Professional Documents
Culture Documents
ﺧﺮﻳﻒحىت غلب اسم هذه القبيلة على املنطقة اليت استوطنتها ،وعلى أهل املنطقة ﺍﻟﺸﻬﺮ :القرن الرابع امليالدي يطلع
أصبحت كلمة احلبشة ترادف أثيوبيا (.)2 203228ا ،-و
أنفسهم ،فغدا اجلميع أحباش ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ:
628411 ﺭﻗﻢ :MD
ويرجع بعض الباحثني االسم إىل منشأ آخر ،فيقول" :تدل أرجح الدراسات على أن االسم العريب
ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ:
IslamicInfo,األجناس املختلطة ،قد بدأ يطلق على تلك البالد منذ أن
AraBaseين اخلليط ،أو
ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ:أو (حبشان) الذي يع
ﻗﻮﺍﻋﺪ (حبشة)
ين،ﺍﻹﺳﻼﻡاملهاجر
ﻗﺒﻞ علىﺍﻟﻌﺮﺏ أول األمر
ﺍﻟﺤﺒﺸﺔ ، ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ هذا االسم
ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ، امليالد ،،وأطلق ﺩﻭﻟﺔ قبل
ﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ،السابع
ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕيف القرن
ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ:بدأت اهلجرة من اجلزيرة العربية
،ﺍﻷﺣﺒﺎﺵ
وتفوقهم على السكان األصليني أصبح اسم حبشة يطلق على مجيع سكان ولكن نظرا لكثرهتم وأمهيتهم
http://search.mandumah.com/Record/628411 ﺭﺍﺑﻂ:
تلك املنطقة (.)3
فهذا الباحث يرد كلمة حبشة إىل األصل العريب ،أو املعىن العريب الذي يقول :إن التحبيش هو
التجميع ،انطالقا من التمازج الذي حصل بني القبائل العربية املهاجرة ،وبني السكان األصليني ،فقد جاء
يف املعجم الوسيط :حبش :معناها مجع له ،فيذكر حبش له حبشا :أي مجع له ،واحتبش الشيء أي مجعه،
وحتبش القوم أي جتمعوا ،أما كلمة احلبش ،فتطلق على سكان احلبشة ،واملفرد حبشي ،واجلمع حبشان،
وهؤالء ال عالقة هلم أبحابيش قريش ،فأحابيش قريش مجاعة من قريش وكنانة وخزاعة اجتمعوا عند حبشي
وهو جبل أبسفل مكة وحتالفوا عنده (.)4
أاي كان أصل الكلمة ،فاحلبشة هي املرادف ألثيوبيا ،وحدودها قدميا بني النيل غراب والبحر األمحر
شرقا ،والنوبة مشاال إىل ما وراء خط االستواء جنواب ،وتشمل حاليا :جزء من السودان واحلبشة والصومال
وأرترياي ،أما حدودها الشمالية واجلنوبية فقد طرأت عليها تغريات كثرية يف العصور الوسطى (.)9
وأول مملكة أتسست لألحباش هناك هي مملكة (أكسوم) ،اململكة احلبشية األوىل ،وذلك حوايل
القرن السابع قبل امليالد ،إذ أتسست أول األمر يف اجلبال ،مث امتد سلطاهنا إىل الوداين واملناطق الساحلية
حىت ضمت أرترياي ،وترجع بعض الرواايت أن العاصمة أخذت اسم أكسوم من مؤسسها (أكسوماي) (،)6
وال تزال إىل اليوم أكسوم العاصمة الدينية مللوك احلبشة الذين يتوجون فيها ،وأخذت هذه اململكة تتوسع
على حساب جرياهنا ،وقد اعرتف هبا الرومان على أثر فتحهم ملصر عام 30ق.م ،وأشار مؤرخو الرومان
هلا ابسم ( ،)Axumitoeامتدت غراب إىل وادي النيل ،ومشاال حىت سواكن (.)2
وكانت هذه اململكة تدين ابلوثنية ،مث بدأت املسيحية تتسرب إليها عن طريق طوائف من
املبشرين ،وعن طريق العالقات التجارية مع بيزنطة ،وتكثر الرواايت عن طريقة انتشار املسيحية يف هذه
اململكة ،ولكن املهم أن املسيحية أصبحت الداينة الرمسية ململكة أكسوم عندما قام ملكها عزانة ابعتناق
املسيحية حوايل عام 390م ( ،)8ومنذ ذلك احلني غدت كنيسة احلبشة مرتبطة بكنسية مصر ،ويعد
األسقف فرومنتوس املرسل من قبل اإلسكندرية مؤسس الكنيسة احلبشية وأول أسقف هلا ،ويقوم البطريرك
القبطي بتعيني أسقف (مطران) للحبشة (.)1
أوال :العالقة بني العرب واألحباش قبل اإلسالم:
العالقة بني األحباش األفارقة والعرب قدمية جدا ،تعود إىل عدة قرون قبل امليالد ،وكان الطابع العام
الذي يسود هذه العالقة السالم ،إال أهنا بدأت أتخذ منحى جديدا منذ بداية القرن السادس امليالدي،
شكل اخلوف والتهديد ،ال بل حىت احلروب يف بعض األحيان ،جوهر هذه العالقات ،واستمر هذا املنحى
حىت بعد ظهور اإلسالم وانتشاره يف القرن السابع امليالدي/األول اهلجري ،كما ظل سائدا حىت بداايت
العصر احلديث.
متثلت العالقة بني العرب واألحباش يف البداية ابلعالقات التجارية اليمنية -اإلفريقية واليت يرجعها
البعض على األقل إىل القرن العاشر قبل امليالد ( ،)10وأن بعض القبائل العربية آنذاك حتركت من اليمن
ابجتاه احلبشة لالستقرار هناك ،وقد متثل ذلك بقبيليت احلبشان واألجاعز ( ،)11فقد دلت النقوش القدمية يف
احلبشة على أهنم كانوا يستخدمون يف هذه احلقبة اللغة والكتابة السبئية (.)12
بناء على هذا التقارب فإنه من املتوقع أن تستقر العالقات السياسية بني الشعبني ،غري أن
املنازعات وقعت بينهم أكثر من مرة ألسباب عدة؛ إذ كانت األسباب االقتصادية آنذاك هي الغالبة عليها،
واليت متثلت يف رغبة األحباش ابلسيطرة على طرق التجارة اليت كانت متر من البحر األمحر وبالد العرب،
فيذكر عن دولة أكسوم يف أول بروزها أهنا أخذت ترسل احلمالت إىل اجلهات املختلفة ،ومن بينها اليمن،
وحني بدأت توسعها اإلقليمي عربت البحر األمحر وهامجت اليمن ،واستطاعت ابلفعل أن تستويل على
اليمن فيما بني عامي 233 - 230م ،بدليل النقش الذي تركه امللك عيزاان والذي سجل فيه فتوحاته
( ،)13إال أن ملوك محري الذين كانوا حيكمون منذ مدة طويلة (الدولة احلمريية الثانية 119ق.م – 929م)
متكنوا من طرد األحباش واالحتفاظ حبكمهم حىت عام 929م (.)14
إال أن الصدام الذي وقع بني أهل اليمن واألحباش عام 929م اختذ طابعا جديدا مل تكن تعرفه
املنطقة من قبل ،طابعا تلون بلون ديين ،وبذلك تكون احلبشة قد سبقت أورواب بقرون عديدة من انحية
احلروب الدينية والتعصبية.
فالداينة املسيحية وجدت طريقا هلا إىل اليمن واستقرت وانتشرت هناك ،وكان ذلك بواسطة
األحباش ،ومن ورائهم الروم ،يف الوقت الذي وجدت فيه اليهودية متنفسا هلا يف عصر الدولة احلمريية
الثانية ،قادمة من يثرب وخيرب ،وقد وصلت إىل حد متكنت فيه يف مطلع القرن السادس امليالدي من أن
جتعل (يوسف ذي نواس) امللك احلمريي يقوم ابعتناق اليهودية ،ويرى بعضهم أن ذلك كان بدافع قومي
( )10عبده بدوي :السود واحلضارة العربية ،دار قباء ،القاهرة 2001 ،م ،ص .92
( )11جواد علي :املفصل يف اتريخ العرب .131 /6 ،عبده بدوي :املرجع نفسه ،ص .92
وجتدر اإلشارة هنا إىل أمهية قبيلة اجلعز أو األجاعز ،فقد سادت لغتها يف املنطقة وغدت اللغة األدبية للمسيحية ،وغردت اللغرة األثيوبيرة تعررف
ب ر (لسران اجلعررز) وأقردم نررذ كترب هبرذه اللغررة وجرد علررى مسرلة تعرود إىل القرررن الثالرث املرريالدي .انظرر ،عابردين :بررني احلبشرة والعرررب ،ص
.13جواد علي :املفصل يف اتريخ العرب.131 /6 ،
( )12فيليب حيت :اتريخ العرب ،تر :حممد مربوك انفع ،مطبعة العامل العريب ،ط ،2ج ،1ص .68 -62
( )13عابدين :بني احلبشة والعرب ،ص .166
( )14بدوي :السود واحلضارة العربية ،ص .98
301العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ..
