Professional Documents
Culture Documents
خلفيات الحروب الأهلية في إفريقيا
خلفيات الحروب الأهلية في إفريقيا
مقدمة:
تعتبر ظاهرة الحروب األهلية من أبرز الظواهر اإلفريقية؛ إذ ال يكاد يخلو إقليم من أقاليم القارة اإلفريقية من صراع أو حرب
أهلية عنيفة كان لها آثارها العميقة ليس فقط على الحياة السياسية وإ نما على كافة مناحي الحياة في القارة اإلفريقية.
وتتسم ظاهرة الصراعات األهلية في القارة اإلفريقية بأنها ظاهرة معقدة سواء فيما يتصل بخلفياتها وأسبابها ،أو فيما يتصل
بنتائجها وتداعياتها .فعلى صعيد األسباب لعبت العديد من المتغيرات دورًا في اندالع الحروب األهلية .ويمكن تصنيف هذه
المتغيرات في مجموعتين رئيسيتين تتعلق أوالهما بالبيئة الداخلية مثل الطبيعة التعددية للمجتمعات اإلفريقية :العوامل
االقتصادية والسياسية .أما ثانيهما فتتعلق بالبيئة الخارجية وما يرتبط بها من دور للقوى الدولية واإلقليمية في الصراعات
اإلفريقية.
وعلى صعيد النتائج أفرزت الحروب األهلية في إفريقيا العديد من النتائج تمثلت في :انهيار الدولة وتقويضها ،نشوء ظاهرة
العنف السياسي أو ثقافة العنف في المجتمعات اإلفريقية ،بروز ظاهرتي الالجئين وتجنيد األطفال في النزاعات المسلحة،
وغيرها من الظواهر التي تؤدي بدورها إلى تفاقم حدة الصراعات وتجددها مرة أخرى.
وتجدر اإلشارة إلى أن القارة اإلفريقية ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية شهدت ثالث موجات من الحروب والصراعات
األهلية ،يمكن اإلشارة إليها على النحو التالي(:)1
الموجة األولى :وقد انفجرت هذه الموجة في أعقاب الحرب العالمية الثانية ،وتمثلت في حروب حركات التحرير ضد القوى
االستعمارية .وامتدت هذه الموجة حتى منتصف السبعينيات .واتسمت هذه الموجة من الحروب ـ والموجهة باألساس ضد
القوى االستعمارية ـ بانخفاض تكاليفها ،وضيق أو محدودية نطاقها.
الموجة الثانية :وشملت ظهور عدد قليل من الصراعات بين الدول اإلفريقية فضًال عن صراعات وحروب أهلية على نطاق
واسع .وكان من أبرز أنماط النوع األول (الصراعات بين الدول اإلفريقية) حرب األوجادين (بين الصومال وإ ثيوبيا 1977ـ
1978م)( ،والحرب التنزانية -األوغندية 1978ـ 1979م).
الموجة الثالثة :وقد بدأت هذه الموجة مع انتهاء الحرب الباردة ،واتسمت الصراعات في هذه المرحلة بأنها في معظمها
صراعات أهلية؛ إذ أصبحت الحروب األهلية النمط األكثر شيوعًا في القارة اإلفريقية ـ بين أنماط الصراع األخرى.
ففي حين لم تتعدد حاالت الحروب األهلية التي وقعت في القارة منذ منتصف الخمسينيات وحتى نهاية الثمانينيات -لم تتجاوز
تسع حاالت ـ فإنه ومع بداية التسعينيات ،انفجرت سلسلة من الحروب األهلية الطاحنة ،فضًال عن حاالت التطهير العرقي
والمذابح الجماعية ،وتنوعت هذه الصراعات ما بين صراعات شكلت استمرارًا لحاالت سابقة (السودان -موزمبيق) ،أو
استئنافًا لها في شكل جوالت جديدة أكثر حدة (بوروندي -أنجوال) ،فيما ظهرت حاالت جديدة لم يكن لها وجود سابق مثل
(ليبيريا والصومال)( .)2ووفقًا لتقرير األمين العام لألمم المتحدة حول أسباب الصراعات األهلية في القارة اإلفريقية ،فإن 14
دولة من إجمالي 53دولة إفريقية عانت مـن نزاعـات مسلحة عـام 1996م.
وقد تنوعت التعريفات المقدمة لظاهرة الحرب األهلية ،وفقًا للبعد الذي يتم التركيز عليه في التعريف .وقد عرف أحمد إبراهيم
محمود الحرب األهلية تعريفًا إجرائيًا وذلك في دراسته حول الحروب األهلية في إفريقيا ،باعتبارها "|:شكًال من أشكال
الصراع الداخلي في المجتمع ،تقوم به جماعة أو جماعات على أسس إثنية او أيديولوجية من أجل تغيير بعض السياسات
الحكومية أو اإلطاحة بنظام الحكم أو الحصول على الحكم الذاتي لمنطقة معينة أو االنفصال عن الدولة .ويشتمل هذا
الصراع على أعمال عنف مسلح منظم واسع النطاق من جانب جميع األطراف المشاركة ،ويتم تنفيذ عمليات العنف انطالقًا
من مناطق معينة تمثل قاعدة عسكرية محددة لها(.)3
تتميز العوامل المؤدية إلى اندالع الحروب والصراعات األهلية في إفريقيا بالتعقيد الشديد ،وفيما يلي محاولة لتناول هذه
العوامل من خالل تقسيمها إلى محورين رئيسيين يتناول المحور األول العوامل ذات الصلة بالبيئة الداخلية للمجتمعات
اإلفريقية ،بينما يتناول المحور الثاني العوامل ذات الصلة بالبيئة الخارجية.
