You are on page 1of 27

‫‪302‬‬

‫العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم "احلبشة"‬


‫(سفارة احلطي داود بن سيف أرعد إىل السلطان الظاهر برقوق سنة‬
‫ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺃﻛﺴﻮﻡ ‪ -‬ﺍﻟﺤﺒﺸﺔ " ﺳﻔﺎﺭﺓ ﺍﻟﺤﻄﻲ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬
‫‪ 487‬ه‪ 2881 /‬م أمنوذجا)‬
‫ﺩﺍﻭﺩ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ ﺃﺭﻋﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﺮﻗﻮﻕ ﺳﻨﺔ ‪ 784‬ﻫـ ‪ 1382 /‬ﻡ ﺃﻧﻤﻮﺫﺟﺎً "‬
‫(*)‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد‬ ‫ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫ﺍﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻌﺮﺏ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫يرجع بعض الباحثني كلمة احلبشة‪ ،‬واألحباش‪ ،‬اللتني يقابلهما يف اللغات األجنبية ( ‪Abyssinie‬‬
‫ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬ﺃﻧﺲ ﻋﺒﺪﺍﷲ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫‪ )- Abyssinians‬إىل أصل عريب‪ ،‬وهو قبيلة (حبشت) العربية اليت عربت البحر األمحر مهاجرة من‬
‫ﻣﺞ‪ ,32‬ﻉ‪134,135‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫استقرت يف شرق إفريقيا ‪ ،‬ومن املرجح أن هذه القبيلة انتقلت بني القرنني العاشر‬ ‫ﻧﻌﻢ‬
‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬جنوب بالد العرب و‬
‫تلبث أن سادت هذه القبيلة وساد امسها وأنظمتها يف املوطن اجلديد‪ ،‬فلم يكد‬ ‫قبل امليالد‪ ،‬ومل‪2014‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ والسابع‬
‫ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬

‫ﺧﺮﻳﻒحىت غلب اسم هذه القبيلة على املنطقة اليت استوطنتها‪ ،‬وعلى أهل املنطقة‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪ :‬القرن الرابع امليالدي يطلع‬
‫أصبحت كلمة احلبشة ترادف أثيوبيا (‪.)2‬‬ ‫‪203‬‬‫‪228‬ا‪ ،-‬و‬
‫أنفسهم‪ ،‬فغدا اجلميع أحباش‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫‪628411‬‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬
‫ويرجع بعض الباحثني االسم إىل منشأ آخر‪ ،‬فيقول‪" :‬تدل أرجح الدراسات على أن االسم العريب‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫‪IslamicInfo,‬األجناس املختلطة‪ ،‬قد بدأ يطلق على تلك البالد منذ أن‬
‫‪AraBase‬ين اخلليط‪ ،‬أو‬
‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬أو (حبشان) الذي يع‬
‫ﻗﻮﺍﻋﺪ (حبشة)‬
‫ين‪،‬ﺍﻹﺳﻼﻡ‬‫املهاجر‬
‫ﻗﺒﻞ‬ ‫علىﺍﻟﻌﺮﺏ‬ ‫أول األمر‬
‫ﺍﻟﺤﺒﺸﺔ ‪،‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ هذا االسم‬
‫ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ‪،‬‬ ‫امليالد‪ ،،‬وأطلق‬ ‫ﺩﻭﻟﺔ قبل‬
‫ﺍﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ‬ ‫ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ‪،‬السابع‬
‫ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕيف القرن‬
‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬بدأت اهلجرة من اجلزيرة العربية‬
‫‪ ،‬ﺍﻷﺣﺒﺎﺵ‬
‫وتفوقهم على السكان األصليني أصبح اسم حبشة يطلق على مجيع سكان‬ ‫ولكن نظرا لكثرهتم وأمهيتهم‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/628411‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬
‫تلك املنطقة (‪.)3‬‬
‫فهذا الباحث يرد كلمة حبشة إىل األصل العريب‪ ،‬أو املعىن العريب الذي يقول‪ :‬إن التحبيش هو‬
‫التجميع‪ ،‬انطالقا من التمازج الذي حصل بني القبائل العربية املهاجرة‪ ،‬وبني السكان األصليني‪ ،‬فقد جاء‬
‫يف املعجم الوسيط‪ :‬حبش‪ :‬معناها مجع له‪ ،‬فيذكر حبش له حبشا‪ :‬أي مجع له‪ ،‬واحتبش الشيء أي مجعه‪،‬‬
‫وحتبش القوم أي جتمعوا‪ ،‬أما كلمة احلبش‪ ،‬فتطلق على سكان احلبشة‪ ،‬واملفرد حبشي‪ ،‬واجلمع حبشان‪،‬‬

‫(*) مدرس يف قسم التاريخ بكلية اآلداب الثانية ابلسويداء‪.‬‬


‫(‪ )1‬جواد علي‪ :‬املفصل يف اتريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬ط ‪ 2001 ،4‬م‪.232 /1 ،‬‬
‫عبد العزيز سامل‪ :‬دراسات يف اتريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫برراهيم طرخرران‪ :‬اإلسررالم واملمالررك اإلسررالمية ابحلبشررة يف العصررور الوسررطى‪ ،‬ا لررة التار يررة املصررية‪ ،‬م ‪ 1191 ،8‬م‪ ،‬ص ‪ ،9‬نقررال عررن طرروط‬
‫ابن عبد الباقي‪ :‬الطراز املنقوش مبحاسن احلبوش‪ ،‬ورقة ‪ ،6‬و طوط احلليب أعالم الطراز املنقوش‪ ،‬ورقة ‪.4‬‬
‫‪)2( Kammerer (A.) :Essai sur l’hisoire Anique d’Abyssinie, PP: 25-82‬‬
‫‪Coulbeau (J.B.): Histoire Politque et Roligieuese d’Abyssinie, P: 77 - 78.‬‬
‫ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬ت) ‪ ،‬ص ‪.2‬‬ ‫ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ والعرب‪،‬‬
‫ﺟﻤﻴﻊبني احلبشة‬
‫عابدين‪:‬‬ ‫عبد ا يد‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬ ‫© ‪ 2021‬ﺩﺍﺭ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‪ 3‬ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫‪.‬‬ ‫‪110‬‬ ‫ص‬ ‫(د‪.‬ت)‪،‬‬ ‫القاهرة‪،‬‬ ‫ية‪،‬‬
‫ر‬ ‫املص‬ ‫النهضة‬ ‫دار‬ ‫يخ‪،‬‬ ‫ر‬ ‫التا‬ ‫عرب‬ ‫احلبشة‬
‫و‬ ‫اإلسالم‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ‬
‫غيث‪:‬‬ ‫فتحي‬ ‫)‬ ‫(‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫الرتاث العريب – العددان ‪ /521 – 521‬صيف‪ /‬خريف‪3052 /‬‬


‫‪302‬‬

‫العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم "احلبشة"‬


‫(سفارة احلطي داود بن سيف أرعد إىل السلطان الظاهر برقوق سنة‬
‫‪ 487‬ه‪ 2881 /‬م أمنوذجا)‬
‫(*)‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد‬
‫يرجع بعض الباحثني كلمة احلبشة‪ ،‬واألحباش‪ ،‬اللتني يقابلهما يف اللغات األجنبية ( ‪Abyssinie‬‬
‫‪ )- Abyssinians‬إىل أصل عريب‪ ،‬وهو قبيلة (حبشت) العربية اليت عربت البحر األمحر مهاجرة من‬
‫جنوب بالد العرب واستقرت يف شرق إفريقيا (‪ ،)1‬ومن املرجح أن هذه القبيلة انتقلت بني القرنني العاشر‬
‫والسابع قبل امليالد‪ ،‬ومل تلبث أن سادت هذه القبيلة وساد امسها وأنظمتها يف املوطن اجلديد‪ ،‬فلم يكد‬
‫القرن الرابع امليالدي يطلع حىت غلب اسم هذه القبيلة على املنطقة اليت استوطنتها‪ ،‬وعلى أهل املنطقة‬
‫أنفسهم‪ ،‬فغدا اجلميع أحباشا‪ ،‬وأصبحت كلمة احلبشة ترادف أثيوبيا (‪.)2‬‬
‫ويرجع بعض الباحثني االسم إىل منشأ آخر‪ ،‬فيقول‪" :‬تدل أرجح الدراسات على أن االسم العريب‬
‫(حبشة) أو (حبشان) الذي يعين اخلليط‪ ،‬أو األجناس املختلطة‪ ،‬قد بدأ يطلق على تلك البالد منذ أن‬
‫بدأت اهلجرة من اجلزيرة العربية يف القرن السابع قبل امليالد‪ ،‬وأطلق هذا االسم أول األمر على املهاجرين‪،‬‬
‫ولكن نظرا لكثرهتم وأمهيتهم وتفوقهم على السكان األصليني أصبح اسم حبشة يطلق على مجيع سكان‬
‫تلك املنطقة (‪.)3‬‬
‫فهذا الباحث يرد كلمة حبشة إىل األصل العريب‪ ،‬أو املعىن العريب الذي يقول‪ :‬إن التحبيش هو‬
‫التجميع‪ ،‬انطالقا من التمازج الذي حصل بني القبائل العربية املهاجرة‪ ،‬وبني السكان األصليني‪ ،‬فقد جاء‬
‫يف املعجم الوسيط‪ :‬حبش‪ :‬معناها مجع له‪ ،‬فيذكر حبش له حبشا‪ :‬أي مجع له‪ ،‬واحتبش الشيء أي مجعه‪،‬‬
‫وحتبش القوم أي جتمعوا‪ ،‬أما كلمة احلبش‪ ،‬فتطلق على سكان احلبشة‪ ،‬واملفرد حبشي‪ ،‬واجلمع حبشان‪،‬‬

‫(*) مدرس يف قسم التاريخ بكلية اآلداب الثانية ابلسويداء‪.‬‬


‫(‪ )1‬جواد علي‪ :‬املفصل يف اتريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬ط ‪ 2001 ،4‬م‪.232 /1 ،‬‬
‫عبد العزيز سامل‪ :‬دراسات يف اتريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫برراهيم طرخرران‪ :‬اإلسررالم واملمالررك اإلسررالمية ابحلبشررة يف العصررور الوسررطى‪ ،‬ا لررة التار يررة املصررية‪ ،‬م ‪ 1191 ،8‬م‪ ،‬ص ‪ ،9‬نقررال عررن طرروط‬
‫ابن عبد الباقي‪ :‬الطراز املنقوش مبحاسن احلبوش‪ ،‬ورقة ‪ ،6‬و طوط احلليب أعالم الطراز املنقوش‪ ،‬ورقة ‪.4‬‬
‫‪)2( Kammerer (A.) :Essai sur l’hisoire Anique d’Abyssinie, PP: 25-82‬‬
‫‪Coulbeau (J.B.): Histoire Politque et Roligieuese d’Abyssinie, P: 77 - 78.‬‬
‫عبد ا يد عابدين‪ :‬بني احلبشة والعرب‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬ت) ‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫(‪ )3‬فتحي غيث‪ :‬اإلسالم واحلبشة عرب التاريخ‪ ،‬دار النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪.110‬‬

‫الرتاث العريب – العددان ‪ /521 – 521‬صيف‪ /‬خريف‪3052 /‬‬


‫‪ 302‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫وهؤالء ال عالقة هلم أبحابيش قريش‪ ،‬فأحابيش قريش مجاعة من قريش وكنانة وخزاعة اجتمعوا عند حبشي‬
‫وهو جبل أبسفل مكة وحتالفوا عنده (‪.)4‬‬
‫أاي كان أصل الكلمة‪ ،‬فاحلبشة هي املرادف ألثيوبيا‪ ،‬وحدودها قدميا بني النيل غراب والبحر األمحر‬
‫شرقا‪ ،‬والنوبة مشاال إىل ما وراء خط االستواء جنواب‪ ،‬وتشمل حاليا‪ :‬جزء من السودان واحلبشة والصومال‬
‫وأرترياي‪ ،‬أما حدودها الشمالية واجلنوبية فقد طرأت عليها تغريات كثرية يف العصور الوسطى (‪.)9‬‬
‫وأول مملكة أتسست لألحباش هناك هي مملكة (أكسوم)‪ ،‬اململكة احلبشية األوىل‪ ،‬وذلك حوايل‬
‫القرن السابع قبل امليالد‪ ،‬إذ أتسست أول األمر يف اجلبال‪ ،‬مث امتد سلطاهنا إىل الوداين واملناطق الساحلية‬
‫حىت ضمت أرترياي‪ ،‬وترجع بعض الرواايت أن العاصمة أخذت اسم أكسوم من مؤسسها (أكسوماي) (‪،)6‬‬
‫وال تزال إىل اليوم أكسوم العاصمة الدينية مللوك احلبشة الذين يتوجون فيها‪ ،‬وأخذت هذه اململكة تتوسع‬
‫على حساب جرياهنا‪ ،‬وقد اعرتف هبا الرومان على أثر فتحهم ملصر عام ‪ 30‬ق‪.‬م‪ ،‬وأشار مؤرخو الرومان‬
‫هلا ابسم (‪ ،)Axumitoe‬امتدت غراب إىل وادي النيل‪ ،‬ومشاال حىت سواكن (‪.)2‬‬
‫وكانت هذه اململكة تدين ابلوثنية‪ ،‬مث بدأت املسيحية تتسرب إليها عن طريق طوائف من‬
‫املبشرين‪ ،‬وعن طريق العالقات التجارية مع بيزنطة‪ ،‬وتكثر الرواايت عن طريقة انتشار املسيحية يف هذه‬
‫اململكة‪ ،‬ولكن املهم أن املسيحية أصبحت الداينة الرمسية ململكة أكسوم عندما قام ملكها عزانة ابعتناق‬
‫املسيحية حوايل عام ‪ 390‬م (‪ ،)8‬ومنذ ذلك احلني غدت كنيسة احلبشة مرتبطة بكنسية مصر‪ ،‬ويعد‬
‫األسقف فرومنتوس املرسل من قبل اإلسكندرية مؤسس الكنيسة احلبشية وأول أسقف هلا‪ ،‬ويقوم البطريرك‬
‫القبطي بتعيني أسقف (مطران) للحبشة (‪.)1‬‬
‫أوال‪ :‬العالقة بني العرب واألحباش قبل اإلسالم‪:‬‬
‫العالقة بني األحباش األفارقة والعرب قدمية جدا‪ ،‬تعود إىل عدة قرون قبل امليالد‪ ،‬وكان الطابع العام‬
‫الذي يسود هذه العالقة السالم‪ ،‬إال أهنا بدأت أتخذ منحى جديدا منذ بداية القرن السادس امليالدي‪،‬‬
‫شكل اخلوف والتهديد‪ ،‬ال بل حىت احلروب يف بعض األحيان‪ ،‬جوهر هذه العالقات‪ ،‬واستمر هذا املنحى‬

‫(‪ )4‬املعجم الوسيط‪ ،‬جممع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‪.192 /1 ،‬‬


‫(‪ )9‬طرخان‪ :‬اإلسالم واملماليك اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.2 - 6‬‬
‫‪)6( Budge (sir E. A. W.): A History of Ethiopia. Nubia and abyssinig. vol. I. P. 140 , 190.‬‬
‫‪Coulb: his. Politque P. 84‬‬
‫(‪ )2‬طرخان‪ :‬اإلسالم واملمالك اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ )8‬عبد العزيز سامل‪ :‬دراسات يف اتريخ العرب‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫فتحي غيث‪ :‬اإلسالم واحلبشة‪ :‬ص ‪Kammere: Essai Sur, P 85. .21 - 2 0‬‬
‫‪9‬‬
‫‪) ( Budge :A History of Ethiopia, p. 150-243.‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪301 ..‬‬

