Professional Documents
Culture Documents
أثر حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد على دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية
أثر حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد على دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية
أثر حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بال عمد على دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية
إذا بنى الحكم على نفي الخطأ
(لصاحب العزة زكي بك خير األبوتيجى رئيس النيابة لدى محكمة النقض الدائرة المدنية)
(إذا استلزم الفصل في دعوى مرفوعة أمام محكمة مدنية أو تجارية معرفة ما إذا كانت هناك
جريمة قد ارتكبت أو إذا كانت قد وقعت من شخص معين يجب على تلك المحكمة أن تفصل في
المنازعات المتعلقة بذلك طبقًا لما قضى به نهائيًا من المحكمة الجنائية التي فصلت في الدعوى
ولو كانت قد طبقت قواعد اإلثبات الخاصة بالمواد الجنائية -ويوقف الفصل في الدعوى المدنية
إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل الفصل فيها نهائيًا).
ويالحظ أن البحث في هذا المقام مقصور على نوع واحد من األحكام الجنائية وفي موضوع
مخصص وهي أحكام البراءة الصادرة من المحاكم الجنائية في تهمة القتل أو الجرح بال عمد
استنادًا إلى أن المتهم لم يرتكب خطأ أو إهماالً وأثرها على دعاوى التعويض التي يرفعها
المجني عليه أمام المحكمة Eالمدنية لذلك يجب أن تضيق دائرة بحثنا في نطاق هذه الدائرة فال
يتناول غير ذلك من األحكام الجنائية كأحكام Eاإلدانة أو أحكام البراءة لعدم ثبوت التهمة أو ألن
الفعل ال يعد جريمة أو غير ذلك فهي تخرج عن هذا البحث.
- 2رأي الفقه في فرنسا وبلجيكا:
قد ذهب المؤلفون في فرنسا في هذا الموضوع إلى رأيين فالرأي األول الذي قال به معظم
األقدمين وبعض المحدثين من الشراح -مؤداه أن حكم Eالبراءة إذا بنى على نفي الخطأ عن
المتهم فال يقيد القاضي المدني في الفصل في دعوى التعويض الناشئ عن هذا الفعل ويعللون
ذلك بأن وظيفة المحكمة الجنائية البحث في الجريمة فقط فإذا قضت بالبراءة فتكون قد
استبعدت الخطأ الجنائي دون سواه وليس لها أن تتعرض إلى الخطأ المدني ألنه ليس من
اختصاصها ثم إن كل فعل إذا تجرد من الخطأ الجنائي يبقى فيه بقية من الخطأ المدني ألن الخطأ
الجنائي فاحش وجسيم والثاني قد يكون تاف ًها ويسي ًرا ويقول أوبرى ورو تأييدًا لهذا الرأي أن
سا للحكم بالتعويض اإلهمال في حوادث القتل خطأ يجوز أن يكون كافيًا العتبار خطأ مدنيًا وأسا ً
المدني ومع ذلك يجوز أن ال يعتبر خطأ جنائيًا وال يستأهل هذا الخطأ اليسير عقابًا.