وثمة مالحظة ينبغي اإلشارة إليها في هذا اإلطار وهي أن العوامل المؤدية لبروز ظاهرة الحروب األهلية في المجتمعات
اإلفريقية هي في واقع األمر عوامل متداخلة يصعب الفصل بينها واقعيًا عند تحليل ودراسة الحاالت المختلفة للحروب األهلية
في القارة ،ومن ثم يظل الفصل بين هذه العوامل هو فصل تحتمه اعتبارات الدراسة؛ إذ إن تحليل ظاهرة الحروب األهلية في
القارة تكشف عن تداخل يعتد به بين هذه العوامل.
أ -العوامل اإلثنية:
تتميز المجتمعات اإلفريقية بتعدد أشكال وأنماط التعددية سواء كانت تعددية إثنية أو لغوية أو دينية .فعلى صعيد التعددية
اللغوية توجد في إفريقيا أكثر من ألفي لغة ولهجة ،إال أن هذا العدد يمكن تقليصه إلى نحو خمسين لغة رئيسية إذا ما تم تجميع
اللغات واللهجات المتشابهة ،واالقتصار على اللغات الرئيسية .وتنتمي هذه اللغات في مجملها إلى مجموعتين رئيسيتين هما:
مجموعة اللغات األفرو آسيوية ،ومجموعة لغات النيجر الكونغو ،وكالهما تتكون من مجموعات لغوية فرعية(.)4
وعلى صعيد التعددية الدينية يشهد الواقع األفريقي أيضًا تعددًا وتنوعًا في األديان والمعتقدات .فإلى جانب الدين اإلسالمي
والمسيحية توجد األديان التقليدية ،والتي هي بدورها متعددة ومتنوعة بقدر تنوع وتعدد الجماعات اإلثنية في القارة؛ إذ تتميز
األديان التقليدية بأنها محلية الطابع ال تمتلك أي فعالية خارج نطاق الجماعة الدينية المؤمنة بها(.)5
إال أنه وعلى الرغم مما سبق ذكره حول التعددية اللغوية والدينية ،فإن التعددية اإلثنية تظل هي النمط األهم من أنماط
التعدديات الموجودة والسائدة في المجتمعات اإلفريقية .وتتميز اإلثنية في المجتمعات اإلفريقية بأربعة خصائص أساسية (:)6
أوًال :أن الرابطة اإلثنية تتميز عن غيرها من الروابط االجتماعية بكونها رابطة وراثية وليست مكتسبة؛ ومن ثم فهي تقوم
على أساس الوعي بالذات.
ثانيًا :أن الجماعة اإلثنية تتميز بوجود إيمان جمعي بمجموعة من القيم والمعتقدات يتم التعبير عنها بشكل مؤسسي.
ثالثًا :تتميز الرابطة اإلثنية في إفريقيا بوجود تمايزات واضحة داخل الجماعات اإلثنية ،ولعل هذا ما يسِّو غ الصراعات
الداخلية داخل كل جماعة إثنية ،وهو األمر الذي يزيد من تعقيد ظاهرة التعددية اإلثنية في القارة اإلفريقية.
وأخيرًا :تتميز اإلثنية في إفريقيا بأنها يمكن أن تتالءم مع المواقف والسياسات المتنوعة والمعقدة بحكم ما تنطوي عليه من
والءات فرعية متعددة.
وعلى الرغم من أن التعددية اإلثنية أمر أصيل في واقع المجتمعات اإلفريقية ،فإن االستعمار األوروبي وباألحرى السياسات
االستعمارية ساهمت في زيادة حدة التعددية اإلثنية إلى الدرجة التي أصبحت بها هذه التعددية أحد أهم أسباب الحروب
والصراعات األهلية في القارة(.)7
ويولي دارسو الحروب األهلية في إفريقيا أهمية خاصة للبعد اإلثني باعتباره المحرك الرئيسي لتلك الحروب؛ ذلك أن الحروب
األهلية تبدأ «باستقطاب إثني» حاد داخل المجتمع يسمح بتعبئة الموارد وحشد الصفوف على أسس إثنية باألساس(.)8
وتجدر اإلشارة إلى أن وجود الظاهرة اإلثنية في حد ذاتها ال يعتبر سببًا كافيًا لظهور الصراعات األهلية؛ حيث إن هذه
الصراعات تبرز إلى الوجود فقط عند شعور جماعة أو جماعات إثنية معينة بالحرمان والظلم بسبب تعرضها لنوع من أنواع
الضرر الجماعي المتمثل في عدم المساواة االجتماعية ،وحرمان أعضائها من التمتع بمستوى معين من الحياة المادية التي
تتمتع به الجماعات األخرى ،أو حرمانها من المشاركة في تداول السلطة ....إلخ(.)9
بمعنى آخر ،فإن الظاهرة اإلثنية تعتبر ركيزة أو أساسًا للحرب األهلية عندما يجري رسم وتنفيذ السياسات العامة للدولة على
أساس االعتبارات اإلثنية المتحيزة.
وتعتبر رواندا حالة خاصة من الحاالت التي اندلعت فيها الحرب األهلية استنادًا إلى أسباب عرقية .فعلى الرغم من بساطة
التركيبة اإلثنية في رواندا (من ثالثة جماعات فقط هي :الهوتو ،%85التوتسي ،%14التوا ،)%1وعلى الرغم من التجانس
الملحوظ بين المواطنين من حيث اللغة والديانة ونمط التنظيم ،فإن العنف اإلثني الذي وصل إلى درجة التطهير العرقي أو
اإلبادة ،جاء ليس نتيجة لظاهرة التعددية في حد ذاتها ،وإ نما نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل واألسباب ،ومنها(:)10
أ -عوامل تاريخية :مرتبطة بنمط العالقات االقتصادية واالجتماعية والسياسية بين الهوتو والتوتسي قبل وخالل االستعمار؛
إذ تميزت هذه العالقة قبل االستعمار بعدم المساواة؛ فسياسيًا سيطر التوتسي على هرم السلطة التقليدي ،كما سيطروا على
مصادر الثروة التقليدية ،وتمكنوا من إخضاع الهوتو -اقتصاديًا واجتماعيًا من خالل ما يعرف بعالقة «التابع والمتبوع».
