة دون أن يبع==د‬

‫‪.‬نظره عني‪ ،‬ثم فرك عينيه‬

‫قال‪« :‬ترى جهة االدعاء‪ ،‬يا سيد يالو‪ ،‬أنك قد تغادر البالد وتشكل خطرً ا على العدالة‪ ،‬وأعتقد أن ل==ديهم ح ًّق==ا في ذل==ك؛ فمم==ا ال‬
‫ً‬
‫محجوزا لتخض==ع للمحاكم==ة‬ ‫ً‬
‫«تاريخا» أطول من باقي المتهمين هنا؛ ومن ثم‪ ،‬فستظل‬ ‫شك فيه أن لديك ما يمكن أن نطلق عليه‬

‫»‪.‬مهما كانت الكفالة التي يمكن لوالديك تقديمها‬

‫‪.‬شرعت المحامية تتحدث‪ ،‬لكن القاضي أسكتها بنظرة‪ ،‬وفرك عينيه‬

‫»هل لديك ما ترغب في قوله؟«‬

‫أجبت=ه‪« :‬ك=انت ل=دي فرص=ة لله==رب‪ .‬ك=ان ذل=ك األس=بوع الماض=ي عن==دما عرض=ت عليَّ فت=اة تهري==بي وإخ=راجي من المدين=ة‬

‫ومساعدتي في الحصول على هوية جديدة‪ .‬لكنني سرقت هاتفها‪ ،‬وهربت من الشاحنة‪ .‬وس==لمت اله=اتف — ال==ذي احت=وى على‬

‫»‪.‬دليل عن صديقي داريل جلوفر — إلى إحدى الصحفيات‪ ،‬واختفيت هنا في المدينة‬

‫»أسرقت هات ًفا؟«‬

‫لقد قررت عدم الهروب‪ ،‬وأن عليَّ مواجهة العدالة … قررت أن حريتي ال تساوي ش==ي ًئا إذا كنت رجاًل مطلو ًب==ا من العدال==ة‪«،‬‬

‫»‪.‬أو كانت المدينة تحت سيطرة وزارة األمن الوطني وأصدقائي محتجزين‪ .‬قررت أن حريتي ليست بقدر أهمية حرية البلد‬

‫»‪.‬لكنك سرقت هات ًفا«‬

‫»‪.‬فأومأت برأسي‪ ،‬وقلت‪« :‬نعم‪ ،‬فعلت‪ .‬عزمت على إعادته لصاحبته إن وجدتها‬

‫قال القاضي‪« :‬حس ًنا‪ ،‬شكرً ا على هذه الخطبة‪ ،‬سيد يالو‪ .‬إنك لرجل مفوَّ ه ح ًّق=ا»‪ ،‬ثم ح=دق في ممث==ل االدع=اء‪ ،‬وواص=ل حديث==ه‪:‬‬
‫«وقد يراك البعض شجاعًا أي ً‬
‫ض ا للغاية‪ .‬بثت األخبار هذا الصباح مقطع فيديو يوضح أنه كان لديك سبب مشروع لله==روب من‬
‫السلطات‪ .‬وفي ضوء ذلك‪ ،‬وحديثك اآلن‪ ،‬سأسمح لك بالخروج بكفالة‪ ،‬لكنني س=أطلب من ممث=ل االدع==اء إض=افة جنح==ة س=رقة‬

‫»‪.‬بسيطة لحساب الكفالة بسبب سرقتك للهاتف‪ .‬وبذلك‪ ،‬أتوقع زيادة الكفالة بمبلغ ‪ ٥٠٠٠٠‬دوالر‬
‫َّ‬
‫‪.‬دق بمطرقته مرة أخرى‪ ،‬وأمسكت المحامية بيدي بقوة‬

‫مجددا‪ =،‬وارتدى نظارته‪ .‬ظهر قشر شعره على كت َفي الرداء الذي كان يرتديه‪ =،‬ونزل المزيد منه على نظارت=ه‬
‫ً‬ ‫نظر القاضي إليَّ‬
‫‪.‬عندما لمست شعره المتجعد‬

‫»‪.‬يمكنك المغادرة اآلن أيها الفتى‪ ،‬وابتعد عن المشكالت«‬

‫•••‬

‫استدرت ألغادر‪ ،‬فأمسك بي شخص ما‪ ،‬كان أبي‪ .‬حملني — بكل ما تحمله الكلمة من مع==نى — وع==انقني بق==وة ح==تى ص==رَّ ت‬

‫ضلوع جسدي‪ .‬عانقني كما كان يعانقني عندما كنت صب ًّيا صغيرً ا‪ ،‬وي==دور بي في ألع==اب الط==يران الباعث==ة على القيء‪ ،‬وال==تي‬

‫‪.‬كانت تنتهي برميه لي في الهواء ثم التقاطه لي وعناقي بقوة تكاد تؤلمني‬


‫انتزعتني برفق من بين ذراعيه يدان أكثر نعومة‪ .‬كانت أمي‪ .‬أمس==كت بي على بُع==د للحظ==ات‪ ،‬باحث= ً‬
‫=ة في وجهي عن ش==يء م==ا‬

‫‪.‬دون أن تنطق بأية كلمة‪ ،‬والدموع تغرق وجهها‪ .‬ابتسمت وعال صوت بكائها‪ ،‬ثم عانقتني هي أيضً ا‪ ،‬وأحاطنا والدي بذراعيه‬

‫»وعندما تركاني‪ ،‬تمكنت أخيرً ا من أن أنطق قائاًل ‪« :‬داريل؟‬

‫»‪.‬التقيت بوالده في مكان ما؛ إنه في المستشفى«‬

‫»متى يمكنني رؤيته؟«‬

‫»‪.‬فأجاب أبي بوجه متجهم‪« :‬سنذهب إليه اآلن‪ .‬إنه ال …» ثم توقف‪ ،‬واستطرد قائاًل بصوت مختنق‪« :‬إنهم يقولون إنه بخير‬

‫»ماذا عن آنج؟«‬

‫»… اصطحبتها والدتها إلى المنزل‪ .‬أرادت انتظارك هنا‪ ،‬لكن«‬

‫تفهمت ما حدث‪ .‬فقد صرت متفهمًا م=ا تش=عر ب=ه أس=ر جمي=ع المحتج=زين‪ .‬مأل المحكم=ة العن=اق وال=دموع‪ ،‬وم=ا تمكن الحُجَّ اب‬

‫‪.‬أنفسهم من إيقافه‬

‫»قلت لهما‪« :‬لنذهب لزيارة داريل‪ .‬وهل لي في استخدام الهاتف؟‬

‫تحدثت إلى آنج ونحن في طريقنا إلى المستشفى حيث اح ُت ِجز داريل — كان مستشفى سان فرانسيس==كو الع==ام في نفس الش==ارع‬

‫الذي نحن فيه — واتفقت على مقابلتها بعد العشاء‪ .‬تحدثت بهمس سريع؛ فوالدتها لم تقرر بعد= ما إذا كانت ستعاقبها أم ال‪ ،‬لكن‬

‫‪.‬آنج أرادت المخاطرة‬

‫حشدا من الصحفيين الذين وقفوا متأهبين ج ًّدا‬


‫ً‬ ‫وقف اثنان من شرطة الوالية في الرواق الذي توجد به غرفة داريل‪ .‬كانا يمنعان‬

‫ليسترقوا النظر من حول الضابطين ويلتقطوا الصور‪ .‬برقت أضواء الكاميرات في عيوننا‪ ،‬فهززت رأسي للتخلص منها‪ .‬ك==ان‬
‫والداي قد أحضرا لي مالبس نظيفة ارتديتها في المقعد الخلفي بالس==يارة‪ ،‬لكن==ني ش==عرت باالش==مئزاز من نفس==ي‪ ،‬ح==تى بع==د أن‬

‫‪.‬نظفت نفسي في حمامات المحكمة‬

‫نادى بعض الصحفيين عليَّ ؛ فقد صرت مشهورً ا اآلن‪ ،‬ونظر إليَّ ضابطا الوالية أيضً ا‪ ،‬إما ألنهما تعرفا على وجهي أو لهتاف‬

‫‪.‬الصحفيين باسمي‬

‫قابلنا والد داريل عند باب غرفته بالمستشفى وهو يتح=دث بص=وت ه=امس تع=ذر على الص=حفيين س=ماعه‪ .‬ك=ان يرت=دي مالبس‬

‫‪.‬مدنية‪ =:‬بنطال جينز وسترة اعتدت رؤيته بهما‪ ،‬لكن ظلت أوسمة خدمته معلقة على صدره‬

‫»‪.‬قال‪« :‬إنه نائم‪ ،‬استيقظ منذ فترة بسيطة وبدأ يبكي‪ ،‬ولم يستطع التوقف؛ فأعطاه األطباء دوا ًء لمساعدته على النوم‬
‫ً‬
‫وممشطا‪ ،‬وينام وفمه مفتوح‪ .‬كانت هن==اك م==ادة بيض==اء عن==د ج==انبي‬ ‫تقدمنا إلى داخل الغرفة حيث كان داريل‪ .‬كان شعره نظي ًفا‬

‫فمه‪ .‬رقد معه في الغرفة ذاتها رجل أكبر س ًّنا ذو مالمح عربية في األربعين من عمره‪ .‬أدركت بعد ذلك أنه الرج==ل ال==ذي ك==ان‬
‫ً‬
‫‪.‬مقيدا معي عند رحيلنا من جزيرة «تريجر آيالند»‪ .‬لوح ك ٌّل منا لآلخر بخجل‬

‫تحولت بعد ذلك إلى داريل‪ ،‬وأمسكت بيده‪ .‬كانت أظافره مقضومة عن آخرها‪ .‬كان يحب قضم أظافره عن==دما ك==ان طفاًل ‪ ،‬لكن==ه‬