‫حىت بعد ظهور اإلسالم وانتشاره يف القرن السابع امليالدي‪/‬األول اهلجري‪ ،‬كما ظل سائدا حىت بداايت‬
‫العصر احلديث‪.‬‬
‫متثلت العالقة بني العرب واألحباش يف البداية ابلعالقات التجارية اليمنية ‪ -‬اإلفريقية واليت يرجعها‬
‫البعض على األقل إىل القرن العاشر قبل امليالد (‪ ،)10‬وأن بعض القبائل العربية آنذاك حتركت من اليمن‬
‫ابجتاه احلبشة لالستقرار هناك‪ ،‬وقد متثل ذلك بقبيليت احلبشان واألجاعز (‪ ،)11‬فقد دلت النقوش القدمية يف‬
‫احلبشة على أهنم كانوا يستخدمون يف هذه احلقبة اللغة والكتابة السبئية (‪.)12‬‬
‫بناء على هذا التقارب فإنه من املتوقع أن تستقر العالقات السياسية بني الشعبني‪ ،‬غري أن‬
‫املنازعات وقعت بينهم أكثر من مرة ألسباب عدة؛ إذ كانت األسباب االقتصادية آنذاك هي الغالبة عليها‪،‬‬
‫واليت متثلت يف رغبة األحباش ابلسيطرة على طرق التجارة اليت كانت متر من البحر األمحر وبالد العرب‪،‬‬
‫فيذكر عن دولة أكسوم يف أول بروزها أهنا أخذت ترسل احلمالت إىل اجلهات املختلفة‪ ،‬ومن بينها اليمن‪،‬‬
‫وحني بدأت توسعها اإلقليمي عربت البحر األمحر وهامجت اليمن‪ ،‬واستطاعت ابلفعل أن تستويل على‬
‫اليمن فيما بني عامي ‪ 233 - 230‬م‪ ،‬بدليل النقش الذي تركه امللك عيزاان والذي سجل فيه فتوحاته‬
‫(‪ ،)13‬إال أن ملوك محري الذين كانوا حيكمون منذ مدة طويلة (الدولة احلمريية الثانية ‪ 119‬ق‪.‬م – ‪ 929‬م)‬
‫متكنوا من طرد األحباش واالحتفاظ حبكمهم حىت عام ‪ 929‬م (‪.)14‬‬
‫إال أن الصدام الذي وقع بني أهل اليمن واألحباش عام ‪ 929‬م اختذ طابعا جديدا مل تكن تعرفه‬
‫املنطقة من قبل‪ ،‬طابعا تلون بلون ديين‪ ،‬وبذلك تكون احلبشة قد سبقت أورواب بقرون عديدة من انحية‬
‫احلروب الدينية والتعصبية‪.‬‬
‫فالداينة املسيحية وجدت طريقا هلا إىل اليمن واستقرت وانتشرت هناك‪ ،‬وكان ذلك بواسطة‬
‫األحباش‪ ،‬ومن ورائهم الروم‪ ،‬يف الوقت الذي وجدت فيه اليهودية متنفسا هلا يف عصر الدولة احلمريية‬
‫الثانية‪ ،‬قادمة من يثرب وخيرب‪ ،‬وقد وصلت إىل حد متكنت فيه يف مطلع القرن السادس امليالدي من أن‬
‫جتعل (يوسف ذي نواس) امللك احلمريي يقوم ابعتناق اليهودية‪ ،‬ويرى بعضهم أن ذلك كان بدافع قومي‬

‫(‪ )10‬عبده بدوي‪ :‬السود واحلضارة العربية‪ ،‬دار قباء‪ ،‬القاهرة‪ 2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫(‪ )11‬جواد علي‪ :‬املفصل يف اتريخ العرب‪ .131 /6 ،‬عبده بدوي‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫وجتدر اإلشارة هنا إىل أمهية قبيلة اجلعز أو األجاعز‪ ،‬فقد سادت لغتها يف املنطقة وغدت اللغة األدبية للمسيحية‪ ،‬وغردت اللغرة األثيوبيرة تعررف‬
‫ب ر (لسران اجلعررز) وأقردم نررذ كترب هبرذه اللغررة وجرد علررى مسرلة تعرود إىل القرررن الثالرث املرريالدي‪ .‬انظرر‪ ،‬عابردين‪ :‬بررني احلبشرة والعرررب‪ ،‬ص‬
‫‪ .13‬جواد علي‪ :‬املفصل يف اتريخ العرب‪.131 /6 ،‬‬
‫(‪ )12‬فيليب حيت‪ :‬اتريخ العرب‪ ،‬تر‪ :‬حممد مربوك انفع‪ ،‬مطبعة العامل العريب‪ ،‬ط ‪ ،2‬ج ‪ ،1‬ص ‪.68 -62‬‬
‫(‪ )13‬عابدين‪ :‬بني احلبشة والعرب‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫(‪ )14‬بدوي‪ :‬السود واحلضارة العربية‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ 301‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫بعد أن أدرك أبن املسيحية املتجسدة ابألحباش قد أصبحت أداة للسيطرة على البالد ومقدراهتا (‪ ،)19‬لذلك‬
‫أمعن هذا امللك يف اضطهاد النصارى يف بالده‪ ،‬ويقال إن ذلك كان ردا على ما حلق ابليهود من اضطهاد‬
‫يف اإلمرباطورية البيزنطية (‪ ،)16‬على الرغم مما قيل ال ميكننا جتاهل البعد االقتصادي هلذا االضطهاد‪ ،‬فازدايد‬
‫نفود التجار املسيحيني ‪ -‬التابعني لبيزنطة ‪ -‬وما جينونه من أرابح بعد سيطرهتم على طرق التجارة رمبا أاثر‬
‫حفيظة ذي نواس‪ ،‬لذلك راح ميارس سياسة االضطهاد حبقهم أمال يف حتويل هذا الثراء إىل اليهود (‪،)12‬‬
‫ووصل احلد به إىل أن يتوجه إىل جنران عام ‪ 923‬م ويطلب من أهلها اعتناق اليهودية‪ ،‬فلما رفضوا قام حبفر‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫َص َح ُ‬
‫أخدود هلم وحرقهم‪ ،‬وهؤالء هم أصحاب األخدود الذين ورد ذكرهم يف القرآن بقوله تعاىل‪ " :‬قُت َل أ ْ‬
‫ات الْوقُ ِ‬
‫ود‪.)18( "....‬‬ ‫ْاأل ِ ِ ِ‬
‫ُخ ُدود‪ ،‬النَّار َذ َ‬
‫ْ‬
‫وملا علم إمرباطور بيزنطة آنذاك وهو جستنيان األول (‪ 922 - 918‬م) ابحلادثة عن طريق‬
‫شخذ امسه دوس ذو ثعلبان الذي متكن من الفرار من احملرقة واالستغاثة ابإلمرباطور (‪ ،)11‬قام هذا‬
‫اإلمرباطور مع بطريرك اإلسكندرية (وامسه آنذاك تيموش ‪ )Timothy‬بتحريض جناشي أكسوم لالنتقام‬
‫لضحااي جنران‪ ،‬وعندما احتاج النجاشي إىل سفن لنقل قواته أمده هبا اإلمرباطور البيزنطي (‪.)20‬‬
‫فجستنيان مل يقدم بنفسه على مهامجة اليمن ألنه مل ينس إخفاق الروم يف حماولة سابقة هلم للسيطرة‬
‫على اليمن عام ‪ 24‬ق‪.‬م‪ ،‬و اليت كانت حتت قيادة إليوس جللوس‪ ،‬ورافقها اجلغرايف سرتابون‪ ،‬وكانت تضم‬
‫حوايل عشرة آالف مقاتل (‪ ،)21‬ولكنه تذكر أيضا وجود حليف قوي لإلمرباطورية البيزنطية يف تلك املناطق‪،‬‬
‫وهي مملكة أكسوم‪ ،‬اليت كانت يف ذروة نشاطها ترفع العلم املسيحي يف البحر األمحر يف الوقت الذي كانت‬
‫اإلمرباطورية البيزنطية ترفعه يف البحر املتوسط (‪ ،)22‬وابلفعل مت التحالف املسيحي ضد عرب أو يهود اليمن‪،‬‬
‫وحقق ملك احلبشة جناحا ملحوظا؛ إذ قضى على الدولة احلمريية‪ ،‬وقضى على ذي نواس الذي آثر أن‬

‫(‪ )19‬فيليب حيت‪ :‬اتريخ العرب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.29‬‬


‫‪)16( Bury (J. B): hist, of the later Roman Empire, Vol. II. P. 323.‬‬
‫(‪ )12‬منرية اهلمشري‪ :‬سفارات الدولة البيزنطية إىل احلبشة وجنوب غرب اجلزيررة يف النصرف األول مرن القررن السرادس‪ ،‬مقرال يف جملرة الدراسرات‬
‫اإلفريقية الصادرة عن معهد البحوث والدراسات اإلفريقية يف جامعة القاهرة‪ ،‬العدد ‪ 2003 ،29‬م‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫(‪ )18‬سورة الربوج‪ ،‬اآلية ‪ 4‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ )11‬الطررربي (حممررد بررن جريررر‪ ،‬ت‪ 310 :‬ه)‪ :‬اتريررخ الرسررل وامللرروك‪ ،‬أو اتريررخ الطررربي‪ ،‬تررح‪ :‬حممررد أبررو الفضررل إب رراهيم‪ ،‬دار املعررارف مبصررر‪،‬‬
‫‪ ،1161‬ج ‪ ،2‬ص ‪.123‬‬
‫ابن خلدون (عبد الرمحن بن خلدون)‪ :‬اتريخ ابن خلدون‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ 1196 ،‬م‪ ،‬ا لد الثاين‪ ،‬القسم األول‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫(‪ )20‬الطربي‪ :‬اتريخ الرسل وامللوك‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.129 -124‬‬
‫ابن خلدون‪ :‬اتريخ ابن خلدون‪ ،‬ج ‪ ،2‬ق ‪ ،1‬ص ‪.114‬‬
‫(‪ )21‬فيليب حيت‪ :‬اتريخ العرب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.96 -99‬‬
‫(‪ )22‬حممد حسني هيكل‪ :‬حياة حممد‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،1168 ،‬ص ‪.26-29‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪302 ..‬‬

‫يقتحم البحر بفرسه على أال يقع أسريا يف يد األحباش (‪ ،)23‬مث عني على اليمن مسيحي محريي هو مسيفع‬
‫أشوع (‪ )Esimiph aios‬ملكا اتبعا له (‪ ،)24‬وبذلك يكون ‪ -‬كما عرب أحد املؤرخني األوربيني ‪ -‬أصبح‬
‫الدين كرة قدم سياسية يف هذا امللعب اجلنويب (‪.)29‬‬
‫ميكن مقاربة هذه احلادثة ابحلروب الصليبية‪ ،‬الغطاء ديين‪ ،‬واهلدف سياسي اقتصادي‪ ،‬إذ ميكن عد‬
‫الغزو احلبشي هذا لليمن أنه مقدمة لفتح جبهة جديدة للصراع البيزنطي الفارسي‪ ،‬فاحلمرييون كانوا حلفاء‬
‫الفرس‪ ،‬وال يعدو أن يكون ذو نواس صنيعة فارسية‪ ،‬وابملقابل أكسوم صنيعة لبيزنطة‪ ،‬لذلك جند أن‬
‫اإلمرباطور جستينان (‪ 969 – 922‬م) يرسل رسوال امسه جوليان عام ‪ 931‬م إىل بالط ملك احلبشة‬
‫وبالط ملك محري املسيحي ليقنع الدولتني ابالحتاد والتحالف ضد الفرس‪ ،‬وقد وافق ملك احلبشة ووعده‬
‫حبرب اقتصادية ضد بالد فارس‪ ،‬مؤداها قيام احلبشة ابلقضاء على احتكار الفرس لتجارة احلرير‪ ،‬وذلك‬
‫ابلعمل على نقل هذه السلعة على سفن حبشية مباشرة من سيالن إىل موانئ البحر األمحر‪ ،‬كذلك فقد‬
‫وافق ملك محري على ذلك مبا أنه اتبع مللك احلبشة‪ ،‬كما أهنم حاولوا القيام بعمل حريب ضد بالد فارس‬
‫انطالقا من محري‪ ،‬ولكن ذلك مل يتم لبعد الشقة بني محري وفارس (‪.)26‬‬
‫وال بد من اإلشارة إىل أن هذا الغزو احلريب رافقه غزو عقائدي متثل ببناء كنسية "القليس" يف‬
‫صنعاء والعمل على تنصري البالد‪ ،‬وحتويل احلجاج من مكة إىل صنعاء‪ ،‬ورمبا كان السبب وراء ذلك هو أن‬
‫حتل صنعاء حمل مكة جتاراي‪ ،‬وتطورت هذه املنافسة إىل أن قام رجالن من قبيلة فقيم بتدنيس (القليس) يف‬
‫أمسية أحد األعياد (‪ ،)22‬ورمبا كان السبب وراء ذلك ما أحدثته صنعاء وكنيستها من مضايقة اقتصادية‬
‫ملكة‪ ،‬املهم أن هذه احلادثة أغضبت أبرهة والذي شرع إبعداد محلة لتدمري مكة استخدم فيها الفيلة‪ ،‬لكن‬
‫احلملة أخفقت‪ ،‬ومسي العام بعام الفيل نسبة هلذا احلادثة‪ ،‬وهو عام مولد الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫(‪ 921‬م) وقد أشار القرآن الكرمي إىل هذه احلادثة يف سورة الفيل (‪.)28‬‬
‫بعد وفاة أبرهة خلفه ولداه يكسوم مث مسروق‪ ،‬وخالل حكم مسروق قامت ثورة وطنية يف اليمن‬

‫(‪ )23‬الطربي‪ :‬اتريخ الرسل وامللوك‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.129‬‬


‫(‪ )24‬عابدين‪ :‬بني احلبشة والعرب‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪budge: A History of Ethiopia ,p. 261-263.‬‬
‫(‪ )29‬عبد بدوي‪ :‬السود واحلضارة العربية‪ ،‬ص ‪ ،60‬نقال عن كتاب اإلسالم والعرب لروم الند‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫(‪Coulb: Ibed, P. 138. )26‬‬
‫‪Bury: Ibed, p. 325‬‬
‫(‪ )22‬الطربي‪ :‬اتريخ الرسل وامللوك‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.131 – 130‬‬
‫(‪ )28‬القرآن ‪ -‬سورة الفيل‬
‫الطربي‪ :‬اتريخ الرسل وامللوك‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.131‬‬
‫‪ 302‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫تزعمها ذو يزن‪ ،‬مث ابنه سيف بن ذي يزن وابنه اآلخر معد يكرب‪ ،‬وانتهت هذه الثورة بطرد األحباش من‬
‫اليمن مبساعدة الفرس‪ ،‬فأضحت اليمن بعدها اتبعة للفرس منذ عام ‪ 910‬م‪ ،‬وظلت على هذه احلال حىت‬
‫فتحها املسلمون سنة ‪ 13‬ه‪ 634/‬م (‪.)21‬‬
‫اثنيا‪ :‬العالقة بني العرب وأكسوم بعد ظهور اإلسالم‪:‬‬
‫مل تتغري العالقات بني الطرفني بعد ظهور اإلسالم‪ ،‬ما خال تلك املدة القليلة اليت سادت فيها‬
‫عالقات طيبة إابن عصر البعثة النبوية‪ ،‬عندما هاجر املسلمون إىل احلبشة بعد أن اشتد أذى قريش هلم‪،‬‬
‫فأشار الرسول عليهم ابهلجرة إىل احلبشة "لو خرجتم إىل أرض احلبشة فإن هبا ملكا ال يظلم عنده أحد"‬
‫(‪ ،)30‬لذلك ميكن اإلقرار أبن هذه العالقات حتسنت بينهم إذا اعتربان أن املسلمني هاجروا إىل أكسوم‪،‬‬
‫ولكن ذلك على األرجح مل يتم‪ ،‬فهناك من يشري إىل أن املسلمني هاجروا إىل السودان احلايل قرب النيل‬
‫األبيض‪ ،‬وتذكر بعض املصادر أن الذي استقبل املسلمني هو امللك أصحمة بن أجبر‪ ،‬ويؤكد أحد الباحثني‪:‬‬
‫"أن الذي رحب ابملسلمني يف احلبشة ليس هو جناشي احلبشة‪ ،‬أي ملك ملوك احلبشة‪ ،‬إمنا الذي‬
‫رحب هبم هو حاكم اإلقليم الساحلي "حبر جنش"‪ ،‬والذي مساه املسلمون ابلنجاشي أصحمة‪ ،‬وهذا اإلقليم‬
‫الذي كان حيكمه أصحمة ميتد يف مشال هضبة احلبشة ويواجه ساحل هتامة‪ ،‬وهو بذلك أقرب البالد إىل‬
‫احلجاز‪ ،‬ومن املعروف أن بالد احلبشة مل تكن يف معظم فرتات اتر ها القدمي والوسيط مملكة واحدة‪ ،‬بل‬
‫كانت ممالك عديدة‪ ،‬كل منها على رأسها جناشي أو ملك‪ ،‬ويرأس هؤالء مجيعا جناشي النجاشية الذي‬
‫كانت له السيطرة على هؤالء امللوك الصغار مجيعا‪ ،‬وليس هناك دليل على أن املسلمني املهاجرين إىل‬
‫احلبشة قد وصلوا إىل جناشي النجاشية أو عاصمته أكسوم" (‪.)31‬‬
‫أاي تكن الرواية الصحيحة فإن املسلمني عادوا من احلبشة يف العام السابع من اهلجرة‪ ،‬وعاد بعضهم‬
‫قبل ذلك‪ ،‬ومات أصحمة يف العام التاسع من اهلجرة‪ ،‬وبوفاته تنتهي مدة الوفاق‪ ،‬فقد توىل احلكم بعد‬
‫أصحمة رجل مل يسلك مسلك سلفه‪ ،‬إذ قام إبرسال سفينة لإلغارة على جدة‪ ،‬وبلغ الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم هذا اخلرب‪ ،‬فأرسل علقمة بن جمزز املدجلي على رأس سرية تتكون من ‪ 300‬مقاتل للتصدي هلذه‬
‫الغارة‪ ،‬وملا شعر األحباش بوصول املسلمني عادوا إىل بالدهم دون أن يقع صدام بينهم (‪.)32‬‬
‫مل تنجح تلك احلملة يف مسعاها‪ ،‬ولكن دلت على الروح العدائية عند األحباش‪ ،‬ورمبا هذا ما دفع‬

