Professional Documents
Culture Documents
()http://www.ahram.org.eg/Index.aspx
()Category/0/148/WhatsApp.aspx/../../../../..
()https://gate.ahram.org.eg/daily/WriterArticles/511/2021/0.aspx
لم تكد أصوات المدافع تتوقف ،ورائحة البارود تنقشع من فوق جبال سيناء ،بعد حرب أكتوبر ،73
نصر عظيمًا ،حتى أصدر الرئيس السادات ،ق ارره باالنفتاح العلمي،
ًا التى حققت فيها قواتنا المسلحة
العسكري ،على دول الغرب ،بعد توقف امتد ألكثر من عشرين عامًا ،منذ ثورة ،52نتيجة فرض
غِّر د
الدول الغربية شروطًا لتقييد حجم ،وتسليح ،الجيش المصري ،وهى الشروط التى رفضها ،بالطبع،
الرئيس عبد الناصر ،لتعارضها مع مبادئ الثورة ،بإنشاء جيش وطنى قوي .وبناًء عليه اتجه،
مباشرة ،إلى االتحاد السوفيتي ،وعقد صفقة األسلحة التشيكية الشهيرة ،ومن يومها أصبح الجيش
المصرى يتبع العقيدة القتالية الشرقيةً ،ا
فكر ،وتسليحًا ،وأسلوبًا للقتال .أعلى نصر أكتوبر المجيد،
من قدرة القوات المسلحة المصرية ،على فرض شروطها ،واختيار ما يناسبها ،فقرر الرئيس
السادات ،ضرورة دراسة العقيدة القتالية الغربية ،التى يتبعها العدو اإلسرائيلي ،بإرسال القادة،
والضباط ،إلى المعاهد العسكرية العليا فى الغرب ،وتحددت أول بعثة إلى كلية كمبرلى الملكية
ونظر لحصولى على المركز األول فى التخرج ،فى كلية األركان حرب المصرية ،فقد تم ًا بإنجلترا،
اختيارى لحضور دورة األركان حرب فى إنجلترا .وخالل عام ونصف عام من الدراسة ،تعرفنا على
الفكر العسكرى الغربي ،وتعمقنا فى دراسته ،نظريًا ،وعمليًا .كان من ضمن مناهج الدراسة،
العملية ،أن تم تنظيم مشروع تدريبي ،مشترك ،مع كلية األركان حرب الجوية البريطانية ،فى
براكنل ،لمدة أسبوع ،لنتعرف على أساليب قتال القوات الجوية ،وآليات التعاون ،مع القوات البرية،
فى أثناء عمليات القتال .بدأت المحاضرات بالتعرف على نشأة ،وتطور ،القوات الجوية ،إضافة
إلى علم الطيران ،وتطوره .بينما خصص جزء من المحاضرات ،لدراسة أهم المعارك الجوية،
والدروس المستفادة منها ،نجاحا أو إخفاقا .فإذا بى أفاجأ بأن ظهر على شاشة العرض ،أول وأهم
معركة جوية فى العصر الحديث ،وهى معركة المنصورة الجوية ،فشعرت بمزيد من الفخر ،وأنا
استمع إلى نظرة الغرب ،لهذه المعركة ،التى تعرضها أكبر كلية متخصصة فى الطيران الحربي،
فى العالم ...تلك المعركة التى شهدتها سماء الدلتا المصرية ،يوم 14أكتوبر ،73فوق مطار
المنصورة العسكري ،بين 200طائرة حربية؛ 120منها ،من أنواع الفانتوم وسكاى هوك والميراج
،2000تابعة للعدو اإلسرائيلي ،و 80طائرة حربية مصرية ،من طراز ميج ،21وسوخوى ،7
والميراج .2000دارت هذه المعركة لمدة 53دقيقة ،لتسجل كأطول ،وأعنف ،وأشرس ،معركة
جوية فى التاريخ العسكرى الحديث ،ورغم التفوق العددي ،والنوعي ،لطيران العدو ،فإن حجم
الخسائر ،بين صفوفهم ،وصلت إلى 17طائرة إسرائيلية ،بينما خسرت مصر خمس طائرات،
اثنتان منها بسبب نفاد الوقود .حظيت هذه المعركة باهتمام الدوائر العلمية ،حول العالم ،لعدة
أسباب؛ أولها ،ألنها كانت المرة األولى التى يدور فيها قتال جوي ،مباشر ،بين طائرات روسية
الصنع ،وطائرات غربية الصنع .والسبب الثانى أنها أول معركة جوية تستخدم فيها أسلحة إلكترونية
حديثة ،واألسلحة اإللكترونية المضادة ،خصوصًا التشويش على رادارات الطائرات من كال
الجانبين .أما السبب الثالث فألنها أبرزت كفاءة عناصر التوجيه األرضي ،فى غرف عمليات
المطارات المصرية واإلسرائيلية ،كما بزغ فيها كفاءة األطقم األرضية ،خاصة على الجانب
المصري ،التى نجحت ،مع هذا الكم من الطائرات ،فى الجو ،طوال مدة المعركة ،فى إتمام مهمتها
على أكمل وجه؛ مثل إعادة تزويد الطائرات المصرية بالوقود ،وإعادة تسليحها ،والتأكد من السالمة
الفنية للطائرات .كما كان الشتراك 4مطارات حربية ،مصرية ،فى هذه المعركة ،الفضل فى رفع
تقييم القوات المصرية ،لصعوبة تنسيق خروج الطائرات من تلك المطارات ،وتوقيتات االشتباك
الجوي ،والعودة بسالم ،خاصة أن معظم الطائرات فى الدلتا متقاربة ،بعكس الطائرات اإلسرائيلية،
فكانت بعيدة ،األمر الذى يسهل السيطرة عليها.