‫أقلع عن ذلك عند دخولنا المدرسة الثانوية‪ .‬أعتقد أن فان هي من جعلته يتوقف عن هذه العادة بأن أخبرته أن وض==عه ألص==ابعه‬

‫‪.‬في فمه طوال الوقت أمر مثير لالشمئزاز‬

‫سمعت والديَّ ووالد داريل يبتعدون= عنا ويغلقون الستائر من حولنا‪ .‬وضعت رأسي بجوار رأسه على الوسادة‪ .‬ك==انت ل==ه لحي==ة‬

‫‪.‬شعثة مرقعة ذكرتني بزيب‬

‫»‪.‬قلت‪« :‬مرحبًا دي! لقد نجوت‪ ،‬وستصير بخير‬

‫غط في نومه قلياًل ‪ ،‬وكدت أقول له‪« :‬أحبك!» وهي العبارة التي لم أنطق بها إال لشخص واح==د ليس من أف==راد العائل==ة‪ ،‬عب==ارة‬

‫!كان من الغريب قولها لشاب مثلي‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬ما كان مني إال أن أمسكت يده األخرى وضغطت عليها‪ .‬داريل المسكين‬
‫خاتمة‬
‫أهدي هذا الفصل إلى منافذ بيع الكتب َهدسن بوكسِ لرز التي تنتشر تقريبًا في كافة مطارات الواليات المتحدة‪ .‬أغلب هذه المنافذ‬

‫ال تعرض سوى عدد قليل من الكتب (وإن كانت في الغالب متنوعة على نحو مدهش)‪ .‬لكن المنافذ الكبيرة منها — مثل المنف==ذ‬

‫الموجود بمطار أوهير بشيكاجو — ال تقل جودة عن أي متجر كتب بأي حي‪ .‬إن لديها قدرة هائلة على إضفاء ط=ابع شخص=ي‬

‫على أي مطار‪ ،‬وقد أنقذ منف==ذ َهدس==ن عقلي في أك==ثر من م==رة ت==وقفت فيه==ا لف==ترة طويل==ة في مط==ارات ش==يكاجو أثن==اء رحالت‬

‫‪.‬الطيران التي قمت بها‬

‫***‬

‫اتصلت بي بارب=ارا في المكتب في عطل=ة نهاي=ة أس=بوع الراب=ع من يولي=و‪ .‬لم أكن الوحي=د ال=ذي ذهبت للعم=ل في عطل=ة نهاي=ة‬

‫أسبوع عيد االستقالل‪ ،‬لكنني الوحيد الذي كان عذره هو أن برنامج إطالق السراح المشروط الخاص بي ال يسمح لي بمغ==ادرة‬
‫‪.‬المدينة‬

‫لقد أدانوني‪ ،‬في النهاية‪ ،‬بسرقة هاتف ماشا‪ .‬أمر ال يصدقه عقل! عقدت جهة االدعاء اتفا ًق==ا م==ع المحامي==ة الخاص==ة بي إلس==قاط‬

‫كافة التهم الموجه==ة إليَّ والمتعلق==ة بك= ٍّل من «اإلره==اب اإللك==تروني» و«إث==ارة الش==غب» في مقاب==ل أن أع==ترف بجنح==ة س==رقة‬

‫بسيطة‪ .‬و ُحكِم عليَّ بثالثة= أشهر في برنامج إطالق سراح مشروط مع اإلقامة منتصف اليوم في دار لتأهي==ل األح==داث الم==ذنبين=‬

‫في حي ميشن‪ ،‬فكنت أنام في تلك الدار حيث أتشارك المهجع مع مجموعة من المجرمين الحقيقيين‪ ،‬وأفراد العصابات وم=دمني‬

‫‪».‬المخدرات‪ ،‬وبعض المجانين بحق‪ .‬أما فترة النهار‪ ،‬فكانت لي «الحرية» في الخروج والذهاب إلى «العمل‬

‫»‪.‬قالت باربارا‪« :‬سيطلقون سراحها يا ماركوس‬

‫» َمن؟«‬

‫جونستون‪ ،‬كاري جونستون‪ .‬برَّ أت المحكمة العس==كرية في جلس==اتها الس==رية س==احتها من أي ُج==رم‪ ،‬وأُغلِ==ق المل==ف‪ ،‬وس==تعود«‬

‫»‪.‬للخدمة من جديد‪ =.‬سيرسلونها إلى العراق‬

‫كاري جونستون هو اسم السيدة ذات الشعر القصير‪ُ .‬كشِ ف عن ذلك االسم في جلسات االس==تماع التمهيدي =ة= بمحكم==ة كاليفورني==ا‬

‫العليا‪ ،‬لكن ذلك هو كل ما ُكشِ ف عنها؛ فلم تنطق بكلمة عمن كانت تتلقى منهم األوامر‪ ،‬وما فعلته‪ ،‬ومن ُس= ِجن‪ ،‬ولم=اذا‪ .‬فك=انت‬

‫‪.‬تجلس صامتة تمامًا طوال الوقت في قاعة المحكمة‬

‫أما المسئولون الفيدراليون‪ ،‬فقد علت أصواتهم المعارضة المتذمرة لغلق الحاكم «غير القانوني وأحادي الجانب» لسجن جزيرة‬

‫«تريجر آيالند»‪ =،‬وإجالء المحافظ لضباط الشرطة الفيدرالية من سان فرانسيسكو‪ .‬انتهى الحال بالكثير من ه==ؤالء الض==باط في‬

‫‪.‬سجون الوالية‪ ،‬مع حراس سجن جوانتانامو الخليج‬

‫وفي أحد األيام‪ ،‬لم يصدر أي بيان عن البيت األبيض‪ ،‬أو حكومة الوالية‪ .‬وفي اليوم التالي‪ ،‬انعقد مؤتمر صحفي مشترك ش==ا َب ُه‬

‫‪».‬التوتر والتحفظ أمام مقر الحاكم؛ حيث أعلن الحاكم ووزير األمن الوطني عن توصلهما «لتفهم مشترك‬
‫كانت وزارة األمن الوطني ستعقد محاكمة عسكرية سرية الجلس=ات للتحقي==ق في «أخط==اء التق==دير المحتمل==ة» ال==تي وقعت بع==د‬

‫الهجوم على جسر باي‪ .‬ومن شأن المحكمة استخدام كل أداة متاح==ة ل==ديها لض==مان العق==اب المناس==ب لك==ل عم==ل إج==رامي‪ .‬وفي‬

‫المقابل‪ ،‬سيتناول مجلس الشيوخ بالوالية التحكم في عمليات وزارة األمن الوط=ني في كاليفورني=ا‪ ،‬بحيث يك=ون للمجلس الق=درة‬

‫‪.‬على وقف كل تلك العمليات في الوالية‪ ،‬والتفتيش عليها‪ ،‬وإعادة تحديد= أولوياتها‬

‫علت أصوات الصحفيين بشدة‪ ،‬وطرحت باربارا السؤال األول‪« :‬سيدي الحاكم‪ ،‬مع كامل احترامي لك‪ ،‬لدينا مقطع فيديو غ==ير‬

‫قابل للجدل يوضح أن ماركوس يالو — أحد مواطني هذه الوالي==ة‪ ،‬والمول==ود على أرض==ها — ق==د تع==رض إلع==دام زائ==ف من‬

‫جانب ضباط وزارة األمن الوطني‪ ،‬الذين يعملون كما هو واضح بناء على أوامر من ال==بيت األبيض‪ .‬ه==ل ت==رغب الوالي==ة ح ًّق=ا‬

‫‪.‬في التخلي عن أي ادعاء بالعدالة لمواطنيها في مجابهة التعذيب الهمجي غير القانوني؟» ارتعش صوتها‪ ،‬لكنه ظل واضحً ا‬

‫بسط الحاكم يديه‪ ،‬وقال‪« :‬ستحقق المحاكم العسكرية العدالة‪ .‬إذا أراد السيد يالو — أو أي شخص آخر لديه سبب إلدانة وزارة‬

‫األمن الوطني — مزي ًد ا من العدالة‪ ،‬فلديه الحق بالطبع في اللجوء للقضاء إلقامة دعوى — فيما يتعلق باألض==رار ال==تي لحقت‬

‫»‪.‬به — ضد الحكومة الفيدرالية‬

‫وهذا ما فعلته‪ُ .‬رفِع ما يزيد عن عشرين ألف قضية مدني==ة ض==د وزارة األمن الوط==ني في األس=بوع ال=ذي تال تص==ريح الح=اكم‪.‬‬

‫تولى قضيتي االتحاد األمريكي للحريات المدنية= الذي قدم طلبات لالطالع على نتائج المحاكمات العسكرية السرية‪ .‬وحتى ذل==ك‬

‫‪.‬الحين‪ ،‬تعاطفت المحاكم للغاية مع األمر‬

‫‪.‬لكنني لم أتوقع ذلك‬

‫»!أطلقوا سراحها دون أي عقاب«‬

‫لم يكشف البيان الصحفي عن الكثير‪« :‬بعد تقصٍّ دقيق لألحداث التي وقعت في سان فرانسيس=كو‪ ،‬ومرك=ز االعتق=ال الخ=اص«‬

‫بمكافحة اإلرهاب بجزيرة «تريجر آيالن=د»‪ ،‬توص=لت المحكم=ة إلى أن أفع=ال الس=يدة جونس=تون ال تقتض=ي أي إج=راء ت=أديبي‬

‫»!آخر‪ ».‬تضمن البيان كلمة «آخر» كما لو كانوا قد أنزلوا بها عقوبة بالفعل‬

‫ماذا؟! لقد حلمت بكاري جونستون كل ليلة منذ إطالق س==راحي من جوانتان==امو الخليج‪ .‬رأيت وجهه==ا أم==امي‪ ،‬وتل==ك االبتس==امة‬