ب -عوامل ثقافية :تمثلت في تراكم تراث كبير من األساطير والمرويات الشعبية ،تكرس فكرة األصل المقدس للتوتسي
وحقهم الطبيعي في الحكم والقيادة ،وقد واصل االستعمار تغذية هذا الميراث كما سيتضح ذلك في جزء تال من هذه الورقة.
ج -عوامل سياسية :تتعلق بطبيعة واتجاهات النخب السياسة اإلثنية ومدى استعدادها وقدرتها على توظيف االنقسامات
اإلثنية لتحقيق أغراضها السياسية.
وقد شهدت القارة اإلفريقية تسييسًا للظاهرة اإلثنية ،من حيث تشكيل األحزاب السياسية على أسس إثنية وما يترتب على هذا
األمر من تمثيل المصالح والتعبير عنها ،بل وتوزيع الثروة والسلطة وفقًا لهذه األسس.
* العوامل االقتصادية:
على عكس االعتقاد السائد بأن الحروب األهلية في إفريقيا تعود إلى التعددية اإلثنية باألساس؛ فإن دراسة قام بها البنك الدولي
استهدفت الحروب األهلية في 161دولة بين عامي 1960ـ 1999م أوضحت أن العوامل االقتصادية تلعب دورًا هامًا في
إشعال الحروب األهلية في القارة اإلفريقية(.)11
وتعاني القارة اإلفريقية من تخلف اقتصادي واضح ،ينعكس في العديد من المؤشرات مثل :تدني معدالت النمو االقتصادي،
المستويات العالية للفقر ،تفاقم الديون ،تدني متوسطات دخول األفراد ،تدني مستوى البنية التحتية ....إلخ.
ويعتبر التخلف االقتصادى سببًا مباشرًا لنشوب الحروب األهلية؛ إذ إن محدودية القدرات االقتصادية للدول اإلفريقية تؤدي
بالضرورة إلى عدم العدالة في توزيع الموارد االقتصادية بما يعنيه ذلك من استجابة األنظمة لمطالب جماعات بعينها على
حساب جماعات أخرى ،ومن ثم تنشب الصراعات األهلية إما من ِق َب ل الجماعات التي تسعى للحصول على نصيب من
«الكعكة» أو من قبل الجماعات التي ترغب في استمرار حصولها على االمتيازات االقتصادية بمفردها دون مشاركة
الجماعات األخرى.
وعلى الرغم من أن االختالالت الهيكلية التي تعاني منها القارة اإلفريقية اليوم هي نتيجة مباشرة لالستعمار الذي سعى ألن
تكون اقتصاديات الدول اإلفريقية مجرد اقتصاديات متخلفة تابعة للمراكز الرأسمالية العالمية بما يضمن تقدم هذه األخيرة .إال
أن السياسات االقتصادية للدول اإلفريقية المستقلة ساهمت هي األخرى بقدر كبير في تعميق مشكالت الصراعات األهلية؛ إذ
اتبعت الدول اإلفريقية المستقلة حديثًا سياسات اقتصادية تمييزية ،استهدفت في الغالب إرضاء الجماعات اإلثنية التي ينتمي
الرئيس أو النظام الحاكم ،بما يعنيه ذلك من غياب للعدالة التوزيعية للسلع والخدمات فضًال عن المكانة والمناصب السياسية
والمراكز اإلدارية ،وهو األمر الذي عمق مشكلة االندماج الوطني في المجتمعات اإلفريقية(.)12
وفي التسعينيات ،تفاقمت األزمة االقتصادية في الدول اإلفريقية نتيجة اتباع هذه الدول سياسات وبرامج التكيف الهيكلي
واإلصالح االقتصادي وهو ما أدى إلى ارتفاع معدالت البطالة ،وانخفاض األجور الحقيقية .وتعتبر سيراليون نموذجًا
للصراعات األهلية التي اندلعت في التسعينيات على خلفية تدهور األوضاع االقتصادية ،وليس أدل على تردي األوضاع
االقتصادية في سيراليون من تصنيفها في تقرير التنمية البشرية الصادر عن األمم المتحدة باعتبارها أفقر دولة في العالم؛
وذلك بوجود %65من المواطنين تحت خط الفقر(.)13
وقد أدى اتباع سياسات اقتصادية تمييزية وغير متوازنة إلى استشراء ظاهرة الفساد في المجتمعات اإلفريقية .ومرة أخرى
يرتبط الفساد في هذا السياق بالروح اإلثنية ،وتعتبر سيراليون أحد األمثلة التي شهدت استشراء ظاهرة الفساد؛ ففي الفترة من
1986ـ 1992م خضعت موارد الدولة لسيطرة الحزب الحاكم ،واستخدمت هذه الموارد لتحقيق مصلحة فئة صغيرة على
حساب المصلحة العامة ،بل واألكثر من ذلك كان من الصعوبة بمكان الفصل بين الثروة الوطنية والثروة الشخصية لرئيس
الدولة سياكا ستيفينز ،وقد استغل الرئيس ستيفينز ومعاونوه المقربون وعلى رأسهم قيادات الحزب موارد الدولة في تحقيق
ثروات خاصة ضخمة ،وهو ما مكنهم من تدعيم وتقوية قبضتهم على السلطة(.)14
ولقد شكلت الحروب األهلية في أحد جوانبها صراعًا من أجل الثروة والمكاسب االقتصادية التى أصبحت هدفًا في نفس
الوقت؛ فهي هدف في ضوء الظروف االقتصادية السلبية والقاسية السابق اإلشارة إليها ،وهي في نفس الوقت أداة لتمويل