‫(‪ )21‬الطربي‪ :‬املصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪131‬‬


‫(‪ )30‬الطربي‪ :‬املصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.332 -331‬‬
‫(‪ )31‬رجب حممد عبد احلليم‪ :‬العالقات بني مسلمي الزيلع ونصرارى احلبشرة يف العصرور الوسرطى‪ ،‬دار النهضرة العربيرة‪ ،‬القراهرة‪ 1189 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.34‬‬
‫(‪ )32‬الواقدي (حممد بن عمر بن واقد‪ ،‬ت‪ 202 :‬ه)‪ :‬املغازي‪ ،‬تح‪ :‬مارسدن جونس‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.183‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪302 ..‬‬

‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أو رمبا كان قبل ذلك ‪ -‬لتحذير املسلمني من األحباش قائال‪ :‬اتركوا‬
‫احلبشة ما تركوكم" (‪.)33‬‬
‫تكرر هذا العداء يف عهد اخلليفة عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‪ ،‬عندما أغارت احلبشة على‬
‫ساحل البحر األمحر الشرقي‪ ،‬وتطرقت بالد املسلمني‪ ،‬فرد على ذلك اخلليفة عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‬
‫إبرسال محلة حبرية إىل بالد احلبشة سنة ‪ 20‬ه‪ 640 /‬م‪ ،‬على رأسها علقمة املدجلي نفسه‪ ،‬إال أن احلملة‬
‫فشلت‪ ،‬ألن املسلمني مل تكن لديهم خربة بركوب البحر وقتئذ (‪.)34‬‬
‫تكرر اهلجوم سنة ‪ 83‬ه‪ 202 /‬م‪ ،‬عندما تعرضت سواحل جزيرة العرب وجتار العرب لنهب‬
‫القراصنة األحباش‪ ،‬فقط سطا هؤالء على ميناء جدة واستباحوها ذلك العام‪ ،‬فقرر اخلليفة األموي سليمان‬
‫بن عبد امللك (‪ 82 - 69‬ه‪ 209 - 689/‬م) الرد على هذا العمل بوسائل فعالة عندما عمل على‬
‫السيطرة على بعض املناطق االسرتاتيجية يف البحر األمحر جتاه الساحل اإلفريقي‪ ،‬واستقر الرأي على احتالل‬
‫جمموعة جزر دهلك جتاه ميناء مصوع‪ ،‬ومت ذلك فعال (‪ ،)39‬ولكن هذا مل يردع األحباش عن االستمرار‬
‫أبعمال القرصنة‪ ،‬ومن ذلك هجومهم على ثغر جدة سنة ‪ 193‬ه‪ 220 /‬م‪ ،‬حيث اضطر اخلليفة أبو‬
‫جعفر املنصور إىل إرسال جيش لتفريق مشلهم (‪ ،)36‬وقد تكررت اهلجمات غري مرة‪ ،‬ففي أايم اخلليفة املأمون‬
‫اعتدى األحباش على املسلمني يف منطقة البجة يف السودان‪ ،‬مما دفع اخلليفة إلرسال جيش بقيادة عبد هللا‬
‫بن اجلهم لتأديبهم‪ ،‬وأوعدهم يف كتاب تعهدوا سفيه بعدم االعتداء على املسلمني وكان ذلك سنة ‪ 216‬ه‪/‬‬
‫‪ 831‬م‪ ،‬غري أن غاراهتم جتددت يف عهد املتوكل الذي أسرع إبرسال جيش بقيادة حممد اللقمي سنة ‪241‬‬
‫ه‪ 899 /‬م‪ ،‬قمعهم به‪ ،‬وصاحلهم‪ ،‬وتعهدوا اثنية بعدم التعرض للمسلمني (‪.)32‬‬
‫اثلثا‪ -‬املسلمني يف احلبشة‪:‬‬
‫منذ وقت مبكر بدأ اإلسالم يتسرب إىل أقاليم احلبشة‪ ،‬وأتسست ممالك إسالمية أو مشيخات‬
‫هناك‪ ،‬وقد أحاطت اإلمارات اإلسالمية أبفريقيا الشرقية عامة‪ ،‬أي اجلهة املقابلة للجزيرة العربية‪ ،‬وأطلق‬
‫املؤرخون على هذه املمالك اسم "الطراز اإلسالمي"‪ ،‬ألهنا امتدت على جانب البحر فكانت كالطراز له‬

‫(‪ )33‬علي بن حسام الدين اهلندي‪ :‬كنز العمال يف سنن األقوال واألفعال‪ ،‬تح‪ :‬بكري جيراين وصرفوة السرقا‪ ،‬مؤسسرة الرسرالة‪ ،‬برريوت‪1121 ،‬‬
‫‪،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ ،369‬احلديث رقم ‪.10139‬‬
‫(‪ )34‬ابن األثري (حممد بن حممد‪ ،‬ت‪ 630 :‬ه)‪ :‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬تح‪ :‬عبد الوهاب النجار‪ ،‬القاهرة‪ 1341 ،‬ه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.381‬‬
‫(‪ )39‬الشاطر بصيلي عبد اجلليل‪ :‬معامل سودان وادي النيل من القرن العاشر إىل القرن التاسع عشر‪ ،‬مصر ‪ 1190‬م‪ ،‬ص ‪.8 - 2‬‬
‫(‪ )36‬طرخان‪ :‬اإلسالم واملمالك اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫(‪ )32‬طرخان‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 350‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫(‪ ،)38‬واشتهرت منها سبع إمارات أو ممالك هي‪ :‬أوفات‪ ،‬دوارو‪ ،‬وأرابيين‪ ،‬وهدية‪ ،‬وشرفا‪ ،‬وابيل‪ ،‬ودارة (‪،)31‬‬
‫ابإلضافة إىل جمموعة من املشيخات واملراكز املنتشرة على ساحل البحر األمحر واحمليط اهلندي‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫عوان‪ ،‬ومقدشو (مقديشو)‪ ،‬وبراوا‪ ،‬وسيو‪ ،‬وبيت المو‪ ،‬ومالندي‪ ،‬ومافيا‪ ،‬وكلوة‪ ،‬وموزانبيق‪ ،‬وكليفي‪،‬‬
‫وممبسا‪ ،‬وزنزابر (‪.)40‬‬
‫هذه املمالك وغريها كانت مرتبطة ابلعامل اإلسالمي اخلارجي عن طريق التجارة واحلج‪ ،‬وانتقال‬
‫طالب العلم للدراسة يف املدينة املنورة ودمشق والقاهرة‪ ،‬غري أهنا ظلت سياسيا خاضعة مللك احلبشة‪ ،‬ومع‬
‫أن امللك يف هذه اإلمارات كان وراثيا ألسر معينة‪ ،‬إال أن أمراءها ال يتولون العرش إال أبمر من احلطي‬
‫وموافقته‪ ،‬فإذا مات أحدهم‪ ،‬وكان من أهل بيته من يصلح للملك توجه للحطي متزلفا إليه‪ ،‬فجميع أمراء‬
‫هذه املمالك ال رجون عن كوهنم نوااب له‪ ،‬وكانت تفرض على هذه املمالك ضرائب معينة يف كل سنة‪،‬‬
‫تدفع مللك احلبشة من القماش واحلرير والكتان مما جيلب من مصر واليمن والعراق (‪.)41‬‬
‫رابعا ‪ -‬عالقة املماليك مع األحباش‪:‬‬
‫حدثت يف العصر اململوكي (وهو صلب البحث) حتوالت جذرية يف هيكلية توزع القوى العاملية‪،‬‬
‫ومن مث يف التفاعالت اإلسالمية الدولية‪ ،‬وأصبحت مصر مركز العامل اإلسالمي اقتصاداي وسياسيا ودينيا‪،‬‬
‫اقتصاداي متثل يف سيطرهتا على نصيب كبري من التجارة العاملية‪ ،‬وسياسيا؛ متثل يف امتالكها ألفضل جيش‬
‫مدرب آنذاك وامتدادها على رقعة جغرافية كبرية‪ ،‬هي مصر وبالد الشام واحلجاز واليمن‪ ،‬واليت غدت‬
‫موحدة يف ظل حكم املماليك‪ ،‬مما أعطاها بعدا اسرتاتيجيا‪ ،‬أما دينيا؛ فقد متثلت زعامتها يف كوهنا مقر‬
‫اخلليفة العباسي املمثل للشرعية اإلسالمية انطالقا من هذا فقد كانت ‪ -‬وملدة ثالثة قرون ‪ -‬املركز الرئيس‬
‫يف التفاعالت اإلسالمية الدولية‪.‬‬
‫أما أكسوم أو أثيوبيا حاليا فقد كانت آنذاك من أهم دول البحر األمحر‪ ،‬وهلا دور كبري يف جتارة‬
‫الكارم (‪ )42‬أحد أهم مصادر االقتصاد األساسية لسلطنة املماليك ‪ -‬كما عدت نفسها حامية ألقباط‬
‫مصر‪ ،‬فالكنيسة القبطية هي اليت تولت نشر املسيحية يف إفريقيا‪ ،‬وغدت أكسوم أهم الدول املسيحية‬

‫(‪ )38‬القلقسندي (أمحد بن علي‪ ،‬ت ‪ 821‬ه)‪ :‬صبح األعشى يف صناعة اإلنشا‪ ،‬وزارة الثقافة واإلرشاد القومي مبصر‪ ،‬ج ‪ ، 9‬ص ‪.324‬‬
‫(‪ )31‬العمري (أمحد بن حيىي‪ ،‬ت‪ 241 :‬ه)‪ :‬مسالك األبصار يف ممالك األمصار‪ ،‬تح‪ :‬محزة عباس‪ ،‬اإلمارات العربية‪ ،‬السفر الرابع‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫(‪ )40‬طرخان‪ :‬اإلسالم واملمالك اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫(‪ )41‬العمري‪ :‬مسالك األبصار‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.62‬‬
‫(‪ )42‬استخدم مصطلح الكارم للداللة على طائفة من التجار‪ ،‬عملت بشكل رئيسي بتجارة التوابل والبهار الواردة إىل مصر من اهلنرد عررب ثغرور‬
‫اليمن والبحر األمحر‪ ،‬وشكلوا أكرب قوة مالية يف سلطنة املماليك بعد قوة احلكومة‪.‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪355 ..‬‬

‫اإلفريقية‪ ،‬وهي على املذهب اليعقويب (‪ ،)43‬مذهب الكنيسة القبطية (‪ ،)44‬وملوك النوبة واحلبشة حتت طاعة‬
‫البطريرك القبطي يف مصر‪ ،‬والكنيسة القبطية يف اإلسكندرية هي اليت تتوىل عملية تنصيب األساقفة يف تلك‬
‫البالد‪" ،‬فال يصح تعمد معمودي إال ابالتصال من البطريرك" (‪.)49‬‬
‫على هذا فاملطران املصري له مكانة حمرتمة يف نظر احلبشة‪ ،‬ويف هذا يقول العمري‪" :‬وإذا كتب إليه‬
‫‪ -‬أي بطريرك اإلسكندرية إىل ملك احلبشة ‪ -‬كتااب فأتى ذلك الكتاب إىل أول مملكة‪ ،‬خرج عميد تلك‬
‫األرض‪ ،‬فحمل الكتاب على رأس علم‪ ،‬وال يزال حيمله بيده حىت رجه من أرضه‪ ،‬وأرابب الدولة يف تلك‬
‫األرض كالقسوس (مجع قس) والشمامسة حوله مشاة ابألذخنة‪ ،‬فإذا خرجوا من أرضهم تلقاهم من يليهم‬
‫أبدا‪ ،‬كذلك يف كل أرض بعد أرض حىت يصلوا إىل أحمرة (‪ ،)46‬فيخرج صاحبها بنفسه ‪ -‬أي امللك ‪-‬‬
‫ويفعل مثل ذلك الفعل األول‪ ،‬إال أن املطران هو الذي حيمل الكتاب لعظمته ال لتأيب امللك‪ ،‬مث ال ينصرف‬
‫امللك يف أمر وال هني وال قليل وال كثري حىت ينادي للكتاب وجيمع له يوم األحد يف الكنسية ويقرأ امللك‬
‫واقفا مث ال جيلس جملسه حىت ينفذ ما أمر به" (‪.)42‬‬
‫أدت هذه التبعية (تبعية الكنسية احلبشية للكنسية املصرية) إىل وجود قدر كبري من االتصاالت بني‬
‫الدولتني‪ ،‬ومل ختل هذه االتصاالت من التوترات‪ ،‬فسالطني املماليك كانوا ينظرون بعني الريبة للعالقة بني‬
‫بطاركة اإلسكندرية وملوك احلبشة‪ ،‬لذا جند أن هذه االتصاالت يف العصر اململوكي كانت تتم حصرا عن‬
‫طريق السالطني‪ ،‬وليس عن طريق االتصال املباشر‪ ،‬وابلتايل ميكن احلديث عن عالقات حبشية مملوكية‪.‬‬
‫اختلفت طبيعة العالقات واملراسالت من وقت إىل آخر متأثرة ابحلالة العامة للمماليك واألحباش‪،‬‬
‫ففي النصف الثاين من القرن السابع اهلجري‪ /‬الثالث عشر امليالدي‪ ،‬بلغت السلطنة اململوكية ذروة جمدها‬
‫ومنعتها‪ ،‬وتواىل على حكمها سالطني أقوايء مرهوبو اجلانب أمثال الظاهر بيربس‪ ،‬واملنصور قالوون‪ ،‬يف‬
‫الوقت الذي كانت فيه احلبشة أو أكسوم هشة البنية‪ ،‬وذلك عندما اعتلت عرشها سنة ‪ 661‬ه‪ 1220/‬م‬
‫أسرة جديدة؛ هي األسرة السليمانية‪ ،‬وكان أول ملوكها امسه يكونو أمالك ‪-661( Jekuno Amlack‬‬
‫‪ 684‬ه‪ 1289 -1220/‬م) الذي حاول توطيد أواصر العالقة مع مصر (‪ ،)48‬إذ قام إبرسال رسالة تودد‬