‫‪.‬النزقة ترتسم على وجهها وهي تخبر الرجل أن يعذبني بالماء‬

‫‪.‬قالت باربارا‪« :‬ماركوس …» لكنني قاطعتها‬

‫ال بأس‪ ،‬ال بأس‪ .‬سأسجل مقطع فيديو عن ذلك‪ ،‬وسأنشره في عطلة نهاية األسبوع‪ .‬يشاهد الجميع مقاطع الفيديو أيام اإلث==نين؛«‬

‫»‪.‬فالجميع عائدون من إجازات نهاية األسبوع يبحثون عن شيء مس ٍّل يتداولونه بأنحاء المدرسة أو المكتب‬

‫كنت أتردد على طبيب نفسي مرتين في األسبوع كجزء من برنامجي في دار التأهيل‪ ،‬وعندما توقفت عن اعتبار ذلك نوعا من‬

‫العقاب‪ ،‬بدأت أشعر بأنه أمر جيد‪ .‬لقد ساعدني ذلك الطبيب في التركيز على األشياء الب َّناءة عند غضبي‪ ،‬بداًل من تركه يسيطر‬

‫‪.‬عليَّ ‪ .‬وكانت مقاطع الفيديو وسيلة مساعدة لي‬


‫»‪.‬قلت لباربارا وأنا أحاول عدم إظهار مشاعري في صوتي‪« :‬يجب أن أذهب‬

‫»‪.‬اعتن بنفسك يا ماركوس«‬


‫ِ‬
‫احتض=نتني آنج من الخل=ف بينم=ا كنت أنهي المكالم=ة‪ ،‬وق=الت‪« :‬ق=رأت الخ=بر لت=وي على اإلن=ترنت‪ ».‬ق=رأت آنج الماليين من‬

‫األخبار؛ إذ كانت تحصل عليها من أداة استعراض أخبار توفر األخبار متى ظهرت على الشبكة‪ .‬ك==انت المدوِّ ن==ة الرس==مية لن==ا‪،‬‬

‫‪.‬وقد برعت في ذلك؛ إذ كانت تختار القصص المثيرة‪ ،‬وترفعها على اإلنترنت كما لو كانت طاهية تقدم طلبات الفطور سريعً ا‬

‫اس==تدرت بين ذراعيه==ا ألواجهه==ا وأعانقه==ا‪ .‬الحقيق==ة أنن==ا لم يكن ل==دينا الكث==ير من العم==ل في ذل==ك الي==وم‪ ،‬ولم يكن مس==موحً ا لي‬

‫أيض=ا زي==ارتي هن==اك‪ .‬كن==ا نلتقي في المكتب‪ ،‬لكن ع==اد ًة م==ا يك==ون‬
‫بالخروج من دار التأهيل بعد موعد العشاء‪ ،‬وال يمكنه==ا هي ً‬

‫حولنا الكثير من الناس‪ ،‬األمر الذي وضع عقبات أمام عناقنا‪ ،‬ووجودنا وحدنا في المكتب كان فيه إغ==واء كب==ير‪ ،‬فحم==ل الكث==ير‬

‫‪.‬من اإلثارة؛ فكنا نتغازل أثناء عملنا أحدنا بجوار اآلخر‬

‫»‪.‬قلت لها‪« :‬سأصمم مقطع فيديو‪ ،‬وأريد أن أنشره اليوم‬

‫»‪.‬حس ًنا‪ ،‬لنفعل ذلك«‬

‫قرأت آنج البيان الصحفي‪ .‬ووضعت حوارً ا بصوتي بالتزامن مع التصوير الشهير لي في مكان التعذيب بالغمر بالماء‪ ،‬وعيناي‬

‫‪.‬غاضبتان في إضاءة الكاميرا المزعجة‪ ،‬والدموع تتدفق على وجهي‪ ،‬وشعري يلوثه ويجدله القيء‬

‫ُش=رف على عملي==ة التع==ذيب س==يدة«‬


‫هذا أنا‪ ،‬في مكان التعذيب بالغمر بالماء‪ ،‬أتعرض للتعذيب بم==ا يس==مى اإلع==دام الزائ==ف‪ ،‬وي ِ‬
‫»‪.‬تدعى كاري جونستون‪ .‬تعمل جونستون لدى الحكومة‪ .‬قد تتذكرونها من هذا الفيديو‬

‫أضفت بعد ذلك مقطع الفيديو الذي تظهر فيه جونستون وكيرت روني‪« :‬هذه جونس==تون وك==يرت روني‪ ،‬الخب==ير االس==تراتيجي‬

‫»‪.‬األول لرئيس الجمهورية‬

‫إن الشعب ال يحب هذه المدينة؛= فهي في نظره مث==ل م==دن المثل==يين والملح==دين ال==ذين يس==تحقون الهالك في ن==ار جهنم‪ .‬الس==بب«‬

‫»‪.‬الوحيد الهتمامه بسان فرانسيسكو هو أنها قد حالفها الحظ في هجوم اإلرهابيين اإلسالميين عليها‬

‫إنه يتحدث عن المدينة= التي أعيش فيها‪ .‬وف ًقا آلخر اإلحصائيات‪ ،‬لقي ‪ ٤٢١٥‬من ج==يراني مص==رعهم في الي==وم ال==ذي يتح==دث «‬

‫عنه‪ .‬لكن بعضهم ربما لم يلقوا مصرعهم‪ ،‬وإنما اختفوا في السجن ذاته ال==ذي تعرض==ت في==ه للتع==ذيب‪ .‬بعض اآلب==اء واألمه==ات‬
‫ً‬
‫ثانية؛ وذلك ألنهم قد اع ُتقِلوا في س==جن غ==ير ق==انوني هن==ا في خليج س==ان‬ ‫واألطفال والمحبين واإلخوة واألخوات لن يروا ذويهم‬

‫فرانسيسكو‪ .‬لقد نقلتهم السفن إلى الخارج‪ .‬السجالت دقيقة‪ ،‬لكن كاري جونستون لديها مفاتيح التشفير‪ ».‬عدت إلى فيديو= ك==اري‬

‫‪.‬جونستون وهي تجلس على طاولة االجتماعات مع روني وهما يضحكان‬

‫أضفت بعد ذلك فيديو جونستون أثناء إلقاء القبض عليها‪« .‬عندما ألقوا القبض عليها‪ ،‬ظننت أن العدالة ستتحقق لكل من أهانتهم‬

‫وأخفتهم من على خريطة الوجود‪ .‬لكن الرئيس …» وأوقفت الفيديو على صورة ثابت==ة لل==رئيس وه=و يض=حك ويلعب الجول=ف‬

‫في إحدى إجازاته العديدة «… وخبيره االستراتيجي األول …» واآلن صورة ثابتة ل==روني وه==و يص==افح قائ= ًدا إرهاب ًّي==ا س==يئ‬
‫السمعة كان دومًا في «صفنا» «… َّ‬
‫تدخال‪ .‬لقد أرسالها إلى محكمة عسكرية س==رية‪ ،‬وق==د ب==رَّ أت اآلن تل==ك المحكم==ة س==احتها‪.‬‬

‫»‪.‬بطريقة ما‪ ،‬لم تر المحكمة خطأ ً في ذلك كله‬

‫ر َّكبت بالفي=ديو المئ=ات من اللقط=ات للس=جناء في زنزان=اتهم ال=تي نش=رتها بارب=ارا على موق=ع ص=حيفة «ب=اي جاردي=ان» ي=وم‬

‫تحريرنا‪« .‬نحن من انتخبنا هؤالء‪ ،‬ونحن من يدفع لهم رواتبهم‪ .‬من المفترض أن يكونوا في ص==فنا‪ .‬من المف==ترض أن ي==دافعوا‬
‫عن حرياتنا‪ .‬لكنهم …» ثم سلسلة من اللقطات لجونس==تون واآلخ=رين ال==ذين قُ= ِّدموا للمحاكم==ة «… خ=انوا ثقتن==ا‪ .‬لم يتب= َّ‬
‫=ق على‬

‫موعد االنتخابات سوى أربعة أش==هر‪ ،‬وه==ذه ف==ترة طويل=ة تكفي ألن تخرج==وا من بي=وتكم وتبحث==وا عن خمس=ة من ج==يرانكم …‬

‫‪.‬خمسة أشخاص قرروا التخلي عن حقهم في اإلدالء بأصواتهم ألن جميع المرشحين المتاحين أمامهم ال يروقون لهم‬

‫تحدثوا إلى جيرانكم‪ .‬اجعلوهم يعدونكم بالتصويت‪ .‬اجعلوهم يع==دونكم باس==ترداد البالد من المع= ِّ=ذبين والس==فاحين … من ه==ؤالء‬

‫»‪.‬الذين سخروا من أصدقائي ودماؤهم لم تجف بعد في قاع الميناء‪ .‬لِيعِدوكم بالتحدث إلى جيرانهم‬

‫‪.‬أغلبنا ال يريد أ ًّيا من هؤالء المرشحين‪ .‬وهذا لن يجدي نف ًعا‪ .‬يجب أن تختاروا … اختاروا الحرية«‬

‫اسمي ماركوس يالو‪ .‬وقد تعرضت للتعذيب من قبل بالدي‪ ،‬لكنني ال أزال أحبها‪ .‬أبلغ من العمر س==بعة عش==ر عا ًم==ا‪ ،‬وأري==د أن‬

‫»‪.‬يتقدم بي العمر في بالد حرة‪ .‬أريد أن أعيش في بالد حرة‬

‫جعلت الصورة تتالشى تدريج ًّيا وصواًل إلى شعار الموقع اإللكتروني‪ ،‬صممته آنج بمساعدة من خولو الذي قدم لنا كل خ==دمات‬