االحتياجات العسكرية للجماعات المتصارعة ،ومن ثم فإنه ليس من قبيل المصادفة أن تنخرط ثالثة دول على األقل من الدول
الست الرئيسية المنتجة للماس في إفريقيا( )15في حروب طاحنة سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر .وقد أوضح رئيس
البنك الدولي أن الماس يمول نحو %75من الحروب في إفريقيا ،ولعل هذا هو ما دفع مجلس األمن إلى إصدار القرار رقم
1306للتحقيق في العالقة بين االتجار في الماس واالتجار غير المشروع في السالح(.)16
وفي أنجوال ،هدفت حركتا يونيتا ومبال إلى السيطرة على مناطق شمال شرق البالد الغنية بمناجم الماس والثروات الطبيعية،
وبالفعل نجحت يونيتا في ذلك ،واستغلت عائدات هذه الثروات في إدارة صراعها مع الحكومة(.)17
وتجدر اإلشارة إلى أن استغالل الثروات الطبيعية ال يكون هدفًا للجماعات المتصارعة فقط ،بل يكون أيضًا هدفًا للقوى
الخارجية التي تتدخل في النزاعات األهلية مدفوعة بمصالحها االقتصادية .فالواليات المتحدة األمريكية على سبيل المثال
اهتمت بالتدخل في الكونغو الديمقراطية في الستينيات والسبعينيات من اجل حماية استثماراتها في إقليم كاتنجا (شابا) ،وبالمثل
كان التدخل الليبي في تشاد مدفوعًا برغبة ليبية في السيطرة على إقليم أوزو الغني باليورانيوم(.)18
على الرغم مما سبقت اإلشارة إليه من عوامل ومتغيرات وثيقة الصلة بالبيئة الداخلية للدول اإلفريقية إال أن الصراعات
األهلية في القارة تشكلت أيضًا بفعل العديد من المتغيرات والعوامل المرتبطة بالبيئة الخارجية للقارة.
بيد أن أقدم العوامل الخارجية تمثل في االستعمار األوروبي الذي وضع بذور الحرب األهلية في إفريقيا سواء من خالل النشأة
المصطنعة للدول اإلفريقية أو من خالل السياسات االستعمارية المتبعة في المستعمرات اإلفريقية السابقة.
أما فيما يتعلق بالنشأة المصطنعة للدول اإلفريقية ،فتجدر اإلشارة إلى أن التقسيم االستعماري للقارة الذي جرى في مؤتمر
برلين 1884ـ 1885م جاء متسقًا فقط مع مصالح المستعمرين واتجاهاتهم للتوسع ،بينما جاء هذا التقسيم متناقضًا مع الواقع
االجتماعي واإلثني للمجتمعات اإلفريقية .وقد أفرز هذا التقسيم الصناعي وضعين شَّك ال فيما بعد األساس للبعد اإلثني في
الحروب األهلية اإلفريقية .فمن ناحية جمعت الخريطة االستعمارية داخل الدولة الواحدة جماعات لم يسبق لها العيش معًا ،ولم
يسبق لها التفاعل مع بعضها البعض في إطار واحد مثلما هو الحال في أنجوال على سبيل المثال .ومن ناحية أخرى فصلت
الحدود السياسية المصطنعة «عرى» التواصل بين جماعات عرقية واحدة وجدت نفسها فجأة تابعة لكيانات سياسية مختلفة،
وهو وضع شائع الحدوث في العديد من أنحاء القارة اإلفريقية(.)19
وتجدر اإلشارة إلى أن التقسيم التعسفي للقارة لم يكن هو األثر الوحيد لالستعمار األوروبى؛ إذ لعبت السياسات االستعمارية
التي اتبعتها القوى االستعمارية األوروبية دورًا في تعميق تناقضات المجتمعات اإلفريقية وال سيما التناقضات اإلثنية.
فمن ناحية ساعدت السياسة االستعمارية على تغذية التناقضات اإلثنية من خالل سياسة «فِّر ْق تسْد » ،أو من خالل تفضيل
جماعات إثنية معينة على غيرها ،وإ عطائها نصيبًا أكبر في الحكم والسلطة؛ ففي أوغندا -على سبيل المثال ـ فضلت اإلدارة
االستعمارية قبيلة البوجندا على باقي الجماعات اإلثنية األخرى ،وجرى إطالق اسمهم على الدولة األوغندية ككل ،وحصلوا
على حكم ذاتي موسع ،وحصلوا على فرص تعليمية أكبر بكثير مما كان متاحًا لباقي الجماعات ،وتمتعوا بنفوذ كبير في
المجالس التشريعية التي أقامها االستعمار .ولعل هذا الوضع المميز لجماعة البوجندا أسفر عن صعوبات جمة في مرحلة ما
بعد االستقالل؛ إذ طالبت البوجندا بإقامة دولة منفصلة يتمتعون فيها بالنفوذ خوفًا من أن يؤدي االستقالل إلى فقدانهم
لالمتيازات التي حصلوا عليها إبان االستعمار(.)20
وفي رواندا عمل المؤرخون واألنثروبولوجيون االستعماريون على إضفاء ظالل عنصرية على اإلثنية في رواندا من خالل
التأكيد على اختالف األصول «العنصرية» للجماعات الرواندية ،وأن بعضها يتمتع بالتفوق العنصري إزاء الجماعات
األخرى.