‫(‪ )43‬نسبة إىل يعقوب الربادعي وهو قس من أهل نصيبني‪.‬‬


‫(‪ )44‬فانتيين‪ :‬اتريخ املسيحية يف املمالك النوبية القدمية والسودان احلديث‪ ،‬اخلرطوم‪ 1128 ،‬م‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫(‪ )49‬العمررري (أمحررد بررن حيررىي‪ ،‬ت‪ 200 :‬ه)‪ :‬التعريررف ابملصررطلح الشرريف‪ ،‬تررح‪ :‬حممررد حسررني مشررس الرردين‪ ،‬دار الكتررب العلميررة‪ ،‬بررريوت‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1188 ،1‬ص ‪.48‬‬
‫(‪ )46‬أحمرا‪ :‬إقليم كبري‪ ،‬صاحبه حيكم على أكثر احلبشة‪ ،‬ويلقب حطي‪ ،‬وهو اخلليفة‪ .‬الذهيب‪ :‬اتريخ اإلسالم‪.119/24 ،‬‬
‫(‪ )42‬العمري‪ :‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪)48( Budge . E.A.W. A history of Ethiopia, nubia and Abyssinia vol. 1. London. 1928. P.‬‬
‫‪258‬‬
‫‪ 353‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫إىل السلطان الظاهر بيربس سنة ‪ 623‬ه‪ 1224 /‬م‪ ،‬ضمن كتاب صاحب اليمن بعد أن طلب يكونو‬
‫أمالك من هذا األخري الوساطة‪ ،‬ويف الرسالة يطلب مطراان‪ ،‬وتشري الرسالة إىل إرسال هدية إىل السلطان‪،‬‬
‫وذكر فيها ما يقع حتت ملكه من املسلمني يف احلبشة‪ ،‬ورمبا كان هذا نوع من التهديد اخلفي‪ ،‬إال أن‬
‫السلطان رفض طلبه حبجة عدم حضور رسل من جهة إمرباطور احلبشة (‪ ،)41‬ويف احلقيقة إن السلطان كان‬
‫قد أرسل قبل ذلك رسالة إىل ملك احلبشة لالطمئنان على املسلمني‪ ،‬ألن "ملك احلبشة الكافر قتل ملوك‬
‫احلبشة املسلمني‪ ،‬واستوىل على بالدهم" (‪ ،)90‬فتأخرت هذه الرسالة مما أغضب السلطان الظاهر (‪ ،)91‬وقد‬
‫شعر ملك احلبشة بذلك‪ ،‬لذا مل جيرؤ على االتصال بشكل مباشر مع السلطان عندما احتاج مطراان جديدا‬
‫لبالده‪ ،‬بل أرسل كتابه إىل مصر عن طريق صاحب اليمن‪ ،‬وكان الرد رفض طلبه حبجة عدم قدوم رسله‪.‬‬
‫وعندما اعتلى عرش أكسوم (جيبا صيون بن يكونو أمالك ‪ 614 -684‬ه‪1214 – 1289 /‬‬
‫م) أراد أن حيسن العالقة مع مصر‪ ،‬فأرسل وفدا إىل مصر مزودا برسائل إىل السلطان وإىل بطريرك‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬فاألوىل كانت إىل السلطان قالوون‪ :‬طلب فيها السماح لرسله ابلتوجه إىل القدس‪ ،‬وأوصى‬
‫ابلرهبان األحباش املقيمني يف القدس (‪ ،)92‬مث طلب مطراان إلصالح بالد احلبشة‪ ،‬وذكر أنه تلف عن أبيه‬
‫وأنه حيفظ املسلمني يف مجيع مملكته‪ - ،‬ويف هذا إشارة إىل أن أابه املعاصر للظاهر بيربس اضطهد املسلمني‬
‫ومل حيفظهم ‪ -‬كما أنه طلب تعاوان وسالما لصاحل كل من املسلمني واملسيحيني يف البلدين‪ ،‬أما الرسالة‬
‫الثانية فقد كانت موجهة إىل البطريرك (يؤانس السابع) بطريرك األقباط يف مصر (‪ 1213 -1221‬م)‪،‬‬
‫وتطلب أسقفا جديدا (‪ ،)93‬وتوضح هذه الرسالة الروابط الوثيقة بني الكنسية احلبشية والكنسية املصرية‪،‬‬
‫وقد جنحت هذه السفارة وعني األسقف (‪.)94‬‬
‫(‪)99‬‬
‫لكن ما إن قويت مملكة احلبشة وحققت االستقرار يف عهد اإلمرباطور عمدا صيون األول‬

‫(‪ )41‬ابررن عبررد الظرراهر (حمرري الرردين‪ ،‬ت‪ 612 :‬ه)‪ :‬تشرريف األايم والعصررور يف سرررية امللررك املنصررور‪ ،‬تررح‪ :‬مرراد كامررل‪ ،‬الشررركة العربيررة للطباعررة‬
‫والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 1161 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.262‬‬
‫(‪ )90‬ابن عبد الظاهر‪ :‬تشريف األايم والعصور‪ ،‬ص ‪.188 - 112‬‬
‫(‪ )91‬سعيد عاشور‪ :‬بعض أضواء جديدة على العالقات بني مصر واحلبشة يف العصور الوسطى‪ ،‬ا لة التار ية املصرية‪ ،‬القراهرة‪ ،1168 ،‬جملرد‬
‫‪ ،14‬ص ‪.16‬‬
‫(‪ )92‬كران يقطرن يف القرردس طائفرة مررن األحبراش‪ ،‬وكرران هلرم يف العصررر اململروكي‪ ،‬وال يرزال حررىت اآلن‪ ،‬ديرر يسررمى بردير احلرربش مالصرق لكنيسررة‬
‫القيامة‪ ،‬ابإلضافة إىل هؤالء املقيمني كان هنالك عدد كبري من احلجاج الذين يرتددون إىل القدس‪ ،‬أنظر أنس احملمد‪ :‬احلياة االجتماعيرة يف‬
‫القدس يف عصر املماليك على ضوء واثئق احلرم القدسي الشريف‪ ،‬رسالة ماجستري غري منشورة‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،2010 ،‬ص ‪.131‬‬
‫(‪ )93‬لقد وردت هذه الرسائل عند ابن عبد الظاهر‪ :‬تشريف األايم والعصور‪.123 - 120 ،‬‬
‫(‪ )94‬عبد ا يد عابدين‪ :‬بني احلبشة والعرب‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫(‪ )99‬عمرردا صرريون مبعررىن عمررود أو دعامررة صرهيون‪ ،‬وحسررب شرررح القلقشررندي فهرري تعررين ركررن صررهيون‪ ،‬وصررهيون هرري بيعررة قدميررة ابإلسرركندرية‬
‫معظمة عندهم‪ ،‬القلقشندي‪ :‬صبح األعشى‪ :‬ج ‪ ،9‬ص ‪ ،322‬العمري‪ :‬مسالك األبصار‪ ،‬السفر الرابع‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪352 ..‬‬

‫(‪ 249 -214‬ه‪ 1344-1313 /‬م) حىت تغريت هلجة اخلطاابت املرسلة إىل مصر‪ ،‬وأصبحت حتمل‬
‫ألواان من التهديد والوعيد‪ ،‬فعلى سبيل املثال جند أن هذا اإلمرباطور قد أرسل إىل السلطان الناصر حممد بن‬
‫قالوون ‪ -‬بعد أن شهدت مصر يف عهده اضطراابت طائفية بني املسلمني واألقباط ‪ -‬خطااب شديد اللهجة‬
‫سنة ‪ 229‬ه‪ 1329 /‬م‪ ،‬طالب فيه حبسن معاملة النصارى وبناء كنائسهم‪ ،‬وراح يهدد ابختاذ إجراءات‬
‫مضادة ملسلمي احلبشة‪ ،‬وحتويل جمرى النيل عن مصر‪ ،‬غري أن الناصر مل يعبأ هبذا التهديد وطرد السفارة‬
‫احلبشية (‪.)96‬‬
‫فالعالقات اململوكية األكسومية كانت ختضع ملؤثرات داخلية وأخرى خارجية‪ ،‬فالعصور الوسطى‬
‫شهدت قمة التعصب والصراع الديين‪ ،‬فكثر تبادل الرسائل بني األحباش واملماليك حول حسن معاملة‬
‫األحباش للمسلمني‪ ،‬واملماليك لألقباط‪ ،‬فال يستطيع املرء إنكار أن مماليك مصر قد ضايقوا األقباط يف‬
‫بعض األحيان‪ ،‬ولكن كان ذلك يف الغالب انعكاسا لعدوان صلييب أوريب‪ ،‬والذي كثر يف تلك األايم‪،‬‬
‫كعمليات القرصنة يف البحر املتوسط‪ ،‬أو نتيجة لعدوان األحباش على مسلمي الزيلع (الصومال) ا اورين‬
‫هلم‪.‬‬
‫وال بد هنا من اإلشارة إىل أن املمالك اإلسالمية واألراضي اليت تسيطر عليها هذه املمالك فاقت‬
‫يف املساحة أراضي مملكة احلبشة‪ ،‬وكانت هذه املمالك حتيط هبا من اجلنوب والشرق‪ ،‬فضال عن إحاطة‬
‫اإلسالم هبا من انحية السودان‪ ،‬الشمال والغرب‪ ،‬وهذا ما جعل مملكة احلبشة معزولة عن العامل اخلارجي‪،‬‬
‫لذا بدأت األسرة السليمانية يف أكسوم ابلعمل على تدعيم سلطاهنا وتوسيع ملكها على حساب املسلمني‪،‬‬
‫وعملت على شن محالت عسكرية وحشية ضدهم‪ ،‬ويف هذه احلاالت نالحظ ردات فعل تلفة من قبل‬
‫املماليك‪ ،‬إما عن طريق إرسال سفارات وإما عن طريق الضغط على نصارى مصر كوسيلة لردع األحباش‪،‬‬
‫فعلى سبيل املثال عندما اشتد عدوان األحباش على الزايلعة‪ ،‬جاءت إىل الناصر حممد بن قالوون سفارة من‬
‫مسلمي الزيلع برائسة عبد هللا الزيلعي وطلبت منه التدخل حلماية املسلمني‪ ،‬عندئذ أمر السلطان بطريرك‬
‫األقباط يف مصر ابلكتابة مللك احلبشة ليوقف هذا العدوان (‪ ،)92‬فكتب له "كتااب بليغا شافيا فيه معىن‬
‫اإلنكار هلذه األفعال ‪ ،)98( "....‬إال أن عدواهنم مل يتوقف وامتد مشاال ليشمل مناطق أوسع يف سنة ‪283‬‬
‫ه‪ 1381/‬م‪ ،‬األمر الذي دفع ابلظاهر برقوق عند استالمه السلطنة إىل تكرار الطلب مللك احلبشة لوقف‬

‫(‪ )96‬املقريررزي (أمحررد بررن علرري‪ ،‬ت ‪ 849‬ه)‪ :‬السررلوك ملعرفررة دول امللرروك‪ ،‬تررح‪ :‬حممررد مصررطفى زايدة‪ ،‬مطبعررة جلنررة التررأليف والرتمجررة والنشررر‪،‬‬
‫القاهرة‪ 1121 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،2‬ق ‪ ،1‬ص ‪.220‬‬
‫(‪ )92‬العمري‪ :‬مسالك األبصار‪ ،‬السفر الرابع‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫(‪ )98‬العمري‪ :‬املصدر نفسه والصفحة نفسه‪.‬‬
‫‪ 352‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫هذا العنف ضد املسلمني (‪.)91‬‬


‫ورمبا يكون قد حدثت بعد ذلك استجابة هلذه النداءات‪ ،‬وحصل حتسن يف العالقات بدليل‬
‫وصول السفارة اليت يتناوهلا هذا املقال‪ ،‬ووصول وفد حبشي آخر إىل الظاهر برقوق سنة ‪ 288‬ه‪1310 /‬‬
‫م حيمل هدااي (‪ ،)60‬إال أن مدة الوفاق مل تستمر طويالا‪ ،‬فاستأنف األحباش من جديد عدواهنم على الزايلعة‬
‫يف عهد ملكهم داود بن سيف أرعد (‪ 814 -284‬ه‪ 1411 -1382/‬م) صاحب السفارة السابقة‪،‬‬
‫ونكلوا ابملسلمني يف تلك املناطق (‪ ،)61‬ورمبا كان انشغال السلطنة اململوكية ابهلجمة املغولية التيمورية سببا‬
‫يف عدم تقدمي املساعدة للزايلعة‪ ،‬وبذلك توضح للماليك ‪ -‬وهم يدركون سالفا ‪ -‬كذب األحباش‪ ،‬ويف هذه‬
‫احلاالت يالحظ ردات فعل مملوكية ضد نصارى مصر‪ ،‬ومنها ما قام به السلطان املؤيد شيخ عام ‪ 811‬ه‪/‬‬
‫‪ 1411‬م من تضييق على أقباط مصر وعزهلم من وظائفهم (‪.)62‬‬
‫وهناك مثال آخر على أن التضيق اململوكي على أقباط مصر مل يكن إال ردة فعل‪ ،‬ففي عهد‬
‫السلطان (جقمق) كان (زرء يعقوب) ملك مملكة أكسوم قد أرسل رسالة تودد للسلطان جقمق‪ ،‬فرد عليها‬
‫السلطان وأرسل كتااب بيد حيىي بن أمحد بن شاد‪ ،‬إال أن الرد مل يعجب زرء يعقوب‪ ،‬فقام ابحتجاز حيىي بن‬
‫أمحد‪ ،‬مث قام بقتل سلطان مملكة عدل اإلسالمية شهاب الدين أمحد بن بدالي‪ ،‬وأرسل مندوب السلطان‬
‫جقمق لرياه‪ ،‬حىت يكون ذلك أنكى للمسلمني‪ ،‬وهذا ما دفع السلطان جقمق إىل اعتقال البطريرك القبطي‬
‫وضربه وإهانته وهتديده بقتل مجيع النصارى‪ ،‬وأمره أبن يكتب مللك احلبشة برد حيىي بن أمحد‪ ،‬وكان ذلك‪،‬‬

‫(‪ )91‬جرراء عنررد كررل مررن ابررن إايس وابررن حجررر العسررقالين أنرره يف سررنة ‪ 283‬ه ورد اخلرررب أن متملررك احلبشررة داود بررن سرريف أرعررد تعرردى علررى‬
‫أطرراف الرربالد ابهلجرروم علررى أسروان‪ ،‬فلمررا بلررغ األاتبكرري برقروق ‪ -‬مل يكررن قررد أصرربح سررلطاان بعررد ‪ -‬ذلررك بعررث يف طلررب بطريررق النصررارى‬
‫اليعاقبة وامسه مىت بن مسعان‪ ،‬وأمره أبن يكتب إىل صاحب احلبشة أبن ال يتعرض لبالد السلطان‪ ،‬فكتب البطريق برذلك‪ ،‬ونردب السرلطان‬
‫حلمررل رسررالته الربهرران إبرراهيم الرردمياطي نقيررب قاضرري القضرراة املررالكي‪ ،‬وتتوافررق الرسررالة الرريت صررن بصررددها يف هررذا املقررال مررع مررا جرراء عنررد‬
‫هررذين املررؤرخني‪ .‬انظررر‪ ،‬ابررن إايس (حممررد بررن أمحررد)‪ :‬برردائع الزهررور يف وقررائع الرردهور‪ ،‬تررح‪ :‬حممررد مصررطفى‪ ،‬اهليئررة املصررية العامررة للكترراب‪،‬‬
‫الق رراهرة‪ ،‬ط ‪ 1183 ،2‬م‪ .281/2/1 ،‬اب ررن حج ررر العس ررقالين (أمح ررد ب ررن عل رري‪ ،‬ت ‪ 829‬ه)‪ :‬إنب رراء الغم ررر أببن رراء العم ررر‪ ،‬دار الكت ررب‬
‫العلمية‪ ،‬مصورة عن نسخة دار املعارف العثمانية‪ ،‬ط ‪ ،2‬بريوت ‪ 1186‬م‪.46/2 ،‬‬
‫(‪ )60‬يذكر صاحب نزهة النفوس أنه يف ‪ 11‬ذي احلجة سنة ‪ 288‬ه وصلت رسل احلبشة بكتاب ملكهم داود برن سريف أرعرد‪ ،‬ومعهرم هديرة‬
‫حيملها عشرون مجال مشحونة ابلطرائف والتحف‪ .‬أنظر‪ :‬الصرييف (علي بن داود‪ ،‬ت‪ 100 :‬ه)‪ :‬نزهة النفوس واألبدان يف تواريخ الزمران‪،‬‬
‫تح‪ :‬حسن حبشي‪ ،‬مطبعة دار الكتب‪ ،‬القاهرة‪ 1120 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.149‬‬
‫(‪ )61‬املقريررزي‪ :‬اإلملررام أبخبررار مررن أبرض احلبشررة مررن ملرروك اإلسررالم‪ ،‬منشررور ضررمن رسررائل املقريررزي‪ ،‬تررح‪ :‬رمضرران البرردري وأمحررد قاسررم‪ ،‬دار‬
‫احلديث‪ ،‬القاهرة‪ 1118 ،‬م‪ ،‬ص ‪.143 -232‬‬
‫(‪ )62‬فيذكر العسقالين أن يف السابع من مجادى األوىل سنة ‪ 822‬ه أحضر السلطان املؤيد شيخ بطررك النصرارى إىل اإلسرطبل بسربب مرا يقرع‬
‫يف احلبشة من إهانة املسلمني‪ ،‬وكان ذلك أحرد األسرباب الريت جعلرت السرلطان نمرر أبن ال يباشرر أحرد مرن النصرارى يف دواويرن السرلطان‬
‫وال األمراء وال غريهم‪ .‬أنظر‪ :‬ابن حجر العسقالين‪ :‬إنباء الغمر أببناء العمر‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.391‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪351 ..‬‬

