Professional Documents
Culture Documents
ما أصل صراع التيغراي في إثيوبيا؟ - اندبندنت عربية
ما أصل صراع التيغراي في إثيوبيا؟ - اندبندنت عربية
خريطة عرقية ودينية بالغة التعقيد وكثيرة التشابكات فجرت األزمات على
مستوى اإلقليم
منى عبد الفتاح |
الثالثاء 17نوفمبر 22:11 2020
رئيس الجبهة وحاكم إقليم التيغراي دبرصيون جبراميكائيل (اندبندنت عربية -حسن حامد)
جاء مطلع هذا الشهر مؤذنًا باندالع عاصفٍة عنيفة من الصراع في إقليم تيغراي اإلثيوبي والحكومة الفيدرالية،
بينما ال تتراءى في األفق بوادر تراجع من أي من الطرفين .وإلى أن ُت سفر األنباء عن شيء ،فإن هناك حاجة
ماسة لتسليط الضوء على ماهية إقليم تيغراي وقوميته وتشابكها مع بقية القوميات اإلثيوبية األخرى ،التي
تتكون من حوالى 80مجموعة عرقية أعادت (جبهة تحرير شعب التيغراي) تنظيمها في تسع مناطق عندما كانت
حاكمة .بينما يقع إقليم تيغراي على مساحة قدرها 102.000كلم من جملة مساحة إثيوبيا ،ويبلغ إجمالي
قومية التيغراي بحسب وكالة اإلحصاء المركزية اإلثيوبية ،حوالى ستة ماليين نسمة ،ويشّك لون ستة في المئة
فقط من سكان إثيوبيا ،ولكنهم سيطروا عليها لما يقارب ثالثة عقود.
التاريخ والهوية
ذكر جالل الدين صالح في كتابه "الحبشة والبجة :الماضي الحضاري ،الصراع السياسي ،األثر األمني ،"2012أن
التيغراي من أوائل الشعوب اإلثيوبية ذات األصل السامي ،وهم مجموعة إثنية تتمدد فوق المرتفعات من وسط
إثيوبيا وغربها ،حتى شمال إريتريا ،وُي عرفون بالـ"تغرينية" في البلدين نسبًة للغة التي يتحدثونها ،وهي لغة
سامية تتداخل مع اللغة العربية وتعود أصولها إلى اليمن .وارتبط تاريخ التيغراي بتأسيس مملكة أكسوم،
العاصمة األولى للحبشة التي استقرت فيها الهجرات اليمنية القديمة ،واستمرت المملكة لقروٍن طويلة منذ
نحو عام 80قبل الميالد إلى عام 825ميالدية .وبعد فقدانهم الحكم ،أصبحوا مضطهدين ودخلوا في نزاٍع
مباشٍر مع قومية األمهرا نسبًة للتداخل الجغرافي والتاريخي.
أما الُم عتقد الديني ،بحسب المصادر اإلحصائية فإن الغالبية العظمى من قومية التيغراي حوالى 95في المئة
هم من المسيحيين األرثوذكس ،وما يقارب الواحد في المئة من الطوائف المسيحية األخرى (البروتستانتية
والكاثوليكية) ،ونحو أربعة في المئة من المسلمين ُي طلق عليهم "الجبرتة" ،ويوجد جزء منهم في إريتريا.
واسم "الجبرتة" ذاته يطلق أيضًا على المسلمين األمهرا ،وهم مزيج من األعراق واألجناس من خلفيات عدة،
اعتبروا أنفسهم "أمة" واعترضوا على تصنيفهم تيغراي من جانب الحكومة اإلريترية.
ما يجدر ذكره هنا هو أن انقسام البالد يرجع في معظمه لتبايناٍت إثنية على الرغم من الُم شتركات األخرى ،إذ إن
قومية التيغراي التي تعيش في الشمال الغربي من الهضبة اإلثيوبية ،وتنقسم بين دولتي إثيوبيا وإريتريا،
تتشارك مع بقية القوميات تاريخيًا وثقافيًا ومع إريتريا لغويًا .وهذه الُم شتركات لم تحّص ن التيغراي من التأثر
بمستجدات تغُّي ر الخريطة الجيوسياسية أكثر من المجموعات األخرى ،بل أمدتها بقدرة على إحداث تغييراٍت جذريٍة
في النظام السياسي وإثارة الفوضى بعد نزولها من السلطة .يحَّد إقليم تيغراي من الشمال والشمال الشرقي
إريتريا ،ومن ناحية الغرب السودان بواليتي كسال والقضارف ،كما يحده في داخل إثيوبيا من ناحية الجنوب
والجنوب الشرقي والجنوب الغربي مناطق وَّل و األمهرية وإقليم العفر الذي تسكنه القومية العفرية ،ومنطقة
ُق نَد ر األمهرية.