وكان للخبرة ،المتراكمة ،للقوات الجوية المصرية ،فى التعامل مع قوات العدو ،خالل حرب
االستنزاف ،الفضل فى التفوق الفكري ،فى فهم لغة الخصم ،حيث كان الفكر اإلسرائيلى الجوي،
يعتمد ،دومًا ،على الهجوم من خالل ثالث موجات ,تكون مهمة الموجة األولى ،إغراء المقاتالت
المصرية ،واستدراجها التجاهات بعيدة عن األهداف المكلفة بالدفاع عنها ،أما الموجة الثانية فكانت
هى القوة األساسية ،المكلفة بالهجوم على الرادارات ،ووحدات الدفاع الجوى المصري ،من الصواريخ
والمدفعية ،بينما تختص الموجة الثالثة بضرب األهداف المحددة لها ،كتدمير القواعد العسكرية
المصرية ،إلفقاد القوات الجوية المصرية توازنها ،وقدراتها القتالية .بدأت معركة المنصورة الجوية
فى الساعة الثالثة وخمس عشرة دقيقة ،عندما أنذرت مواقع الرادارات المصرية ،على ساحل الدلتا،
باقتراب 20طائرة ،من طراز الفانتوم ،من ناحية البحر المتوسط ،لتجنب حائط الصواريخ المصري،
على الضفة الغربية لقناة السويس .فقررت قيادة القوات الجوية المصرية عدم اعتراض الموجة
األولى ،مما أفشل مهمتها فى جذب المقاتالت المصرية ،فعادت أدراجها ،عبر البحر المتوسط ،إلى
القواعد الجوية اإلسرائيلية .وفى الساعة الثالثة والنصف ،أظهرت شاشات الرادارات المصرية ،وجود
60طائرة قادمة من ثالثة اتجاهات ،من ناحية البحر؛ بورسعيد ،وبلطيم ،ودمياط ،فأقلعت 16
طائرة ،ميج ،21من مطار المنصورة الجوي ،ثم 8طائرات من قاعدة طنطا الجوية ،للتصدى لها.
أعقب ذلك ،بثمانى دقائق جاء إنذار للقوات الجوية ،باقتراب 16طائرة إسرائيلية ،قادمة من اتجاه
البحر المتوسط ،على ارتفاع منخفض ،وبدأ القتال الجوى فوق سماء دلتا نهر النيل ،ليبدأ معه تدفق
باقى الطائرات اإلسرائيلية ،واشتعلت السماء المصرية بأكبر معركة جوية فى التاريخ ،استخدم فيها
الجانبان ،أحدث ما يملكانه فى ترساناتهم الجوية ،سواء المقاتالت ،أو أجهزة التشويش الالسلكي،
والراداري.
وبعد محاضرة ،استمرت ألكثر من ساعتين ،تم فيها حساب توقيتات إقالع الطائرات من المطارات
اإلسرائيلية ،ووصولها لألهداف فوق دلتا نهر النيل ،واإلجراءات المضادة من القوات الجوية
المصرية ،خلص الخبراء العسكريون إلى أنه بالرغم من التفوق العددي ،والنوعي ،للطائرات
اإلسرائيلية ،إال أن خبرة المصريين ،وكفاءتهم فى التغلب على الطائرات واألسلحة اإللكترونية
اإلسرائيلية المضادة ،حسم المعركة لمصلحتهم ...وهكذا استحق يوم 14أكتوبر ،أن يخلد كعيد
القوات الجوية المصرية ،التى تفتخر بأبنائها ،ليس فى مصر ،فقط ،ولكن أمام العالم كله.