‫فعاد حيىي بن أمحد بعد صو أربع سنوات (‪.)63‬‬


‫وهنا يتضح لنا أن أحد أهم أسباب سوء العالقة اململوكية األكسومية أال وهو اضطهاد األحباش‬
‫املستمر للمسلمني يف تلك اجلهات‪ ،‬وهناك سبب آخر متثل يف املشروعات الصليبية املشرتكة اليت ظهرت يف‬
‫تلك اآلونة‪ ،‬لتدل على املدى الذي كان األحباش مستعدين فيه للذهاب إىل إهناء الوجود اإلسالمي‪،‬‬
‫لذلك نراهم يعملون على تشكيل حلف صلييب مع أورواب ضد املسلمني‪ ،‬ويتابعون ابهتمام أخبار احلمالت‬
‫الصليبية على بالد الشام‪ ،‬فكان اتصاهلم ابلقوى الصليبية يف أورواب نفسها مباشرا ومستمرا طوال العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬وكان ذلك على شكل سفارات ووفود يتبادهلا اجلانبان‪ ،‬وكان الرهبان الفرنسيسكان‪ ،‬والرهبان‬
‫األحباش املقيمون يف القدس غالبا هم أداة االتصال بني الطرفني‪ ،‬انهيك عن األحباش الذين كانوا يرتددون‬
‫ابستمرار إىل القدس على شكل حجاج أو زوار (‪ ،)64‬بل أكثر من ذلك فقد ظهرت حماوالت لفصل كنسية‬
‫األحباش عن الكنسية املصرية واالحتاد مع الكنيسة الكاثولكية يف روما لزايدة التنسيق يف جمال النشاط‬
‫الصلييب ضد املسلمني (‪ ،)69‬وقد أشار أحد الباحثني إىل ثالثة عشر اتصاال أثبتها املؤرخون األوربيون‬
‫أنفسهم متت بني احلبشة واببوات وملوك أورواب حول إقامة مشاريع صليبية (‪ ،)66‬فيها من األدلة ما يكفي‬
‫إلدراك عمق الروح الصليبية لدى األحباش‪ ،‬ويف هذا الصدد نكتفي بذكر حادثة اإلسكندرية مثاال لذلك‪،‬‬
‫ففي سنة ‪ 262‬ه‪ 1369 /‬م مت االتصال بني سيف أرعد (‪ 224 - 249‬ه‪ 1322 – 1344/‬م) ملك‬
‫احلبشة وبطرس لوزجنان ملك قربص على أساس أن يقوم األخري مبهامجة مصر من انحية الشمال ويقوم‬
‫سيف أرعد مبهامجتها من اجلنوب‪ ،‬وابلفعل قام بطرس لوزجنان حبملة كبرية على اإلسكندرية‪ ،‬دمرت‬
‫اإلسكندرية خالهلا‪ ،‬وقام سيف أرعد ابلزحف مشاال ابجتاه مصر‪ ،‬إال أنه عندما مسع خبرب انسحاب احلملة‬
‫القربصية بعد تدمري اإلسكندرية قفل عائدا إىل بالده بعد أن خسر عددا كبريا من جنوده بسبب وعورة‬
‫الطريق (‪.)62‬‬
‫وال ميكن جتاهل اجلانب االقتصادي كعامل أساسي ومؤثر يف العالقات احلبشية اململوكية‪ ،‬فأرواب‬
‫ومنذ سقوط عكا بيد املسلمني وطرد بقااي الصليبيني سنة ‪ 610‬ه‪ 1211 /‬م وهي تعمل على استعادة‬

‫(‪ )63‬السخاوي (حممد بن عبد الرمحن‪ ،‬ت ‪ 102‬ه)‪ :‬الترب املسبوك يف ذيل السلوك‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.22 -68‬‬
‫(‪ )64‬كانت حركة احلجاج األحباش إىل القدس مستمرة‪ ،‬وختتلف أعداد املشاركني من عام إىل عام‪ ،‬ففي عام ‪ 886‬ه بلغ عددهم ثالثرة آالف‬
‫حرراج‪ ،‬ويف عررام ‪ 122‬ه بلررغ عررددهم منمائررة حرراج‪ .‬انظررر‪ ،‬ابررن طولررون (حممررد بررن طولررون‪ ،‬ت‪ 193 :‬ه)‪ :‬مفاكهررة اخلررالن يف ح روادث‬
‫الزمان‪ ،‬تح‪ :‬حممد مصطفى‪ ،‬املؤسسة املصرية العامة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج ‪ 1162/1‬م‪ ،‬ص ‪ ،31‬ج ‪ 1164/2‬م‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )69‬إبراهيم طرخان‪ :‬مصر يف عصر دولة املماليك اجلراكسة‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪ 1160 ،‬م‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫(‪ )66‬رجب عبد احلليم‪ ،‬العالقة بني مسلمي الزيلع ونصارى احلبشة‪ ،‬ص ‪.118 – 101‬‬
‫(‪ )62‬املقريزي‪ :‬السلوك‪ ،‬ج ‪ ،4‬ق ‪ ،2‬ص ‪.219‬‬
‫عاشور‪ :‬بعض أضواء جديدة‪ ،‬ص ‪ 30‬نقال عن ‪Kammerer. La mer roug. Tome.i pp. 294-304.‬‬
‫‪ 351‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫ملكها‪ ،‬فبدأت بسلسلة من املشاريع من أجل ذلك‪ ،‬وأحد هذه املشاريع هو احلرب االقتصادية‪ ،‬وحرمان‬
‫سلطنة املماليك من املصدر األساسي لقوهتا وغناها؛ أال وهي التجارة‪ ،‬وهذا كمقدمة الهنيارها سياسيا‬
‫وعسكراي‪ ،‬ويف الوقت الذي كثرت فيه قرارات البابوية بتحرمي التجارة مع املسلمني ومنع الرتدد إىل موانئ‬
‫تلك السلطنة املطلة على املتوسط‪ - ،‬وقد قام آل لوزجنان يف قربص هبذه املهمة خري قيام (‪ - )68‬فمنذ‬
‫ذلك الوقت وهي تبحث عن حليف صلييب يف اجلنوب‪ ،‬فلم يكن هناك أفضل من دولة األحباش املسيحية‬
‫ليتحالف معها الصليبيون ويعتمدوا عليها يف إغالق املدخل اجلنويب للبحر األمحر‪ ،‬ومنع جتارة الشرق‬
‫األقصى من السري فيه إىل موانئ مصر (‪ ،)61‬وقد كثرت السفارات لتحقيق هذه اخلطة‪ ،‬حىت إن بعضها مت‬
‫القبض عليه من قبل املماليك‪ ،‬كسفارة البااب اليت أرسلها عام ‪ 1316‬م‪ ،‬وسفارة ملك فرنسا عام ‪ 1338‬م‬
‫(‪.)20‬‬
‫وبشكل عام مل تفلح هذه املشاريع األوروبية ‪ -‬األكسومية‪ ،‬وإمنا أتت بنتائج عكسية متثلت بضغط‬
‫السلطان على مسيحي مصر‪ ،‬ونالحظ ذلك بشكل واضح بعد محلة اإلسكندرية سنة ‪ 262‬ه‪1369 /‬‬
‫م‪ ،‬يف حني استطاعت السفارات واالتصاالت الدبلوماسية أن حتقق بعض النتائج الطيبة لصاحل املسيحيني‬
‫يف النوبة ومصر‪ ،‬ولصاحل املسلمني يف احلبشة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬سفارة احلطي داود بن سيف أرعد إىل السلطان الظاهر برقوق سنة ‪ 222‬ه‪ 5223/‬م‪:‬‬
‫يف هذا اإلطار ميكن أن ننظر إىل رسالة اندرة مرسلة من داود بن سيف أرعد ملك احلشبة إىل‬
‫الظاهر برقوق سلطان املماليك‪ ،‬أوردها ابن شاهني الظاهري يف كتابه "موكب الرتك وكوكب امللك"‪ ،‬وابن‬
‫شاهني هو غرس الدين خليل بن شاهني الظاهري‪ ،‬تويف سنة ‪ 823‬ه‪ 1468 /‬م‪ ،‬تقلد مناصب إدارية‬
‫عالية يف سلطنة املماليك‪ ،‬مما جعله يطلع على تفاصيل األمور‪ ،‬وكانت معلوماته واثئقية‪ ،‬وابلنسبة هلذه‬
‫الرسالة فإن ابن شاهني ‪ -‬وحلسن احلظ ‪ -‬قد أوردها كاملة يف كتابه املذكور سابقا (‪ ،)21‬وحتمل هذه‬

‫(‪ )68‬عاشور‪ :‬احلركة الصليبية صفحة مشرقة يف اتريخ اجلهاد العريب يف العصور الوسطى‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ 1121 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‬
‫‪.1202 – 1209‬‬
‫(‪ )61‬مارينو سرانوتو‪ :‬كتراب األسررار‪ ،‬اجلرزء الثرامن والثالثرون مرن املوسروعة الشراملة يف اتريرخ احلرروب الصرليبية‪ ،‬أتليرف وحتقيرق وترمجرة د‪ .‬سرهيل‬
‫زكار‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص ‪ 69‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )20‬عاشور‪ :‬بعض أضواء‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫(‪ )21‬هررذا املخطرروط موجررود لرردى د‪ .‬سررهيل زكررار‪ ،‬وقررد مت االعتمرراد علررى هررذه النسررخة‪ ،‬وحلسررن احلررظ فقررد ورد نررذ هررذه الرسررالة يف طرروط‬
‫موجررود يف بطريركيررة األقب راط األرثرروذكس يف مصررر ضررمن جمموعررة امسهررا (جمموعررة سرررية ب ررالم ويواصررف) حتررت رقررم ‪ ،42‬ص ‪،31 -231‬‬
‫ولدى قراءة النصني فإن االتفاق بينهما يكاد يكون كامال من حيث املعىن ال اللفظ‪ ،‬وسيتم إيراد نذ ابن خليل الظراهري‪ ،‬وسرتتم اإلشرارة‬
‫يف احلاشية إىل الزايدة والنقذ‪ ،‬أو إىل االختالف الذي قد يؤدي إىل تغري املعىن وسيتم الرمز إىل طوط بطريركية األقباط برمز (س)‪.‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪352 ..‬‬

‫الرسالة يف طياهتا هتديدا خفيا‪ ،‬كما أهنا حتمل أيضا مشروعا سلميا بني الطرفني (‪ ،)22‬واالطالع عليها جيعلنا‬
‫نقع على مشهد يعرب بشكل مباشر وابختصار على العالقة بني الطرفني‪ ،‬وهذا نصها (*)‪:‬‬
‫"وقد وقفت على كتاب صدر عن احلطي (‪ )23‬داود بن سيف أرعد (‪ ،)24‬يذكر فيه أنه متصل‬
‫النسب ابمللك يف بالده إىل سليمان بن داوود عليه السالم (‪ ،)29‬للسلطان امللك الظاهر أيب (‪ )26‬سعيد‬
‫برقوق (‪ )22‬سقى هللا تعاىل عهده‪ ،‬وهذه نسخته‪:‬‬
‫(‪)28‬‬
‫"بسم هللا الرؤوف الرحيم‪ ،‬من السلطان امللك األصيل املدعو بنعمة هللا وأحكامه قسطنطني‬
‫ابن امللك امللك األعز سيف أرعد‪ ،‬السلطان امللك املرحوم عمدة سيوف مالك اتبوت عهد هللا من موسى‬
‫الكليم عليه السالم (‪ ،)21‬ملك امللوك والسالطني النجاشية ابألقاليم احلبشية الكرسية املتوج بتاج ملكه‬
‫وإكرامه‪ ،‬امللك العادل يف أحكامه‪ ،‬املختار من هللا سبحانه للجلوس على كرسي قسطنطيين زمانه‪ ،‬وجناشي‬
‫عصره وأوانه‪ ،‬أطال هللا تعاىل العز الدائم بقاءه‪ ،‬وخلد ملكه وارتقاءه‪ ،‬وكبت حسدته وأعداءه‪ ،‬ونصر‬
‫جيوشه وعساكره – وعالمته خبط يده بني السطور ابحلبشي‪ :‬احملب داود املدعو قسطنطني ‪ )80( -‬إىل املقام‬