ترسيخ السلطة
بعد وصول رئيس الوزراء اإلثيوبي األسبق ميليس زيناوي إلى السلطة عام 1991بعد الحرب مع إريتريا في
الفترة بين ( ،)2000-1998عمل على ترسيخ سلطته بإضفاء الطابع المؤسسي على حكم الحزب الواحد لجبهة
تحرير شعب التيغراي ودائرته المقربة منهم ،بمشاركة النخب اإلثنية األخرى التي تم ضمها إلى التحالف الحاكم
في ظل "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب اإلثيوبي".
وإزاء هذه الخلفية ،قال يوهانس ولد مريام أستاذ العالقات الدولية في مقاله "ما وراء تمرد األرومو في
إثيوبيا" المنشور في "هافينغتون بوست" ،إنه بتكوين "جبهة تحرير التيغراي" التي تأسست عام 1975بعد عاٍم
من انقالب منغستو هيال مريام ،تمكنوا عبر إنشاء جبهة عريضة من مقاومي نظام منغستو ،من تشكيل
"الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب اإلثيوبية" ،التي تكونت من "المنظمة الديمقراطية لشعوب أرومو"،
و"حركة األمهرا الديمقراطية الوطنية" ،و"الجبهة الديمقراطية الشعبية لجنوب إثيوبيا" ،و"جبهة تحرير شعب
التيغراي" .يتزعم تيغراي إثيوبيا هذا التحالف بقيادة مليس زيناوي ،والجبهة الشعبية لتيغراي إريتريا بقيادة
أسياس أفورقي .وأضاف ولد مريام أن هذا التحالف أسقَط عبر الزحف العسكري من األطراف ،وحكم منغستو
هيال ماريام عام .1991في تلك األثناء قررت "جبهة تحرير أرومو" االنسحاب من "ائتالف الجبهة الديمقراطية
الثورية للشعب اإلثيوبي" في عام ،1992فتم طردها بعد محاولتها الفاشلة لتأكيد استقاللها عن "جبهة تحرير
مورو" داخل التحالف .وعقب االستيالء على السلطة في أديس أبابا ،أصبح التيغراي على الرغم من قلة عددهم،
القومية المسيطرة على مفاصل السلطة والثروة في إثيوبيا حتى مجيء آبي أحمد.
زوال المجد
تكمن واحدة من المشكالت الكبيرة والمعقدة التي تواجهها إثيوبيا اآلن في أن الصراع الحالي الذي تقوده
"جبهة تحرير التيغراي" التي تكونت عام ،1975كانت تدعو منذ ذلك الوقت إلى انفصال اإلقليم وعاصمته مكلي،
ومتحالفة مع "الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا" التي كانت تحارب من أجل استقاللها .انقلب التحالف بين تيغراي
إثيوبيا وإريتريا إلى عداء شديد عقب استقالل األخيرة ،وترسيم الحدود بينهما وهو ما قسم التيغراي بين
الدولتين .ونشب نزاع حدودي بين التيغراي في الدولتين على منطقة "بادمي" الحدودية ،وتحّو ل إلى حرٍب في
الفترة ما بين ( )2000 -1998أسفرت عن مقتل عشرات اآلالف من الطرفين .ويتداول التيغرانيون القصة
المتعّل قة بطلب الرئيس األميركي األسبق بيل كلينتون عبر مندوبته سوزان رايس من أفورقي ،االنسحاب من
"بادمي" واللجوء إلى الوسائل السلمية والقانونية لحل النزاع ،فقال لها قولته الشهيرة إنه "لن ينسحب من
بادمي حتى لو أشرقت الشمس من المغرب" ،وبعد أن انسحب ُم رغمًا سّم ى التيغراي هذه المنطقة باسم
"المشرق".
كان التيغراي أوان حكمهم يفرضون سيطرتهم على القطاعات االقتصادية الرئيسة ما وَّل د كراهية عميقة
بينهم وبين المجموعات األخرى ،وأشعل انتفاضة األرومو عام 2016احتجاجًا على الظلم الُم منهج من التيغراي.