ومن أنصار هذا الرأي أوبري ورو في كتابهما جزء ( )2صفحة ( )470بند ( )769مكرر
ومرالن تحت عنوان تعويض مدني بند ( )2ودورانتون جزء ( بند ( )486وما بعده وماتيجان
تحت عنوان دعوى عمومية جزء ( )2بند ( )423وما بعده والرومبير جزء ( )5تعليقات على
ضا جريو لييه في تعليقه على دالوز سنة 1869جزء أول صفحة المادة ( )351بند ( )177وأي ً
( )170وانظر تعليق ربير في دالوز سنة 1925جزء أول ص ( )6وشوفو تحقيق جنايات
ضا
صفحة ( )947وديمولومب جزء ( )30بند ( )427وهيك جزء ( بند ( )340وانظر أي ً
الكوست بند .1124
- 3الرأي الثاني:
مؤداه أن الحكم Eالذي يصدر من محكمة الجنح ببراءة المتهم في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا
بنى على أنه ال إهمال وال رعونة من جانب المتهم في الفعل المسند إليه فإنه مانع من سماع
دعوى التعويض المدني التي تقام على أساس هذا الفعل بالذات ويعلل كوالن وكابيتان هذا
الرأي في كتابهما القانون المدني جزء ( )2طبعة أخيرة صفحة ( )460بند ( )496بأن جميع
صور الخطأ واإلهمال مندرجة في عموم النص الوارد في قانون العقوبات مادة ( )319في
فرنسا ومادتي ( )202و ( )208قانون عقوبات أهلي قديم ومادة ( )238و ( )244من قانون
العقوبات الجديد فإذا قال القاضي الجنائي أن المتهم لم يرتكب إهماالً ما فال يسوغ للقاضي
ضا مع حكم المدني أن يحكم بالتعويض على أساس أنه ارتكب خطأ وإال فإنه يكون متناق ً
المحكمة الجنائية الذي يجب احترامه واألخذ بما حكم به.
ويقول هنري وليون مازو في كتابهما المسؤولية المدنية جزء ( )2صفحة ( )625بند ()1823
وبند 1856أن النص الوارد في المادتين ( )319و ( )320عقوبات فرنسي المقابلتين للمادتين
( )238و ( )244من قانون العقوبات األهلي الجديد شامل لكل أنواع الخطأ فاإلهمال الجنائي
يجب كل صورة من صور اإلهمال أو الخطأ المدني مهما كان يسي ًرا englobe toute
faute personnelleونص قانون العقوبات عام بحيث ال يدع مجاالً الفتراض أي
إهمال آخر ولو كان يسي ًرا فإذا نفاه الحكم Eالجنائي فال يسوغ للمحكمة المدنية أن تسمع دعوى
التعويض على أساس اإلهمال الذي كان موضوع التهمة -ويقول سافاتييه في مجلة دالوز سنة
1930جزء ( )51صفحة 40أن اندماج الخطأ المدني في الخطأ الجنائي الذي هو أساس
جريمة القتل أو الجرح بال تعمد أصبح اآلن مبدأ مستق ًرا ومضطردًا ويقول جارسون في شرح
المادتين ( )319و ( )320من قانون العقوبات الفرنسي بند ( )16بأن نص هاتين المادتين عام
وشامل بحيث ال يوجد أي نوع من أنواع اإلهمال أو الخطأ ال يستطيع القاضي أن يدمجه فيه
وأن الشارع لم يدع مجاالً ألن يستثني من النص سوى حوادث العوارض فقط.
(انظر هذا الرأي في كتاب بالنيول وربير واسمين بند ( )679وبند ( )673وفي تعليق اسمين
في سيرى سنة 1930جزء أول صفحة ( - )177وجارو شرح قانون العقوبات طبعة ثالثة جزء
( )6صفحة 346بند ( - )2350وجارسون تعليق على المادتين ( )319و ( )320بند ()16
ضا جالسون وتسييه مرافعات عدد ( )3بند (.))777 وانظر أي ً
وجاء في الموسوعات البلجيكية تحت عنوان قوة الشيء المحكوم Eبه بند ( )319أن الرأي
المجمع عليه تقريبًا في الفقه والقضاء هو أنه ال يمكن تصور أي فارق في درجة الجسامة بين
اإلهمال الذي هو عنصر لجريمة القتل أو الجرح خطأ واإلهمال الذي يتكون منه الخطأ المدني.
- 4أحكام Eمحكمة النقض الفرنسية وترددها بين الرأيين والمبدأ الذي استقرت عليه أخي ًرا:
ليس هناك مسألة قانونية تناقضت فيها أحكام محكمة النقض الفرنسية مثل تناقضها في هذا
الموضوع ويمكن بيان األطوار التي عرجت فيها تلك المحكمة بين الرأيين المشار إليهما آنفاً
كما يأتي:
أوالً :قضت محكمة النقض الفرنسية في بعض أحكامها القديمة بأنه ال يمكن قيام أية مسؤولية
مدنية بعد الحكم Eبالبراءة جنائيًا وهذا المبدأ وارد في الحكم الصادر في 7مارس سنة 1857
والمنشور في دالوز سنة 1855جزء أول صفحة (.)81
ثانيًا :وفي حكمها الصادر في 17مارس سنة 1874والمنشور في دالوز سنة 1874جزء أول
صفحة ( )399قالت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز أن يتخلف خطأ يسير يترتب عليه
مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة وبعد أن تنفي المحكمة الجنائية الخطأ عن المتهم.