‫‪».‬االستضافة المجانية التي يمكننا أن نحتاج إليها على موقع «بيجسبلين‬

‫كان المكتب مكا ًنا مثيرً ا لالهتمام‪ .‬ع ُِرفنا‪ ،‬من الناحية النظرية‪ ،‬باسم «ائتالف المصوتين لتحري==ر أمريك==ا»‪ ،‬لكن الجمي==ع أطل==ق‬

‫علينا اسم «مستخدمو شبكة إكس نت»‪ .‬تأسست المنظمة — الخيرية غير الهادفة لل==ربح — بالتع==اون بين بارب==ارا وبعض من‬

‫أصدقائها المحامين بعد تحرير جزيرة «تريجر آيالند» مباشر ًة‪ .‬قُ= ِّدم التموي=ل من بعض المليون==يرات ال=ذين يعمل==ون في مج=ال‬

‫التكنولوجيا ولم يمكنهم التصديق أن مجموعة من الفتيان ممارسي القرصنة قد تغلبوا على وزارة األمن الوطني‪ .‬طلبوا من==ا في‬

‫بعض األحيان الذهاب إلى طريق ساند هيل؛ حيث يوجد جميع مستثمري رأس المال المخاطر‪ ،‬وتقديم عرض قصير عن تقني==ة‬

‫‪.‬شبكة إكس نت‪ .‬وكان هناك أعداد مهولة من المستثمرين المبتدئين= الذين يحاولون جني المال على شبكة إكس نت‬

‫أ ًّيا كان ما يحدث … لم تكن لي عالقة ب=ه‪ .‬لق=د أص==بح ل=دي مكتب بواجه=ة تط=ل على الطري==ق بش=ارع فالينس=يا؛ حيث وزعن=ا‬

‫أقراص «بارانويد إكس بوكس» المضغوطة‪ ،‬وأقمنا ورش عمل حول تصميم أجهزة هوائي واي فاي أك==ثر كف==اءة‪ .‬وق==د تواف==د‬

‫علينا عدد مذهل من الناس العاديين= لتقديم التبرعات التي تمثلت إما في أم=وال نقدي=ة أو أجه=زة (يمكن تش=غيل نظ=ام «بارانوي=د‬

‫‪.‬لينكس» على أية أجهزة‪ ،‬وليس فقط «إكس بوكس يونيفرسال»)‪ .‬لقد أحبونا‬

‫تمثلت خطتنا الكبرى في طرح لعبة «الواقع البديل» الخاصة بنا في سبتمبر؛ أي في وقت االنتخابات بالضبط‪ ،‬وربطه==ا بحش==د‬

‫الناخبين وإرشادهم إلى صناديق االقتراع‪ .‬فلم يصوِّ ت في اقتراع=ات االنتخاب=ات األخ=يرة س=وى ‪ ٤٢‬في المائ=ة من األمريك=يين=‬

‫فقط؛ أي إن األغلبية العظمى لغير المصوتين‪ .‬حاولت كثيرً ا دعوة داريل وفان إلى إحدى جلسات التخطيط التي أقمناها‪ ،‬لكنهما‬
‫استمرَّ ا في رفض الدعوة‪ .‬كانا يقضيان وق ًتا طوياًل معً ا‪ ،‬وأصرَّ ت فان على أن األمر ال عالقة ل==ه ب==العواطف على اإلطالق‪ .‬لم‬

‫يعد داريل يتحدث معي كثيرً ا‪ ،‬وإن كان يرسل إليَّ رسائل بريد إلكتروني طويلة عن أي شيء ال عالقة له باإلرهاب أو السجن‬

‫‪.‬أو فان‬

‫»!ضغطت آنج على يدي‪ ،‬وقالت‪« :‬يا إلهي! كم أكره هذه المرأة‬

‫فأومأت برأسي‪ ،‬وقلت لها‪« :‬إنها إحدى الجرائم التي ترتكبها هذه البالد في ح==ق الع==راق‪ .‬إذا أرس==لوا تل==ك الم==رأة إلى م==دينتي‪،‬‬

‫»‪.‬فسأصير على األرجح إرهاب ًّيا‬

‫»‪.‬لقد صرت إرهاب ًّيا بالفعل عندما أرسلوها إلى مدينتك«‬

‫»‪.‬نعم‪ ،‬بالفعل«‬

‫»هل ستذهب لجلسة استماع السيدة جالفيس يوم اإلثنين؟«‬

‫بالتأكيد!» كنت قد قدمت آنج للسيدة جالفيس قبل ذلك الوقت بأسبوعين‪ ،‬وذلك عندما دعتني السيدة جالفيس على العشاء‪ .‬وأعد«‬

‫اتحاد المعلمين جلسة استماع لها أمام مجلس قطاع المدارس الموحدة لتعود إلى وظيفتها القديمة‪ .‬وق==د قِي==ل إن فري==د بينس==ان ق==د‬
‫ً‬
‫ثانية‬ ‫‪.‬قطع تقاعده (المبكر) ليشهد ضدها‪ .‬كنت أتطلع لرؤيتها‬

‫»هل ترغبين في تناول البوريتو؟«‬

‫»‪.‬فأجابت‪« :‬بالتأكيد‬

‫»‪.‬وأضافت‪« :‬سأحضر صلصتي الحارة‬

‫تحققت من بريدي اإللكتروني مرة أخرى؛ بريد حزب القراصنة الخاص بي‪ ،‬والذي ال أزال أستقبل عليه عد ًدا من الرسائل من‬

‫‪.‬مستخدمين سابقين لشبكة إكس نت لم يعثروا بعد على عنواني الخاص بائتالف المصوتين‬

‫‪.‬كانت الرسالة األخيرة من عنوان بريد إلكتروني مؤقت من أحد البرامج البرازيلية الجديدة المضادة للتتبع‬

‫»‪.‬وجدتها‪ ،‬شكرً ا لك‪ .‬لم تخبرني أنها مثيرة هكذا«‬

‫»سألتني آنج‪« :‬ممن هذه الرسالة؟‬

‫ضحكت‪ ،‬وأجبتها‪« :‬زيب‪ .‬هل تتذكرينه؟ أعطيته عنوان بريد ماشا اإللكتروني‪ .‬فكرت في أنه بما أن االثنين متخفيان‪ ،‬يمكن==ني‬

‫»‪.‬أن أعرفهما أحدهما على اآلخر‬

‫»!وهل يرى ماشا لطيفة؟«‬

‫»‪.‬لتعذريه‪ ،‬فمن الواضح أن األحداث قد أثرت على عقله«‬

‫»وأنت؟«‬

‫»أنا؟«‬

‫»نعم‪ ،‬هل أثرت األحداث على عقلك؟«‬


‫أمسكت بآنج من بعيد‪ ،‬وأخذت أنظر إليها من قم=ة رأس=ها ح=تى أخمص ق=دميها‪ ،‬ثم أمس=كت بوجنتيه=ا‪ ،‬وح=دقت ع=بر نظارته=ا‬

‫‪.‬سميكة اإلطار في عينيها المائلتين اللعوبتين‪ ،‬ومررت أصابعي في شعرها‬

‫»‪.‬آنج‪ ،‬لم يكن تفكيري بهذا السداد من قبل في حياتي كلها«‬

‫‪.‬قبَّلتني حينذاك‪ ،‬وقبَّلتها‪ .‬ومر بعض الوقت قبل أن نخرج لتناول البوريتو‬
‫كلمة أخيرة بقلم بروس شناير‬
‫‪.‬أعمل خبيرً ا تكنولوج ًّيا في مجال األمن؛ وظيفتي هي تأمين الناس‬

‫أنظر في األنظمة األمنية وكيفية اختراقها‪ ،‬ثم كيفية جعلها أكثر أم ًنا‪ ،‬ويشمل ذلك أنظمة الكم==بيوتر األمني==ة‪ ،‬وأنظم==ة المراقب==ة‪،‬‬

‫‪.‬وأنظمة الطائرات األمنية‪ ،‬وأنظمة التصويت اإللكتروني‪ ،‬وشرائح تحديد الهوية باستخدام الموجات الالسلكية وما إلى ذلك‬

‫وقد دعاني كوري دوكتورو لكتابة كلمة أخيرة لهذه الرواي=ة؛ ألن=ه أرادني أن أُطلِ=ع قُ=رَّ اءه على كم المتع=ة ال=تي تنط=وي عليه=ا‬

‫فكرة التأمين‪ .‬إنه أمر ممتع على نحو مذهل‪ ،‬أشبه بمطاردات القط والفأر؛ من سيتفوق على من‪ ،‬الصياد أم الطريدة‪ .‬أعتقد أن==ه‬

‫أكثر األعمال متعة على اإلطالق‪ .‬فإذا أمتعتك مغامرة ماركوس في خداع كاميرات التع==رف على المش==ية بوض==ع الحص==ى في‬

‫‪.‬حذائه‪ ،‬ففكر في كم المتعة التي قد تشعر بها إذا كنت أول من يفكر في هذه الخدعة على اإلطالق‬

‫والعمل في مجال األمن يعني اإللمام بالكثير عن التكنولوجيا‪ ،‬وقد يعني المعرف==ة ب==الكمبيوتر والش==بكات‪ ،‬أو الك==اميرات وكيفي==ة‬
‫عملها‪ ،‬أو كيمياء الكشف عن القنابل‪ .‬لكن األمن في حقيقة األمر هو أسلوب تفكير‪ ،‬وماركوس خير مث==ال على ه==ذا األس==لوب؛‬

‫فهو دو ًم ا يبحث كيف يمكن لنظام أمني أن يفشل في أداء عمله‪ .‬وأراهن على أن==ه ال يمكن أن ي==دخل أي متج==ر دون أن يح==اول‬

‫الكشف عن وسيلة لسرقة المعروضات فيه‪ .‬ليس ألنه سيفعل ذلك — فثمة ف==ارق بين معرف==ة كيفي==ة االحتي==ال على نظ==ام أم==ني‬