تصاعدت هذه الصراعات في ظل عدم وجود مساحة سياسية للتحالفات بين اإلثنيات على أسس ُم شتركة ،إذا ما
قمنا بتحييد االختالفات اإلثنية والدينية .وبوصول آبي أحمد إلى السلطة ،شعر التيغراي بزوال مجدهم ،وبدأوا
في التمرد بعد أن أقال أغلب قادتهم في الجيش الذين كانوا يهيمنون عليه بشدة ،بينما كانت الُر تب الصغيرة
لألرومو ،كما ُس جن بعض قياداتهم بتهم الفساد ،وفَّر على إثر هذه المالحقات قيادات من القوات الجوية
وغيرها من الفروع العسكرية األخرى .
تحالف األعداء
وعن األسباب الكامنة في تزايد هذه االشتباكات ،أوردت الباحثة هيالري ماتفيس في مقالها في مجلة "آفريكا
ووتش" عام ،2016أن خريطة الصراعات اإلثنية والدينية في إثيوبيا خريطة بالغة التعقيد وكثيرة التشابكات،
وظلت التحالفات في هذه الخريطة المعقدة قابلة للتحوالت حتى بين األعداء التاريخيين .فقد ناضل األرومو
والتيغراي تاريخيًا ضد هيمنة األمهرا المطلقة التي امتدت منذ عهد منليك الثاني ،حتى نهاية حكم
هيالسيالسي عام .1974كما أن الصراع بين قومية األرومو من جهة وقوميتي األمهرا والتيغراي من جهٍة
أخرى ،يتمحور في صورته الغالبة كصراٍع إسالمي -مسيحي ،على الرغم من الخالفات الناشبة بينهما .وعلى
الرغم من أن األمهرا والتيغراي المسيحيتين تبادلتا حكم إثيوبيا منذ قروٍن طويلة ،إال أن قومية األمهرا التي
تغلب عليها المسيحية ،وقومية األرومو التي يغلب عليها اإلسالم ،تتشاركان عداء قومية التيغراي التي كانت
مسيطرة حتى مجيء آبي أحمد من األرومو .وأشارت ماتفيس إلى أن التظاهرات العنيفة التي جرت في إقليم
األرومو في نهاية عام ،2016صاحبتها تظاهرات مماثلة في إقليم األمهرا ،وكان ذلك نتيجة تهميش "الجبهة
الشعبية لتحرير التيغراي" كًال من المعارضة الرسمية وغير الرسمية ،ولم تترك لبقية القوميات سوى االحتجاج
كما هي الحال في انتفاضة األرومو .فتحت سيطرة التيغراي أخيرًا ،نافذة لتعاون تكتيكي بين األرومو واألمهرا.
ومّه دت انتفاضة األرومو واألمهرا على الرغم من العداء بينهما ،إلخراج إثيوبيا من قبضة أقلية التيغراي إلى
غالبية األرومو .وهذا من شأنه أن يفتح الباب واسعًا لتحالفات قد تثير كثيرًا من التساؤالت.
بوصلة التحالفات
ليس من الواضح على اإلطالق ما إذا كان بمقدور آبي أحمد أن يضع حدًا لصراع التيغراي ،فالمعروف عنهم أنهم
محاربون على درجة كبيرة من الشراسة ولديهم من العتاد الحربي ما قد يطيل أمد الحرب ،إضافة إلى أن في
اإلقليم أكبر قاعدة للجيش اإلثيوبي وهي القاعدة الشمالية التي تم تأسيسها في سنوات الحرب مع إريتريا.
إذا لم يتم حسم هذه الخطوات األولى ستكون الحرب طويلة ،خصوصًا أن تضاريس المنطقة الجبلية الوعرة
والمتعرجة يصعب معها التقدم السريع ،لذلك ركز الجيش اإلثيوبي على قصف الطيران مستعينًا بالدعم
اللوجيستي الذي يقول التيغراي إن إريتريا وفرته له في منطقة "الُح مرة" الواقعة على حدودها مع إثيوبيا.
ُي توقع أن تمتد تحالفات التيغراي مع إقليمي بني شنقول والعفر ،اللذين يعانيان من المشكالت ذاتها والتمرد
في بلٍد قابٍل لالنفجار وتطور األحداث .وعلى الرغم من أنه ال تربط بينهم حدود ،إال أنه يمكن أن يتم ذلك
بالتنسيق عن بعد أو بتنفيذ ضرباٍت متزامنة ،وذلك في حال تمرد اإلقليمين اآلخرين على آبي أحمد .أما األمهرا
فلهم عداء تاريخي معهم ،إال أنهم محاصرون بين كماشتي آبي أحمد وأسياس أفورقي .وفي هذه الحالة ،قد
يكون خالص التيغراي في اختراق قواتهم الحدود السودانية بإحداث اختراقات أو تحالفات مع الجيش السوداني،
أو تهيئة إقليم شرق السودان للتمرد.