‫(‪ )22‬من املرجح أن تكون هذه الرسالة ردا على الرسالة الريت كران قرد أرسرلها األاتبكري برقروق سرنة ‪ 283‬ه‪ ،‬وقرد مترت اإلشرارة إليهرا مسربقا يف‬
‫احلاشية رقم ‪ 99‬و ‪ ،96‬هنا مل يرذكر ابرن خليرل الظراهري اتريرخ الرسرالة‪ ،‬لكنهرا واعتمرادا علرى أمرور عردة يررجح أن اتر هرا هرو سرنة ‪284‬‬
‫ه‪ ،‬فقررد ورد عنررد املقريررزي يف أحررداث ‪ 284‬ه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ 426‬ومررا بعررد قرردوم سررفارة مررن عنررد ملررك احلبشررة‪ ،‬والسررطور القليلررة القادمررة‬
‫تؤكد أهنا يف سنة ‪ 284‬ه‪.‬‬
‫(*) نذ الرسالة فيه أخطاء صوية ولغوية كثرية‪ ،‬وأغلب الظن أهنا من كاتب الرسالة‪ ،‬آثران تركها على حاهلا إبقاء للنذ على صورته األصلية‪.‬‬
‫(‪ )23‬احلطي تعين امللك أو السلطان‪ ،‬وهو حبشي‪ ،‬أنظر املقريزي‪ :‬اإلملام‪ ،‬ص ‪.231‬‬
‫(‪ )24‬داود بررن سرريف أرعررد بررن عمرردا صرريون (‪ 814 - 284‬ه‪ 1411 - 1382 /‬م)‪ :‬امللررك السررابع مررن األسرررة السررليمانية ال ريت حكم رت‬
‫احلبشة من عام ‪ 162 – 661‬ه‪ 1991 -1220/‬م‪.‬‬
‫(‪ )29‬تقول األسطورة احلبشية أبن ملوكهم ينحدرون من صلب النيب سرليمان عليره السرالم مرن خرالل زواجره مرن بلقريس ملكرة سربأ‪ ،‬وحرىت اآلن‬
‫فررإن املررادة الثانيررة مررن الدسررتور األثيررويب تررنذ علررى أن يظررل العرررش بصررفة دائمررة حمصررورا يف نسررل هيالسالسرري األول لكونرره سررليال مباشررا‬
‫للملك منليك األول ابن ملكة سبأ من النيب سليمان‪ ،‬أنظر‪ ،‬عبد هللا حسن الشيبة‪ :‬دراسات يف اتريخ اليمن القدمي‪ ،‬مكتبة الوعي الثوري‪،‬‬
‫الرريمن‪ ،‬تعررز‪ 2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .289‬لكررن اليهررود ال يعرردوهنم يهررودا ألن أمهررم ليسررت يهوديررة‪ ،‬وهررو شرررط أساسرري ليكررون املنتسررب إلرريهم‬
‫يهودا‪.‬‬
‫(‪ )26‬كتبت يف األصل (أبو)‬
‫(‪ )22‬حكم برقوق سلطنة املماليك مرتني‪ ،‬األوىل من ‪ 210 -284‬ه والثانية من ‪ 801 -212‬ه‪.‬‬
‫(‪ )28‬يتعمد ملوك احلبشة يف بعض األحيان تلقيب أنفسهم بقسطنطني أو قسطنطيين يف مراسالهتم‪ ،‬انظر‪ ،‬السخاوي‪ :‬الترب املسبوك‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫(‪ )21‬يدعي هؤالء كما ذكران االنتساب إىل سليمان عليه السالم‪ ،‬وكان عند بين إسرائيل التابوت يتوارثونه وفيه السكينة مما تررك آل موسرى وآل‬
‫هارون‪ ،‬وتذكر املروايت اإلسرائيلية أهنم كرانوا يصرطحبونه معهرم يف املعرارك‪ ،‬فينتصررون بربكتره‪ .‬انظرر‪ ،‬الطرربي‪ :‬اتريرخ الرسرل وامللروك‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫ص ‪.424‬‬
‫(‪ )80‬مل ترد هذه املقدمة من النعوت يف نسخة (س)‪ ،‬وإمنا ورد فقط (بسم هللا الرمحن الرحيم من احملب داود املردعو قسرطنطني إىل املقرام املولروي‬
‫الكبريي‪.).......‬‬
‫‪ 352‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫العايل املولوي الكبريي السلطاين امللكي العاديل السيفي سيف الدين امللك الظاهر أبو سعيد برقوق سلطان‬
‫املسلمني واإلسالم بداير مصر والشام‪ ،‬سيد األانم اخلاص منهم والعام‪ ،‬أعز هللا أنصاره‪ ،‬وضاعف علوه‬
‫واقتداره‪ ،‬ورفع لواءه ومناره‪ ،‬وحما بعدله أسباب الظلم وآاثره‪ ،‬وجعل الفضل من شعاره‪.‬‬
‫أما بعد محد (‪ )81‬هللا تعاىل مقلد ملك أرضه من شاء من عباده‪ ،‬وحافظ عهد أوليائه وأنبيائه‬
‫الصادقني القائمني أبوامره ومراده‪ ،‬كما سبق ميعاده‪ ،‬صمده على ما أوالان من جزيل نعمته‪ ،‬ونشكره شكرا‬
‫نستزيد به جزيل آالئه ونسأله اإلعانة على القيام مبا يرضيه فيما خولنا إايه من التخصيذ هبذه املمالك‬
‫الوسيعة‪ ،‬واملنزلة العالية الرفيعة "إنه على كل شيء قدير"‪ ،‬وقد شهر عند كل عارف ومرتدد عظم مقدار‬
‫ممالك بالد احلبشة‪ ،‬وكل ملوكهم حملهم معروف عند سائر امللوك‪ ،‬وأهنم منصورون من هللا تعاىل يف كل‬
‫تصرفاهتم‪ ،‬وذلك أن مقاصدهم اخلري لسائر الناس أمجعني‪ ،‬ويعتمدون (‪ )82‬العدل واإلنصاف يف رعاايهم‪،‬‬
‫والشفقة عليهم‪ ،‬وردع الظاملني‪ ،‬ومنع املتعسفني عن أذية الرعية أمجعني‪ ،‬وإيصال احلقوق للمستحقني‪،‬‬
‫وأتمني السبيل‪ ،‬واإلحسان للغريب والنزيل‪ ،‬وحفظ العهود ألولياء العهد ما داموا له حافظني‪ ،‬وإنصاف‬
‫املظلومني من الظاملني‪ ،‬فهذه شيمنا قد ذكرانها لكم‪.‬‬
‫السالم عليكم سالما جزيال وافرا‪ ،‬كما يليق بعظمة سلطانكم‪ ،‬والسالم على أفراد دولتكم األعزة‪،‬‬
‫وأخصائكم‪ ،‬ومقدمي جيوشكم األكابر‪ ،‬ورمحة هللا وبركاته عليكم أمجعني‪ ،‬وبركات األولياء الصاحلني آمني‪.‬‬
‫أما بعد‪ ،‬نعلمكم بعد جتديد السالم عليكم أنه ملا أراد هللا تعاىل برمحته ومشيئته وأحكامه الغري‬
‫مدركة جلوسنا على كرسي امللك الشريف‪ ،‬وتقليدان للمملكة املعظمة‪ ،‬واتفاق سائر امللوك واألمراء‪،‬‬
‫ومقدمي الدولة والوزراء‪ ،‬وكل اجليوش والعساكر ابلسلطنة املعظمة النجاشية فجلسنا على كرسي امللك‬
‫الذي ورثناه من داود النيب‪ ،‬وابنه عليهما السالم (‪ ،)83‬فقابلنا ذلك ابحلمد والشكر هلل تعاىل‪ ،‬مث نظران يف‬
‫أمور الرعية‪ ،‬وإطالق احملبوسني واملأسورين‪ ،‬وفتحنا السبل للتجار واملسافرين‪ ،‬وأمعنا النظر يف مصاحل‬
‫بالدكم‪ ،‬ويف الوصية ابلتجار الكارميه (‪ ،)84‬وغريهم برا وحبرا‪ ،‬وأمران بتجهيز الغالل‪ ،‬ومحلها إىل السواحل‬
‫اإلسالمية كما سبق من العهود بني امللوك املتقدمني ببالدان وبالدكم‪ ،‬وابخلاصة ما كان امللك األكمل عمد‬

‫(‪ )81‬لعلها "صمد"‬


‫(‪ )82‬كتبت يف األصل (يعتمدوا)‬
‫(‪ )83‬يف هذا الكالم دليل على أن السفارة كانت يف العام الذي توىل فيه داود احلكم وهو عام ‪ 284‬ه‪.‬‬
‫(‪ )84‬ورد يف (س) "وأمعنا النظر يف مصاحل بالدكم ويف الوصية أبوالدكم والتجار الكارمية"‬
‫التجرار الكارميرة‪ :‬طائفرة مرن جترار احملريط اهلنردي والبحرر األمحرر‪ ،‬هنراك خرالف كبرري حرول سربب هرذه التسرمية‪ ،‬واملهرم أهنرا يف العصرور الوسرطى‬
‫كانت تطلق على جتار هذه املناطق‪ ،‬انظر‪ ،‬عطية القوصي‪ :‬أضواء على جتارة الكارم‪ ،‬ا لة التار ية املصرية‪ ،‬م ‪ 1129 ،22‬م‪ ،‬ص ‪-12‬‬
‫‪ .31‬وتعد احلبشة آنذاك من أهم دول البحر األمحر‪ ،‬وهلا ابع طويل يف جتارة الكارم‪.‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪352 ..‬‬

‫سيون (‪ )89‬جدي يعتمده من اخلري مع كل أحد‪ ،‬كل ذلك ألجل الوصية أببينا البطرك (‪ ،)86‬وإخوتنا‬
‫النصارى ابلداير املصرية‪ ،‬واألقاليم الشامية‪ ،‬ومراعاته‪ ،‬ومنع من يتعرض إليهم أبذية‪ ،‬واآلن فقد ورد إلينا‬
‫كتاب أبينا ورأسنا ورئيسنا السيد البطرك (مىت) (‪ ،)82‬بطريرك اإلسكندرية‪ ،‬والداير املصرية‪ ،‬واحلبشية‪،‬‬
‫والنوبية‪ ،‬على يد األسقف املكرم إبراهيم (‪ )88‬ورفقته‪ ،‬وكتابكم على يد رسولكم القاضي برهان الدين‬
‫الدمياطي (‪ )81‬ورفقته الفقهاء‪ ،‬فقابلناه براية الفرح‪ ،‬مث قابلناهم ابإلكرام والتمجيد‪ ،‬وهم قد أهنوا إلينا أن قوما‬
‫عرفوكم أبان قد رمسنا ابلتسلط على املسلمني املقيمني ببالدان من الصادرين والواردين‪ ،‬الذين حتت سلطاننا‪،‬‬
‫ورمسنا فيهم ابلقتل واألسر واإلكراه على الدخول يف ديننا ابجلور والقهر‪ ،‬وأهنم يف أمور ضارة شاقة‪ ،‬وهذه‬
‫األمور أكثرها سقيم‪ ،‬وانقلها على الكذب مقيم‪ ،‬فينبغي ملن له النظر يف تدبري اململكة اإلسالمية مقابلة‬
‫الكاذبني مبا يستحقوه من القصاص الواجب‪ ،‬ألن هؤالء القوم املذكورين الذين أهنوا أان هلم مضرون‪ ،‬فهم‬
‫(‪)10‬‬
‫زارعون يف بالدان راضون غري مستكرهني‪ ،‬وكانوا فقراء معوزين‪ ،‬وصاروا جتارا مغلني‪ ،‬ويتجرون ويكسبون‬
‫شرقا وغراب‪ ،‬وال من جزية‪ ،‬وال من حق‪ ،‬وال من مكس يطالبون به‪ ،‬بل أبكثر أهل البالد مكرمني (‪ ،)11‬ومن‬
‫اختار منهم الرجوع إىل بالده وأهله فما له من يعيقه عن ذلك‪ ،‬وإن اختار اإلقامة فما له من مينعه من‬
‫ذلك‪ ،‬وأما اإلكراه على الدخول يف ديننا فغري واجب يف كتبنا‪ ،‬وإن اتفق ذلك يكون منهم ابلرضا‪ ،‬والرغبة‬
‫إلينا فيه‪ ،‬وأما إحساننا إىل مجاعة املسلمني يف كل وقت وحني فهو ظاهر للعارفني‪ ،‬أول ذلك حبر النيل‬
‫الذي جيري من بالد احلبشة إىل أرض مصر وأعماهلا‪ ،‬وطرق جراينه إىل الداير املصرية بعيدة جدابء‪ ،‬صعبة‬
‫املسالك‪ ،‬وصن أنمر إبقامة أانس أشداء يسوقوها ويسهلوا سبيلها وطريقها‪ ،‬مث يصرفوا منها إىل أماكن أخر‬
‫ما لو وصل إىل الداير املصرية ألغرقها وغرق كل ما فيها‪ ،‬مث نمر كل وقت إبرسال الغالل إىل السواحل‬
‫ونواحيها‪ ،‬والثغور واملني اإلسالمية (‪ ،)12‬ألجل من يرد من التجار الكارمية‪ ،‬والصادرون من الداير املصرية‪،‬‬

‫(‪ )89‬يف (س) "عبررد سررنون" عمررد سرريون أو عمررد صرريون األول بررن ودم أرعررد‪ ،‬حكررم احلبشررة ح روايل ثالثررني عررام‪ 249-214 ،‬ه‪-1314/‬‬
‫‪ 1344‬م‪ ،‬وقد تقدم شرح معىن صيون‪ ،‬انظر حاشية رقم ‪.99‬‬
‫(‪ )86‬يف (س)‪...." :‬عبررد سررنون جرردي‪ ،‬وبررن امللررك الناصررر حممررد بررن قررالوون مررن احملبررة واالتفرراق ومررا كرران يعتمررد امللررك الناصررر رمحرره هللا تعرراىل‬
‫الوصية أببينا البطرك وإخوتنا النصارى‪" .......‬‬
‫(‪ )82‬هررو مررىت بررن مسعرران كمررا ورد عنررد ابررن إايس يف برردائع الزهررور‪ ،‬ج ‪ ،1‬ق ‪ ،2‬ص ‪ ،281‬وعنررد ابررن حجررر العسررقالين يف إنبرراء الغمررر‪/2 ،‬‬
‫‪ .46‬ويف (س) ورد ابسم "أنبا متاءوس"‪.‬‬
‫(‪ )88‬يف (س) "أبراهام"‪.‬‬
‫(‪ )81‬هو نقيب قاضي القضاة املالكي آنذاك‪ ،‬وهو الذي محل رسالة برقوق إىل ملك احلبشة‪ .‬انظر احلاشية رقم ‪.91‬‬
‫(‪ )10‬يف (س)‪" :‬وميشون " ولعلها يتاجرون‬
‫(‪ )11‬كتبت يف األصل (مكرومني) يف (س)‪" :‬بل هم أكثر من أهل البالد يكرمون"‪.‬‬
‫(‪ )12‬يف (س)‪" :‬الكور واملدن اإلسالمية"‪.‬‬
‫‪ 330‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫املصرية‪ ،‬والواردين إىل الثغور من البالد اليمنية واهلندية‪ ،‬واملسافرين إىل األقطار احلجازية‪ ،‬وما يعول املقيمني‬
‫واملرتددين إىل ثغر سواكن وغريها برا وحبرا‪ ،‬وأنمر حبفظ الطرقات من املتجرمني (‪ ،)13‬ومنع املؤذيني‪ ،‬وقطع‬
‫آاثر املفسدين‪ ،‬وأما ترتيب اإلقامة ابلبالد احلبشية‪ ،‬فإن لكل من يرد إليها من املسلمني األمن (‪ ،)14‬فلو‬
‫سار إنساان منهم يف البالد مع سعتها وكثرة أهلها‪ ،‬فهو على نفسه وماله من اآلمنني‪ ،‬مث غري ذلك‪،‬‬
‫االحتفال ابمللوك والسالطني املسلمني الذين هم حتت سلطاننا وحوزتنا‪ ،‬وصن هبم ظافرين‪ ،‬وكل من توىف‬
‫منهم إىل ربه‪ ،‬نقيم مكانه من ذريته‪ ،‬ومن نسله من يوم مقامه‪ ،‬ونسلم إليهم بالدهم‪ ،‬ونسلطهم عليهم (‪،)19‬‬
‫وأنمرهم أن يعطوهم اخلراج‪ ،‬واحلقوق الواجبة على الرعية للملوك‪ ،‬وهم مكرمني‪ ،‬مبجلني (‪ ،)16‬مبجلني‬
‫(‪ ،)12‬مع إنصاف شكوى من آللة ظالمة منهم ومن غريهم‪ ،‬وإجرائهم على حكم احلق والعدل واإلنصاف‪،‬‬
‫(وهلو الذي نعتمده مع املسلمني فيما شرحناه لكم‪ ،‬ليس أان خناف سطوهتم‪ ،‬فإهنم ذمتنا ورعيتنا‪ ،‬وحتت‬
‫قضيب مملكتنا من أكرب ملوكهم إىل أقل من فيهم وإمنا اعتمادان هذا واجب كوهنم رعيتنا أوال‪ ،‬واثنيا ألجل‬
‫الوصية التامة أببينا البطريرك وإخوتنا النصارى‪ ،‬وكنائسهم‪ ،‬وأديرهتم بسائر املمالك اإلسالمية) (‪ ،)18‬وأما‬
‫هؤالء القوم الذين أهنوا إليكم ما قد طالعتوان به‪ ،‬فال يصدقوا علينا؟ ألهنم أصحاب غرض فاسدون مفتنون‬
‫بني امللوك‪ ،‬لكن من أساء السرية من امللوك الذين حتت سلطاننا وخامر علينا‪ ،‬وامتنع عن القيام مبا يلزمه من‬
‫اخلراج والقطيعة اليت عليه يف كل بالده أسوة من كان قبله‪ ،‬فنجرد إليه وأنمر ابلغزو عليه‪ ،‬كما عادة امللوك‬
‫إذا خامر عليهم أحد‪ ،‬وكمثل ما يف بالدكم‪ ،‬ولكن أسالوا التجار واملرتددين إىل بالدان عن أخباران‪ ،‬وما‬
‫مجعت املسلمني عليهم من األمن واألمان يف بالدان (‪ ،)11‬وأنتم تعاملوا الرعية‪ ،‬وأهل الذمة عندكم بضد‬
‫ذلك‪ ،‬حىت يف أايم والدي األعز سيف أرعد (‪ )100‬أرسل رسله مع اهلدااي إىل السلطنة السلطنة اإلسالمية‬
‫ابلداير املصرية‪ ،‬ملا مسع أنكم مضرين أبينا البطريرك وإخوتنا النصارى‪ ،‬وأرسل يعرفكم جتروهم (‪ )101‬على‬