وعلى الرغم من أن األساطير الشعبية الرواندية تحفل بالقصص التي تعزز فكرة تفوق التوتسي على الهوتو والتوا( )21إال أن
الدراسات األنثروبولوجية والتاريخية االستعمارية أضفت على هذه األساطير مسحة علمية وساعد على خلق وعي جماعي
إثتي في رواندا ،يشعر فيه التوتسي بالتفوق العنصري بينما يشعر الهوتو بالضعة والدونية ،وهو ما أدى في النهاية إلى تفجر
العنف اإلثني والحرب األهلية في رواندا(.)22
وفي السودان لعب االستعمار دورًا مختلفًا ،وإ ن كان قد أسفر عن نفس النتيجة؛ حيث قسمت اإلدارة االستعمارية السودان
خالل فترة احتاللها له إلى جزأين ،واتبعت في كل منهما سياسة استعمارية مختلفة .ففي الشمال كانت السياسة البريطانية
تسمح بتطوير هوية قومية تتركز على األنصار والختمية ،وفي الجنوب اتبعت بريطانيا سياسة اللورد لوجارد الخاصة بالحكم
غير المباشر ،وقامت السلطات البريطانية بحظر اللغة العربية في الجنوب ،وحالت دون نفاذ التأثيرات العربية اإلسالمية ،بل
وسمحت للبعثات التبشيرية التي يتم طردها من الشمال بالعمل في الجنوب ،وأصدرت السلطات االستعمارية البريطانية قوانين
مثل قانون المناطق المغلقة وقانون المرور .وتجدر اإلشارة إلى أن هذه االزدواجية في التعامل مع شمال وجنوب السودان أثر
على الصراع بين الشمال والجنوب ،وأضفى عليه أبعادًا جديدة(.)23
ومع حصول الدول اإلفريقية على استقاللها لم ينته الدور الخارجي ،وإ نما تحول ليأخذ أشكاًال وصورًا جديدة ،ففي أثناء
الحرب الباردة كانت القارة اإلفريقية ساحة للمواجهة بين القوتين العظميين ،ومن ثم فقد كان التدخل الخارجي والحروب
األهلية أحد أدوات القوى الكبرى في إدارة عالقاتها الدولية .ومن ثم فقد كان ينظر إلى هذه الحروب باعتبارها أحد أدوات هذه
القوى في تحقيق أهدافها.
فبالنسبة لالتحاد السوفييتي ،فقد اتخذ إفريقيا ميدانًا لمواجهته مع القوى الدولية في القارة اإلفريقية وتحديدًا الواليات المتحدة
األمريكية .وفي المقابل كانت الواليات المتحدة األمريكية تسعى إلى وقف المد الشيوعي في إفريقيا.
ولعل الحرب األهلية األنجولية تعتبر من أكثر النماذج المعبرة عن الدور الخارجي وأثره؛ إذ استغلت القوى الخارجية تشرذم
وانقسام الحركة الوطنية األنجولية إلى ثالثة أجنحة هي :الحركة الشعبية لتحرير أنجوال (مبال) ،واالتحاد الوطني الستقالل كل
أنجوال (يونيتا) ،والجبهة الوطنية لتحرير أنجوال (فنال)( )24ـ استغلت ذلك التشرذم في التدخل لتحقيق أهدافها الخاصة في
أنجوال وال سيما أن هذه األخيرة تتمتع بموقع جيوبوليتيكي فريد ،فضًال عن تمتعها بثروات طبيعية هائلة .وفي هذا اإلطار،
وقف كل من االتحاد السوفييتي السابق وكوبا وألمانيا الشرقية والجزائر إلى جانب الحركة الشعبية لتحرير أنجوال (مبال)؛
بينما قامت الواليات المتحدة وجنوب إفريقيا والبرتغال وزائير والصين إلى جانب (فنال) و (يونيتا)( .)25ولعل هذا الدعم
الذي تلقته كل جبهة من الجبهات الثالثة قد ساعد على إطالة أمد الحرب ،وعدم القدرة على حسمها لصالح أي من هذه الجهات
بصورة سريعة.
ويرى اتجاه أن تدخل القوى العظمى في القارة إبان الحرب الباردة لم يؤد في جميع الحاالت إلى إشعال الحروب األهلية ،بل
إنه قد ساعد في بعض األحيان على تهدئة هذه الصراعات ،ولعل ما يؤيد هذا االتجاه أن مرحلة ما بعد الحرب الباردة شهدت
تفاقم هذه الحروب بصورة أكثر حدة؛ حيث أدى انتهاء الحرب الباردة إلى تقلص أهمية القارة اإلفريقية في السياسات العالمية،
ومن ثم حرمت األطراف الداخلية المتورطة في صراعات في القارة اإلفريقية من الدعم الذي كانت تحصل عليه سياسيًا أو
عسكريًا أو اقتصاديًا ،وهو ما أدى بدوره إلى اختفاء واحدة من أهم آليات الضبط والسيطرة على مسار تطور الصراعات
الداخلية في تلك الدول ،وهو ما أتاح مجاًال أوسع بكثير النفجار تلك الصراعات بصورة أكثر حدة(.)26
وتنبع أهمية تناول تداعيات الحروب األهلية في إفريقيا من حقيقة هامة مؤداها أن هذه التداعيات قد تكون في حد ذاتها سببًا
وعامًال من عوامل تجدد الصراع مرة أخرى .وتتعدد تداعيات وآثار الصراعات األهلية في إفريقيا ،ومن أبرز هذه اآلثار:
تفاقم مشكلة الالجئين ،ظاهرة تجنيد األطفال في الصراعات المسلحة ،ومشكلة انهيار الدولة ،انتهاكات حقوق اإلنسان ،انتقال
الحروب األهلية للدول المجاورة فيما يعرف بأثر العدوى ،وفيما يلي سوف نتناول اآلثار الثالثة األولى:
تعتبر مشكلة الالجئين واحدة من أبرز اآلثار التي أفرزتها الحروب والصراعات األهلية في القارة اإلفريقية .وتضم القارة
اإلفريقية حوالي نصف الالجئين في العالم ،لتصبح بذلك أكبر قارات العالم من حيث عدد الالجئين.