بعد أن أدرك أبن املسيحية املتجسدة ابألحباش قد أصبحت أداة للسيطرة على البالد ومقدراهتا ( ،)19لذلك
أمعن هذا امللك يف اضطهاد النصارى يف بالده ،ويقال إن ذلك كان ردا على ما حلق ابليهود من اضطهاد
يف اإلمرباطورية البيزنطية ( ،)16على الرغم مما قيل ال ميكننا جتاهل البعد االقتصادي هلذا االضطهاد ،فازدايد
نفود التجار املسيحيني -التابعني لبيزنطة -وما جينونه من أرابح بعد سيطرهتم على طرق التجارة رمبا أاثر
حفيظة ذي نواس ،لذلك راح ميارس سياسة االضطهاد حبقهم أمال يف حتويل هذا الثراء إىل اليهود (،)12
ووصل احلد به إىل أن يتوجه إىل جنران عام 923م ويطلب من أهلها اعتناق اليهودية ،فلما رفضوا قام حبفر
اب ِ
َص َح ُ
أخدود هلم وحرقهم ،وهؤالء هم أصحاب األخدود الذين ورد ذكرهم يف القرآن بقوله تعاىل " :قُت َل أ ْ
ات الْوقُ ِ
ود.)18( ".... ْاأل ِ ِ ِ
ُخ ُدود ،النَّار َذ َ
ْ
وملا علم إمرباطور بيزنطة آنذاك وهو جستنيان األول ( 922 - 918م) ابحلادثة عن طريق
شخذ امسه دوس ذو ثعلبان الذي متكن من الفرار من احملرقة واالستغاثة ابإلمرباطور ( ،)11قام هذا
اإلمرباطور مع بطريرك اإلسكندرية (وامسه آنذاك تيموش )Timothyبتحريض جناشي أكسوم لالنتقام
لضحااي جنران ،وعندما احتاج النجاشي إىل سفن لنقل قواته أمده هبا اإلمرباطور البيزنطي (.)20
فجستنيان مل يقدم بنفسه على مهامجة اليمن ألنه مل ينس إخفاق الروم يف حماولة سابقة هلم للسيطرة
على اليمن عام 24ق.م ،و اليت كانت حتت قيادة إليوس جللوس ،ورافقها اجلغرايف سرتابون ،وكانت تضم
حوايل عشرة آالف مقاتل ( ،)21ولكنه تذكر أيضا وجود حليف قوي لإلمرباطورية البيزنطية يف تلك املناطق،
وهي مملكة أكسوم ،اليت كانت يف ذروة نشاطها ترفع العلم املسيحي يف البحر األمحر يف الوقت الذي كانت
اإلمرباطورية البيزنطية ترفعه يف البحر املتوسط ( ،)22وابلفعل مت التحالف املسيحي ضد عرب أو يهود اليمن،
وحقق ملك احلبشة جناحا ملحوظا؛ إذ قضى على الدولة احلمريية ،وقضى على ذي نواس الذي آثر أن
يقتحم البحر بفرسه على أال يقع أسريا يف يد األحباش ( ،)23مث عني على اليمن مسيحي محريي هو مسيفع
أشوع ( )Esimiph aiosملكا اتبعا له ( ،)24وبذلك يكون -كما عرب أحد املؤرخني األوربيني -أصبح
الدين كرة قدم سياسية يف هذا امللعب اجلنويب (.)29
ميكن مقاربة هذه احلادثة ابحلروب الصليبية ،الغطاء ديين ،واهلدف سياسي اقتصادي ،إذ ميكن عد
الغزو احلبشي هذا لليمن أنه مقدمة لفتح جبهة جديدة للصراع البيزنطي الفارسي ،فاحلمرييون كانوا حلفاء
الفرس ،وال يعدو أن يكون ذو نواس صنيعة فارسية ،وابملقابل أكسوم صنيعة لبيزنطة ،لذلك جند أن
اإلمرباطور جستينان ( 969 – 922م) يرسل رسوال امسه جوليان عام 931م إىل بالط ملك احلبشة
وبالط ملك محري املسيحي ليقنع الدولتني ابالحتاد والتحالف ضد الفرس ،وقد وافق ملك احلبشة ووعده
حبرب اقتصادية ضد بالد فارس ،مؤداها قيام احلبشة ابلقضاء على احتكار الفرس لتجارة احلرير ،وذلك
ابلعمل على نقل هذه السلعة على سفن حبشية مباشرة من سيالن إىل موانئ البحر األمحر ،كذلك فقد
وافق ملك محري على ذلك مبا أنه اتبع مللك احلبشة ،كما أهنم حاولوا القيام بعمل حريب ضد بالد فارس
انطالقا من محري ،ولكن ذلك مل يتم لبعد الشقة بني محري وفارس (.)26
وال بد من اإلشارة إىل أن هذا الغزو احلريب رافقه غزو عقائدي متثل ببناء كنسية "القليس" يف
صنعاء والعمل على تنصري البالد ،وحتويل احلجاج من مكة إىل صنعاء ،ورمبا كان السبب وراء ذلك هو أن
حتل صنعاء حمل مكة جتاراي ،وتطورت هذه املنافسة إىل أن قام رجالن من قبيلة فقيم بتدنيس (القليس) يف
أمسية أحد األعياد ( ،)22ورمبا كان السبب وراء ذلك ما أحدثته صنعاء وكنيستها من مضايقة اقتصادية
ملكة ،املهم أن هذه احلادثة أغضبت أبرهة والذي شرع إبعداد محلة لتدمري مكة استخدم فيها الفيلة ،لكن
احلملة أخفقت ،ومسي العام بعام الفيل نسبة هلذا احلادثة ،وهو عام مولد الرسول صلى هللا عليه وسلم
( 921م) وقد أشار القرآن الكرمي إىل هذه احلادثة يف سورة الفيل (.)28
بعد وفاة أبرهة خلفه ولداه يكسوم مث مسروق ،وخالل حكم مسروق قامت ثورة وطنية يف اليمن
تزعمها ذو يزن ،مث ابنه سيف بن ذي يزن وابنه اآلخر معد يكرب ،وانتهت هذه الثورة بطرد األحباش من
اليمن مبساعدة الفرس ،فأضحت اليمن بعدها اتبعة للفرس منذ عام 910م ،وظلت على هذه احلال حىت
فتحها املسلمون سنة 13ه 634/م (.)21
اثنيا :العالقة بني العرب وأكسوم بعد ظهور اإلسالم:
مل تتغري العالقات بني الطرفني بعد ظهور اإلسالم ،ما خال تلك املدة القليلة اليت سادت فيها
عالقات طيبة إابن عصر البعثة النبوية ،عندما هاجر املسلمون إىل احلبشة بعد أن اشتد أذى قريش هلم،
فأشار الرسول عليهم ابهلجرة إىل احلبشة "لو خرجتم إىل أرض احلبشة فإن هبا ملكا ال يظلم عنده أحد"
( ،)30لذلك ميكن اإلقرار أبن هذه العالقات حتسنت بينهم إذا اعتربان أن املسلمني هاجروا إىل أكسوم،
ولكن ذلك على األرجح مل يتم ،فهناك من يشري إىل أن املسلمني هاجروا إىل السودان احلايل قرب النيل
األبيض ،وتذكر بعض املصادر أن الذي استقبل املسلمني هو امللك أصحمة بن أجبر ،ويؤكد أحد الباحثني:
"أن الذي رحب ابملسلمني يف احلبشة ليس هو جناشي احلبشة ،أي ملك ملوك احلبشة ،إمنا الذي
رحب هبم هو حاكم اإلقليم الساحلي "حبر جنش" ،والذي مساه املسلمون ابلنجاشي أصحمة ،وهذا اإلقليم
الذي كان حيكمه أصحمة ميتد يف مشال هضبة احلبشة ويواجه ساحل هتامة ،وهو بذلك أقرب البالد إىل
احلجاز ،ومن املعروف أن بالد احلبشة مل تكن يف معظم فرتات اتر ها القدمي والوسيط مملكة واحدة ،بل
كانت ممالك عديدة ،كل منها على رأسها جناشي أو ملك ،ويرأس هؤالء مجيعا جناشي النجاشية الذي
كانت له السيطرة على هؤالء امللوك الصغار مجيعا ،وليس هناك دليل على أن املسلمني املهاجرين إىل
احلبشة قد وصلوا إىل جناشي النجاشية أو عاصمته أكسوم" (.)31
أاي تكن الرواية الصحيحة فإن املسلمني عادوا من احلبشة يف العام السابع من اهلجرة ،وعاد بعضهم
قبل ذلك ،ومات أصحمة يف العام التاسع من اهلجرة ،وبوفاته تنتهي مدة الوفاق ،فقد توىل احلكم بعد
أصحمة رجل مل يسلك مسلك سلفه ،إذ قام إبرسال سفينة لإلغارة على جدة ،وبلغ الرسول صلى هللا عليه
وسلم هذا اخلرب ،فأرسل علقمة بن جمزز املدجلي على رأس سرية تتكون من 300مقاتل للتصدي هلذه
الغارة ،وملا شعر األحباش بوصول املسلمني عادوا إىل بالدهم دون أن يقع صدام بينهم (.)32
مل تنجح تلك احلملة يف مسعاها ،ولكن دلت على الروح العدائية عند األحباش ،ورمبا هذا ما دفع
الرسول صلى هللا عليه وسلم -أو رمبا كان قبل ذلك -لتحذير املسلمني من األحباش قائال :اتركوا
احلبشة ما تركوكم" (.)33
تكرر هذا العداء يف عهد اخلليفة عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه ،عندما أغارت احلبشة على
ساحل البحر األمحر الشرقي ،وتطرقت بالد املسلمني ،فرد على ذلك اخلليفة عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه
إبرسال محلة حبرية إىل بالد احلبشة سنة 20ه 640 /م ،على رأسها علقمة املدجلي نفسه ،إال أن احلملة
فشلت ،ألن املسلمني مل تكن لديهم خربة بركوب البحر وقتئذ (.)34
تكرر اهلجوم سنة 83ه 202 /م ،عندما تعرضت سواحل جزيرة العرب وجتار العرب لنهب
القراصنة األحباش ،فقط سطا هؤالء على ميناء جدة واستباحوها ذلك العام ،فقرر اخلليفة األموي سليمان
بن عبد امللك ( 82 - 69ه 209 - 689/م) الرد على هذا العمل بوسائل فعالة عندما عمل على
السيطرة على بعض املناطق االسرتاتيجية يف البحر األمحر جتاه الساحل اإلفريقي ،واستقر الرأي على احتالل
جمموعة جزر دهلك جتاه ميناء مصوع ،ومت ذلك فعال ( ،)39ولكن هذا مل يردع األحباش عن االستمرار
أبعمال القرصنة ،ومن ذلك هجومهم على ثغر جدة سنة 193ه 220 /م ،حيث اضطر اخلليفة أبو
جعفر املنصور إىل إرسال جيش لتفريق مشلهم ( ،)36وقد تكررت اهلجمات غري مرة ،ففي أايم اخلليفة املأمون
اعتدى األحباش على املسلمني يف منطقة البجة يف السودان ،مما دفع اخلليفة إلرسال جيش بقيادة عبد هللا
بن اجلهم لتأديبهم ،وأوعدهم يف كتاب تعهدوا سفيه بعدم االعتداء على املسلمني وكان ذلك سنة 216ه/
831م ،غري أن غاراهتم جتددت يف عهد املتوكل الذي أسرع إبرسال جيش بقيادة حممد اللقمي سنة 241
ه 899 /م ،قمعهم به ،وصاحلهم ،وتعهدوا اثنية بعدم التعرض للمسلمني (.)32
اثلثا -املسلمني يف احلبشة:
منذ وقت مبكر بدأ اإلسالم يتسرب إىل أقاليم احلبشة ،وأتسست ممالك إسالمية أو مشيخات
هناك ،وقد أحاطت اإلمارات اإلسالمية أبفريقيا الشرقية عامة ،أي اجلهة املقابلة للجزيرة العربية ،وأطلق
املؤرخون على هذه املمالك اسم "الطراز اإلسالمي" ،ألهنا امتدت على جانب البحر فكانت كالطراز له
( )33علي بن حسام الدين اهلندي :كنز العمال يف سنن األقوال واألفعال ،تح :بكري جيراين وصرفوة السرقا ،مؤسسرة الرسرالة ،برريوت1121 ،
،ج ،4ص ،369احلديث رقم .10139
( )34ابن األثري (حممد بن حممد ،ت 630 :ه) :الكامل يف التاريخ ،تح :عبد الوهاب النجار ،القاهرة 1341 ،ه ،ج ،2ص .381
( )39الشاطر بصيلي عبد اجلليل :معامل سودان وادي النيل من القرن العاشر إىل القرن التاسع عشر ،مصر 1190م ،ص .8 - 2
( )36طرخان :اإلسالم واملمالك اإلسالمية ،ص .30
( )32طرخان :املرجع نفسه ،ص .31
350العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ..