‫(‪ )13‬كتبت يف األصل (إىل املتحرمني)‪ ،‬ويف (س)‪" :‬وأنمر حبفظ الطرقات من املتخوفني ومن العرابن املؤذين"‪.‬‬
‫(‪ )14‬يف (س)‪" :‬فكل من يرد عليها من املسلمني أنمر ابلوصية عليهم إن كانوا صادرين أو واردين"‪.‬‬
‫(‪ )19‬يف (س)‪" :‬ونسلم إليهم بالد النصارى من أهلنا والتزامنا ونسلطهم عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )16‬زايدة يف (س)‪" :‬أكثر من النصارى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زايدة يف (س)‪" :‬أكثر من النصارى"‪.‬‬
‫(‪ )18‬ما بني قوسني ال يوجد ما يقابله يف (س)‪.‬‬
‫(‪ )11‬يف (س)‪" :‬وأما مجاعة املسلمني عليهم مزيد األمن واألمان ببالدان"‪.‬‬
‫(‪ )100‬سيف أرعرد برن عمردا صريون‪ ،‬امترد حكمره حروايل ثالثرني سرنة‪ 224 -249 ،‬هرر‪ ،1322 -1344/‬وكران هرذا متشردد جردا يف معاملرة‬
‫املسلمني‪ ،‬فقد أصدر أايم حكمه أمرر إبعردام كرل مسرلم أد الردخول يف النصررانية‪ ،‬أنظرر‪ ،‬تومراس أرنولرد‪ :‬الردعوة إىل اإلسرالم‪ ،‬ترر‪ :‬حسرن‬
‫إبراهيم حسن وعبد ا يد عابدين‪ ،‬النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪ 1120 ،‬م‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫(‪ )101‬أي جتعل رروهنم جي رررون عل ررى عوائ رردهم القدمي ررة‪ ،‬ويف (س)‪" :‬وأنك ررم عزلتم رروهم م ررن خ رردمتهم وعوائ رردهم املس ررتقرة يف أايم املل رروك الس ررالفني‬
‫فقابلتموهم بضد اإلحسان"‪.‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪335 ..‬‬

‫عوائدهم القدمية املستقرة من امللوك السالفة كما قاموا بواجبهم‪ ،‬كما عادة امللوك املتقدمة أنه أنه كانت رسلنا‬
‫ورسل من تقدمنا من امللوك‪ ،‬إذا توجهوا إىل عندكم تلقوهم بفرح زائد وجتيبوهم عما يعرفوكم عنه ابلقبول‪،‬‬
‫ونتوان من عندكم فرحني مسرورين‪ ،‬ويعودوا إلينا أبحسن خطاب مع اهلدااي الفاخرة‪ ،‬من جياد اخليل‬
‫العربية‪ ،‬والسالح ا وهر‪ ،‬والثياب السنية وغري ذلك‪ ،‬فلما نقض العهد املستقر بني امللوك السالفة صعب‬
‫ذلك على والدان املرحوم األعز سيف أرعد واجنمع عنكم‪ ،‬وعن مراسلتكم‪ ،‬وفعل ما قدره هللا عليه‪ ،‬وهو يف‬
‫ذمتكم‪ ،‬وكان ذلك مقابل ما بدا منكم‪ ،‬مما يالئم من وجوه اللوم واالجنماع حىت علمتم ما حصل لكم يف‬
‫مقابل ما فعلتموه‪ ،‬ومقدار اإلحسان واملراعاة الذي قطعناه عن املسلمني‪ ،‬والتجار حني جذبنا حبل الود‬
‫عنكم وحرمناه‪.‬‬
‫ولكن ملا وصل إلينا كتاب أبينا (‪ )102‬ورأسنا ورئيسنا البطريرك على يد رسله مع كتابكم ورسلكم‪،‬‬
‫فقابلنا ما رسم به أبوان البطريرك‪ ،‬ورجعنا بقلبنا إليكم امتثاال ملا رسم لنا به أبوان البطريرك‪ ،‬فإان حتت طاعته‪،‬‬
‫وما نستطيع الفته‪ ،‬واآلن فقد جهران إليكم قصادان أبحسن جتهيز‪ ،‬وهم من أخصائنا وأكابر دولتنا‪ ،‬وهم‬
‫(‪)103‬‬
‫زرع مهيانون املكىن بزرع األمانة‪ ،‬وولده أنيش أيب سعادة األسد‪ ،‬وجرب أخو نيطش‪ ،‬أي عبد املسيح‬
‫وعلى أيديهم اهلدااي املكرمة اليت تليق مبثلكم‪ ،‬وذلك ألجل الوصية األكيدة أببينا البطريرك أنبا متاوش‬
‫(‪ ،)104‬وسائر وسائر إخوتنا النصارى ابلداير املصرية‪ ،‬وغريها مما حوته املمالك اإلسالمية‪ ،‬وإجراؤهم على‬
‫العوائد القدمية اليت كانت امللوك العادلة يعتمدوهنا‪ ،‬ومراعاهتم‪ ،‬وإكرامهم‪ ،‬وحفظ كنائسهم‪ ،‬وأديرهتم (‪،)109‬‬
‫فإنه قد وردت إلينا األخبار أن إخوتنا النصارى عندكم مهانون ممقوتون‪ ،‬وأنكم تشوشون (‪ )106‬عليهم يف‬
‫كنائسهم‪ ،‬وهذا خبالف ما أمركم به صاحب شريعتكم من حفظ أهل الذمة وكنائسهم‪ ،‬والقصد منكم أن‬
‫جتروهم على عوائد امللوك العادلة الذين سلفوا وأتمروا حبفظ كنائسهم‪ ،‬وأديرهتم وأن تكون مواريثهم بيدهم‬
‫كما جرت العوائد القدمية‪ ،‬فإن فعلتم ما عرفناكم عنه مجيعه‪ ،‬فالعهد اثبت بيننا وبينكم‪ ،‬واملودة ابقية‪،‬‬
‫ونعامل املسلمني أبكثر من ذلك‪ ،‬ومهما فعلتموه أببينا البطريرك وإخوتنا النصارى وكنائسهم من خري أو‬
‫شر‪ ،‬فنحن فاعلوه مع سائر املسلمني الذين حتت حوزتنا وسلطاننا وأنتم تكونون (‪ )102‬املطلوبني بذنوهبم‬
‫أعاذكم هللا من ذلك‪ ،‬والبد أن عظمتكم تستخرب من التجار املرتددين إىل بالدان وغريهم عن سعة بالد‬

‫(‪ )102‬كتبت يف األصل (أبوان)‪.‬‬


‫(‪ )103‬أعضاء السفارة الذين محلوا هذه الرسالة‪ ،‬مع اختالف بني املخطوطني من انحية اللفظ‪.‬‬
‫(‪ )104‬البطريرك القبطي الذي سبق ذكره (مىت بن مسعان)‪.‬‬
‫(‪ )109‬زايدة يف (س)‪" :‬اليت أخذمتوها وجعلتموها مساجد"‪.‬‬
‫(‪ )106‬كتبت يف األصل (تشوشوا)‬
‫(‪ )102‬كتبت يف األصل (تكونوا)‬
‫‪ 333‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫احلبشة‪ ،‬وكثرة ملوكها وممالكها الذين هم حتت سلطاننا‪ ،‬وكيف أوعدهم هللا تعاىل يف آخر الزمان فيما يفعلوه‬
‫أبمر هللا تعاىل‪ ،‬وكيف تسهل هلم الطريق‪ ،‬ومل ف عنكم ما نطقت به الكتب‪ ،‬وصرحت به يف معىن ذلك‬
‫وغريه (‪ ،)108‬وحييط علمكم الكرمي أن مجاعة النصارى الذين حتت سلطانكم ما يواروا النذر اليسري من إقليم‬
‫واحد من أقاليم املسلمني ببالدان اليت حتت أيدينا وسلطاننا‪ ،‬فتقابلوا رسلنا الواصلني إليكم مبا يليق مبثلكم‪،‬‬
‫وتقضوا هلم سائر أشغاهلم من مجيع ما كتبناه لكم من أمور إخوتنا النصارى وكنائسهم وأديرهتم‪ ،‬وتدعوا رسلنا‬
‫يتوجهوا إىل القدس الشريف للزايرة والتربك منه (‪ ،)101‬وقد أرسلنا احلاج عيسى بن عبد هللا أحد رؤوس‬
‫املسلمني‪ ،‬وصحبته مجاعة من فقهاء البالد‪ ،‬فيعرفكم أحوال املسلمني عندان وما هم عليه من اخلري‪ ،‬وهم‬
‫راكبون (‪ )110‬اخليل املسومة‪ ،‬والبغال املثمنة‪ ،‬وأنتم مل تسمحوا إلخواننا النصارى بركوب الدواب كما ينبغي‪،‬‬
‫ولكن صن منتظرون ملا يرد علينا من األخبار منكم على يد رسلنا سريعا‪ ،‬ومهما وصل إلينا عنكم مبا فعلتموه‬
‫إبخواننا النصارى‪ ،‬فنحن فاعلون (‪ )111‬أكثر من ذلك مع سائر املسلمني الذين حتت سلطاننا خريا كان أو‬
‫شرا (‪ ،)112‬ولكن قد بلغنا من املرتددين إلينا أخبار امللك اجلليل‪ ،‬وما هو عليه من العدل واإلنصاف‬
‫واإلحسان والشفقة على سائر خلق هللا تعاىل خبالف ما كان عليه من تقدمه‪ ،‬فسرران لذلك كثريا‪ ،‬وفرحنا‬
‫الفرح الكامل مبا خصكم هللا به من اجللوس على كرسي اململكة ابلداير املصرية واألقاليم الشامية (‪،)113‬‬
‫فيجب عليكم أن حتمدوا هللا على ما أوالكم من النعم‪ ،‬ونسألكم يف زايدة الوصية أببينا البطريرك‪ ،‬وإخوتنا‬
‫النصارى‪ ،‬وكنائسهم وأديرهتم وإكرامهم واحرتامهم‪ ،‬واستمرارهم يف مباشراهتم على عوائد امللوك السالفة‪ ،‬وأن‬
‫يكون مرياثهم أبيديهم (‪ ،)114‬فإذا قبلتم السؤال فسوف تسمعون ملا حيصل للمسلمني الذين حتت سلطاننا‬

‫(‪ )108‬زايدة يف (س)‪" :‬ونعلمكم أن هللا تعاىل كشف لنا يف توزيع جماري النيل املبارك وصرده عرن الرداير املصررية مرا مل يكشرف ألحرد مرن امللروك‬
‫املتقدمني قبلنا"‪.‬‬
‫(‪ )101‬زايدة يف (س)‪....." :‬والتربك به ويسيحون لنا يف اآلاثر املقدسة الشريفة‪ ،‬وقد بلغنا أن بعض أجساد الشهداء الذين لنا وهو أبرو إسرحق‬
‫الذي من دفرا أخرجوه من كنيسته وذكروا أنه عند بعض األمراء يف بيته‪ ،‬والقصد من سيادتكم تشررفون إلرسرال الشرهيد املشرار إليره صرحبة‬
‫رسلنا‪" ......‬‬
‫(‪ )110‬كتبت يف األصل (راكبون)‪.‬‬
‫(‪ )111‬كتبت يف األصل (فاعلون)‪.‬‬
‫(‪ )112‬زايدة يف (س)‪" :‬وقررد بلغنررا مررن املرررتددين أن مجاعررة مررن إخوتنررا احلبرروش توجهروا إىل الررداير املص ررية قاصرردين القرردس الش رريف للتررربك برره‪،‬‬
‫ومجاعة من رسلنا أيضا ختاصمهم عبيد التجار الكارمية وغريهم وأخذوهم ابليد العالية ليعملوهم مسلمني‪ ،‬وهرذا غرري واجرب يف الشرريعة وال‬
‫جرت به عادة يف زمن املسلمني السالفني‪." .......‬‬
‫(‪ )113‬هذا أتكيد إىل ما ذهبنا إليه يف أن اتريخ الوثيقة هو ‪ 284‬هر‪ ،‬عام تسلطن الظاهر برقوق‪.‬‬
‫(‪ )114‬يقابررل ه رزا التهديررد يف (س)‪ ..." :‬مث نسررألكم أيضررا أن تتواصررو أببينررا البطريررك وإخوتنررا النصررارى وكنائسررهم الرريت أخررذمتوها وعملتموهررا‬
‫مساجد بغري حكم حق فتعيدوهنا هلم‪ ،‬وأتمروا بركوب إخوتنا النصارى معتدلني واألراخنة الذين مرنهم‪ ،‬والكتراب الرذي يف الدولرة ومرن جتررد‬
‫منهم على عوائدهم اليت كانت يف أايم امللك الناصر حممد بن قالوون‪.".....‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪332 ..‬‬

‫من اخلري يف مقابلة ذلك‪ ،‬ومىت ‪ -‬والعياذ ابهلل تعاىل ‪ -‬حصل األمر خبالف ذلك فليس علينا الئمة فيما‬
‫يصدر منا إىل سائر املسلمني الذين هم حتت سلطاننا لتعرفوا سعة بالدان (‪ ،)119‬وما نعامل به مجاعة‬
‫املسلمني من خري أو شر مبا يعلمه هللا تعاىل‪ ،‬وهذه أمساؤهم وهم‪ :‬سلطان كتوا وأقاليمه‪ ،‬وسلطان مرضي‬
‫وأقاليمه‪ ،‬وسلطان أرزابك وأقاليمه‪ ،‬وسلطان حيزر وأقاليمه‪ ،‬وسلطان مااب وأقاليمهث‪ ،‬وابرض الداموت‬
‫عشرة سالطني مسلمني‪ ،‬وسلطان أرسوا أبرض وج وأقاليمه‪ ،‬وسلطان فرو أبرض وج أيضا‪ ،‬وسلطان هاديه‬
‫الذي حتت يده من سالطني املسلمني ستة وثالثون سلطاان‪ ،‬وسلطان ابكيه الذي حتت يده ثالثة وعشرون‬
‫سلطاان‪ ،‬وسلطان طاح الذي حتت يده مخسون سلطاان‪ ،‬وسلطان الدي أبرض دواروي (حتت يده) أربعون‬
‫سلطاان‪ ،‬وسلطان فات‪ ،‬كل التجار يعرفوكم سعة مملكته‪ ،‬وسلطان شرح وأقاليمه‪ ،‬وسلطان أرعنا وأقاليمه‪،‬‬
‫وسلطان كت وأقاليمه‪ ،‬وسلطان وسكون وأقاليمه‪ ،‬وسلطان محل وأقاليمه‪ ،‬وسلطان األحواز وأقاليمه‪،‬‬
‫وسلطان رحوا وأقاليمه‪ ،‬وسلطان حرا وأقاليمه‪ ،‬وسلطان كوان وأقاليمه‪ ،‬وهؤالء اجلميع يعطون اخلراج‬
‫والقطيعة من ذهب وفضة‪ ،‬وقماش حرير‪ ،‬وخيول وبغال وغري ذلك مما هو مقرر عليهم‪.‬‬
‫وأما الذمة الذين يف وسط البالد ال يعلم عددهم إال هللا تعاىل‪ ،‬فيحيط علمكم الشريف بذلك‪،‬‬
‫وتستدركوا الفارط يف مجيع ما سألناكم فيه (‪ ،)116‬ومىت والعياذ ابهلل تعاىل مل جتيبوا ما سألناكم فيه‪ ،‬وإال‬
‫فنحن نوقع الفعل جبميع أقاليم املسلمني وسالطينها‪ ،‬ونسفك دماءهم‪ ،‬وأنتم تكونون املطالبني بدمائهم ويف‬
‫هذا كفاية (‪ ،)112‬واملرجو من هللا سبحانه إصالح األمور لنا ولكم‪ ،‬ويدمي أايم مملكتكم‪ ،‬ويسمعنا عنكم‬
‫أخبارا تسر القلوب‪ ،‬وتشرح الصدور بصاحل األجور (‪ ،)118‬مبنه وكرمه‪ ،‬وسوابغ نعمه‪.‬‬
‫بعد إبالغ السالم الوايف األقسام عليكم‪ ،‬وعلى سائر أمراء دولتكم‪ ،‬ووزرائكم‪ ،‬ومقدمي جيوشكم‪،‬‬
‫وكل ما يلوذ مبقامكم الشريف‪ ،‬إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬واحلمد هلل وحده"‪.‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫ابتت دراسة الواثئق وتوظيفها يف قضااي حمددة منهجا يتصدر اليوم األعمال التار ية اهلادفة‪ ،‬ويف‬
‫احلقيقة إن احلديث عن العالقات اململوكية احلبشية ال يشكل ابب حبث جديد‪ ،‬وإمنا اجلديد يف املوضوع هو‬
‫املعطيات اجلديدة اليت تقدم بناء على واثئق غالبا ما كانت غائبة عن بعض الباحثني‪ ،‬وتزيد هذه الواثئق يف‬
‫إجالء الغموض عن بعض الوقائع‪ ،‬فالكثري من الباحثني حتدثوا عن العالقات اململوكية احلبشية بناء على‬