وتسبب ظاهرة الالجئين مشكالت سواء لدولة المنشأ أو دولة اللجوء .فبالنسبة لألولى :تفقد هذه الدول مواردها البشرية بسبب
نزيف العقول الذي تتعرض له ،وهروب المتعلمين والمثقفين إلى الخارج للنجاة بأنفسهم والبحث عن مصادر جديدة للرزق
بعيدة عن مواطنهم التي دمرتها الحروب األهلية .أما بالنسبة للثانية (دولة اللجوء) فتواجه هي األخرى سلسلة من المشكالت
تتمثل فيما يحدثه الالجئون من تغيرات في الخريطة البشرية وتحديدًا اإلثنية ،فضًال عما يمثله هؤالء الالجئون من أعباء
اقتصادية واجتماعية(.)27
وعلى الرغم من االتفاق المبدئي على اتساع نطاق مشكلة الالجئين في إفريقيا ،فإن ثمة صعوبات تحول دون التحديد الدقيق
ألعدادهم ،ومن هذه الصعوبات(:)28
- 1اتسام أوضاع مخيمات الالجئين بالسيولة الشديدة؛ حيث تزداد عملية دخول وخروج الالجئين من هذه المخيمات ،بما
يجعل أعداد الالجئين عرضة للتقلبات السريعة والمفاجئة.
- 2عدم قدرة دولة المنشأ على وضع عدد دقيق ألعداد الالجئين الفارين منها بسبب ظروف عدم االستقرار الداخلي.
- 3ميل دولة اللجوء إلى المبالغة في أعداد الالجئين الموجودين لديها ،سعيًا إلى الحصول على مزيد من المساعدات الدولية.
ومن حيث دول المنشأ تأتي الصومال على رأس هذه الدول؛ إذ أدى تفاقم الحرب األهلية فيها منذ بداية التسعينيات إلى خروج
أعداد هائلة من الالجئين هربًا من الجفاف والمجاعة والحرب األهلية .يلي الصومال :بوروندي وليبيريا والسودان وسيراليون
وإ ريتريا وأنجوال والكونغو الديمقراطية ورواندا وإ ثيوبيا(.)29
وعلى صعيد دول الملجأ تعتبر تنزانيا على رأس الدول المستقبلة لالجئين ليس فقط في إفريقيا وإ نما في العالم بأسره؛ حيث
وصل عدد الالجئين فيها إلى أكثر من 560ألف الجئ ،من بينهم 449ألف الجئ من بوروندي ،و 98ألف الجئ من
الكونغو الديمقراطية ،و يلي تنزانيا كل من :غينيا ،السودان ،إثيوبيا ،الكونغو الديمقراطية ،كينيا ،ساحل العاج ،أوغندا،
الجزائر ،وأخيرًا زامبيا(.)30
ويتضح مما سبق التداخل الواضح بين دول المنشأ ودول اللجوء؛ فالدولة الواحدة قد تكون طاردة لالجئين أو مستقبلة لهم.
فالكونغو الديمقراطية على سبيل المثال تعاني من مشكلة الالجئين منذ عام 1960م ،و يقدر حجم الالجئين الفارين منها بأكثر
من 200ألف الجئ .وفي نفس الوقت تستضيف الكونغو الديمقراطية الالجئين من أنجوال وبوروندي وأوغندا ورواندا،
وينطبق الوضع على كل من السودان وإ ثيوبيا.
ويعتبر األطفال من أكثر الفئات تعرضًا لمخاطر وآثار الحروب األهلية؛ فهم إما يتعرضون للقتل أو اإلعاقة أو التشريد عن
منازلهم أو االنفصال عن ذويهم.
بيد أن اآلثار الواقعة على األطفال في الحروب تفاقمت باستخدام األطفال كأداة في الحرب .وفي عام 1988م قدر عدد
األطفال المحاربين في الحروب األهلية بنحو 200.000طفل ،ارتفعوا إلى 300.000طفل عام 1995م؛ حيث تستخدمهم
الجيوش النظامية للقيام بكافة أنواع األعمال كطهاه ،أو محاربين أو جواسيس أو كأدوات للكشف عن األلغام .....إلخ(.)31
وقد ساعد توفر األسلحة الخفيفة إلى تكوين جيوش من األطفال دون العاشرة يجيدون كافة فنون القتال والتعذيب .ففي
سيراليون يطلق على الحرب الدائرة هناك «حرب األطفال» إذ إن معظم المحاربين من الجانبين من األطفال .وفي رواندا
رصدت منظمة األمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف عام 1995م) حاالت ألكثر من 3000طفل تعرضوا لمستويات عالية جدًا
من اإلصابات خالل عمليات التطهير العرقي عام 1994م .كما قدرت منظمة العفو الدولية عدد األطفال الذين يقومون بإعالة
أسرهم بنحو 60.000طفل ،ثالثة أرباعهم من الفتيات(.)32
وفي حاالت اللجوء يمثل األطفال حوالي %50من أي مجموعة ،وقد تتزايد هذه النسبة الى ما بين .%70 - %65
ثالثًا :مشكلة انهيار الدولة:
تعد مشكلة انهيار الدولة من أولى النتائج واآلثار المترتبة على الحروب األهلية ،ويقصد بانهيار الدولة تقويض مؤسسات
الدولة وأجهزتها بما ال يسمح لها بأداء وظائفها المختلفة .ويتخذ انهيار الدولة كنتيجة للحروب األهلية نمطين أساسيين:
النمط األول :هو االنهيار الشامل للدولة ،ويقصد به انهيار السلطة المركزية للدولة ،ويحدث عندما تؤدي اإلطاحة بالنظام إلى
حدوث حالة من الفوضى الشاملة ،بما ال يسمح ألي من الجماعات المتصارعة بالسيطرة على الحكم بصورة كاملة.