( ،)38واشتهرت منها سبع إمارات أو ممالك هي :أوفات ،دوارو ،وأرابيين ،وهدية ،وشرفا ،وابيل ،ودارة (،)31
ابإلضافة إىل جمموعة من املشيخات واملراكز املنتشرة على ساحل البحر األمحر واحمليط اهلندي ،ومنها:
عوان ،ومقدشو (مقديشو) ،وبراوا ،وسيو ،وبيت المو ،ومالندي ،ومافيا ،وكلوة ،وموزانبيق ،وكليفي،
وممبسا ،وزنزابر (.)40
هذه املمالك وغريها كانت مرتبطة ابلعامل اإلسالمي اخلارجي عن طريق التجارة واحلج ،وانتقال
طالب العلم للدراسة يف املدينة املنورة ودمشق والقاهرة ،غري أهنا ظلت سياسيا خاضعة مللك احلبشة ،ومع
أن امللك يف هذه اإلمارات كان وراثيا ألسر معينة ،إال أن أمراءها ال يتولون العرش إال أبمر من احلطي
وموافقته ،فإذا مات أحدهم ،وكان من أهل بيته من يصلح للملك توجه للحطي متزلفا إليه ،فجميع أمراء
هذه املمالك ال رجون عن كوهنم نوااب له ،وكانت تفرض على هذه املمالك ضرائب معينة يف كل سنة،
تدفع مللك احلبشة من القماش واحلرير والكتان مما جيلب من مصر واليمن والعراق (.)41
رابعا -عالقة املماليك مع األحباش:
حدثت يف العصر اململوكي (وهو صلب البحث) حتوالت جذرية يف هيكلية توزع القوى العاملية،
ومن مث يف التفاعالت اإلسالمية الدولية ،وأصبحت مصر مركز العامل اإلسالمي اقتصاداي وسياسيا ودينيا،
اقتصاداي متثل يف سيطرهتا على نصيب كبري من التجارة العاملية ،وسياسيا؛ متثل يف امتالكها ألفضل جيش
مدرب آنذاك وامتدادها على رقعة جغرافية كبرية ،هي مصر وبالد الشام واحلجاز واليمن ،واليت غدت
موحدة يف ظل حكم املماليك ،مما أعطاها بعدا اسرتاتيجيا ،أما دينيا؛ فقد متثلت زعامتها يف كوهنا مقر
اخلليفة العباسي املمثل للشرعية اإلسالمية انطالقا من هذا فقد كانت -وملدة ثالثة قرون -املركز الرئيس
يف التفاعالت اإلسالمية الدولية.
أما أكسوم أو أثيوبيا حاليا فقد كانت آنذاك من أهم دول البحر األمحر ،وهلا دور كبري يف جتارة
الكارم ( )42أحد أهم مصادر االقتصاد األساسية لسلطنة املماليك -كما عدت نفسها حامية ألقباط
مصر ،فالكنيسة القبطية هي اليت تولت نشر املسيحية يف إفريقيا ،وغدت أكسوم أهم الدول املسيحية
( )38القلقسندي (أمحد بن علي ،ت 821ه) :صبح األعشى يف صناعة اإلنشا ،وزارة الثقافة واإلرشاد القومي مبصر ،ج ، 9ص .324
( )31العمري (أمحد بن حيىي ،ت 241 :ه) :مسالك األبصار يف ممالك األمصار ،تح :محزة عباس ،اإلمارات العربية ،السفر الرابع ،ص .91
( )40طرخان :اإلسالم واملمالك اإلسالمية ،ص .41
( )41العمري :مسالك األبصار ،ج ،4ص .62
( )42استخدم مصطلح الكارم للداللة على طائفة من التجار ،عملت بشكل رئيسي بتجارة التوابل والبهار الواردة إىل مصر من اهلنرد عررب ثغرور
اليمن والبحر األمحر ،وشكلوا أكرب قوة مالية يف سلطنة املماليك بعد قوة احلكومة.
د .أنس عبد هللا حممد 355 ..
اإلفريقية ،وهي على املذهب اليعقويب ( ،)43مذهب الكنيسة القبطية ( ،)44وملوك النوبة واحلبشة حتت طاعة
البطريرك القبطي يف مصر ،والكنيسة القبطية يف اإلسكندرية هي اليت تتوىل عملية تنصيب األساقفة يف تلك
البالد" ،فال يصح تعمد معمودي إال ابالتصال من البطريرك" (.)49
على هذا فاملطران املصري له مكانة حمرتمة يف نظر احلبشة ،ويف هذا يقول العمري" :وإذا كتب إليه
-أي بطريرك اإلسكندرية إىل ملك احلبشة -كتااب فأتى ذلك الكتاب إىل أول مملكة ،خرج عميد تلك
األرض ،فحمل الكتاب على رأس علم ،وال يزال حيمله بيده حىت رجه من أرضه ،وأرابب الدولة يف تلك
األرض كالقسوس (مجع قس) والشمامسة حوله مشاة ابألذخنة ،فإذا خرجوا من أرضهم تلقاهم من يليهم
أبدا ،كذلك يف كل أرض بعد أرض حىت يصلوا إىل أحمرة ( ،)46فيخرج صاحبها بنفسه -أي امللك -
ويفعل مثل ذلك الفعل األول ،إال أن املطران هو الذي حيمل الكتاب لعظمته ال لتأيب امللك ،مث ال ينصرف
امللك يف أمر وال هني وال قليل وال كثري حىت ينادي للكتاب وجيمع له يوم األحد يف الكنسية ويقرأ امللك
واقفا مث ال جيلس جملسه حىت ينفذ ما أمر به" (.)42
أدت هذه التبعية (تبعية الكنسية احلبشية للكنسية املصرية) إىل وجود قدر كبري من االتصاالت بني
الدولتني ،ومل ختل هذه االتصاالت من التوترات ،فسالطني املماليك كانوا ينظرون بعني الريبة للعالقة بني
بطاركة اإلسكندرية وملوك احلبشة ،لذا جند أن هذه االتصاالت يف العصر اململوكي كانت تتم حصرا عن
طريق السالطني ،وليس عن طريق االتصال املباشر ،وابلتايل ميكن احلديث عن عالقات حبشية مملوكية.
اختلفت طبيعة العالقات واملراسالت من وقت إىل آخر متأثرة ابحلالة العامة للمماليك واألحباش،
ففي النصف الثاين من القرن السابع اهلجري /الثالث عشر امليالدي ،بلغت السلطنة اململوكية ذروة جمدها
ومنعتها ،وتواىل على حكمها سالطني أقوايء مرهوبو اجلانب أمثال الظاهر بيربس ،واملنصور قالوون ،يف
الوقت الذي كانت فيه احلبشة أو أكسوم هشة البنية ،وذلك عندما اعتلت عرشها سنة 661ه 1220/م
أسرة جديدة؛ هي األسرة السليمانية ،وكان أول ملوكها امسه يكونو أمالك -661( Jekuno Amlack
684ه 1289 -1220/م) الذي حاول توطيد أواصر العالقة مع مصر ( ،)48إذ قام إبرسال رسالة تودد
إىل السلطان الظاهر بيربس سنة 623ه 1224 /م ،ضمن كتاب صاحب اليمن بعد أن طلب يكونو
أمالك من هذا األخري الوساطة ،ويف الرسالة يطلب مطراان ،وتشري الرسالة إىل إرسال هدية إىل السلطان،
وذكر فيها ما يقع حتت ملكه من املسلمني يف احلبشة ،ورمبا كان هذا نوع من التهديد اخلفي ،إال أن
السلطان رفض طلبه حبجة عدم حضور رسل من جهة إمرباطور احلبشة ( ،)41ويف احلقيقة إن السلطان كان
قد أرسل قبل ذلك رسالة إىل ملك احلبشة لالطمئنان على املسلمني ،ألن "ملك احلبشة الكافر قتل ملوك
احلبشة املسلمني ،واستوىل على بالدهم" ( ،)90فتأخرت هذه الرسالة مما أغضب السلطان الظاهر ( ،)91وقد
شعر ملك احلبشة بذلك ،لذا مل جيرؤ على االتصال بشكل مباشر مع السلطان عندما احتاج مطراان جديدا
لبالده ،بل أرسل كتابه إىل مصر عن طريق صاحب اليمن ،وكان الرد رفض طلبه حبجة عدم قدوم رسله.
وعندما اعتلى عرش أكسوم (جيبا صيون بن يكونو أمالك 614 -684ه1214 – 1289 /
م) أراد أن حيسن العالقة مع مصر ،فأرسل وفدا إىل مصر مزودا برسائل إىل السلطان وإىل بطريرك
اإلسكندرية ،فاألوىل كانت إىل السلطان قالوون :طلب فيها السماح لرسله ابلتوجه إىل القدس ،وأوصى
ابلرهبان األحباش املقيمني يف القدس ( ،)92مث طلب مطراان إلصالح بالد احلبشة ،وذكر أنه تلف عن أبيه
وأنه حيفظ املسلمني يف مجيع مملكته - ،ويف هذا إشارة إىل أن أابه املعاصر للظاهر بيربس اضطهد املسلمني
ومل حيفظهم -كما أنه طلب تعاوان وسالما لصاحل كل من املسلمني واملسيحيني يف البلدين ،أما الرسالة
الثانية فقد كانت موجهة إىل البطريرك (يؤانس السابع) بطريرك األقباط يف مصر ( 1213 -1221م)،
وتطلب أسقفا جديدا ( ،)93وتوضح هذه الرسالة الروابط الوثيقة بني الكنسية احلبشية والكنسية املصرية،
وقد جنحت هذه السفارة وعني األسقف (.)94
()99
لكن ما إن قويت مملكة احلبشة وحققت االستقرار يف عهد اإلمرباطور عمدا صيون األول
( )41ابررن عبررد الظرراهر (حمرري الرردين ،ت 612 :ه) :تشرريف األايم والعصررور يف سرررية امللررك املنصررور ،تررح :مرراد كامررل ،الشررركة العربيررة للطباعررة
والنشر ،القاهرة ،ط 1161 ،1م ،ص .262
( )90ابن عبد الظاهر :تشريف األايم والعصور ،ص .188 - 112
( )91سعيد عاشور :بعض أضواء جديدة على العالقات بني مصر واحلبشة يف العصور الوسطى ،ا لة التار ية املصرية ،القراهرة ،1168 ،جملرد
،14ص .16
( )92كران يقطرن يف القرردس طائفرة مررن األحبراش ،وكرران هلرم يف العصررر اململروكي ،وال يرزال حررىت اآلن ،ديرر يسررمى بردير احلرربش مالصرق لكنيسررة
القيامة ،ابإلضافة إىل هؤالء املقيمني كان هنالك عدد كبري من احلجاج الذين يرتددون إىل القدس ،أنظر أنس احملمد :احلياة االجتماعيرة يف
القدس يف عصر املماليك على ضوء واثئق احلرم القدسي الشريف ،رسالة ماجستري غري منشورة ،جامعة دمشق ،2010 ،ص .131
( )93لقد وردت هذه الرسائل عند ابن عبد الظاهر :تشريف األايم والعصور.123 - 120 ،
( )94عبد ا يد عابدين :بني احلبشة والعرب ،ص .124
( )99عمرردا صرريون مبعررىن عمررود أو دعامررة صرهيون ،وحسررب شرررح القلقشررندي فهرري تعررين ركررن صررهيون ،وصررهيون هرري بيعررة قدميررة ابإلسرركندرية
معظمة عندهم ،القلقشندي :صبح األعشى :ج ،9ص ،322العمري :مسالك األبصار ،السفر الرابع ،ص .86
د .أنس عبد هللا حممد 352 ..