‫‪.‬واالحتيال عليه بالفعل — ولكن من أجل التأكد أنه يعلم كيف يفعل ذلك‬

‫‪.‬هكذا يفكر العاملون في مجال األمن‪ .‬فنحن ننظر دومًا في أنظمة األمن وكيفية التحايل عليها؛ وال يسعنا التوقف عن ذلك‬

‫ومن المهم التفكير على هذا النحو بغض النظر عن الجانب الذي تقف في==ه من العملي==ة األمني==ة‪ .‬ف=إذا ع ُِه==د إلي==ك بمهم==ة تص==ميم‬

‫متجر مؤمَّن ضد السرقة‪ ،‬يجدر بك اإللمام بكيفية القي=ام به=ذا الن=وع من الس=رقة‪ .‬وإذا كنت تص=مم نظ=ام ك=اميرات يكش=ف عن‬

‫مشية األفراد‪ ،‬يجدر بك الوضع في االعتبار وضع األفراد للحصى في أح==ذيتهم؛ وذل==ك ألن==ك إن لم تفع==ل‪ ،‬فلن تص==مم ش==ي ًئا ذا‬

‫‪.‬نفع‬

‫ومن ثم‪ ،‬أثناء تجولك في أي مكان‪ ،‬خصص لحظات للتحقق من النظم األمني==ة من حول==ك‪ .‬انظ==ر إلى الك=اميرات الموج=ودة في‬

‫المتاجر التي تتسوق فيها (واسأل نفسك‪ :‬هل تحول دون وقوع الجرائم ح ًّقا؟ أو أنها تنقلها فقط للمتاجر المجاورة؟) الحظ كيفي==ة‬

‫سير العمل في أحد المطاعم (فإذا كنت تدفع ثمن ما تأكله بعد تناول==ه‪ ،‬فلم==اذا ال يغ==ادر الن==اس المطعم دون دف==ع ثمن طع=امهم؟)‬

‫الحظ أمن المطارات (كيف يمكنك= إدخال س=الح إلى ط=ائرة م==ا؟) راقب م=ا يفعل==ه الص==راف في البن==ك (فنظ==ام البن==وك األم==ني‬

‫مصمم لمنع الصرافين من السرقة بالقدر نفسه الذي يمنع=ك= ب=ه من فع=ل ذل=ك)‪ .‬حمل=ق في ك=ثيب النم=ل (إن األم==ر كل=ه متعل=ق‬

‫باألمن)‪ .‬اقرأ الدستور‪ ،‬والحظ كافة السبل التي يؤمن من خاللها الناس من الحكومة‪ .‬الح==ظ إش==ارات الم==رور وأقف==ال األب==واب‬

‫وجميع النظم األمنية على شاشة التليفزيون واألفالم‪ .‬توصل إلى كيفية عمله==ا‪ ،‬والتهدي==دات ال==تي تس=اعد ه==ذه النظم في حمايتن==ا‬

‫‪.‬منها وتلك التي ال تساعد في حمايتنا منها‪ ،‬وكيف تفشل في عملها وكيف يمكن استغاللها‬
‫اقض ما يكفي من الوقت لفعل ذلك‪ ،‬وستجد نظرتك للعالم قد اختلفت‪ .‬س==تبدأ في مالحظ==ة أن الكث==ير من النظم األمني==ة ال تفع==ل‬
‫ِ‬
‫ح ًّقا ما من المفترض أن تفعله‪ ،‬وأن الكثير من نظم أمننا الوطني ي َُعد إهدارً ا للم=ال‪ ،‬وس=وف ت=درك أن الخصوص=ية على الق=در‬

‫نفسه من األهمية كاألمن‪ ،‬وليست مناقضة له‪ ،‬وستتوقف عن القل=ق بش=أن األش=ياء ال=تي تقل=ق اآلخ=رين‪ ،‬وتب=دأ في القل=ق بش=أن‬

‫‪.‬أشياء ال ترد على أذهانهم على اإلطالق‬

‫وفي بعض األحيان‪ ،‬ستالحظ شي ًئا بشأن األمن لم يفكر فيه أحد من قبل مطل ًقا‪ ،‬وربما ستكتش==ف طريق==ة جدي==دة الخ==تراق نظ==ام‬

‫‪.‬أمني‬

‫‪.‬فالتصيد االحتيالي لم يتوصل إليه أحد إال منذ بضعة أعوام فقط‬

‫هذا ويذهلني عاد ًة مدى سهولة اختراق بعض النظم األمنية الشهيرة‪ ،‬وهناك العديد= من األسباب وراء ذلك‪ ،‬لكن أهمه==ا ه==و أن==ه‬

‫من المستحيل إثبات أن شي ًئا ما آمن‪ .‬كل ما يمكنك فعله هو محاولة اختراقه‪ ،‬وإن فشلت‪ ،‬فستعلم أنه آمن بما فيه الكفاي==ة لمنع==ك‬

‫من اختراقه‪ ،‬لكن ماذا إذا كان هناك شخص ما يفوقك ذكاءً؟ يمكن ألي ش==خص تص==ميم نظ==ام أم==ني م==نيع لدرج==ة أن==ه نفس==ه ال‬

‫‪.‬يمكنه خرقه‬

‫لتستغرق دقيقة للتفكير في هذا األمر‪ ،‬فهو ليس واضحً ا‪ .‬ليس هناك أحد مؤهل لتحليل ما يص==ممه من نظم أمني==ة بنفس==ه؛ إذ إن==ه‬

‫بذلك سيكون المصمم والمحلل شخصًا واح ًدا يعاني من أوجه القصور نفسها؛ ومن ثم‪ ،‬يجب أن يكون من يحل==ل النظ==ام األم==ني‬

‫صا آخر؛ ألنه يجب أن يكون مؤ َّم ًنا من أمور ال ترد على ذهن المصمم‬
‫‪.‬شخ ً‬

‫وذلك يعني أننا جمي ًعا علينا تحليل النظم األمنية التي يصممها آخ==رون‪ .‬وم==ا يث==ير الدهش==ة غال ًب==ا أن هن==اك دو ًم==ا من يتمكن= من‬

‫خرق هذه النظم‪ .‬فما فعل=ه م=اركوس ليس بعي=د= المن=ال؛ فه=و يح=دث دومً=ا‪ .‬م=ا علي=ك إال ال=دخول على اإلن=ترنت‪ ،‬والبحث عن‬

‫«مفتاح يفتح كل األقفال» أو «فتح قفل كريبتونايت بقلم بيك»؛ وستجد عد ًدا من القصص المث==يرة للغاي==ة عن نظم أمني==ة منيع==ة‬

‫‪.‬ظاهر ًّيا لكن تم التغلب عليها بتكنولوجيا بدائية‬

‫عندما يحدث ذلك‪ ،‬اح==رص على نش==ره على اإلن==ترنت؛ فالس==رية واألمن ليس==ا م==ترادفين‪ =،‬وإن كان==ا ك==ذلك في الظ==اهر‪ .‬النظ==ام‬

‫‪.‬األمني السيئ فقط هو الذي يعتمد= على السرية‪ ،‬أما النظام األمني الجيد‪ ،‬فيعمل حتى وإن كانت جميع تفاصيله معل ًنا عنها‬

‫ويحس=ن من النظم ال=تي نس=تخدمها‪ .‬ف=إذا‬


‫ِّ‬ ‫واإلعالن عن نقاط الض=عف يج=بر مص=ممي النظم األمني=ة على تص=ميم نظم أفض=ل‪،‬‬

‫اشتريت قفل كريبتونايت لدراجة وكان من الممكن التغلب عليه بقلم بيك‪ =،‬فأنت بذلك ال تكون قد حصلت على وسيلة أمنية جيدة‬

‫مقابل ما دفعت==ه من م==ال‪ .‬وبالمث==ل‪ ،‬إذا ك==ان بإمك==ان مجموع==ة من الفتي==ة األذكي==اء التغلب على تقني==ات مكافح==ة اإلره=اب ال==تي‬

‫‪.‬تستخدمها وزارة األمن الوطني‪ ،‬فلن تؤدي بذلك مهمتها على أفضل نحو في التصدي لإلرهابيين الحقيقيين‬

‫‪.‬من الغباء التضحية بالخصوصية من أجل األمن‪ ،‬واألكثر غبا ًء أال يفضي ذلك إلى توفير أمن فعلي‬

‫!لتغلق هذا الكتاب إذن وتنطلق؛ العالم مليء بالنظم األمنية‪ =.‬لتخترق أحدها‬
‫بروس شناير‬
http://www.schneier.com
‫كلمة أخيرة بقلم آندرو «باني» هوانج‪ ،‬أحد مخترقي نظام إكس بوكس‬
‫قراصنة الكمبيوتر مستكشفون … رواد رقميون‪ ،‬تج=ري في دم=ائهم نزع=ة التش=كيك فيم=ا ه=و متع=ارف علي=ه‪ ،‬وتث=يرهم دومً=ا‬

‫المشكالت المعقدة‪ .‬وأي نظام معقد هو بمثابة تسلية ممتعة في نظر أي قرصان؛ ومن اآلث==ار الجانبي==ة ل==ذلك انج==ذابهم الط==بيعي‬

‫للمشكالت المتعلقة باألمن‪ .‬والمجتمع نظ==ام كب==ير معق==د‪ ،‬وه==و بالتأكي==د عرض==ة للقرص==نة؛ ومن ثم‪ ،‬ص==ارت الص==ورة الش==ائعة‬

‫لقراصنة الكمبيوتر هي‪ :‬المحطمون للمعتقدات التقليدية= وغير المنسجمين اجتماع ًّيا‪ ،‬فهم َمن ي َت َحدَّون األعراف االجتماعية بغي==ة‬