أما النمط الثاني :فهو االنهيار الجزئي ويقصد به ضعف سلطة الحكومة وترهل جهازها البيروقراطي الذي ينجم عنه عجز
الدولة عن فرض سيطرتها على جميع أقاليم الدولة ،ويتسم هذا النمط بأنه مؤقت ،ويقتصر على فترة محددة من الحرب
األهلية(.)33
ويعود انهيار الدولة اإلفريقية إلى أسباب مرتبطة بالضعف الهيكلي للدولة اإلفريقية التي تعاني من العديد من االختالالت
والمشكالت ،وألسباب مرتبطة بطبيعة الدولة اإلفريقية التي توصف بأنها دولة رخوة ،وأنها دولة وقف ،ودولة نخبة( .)34بيد
أن انهيار الدول اإلفريقية يظل أيضّا وثيق الصلة بالعوامل الخارجية؛ ففي فترة الحرب الباردة كان للمساعدات التي تقدمها
القوى الكبرى للدول اإلفريقية أكبر األثر في صمود هذه الدول في وجه التحديات السياسية واالقتصادية واألمنية التي
تواجهها ،ومع انتهاء الحرب الباردة ـ وما صاحبها من متغيرات على الساحة الدولية قادت إلى انخفاض األهمية النسبية للدول
اإلفريقية -توقفت هذه المساعدات لتجد الدول اإلفريقية نفسها مضطرة لمواجهة هذه التحديات بمفردها ،ومن ثم فإن عددًا
قليًال جدًا من الدول اإلفريقية هي التي نجحت في الحفاظ على االستقرار السياسي واالقتصادي واألمني(.)35
ويعتبر الصومال وليبيريا نموذجين دالين لما يتعلق بحاالت االنهيار الشامل للدولة؛ ففي الحالة الليبيرية غابت الدولة بوصفها
النظام الشرعي القائم ،كما انهار المجتمع اجتماعيًا واقتصاديًا .ويرجع انهيار الدولة الليبيرية إلى عملية تاريخية طويلة من
التآكل التدريجي في البنية السياسية االجتماعية للمجتمع الليبيري أسفر عن انهيار النظام الديكتاتوري للرئيس تولبرت ليحل
محله نظام أكثر ديكتاتورية يهيمن فيه صامويل دو وجماعته اإلثنية على مقاليد الحكم في البالد(.)36
أما بالنسبة للصومال فقد تكاتفت عدة عوامل أدت في النهاية إلى انهيار الدولة الصومالية ،ومن هذه العوامل :نظام الحكم
الفردي لنظام سياد بري ،االعتماد الكثيف على المؤسسات العسكرية والبوليسية في مختلف قطاعات الدولة ،هذا إضافــة إلـى
العــوامل الخارجيــة المتمثلة فـي األدوار التي لعبتها القوى اإلقليمية والدولية في الحرب األهلية الصومالية( .)37وأخذ انهيار
الدولة الصومالية شكًال متطرفًا أعاد المنطقة إلى الوضع الذي كانت عليه في القرن التاسع عشر من حيث غياب السلطة
المركزية والنظام القضائي وانهيار الخدمات العامة(.)38
وعلى الرغم من أن انهيار الدولة هو أحد نتائج الحروب األهلية في إفريقيا ،إال أنه بدوره له العديد من اآلثار والنتائج الفادحة؛
حيث إن هذا االنهيار يؤدي إلى تدمير الركائز االقتصادية واالجتماعية للدولة ،ويؤدي إلى الفصل العملي والواقعي للدولة
نظرًا لغياب سلطة مركزية تفرض سلطتها على أرض الواقع وهو ما يؤدي في التقدير إلى إطالة أمد الحرب األهلية،
وصعوبة حسمها لصالح أي من األطراف المتصارعة.
يتضح مما سبق أن ظاهرة الصراعات األهلية هي ظاهرة بالغة التعقيد تتعقد فيها األسباب والعوامل الداخلية والخارجية،
وتتداخل فيها األسباب والنتائج ،مما يتطلب منهجًا شامًال ورؤية متكاملة عند التعاطي مع هذه المشكلة .بيد أن البحث عن
حلول لتسوية مشكلة الصراعات األهلية التي تضرب القارة منذ عقود خلت تتطلب األخذ في االعتبار خصوصية هذه
الصراعات التي تعتبر صراعات ممتدة بالغة التعقيد ألنها ترتبط بتمايز هوية وثقافة الجماعات التي تشكل أطرافها الفاعلة
وهو ما يتطلب مجموعة من الحلول الخاصة تراعي هذه الخصوصية ،وتضع نهاية لهذه الظاهرة بالغة الخطورة على الساحة
اإلفريقية.
----------
المراجع:
(William Thom, "Africa's Security issues through 2010", Military Review, July/August 2000.)1
.p.9
( )2د .محمود أبو العينين« ،إفريقيا والتحوالت الراهنة في النظام الدولي» ،في الهيئة العامة للكتاب ،مصر وإ فريقيا الجذور
التاريخية للمشكالت اإلفريقية المعاصرة ،أعمال ندوة لجنة التاريخ واآلثار بالمجلس األعلى للثقافة باالشتراك مع معهد
البحوث والدراسات اإلفريقية( ،القاهرة :الهيئة العامة للكتاب1996 ،م) ،ص .302
( )3أحمد إبراهيم محمود ،الحروب األهلية في إفريقيا( ،القاهرة :مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية2001 ،م) ،ص
،25وقد قدمت الدراسة العديد من التعريفات لظاهرة الحروب األهلية كما وردت في األدبيات السياسية.