( 249 -214ه 1344-1313 /م) حىت تغريت هلجة اخلطاابت املرسلة إىل مصر ،وأصبحت حتمل
ألواان من التهديد والوعيد ،فعلى سبيل املثال جند أن هذا اإلمرباطور قد أرسل إىل السلطان الناصر حممد بن
قالوون -بعد أن شهدت مصر يف عهده اضطراابت طائفية بني املسلمني واألقباط -خطااب شديد اللهجة
سنة 229ه 1329 /م ،طالب فيه حبسن معاملة النصارى وبناء كنائسهم ،وراح يهدد ابختاذ إجراءات
مضادة ملسلمي احلبشة ،وحتويل جمرى النيل عن مصر ،غري أن الناصر مل يعبأ هبذا التهديد وطرد السفارة
احلبشية (.)96
فالعالقات اململوكية األكسومية كانت ختضع ملؤثرات داخلية وأخرى خارجية ،فالعصور الوسطى
شهدت قمة التعصب والصراع الديين ،فكثر تبادل الرسائل بني األحباش واملماليك حول حسن معاملة
األحباش للمسلمني ،واملماليك لألقباط ،فال يستطيع املرء إنكار أن مماليك مصر قد ضايقوا األقباط يف
بعض األحيان ،ولكن كان ذلك يف الغالب انعكاسا لعدوان صلييب أوريب ،والذي كثر يف تلك األايم،
كعمليات القرصنة يف البحر املتوسط ،أو نتيجة لعدوان األحباش على مسلمي الزيلع (الصومال) ا اورين
هلم.
وال بد هنا من اإلشارة إىل أن املمالك اإلسالمية واألراضي اليت تسيطر عليها هذه املمالك فاقت
يف املساحة أراضي مملكة احلبشة ،وكانت هذه املمالك حتيط هبا من اجلنوب والشرق ،فضال عن إحاطة
اإلسالم هبا من انحية السودان ،الشمال والغرب ،وهذا ما جعل مملكة احلبشة معزولة عن العامل اخلارجي،
لذا بدأت األسرة السليمانية يف أكسوم ابلعمل على تدعيم سلطاهنا وتوسيع ملكها على حساب املسلمني،
وعملت على شن محالت عسكرية وحشية ضدهم ،ويف هذه احلاالت نالحظ ردات فعل تلفة من قبل
املماليك ،إما عن طريق إرسال سفارات وإما عن طريق الضغط على نصارى مصر كوسيلة لردع األحباش،
فعلى سبيل املثال عندما اشتد عدوان األحباش على الزايلعة ،جاءت إىل الناصر حممد بن قالوون سفارة من
مسلمي الزيلع برائسة عبد هللا الزيلعي وطلبت منه التدخل حلماية املسلمني ،عندئذ أمر السلطان بطريرك
األقباط يف مصر ابلكتابة مللك احلبشة ليوقف هذا العدوان ( ،)92فكتب له "كتااب بليغا شافيا فيه معىن
اإلنكار هلذه األفعال ،)98( "....إال أن عدواهنم مل يتوقف وامتد مشاال ليشمل مناطق أوسع يف سنة 283
ه 1381/م ،األمر الذي دفع ابلظاهر برقوق عند استالمه السلطنة إىل تكرار الطلب مللك احلبشة لوقف
( )96املقريررزي (أمحررد بررن علرري ،ت 849ه) :السررلوك ملعرفررة دول امللرروك ،تررح :حممررد مصررطفى زايدة ،مطبعررة جلنررة التررأليف والرتمجررة والنشررر،
القاهرة 1121 ،م ،ج ،2ق ،1ص .220
( )92العمري :مسالك األبصار ،السفر الرابع ،ص .62
( )98العمري :املصدر نفسه والصفحة نفسه.
352العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ..
( )91جرراء عنررد كررل مررن ابررن إايس وابررن حجررر العسررقالين أنرره يف سررنة 283ه ورد اخلرررب أن متملررك احلبشررة داود بررن سرريف أرعررد تعرردى علررى
أطرراف الرربالد ابهلجرروم علررى أسروان ،فلمررا بلررغ األاتبكرري برقروق -مل يكررن قررد أصرربح سررلطاان بعررد -ذلررك بعررث يف طلررب بطريررق النصررارى
اليعاقبة وامسه مىت بن مسعان ،وأمره أبن يكتب إىل صاحب احلبشة أبن ال يتعرض لبالد السلطان ،فكتب البطريق برذلك ،ونردب السرلطان
حلمررل رسررالته الربهرران إبرراهيم الرردمياطي نقيررب قاضرري القضرراة املررالكي ،وتتوافررق الرسررالة الرريت صررن بصررددها يف هررذا املقررال مررع مررا جرراء عنررد
هررذين املررؤرخني .انظررر ،ابررن إايس (حممررد بررن أمحررد) :برردائع الزهررور يف وقررائع الرردهور ،تررح :حممررد مصررطفى ،اهليئررة املصررية العامررة للكترراب،
الق رراهرة ،ط 1183 ،2م .281/2/1 ،اب ررن حج ررر العس ررقالين (أمح ررد ب ررن عل رري ،ت 829ه) :إنب رراء الغم ررر أببن رراء العم ررر ،دار الكت ررب
العلمية ،مصورة عن نسخة دار املعارف العثمانية ،ط ،2بريوت 1186م.46/2 ،
( )60يذكر صاحب نزهة النفوس أنه يف 11ذي احلجة سنة 288ه وصلت رسل احلبشة بكتاب ملكهم داود برن سريف أرعرد ،ومعهرم هديرة
حيملها عشرون مجال مشحونة ابلطرائف والتحف .أنظر :الصرييف (علي بن داود ،ت 100 :ه) :نزهة النفوس واألبدان يف تواريخ الزمران،
تح :حسن حبشي ،مطبعة دار الكتب ،القاهرة 1120 ،م ،ج ،1ص .149
( )61املقريررزي :اإلملررام أبخبررار مررن أبرض احلبشررة مررن ملرروك اإلسررالم ،منشررور ضررمن رسررائل املقريررزي ،تررح :رمضرران البرردري وأمحررد قاسررم ،دار
احلديث ،القاهرة 1118 ،م ،ص .143 -232
( )62فيذكر العسقالين أن يف السابع من مجادى األوىل سنة 822ه أحضر السلطان املؤيد شيخ بطررك النصرارى إىل اإلسرطبل بسربب مرا يقرع
يف احلبشة من إهانة املسلمني ،وكان ذلك أحرد األسرباب الريت جعلرت السرلطان نمرر أبن ال يباشرر أحرد مرن النصرارى يف دواويرن السرلطان
وال األمراء وال غريهم .أنظر :ابن حجر العسقالين :إنباء الغمر أببناء العمر ،ج ،2ص .391
د .أنس عبد هللا حممد 351 ..
( )63السخاوي (حممد بن عبد الرمحن ،ت 102ه) :الترب املسبوك يف ذيل السلوك ،مكتبة الكليات األزهرية ،القاهرة ،ص .22 -68
( )64كانت حركة احلجاج األحباش إىل القدس مستمرة ،وختتلف أعداد املشاركني من عام إىل عام ،ففي عام 886ه بلغ عددهم ثالثرة آالف
حرراج ،ويف عررام 122ه بلررغ عررددهم منمائررة حرراج .انظررر ،ابررن طولررون (حممررد بررن طولررون ،ت 193 :ه) :مفاكهررة اخلررالن يف ح روادث
الزمان ،تح :حممد مصطفى ،املؤسسة املصرية العامة ،القاهرة ،ج 1162/1م ،ص ،31ج 1164/2م ،ص .9
( )69إبراهيم طرخان :مصر يف عصر دولة املماليك اجلراكسة ،مكتبة النهضة املصرية ،القاهرة 1160 ،م ،ص .192
( )66رجب عبد احلليم ،العالقة بني مسلمي الزيلع ونصارى احلبشة ،ص .118 – 101
( )62املقريزي :السلوك ،ج ،4ق ،2ص .219
عاشور :بعض أضواء جديدة ،ص 30نقال عن Kammerer. La mer roug. Tome.i pp. 294-304.
351العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ..
ملكها ،فبدأت بسلسلة من املشاريع من أجل ذلك ،وأحد هذه املشاريع هو احلرب االقتصادية ،وحرمان
سلطنة املماليك من املصدر األساسي لقوهتا وغناها؛ أال وهي التجارة ،وهذا كمقدمة الهنيارها سياسيا
وعسكراي ،ويف الوقت الذي كثرت فيه قرارات البابوية بتحرمي التجارة مع املسلمني ومنع الرتدد إىل موانئ
تلك السلطنة املطلة على املتوسط - ،وقد قام آل لوزجنان يف قربص هبذه املهمة خري قيام ( - )68فمنذ
ذلك الوقت وهي تبحث عن حليف صلييب يف اجلنوب ،فلم يكن هناك أفضل من دولة األحباش املسيحية
ليتحالف معها الصليبيون ويعتمدوا عليها يف إغالق املدخل اجلنويب للبحر األمحر ،ومنع جتارة الشرق
األقصى من السري فيه إىل موانئ مصر ( ،)61وقد كثرت السفارات لتحقيق هذه اخلطة ،حىت إن بعضها مت
القبض عليه من قبل املماليك ،كسفارة البااب اليت أرسلها عام 1316م ،وسفارة ملك فرنسا عام 1338م
(.)20
وبشكل عام مل تفلح هذه املشاريع األوروبية -األكسومية ،وإمنا أتت بنتائج عكسية متثلت بضغط
السلطان على مسيحي مصر ،ونالحظ ذلك بشكل واضح بعد محلة اإلسكندرية سنة 262ه1369 /
م ،يف حني استطاعت السفارات واالتصاالت الدبلوماسية أن حتقق بعض النتائج الطيبة لصاحل املسيحيني
يف النوبة ومصر ،ولصاحل املسلمني يف احلبشة.