‫التحدي ذاته‪ .‬عندما اخترقت نظام إكس بوكس في عام ‪ ٢٠٠٢‬أثناء دراستي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا‪ ،‬لم يكن هدفي‬

‫حافزا طبيع ًّيا بداخلي‪ ،‬وهو الحافز ذاته الذي يدفع إلص==الح جه==از «آي ب==ود»‬
‫ً‬ ‫هو التمرد أو إحداث أي ضرر‪ ،‬وإنما كنت أتبع‬

‫‪.‬معطل أو فحص أسقف معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأنفاقه‬

‫ولألسف‪ ،‬فإن الجمع بين عدم االمتثال لألعراف االجتماعية ومعرفة أمور «خطيرة» مثل كيفي==ة ق==راءة ش==رائح تحدي=د= الهوي==ة‬
‫بالموجات الالسلكية الموجودة على بطاقة االئتمان أو كيفية اختيار األقفال؛ ق=د يجع=ل الن==اس يخ=افون قراص==نة الكم=بيوتر‪ =.‬لكن‬

‫الدوافع وراء ما يفعله أي قرصان بسيطة تمامًا مثل ما يدفع المرء ألن يكون مهندسً ا‪ ،‬وهو أن==ه يحب تص==ميم األش==ياء‪ .‬يس==ألني‬

‫الناس عاد ًة‪« :‬لماذا اخترقت نظام إكس بوكس األمني؟» وإجابتي بسيطة؛ أواًل ‪ :‬ألنني مالك ما أشتريه‪ .‬وإذا أملى عليَّ أح==د م==ا‬

‫يمكنني وال يمكنني فعله فيما لدي من أجهزة‪ ،‬فأنا إذن ال أملكها‪ .‬وثانيًا‪ :‬ألن ذلك متاح أم==امي … نظ==ام على الق==در الك==افي من‬

‫التعقيد ليمثل اختراقه تسلية جيدة بالنسبة لي‪ .‬فألهاني كثيرً ا عن الليالي التي كنت أسهر فيها لتحضير رسالة ال==دكتوراه الخاص==ة‬

‫‪.‬بي‬

‫وقد كنت سعيد الحظ؛ فكوني طالبًا بالدراسات العليا بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عند اختراقي لنظام إكس بوكس‪ ،‬أجاز ما‬

‫فعلته في نظر من لهم الحق في االهتمام بذلك‪ .‬لكن الحق في القرصنة يجب أال يقتصر على األكاديميين= فق==ط‪ .‬لق==د ب==دأت عملي‬

‫بالقرصنة منذ كنت صب ًّيا صغيرً ا في المدرس=ة االبتدائي=ة؛= إذ كنت أفك=ك أي جه=از إلك=تروني تص=ل إلي=ه ي=داي‪ ،‬وك=ان وال=داي‬

‫يتحمالن تكلفة كل ذلك‪ .‬واشتملت الكتب التي قرأتها على كتب حول تصميم نماذج الصواريخ‪ ،‬وصناعة المتفج==رات واألس==لحة‬

‫النووية والمدفعية‪ ،‬وهي الكتب التي كنت أستعيرها من مكتبة المدرسة (أظن أن الحرب الباردة قد َّأثرت على اختي==ارات الكتب‬

‫في المدارس الحكومية)‪ .‬وقد أدخلت كذلك تعديالت على عدد من األلعاب النارية‪ ،‬وتج==ولت في مواق==ع بن==اء المن==ازل في الحي‬

‫الذي كنت أسكن به في وسط غرب أمريكا‪ .‬ورغم أنه لم تكن من الحكمة فعل هذه األمور‪ ،‬فقد ك==انت تج==ارب مهم==ة في رحل==ة‬

‫‪.‬نضجي؛ إذ صرت مفكرً ا ًّ‬


‫حرا بسبب التسامح االجتماعي والثقة التي اتسم بها مجتمعي‬

‫أما ما نشهده حال ًّيا من أحداث‪ ،‬فال يبشر القراصنة الطموحين ب==أي خ==ير‪ .‬وق==د أوض==حت رواي==ة «األخ األص==غر» م==ا يمكن أن‬
‫نصل إليه في ظل هذه األوضاع الراهنة من عالم يختفي فيه التسامح االجتماعي كلي= ً‬
‫=ة م==ع األفك==ار الجدي==دة والمختلف==ة‪ .‬ويعكس‬

‫حادث وقع مؤخرً ا كم اقتربنا من دخول عالم «األخ األصغر»‪ .‬لقد ح==الفني الح==ظ ب==أن ق==رأت مس==ودة مبك==رة له==ذه الرواي==ة في‬

‫نوفمبر ‪ .٢٠٠٦‬وبعد شهرين من ذلك التاريخ — أي في يناير ‪ — ٢٠٠٧‬اشتبهت شرطة بوسطن في أجهزة تفجيرية وأغلقت‬
‫المدينة= لمدة يوم‪ ،‬واتضح بعد ذلك أن هذه األجهزة لم تكن سوى لوحات دوائر إلكتروني=ة به=ا مص=ابيح ص=مامات ثنائي=ة باعث=ة‬

‫للضوء ُت ستخ َدم للترويج ألحد البرامج على شبكة «كارتون نتورك»‪ .‬والفنانون الذين وضعوا هذا الجرافيتي لل=ترويج للبرن=امج‬

‫قُ ِبض عليهم باعتبارهم إرهابيين مشتبهًا بهم‪ ،‬وأُدينوا في النهاية بجناية؛ وكان على منتجي الشبكة دفع ملي==وني دوالر كتس==وية‪،‬‬

‫‪.‬واستقال رئيس الشبكة إثر ذلك الحادث‬


‫هل انتصر اإلرهابيون بالفعل؟ هل استسلمنا للخوف لدرجة جعلتنا نعتبر أشخا ً‬
‫صا مثل الفن==انين وأص=حاب الهواي==ات وقراص==نة‬

‫الكمبيوتر ومحطمي التقاليد‪ ،‬وربما مجموعة متواضعة من الشباب يمارسون لعبة «هاراجوكو فان مادنس»؛ إرهابيين؟‬

‫ثمة مصطلح لوصف هذا االختالل الوظيفي؛ أال وهو مرض المناعة الذاتية‪ ،‬وفيه يزيد جهد النظام الدفاعي للجسم حتى يص==بح‬

‫غير قادر على التع=رف على نفس=ه ويه=اجم خالي=اه‪ ،‬وفي النهاي=ة ي=دمر نفس=ه ذات ًّي=ا‪ .‬وأمريك=ا اآلن على ش=فا اإلص=ابة بص=دمة‬

‫حساسية مفرطة فيما يتعلق بحرياتها‪ ،‬ونحن بحاجة لوقاية أنفسنا من ذلك‪ .‬والتكنولوجيا ال تشفي من جنون االرتياب هذا‪ ،‬وإنما‬

‫في الواقع تزيده؛ إذ تحولنا إلى سجناء له‪ .‬وإجبار الماليين على خلع مالبسهم الخارجية والسير حف=اة ع=بر أجه==زة الكش==ف عن‬

‫المعادن كل يوم ليس بحل أيضً ا‪ ،‬وال يفيد ذلك إال في تذكير الناس كل يوم بأن هن==اك م==ا يجب أن يخش==وه‪ ،‬في حين أن==ه ال يقيم‬

‫‪.‬في الواقع سوى حاجز وا ٍه أمام العدو المحتمل‬

‫الحقيقة هي أنه ال يمكننا االعتماد على اآلخرين في إشعارنا بالحرية‪ ،‬ومايكي لن يك==ون هن=اك لينق==ذنا في الي==وم ال==ذي نفق==د في==ه‬

‫حرياتنا بسبب جنون االرتياب؛ وذلك ألن مايكي بداخلي وداخلك … ورواي==ة «األخ األص==غر» ت==ذكير بأنن==ا بغض النظ==ر عن‬

‫مدى عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل‪ ،‬لن نتمتع بالحرية من خالل النظم األمنية والتشفير وعمليات االستجواب ونقاط التفتيش‪،‬‬

‫وإنما سنتمتع بها عن طريق التحلي بالشجاعة واالقتناع بالعيش كل يوم بحرية والتصرف كمجتمع حر‪ ،‬بغض النظ=ر عن حجم‬

‫‪.‬التهديدات التي تلوح لنا في األفق‬

‫‪.‬لتكن مثل مايكي؛ اخرج للعالم ومارس حريتك بشجاعة‬


‫قائمة المراجع‬
‫ما من كاتب يبدأ إبداعه من فراغ؛ فجميعنا ينطبق عليه وصف إسحاق نيوتن «الوقوف على أكتاف العظم=اء»؛ فنحن نس==تعير‪،‬‬

‫‪.‬ونقتبس‪ ،‬ونضفي تغييرات على كافة صنوف الفنون والثقافة التي أبدعها َمن حولنا و َمن سبقونا من األدباء‬

‫إذا كان هذا الكتاب قد نال إعجابك‪ ،‬وترغب في معرفة المزيد عن موضوعه‪ ،‬فهناك العديد من المص==ادر ال==تي يمكن=ك= اللج==وء‬

‫‪.‬إليها‪ ،‬سواء على اإلنترنت أو في المكتبة= أو متجر الكتب المجاور لك‬

‫قرصنة الكمبيوتر موضوع رائع‪ ،‬والعلوم كافة تقوم على إخبار اآلخرين بما فعلته ليتمكنوا من التحق==ق من ص=حته والتعلم من=ه‬

‫‪.‬وتطويره‪ ،‬والقرصنة خير مثال على هذه العملية؛ ومن ثم‪ ،‬فإن ما ُنشِ ر في هذا الشأن كثير‬

‫لتبدأ بكتاب آندرو «باني» هوانج الذي يحمل عنوان «قرصنة اإلكس بوكس» (دار نشر «نو ستارتش»‪ .)٢٠٠٣ ،‬وهو كتاب‬

‫رائع يستعرض قصة باني‪ ،‬وكيف تمكن — عندما ك==ان طال ًب==ا بالدراس=ات العلي==ا في معه==د ماساتشوس==تس للتكنولوجي==ا — من‬
‫إجراء هندسة عكسية آلليات نظام إكس بوكس المضادة للعبث‪ ،‬ومهد الطري==ق ب==ذلك لجمي==ع عملي==ات القرص==نة التالي==ة المذهل==ة‬

‫‪.‬للنظام‪ .‬وبرواية هذه القصة‪ ،‬أسس باني مرجعً ا موثو ًقا للهندسة العكسية وقرصنة األجهزة‬

‫ه==ذا و ُي َع==د كتاب==ا ب==روس ش==ناير «أس=رار وأك==اذيب» (وايلي‪ )٢٠٠٠ ،‬و«م=ا وراء الخ==وف» (ك==وبرنيكس‪ )٢٠٠٣ ،‬من الكتب‬

‫المبسطة الموجَّ ه=ة لغ=ير المتخصص=ين‪ ،‬وال=تي تتن=اول فهم مس=ألة األمن والتفك=ير فيه=ا تفك=يرً ا نق=د ًّيا‪ .‬أم=ا كتاب=ه «علم التش=فير‬

‫التطبيقي» (وايلي‪ ،)١٩٩٥ ،‬فيظل المصدر الموث==وق لفهم علم التش==فير‪ .‬ول==بروس قائم==ة بريدي==ة ومدون==ة رائع==ة على العن==وان‬

‫إن التشفير واألمن هما عالم الهاوي الموهوب‪ ،‬وحركة «السايفر بانك» (ال==تي ت==ؤمن ب==أن ‪: schneier.com/blog.‬التالي‬

‫االس==تخدام الق==وي للتش==فير سيض==من األمن والخصوص==ية) مليئ==ة بالش==باب وربَّات ال==بيوت والمح==امين وكاف==ة ص==نوف الن==اس‬

‫‪.‬األخرى‪ ،‬الذين يكدون في العمل على الشفرات والبروتوكوالت األمنية‬

‫هناك العديد من المجالت الرائعة المتخصصة في هذا المجال‪ ،‬لكن أفضل مجلتين هما‪ :٢٦٠٠« :‬ذا هاكر كوارترلي»‪ ،‬وال==تي‬

‫تزخر بقصص تبا ٍه بعمليات قرصنة مو َّقعة بأسماء مستعارة‪ ،‬ومجلة «ميك» التي تعرض إرشادات موثوق==ة لتنفي==ذ مش==روعات‬

‫‪.‬أجهزة خاصة بك في المنزل‬

‫»يزخ===ر بال ش===ك ع===الم اإلن===ترنت بالمص===ادر في ه===ذا الموض===وع‪ ،‬ومن األمثل===ة على ذل===ك مدون===ة «فري===دوم ت===و تينكر‬

‫لص==احبيها إد فيلتن وأليكس جي==ه هال==درمن‪ ،‬أس==تا َذي الهندس==ة المتم==يزين بجامع==ة )‪(www.freedom-to-tinker.com‬‬

‫‪.‬برينستون‪ ،‬اللذين تتسم كتابتهما في مجال األمن والتنصت وتكنولوجيا مقاومة النسخ والتشفير بالوضوح‬

‫ال تف==وت ك==ذلك زي==ارة ص==فحة مش==روع نات==الي يريمجينك==و «ف==يرال روب==وتيكس» بموق==ع جامع==ة كاليفورني==ا في س==ان دييجو‬

‫تش===تري نات===الي وطالبه===ا كالب روب===وت لعب===ة من متج===ر «ت===ويز آر أس» ‪(xdesign.ucsd.edu/feralrobots/).‬‬

‫ويزودونها بأسالك جديدة ليحولوها إلى أجهزة بارعة للكشف عن المخلفات السامة‪ ،‬ثم يطلقون لها العنان في المتنزهات العامة‬

‫‪.‬حيث تتخلص المؤسسات الكبيرة من مخلفاتها‪ ،‬ليوضحوا بعد ذلك مدى سمية األرض على نحو يناسب وسائل اإلعالم‬
‫هذا و ُي َعد النقل النفقي باستخدام بروتوكول دي إن إس حقيق ًّيا‪ ،‬شأنه شأن الكثير من عمليات القرصنة الموضحة في هذا الكتاب‪.‬‬

‫وق========د نش========ر تفاص========يله الخب========ير المخض========رم في ه========ذا المج========ال دان كامينس========كي في ع========ام ‪٢٠٠٤‬‬

‫‪(www.doxpara.com/bo2004.ppt).‬‬

‫أما خبير «صحافة المواطن» دان جيلمور — الذي يدير حال ًّيا «مركز إعالم المواطن» في جامعة هارفرد وجامعة كاليفورنيا‬

‫‪.‬في بيركلي — فله كتاب رائع حول هذا الموضوع يحمل عنوان «نحن‪ ،‬اإلعالم» (أورايلي‪)٢٠٠٤ ،‬‬

‫إذا أردت معرفة المزيد عن قرصنة شرائح تحدي=د= الهوي=ة بالموج=ات الالس=لكية‪ ،‬فاب=دأ بمق=ال «أس=رار قرص=نة ش=رائح تحدي==د‬

‫الهوي==============ة بالموج==============ات الالس==============لكية» في مجل==============ة «واي==============رد» بقلم آن==============الي ن==============ويتس‬

‫ويلقي كتاب «إيفريوير» لجرينفيلد (دار نش==ر ني==و ‪(www.wirednews.com/wired/archive/14.05/rfid.html).‬‬

‫‪.‬رايدرز‪ )٢٠٠٦ ،‬نظرة مذهلة على مخاطر عالم شرائح تحديد الهوية بالموجات الالسلكية‬

‫يجري معمل نيل جيرشنفيلد «فاب الب» في معهد ماساتشوس==تس للتكنولوجي==ا عملي==ات قرص==نة ألول طابع==ات ثالثي==ة األبع==اد‬

‫رخيصة السعر في العالم يمكنها طباعة أي شيء على اإلطالق‪ ،‬وه==ذه الحقيق==ة موثق==ة في كت==اب جيرش==نفيلد الرائ==ع ح==ول ه==ذا‬

‫‪.‬الموضوع «فاب» (بيزيك بوكس‪)٢٠٠٥ ،‬‬

‫يستعرض كذلك كت=اب «تش=كيل األش=ياء» ل=بروس س=تيرلينج (مطبع=ة معه=د ماساتشوس=تس للتكنولوجي=ا‪ )٢٠٠٥ ،‬كي=ف يمكن‬

‫‪.‬استخدام شرائح تحديد= الهوية بالموجات الالسلكية وما شابه إلجبار الشركات على إصدار منتجات ال تتسبب في هالك العالم‬

‫وعلى ذكر بروس ستيرلينج‪ ،‬فقد ألَّ ف أول كتاب ذي شأن حول قراصنة الكمبيوتر والقانون بعنوان‪« :‬قمع قراصنة الكمبيوتر»‬

‫هناك ع==دد كب==ير( (بانتام‪ ،)١٩٩٣ ،‬وهو أول كتاب أيضًا يُن َشر من قِبل دار نشر كبرى ويصدر على اإلنترنت في الوقت نفسه‬

‫وقد ك=ان ‪).‬للحصول على نسخة )‪: (stuff.mit.edu/hacker/hacker.html‬من النسخ متاح؛ ارجع إلى الصفحة التالية‬

‫‪.‬لقراءة هذا الكتاب الفضل في لفت انتباهي إلى مؤسسة الحدود اإللكترونية التي حالفني الحظ بالعمل معها مدة أربعة أعوام‬

‫هي منظم==ة خيري==ة قائم==ة على العض==وية‪ ،‬وبه==ا مزاي==ا للطلب==ة‪ .‬وتنف==ق ه==ذه )‪ (www.eff.org‬مؤسس==ة الح==دود اإللكترونية‬

‫المؤسسة األموال التي يدفعها األفراد لها للحفاظ على اإلنترنت آم ًنا؛ أمام الحرية الشخصية‪ ،‬وحرية التعبير‪ ،‬ومراعاة األصول‬

‫القانونية‪ =،‬وغير ذل==ك مم==ا ينص علي=ه ميث==اق الحق=وق‪ .‬وه==ذه المؤسس=ة هي أك==ثر الجه=ات المدافع==ة عن الحري=ات فاعلي==ة على‬

‫اإلنترنت‪ ،‬ويمكنك مشاركتها النضال عن طريق االشتراك في قائمتها البريدية‪ ،‬والكتابة للمس==ئولين المنتخ==بين من قبل==ك عن==دما‬

‫يفكرون في التضحية بك بحجة مكافحة اإلره=اب أو القرص==نة أو المافي==ا أو أي أوه==ام أخ==رى تث==ير مخ==اوفهم‪ .‬تس==اعد مؤسس==ة‬

‫الحدود اإللكترونية كذلك في تطوير موجهات االتصال المجهول (تور)‪ ،‬وهي تقنية حقيقية يمكن==ك اس==تخدامها «اآلن» لتج==اوز‬

‫‪ (tor.eff.org).‬جدران الحماية الرقابية للحكومة أو المدرسة أو المكتبة‬

‫ولمؤسسة الحدود اإللكترونية موقع إلكتروني ضخم وزاخر بمعلومات مذهلة موجهة للجمهور من عامة الناس‪ ،‬شأنها في ذل==ك‬

‫وحرك==ة ‪ (publicknowledge.org)،‬وجمعي==ة المعرف==ة العامة ‪ (aclu.org)،‬ش==أن االتح==اد األم==ريكي للحري==ات المدنية‬