( )4د .حمدي عبد الرحمن ،التعددية وأزمة بناء الدولة في إفريقيا اإلسالمية( ،القاهرة :مركز دراسات المستقبل اإلفريقي،
1996م) ص 30ـ .36
( )7سوف يتم تناول دور االستعمار في تعميق البعد اإلثني في الصراعات اإلفريقية في جزء تال من هذه الورقة.
( )10د .صبحي قنصوة ،العنف اإلثني في رواندا ،القاهرة :برنامج الدراسات المصرية اإلفريقية ،سلسلة دراسات مصرية
إفريقية ،العدد ( ،)2سبتمبر 2001م) ،ص .3
(Ibrahim Elbadawi, Nicolas Sambanis, "Why are there so many civil wars in Africa? )11
Understanding and preventing violent conflict".(Washington DC. , World Bank working
.papers, December 2000) p.1
(Sahr Jhon Kpundh, "Limiting Administrative corruption in Sierra Leone", The Journal of)13
.Modern African Studies, (Cambridge: Cambridge Uni. Press, vol.32, no.1, 1994), p140
( )15هذه الدول هي الكونغو الديمقراطية ،انجوال ،سيراليون ،ناميبيا ،بتسوانا ،جنوب إفريقيا ،ويبلغ مجموع إنتاج هذه الدول
من الماس الخام نحو 4.7مليارات دوالر أي نحو %59.3من اإلنتاج العالمي خالل عام 1999م
( )16الثروات اإلفريقية إلى أين؟ آفاق إفريقية( ،القاهرة :الهيئة العامة لالستعالمات ،المجلد األول ،العدد الرابع ،شتاء
2000/2001م) ،ص 77ـ .78
( )19د .السيد فليفل ،الحروب األهلية في إفريقيا :محاولة للتفسير التاريخي ،في معهد البحوث والدراسات اإلفريقية،
الصراعات والحروب األهلية في إفريقيا ،أعمال المؤتمر السنوي للدراسات اإلفريقية (القاهرة :معهد البحوث والدراسات
اإلفريقية1999 ،م) ،ص 32ـ .)33
( )20أحمد إبراهيم محمود ،م .س .ذ ،ص 65ـ .66
( )21من هذه األساطير والمرويات الشعبية قصة «األصول» التي تتحدث عن بداية تاريخ رواندا بحكم كيجوا Kigwaالذي
هبط من السماء ،وأنجب ثالثة أبناء هم جاتوتسي وهو أصل التوتسي ،وجاهوتو وهو اصل الهوتو ،وجاتوا وهو أصل التوا،
وعندما أراد كيجوا أن يختار خليفته في الحكم ،عهد إلى كل ابن من أبنائه الثالثة بإناء من اللبن ،وطلب منه أن يحافظ عليه
حتى الصبح ،فما كان من جاتوا إال أن شرب إناءه ،بينما أهمل جاهوتو إناءه فانسكب منه اللبن ،وأما جاتوتسي فقد ظل متيقظًا
وحافظ على إنائه .ووفقًا لتصرف كل من الثالثة تحدد مصيرهم في الحياة ،فأصبح لجاتوتسي وحده الحق في الحكم ،وأصبح
جاهوتو خادمًا له ،أما جاتوا فقد أصبح مطرودًا منبوذًا من المجتمع .انظر في ذلك :د .صبحي قنصوة ،م .س .ذ ،ص .6
( )23د .حمدي عبد الرحمن ،مشكلة جنوب السودان دراسة في األطر التاريخية وديناميات الصراع ،الهيئة المصرية العامة
للكتاب ،مصر وإ فريقيا م .س .ذ ،ص 198ـ .199
( )24حول انقسام الحركة الوطنية األنجولية ،انظر :د .السيد فليفل ،الجذور التاريخية للحرب األهلية األنجولية في الهيئة
المصرية العامة للكتاب ،الجذور التاريخية ،م .س .ذ ،ص 163ـ .171
( )25أحمد إبراهيم محمود ،م .س .ذ ،ص 200ـ 201م.
( )31د .عزيزة بدر ،التكلفة واآلثار االجتماعية واالقتصادية للصراعات في الحروب األهلية وانعكاساتها على البيئة والتنمية
البشرية في إفريقيا ،في معهد البحوث والدراسات اإلفريقية ،الصراعات والحروب األهلية في إفريقيا ،م .س .ذ.835 ،
( )33خليل العناني ،العوامل الداخلية لتآكل مؤسسة الدولة في إفريقيا ،آفاق إفريقية ،المجلد الثاني ،العدد السادس ،صيف
2001م ،ص 72وفي تحليل أنماط وأشكال انهيار الدولة انظر أيضًا :أحمد إبراهيم محمود ،م .س .ذ ،ص 266ـ .281
( )34حول إشكالية الدولة اإلفريقية انظر :د .إبراهيم نصر الدين ،إشكالية الدولة في إفريقيا ،القاهرة :مركز البحوث
والدراسات السياسية ،سلسلة بحوث سياسية ،العدد (.)130
(United Nations, The causes of conflict and the promotion of durable peace and sustainable)35
.development in Africa, Report of the Secretary-General,1997
( )36خليل العناني ،م .س .ذ ،ص ،73وانظر أيضًا :أحمد إبراهيم محمود ،م .س .ذ ،ص 270ـ .272
( )37حول تحليل شامل ألدوار القوى الدولية واإلقليمية ،أنظر :د .نجوى الفوال ،المواقف الدولية واإلقليمية تجاه األزمة
الصومالية في معهد البحوث والدراسات اإلفريقية ،الصراعات والحروب األهلية في إفريقيا ،م .س .ذ ،ص 345ـ .389
( )38أحمد إبراهيم محمود ،م .س .ذ ،ص 272ـ .274