خامسا :سفارة احلطي داود بن سيف أرعد إىل السلطان الظاهر برقوق سنة 222ه 5223/م:
يف هذا اإلطار ميكن أن ننظر إىل رسالة اندرة مرسلة من داود بن سيف أرعد ملك احلشبة إىل
الظاهر برقوق سلطان املماليك ،أوردها ابن شاهني الظاهري يف كتابه "موكب الرتك وكوكب امللك" ،وابن
شاهني هو غرس الدين خليل بن شاهني الظاهري ،تويف سنة 823ه 1468 /م ،تقلد مناصب إدارية
عالية يف سلطنة املماليك ،مما جعله يطلع على تفاصيل األمور ،وكانت معلوماته واثئقية ،وابلنسبة هلذه
الرسالة فإن ابن شاهني -وحلسن احلظ -قد أوردها كاملة يف كتابه املذكور سابقا ( ،)21وحتمل هذه
( )68عاشور :احلركة الصليبية صفحة مشرقة يف اتريخ اجلهاد العريب يف العصور الوسطى ،مكتبة األجنلو املصرية ،القاهرة 1121 ،م ،ج ،2ص
.1202 – 1209
( )61مارينو سرانوتو :كتراب األسررار ،اجلرزء الثرامن والثالثرون مرن املوسروعة الشراملة يف اتريرخ احلرروب الصرليبية ،أتليرف وحتقيرق وترمجرة د .سرهيل
زكار ،دار الفكر ،دمشق ،ص 69وما بعدها.
( )20عاشور :بعض أضواء ،ص .30
( )21هررذا املخطرروط موجررود لرردى د .سررهيل زكررار ،وقررد مت االعتمرراد علررى هررذه النسررخة ،وحلسررن احلررظ فقررد ورد نررذ هررذه الرسررالة يف طرروط
موجررود يف بطريركيررة األقب راط األرثرروذكس يف مصررر ضررمن جمموعررة امسهررا (جمموعررة سرررية ب ررالم ويواصررف) حتررت رقررم ،42ص ،31 -231
ولدى قراءة النصني فإن االتفاق بينهما يكاد يكون كامال من حيث املعىن ال اللفظ ،وسيتم إيراد نذ ابن خليل الظراهري ،وسرتتم اإلشرارة
يف احلاشية إىل الزايدة والنقذ ،أو إىل االختالف الذي قد يؤدي إىل تغري املعىن وسيتم الرمز إىل طوط بطريركية األقباط برمز (س).
د .أنس عبد هللا حممد 352 ..
الرسالة يف طياهتا هتديدا خفيا ،كما أهنا حتمل أيضا مشروعا سلميا بني الطرفني ( ،)22واالطالع عليها جيعلنا
نقع على مشهد يعرب بشكل مباشر وابختصار على العالقة بني الطرفني ،وهذا نصها (*):
"وقد وقفت على كتاب صدر عن احلطي ( )23داود بن سيف أرعد ( ،)24يذكر فيه أنه متصل
النسب ابمللك يف بالده إىل سليمان بن داوود عليه السالم ( ،)29للسلطان امللك الظاهر أيب ( )26سعيد
برقوق ( )22سقى هللا تعاىل عهده ،وهذه نسخته:
()28
"بسم هللا الرؤوف الرحيم ،من السلطان امللك األصيل املدعو بنعمة هللا وأحكامه قسطنطني
ابن امللك امللك األعز سيف أرعد ،السلطان امللك املرحوم عمدة سيوف مالك اتبوت عهد هللا من موسى
الكليم عليه السالم ( ،)21ملك امللوك والسالطني النجاشية ابألقاليم احلبشية الكرسية املتوج بتاج ملكه
وإكرامه ،امللك العادل يف أحكامه ،املختار من هللا سبحانه للجلوس على كرسي قسطنطيين زمانه ،وجناشي
عصره وأوانه ،أطال هللا تعاىل العز الدائم بقاءه ،وخلد ملكه وارتقاءه ،وكبت حسدته وأعداءه ،ونصر
جيوشه وعساكره – وعالمته خبط يده بني السطور ابحلبشي :احملب داود املدعو قسطنطني )80( -إىل املقام
( )22من املرجح أن تكون هذه الرسالة ردا على الرسالة الريت كران قرد أرسرلها األاتبكري برقروق سرنة 283ه ،وقرد مترت اإلشرارة إليهرا مسربقا يف
احلاشية رقم 99و ،96هنا مل يرذكر ابرن خليرل الظراهري اتريرخ الرسرالة ،لكنهرا واعتمرادا علرى أمرور عردة يررجح أن اتر هرا هرو سرنة 284
ه ،فقررد ورد عنررد املقريررزي يف أحررداث 284ه ،ج ،3ص 426ومررا بعررد قرردوم سررفارة مررن عنررد ملررك احلبشررة ،والسررطور القليلررة القادمررة
تؤكد أهنا يف سنة 284ه.
(*) نذ الرسالة فيه أخطاء صوية ولغوية كثرية ،وأغلب الظن أهنا من كاتب الرسالة ،آثران تركها على حاهلا إبقاء للنذ على صورته األصلية.
( )23احلطي تعين امللك أو السلطان ،وهو حبشي ،أنظر املقريزي :اإلملام ،ص .231
( )24داود بررن سرريف أرعررد بررن عمرردا صرريون ( 814 - 284ه 1411 - 1382 /م) :امللررك السررابع مررن األسرررة السررليمانية ال ريت حكم رت
احلبشة من عام 162 – 661ه 1991 -1220/م.
( )29تقول األسطورة احلبشية أبن ملوكهم ينحدرون من صلب النيب سرليمان عليره السرالم مرن خرالل زواجره مرن بلقريس ملكرة سربأ ،وحرىت اآلن
فررإن املررادة الثانيررة مررن الدسررتور األثيررويب تررنذ علررى أن يظررل العرررش بصررفة دائمررة حمصررورا يف نسررل هيالسالسرري األول لكونرره سررليال مباشررا
للملك منليك األول ابن ملكة سبأ من النيب سليمان ،أنظر ،عبد هللا حسن الشيبة :دراسات يف اتريخ اليمن القدمي ،مكتبة الوعي الثوري،
الرريمن ،تعررز 2000 ،م ،ص .289لكررن اليهررود ال يعرردوهنم يهررودا ألن أمهررم ليسررت يهوديررة ،وهررو شرررط أساسرري ليكررون املنتسررب إلرريهم
يهودا.
( )26كتبت يف األصل (أبو)
( )22حكم برقوق سلطنة املماليك مرتني ،األوىل من 210 -284ه والثانية من 801 -212ه.
( )28يتعمد ملوك احلبشة يف بعض األحيان تلقيب أنفسهم بقسطنطني أو قسطنطيين يف مراسالهتم ،انظر ،السخاوي :الترب املسبوك ،ص .68
( )21يدعي هؤالء كما ذكران االنتساب إىل سليمان عليه السالم ،وكان عند بين إسرائيل التابوت يتوارثونه وفيه السكينة مما تررك آل موسرى وآل
هارون ،وتذكر املروايت اإلسرائيلية أهنم كرانوا يصرطحبونه معهرم يف املعرارك ،فينتصررون بربكتره .انظرر ،الطرربي :اتريرخ الرسرل وامللروك ،ج ،1
ص .424
( )80مل ترد هذه املقدمة من النعوت يف نسخة (س) ،وإمنا ورد فقط (بسم هللا الرمحن الرحيم من احملب داود املردعو قسرطنطني إىل املقرام املولروي
الكبريي.).......
352العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ..
العايل املولوي الكبريي السلطاين امللكي العاديل السيفي سيف الدين امللك الظاهر أبو سعيد برقوق سلطان
املسلمني واإلسالم بداير مصر والشام ،سيد األانم اخلاص منهم والعام ،أعز هللا أنصاره ،وضاعف علوه
واقتداره ،ورفع لواءه ومناره ،وحما بعدله أسباب الظلم وآاثره ،وجعل الفضل من شعاره.
أما بعد محد ( )81هللا تعاىل مقلد ملك أرضه من شاء من عباده ،وحافظ عهد أوليائه وأنبيائه
الصادقني القائمني أبوامره ومراده ،كما سبق ميعاده ،صمده على ما أوالان من جزيل نعمته ،ونشكره شكرا
نستزيد به جزيل آالئه ونسأله اإلعانة على القيام مبا يرضيه فيما خولنا إايه من التخصيذ هبذه املمالك
الوسيعة ،واملنزلة العالية الرفيعة "إنه على كل شيء قدير" ،وقد شهر عند كل عارف ومرتدد عظم مقدار
ممالك بالد احلبشة ،وكل ملوكهم حملهم معروف عند سائر امللوك ،وأهنم منصورون من هللا تعاىل يف كل
تصرفاهتم ،وذلك أن مقاصدهم اخلري لسائر الناس أمجعني ،ويعتمدون ( )82العدل واإلنصاف يف رعاايهم،
والشفقة عليهم ،وردع الظاملني ،ومنع املتعسفني عن أذية الرعية أمجعني ،وإيصال احلقوق للمستحقني،
وأتمني السبيل ،واإلحسان للغريب والنزيل ،وحفظ العهود ألولياء العهد ما داموا له حافظني ،وإنصاف
املظلومني من الظاملني ،فهذه شيمنا قد ذكرانها لكم.
السالم عليكم سالما جزيال وافرا ،كما يليق بعظمة سلطانكم ،والسالم على أفراد دولتكم األعزة،
وأخصائكم ،ومقدمي جيوشكم األكابر ،ورمحة هللا وبركاته عليكم أمجعني ،وبركات األولياء الصاحلني آمني.