ضا في الحكمين الصادرين من دائرة العرائض في 31مايو سنة 1892 وهذا المبدأ ورد أي ً
والمنشور في دالوز سنة 1892جزء أول صفحة ( )381والصادر في 7نوفمبر سنة 1894
والمنشور في سيرى سنة 1895جزء أول صفحة (.)46
ثالثًا :ومنذ سنة 1912عدلت محكمة النقض الفرنسية عن ذلك المبدأ وقالت بأنه ال محل
الفتراض أي خطأ مدني بعد أن تقضي المحكمة الجنائية بالبراءة إذا استند حكم البراءة إلى أن
المتهم لم يرتكب أي إهمال -وجاء في حكمها الصادر في 18ديسمبر سنة 1912والمنشور
في دالوز سنة 1915جزء أول صفحة ( )17األسباب اآلتية:
ويقول هنري وليون مازو في صفحة ( )625من المرجع المشار إليه آنفًا إن هذا المبدأ قد ساد
ردحا من الزمن.
في القضاء الفرنسي بعد أن ترددت المحاكم فيه ً
- 5مذهب القضاء البلجيكي:
أما الرأي الذي ساد في األحكام Eالبلجيكية فهو ما استقرت عليه محكمة النقض الفرنسية أي
عدم جواز سماع دعوى التعويض بعد الحكم ببراءة المتهم بالقتل أو الجرح بغير عمد إذا كان
الحكم الجنائي قد نفى وقوع الخطأ
(انظر حكم محكمة بروكسل الصادر في 27فبراير سنة 1932والمنشور في سيري سنة
1932جزء ( )4صفحة ( )210وكذلك األحكام العديدة الواردة في الموسوعة البلجيكية تحت
عنوان (قوة الشيء المحكوم Eبه).
ضا حكم محكمة بروكسل الصادر في 12إبريل سنة - 1929المنشور في البازكريزى وانظر أي ً
سنة 1930جزء ( )3صفحة (.)76
والحكم الصادر في 18يونيو سنة 1929والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1930جزء (
)2صفحة (.)13
والحكم الصادر في 16أكتوبر سنة 1929والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1930جزء (
)2صفحة (.)52
والحكم الصادر في 11إبريل سنة 1933والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1933جزء (
)3صفحة (.)197
وجاء في هذه األحكام أن الحكم Eبالبراءة في حوادث اإلصابة بغير عمد يمنع من رفع الدعوى
المدنية عن هذه الحوادث ألن الخطأ الجنائي المنصوص عليه في المادتين ( )418و ( )426من
قانون العقوبات البلجيكي يجب كل خطأ آخر.
- 6رأي الشارحين للقانون المصري:
يقول جرانموالن في كتاب تحقيق الجنايات المصري جزء ( )2صفحة ( )279بند ( )1044أن
الحكم الصادر بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح بال عمد ال يحول دون سماع دعوى المجني
عليه التي يرفعها أمام المحكمة المدنية مطالبًا بالتعويض الذي نشأ عن األفعال التي كانت
كاف لتكوين الجريمة وتوقيع العقاب على المتهم موضوع االتهام ذلك ألنه إذا كان اإلهمال غير ٍ
إال أنه يجوز أن يكفي لترتب مسؤوليته المدنية.
وجاء في رسالة اإلثبات ألحمد بك نشأت صفحة ( )347بند ( )594أنه إذا حكم بالبراءة لعدم
وجود خطأ جنائي بالمرة كالمبين في المواد ( )202و ( )208و ( )315عقوبات فإن هذا الحكم
يمنع من وقوع خطأ مدني مما نص عليه في المواد ( )151و ( )152و ( )153مدني الخ.