‫(‪ )119‬زايدة يف (س)‪....." :‬فليس علينا لوم فيما يصدر منا لسائر أقاليم املسلمني الذين حترت سرلطاننا وإىل الربالد املصررية مرن قطرع حبرر النيرل‬
‫املبارك وتوزيعه إىل األقاليم األخرى كما أعلمناكم يف أعلى كتابنا ومهما حيل هبم يكون الذي كان السبب فيه مطالبا بدمائهم‪."...‬‬
‫(‪ )116‬زايدة يف (س)‪...." :‬يف رجوع الكنائس واألديرة بغري حكم حق وعملت مساجد‪."...‬‬
‫(‪ )112‬زايدة يف (س)‪...." :‬لكن أجروا أابان البطريك وإخوتنا النصارى على عوائدهم اليت كانت يف أايم السلطان حممد بن قالوون‪."...‬‬
‫(‪ )118‬لعلها األمور‪ ،‬وهي كذلك عند (س)‪.‬‬
‫‪ 332‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫إشارات تصرة وردت يف هذا املصدر أو ذاك‪ ،‬زد على ذلك ندرة املصادر‪ ،‬وحىت املراجع اليت عنيت بتاريخ‬
‫شرقي إفريقية بشكل جيعل العاملني يف الرتاث اإلسالمي العريب اإلفريقي جيدون صعوبة يف التعرف على‬
‫خفاايه وفك رموزه‪ ،‬ورمبا قلة هذه املصادر فتحت ا ال أيضا أمام األساطري واخلرافات اليت انتشرت حول‬
‫أحداث واتريخ شعوب هذه املنطقة‪ ،‬وهنا أتيت أمهية الوقوف على وثيقة كاملة تبني طبيعة العالقات‬
‫وخفاايها‪.‬‬
‫كشفت هذه الوثيقة وبكل جالء عن طبيعة احلذر القائم بني األحباش واملماليك‪ ،‬فقد محلت يف‬
‫طياهتا مشروع صلح‪ ،‬لكنه قائم على التهديد‪ ،‬كما أن مشروع الصلح هذا قائم على عدم االعتداء وجتنب‬
‫كل طرف لآلخر ال على بناء عالقات جيدة‪ ،‬فاألحباش يهددون بقطع النيل عن مصر وابلتنكيل برعاايها‬
‫املسلمني إذا ما متت اإلساءة لألقباط يف مصر‪ ،‬وهي أساءت على أرض الواقع معاملة املسلمني يف أراضيها‪،‬‬
‫وقد ذهبت إىل أكثر من ذلك عندما حالفت الغرب األوريب للقيام مبشاريع صليبية مشرتكة‪.‬‬
‫أيضا قدمت الوثيقة أمساء مناطق وشعوب مسلمة جمهولة يف املصادر التقليدية‪ ،‬والسبب يف ذلك‬
‫كما ذكران قلة املصادر املهتمة بتاريخ هذه املنطقة‪ ،‬وحىت يف كتب اجلغرافية والرحالت مل جند تعريفا هلذه‬
‫املناطق‪ ،‬وإذا وجد غالبا ما كان الرسم تلفا‪ ،‬كما أن الوثيقة شكلت منوذجا جيدا للمراسالت يف العصر‬
‫اململوكي‪.‬‬
‫واجلديد يف املوضوع أن هذه الوثيقة ذاهتا ميكن استخدامها من قبل املهتمني يف القضااي املعاصرة‬
‫إلجراء بعض اإلسقاطات على العالقات بني إسرائيل ودولة جنوب السودان احملدثة مؤخرا‪ ،‬وحىت إثيوبيا‪،‬‬
‫فإسرائيل كانت من أوائل الدول املعرتفة بدولة جنوب السودان‪ ،‬ال بل إن زايرة الكيان الصهيوين كانت أول‬
‫عمل دبلوماسي خارجي لدولة جنوب السودان‪ ،‬وأول زايرة خارجية ألول رئيس حكومة يف جنوب السودان‬
‫(سلفاكري)‪ ،‬وكنا نشاهد على شاشات التلفزة كيف أن العلم اإلسرائيلي كان من أبرز األعالم املرفوعة أثناء‬
‫احتفاالت (جواب) إلنشاء دولة جنوب السودان‪.‬‬
‫جيب أال يغيب عن أذهاننا أبن النيل شكل‪ ،‬وال يزال عصب احلياة يف مصر‪ ،‬وقد أصاب‬
‫هريودوت عندما قال منذ قرون خلت‪ :‬مصر هبة النيل‪ ،‬وإذا كان األحباش أو مملكة أكسوم عاجزين عن‬
‫تنفيذ هتديداهتم بقطع النيل عن مصر يف العصر اململوكي‪ ،‬فإهنم اليوم‪ ،‬ومبساعدة إسرائيل على بناء سد‬
‫أثيوبيا أصبحوا قاب قوسني أو أدىن من تنفيذ هذا املشروع الذي يشكل عامل ضغط خطري على السياسة‬
‫املصرية جتاه املنطقة بشكل عام‪ ،‬وإسرائيل بشكل خاص‪ ،‬هذه السياسة اليت مجدت منذ عقود بكامب‬
‫ديفيد‪.‬‬
‫ويف هذا ا ال من املفيد أن نذكر هنا أبن الرهبان األحباش وحىت الفرنسيسكان املوجودين يف‬
‫القدس شكلوا إحدى قنوات االتصال بني مملكة أكسوم واألوربيني يف العصور الوسطى‪ ،‬وابلتايل يبقى‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪331 ..‬‬

‫الباب مفتوحا لالستفادة من هذه الوثيقة وأمثاهلا يف جماالت جديدة‪.‬‬

‫الصفحة األوىل من نص الرسالة‬


‫قائمة املصادر واملراجع‪:‬‬
‫أوال‪ -‬املصادر‬
‫‪ -1‬ابن األثري (حممد بن حممد‪ ،‬ت‪ 630 :‬هر)‪ :‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬تح‪ :‬عبد الوهاب النجار‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ 1341‬هر‪.‬‬
‫‪ -2‬ابن إايس (حممد بن أمحد)‪ :‬بدائع الزهور يف وقائع الدهور‪ ،‬تح‪ :‬حممد مصطفى‪ ،‬اهليئة املصرية‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 1183 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬ابن حجر العسقالين (أمحد بن علي‪ ،‬ت ‪ 829‬ه)‪ :‬إنباء الغمر أببناء العمر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫مصورة عن نسخة دار املعارف العثمانية‪ ،‬ط ‪ ،2‬بريوت ‪ 1186‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬ابن خلدون (عبد الرمحن بن خلدون)‪ :‬اتريخ ابن خلدون‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ 1196 ،‬م‪ ،‬ا لد‬
‫الثاين‪ ،‬القسم األول‪.‬‬
‫‪ 331‬العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة) ‪..‬‬

‫‪ -9‬ابن طولون (حممد بن طولون‪ ،‬ت‪ 193 :‬ه)‪ :‬مفاكهة اخلالن يف حوادث الزمان‪ ،‬تح‪ :‬حممد‬
‫مصطفى‪ ،‬املؤسسة املصرية العامة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج ‪ 1162 /1‬م‪ ،‬ج ‪ 1164 /2‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬ابن عبد الظاهر (حمي الدين‪ ،‬ت‪ 612 :‬ه)‪ :‬تشريف األايم والعصور يف سرية امللك املنصور‪ ،‬تح‪:‬‬
‫مراد كامل‪ ،‬الشركة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 1161 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬السخاوي (حممد بن عبد الرمحن‪ ،‬ت ‪ 102‬ه)‪ :‬الترب املسبوك يف ذيل السلوك‪ ،‬مكتبة الكليات‬
‫األزهرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -8‬الصرييف (علي بن داود‪ ،‬ت‪ 100 :‬هر)‪ :‬نزهة النفوس واألبدان يف تواريخ الزمان‪ ،‬تح‪ :‬حسن‬
‫حبشي‪ ،‬مطبعة دار الكتب‪ ،‬القاهرة‪ 1120 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -1‬الطربي (حممد بن جرير‪ ،‬ت‪ 310 :‬هر)‪ :‬اتريخ الرسل وامللوك‪ ،‬أو اتريخ الطربي‪ ،‬تح‪ :‬حممد أبو‬
‫الفضل إبراهيم‪ ،‬دار املعارف مبصر‪ 1161 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬علي بن حسام الدين اهلندي‪ :‬كنز العمال يف سنن األقوال واألفعال‪ ،‬تح‪ :‬بكري جياين وصفوة‬
‫السقا‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪.1121 ،‬‬
‫‪ -11‬العمري (أمحد بن حيىي‪ ،‬ت‪ 241 :‬ه)‪ :‬مسالك األبصار يف ممالك األمصار‪ ،‬تح‪ :‬محزة عباس‪،‬‬
‫اإلمارات العربية‪.‬‬
‫‪( ___ -12‬أمحد بن حيىي‪ ،‬ت‪ 200 :‬ه)‪ :‬التعريف ابملصطلح الشريف‪ ،‬تح‪ :‬حممد حسني مشس‬
‫الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -13‬القلقسندي‪( :‬أمحد بن علي‪ ،‬ت ‪ 821‬ه)‪ :‬صبح األعشى يف صناعة اإلنشا‪ ،‬وزارة الثقافة‬
‫واإلرشاد القومي مبصر‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ -14‬مارينو سانوتو‪ :‬كتاب األسرار‪ ،‬اجلزء الثامن والثالثون من املوسوعة الشاملة يف اتريخ احلروب‬
‫الصليبية‪ ،‬أتليف وحتقيق وترمجة د‪ .‬سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -19‬املعجم الوسيط‪ ،‬جممع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -16‬املقريزي (أمحد بن علي‪ ،‬ت ‪ 849‬ه)‪ :‬السلوك ملعرفة دول امللوك‪ ،‬تح‪ :‬حممد مصطفى زايدة‪،‬‬
‫مطبعة جلنة التأليف والرتمجة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ 1121 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :____ -12‬اإلملام أبخبار من أبرض احلبشة من ملوك اإلسالم‪ ،‬منشور ضمن رسائل املقريزي‪،‬‬
‫تح‪ :‬رمضان البدري وأمحد قاسم‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬القاهرة‪ 1118 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -18‬الواقدي (حممد بن عمر بن واقد‪ ،‬ت‪ 202 :‬ه)‪ :‬املغازي‪ ،‬تح‪ :‬مارسدن جونس‪ ،‬عامل الكتب‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫د‪ .‬أنس عبد هللا حممد ‪332 ..‬‬

‫ثانيا‪ -‬املراجع‪:‬‬
‫‪ -1‬إبراهيم طرخان‪ :‬اإلسالم واملمالك اإلسالمية ابحلبشة يف العصور الوسطى‪ ،‬ا لة التار ية املصرية‪،‬‬
‫م ‪ 1191 ،8‬م‪.‬‬
‫‪ :____ -2‬مصر يف عصر دولة املماليك اجلراكسة‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪ 1160 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬أنس احملمد‪ :‬احلياة االجتماعية يف القدس يف عصر املماليك على ضوء واثئق احلرم القدسي‬
‫الشريف‪ ،‬رسالة ماجستري غري منشورة‪ ،‬جامعة دمشق‪.‬‬
‫‪ -4‬توماس أرنولد‪ :‬الدعوة إىل اإلسالم‪ ،‬تر‪ :‬حسن إبراهيم حسن وعبد ا يد عابدين‪ ،‬النهضة املصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ 1120 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬جواد علي‪ :‬املفصل يف اتريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬ط ‪ 2001 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬رجب حممد عبد احلليم‪ :‬العالقات بني مسلمي الزيلع ونصارى احلبشة يف العصور الوسطى‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ 1189 ،‬م‬
‫‪ -2‬سعيد عاشور‪ :‬بعض أضواء جديدة على العالقات بني مصر واحلبشة يف العصور الوسطى‪ ،‬ا لة‬
‫التار ية املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1168 ،‬جملد ‪.14‬‬
‫‪ :____ -8‬احلركة الصليبية صفحة مشرقة يف اتريخ اجلهاد العريب يف العصور الوسطى‪ ،‬مكتبة األجنلو‬
‫املصرية‪ ،‬القاهرة‪.1121 ،‬‬
‫‪ -1‬الشاطر بصيلي عبد اجلليل‪ :‬معامل سودان وادي النيل من القرن العاشر إىل القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫مصر‪ 1190 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬عبد العزيز سامل‪ :‬دراسات يف اتريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪،‬‬
‫د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -11‬عبد هللا حسن الشيبة‪ :‬دراسات يف اتريخ اليمن القدمي‪ ،‬مكتبة الوعي الثوري‪ ،‬اليمن‪ ،‬تعز‪،‬‬
‫‪ 2000‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬عبد ا يد عابدين‪ :‬بني احلبشة والعرب‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ -13‬عطية القوصي‪ :‬أضواء على جتارة الكارم‪ ،‬ا لة التار ية املصرية‪ ،‬م ‪ 1129 ،22‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬فانتيين‪ :‬اتريخ املسيحية يف املمالك النوبية القدمية والسودان احلديث‪ ،‬اخلرطوم‪ 1128 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -19‬فتحي غيث‪ :‬اإلسالم واحلبشة عرب التاريخ‪ ،‬دار النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ -16‬فيليب حيت‪ :‬اتريخ العرب‪ ،‬تر‪ :‬حممد مربوك انفع‪ ،‬مطبعة العامل العريب‪.‬‬
‫‪ -12‬حممد حسني هيكل‪ :‬حياة حممد‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪.1168 ،‬‬
‫‪ -18‬منرية اهلمشري‪ :‬سفارات الدولة البيزنطية إىل احلبشة وجنوب غرب اجلزيرة يف النصف األول من‬
.. )‫ العالقة بني سلطنة املماليك الثانية ومملكة أكسوم (احلبشة‬332

‫ مقال يف جملة الدراسات اإلفريقية الصادرة عن معهد البحوث والدراسات‬،‫القرن السادس‬


.‫ م‬2003 ،29 ‫ العدد‬،‫اإلفريقية يف جامعة القاهرة‬
:‫ املصادر األجنبية‬-‫ثالثا‬
1- Bury (J.B.): hist, of the later Roman Empire, Vol. II.
2- Budge (sir E. A. W.): A History of Ethiopia. Nubia and Abyssinia,
vol. I.
3- Budge. E. A. W. A history of Ethiopia, nubia and Abyssinia Vol. I.
London. 1928.
4- Coulbeau (J.B.): Histoire Politque et Roligieuese d’Abyssinie.
5- Kammerer (A.) :Essai sur l’hisoire Antque d’Abyssinie, pp: 25-82.

Powered by TCPDF (www.tcpdf.org)

You might also like