أما بعد ،نعلمكم بعد جتديد السالم عليكم أنه ملا أراد هللا تعاىل برمحته ومشيئته وأحكامه الغري
مدركة جلوسنا على كرسي امللك الشريف ،وتقليدان للمملكة املعظمة ،واتفاق سائر امللوك واألمراء،
ومقدمي الدولة والوزراء ،وكل اجليوش والعساكر ابلسلطنة املعظمة النجاشية فجلسنا على كرسي امللك
الذي ورثناه من داود النيب ،وابنه عليهما السالم ( ،)83فقابلنا ذلك ابحلمد والشكر هلل تعاىل ،مث نظران يف
أمور الرعية ،وإطالق احملبوسني واملأسورين ،وفتحنا السبل للتجار واملسافرين ،وأمعنا النظر يف مصاحل
بالدكم ،ويف الوصية ابلتجار الكارميه ( ،)84وغريهم برا وحبرا ،وأمران بتجهيز الغالل ،ومحلها إىل السواحل
اإلسالمية كما سبق من العهود بني امللوك املتقدمني ببالدان وبالدكم ،وابخلاصة ما كان امللك األكمل عمد
سيون ( )89جدي يعتمده من اخلري مع كل أحد ،كل ذلك ألجل الوصية أببينا البطرك ( ،)86وإخوتنا
النصارى ابلداير املصرية ،واألقاليم الشامية ،ومراعاته ،ومنع من يتعرض إليهم أبذية ،واآلن فقد ورد إلينا
كتاب أبينا ورأسنا ورئيسنا السيد البطرك (مىت) ( ،)82بطريرك اإلسكندرية ،والداير املصرية ،واحلبشية،
والنوبية ،على يد األسقف املكرم إبراهيم ( )88ورفقته ،وكتابكم على يد رسولكم القاضي برهان الدين
الدمياطي ( )81ورفقته الفقهاء ،فقابلناه براية الفرح ،مث قابلناهم ابإلكرام والتمجيد ،وهم قد أهنوا إلينا أن قوما
عرفوكم أبان قد رمسنا ابلتسلط على املسلمني املقيمني ببالدان من الصادرين والواردين ،الذين حتت سلطاننا،
ورمسنا فيهم ابلقتل واألسر واإلكراه على الدخول يف ديننا ابجلور والقهر ،وأهنم يف أمور ضارة شاقة ،وهذه
األمور أكثرها سقيم ،وانقلها على الكذب مقيم ،فينبغي ملن له النظر يف تدبري اململكة اإلسالمية مقابلة
الكاذبني مبا يستحقوه من القصاص الواجب ،ألن هؤالء القوم املذكورين الذين أهنوا أان هلم مضرون ،فهم
()10
زارعون يف بالدان راضون غري مستكرهني ،وكانوا فقراء معوزين ،وصاروا جتارا مغلني ،ويتجرون ويكسبون
شرقا وغراب ،وال من جزية ،وال من حق ،وال من مكس يطالبون به ،بل أبكثر أهل البالد مكرمني ( ،)11ومن
اختار منهم الرجوع إىل بالده وأهله فما له من يعيقه عن ذلك ،وإن اختار اإلقامة فما له من مينعه من
ذلك ،وأما اإلكراه على الدخول يف ديننا فغري واجب يف كتبنا ،وإن اتفق ذلك يكون منهم ابلرضا ،والرغبة
إلينا فيه ،وأما إحساننا إىل مجاعة املسلمني يف كل وقت وحني فهو ظاهر للعارفني ،أول ذلك حبر النيل
الذي جيري من بالد احلبشة إىل أرض مصر وأعماهلا ،وطرق جراينه إىل الداير املصرية بعيدة جدابء ،صعبة
املسالك ،وصن أنمر إبقامة أانس أشداء يسوقوها ويسهلوا سبيلها وطريقها ،مث يصرفوا منها إىل أماكن أخر
ما لو وصل إىل الداير املصرية ألغرقها وغرق كل ما فيها ،مث نمر كل وقت إبرسال الغالل إىل السواحل
ونواحيها ،والثغور واملني اإلسالمية ( ،)12ألجل من يرد من التجار الكارمية ،والصادرون من الداير املصرية،
( )89يف (س) "عبررد سررنون" عمررد سرريون أو عمررد صرريون األول بررن ودم أرعررد ،حكررم احلبشررة ح روايل ثالثررني عررام 249-214 ،ه-1314/
1344م ،وقد تقدم شرح معىن صيون ،انظر حاشية رقم .99
( )86يف (س)...." :عبررد سررنون جرردي ،وبررن امللررك الناصررر حممررد بررن قررالوون مررن احملبررة واالتفرراق ومررا كرران يعتمررد امللررك الناصررر رمحرره هللا تعرراىل
الوصية أببينا البطرك وإخوتنا النصارى" .......
( )82هررو مررىت بررن مسعرران كمررا ورد عنررد ابررن إايس يف برردائع الزهررور ،ج ،1ق ،2ص ،281وعنررد ابررن حجررر العسررقالين يف إنبرراء الغمررر/2 ،
.46ويف (س) ورد ابسم "أنبا متاءوس".
( )88يف (س) "أبراهام".
( )81هو نقيب قاضي القضاة املالكي آنذاك ،وهو الذي محل رسالة برقوق إىل ملك احلبشة .انظر احلاشية رقم .91
( )10يف (س)" :وميشون " ولعلها يتاجرون
( )11كتبت يف األصل (مكرومني) يف (س)" :بل هم أكثر من أهل البالد يكرمون".
( )12يف (س)" :الكور واملدن اإلسالمية".
330العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ..
املصرية ،والواردين إىل الثغور من البالد اليمنية واهلندية ،واملسافرين إىل األقطار احلجازية ،وما يعول املقيمني
واملرتددين إىل ثغر سواكن وغريها برا وحبرا ،وأنمر حبفظ الطرقات من املتجرمني ( ،)13ومنع املؤذيني ،وقطع
آاثر املفسدين ،وأما ترتيب اإلقامة ابلبالد احلبشية ،فإن لكل من يرد إليها من املسلمني األمن ( ،)14فلو
سار إنساان منهم يف البالد مع سعتها وكثرة أهلها ،فهو على نفسه وماله من اآلمنني ،مث غري ذلك،
االحتفال ابمللوك والسالطني املسلمني الذين هم حتت سلطاننا وحوزتنا ،وصن هبم ظافرين ،وكل من توىف
منهم إىل ربه ،نقيم مكانه من ذريته ،ومن نسله من يوم مقامه ،ونسلم إليهم بالدهم ،ونسلطهم عليهم (،)19
وأنمرهم أن يعطوهم اخلراج ،واحلقوق الواجبة على الرعية للملوك ،وهم مكرمني ،مبجلني ( ،)16مبجلني
( ،)12مع إنصاف شكوى من آللة ظالمة منهم ومن غريهم ،وإجرائهم على حكم احلق والعدل واإلنصاف،
(وهلو الذي نعتمده مع املسلمني فيما شرحناه لكم ،ليس أان خناف سطوهتم ،فإهنم ذمتنا ورعيتنا ،وحتت
قضيب مملكتنا من أكرب ملوكهم إىل أقل من فيهم وإمنا اعتمادان هذا واجب كوهنم رعيتنا أوال ،واثنيا ألجل
الوصية التامة أببينا البطريرك وإخوتنا النصارى ،وكنائسهم ،وأديرهتم بسائر املمالك اإلسالمية) ( ،)18وأما
هؤالء القوم الذين أهنوا إليكم ما قد طالعتوان به ،فال يصدقوا علينا؟ ألهنم أصحاب غرض فاسدون مفتنون
بني امللوك ،لكن من أساء السرية من امللوك الذين حتت سلطاننا وخامر علينا ،وامتنع عن القيام مبا يلزمه من
اخلراج والقطيعة اليت عليه يف كل بالده أسوة من كان قبله ،فنجرد إليه وأنمر ابلغزو عليه ،كما عادة امللوك
إذا خامر عليهم أحد ،وكمثل ما يف بالدكم ،ولكن أسالوا التجار واملرتددين إىل بالدان عن أخباران ،وما
مجعت املسلمني عليهم من األمن واألمان يف بالدان ( ،)11وأنتم تعاملوا الرعية ،وأهل الذمة عندكم بضد
ذلك ،حىت يف أايم والدي األعز سيف أرعد ( )100أرسل رسله مع اهلدااي إىل السلطنة السلطنة اإلسالمية
ابلداير املصرية ،ملا مسع أنكم مضرين أبينا البطريرك وإخوتنا النصارى ،وأرسل يعرفكم جتروهم ( )101على
( )13كتبت يف األصل (إىل املتحرمني) ،ويف (س)" :وأنمر حبفظ الطرقات من املتخوفني ومن العرابن املؤذين".
( )14يف (س)" :فكل من يرد عليها من املسلمني أنمر ابلوصية عليهم إن كانوا صادرين أو واردين".
( )19يف (س)" :ونسلم إليهم بالد النصارى من أهلنا والتزامنا ونسلطهم عليهم".
( )16زايدة يف (س)" :أكثر من النصارى".
( )12زايدة يف (س)" :أكثر من النصارى".
( )18ما بني قوسني ال يوجد ما يقابله يف (س).
( )11يف (س)" :وأما مجاعة املسلمني عليهم مزيد األمن واألمان ببالدان".
( )100سيف أرعرد برن عمردا صريون ،امترد حكمره حروايل ثالثرني سرنة 224 -249 ،هرر ،1322 -1344/وكران هرذا متشردد جردا يف معاملرة
املسلمني ،فقد أصدر أايم حكمه أمرر إبعردام كرل مسرلم أد الردخول يف النصررانية ،أنظرر ،تومراس أرنولرد :الردعوة إىل اإلسرالم ،ترر :حسرن
إبراهيم حسن وعبد ا يد عابدين ،النهضة املصرية ،القاهرة 1120 ،م ،ص .136
( )101أي جتعل رروهنم جي رررون عل ررى عوائ رردهم القدمي ررة ،ويف (س)" :وأنك ررم عزلتم رروهم م ررن خ رردمتهم وعوائ رردهم املس ررتقرة يف أايم املل رروك الس ررالفني
فقابلتموهم بضد اإلحسان".
د .أنس عبد هللا حممد 335 ..
عوائدهم القدمية املستقرة من امللوك السالفة كما قاموا بواجبهم ،كما عادة امللوك املتقدمة أنه أنه كانت رسلنا
ورسل من تقدمنا من امللوك ،إذا توجهوا إىل عندكم تلقوهم بفرح زائد وجتيبوهم عما يعرفوكم عنه ابلقبول،
ونتوان من عندكم فرحني مسرورين ،ويعودوا إلينا أبحسن خطاب مع اهلدااي الفاخرة ،من جياد اخليل
العربية ،والسالح ا وهر ،والثياب السنية وغري ذلك ،فلما نقض العهد املستقر بني امللوك السالفة صعب
ذلك على والدان املرحوم األعز سيف أرعد واجنمع عنكم ،وعن مراسلتكم ،وفعل ما قدره هللا عليه ،وهو يف
ذمتكم ،وكان ذلك مقابل ما بدا منكم ،مما يالئم من وجوه اللوم واالجنماع حىت علمتم ما حصل لكم يف
مقابل ما فعلتموه ،ومقدار اإلحسان واملراعاة الذي قطعناه عن املسلمني ،والتجار حني جذبنا حبل الود
عنكم وحرمناه.