وورد رأي يخالف هذا الرأي في كتاب االلتزامات لعبد السالم بك ذهني جزء ( )2صفحة ()474
ومؤداه ما يأتي:
أنه إذا قضى الحكم الجنائي ببراءة متهم منسوب إليه القتل خطأ واستند الحكم إلى أنه لم يثبت
إهمال أو خطأ من المتهم فال يجوز رفع دعوى تعويض عليه فيما بعد بشأن هذا الوصف الذي
فصل فيه الحكم Eالجنائي (انظر مقال األستاذ سامي مازن في مجلة القانون واالقتصاد جزء ()2
صفحة (.))330
- 7رأي القضاء المصري:
أخذت المحاكم المصرية تعرج بين المذهبين فالبعض قضى بأحد الرأيين والبعض اآلخر
بالمذهب الثاني كما يأتي مع مالحظة أنه ال يمكن القول بأن المحاكم Eاتخذت مبدأ ثابتًا مستق ًرا
في هذه المسألة.
أوالً :قضت محكمة استئناف مصر في حكمها الصادر في 23ديسمبر سنة 1930والمنشور
في المجموعة الرسمية سنة 32عدد ( )192صفحة ( )394أن الحكم Eالصادر من محكمة الجنح
بالبراءة في حوادث القتل الخطأ ال يمنع المحكمة المدنية من البحث في المسؤولية إال إذا كان
حكم البراءة مبنيًا على انتفاء اإلهمال وعدم وجود مسؤولية جنائية.
وفي الحكم Eالصادر من تلك المحكمة في 17نوفمبر سنة 1931المنشور في المجموعة
الرسمية سنة 33عدد ( )116صفحة ( )222تقول محكمة االستئناف أن المحاكم المدنية مقيدة
صا بترتيب المسؤولية قبل المتهم فال يقبل منه باألحكام الجنائية النهائية فيما ورد بها خا ً
المناقشة فيها إذا ما رفعت عليه دعوى التعويض.
ثانيًا :وصدرت أحكام أخرى قائلة بالرأي المخالف ومن هذا:
الحكم الصادر من محكمة استئناف مصر بتاريخ 10إبريل سنة – 1927والمنشور في
المجموعة الرسمية سنة 28عدد ( )59صفحة ( )95والذي جاء فيه أنه ال يكفي للسائق أن
يبين أنه لم يقع منه خطأ مطلقًا أو أن سبب الحادثة بقى مجهوالً للتخلي عن المسؤولية المدنية
بل تبقى مسؤوليته قائمة في الحالتين حتى ولو قضى جنائيًا بالبراءة لعدم قيام الدليل على
وجود خطأ معين أو إهمال.
وفي الحكم Eالصادر من محكمة طنطا االبتدائية في تاريخ 13يناير سنة 1926والمنشور في
المجموعة الرسمية سنة 28عدد ( )11صفحة (.)14
ورد أن للمحكمة المدنية أن تبحث فيما إذا كانت الوقائع المنسوبة للمتهم تعتبر شبه جنحة
يترتب عليها مسؤولية مدنية بالرغم من حكم البراءة.
وورد في الحكم الصادر في 14ديسمبر سنة 1929والمنشور في مجلة المحاماة سنة 10
صفحة ( )598أن حكم البراءة ال يرتبط به القاضي المدني إذا حكم في جريمة قتل خطأ أو
المتهم لم يرتكب إهماالً أو خطأ الختالف ماهية الخطأ أو اإلهمال من الوجهة الجنائية عنها من
الوجهة المدنية في حالة القتل خطأ.
أما المحاكم المختلطة فإنها لم تسلم بحجية األحكام الجنائية الصادرة من المحاكم القنصلية أو
المحاكم األهلية إطالقًا الختالف والية القضاء.