‫وهي الجه==ات الج==ديرة )‪ (creativecommons.org‬ومنظم==ة المش==اع اإلب==داعي ‪ (freeculture.org)،‬الثقاف==ة الح==رة‬

‫جميعها بدعمك‪ =.‬والثقافة الحرة هي حركة طالبية دولية تكلف الطلبة بتأسيس جماعات محلية خاصة بهم في الم==دارس الثانوي==ة‬

‫‪.‬أو الجامعات التي يدرسون فيها‪ ،‬فيما ُي َعد طريقة رائعة للمشاركة وإحداث فارق‬

‫يؤرخ العديد= من المواقع اإللكترونية الصراع من أجل الحريات على اإلنترنت‪ ،‬لكن هذه المواق==ع كاف==ة ال تض==اهي في نش==اطها‬

‫‪» (slashdot.org).‬موقع «سالشدوت‬

‫وينبغي لك بالطبع زيارة ويكيبيديا‪ =،‬تلك الموسوعة القائمة على المشاركة وتتك==ون من مق==االت يتم إرس=الها له==ا ع==بر اإلن==ترنت‬

‫بحيث يمكن ألي أحد تحريرها‪ ،‬ويزيد عدد المدخالت فيها على المليون مدخل باللغة اإلنجليزية فقط‪ .‬تتناول ويكيبيديا القرصنة‬

‫والتمرد على الثقافة السائدة بعمق مذهل وتحديث بسرعة النانوثانية‪ .‬التحذير الوحيد هنا هو أنه ال يمكنك االطالع فحس==ب على‬

‫ما يُن َشر على هذه الموسوعة‪ ،‬فمن األهمية بمكان أن تلقي نظرة على راب َطي «ت==اريخ الص==فحة» و«نق==اش» الموج==ودَين أعلى‬

‫كل صفحة بالموقع؛ لترى كيف تم التوصل إلى النسخة الحالية من المقال الذي تقرؤه‪ ،‬وتدرك وجهات النظر المتنافس==ة حول==ه‪،‬‬

‫‪.‬وتقرر بنفسك فيمن ستثق‬

‫وال==ذي يع==د ‪» (cryptome.org)،‬أما إذا أردت جني معرفة محظورة ح ًّق==ا‪ ،‬فعلي==ك ب==المرور س=ري ًعا على موق==ع «كريبت==وم‬

‫السجل األكثر إذهااًل في العالم للمعلومات السرية والمحظورة والمتحررة‪ .‬فيجمع ناشرو هذا الموقع‪ ،‬الذين يتسمون بالش==جاعة‪،‬‬

‫‪.‬المواد التي تم انتزاعها من الدولة بموجب طلبات قانون حرية المعلومات األمريكي أو تسريبها بواسطة الواشين‪ ،‬وينشرونها‬

‫وأفضل ما أُلِّف في تاريخ التشفير دون منازع رواية «كريبتونوميكون» لمؤلفها نيل ستيفنسن (أفون‪ .)٢٠٠٢ ،‬يروي ستيفنسن‬

‫في هذه الرواية قصة آالن تورينج وجهاز إنيجما النازي‪ ،‬ليقدم لنا بذلك رواية حرب ال يمكن للق==ارئ تركه==ا من بين يدي==ه قب==ل‬

‫‪.‬إتمام قراءتها‬

‫وحزب القراصنة‪ ،‬الذي ُذكِر في رواية «األخ األصغر»‪ ،‬حزب حقيقي وقائم بالفعل — في وقت كتابة ه==ذه الس==طور (يولي==و‪،‬‬

‫وال==دنمارك والوالي==ات المتح==دة وفرنس==ا‪ .‬ال ي==زال التح==رر من التقليدي==ة )‪ — )٢٠٠٦ (www.piratpartiet.se‬في السويد‬

‫‪.‬محدود النطاق‪ ،‬لكنه يتبع كافة السبل ليتحقق‬

‫وعلى ذكر التحرر من التقليدية‪ ،‬فقد حاول بالفعل آبي هوفمان والييبيز رفع البنتاجون في الهواء‪ ،‬وإلقاء األموال في البورصة‪،‬‬

‫والعمل مع مجموعة «ارفع يديك على الحائط أيها السافل»‪ .‬وقد أُعي َدت طباعة كتاب آبي هوفمان المتميز الذي يتحدث فيه عن‬

‫خداع النظام ويحمل عنوان «اسرق هذا الكتاب» (فور وولز إيت ويندوز‪ ،)٢٠٠٢ ،‬وهو متوفر ك==ذلك على اإلن==ترنت كموق==ع‬

‫‪ (stealthiswiki.nine9pages.com).‬ويكي تعاوني متاح لمن يرغبون في محاولة تحديثه‬


‫ُت َعد كذلك سيرة هوفمان الذاتية‪ =،‬التي تحمل عنوان «قريبًا على شاشة الس=ينما» (الص=ادرة ً‬
‫أيض=ا عن دار نش==ر ف=ور وال=ز إيت‬
‫صا مذهاًل‬
‫ويندوز)‪ ،‬إحدى السير الذاتية المفضلة لديَّ على اإلطالق‪ ،‬وإن كانت تطغى عليها الصياغة الروائية‪ .‬كان هوفمان قا ًّ‬
‫يتمتع بفطرة النشطاء العظم==اء‪ .‬لكن==ك إذا أردت االطالع على حيات==ه بح==ق‪ ،‬فعلي==ك بق==راءة كت==اب الري س==لومان «اس==رق ه==ذا‬

‫‪.‬الحلم» (دابلداي‪)١٩٩٨ ،‬‬

‫لمزيد من المتعة من الثقافة المتمردة‪ =،‬عليك بقراءة رواية ج==اك ك==يرواك «على الطري==ق»‪ ،‬ويمكن ش==راء ه==ذه الرواي==ة من أي‬

‫متجر كتب قديمة= مقابل دوالر واح=د أو دوالرين فحس=ب‪ .‬أم=ا قص=يدة آالن جي=نزبرج «ع=واء»‪ ،‬فهي مت=وفرة على اإلن=ترنت‪،‬‬

‫لمزي==د من المعلوم==ات‪ ،‬ابحث ‪ (archive.org).‬الخاص به==ا على موقع ‪ MP3‬ويمكنك سماعها بصوته إذا بحثت عن ملف‬

‫عن ألبوم «تيندرنس جانكشن» لفرقة فاجز‪ ،‬والذي يتضمن تس==جياًل ص==وت ًّيا آلالن جي==نزبرج وآبي هوفم==ان أثن==اء مراس==م رف==ع‬

‫‪.‬البنتاجون‬

‫هذا وما كان الكتاب الذي بين يديك ليرى النور ل==وال رواي==ة «‪ ،»١٩٨٤‬ذل==ك العم==ل الرائ==ع لج==ورج أوروي==ل ال==ذي غيَّر وج==ه‬

‫العالم؛ وهي أفضل رواية ُنشِ رت على اإلطالق حول انحراف المجتمع==ات عن الطري=ق الق=ويم‪ .‬لق==د ق=رأت ه==ذه الرواي==ة للم==رة‬

‫األولى وأنا في الثانية عشرة من عمري‪ ،‬ووصل عدد مرات قراءتي لها منذ ذل==ك الحين ثالثين أو أربعين م=رة‪ ،‬وفي ك=ل م==رة‬

‫أخرج منها بشيء جديد؛ فقد كان أورويل قا ًّ‬


‫صا من الطراز األول‪ ،‬وأثار اشمئزازه االستبداد= الذي ظهر في االتحاد الس==وفييتي‪.‬‬

‫وتمثل هذه الرواية اآلن نموذجً ا لرواية الخيال العلمي المرعبة بحق‪ ،‬وهي إحدى الروايات التي «غيرت العالم» بكل ما تحمله‬

‫ه==ذه العب==ارة من مع==نى‪ .‬وص==ارت اآلن كلم==ة «أورويلي» مراد ًف==ا للدول==ة المس==تبدة ال==تي تم==ارس التع==ذيب والتفك==ير الم==زدوج‬

‫‪.‬والرقابة‬

‫تناول العديد= من الروائيين أجزا ًء من رواية «األخ األصغر»‪ .‬ومن األمثلة على ذلك العم ُل الكوميدي الرائ==ع ل==دانيال بينك==ووتر‬

‫«آالن مينديلسون‪ :‬ش==اب من الم==ريخ» (المنش==ور حال ًّي==ا كأح==د أج==زاء مجموع==ة «‪ ٥‬رواي==ات»‪ ،‬الص==ادر عن دار نش==ر ف==ارار‬

‫وستراوس وج=يروكس‪ ،)١٩٩٧ ،‬وه=و كت==اب يل=زم على ك=ل عاش=ق للتكنولوجي==ا قراءت==ه؛ ف==إذا ش==عرت يو ًم==ا بأن=ك منب==وذ من‬

‫‪.‬مجتمعك لكونك شديد الذكاء أو الغرابة‪ ،‬فعليك بقراءة هذا الكتاب‪ .‬لقد غيَّر حياتي‬

‫ثمة رواية أخرى أكثر معاصرة بعنوان «حدث باألمس» (ريزوربيل‪ )٢٠٠٤ ،‬بقلم سكوت ويسترفيلد‪ .‬تستعرض ه==ذه الرواي==ة‬

‫مغامرات الشباب المبتكرين لالتجاهات الجديدة وال==داعمين ألس=لوب التش==ويش اإلعالني‪ .‬وق==د ك=ان لس==كوت وزوجت==ه جاس==تين‬

‫!الربليستير دور في إلهامي بتأليف كتاب للشباب‪ ،‬وتشاركهما في ذلك كاثي كوجا‪ .‬شكرً ا لكم يا رفاق‬

You might also like