ولكن ملا وصل إلينا كتاب أبينا ( )102ورأسنا ورئيسنا البطريرك على يد رسله مع كتابكم ورسلكم،
فقابلنا ما رسم به أبوان البطريرك ،ورجعنا بقلبنا إليكم امتثاال ملا رسم لنا به أبوان البطريرك ،فإان حتت طاعته،
وما نستطيع الفته ،واآلن فقد جهران إليكم قصادان أبحسن جتهيز ،وهم من أخصائنا وأكابر دولتنا ،وهم
()103
زرع مهيانون املكىن بزرع األمانة ،وولده أنيش أيب سعادة األسد ،وجرب أخو نيطش ،أي عبد املسيح
وعلى أيديهم اهلدااي املكرمة اليت تليق مبثلكم ،وذلك ألجل الوصية األكيدة أببينا البطريرك أنبا متاوش
( ،)104وسائر وسائر إخوتنا النصارى ابلداير املصرية ،وغريها مما حوته املمالك اإلسالمية ،وإجراؤهم على
العوائد القدمية اليت كانت امللوك العادلة يعتمدوهنا ،ومراعاهتم ،وإكرامهم ،وحفظ كنائسهم ،وأديرهتم (،)109
فإنه قد وردت إلينا األخبار أن إخوتنا النصارى عندكم مهانون ممقوتون ،وأنكم تشوشون ( )106عليهم يف
كنائسهم ،وهذا خبالف ما أمركم به صاحب شريعتكم من حفظ أهل الذمة وكنائسهم ،والقصد منكم أن
جتروهم على عوائد امللوك العادلة الذين سلفوا وأتمروا حبفظ كنائسهم ،وأديرهتم وأن تكون مواريثهم بيدهم
كما جرت العوائد القدمية ،فإن فعلتم ما عرفناكم عنه مجيعه ،فالعهد اثبت بيننا وبينكم ،واملودة ابقية،
ونعامل املسلمني أبكثر من ذلك ،ومهما فعلتموه أببينا البطريرك وإخوتنا النصارى وكنائسهم من خري أو
شر ،فنحن فاعلوه مع سائر املسلمني الذين حتت حوزتنا وسلطاننا وأنتم تكونون ( )102املطلوبني بذنوهبم
أعاذكم هللا من ذلك ،والبد أن عظمتكم تستخرب من التجار املرتددين إىل بالدان وغريهم عن سعة بالد
احلبشة ،وكثرة ملوكها وممالكها الذين هم حتت سلطاننا ،وكيف أوعدهم هللا تعاىل يف آخر الزمان فيما يفعلوه
أبمر هللا تعاىل ،وكيف تسهل هلم الطريق ،ومل ف عنكم ما نطقت به الكتب ،وصرحت به يف معىن ذلك
وغريه ( ،)108وحييط علمكم الكرمي أن مجاعة النصارى الذين حتت سلطانكم ما يواروا النذر اليسري من إقليم
واحد من أقاليم املسلمني ببالدان اليت حتت أيدينا وسلطاننا ،فتقابلوا رسلنا الواصلني إليكم مبا يليق مبثلكم،
وتقضوا هلم سائر أشغاهلم من مجيع ما كتبناه لكم من أمور إخوتنا النصارى وكنائسهم وأديرهتم ،وتدعوا رسلنا
يتوجهوا إىل القدس الشريف للزايرة والتربك منه ( ،)101وقد أرسلنا احلاج عيسى بن عبد هللا أحد رؤوس
املسلمني ،وصحبته مجاعة من فقهاء البالد ،فيعرفكم أحوال املسلمني عندان وما هم عليه من اخلري ،وهم
راكبون ( )110اخليل املسومة ،والبغال املثمنة ،وأنتم مل تسمحوا إلخواننا النصارى بركوب الدواب كما ينبغي،
ولكن صن منتظرون ملا يرد علينا من األخبار منكم على يد رسلنا سريعا ،ومهما وصل إلينا عنكم مبا فعلتموه
إبخواننا النصارى ،فنحن فاعلون ( )111أكثر من ذلك مع سائر املسلمني الذين حتت سلطاننا خريا كان أو
شرا ( ،)112ولكن قد بلغنا من املرتددين إلينا أخبار امللك اجلليل ،وما هو عليه من العدل واإلنصاف
واإلحسان والشفقة على سائر خلق هللا تعاىل خبالف ما كان عليه من تقدمه ،فسرران لذلك كثريا ،وفرحنا
الفرح الكامل مبا خصكم هللا به من اجللوس على كرسي اململكة ابلداير املصرية واألقاليم الشامية (،)113
فيجب عليكم أن حتمدوا هللا على ما أوالكم من النعم ،ونسألكم يف زايدة الوصية أببينا البطريرك ،وإخوتنا
النصارى ،وكنائسهم وأديرهتم وإكرامهم واحرتامهم ،واستمرارهم يف مباشراهتم على عوائد امللوك السالفة ،وأن
يكون مرياثهم أبيديهم ( ،)114فإذا قبلتم السؤال فسوف تسمعون ملا حيصل للمسلمني الذين حتت سلطاننا
( )108زايدة يف (س)" :ونعلمكم أن هللا تعاىل كشف لنا يف توزيع جماري النيل املبارك وصرده عرن الرداير املصررية مرا مل يكشرف ألحرد مرن امللروك
املتقدمني قبلنا".
( )101زايدة يف (س)....." :والتربك به ويسيحون لنا يف اآلاثر املقدسة الشريفة ،وقد بلغنا أن بعض أجساد الشهداء الذين لنا وهو أبرو إسرحق
الذي من دفرا أخرجوه من كنيسته وذكروا أنه عند بعض األمراء يف بيته ،والقصد من سيادتكم تشررفون إلرسرال الشرهيد املشرار إليره صرحبة
رسلنا" ......
( )110كتبت يف األصل (راكبون).
( )111كتبت يف األصل (فاعلون).
( )112زايدة يف (س)" :وقررد بلغنررا مررن املرررتددين أن مجاعررة مررن إخوتنررا احلبرروش توجهروا إىل الررداير املص ررية قاصرردين القرردس الش رريف للتررربك برره،
ومجاعة من رسلنا أيضا ختاصمهم عبيد التجار الكارمية وغريهم وأخذوهم ابليد العالية ليعملوهم مسلمني ،وهرذا غرري واجرب يف الشرريعة وال
جرت به عادة يف زمن املسلمني السالفني." .......
( )113هذا أتكيد إىل ما ذهبنا إليه يف أن اتريخ الوثيقة هو 284هر ،عام تسلطن الظاهر برقوق.
( )114يقابررل ه رزا التهديررد يف (س) ..." :مث نسررألكم أيضررا أن تتواصررو أببينررا البطريررك وإخوتنررا النصررارى وكنائسررهم الرريت أخررذمتوها وعملتموهررا
مساجد بغري حكم حق فتعيدوهنا هلم ،وأتمروا بركوب إخوتنا النصارى معتدلني واألراخنة الذين مرنهم ،والكتراب الرذي يف الدولرة ومرن جتررد
منهم على عوائدهم اليت كانت يف أايم امللك الناصر حممد بن قالوون.".....
د .أنس عبد هللا حممد 332 ..
من اخلري يف مقابلة ذلك ،ومىت -والعياذ ابهلل تعاىل -حصل األمر خبالف ذلك فليس علينا الئمة فيما
يصدر منا إىل سائر املسلمني الذين هم حتت سلطاننا لتعرفوا سعة بالدان ( ،)119وما نعامل به مجاعة
املسلمني من خري أو شر مبا يعلمه هللا تعاىل ،وهذه أمساؤهم وهم :سلطان كتوا وأقاليمه ،وسلطان مرضي
وأقاليمه ،وسلطان أرزابك وأقاليمه ،وسلطان حيزر وأقاليمه ،وسلطان مااب وأقاليمهث ،وابرض الداموت
عشرة سالطني مسلمني ،وسلطان أرسوا أبرض وج وأقاليمه ،وسلطان فرو أبرض وج أيضا ،وسلطان هاديه
الذي حتت يده من سالطني املسلمني ستة وثالثون سلطاان ،وسلطان ابكيه الذي حتت يده ثالثة وعشرون
سلطاان ،وسلطان طاح الذي حتت يده مخسون سلطاان ،وسلطان الدي أبرض دواروي (حتت يده) أربعون
سلطاان ،وسلطان فات ،كل التجار يعرفوكم سعة مملكته ،وسلطان شرح وأقاليمه ،وسلطان أرعنا وأقاليمه،
وسلطان كت وأقاليمه ،وسلطان وسكون وأقاليمه ،وسلطان محل وأقاليمه ،وسلطان األحواز وأقاليمه،
وسلطان رحوا وأقاليمه ،وسلطان حرا وأقاليمه ،وسلطان كوان وأقاليمه ،وهؤالء اجلميع يعطون اخلراج
والقطيعة من ذهب وفضة ،وقماش حرير ،وخيول وبغال وغري ذلك مما هو مقرر عليهم.
وأما الذمة الذين يف وسط البالد ال يعلم عددهم إال هللا تعاىل ،فيحيط علمكم الشريف بذلك،
وتستدركوا الفارط يف مجيع ما سألناكم فيه ( ،)116ومىت والعياذ ابهلل تعاىل مل جتيبوا ما سألناكم فيه ،وإال
فنحن نوقع الفعل جبميع أقاليم املسلمني وسالطينها ،ونسفك دماءهم ،وأنتم تكونون املطالبني بدمائهم ويف
هذا كفاية ( ،)112واملرجو من هللا سبحانه إصالح األمور لنا ولكم ،ويدمي أايم مملكتكم ،ويسمعنا عنكم
أخبارا تسر القلوب ،وتشرح الصدور بصاحل األجور ( ،)118مبنه وكرمه ،وسوابغ نعمه.
بعد إبالغ السالم الوايف األقسام عليكم ،وعلى سائر أمراء دولتكم ،ووزرائكم ،ومقدمي جيوشكم،
وكل ما يلوذ مبقامكم الشريف ،إن شاء هللا تعاىل ،واحلمد هلل وحده".