(حكم محكمة االستئناف المختلطة الصادر في 4مايو سنة 1921مجموعة مختلطة سنة 33
صفحة ( ))305لذلك لم تتح الفرصة لتلك المحاكم إلبداء رأيها في هذا الموضوع.
من القواعد األولية أن األحكام الجنائية تصدر ضد الكافة erge omnesبمعنى أن لها
ضا حتى ولو لم يعلن أو لم الحجية المطلقة على المتهم ولدى جميع الناس وقبل المجني عليه أي ً
يتدخل في الدعوى العمومية.
ووجه هذا ظاهر ألن الجرائم ماسة بالنظام واألمن في الدولة فاحترام المأل لألحكام الصادرة
فيها تقتضيه المصلحة العامة حتى تكون رادعة وعبرة للغير وفضالً عن ذلك فإن النيابة
العمومية التي يتحتم حضورها في الجلسة تمثل الهيئة االجتماعية وتمثل جميع الحقوق على
السواء سواء حضر المتهم والمجني عليه أو لم يحضرا وناهيكم عن أنه من المستحيل عقالً
ومادة إدخال كافة الناس في الدعوى العمومية لتكون األحكام Eحجة على الجميع.
ومتى بان هذا كان الحكم الجنائي واجب االحترام من القاضي المدني إذا ما رفعت الدعوى
المدنية إما من المتهم أو المجني عليه أو ورثتهما وتكون حجة على الخصوم وله قوة الشيء
المحكوم به بحيث ال يسوغ إصدار حكم مدني يتناقض معه وإال أهدرت حجته.
وإذا كان بعض أئمة القانون في فرنسا يسندون هذه الحجية إلى نص المادة ( )3من قانون
تحقيق الجنايات الفرنسي الذي ينص على أن الدعوى الجنائية توقف سير الدعوى المدنية -
هذا النص الذي لم ينقله الشارع المصري فإنه يكفي لتبرير هذه الحجية ويعللها في مصر أن
تنهض على األساس الذي أوضحناه أي أن األحكام الجنائية أحكام ضد الكافة ولها حجة مطلقة
ال نسبية وعلى القاضي المدني احترامها لهذا السبب.
ويتفرع على هذه الكلية الجزئيات اآلتية:
أوالً :أن المنطق السليم يقضي بأن حجية أية مبدأ أو مسألة تتناول حت ًما األساس الذي تنهض
عليه فإذا كانت األحكام Eالجنائية واجبة االحترام فيجب قانونًا وعقالً احترام األساس الذي بنيت
عليه وتفري ًعا على هذا إذا صدر الحكم Eبالبراءة في تهمة القتل أو الجرح العمد استنادًا إلي أن
المتهم ال يمكن أن يعزي إليه إهمال في الواقعة المسندة إليه بالذات فيكون سند الحكم هذا
واجب االحترام حت ًم ا وعلى القاضي المدني أن يتخذه قضية مسلمة ال تقبل فيه النقاش وعلى
هذا يجب أن يمتنع عن سماع الدعوى المدنية إذا أقامها المجني عليه على ما يهدر هذا
األساس.
ولو أن العبرة في الحجية لمنطوق األحكام إال أن األسباب التي تتصل بالمنطوق صلة المقدمة
ضا قوة الشيء المحكوم به فال حرج إذن في تلمس سند حكم بالنتيجة والسبب بالمسبب تحوز أي ً
البراءة من أسبابه.
ثانيًا :يجب أن يضع القاضي المدني نفسه موضع القاضي الجنائي نفسه عند بيان مدى احترام
األحكام الجنائية واالستمساك بحجيتها ألنه ليس من الطبيعي أن يكون القاضي الجنائي أقل
احترا ًم ا لقضائه من القاضي المدني ولذلك ال يطلب من القاضي المدني أن يغالي في االحترام
حتى يفوق في ذلك من أصدر هذه األحكام Eويتفرع على هذا أن ما يلتزم القاضي الجنائي
باحترامه يلزم القاضي المدني به عند نظر الدعوى المدنية وإال فال.
ومن األوليات القانونية أن قوة الشيء المحكوم Eبه في األحكام Eالجنائية ال تتعدى األفعال
المسندة إلى المتهم والواردة في وصف التهمة والتي طرحت أمام المحكمة والتي أتيح للمتهم
حق الدفاع عن نفسه فيها -أما األفعال والوقائع األخرى فتخرج عن هذه الحجية بمعنى أنه
يجوز رفع الدعوى العمومية مرة أخرى على أساس هذه األفعال الجديدة (انظر هذا المبدأ الذي
اضطرد في قضاء محكمة النقض واإلبرام المصرية الدائرة الجنائية في قضية الطعن رقم (
)894سنة 4قضائية في الحكم الصادر في 29أكتوبر سنة 1934وفي الحكم الصادر في
قضية الطعن رقم ( )1625سنة 4قضائية بتاريخ 28يناير سنة 1935الذي قرر مبدأ جواز
رفع دعوى إخفاء أشياء مسروقة بعد الحكم بالبراءة من تهمة السرقة في نفس الحادثة).
ومتى ثبت هذا ساغ للقاضي المدني أن يسمع دعوى التعويض عن حادثة الجرح أو القتل خطأ
بعد الحكم بالبراءة إذا كان الخطأ الذي يسنده المجني عليه للمتهم يقوم على وقائع أخرى غير
التي وردت وفي وصف التهمة أو غير التي قضى الحكم الجنائي بانتفاء الخطأ عن المتهم في
فعلها.
ثالثًا :قد نص قانون تحقيق الجنايات في المادتين ( )147و ( )172وفي المادة ( )50من قانون
تشكيل محكمة الجنايات أنه إذا كانت الواقعة غير ثابتة أوالً يعاقب عليها القانون أو سقط الحق
في إقامة الدعوى فيها بمضي المدة يحكم Eالقاضي الجنائي ببراءة المتهم ويجوز له أن يحكمE
ضا بالتعويضات التي يطلبها بعض الخصوم من بعض. أي ً
وهذه النصوص تميط اللثام عن رأي الشارع المصري وهو أنه يجوز الحكم بالتعويضات
المدنية بالرغم من حكم البراءة إنما هذه األحوال واردة على سبيل الحصر في هذه النصوص
أما الحكم بالتعويض في حالة عدم ثبوت التهمة فالمراد منه أن المتهم هو الذي يطلب الحكم
بالتضمينات ضد المجني عليه ألنه ال يقبل عقالً أن يحكم القاضي بالتضمينات للمجني عليه مع
عدم ثبوت الفعل الذي يدعي به ولذلك ورد في النص عبارة (التعويضات التي يطلبها بعض
الخصوم من بعض).
وإذا حدثت الواقعة ضر ًرا للمجني عليه ولكن عناصر الجريمة لم تتوفر فيها كانعدام Eتوفير
الطرق االحتيالية في جريمة النصب فإن الحكم بالبراءة ال يمنع من الحكم بالتعويض وكذلك إذا
سقط الحق في إقامة الدعوى العمومية فيجوز الحكم Eبالتعويضات المدنية مع مراعاة القيد
الوارد في المادة ( )282من قانون تحقيق الجنايات.
هذه هي األحوال التي أباح فيها القانون للقاضي الجنائي أن يحكم بالتعويض مع الحكم بالبراءة
ولذلك ال حرج على القاضي المدني أن يسمع الدعوى المدنية بالتعويض في هذه الصور أو في
جميع األحوال التي ال يكون فيها تقادم أو تناقض ما مع الحكم Eالجنائي وما قضى به في منطوقه
أو في أسبابه المرتبطة بالمنطوق.
ولكن الشارع لم ينص على حالة الحكم بالبراءة استنادًا على أنه لم يقع الخطأ إطالقًا من جانب
المتهم ويستفاد من عدم النص على هذه الصورة عدم إباحتها ولهذا يحرم على القاضي الجنائي
أو المدني سماع دعوى التعويض بعد الحكم Eبالبراءة الذي يقوم على هذا األساس.
ضا ومتخاذالً مع نفسه إذا والعقل والمنطق يقضيان بهذا التفسير وإال كان القاضي الجنائي متناق ً
قضى من ناحية بالبراءة استنادًا على أنه ال إهمال وال خطأ من جانب المتهم في الفعل Eالمسند
إليه وحكم من ناحية أخرى بالتعويض لهذا الفعل.
ولما كانت األحكام الجنائية واجبة االحترام على الكافة وكان محت ًما على القاضي المدني أن ال
يعدو حجيتها وال يتعارض حكمه معها لذلك أصبح لزا ًما على القاضي المدني أن يمتنع عن
سماع دعوى التعويض التي تقوم على أساس الفعل الذي قال عنه القاضي الجنائي أن المتهم لم
يرتكب أي خطأ أو إهمال فيه.
راب ًع ا :بقيت نقطة واحدة وهي هل يشتمل الخطأ الذي هو ركن لجريمة القتل أو الجرح خطأ
والمنصوص عليهما في المادتين ( )238و ( )244من قانون العقوبات الجديد المقابلتين
للمادتين ( )202و ( )208من القانون القديم هل يشتمل على عناصر الخطأ المدني المنصوص
علي في المادة ( )151من القانون المدني.
جاء في النص الوارد في هاتين المادتين أن القتل أو الجرح يجب أن يكون ناشئًا (عن رعونة
أو عدم احتياط وتحرز أو عن إهمال وتفريط أو عن عدم انتباه وتوق أو عن عدم مراعاة
واتباع اللوائح).
والواقع أن هذه العبارات تشمل كل فرض أو صورة من صور الخطأ بحيث إنه يصعب تصور أن
هناك أي نوع من الخطأ غير مندرج في هذا النص.
وال شك أن هناك فرقًا بين الخطأ الجنائي والخطأ المدني فاألول يستلزم عناصر ال بد من توفرها
لتكوين الجريمة كالقصد الجنائي أو سوء النية أو نية اإلضرار إلى غير ذلك أما الخطأ المدني
فال يشترط فيه شيء من هذا بل مناطه الضرر واإلهمال مهما تضاءلت جسامته.
وإذا كان هذا هو الحال في الجرائم األخرى إال أنه ال ينطبق على جريمة القتل أو الجرح بال عمد
ألن الشارع المصري الذي سار وراء الشارع الفرنسي والبلجيكي احتاط أشد االحتياط لألمر
فسرد جميع أنواع الخطأ من إهمال ورعونة وعدم تحرز أو توق إلى غير ذلك حتى ال يفلت من
العقاب أي شخص ال يسلك مسلك المتيقظ أو الساهر على سالمة الناس من أفعاله فالخطأ
المنصوص عليه في المادة ( )151مدني مندرج ال محالة في العبارات الشاملة التي جاءت في
نص المادتين ( )238و ( )244من قانون العقوبات الجديد.
ويتفرع على هذا أنه إذا وجب على القاضي المدني احترام الحكم الجنائي كما سبق البيان
فيتحتم عليه إذن أن يقضي بعدم جواز سماع دعوى التعويض إذا رفعها المجني عليه أمامه
مستندًا إلى نفس الفعل Eالذي قال الحكم الجنائي عنه بأنه ال خطأ فيه من جانب المتهم ألن نفي
الخطأ جنائيًا معناه انتفاء كل إهمال وتفريط أو رعونة وعدم تحرز أو عدم توق الخ ..وبالتالي
يبعد كل خطأ مهما كان نوعه أو مهما بلغت درجته.
والخالصة :أنه ال محل الفتراض الجنحة المدنية أو شبهها بعد الحكم بالبراءة في تهمة القتل أو
الجرح خطأ إذا بني الحكم Eعلى أساس نفي الخطأ عن المتهم إنما مناط هذا أن حجية األحكامE
الصادرة بالبراءة مقصورة على الوقائع الواردة في وصف التهمة بحيث يجوز أن تترتب
المسؤولية المدنية على وقائع أو أفعال أخرى.