خامتة:
ابتت دراسة الواثئق وتوظيفها يف قضااي حمددة منهجا يتصدر اليوم األعمال التار ية اهلادفة ،ويف
احلقيقة إن احلديث عن العالقات اململوكية احلبشية ال يشكل ابب حبث جديد ،وإمنا اجلديد يف املوضوع هو
املعطيات اجلديدة اليت تقدم بناء على واثئق غالبا ما كانت غائبة عن بعض الباحثني ،وتزيد هذه الواثئق يف
إجالء الغموض عن بعض الوقائع ،فالكثري من الباحثني حتدثوا عن العالقات اململوكية احلبشية بناء على
( )119زايدة يف (س)....." :فليس علينا لوم فيما يصدر منا لسائر أقاليم املسلمني الذين حترت سرلطاننا وإىل الربالد املصررية مرن قطرع حبرر النيرل
املبارك وتوزيعه إىل األقاليم األخرى كما أعلمناكم يف أعلى كتابنا ومهما حيل هبم يكون الذي كان السبب فيه مطالبا بدمائهم."...
( )116زايدة يف (س)...." :يف رجوع الكنائس واألديرة بغري حكم حق وعملت مساجد."...
( )112زايدة يف (س)...." :لكن أجروا أابان البطريك وإخوتنا النصارى على عوائدهم اليت كانت يف أايم السلطان حممد بن قالوون."...
( )118لعلها األمور ،وهي كذلك عند (س).
332العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ..
إشارات تصرة وردت يف هذا املصدر أو ذاك ،زد على ذلك ندرة املصادر ،وحىت املراجع اليت عنيت بتاريخ
شرقي إفريقية بشكل جيعل العاملني يف الرتاث اإلسالمي العريب اإلفريقي جيدون صعوبة يف التعرف على
خفاايه وفك رموزه ،ورمبا قلة هذه املصادر فتحت ا ال أيضا أمام األساطري واخلرافات اليت انتشرت حول
أحداث واتريخ شعوب هذه املنطقة ،وهنا أتيت أمهية الوقوف على وثيقة كاملة تبني طبيعة العالقات
وخفاايها.
كشفت هذه الوثيقة وبكل جالء عن طبيعة احلذر القائم بني األحباش واملماليك ،فقد محلت يف
طياهتا مشروع صلح ،لكنه قائم على التهديد ،كما أن مشروع الصلح هذا قائم على عدم االعتداء وجتنب
كل طرف لآلخر ال على بناء عالقات جيدة ،فاألحباش يهددون بقطع النيل عن مصر وابلتنكيل برعاايها
املسلمني إذا ما متت اإلساءة لألقباط يف مصر ،وهي أساءت على أرض الواقع معاملة املسلمني يف أراضيها،
وقد ذهبت إىل أكثر من ذلك عندما حالفت الغرب األوريب للقيام مبشاريع صليبية مشرتكة.
أيضا قدمت الوثيقة أمساء مناطق وشعوب مسلمة جمهولة يف املصادر التقليدية ،والسبب يف ذلك
كما ذكران قلة املصادر املهتمة بتاريخ هذه املنطقة ،وحىت يف كتب اجلغرافية والرحالت مل جند تعريفا هلذه
املناطق ،وإذا وجد غالبا ما كان الرسم تلفا ،كما أن الوثيقة شكلت منوذجا جيدا للمراسالت يف العصر
اململوكي.
واجلديد يف املوضوع أن هذه الوثيقة ذاهتا ميكن استخدامها من قبل املهتمني يف القضااي املعاصرة
إلجراء بعض اإلسقاطات على العالقات بني إسرائيل ودولة جنوب السودان احملدثة مؤخرا ،وحىت إثيوبيا،
فإسرائيل كانت من أوائل الدول املعرتفة بدولة جنوب السودان ،ال بل إن زايرة الكيان الصهيوين كانت أول
عمل دبلوماسي خارجي لدولة جنوب السودان ،وأول زايرة خارجية ألول رئيس حكومة يف جنوب السودان
(سلفاكري) ،وكنا نشاهد على شاشات التلفزة كيف أن العلم اإلسرائيلي كان من أبرز األعالم املرفوعة أثناء
احتفاالت (جواب) إلنشاء دولة جنوب السودان.
جيب أال يغيب عن أذهاننا أبن النيل شكل ،وال يزال عصب احلياة يف مصر ،وقد أصاب
هريودوت عندما قال منذ قرون خلت :مصر هبة النيل ،وإذا كان األحباش أو مملكة أكسوم عاجزين عن
تنفيذ هتديداهتم بقطع النيل عن مصر يف العصر اململوكي ،فإهنم اليوم ،ومبساعدة إسرائيل على بناء سد
أثيوبيا أصبحوا قاب قوسني أو أدىن من تنفيذ هذا املشروع الذي يشكل عامل ضغط خطري على السياسة
املصرية جتاه املنطقة بشكل عام ،وإسرائيل بشكل خاص ،هذه السياسة اليت مجدت منذ عقود بكامب
ديفيد.
ويف هذا ا ال من املفيد أن نذكر هنا أبن الرهبان األحباش وحىت الفرنسيسكان املوجودين يف
القدس شكلوا إحدى قنوات االتصال بني مملكة أكسوم واألوربيني يف العصور الوسطى ،وابلتايل يبقى
د .أنس عبد هللا حممد 331 ..
-9ابن طولون (حممد بن طولون ،ت 193 :ه) :مفاكهة اخلالن يف حوادث الزمان ،تح :حممد
مصطفى ،املؤسسة املصرية العامة ،القاهرة ،ج 1162 /1م ،ج 1164 /2م.
-6ابن عبد الظاهر (حمي الدين ،ت 612 :ه) :تشريف األايم والعصور يف سرية امللك املنصور ،تح:
مراد كامل ،الشركة العربية للطباعة والنشر ،القاهرة ،ط 1161 ،1م.
-2السخاوي (حممد بن عبد الرمحن ،ت 102ه) :الترب املسبوك يف ذيل السلوك ،مكتبة الكليات
األزهرية ،القاهرة.
-8الصرييف (علي بن داود ،ت 100 :هر) :نزهة النفوس واألبدان يف تواريخ الزمان ،تح :حسن
حبشي ،مطبعة دار الكتب ،القاهرة 1120 ،م.
-1الطربي (حممد بن جرير ،ت 310 :هر) :اتريخ الرسل وامللوك ،أو اتريخ الطربي ،تح :حممد أبو
الفضل إبراهيم ،دار املعارف مبصر 1161 ،م.
-10علي بن حسام الدين اهلندي :كنز العمال يف سنن األقوال واألفعال ،تح :بكري جياين وصفوة
السقا ،مؤسسة الرسالة ،بريوت.1121 ،
-11العمري (أمحد بن حيىي ،ت 241 :ه) :مسالك األبصار يف ممالك األمصار ،تح :محزة عباس،
اإلمارات العربية.
( ___ -12أمحد بن حيىي ،ت 200 :ه) :التعريف ابملصطلح الشريف ،تح :حممد حسني مشس
الدين ،دار الكتب العلمية ،بريوت.
-13القلقسندي( :أمحد بن علي ،ت 821ه) :صبح األعشى يف صناعة اإلنشا ،وزارة الثقافة
واإلرشاد القومي مبصر( ،د .ت).
-14مارينو سانوتو :كتاب األسرار ،اجلزء الثامن والثالثون من املوسوعة الشاملة يف اتريخ احلروب
الصليبية ،أتليف وحتقيق وترمجة د .سهيل زكار ،دار الفكر ،دمشق.
-19املعجم الوسيط ،جممع اللغة العربية ،القاهرة.
-16املقريزي (أمحد بن علي ،ت 849ه) :السلوك ملعرفة دول امللوك ،تح :حممد مصطفى زايدة،
مطبعة جلنة التأليف والرتمجة والنشر ،القاهرة 1121 ،م.
:____ -12اإلملام أبخبار من أبرض احلبشة من ملوك اإلسالم ،منشور ضمن رسائل املقريزي،
تح :رمضان البدري وأمحد قاسم ،دار احلديث ،القاهرة 1118 ،م.
-18الواقدي (حممد بن عمر بن واقد ،ت 202 :ه) :املغازي ،تح :مارسدن جونس ،عامل الكتب،
بريوت.
د .أنس عبد هللا حممد 332 ..
ثانيا -املراجع:
-1إبراهيم طرخان :اإلسالم واملمالك اإلسالمية ابحلبشة يف العصور الوسطى ،ا لة التار ية املصرية،
م 1191 ،8م.
:____ -2مصر يف عصر دولة املماليك اجلراكسة ،مكتبة النهضة املصرية ،القاهرة 1160 ،م.
-3أنس احملمد :احلياة االجتماعية يف القدس يف عصر املماليك على ضوء واثئق احلرم القدسي
الشريف ،رسالة ماجستري غري منشورة ،جامعة دمشق.
-4توماس أرنولد :الدعوة إىل اإلسالم ،تر :حسن إبراهيم حسن وعبد ا يد عابدين ،النهضة املصرية،
القاهرة 1120 ،م.
-9جواد علي :املفصل يف اتريخ العرب قبل اإلسالم ،دار الساقي ،ط 2001 ،4م.
-6رجب حممد عبد احلليم :العالقات بني مسلمي الزيلع ونصارى احلبشة يف العصور الوسطى ،دار
النهضة العربية ،القاهرة 1189 ،م
-2سعيد عاشور :بعض أضواء جديدة على العالقات بني مصر واحلبشة يف العصور الوسطى ،ا لة
التار ية املصرية ،القاهرة ،1168 ،جملد .14
:____ -8احلركة الصليبية صفحة مشرقة يف اتريخ اجلهاد العريب يف العصور الوسطى ،مكتبة األجنلو
املصرية ،القاهرة.1121 ،
-1الشاطر بصيلي عبد اجلليل :معامل سودان وادي النيل من القرن العاشر إىل القرن التاسع عشر،
مصر 1190 ،م.
-10عبد العزيز سامل :دراسات يف اتريخ العرب قبل اإلسالم ،اإلسكندرية ،مؤسسة شباب اجلامعة،
د .ت.
-11عبد هللا حسن الشيبة :دراسات يف اتريخ اليمن القدمي ،مكتبة الوعي الثوري ،اليمن ،تعز،
2000م.
-12عبد ا يد عابدين :بني احلبشة والعرب ،دار الفكر العريب ،القاهرة( ،د .ت).
-13عطية القوصي :أضواء على جتارة الكارم ،ا لة التار ية املصرية ،م 1129 ،22م.
-14فانتيين :اتريخ املسيحية يف املمالك النوبية القدمية والسودان احلديث ،اخلرطوم 1128 ،م.
-19فتحي غيث :اإلسالم واحلبشة عرب التاريخ ،دار النهضة املصرية ،القاهرة( ،د .ت).
-16فيليب حيت :اتريخ العرب ،تر :حممد مربوك انفع ،مطبعة العامل العريب.
-12حممد حسني هيكل :حياة حممد ،مكتبة النهضة املصرية.1168 ،
-18منرية اهلمشري :سفارات الدولة البيزنطية إىل احلبشة وجنوب غرب اجلزيرة يف النصف األول من
.. ) العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة332