You are on page 1of 494

‫المملكة العربية السعودية‬

‫وزارة التعليم‬

‫جامعة الملك سعود‬

‫عمادة الدراسات العليا‬

‫قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫السخرية في الشعر الموي‬


‫قدمت هذه الرسالة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الدكتوراه في قسم اللغة‬
‫العربية وآدابها بكلية اآلداب – جامعة الملك سعود‬

‫إعداد الطالب‪:‬‬

‫سالم بن محمد بن سالم بامؤمن‬

‫الرقم الجامعي ‪954901924‬‬

‫إشراف الستاذ الدكتور‪:‬‬

‫عبد اهلل بن سليمان بن عبد اهلل الجربوع‬

‫الفصل الدراسي الول ‪ 9941 – 9941‬هــ‬


‫ب‬

‫وزارة التعليم‬

‫جامعة الملك سعود‬

‫عمادة الدراسات العليا‬

‫قسم اللغة العربية وآدابها‬

‫السخرية في الشعر الموي‬

‫إعداد الطالب‪ :‬سالم بن محمد بن سالم بامؤمن‬

‫نوقشت هذه الرسالة بتاريخ ‪7341 / /‬هـ وتم إجازتها من لجنة المناقشة التي تكونت من األساتذة‪:‬‬

‫مقر ار‬ ‫‪ -7‬أ‪.‬د‪ .‬عبداهلل بن سليمان الجربوع‬


‫عضوا‬ ‫‪ -2‬أ‪.‬د‪ .‬مصطفى حسين عناية‬
‫عضوا‬ ‫‪ -4‬أ‪.‬د‪ .‬محمد خير البقاعي‬
‫عضوا‬ ‫‪ -3‬د‪ .‬منذر ذيب كفافي‬
‫عضوا‬ ‫‪ -5‬د‪ .‬عمر بن عبدالعزيز السيف‬
‫ج‬

‫ت َعلَ َّي َو َعلَى َوالِ ََ َّ‬


‫ َّ َوأَ ْن أَ ْع َم َ َ‬ ‫ك الَّتِي أَنْ َع ْم َ‬
‫ب أ َْوِز ْعنِي أَ ْن أَ ْش ُك َر نِ ْع َمتَ َ‬‫ال َر ِّ‬‫" َوقَ َ‬
‫ين" النمل اآلية‪71 /‬‬ ‫اد َك َّ ِ ِ‬ ‫ك فِي ِعب ِ‬ ‫ضاهُ َوأَ ْد ِخلْنِي بَِر ْح َمتِ َ‬ ‫صالِ ًحا تَ ْر َ‬
‫الصالح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫د‬

‫المحتويات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ح‬ ‫اإلهداء‬
‫ط‬ ‫شكر وتقدير‬
‫ل‬ ‫المقدمة‬
‫‪9‬‬ ‫التمهيد (اإلطار النظري للسخرية)‬
‫‪51‬‬ ‫الفصل الول‪ :‬تشكيل السخرية اللغوي في الشعر الموي‬
‫‪49‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬السخرية في مستوى الصوات‬
‫‪44‬‬ ‫سخرية أصوات الحيوانات‬ ‫‪-7‬‬
‫‪94‬‬ ‫سخرية أصوات الجسد‬ ‫‪-2‬‬
‫‪24‬‬ ‫سخرية أصوات الحركة‬ ‫‪-4‬‬
‫‪14‬‬ ‫سخرية األصوات ذات الجر الموسيقي المشتق‬ ‫‪-3‬‬
‫‪14‬‬ ‫سخرية الترجيع الصوتي‬ ‫‪-5‬‬
‫‪11‬‬ ‫سخرية التكرار‬ ‫‪-6‬‬
‫‪44‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬السخرية في مستوى اللفاظ‬
‫‪42‬‬ ‫سخرية ألفاظ المرأة‬ ‫‪-7‬‬
‫‪994‬‬ ‫سخرية ألفاظ الجسد والعاهة‬ ‫‪-2‬‬
‫‪999‬‬ ‫سخرية ألفاظ الحيوانات‬ ‫‪-4‬‬
‫‪914‬‬ ‫المحرفة‬
‫ّ‬ ‫سخرية ألفاظ العقائد‬ ‫‪-3‬‬
‫‪914‬‬ ‫سخرية ألفاظ المأكل والمشرب‬ ‫‪-5‬‬
‫‪911‬‬ ‫سخرية ألفاظ الهيئة أو الشكل‬ ‫‪-6‬‬
‫ه‬

‫‪919‬‬ ‫سخرية هيئة ألفاظ الرجولة المتعددة‬ ‫‪-1‬‬


‫‪911‬‬ ‫سخرية هيئة ألفاظ المسكن‬ ‫‪-8‬‬
‫‪911‬‬ ‫سخرية ألفاظ العادات والسلوكيات المذمومة‬ ‫‪-1‬‬
‫‪949‬‬ ‫‪ -71‬سخرية ألفاظ المهن والحرف‬
‫‪500‬‬ ‫‪ -77‬سخرية ألفاظ الحسب والنسب‬
‫‪509‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬السخرية في مستوى الجمل والتراكيب‬
‫‪501‬‬ ‫سخرية تراكيب اإلضافة والحذف‬ ‫‪-7‬‬
‫‪552‬‬ ‫سخرية داللة األمكنة واألزمنة‬ ‫‪-2‬‬
‫‪545‬‬ ‫سخرية المشتقات اللفظية‬ ‫‪-4‬‬
‫‪599‬‬ ‫سخرية الجمع والتصغير‬ ‫‪-3‬‬
‫‪524‬‬ ‫سخرية اللقب‬ ‫‪-5‬‬
‫‪521‬‬ ‫سخرية الخروج عن المألوف اللغوي والصرفي والنحوي‬ ‫‪-6‬‬
‫‪511‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تشكيل السخرية البالغي وآليات بنائها في الشعر‬
‫‪514‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬مظاهر النزياح البالغي في الشعر الموي الساخر‬
‫الموي‬
‫‪510‬‬ ‫السخرية في مستوى علم البيان‬ ‫‪-7‬‬
‫‪549‬‬ ‫السخرية في مستوى علم البديع‬ ‫‪-2‬‬
‫‪404‬‬ ‫السخرية في مستوى علم المعاني‬ ‫‪-4‬‬
‫‪444‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أنماط الصور الساخرة في الشعر الموي‬
‫‪449‬‬ ‫أنماط الصور بحسب عالقة الساخر بالمسخور منه‬ ‫‪-9‬‬
‫‪449‬‬ ‫‪ -‬السخرية التنذرّية‬
‫‪444‬‬ ‫‪ -‬السخرية السجالية‬
‫‪491‬‬ ‫‪ -‬السخرية التهكمية‬
‫و‬

‫‪420‬‬ ‫‪ -‬السخرية النبوغية‬


‫‪424‬‬ ‫‪ -‬السخرية المقموعة‬
‫‪421‬‬ ‫أنماط الصور بحسب الحواس أو الحركة أو اللون‬ ‫‪-5‬‬
‫‪421‬‬ ‫‪ -‬الصور السمعية‬
‫‪421‬‬ ‫‪ -‬الصور الشمية‬
‫‪419‬‬ ‫‪ -‬الصور الحركية‬
‫‪419‬‬ ‫‪ -‬الصور اللونية‬
‫‪411‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬آليات بناء السخرية في الشعر الموي‬
‫‪414‬‬ ‫آليات التصوير المسخي أو التشويهي‬ ‫‪-7‬‬
‫‪415‬‬ ‫آليات اإليقاع الساخر‬ ‫‪-2‬‬
‫‪412‬‬ ‫آليات االلتبا‬ ‫‪-4‬‬
‫‪411‬‬ ‫آليات الذهول‬ ‫‪-3‬‬
‫‪411‬‬ ‫آليات التوريط‬ ‫‪-5‬‬
‫‪415‬‬ ‫آليات الحوار والسرد‬ ‫‪-6‬‬
‫‪412‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬وظائف السخرية وأثرها في الشعر الموي الساخر‬
‫‪411‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬وظائف السخرية في الشعر الموي‬
‫‪411‬‬ ‫الوظائف المباشرة‬ ‫‪-7‬‬
‫‪414‬‬ ‫الوظيفة التعبيرية‬ ‫‪-‬‬
‫‪444‬‬ ‫الوظيفة التأثيرية‬ ‫‪-‬‬
‫‪441‬‬ ‫الوظيفة االجتماعية‬ ‫‪-‬‬
‫‪904‬‬ ‫الوظائف غير المباشرة‬ ‫‪-2‬‬
‫‪904‬‬ ‫الوظيفة الحوارية‬ ‫‪-‬‬
‫ز‬

‫‪990‬‬ ‫الوظيفة الحجاجية‬ ‫‪-‬‬


‫‪999‬‬ ‫الوظيفة السردية‬ ‫‪-‬‬
‫‪994‬‬ ‫الوظيفة الفنية‬ ‫‪-‬‬
‫‪954‬‬ ‫أثر السخرية في الشعر األموي‬ ‫‪-4‬‬
‫‪954‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪991‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫‪919‬‬ ‫الملخص باللغة العربية‬
‫‪912‬‬ ‫الترجمة اإلنجليزية‬
‫ح‬

‫اإلهداء‬
‫‪ ‬إلى روح أبي الكريم في رحاب ربه العظيم ‪ ...‬مستمط اًر على روحه الطاهرة سحائب‬
‫الرحمة‪ ،‬وشآبيب المغفرة‪ ،‬وغوادي الرضوان ‪ ..‬ودعاء رحمة ‪ ...‬وثواباً ال ينقطع‪.‬‬
‫بحسن صحبتي ‪ ...‬أمي العزيزة ‪ ..‬التي علّمتني محبة الخير والنا ‪،‬‬ ‫‪ ‬إلى أحق النا‬
‫واالبتسامة والتفاؤل ‪ ..‬حباً وطاعةً وب اًر‪.‬‬
‫‪ ‬إلى السكن والمودة والرحمة‪ ...‬من تحملت معي معاناة هذا البحث ‪ ..‬التي تسرني‬
‫ٍ‬
‫وتقدير‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وعرفان‬ ‫حاض اًر وتحفظني غائباً‪ . .‬زوجتي الفاضلة ‪ ..‬سيماء ٍ‬
‫وفاء‬
‫‪ ‬إلى أبواب الفرح في حياتي‪ ...‬عالمي الجميل ‪...‬أوالدي‪ :‬محمد وفاطمة وأحمد‬
‫وخديجة‪...‬محب ًة كبيرةً وحناناً‪.‬‬
‫العلم دائماً ‪ ..‬ووقّره في خلقه ونفسه ‪ ..‬فأصبح‬ ‫قد‬
‫‪ ‬إلى صاحب القلب الكبير‪ . .‬من ّ‬
‫عبداهلل بن أحمد بن‬ ‫العلم وقا اًر به‪ ،‬ونو اًر يضيء منه لآلخرين‪ .‬سعادة الوالد المهند‬
‫ٍ‬
‫ووفاء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وتقدير‬ ‫ٍ‬
‫عجاب‬ ‫حب وا ٍ‬
‫جالل وا ٍ‬
‫كبار وا‬ ‫سعيد بقشان (أبو فيصل) ‪ ..‬تحيةَ ٍ‬
‫‪ ‬إلى األستـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاذ الق ـ ـ ــدوة ‪ ..‬الذي تع ــلم ـ ـ ـ ــت منـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الط ـ ـ ـم ـ ـ ــوح للع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــم واإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرار‬
‫للمستقـ ـ ــبل سع ـ ـ ـ ــادة أ‪.‬د‪ .‬صالح بن عوض عرم ‪ ..‬أستاذاً عالماً‪ ،‬وتربوياً قدي اًر‪ ،‬وأُسوةً‬
‫تُحتذى‪.‬‬
‫‪ ‬إلى الذي الزالت نصائحه النادرة في محبة العلم ترن في أذني ‪..‬سعادة األستاذ القدير‬
‫عمر بن أحمد الشاطري‪ ...‬تحية احترام وتقدير وعرفان‪.‬‬
‫ـوي اللذين لم تلدهما أمي ‪ :‬سعـ ـ ـ ــادة أخي المفضال صـ ـ ـ ــاحـ ـ ــب المواقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف‬
‫‪ ‬إلى أخـ ـ ـ َّ‬
‫بجميل ال ُينسى‪ ،‬وسعـ ـ ـ ــادة أخي‬ ‫ٍ‬ ‫المش ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــودة عمر ابن عبداهلل بامطرف‪ ...‬عرفاناً‬
‫الزميل حسن بن أحمد بن عقيل الحامد‪ ..‬عرفاناً بذكريات الطفولة‪ ،‬وزمالة الدراسة‪،‬‬
‫ووفاء لألخوة الصادقة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬إلى من ارتقيت بفضلهم في العلم درجةً أساتذتي في مختلف مراحل التعليم وأطواره‬
‫‪ ..‬عرفاناً ووفاء وتقدي اًر‪.‬‬
‫سالم‬
‫ط‬

‫شكر وتقدير‬
‫علي بإكمال هذه الرسـ ـالة فإن ذلك من توفيقه وفضله‪،‬‬
‫الحم ـ ـ ـد هلل الذي أتّم نعمته ّ‬
‫الرحم ـ ـن‪ ،‬ومن واجب الوفاء والعرفان‪ ،‬أن أسدي‬
‫وفي هذا المقام‪ ،‬ومن مقتضيات شكر َّ‬
‫علي‪ ،‬ويقف في مق ـدمتهم سـعادة أست ـاذي‬
‫شكري وتقديري الجزي ـ ـل إلى ذوي الفض ـل والع ـلم َّ‬
‫الفاض ـل أ‪.‬د‪ .‬عبد اهلل بن سليمان الجربوع الذي تفضل باإلشراف على هذه الرسالة‪ ،‬حيث‬

‫علي من كريم شيمه وسعة معرفته‪ ،‬وعميق قيمه‪ ،‬ووافر علمه وعطائه إيقاظاً وتوجيهاً‬
‫أسبغ َّ‬
‫وتسديداً‪ ،‬مما جعلني مديناً له بالفضل الغامر‪ ،‬وعميق االمتنان‪ ،‬ووافر الشكر والتقدير‪ ،‬فجزاه‬
‫عني خير الجزاء‪.‬‬
‫اهلل ّ‬

‫كما أتقدم بالشكر والتقدير لجامعة الملك سعود إدارةً وعمادةً ولقسم اللغة العربية وآدابها‬
‫ممثالً برئيسه سعادة الدكتور خالد بن عايش الحافي ولكل األساتذة في القسم الذين فتحوا‬
‫أمامي أبواب العلم والمعرفة‪.‬‬

‫والشكر موصول لمؤسسة حضرموت للتنمية البشرية التي كان لها الفضل الكبير‬
‫عبد اهلل بن‬ ‫لقبولنا في هذه الجامعة‪ ،‬وفي هذا المقام أتقدم بالشكر والتقدير لسعادة المهند‬
‫األمناء على كل ما قدموه‬ ‫أمناء المؤسسة وجميع أعضاء مجل‬ ‫مجل‬ ‫أحمد بقشان رئي‬
‫لنا من رعاية تامة في أثناء دراستنا‪ ،‬فلهم خالص الشكر والوفاء‪ ،‬واالعتراف البالغ بالفضل‪،‬‬
‫سائالً اهلل أن يجازيهم َّ‬
‫عنا خير الجزاء‪.‬‬

‫كما أتقدم بالشكر والعرفان لسعادة أ‪.‬د‪ .‬صالح عوض عرم المدير التنفيذي لمؤسسة‬
‫حضرموت للتنمية البشرية على كل ما قام به معي من متابعة لقبولي‪ ،‬فضالً عما لمسته‬
‫ت‬
‫منه طيلة ثالثين عاماً من قدوة ونصح وارشاد‪ ،‬فلقد كان حاض اًر إلى جانبي منذ أن ُك ْن ُ‬
‫ي‬

‫إلى مرحلة الدكتوراه‪ ،‬فله مني الشكر حا اًر ما سرحت بي الحياة‪ ،‬وجزاه‬ ‫طالباً في البكالوريو‬
‫اهلل ِّ‬
‫عني خير الجزاء‪.‬‬

‫والشكر موصول أيضا إلى سعادة د‪ .‬عمر بامحسون‪ ،‬و د‪ .‬محمد بن أحمد باحميد‪،‬‬
‫واألستاذ زكي مقيص عرفاناً مني بفضلهما الكبير في متابعة إجراءات قبولنا وتسجيلنا في‬
‫الجامعة‪ ،‬كما ال يفوتني أن أتقدم بالشكر ألحبة واخوة كانوا لي أب ار اًر في نصحهم واهتمامهم‬
‫عبد اهلل بن صالح‬ ‫ومساعدتهم لي‪ ،‬وسؤالهم الدائم عني في أثناء دراستي ومنهم‪ :‬المهند‬
‫باربيع‪ ،‬د‪ .‬سالم بازار‪ ،‬د‪.‬عبد القادر باعيسى‪ ،‬د‪ .‬هادي الصبان د‪ .‬أبو بكر بصري‪ ،‬د‪.‬‬
‫عبداهلل بن شه ــاب‪ ،‬د‪ .‬شيخ الشاطري‪ ،‬د‪ .‬سالم غانم‪ ،‬د‪ .‬علي بكر‪ ،‬د‪ .‬نجالء باجبير‪ ،‬عمر‬
‫بامطرف‪ ،‬فهد التميمي‪ ،‬محمود حبتور يحيى إسحاق ‪ ،‬أمين باعباد‪ ،‬عبداهلل بن سليمان‬
‫قرزيز الحلكي‪ ،‬علي حامد بن شهاب‪ ،‬محمد الشاطري‪ ،‬علي حسن التميمي وأخيه خالد‪،‬‬
‫حسن الحامد‪ ،‬علي بشير‪ ،‬عبدالكريم باشعيوث‪ ،‬صالح باشامخة‪ ،‬محمد بن شهاب وأخيه‬
‫عبداهلل‪ ،‬كرامه عبيد حيمد سعد‪ ،‬أحمد مقرم ‪،‬عبدالعزيز باجري‪ ،‬أحمد بامزروع‪ ،‬عبدالرحمن‬
‫بن شهاب وابنه عبدالقادر‪ ،‬سالم بركي ‪،‬مبارك باسعد وأخيه عبداهلل‪ ،‬ياسر بايون ‪ ،‬سعيد‬
‫بامؤمن‪ ،‬سعيد باشامخة‪ ،‬عبيد عبدون‪ ،‬عدنان عرم وأخويه مروان وصفوان‪ ،‬وهاني ربيحان‬
‫وأخوانه‪ ،‬وعبداهلل بلعجماء فجزاهم اهلل عني خير الجزاء‪.‬‬

‫كما ال أنسى تقديم الشكر والتقدير إلى صحبتي ممن شاركوني وجدانياً في التخفيف‬
‫ِّ‬
‫عني من قلق الدراسة والبحث والغربة فكانوا نعم األحبة ومنهم محمد عبد اهلل حسان‪ ،‬خالد‬
‫الجوهي‪ ،‬عمر بابعير‪ ،‬محمد باجري‪ ،‬سالم بلقرزي‪ ،‬عزمي بلهيج‪ ،‬شفيق بلكور‪ ،‬عبد اهلل‬
‫قنيوي‪ ،‬جمال باصحيح‪ ،‬يحيى باخريصة‪ ،‬ماجد الجابري‪ ،‬نبيل ربيحان‪ ،‬وهيب باحيدرة‪ ،‬عبد‬
‫ك‬

‫اهلل العمودي‪ ،‬محمد علي حسان‪ ،‬مراد القباطي‪ ،‬محمد الشرعبي‪ ،‬زيدان‪ ،‬عودة فجزاهم اهلل‬
‫ِّ‬
‫عني خير الجزاء‪.‬‬

‫كما يشرفني أن أتقدم بالشكر والعرفان لمركز بحوث كلية اآلداب الذين قدموا لنا يد‬
‫العون إلنجاز هذه الرسالة‪ ،‬والشكر والوفاء أيضاً إلى جميع موظفي مكتبة الملك سلمان بن‬
‫عبد ا لعزيز المركزية وعمادتها على التسهيالت والخدمات الكبيرة التي يقدمونها لنا ولخدمة‬
‫الباحثين كافةً صباح مساء فجزاهم اهلل َّ‬
‫عنا خير الجزاء‪.‬‬

‫كما أتقدم بالشكر الجزيل إلى جامعة حضرموت رئاسةً ونيابةً وعمادةَ بحث علمي‪،‬‬
‫والى عمادة كلية اآلداب – المكال‪ ،‬وقسم اللغة العربية بكلية اآلداب الذين أتاحوا لنا فرصة‬
‫مواصلة دراستنا‪ .‬والشكر موصول لسعادة األستاذ عبد اهلل العولقي المستشار الثقافي بالسفارة‬
‫اليمنية في الرياض على خدماته لنا‪.‬‬

‫محمد باجري‬ ‫وأخي اًر يكبر في نفسي ما قام به األخوة األستاذ مراد القباطي‪ ،‬والمهند‬
‫ماجد الجابري الذين خصُّوني بكثير من أوقاتهم في طباعة الرسالة واخراجها‪،‬‬ ‫والمهند‬
‫فلهم شكري الخالص وتقديري واحترامي‪ ،‬سائالً اهلل أن يجازيهم عني خير الجزاء‪.‬‬

‫والشكر والتقدير لوالدتي وزوجتي وأوالدي محمد وفاطمة وأحمد وخديجة فلهم الشكر‬
‫جميعاً على تشجيعهم لي‪ ،‬وصبرهم معي طيلة فترة البحث فجزاهم اهلل عني خير الجزاء‪.‬‬

‫والحمد هلل أوالً وآخ اًر‪.‬‬

‫الباحث‬

‫سالم بن محمد بامؤمن‬


‫ل‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة‬
‫َّ‬
‫لعل من بين أبرز الصفات التي تبدو على الشعر األموي‪ ،‬هي (السخرية)‪ ،‬حيث‬
‫لت ظاهرةً فنيةً في الكثير من نماذجه‪ .‬فشعر الهجاء على سبيل المثال‪ ،‬وهو ُي َع ُّد من‬ ‫َّ‬
‫شك ْ‬
‫أبرز موضوعات الشعر في تلك المدة الزمنية ال تخلو قصيدة من قصائده من ألفاظ مشحونة‬
‫بالسخرية واالستهزاء‪ ،‬هدفها إلهاء الجماهير واضحاكها‪ .‬وقد جاءت ألوانها تعبر عن ذوق‬
‫العامة‪ .‬فاأللقاب واألسماء في تلك القصائد عجيبة تستفز للضحك بخصائصها الصوتية‬
‫ومعجم ألفاظها‪ .‬وقد تفنن الشعراء في اختالق اإلشاعات‪ ،‬واختاروا لها األلفاظ التي يسهل‬
‫التندر بها‪.‬‬

‫َّ‬
‫ولعل هذا كان من بين األسباب التي شجعت الباحث على دراسة هذه الظاهرة الفنية‪.‬‬
‫وذلك بهدف استظهار تشكلها داخل النص القائم على المفارقة اللغوية والتصويرية‪ ،‬واألداء‬
‫الوظيفي لها‪ ،‬في إطار الشعر القائم على ثناية العلو والدونية‪.‬‬

‫ومن يستقرئ مختلف نماذج الشعر األموي الساخر يقف على ثالثة مستويات من النقد‬
‫الساخر تمثلت في اآلتي‪:‬‬

‫‪-7‬مستوى اإلضحاك‪ :‬ويكون مبنياً على تعارض القيم الوجدانية والسلوك في الوجود‬

‫اإلنساني‪ ،‬وبخاصة في حاالت الهجاء‪ .‬وقد ُرِو َ‬


‫ي عن الشاعر جرير َّأنه قال‪" :‬إذا َه َج ْو َ‬
‫ت‬
‫م‬

‫ولهذا برزت ظاهرة اإلضحاك في الشعر األموي عند كثير من شعراء الهجاء‬ ‫(‪)7‬‬
‫َض ِح ْك"‬
‫فَأ ْ‬
‫والغزل‪.‬‬

‫‪-2‬مستوى المزاح والدعابة‪ :‬وقد ظهرت السخرية في هذا المستوى في صورة المزاح والمداعبة‬
‫بين الشعراء وأصدقائهم ونظرائهم من الشعراء في عصرهم‪ ،‬فضالً عن صورة المزاح‬
‫والمداعبة مع الحكام واألثرياء‪ ،‬بهدف الحصول على المال والحظوة والمكانة في بالطهم‪.‬‬

‫‪-4‬مستوى السخرية بمعناها الخاص‪ :‬حيث اتجهت السخرية فيه نحو الهدف مباشرة‪ ،‬حيث‬
‫تجلت في عبارات السخرية والتهكم‪.‬‬

‫وانطالقاً من أهمية السخرية داخل الخطاب الشعري في العصر األموي‪ ،‬أقبل‬


‫الباحث على دراستها في هذه الرسالة الموسومة بـ ـ (السخرية في الشعر األموي)‪.‬‬

‫مشكلة البحث وأهدافه‪:‬‬

‫من خالل إمعان النظر في الدراسات التي درست السخرية في الشعر األموي‪ ،‬نجدها‬
‫محدودة‪ ،‬ولم تتعمق في دراسة النصوص األموية الساخرة‪ ،‬وهذه الدراسات التي جاءت على‬
‫شكل مقاالت ‪-‬كما سيأتي تفصيل ذلك الحقاً‪-‬عرضت ألنماط السخرية‪ ،‬عند شاعرين هما‬
‫جرير وابن ميادة‪ .‬وقد شاب هذه الدراسات قصور في الجانب التطبيقي واستنطاق النصوص‪.‬‬
‫ويحاول الباحث ردم هوته ما وسعه ذلك‪ ،‬ولهذا َّ‬
‫فإن هذه الدراسة تسعى إلى تحقيق األهداف‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫النقدي القديم‬ ‫‪ .7‬التعرف على السخرية مفهوماً إجرائياً وفنياً في اللغة وفي الدر‬
‫والمعاصر‪.‬‬

‫القيرواني‪ :‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪ ،‬ج‪ ،2‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد قرقزان‪ ،‬ط‪( ،1‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬
‫‪1048 1‬هـ ‪1888-‬م)‪ ،‬ص‪.182‬‬
‫ن‬

‫‪ .2‬استقراء التشكيل اللغوي والبالغي للسخرية في الشعر األموي وآليات بنائها‪.‬‬


‫‪ .4‬إبراز وظائف السخرية في الشعر األموي المباشرة وغير المباشرة‪.‬‬
‫تميز بها النص الشعري في العصر األموي‬
‫‪ .3‬تتبع أثر السخرية بوصفها ظاهرة فنية ّ‬
‫على مستوى البناء الفني وانتاج الداللة‪.‬‬

‫والحاقاً لما سبق فإن الدراسة ستجيب عن التساؤالت اآلتية‪ :‬كيف يتشكل الشعر‬
‫األموي الساخر؟ وكيف يكون مؤث اًر في متلقيه؟ وهل كانت السخرية غرضاً شعرياً؟ أم ظاهرة‬
‫فنية تميز بها الشعر األموي؟‬
‫الدارسات السابقة‪:‬‬
‫من بين الدراسات السابقة التي تناولت السخرية في الشعر األموي‪ ،‬أشير إلى الدراسات‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ .7‬دراسة د‪ .‬نعمان محمد أمين طه في كتابه (السخرية في األدب العربي) )‪ ،(2‬حيث تناول‬
‫السخرية في األدب الجاهلي واإلسالمي واألموي والعباسي‪ ،‬وفي إطار السخرية في العصر‬
‫األموي تناول الباحث صو اًر من سخرية جرير في خصمه الفرزدق‪ ،‬التي تجلت مظاهرها‬
‫الساخرة في العيوب االجتماعية‪ ،‬وألفاظ االستخفاف‪ ،‬وصور السخرية بالمرأة والقيم الخلقية‪،‬‬
‫والمهن‪ .‬وخلص الباحث إلى أن جري اًر كان يمزج الصور الساخرة بعضها ببعض‪ ،‬كما‬
‫استخلص أن سخرية جرير امتازت بالعنف الصارخ‪ ،‬كما ًّ‬
‫عده من أكبر الساخرين في األدب‬
‫العربي بل وفي اآلداب العالمية‪.‬‬
‫)‪، (4‬‬
‫‪ .2‬دراسة د‪ .‬أنور حميدو علي فشوان في بحثه الموسوم بـ ـ (فن السخرية في شعر جرير)‬
‫وقد تناول الباحث في بحثه دوافع السخرية عند جرير المتمثلة بالعامل النفسي واالجتماعي‬

‫( ‪ )2‬يُ ْنظر‪ :‬طه‪ ،‬نعمان محمد أمين‪ ،‬السخرية في األدب العربي حتى نهاية القرن الرابع‪ ،‬ط‪( ،1‬القاهرة‪ ،‬دار التوفيقية للطباعة‪1791 ،‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪.111-11‬‬
‫( ‪ )3‬يُ ْنظر‪ :‬فشوان‪ ،‬د‪ .‬أنور حميدو علي‪ ،‬فن السخرية في شعر جرير‪ ،‬مجلة البحوث والدراسات في اآلداب والعلوم والتربية‪ ،‬جامعة الملك‬
‫عبدالعزيز‪( ،‬جدة‪ ،‬السنة (‪ ،)5‬العدد (‪1227 ،)7‬هـ ‪2001 -‬م)‪ ،‬ص ‪37-33‬‬
‫س‬

‫والموضوعي والشخصي‪ ،‬كما تناول صو اًر من السخرية عند جرير وقد تجلت في‪ :‬التوظيف‬
‫الصوتي‪ ،‬والتعيير بالمهنة‪ ،‬والمشاهد الكاريكاتورية‪ .‬وخلص الباحث إلى َّ‬
‫أن فن السخرية‬
‫الهجائي‬ ‫عند جرير جاء ليلبي حاجة نفسية في المجتمع األموي‪ ،‬فضالً عن تمييع الح‬
‫إلى ألوان التسلية‪ ،‬ثم تطور إلى لون من الصراع الفني والتباري في حلبة الفحولة الشعرية‪،‬‬
‫مما حذا بجرير إلى التنويع فيه‪ ،‬والتركيز على السخرية الالذعة لتكون أحد األسلحة الفتَّاكة‬
‫تفوق فيه جرير على خصومه من شعراء العصر‪.‬‬
‫في وجه الخصوم‪ ،‬وهو ما َّ‬
‫وقد‬ ‫‪ .4‬دراسة إنتصار حسين عويز في بحثها الموسوم بـ ـ ـ (فن السخرية عند جرير)‬
‫)‪(3‬‬

‫تناولت الباحثة السخرية عند جرير في موضوعات متعددة منها‪ :‬السخرية بالنساء‪،‬‬
‫النصرانية في‬ ‫والسخرية بشرب الخمر‪ ،‬والسخرية بالقيم الخلقية‪ ،‬والسخرية بالطقو‬
‫الديانة المسيحية‪ .‬وقد استخلصت الباحثة أن جري اًر كان بارعاً في انتقاء موضوعات‬
‫سخريته السابقة؛ ألنها تمثل نقاط إثارة لدى المسخور منه‪ ،‬كما استخلصت الباحثة‬
‫أن جري اًر يستخدم ألفاظ أعضاء الحيوان الضخمة وصفاتها فينسبها للمسخور منه‪،‬‬
‫فضالً عن استخدامه لألفعال المضارعة الدالة على ثبوتية الصفات في المسخور‬
‫منه‪.‬‬
‫ميادة‬
‫‪ .3‬دراسة د‪ .‬سالم محمد ذنون في بحثه الموسوم ب ـ ( السخرية في شعر ابن ّ‬
‫المري))‪ ، (5‬وقد تناول الباحث السخرية في شعر ابن ميادة المبنية على جماليات‬
‫ّ‬
‫اللغة والصورة‪ ،‬حيث در السخرية في محورين هما‪ :‬السخرية الشخصية‪ ،‬والسخرية‬
‫القبلية‪ ،‬وخلص الباحث إلى أن ابن ميادة في سخريته الشخصية جاء ليركز على‬
‫بناء على قيم سلبية يحملها األفراد والجماعات‪،‬‬
‫االحتقار واالستهزاء من المسخور منه ً‬

‫( ‪ )2‬يُ ْنظر‪ :‬عويز‪ ،‬انتصار حسين‪ ،‬فن السخرية عند جرير‪ ،‬مجلة جامعة الكوفة‪ ،‬العراق‪ ،‬العدد (‪2007 ،)15‬م)‪ ،‬ص ‪39-57‬‬
‫( ‪ )5‬يُ ْنظر‪ :‬ذنون‪ ،‬د‪ .‬سالم محمد‪ ،‬السخرية في شعر ابن ميادة المري‪ ،‬مجلة جامعة تكريت للعلوم (العراق‪ ،‬المجلد (‪ ،)17‬السنة (‪ )5‬مايو‬
‫‪2012‬م)‪ ،‬ص ‪133 - 152‬‬
‫ع‬

‫وأما السخرية القبلية فقد جاءت للتأكيد على تجريد المسخور منهم من كل القيم‬
‫األصيلة ذات المدلول اإليجابي كالشجاعة والكرم والعفة وحماية الجار‪ ،‬ولهذا فإن‬
‫سخرية ابن ميادة كانت تقوم على فلسفة الهدم للقيم السلبية واقامة معطيات إيجابية‬
‫تعمل على بناء مجتمع سوي في مختلف مناحي الحياة‪.‬‬

‫ومن خالل الدراسات السابقة نستخلص اآلتي‪:‬‬

‫ركزت الدراسات السابقة على دراسة السخرية عند شاعرين هما (جرير وابن ميادة)‪،‬‬
‫‪ّ .7‬‬
‫ولم تدر السخرية عند شعراء العصر األموي‪.‬‬
‫‪ .2‬قصور الجانب التطبيقي والتحليلي للنصوص المتنوعة‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق َّ‬


‫فإن هذه الدراسة ستتناول دراسة شاملة للسخرية في الشعر‬
‫األموي‪ ،‬حيث اتجهت مدونة البحث إلى استنطاق النصوص الشعرية عند كثير من الشعراء‬
‫الرمة‬
‫من أمثال‪ :‬جرير والفرزدق واألخطل والراعي النميري وعمر بن أبي ربيعة وذي ُّ‬
‫والكميت األسدي ومالك بن الريب والبعيث المجاشعي والقطامي والطرماح‪ ،‬كما اتجهت إلى‬
‫دراسة نصوص الشعراء المغمورين والمقلّين من أمثال‪ :‬يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ويحيى بن‬
‫نوفل‪ ،‬والحكم بن عبدل األسدي وعمر بن لجأ التيمي‪ ،‬واسماعيل بن عمار األسدي وزياد‬
‫( األخضر‬ ‫األعجم‪ ،‬وعويف القوافي واألقيشر األسدي‪ ،‬وحاجب الفيل‪ ،‬والفضل بن العبا‬
‫اللهبي)‪ ،‬وجران العود النميري‪ ،‬والمغيرة بن حبناء‪ ،‬وحميد األرقط وغيرهم‪.‬‬

‫منهج البحث المستخدم في الدراسة‪:‬‬

‫يسعى الباحث إلى دراسة (السخرية في الشعر األموي) وفق المنهج الفني التحليلي‪،‬‬
‫حيث سيحلل الكيفية التي تكون عليها األعمال الشعرية الساخرة في طريقة تشكيلها اللغوي‪،‬‬
‫وصورها الفنية‪ ،‬والمعنى الصادر عنها‪ ،‬وأثرها المعنوي والفني‪.‬‬
‫ف‬

‫ومن هذا المنطلق يعرف الباحث السخرية في الشعر األموي بأنها تشكيل لغوي ُي ْبَنى‬
‫على مفارقة أدناها أن تكون شخصية المسخور منه في موقع الدونية من حيث الوعي أو‬
‫الشكل أو المكانة‪ ،‬ومن خالل عالقتها بالساخر أو باآلخرين أو بذاتها‪ .‬ولهذا فإن شخصية‬
‫المسخور منه الدونية تشكل في نظر الساخر مصدر الالتكافؤ معه‪ ،‬ويتجلى ذلك في صور‬
‫مضحكة وساخرة وتهكمية ومأساوية‪ ،‬فالالتكافؤ السائد في العصر األموي بين (الساخر‬
‫والمسخور منه) هو مصدر السخرية التي تشكلت منها أنماط السخرية في الشعر األموي‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫اقتضت خطة البحث أن تتكون الرسالة من ثالثة فصول مسبوقة بمقدمة وتمهيد ثم‬
‫الخاتمة‪.‬‬
‫وقد تناولت المقدمة التعريف بالموضوع وأهميته‪ ،‬والدراسات السابقة‪ ،‬ومنهج البحث‪.‬‬
‫التمهيد‪ :‬وتناول الباحث اإلطار النظري للسخرية من حيث‪ :‬المفهوم واألنواع‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تشكيل السخرية اللغوي في الشعر األموي وقد تكون من ثالثة مباحث هي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬السخرية في مستوى األصوات‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬السخرية في مستوى األلفاظ‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬السخرية في مستوى الجمل والتراكيب واألساليب‪.‬‬
‫تضمن ثالثة‬
‫َّ‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬تشكيل السخرية البالغي وآليات بنائها في الشعر األموي وقد‬
‫مباحث هي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مظاهر االنزياح البالغي في الشعر األموي الساخر‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أنماط بناء الصور الساخرة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬آليات بناء السخرية في الشعر األموي‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬وظائف السخرية وأثرها في الشعر األموي‪.‬‬
‫ص‬

‫أما الخاتمة فقد قدمت خالصة موجزة للبحث وبياناً بالنتائج المستخلصة‪ ،‬ثم تلتها قائمة‬
‫بالمصادر والمراجع‪.‬‬
‫وفي الختام ُّ‬
‫أود أن أتقدم بشكر خاص لسعادة األستاذ الدكتور عبد اهلل بن سليمان‬
‫الجربوع أستاذ األدب القديم الذي رعى هذه الرسالة منذ أن كانت فكرة حتى استوت على‬
‫صورتها النهائية‪ ،‬فقد تابعها بالقراءة والمتابعة بعقله وعلمه‪ ،‬كما فتح لي قلبه ومكتبه‪ ،‬فتعلّمت‬
‫ُدين بأجمل ما ُّ‬
‫يكنه‬ ‫منه اإلخالص للتراث‪ ،‬والحرية في الفكر‪ ،‬واألصالة في اإلبداع‪ ،‬فله أ ُ‬
‫ٍ‬
‫ألستاذ كر ٍيم‪.‬‬ ‫وفي‬
‫تلمي ٌذ ٌ‬
‫كما أشكر جامعة الملك سعود ممثلة بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية اآلداب إلتاحتها‬
‫الفرصة لي لمواصلة دراستي للدكتوراه‪ ،‬والشكر موصول لسعادة الدكتور خالد بن عايش‬
‫استفدت كثي اًر من علمهم‬
‫ُ‬ ‫الحافي رئي قسم اللغة العربية وآدابها ولجميع أساتذة القسم الذين‬
‫وخلقهم ومنهم‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل الغذامي‪ ،‬د‪ .‬محمد الهدلق‪ ،‬د‪ .‬فالح العجمي فجزاهم اهلل ِّ‬
‫عني‬
‫خير الجزاء‪.‬‬

‫كما أتقدم بالشكر لألساتذة األفاضل أعضاء لجنة المناقشة‪ :‬األستاذ الدكتور مصطفى‬
‫حسين عناية‪ ،‬واألستاذ الدكتور محمد خير البقاعي‪ ،‬والدكتور منذر ذيب كفافي‪ ،‬والدكتور‬
‫عمر بن عبد العزيز السيف‪ ،‬لتفضلهم بقراءة الرسالة وتقويمها‪ ،‬فلهم مني جزيل الشكر‬
‫والتقدير‪.‬‬

‫علي‪ ،‬وهو الهادي‪ ،‬وفيه الرجاء‪ ،‬ومنه‬


‫ال وآخ اًر على توفيقه وعظيم إنعامه َّ‬
‫والحمد هلل أو ً‬
‫نستمد التوفيق‪.‬‬
‫ُ‬

‫الباحث‪ :‬سالم بن محمد بن سالم بامؤمن‬

‫الرياض في‪7346/11/17 :‬هـ ـ ـ ـ ـ ‪2175/13/ 21‬م‬


‫‪1‬‬

‫التمهيد‬
‫اإلطار النظري للسخرية‬
‫‪2‬‬

‫داللة مفهوم السخرية‪:‬‬

‫المتتبع لداللة مفهوم السخرية في المعجمات والموسوعات العربية والغربية‬

‫والدراسات النقدية يجد تضارباً وتبايناً وتكراراً وإعادةً‪ .‬وقد عبّر د‪.‬س‪ .‬ميونك عما‬

‫يعانيه مفهوم السخرية من اضطراب بقوله‪" :‬ألسباب مختلفة بقي مفهوم السخرية‬

‫مفهوماً غير مستقر؛ مطاط وغامض‪ .‬فهو ال يعني اليوم ما كان يعنيه في القرون‬

‫السالفة‪ ،‬وال يعني نفس الشيء من بلد إلى بلد‪ .‬وهو في الشارع غيره في المكتبة‪،‬‬

‫وغيره عند المؤرخ والناقد األدبي‪ .‬فيمكن أن يتفق ناقدان أدبيان اتفاقاً كامالً في‬

‫تقديرهما لعمل أدبي‪ ،‬غير أن أحدهما قد يدعوه عمالً(ساخراً) في حين يدعوه الثاني‬

‫ال(هزلياً) أو(فكاهياً) أو(مفارقاً) أو(غامضاً)"( )‪ ،‬وعلى‬


‫عمالً(هجائيا) بل قد يدعوه عم ً‬

‫هذا فإن مفهوم السخرية يُعَدّ مفهوماً قريباً لمفاهيم لصيقة به في الداللة‪ .‬ومن هذا‬

‫المنطلق فإن مدلول السخرية في االستعمال يتداخل مع مفاهيم أخرى قريبة منه‪ ،‬أو‬

‫مجاورة له وهي ‪ :‬التهكم‪ ،‬واالستهزاء‪ ،‬والهزل‪ ،‬واالستخفاف‪ ،‬والتندر‪ ،‬والضحك‪،‬‬

‫واإلهانة‪ ،‬واالحتقار‪ ،‬واالستصغار‪ ،‬والدعابة‪ ،‬ألنها ألفاظ تدور حول معنى معين‬

‫يندرج ضمن األدب الفكاهي الشتمالها على عنصر الضحك ( )‪ .‬وتظل السخرية‬

‫أرقى أشكال التعبير األدبي لمفارقتها الداللية‪ ،‬وألنها تحمل في ثناياها مواقف انتقادية‬

‫ت صدر عن انفعال غاضب من الذات الساخرة باتجاه الظواهر السلبية‪ ،‬فهي تُعدُّ بديالً‬

‫ال للعقاب تجاه المسخور منه‪.‬‬


‫مقبو ً‬

‫( )‬
‫العمري‪ ،‬محمد‪ ،‬البالغة الجديدة بين التخييل والتداول (المغرب‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ 002،‬م) ص‪.48،‬‬

‫( )‬
‫يُنْظر‪ :‬أبو عيسى‪ ،‬فتحي معوض‪ ،‬الفكاهة في األدب العربي إلى نهاية القرن الثالث الهجري (الجزائر‪،‬‬
‫الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ 790،‬م)‪ ،‬ص‪.42-48،‬‬
‫‪3‬‬

‫داللة مفهوم السخرية في معاجم اللغة العربية القديمة‪:‬‬


‫تدور مادة(سخر) في الكثير من معاجم اللغة العربية القديمة على تعريف واحد‬
‫ال يكاد يختلف من معجم آلخر‪ ،‬دون الدخول في التفاصيل لما ذكرته تلك المعجمات‬
‫لمدار الداللة المعجمية لمادة (سخر) فإني أقتصر على ذكر المعنى الذي أورده‬
‫األزهري (ت‪490‬ه)‪ ،‬حيث عرف السخرية بقوله‪ ":‬سَخِر منه وبه – إذا تهزأ به؛‬
‫والسخرةُ‪ :‬الضحكة‪ ،‬فأما السخرة‪ :‬فما تسخّرت من خادمٍ أو دابة بال أجر وال ثمن"‬
‫)‪ .‬فالسخرية في التعريف السابق مصدر في جميع المعاني‪ .‬ومن خالل المادة التي‬ ‫(‬

‫ساقها األزهري في كتابه (تهذيب اللغة) نالحظ أنه قد ربط بين السخرية والهزء‬
‫والضحك والتسخير _ وهو من يسخر في العمل ألنه قد يكون محتقراً لدى بعض‬
‫الناس من المنظور االجتماعي_‪ ،‬وفي كل هذه الدالالت يتجلى احتقار الساخر‬
‫للمسخورمنه‬
‫( )‪،‬‬
‫والجوهري‬ ‫وقد تابعه على هذا التعريف كلٌ من ابن فارس (ت ‪472‬ه)‬
‫‪9‬ه)(‪ ،)2‬والفيروز‬ ‫(ت‪474‬ه)(‪ ،)4‬والزمخشري (ت‪244‬ه) (‪ ،)8‬وابن منظور(ت‬
‫(‪)9‬‬
‫ومن خالل البحث عن مفهوم السخرية‬ ‫ه)‬ ‫آبادي (ت‪4 4‬ه)( )‪ ،‬والزبيدي (ت‪02‬‬
‫في تلك المصادر نستخلص المدارات المعجمية اآلتية‪:‬‬

‫( )‬
‫األزهري‪ ،‬محمد بن أحمد‪ ،‬تهذيب اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬مراجعة‪ :‬محمد علي النجار‪( ،‬القاهرة‪،‬‬
‫المؤسسة المصرية العامة للتأليف واالنباء والنشر‪ 7 8،‬م)‪ ،‬مادة (سخر)‪.‬‬
‫( )‬
‫ابن فارس‪ ،‬أحمد‪ ،‬مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪( ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر ‪ 797،‬م)‪ ،‬مادة (سخر)‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الجوهري‪ ،‬إسماعيل بن حماد‪ ،‬الصحاح‪ :‬تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عبد الغفور عطّار‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫(بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين ‪ 797،‬م)‪ ،‬مادة (سخر)‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الزمخشري‪ ،‬جار اهلل محمود بن عمر‪ ،‬أساس البالغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باسل عيون السود‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ 744 ،‬م)‪ ،‬مادة (سخر)‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬جمال الدين محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر ‪ 7 4،‬م)‪ ،‬مادة (سخر)‪.‬‬
‫( )‬
‫الفيروز آبادي‪ ،‬مجد الدين محمد بن يعقوب‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫‪ 77‬م)‪ ،‬مادة (سخر)‪.‬‬
‫(‪)9‬‬
‫الزبيدي‪ ،‬محمد مرتضى‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الستار أحمد فرّاج‪ ،‬ط (الكويت‪،‬‬
‫مطبعة حكومة الكويت‪ 7 2،‬م)‪ ،‬مادة(سخر)‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ -‬األزهري‪(:‬الضحك‪ ،‬والهزء‪ ،‬والتسخير‪ ،‬واإلذالل‪ ،‬والقهر)‪.‬‬


‫‪ -‬ابن فارس‪( :‬االحتقار‪ ،‬واالستذالل‪ ،‬والتسخير)‪.‬‬
‫‪ -4‬الجوهري‪( :‬التسخير)‪.‬‬
‫‪ -8‬الزمخشري‪( :‬الضحك‪ ،‬والتسخير‪ ،‬واالحتقار‪ ،‬واالستذالل)‪.‬‬
‫‪ -2‬ابن منظور‪( :‬الهزء‪ ،‬والضحك‪ ،‬والتسخير‪ ،‬والقهر‪ ،‬والتذليل)‪.‬‬
‫‪ -‬الفيروز آبادي‪( :‬الهزء‪ ،‬والقهر‪ ،‬والتذليل‪ ،‬والتسخير)‪.‬‬
‫‪ -9‬الزبيدي‪( :‬الضحك‪ ،‬والهزء‪ ،‬والتسخير‪ ،‬والتذليل)‪.‬‬

‫ومن العرض السابق لتعريفات السخرية في المعجمات العربية القديمة يمكن‬


‫القول إن تعريف األزهري للسخرية قد رسم اإلطار المعجمي الواضح للمفهوم‪،‬‬
‫حيث كان سبّاقا لهم‪ ،‬ومن ثم جاءت التعريفات الالحقة له تدور حوله‪ ،‬ولم تأتِ‬
‫بداللة معجمية جديدة‪ ،‬وعلى هذا يكون تعريف األزهري للسخرية بمنزلة القطب‬
‫الذي دارت حوله التعريفات األخرى‪.‬‬
‫ومن يقف على المعجمات اللغوية القديمة يلحظ أنها تتحدث عن بنيتين‬
‫معجمتين للفعل (سخر) وهما‪( :‬سخر منه وسخر به)‪ ،‬حيث عدَّت التركيب األول‬
‫فصيحاً‪ ،‬والثاني ضعيفاً‪ ،‬غير أنَّ الزبيدي عدَّهما فصيحين معاً‪ ،‬وذلك بنوع من‬
‫التوجيه البالغي الطريف‪ ،‬حيث جاء في تاج العروس من جواهر القاموس‪ :‬وإنما‬
‫جاء سَخِر به لتضمنه معنى هزئ( )‪.‬ومن هذا المنطلق فإن هذا القول للزبيدي إنما‬
‫يقوي العالقة المفهومية والداللية بين مفهوم السخرية ومفهوم االستهزاء‪ ،‬وغيره من‬
‫المفاهيم التي تمت اإلشارة إليها في المدارات المعجمية السابقة‪ .‬كما أنَّ التضمين‬
‫في نظر الزبيدي يحمل في ثناياه النظرة إلى اللغة من باب التوسع الداللي‪ ،‬وليس‬
‫من باب التحجر واالنغالق‪ ،‬ومن يمعن النظر في معاجم اللغة سيقف على كثير من‬

‫( )‬
‫تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬مادة (سخر)‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫األلفاظ‪ ،‬وقد توسعت داللتها بهذه الطريقة‪ .‬وهذا ما جسدته كثير من ألفاظ اللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫ويرى د‪ .‬ياسين فاعور أن مرادفات السخرية في العربية كثيرة منها‪ :‬التهكم‬
‫والتندر واللذع والهزء‪ ،‬ومن معانيها‪ :‬الهزل والمزاح والفكاهة والهجاء والضحك‪،‬‬
‫ولكنه يرى اقتران الضحك بها بوصفه مصطلحاً توأما يعبر عنها وتعبر عنه‪،‬‬
‫وتتجلى في مضحك األشكال والحركات والظروف والكلمات والطباع( )‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق يرى البحث أن مفهوم السخرية يتداخل مع مفاهيم أخرى‬
‫تقترب منه من حيث الداللة والوظيفة‪ ،‬ومن هذه المفاهيم‪ :‬التهكم والهزء والضحك‬
‫والتندر والهزل‪ ،‬وهو ما يدل على وجود وشائج القربى بين السخرية وتلك المفاهيم‪.‬‬

‫داللة مفهوم السخرية في المعجمات اللغوية واألدبية العربية الحديثة‪:‬‬

‫عرّف قاموس المصطلحات اللغوية واألدبية السخرية اصطالحاً بأنها "اإلتيان‬


‫بكالم يعني عكس ما يقصده "( )‪ ،‬حيث ركز على معنى الهزء‪.‬‬

‫وقد أفادت بعض المعجمات األدبية من المفهوم اليوناني‪ ،‬ومن تطور‬


‫المعارف البالغية واللسانية ووظيفتها في تعريف السخرية اصطالحاً‪ ،‬ومنها‪ :‬معجم‬
‫المصطلحات األدبية المعاصرة‪ ،‬حيث عرف السخرية بأنها "منهج جدلي يعتمد على‬
‫االستفهام بمفهومه البالغي‪ ،‬إذ تعتبر طريقة في توليد الثنائية والتعليم على البعد‬
‫المعرفي"(‪.)4‬‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬فاعور‪ ،‬د‪ .‬ياسين‪ ،‬السخرية في أدب إميل حبيبي‪( ،‬تونس‪ ،‬سوسة‪ ،‬دار المعارف للطباعة والنشر‪،‬‬
‫د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪. 8‬‬

‫( )‬
‫يعقوب‪ ،‬إميل‪ ،‬وآخرون‪ ،‬قاموس المصطلحات اللغوية واألدبية‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين ‪749،‬‬
‫‪.‬‬ ‫م) ‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫(‪)4‬‬
‫علوش‪ ،‬سعيد‪ ،‬معجم المصطلحات األدبية المعاصرة‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ 742 ،‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫‪0‬‬
‫‪6‬‬

‫أما معجم المصطلحات في اللغة واألدب فقد عرّفها بأنها "طريقة في الكالم يعبر‬
‫بها الشخص عن عكس ما يقصده بالفعل كقولك للبخيل‪ :‬ما أكرمك! وهناك صورة‬
‫أخرى للسخرية هي التعبير عن تحسر الشخص عن نفسه كقول البائس‪ :‬ما أسعدني!‬
‫ويالحظ أن الغرض من السخرية يكون غالباً هجاءً مستورًا أو توبيخ ًا أو ازدراء"( )‪.‬‬

‫فالمالحظ أن التعريفات السابقة تعرف السخرية في إطار الحقل البالغي‪ ،‬كما‬


‫أنها تعود بالكلمة إلى أصولها اليونانية المتمثلة في سخرية سقراط في محاورات‬
‫أفالطون التي تتميز بالتظاهر بالجهل وإخفاء الذكاء‪ ،‬واستعداده للتسليم بآراء مختلفة‬
‫عن رأيه‪ ،‬بغية الوصول إلى البرهنة على بطالنها؛ فهي "منهج جدلي يعتمد على‬
‫االستفهام مع التظاهر بالجهل بقصد جعل الطرف اآلخر في المحاورة يدلي برأي‬
‫خاطئ يضطر إلى تصحيحه بنفسه"( )‪ .‬فسخرية سقراط تتأسس على المحاورة التي‬
‫يكون فيها االستفهام وسيلة إلى المعرفة األساسية للتذكر‪.‬‬

‫وذهب فريق آخر من هذه المعجمات إلى تعريف السخرية اصطالحاً في إطار‬
‫المباحث األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬بحيث يخرجها من حقل البالغة لتدخل في حقل‬
‫الدراسات األدبية والنقدية‪ ،‬ومن هذه المحاوالت ما جاء في المعجم المفصل في‬
‫األدب‪ ،‬حيث عرّف السخرية بأنها "نوع من األسلوب الهازئ الذي ال يستخدم فيه‬
‫األسلوب الجدي أو المعنى الواقعي‪ ،‬بعضه أو كله بأن يتبع المتكلم طريقة في‬
‫عرض الحديث بعكس ما يمكن أن يقال"(‪ .)4‬فالمالحظ أن هذا المعجم يعرف‬
‫السخرية على أنها أسلوب‪ ،‬وهو ما يجعلها ضمن المباحث األسلوبية‪ ،‬بحيث تخرج‬

‫( )‬
‫وهبه‪ ،‬مجدي‪ ،‬والمهندس‪ ،‬كامل‪ ،‬معجم المصطلحات في األدب واللغة‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬مكتبة لبنان‪798 ،‬‬
‫م)‪ ،‬ص ‪. 74‬‬

‫( )‬
‫المرجع السابق‪ ،‬والصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫التنوخي‪ ،‬محمد‪ ،‬المعجم المفصل في األدب‪ ،‬ج ‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ 774،‬م) ص‬
‫‪.2 4-2‬‬
‫‪7‬‬

‫من حقل البالغة في مفهومها السابق الضيق لتدخل حقل الدراسات األدبية والنقدية‬
‫بعامة‪.‬‬

‫أما المعجم األدبي فيعرف السخرية بأنها "نوع من الهزء قوامه االمتناع عن‬
‫إسباغ المعنى الواقعي كله على الكلمات واإليحاء عن طريق األسلوب وإلقاء الكالم‬
‫بعكس ما يقال‪ ،‬وتتركز على طريقة في طرح األسئلة مع التظاهر بالجهل وقول‬
‫شيء في معرض آخر"( )‪ .‬فالتعريف يركز على دور األسلوب في إظهار المعنى‬
‫الساخر بوساطة األسئلة المتضادة والقلب المعنوي للمعنى الساخر‪.‬‬

‫داللة مفهوم السخرية في ترجمات الدارسين العرب المحدثين‪:‬‬

‫المتابع لترجمات الدارسين العرب المحدثين لمفهوم السخرية في الدراسات‬


‫األدبية والنقدية يالحظ التداخل في المصطلحات والمفاهيم بين السخرية والمفارقة‬
‫والتهكم‪ ،‬وقد تجاذبته في العربية عدة ترجمات‪ ،‬لم يكن حظها من الصحة والشيوع‬
‫واحداً‪ ،‬على أن ما ينبغي مالحظته في هذا السياق كثرة استعمال مفهوم المفارقة‬
‫كبديل لمفهوم السخرية‪ .‬ومن هذا المنطلق فقد ترجمت سيزا قاسم في مقالتها‬
‫(المفارقة في القص العربي) ‪ Irony‬بالمفارقة( )‪ ،‬أما سامية محرز في مقالتها‬
‫(المفارقة عند جيمس جويس وإميل حبيبي) فقد ترجمت ‪ Irony‬بالمفارقة أيضا(‪.)4‬‬
‫وقد يكون سبب ترجمة المترجمتين لمفهوم المفارقة بديالً عن السخرية لكون‬
‫المفارقة آلية من آليات السخرية‪ ،‬وعلى هذا فهما قد جعلتا الجزء بدالً عن الكل‪.‬‬

‫( )‬
‫عبد النور‪ ،‬جبور‪ ،‬المعجم األدبي‪ ،‬ط ‪( ،4‬بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،) 797 ،‬ص ‪44‬‬
‫( )‬
‫يُنْظر‪ :‬قاسم‪ ،‬سيزا‪ ،‬المفارقة في القص العربي المعاصر‪ ،‬مجلة فصول (القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬المجلد ‪ ،‬العدد ‪ 74 ،‬م) ص ‪2 - 88‬‬
‫(‪)4‬‬
‫يُنْظر‪ :‬محرز‪ ،‬سامية‪ ،‬المفارقة عند جيمس جويس وإميل حبيبي‪ ،‬مجلة البالغة المقارنة (القاهرة الجامعة‬
‫األمريكية‪ ،‬العدد‪ 748 ،8‬م)ص ‪42-48‬‬
‫‪8‬‬

‫وفي هذا الشأن يرى الباحث نور الدين الجريبي أن الترجمتين غير مرضيتين؛ لكون‬
‫المفارقة تندرج في باب المنطق‪ ،‬وهي ترجمة لمصطلح (‪.) ()Paradox‬‬

‫ونجد التداخل في المصطلحات أيضا عند د‪ .‬شاكر عبد الحميد في كتابه‬


‫بلفظة التهكم‪ ،‬وترجم‬ ‫‪Irony‬‬ ‫(الفكاهة والضحك‪ :‬رؤية جديدة)‪ ،‬حيث ترجم‬
‫مصطلح ‪ Satire‬بلفظة السخرية( )‪.‬‬

‫أما الباحث ناصر الحاني فقد ترجم السخرية في كتابه (المصطلح في األدب‬
‫الغربي) ب(‪ ،)Burlesque‬ولكنه يرى ترادفاً بينها وبين لفظ (‪ ،)Parody‬وللتفريق‬
‫بينهما يرى أن ‪ Burlesque‬هي" كل إنتاج يعمد إلى كتابة موضوع جدي بمنوال‬
‫ساخر وذلك بالمبالغة أو الغلو بالتصوير والعرض أما لفظة ‪ Parody‬فتستعمل‬
‫استعماالً خاصًا كتقليد أسلوب كاتب معين مثالً لإلضحاك عليه"(‪.)4‬‬

‫أما الباحث محم فقد ترجم ‪ Irony‬بالسخرية(‪ .)8‬وقد تبعه على منوال الترجمة‬
‫(‪)2‬‬
‫نفسها للسخرية الباحث محمد الزموري‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن البحث يعتمد ترجمة السخرية ب ‪ Irony‬نظراً لشيوع‬
‫استعمال هذه الترجمة في كثير من المباحث الحديثة في دراسات األدب والنقد‪.‬‬

‫( )‬
‫يُنْظر‪ :‬الجريبي‪ ،‬نورالدين‪ ،‬السخرية وداللتها في رواية (اللجنة) لصنع اهلل إبراهيم‪ ،‬مجلة المسار (تونس‪،‬‬
‫اتحاد الكتاب التونسيين‪ ،‬العدد‪ ) 774 ، 4‬ص ‪24‬‬
‫( )‬
‫يُنْظر‪ :‬عبدالحميد‪ ،‬شاكر‪ ،‬الفكاهة والضحك‪ :‬رؤيا جديدة‪( ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪47‬‬
‫‪ 004،‬م) ص ‪2 -80‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الحاني‪ ،‬ناصر‪ ،‬المصطلح في األدب الغربي‪( ،‬بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪ 7 4 ،‬م) ص ‪.92‬‬
‫(‪)8‬‬
‫يُنظر‪ :‬العمري‪ ،‬محمد‪ ،‬بالغة السخرية االدبية‪ ،‬مجلة عالمات في النقد (جدة‪ ،‬النادي االدبي‪ ،‬المجلد‪ ،2‬العدد‬
‫‪ 77 ، 0‬م) ص‬
‫(‪)2‬‬
‫يُنْظر‪ :‬الزموري‪ ،‬محمد‪ ،‬شعرية السخرية في القصة القصيرة (مكناس‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ 009،‬م)‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫‪9‬‬

‫مفهوم السخرية في الدرس النقدي القديم‪:‬‬

‫(‪ )1‬السخرية عند اليونان والرومان‪:‬‬

‫(أ) السخرية عند سقراط‪:‬‬

‫يعود مفهوم السخرية في العهد اليوناني إلى بدايات الجدل الفلسفي‪ ،‬حيث‬
‫يرتبط تأسيسها عند الفيلسوف (سقراط) فهو الذي جسّد السلوك من خالل مبدأ التوليد‬
‫( )‬
‫وذلك من خالل‬ ‫وهو "استخالص جوهر الحقيقة الراسبة في أعماق الخصم"‬
‫المحاورة‪ ،‬حيث تطرح مجموعة من األسئلة البسيطة التي يصطنع فيها الغباء‬
‫والسذاجة‪ ،‬وتخفي في طياتها المعرفة‪ .‬وعلى هذا يمكن القول إنَّ السخرية عند‬
‫سقراط هي " فن المساءلة القائم على مظهر السذاجة مع إخفاء المعرفة "( )‪ ،‬كما أن‬
‫جدل الحوار بين الطرفين يولد الحقيقة‪ ،‬ويبرز داللة السخرية من المتلقي‪ ،‬واإلخفاء‬
‫بهذا المفهوم ال يهدف إلى كسب المعرفة وربحها فقط‪ ،‬بل يسعى إلى "نزع الثقة من‬
‫الخصم وتنقيصه أمام األشهاد‪ ،‬وهنا يكمن بُعدها البالغي "(‪.)4‬‬

‫والسخرية عند سقراط اتخذت دفاعاً عن مفهومي الحقيقة والعدل‪ ،‬وارتبطت‬


‫داللياً بالخداع والمراوغة والمكر‪ ،‬كما ارتبطت خطابياً بالحوار والجدل والمناظرة‪،‬‬
‫وقد نُعِتَتْ طريقة سقراط في مناظرة السفسطائيين وتلقين تالمذته بالطريقة‬
‫الساخرة(‪ ،)8‬وسقراط في حواريته يظهر على هيئة الحقيقة بوصفه رجالً على قدر‬
‫كبير من الدهاء والحكمة‪ ،‬حيث يمكنه ذلك الدهاء من اإليقاع بالخصم‪ ،‬بحيث يصبح‬

‫( )‬
‫عبد الحميد‪ ،‬شاكر‪ ،‬الفكاهة والضحك‪ :‬رؤية جديدة‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪.‬‬ ‫)العمري‪ ،‬محمد‪ ،‬بالغة السخرية األدبية‪ ،‬ص‬ ‫(‬

‫(‪)4‬‬
‫إمام‪ ،‬إمام عبد الفتاح‪ ،‬مفهوم التهكم عند كير كجور‪ ،‬حوليات كلية اآلداب‪( ،‬الكويت‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬الحولية‬
‫الرابعة ‪ 744،‬م)‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫(‪)8‬‬
‫يُنظر‪ :‬شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب االندلسي‪ ،‬ط ‪( ،‬الرباط‪ ،‬دار أبي رقراق للطباعة والنشر‬
‫‪ 004،‬م) ‪. 44،‬‬
‫‪11‬‬

‫الجاهل عارفاً‪ ،‬والعارف جاهالً ‪ .‬ومن هذا المنطلق فإن سخرية سقراط تأسست على‬
‫الحوار المعتمد على االستفهام بوصفها وسيلةً للوصول إلى المعرفة األساسية‪،‬‬
‫فالسخرية هنا مرادفة للحكمة والدهاء‪.‬‬

‫ومما سبق يمكن القول إنَّ سخرية سقراط ارتبطت تاريخياً بالموروث الفلسفي‬
‫أكثر من ارتباطها باألدب‪ ،‬كما أنها تمثل نوعاً من الموقف الثقافي الخاص بفرد‬
‫( )‬
‫وقد نُظِرَ إلى منهج‬ ‫معين‪ ،‬ولهذا فإنَّه "جسد منهجا قاعديا لتوليد السخرية الفلسفية"‬
‫سقراط على أنه ثورة تنتفض على المسلمات واليقينيات فتثير الشك حول هذه‬
‫المسلمات‪ ،‬وتدعو إلى فحصها من خالل ذات متحررة من اإلكراهات الخارجية‬
‫الفكرية واالجتماعية‪.‬‬

‫(ب)السخرية عند أرسطو‪:‬‬

‫أشار أرسطو إشارة عابرة في كتابه (الخطابة) إلى السخرية‪ ،‬حيث عدّها‬
‫شكالً من أشكال الفكاهة والضحك‪ .‬ويقال إن النص الذي يحيل عليه للوصف الدقيق‬
‫للسخرية قد فُقِدَ ضمن الجزء الثاني الضائع من كتاب (فن الشعر) الذي سقط ولم‬
‫( )‬
‫يصل إلينا‪ ،‬وأن في هذا الجزء آراء أرسطو المهمة حول الفكاهة والضحك‪.‬‬

‫وأرسطو هو صاحب نظرية التناقض ومفادها أن الضحك هو االستجابة‬


‫إلدراكنا لعدم االتساق أو التناقض في األقوال واألفعال‪)4( .‬ومن هذا‬ ‫الخاصة‬
‫المنطلق فإن أرسطو يفضل الضحك لما ينطوي عليه من تناقض ومفارقة‪ .‬حيث‬
‫فالمأساة عنده تثير الخوف‬ ‫عالج االنفعاالت المتناقضة بين الملهاة والمأساة‪،‬‬
‫والشفقة‪ ،‬أما الملهاة فثير مشاعر النقمة التي جعلها أرسطو نقيضاً للشفقة‪ ،‬غير أنَّ‬

‫( )‬
‫الزموري‪ ،‬محمد‪ ،‬شعرية السخرية في القصة القصيرة‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪. 47 ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬عبد الحميد‪ ،‬شاكر‪ ،‬الفكاهة والضحك‪ :‬رؤية جديدة‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪11‬‬

‫هذا التناقض يتالشى بين الملهاة والمأساة بفعل التطهير‪ ،‬حيث يتمثل التطهير في‬
‫بينما يكون في المأساة باستثارة عواطف‬ ‫الملهاة بإثارة مشاعر الشفقة والفزع‪،‬‬
‫( )‬
‫ويحدد أرسطو وظيفة الشعر الهزلي من أجل التخلص من‬ ‫البهجة والضحك‪.‬‬
‫ولهذا فإن نظرية التناقض عنده‬ ‫النقائص‪ ،‬واالنتصار على الضعف والقصور‪،‬‬
‫تتجلى في إبراز العمل الكوميدي الذي يسعى للكشف عن تناقضات الواقع‪ ،‬كما أن‬
‫( )‬
‫الهزلي يكمن في عيب أو قبح‪.‬‬

‫(ج)السخرية عند الالتينيين‪:‬‬

‫إذا كان مفهوم السخرية عند اليونان يدل على الجدل المتظاهر بالسذاجة من‬
‫أجل الوصول إلى الحقيقة عن طريق االستعانة بفن السؤال‪ ،‬أو فن المحاورة‪ ،‬فإن‬
‫مفهوم السخرية قد توسع مدلوله‪ ،‬فهو يدل عند (سيشرون) ‪-‬وهو من أعمدة البالغة‬
‫والخطابة ‪-‬على اإلخفاء والمواربة بوصفهما مقابالً التينيّاً لكلمة السخرية اليونانية‬
‫(‪ ،)Eironia‬وقد صنفها ضمن أساليب الهزل‪ ،‬ثم أضاف داللة أخرى للمفهوم وهي‬
‫قلب المعنى أو القلب الداللي‪ ،‬وذلك في أثناء حديثه عن الفكاهة‪ .‬أما (كينتيليان) فقد‬
‫ترجم السخرية بمعنى الوهم والخداع‪ ،‬كما صنفها ضمن أساليب الهزل أيضاً‪ .‬ولهذا‬
‫تعد السخرية عند الالتينيين الداللة على اإلخفاء والمواربة والخداع امتداداً لسخرية‬
‫(‪)4‬‬
‫اليونان التي تتجلى في المراوغة وانتقاص الذات‪.‬‬
‫(د)السخرية عند الرومانسيين‪:‬‬

‫بدأت داللة مفهوم السخرية في التطور والتوسع مع نهاية القرن الثامن‬


‫عشر وبداية القرن التاسع عشر‪ ،‬وظهرت دالالت جديدة مرتبطة باتجاهات فلسفية‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬وهابي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحيم‪ ،‬القراءة العربية لكتاب فن الشعر ألرسطو‪ ،‬ط ‪( ،‬إربد‪ ،‬عالم الكتب‪،‬‬
‫‪ 0‬م)‪ ،‬ص ‪. 80‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬العمري‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬في نظرية األدب –مقاالت ودراسات‪( ،-‬الرياض‪ ،‬مؤسسة اليمامة الصحفية‪ ،‬العدد‬
‫‪ 779 ،44‬م)‪ ،‬ص ‪. 80 – 47‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪. 70- 47‬‬
‫‪12‬‬

‫وفكرية‪ ،‬وأصبحت السخرية رؤية للعالم‪ ،‬وموقفاً من األحياء واألشياء‪ ،‬ووجهة نظر‬
‫ونافذة للرؤية‪ ،‬كما انتقلت من كونها صفة لألشخاص وطريقتهم في الحوار والخطاب‬
‫إلى ظاهرة قابلة للمالحظة‪ .‬وقد تجلت هذه الرؤيا الجديدة للسخرية في الظهور عن‬
‫طريق الرومنطيقيين األلمان وبخاصة عند (شليجل) الذي نقل مفهوم السخرية من‬
‫حقل الفلسفة إلى حقل األدب ( )‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإن السخرية عند الرومانسيين تقوم على اعتبار (األنا) أساس ًا‬
‫للمعرفة‪ ،‬وتكمن سلبيتها في كونها تقول "ببطالن كل شيء واقعي وأخالقي أو أية‬
‫قيمة ذاتية‪ ،‬وبطالن كل شيء موضوعي له شرعية مطلقة "( )‪ .‬وعلى هذا يبدو كل‬
‫شيء تافهاً وباطالً عند (األنا)‪ ،‬باستثناء ذاتيته التي يستطيع أن يعزو إليها قيمة ما‪.‬‬
‫غير أن (األنا) تعيش في فراغ مطلق ألنها تفشل في إشباع االستمتاع الذاتي‪ ،‬فتشعر‬
‫بالتعاسة والتناقض (‪.)4‬‬
‫ويرى هيجل في كتابه (المدخل إلى علم الجمال) أن المدلول العام للسخرية‬
‫اإللهية النبوغية يتمثل في أن "تركز األنا في األنا الذي انبتّت جميع األواصر بالنسبة‬
‫إليه والذي ال يستطيع الحياة إلّا في الغبطة الناجمة عن التمتع بالذات "(‪ .)8‬وعلى هذا‬
‫يمكن القول إنَّ السخرية الرومانسية في نظر هيجل تأليه الذات واحتقار الواقع‪.‬‬

‫مفهوم السخرية في البالغة العربية‪:‬‬

‫إن المتأمل لكتب البالغة العربية القديمة يجد أن البالغيين العرب القدامى‪ ،‬لم‬
‫يتناولوا السخرية مفهوم ًا مستقالً بذاته في مصطلحاتهم البالغية ومباحثهم‪ ،‬ولكنهم‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪7 - 70‬‬
‫( )‬
‫إمام‪ ،‬إمام عبد الفتاح‪ ،‬مفهوم التهكم عند كير كجور‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫(‪)4‬‬
‫(بيروت‪ ،‬دار الطليعة للطباعة‬ ‫ينظر‪ :‬هيجل‪ ،‬المدخل إلى علم الجمال‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج طرابيشي‪ ،‬ط‬
‫والنشر‪ 794 ،‬م) ص ‪4‬‬
‫(‪)8‬هيجل‪ ،‬المدخل إلى علم الجمال ص ‪9‬‬
‫‪13‬‬

‫ضمّنوا الكثير من المصطلحات البالغية المعنى الذي يدل على السخرية وآليات‬
‫الخطاب الساخر وطرائقه الفنية‪.‬‬
‫ومن خالل البحث والدراسة للمصنفات البالغية القديمة يمكن حصر‬
‫المصطلحات البالغية المتصلة بمفهوم السخرية في الداللة في المصطلحات اآلتية‪:‬‬
‫اإلبهام( )‪ ،‬االستخدام( )‪ ،‬أسلوب الحكيم(‪ ،)4‬تجاهل العارف(‪ ،)8‬التعريض(‪،)2‬‬
‫التوجيه( )‪ ،‬التهكم(‪ ،)9‬التورية(‪ ،)4‬الذم في معرض المدح(‪ ،)7‬قصد الجد بالهزل(‪،) 0‬‬
‫بالهزل(‪ ،) 0‬القول بالموجب( )‪ ،‬الكناية( )‪ ،‬المبالغة(‪ ،) 4‬المدح في معرض الذم(‪،) 8‬‬
‫(‪) 9‬‬
‫الهزل المراد به‬ ‫المشاكلة(‪ ،) 2‬نفي الشيء بإيجابه( )‪ ،‬الهجاء في معرض المدح‬
‫الجد(‪.) 4‬‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬ط ‪ ،‬ج (بغداد‪ ،‬مطبعة المجمع العلمي‬
‫العراقي ‪ 74 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 77‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.497‬‬
‫(‪)9‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.492‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.444‬‬
‫(‪)7‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق ج‪ ،4‬ص ‪. 8‬‬
‫(‪) 0‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 82‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق ص ‪. 28‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 40‬‬
‫(‪) 8‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 44‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 29‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.442‬‬
‫(‪) 9‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق ص ‪.489‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.487‬‬
‫‪14‬‬

‫مفهوم السخرية في النقد العربي القديم‪:‬‬

‫لم تشتمل كتب النقاد العرب القدامى على مصنفات مستقلة للسخرية؛ بل كانت‬
‫مباحثها مبثوثة في كتب النقد واألدب ودواوين الشعراء‪ .‬ومن هذه الكتب ما تناول‬
‫مجموعة من أساليب السخرية‪ ،‬ومنها ما اكتفى بالحديث عن أسلوب واحد‪ ،‬ومنها ما‬
‫أشار إليه إشارة عابرة بأن في ذلك سخرية أو هزالً أو تهكماً‪ .‬وفيما يلي استعراض‬
‫جهود النقاد العرب القدامى في التعامل مع مفهوم السخرية في إطار مباحث النقد‬
‫العربي القديم‪.‬‬

‫(‪ )1‬الجاحظ‪ :‬يُعدُّ الجاحظ(ت‪ 22‬ه) من أوائل النقاد الذين تناولوا السخرية في‬
‫مؤلفاته (الحيوان‪ ،‬والبيان والتبيين‪ ،‬والبخالء)‪ ،‬حيث عرض لكثير من القصص‬
‫والشواهد واألمثلة الساخرة‪ ،‬وقد انعكست سخرية الجاحظ من خالل مؤلفاته في‬
‫ثنائية (الجد والهزل)‪ ،‬وقد دافع الجاحظ عن هذا المفهوم نظرياً‪ ،‬ومارسه تطبيقياً‪.‬‬

‫وقد أبرز الجاحظ أهمية اتصال الهزل بالجد‪ ،‬وظهر ذلك في مؤلفاته (البيان‬
‫والتبيين‪ ،‬والحيوان‪ ،‬والبخالء‪ ،‬ورسالة التربيع والتدوير‪ ،‬ورسالة فخر السودان على‬
‫البيضان)‪ ،‬وكان يَ ُع ُّد ثنائية الهزل والجد امتداداً لثنائيات متداولة في عصره؛‬
‫كثنائيات (الحماسة والفحولة) و(الطرافة والظرافة) و(الذكورة واألنوثة) و(الجزل‬
‫والسخيف) و (المليح والحسن) و(القبيح والسمج) و(اللفظ العامي الساقط واللفظ‬
‫( )‬
‫الوحشي الغريب)‬

‫(‪ )2‬ابن المعتز‪ :‬تناول ابن المعتز (ت ‪ 7‬ه) في كتابه (البديع) السخرية‪ ،‬حيث‬
‫أشار في كتابه إلى بعض األساليب التي يعدها من محاسن الكالم ومنها السخرية‪،‬‬
‫وتتمثل السخرية عنده في االستطراد الذي يسميه (حسن الخروج من معنى إلى‬
‫( )‬
‫يُنْظَر‪ :‬الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬ج ‪ ،‬تحقيق وشرح‪ :‬عبدالسالم هارون‪ ،‬ط‪(،8‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ 74 ،‬م)‪ ،‬ص ‪. 82- 88‬‬
‫‪15‬‬

‫معنى) ( )‪ ،‬ويجعل من أمثلته خروج معنى المدح إلى الهجاء والسخر‪ ،‬وفي هذا‬
‫)‪ .‬كما تأتي السخرية عنده في إطار ما‬ ‫(‬
‫الصدد يكثر من االستطرادات الساخرة‬
‫يسميه بمحاسن الكالم تحت مسميات عدة منها‪ :‬الهزل الذي يراد به الجد(‪ ،)4‬وتجاهل‬
‫العارف(‪ ،)8‬وحسن التضمين(‪.)2‬‬

‫س َم قدامة بن جعفر (ت ‪449‬ه) الشعر إلى ستة أقسام هي‪:‬‬


‫(‪ )3‬قدامة بن جعفر‪ :‬قَ َّ‬
‫( )‬
‫وفي أثناء حديثه عن الهجاء‬ ‫المديح‪ ،‬والهجاء‪ ،‬والمراثي‪ ،‬والوصف‪ ،‬والنسيب‪.‬‬
‫يجعل أسلوب الهجاء في معرض المدح من الهجاء المقذع الموجع (‪ ،)9‬كما يعد قدامة‬
‫(‪)4‬‬
‫كما يذكر قدامة أن من‬ ‫ذكر النقائص عند الشعراء من أساليب الهجاء والسخر‪.‬‬
‫عيوب الهجاء سلب الفضائل الخلقية؛ كأن ينسب إلى المسخور منه(المهجو) أنه قبيح‬
‫(‪)7‬‬
‫الوجه‪ ،‬أو صغير الحجم‪ ،‬أو ضئيل الجسم‪ ،‬أو مقت ٌر أو معسرٌ‪.‬‬

‫(‪ )4‬أبو هالل العسكري‪ :‬تناول أبو هالل العسكري (ت ‪472‬ه) في كتابه (ديوان‬
‫المعاني) المبالغات في المعاتبات والهجاء واالعتذار‪ ،‬حيث خصص للمبالغة في‬
‫الهجاء فصالً أشار فيه إلى العبارات التي تدل على اإلفراط في الهجاء والسخرية‪،‬‬
‫وساق بعض األمثلة الساخرة التي تتضمن بعض األلفاظ التي ترد فيها عبارات تدل‬
‫على السخرية كقوله (أهجى بيت‪.. .‬أبلغ ما قيل في االحتقار‪ ،‬االستحقار الشديد‪ ،‬من‬

‫( )‬
‫ابن المعتز‪ ،‬عبد اهلل‪ ،‬البديع‪ ،‬اعتنى بنشره وتعليق المقدمة والفهارس أغناطيوس كراتشقوفسكي‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫(بيروت‪ ،‬دار المسيرة‪ 797 ،‬م)‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ينظر‪ :‬ابن المعتز‪ ،‬عبداهلل‪ ،‬البديع‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق ص ‪. 4‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.‬‬ ‫ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‬
‫(‪)2‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 8‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬ابن جعفر‪ ،‬قدامة‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬تحقيق‪ :‬كمال مصطفى‪ ،‬ط ‪( ،4‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي)‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫(‪)9‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق ص ‪.77-79‬‬
‫(‪)7‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫‪16‬‬

‫بليغ ما جاء في االستصغار‪ ،‬ومن اإلفراط في صفة البخل‪ ،‬أبلغ ما قيل في الهجاء‬
‫واللؤم)‪ ،‬كما يأتي بأمثلة متعددة لها( )‪ ،‬وفي كتاب (الصناعتين) يعدد أبو هالل‬
‫العسكري ألواناً من فنون البديع التي تشتمل على السخرية ومنها‪( :‬االستطراد)( (‪،‬‬
‫و(المبالغة) (‪ ،)4‬و(تجاهل العارف)(‪ ،)8‬ويعزز كل تلك األلوان باألمثلة الساخرة‪.‬‬

‫ويتناول أبو هالل العسكري في الصناعتين قضيةً تتعلق باستعمال الغريب من اللغة‪،‬‬
‫حيث يرى أن الكالم منازل وطبقات‪ ،‬ينبغي أن يقسم على طبقات الناس ومنازلهم‪،‬‬
‫فإذا اختلَّ ذلك كان مدعاة للسخرية‪ ،‬فالعامي إذا كلمته بكالم علية القوم سخر منك‪،‬‬
‫ويأتي لذلك بعدة أمثلة وقصص مما اشتهر عن أبي علقمة النحوي وسخريات تكلفه‬
‫في الكالم(‪.)2‬‬
‫(‪ )5‬القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني‪ :‬يُعدُّ القاضي علي بن عبد العزيز‬
‫‪4‬ه) من أكثر النقاد تنبهاً إلى دور السخرية في مجال الهجاء‪ .‬وفي‬ ‫الجرجاني (ت‬
‫كتابه (الوساطة بين المتنبي وخصومه) ربط بين السخرية وبين اإلضحاك واأللغاز‪،‬‬
‫وبيّن العالقة التي تربطهما بالدور الهزلي فيهما‪ .‬يقول‪" :‬وأما الهجاء فأبلغه ما خرج‬
‫مخرج الهزل والتهافت‪ ،‬وما اعترض فيه بين التصريح والتعريض‪ ،‬وما قربت‬
‫معانيه‪ ،‬وسهل حفظه‪...‬فأما القذف واالفحاش فسبابٌ محضٌ‪ ،‬وليس للشاعر فيه إلّا‬
‫( )‬
‫إقامة الوزن"‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬العسكري‪ ،‬أبو هالل‪ ،‬ديوان المعاني‪ ،‬عن نسخة الشيخ محمد عبده والشيخ محمد محمود الشنقيطي‬
‫(بيروت‪ ،‬عالم الكتب)‪ ،‬ص ‪. 42- 90‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬العسكري‪ ،‬أبوهالل‪ ،‬كتاب الصناعتين الكتابة والشعر‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪ 00 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.4 8‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق ص ‪.44‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.4‬‬ ‫ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‬
‫(‪)2‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.4 -40‬‬
‫( )‬
‫الجرجاني‪ ،‬القاضي علي بن عبد العزيز‪ ،‬الوساطة بين المتنبي وخصومه‪ ،‬تحقيق وشرح‪ :‬محمد أبو الفضل‬
‫‪ 7‬م) ‪ ،‬ص ‪. 8‬‬ ‫إبراهيم وعلي محمد البجاوي (القاهرة‪ ،‬مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه‪،‬‬
‫‪17‬‬

‫تناول ابن رشيق القيرواني (ت ‪8 4‬ه) في كتابه‬ ‫(‪ )6‬ابن رشيق القيرواني‪:‬‬
‫(العمدة في محاسن الشعر وآدابه) أسلوب السخرية في باب الهجاء‪ .‬وفي هذا الباب‬
‫يذكر ابن رشيق ألواناً من الهجاء الساخر‪ ،‬وهو ما سماه (الهجاء في معرض‬
‫المدح)‪ ،‬كما تكرر في كتابه بعض ألفاظ السخرية مثل قوله‪ :‬ومن االستحقار‬
‫( )‬
‫كما يعقد ابن رشيق‬ ‫واالستخفاف‪...‬ومن مليح التهكم واالستخفاف ومن االحتقار‪.‬‬
‫للتكرار باباً ويبرز فيه السخرية‪ ،‬حيث يرى أن التكرار يكون على سبيل االزدراء‬
‫والتهكم والتنقيص‪...‬وشدة التوضيع‪ ) (.‬كما يورد في باب االستطراد أمثلة لالستطراد‬
‫الساخر (‪.)4‬كما يعقد باباً في أسلوب تجاهل العارف ويسميه (التشكك)‪ ،‬وهو من مُلح‬
‫الشعر وطرف الكالم عنده‪ ،‬حيث يرى أنَّ السخرية بهذا األسلوب هي من أبلغ‬
‫(‪)8‬‬
‫ويعد ابن رشيق من نقاد الشعر الذين واكبوا الممارسة النقدية للسخرية‪،‬‬ ‫الهجاء‬
‫حيث يرى في (التعريض) وسيلة فنية لألسلوب الساخر في الشعر‪ ،‬ونصح الشعراء‬
‫باستعماله حيث يقول عنه" و أنا أرى أن التعريض أهجى من التصريح؛ التساع‬
‫الظن في التعريض‪ ،‬وشدة تعلق النفس به‪ ،‬والبحث عن معرفته‪ ،‬وطلب حقيقته‬
‫"(‪.)2‬ومن هذا المنطلق فإن ابن رشيق يرى في التعريض" فعالية المكون الداللي‬
‫(للسخرية)‪ ،‬أي عنصر الغموض الناتج عن التعريض بكونه يفتح المجال واسعًا‬
‫للتأويل "( )‪.‬‬
‫(‪ )7‬عبد القاهر الجرجاني‪ :‬تناول عبد القاهر الجرجاني(ت ‪89‬ه) في كتابيه (دالئل‬
‫اإلعجاز) و(أسرار البالغة) مسائل كثيرة مما يتصل بأساليب السخرية‪ ،‬وقد ذكر‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬القيرواني‪ ،‬الحسن بن رشيق‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪ ،‬ج ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد قرقزان‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫(بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ 804 ،‬ه)‪ ،‬ص ‪.428-488‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 44- 49‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪. 4 -‬‬ ‫ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪. 90‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪.420-487‬‬
‫( )‬
‫العمري‪ ،‬محمد‪ ،‬بالغة السخرية األدبية‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪18‬‬

‫لوناً من االستعارة الساخرة‪ ،‬وربما لم يسبقه إليه أحد‪ ،‬وهو ما أطلق عليه باالستعارة‬
‫مسمياتها (كالشفة‬ ‫اللفظية‪ ،‬وأشار أنها تجري بين األسماء التي تتحد أجناس‬
‫والمشفر)‪ ،‬و(القدم والحافر)‪ ،‬و(األظافر واألظالف)‪ .‬واالستعارة تكون _كما يراها‬
‫عبد القاهر _ لفظية‪ ،‬لكنها تتجه إلى االستعارة المعنوية؛ ألن استعمال ألفاظ‬
‫كالمشافر واألظالف والتوالب لإلنسان قد يكون من قبيل الذم‪ ،‬فإذا أوتي بها في‬
‫( )‬
‫مواضع العيب لكونها تستخدم للحيوانات فتأتي هنا على سبيل الذم والسخرية‪.‬‬

‫(‪ )8‬حازم القرطاجني‪ :‬خصص حازم القرطاجني (ت‪ 48‬ه) مبحثاً مستقالً في كتابه‬
‫( )‬
‫وكان يقصد‬ ‫(منهاج البلغاء وسراج األدباء) في القسم الرابع منه للهزل والجد‪،‬‬
‫من ذلك كله إلى وضع معايير مقنعة فيما يتعلق بالطريقة الجدية والطريقة الهزلية‪،‬‬
‫وما يتعلق بهما معاً‪ ،‬وهو بتلك المعايير يكون قد تجاوز النقاد والبالغيين القدماء‬
‫الذين لم يتجهوا إلى مستوى النقد التطبيقي للسخرية‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن توضيح أساليب الجد والهزل‪ ،‬والكشف عن معانيهما‬
‫غايته ‪-‬كما يرى حازم‪ -‬وضع معالم في طريق النقاد والبلغاء واألدباء لكي تهديهم‬
‫وترشدهم في أثناء الموازنة بين شاعرين أحدهما جاد واآلخر هازل‪ ،‬أوبين هازلين‬
‫أو متماجنين‪ ،‬وتمكنهم من معرفة أيهما أتقن صنعته‪ ،‬وعلى هذا يرى حازم أن‬

‫معرفة القوانين المقنعة للطريقة الجدية والهزلية "أكيدة في صناعة النقد والبصيرة‬
‫بطرق الكالم وما يجب فيها"(‪.)4‬‬

‫ينظر‪ :‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬ص ‪.8 -4‬‬ ‫( )‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬القرطاجني‪ ،‬حازم‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بن الحبيب بن الخوجة (تونس‪ ،‬دار‬
‫‪ 7‬م)‪ ،‬ص ‪.442-4 9‬‬ ‫الكتب الشرقية‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.442‬‬
‫‪19‬‬

‫مفهوم السخرية في الدرس النقدي المعاصر‪:‬‬

‫مفهوم السخرية عند الشكالنيين الروس‪:‬‬

‫دخل مفهوم السخرية في منعطف كبير وجديد بظهور مدرسة الشكالنيين‬


‫الروس‪ ،‬حيث إنهم قد أولوا مكانة متميزة للمحاكاة الهزلية داخل منظومة القيم‬
‫الشكلية التي تسهم في تطور البنيات األدبية في النص إلى جانب اهتمامهم باللغة‬
‫الشعرية‪ ،‬ووقوفهم ضد التأويالت النفسية‪ ،‬والسير الذاتية التي تقارب تطور األدب‬
‫من وجهة النظر التاريخية( )‪.‬‬

‫وقد كان الشكالنيون الروس في أثناء تقديمهم لألدب يطالبون باالبتعاد عن‬
‫الزخارف اللفظية في الشعر‪ ،‬ويحرصون على استخدام المحاكاة الساخرة(الباروديا)‬
‫( )‬
‫ومن هذا المنطلق يرى الشكالنيون الروس أن‬ ‫كأسلوب فني في الكتابة النثرية‪.‬‬
‫المحاكاة الساخرة أداة للتغير األدبي‪ ،‬كما يتجلى فيها أن "القديم يقدّم إلينا في لحن‬
‫جديد "(‪ .)4‬فالشكل الجديد الذي يظهر في المحاكاة الساخرة لألعمال األدبية القديمة‬
‫يأتي إلظهار مضمون جديد ومن أجل "تعويض الشكل القديم الذي فقد خصوصيته‬
‫(‪)8‬‬
‫في واقع األديب الحاضر‪ .‬ولهذا يكون في نظرهم أن" أدب المحاكاة‬ ‫الجمالية"‬
‫الساخرة هو أدب واسع‪.. .‬حيث يترتب عن ظهور كل عمل بارز ازدهار متراوح‬
‫ومباشر للمعارضات‪.. .‬ففي عمق كل معارضة هناك عمل أدبي آخر أو مجموعة‬
‫(‪)2‬‬
‫من األعمال"‬

‫‪.‬‬ ‫)ينظر‪ :‬شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪7‬‬ ‫(‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬ايرليخ‪ ،‬فكتور‪ ،‬الشكالنية الروسية‪ ،‬ترجمة‪ :‬الولي محمد‪ ،‬ط (الدار البيضاء‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪،‬‬
‫‪ 000‬م)‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 47‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.‬‬ ‫شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫(‪)2‬‬
‫نصوص الشكالنيين الروس‪ ،‬نظرية المنهج الشكلي‪ ،‬ترجمة إبراهيم الخطيب‪ ،‬ط ‪( ،‬المغرب‪ ،‬مؤسسة‬
‫‪.‬‬ ‫األبحاث العربية‪ ،‬الشركة المغربية للناشرين المتحدين‪ 74 ،‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪21‬‬

‫ومن هذا المنطلق فقد اهتم الشكالنيون بدراسة األعمال األدبية الساخرة‪،‬‬
‫حيث اختار الناقد الشكالني (إيخنباوم) أول مقال شكالني له المتمثل في‬
‫حكاية(المعطف) لغوغول‪ ،‬وهي قصة ذات أثر أدبي نموذجي يتجلى فيه الضحك‬
‫( )‬
‫والسخرية‪.‬‬

‫وفي إطار هذا المجال فقد قام الناقد الشكالني (شلوفسكي) بتحليل االستطرادات‬
‫الساخرة في رواية (ترسترام ساندي) لستيرون‪ ،‬حيث الحظ عليها ثنائية الحذف‬
‫( )‬
‫كما درس (شلوفسكي)‬ ‫والتقديم لعدد من الفصول لغرض الهزل والسخرية‪.‬‬
‫المحاكاة الساخرة في رواية (دون كيخوته)‪.‬‬

‫أما الناقد الشكالني (يوري تيتانوف) فقد كان يرى أن المحاكاة الساخرة تستخدم‬
‫في كثير من األحيان قلب األدوار كأداة في التحول األدبي‪ ،‬وذلك ألن الفنان حينما‬
‫يسخر بمجموعة من المواصفات فإنه يفتح الطريق أمام مجموعة جديدة من‬
‫(‪)4‬‬
‫ويبرهن (تيتانوف) على تطبيق المحاكاة‬ ‫المواصفات للظهور في أسلوب جديد‪.‬‬
‫الساخرة من خالل روايات دوستويفسكي ومنها رواية (الناس الفقراء والزواج)‪،‬‬
‫حيث حاكى فيها أساليب (غوغول) بسخرية البالغة المهيمنة‪ ،‬ولهذا يرى أن إعادة‬
‫الكتابة في روايات دوستويفسكي تتطابق مع مفهوم المحاكاة الساخرة أكثر من التقليد‬
‫أو المعارضة؛ ألن دوستويفسكي قد هدم القديم‪ ،‬وبنى عمله الجديد على أنقاض‬
‫عمل(غوغول) وباستخدام عناصره؛ ولهذا تحقق في العمل الجديد حياة مزدوجة‬
‫(‪)8‬‬
‫ن‬
‫وخلص تيتانوف إلى أ ّ‬ ‫للنص‪ ،‬حيث تكمن وراء العمل الجديد نص محاكى‪.‬‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬نصوص الشكالنيين الروس‪ ،‬نظرية المنهج الشكلي‪ ،‬ص ‪ ، 24- 2‬وايرليخ‪ ،‬فكتور‪ ،‬الشكالنية‬
‫الروسية‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬ايرليخ‪ ،‬فكتور‪ ،‬الشكالنية الروسية‪ ،‬ص ‪.82-88‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.‬‬ ‫ينظر‪ :‬شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪21‬‬

‫"لعنصري الضحك والسخرية عميق التأثير على الكتابة اإلبداعية لدوستويفسكي؛‬


‫( )‬
‫ألنه رأى فيها أهم وسيلة لفهم الواقع فهماً فنيًا في مجرى عملية التناوب والتحول"‬

‫ومن خالل الجهود السابقة للنقاد الشكالنيين في تطبيق مفهوم السخرية في‬
‫تجاربهم النقدية‪ ،‬فإن المحاكاة الساخرة تغدو في أدبياتهم حلقة مهمة في سلسلة تطور‬
‫األدب‪ ،‬فهم يعدون أي عمل ال يتحدد وجوده إلّا في عالقته بأعمال أدبية أخرى‪ ،‬كما‬
‫أن في المحاكاة الساخرة يتم هدم األشكال القديمة‪ ،‬وهدم قيمها البالية‪ ،‬وتعويضها‬
‫بأشكال جديدة بحيث تبرز للوجود األدبي قيماً جديدة تتجلى من خالل التطور األدبي‬
‫المنشود‪.‬‬

‫مفهوم السخرية عند ميخائيل باختين‪:‬‬

‫استطاع الناقد ميخائيل باختين من تمثل أفكار الشكالنيين حول التطور األدبي‬
‫والتفاعل بين النصوص األدبية‪ ،‬حيث تمكّن من إعادة إنتاجها في مفاهيم جديدة‬
‫كمفهوم الحوارية وتعدد األصوات‪.‬‬

‫ويرى باختين أن المحاكاة الساخرة يمكن أن تكون من التنوّع بحيث يمكن أن‬
‫"نحاكي محاكاة ساخرة أسلوب الغير‪...‬أو طريقة نموذجية على المستوى االجتماعي‬
‫( )‬
‫أو شخصية على المستوى الفردي‪...‬أو طريقة في الرؤية أو التفكير أو الكالم"‬
‫وتحدد الوسائل التي تؤدي إلى السخرية عند باختين من خالل المفاهيم اآلتية‪:‬‬
‫الكرنفال‪ ،‬والضحك الشعبي (الكرنفالي)‪ ،‬والتناقض الوجداني‪.‬‬

‫( )‬
‫توفوني‪ ،‬شهر زاد‪ ،‬الكرنفال والغيرية‪ ،‬مجلة التبيين‪( ،‬الجزائر‪ ،‬الجمعية الثقافية الجاحظية‪ ،‬العدد ‪،44‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 007‬م)‪ ،‬ص‬

‫( )‬
‫باختين‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬شعرية دوستويفسكي‪ ،‬ترجمة‪ :‬جميل التكريتي‪ ،‬حياة شرارة‪ ،‬ط (الدار البيضاء‪ ،‬دار توبقال‬
‫للنشر‪ 74 ،‬م)‪ ،‬ص ‪. 44- 4‬‬
‫‪22‬‬

‫مفهوم السخرية عند جيرار جينيت‪:‬‬

‫يندرج الحديث عند جيرار جينيت عن السخرية في إطار حديثه العام عن‬
‫التناص‪ ،‬حيث بيّن أصناف العالقات التي يمكن أن تنشأ بين النصوص المتناصة‬
‫ومنها (التناص الساخر)‪ .‬وفي أثناء تحديده لمفهوم التناص أدرج (النصية المتفرعة)‬
‫والمتمثلة في كل عالقة تجمع نصاً(ب) وهو النص المتفرع بنص سابق(أ) وهو‬
‫النص األصلي في إطار المحاكاة الساخرة التي يعدُّها تحويالً غير مباشر‪ ،‬بحيث‬
‫تتطلب إنجازاً سابقاً‪ ،‬وتأسيساً لنموذج جديد تتمثل فيه الكتابة النوعية‪ ،‬وبهذا يتجلى‬
‫( )‬
‫في النص(ب) التناسخ النصي أو التعالي النصي‪.‬‬

‫ويرى جيرار جينيت أن المحاكاة الساخرة "تحوّر الموضوع دون تغيير‬


‫األسلوب‪ ،‬وهذا بالحفاظ على النص الرفيع لتطبيقه على موضوع وضيع‪ :‬وهذه هي‬
‫( )‬
‫كما يدرج جيرار جينيت المحاكاة الساخرة في دائرة‬ ‫المحاكاة الساخرة البطولية"‬
‫التناص ألنها تعتمد على "تقنية التقليد في إنتاج المعنى وتوليد الداللة"(‪.)4‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنّ المحاكاة الساخرة عند جينيت لنص ما تتمثل في" إعادة‬
‫كتابة نص رفيع بأسلوب وضيع‪ ،‬وذلك بالحفاظ على األعمال والشخصيات‪ ،‬بأسمائها‬
‫وصفاتها األصلية‪ ،‬فالنشاز أو التنافر األسلوبي يتأسس فعالً على رفعة األوضاع‬
‫االجتماعية المحافظ عليها من جانب‪ ،‬وعلى وضاعة الخطابات المحكية والتفاصيل‬
‫الموضوعاتية المستخدمة هنا وهناك من جانب آخر"(‪.)8‬‬

‫( )‬
‫يُنظر كلٌّ من‪ :‬جينيت‪ ،‬جيرار‪ ،‬أطراس األدب في الدرجة الثانية‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬المختار الحسني‪ ،‬مجلة فكر‬
‫)‪ 777 ،‬م)‪ ،‬ص ‪ 42.- 44‬ولوكام‪ ،‬د‪ .‬سلمية‪ ،‬شعرية النص عند جيرار جينيت‬ ‫ونقد‪( ،‬المغرب‪ ،‬العدد (‬
‫من األطراس إلى العتبات‪ ،‬مجلة التواصل (الجزائر‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،‬العدد(‪ 007،) 4‬م)‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫( )‬
‫‪-‬‬ ‫البو جديدي‪ ،‬علي‪ ،‬السخرية في أدب علي الدوعاجي‪ ،‬ط ‪(،‬تونس‪ ،‬دار األطلسية‪ 0 0،‬م)‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪0‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.‬‬ ‫البو جديدي‪ ،‬علي‪ ،‬السخرية في أدب علي الدوعاجي‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪23‬‬

‫(د) مفهوم السخرية عند التداوليين‪:‬‬

‫أسهم عدد من التداوليين في صياغة مفهوم السخرية‪ ،‬حيث أضفوا الصبغة‬


‫البالغية واألسلوبية عليه‪ ،‬وقد انصب اهتمامهم على السخرية بوصفها صورة داخل‬
‫نظرية الصور البالغية من خالل اعتمادهم على المفاهيم اللسانية المتمثلة في الدال‬
‫والمدلول ووظيفة المتلقي الذي يقوم بالوصول إلى هدف المنتج للسخرية‪ ) (.‬ومن هذا‬
‫المنطلق فإنّ السخرية على وفق االستعمال التداولي عملية "صياغة األبنية‬
‫( )‬
‫وهذا ما يجعل السخرية تمارس إعادة‬ ‫واستحضار روح وآلية التفكير البالغي"‬
‫البناء وإنتاج المعاني عن طريق توسيع دائرة مفاهيمها‪ ،‬ونقلها من المجال التداولي‬
‫المجازي إلى المجال التداولي الحقيقي‪.‬‬

‫أنواع األسلوب الساخر‪:‬‬


‫تتجلى في إطار األثر الداللي الساخر للنصوص األدبية مفاهيم متقاربة الداللة ومنها‪:‬‬

‫(‪ )1‬السخرية‬

‫تتشكل السخرية داخل الخطاب األدبي بوصفها ظاهرة فنية‪ ،‬ترتكز على‬
‫عالقات لغوية‪ ،‬وعالمات وأقوال لغوية تتحقق على مستوى النص اعتماداً على‬
‫المفارقة اللغوية التي تتجلى على مستوى الوحدة المعجمية الوحيدة‪ ،‬أو الجملة‪ ،‬أو‬
‫القول اللغوي‪ ،‬حيث تتم عن طريق التحويل والتحوير من المستوى الحرفي إلى‬
‫المستوى المضمر‪ ،‬وانطالقاً من هذا فإنّ السخرية لها أثر احتقاري واستهزائي‪،‬‬
‫وبدون حصول هذا األثر واالنطباع تفقد وجودها وحضورها داخل الخطاب األدبي‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كما يمكن اعتبار السخرية مجازاً يستند على التنافر الداللي‪ .‬ومن هذا المنطلق‬
‫فإنّ السخرية " تقوي بالغياً المعنى المقصود بتضخيم مقابله‪ ،‬فهي تقابل بين الطرفين‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬الزموري‪ ،‬محمد‪ ،‬شعرية السخرية في القصة القصيرة‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫( )‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪َ . 4-‬وشايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪،‬‬ ‫يُنظر كلٌ من‪ :‬الزموري‪ ،‬محمد‪ ،‬شعرية السخرية في القصة القصيرة‪ ،‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪24‬‬

‫( )‬
‫ولهذا تتجلى خواص السخرية من خالل "التنافر واالنفصال والتضاد‬ ‫بكيفية سلبية‪".‬‬
‫( )‬
‫ف(أ) حين يتلفظ ب(ب) يريد أن يسمع المخاطب بغير (ب)‪ ،‬ومن هنا‬ ‫والقلب‪".‬‬
‫(‪)4‬‬
‫تبرز ازدواجية المعنى والتضاد في السخرية‪.‬‬
‫وترتبط السخرية بالكتابة اإلبداعية بصفتها ممارسة نصية تسهم في إنتاج داللة‬
‫النص‪ .‬كما أنها تشكل في حد ذاتها فعالً ينتهج إستراتيجية تقوم على العالمات التي‬
‫تشير إلى تحققها‪ ،‬فالقارئ واعتماداً على هذه اإلستراتيجية يقوم بتأويل المعنى‬
‫الساخر ويحدد أبعاد الساخر والهدف من سخريته‪.‬‬
‫(‪ )2‬المحاكاة الساخرة‪:‬‬
‫تُعدُّ المحاكاة الساخرة أساس الفنون‪ ،‬وقد اهتم بها الفالسفة والباحثون منذ‬
‫القدم‪ ،‬حيث نتج عنها تراث أدبي ضخم‪ .‬ويرى جيرار جينيت أنّ المحاكاة هي "وجه‬
‫من وجوه النص الوافي بحيث تندرج ضمن أسلوب التجاور النصي‪ ،‬وتتفرع من‬
‫(‪)8‬‬
‫حيث أساليبها وموضوعاتها إلى عدة أنواع منها المحاكاة الساخرة‪".‬‬
‫والمحاكاة الساخرة أو الباروديا (‪ )parodies‬هي "تقليد لنص جاد من جنس جاد في‬
‫نص ساخر" (‪ ،)2‬فهي تقلّد الجنس الجاد في اللغة واألسلوب‪.‬‬
‫ويرى ميخائيل باختين أنّ المحاكاة الساخرة يمكن أن تكون من التنوّع بحيث قد‬
‫يتم محاكاة " أسلوب الغير أو طريقة نموذجية على المستوى االجتماعي أو شخصية‬
‫( )‬
‫أما جيرار‬ ‫ما على المستوى الفردي أو طريقة مخصوصة في الرؤية والتفكير‪".‬‬

‫( )‬
‫مفتاح‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬مفاهيم موسعة لنظرية شعرية‪ ،‬ج ‪ :‬نظريات وأنساق‪ ،‬ط (بيروت‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪،‬‬
‫‪ 0 0‬م) ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫( )‬
‫المرجع السابق‪ ،‬والصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬الكنوسي‪ ،‬سميرة‪ ،‬بالغة السخرية في المثل الشعبي المغربي‪ ،‬مجلة فكر ونقد (الرباط‪ ،‬العدد ‪،42‬‬
‫يناير ‪ 00‬م)‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫(‪ )8‬الحلواني‪ ،‬عامر‪ ،‬أساليب الهجاء في شعر ابن الرومي‪ ،‬ط ‪(،‬صفاقس‪ ،‬تونس‪،‬دار التسفير‪ 00 ،‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪. 09‬‬
‫(‪)2‬‬
‫رمضان‪ ،‬صالح‪ ،‬الرسائل األدبية ودورها في تطوير النثر العربي القديم‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الفارابي‪،‬‬
‫‪ 00‬م)‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫( )‬
‫باختين‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬شعرية دوستويفسكي‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪25‬‬

‫جينيت فيرى أنّ المحاكاة الساخرة تنشأ من خالل تحوير "الموضوع دون تغيير‬
‫( )‬
‫األسلوب وهذا بالحفاظ على النص الرفيع لتطبيقه على موضوع وضيع‪".‬‬
‫ويتم تلقي المحاكاة الساخرة بثالث مراحل تبدأ بتعرف القارئ على حضور‬
‫نص في نص آخر‪ ،‬وأن يتم تمييز النص األول (المحاكى)‪ ،‬ومن ثم يقيس القارئ‬
‫( )‬
‫ومن خالل‬ ‫الفرق الموجود بين النص األول(المحاكى) والنص الثاني(المحاكي)‪.‬‬
‫هذه المراحل يتم التعرف على المحاكاة الساخرة بين النصوص‪ ،‬وعلى هذا فإنّ‬
‫المحاكاة الساخرة تُعدُّ " تركيباً نصياً مزدوجاً‪ ،‬أي أنها تدمج النص المسخور منه في‬
‫النص الساخر"(‪.)4‬ومن هذا المنطلق فإنّ المحاكاة الساخرة تتحقق في حالة "حدوث‬
‫حوار بين نصين يقوم من خالله الكاتب بالتركيب بين نصين أو بين نصوص‪ ،‬وذلك‬
‫بدمج الن ص القديم داخل النص الجديد‪ ،‬مما يسمح بتحقيق نوع من التركيب‬
‫(‪)8‬‬
‫النصي‪".‬‬
‫النص(ب)‬ ‫محاكاة ساخرة‬ ‫النص(أ)‬
‫المحاكي‬ ‫الكاتب‬ ‫المحاكى‬
‫ولهذا فإنّ بنية المحاكاة الساخرة قد تجلت في إطار الحوار النصي بين النص‬
‫(أ) والنص (ب) من خالل محاورة الكاتب النص(أ) وما هو موجود فيه من كالم‬
‫وأقوال بالتشويه واالستهزاء‪ .‬غير أنّ معانيها تتشكل من "مختلف وجوه التصرف‬
‫العابث في المعاني الجادة"(‪ .)2‬فالمحاكاة الساخرة تعتمد إذن على "نقض المعاني‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫البو جديدي‪ ،‬علي‪ ،‬السخرية في أدب علي الدو عاجي‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫ينظر‪ :‬شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الزموري‪ ،‬محمد‪ ،‬شعرية السخرية في القصة القصيرة‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫(‪)8‬‬
‫نوسي‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬السخرية ومراتب المعنى‪ ،‬مجلة جذور‪( ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي والثقافي‪ ،‬المجلد( )‪،‬‬
‫)‪ 8 4 ،‬ه ‪ 00 -‬م)‪ ،‬ص ‪.892‬‬ ‫العدد(‬
‫(‪)2‬‬
‫رمضان‪ ،‬صالح‪ ،‬الرسائل األدبية ودورها في تطوير النثر العربي القديم‪.89 ،‬‬
‫‪26‬‬

‫( )‬
‫ومن هذا المنطلق فإنّ درجات المعاني العابثة في المحاكاة الساخرة‬ ‫وقلبها‪".‬‬
‫تختلف من محاكاة ألخرى‪ ،‬فهي تتنوع بين الفحش والتشنيع والهجاء واللؤم‬
‫والتعريض والمزاح والدعابة والمفاكهة‪ ،‬ولهذا يمكن التفريق بين هذه الدرجات‬
‫( )‬
‫العابثة من خالل السياق والتراكيب والمعجم‪.‬‬
‫(‪ )3‬الهجاء االنتقادي‪:‬‬
‫الهجاء هو الشكل األدبي الذي غايته إصالح ثغرات السلوك البشري‪،‬‬
‫وتصحيح المثالب والحماقات التي تنشأ عند اإلنسان‪ ،‬ويكون ذلك باالزدراء والفضح‪،‬‬
‫وهو يُعدُّ "أدب الغضب المباشر والثورة المكشوفة" (‪)4‬؛ ألنّ طريقته مباشرة في‬
‫الهجوم على العدو‪ ،‬بعكس السخرية التي تكون طريقتها في الهجوم على العدو غير‬
‫مباشرة؛ ألنها تقول شيئًا وتضمر شيئًا آخر‪.‬‬
‫ويكون الهجاء بالرغم من "فظاظته وخشونته نوعاً من السخرية‪.. .،‬ألنه يثير‬
‫الضحك عن طريق إبراز العيوب وتجسيمها والمبالغة في تصويرها إلى الدرجة التي‬
‫(‪)8‬‬
‫تجعل المهجو غير مالئم للصورة الطبيعية التي يجب أن يكون عليها الكائن‪".‬‬
‫ويتميّز الهجاء االنتقادي بأنَّ العيوب والمثالب التي ينشدها الشاعر فيه تقع‬
‫خارج النص‪ ،‬أي أنها قيمٌ ‪ -‬في الغالب‪ -‬أخالقية واجتماعية‪ ،‬إذْ ليس القصد منه‬
‫قيمة أدبية أو جمالية‪ .‬وعلى هذا يمكن التمييز بين السخرية والهجاء االنتقادي على‬
‫صعيد القيمة منه‪ ،‬فالهجاء االنتقادي يُعدُّ "سخرية مناضلة‪ :‬فمعاييره الخلقية واضحة‬
‫نسبياً‪ ،‬وهو ينتحل مقاييس يقيس عليها المشوّه والسخيف"(‪ .)2‬ومن هذا المنطلق فإ ّ‬
‫ن‬

‫( )‬
‫مفتاح‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬مفاهيم موسعة لنظرية شعرية‪ ،‬ج ‪ ،‬نظريات وأنساق‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫حمزة‪ ،‬عبد اللطيف‪ ،‬حكم قراقوش (القاهرة‪ ،‬دار الهالل‪ 74 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫(‪)8‬‬
‫بوحجّام‪ ،‬محمد قاسم‪ ،‬السخرية في األدب الجزائري الحديث‪ ،‬ط (الجزائر‪ ،‬جمعية التراث‪ ،‬غرداية‪،‬‬
‫‪ 008‬م)‪ ،‬ص ‪. 8‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فراي‪ ،‬نوثروب‪ ،‬تشريح النقد‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬د‪ .‬محي الدين صبحي‪( ،‬بيروت‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪،‬‬
‫‪ 777‬م)‪ ،‬ص ‪.4 0‬‬
‫‪27‬‬

‫هدف الشاعر في الهجاء االنتقادي هو الهدم والسخرية والتجريح بغاية الوظيفة‬


‫التصحيحية واإلصالح وتقويم السلوك اإلنساني على أساس االستهزاء‪ .‬وعلى العكس‬
‫من ذلك فإنّ المحاكاة الساخرة هدفها األعراف الجمالية التي تتجلى في التعالق‬
‫النصي وحوار النصوص والتركيب بين النص الجديد والنص القديم‪ ،‬وكذلك الحال‬
‫بالنسبة للسخرية فإنها تتجه إلى الداللة النصية الساخرة‪ ،‬أي أنّ السخرية والمحاكاة‬
‫( )‬
‫الساخرة تستندان في توليد األثر الساخر على كل ما هو داخل النص‪.‬‬
‫وعلى هذا فإنّ المحاكاة الساخرة إلى جانب الهجاء االنتقادي من أكثر الوسائل‬
‫التصاقاً بالسخرية ‪ ،‬فالمحاكاة الساخرة تعتمد على المفارقة اللغوية لتحقيق مستويين‬
‫دالليين‪ ،‬ي كون األول ظاهراً والثاني ضمنياً‪ ،‬وأما الهجاء االنتقادي فإنّ داللته‬
‫الساخرة ال تستدعي بناء مستويين دالليين؛ ألنّ وظيفته تتجلى في السخرية الالذعة‬
‫في الموضوع األخالقي الذي ينتقده الساخر‪ ،‬وأما السخرية فإنها تتميز ببنية خاصة‬
‫تقوم أساساً على المفارقة اللغوية بوجود مستويين يكون األول ظاهراً والثاني ضمنياً‬
‫ومقصوداً حيث يرتبط بهدف الكاتب المتحكم في إنجاز مسار السخرية‪ ،‬وهو ما‬
‫يتطلب تأويل القارئ أو المتلقي للمستويين الدالليين حتى يحدد القصد من السخرية‪.‬‬
‫ويتميز األثر الداللي لكل من السخرية والمحاكاة الساخرة والهجاء االنتقادي من‬
‫خالل ردود أفعال القارئ أو السامع الذي يراوح بين الضحك المنتقص في الهجاء‬
‫االنتقادي‪ ،‬وابتسامة التعرف واالكتشاف في كل من السخرية والمحاكاة الساخرة‪.‬‬
‫وعلى هذا يكون أثر السخرية احتقارياً واستهزائياً‪ ،‬وفي الهجاء انتقاصياً وازدرائياً‬
‫( )‬
‫وممعنًا في االحتقار‪ ،‬وفي المحاكاة الساخرة استهزائياً‪.‬‬

‫( )‬
‫يُنظر كلٌ من‪ :‬نوسي‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬السخرية ومراتب المعنى‪ ،‬ص ‪ ،899-89‬وشايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك‬
‫‪ ،‬والزموري‪ ،‬محمد‪ ،‬شعرية السخرية في القصة القصيرة‪ ،‬ص ‪. 2- 4‬‬ ‫في األدب األندلسي‪ ،‬ص‪9‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫يُنظر‪ :‬شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪28‬‬

‫الفصل األول‬
‫التشكيل اللغوي الساخر في الشعر األموي‬
‫‪29‬‬

‫التشكيل اللغوي الساخر في الشعر األموي‬

‫تكمن أهمية السخرية داخل الخطاب األدبي بعامة‪ ،‬والشعري بخاصة من خالل‬
‫مستويات تشكلها‪ ،‬بوصفها ظاهرة فنية‪ ،‬تقوم على العالقات والعالمات واألقوال‬
‫اللغوية المرتبطة بالكتابة اإلبداعية‪ ،‬بوصفها ممارسة فنية تسهم في إنتاج داللة‬
‫النص‪ ،‬ومن هذا المنطلق فإن السخرية قد تظهر في الخطاب الشعري معتمدة على‬
‫كلمات مكررة‪ ،‬أو أقوال‪ ،‬أوإشارت‪.‬‬
‫والسخرية تكتسب قدرتها على المواجهة مع اآلخر عن طريق اللغة ذاتها‪،‬‬
‫بأصواتها وتراكيبها وألفاظها ودالالتها‪ ،‬ولهذا فالساخر يحاول استعمال مرونة اللغة‬
‫بكل أشكالها المختلفة في موقع سياق األحداث‪ ،‬أو من خالل خروجها عن المألوف‬
‫في اللغة‪ ،‬أو عن طريق اشتقاق الساخر لكلمات جديدة تتناسب مع عالمه الساخر‬
‫( )‬
‫وإبداعه‪.‬‬

‫ويتجلى التشكيل اللغوي للسخرية في الشعر األموي من خالل النظر إلى‬


‫الجوانب التركيبية للنص الساخر عبر الوقوف على الجوانب الصوتية فيه‪ ،‬وألفاظه‬
‫التي تشكل منها‪ ،‬واألنماط البنائية للجمل التي تشكل بها‪ ،‬فضالً عما تحدثه من إيحاءٍ‬
‫عند المتلقي والقارئ‪ ،‬وهكذا يحدث اإلفهام والتواصل بين الساخر والمسخور منه‬
‫والمتلقين للسخرية بوساطة لغة الشعر‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن النظر إلى النص الساخر‪ ،‬بوصفه حزمة من التشكيالت‬
‫اللغوية‪ ،‬سيصل بنا إلى نتائج مترابطة ومتكاملة عن النص الساخر‪ ،‬ألن هذه‬
‫التراكيب البنائية‪ ،‬تمثل انعكاساً للمادة اللغوية‪ ،‬وكيفية توظيفها فنياً في الشعر‬
‫الساخر‪.‬‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬فاعور‪ ،‬ياسين‪ ،‬السخرية في أدب إميل حبيبي‪ ،‬ص ‪. 22- 28‬‬
‫‪31‬‬

‫والمتأمل لألصوات واأللفاظ والجمل والتراكيب يرى أنها تقوم بقيمة وظيفية‬
‫يصبغها الساخر في شعره من خالل ما يوظفه فيها من دالالت في المعنى "ألن داللة‬
‫المقطع تتشكل وفق تظافره مع المقاطع األخرى‪ ،‬ووفق تتابع المقاطع في السياق‬
‫( )‬
‫الكلي للنص‪ ،‬وال توجد داللة منعزلة عن السياق"‬

‫إنَّ التشكيل اللغوي للشعر الساخر في العصر األموي يمثل محوراً رئيساً في‬
‫كشف أسرار السخرية‪ ،‬كما أنه يكشف عن وظيفته في الخطاب الشعري الساخر؛‬
‫( )‬
‫ألن" اللغة أهم أداة تعبّر عن روح الهزل والدعابة‪ ،‬وتثير الضحك الساخر"‬

‫ويمكن أن نبرز تجليات التشكيل اللغوي الساخر في الشعر األموي في ثالثة‬


‫مستويات‪:‬‬

‫‪-‬مستوى األصوات‪.‬‬

‫‪-‬مستوى األلفاظ‪.‬‬

‫‪-4‬مستوى الجمل والتراكيب واألساليب‪.‬‬

‫( )‬
‫مبروك‪ ،‬د‪ .‬مراد عبد الرحمن‪ ،‬من الصوت إلى النص – نحو نسق منهجي لدراسة النص الشعري_‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫(اإلسكندرية‪ ،‬دار الوفاء‪ 00 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫( )‬
‫طرشونة‪ ،‬محمود‪ ،‬ألسنة السرد‪( ،‬تونس‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ 009 ،‬م)‪ ،‬ص‪. 77‬‬
‫‪31‬‬

‫المبحث األول‬
‫السخرية في مستوى األصوات‬
‫‪32‬‬

‫السخرية في مستوى األصوات‬

‫يحتل الصوت أهمية كبيرة في دراسة النصوص الشعرية؛ ألن "كل عمل‬
‫أدبي فني هو‪-‬قبل كل شيء_ سلسلة من األصوات ينبعث عنها المعنى" ( )‪ ،‬ولهذا‬
‫تُعَدُّ األصوات" الوسيلة المباشرة لنقل اللغة وتلقيها‪ ،‬وهي الوسيلة والغاية بل الشكل‬
‫والمضمون والدال والمدلول والمعنى في اللغة الشعرية "( )‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإن تشكيل السخرية اللغوي يتجلى في جانب من جوانبه‪ ،‬من‬
‫خالل االئتالف الناشئ بين المرئيات والمسموعات عبر االستعانة بأوصاف المسخور‬
‫منه‪ ،‬التي يحاول من خاللها الساخر بث السخرية عبر إيقاع األصوات‪ ،‬ولهذا فإن‬
‫الصوت الساخر الذي يطلقه الشاعر األموي يُفْهمُ مما تدل عليه المرئيات التي‬
‫يوردها الشاعر في السياق الشعري‪ ،‬بحيث تكون "األصوات على صلةٍ بمعانيها‪،‬‬
‫(‪.)4‬‬
‫فالسخرية تنشأ مما‬ ‫فيحدث شيءٌ من تطويع الصوت للمعنى والمعنى للصوت"‬
‫تراه العيون‪ ،‬وتسمعه اآلذان‪ ،‬فتبرز الدونية للمسخور منه‪ ،‬ويتولد الضحك‬
‫واالستهزاء‪ ،‬بما هو ردُّ فعلٍ طبيعي من تلك األصوات الساخرة‪ ،‬فالمالحظ من ذلك‬
‫أن "المعنى يعظم شأنه ويرقى إذا صاحبته المؤثرات الصوتية" (‪.)8‬‬
‫والتشكيل اللغوي لألصوات في الشعر الساخر يسهم أيضاً في "رسم الصورة‬
‫الشعرية وإبرازها وخلق عوامل التأثير لها في حالتي الحقيقة والمجاز‪ ،‬سواء أكان‬
‫ذلك في جرس الكلمات أم في نغم التراكيب بأسره" (‪.)2‬‬

‫( )‬
‫وارين‪ ،‬أوستن‪ ،‬وويليك رينيه‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ترجمة‪ :‬محي الدين صبحي‪ ،‬مراجعة‪ :‬د‪ .‬حسام الخطيب‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(دمشق‪ ،‬مطبعة خالد طرابيشي‪ 47 ،‬ه_ ‪ 79‬م)‪ ،‬ص‪2‬‬
‫( )‬
‫الضالع‪ ،‬محمد صالح‪ ،‬لسانيات اللغة الشعرية‪ :‬دراسة في شعر بشار بن برد‪ ،‬ط ‪( ،‬الكويت‪ ،‬دار السالسل‪،‬‬
‫‪ 779‬م)‪ ،‬ص ‪. 44- 4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الحلواني‪ ،‬عامر‪ ،‬أساليب الهجاء في شعر ابن الرومي‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫(‪)8‬‬
‫مبروك‪ ،‬مراد عبد الرحمن‪ ،‬من الصوت إلى النص‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫(‪)2‬‬
‫السيد‪ ،‬شفيع‪ ،‬التعبير البياني‪ ،‬رؤية بالغية نقدية‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر العربي‪ 80 ،‬ه‪ 74 -‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪. 90-‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪33‬‬

‫وتتجلى في مستوى األصوات الساخرة السخرية القائمة على اقتران الصوت‬


‫بالرمز الدال عليه‪ ،‬والتي يمكن أن نطلق عليها بسخرية المحاكاة الصوتية‪ ،‬وتبرز‬
‫هذه المحاكاة الصوتية في الشعر األموي في اآلتي‪:‬‬

‫‪-‬سخرية أصوات الحيوانات‬

‫‪-‬سخرية أصوات الجسد‪.‬‬

‫‪-4‬سخرية أصوات الحركة‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬سخرية أصوات الحيوانات‪:‬‬

‫انطلق الشاعر األموي في هذا النمط من السخرية‪ ،‬من خالل التأليف بين‬
‫الطبائع اإلنسانية والحيوانية؛ حيث اُتُّخِذَتْ أصوات الحيوانات مادةً لتصوير دونية‬
‫المسخور منه‪ ،‬وتشويه صورته وبيان ضعفه‪ ،‬وذلك عبر الربط بين المسخور منه‬
‫وبين الحيوانات في كثير من الصفات والطبائع‪ ،‬ولذلك عُدَّت الحيوانات بأصواتها‬
‫المنحطة والشاذة صوتياً مرجعاً لتقدير درجة االستهزاء والتشويه للمسخور منه‪.‬‬
‫ومن بين األصوات الحيوانية الساخرة التي استخدمها الشعراء األمويون‪ ،‬وجاءت في‬
‫أشعارهم األصوات اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬النباح والعواء والصئي‪:‬‬

‫احتل صوت الكلب مساحة كبيرة لتشويه صورة المسخور منه؛ حيث تفاوت‬
‫ذلك الصوت في درجة السخرية بين النباح والعواء والصئي‪ .‬وعندما يحاول الشاعر‬
‫أن يحط من مكانة المسخور منه‪ ،‬ويعيِّره باألحساب واألنساب‪ ،‬فإنه يستخدم نباح‬
‫الكالب كما جاء على لسان يزيد بن مفرغ الحميري حينما سخر من حسب بني‬
‫زياد‪:‬‬
‫‪34‬‬

‫( )‬
‫ب النَّابِحَ ْه‬
‫فبنُو زِيادٍ في الكال ِ‬ ‫ت أحْسابُها‬
‫فإذا أُميّةُ صَلْصَل ْ‬

‫فالنباح هنا جاء للداللة على الحط من نسب بني زياد‪ ،‬فهم كالكالب التي تنبح‬
‫وال تفعل شيئاً‪ ،‬أي أنهم في الحضيض‪ ،‬عندما تعد األنساب واألحساب بين القبائل‬
‫واألمم‪.‬‬

‫واستخدم الشعراء العواء لالنتقاص من المسخور منه في أثناء المواجهة مع‬


‫العدو في المعارك‪ ،‬ومن هذا قول األبيرد الرياحي يرد على سلمان العجلي‪:‬‬

‫ل اليمامةِ سه َم رَامي‬
‫أخُو أه ِ‬ ‫عَوَى سلمانُ من جَوٍّ فلَاقى‬

‫ب ُمخْتلطَ الظَّلَامِ‪.‬‬
‫عُ َواءَ الذِّئْ ِ‬ ‫جلٍ‬
‫عَوَى من جُبنهِ وشقيَّ عِ ْ‬

‫( )‬
‫علَى الثمام‬
‫وَ ِمنْ لَحْ ِم الجَ ُزورِ َ‬ ‫أذل من المَطَايَا‬
‫ل ُّ‬‫جٍ‬
‫بنُو عِ ْ‬

‫أما عمر بن لجأ التيمي فيستخدم العواء للداللة على دونية جرير في مجال‬
‫البطولة والشجاعة‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫ص ٌة ورودُ‪.‬‬
‫صاقِ َ‬
‫فَأقْصدَهُ قُ َ‬ ‫ب‬
‫ب كلبُ بني كُلي ٍ‬
‫عَوَى لي الكَلْ ُ‬

‫فالسخرية تجلت في (عوى الكلب)‪ ،‬ونستشف منها الدونية للمسخور منه‪ ،‬في‬
‫ص ٌة)‪ ،‬متخذاً من صوت األسد‬
‫صاقِ َ‬
‫حين يعلو صوت الساخر من خالل استخدامه(قُ َ‬
‫وزئيره داللة على شجاعته‪ ،‬ويتجلى في هذا البيت ثنائية الضعف والقوة‪ ،‬عبر‬
‫صوتي الكلب واألسد‪.‬‬

‫( )‬
‫ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬جمعه وحققه د‪ .‬عبد القدوس أبو صالح‪ ،‬ط‪( ،4‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫‪ 8 8‬ه‪ 774-‬م)‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫( )‬
‫شعراء أمويون‪ ،‬د‪ .‬نوري القيسي‪ ،‬ط ‪0 ،‬بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪ + ،‬مكتبة النهضة العربية‪ 802 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 742‬م)‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬يحيى الجبوري‪( ،‬بغداد‪ ،‬دار الحرية‪ 79 ،‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪35‬‬

‫كما تجلت السخرية القائمة على ثنائية الضعف والقوة‪ ،‬والسيادة والعبودية في‬
‫قول الفرزدق ساخرًا من جرير‪:‬‬
‫( )‬
‫ن المَ َراغَةِ مَا اسْتَثَارَا‪.‬‬
‫ل اب ِ‬
‫فَ َوي َ‬ ‫ب ضَيْغَمِيًّا‬
‫عَوَى فأثا َر أغل َ‬
‫فالساخر أسدٌ قويٌ‪ ،‬يقف أمامه المسخور(الكلب)‪ ،‬وهنا تتجلى سخرية الضعف‬
‫والقوة من خالل الصوتين المتناقضين (العواء والزئير)‪.‬‬
‫ويستخدم العواء للداللة على االنتقاص من فحولة الشعراء المسخور منهم‪ ،‬وفي‬
‫هذا الشأن يُنزَّل الشعراء منزلة الثعالب العاوية‪ ،‬تحقيراً لهم‪ ،‬وتصغيراً لشاعريتهم‪،‬‬
‫وذلك من خالل استخدام العواء المسند إليهم‪ ،‬بينما الساخر هزبر قوي‪ ،‬وهذا ما يمثله‬
‫قول جرير‪:‬‬
‫عليَّ فقد أصابَهُ ُم انتقامُ‬ ‫عوَى الشعرا ُء بعضَهُ ُم لبعضٍ‬
‫َ‬
‫( )‬
‫ن ل ُه انْتِحا ُم‬
‫هِزَبْرًا في العري ِ‬ ‫ب حِينَ تلقى‬
‫كأنَّهم الثّعال ُ‬
‫وقد يكون العواء للداللة على السخرية للتخبط في األمور‪ ،‬وعدم التمكن من‬
‫مجاراة الخصم‪ ،‬كما في قول جرير للعناب‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫من الليل بَابَا ظُلْمةٍ وسُتُو ُر‬ ‫وأعورَ من نبهانَ يَعْوي ودُون ُه‬
‫فالسخرية تجلت في الفعل المضارع(يعوي)؛ حيث يتجسد فيها استمرارية‬
‫العواء‪ ،‬والعواء في الليل يعمق في المسخور منه التحقير والضياع وانعدام القيمة‪.‬‬
‫ويأتي العواء تار ة للداللة على لجوء المسخور منه لمن هو مثله في الدناءة‬
‫والمذلة واالستحقار‪ ،‬فيتخذ من عواء الكالب مع بعضها البعض داللة على الضعف‬
‫والخوف‪ ،‬ومن ذلك قول جرير يسخر من الفرزدق واألخطل‪:‬‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي فاعور‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬د‪ .‬ت )‪ ،‬ص ‪.409‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد إسماعيل الصاوي‪( ،‬بيروت‪ ،‬منشورات دار مكتبة الحياة)‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪2 4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪2‬‬
‫‪36‬‬

‫( )‬
‫س القُوى مَشْزُورَا‬
‫فتنازعا مَ ِر َ‬ ‫ل مُحْلِبًا‬
‫ق لألُخيط ِ‬
‫وعَوَى الفرزد ُ‬

‫ومن خالل العرض السابق نجد أن الشعراء األمويين قد اتخذوا من نباح الكالب‬
‫وعوائها وسيلةً للسخرية واالنتقاص من األفراد والجماعات في الحروب والمعارك‬
‫والمجاراة الشعرية‪ ،‬ولهذا يمكن القول إن العواء والنباح ملهمان لالستهجان‬
‫واالمتهان والتشهير والتحقير‪ ،‬مما يعزز من حيوانية المسخور منه‪ ،‬وانعتاقه في‬
‫دائرة الكالب‪.‬‬
‫واتخذ الشعراء من صوت الكلب الصغير (الجرو)‪ ،‬وهو الصئي معادالً‬
‫موضوعياً لدناءة المسخور منه وحقارته‪ ،‬وهو ما فعله جرير حينما سخر من‬
‫الفرزدق؛ حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ل‬
‫ص لِلْعِظَا ِ‬
‫ب بصْبَ َ‬
‫ِي الكل ِ‬
‫صَئ َّ‬ ‫ومن يُؤْوي الفرزدقُ حِين يصْئِي‬
‫‪ -‬النهيق‪:‬‬

‫يُعَدُّ نهيق الحمار من األصوات الحيوانية التي استخدمت وسيلةً للسخرية من‬
‫الخصوم‪ ،‬والنهيق هو الصوت المطلق للحمار‪ ،‬وصوت الحمار من أنكر األصوات‪،‬‬
‫وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى" إن أنكر األصوات لصوت الحمير"‬
‫(‪ ،)4‬وكما جاء في األثر أنَّ النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم قال‪ ":‬إذا سمعتم نهاق‬
‫الحمير فتعوذوا باهلل من الشيطان فإنها رأت شيطاناً" (‪ .)8‬وقد كانت العرب قديماً‬
‫تستحي أن تذكر اسم الحمار‪ ،‬فصاروا يكنون عنه‪ ،‬ويرغبون عن التصريح‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬الطويل األذنين‪.‬‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 70‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8 4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫سورة لقمان‪ ، ،‬اآلية ‪. 7‬‬
‫(‪)8‬‬
‫النيسابوري‪ ،‬أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬ج‪(،4‬القاهرة‪،‬مؤسسة الشيخ عبداهلل بن زيد‬
‫بن غنيم الخيرية‪ 848 ،‬ه ‪ 0 4-‬م)‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪37‬‬

‫ومن هذا المنطلق فقد استخدم الشعراء نهيق الحمار للداللة على المذلة‪ ،‬لما في‬
‫الحمار من صفات تجمع الذلّ والبالدة والخوف والدونية‪ .‬وفي هذا الشأن نرى عمر‬
‫بن لجأ التيمي يسخر من جرير وقبيلته مستخدم ًا نهيق الحمار؛ حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ل‬
‫ق كالصهِي ِ‬
‫ت وما النواه ُ‬
‫ن نَهَقَتْ كُلَيْبٌ صَهَلْ ُ‬
‫سأشْتُمُكُم وإ ْ‬

‫فقد استخدم نهيق الحمار للذم والشتيمة والتشنيع لقبيلة جرير‪ ،‬وازدادت السخرية‬
‫قوةً‪ ،‬عندما قابل بين نهيق الحمار وصهيل الخيل ويمكن توضيح السخرية بالترسيمة‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫الساخر حصان الصوت الصهيل رفعة وعلو وقوة‪.‬‬


‫المسخور منه حمار الصوت النهيق انتقاص وجبن ودونية‪.‬‬
‫‪ -4‬الخفخفة‪:‬‬
‫الخفخفة‪ :‬صوت الحبارى والضباع عند األكل‪ ،‬ويلحظ منه أنّه صوت متكسر‬
‫مسموع‪ ،‬ولعل الخفخفة صوت يشير إلى الحركة أكثر من داللته على الصوت‪ ،‬وقد‬
‫استخدمه الشعراء للداللة على االنتقاص من المسخور منهم‪ ،‬في إشارة إلى االنكسار‬
‫الصادر في صوت الخفخفة‪ ،‬وهذا ما قاله جرير منتقصاً من األخطل وقبيلة تغلب؛‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫والتَّغلبيةُ مَهْرُها فِلْسانِ‬ ‫ن غواليا‬
‫تَلَقَى الكِ َرامَ إذا خُطِبْ َ‬
‫( )‬
‫ن‬
‫ت بكُلِّ مُخَفْخَفٍ خنَّا ِ‬
‫ضُرِب ْ‬ ‫ب إنّها‬
‫ل تَغِْل َ‬
‫ح اإللهُ سِبا َ‬
‫قَبَ َ‬
‫‪ -‬الرغاء‪:‬‬
‫الرغاء‪ :‬صوت ذوات الخف المصحوب بالذل واالستكانة‪ ،‬ومن أمثلتها السباع‬
‫والضباع‪ ،‬وقد استخدمه الشعراء للداللة على الضعف والفقد وقلة الحيلولة بغية‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص‪4‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪38‬‬

‫انكسار المسخور منه وضعفه عند مواقف الشجاعة والبطولة‪ .‬وفي هذا الشأن يصور‬
‫جرير السخرية من قبيلة مجاشع وهزيمتهم في يوم ذي قار عندما خذلوا الزبير يوم‬
‫مقتله؛ حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ضِبَاعٌ بذي قا ٍر تمنَّى األمانِيَا‬ ‫تراغَيْتُم يَوْم َ الزُّبي ِر كأنَّكُم‬
‫فقد صور جرير الذل والهزيمة لقبيلة مجاشع عبر صوت الضباع‪ ،‬وهو‬
‫الرغاء‪ ،‬أي أن همتهم يوم مقتل الزبير لم تكن سوى الرغاء‪ ،‬وهو ما تفعله الضباع‬
‫لشدة شبقها‪ ،‬فالصوت دلَّ على الضعف والهزيمة في الحروب‪ ،‬فضالً عن المذلة في‬
‫المواجهة مع العدو‪.‬‬

‫وفي رواية أخرى للبيت‪:‬‬

‫( )‬
‫ن أجْعَرَا‬
‫ت يُبادرْ َ‬
‫ع مغارا ٍ‬
‫ضِبَا ُ‬ ‫تراغَيْتُم يوم الزبيرِ كأنَّكُم‬

‫فالسخرية تقوم على صوت الرغاء للداللة على الجبن والجزع والهزيمة لقبيلة‬
‫مجاشع‪ ،‬فهم أشبه بالضباع التي هربت إلى المغارة لتستتر فيها من العدو‪.‬‬

‫‪-2‬الخوار‪:‬‬

‫الخوار‪ :‬وهو ما اشتد من صوت البقرة أو العجل بارتفاع أو صياح‪ ،‬وتكمن‬


‫السخرية في ارتفاع الصوت في أثناء الخوار‪ ،‬وهو ما يتناسب مع حالة الضعف التي‬
‫يلصقها الشاعر بالمسخور منه‪ ،‬ومن ذلك ما قاله عمر بن لجأ التيمي مصوراً دونية‬
‫جرير وقبيلته في الحسب والمواجهة؛ حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫سب ًا وأخْوَرُ مَنْ تكلَّ َم عودا‬
‫حَ‬‫َ‬ ‫ت ألْأَ ُم مَنْ َمشَى‬
‫يا ابنَ المَ َراغَ ِة أن َ‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 88‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪39‬‬

‫وفي هذا الشأن يقول جرير ساخراً من الفرزدق ومجاشع بسبب عدم نصرتهم‬
‫للزبير؛ حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫أثوا ُر مَحْرَثَ ٍة لَهُنَّ خُوَا ُر‬ ‫غَ ُّروا بِعَقْدِهم الزبيرَ كأنَّهم‬
‫فالسخرية من خديعة مجاشع للزبير‪ ،‬وقد تجلت في الهزيمة التي تجرعتها‬
‫مجاشع فأصبحوا كأنهم الثيران التي تحرث األرض‪ ،‬وتكثر من خوارها وصياحها‬
‫عندما تتعب‪.‬‬
‫ويستخدم جرير الخوار للسخرية من نساء مجاشع بعد نشوة الخمر والسُكر؛‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ن خُوَا ُر‬
‫ُن إذا انتشيْ َ‬
‫خو ٌر له َّ‬ ‫ك إنّها من نسوةٍ‬
‫َب وَيْحَ َ‬
‫يا ش ُّ‬
‫فجرير قد استخدم الخوار للداللة على فساد نساء مجاشع في أخالقهن‪ ،‬وضعف‬
‫شهوتهن‪ ،‬فهن إذا شربن الخمرة وطابت أنفسهن من السُكْ ِر صُحْنَ وعلتْ أصواتهنَّ‬
‫كما تخور البقرة أو الثور‪.‬‬
‫‪-‬النعيق والدعدعة واليعر‪:‬‬
‫تعد أصوات النعيق والدعدعة واليعر من األصوات التي يطلقها الراعي في‬
‫أثناء دعوته ألغنامه ومحاولة تجميعها لألكل أو الشرب‪ ،‬كما تصدر هذه األصوات‬
‫بطريقة تراتبية لكي تقتفي األغنام أثره‪ ،‬ولكي تلتئم مع بعضها البعض‪.‬‬
‫وقد استخدم الشعراء هذه األصوات في السخرية‪ ،‬لكون المسخور منه يعيش في‬
‫كل أوقاته مع األغنام‪ ،‬فيردد أصواتها‪ ،‬وهذا ما برز من األخطل في أثناء سخريته‬
‫من جرير ورعيه لألغنام قائالً له في سخرية الذعة‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ك نفسُكَ في الخَالءِ ضَاللَا‬
‫منَّتْ َ‬ ‫فانْعَقْ بضأنكَ يا جريرُ فإنّما‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 04‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 02‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬تحقيق وشرح‪ :‬راجي األسمر‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ 8 4 ،‬ه ‪ 77 -‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪. 24‬‬
‫‪41‬‬

‫فاألخطل يسخر من جرير عبر نعيقه للغنم‪ ،‬وتزداد السخرية في استخدام فعل‬
‫األمر للنعيق‪ ،‬فيخاطبه آمراً له ومحقراً له بقوله‪ :‬الزم شياهك‪ ،‬وأقم عليها‪ ،‬فال فخر‬
‫وال نصيب لك في سواها‪.‬‬
‫أما الفرزدق فيعقد مقارنة بين قبيلته وقبيلة جرير في إشارة ساخرة إلى ما يقوم‬
‫به آباء جرير من زجر لألغنام‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ك مُدَعْدِع ًا كَ ِعقالِ‪.‬‬
‫ل أبو َ‬
‫أ ْم ه ْ‬ ‫ب مِثْلُ آلِ مجاشعٍ‬
‫أَ َبنُو كُلي ٍ‬
‫( )‬
‫ن المَ َراغَ ِة عَالِي‬
‫خ يا اب َ‬
‫دَعْ ِدعْ بأعْنَقِكَ التّوائِمَ إنَّنِي في باذ ٍ‬
‫فالسخرية تتجلى في الدعدعة التي يقوم بها آباء جرير وأجداده من خالل‬
‫دعوتهم ألوالد المعزى‪ ،‬وسيرهم أمام األغنام‪ ،‬وفي موضع آخر يستخدم الفرزدق‬
‫الدعدعة للسخرية من والد جرير في قوله‪:‬‬
‫( )‬
‫ك ودَعْ ِدعْ بالجِ َدا ِء التَّ َوائِ ِم‬
‫أبا َ‬ ‫ب إلى أشياخِنَا إذْ دعوتَهُ ْم‬
‫فَقَرِّ ْ‬
‫فالسخرية تجلت في صورة والد جرير وهو يسير أمام أغنامه مدعدعاً للمعزى‬
‫لتقتفي أثره‪ ،‬فهو ال يصلح إال لقيادة البهائم‪ ،‬وليس لقيادة الناس والجيوش‪.‬‬
‫أما جرير فيسخر من الراعي النميري مستخدماً اليعر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فقد أسْمعْتَ فاسْتَم ِع الجوابَا‬ ‫أتَيْعَ ُر يا ابن برْ َوعَ من بعيدٍ‬
‫فجرير من خالل صوت الماعز (اليعر) يقلل من مكانة الراعي وقيمته عبر هذا‬
‫الصوت الساخر‪ ،‬فالراعي النميري كالماعز يصوّت من بعيد‪ ،‬حيث يتجلى من هذا‬
‫الصوت الخوف والجبن الذي ينتاب الراعي النميري‪ ،‬والرد بالتقريع واالستهزاء من‬
‫قبل جرير‪.‬‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير ‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪41‬‬

‫‪-9‬الضغاء‪:‬‬

‫الضغاء‪ :‬هو صوت وصياح الخنزير والذئب والسنور‪ ،‬والضغاء صوت كل‬
‫ذليل مقهور‪ .‬ومن هذا المنطلق فقد وظّف الشعراء في العصر األموي صوت‬
‫الضغاء للداللة عن قهر الخصم وإذالله‪ ،‬في إشارة إلى ما تحدثه قصائدهم لدى‬
‫المسخور منه من آالم يصدر عنها هذا الصوت‪ ،‬وفي هذا الشأن يصف جرير‬
‫الشعراء في لحظات الخوف والذلِّ عندما تصل إليهم قصائده‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ف األخطلِ‪.‬‬
‫ت أنْ َ‬
‫ث جَدَعْ ُ‬
‫ضغَا البعي ُ‬
‫و َ‬ ‫ق مِيْسَمي‬
‫ت على الفرزد ِ‬
‫ولمّا وضعْ ُ‬

‫( )‬
‫ل‬
‫حد الكلْ َك ِ‬
‫ق تحْتَ ِّ‬
‫وضَغَا الفرزد ُ‬ ‫ك يا بعيثُ بِمِيْسَمي‬
‫ولقد وَسَمْتُ َ‬

‫فالسخرية قد تأسست في البيتين من خالل ميسمة أهاجيه وأشعاره لكل من‬


‫الفرزدق واألخطل والبعيث المجاشعي‪ ،‬وفيهما تتجلى مهارة جرير في التهوين من‬
‫مكانة خصومه من كبار شعراء العصر‪.‬‬

‫وفي موضع آخر يقول جرير ساخراً من الفرزدق وصعوبة معاناته من وقع‬
‫قصائد جرير‪:‬‬

‫( )‬
‫ق أغْلَبَ حارِدِ‬
‫ضغا وه َو في أشْدا ِ‬ ‫ق بَعْدَ مَا‬
‫ف نجاةٌ للفرزد ِ‬
‫وكي َ‬

‫فالساخر في هذا البيت أسدٌ ينقض على فريسته‪ ،‬ويثخنها جراحاً‪ ،‬وال نجدة‬
‫للمسخور منه غير الصراخ العالي لطلب النجدة عبر صوت الضغاء‪ ،‬وذلك من شدة‬
‫تأثير قصائد جرير على نفس الفرزدق‪.‬‬

‫ويرد الفرزدق على جرير بنفس النمط الصوتي مستخدم ًا (الضغاء)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.888-884‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 94‬‬
‫‪42‬‬

‫ل يلقى من يُبَادِلُهْ‬
‫س عَطِيّ َة ه ْ‬
‫تَرَكْنَا جريراً وهو في السوقِ حَاب ٌ‬

‫ل مَجَاوِلُه‬
‫بموجٍ تَسَامَى كالجبا ِ‬ ‫ض نَفْسَ ُه‬
‫وهل كان إلّا ثعلباً را َ‬

‫( )‬
‫ضغا ضَغْوَةً في البح ِر لما تَغَطْمَطتْ علي ِه أعالي مَوْجِهِ وأسَافِلُ ْه‬

‫فالسخرية تجلت في صوت الضغاء‪ ،‬حيث صورت جريراً باكياً ذليالً في وسط‬
‫البحر الذي يغشاه موج من فوقه‪ ،‬فالفرزدق يجعل من أبياته الشعرية التي تؤلم‬
‫جريراً بمنزلة تالطم األمواج العاتية في البحر‪ ،‬كما كشفت القوة التي يتميز بها‬
‫الساخر‪ ،‬والضعف الذي ينتاب المسخور منه الذي صوّره كالثعلب أو السنور الذي‬
‫يداهمه الموج‪ ،‬ولهذا يمكن القول إن الفرزدق قد اتخذ من أمواج البحر معادالً‬
‫موضوعيًا لبيان قوته واتساعها المكاني‪.‬‬

‫‪-4‬النقيق‪:‬‬

‫النقيق‪ :‬من أصوات الضفادع‪ ،‬وقد استخدمه الشعراء للسخرية من خصومهم‬


‫بسبب ما يصدر من أصوات تشبه نقيق الضفادع‪ ،‬وفي هذا المعنى يصور جرير‬
‫األصوات الصادرة من بطون المسخور منه بسبب امتالء بطونهم من أكل الخزير‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ن الضفادعُ‬
‫ت في أعفاجِ ِه َّ‬
‫تُصوِّ ُ‬ ‫ب الخَزِي ِر كأنَّما‬
‫مباشِيمُ عن غِ ِّ‬

‫فالسخرية تجلت من أكل الخزير وما يحدثه في قوم الفرزدق من تخمة‪ ،‬أكسبتهم‬
‫الخوف والجبن‪ ،‬حتى صار يُسْمَعُ ألحشائهم أصوات تشبه نقيق الضفادع‪ ،‬تدل على‬
‫ضعفهم عند الشدائد‪ ،‬وعلى هذا فإنَّ نقيق الضفادع يُعَدُّ صوتاً يدل على التقهقر‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪43‬‬

‫واالنهزامية عند المواجهة مع اآلخرين‪ ،‬ومنه نلحظ أنَّ جريراً يطعن في الحسب‬
‫المجاشعي الذي يتكرر ذكره في شعر الفرزدق‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬سخرية أصوات الجسد‪:‬‬

‫يحتل الشكل العام للخلقة اإلنسانية عنصراً مهماً في تكوين شخصية الفرد‪،‬‬
‫ألن "شرط اإلنسان قبل أن يكون كائناً اجتماعياً أو تاريخياً هو شرط جسدي" ( )‪،‬‬
‫ولهذا فإنّ العيوب التي تصاحب الخِلْقَة تكون ‪ -‬في الغالب‪ -‬مدعاةً للتهكم‪ ،‬وسبباً من‬
‫أسباب السخرية عند البعض‪ .‬وقد عانى بعض أدباء العربية وشعرائها من هذه‬
‫الظاهرة االجتماعية والتي كانوا يلقون بسببها ازدراءً وتحقيراً لهم من أفراد‬
‫مجتمعهم‪ ،‬مما ولّد لديهم شعوراً بكراهية اآلخرين‪ ،‬ونزعة عدوانية عبروا عنها‬
‫شعرًا ونثراً‪.‬‬

‫وقد اعتمد شعراء العصر األموي على الجسد وعدّوه مدخالً أساسياً للسخرية‪،‬‬
‫والنظر إلى المسخور منه باالحتقار والدونية بسبب ما يطرأ من غرابة أصوات‬
‫الجسد في الوسط االجتماعي‪ .‬وقد تجلت األصوات الجسدية الساخرة وتمثيالتها في‬
‫مجاالت متعددة من المظهر العام لشكل اإلنسان ومنها‪ :‬البطن والخصي واألنف‬
‫والصدر والفم‪ .‬وفيما يأتي استعراض لها‪:‬‬

‫‪ -‬سخرية أصوات البطن(القرقرة)‪:‬‬

‫تُعَ ُّد القرقرة صوتاً متميزاً يصدر من البطن‪ ،‬وقد وظَّفه الشعراء في مجال‬
‫السخرية من اآلخر في الواقع االجتماعي‪ ،‬وهو صوت دالٌ على االحتقار لنوعية‬
‫األكل الذي يأكله المسخور منه‪ ،‬وفي هذا الشأن نرى جريراً يسخر من أكل األخطل‬
‫والتغلبيين للخنازير والفول والعدس‪ ،‬بحيث تنشأ معها أصوات القرقرة في البطن‪،‬‬

‫( )‬
‫الزاهي‪ ،‬فريد‪ ،‬النص والجسد والتأويل‪( ،‬الدار البيضاء‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ 004 ،‬م)‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪44‬‬

‫والتي عُدَّ ت مظهراً ساخراً لألكل‪ ،‬ولما يكتسبه المسخور منه من طبائع تلك‬
‫المأكوالت التي يصاحبها الجبن والخوف والفزع لمن يتناولها‪ ،‬وفي هذا يقول جرير‪:‬‬

‫( )‬
‫ل مِجْعَارِ‪.‬‬
‫ت رَدُو ِم اللي ِ‬
‫في حاويا ِ‬ ‫ت‬
‫ل الذي أَكَلَ ْ‬
‫تَضْغُو الخنانيصُ والفو ُ‬

‫( )‬
‫ل‬
‫عَ َدسٌ يُقَرْقِ ُر في البطونِ وفو ُ‬ ‫ب‬
‫ح نِسْوَةِ تغل ٍ‬
‫خ العبا ُء وري ُ‬
‫فُسِ َ‬

‫حيث تجلت السخرية من أكل الخنازير والفول والعدس؛ ألنها أحدثت أصواتاً تمثلت‬
‫في القرقرة التي سمعت من بطونهم‪ ،‬وعلى هذا فإنّ القرقرة "داللة صوتية وداللة‬
‫على الترجيع وإخراج الصوت‪ ،‬فكان لهضم الطعام في بطونهم صوت يشبه القرقرة"‬
‫(‪ ،)4‬وقد تعمقت السخرية عندما سخر من األصوات التي تحدثها طوال الليل في‬
‫بطونهم في قوله (ردوم الليل مجعار)‪ ،‬فضالً عن كثرة مجعارهم من ذلك األكل‬
‫المهين بسبب غلظته‪ ،‬وفساد روائح نسائهم من تلك المأكوالت‪.‬‬

‫ويسخر جرير من الفرزدق وقومه بسبب أكلهم للخزير‪ ،‬وما يكسبهم من ضعف‬
‫وخوف حيث يقول‪:‬‬

‫خُو ٌر إذا أكَلُوا خَزِيراً ضَفْدَعُوا‪.‬‬ ‫س الفوارسِ يا نَوارُ مُجَاشِعٌ‬


‫بِ ْئ َ‬
‫(‪)8‬‬
‫ف بني عِقَالٍ يُخْفعُ‪.‬‬
‫رَغْدًا وضي ُ‬ ‫خ الخزيرُ بُطُونَهُمْ‬
‫ن قدْ نَفَ َ‬
‫َيغْدُو َ‬

‫فالسخرية في قول جرير بُ ِن َيتْ على أكل الخزير وما يحدثه من تخمة في بطونهم‬
‫حتى صار يسمع ألحشائهم قرقرة‪ ،‬فضالً عما يصدر من أدبارهم من أصوات‬
‫مستهجنة (ضفدعوا)‪ ،‬وتزداد السخرية عمقاً عندما قرن أنَّ أكلهم للخزير أكسبهم‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.4 4‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫(‪)4‬‬
‫طه‪ ،‬د‪ .‬نعمان محمد أمين‪ ،‬السخرية في األدب العربي‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫(‪)8‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.487‬‬
‫‪45‬‬

‫البخل والجبن والخوف‪ ،‬فهم ال يصلحون إلَّا ألكل الخزير فقط‪ ،‬وليسوا أهالً للكرم‬
‫والضيافة والفروسية‪.‬‬

‫وفي إطار التالزم بين قرقرة البطن وحاالت الخوف والفزع التي تنتاب المسخور‬
‫منه‪ ،‬نجد الحكم بن عبدل األسدي يسخر من محمد بن حسان عندما سمع دوياً يصدر‬
‫من بطنه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫كأنَّ دَوِّيَهُ إرْزَامُ رَعْدِ‪.‬‬ ‫ك مَا لبطنكَ مُ ْذ قَعَدْنا‬
‫َو َويلُ َ‬

‫فالسخرية قائمة على الخوف الذي سيطر على المسخور منه ابن حسان‪ ،‬حيث‬
‫صوَّر الحكم قرقرة بطنه وكأنها أصوات الرعد‪ ،‬وهو ما يدل على خوفه وفزعه‪.‬‬

‫ويربط جرير بين قرقرة البطن والخوف والفزع من مواجهة الفرسان عند‬
‫الفرزدق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫وكعباً والفوارس منْ هاللِ‪.‬‬ ‫ل‬


‫ت إذا لقيتَ بني هال ٍ‬
‫وكنْ َ‬

‫خَزِيراً بَاتَ في أُدَ ٍر ثقالِ‪.‬‬ ‫ق إذا فزعْتُ ْم‬


‫تُقَرْقِ ُر يا فرزد ُ‬

‫( )‬
‫نَعَا ُم الصيفِ زَفَّ مع الرِّئَالِ‪.‬‬ ‫ت‬
‫كأنَّكم بِأَمْعَزٍ وَارِدَا ٍ‬

‫فالقرقرة التي تسمع من بطن الفرزدق ناشئة بسبب الخوف من مواجهة فرسان‬
‫بني هالل وبني كعب‪ ،‬فصارت بطونهم تصوّت بالخزير الذي أكلته‪ ،‬وهنا تتجلى‬
‫السخرية من المأكل وصوته‪ ،‬والموقف المتمثل في مواجهة الفرسان‪ ،‬وعلى هذا فقد‬
‫قرر جرير أن الفرزدق حقه أن يكون مع المعزى الواردات للماء‪ ،‬وليس مع األبطال‬
‫في ساحة المعارك والمواجهات‪.‬‬

‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬صنعة‪ :‬محمد نايف الدليمي‪ ،‬مجلة المورد‪( ،‬العراق‪ ،‬العد(‪ ،)8‬المجلد(‪،)2‬‬
‫‪ 79‬م)‪ ،‬ص ‪. 09‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8 7‬‬
‫‪46‬‬

‫فإن قرقرة البطن قد صوّرت الدونية في المأكل‪ ،‬كما كشفت‬


‫ومن هذا المنطلق َّ‬
‫عن دونية المسخور منه في كثير من الصفات ومنها‪ :‬البطولة والكرم‪ ،‬كما ألبسته‬
‫الذل والهوان والخوف من األعداء والفرسان‪ ،‬فالصفات الدونية عندهم ناتجة عن‬
‫المأكل الدوني في الوسط االجتماعي لديهم‪.‬‬
‫‪-‬السخرية من أصوات الخصي(التصويت)‪:‬‬
‫من األصوات التي استخدمت في السخرية‪ ،‬والتي تنبع من المظاهر الجسدية‬
‫لإلنسان ما يصدر عن بعض الناس من تصويت من خصية األدرة المنتفخة بسبب‬
‫الفتق فيها‪ ،‬وفي هذا الشأن يسخر جرير من خصمه الشاعر عمر بن لجأ التيمي‬
‫وقومه الذين يتميزون باألدرة‪ ،‬حيث يقول فيهم ساخراً‪:‬‬
‫تُقَاسِ ُم نصفَ مِعْدَتَ ُه الشرابَا‪.‬‬ ‫ُل التَّيْمِ سَحْبَلَ ٌة ضَغُوبٌ‬
‫لِك ِّ‬
‫( )‬
‫ن عُصِبَتْ أَطَا َر بِها الثيَابَا‪.‬‬
‫وإ ْ‬ ‫َزعُ مَنْ بليها‬
‫مُصَوَتَ ٌة تُف ِّ‬
‫فالسخرية تجلت في الصوت الصادر من الخصي المنتفخة عند التيم (ضغوب‪،‬‬
‫مصوتة)‪ ،‬كما أن إطالقه (كل) أفادت ابتالء عموم التيميين في انتفاخ خصاهم‬
‫وتصويتها‪ ،‬مما يسبب لهم الحرج والدونية في المواقف العامة مع الناس‪ ،‬كما تجلب‬
‫لهم السخرية واالحتقار والخوف عند التصويت‪.‬‬
‫أما النابغة الجعدي فإنه يسخر مما تحدثه خصية اآلدر من تصويت يشبه النقض‬
‫بالبهائم إذا دعيت‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وأخرى لم توجَّ ْع من سَقَامِ‪.‬‬ ‫كذي دا ٍء بإحدى خُصْيتيهِ‬
‫( )‬
‫ض بالبهامِ‪.‬‬
‫على شَعرا َء تُنْقِ ُ‬ ‫َم ثيابَهُ من غي ِر بُرْءٍ‬
‫فَض َّ‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ص ‪. 2- 8‬‬
‫( )‬
‫ديوان النابغة الجعدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد العزيز رباح‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬منشورات المكتب اإلسالمي‪ ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‬
‫‪. 0‬‬
‫‪47‬‬

‫فالسخرية تجلت مما تحدثه الخصية األدرة إذا فشّت رجَّ لها صوت كتصويت النقض‬
‫بالبهم إذا دعاها الراعي‪.‬‬

‫ويسخر جرير من مجاشع قوم الفرزدق بسبب ما تحدثه خصاهم من تصويت قوي‬
‫يشبه صهيل الحصان‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ص اللؤ ِم ليس بِمُسْتَعارِ‪.‬‬


‫قمي ُ‬ ‫ُل مجاشعي‬
‫وحالفَ جِلْ َد ك ِّ‬

‫( )‬
‫ل في القطارِ‪.‬‬
‫ت الجالج ِ‬
‫لهم أُدَ ٌر تُصَوِّتُ في خُصاهم كتصوي ِ‬

‫‪-4‬السخرية من أصوات الصدر(النحنحة)‪:‬‬


‫من األصوات التي تصدر من الصدر النحيح‪ ،‬وهو صوت يرده الرجل في‬
‫جوفه‪ ،‬وتنحنح إذا ردَّ السائل رداً قبيحاً‪ ،‬فالتنحنح هو علة البخيل الذي إذا سُ ِئلَ عن‬
‫حاجة إكرام الضيف اعتلَّ كراهة للعطاء‪ ،‬فردد نفسه لذلك‪ ،‬واألنحُ‪ :‬هو البخيل الذي‬
‫ل تنحنح( )‪.‬‬
‫إذا سُ ِئ َ‬
‫ومن هذا المنطلق فإنّ جريراً قد سخر من بخل األخطل بخاصة‪ ،‬والتغلبيين‬
‫عموما‪ ،‬فهم أناسٌ بخالء‪ ،‬ال يحبون إكرام الضيف‪ ،‬وقد سخر جرير من علة التنحنح‬
‫الصادرة منهم إذا طرأ عليهم الضيف‪ ،‬فيتهربون من الكرم والضيافة بحجة علة‬
‫التنحنح‪ ،‬حيث يقول فيهم‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وتمثلَ األمْثَالَا‪.‬‬
‫َك اسْتَهُ َّ‬
‫ح َّ‬ ‫ح للِقرَى‬
‫والتغلبيُّ إذا تَنَحْنَ َ‬
‫فالسخرية من عموم التغلبيين لما يمتازون به من صفة البخل‪ ،‬وقد انعكست في‬
‫تنحنحهم عند قدوم الضيوف إليهم‪ ،‬ولهذا يمكن القول إن التنحنح هروب انهزامي‬
‫وارتداد عن الفضائل والشيم العربية األصيلة‪ ،‬ومن هذا المنطلق فإنَّ البخيل‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫( )‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة(نحَّ)‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪48‬‬

‫(المسخور منه) في نظر جرير شخصية محتقرة ودونية‪ ،‬لما يمتاز به من انحالل في‬
‫القيم والفضائل اإلنسانية ومنها(الكرم)‪.‬‬
‫ومن صور التنحنح قول يحيى بن نوفل ساخراً من عبد الملك بن عمير القاضي‬
‫الذي إذا سُ ِئلَ في حاجة يتنحنح ويسعل خوفًا من الضيافة والكرم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ح أَ ْو سَعَلْ‪.‬‬
‫ن يقضي تَنَحْنَ َ‬
‫فَهَمَّ بأَ ْ‬ ‫َل لحَاجةٍ‬
‫ت د ٍّ‬
‫إذا كَلَّمَتْهُ ذَا ُ‬
‫أما األخطل فيقول في قصيدة يمتدح كرم القعقاع بن ثور الهذلي‪ ،‬ويسخر من‬
‫بخالء زمان ممدوحه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ن أُمِرَّتْ فوقَهُ حَمَلَا‪.‬‬


‫إذا المِئُو َ‬ ‫ت بِهِ‬
‫ق الدِّيا ِ‬
‫ق أَشْنا ُ‬
‫ضَخْ ٌم تُعَلَّ ُ‬

‫( )‬
‫ع عن أمثالِهَا سَعَلَا‪.‬‬
‫ق البا ِ‬
‫أ ْو ضَيّ ُ‬ ‫ولَوْ تَكَلَّفَهَا رِخْوٌ مَفَاصِلُهُ‬

‫‪-8‬السخرية من أصوات األنف(النخير)‪:‬‬

‫النخير‪ :‬صوت األنف‪ ،‬وهو مدُّ الصوت والنَ َفسِ في الخياشيم (‪ ،)4‬وقد استوحى‬
‫الشعراء من صوت النخير في األنف داللة ساخرة عن عجز المسخور منه في‬
‫مجاراة الخصوم‪ ،‬وخوفه منهم‪ ،‬واللهث خوفًا من اإلعياء والعجز‪.‬‬

‫وقد سخر األخطل من الدلماء‪-‬وهي شاعرة تغلبية كانت تجاري األخطل في‬
‫الشعر‪ ،-‬حيث أتى إلى أبيها‪ ،‬وقال له‪ :‬اكفف ابنتك عني‪ ،‬فردَّ عليه إنها لشاعرةٌ‪،‬‬
‫فقال األخطل فيها شعراً ساخراً‪:‬‬

‫بأنَّ سِنَانِ شاعرِكُمْ قصيرُ‬ ‫أال أبلغْ أبا الدَّلما ِء عنِّي‬

‫ن يُطْعَنْ فطَعْنَتُهُ يسيرُ‪.‬‬


‫وإ ْ‬ ‫ن يَطْعُنْ فليسَ بِذِي غناء‬
‫فإ ْ‬

‫( )‬
‫يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد المجيد اإلسداوي‪ ،‬مجلة العرب (الرياض‪ ،‬الجزء(‪،)8-4‬‬
‫ه‪ 779-‬م)‪ ،‬ص ‪. 49‬‬ ‫السنة( ‪9 ،)4‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫ديوان األخطل‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة (نخر)‪.‬‬
‫‪49‬‬

‫( )‬
‫يَخِرُّ على القَفا ول ُه نَخِيرُ‪.‬‬ ‫متى ما يلقني ومعي سالحي‬

‫فسخرية األخطل تمثلت في أن الدلماء إذا القته تخر على قفاها‪ ،‬عاجزة عن‬
‫الندية والتصدي له ومواجهته‪ ،‬فهي تلهث من الخوف والجبن حتى يسمع نخيرها من‬
‫أنفها‪.‬‬

‫‪-2‬السخرية عن طريق أصوات الفم(الغطيط)‪:‬‬

‫الغطيط‪ :‬صوت النائم أو المخنوق أو المذبوح‪ ،‬وغطيط النائم أو المخنوق‪:‬‬


‫نخيره( )‪ .‬وقد وظّف شعراء النقائض هذه المادة اللغوية في أثناء احتدام معاركهم مع‬
‫خصومهم للداللة عن هزيمتهم في أثناء المبارزة الشعرية‪ ،‬وفي هذا المعنى يقول‬
‫سراقة البارقي ساخرًا من الفرزدق‪:‬‬

‫ن ق ْد خصاكَ فال تَغِطُّ جريرُ‪.‬‬


‫أْ‬ ‫ب يا ابن قينِ مجاشعٍ‬
‫ت أَحْسِ ُ‬
‫قَ ْد كُنْ ُ‬

‫ي إذا اسْتُفِزَّ ذَعُورُ‪.‬‬


‫ص َّ‬
‫ن الخَ ِ‬
‫أَ َّ‬ ‫ك الخَنَا‬
‫ولقد عَلِمْتَ على تباغي َ‬

‫(‪)4‬‬
‫قَرْمٌ قَرَاسِيَ ُة اللقاءِ غَيُورُ‪.‬‬ ‫ن يَرُومُ ُه‬
‫أَنَّ الخصيَّ يَشُولُ حي َ‬

‫فالسخرية تجلت في غطيط الفرزدق‪ ،‬وصوته المخنوق‪ ،‬فهو كالبعير شُدَّ خناقه‪ ،‬فال‬
‫يمكنه أن يقول بيتاً من الشعر‪ ،‬حيث إنَّ جريراً قد تفوَّق عليه شعرياً؛ ألنه قينٌ قد‬
‫خصاه وتفوَّ ق عليه‪ ،‬فالقينونة والغطيط والخصي قد مثلت عالقة الجسد بالعنف‪ ،‬ومن‬
‫ثم تجلى من العنف الجسدي السخرية والدونية بصاحبه‪.‬‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫( )‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة(غطط)‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ 4‬ه‪-‬‬ ‫ديوان سراقة البارقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين نصار‪ ،‬ط ‪( ،‬القاهرة‪ ،‬لجنة التأليف والترجمة والنشر‪،‬‬
‫م)‪ ،‬ص ‪.2‬‬ ‫‪89‬‬
‫‪51‬‬

‫‪-‬السخرية عن طريق أصوات الفم(الضحك)‪:‬‬

‫)‪ .‬فالعالقة التكاملية بين‬ ‫(‬


‫صنَّف السخرية بأنَّها أرقى وسائل اإلضحاك‬
‫تُ َ‬
‫الضحك والسخرية تتجلى في أنَّ السخرية تنبه إلى مواطن الخلل اإلنساني‪ ،‬والضحك‬
‫يدل عليها‪ .‬ولهذا فقد ضمّن كثيرٌ من الشعراء الضحك للداللة على السخرية مما نتج‬
‫عنه فعل المسخور منه‪ ،‬فهذا جرير يصوّر األخطل وقومه في حالة ضحك مع‬
‫الخنازير والميسر والقمار في قوله‪:‬‬

‫ق العبا ِء وماحجُّوا وما اعْتَمَرُوا‪.‬‬


‫بُرْ ُ‬ ‫ب مَطَارِفُهُ ُم‬
‫طلَ في رَكْ ٍ‬
‫تَلْقَى األُخَيْ ِ‬

‫ت تلك أفواه ًا إذا اكْتَشَروا‬


‫يا قُبِّحَ ْ‬ ‫ن إلى الخنزيرِ شَهْوَتَ ُه‬
‫الضاحكي َ‬

‫( )‬
‫س القو ُم إذا يَسَروا‪.‬‬
‫س الجَزُورُ وبِئْ َ‬
‫بِ ْئ َ‬ ‫ن على الخنزيرِ مَيْسِرَهُمْ‬
‫والمقرعي َ‬

‫فالسخرية تولدت مما نتج عن الضحك‪ ،‬وقد تجلى ذلك في أن أكلهم مثل الخنازير‪،‬‬
‫والتكشير له شراهةً وبطراً‪ ،‬كما أن قُرعة ميسرهم وقمارهم تكون على الخنازير‬
‫النجسة‪ ،‬فال ضحك الناشئ الذي ظهر عندهم‪ ،‬هو الذي نشأت معه الدونية والسخرية‬
‫لألخطل وقومه‪ ،‬ومن ثم السخرية من الضحك القبيح‪.‬‬
‫‪-9‬السخرية عن طريق أصوات الفم (الصفير)‪:‬‬
‫الصفير‪ :‬وهو الصوت الصادر من الفم والشفتين‪ ،‬ويقال في الشتم‪ :‬يا مصفر‬
‫استه‪ .‬وفالن مصفر استه‪ .‬والصفير‪ :‬المكاء والتصفيق‪ .‬وصفر بفيه‪ :‬وهو أن يجمع‬
‫أصابع يديه ثم يدخلها في فيه‪ ،‬ثم يصفر بها‪ .‬وفي التنزيل‪ ":‬ما كان صالتهم عند‬
‫(‪)4‬‬
‫البيت إلَّا مُكاءً وتصدية"‪.‬‬

‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬معوض‪ ،‬فتحي‪ ،‬الفكاهة في األدب العربي‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫) لسان العرب‪ ،‬مادة (صفر)‪.‬‬
‫‪51‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ الصفير يكون بالشفتين‪ ،‬أو بإدخال األصابع في الفم‪ ،‬أو‬
‫بالتصفيق باليدين‪ .‬وقد استغل شعراء السخرية في العصر األموي هذا المظهر‬
‫الصوتي المبتذل الصادر من الفم من خالل السخرية من نسوة جرير التابعات لصفير‬
‫الرجال لهنَّ‪ ،‬بهدف الرذيلة والبغاء‪ ،‬حيث يقول الفرزدق مصوِّراً السخرية من نسوة‬
‫جرير عبر صوت الصفير في إطار ثنائية (الصوت والرذيلة)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ُل صَغِيرُ‪.‬‬
‫ُن ك َّ‬
‫ت لَه َّ‬
‫والقَاتِلَا ُ‬ ‫ُن بُعُولَةٌ‬
‫ت وَمَا لَه َّ‬
‫الوَالِدَا ُ‬
‫( )‬
‫ُل صَفِيرِ‪.‬‬
‫والتَابِعَاتُ دُعَاءُ ك ِّ‬ ‫ت إِذَا النُّجُومُ تَغَوَّرَتْ‬
‫وَالمدْلِجَا ُ‬
‫أمَّا عمران بن حطان فيسخر من الحجاج بن يوسف من خالل الصفير عبر‬
‫ثنائية (الصوت والخوف)‪ ،‬حيث يقول ساخراً من جبن الحجاج وخوفه في المعارك‪:‬‬

‫( )‬
‫ن صَفِي ِر الصَافِرِ‪.‬‬
‫رَبْدَا ُء تَجْ ِفلُ مِ ْ‬ ‫َي وَفِي الحُرُوبِ نَعَامَ ٌة‬
‫أَسَ ٌد عَل َّ‬

‫‪-9‬السخرية عن طريق األصوات البذيئة‪:‬‬

‫ضمَّن كثيرٌ من الشعراء في العصر األموي داللة األصوات الصاخبة‬


‫والفاحشة للتعبير عن السخرية من سلوك المسخور منه‪ ،‬الذي يكون مصدراً للصوت‬
‫الفاحش‪ ،‬وقد تجلت األصوات الساخرة في الصوت الصاخب الصادر من النسوة‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فقد سخر عمر بن أبي ربيعة من النساء قبيحات األشكال‪ ،‬وذوات‬
‫الورك الخفيف‪ ،‬وعدَّ األصوات الصادرة منهن أصواتاً صاخبة ودونية مقارنة‬
‫لهن ضجيجاً‪ ،‬وفي هذا يقول‪:‬‬
‫بالنساء القاطنات في بالط األثرياء‪ ،‬فال تسمع َّ‬

‫ت بالبذاءِ‪.‬‬
‫َء عَبُوساً قَدْ آذن ْ‬ ‫ُل عفالءَ زلَّا‬
‫هلل ك َّ‬
‫ولَحَى ا ُ‬

‫( )‬
‫أبو عبيدة‪ ،‬معمر بن المثنى التيمي‪ ،‬كتاب النقائض‪ ،‬نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬ج ‪ ،‬تحقيق‪ :‬المستشرق‬
‫األلماني بيفان‪( ،‬ليدن‪ ،‬مطبعة بريل‪ 709 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شعر الخوارج‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬إحسان عباس‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت ‪ ،‬دار الثقافة‪ 798 ،‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪52‬‬

‫ل في شَصِيبَةٍ وشقاءِ‪.‬‬
‫لَ ْم تَ َز ْ‬ ‫ل‬
‫صَرْصَرٍ سَلْفَ ٍع رضيعةِ غُوْ ٍ‬

‫ل الحياءِ‪.‬‬
‫ُن أهلُ البَ َها وأهْ ُ‬
‫ه َّ‬ ‫وَبِنَفْسي ذواتُ خَلْقٍ عميمٍ‬

‫( )‬
‫ن ممَّنْ يَزُو ُر في الظلماءِ‪.‬‬
‫لَسْ َ‬ ‫قاطِنَاتٌ دُو َر البالطِ كِرَامٌ‬

‫فعمر بن أبي ربيعة قد سخر من األصوات الصاخبة التي تصدر من المرأة‬


‫العفالء والزالء والصرصر‪ ،‬وقد قرن السخرية من تلك النسوة برضاعتها األولى‬
‫وتربيتها (رضيعة غول)‪ ،‬ولهذا فهو يرجع أن أثر البذاءة والصخب ناتج عن التربية‬
‫األولى لتلك النسوة‪ ،‬مقارنة بذوات البالط الكريم‪ ،‬فال تسمع لهنّ مثل هذا الصخب‬
‫واالنحالل الخلقي‪ ،‬وهو في هذا يعلي من قدر جمال المرأة المتحضرة التي تمتاز‬
‫بالبوص والردح والعجز‪ ،‬وينتقص من المرأة الرسحاء والزالء‪ .‬ومن هذا المنطلق‬
‫فإنَّ عمر بن أبي ربيعة في سخريته يرفع المظهر الجمالي والحضاري للمرأة‪،‬‬
‫وينتقص المظهر المناقض له غير الجمالي‪ ،‬من وجهة نظره للمرأة في إطار الجمال‬
‫والقبح‪.‬‬

‫ومن األصوات الفاحشة التي سخر منها الشعراء قول جرير عندما يصف نساء‬
‫مجاشع‪ ،‬وما يصدر عنهنَّ من أصوات تدل على الخلقة الدونية التي كانت تتصف‬
‫ال عن االنحالل األخالقي لهنّ‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫بها تلك النسوة‪ ،‬فض ً‬

‫مثل المحاجنِ أو قرونَ األُ َّيلِ‪.‬‬ ‫ب الخواتنُ من بناتِ مجاش ٍع‬


‫ها َ‬

‫( )‬
‫ت في صَرا ِة الجَدْوَلِ‪.‬‬
‫بطًّا يُصَوِّ ُ‬ ‫ت ثيابِ خُو ِر نسائِ ِه ْم‬
‫وكأنَّ تَحْ َ‬
‫ويقول‪:‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محي الدين عبد الحميد‪ ،‬ط‪( ،4‬القاهرة‪ ،‬مطبعة السعادة‪،‬‬
‫‪ 729‬م)‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.889‬‬
‫‪53‬‬

‫( )‬
‫َب ثَفَالِ‪.‬‬
‫ب أَلَحَّ على أَز ٍّ‬
‫قَتَ ٌ‬ ‫ت مُعَجَّلَةً يُشَرْشِ ُر بَظْرُهَا‬
‫بكرَ ْ‬
‫وكقول الفرزدق في نساء جرير‪:‬‬
‫( )‬
‫على األعقابِ تَحْسِبُ ُه خِضَابَا‪.‬‬ ‫ل سيالً‬
‫ق حِياضُهُنَّ يسي ُ‬
‫خُوَا ُ‬
‫ثالثاً‪ :‬سخرية أصوات الحركة‪:‬‬
‫اعتمد الشعراء األمويون في كثير من أساليبهم الساخرة أسلوب التعبير عن‬
‫الحركة إمعاناً في تأصيل الدونية من المسخور منه من خالل التأليف بين المرئيات‬
‫والمحسوسات‪ ،‬بحيث ينتج من األصوات الناشئة عن الحركة تشويه الصورة الخلقية‬
‫للمسخور منه‪ ،‬من خالل المقابلة السياقية بين الحركة وما تدل عليه من احتقار للفعل‬
‫الحركي الساخر‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنّ المقابلة اللغوية بين المسخور منه وفعله‬
‫الساخر تُعَدُّ عنصراً أساسياً في التعبير عن الحركة في األسلوب الساخر‪ ،‬التي تتولد‬
‫أساساً من هذه المقابالت اللغوية‪ ،‬بحيث يتحقق منها التكوين الجمالي للسخرية‪.‬‬
‫وقد عدَّدَ البحث أنماطاً مختلفة من األصوات الحركية الساخرة في الشعر‬
‫األموي منها‪ :‬الترميز‪ ،‬والتقمّل‪ ،‬والزفيف‪ ،‬والحزل‪ ،‬والدرج‪ ،‬والهدج‪ ،‬والتدلي‪،‬‬
‫والرقي‪ ،‬والتسلق‪ ،‬والحك‪ ،‬والكشكشة والعدو‪ ،‬والوزوزة‪ .‬وفيما يلي استعراض لهذه‬
‫األصوات الحركية الساخرة‪.‬‬
‫‪-‬الترميز‪:‬‬
‫الترميز‪ :‬هو اإلشارة أو اإليماء بالعينين أو الحاجبين أو الشفتين أو الفم‪ ،‬فهو‬
‫تصويت خفي باللسان‪ ،‬والترمز هو التحرك‪ ،‬وارتمز الرجل إذا تحرك‪ ،‬وترمزت‬
‫(‪)4‬‬
‫المرأة أي ضرطت ضرطًا خفياً‪ ،‬ويقال للمرأة رمَّازة إذا مالت لمن يستميلها‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنّ الترميز حركة ساخرة‪ ،‬استخدمت للداللة على دناءة‬
‫المسخور منه‪ ،‬وقبح سلوكه الذي يصدر منه عبر الترميز‪.‬‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.890‬‬
‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫(‪)4‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة (رمز)‪.‬‬
‫‪54‬‬

‫وقد عبر جرير عن سخريته من قبيلة مجاشع بعد مقتل الزبير من خالل التعبير‬
‫بالترميز عن غدرهم ولؤمهم وتخاذلهم عن نصرة الزبير بقوله‪:‬‬
‫ل مُخْزِيَ ٍة عليكَ ثقالِ‪.‬‬
‫أعْدا َ‬ ‫ت أَعْيَنَ والزبي َر وجَعْثَنًا‬
‫القَيْ َ‬
‫( )‬
‫ف وسِبَال‪.‬‬
‫للِغد ِر أَلْأَ ُم آنُ ٍ‬ ‫ت‬
‫ودَعا الزبي ُر مُجَاشِعاً فَتَرَمَّزَ ْ‬
‫فالسخرية تجلت في قوله(ترمَّزت) ففيها تعبير قوي عن الغدر بحركة الترميز لما‬
‫فيها من القوة والداللة الصوتية ما يدل على أنه وصل إلى غرضه بتعبيره عن‬
‫غدرهم وتجمعهم وخيانتهم له بوساطة هذه الحركة‪ ،‬كما أنه رسم صورة دنيئة‬
‫( )‬
‫لألنوف المضطربة والسبال المتحركة للداللة على الغدر‬
‫ومن السخرية بالترميز أيضاً ما قاله جرير واصفاً ما يصدر من البعيث‬
‫المجاشعي وأمه من ترميز يدل على االستمالة للفواحش‪ ،‬حيث عبّر عن الترميز‬
‫للداللة على السلوكيات الماجنة التي تصدر عنهما‪ ،‬فالبعيث يرمّز بحاجبيه وكأنه ذيخٌ‬
‫يحرك أجفانه للضباع‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫خ ل ُه بِقَصِيمتينِ وَجَارُ‪.‬‬
‫ذِيٌ ٌ‬ ‫أَضْحَى يُرَمِّ ُز حاجِبي ِه كأنَّ ُه‬
‫وعن طريق الترميز يحاول جرير أن يؤصل للبعيث وأمه في الفواحش‪ ،‬فأمه قد‬
‫جنَتْ فيه هذه الصفات الخُلقية المنحطة‪ ،‬حيث يقول فيها‪:‬‬
‫َه َّ‬
‫(‪)8‬‬
‫تَرَمُّ َز حمرا ِء العجانِ على الرَّحْلِ‪.‬‬ ‫ث عَرَفْتُمْ‬
‫ب البعي ُ‬
‫إذَا سا َر في الرّك ِ‬
‫فالسخرية قائمة على الترميز الصادر من البعيث في أثناء سيره مع الركب‪،‬‬
‫وتتجلى السخرية في حركات أمه المهجنة فيه‪ ،‬فالتهجين الماجن بيِّنٌ فيه‪ ،‬وهذا ما‬
‫يدل على تأصيل البعيث وأمه في الفواحش عبر حركة الترميز الساخرة التي تصدر‬
‫منه‪.‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8 7‬‬
‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬طه‪ ،‬د‪ .‬نعمان محمد أمين‪ ،‬السخرية في األدب العربي‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪. 04‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.8‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص‬
‫‪55‬‬

‫ومن أمثلة سخرية الترميز قول الطرماح في قبيلة تميم واصفاً غمزهم وإيمائهم‬
‫داللة على صفات الغدر والمكر والجبن المميزة لهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ف المتجاهِلِ‪.‬‬
‫ني فعل العارِ ِ‬
‫وبي َّ‬ ‫ف بَيْنَهُ‬
‫إذا ما رآني قَطَّ َع الطَّرْ َ‬
‫( )‬
‫حِذَارًا وأَوْمَوا كُلُّهُ ْم باألناملِ‪.‬‬ ‫إذا ما رآهُ الكاشِحُونَ تَرَمَّزُوا‬
‫فالطرماح يسخر من قبيلة تميم من خالل التغامز واإليماء بالعين واألصابع من‬
‫قبل أعدائه عبر ترميزهم له‪ ،‬ويتجلى في الترميز االضطراب والخوف من الطرماح‬
‫وقبيلته‪.‬‬
‫‪-‬التقمّل‪:‬‬
‫القمل‪ :‬حشرة صغيرة تعيش في شعر اإلنسان وجسمه‪ ،‬أولها‪ :‬الصؤاب وهي‬
‫بيض القمل‪ ،‬والقملي من الرجال‪ :‬الحقير الصغير الشأن‪ .‬وفي هذا المشهد يلتقط‬
‫الفرزدق صورة لعطية ‪-‬والد جرير‪-‬وهو يتفلَّى خلف أتانه من القمل الذي لصق به‬
‫فقال ساخرًا منه‪:‬‬

‫( )‬
‫ف أتانِهِ يَتَقَ َّملُ‪.‬‬
‫خلْ َ‬
‫وأبوكَ َ‬ ‫س كُلِّ قبيل ٍة‬
‫إنَّا لَنَضْرِبُ رأ َ‬
‫فالفرزدق صوّر والد جرير وهو يتقمل‪ ،‬أي أنه يعالج القمل المنتشر في رأسه‬
‫وجسده‪ ،‬وهنا تتجلى الحركة الساخرة لليد المضطربة في الرأس والجسد‪ ،‬وهذا مما‬
‫يثير الم شاهد لهذا المنظر وينفره‪ ،‬في حين نشاهد في صدر البيت صورة اليد‬
‫الضاربة في رؤوس األعداء‪ ،‬فشتان بين الصورتين‪ ،‬ولهذا وضع الفرزدق جريراً‬
‫في عداد القمليين‪ ،‬والقملي من الرجال الحقير والوضيع‪ ،‬والفرزدق من خالل‬
‫تصويره لهذه الحركة الساخرة يكشف عن براعته الفنية و" مقدرته على السخرية من‬

‫( )‬
‫ديوان الطرماح‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عزة حسن‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الشروق العربي‪ 8 8 ،‬ه‪ 778-‬م)‪ ،‬ص ‪- 09‬‬
‫‪. 04‬‬
‫َأوْمَوا‪ :‬أي أومؤوا‪ ،‬فخفف الهمزة‪.‬‬
‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.874‬‬
‫‪56‬‬

‫صاحبه وتحقيره بتصويره في صورة كاريكاتيرية‪ ،‬تبالغ في تجسيم العيوب الحسية‬


‫والنفسية"( )‪ ،‬بحيث يوقع الهزء والتهكم بجرير وآبائه عند المتلقي والقارئ والجمهور‬
‫المتابع للمبارزة الشعرية بين الفرزدق وجرير‪.‬‬
‫‪-4‬الزفيف والحزل‪:‬‬
‫الزفيف‪ :‬اإلسراع في المشي ومقاربة الخطو‪ ،‬وزفَّ القوم في مشيتهم إذا‬
‫أسرعوا‪ .‬وفي التنزيل‪" :‬فأقبلوا إليه يزفون"‪ ،‬أي يجيئون على هيئة الزفيف وأصواته‪.‬‬
‫( )‬
‫وأما الحزل‪ :‬فهو من احزألَّ والمقصود به االرتفاع في السير‪ ،‬واحزأل القوم‪ :‬أي‬
‫(‪)4‬‬
‫اجتمعوا‪.‬‬
‫وعلى هذا فإنَّ في معنى الزفيف والحزل السرعة في المشي واالجتماع‪ ،‬وقد‬
‫استخدم الشعراء أصوات حركتي الزفيف والحزل في السخرية من أعدائهم لبيان‬
‫سرعتهم عند الفتن والمصائب‪ .‬وفي مثل هذا يصور الطرماح ساخراً من قبيلة تميم‬
‫عندما تتجمع مسرعة في أثناء نشوب الفتن‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬
‫ولُؤْم ًا إذا ما المشرفية سَلَّتِ‪.‬‬ ‫أفَخْرًا تميميًّا إذا فِتْنَةٌ خَبَتْ‬
‫(‪)8‬‬
‫ت تَمِيْمٌ حَوْلَهُ واحْزَأَلَّتِ‪.‬‬
‫لَزَافَ ْ‬ ‫ل يَنْشُ ُر دِيْنَهُ‬
‫وَلَوْ خرجَ الدَّجَا ُ‬
‫فالسخرية قائمة في البيت الثاني على سرعة المشي واالجتماع عندما يخرج‬
‫الدجال يطلب ذمة من يسانده في فتنته التي تعم األرض‪ ،‬وعلى هذا فإن الطرماح‬
‫يقرر ساخراً أن أولى الناس سرعةً وتصديقاً ومشي ًا إليه هي قبيلة تميم‪.‬‬
‫‪-8‬الرقي والتَّسلق والتَّدلِّي‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الرُّقي‪ :‬يقال‪ :‬رقيتُ إلى السلم إذا صعدت‪ ،‬والتسلق هو الصعود واالرتفاع‪.‬‬
‫وقد عدَّ الرقي والتسلق والتدلي من الحركات التي استخدمها الشعراء األمويون‬

‫( )‬
‫أحمد‪ ،‬د‪ .‬محمد فتوح‪ ،‬الشعر األموي‪ ،‬ط ‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ 77 ،‬م)‪ ،‬ص‪. 04‬‬
‫( )‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة(زفَّ)‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة(حزل)‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ديوان الطرماح‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫(‪)2‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة (رقي) و(سلق)‪.‬‬
‫‪57‬‬

‫استخداماً ساخراً بهدف تصوير التسلق للمحرمات‪ .‬وفي هذا المجال نرى جريراً‬
‫يصوّر ما كان يقوم به الفرزدق من الرقي والتسلق في الليل ألفعاله الشنيعة التي‬
‫ينتهك فيها حرمة الجيران والحرائر مستغالً وسائل كثيرة في سبيل الوصول إلى‬
‫جاراته زانياً‪ .‬وفي هذا يقول جرير ساخرًا من الفرزدق‪:‬‬

‫ليأمَنَ قِرْدًا لَيْلُ ُه غَيْرُ نائِ ِم‪.‬‬ ‫ن جَا ٌر للفرزدقِ مُسْلِمٌ‬


‫وما كا َ‬

‫لِيَرْقَى إلى جَاراتِ ِه بالسَّاللِمِ‪.‬‬ ‫َن ليلُهُ‬


‫ل حَبْلَيْ ِه إذا ج َّ‬
‫َص ُ‬
‫يُو ِّ‬

‫( )‬
‫ت الكرائِمِ‪.‬‬
‫ل المحصنا ِ‬
‫ت بِأه ِ‬
‫وَلَسْ َ‬ ‫ُل مُرِيْبةٍ‬
‫تَتَبَّعُ في الماخُو ِر ك َّ‬

‫وتتأسس السخرية في األبيات السابقة على حركتي الرقي والتسلق إلى الجارات‬
‫لم مارسة الزنا‪ ،‬وقد برزت السخرية أيضاً في أنّ جريراً شبه الفرزدق بالقرد‪،‬‬
‫( )‬
‫والعرب تقول أزنى من قرد ‪ ،‬فضالً عن السخرية من قصر الفرزدق‪ ،‬وهو ما‬

‫دعاه للقول بأنه يستخدم الساللم لغرض الوصول إلى المحرمات‪ ،‬وقد تجلى في هذه‬
‫األبيات بعدان دالليان للسخرية يتمثالن في "إقامة تماثل بين قصر قامة الفرزدق‪،‬‬
‫وقصر قامة القرد من ناحية [و] سلوكيات الفرزدق المشينة المتمثلة هنا في الفجور‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وممارسات القرد اليومية من ناحية ثانية‪".‬‬

‫ن جريرًا من خالل حركتي الرقي والتسلق يصور عدم حرمة‬


‫ومن هذا فإ ّ‬
‫الفرزدق للجيران‪ ،‬رغم أنه مسلمٌ‪.‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.2 0‬‬
‫( )‬
‫الميداني‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن محمد‪ ،‬مجمع األمثال‪ ،‬ج ‪،‬تحقيق‪ :‬محمد أبي الفضل إبراهيم‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة‬
‫عيسى البابي الحلبي وشركاه‪ ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪. 20‬‬
‫(‪)4‬‬
‫يوسف‪ ،‬د‪ .‬عبدالفتاح أحمد‪ ،‬الخطاب السجالي في الشعر العربي‪ ،‬تحوالته المعرفية ورهاناته في التواصل‪،‬‬
‫ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة‪ 0 8 ،‬م)‪ ،‬ص‪. 44‬‬
‫‪58‬‬

‫ومن أجل التأصيل لخبرة الفرزدق في الرذيلة‪ ،‬وعجزه عن إتيان الفضائل‪ ،‬فقد‬
‫صور جرير قدرات الفرزدق الهائلة في مستنقع الرذائل من خالل حركة (التدلي)‬
‫التي تميَّزَ بها الفرزدق‪ ،‬وأصبح مشهوراً بها بين الناس في عصره‪ .‬ومن هذا‬
‫المنطلق فقد برز باع الفرزدق في الرذيلة‪ ،‬وقصر باعه عن العلى والمكارم‪ ،‬وهذا‬
‫ما صوره جرير في قوله‪:‬‬

‫( )‬
‫ت عن باع العُلى والمكارِمِ‪.‬‬
‫وقَصَّرْ َ‬ ‫ن قام ًة‬
‫تَدَلَّيْتَ تَزْني مِنْ ثماني َ‬

‫فالسخرية تتجلى في حركة التدلي التي كشفت عن صورة الفرزدق وكأنه مربوطٌ من‬
‫عنقه‪ ،‬يتدلى بعيداً في قاع الرذيلة ثمانين قامة دون أن يتمكن من االرتفاع ولو باعاً‬
‫واحداً نحو الفضائل‪ .‬وتكمن جمالية السخرية من خالل التضاد الذي أوجده جرير في‬
‫ت)‬
‫خط سير الفرزدق نحو الرذيلة والفضيلة‪ ،‬فالحركة من أعلى إلى أسفل عبر(تدلي َ‬
‫تكشف عن االستهزاء المحقر للعيش الدائم في صنع الرذائل والوقوع المستمر فيها‪.‬‬

‫‪-2‬الدرج والهدج والدبيب‪:‬‬

‫الدرج‪ :‬المشي والحركة البطيئة‪ ،‬ويقال للقنفذ‪ :‬الدَّراج لكثرة مشيه وتسلله ليالً‪.‬‬
‫وقد وظف الشعراء حركة الدرج للداللة على مشية المسخور منه في حاالت التسلل‬
‫ليالً أسوة بالقنافذ‪ ،‬ومشيتها في الظالم‪ .‬وفي هذا يسخر الفرزدق من جرير وقومه‬
‫بسبب تسللهم إلى المنازل ليالً للسرقة أو الفجور‪ ،‬حيث يرى أن العادة مكتسبة لديهم‬
‫من والدهم عطية الخطفي الذي كان يعوّدهم على السلوكيات السيئة‪ ،‬واإلدالج ليالً‬
‫للرذائل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫لما كان إيّاهُمْ عطيَّ ُة عوَّدَا‪.‬‬ ‫قَنَافذُ دراجُونَ خَلْفَ جِحَاشِهِ ْم‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪.2 0‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫‪59‬‬

‫فالسخرية قائمة في هذا البيت من خالل التسلل للرذائل في الليل أسوة بمشية القنافذ‬
‫الدراجة في الظالم‪.‬‬
‫أما األخطل فقد استخدم حركة الهدج‪ ،‬وهو المشي البطي؛ للداللة على السخرية‬
‫من جرير ورهطه في سبيل الوصول إلى الرذائل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫نجرانَ أوْ حُدِّثَتْ سوءاتِهم هَجَرُ‪.‬‬ ‫ت‬
‫على العِيَاراتِ هدَّاجُونَ قد بَلَغَ ْ‬
‫فاألخطل يسخر من جرير وقومه مستخدم ًا حركة الهدج‪ ،‬وهي السير البطيء‪،‬‬
‫ويقال لمشية الشيخ‪ :‬هدجٌ‪ ،‬ومن ثم فإنّ تلك المساوئ لكثرتها قد انتشرت‪ ،‬وذاع‬
‫صيتها بين الناس حتى أدركت كل األقطار واألماكن القصيّة ومنها نجران وهجر‪،‬‬
‫كما نستشف من البيتين السابقين للفرزدق واألخطل سخرية تتمثل في أنّ جريراً‬
‫وقومه ليسوا فرسان ًا‪ ،‬وليسوا أصحاب خيل أو إبل‪ ،‬وإنما هم أصحاب حمير يركبونها‬
‫(على العيارات‪ ،‬جحاشهم)‪ ،‬وبذلك نفى عنهم صفة الفروسية والبطولة ومقارعة‬
‫األعداء‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنّ حركتي الدرج والهدج قد استخدمتا استخداماً ساخرًا‬
‫ودنيئاً‪ ،‬صوَّرتا الخسة والسلوك المشين المتمثل في السرقة وانتهاك األمانات‬
‫والحرمات والممتلكات الخاصة بالناس‪ ،‬كما رسمتا الدناءة في الواقع االجتماعي‪ ،‬فهم‬
‫ليسوا أهالً للشجاعة والبطولة والفروسية‪.‬‬

‫أما جرير فيسخر من الفرزدق عن طريق حركة الدبيب‪ ،‬وهو المشي غير السريع‪،‬‬
‫أو هو المشي رويداً‪ ،‬وقد وظَّف جرير الدبيب للداللة على المشي البطيء في سبيل‬
‫الوصول إلى المحرمات والرذائل‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬
‫( )‬
‫ل دَبَّابُ‬
‫عَبْ ُد النَّهارِ وزاني اللي ِ‬ ‫ق أَخْزَتْهُ مثالِبُهُ‬
‫إن الفرزد َ‬
‫َّ‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪61‬‬

‫فالسخرية قد صورتها حركة الدبيب التي يقوم بها الفرزدق في الليل بين الخدور‬
‫ليزاني النساء‪ ،‬ودلت صيغة المبالغة (دبَّاب) على كثرة قيامه بهذا العمل‪.‬‬

‫أما الحكم الخ ضري فيصور في سخرية دبيب شيوخ قوم ابن ميادة للفجور‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬

‫ب الظهرِ‬
‫ُب إلى الجاراتِ محدود َ‬
‫يَد ُّ‬ ‫ومنهن أنَّ الشيخَ يوجدُ منكم‬
‫َّ‬
‫( )‬
‫بريئاً فيُلقى بالخيانةِ والغدْرِ‬ ‫أن الجارَ يسكنُ وسطكم‬
‫ومنهن َّ‬
‫َّ‬

‫الحك والكشكشة‪:‬‬
‫‪ُّ -‬‬

‫الحكُّ‪ :‬إمرار جرم على جرم صكاً‪ ،‬والحكة‪ :‬الجرب‪ .‬وقد استعمل الشعراء‬
‫الحك في تصوير ساخر يدل على الجرب الذي يتميز به المسخور منه في جسمه‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فقد سخر جرير من األخطل وقبيلته تغلب مستغالً حركة(الحكِّ)‬
‫للداللة على العادة السيئة عند األخطل والتغلبيين عموماً‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫حك اسْتَهُ وتمثَّل األمْثَالَا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ح للقِرى‬
‫غلبي إذا تنحن َ‬
‫والت ُّ‬

‫فالسخرية في هذا البيت تجلت في حركة الحك لالست‪ ،‬وهي من العادات القبيحة‬
‫وغير المحمودة عند اإلنسان‪ ،‬وتتعمق السخرية أكثر عندما أطلق الساخر(أل) التي‬
‫تفيد عموم الجنس في قوله (التغلبي) فقد أفادت دخول عموم جنس التغلبيين في هذه‬
‫العادة السيئة‪ ،‬مما يدل على الدونية الخُلقية لألخطل وقبيلته كافةً‪ .‬وقد عُدَّ هذا البيت‬
‫من أبلغ صور االستخفاف وأفحشها‪ ،‬وذلك ألن هذا البيت رواه السفلة‪ ،‬وحفظه‬
‫األرذال في العصر األموي‪ ،‬حتى أن جريراً كان يفتخر بهذه الصورة الساخرة التي‬

‫( )‬
‫األصفهاني‪ ،‬أبو الفرج‪ ،‬األغاني‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪. 77‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪.82 ،‬‬
‫‪61‬‬

‫وسم بها األخطل وبني تغلب‪ ،‬فقال "لو أن األفاعي نهشت أستاهم ما حكوها‪ ...‬وقد‬
‫ن أحد منهم في استه لم يحكَّها" ( )‪.‬‬
‫ت بيتًا فيهم لو طُعِ َ‬
‫قُلْ ُ‬

‫ومن الصور الساخرة القائمة على حركة الحكِّ في الجسد(الكشيش)‪ ،‬وهو صوت‬
‫الجلد إذا حكَّ بعضه لبعض‪ ،‬وكشت المرأة وهو صوت جلدها إذا حكَّت بعضه‬
‫ببعض‪ .‬وفي هذا اإلطار فقد سخر إسماعيل بن عمار األسدي من جارية له‪ ،‬كانت‬
‫سيئة المنظر ‪ ،‬حيث تكشكش جسمها بين الحين واآلخر‪ ،‬بسبب عدم نظافة جسدها‬
‫(الوجه‪ ،‬والبطن‪ ،‬والصدر‪ ،‬والفخذين‪ ،‬والساقين‪ ،‬واألسنان‪ ،‬واألنف)‪ ،‬فقال ساخرًا‬
‫منها‪:‬‬
‫ن كبيضِ القطا األبرشِ‪.‬‬
‫ولو ٌ‬ ‫لها وجْهُ قِرْ ٍد إذا ازيَّنَتْ‬
‫ل الوافي من المرعشِ‪.‬‬
‫كمث ِ‬ ‫ومن فوقهِ لمةٌ جثلةٌ‬
‫فِرَا َر الهجين من األعمشِ‪.‬‬ ‫ت من البيتِ من أجلها‬
‫فَرَرْ ُ‬
‫( )‬
‫فقد قُلْتُ طرداً لها كشكشي‪.‬‬ ‫فهذي صفاتي كلها فال تأتِها‬

‫فالسخرية تجلت في قوله(كشكشي) للداللة على أن هذه المرأة ال تنظف جسمها‪،‬‬


‫وال تغتسل بالماء‪ ،‬فصارت تحكُّ جسمها كله بعضه ببعض‪ ،‬ومنه نستشف دونية‬
‫الجسد كله وصاحبته‪.‬‬
‫‪-9‬الوزوزة‪:‬‬
‫الوزوزة‪ :‬تعني مقاربة الخطو مع تحريك الجسد في أثناء المشي‪ ،‬والوزواز‬
‫من الرجال‪ :‬الذي يحرك استه إذا مشى ويلوِّيها‪ .‬وقد عدَّ جرير هذه الحركة التي‬

‫( )‬
‫الهادي‪ ،‬صالح الدين‪ ،‬اتجاهات الشعر في العصر األموي‪ ،‬ط ‪(،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ 809 ،‬ه‪-‬‬
‫‪ 74‬م)‪ ،‬ص ‪.4 2‬‬
‫( )‬
‫شعر إسماعيل بن عمار األسدي وأخباره‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬وفاء فهمي السند يوني‪ ،‬مجلة جامعة الملك سعود‪،‬‬
‫‪ 8‬ه‪ 77 -‬م‪ ،‬ص ‪. 44- 4‬‬ ‫اآلداب( )‪ ،‬المجلد(‪،)4‬‬
‫‪62‬‬

‫يتسم بها الفرزدق حركة تدل على انتقاص مكانة الفرزدق الرجولية‪ .‬وقد صوَّر‬
‫جرير هذه الحركة ساخرًا ومنتقصاً منها في قوله‪:‬‬
‫( )‬
‫ت بوَزْوَازٍ قصيرِ القوائِمِ‪.‬‬
‫وجاءَ ْ‬ ‫أم الفرزدقِ فاجرًا‬
‫ت ُّ‬
‫لقَ ْد وَلَدَ ْ‬
‫وفي رواية أخرى‪:‬‬
‫( )‬
‫وجاءَتْ بِوَزْوَازٍ قصي ِر القوائِمِ‪.‬‬ ‫أم الفرزدقِ فَاسِقًا‬
‫ت ُّ‬
‫لقَدْ وَلَدَ ْ‬
‫فحركة الوزوزة التي تميّزت بها مشية الفرزدق‪ ،‬فضالً عن ثغرة الفسق‬
‫واالستهتار عنده‪ ،‬جعلت جريراً يستغلها للسخرية من التقوى المزعومة عنده‪ ،‬ومن‬
‫ثم يعدُّه في عداد الفجار والماجنين والفاسقين‪ ،‬وفي هذا يؤكد جرير أن الفرزدق قد‬
‫وقع في أيدي المجان الذين اصطادوه بسبب سلوكه وحركاته الماجنة التي امتاز بها‪،‬‬
‫وفي هذا يقول جرير‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ن حتَّى صَارَ في كفِّ صائِدِ‪.‬‬
‫حيْ ُ‬
‫به ال َ‬ ‫ل‬
‫ف ولمْ يز ْ‬
‫يُلَوِّي اُستَ ُه مما يخا ُ‬
‫‪-4‬العَدْوُ‪:‬‬
‫العَدْوُ‪ :‬المشي والوثب والسرعة‪ .‬ويقال للرجل عدَّاءً إذا كان سريع الجري‪ .‬وقد‬
‫وظف الشعراء في العصر األموي العدو بطريقة عكسية‪ ،‬تجعل الحركة فعالً‬
‫تقهقرياً‪ ،‬ينتقص من مكانة صاحبها‪ ،‬فبدالً من أن يكون العدو مثاالً لإلسراع‬
‫والتصدر‪ ،‬أصبح في االنتقاص والخزي والعار‪ .‬ومن هذا المنطلق فقد حوَّل سراقة‬
‫البارقي العدو من الوثب واإلقدام إلى فعل لالنهزام والتقهقر‪ ،‬حيث يقول ساخراً من‬
‫عبد اهلل بن الزبير األسدي واصفًا إياه(بالثيتل) في قوله‪:‬‬

‫(‪)8‬‬
‫يَعْدُو وراءَهُم كَعَدْ ِو الثَّيْتَلِ‪.‬‬ ‫ت ابنَ الزّبي ِر لِذَنْبِهِ‬
‫عَمَدًا جَعَلْ َ‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 94‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ديوان سراقة البارقي‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪63‬‬

‫فسراقة قد سخر من عبد اهلل بن الزبير من خالل وصف عدوه كعدو الثيتل‪ ،‬ومعلوم‬
‫أن الثيتل هو الوعل المسن الذي يعدو ببطءٍ‪ ،‬بل إن استعارته لعدو الثيتل للداللة على‬
‫الضخم من الرجال الذي يظن الناس أنَّ فيه خيرًا وليس فيه سوى خير الثيتل‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬السخرية القائمة على األصوات ذات الجرس الموسيقي المشتق‪:‬‬

‫تقوم السخرية في هذا التشكيل اللغوي باالعتماد على مرونة اللغة بكل أشكالها‬
‫التركيبية وصورها الداللية؛ ألنها تقوم بدور المواجهة والتغيير والنقض والهدم‬
‫والتأسيس ألفكار جديدة‪ ،‬ولذا فهي تعتمد على استعمال هيئة لغوية‪ ،‬وتراكيب‬
‫مخصوصة تكون كفيلة بإبراز الوضع الساخر والدوني للمسخور منه‪ ،‬وهذا يكون‬
‫بتطويع اللغة لغرضه الساخر؛ ألن اللغة تحمل في ثناياها كل اإليقاعات المولدة‬
‫للشعر الساخر‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنّ السخرية في هذا النمط تستلهم قدرتها من اللغة ذاتها‬
‫بتراكيبها ودالالتها‪ ،‬ومن موقعها في السياق الحدثي‪ ،‬ومن خالل خروجها عن‬
‫المألوف اللغوي عبر اشتقاق جرس موسيقي ألصوات جديدة تواكب عالمه وواقعه‬
‫الذي يفرض عليه تلك التراكيب الصوتية الجديدة في الشعر الساخر من أجل‬
‫المواجهة مع المسخور منه‪.‬‬

‫والمتأمل لشعر جرير يجد التوظيف الصوتي الساخر لكثير من األصوات الدالة‬
‫على االستخفاف والهزء والسخرية التي اشتقها من إيقاعها الموسيقي الساخر‪ ،‬وكذلك‬
‫من داللتها المبهمة في بعض األصوات التي تقترب من الفكاهة والضحك‪ .‬وجرير‬
‫من خالل هذا االشتقاق اللغوي لألصوات الساخرة نستشف أنه يرى أن" اللغة‬
‫تتجدد‪-‬على المستوى التعبيري‪-‬على أيدي المبدعين بها شعراً عبر مظاهر الجرأة‬
‫‪64‬‬

‫اللغوية" ( )‪ ،‬على اعتبار أن اللغة العربية لغة اشتقاقية ونامية‪ ،‬وأنَّ هذا االشتقاق‬
‫ألصوات السخرية مما تفرضه ضرورات اإلبداع الفني في الشعر‪ ،‬فهي اشتقاقات‬
‫لغايات تعبيرية وتأثيرية على صعيد النص الشعري األموي الساخر‪.‬‬

‫ويكثر في شعر جرير استعمال األلفاظ ذات الرنين الصوتي التي تدل على‬
‫االستخفاف‪ ،‬وتعلو منها نبرة الهزء والسخرية‪ ،‬ومن بين تلك األلفاظ‪ :‬جوخى ( )‪،‬‬
‫(‪، )8‬‬
‫)‪ ،‬قبقب‬ ‫(‬
‫خضاف أو خيضف (‪ ،)2‬ضوطر وضياطر‬ ‫خجخج (‪ ،)4‬الجيثلوط‬

‫والنخوار (‪ ،)9‬قذام (‪ ،)4‬الجلوبق (‪.)7‬‬

‫ومن المالحظ أن هذه األصوات رنينية الوقع‪ ،‬ساخرة الداللة‪ ،‬تتجلى منها‬
‫الدونية واالحتقار للمسخور منه‪ ،‬وعلى الرغم من أنَّ أصواتها مما تنفر منه األذن‬
‫كاجتماع (الجيم والخاء)‪ ،‬و(الثاء والطاء)‪ ،‬و(الضاد والظاء)‪ ،‬إال أنها كانت تؤدي‬
‫(‪) 0‬‬
‫دورها من قبل الشاعر(الساخر) في عملية االستخفاف والهدم للمسخور منه‪.‬‬

‫وقد كانت تلك األصوات التي اشتقها جرير في ثنايا شعره الساخر تمنح النص‬
‫الشعري نبرة ساخرة من خالل عالقته مع المسخور منه‪ ،‬وكذلك تلقيها من قبل‬
‫الجمهور المتابع للشعر األموي في تلك الفترة؛ ألنَّ السخرية‪-‬عادةً‪-‬تتشكل عبر‬

‫( )‬
‫العبد‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬اللغة واإلبداع األدبي‪ ،‬ط ‪( ،‬القاهرة‪ ،‬األكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي‪+‬مكتبة دار المعرفة‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 009‬م)‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫( )‬
‫جوخى‪ :‬اسم لإلماء‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫خجخج‪ :‬االستخفاف‪ ،‬وسرعة اإلناخة والجماع والحمق‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الجيثلوط‪ :‬شتم اخترعه للنساء ومعناه الكذابة السلَّاحة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الخضاف‪ :‬مشتق من الخضف‪ ،‬وهو الضراط‪.‬‬
‫( )‬
‫ضوطر‪ :‬الضخم اللئيم العظيم االست‪.‬‬
‫(‪)9‬‬
‫قبقب والنخوار‪ :‬من أسماء اإلماء‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫قذام‪ :‬هي التي تلطخ الجعر‪ :‬وهو البراز‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫الجلوبق‪ :‬الرجل ذو الجلبة والضجة‪ ،‬وهو الجبان‪ ،‬ويقال إنه لص من بني مهرة يستخدم للنبز‪.‬‬
‫(‪) 0‬‬
‫يُنظر‪ :‬طه‪ ،‬د‪ .‬نعمان محمد أمين‪ ،‬السخرية في األدب العربي‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪65‬‬

‫الالتكافؤ الناشئ بين الساخر والمسخور منه‪ ،‬فضالً عن الدونية المضحكة أو‬
‫المأساوية التي يراها الساخر بارزة في شخصية المسخور منه‪.‬‬

‫ومن أجل الوقوف على األصوات الساخرة التي استخدمها جرير في شعره‬
‫الساخر‪ ،‬نقف على شعر الفرزدق الذي سخر فيه من جرير في قوله‪:‬‬
‫( )‬
‫وتخالُنا جِنّ ًا إذا ما نجهلُ‪.‬‬ ‫ن الجبالَ رزان ًة‬
‫أحالمُنا تَزِ ُ‬

‫فأجابه جرير مستخدماً أصواته الساخرة التي اشتقها على صعيد الشعر الساخر تجاه‬
‫المسخور منه (الفرزدق وقبيلة مجاشع)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫والَجيْثَلُوطُ ونَخْبَ ًة خَوَّارَا‪.‬‬ ‫ت‬


‫ف إذا الفحولُ تُنُجِّبَ ْ‬
‫عُدُّا خَضا َ‬
‫( )‬
‫فافْخ ْر بِقَبْقَبَ واذكُ ِر النِّخْوارَا‪.‬‬ ‫وإذا فَخَرْتَ بأُمَّهَاتِ مُجاشعٍ‬
‫(‪)4‬‬
‫أرغوانَ تدعو للجوارِ وضَوْطَرَا‪.‬‬ ‫ش للحواريِّ جارَكُمْ‬
‫وقالَتْ قري ٌ‬

‫فجرير من خالل األبيات السابقة قد هدم البناء الشامخ للفرزدق وقبيلته‪ ،‬وتكمن‬
‫السخرية في النعوت الساخرة التي اشتقها جرير وجعلها ملتصقة بهم‪ ،‬بل إنَّ هذه‬
‫النعوت أصبحت الزمة اسمية يعرفون بها‪ ،‬ويعدُّون في عدادها (الخضاف‪،‬‬
‫والنخوار‪ ،‬والضوطر‪ ،‬والجيثلوط)‪ ،‬أي أنهم الضراطون والكذابون والضخام‬
‫والجبناء‪.‬‬

‫ويكثّف جرير هجومه الساخر على الفرزدق عبر اشتقاق األصوات الساخرة‬
‫ألسماء اإلماء التي يجريها عليهم آباءً وأمهات وألقاباً‪ ،‬فأصبحوا ينادون بها‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المصدر السابق‪. 88 ،‬‬
‫‪66‬‬

‫بنُو جَوْخَى وَخَجْخَجَ والقِذَامِ‪.‬‬ ‫فإن مُجاشعاً فتعرَّفوهم‬


‫َّ‬
‫( )‬
‫ل في القلوبِ وفي العِظَامِ‪.‬‬
‫بِذَحْ ٍ‬ ‫وَأُمُّهُمُ خَضَافٍ تداركَتْهُمْ‬
‫( )‬
‫ل للزبي ِر وَمَانِعُ‪.‬‬
‫َولُ َرحْ ٍ‬
‫مُح ِّ‬ ‫ن يا أوالدَ خَجْخَجَ فيكُ ُم‬
‫لَقَ ْد كا َ‬

‫نح َو القيونِ وما بِهُنَّ نِفَارُ‪.‬‬ ‫تلقى بناتِ أبي الْجَلَوْبَقِ نُزَّعًا‬
‫(‪)4‬‬
‫و َبنِيهِ قد وَلَدَتْهُ ُم النَّخْوارُ‪.‬‬ ‫ف قدْ ولدَتْ أباكَ مُجاشعًا‬
‫وخَضَا ٍ‬

‫فجرير في أبياته السابقة قد جعل الناس في عصره ينادون أبناء قبيلة مجاشع‬
‫وبناتها باألصوات الساخرة التي اشتقها من أسماء اإلماء‪ ،‬ولهذا فإنَّه يوظِّف داللة‬
‫هذه األصوات بهدف بناء عناصر لغوية ساخرة تكون أكثر التصاقاً بالمسخور منه‪،‬‬
‫وهو بهذا يكون قد أسس ألواناً فنية تُبنى عليها السخرية من خالل استخدام أصوات‬
‫اللغة وتوظيفها داللياً لخدمة الشعر الساخر في عصره‪.‬‬

‫ومن السخرية القائمة على الجرس الموسيقي المشتق من قبل الساخر ما قاله‬
‫إسماعيل بن عمار األسدي في جارية له سيئة الخلق‪ ،‬قبيحة المنظر‪ ،‬ال تحسن‬
‫معاملته‪ ،‬فاستخدم لها اسمًا له نبرة موسيقية ساخرة(زمَّرْدَة)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫َلص وأخْبَثَ من كُنْ ُدشِ‪.‬‬


‫أ َّ‬ ‫بُلِيْتُ بِزَمَّرْدَ ٍة كالعصا‬
‫(‪)8‬‬
‫ل وتمشي مع األسف ِه األطيشِ‪.‬‬
‫ِب النساءَ وَتَأبى الرجا َ‬
‫تُح ُّ‬

‫فاالسم الساخر لهذه الجارية(زمَّردة) ليست له أصول في العربية‪ ،‬وإنَّما هو من‬


‫الفارسية المعربة‪ ،‬فغرابة االسم في العربية يتناسب مع شذوذ الجارية في مجتمعها‬
‫ألن الزمّردة هي المرأة التي تشبه الرجال خَلْق ًا وخُلُقاً‪ ،‬ولهذا يمكن القول إنَّ‬
‫األنثوي؛ َّ‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪. 02‬‬
‫(‪)8‬‬
‫شعر إسماعيل بن عمار األسدي وأخباره‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪67‬‬

‫"حسن االسم ما يكون في الجرس‪ ،‬ومنه ما يكون في المعنى‪ ،‬وكذلك القول في‬
‫قبحه"( )‪ ،‬فالسخرية من هذه الجارية قائمة على النبرة الساخرة في الجرس الموسيقي‬
‫السمها‪ ،‬كما أنَّ قبح االسم صوتياً يتناسب مع معناه الغريب‪ ،‬وهما يتطابقان مع شكل‬
‫الجارية وأوصافها‪ ،‬ولذا فهي عكس ما يقوله‪ ،‬فهي تحب الرجال وتكره النساء‪،‬‬
‫وتسير مع الطائش من الرجال‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ الساخر يراها تمتاز بالقبح‬
‫األنثوي مقارنة بالنساء في عصرها‪.‬‬

‫ومن أمثلة السخرية القائمة على الجرس المشتق بهدف السخرية ما قاله الشاعر‬
‫القتال الكالبي حينما سخر برجل من بني جعفر‪ ،‬فقذفه بالبخل‪ ،‬فاختار له اسماً تنبع‬
‫من ثنايا موسيقاه النبرة الساخرة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫هزلى تجرِّرُهم ضِباعُ جَعَارِ‪.‬‬ ‫ن وقومُهُ‬


‫ج السمي ُ‬
‫ياأيُّها العَفِ ُ‬

‫أن الطعامَ يَحُور شَرَّ محارِ‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ن‬
‫ت بفاعلٍ‪ -‬ولَتَعْلَمَ ْ‬
‫أطْعِمْ‪-‬ولَسْ َ‬
‫( )‬
‫ض الوجو ِه نَقِيَّ ُة األبصارِ‪.‬‬
‫بي ُ‬ ‫ب المآ ِكلُ والسِّنُونَ وجَعْفَ ٌر‬
‫ذَهَ َ‬

‫فسخرية القتال الكالبي تتجلى في الجرس الموسيقي لوصف المسخور منه(العفج)‪،‬‬


‫وهو الرجل الذي سَمُنَتْ أعفاجه‪-‬وهي اإلمعاء‪ -‬من كثرة األكل‪ ،‬ولهذا فإنَّ الجرس‬
‫الصاخب لحرفي (العين والجيم) مع توسط حرف الهمس(الفاء) يدل على ارتجاج‬
‫الصوت فيه‪ ،‬مما يدل على نبذ الكرم والنجدة عند المسخور منه‪ .‬وعلى هذا فإنَّ‬
‫السخرية في صفة المسخور منه(العفج) يتعاضد فيها الصوت المسموع (العفج) مع‬
‫االنفعال الذاتي للساخر‪ ،‬بحيث يتواتر الجرس الموسيقي المسموع للكلمة الساخرة مع‬
‫إثارة الجانب المعنوي للمتلقي للسخرية‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ جمالية السخرية في‬

‫) أرسطو طاليس‪ ،‬الخطابة‪ ،‬الترجمة العربية القديمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة لجنة التأليف‬ ‫(‬

‫والترجمة والنشر‪ 727 ،‬م)‪ ،‬ص‪. 70‬‬


‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 7‬م) ‪ ،‬ص‬ ‫ديوان القتال الكالبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬إحسان عباس‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫‪68‬‬

‫الجرس الموسيقي عند القتال الكالبي (للعفج)" ال تتركز في حسن الصوت فحسب‪،‬‬
‫( )‬
‫فالعالقة القائمة في‬ ‫وإنَّما فيما يثيره الصوت المسموع من انفعال ذاتي لإلنسان‪".‬‬
‫الذهن للسخرية تكمن في جرس الكلمة ومعناها‪ ،‬كما أنَّ وجود التضاد في (السمين‪،‬‬
‫الهزيل) يؤكد تجرد المسخور منه من النجدة والكرم‪ ،‬وتكتمل الصورة الساخرة‬
‫وضوحاً وعمقاً في فعل األمر(أطْعِمْ)‪ ،‬والجملة المعترضة (ولست بفاعلٍ) مما يؤكد‬
‫التصاق البخل والتقتير والشُّح بالمسخور منه‪ ،‬في حين أنَّ الساخر" ال يؤمن بالبخل‪،‬‬
‫( )‬
‫بل يؤمن بالكرم والشمائل الحميدة من النبل والعِفَّة والنجدة والمروءة"‬
‫ومن صور السخرية القائمة على الجرس الموسيقي المشتق للكلمة الساخرة ما‬
‫قاله الحزين الكناني في رجل من بني عامر بن لؤي يلقب بأبي بعرة‪ ،‬حيث قال عنه‬
‫في سخرية عابثة‪ ،‬استخفافًا واحتقاراً به‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ت سَعْداً والعَمْراً‪.‬‬
‫عمْ ٍرو فَ َما أشْبَهْ َ‬
‫َو َ‬ ‫ل‬
‫صَحَبْتُكَ عاماً بَعْدَ سعدِ بن نَوْفَ ٍ‬
‫فَحُزْتَ ِب ِه ذم ًا وحَازَا به شكرَا‪.‬‬ ‫ب العُال‬
‫وجَادَا كَ َما قَصَّرْتَ في طَلَ ِ‬
‫حقْتُم به نَزْرَا‪.‬‬
‫وأنتُم بَنُو قَيْنٍ لَ ِ‬ ‫ك‬
‫ك الجِ َعادُ البيضُ من آلِ مَال ٍ‬
‫أَوْالدُ َ‬
‫ق به في كلِّ مجموحةٍ َوبرَا‪.‬‬
‫سو ُ‬
‫نَ ُ‬ ‫نَسُوقُ بيعُورًا أَمِيْراً كأنَّما‬
‫ِق َراهُ فقد كانَتْ إمَارتُهُ نُكْرَا‪.‬‬ ‫ن يَكُنْ البيعورُ ذَ َّم رفيق ُه‬
‫فإ ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫فَقَ ْد زادَهُ البيعورُ في فَقْرِه فَقْرَا‪.‬‬ ‫ومُتَّبعُ البيعور يرجُو نوالَه‬
‫فالسخرية تجلت في االشتقاق الصوتي الساخر السم أبي بعرة ب (البيعور)‪،‬‬
‫وتكراره في القصيدة يوحي بتعميق السخرية من صفاته التي تميَّز بها المتمثلة في‬
‫تولي اإلمارة وهو ليس أهالً لها‪ ،‬فضالً عن قينونته وبخله وفقره‪ .‬ولهذا فإنَّ ما‬

‫( )‬
‫هالل‪ ،‬د‪ .‬ماهر مهدي‪ ،‬جرس األلفاظ وداللتها في البحث البالغي والنقدي عند العرب‪( ،‬بغداد‪ ،‬دار الرشيد‬
‫للنشر‪ 740 ،‬م)‪ ،‬ص‪.4 0‬‬
‫( )‬
‫عطوان‪ ،‬د‪ .‬حسين‪ ،‬الشعراء الصعاليك في العصر األموي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪. 89‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر الحزين الكنانيّ‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬عبد العزيز إبراهيم‪ ،‬مجلة المورد‪( ،‬العراق‪ ،‬المجلد ‪ ،40‬العدد‪، ،‬‬
‫‪ 00‬م)‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫‪69‬‬

‫أحدثه الحزين الكناني في حروف اسم المسخور منه إنَّما يهدف إلى" العبث في‬
‫( )‬
‫بهدف السخرية‬ ‫العبارات والزيادة في حروف الكلم على ما سمع من العرب"‬
‫والعبث بالمسخور منه‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬سخرية الترجيع الصوتي‪:‬‬

‫تشكلت السخرية في الشعر األموي لغوياً من خالل اعتمادها على وحدات‬


‫كالمية محددة‪ ،‬أو مقاطع صوتية متوالية‪ ،‬ترد في النص الشعري؛ ألن" داللة المقطع‬
‫تتشكل وفق تظافره مع المقاطع األخرى‪ ،‬ووفق تتابع المقاطع في السياق الكلي‬
‫للنص‪ ،‬وال توجد داللة منعزلة عن السياق"( )‪ ،‬ومن ثم تتحول تلك الكلمات‬
‫والوحدات والمقاطع من نسق فردي إلى نسق متكامل يصور شخصية المسخور منه‬
‫عبر المتواليات اإليقاعية التي يشكلها الشاعر(الساخر) بوساطة الترجيع الصوتي‬
‫الذي ينتج عن موسيقى تلك األصوات‪ ،‬سواء اصطحب الدال والمدلول معاً‪ ،‬أو‬
‫(‪)4‬‬
‫استصحب الدال بمفرده ‪ ،‬فتنشأ معه السخرية وجماليتها‪ ،‬فالصوت يشكل القيمة‬

‫الجمالية واإليقاعية في النص الشعري‪.‬‬

‫ويتكون اإليقاع الساخر في الشعر األموي من خالل التفاعل الطريف بين ما‬
‫تراه العيون من صور قبيحة ‪ ،‬أو سلوكيات محتقرة في المسخور منه‪ ،‬وما تسمعه‬
‫اآلذان من إيقاع صوتي‪ ،‬يتولد منهما تشويه المسخور منه وازدرائه‪ ،‬وعلى إثر ذلك‬
‫يتولد الضحك بما هو ردُّ فعل طبيعي على تلك المثيرات الصوتية واإليقاعية التي‬
‫أُلِّفت لغرض السخرية‪.‬‬

‫) القرطاجني‪ ،‬حازم‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫(‬

‫مبروك‪ ،‬مراد‪ ،‬من الصوت إلى النص‪ ،‬ص ‪.2‬‬ ‫( )‬

‫(‪)4‬‬
‫يُنظر‪ :‬الحلواني‪ ،‬عامر‪ ،‬أساليب الهجاء في شعر ابن الرومي‪ ،‬ص ‪. 0-27‬‬
‫‪71‬‬

‫وقد تجلت األساليب اإليقاعية القائمة على السخرية من خالل البنية العروضية‬
‫المجزوءة أو المشطورة‪ ،‬بحيث تتناسب مع قبح المسخور منه‪ ،‬وعدم كماله في‬
‫الواقع االجتماعي‪ ،‬كما تجلت السخرية أيضاً عبر إيقاع أصوات حروف الروي‬
‫والقافية‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ اإليقاع الساخر يكون" أساسه االنسجام الصوتي ال‬
‫الذهني"( )‪ ،‬ومنه ينبثق نفس موسيقي‪ ،‬تبرز من ثناياه النفس الساخرة‪ ،‬التي شكَّلت‬
‫فإن‬
‫عبر سخريتها ِائتالفاً لصور عينية للمسخور منه مع اإليقاع الصوتي‪ ،‬وعلى هذا َّ‬
‫اإليقاع الصوتي الساخر يتمثل" فيما تعكسه اللغة من أسرار‪ ،‬وما يتجلى فيها من‬
‫( )‪.‬‬
‫تناسب بين الدالالت الصوتية واالنفعاالت التي تتراسل معا"‬

‫ومن صور التماثل لإليقاع الصوتي في الشعر األموي الساخر مع الصور‬


‫الحسية للمسخور منه قول زياد األعجم عندما يسخر من األشاقرة‪:‬‬

‫ت أحْسبهم كانوا وال خُلِقُوا‬


‫وما كنْ ُ‬ ‫قَالُوا‪ :‬األشاقرُ تهجوكم فقلتُ لهم‬

‫ب الما ِء ال أَصْلٌ وال وَرَقُ‬


‫كطحل ِ‬ ‫ب الزاكي بمنزل ٍة‬
‫قَوْ ٌم من الحَسَ ِ‬

‫ب غَرِقُوا‬
‫ل عليهم ثَعْلَ ٌ‬
‫ولوْ يبو ُ‬ ‫ت حياتُهُمُ‬
‫ال يكثرون وإنْ طالَ ْ‬

‫(‪)4‬‬
‫غلِقُوا‬
‫لَ ْو يُرْهَنُونَ بِنَعْلَي عَبْدِنَا َ‬ ‫إن األشاقرَ قد أضحوا بمنزلةٍ‬
‫َّ‬

‫فالسخرية تجلت من اإليقاع الصوتي في األبيات عبر حرف الروي (القاف)‬


‫المضمومة‪ ،‬والقاف" صوت شديد من األصوات المجهورة"(‪ ،)8‬كما أنه" يدل على‬

‫( )‬
‫كشك‪ ،‬أحمد‪ ،‬القافية تاج اإليقاع الشعري‪( ،‬مكة المكرمة‪ ،‬المكتبة الفيصلية‪ 742 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫( )‬
‫أحمد‪ ،‬د‪ .‬محمد فتوح‪ ،‬ظاهرة اإليقاع في الخطاب الشعري‪ ،‬مجلة البيان‪( ،‬الكويت‪ ،‬العدد (‪ ، ) 44‬مارس‪،‬‬
‫‪ 770‬م) ‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر زياد األعجم‪ ،‬جمع وتحقيق ودراسة‪ :‬د‪ .‬يوسف بكار‪ ،‬ط ‪( ،‬عمَّان‪ ،‬دار المسيرة‪ 804 ،‬ه ‪ 744-‬م) ‪،‬‬
‫ص‪.42‬‬
‫(‪)8‬‬
‫أنيس‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم‪ ،‬األصوات اللغوية‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ 770 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪71‬‬

‫المفاجأة التي تحدثُ صوتاً" ( )‪ .‬ومن هذا المنطلق فقد تجلت المفاجأة الساخرة لبني‬
‫األشقر عبر التماثالت الصوتية لحرف الروي (لم يخلقوا‪ ،‬ال أصلٌ وال ورقُ‪،‬‬
‫غرقُوا‪ ،‬غلقُوا)‪ ،‬وتجلت السخرية أيضاً في أنَّ (حسب بني األشقر طحلب الماء)‪،‬‬
‫(تعداد األشاقر يغرقون ببول الثعلب)‪( ،‬منزلة األشاقر نعل العبيد)‪ .‬ولهذا فإنَّ كل‬
‫هذه الصفات العينية‪ :‬الطحلب‪ ،‬وبول الثعلب‪ ،‬والنعل‪ ،‬يتجلى منها االحتقار والضعة‬
‫واإلهانة والدونية لألشاقر‪ ،‬وبالمقابل تبرز شخصية الساخر متقلدةً العلو واالستعالء‪.‬‬
‫واعتمد الشعراء األمويون في إطار اإليقاع الصوتي الساخر على استخدام‬
‫البحور المجزوءة‪ ،‬فهذا يزيد بن مفرغ الحميري يستخدم مجزوء البحر الكامل‬
‫مصورًا السخرية من عباد بن زياد ابن أبيه ونسوته‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ج أشراط القِيَامَهْ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ت عب َد بني عال‬
‫َوتَبِعْ ُ‬
‫سَكَّا ُء تَحْسَبُها نَعَامَهْ‪.‬‬ ‫ت ب ِه حبشِيَّةٌ‬
‫جَاءَ ْ‬
‫ُن الدَّمَامَهْ‪.‬‬
‫ِه ترى عليه َّ‬ ‫من نسوةٍ سُو ِد الوجو‬
‫( )‬
‫والحرُّ تكفي ِه المالمَهْ‪.‬‬ ‫ع بالعصا‬
‫والعبدُ يُقْ َر ُ‬
‫فالسخرية تجلت من خالل بحر الكامل المجزوء ليتناسب مع المسخور منه عباد‬
‫بن زياد الذي نعته يزيد الحميري بالعبودية‪ ،‬وأمه الحبشية‪ ،‬فنقصان التفعيالت‬
‫الصوتية في القصيدة جاءت لتناسب حالة الدونية للمسخور منه‪ ،‬فأمه قد وُهِبَتْ‬
‫للحارث بن كلدة‪ ،‬فهي كانت أيضا من الرقيق‪ ،‬فاالبن وأمه ينتسبان للرقيق‬
‫والعبودية‪ ،‬وهنا تتعمق السخرية‪ ،‬ولهذا جاء البحر المجزوء متناغماً مع الحالة‬
‫المحتقرة للمسخور منهم في الواقع االجتماعي‪ ،‬فضالً عن استخدامه لحرف الروي‬
‫الساكن الدالة على التالشي والمحق‪ ،‬والسكون هي أخف الحركات فهي تتناسب أيضاً‬
‫مع الحالة الدونية للمسخور منه‪.‬‬

‫( )‬
‫علي‪ ،‬د‪ .‬أسعد أحمد‪ ،‬تهذيب المقدمة اللغوية للعاليلي‪ ،‬ط‪( ،،4‬دمشق‪ ،‬دار السؤال للطباعة والنشر‪ 80 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 742‬م) ‪. 8 ،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪2-‬‬ ‫) ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص‬ ‫(‬
‫‪72‬‬

‫وفي إطار السخرية القائمة على اإليقاع الصوتي الساخر نجد جريراً يستخدم‬
‫البحر المشطور في سخرياته‪ ،‬حيث استخدم بحر الرجز المشطور في أثناء سخريته‬
‫من بني السليط في قوله‪:‬‬

‫إنَّ سَلِيطًا في الخَسَا ِر إنَّهْ‪.‬‬


‫أوْالدُ قَوْ ٍم خُلِقُوا أَقِنَّهْ‪.‬‬
‫ال تُوعِ ُدني يا بني األصِ َّنهْ‪.‬‬
‫إن لهم نُسَيَّ ٌة لُ ِعنَّهْ‪.‬‬
‫َّ‬
‫سُودًا مَغَالِيم إذا بَطِنَّهْ‪.‬‬
‫( )‬
‫ن المسْتَنَّهْ‪.‬‬
‫ل األُتُ ِ‬
‫يَفْعَلْنَ فِ ْع َ‬
‫فالسخرية تتجلى في اإليقاع الصوتي من خالل البحر المشطور‪ ،‬وحرف‬
‫الروي(الهاء) ‪ ،‬والهاء تدل على التالشي‪ ،‬كما أنَّه صوت مهموس مهتوت يتجلى منه‬
‫( )‬
‫مما يدل‬ ‫الضعف والخفاء‪ ،‬والنون حرف يدفع الهواء من الرئتين أثناء نطقه‪،‬‬
‫على دفع المسخور منه نحو االنكسار واالحتقار والتالشي والسحق واإلبادة‪ ،‬عبر‬
‫اإليقاع الصوتي لحرفي (النون والهاء)‪ .‬وجرير في سخريته من بني السليط قد‬
‫صوَّر المسخور منهم حسياً في القينونة‪ ،‬والروائح النتنة والبطون العكنة‪ ،‬واللعن‬
‫والطرد‪ ،‬والحيوانية والبهيمية(األتن)‪ ،‬فهذه صفات عينية وحسية للمسخور منهم‪،‬‬
‫يتجلى منها اإلهانة والقبح والمذلة والسخرية‪ ،‬وهو بهذا التصوير الساخر يرى أنهم‬
‫أقرب إلى الحيوانات‪ ،‬وهذه الصفات الحسية تتعاضد مع اإليقاع الصوتي الساخر‬
‫لحرفي (النون والهاء) في االندفاع والتالشي‪ ،‬فضالً عن حركة الروي(السكون)‪،‬‬
‫والسكون من أخف الحركات في العربية لتتناغم مع خفة قبيلة بني السليط ودونيتها‬
‫في الواقع االجتماعي في عصر بني أمية‪ .‬كما أنَّ استخدام الشاعر لبحر الرجز‬

‫) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.274‬‬ ‫(‬

‫) يُنْظر‪ :‬أنيس‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم‪ ،‬األصوات اللغوية‪ ،‬ص ‪.47-44‬‬ ‫(‬


‫‪73‬‬

‫يحمل في داللته االستهجان؛ ألن" الرجز أمارة من أمارات الهنة والضعف الفني"‬
‫)‪ ،‬وهو ما يتطابق مع الوضع االجتماعي المحتقر لبني السليط‪.‬‬ ‫(‬

‫ومن السخرية القائمة على استخدام المشطور من البحور قول أبي النجم العجلي‬
‫في إحدى أرجوزاته الساخرة موصيًا ابنته في أثناء زواجها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫أُوْصِيكِ يا بنتي فإنِّي ذَاهِبُ‪.‬‬
‫ك القرائبُ‪.‬‬
‫ك أنْ تَحْمُدَ ِ‬
‫أُوْصِي ِ‬
‫ف الكريمُ الساغِبُ‪.‬‬
‫والجا ُر والضَّيْ ُ‬
‫ال يرجع المسكينُ وهو خائبُ‪.‬‬
‫ك السالهبُ‪.‬‬
‫وال تني أَظْفَارُ ِ‬
‫منهنَّ في وج ِه الحَما ِة كاتبُ‪.‬‬
‫( )‬
‫إن الزوج بِ ْئسَ الصاحبُ‪.‬‬
‫ج َّ‬
‫والزو ُ‬
‫فأبو النجم العجلي استخدم في هذه األرجوزة بحر الرجز المشطور‪ ،‬وهوما يتناسب‬
‫مع حالة الفكاهة والسخرية من الزوج وأهله‪ ،‬ولكون حالته معسرة‪ ،‬وظروفه قاسية‪،‬‬
‫فإنَّه استخدم المشطور من البحور لتناسب حالة النقصان والدونية التي يعيشها أبو‬
‫النجم وابنته وزوجها في الواقع االجتماعي والمعيشي‪ ،‬كما تجلت السخرية فيما دلَّ‬
‫عليه حرف الروي(الباء)‪ ،‬فهو صوت شديد مجهور‪ ،‬ومن حروف اإلطباق‬
‫(‪)8‬‬
‫واالنفجار‪ )4( ،‬كما أنه يمتاز"بالقوام الصلب‪".‬‬

‫) الخراشي‪ ،‬د‪ .‬عبدالعزيز‪ ،‬ظاهرة حديث الشعر عن الشعر من العصر الجاهلي حتى العصر األموي اآلفاق‬ ‫(‬

‫والغايات‪ ،‬ط ‪( ،‬الرياض‪ ،‬كرسي د‪ .‬عبدالعزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها‪ ،‬جامعة الملك سعود‪،‬‬
‫‪ 0‬م) ‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫‪ 844‬ه ‪-‬‬
‫) ديوان أبي النجم العجلي‪ ،‬صنعه وشرحه‪ :‬عالء الدين آغا‪( ،‬الرياض‪ ،‬النادي األدبي‪ 80 ،‬ه ‪ 74 -‬م) ‪،‬‬ ‫(‬

‫‪. 9-‬‬ ‫ص‬


‫(‪ )4‬يُنْظر‪ :‬أنيس‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم‪ ،‬األصوات اللغوية‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫(‪ )8‬علي‪ ،‬د‪ .‬أسعد أحمد‪ ،‬تهذيب المقدمة اللغوية للعاليلي‪ ،‬ص‪. 4‬‬
‫‪74‬‬

‫ومن هذا المنطلق فقد توفرت الصالبة واالنفجار واإلطباق في بنود وصية‬
‫أبي النجم العجلي البنته تجاه الزوج والحماة المتمثل في خدش وجرح وجهي الزوج‬
‫وأمه‪ ،‬وهنا يكمن اإلضحاك والتهكم والمفاكهة من خالل هذه الوصية الساخرة ألبي‬
‫النجم‪.‬‬
‫ومن السخرية القائمة على التماثل الصوتي لإليقاع مع الصور الحسية‬
‫للمسخور منه في الواقع قول مسكين الدَّارمي متهكماً باإلنسان األحمق‪ ،‬ومحتقراً‬
‫أفعاله الصادرة منه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ب الَخلَقْ‪.‬‬
‫إنَّما األحمقُ كالثو ِ‬ ‫ق أنْ تَصْحَبَهُ‬
‫ق األحم َ‬
‫اِتْ ِ‬
‫ح وهناً فانْخَرَقْ‪.‬‬
‫حرَّ َكتْ ُه الري ُ‬ ‫كلَّما رقعتَ منهُ جانبًا‬
‫ع زجاجٍ مُتفقْ‪.‬‬
‫هل ترى صد َ‬ ‫أو كصدعٍ في زجاجٍ فاحشٍ‬
‫أفْسَ َد المجلسَ منه بالخَرَقْ‪.‬‬ ‫وإذا جالستَهُ في مجلسٍ‬
‫زاد جهالً وتَمادَى في الحمَقْ‪.‬‬ ‫وإذا نهنهته كي يرعوي‬
‫ن الطَبَقْ‪.‬‬
‫ق الشَّ ُ‬
‫فهناكم واف َ‬ ‫ش القى فاحشاً‬
‫وإذا الفاح ُ‬
‫كغرابِ السوءِ ما شاءَ نَعَقْ‪.‬‬ ‫إنَّما الفحشُ ومن يعتاد ُه‬
‫ع نَهَقْ‪.‬‬
‫ن جا َ‬
‫رمح الناسَ وإ ْ‬ ‫ن أشْبَعْتَ ُه‬
‫أو حمارُ السوءِ إ ْ‬
‫( )‬
‫ق الجا َر وإنْ يشبعْ فَسَقْ‪.‬‬
‫سَرَ َ‬ ‫وغال ُم السو ِء إنْ جوَّعتَهُ‬
‫فاإليقاع الصوتي للروي في أبيات مسكين الدارمي قد تشكل من القاف الساكنة‪،‬‬
‫والسكون أخف الحركات‪ ،‬فهي تتناسب مع خفة األحمق اجتماعياً‪ ،‬فضالً عن‬
‫المفاجأة الصوتية الصادرة من القاف والمتصلة باألحمق وسلوكه من خالل (الخلق‪،‬‬
‫وانخرق‪ ،‬والخرق‪ ،‬والحمق‪ ،‬والطبق‪ ،‬ونعق‪ ،‬ونهق‪ ،‬وفسق) فهي توحي بدالالت‬
‫تهكمية من سلوك األحمق‪ .‬كما أنَّ مسكين ًا في أبياته السابقة قد أظهر احتقاراً‬

‫) ديوان مسكين الدارمي‪ ،‬جمعه وحققه‪ :‬عبداهلل الجبوري وَ خليل العطية‪ ،‬ط ‪ (،‬بغداد‪ ،‬مطبعة دار البصري‪،‬‬ ‫(‬

‫‪ 790‬م)‪ ،‬ص ‪.2 -22‬‬


‫‪75‬‬

‫واستخفافاً باألحمق‪ ،‬فاستخدم بحر الرمل المجزوء؛ ألن الشاعر(الساخر) إذا قصد‬
‫موقفاً "هزلياً أو استخفافياً وقصد تحقير شيء أو العبث به حاكى ذلك بما يناسبه من‬
‫( )‬
‫األوزان الطائشة القليلة البهاء"‪.‬‬
‫ومن السخرية القائمة على المتواليات اإليقاعية الساخرة ما يتجلى في التماثل‬
‫اإليقاعي المرتبط بالمعنى الداللي في البيت الشعري والقصيدة كلها‪ ،‬بحيث يتناسب‬
‫التركيب الصوتي المتوالي في البيت الشعري مع داللة السخرية‪ ،‬لكي ترتسم‬
‫الصورة الحسية للمسخور منه عبر تلك المتواليات اإليقاعية‪ ،‬ولهذا فإنَّ ما يجعل‬
‫)‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ‬ ‫(‬
‫النص الشعري مؤثراً في متلقيه" هو طاقته اإليقاعية"‬
‫التزام الشاعر الساخر بالتراكيب التالزمية في السخرية عبر إيقاعاته الصوتية يدعم‬
‫حجج الساخر مما سخر منه‪ ،‬ويعمق التشويه من المسخور منه‪ ،‬وذلك ألنَّ" العملية‬
‫(‪، )4‬‬
‫فال‬ ‫الشعرية تجري في مستويي اللغة معاً‪ :‬المستوى الصوتي والمستوى الداللي"‬
‫يمكن الفصل بينهما‪ ،‬كما يتجلى منهما الترابط القوي بين المتواليات اإليقاعية والحالة‬
‫االنفعالية عند الساخر‪.‬‬
‫ومن أمثلة المتواليات اإليقاعية والصوتية المرتبطة بالداللة الساخر قول سراقة‬
‫البارقي ساخراً من جرير وقبيلته‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫بِطاَ ٌء إلى الداعي إذا لم يكُنْ أَكْلَا‪.‬‬ ‫صِغَارٌ مقاريهم عظَامٌ جعورهم‬
‫فالسخرية تجلت في اإليقاع الصوتي (صِغَارٌ‪ ،‬وعِظَامٌ‪ ،‬وبِطَاءٌ)‪ ،‬فقد انبثقت من ثناياه‬
‫دالالت ميَّزتْ جرير ورهطه‪ ،‬فهم يمتازون بالبخل والشح؛ ألن صفة المقاري داللة‬

‫‪.‬‬ ‫) القرطاجني‪ ،‬حازم‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬ص‬ ‫(‬

‫) الزيدي‪ ،‬د‪ .‬توفيق‪ ،‬مفهوم األدبية في التراث النقدي إلى نهاية القرن الرابع‪( ،‬تونس‪ ،‬دار سراس للنشر‪،‬‬ ‫(‬

‫‪ 742‬م) ‪ ،‬ص ‪.2‬‬


‫(‪ )4‬كوهن‪ ،‬جان‪ ،‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد العمري‪ ،‬ط ‪( ،‬الدار البيضاء‪ ،‬دار توبقال‪ 74 ،‬م) ‪،‬‬
‫ص ‪.2‬‬
‫(‪ )8‬ديوان سراقة البارقي‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪76‬‬

‫على قلة من يجتمعون عليها لألكل‪ ،‬كما تكشف عن عدم مقدرتهم الستقبال‬
‫الضيوف‪ ،‬فهم يمتازون بالشح‪ ،‬فلو كانوا كرماء لكبرت قدورهم‪ ،‬أما اإليقاع الصوتي‬
‫ل(عظام) فقد كشف عن شراهتهم في األكل‪ ،‬وتثاقلهم في إجابة الداعي‪ ،‬وإغاثة‬
‫الملهوف والغريق‪ ،‬ولهذا فقد صوَّرت المتواليات اإليقاعية االحتقار والدونية لجرير‬
‫ورهطه في الواقع االجتماعي المحيط بهم‪.‬‬

‫ومن المتواليات اإليقاعية الصوتية الساخرة قول الحكم بن عبدل األسدي ساخراً‬
‫من محمد بن حسان التميمي‪:‬‬

‫ت مثلَك في مَعْدِ‪.‬‬
‫وال صادَفْ ُ‬ ‫فما صادَفْتَ في قحطانَ مثلي‬
‫( )‬
‫وأأل ُم عندَ َمسْألةٍ وَحَمْدِ‪.‬‬ ‫ال‬
‫شد بخ ً‬
‫أقل براعةً وأ ُّ‬
‫ُّ‬
‫فقد برزت السخرية في اإليقاع الصوتي (أقلُّ براعةً‪ ،‬أشدُّ بخالً)‪ ،‬حيث اقترنت‬
‫بهذه المتواليات الصوتية صفات المسخور منه‪ ،‬فهو يمتاز بالضعف والبخل وعدم‬
‫المروءة والعبودية‪ ،‬وهذه صفات تدل على الدونية واالنحطاط االجتماعي‪.‬‬
‫وعلى المنوال التركيبي للبنية اإليقاعية الصوتية للنص الساخر نفسه نجد عمر بن‬
‫لجأ التيمي يسخر من جرير وقومه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ل األرضُ موتاهم إذا قُبِرُوا‪.‬‬
‫التقب ُ‬ ‫جسٌ وفاتهم‬
‫خِزْيٌ حياتهم رِ ْ‬
‫فالسخرية قائمة على المنوال اإليقاعي (خريٌ‪ ،‬ورجسٌ)‪ ،‬وقد تجلت فيهما التشويه‬
‫لهم في الحياة والممات‪ ،‬وفي األرض وتحتها‪ ،‬وقد وصلت درجة االحتقار واإلهانة‬
‫لهم أنَّ األرض التقبل الموتى منهم‪ ،‬وهذا يكشف صوراً كثيرةً لهم من الخزي‬
‫والعار‪ ،‬بسبب ابتعادهم عن قيم اإلسالم وأخالقه‪ ،‬وهذا كله تصوير لنماذج من صور‬
‫الدونية والقبح والكراهية لجرير وقومه‪.‬‬

‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪،‬ص‪. 02‬‬


‫( ) شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪77‬‬

‫أما أبوجلدة اليشكري فيصور ساخرًا بني رقاش الذين تهددّوه بالقتل‪ ،‬فقال فيهم‪:‬‬
‫( )‬
‫ل باألزوادِ في الخصبِ واألزلِ‪.‬‬
‫مباخي ُ‬ ‫ن الخَنَا‬
‫ُط اللِحَى مَعْدِ ُ‬
‫عِظَا ُم الخُصَى ث ُّ‬
‫فاإليقاع الصوتي (الخصى‪ ،‬واللحى‪ ،‬والخنا) يصور السخرية من بني الرقاش‪ ،‬حيث‬
‫تجلى من ثناياه العيوب الجسمية التي دلَّت على دونيتهم‪ ،‬فهم أناسٌ أُدْرٌ‪ ،‬وهو عيب‬
‫جسمي في الخصية‪ ،‬مما يدل على قلتهم العددية بسبب هذا العيب الجسمي في‬
‫التناسل والتكاثر‪ ،‬كما أنَّ لحاهم غير نابتة فيهم‪ ،‬وهو ما يدل قلة حلمهم ومكانتهم‬
‫الرجولية؛ ألنَّ اللحى معزةٌ للرجال‪ ،‬وهذا يوحي بضآلة وجودهم‪ ،‬وخمول ذكرهم في‬
‫المجالس البطولية‪ ،‬كما أنهم معدن الفجور والفحش والبخل‪ .‬ولهذا فإنَّ تلك الدالالت‬
‫اإليقاعية قد جسمت العيوب في صور حسية‪ ،‬ومنها تجلت الدونية والتصغير‬
‫والتحقير لهم‪.‬‬

‫أما جرير فإنه يسخر من الفرزدق والبعيث المجاشعي عبر دالالت المتواليات‬
‫اإليقاعية‪ ،‬وما أحدثته من صور حسية ساخرة لهما‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫وما أَمْسَى الفرزدقُ بالخِيارِ‪.‬‬ ‫ل‬


‫لقَ ْد أَمْسَى البعيثُ بدار ذُ ٍّ‬
‫( )‬
‫وزِنْ ٌد من قفير َة غير واري‪.‬‬ ‫جالجلُ كُرَّجٍ وَسِبَالُ قِرْدٍ‬

‫فالسخرية تجلت في اإليقاع الصوتي ل(كرَّجٍ‪ ،‬وقردٍ‪ ،‬وزندٌ)‪ ،‬حيث أدت هذه‬
‫المتواليات اإليقاعية تصويراً تهكمياً لشخصيتي المسخور منهما( البعيث والفرزدق)‪،‬‬
‫فهما كاألجراس التي يلعب بها المخنثون وسبال القرد‪ ،‬كما يورد داللة أخرى‬
‫للفرزدق من إيقاع كلمة(زندٌ) تتمثل في أنَّه من رحم قفيرة‪ ،‬التي ال تنجب الكرماء‪،‬‬
‫وإنَّما تلد اللئام والضعفاء والفاشلين الذين ال يصلحون ألي موقف رجولي أوبطولي‪،‬‬
‫كما يتجلى في هذه اإليقاعات الصوتية الساخرة االنتقاص الرجولي للفرزدق والبعيث‬

‫( ) شعراء أمويون‪ ،‬ص ‪.422‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 70‬‬
‫‪78‬‬

‫عبر المعادل الموضوعي(الكرج)‪ ،‬حيث يضعهما في عداد المخنثين في المجتمع‪،‬‬


‫ومنه تبرز الدونية لهما في الواقع االجتماعي‪.‬‬

‫ومن العرض السابق يرى البحث أنَّ المتواليات الصوتية في اإليقاع الشعري‬
‫تؤدي دوراً مهماً في خلق الوظيفة الشعرية للسخرية‪ ،‬التي يلتحم فيها اإليقاع‬
‫الصوتي مع المعنى الداللي لتكوين الوصف الساخر للمسخور منه في صور حسية‬
‫تشترك فيها العين واألذن‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬سخرية التكرار‪:‬‬

‫يكشف التكرار في النص الشعري بعامة عن إضاءة عتمات النص‬


‫المظلمة‪ ،‬التي تبرز من ثنايا لغته‪ ،‬لتتجلى منه القيمة الجمالية للشعر؛ ألنَّ النص‬
‫التكرار الموجود في أبياته" طاقة إيحائية من تلك‬ ‫يكتسب من خالل‬ ‫الشعري‬
‫الطاقات التي تحملها اللغة الشعرية نفسها‪ ،‬فلغة الشعر غنية بطاقاتها ودالالتها" ( )‪..‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ اللغة الشعرية في النص الساخر بطبيعتها تكون" لغة‬
‫انفعالية تتوجه إلى القلب‪ ،‬وتعتمد بشكل رئيس على اللغة الموسيقية التي يمكنها هي‬
‫األخرى أن تثير انفعاالت وإحساسات ال تحصى" ( ) عبر تشكيالت التكرار الساخر‬
‫وهندسته المختلفة‪ ،‬التي تظهر في النص الشعري تماسكاً عضوياً بين أبياته‪ ،‬بحيث‬
‫يتم من خاللها الكشف عن مشاعر الذات الساخرة؛ لتدهش المتلقي للشعر‪" ،‬ومن ثم‬
‫يأتي التفاعل الشعوري والعاطفي‪ ،‬والنفسي من قبل السامع مع المتحدّث المكرّر"(‪.)4‬‬

‫ربابعة‪ ،‬د‪ .‬موسى‪ ،‬قراءات أسلوبية في الشعر الجاهلي‪( ،‬إربد‪ ،‬دار الكندي للنشر والتوزيع‪ 00 ،‬م)‪ ،‬ص‬ ‫( )‬

‫‪. 0- 7‬‬
‫البستاني‪ ،‬صبحي‪ ،‬الصورة الشعرية في الكتابة الفنية‪ ،‬األصول والفروع‪(،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪،‬‬ ‫( )‬

‫‪ 74‬م)‪ ،‬ص ‪.87‬‬


‫(‪ )4‬الهليّل‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن‪ ،‬التكرار في شعر الخنساء دراسة فنية‪ ،‬ط ‪(،‬الرياض‪ ،‬دار المؤيد‪ 8 7،‬ه ‪ 777-‬م)‪،‬‬
‫ص‪. 9‬‬
‫‪79‬‬

‫والشاعر الساخر يعتمد على التكرار كمظهر جمالي وفني؛ لكي يلح على "جهة‬
‫هامة في العبارة يُعنى بها أكثر من عنايته بسواها؛ ولكي يسلط الضوء على نقطة‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫حساسة في العبارة‪ ،‬ويكشف عن اهتمام المتكلم بها"‬
‫وعلى هذا فإنَّ التكرار يؤدي دوراً مهماً داخل الخطاب الشعري الساخر؛ ألنه‬
‫أسلوب تعبيري يصوِّر انفعاالت النفس البشرية تجاه اآلخر‪ ،‬ومنها التهكم والسخرية‪،‬‬
‫( )‪.‬‬
‫فهو" أداة معرفية يستخدمها الشاعر لتطوير المعنى في خطابه أو نصه"‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ التكرار يُعَدُّ من السمات المميزة التي تعطي النص بُعْداً‬
‫ساخراً؛ ألنَّ كل تكرار يحمل بُعْداً إيقاعياً وداللياً‪ ،‬فهو يمنح مكونات النص لكي‬
‫تعطي لقارئ السخرية ومتلقيها قراءة تأويلية؛ لكي يهتدي إلى مواطن السخرية في‬
‫النص‪ .‬ومن هنا تكمن قيمة التكرار في السخرية كونه" يعيد إنتاج القيمة الصوتية‬
‫والداللية التي سبق أن نظمها الشاعر[و] تتحول في الوقت نفسه إلى رغبة في توليد‬
‫(‪)4‬‬
‫كالم جديد"‪.‬‬
‫وعلى هذا يمكن القول وتأسيساً على ما سبق فإننا سنعالج التكرار كظاهرة‬
‫صوتية وفنية دالة على السخرية في الشعر األموي من خالل اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬سخرية تكرار الحروف والكلمات‪ - .‬سخرية تكرار األسماء واألعالم‪.‬‬
‫‪ -‬سخرية توليد الدالالت الجديدة الساخرة‪.‬‬
‫‪ -‬سخرية تكرار الحروف والكلمات‪:‬‬
‫يشكل تكرار الحروف والكلمات في الشعر األموي الساخر أداة لغوية‪،‬‬
‫ووسيلة أسلوبية وإيقاعية داخلية‪ ،‬يتمكن من خاللها الشاعر الساخر إضاءة جانب من‬

‫المالئكة‪ ،‬نازك‪ ،‬قضايا الشعر المعاصر‪ ،‬ط‪(،2‬بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪ 794 ،‬م)‪ ،‬ص ‪. 9‬‬ ‫( )‬

‫) يوسف‪ ،‬د‪ .‬عبدالفتاح أحمد‪ ،‬لسانيات الخطاب وأنساق الثقافة‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪+‬‬ ‫(‬

‫منشورات االختالف‪ 0 0 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪. 0‬‬


‫(‪ )4‬باعيسى‪ ،‬عبدالقادر‪ ،‬لغة شعر ديوان الحماسة ألبي تمام (باب الحماسة) ‪ ،‬رسالة ماجستير‪( ،‬العراق‪ ،‬قسم‬
‫‪ 8‬ه ‪ 77 -‬م) ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة الكوفة‪،‬‬
‫‪81‬‬

‫جوانب ذاته الساخرة تجاه المسخور منه‪ ،‬ففي تكرار الحروف والكلمات" نفوذٌ‬
‫صوتي وأثر نغمي على أذن المتلقي"( )‪ ،‬فالشاعر الساخر عندما يكرر صوتاً أولفظاً‬
‫في السياق الشعري إنَّما يَشّدُّ انتباه القارئ والمتلقي لخطابه الساخر المشحون بالداللة‬
‫الصوتية‪ ،‬ولهذا نلحظ" الشعور بالتعالي ممتزجاً بالبغض وحب االنتقام في كثير من‬
‫األحيان قائماً على التكرار؛ ليكون أشفى لنفس القائل وألذع لنفس المتهكم به" ( )‪،‬‬
‫ولهذا يتجلى لنا في تكرار الحروف والكلمات في الشعر الساخر انفعاالت الذات‬
‫الساخرة النفسية والتهكمية تجاه المسخور منه بهدف التفكه تارةً‪ ،‬واالستهزاء‬
‫واالحتقار تارة أخرى‪.‬‬
‫أ‪-‬التكرار الساخر للحرف‪:‬‬

‫يؤدي تكرار الحروف في الشعر األموي الساخر وظيفة جمالية قيِّمة في‬
‫النص الشعري‪ ،‬بحيث يتم من خاللها التعبير عن السخرية من اآلخر؛ ألنَّ تكرار‬
‫الحرف يؤدي" مزية سمعية‪ ،‬وأخرى فكرية‪ ،‬األولى ترجع إلى موسيقاها‪ ،‬والثانية‬
‫إلى معناها "(‪.)4‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ لتوظيف الحرف المكرر في البيت الشعري أو النص‬
‫الشعري ارتباطاً بالمعنى واإليقاع ‪ ،‬ومن هنا نحكم على التكرار الحرفي بأداء وظيفة‬
‫ساخرة‪.‬‬

‫ومن شواهد تكرار الحرف في الشعر األموي الساخر قول جرير في السخرية من‬
‫الفرزدق‪:‬‬

‫الدباسي‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن‪ ،‬الشعر في حاضرة اليمامة حتى نهاية العصر األموي‪ ،‬ط ‪(،‬الرياض‪ ،‬مكتبة الملك‬ ‫( )‬

‫عبدالعزيز‪ 809 ،‬ه ‪ 77 -‬م)‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫السيد‪ ،‬د‪ .‬عزالدين علي‪ ،‬التكرير بين المثير والتأثير‪ ،‬ط ‪(،‬القاهرة‪ ،‬دار الطباعة المحمدية‪ 474 ،‬ه ‪-‬‬ ‫( )‬

‫‪ 794‬م)‪ ،‬ص ‪. 4‬‬


‫(‪ )4‬السيد‪ ،‬د‪ .‬عزالدين علي‪ ،‬التكرير بين المثير والتأثير‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪81‬‬

‫( )‬
‫وجاءَتْ بِوَزْوَازٍ قصي ِر القوائمِ‪.‬‬ ‫ت أُمُّ الفرزدق فاسقًا‬
‫لَقَ ْد وَلَدَ ْ‬

‫فجرير استخدم حرف القاف في البيت خمس مرات‪ ،‬والقاف" صوت شديد‬
‫مهموس مجهور" ( )‪ ،‬والقاف صوت مجهد للنفس في أثناء النطق به‪ ،‬فهو يتناسب‬
‫مع سلوك المسخور منه(الفرزدق)‪ ،‬الذي كان مجهداً للشاعر بحركته الدؤوبة في‬
‫مجال الرذيلة‪ ،‬وتعامله السيء مع الناس في عصره‪ ،‬كما أنَّ القاف صوت يدل على"‬
‫المفاجأة التي تحدث صوتاً"(‪ ،)4‬وقد تجلت المفاجأة للساخر في سلوك المسخور منه‬
‫من خالل الفسق‪ ،‬والفرزدق قصير القوائم‪ ،‬فالفسق الصادر منه يسمع صدى أخباره‬
‫في كل أرجاء المعمورة‪ ،‬فضالً عن حركته الجسمية التي كانت ماثلة للعيان‪ ،‬مما‬
‫يدل على رداءة سلوكه‪ ،‬وضعف أخالقه‪ ،‬وولوجه في االنحالل الخلقي‪ .‬أمَّا قصر‬
‫القوائم فالمفاجأة الساخرة تتجلى منها أنَّ الفرزدق يرقى إلى جاراته عن طريق‬
‫الصعود في الساللم لممارسة الرذيلة نظراً لقصره‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ تكرار‬
‫حرف القاف في البيت السابق قد ارتبط بالتهكم والسخرية المريرة من الفرزدق‬
‫وأفعاله‪.‬‬
‫ومن السخرية القائمة على تكرار الحرف أيضاً قول الحكم بن عبدل األسدي‬
‫ساخراً من محمد بن عمير ومن أمه مستخدماً حرف (النون)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ب تجبنُ‪.‬‬
‫حب التقر ِ‬
‫ت من ِّ‬
‫إنْ كُنْ َ‬ ‫ل البنِ آكلةِ العفاصِ محمدٍ‬
‫ُق ْ‬
‫ن‪.‬‬
‫ل أَهْو ُ‬
‫ولحصدُ أَنْفِكَ بالمناج ِ‬ ‫ت نفسَكَ في عروضِ مشق ٍة‬
‫أَلْقَيْ َ‬
‫ن‪.‬‬
‫كل من يكفي القصيدَ وَيَلْحَ ُ‬
‫من ِّ‬ ‫لَيْتَ األمي َر أطاعني فشفيتَهُ‬
‫باتَتْ مناخِرُ ُه بدهنٍ تعرنُ‪.‬‬ ‫متكو ٌر يحثُو الكالمَ كأنَّما‬
‫ب من أشا ُء وأسْجِنُ‪.‬‬
‫زمناً فأضْرِ ُ‬ ‫ت أميرَهُم‬
‫وبنى لهم سجناً فَكُنْ ُ‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.224‬‬


‫( ) أنبس‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم‪ ،‬األصوات اللغوية‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫(‪ )4‬علي‪ ،‬د‪ .‬أسعد أحمد‪ ،‬تهذيب المقدمة اللغوية للعاليلي‪ ،‬ص ‪. 8‬‬
‫‪82‬‬

‫وبنو أَبي ِه للفصاحةِ مَعْدِنُ‪.‬‬ ‫ق‬


‫ت غيرُ موف ٍ‬
‫سلِ األميرَ وَأَنْ َ‬
‫فَ َ‬
‫ب التي ال تحزنُ‪.‬‬
‫بسليق ِة العر ِ‬ ‫ل ابنَ ذكوانَ تجدْ ُه عالمًا‬
‫سِ‬‫وَ َ‬
‫وفُتُنْتَ فيها وابن آد َم يُفْتَنُ‪.‬‬ ‫فلئن أَصَبْتَ دراهماً فدفنتها‬
‫( )‬
‫ف في القيانِ وتزفنُ‪.‬‬
‫إذْ ذاكَ تقص ُ‬ ‫ت غيرُ مدره ٍم‬
‫ك وأَنْ َ‬
‫فبما أرا َ‬
‫فالحكم بن عبدل األسدي كرر حرف النون في أبياته السابقة سبعاً وثالثين مرةً‪،‬‬
‫والنون بطبيعته" صوت مجهور متوسط بين الشدة والرخاوة" ( )‪ ،‬وفي أثناء النطق‬
‫به يندفع الهواء من الرئتين محركاً الوترين الصوتيين‪ ،‬ثم يتخذ مجراه في الحلق‬
‫أوالً‪ ،‬حتى إذا وصل إلى الحلق هبط أقصى الحنك األعلى‪ ،‬فيسد بهبوطه فتحة الفم‪،‬‬
‫ويتسرب الهواء من التجويف األنفي محدثاً في مروره نوعاً من الحفيف ال يكاد أن‬
‫(‪)4‬‬
‫يسمع‪.‬‬
‫وتأسيساً على ما سبق فإنَّ اإليقاع الصوتي لحرف النون تتجلى منه ثنائيات‬
‫(الشدة والرخاوة) و(االندفاع والتأخر) و(االستطالة والتقهقر)‪ ،‬وهو ما يتناسب مع‬
‫حالة المسخور منه (محمد بن عمير) الذي كان يَعُدُّ نفسه ذا مكانة مرموقة عند عبد‬
‫الملك بن مروان‪ ،‬فهو كاتبه الخاص‪ ،‬ويرى نفسه من أهل األدب والفصاحة‪ ،‬ولكن‬
‫الحكم بن عبدل األسدي جعله جاهالً بفنون األدب والفصاحة والبالغة‪ ،‬ووضعه مع‬
‫أصحاب النخاسة والخسة والقينونة‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فقد تناغمت مع اإليقاع الصوتي لحرف النون ثنائيات‬
‫ساخرة‪ ،‬صوَّرها الحكم بن عبدل األسدي في المسخور منه‪ ،‬وهي ثنائيات (الفصاحة‬
‫واللحن)‪( ،‬الغنى والبخل)‪( ،‬الشعر والنظم)‪( ،‬الرفعة والضعة)‪( ،‬البالغة والعي)‪،‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬

‫( ) أنيس‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم‪ ،‬األصوات اللغوية‪ ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬يُنْظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬


‫‪83‬‬

‫(الحرية والقينونة)‪ .‬وحرف النون يدل على" البطون في الشيء‪ ،‬أو على تمكن‬
‫المعنى تمكناً تظهر أعراضه"( )‪.‬‬
‫ولهذا يمكن القول إنَّ المسخور منه كان محتقراً في مكانته التي كانت تتجلى‬
‫في وظيفته عند عبد الملك بن مروان‪ ،‬وفي وضعه االجتماعي‪ ،‬وقد ظهرت أعراض‬
‫تمكن االحتقار للمسخور منه في‪ :‬النسب الوضيع (ابن آكلة العفاص)‪ ،‬العي ورمي‬
‫الكالم (باتت مناخره بدهن تعرن)‪ ،‬الجهل بالبالغة والفصاحة (فسل األمير‪ ،‬وسل‬
‫ابن ذكوان)‪ ،‬كما تجلت السخرية التي صورها الساخرة في المسخور منه من خالل‬
‫ثنائيتي (الغنى والنخاسة)‪ ،‬حيث وصفه بأنه لئيم وخسيس ووضيع‪ ،‬كما عيَّره بأنه لم‬
‫يكن كاتباً في يوم من األيام‪ ،‬بل بدأ حياته بماضٍ حقير ومشين المتمثل باالتجار في‬
‫القيان والعمل بالنخاسة‪ ،‬وهاتان المهمتان ال تمتان بصلة مع الكتابة والفصاحة‪ ،‬ولهذا‬
‫تمنى الساخر أن يكون سجاناً لألمير‪ ،‬وأول عمل سيبدأ به سجن مدعي األدب‬
‫والفصاحة‪ .‬وهكذا نرى أنَّ تكرار حرف النون قد حمل صفات السخرية والتهكم‬
‫واالستهزاء من اآلخر عبر صفاته ودالالته المتعددة‪.‬‬
‫ب‪-‬التكرار الساخر للكلمات‪:‬‬
‫يتميَّز الشعر األموي الساخر بالحضور المكثف لتكرار الكلمات‪ ،‬وذلك لغرض‬
‫تسليط الضوء على داللتها الساخرة؛ ألن تكرار الكلمة في الشعر الساخر قد يأتي‬
‫( )‬
‫بدافع "االستخفاف‪ ،‬لذلك ترى ما يجي من التكرار هادفاً إلى محل الزراية والعيب"‬
‫في المسخور منه‪ ،‬ولهذا فإنَّ الكلمة المعبر بوساطتها في التكرار "تمثل بنية نفسية‬
‫متشابهة منسجمة‪ ،‬تهدف إلى تبليغ الرسالة عن طريق التكرار واإلعادة "(‪ ،)4‬وهي‬
‫تكشف أيضاً عن القيمة الفكرية والشعورية للساخر لغرض إيصالها إلى أذن‬

‫( ) علي‪ ،‬د‪ .‬أسعد أحمد‪ ،‬تهذيب المقدمة اللغوية للعاليلي‪ ،‬ص‪. 8‬‬
‫( ) السيد‪ ،‬د‪ .‬عزالدين‪ ،‬التكرير بين المثير والتأثير‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫(‪ )4‬مفتاح‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬تحليل الخطاب الشعري (إستراتيجية التناص) ‪ ،‬ط‪( ،8‬الدار البيضاء‪ ،‬المركز الثقافي‬
‫العربي‪ 002 ،‬م) ‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪84‬‬

‫المسخور منه‪ ،‬والمتلقي للسخرية‪ ،‬والجمهور الذي كان يحتشد في ميدان الشعر‬
‫األموي وساحاته‪.‬‬
‫وفي هذا الشأن نجد عمر بن لجأ التيمي يسخر من جرير وقومه عندما لبسوا‬
‫الخز‪ ،‬فأراد أنْ يصل إليهم برسالة احتقار عبر تكرار كلمة(الخز)‪ ،‬مفادها أنهم ليسوا‬
‫ال للخز‪ ،‬وإنَّما هم ممن يلبسون صوف الضأن‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫أه ً‬

‫وأَنْتَ باللؤ ِم مُعْتَمٌ ومُؤْتَزِرُ‪.‬‬ ‫ط‬


‫س الخزَّ تَظْلِمْهُ أبا خر ٍ‬
‫إِنْ تَلْبَ ِ‬

‫ما كان للخزِّ فيما قبلها األثرُ‪.‬‬ ‫ك اليومَ منزلةً‬


‫ل الخزُّ من َ‬
‫وينز ُ‬

‫ن صبراً إنَّها الهترُ‪.‬‬


‫يا خزُّ كرما َ‬ ‫ح الخزُّ يبكي من بني الخطفى‬
‫فأصب َ‬
‫( )‬
‫ت من ضأنها القِرَرُ‬
‫من صوفِ ما هرَّأَ ْ‬ ‫كل ممتزقٍ‬
‫وكانَ خَزُّ جريرٍ َّ‬

‫فالتكرار لكلمة (الخز) كان غرضه التحقير من شأن جرير وقومه‪ ،‬الذين لبسوا‬
‫الخز‪ ،‬وهم ليسوا ممن يلبسونه في اإلطار االجتماعي المحيط بهم‪ ،‬لذلك نرى‬
‫السخرية في الكلمة المكررة قد حملت معها دالالت ساخرة متعددة منها‪ :‬أن الخز‬
‫مظلوم عندما لبسه جرير؛ ألنَّ جريراً يأتزر باللؤم ويتعممه وليس بالخز‪ ،‬فالخز في‬
‫هذه الحالة قد سقط في الحضيض عندما كان قبل أن يلبسه جرير ملبساً لألبطال‬
‫واألثرياء‪ ،‬وتتعمق السخرية عندما وصف خز جرير الحقيقي أنه كل ممزق من‬
‫صوف الضأن‪ ،‬وهو ما أراد إيصاله الساخر من هذه السخرية عبر التكرار لكلمة‬
‫(الخز)‪.‬‬
‫أما ابن ميَّادة المري فيستخدم التكرار بهدف السخرية من خاله الذي يتأرجح‬
‫بين الحرية والعبودية تارة أخرى‪ ،‬حيث يعبر بوساطة التكرار عن مدى سخطه‬
‫واحتقاره‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ص لَا تَزِيدُ‪.‬‬
‫ل تَنْقُ ُ‬
‫ت الخَا ُ‬
‫فَأَنْ َ‬ ‫ال‬
‫ت خَا ً‬
‫ن تَكُ خَالَنَا فَقُبِحْ َ‬
‫إِ ْ‬

‫( ) شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪ . 00‬كرمان‪ :‬بالد مشهورة ذات قرى ومدن واسعة بين فارس وخرسان‪.‬‬
‫‪85‬‬

‫وَيَوْم ًا أَنْتَ مَحْ ِتدُكَ العَبِيدُ‪.‬‬ ‫ت حُرٌّ‬


‫فَيَوْماً فِي مُزَيْنَ َة أَنْ َ‬
‫( )‬
‫ل مَالُ ُه العَبْ ُد الطَّرِيدُ‪.‬‬
‫وَيُؤْ َك َ‬ ‫س أَنْ يَلْقَى هَوَانًا‬
‫َق النَّا ِ‬
‫أَح ُّ‬
‫فالمالحظ أنَّ ابن ميادة قد سخر عبر بالتكرار لكلمة(الخال) ثالث مرات‪ ،‬وكلمة‬
‫(العبد) مرتين مظهراً من خالل التكرارين االستخفاف من الوضع الدوني في المحيط‬
‫االجتماعي لخاله‪ ،‬حيث دلَّ التكرار على الصورة المضحكة والمذلة للخال بين‬
‫الحرية في قبيلة مزينة‪ ،‬والعبودية‪.‬‬
‫‪-‬سخرية تكرار األسماء واألعالم‪:‬‬
‫يعتمد كثير من الشعراء األمويين في سخريتهم على تكرار اسم من يسخرون‬
‫منه‪ ،‬والتكرار في هذا النمط يؤدي غرضاً في السياق الشعري؛ ألنه أسلوب تعبيري‬
‫يصوِّر وجهة نظر الساخر في دونية المسخور منه وضعفه‪ ،‬واكتمال شخصية‬
‫الساخر وقوته‪ ،‬فالساخر هو مصدر الجمال والقوة‪ ،‬والمسخور منه هو الذي مدار‬
‫القبح والضعف‪ ،‬من وجهة نظر الساخر‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ الشاعر الساخر عندما يكرر اسم المسخور منه فكأنَّما‬
‫يريد ألَّا يغيب عنه مسخوره ل حظة عن أذن السامع أو القارئ‪ ،‬فهو بهذا يهدف من‬
‫ن يحفر تلك الصورة الساخرة بالتكرار المُلح في فكره ووجدانه" ( )‪.‬‬
‫تكراره إلى" أ ْ‬
‫ومن أمثلة تكرار األسماء الدالة على السخرية من المسخور منه قول الفضل بن‬
‫العباس (األخضر اللهبي) في سخريته من (عقرب) عندما أمطل له دَيْ َنهُ‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫ب التاجرَهْ‪.‬‬
‫ال مرحباً بالعقر ِ‬ ‫ب‬
‫ت في سُوقِنا عَقْرَ ٌ‬
‫قَ ْد تَجِرَ ْ‬
‫وَعَقْرَبٌ يُخْشَى من الدَّابِرَهْ‪.‬‬ ‫ال‬
‫كُلُّ عَدُوٍّ يُتَّقَى مُقْبِ ً‬
‫( )‬
‫شعر ابن ميادة‪ ،‬جمعه وحققه‪ :‬د‪ .‬حنا جميل حداد‪ ،‬راجعه وأشرف على طباعته‪ :‬قدري الحكيم‪( ،‬دمشق‪،‬‬
‫مطبوعات مجمع اللغة العربية‪ 74 - 80 ،‬م) ‪ ،‬ص‪. 04‬‬
‫القط‪ ،‬د‪ .‬عبدالقادر‪ ،‬في الشعر اإلسالمي واألموي‪(،‬بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ 797 ،‬م)‪،‬‬ ‫( )‬

‫ص‪.424‬‬
‫‪86‬‬

‫بِأَنَّ الدينَ وال آخِرهْ‪.‬‬ ‫ت‬


‫ب واستيقنَ ْ‬
‫ت العقر ُ‬
‫قَ ْد ضَاقَ ِ‬
‫( )‬
‫ل لها حاضِرَهْ‪.‬‬
‫ت النع ُ‬
‫وَكانَ ِ‬ ‫ب عُدْنا لها‬
‫ت العقر ُ‬
‫ن عَادَ ِ‬
‫إْ‬
‫فالسخرية تمثلت في تكرار اسم المسخور منه (عقرب) إمعاناً في تحقيره‪ ،‬وإظهار‬
‫التحدي له وصوالً إلى االنتصار النفسي والمعنوي عليه عبر االنتصار الكالمي‬
‫بالتكرار‪.‬‬
‫ومن التكرار الساخر لألسماء واألعالم في الشعر األموي قول جرير ساخراً من‬
‫التيم‪ ،‬ومحقراً من مكانتها االجتماعية والبطولية‪:‬‬
‫بتيمٍ وال الحامون عند الحقائقِ‪.‬‬ ‫يا تَيْمُ ما القارون في شدة القِرَى‬
‫ل الخوافِقِ‪.‬‬
‫ولم تمشِ تَيْ ٌم في ظِلَا ِ‬ ‫وَتَيْمٌ تُماشِيها الكالبُ إذا غَدوا‬
‫ب السُّرَادِقِ‪.‬‬
‫وَمَا تَهْتَدِي تَيْمٌ لِبَا ِ‬ ‫ب أَذِلَّةٌ‬
‫ب الزُّرُو ِ‬
‫وَتَيْمٌ بِأَبْوا ِ‬
‫وال يمسحُونَ الده َر غُرَّةَ سَابِقِ‪.‬‬ ‫تُمَسِّحُ تَيْمٌ قُصَّ َة التَّيْسِ واستَ ُه‬
‫( )‬
‫ح الدوالِفِ‪.‬‬
‫ت الصبا ِ‬
‫ن غارا ِ‬
‫بِفُرْسَا ِ‬ ‫وَما أَنْتُم يا تَيْ ُم قد تَعْلَمُونَهُ‬
‫فالسخرية تجلت من تكرار اسم (تيم)‪ ،‬فقد دلَّتْ على االحتقار والدونية من قبيلة التيم‪،‬‬
‫كما ارتسمت لهم الصفات الدونية من خالل‪ :‬أنَّهم بخالء‪ ،‬ال يكرمون الضيف‪ ،‬وأنَّهم‬
‫رعاة أذالء‪ ،‬يمشون بصحبة الكالب‪ ،‬وال يمشون تحت رايات الحرب وأعالمها‬
‫وخفق البنود‪ ،‬كما أنَّهم ال يهتدون إلى دخول الخيم الكبيرة‪ ،‬وإنَّما هم في مرابض‬
‫الماشية‪ ،‬بل شأنهم االهتمام والرعاية بالدواب الحقيرة‪ ،‬أما خيول الحرب وفرسانها‬
‫فال حظَّ لهم فيها‪ ،‬وإنَّما هم يمسحون تيوسهم وأغنامهم‪ .‬فتكرار اسم التيم قد صوَّر‬
‫انفعاالت جرير النفسية تجاههم‪ ،‬حيث أظهر صفاتهم الدونية التي يتميزون بها في‬
‫واقعهم االجتماعي‪.‬‬

‫شعر األخضر اللهبي‪ ،‬جمع ودراسة‪ :‬إبراهيم بن سعد الحقيل‪ ،‬ط ‪ (،‬الرياض‪ ،‬كرسي د‪ .‬عبدالعزيز المانع‬ ‫( )‬

‫‪ 0‬م)‪ ،‬ص ‪.29-2‬‬ ‫لدراسات اللغة العربية وآدابها‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ 844 ،‬ه ‪-‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪.800-477‬‬ ‫( )‬
‫‪87‬‬

‫ومن أمثلة تكرار األسماء واألعالم في الشعر األموي الساخر والدالة على‬
‫الدونية للمسخور منهم في الواقع االجتماعي قول ذي الرُّمة ساخراً من بني امرئ‬
‫القيس‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ل حَوران امرأَ القيسِ والفخرُ‪.‬‬
‫وما أَهْ ُ‬ ‫ت لفخرٍ ال مرئ القيسِ كاذبٍ‬
‫عَجِبْ ُ‬
‫ل الصُّهبُ واآلنُفُ الحُمْ ُر‪.‬‬
‫وتأبى السِّبَا ُ‬ ‫ت‬
‫سعْ ٍد إذا اعتَزَ ْ‬
‫تَسمَّى امرؤُ القيسِ ابنَ َ‬
‫خمْ ُر‪.‬‬
‫يَحِلُّ لهم لحمُ الخنازيرِ وال َ‬ ‫ولكنَّما أصلُ امرئ القيسِ معشرٌ‬
‫ج ُّر المساحي ال فَالةٌ والمِصْرُ‪.‬‬
‫مَ َ‬ ‫ب امرئ القيسِ العبيدُ وأرضهم‬
‫نِصَا ُ‬
‫سواءٌ على الضيفِ امرؤُ القيسِ وال َقفْرُ‪.‬‬ ‫تَخَطَّ إلى القَفْرِ امرأَ القيسِ إنَّهُ‬
‫وتَأبى مَقاريها إذا طَلَ َع النَّسْ ُر‪.‬‬ ‫ن تَنَالَ ُه‬
‫ب امرؤُ القيسِ القِرى أ ْ‬
‫ح ُّ‬
‫تُ ِ‬
‫ووافٍ‪ ،‬وما فيكم وفا ٌء والغدْرُ‪.‬‬ ‫ل الناسُ إلَّا يا امرأَ القيسِ غادِ ٌر‬
‫َه ِ‬
‫ض ُر األمرُ‪.‬‬
‫إذا ائتم َر األقوامُ يُحْتَ َ‬ ‫ت امرأَ القيسِ المعالي ودونَها‬
‫تفو ُ‬
‫وما كانَ ُيعطيها بأوتارِها القَسْ ُر‪.‬‬ ‫ن عَ َددْتَ ُه‬
‫فما ال مرئ القيسِ الحصى إ ْ‬
‫صهرُ‪.‬‬
‫وبينَ ابنِ خُوْطٍ يا امرأ القيسِ أمْ ِ‬ ‫أَرِحْ ٌم جرتْ بالوُ ِّد بين نسائِكم‬
‫( )‬
‫وقد مالَ باألجيا ِد والعُذَ ِر السُّكْرُ‪.‬‬ ‫ِن إلى قَصْ ِر ابن خُوْطٍ نساؤكم‬
‫تَح ُّ‬

‫فتكرار امرئ القيس في األبيات السابقة قد حمل دالالت متعددة من التحقير‬


‫والتصغير لقبيلة امرئ القيس‪ ،‬حيث أفادت دالالت التكرار الساخرة أن أصل قبيلة‬
‫امرئ القيس غير عربي فهم عجمٌ‪ ،‬وفي هذا تحقير لهم‪ ،‬كما يسخر ذو الرُّمة عن‬
‫طريق المعاني اإلسالمية‪ ،‬فيشير ساخراً إلى عدم إسالمهم‪ ،‬فهم يعدون من‬
‫النصارى؛ ألنهم يأكلون المحرمات‪ ،‬ويستحلون شرب الخمر‪ ،‬ثم يسخر من مكانتهم‬
‫المنحطة اجتماعياً فهم عبيدٌ ال يتساوون مع العرب‪ ،‬بل هم مثالٌ للبخل والقحط‪ ،‬فال‬
‫يكرمون الضيف‪ ،‬كما يصفهم بأنهم ال وجود لهم‪ ،‬فهم ال ينتسبون إلى البشر حيث‬

‫( ) ديوان ذي الرُّمة‪ ،‬حققه وقدمه وعلق عليه د‪ .‬عبدالقدوس أبو صالح‪ ،‬ج ‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة اإليمان‬
‫للتوزيع والنشر والطباعة‪ 80 ،‬ه ‪ 74 -‬م) ‪ ،‬ص ‪.27 -27‬‬
‫‪88‬‬

‫يعدهم عديمي اإلحساس (ال وفاء والغدر عندهم)‪ ،‬فهم ينتسبون إلى الذل والمهانة‬
‫والضعة‪ ،‬فال يستشارون في أمور الحياة‪ ،‬وتتجلى درجة االستخفاف والسخرية بهم‬
‫عندما وصفهم باللجوء إلى السلطان ألخذ حقهم‪ ،‬وتتعمق السخرية إمعاناً في اإلهانة‬
‫والتحقير عندما أشاع فيهم الرذيلة بين نسائهم‪ .‬ومن هذا المنطلق فقد استخف ذو‬
‫الرُّمة بقبيلة امرئ القيس واحتقرهم إلى أقصى حد إنساني‪ ،‬بل إنه يعدهم مثاالً‬
‫)‪.‬‬ ‫(‬
‫"للجدب والقفر والفسوق واللؤم والقبح والشر والهشاشة والضآلة والمحدودية"‬
‫وعلى هذا فإنَّ التكرار في األبيات السابقة لذي الرُّمة قد سلَّط الضوء والتشهير على‬
‫محور االرتكاز في قبيلة امرئ القيس‪ ،‬وهي الدونية‪ ،‬كما أنَّ التكرار كان "رابطاً‬
‫معنوياً موسيقياً معاً يشتد إليه الشاعر بالصوت في حين يشتد إليه مضمونياً للقفز بعد‬
‫ذلك إلى وجه معنوي جديد" ( )‪.‬‬
‫ويأتي التكرار الساخر لألسماء للداللة على االحتقار للفعل المذموم في الواقع‬
‫االجتماعي‪ ،‬ومن ذلك ما قاله الشاعر فضالة بن شريك األسدي‪ ،‬حيث يسخر من‬
‫عاصم بن عمر؛ بسبب بخله وتقتيره على ضيوفه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ِت في دار عاصمِ‪.‬‬
‫ك إذا ما ب َّ‬
‫قِرا َ‬ ‫أال أيُّها الباغي القِرى لَسْتَ واجداً‬
‫َبطِيناً وأَمْسَى ضَيْفَهُ غي َر نائِمِ‪.‬‬ ‫ت نائمًا‬
‫إذا جِئْتَ ُه تَبْغِي القِرى با َ‬

‫ل المكارِمِ‪.‬‬
‫ل األقوام أه ُ‬
‫إذا حُصِّ َ‬ ‫ُف ألفعال عاص ٍم‬
‫ع عاصمًا أ ٍّ‬
‫فَ َد ْ‬
‫مطوَّقةً يُحْدَى بها في المواسِمِ‪.‬‬ ‫ولوال يدُ الفاروقِ قلَّدَتْ عاصمًا‬
‫(‪)4‬‬
‫س ِبغَانمِ‪.‬‬
‫غَ َدا جَائِع ًا عَيْ َمانَ لَيْ َ‬ ‫ل بيوتَهم‬
‫ف حَ َّ‬
‫س إذا ما الضَّي ُ‬
‫أنا ٌ‬

‫الجلبي‪ ،‬آن تحسين محمود‪ ،‬الرؤية في شعر ذي الرُّمة‪ ،‬مجلة جذور‪( ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي‪ ،‬العدد (‪، ) 7‬‬ ‫( )‬

‫‪ 8‬ه ‪ 002-‬م) ‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫السنة (‪ ، )4‬محرم‬


‫باعيسى‪ ،‬عبدالقادر‪ ،‬لغة شعر ديوان الحماسة (باب الحماسة) ‪ ،‬ص ‪. 9 - 9‬‬ ‫( )‬

‫(‪ )4‬أشعار اللصوص وأخبارهم‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬عبدالمعين الملوحي‪ ،‬المجلد ( ) ‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الحضارة الجديدة‪ 8 4 ،‬ه ‪ 774-‬م) ‪ ،‬ص ‪ .242‬عيمان‪ :‬عطشان‪.‬‬
‫‪89‬‬

‫فقد كرر الشاعر فضالة األسدي اسم عاصم للداللة على التشهير ببخله‪ ،‬ولهذا‬
‫جاء التكرار انتقاماً من أفعاله غير الحميدة مع الضيف‪ ،‬وقد أثار الساخر تهكما في‬
‫نفوس السامعين للمسخور منه‪ ،‬وفي الوقت ذاته فإنَّ هذا الشعر يحدث لذعة وأسى‬
‫في نفس المسخور منه‪.‬‬
‫إن التكرار‬
‫ومن العرض السابق للتكرار الساخر لألسماء واألعالم يمكن القول َّ‬
‫يؤتى به في الشعر الساخر على "سبيل الشهرة‪ ،‬وشدة التوضيع‪ ،‬واالزدراء والتهكم‬
‫( )‪،‬‬
‫كما يأتي به الشاعر الساخر حينما "يستدعيه السياق النفسي‬ ‫والتنقيص"‬

‫والجمالي والهندسي" ( )‪.‬‬


‫‪-4‬سخرية توليد الدالالت الجديدة الساخرة‪:‬‬
‫تتشكل السخرية في هذا النمط من التكرار عن طريق المعنى المتجدد‬
‫الذي تؤديه المادة المكررة داخل كل بيت شعري؛ ألن التكرار يكون له األثر القوي‬
‫فإن التكرار في هذه الحالة يقدم أفكارًا أساسية‬
‫في تركيب المعنى‪ .‬ومن هذا المنطلق َّ‬
‫للمعنى الساخر المنشود في النص‪ ،‬وتتفرع منه وحدات صغيرة داخل اإلطار العام‬
‫للمعنى الساخر‪.‬‬
‫والشاعر في هذا النمط من التكرار يسعى إلى "لفت نظر القارئ إلى المدلول عن‬
‫طريق اإليقاع الصوتي الذي يحدثه تكرار الكلمة من نغمة تفيد التهكم والسخرية "(‪.)4‬‬
‫فالتكرار في هذا النمط يأتي الستدعاء مزيد من الدالالت‪ ،‬وهو بهذا يشكل نقطة‬
‫جوهرية تدور حولها األبيات‪ ،‬ويُعَدُّ تحدِّياً للمسخور منه؛ ألنه يفضي إلى" إضعاف‬

‫( ) القيرواني‪ ،‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪. 44- 49‬‬

‫( ) المالئكة‪ ،‬نازك‪ ،‬قضايا الشعر المعاصر‪ ،‬ص ‪. 48‬‬

‫(‪ )4‬يوسف‪ ،‬د‪ .‬عبدالفتاح أحمد‪ ،‬فاعلية التكرار في بنية الخطاب الشعري للنقائض‪ -‬نمط خاص من الوعي‬
‫) ‪ ،‬صيف‪ -‬خريف ‪ 004‬م) ‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫باآلخر‪ -‬مجلة فصول‪( ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية للكتاب‪ ،‬العدد (‬
‫‪91‬‬

‫حجج الخصم وإبطالها‪...‬ويسهم في تقوية المتكلم على خصمه‪ ،‬وانتصاره الكالمي‬


‫بالتكرار" ( )‪.‬‬
‫والتكرار في سخرية توليد الدالالت الجديدة يؤدي وظيفة فنية في النص‬
‫الساخر تتمثل في أنَّ الشاعر الساخر" يتخذ من العبارة المكررة مرتكزاً يبني عليها‬
‫في كل مرة معنى جديداً‪ ،‬وبهذا يصبح التكرار وسيلة إلى إثراء الموقف‪ ،‬وشحذ‬
‫الشعور إلى حد االمتالء" ( )‪.‬‬
‫ومن أمثلة نمط التكرار الساخر الذي يولد الدالالت الجديدة في النص الساخر‬
‫قول الطرماح ساخرًا من قبيلة تميم‪:‬‬
‫إذًا نَهِلَتْ منه تمي ٌم وَعَلَّتِ‪.‬‬ ‫ق مَسْكُ ُه‬
‫أن يَرْ ُبوعاً يُ َز َّق ُ‬
‫فَلَ ْو َّ‬
‫يَكُرُّ على صَ ِّفي تميمٍ لَوَلَّتِ‪.‬‬ ‫وَلَ ْو أنَّ برغوثاً على ظَهْرِ قمل ٍة‬
‫على ذَ َّرةٍ معقولةٍ الستقلَّتِ‪.‬‬ ‫ج ُموعَها‬
‫وَلَوْ جَ َم َعتْ يوماً تميمٌ ُ‬
‫مظلتها يوم الندى ألكنَّتِ‪.‬‬ ‫ت لهم‬
‫وَلَ ْو أنَّ أم العنكبوت بَنَ ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫ت تميم حولَ ُه واحْزَأَلَّتِ‪.‬‬
‫لزَافَ ْ‬ ‫جالُ ينشدُ ذِمَّةً‬
‫ج الدَّ َ‬
‫وَلَ ْو خر َ‬
‫فالدالالت التي ولَّدها التكرار في (ولو أنَّ) أعطت صوراً ساخرة لقبيلة تميم‪ ،‬فهي‬
‫تمتاز بالضعف والوهن‪ ،‬وقلة العدد‪ ،‬والهروب من المواجهة في القتال ومقارعة‬
‫األعداء‪ ،‬وتتعمق السخرية عندما جعل قبيلة تميم سريعة االرتداد عن اإلسالم‪ ،‬ولهذا‬
‫نلحظ أنَّ هذه الدالالت الساخرة من التكرار تنتمي للمعنى العام للسخرية الذي ارتكز‬
‫عليه الطرماح والمتمثل في الدونية واالحتقار لقبيلة تميم في واقعها االجتماعي‬
‫والبطولي‪.‬‬

‫( ) عبدالمعطي‪ ،‬محمود علي‪ ،‬نقيضتا جرير وسراقة البارقي‪ ،‬دراسة تحليلية موازنة‪ ،‬مجلة جذور‪( ،‬جدة‪،‬‬
‫النادي األدبي‪ ،‬العدد (‪ ، )40‬محرم‪ 84 ،‬ه ‪-‬يناير ‪ 0 0‬م) ‪ ،‬ص ‪.802‬‬
‫( ) السيد‪ ،‬د‪ .‬شفيع‪ ،‬أسلوب التكرار بين تنظير البالغيين وإبداع الشعراء‪ ،‬مجلة إبداع‪( ،‬القاهرة‪ ،‬العدد ( ) ‪،‬‬
‫السنة ( ) ‪ 748 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪. 2‬‬
‫(‪ )4‬ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪.99-94‬‬
‫‪91‬‬

‫ومن التكرار الساخر الذي يستدعي كثيراً من الدالالت الساخرة ما قاله عمر بن‬
‫لجأ التيمي ساخرًا من جرير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ض القصيدُ قصيدَا‪.‬‬
‫ت إذْ نق َ‬
‫وَغُلِبْ َ‬ ‫ل مر ٍة‬
‫ت أو َ‬
‫يا بن األتانِ بدأ َ‬
‫حسباً وَأَخْوَرُ من تكل َم عودَا‪.‬‬ ‫ت أَلْأَمُ من مشى‬
‫يا بن المراغ ِة أن َ‬
‫يا بن المراغةِ ال يزالُ جديدَا‪.‬‬ ‫ُل الحديثِ يَبِيْ ُد إلَّا لُؤْمَكُمْ‬
‫ك ُّ‬
‫يا بن األتانِ فَحَوَّلُوكَ مَقِيدَا‪.‬‬ ‫ت يربوعاً ولم تصدرهم‬
‫أَوْرَدْ َ‬
‫يا بن األتانِ فَبَلَّدُوا تَبْلِيدَا‪.‬‬ ‫ونَخَسْتَ يربوعًا لِيُدْرِكَ سَعْيَنا‬
‫ت عُطَاردَا ولبيدَا‪.‬‬
‫حتى انتَجَعَ َ‬ ‫ك مَفْخَرًا‬
‫يا بن المراغ ِة لم تَجِ ْد لَ َ‬
‫ح لُؤمَ ُه المولُودَا‪.‬‬
‫والفحلُ يَفْضَ ُ‬ ‫ك أَلْأَ ُم وَالِ ٍد‬
‫ن أَبُو َ‬
‫يا بن األتا ِ‬

‫ل آمي ًا وعبيدَا‪.‬‬
‫ما ٌء يُفَصِّ ُ‬ ‫ل نِسَائِكُ ْم‬
‫إن حَمْ َ‬
‫يا بن المراغ ِة َّ‬

‫تحمي الذَمَا َر وتَقْ ُتلُ الصنديدَا‪.‬‬ ‫ت إنَّ فوارسي‬


‫يا بن األتانِ كَذَبْ َ‬

‫تَرَكَتْ غُدان َة والكليبَ فنيدَا‪.‬‬ ‫يا بن المراغ ِة إنَّ شَدَّ َة خيلِنا‬

‫( )‬
‫ن المراغ ِة صِيْدَا‪.‬‬
‫وفوارسًا يا ب َ‬ ‫ت مجالِس ًا‬
‫يا بن المراغةِ قَ ْد هَجَوْ َ‬

‫فالشاعر قد كرر منظومة النداء التي ينادي بها المسخور منه (يا بن األتان‪ ،‬يا بن‬
‫المراغة) اثنتي عشرة مرة‪ ،‬وقد خلق هذا التكرار نوعاً من الترابط واالنسجام بين‬
‫صدر البيت وعجزه‪ ،‬وبين أبيات القصيدة كافةً‪ ،‬فضالً عن اإليقاع الصوتي الذي‬
‫أحدثه تكرار (يا بن األتان‪ ،‬يا بن المراغة) من نغمة أفادت التهكم والسخرية بجرير‬
‫وأمه‪.‬‬

‫والمالحظ أنَّ المرتكز العام من التكرار الساخر في األبيات السابقة هو االحتقار‬


‫والدونية من جرير‪ ،‬وقد تفرعت من هذه الداللة الكبرى دالالت متعددة تتمثل في أنَّ‬

‫( ) شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪.92-90‬‬


‫‪92‬‬

‫جريراً وقبيلته يمتازون ب (الهزيمة الشعرية‪ ،‬والخسة والوضاعة‪ ،‬والنسب الدوني‪،‬‬


‫وترك المعارك ومقارعة األعداء‪ ،‬والتجرد من المفاخر والبطوالت‪ ،‬ووالدة اإلماء‬
‫والعبيد والنخاسة‪ ،‬وضعف الرأي‪ ،‬واللؤم الثابت في طباع اآلباء واألبناء)‪ .‬فالتكرار‬
‫وفق آلية النداء السابقة يا بن األتان‪ ،‬يا بن المراغة‪ ،‬قد أعطى هندسة إيقاعية تتوافق‬
‫مع السخرية من أم جرير التي يلقَّب بها بهدف التحقير واالستهزاء‪ ،‬حيث عُدَّتْ هذه‬
‫الدالالت المكررة ذات فاعلية تدميرية وهدمية بالنسبة لجرير؛ ألنها مست أمه‪.‬‬
‫ومن أمثلة التكرار الساخر أيضاً ما قاله الفضل بن العباس (األخضر اللهبي)‬
‫متهكمًا بأبناء عمومته األمويين‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ن مدفُونا‪.‬‬
‫ال تَنْبشُوا بَيْننا ما كا َ‬ ‫مَهْالً بَني عَمِّنا مَهْالً مَوَالِينا‬
‫سيروا رويداً كما كُنْتُمْ تَسِيرُونَا‪.‬‬ ‫ت أَثْلَتِنَا‬
‫مَهْالً بني عَمِّنا عن نح ِ‬
‫نكف األذى عنكم وتؤذونا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وَأَنْ‬ ‫ن تُهينونا ونكرمكم‬
‫ال تَطْمَعُوا أَ ْ‬
‫وال نلومكُ ْم إذْ ال تحبونا‪.‬‬ ‫هلل يَعْلَ ُم أنا ال نحبكُ ُم‬
‫ا ُ‬
‫( )‬
‫بنعم ِة اهللِ نُقِْليكم وتُقْلُونَا‪.‬‬ ‫ُل له نِيَّةٌ في بُغْضِ صاحبِهِ‬
‫ك ٌّ‬
‫فاألخضر اللهبي قد كرر (مهالً بني عمنا)‪ ،‬وأفاد تكرار هذه العبارة تبيان التهكم‬
‫بأبناء عمومته‪ ،‬فهو ال يريد القرب منهم‪ ،‬بل يريد االبتعاد عنهم؛ ألنَّ في قربهم‬
‫اشتعاالً للعداوة والحرب بينهما‪ ،‬كما جاء التكرار في القصيدة في قوله (ال نحبكم‪،‬‬
‫التحبونا)‪( ،‬نقليكم‪ ،‬تقلونا)‪ ،‬وقد صور األداء الفني بالصوت على لسان الساخر‬
‫والمسخور منه والكراهية لكل واحد منهما لآلخر‪ ،‬وعُدَّت هذه القصيدة من القصائد‬
‫المنصفات‪ ،‬وهي " القصائد التي أنصف قائلوها فيها أعداءهم‪ ،‬وصدقوا عنها وعن‬
‫أنفسهم فيما اصطلوه من جمر اللقاء‪ ،‬وفيما وصفوه من أحوالهم من إمحاض‬
‫اإلخاء"( )‪.‬‬

‫( ) شعر األخضر اللهبي‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫( ) الملوحي‪ ،‬عبدالمعين‪ ،‬المنصفات‪( ،‬دمشق‪ ،‬وزارة الثقافة والسياحة واإلرشاد القومي‪ 7 9 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪93‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫السخرية في مستوى األلفاظ‬
‫‪94‬‬

‫السخرية في مستوى األلفاظ‬

‫إنَّ المتتبع لمعنى اللفظ المفرد يراه‪-‬أحياناً‪-‬غامضاً في ذاته‪ ،‬والتتضح‬


‫داللة معناه إلَّا إذا أُدخل في قالب تركيبي‪ ،‬أو من خالل السياق الذي يرد فيه‪ ،‬ويتولد‬
‫من معانيه المعجمية معانٍ أخرى‪ ،‬ولهذا تتضح الفائدة منه‪ ،‬فاأللفاظ كما يقرر‬
‫الجرجاني" ال تفيد حتى تؤلف ضرباً خاصاً من التأليف‪ ،‬ويعمد بها إلى وجهٍ دون‬
‫وجه من التركيب والترتيب" ( )‪ .‬وعلى هذا فإنَّ األلفاظ المفردة تكتسب داللة معانيها‬
‫إذا أُدخلت في تراكيب وصفية جديدة‪ ،‬أو عبر التركيب اإلضافي أو المزجي‪ ،‬أو من‬
‫خالل استخدامها في السياق النصي مع كلمات أخرى ذات داللة حسية أو مجازية‪.‬‬
‫فاأللفاظ كما يرى الجرجاني" ال تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة‪ ،‬وال من حيث‬
‫هي كلم مفردة‪ ،‬وأنَّ الفضيلة وخالفها في مالئمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها‪ ،‬أو‬
‫ما أشبه ذلك مما ال تعلق له بصريح اللفظ" ( )‪.‬‬
‫وقد أشار الجاحظ إلى أهمية األلفاظ في إيضاح المعاني والدالالت‪ ،‬وعدَّها‬
‫لبنة أساسية في النسيج التصويري لجمالية الشعر؛ ألن" المعاني مطروحة في‬
‫الطريق‪ ،‬يعرفها العجمي‪ ،‬والعربي‪ ،‬والبدوي‪ ،‬والقروي‪ ،‬والمدني‪ ،‬وإنَّما الشأن في‬
‫إقامة الوزن وتخيّر اللفظ‪ ،...‬فإنَّما الشعر صناعةٌ وضربٌ من النسج وجنسٌ من‬
‫التصوير" (‪.)4‬‬
‫فإن‬
‫وانطالقاً من أهمية األلفاظ ودورها الجمالي في تكوين داللة الشعر‪َّ ،‬‬
‫الشعراء في العصر األموي قد استخدموا ألفاظاً متعددة عبر سياقها التركيبي في‬
‫النص لتعطي داللة ساخرة‪.‬‬

‫( ) الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬ص ‪.8‬‬


‫( ) الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود محمد شاكر‪ ،‬ط‪(،2‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪،‬‬
‫‪ 8 8‬ه_‪ 008‬م)‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ )4‬الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر‪ ،‬الحيوان‪،‬ج‪ ،4‬تحقيق‪ :‬محمد طه الحاجري‪ ،‬ط‪(،4‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ 770 ،‬م)‪ ،‬ص ‪. 4 - 4‬‬
‫‪95‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ المتأمل للشعر األموي الساخر يجد أنَّ الشعراء قد‬
‫استخدموا حقوالً لفظية كثيرة في السخرية تمثلت في ألفاظ‪ :‬المرأة‪ ،‬والجسد‪،‬‬
‫والعاهة‪ ،‬والحيوانات‪ ،‬والحشرات‪ ،‬والمهن‪ ،‬والمأكل‪ ،‬والمشرب‪ ،‬والدين‪ ،‬والرق‬
‫والقينونة‪ ،‬والهيئة الشكلية‪ ،‬فضالً عن الصفات المذمومة كالبخل والرشوة‪ .‬وفيما يلي‬
‫استعراض للدالالت الساخرة لهذه األلفاظ‪.‬‬
‫‪ -1‬سخرية ألفاظ المرأة‪:‬‬
‫شكلت المرأة ساحة خصبة للسخرية عند كثير من شعراء العصر األموي‪،‬‬
‫وذلك من خالل المجاالت المتعددة التي تناول بها الشعراء ذكر المرأة كلفظ مسخور‬
‫منه في الشعر‪ ،‬حيث عُدَّت المرأة معادالً تصويرياً لكثير من معاني الهزء والتحقير‬
‫والدناءة والتعيير باآلخر‪ .‬وقد تنوعت صور المرأة المسخور منها‪ .‬وفيما يلي عرض‬
‫لبعض الصور التي جعل الشعراء من ذكر المرأة مادة للسخرية‪.‬‬
‫أ‪-‬المرأة األم‪:‬‬
‫لألم في الجاهلية مكانة سامية‪ ،‬وجاء اإلسالم فأعلى من قدرها وشأنها‪ ،‬وقد‬
‫أدرك الشعراء تلك المكانة التي تختص بها األم‪ ،‬فانطلق الكثير منهم يسخر من فئة‬
‫األفراد أو الجماعات التي ال تقوم بواجبها تجاه األم‪ ،‬أو تلك التي تنتقص من قيمتها‬
‫ومكانتها في المجتمع‪.‬‬
‫وقد وجد الشعراء في تلك الفئة التي تقصر نحو األم مادة غنية للسخرية‪ .‬فهذا‬
‫يزيد بن مفرغ الحميري يقتنص هروب عبيد اهلل بن زياد من البصرة‪ ،‬حيث هرب‬
‫وترك أمه خلف ظهره‪ ،‬فقال يزيد ساخراً منه‪:‬‬
‫دَعَتْهُ فَوَلَّاهَا اسْتَ ُه وَهَ َو يَهْرُبُ‪.‬‬ ‫ق أُمَ ُه‬
‫َر بِعَيْنِي أّنَّ ُه عَ َّ‬
‫أَق َّ‬
‫ك أَقْرَبُ‪.‬‬
‫ت أو موتي فذل َ‬
‫كما كُنْ ِ‬ ‫وقالَ‪ :‬عليك الصبرَ كوني سَبِيَّ ًة‬
‫‪96‬‬

‫( )‬
‫ب‪.‬‬
‫ن أَذْهَ ُ‬
‫أَبِنْ لي وخَبِّرني أي َ‬ ‫وقَدْ هَتَفَتْ هن ٌد بماذا أمرتني‬

‫فيزيد الحميري يسخر من عبيد اهلل بن زياد وفعلته الدنيئة في أمه‪ ،‬حيث صوَّر‬
‫عقوقه ألمه وخسته ودناءته‪ ،‬فقد تمنى ألمه الرق والعبودية‪ ،‬وقد عبرت األبيات عن‬
‫قلة حيلة األم التي لم تملك إلَّا الصراخ والعويل واالستنكار من صنيع ابنها الذي‬
‫عرضها للذلة والمهانة واألسر‪ .‬ولهذا يمكن القول إنَّ األم عندما تكون واقعة تحت‬
‫األسر والعبودية‪ ،‬فإنَّ ابنها سيصاب "بالعار والذل والهوان كأوالد اإلماء" ( ) وهذا ما‬
‫أراد إيصاله الساخر للمسخور منه‪ ،‬بأنه بعمله ذلك أصبح في عداد أوالد اإلماء‬
‫والرقيق‪.‬‬
‫وفي موضع آخر يؤكد يزيد الحميري العقوق لعبيد اهلل بن زياد في صورة‬
‫ساخرة ألمه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وتَصِيحُ أنْ ال تَنْزِعُنَّ قناعي‪.‬‬ ‫هَلَّا عَجُوزًا إذْ تُمَدُّ بِثَدْيها‬
‫(‪)4‬‬
‫ن القَاعِ‪.‬‬
‫رَبْدَا ُء مُجْفِلَ ٌة بِبَطْ ِ‬ ‫ت من أيدي العُلُوجِ كأنَّها‬
‫أَنْقَذْ َ‬
‫فالسخرية تتجلى في مظهر األم العجوز التي ينتزع العلوج قناعها‪ ،‬فهي‬
‫أصبحت كالنعامة الجافلة في بطن الوادي‪ ،‬كما يوحي لفظ(ربداء) بسواد لون األم‬
‫بسبب شقائها‪ ،‬وهو ما يدل على هوان األم‪ ،‬وانتفاء البر والرجولة عن ابنها‪.‬‬
‫ومن معاني العقوق الملتصقة باألم قول األخطل ساخراً من جرير وقومه‬
‫بسبب امتهانهم لكرامة أمهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫قالُوا ألُمِّهم بولي على النَّارِ‪.‬‬ ‫ف كَلْبَهُ ُم‬
‫قَوْ ٌم إذا اسْتَنْبَحَ األضيا ُ‬

‫( )‬
‫ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪. 2- 8‬‬
‫( )‬
‫كفافي‪ ،‬د‪ .‬منذر ذيب‪ ،‬صورة المرأة في شعر الصعاليك واللصوص حتى نهاية العصر األموي‪ ،‬ط ‪( ،‬عَمَّان‪،‬‬
‫دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع‪ 840 ،‬ه ‪ 007-‬م)‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪.‬‬ ‫ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 48‬‬ ‫(‪)8‬‬


‫‪97‬‬

‫فالسخرية تجلت من خالل امتهان األم وابتذالها في تلك الحالة التي صورها‬
‫األخطل‪ ،‬التي تدل على استخفاف األبناء بمكانة أمهم وعقوقهم لها‪.‬‬
‫أما امتهان األم في األعمال التي ال تتناسب مع شرفها ومكانتها في المجتمع‪ ،‬فقد‬
‫كانت مظهراً للسخرية عند كثير من الشعراء األمويين‪ ،‬فالفرزدق يسخر من أم‬
‫جرير(الراعية)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ب من مَرُّوتِها كُلُّ جَانِبِ‪.‬‬
‫وَأخْصَ َ‬ ‫ت سِبَالُها‬
‫ن مَثَّ ْ‬
‫تَقُولُ كُلَيْبٌ حي َ‬
‫ب‪.‬‬
‫ق الذَّوَائِ ِ‬
‫ن عَلَاها الشَّيْبُ فو َ‬
‫إلى أ ْ‬ ‫ُن أُمُّهُ‬
‫لِسُؤْبَانِ أَغْنَا ٍم رَعَتْه َّ‬
‫( )‬
‫إلى آلِ بِسْطَامِ بن قيسٍ بِخَاطِبِ‪.‬‬ ‫ل ظَهْرُها‬
‫سَ‬‫ت إذا القَعْسَا ُء أَنْ َ‬
‫أَلَسْ َ‬
‫فاألم مسخور منها لكونها امتهنت الرعي حرفةً وعمالً لها حتى ابيضت ذوائبها‪،‬‬
‫وهو ما يوحي بقلة قدرها وطول كدِّها‪ ،‬فقد امتهنت الرعي عمرها كله‪ ،‬والرعي‬
‫عادةً ال يكون إلّا في الرعاع من الرجال‪ ،‬وليس في النساء وبخاصة الحرائر منهن‪،‬‬
‫وتكمن السخرية عندما قابل بين (المرأة األم)‪ ،‬و(الحمارة األنثى‪ ،‬واألتان أو‬
‫القعساء)‪ ،‬فالمرأة األم لجرير مبتذلة‪ ،‬ولم تعرف الكرامة وال الصيانة في شيخوختها‪،‬‬
‫ولكن األتان الصغيرة لجرير حسنت حالها‪ ،‬وسقط عن ظهرها الوبر‪.‬‬
‫ومن صور امتهان األم المسخور منها (األم الحلَّابة) لألغنام‪ ،‬فالفرزدق يعيَّر‬
‫نميلة النميري بأمه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ض مالم تُوَافِقِ‪.‬‬
‫نُميلةَ ترجُو بع َ‬ ‫ب النميريِّ ناقتِي‬
‫َوقَفْتُ على با ِ‬
‫إليكَ رسيم اليَعْمالتِ المحانق‪.‬‬ ‫ت‬
‫س لَأَنْجَحَ ْ‬
‫ت من أبنا ِء قي ٍ‬
‫فلو كُنْ َ‬
‫( )‬
‫نُمَيْرِيَّةٍ حَلَّابَةٍ في المعَالقِ‪.‬‬ ‫سلِ سَوْدَاءَ جَعْدَ ٍة‬
‫ولكنَّهُ من نَ ْ‬
‫فالسخرية في قوله (حلَّابة) تدل على امتهان أمه للحالبة‪ ،‬حيث جاءت على‬
‫صيغة المبالغة للداللة على طول امتهانها في الحالبة‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ‬

‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.47-44‬‬


‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪98‬‬

‫الفرزدق في سخريته يشير إلى أنَّ عمل المرأة في حلب الماشية عارٌ ومنقصةٌ ومذلةٌ‬
‫ألن حلب الماشية من عمل الرجال‪.‬‬
‫حتى في أصغر القبائل وأفقرها وأشدها تبدِّياً؛ َّ‬

‫أما نسب األم وانتمائها إلى أراذل القوم فقد كان هو اآلخر مادة للسخرية‬
‫من األم الوضيعة النسب بحسب منظور الساخر‪ .‬ومن أمثلة هذا قول حكيم بن‬
‫عياش الكلبي ساخرًا من أم الكميت األسدية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ي نَجَّانِي من النَّارِ‪.‬‬
‫وأنَّ ربِّ َّ‬ ‫ّن أُمِّي من بني أَسَدٍ‬
‫مَا سَرَّنِي أ َّ‬
‫( )‬
‫َن لِي كُلَّ يَوْ ٍم أَلْفَ دِيْنَارِ‪.‬‬
‫وأ َّ‬ ‫وأَنَّهُم زَوَّجُوني من بناتِهم‬

‫فرد عليه الكميت بسخرية أشد عنفًا منها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬


‫َّ‬

‫ب بالنَّارِ‪.‬‬
‫ق يا كَلْ ُ‬
‫مَعْرُوفَةٌ فاحْتَرِ ْ‬ ‫ك أُمٌّ في بني أَسَ ٍد‬
‫يَا كَلْبُ ما ل َ‬
‫( )‬
‫ع الخِزْيِّ والعَارِ‪.‬‬
‫قَدْ قَنَّعُوكَ قِنَا َ‬ ‫لكن أُمَّكَ من قَوْمٍ شُنِئْتَ بهم‬
‫َّ‬

‫فالكميت قد استخدم السخرية من حكيم بن عياش عن طريق مسخ صورته‬


‫بصورة الكلب‪ ،‬وعلى هذا فالمسخ الذي أحدثه الكميت بن زيد األسدي في مسخوره‬
‫قد قلب صورته اإلنسانية الحسنة إلى صورة حيوانية قبيحة‪ ،‬فناداه (ياكلبُ)‪ ،‬كما نفى‬
‫عنه" أن تكون أمه أسدية‪ ،‬وأحرقه بالنار تنفيذاً لشرطه‪ ،‬ثم نزل بأمه إلى الهوان "(‪.)4‬‬

‫أما عبد الملك بن مروان فقد كان يُعيَّر بأمه الزرقاء التي تنتمي إلى قبيلة كندة‪،‬‬
‫فقد سخر من أمه عمر بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط الملقب بأبي قطيفة‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬

‫‪ ،‬ص‪.429‬‬ ‫( ) األصفهاني‪ ،‬أبو الفرج‪ ،‬األغاني ‪ ،‬ج‬


‫( ) شعر الكميت بن زيد األسدي‪ ،‬جمع وتقديم‪ :‬د‪ .‬داود سلوم‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬عالم الكتب للطباعة‬
‫والنشر‪ 779،‬م) ‪،‬ص‪. 28- 24‬‬
‫‪ 7‬م) ‪ ،‬ص‬ ‫(‪ )4‬الشايب‪ ،‬أحمد‪ ،‬تاريخ النقائض في الشعر العربي‪ ،‬ط‪( ،4‬القاهرة‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫‪. 72‬‬
‫‪99‬‬

‫ومخزومٍ فما أنا بالضئيلِ‪.‬‬ ‫ل من قُصَيٍّ‬


‫وَأنمي للعقائ ِ‬

‫وأروى الخير بنت أبي عقيلِ‪.‬‬ ‫وأروي من كُرَيْ ٍز قد نمتني‬

‫ف الطويلِ‪.‬‬
‫لَعَمْ ُر َأبِيكَ في الشر ِ‬ ‫كال الحَيين من هذا وهذا‬

‫ليعل َم ما تقولُ ذوو العقولِ‪.‬‬ ‫ب‬


‫فَعَدِّدْ مثلهنَّ أبا ذُبا ٍ‬
‫( )‬
‫وال لي في األزارقِ من سبيلِ‪.‬‬ ‫فما الزرقاءُ لي أُمّاً فأخزِّي‬

‫فالسخرية قائمة على النسب الوضيع الذي تنتمي إليه أم عبد الملك بن مروان‪،‬‬
‫ّد في نظر الساخر قبيلة تمتاز بالدونية والخزي والعار‪.‬‬
‫وهي قبيلة كندة التي تُع ُّ‬

‫أما بكارة الهاللية فقد سخرت من معاوية بن أبي سفيان من خالل دعوته بأمه‪،‬‬
‫وفي ذلك استهزاء ومنقصة‪ ،‬حيث تقول‪:‬‬

‫ن أَرَا َد بعيدُ‪.‬‬
‫هيهاتَ ذاكَ وإ ْ‬ ‫أَتَرَى ابنَ هن ٍد للخالفةِ مالكًا‬
‫( )‬
‫أَغْراكَ عمرو للشقا وسعيدُ‪.‬‬ ‫ك في الخَالءِ ضالل ًة‬
‫منَّتكَ نفسُ َ‬

‫فالسخرية في قولها (ابن هند)‪ ،‬ولهذا فإنَّ " التعريض باألم والنسب باألم عند العرب‬
‫(‪)4‬‬
‫يكون في موضع التعيّب أحياناً‪" .‬‬

‫( ) أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة‪ ،‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبدالعزيز إبراهيم‪ ،‬مجلة التراث‬
‫)‪ ،‬السنة(‪ ،) 4‬رمضان ‪ 8 7‬ه ‪-‬أيلول ‪ 004‬م)‪ ،‬ص ‪. 89‬‬ ‫العربي‪ (،‬دمشق‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬العدد(‬
‫( ) ابن عبد ربه‪ ،‬أحمد بن محمد‪ ،‬كتاب العقد الفريد‪ ،‬ج ‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد أمين وآخرون‪(،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ 804 ،‬ه ‪ 744-‬م)‪ ،‬ص ‪. 02‬‬
‫(‪ )4‬السيف‪ ،‬د‪ .‬عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬الرجل في شعر المرأة‪ -،‬دراسة تحليلية للشعر النسوي القديم وتمثالت‬
‫الحضور الذكوري فيه ‪ ،-‬ط ‪ ( ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة دار االنتشار العربي للطباعة والنشر والتوزيع واإلعالن‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 004‬م)‪ ،‬ص‪4‬‬
‫‪111‬‬

‫ومن صور السخرية باألم أيضاً السخرية من األم على أساس اللون والبشرة‪،‬‬
‫ومن هذا قول كعب بن معدان األشقري ساخراً من ابن أخيه‪ ،‬حيث أرجع سواده‬
‫وخبثه إلى أمه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ك عن آبائِ ِه النُّوبِ‪.‬‬
‫ث جدِّ َ‬
‫ميرا ُ‬ ‫ت تَعْرِفُهُ‬
‫إن السوادَ الذي سُرْبِلْ َ‬
‫َّ‬
‫( )‬
‫شر أسلُوبِ‪.‬‬
‫بِهَذْيِهِ سالكاً في ِّ‬ ‫ل اللؤم مُؤْتَسِيًا‬
‫ك خَا َ‬
‫أَشْبَهْتَ خالَ َ‬

‫فالسخرية من أمه السوداء وما حملته من صفات الدونية‪ ،‬ولكن الساخر‬


‫يرجعها إلى "أخواله في المالمح والقرائح والطبائع‪ ...‬فكأنَّما[يريد] بذلك نزوعه إلى‬
‫أخواله في هذه الصفات الممقوتة" ( )‪.‬‬

‫ومن صور السخرية باألم ما تجلى في السخرية من األم األعجمية‪ ،‬وما تحمله‬
‫من صفات خَلْقية وخُلُقية مشينة‪ ،‬تظهر بارزة في أبنائها‪ ،‬ومن هذا قول الحكم‬
‫الخضري يسخر من ابن ميادة وأمه األعجمية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫إلى اللؤ ِم مِقالتٍ لئي ٍم جنينُها‪.‬‬ ‫ت ابنُ أَشْ َبانيةٍ أَدْلَجَتْ به‬
‫ألن َ‬

‫ج ِبينُها‪.‬‬
‫إذا ما صَغَا في خِرْقَتَيْهَا َ‬ ‫ت بِرَوَّاثٍ كأنَّ جَبِيْنَهُ‬
‫فَجَاءَ ْ‬

‫من الدهرِ إلَّا ازدا َد لُؤْم ًا جَنِيْنُها‪.‬‬ ‫فما حَمَلَتْ مُرِّيَةٌ قَطُّ ليلةً‬
‫(‪)4‬‬
‫شينُها‪.‬‬
‫ت إلَّا بأم ٍر يَ ِ‬
‫وَال ذُكِرَ ْ‬ ‫وَمَا حَمَلَتْ إلَّا لِأَلْأَ َم مَنْ مَشَى‬

‫( ) القيسي‪ ،‬د‪ .‬نوري حمودي‪ ،‬شعراء أمويون‪ ،‬القسم الثاني‪( ،‬بغداد‪ ،‬جامعة بغداد‪ 47 ،‬ه ‪ 79 -‬م) ‪ ،‬ص‬
‫‪.47 -47‬‬
‫( ) الدباسي‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن‪ ،‬الخؤولة عند العرب‪ ،‬قراءة لنصوص من التراث العربي‪ ،‬مجلة جامعة اإلمام‬
‫محمد بن سعود اإلسالمية‪( ،‬الرياض‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬العدد (‪)9‬‬
‫‪ ،‬ربيع اآلخر ‪ 8 4‬ه ‪ 77 -‬م) ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ .‬أشبانية‪ :‬أعجمية‪.‬‬ ‫(‪ )4‬األصفهاني‪ ،‬أبو الفرج‪ ،‬األغاني‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫‪111‬‬

‫فالحكم الخضري سخر من ابن ميادة مستغالً أعجمية أمه‪ ،‬ملصقاً بها صفات اللؤم‬
‫والدناءة والعار‪.‬‬

‫أما جرير فقد سخر من أم األخطل التغلبية(النصرانية)‪ ،‬حيث عيَّرها بألفاظ تدل‬
‫على االستهزاء بشكل جسمها الذي اكتسبته من أكل الخنازير‪ ،‬وفي هذا يقول‪:‬‬

‫ضرَّ من أَ ْكلِ الخنانيصِ نَابُها‪.‬‬


‫قَدِ اخْ َ‬ ‫أَيَفْخَ ُر عَبْ ٌد أُمُّ ُه تغلبيَّ ٌة‬
‫( )‬
‫ُد نِقَابُها‪.‬‬
‫على أَنْفِ خِنْزِيْرٍ يُش ُّ‬ ‫ن مُصِنَّ ٌة‬
‫غَليظةُ جِلْ ِد المنخري ِ‬

‫فالسخرية من أم األخطل التي تأكل لحم الخنازير المباح عند النصارى‪ ،‬كما تجلت‬
‫السخرية من هذا المأكول (الخنزير) الذي غيَّر شكلها‪ ،‬فأصبح أنفها غليظاً ضخماً‪،‬‬
‫ال عن رائحة الخنزير القذرة التي تفوح من ثنايا جسدها وثيابها‪.‬‬
‫فض ً‬
‫ومن العرض السابق يمكن القول إنَّ السخرية من المرأة (األم) في األبيات السابقة‬
‫قد حملت في داللتها معاني اإلهانة والتحقير والعبودية والشر والقبح والرذيلة‪.‬‬
‫ب‪-‬المرأة (الزوجة)‪:‬‬
‫تناولت السخرية من المرأة الزوجة مجاالت عدة‪ ،‬فالمرأة الالئمة لزوجها في‬
‫كل أوقاتها كانت مادة للسخرية بسبب التلكؤ على الزوج‪ ،‬ومن أمثلته ما قاله أبو‬
‫النجم العجلي ساخرًا من زوجته التي تكثر من لومها له‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫يا ابنة عمَّا ال تلومي واهجعي‪.‬‬
‫ال تُسْمَعِينِي منك لؤماً واسمعي‪.‬‬
‫أَيْهَاتَ أَيْهَاتَ وال تَطَلَّعِي‪.‬‬
‫هي المقاديرُ فَلُومِي أَوْ دعي‪.‬‬
‫ال تَطْ َم ِعي في فرقتي ال تَطْمَعِي‪.‬‬
‫وَال تروِّعِيني وال تُروَّعي‪.‬‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪.24‬‬


‫‪112‬‬

‫س وال تفجَّعي‪.‬‬
‫واسْتَشْعرِي اليأ َ‬
‫ن تجزعي‪.‬‬
‫ك خَيْ ٌر لَكِ من أ ْ‬
‫فَذَا َ‬
‫( )‬
‫فَتُحْبَسِي وتُشْتَمِي وتُوجَعِي‪.‬‬

‫فالسخرية من الزوجة تتجلى في أنَّ عليها أن ترضى بما هو موجود عند‬


‫زوجها‪ ،‬وإلَّا سيكون مصيرها الحبس والشتم والضرب‪ ،‬وفي هذا السلوك الصادر‬
‫من الزوج انتقاص منها كإنسانة وتقليل من مكانتها الزوجية‪.‬‬

‫أما محمد بن بشير الخارجي فقد سخر من زوجته العدوانيَّة لما أَسَنَّتْ‪ ،‬فتزوج‬
‫جارية شابة من بني ليث‪ ،‬فقال في العدوانية ساخراً‪:‬‬

‫إلى كَعْبِها وامْتُصَّ عنها شَبَابُها‪.‬‬ ‫ب ما بينَ قَرْنها‬


‫ن عَانِسٌ قَدْ شَا َ‬
‫لَئِ ْ‬

‫ت حِجَاب ًا لقد كانَ سَتِيْراً حِجَابُها‪.‬‬


‫ب الله ِو يوماً وَعَلَّقَ ْ‬
‫صَبَتْ في طال ِ‬

‫( )‬
‫من الله ِو إذْ ال ُينْكِ ُر الله َو بَابُها‪.‬‬ ‫ت‬
‫ت في العيشِ حتى تَمَتَّعَ ْ‬
‫لَقَ ْد مُتِّعَ ْ‬

‫فالشاعر قد خالف المألوف عندما أطلق لفظ العانس على زوجته‪ ،‬وهذا من‬
‫باب السخرية واالستهزاء؛ ألنها أسنَّتْ‪ ،‬فضربت دونه حجاباً‪ ،‬وتوارت عنه‪ ،‬ودعت‬
‫نسوة من عشيرتها فجلسن عندها يلهون ويتغنين ويضربن الدفوف‪ ،‬وهو بذلك يريد‬
‫إثبات العجز والضعف فيها‪ ،‬وأنَّ مظهرها غير محبب إلى نفسه‪ ،‬وأنها امرأة الهية‪،‬‬
‫وأنَّها سيئة المظهر والجوهر‪.‬‬

‫( ) ديوان أبي النجم العجلي‪ ،‬ص ‪. 42- 48‬‬


‫( ) شعر محمد بن بشير الخارجي‪ ،‬جمعه وحققه وشرحه‪ :‬د‪ .‬محمد خير البقاعي‪ ،‬ط ‪( ،‬دمشق‪ ،‬دار ابن قتيبة‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ 802 ،‬ه ‪ 742-‬م) ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪113‬‬

‫وتتعالى السخرية من لوم الزوجة وغيرتها على زوجها‪ ،‬بحيث يؤدي اللؤم‬
‫المتكرر من الزوجة إلى أن يفضل الزوج فرسه على زوجته الالئمة له‪ ،‬وفي إطار‬
‫هذا المعنى الساخر من الزوجة يقول األعرج المعني‪:‬‬

‫تَلُو ُم وما أَدْرِي عَلَا َم تَوَجَّعُ‪.‬‬ ‫أَرَى أُمَّ سَ ْهلٍ ما تَزَالُ تَفَجَّ ُع‬

‫وما تستوي والوردَ ساع ًة تَفْزَعُ‪.‬‬ ‫ح الوَرْ َد لَقْحَ ًة‬


‫ن أَمْنَ َ‬
‫تَلُو ُم على أَ ْ‬

‫ب الفؤادِ رَأْسُها ما يُقََّن ُع‪.‬‬


‫نَخِيْ َ‬ ‫ت حَاسِرًا مُشْمَعل ًة‬
‫إذا هي قَامَ ْ‬

‫( )‬
‫ت أَصْنَعُ‪.‬‬
‫هنالك يَجْزِيني بما كُنْ ُ‬ ‫ت إليه باللِّجا ِم مُيَسَّراً‬
‫وَقُمْ ُ‬

‫فالساخر يعقد في األبيات السابقة موازنة بين زوجته وفرسه‪ ،‬فهي تكثر اللؤم له من‬
‫غير مسوغات يراها‪ ،‬وفي هذا الشأن فضَّل فرسه عليها‪ ،‬وتتجلى السخرية منها‬
‫عندما تقوم حاسرة رأسها من غير غطاء‪ ،‬فالقلب ينفر منها ومن منظرها القبيح‪،‬‬
‫وعلى هذا فإنَّ الفرس بمنظره الجميل في نظره أفضل من زوجته‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ كثرة اللؤم من الزوجة للزوج يؤدي إلى الخالف والنشوز‬
‫بينهما‪ ،‬مما يكون مدعاة للسخرية من الزوجة‪.‬‬
‫أما الفرزدق فيسخر من زوجته رهيمة النمرية بعد أن استفحل الخالف بينهما‪،‬‬
‫وبدأت عالمات النشوز منها‪ ،‬فقال فيها ساخراً ومحرض ًا على عدم الزواج منها‪:‬‬

‫مُزَمَّلَةً من بَعْلِها لِبِعَادِ‪.‬‬ ‫ن بعدي‪ ،‬فَتى‪ ،‬نَمِرِيَّ ًة‬


‫ال تَنْكِحَ ْ‬

‫مُولَّعَةً في خُضْرَ ٍة وسَوَادِ‪.‬‬ ‫وَبَيْضَا َء زَعْرَا َء المفارِقِ شَجْنَ ًة‬

‫ال مَضَمُّ قَتَادِ‪.‬‬


‫ت بَعْ ً‬
‫إذا عَانَقَ ْ‬ ‫ن كَأَنَّ مَضَمَّهُ‬
‫لها بَشَرٌ شَئْ ٌ‬

‫فَجُرَّعْتُ ُه مِلْحاً بِما ٍء رَمَادِ‪.‬‬ ‫ت ِبنَفْسِي الشُّؤمَ في وِرْدِ حوضِها‬


‫قَرَنْ ُ‬

‫( ) شعر الخوارج‪ ، ،‬ص ‪. 84‬‬


‫‪114‬‬

‫لَ ُه الحم ُد منها في أذًى وجهادِ‪.‬‬ ‫ق اهللُ بَيْنَنَا‬


‫وَمَا زِلْتُ حتى فَرَّ َ‬
‫( )‬
‫ثَلَاثاً تُمْسِي بِهَا وَتُغَادِي‪.‬‬ ‫تُجَدِّدُ لي ذِكْرَى عَذَابِ جَهَنَّمٍ‬

‫فالسخرية تجلت من خالل إبراز مساوئ المرأة الزوجة‪ ،‬التي تمثلت في بياض‬
‫شعرها‪ ،‬وسواد بشرتها‪ ،‬فهو بهذا الوصف ينفِّر األزواج القادمين إليها بعد طالقه‬
‫لها‪ ،‬وتكمن قمة السخرية منها واالستهزاء بها عندما قرنها "بنار جهنم‪ ،‬وجعل عناقها‬
‫احتضاناً لحزمة من الشوك‪ ،‬والحياة معها جهاداً ومنازلة للمكروه وصبراً عليه‪ ،‬فلم‬
‫تكن أكثر من شربة ملح ملوَّثة كدرة" ( )‪.‬‬
‫ومن السخرية القائمة على كشف المفاتن السيئة في المرأة الزوجة قول إسماعيل‬
‫بن عمار األسدي ساخرًا من زوجته‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ض القطا األَبْ َرشِ‪.‬‬


‫ن كبي ِ‬
‫وَلَوْ ٌ‬ ‫لها وَجْهُ قِرْ ٍد إذا ازَّيَّنَتْ‬

‫ل الخوافي من المرعَش‪.‬‬
‫كمث ِ‬ ‫وَمن فَوْقِ ِه لِمَّةٌ جثلةٌ‬

‫كقربةِ ذِي الثَّل ِة المعطشِ‪.‬‬ ‫ي تدلى على بطنِها‬


‫وثد ٌ‬

‫(‪)4‬‬
‫ق الدجاج ِة أو أحمشِ‪.‬‬
‫كسا ِ‬ ‫ق يخلخلها خّات ٌم‬
‫َوسَا ٌ‬

‫فالساخر في األبيات السابقة قد حطَّ من المكانة الجمالية للمرأة‪ ،‬حيث خلع عليها‬
‫صفات الحيوانات‪ ،‬فهي كالقرد في دمامة وجهها‪ ،‬وبيض القطا في برص جلدها‪،‬‬
‫وريش النسر الهرم في كثافة شعرها‪ ،‬ورجل الدجاجة في نحافة ساقها‪ ،‬فضالً عن‬
‫القربة الطويلة الفارغة في ترهل ثديها‪.‬‬

‫‪ .‬قوله فتى‪ :‬بحذف حرف النداء‪ ،‬والمقصود يافتى‪.‬‬ ‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫( ) عبداهلل‪ ،‬د‪ .‬محمد حسن‪ ،‬صورة المرأة في الشعر األموي‪ ،‬ط ‪ (،‬الكويت‪ ،‬منشورات ذات السالسل‪ 809 ،‬ه‬
‫‪ 749-‬م)‪ ،‬ص ‪.4 8‬‬
‫(‪ )4‬شعر إسماعيل بن عمار األسدي وأخباره‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪115‬‬

‫وأخذت السخرية من المرأة الزوجة مظهراً آخر عند شعراء العصر األموي‪،‬‬
‫تمثلت في المفاضلة بين جمال المرأة الحضرية والمرأة البدوية‪ ،‬وفي هذا اإلطار‬
‫يسخر الفرزدق من زوجته(نوار) عندما خاصمها‪ ،‬لكونها حضرية وليست من‬
‫البدويات الفاضالت‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫تَظَلُّ بِرَوْقَي بيتِها الريحُ تَخْفِقُ‪.‬‬ ‫لَعَمْرِي ألَعْرَابيَّةٌ في مِظَلَّ ٍة‬

‫ل الغمامةِ تُشْرِقُ‪.‬‬
‫إذا ما بَدَتْ مِ ْث َ‬ ‫ص‬
‫ل أو كَدُرَّةِ غَائِ ٍ‬
‫ُم غَزَا ٍ‬
‫كَأ ِّ‬

‫ت عنها المراوحُ تَعْرَقُ‪.‬‬


‫إذا رُفِعَ ْ‬ ‫ك ضِفْنَّ ٍة‬
‫َب إلينا من ضِنَا ٍ‬
‫أَح ُّ‬
‫( )‬
‫ق‪.‬‬
‫ن تُفْلَ ُ‬
‫صحيح ًا ويَبْدُو دَاؤُهَا حِيْ َ‬ ‫ب لَوْنُها‬
‫كَبِطِّيْخ ِة الزَّرَّاعِ يُعْجِ ُ‬

‫فالفرزدق رسم صورة ساخرة لنوار الحضرية‪ ،‬فهي مثل البطيخة التي يعجب‬
‫لونها من الخارج‪ ،‬ومن داخلها يظهر الداء والخبث‪ ،‬فهكذا تجلت النوار عند‬
‫الفرزدق‪ ،‬فلم يظهر له سوء خلقها إلَّا من خالل تعامله معها‪ ،‬ومعاشرتها له‪.‬‬

‫وتأخذ السخرية من المرأة الزوجة بُعداً تهكمياً ساخراً‪ ،‬حينما يصبغ الساخر‬
‫زوجته بصفات الحيوان وأسمائها‪ ،‬فهذا روح بن زنباع الجذامي‪ ،‬يصف زوجته‬
‫حُميدة بنت النعمان بن بشير أنَّها بمنزلة األتان التي تُعْرِضُ نفسها للحصان‪ ،‬حيث‬
‫يقول فيها ساخراً‪:‬‬

‫حلِ‪.‬‬
‫ت عندَ جحفلةِ الفَ ْ‬
‫أتانٌ فبالَ ْ‬ ‫ت له‬
‫فما بالُ مُهْ ٍر رائِعٍ عَرَضَ ْ‬
‫( )‬
‫كما رَبَخَتْ قمراءُ في دَمَثٍ سَهْلِ‪.‬‬ ‫ت لهُ‬
‫إذا هُ َو وَلَّى جانبًا رَبَخَ ْ‬

‫‪.8‬‬ ‫‪-8‬‬ ‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬


‫( ) أشعار أمراء الدولة األموية في المشرق‪ ،‬دراسة وجمع‪ :‬زاهر محمد الشمَّاع‪( ،‬دمشق‪ ،‬منشورات الهيئة‬
‫‪ 0‬م) ‪ ،‬ص ‪. 44‬‬ ‫العامة السورية للكتاب‪ ،‬وزارة الثقافة‪،‬‬
‫‪116‬‬

‫أما الشاعر سليمان بن يحيى بن زيد بن أيوب الملقب بأبي الزوائد السعدي‬
‫فيسخر من زوجته التي ملَّها وأبغضها‪ُ ،‬مطِْلقاً عليها صفات الغول والسعالة‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬

‫لم تَظْفَرِي بتُقى وال بجمالِ‪.‬‬ ‫ل‬


‫ل بين رما ٍ‬
‫ل أَنْتِ الغُو ُ‬
‫يا رَ ْم ُ‬

‫شَوْهَاءُ كالسعال ِة بين سعالي‪.‬‬ ‫ك سَلْفَ ٌع‬


‫ت أَنَّ ِ‬
‫ل لَ ْو حَدَّثْ ُ‬
‫يا رَ ْم ُ‬
‫( )‬
‫مني وال ضُمَّتْ عليكِ حبالي‪.‬‬ ‫مَا جَاءَ يَطْلُبُكِ الرسولُ بِخِطْبَ ٍة‬

‫وأخذت المرأة المخطوبة حيِّزاً في الشعر األموي الساخر‪ ،‬فهذا الحكم بن عبدل‬
‫األسدي يسخر من امرأة خطبها‪ ،‬فرفضت الزواج منه‪ ،‬فقال فيها‪:‬‬
‫ُم رياحِ‪.‬‬
‫ولَا في الزواني بعد أ ِّ‬ ‫فَلَا خَيْ َر في الفتيانِ بعد ابن عبدل‬
‫( )‬
‫ض ًة لنِكَاحي‬
‫ح عُرْ َ‬
‫ُم ريا ٍ‬
‫وأ ُّ‬ ‫ب‬
‫ض مُجرّ ٍ‬
‫هلل ما ٍ‬
‫فَإِيري بحمد ا ِ‬
‫أما محمد بن بشير الخارجي فقد سخر من الفتاة التي خطبها عندما شاهدها‪،‬‬
‫فرسم لها صورة مسخية كاريكاتيرية يتجلى منها شكلها القبيح‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫عرقُوْبُها مِ ْثلُ شه ِر الصو ِم في الطولِ‪.‬‬ ‫ت أَخْطُبُها‬
‫ت أنَّ فتا ًة كُنْ ُ‬
‫أُنْبِئْ ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫كَأَنَّهَا حِينَ يَبْدُو وَجْهَهَا غُوْلُ‪.‬‬ ‫أَسْنَانُها مِئَ ٌة أَ ْو زِدْنَ وَاحِد ًة‬
‫فالسخرية تمثلت في شكل المخطوبة التشويهي‪ ،‬فعرقوبها طويلٌ‪ ،‬وأسنانها كثيرة‬
‫مما يوحي بشراهتها في أثناء األكل‪ ،‬فضالً عن وجهها المشابه لوجه الغول المخيف‪،‬‬
‫ولهذا تجلى من صورة الفتاة المخطوبة القبح والشؤم‪.‬‬
‫أما جرير فيفسد على الفرزدق مخطوبته (حدراء) من خالل تشويهها بأصول‬
‫أجدادها الذين يرجعون إلى النصارى‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫( ) األصفهاني‪ ،‬أبو الفرج‪ ،‬األغاني‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص ‪4‬‬


‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪. 04‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر‪ ،‬الحيوان‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص‬
‫‪117‬‬

‫ن راغِبُ‪.‬‬
‫ولَا عن بنات الحنظليي َ‬ ‫ب‬
‫شف مَنْصِ ٍ‬
‫ت بمعطي الحك ِم عن ِّ‬
‫لَسْ ُ‬
‫ُن المشَارِبُ‪.‬‬
‫ت مِلَاح ًا غَيْرَه َّ‬
‫وَكَانَ ْ‬ ‫ن يُشْفَى به الصدى‬
‫ُن ما َء المُزْ ِ‬
‫أَرَاه َّ‬
‫( )‬
‫ن مِنْهَا وَحَاجِبُ‪.‬‬
‫عُتَيْبَ ُة والرِّدْفَا ِ‬ ‫ب ظَعِيْنَ ًة‬
‫ت الصَّلِيْ ِ‬
‫وَمَا عَدَلَتْ ذَا ُ‬
‫فمدار سخرية جرير من حدراء مخطوبة الفرزدق نصرانية أجدادها‪ ،‬وفي هذا‬
‫انتقاص من مكانة الفرزدق المسلم‪ ،‬كما أنَّ حدراء من وجهة نظر جرير ال توازي‬
‫النساء الالتي أنجبن األشراف واألماجد كظعينة امرأة عتبة بن الحارث – فارس‬
‫مضر‪ -‬وعلى هذا يقرر جرير أنَّ المخطوبة الوضيعة في مكانتها االجتماعية‬
‫تتناسب مع الفرزدق الوضيع‪ ،‬الذي يحسن صناعة الحديد؛ ألنه قينٌ‪ ،‬وفي هذا‬
‫اإلطار تتجلى السخرية من المخطوبة وخطيبها‪.‬‬
‫وفي إطار السخرية من مهر المخطوبة نجد الفرزدق يسخر مما قدمه جرير‬
‫مهرًا لمخطوبته والمتمثل بتقديمهم الماعز مهراً‪ ،‬حيث يقول الفرزدق ساخراً‪:‬‬
‫ُم الذُّرى والغواربِ‪.‬‬
‫على مائةٍ ش َّ‬ ‫فقالُوا‪ :‬سَمِعْنَا أنَّ حدراء زُوِّجَتْ‬
‫ع الذي في الترَائِبِ‪.‬‬
‫ظَفَارِيَّةُ الجَ ْز ِ‬ ‫وَفِيْنَا من المِعْ َزى تِلَا ٌد كَأَنَّهَا‬
‫ن لَيْلَى وَغَالِبِ‪.‬‬
‫على دارميٍّ بَيْ َ‬ ‫ت من أَكْفاءِ حدرا َء لَ ْم تَلُ ْم‬
‫فَلَ ْو كُنْ َ‬
‫( )‬
‫ك أوْ من مُحَارِبِ‪.‬‬
‫س إلَّا مِنْ َ‬
‫من النَّا ِ‬ ‫وَمَا اسْتَعْهَ َد األَقْوَا ُم من زوجٍ حَرَّ ٍة‬
‫فالسخرية تكمن في أنَّ جريراً قد تقدم إلى حدراء خاطباً‪ ،‬وأمهرها ثروة هزيلة‬
‫أن الحرائر تمهر بمائة من اإلبل‪ .‬وتكتمل‬
‫قوامها قطيع األغنام فرفضوه‪ ،‬ومن الثابت َّ‬
‫السخرية عند الفرزدق عندما جعل عطية والد جرير يفضل األتان على حدراء‪ ،‬كما‬
‫أن المعزى هي األخرى تختار عطية‪ ،‬حيث يقول فهذا الفرزدق‪:‬‬
‫َّ‬
‫ل حَالِبِ‪.‬‬
‫ت المعزى على كُ ِّ‬
‫تَخَيَّرَ ِ‬ ‫لَعَلَّكَ في حدرا َء لُمْتَ على الذي‬
‫( )‬
‫ن وَرَاكِبِ‪.‬‬
‫ج لألتَا ِ‬
‫عطي ُة زَوْ ٍ‬ ‫عطي َة أَوْ ذِي بُرْدَتَيْن كَأَنَّهُ‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.84-8‬‬


‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.70-47‬‬
‫‪118‬‬

‫ومن هذا المنطلق يمكن القول إنَّ التنافس بين جرير والفرزدق وصراعهما‬
‫القبائلي والسياسي‪ ،‬قد اعتمد على المرأة وسيلةً "إلفشال األهواء والرغبات الخاصة‪،‬‬
‫( )‬
‫وإلحاق الهزيمة بالمنافس"‬
‫ج‪-‬السخرية من المرأة (البنت)‪:‬‬
‫رسم الشعراء األمويون صوراً ساخرة تختلط فيها الدعابة بالفكاهة لبناتهم‪،‬‬
‫منطلقين فيها من إضحاك الخلفاء في مجالسهم‪ ،‬لكي يحصلوا على عطاياهم وهباتهم‪.‬‬
‫وقد امتزجت تلك الصور الساخرة من جانب آخر بعاطفة األبوة والحنان والنصح‬
‫للبنت‪ .‬فهذا أبو النجم العجلي يسخر من ابنته(ظالمة)‪ ،‬ويهزأ من شكلها‪ ،‬ويرسم لها‬
‫صورة ساخرة يفاكه بها هشام بن عبد الملك‪ ،‬فأمر له بكل ما طلبه منه بعد سماعه‬
‫لشعره‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫كأنَّ ظلَّام َة أُخْتُ شَيْبَانْ‪.‬‬
‫يَتِيْمَ ٌة وَوَالِدَاهَا حَيَّانْ‪.‬‬
‫طلٌ واألذنانْ‪.‬‬
‫العنقُ منها عُ ُ‬
‫والرأسُ قَ ْملٌ كُلَّ ُه وصِئْبَانْ‪.‬‬
‫وَلَيْسَ في الرِّجلين إلَّا خَيْطَانْ‪.‬‬
‫وَقِصَّةٌ قَدْ شَيَّطَتْهَا النِيْرانْ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ك التي يَضْحَكُ منها الشيطانْ‪.‬‬
‫تِلْ َ‬
‫فالسخرية في أبيات أبي النجم العجلي تتعالى من ثناياها طلب الشفقة من الخليفة‬
‫هشام‪ ،‬فالبنت أشبه باليتيمة‪ ،‬فالحلي في عنقها وأذنيها‪ ،‬فضالً عن البنية التركيبية‬
‫الهزيلة لجسمها‪ ،‬مما يستدعي رفد والداها بالمأكل والمال‪.‬‬

‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.70‬‬


‫( ) عبداهلل‪ ،‬د‪ .‬محمد حسن‪ ،‬صورة المرأة في الشعر األموي‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬ديوان أبي النجم العجلي‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪119‬‬

‫وتجلت السخرية عند أبي النجم العجلي من ابنته من خالل الوصايا التي وجهها‬
‫البنته عندما حان موعد زواجها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫أُوصِيكِ يا بنتي فإني ذَاهِبُ‪.‬‬
‫ك القرائبِ‪.‬‬
‫ن تَحْمُدَ ِ‬
‫ك أَ ْ‬
‫أُوصِي ِ‬
‫ف الكريمُ السَّاغِبُ‪.‬‬
‫والجا ُر والضي ُ‬

‫ب‪.‬‬
‫ن وهو خائ ُ‬
‫ال يرج ُع المسكي ُ‬

‫ك السالهبُ‪.‬‬
‫وال تَنِي أَظفارُ ِ‬

‫منهن في وَجْ ِه الحماةِ كاتبُ‪.‬‬


‫َّ‬
‫( )‬
‫إن الزوجَ بِ ْئسَ الصاحبُ‪.‬‬
‫ج َّ‬
‫والزو ُ‬
‫فالفكاهة قائمة من خالل العراك الذي أوصى أن تقوم به ابنته في وجه زوجها وأمه‬
‫عن طريق األظافر‪ .‬ويوصي أبو النجم ابنته بوصية أخرى تعلو منها الفكاهة على‬
‫شكل نصائح ووصايا من األب البنته المتزوجة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫سُبِّي الحما َة وابْهَتِي عليهَا‪.‬‬
‫ن دَنَتْ فَازْدَلِفِي إِلَيْهَا‪.‬‬
‫وَإِ ْ‬
‫ثُ ِم اقْرَعِي بِالوُّدِ مِرْ َفقَيْهَا‪.‬‬
‫َوأَوْجعِي بِالفَهْ ِر رُكْبَتَيْهَا‪.‬‬
‫وَرُكْبَتَيْهَا وَاقْرَعِي كَعْبَيْهَا‪.‬‬
‫وَمِرْفَقَيْهَا وَاضَرُبِي جَنْبَيْهَا‪.‬‬
‫وَظَاهِرِي النَّذْرَ لَهَا عَلَيْهَا‪.‬‬
‫لَا تَخْبُرِي الدَّهْرَ بِ ِه ابْنَتَيْهَا‪.‬‬
‫( )‬
‫وَأَغْلُقِي كَفَّيْكِ فِي صُدْغَيْهَا‪.‬‬

‫‪. 9-‬‬ ‫( ) ديوان أبي النجم العجلي‪ ،‬ص‬


‫‪111‬‬

‫فأرجوزة أبي النجم تقوم على وصية ساخرة تتجلى منها الفكاهة والدعابة التي يسعد‬
‫بها الخليفة هشام بن عبد الملك‪ ،‬حيث تجلت لحظات الضحك والفكاهة للخليفة‬
‫وجلسائه عندما أوصى ابنته بسب الحماة‪ ،‬وضربها بالحجر على المرفقين والجبين‪.‬‬

‫د‪-‬السخرية من المرأة األخت‪:‬‬

‫تجلت السخرية من المرأة (األخت) في إطار الخصومة القائمة بين جرير‬


‫والفرزدق‪ ،‬حيث سلط جرير سخريته من الفرزدق عبر أخته (جعثن)‪ ،‬وما دار‬
‫حولها من إسفاف أخالقي جعلها محط السخرية والذم من اآلخرين‪ .‬وفي هذا الشأن‬
‫نجد جريراً يسخر من (جعثن) أخت الفرزدق‪ ،‬بوصفها امرأة تبيع شرفها بصورة‬
‫مسفة في األخالق‪ ،‬فيقول ساخراً من فعلها المذموم‪:‬‬
‫ج وَمَا تُغْلِي‪.‬‬
‫ل النِّبَا ِ‬
‫بِشِقِّ اسْتِهَا أَهْ َ‬ ‫ت‬
‫ن صَمْعَاءَ بَايَعَ ْ‬
‫ج اب ِ‬
‫ت عِلْ َ‬
‫إِذَا لَقِي َ‬
‫( )‬
‫ن الجَدَا ِولِ والنَّخْلِ‪.‬‬
‫مَرَاعِيهَا بَيْ َ‬ ‫ج وَتَبْتَغِي‬
‫ب النِّبا َ‬
‫ي تَنْتَا ُ‬
‫لَيَاِل َ‬

‫فهي امرأةٌ تبيع شرفها وعفتها بأبخس األثمان في كل أوقاتها صباحاً ومساءً‪.‬‬
‫ويضاف إلى هذا اإلسفاف األخالقي ما قاله جرير عن حادثة المنقري وجعثن‬
‫المشهورة‪ ،‬وارتكابه الفاحشة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كَرَجْعِ يَ ِد الفَالِجِ األَحْرَدِ‪.‬‬ ‫ِي‬
‫ن حَطَّ بِهَا المِنْقَر ُّ‬
‫وَجِعْثَ ُ‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ جريراً يؤصل للفاحشة في جعثن‪ ،‬بحيث تصبح صفة تلتصق‬
‫بها‪ ،‬واسماً تشتهر به بين القبائل العربية في عصرها على سبيل التندر والسخرية‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫تُسَمَّى بَعْدَ فَضَتِهَا الرُّحَابَا‪.‬‬ ‫ن وَسْطَ سَعْدٍ‬
‫َن جِعْثَ َ‬
‫أَلَ ْم تَ َر أ َّ‬

‫( ) ديوان أبي النجم العجلي‪ ،‬ص‪. 40‬‬


‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8 4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫‪111‬‬

‫فجرير قد حوَّل جعثن بهذا الوصف الساخر إلى محطة انحدار أخالقي‪ ،‬فهي قد‬
‫أصبحت رحاباً فسيحة يرتادوها المريدون من طالب الهوى والشهوات والطيش‬
‫والنزق األخالقي‪.‬‬
‫ومن خالل تلك المحطات السيئة ألخالق جعثن فإنَّ جريراً يحتقر الفرزدق‬
‫ويلومه‪ ،‬ألنه لم يثأر ألخته‪ ،‬حيث يقول ساخراً منه‪:‬‬
‫وَتَتْرُكُ شَوْق ًا إِلَى مَهْدَدِ‪.‬‬ ‫ن‬
‫ت بِبِنْتِ القُيُو ِ‬
‫فَهَلَّا ثَأَرْ َ‬

‫( )‬
‫َق الخَلَاخِيلِ والمِعْضَدِ‪.‬‬
‫وَد َّ‬ ‫َل النِّطاقِ‬
‫وَهَلَّا ثَأَرْتَ بِح ِّ‬

‫ثم يسخر منه على لسان زوجته (النوار) التي انتقصت من رجولته ومكانته؛ بسبب‬
‫عجزه عن نصرة أخته واألخذ بثأرها‪ ،‬حيث يقول مخاطبا الفرزدق بلسان النوار‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ق لَمْ يُولَدِ‪.‬‬
‫ت الفرزد َ‬
‫فَلَيْ َ‬ ‫ن‬
‫ت القُيُو َ‬
‫ل نَوَارُ فَضَحْ َ‬
‫تَقُو ُ‬

‫ولهذا يمكن القول إنَّ جريراً في سخريته من المرأة (األخت)‪ ،‬التي تجلت‬
‫صورتها الساخرة في أخت الفرزدق قد استطاع أن يصوَّر من جعثن "رمزاً للمرأة‬
‫ال متهالكة التي ال رادع لها‪ ،‬فال قوم يقومون عليها‪ ،‬أو يدافعون عنها حين تنتهك‬
‫(‪)8‬‬
‫وهو بهذا يكشف عن المكانة الدونية للفرزدق وأسرته في مصاف‬ ‫حرمتها‪".‬‬
‫الشرف واألخالق‪.‬‬
‫ه‪-‬السخرية من المرأة(العجوز)‪:‬‬
‫اتخذ الشعراء األمويون من العجائز مادةً لسخريتهم‪ ،‬منطلقين فيها من‬
‫السخرية القائمة على الشكل الساخر للعجائز‪ ،‬فضالً عن الصور المسخية والمضحكة‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫( )‬
‫‪. 40-‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 40‬‬
‫(‪)8‬‬
‫المطيري‪ ،‬هند‪ ،‬النفي في نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬دراسة أسلوبية‪ ،‬ط ‪( ،‬الرياض‪ ،‬مركز حمد الجاسر‬
‫‪.‬‬ ‫الثقافي‪ 8 7 ،‬ه ‪ 004-‬م)‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪112‬‬

‫التي يجدونها في المرأة العجوز‪ ،‬فهذا الحكم بن عبدل األسدي تزوَّج امرأةً عجوزاً‬
‫من همدان‪ ،‬فلمَّا دخل عليها كرهها‪ ،‬فقال فيها ساخراً‪:‬‬
‫ن لَ ْم تَعْذِرَاني‪.‬‬
‫أَقِلَا اللؤم ِإ ْ‬ ‫أَعَاذِلَتِي من لَوْ ٍم دَعَانِي‬
‫مُبَرْقَعَ ٍة مُخَضَّب ِة البَنَانِ‪.‬‬ ‫فَإنِّي قَدْ دُلْلُّتُ عَلَى عَجُوْزٍ‬
‫إذا مَا ضُرِّجَتْ بِالزَّعْفَرَانِ‪.‬‬ ‫تَغَضَّنَ جِلْدُهَا وَاخْضَرَّ إلَّا‬
‫أَظَلَّتْنِي بِيَوْ ِم أَرْوَنَانِ‪.‬‬ ‫فَلَّمَا أَنْ دَخَلْتُ وَحَادَثَتْنِي‬
‫ُر باألذَانِ‪.‬‬
‫سَمِعْتُ نَدَا َء ح ٍّ‬ ‫تُحَدِّثُنِي عن األَزْمَانِ حَتَّى‬
‫فَلَمَّا صَاحَبَانِي طَلَّقَانِي‪.‬‬ ‫فَقَالَتْ قَدْ نَكَحْتُ اثنين شَتَى‬
‫( )‬
‫فَلَيْتَ عريفَ حيٍّ قَ ْد نَعَانِي‪.‬‬ ‫وَأَرْبَعَ ٌة نَكَحْتَهُم فَمَاتُوا‬
‫فالحكم بن عبدل قد رسم صورة ساخرة مضحكة لزوجته العجوز المتصابية‪ ،‬التي‬
‫تستخدم الخضاب والزعفران‪ ،‬رغم تثني جلدها واخضراره‪ ،‬وتتجلى السخرية أيضاً‬
‫في الحوار الهزلي والساخر الذي دار بينه وبين زوجته التي حدَّثته عن ماضيها‬
‫المظلم والمشؤوم‪ ،‬وتبيَّن منه أنَّ زوجته العجوز هي" امرأة ال تُطاق‪ ،...،‬وهي امرأة‬
‫( )‬
‫نكدٍ وشؤمٍ"‬
‫أما العجاج فيسخر من العجائز مصبغاً عليهن صفات األفاعي‪ ،‬ومستهزئاً من طريقة‬
‫أكلهنَّ‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ت عَجَباً مُ ْذ أَمْسَا‪.‬‬
‫لَقَ ْد رَأَيْ ُ‬
‫عَجَائِزاً مِ ْثلَ األَفَاعِي خَمْسَا‪.‬‬
‫ُن هَمْسَا‪.‬‬
‫ن مَا فِي رَحْلَه َّ‬
‫يَأْكُلْ َ‬
‫ُن ضَرسَا‪.‬‬
‫هلل لَه َّ‬
‫كا ُ‬‫لَا تَرَ َ‬
‫ن الدَّهْ َر إلَّا تَعسا‪.‬‬
‫وَلَا لَقَيْ َ‬

‫‪.‬‬ ‫‪9-‬‬ ‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص‬


‫( ) عزب‪ ،‬ورد محمدي مكاوي‪ ،‬شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬مجلة جذور‪(،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي‪ ،‬السنة(‪،)9‬‬
‫العدد(‪ ،) 2‬شوال ‪ 8 8‬ه ‪ -‬ديسمبر‪ 004‬م)‪ ،‬ص ‪.4 4‬‬
‫‪113‬‬

‫فَيْهَا عَجُوْ ٌز لَا تُسَاوِي فَلْسَا‪.‬‬


‫( )‬
‫ل الزُّبْدَ َة إلَّا نَهْسَا‪.‬‬
‫لَا تَأْ ُك ُ‬
‫فالعجاج في أرجوزته قد صوَّر العجائز في سخرية الذعة‪ ،‬حيث شبهنَّ باألفاعي‪،‬‬
‫ودعا عليهنَّ دعاءً طريفاً ساخراً‪ ،‬ويتمثل هذا الدعاء في دعوته لهنَّ بسقوط‬
‫أضراسهنَّ‪ ،‬كما تجلت السخرية في قيمة العجائز بحسب نظر الساخر لهنَّ‪ ،‬فهنَّ ال‬
‫ن الزبدة نهساً‪.‬‬
‫لهن صورة فيها السخرية والدعابة‪ ،‬حيث يَنْهَسْ َ‬
‫يساوين فلساً‪ ،‬ثم رسم َّ‬
‫وفي الطرف المناهض للعجاج في مدح العجائز‪ ،‬نجد أنَّ أبا األسود الدؤلي‬
‫يتمسك بمحبة عجوزه‪ ،‬وال يقبل فؤاده إلَّا أم عوف‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ب عَجُوْزاً يُفَنَّدُ‪.‬‬
‫عَجُوْزاً وَمَنْ يَحْبِ ْ‬ ‫ف وَحُبَّهَا‬
‫ُم عَوْ ٍ‬
‫ب إلَّا أ َّ‬
‫أَبَى القَلْ ُ‬
‫( )‬
‫وَجِدَّتُ ُه مَا شِئْتَ فَي العَيْنِ وَاليَدِ‪.‬‬ ‫ق الَيَمَانِي قَ ْد تَقَادَ َم عَهْدُ ُه‬
‫كَسُحْ ِ‬
‫و‪-‬السخرية من المرأة الوضيعة‪:‬‬
‫شكَّلت المرأة الوضيعة اجتماعياً في العصر األموي مادة أخرى للسخرية‪،‬‬
‫وقد تمثَّلتْ هذه الصورة من خالل نزول النساء الحرائر إلى منزلة اإلماء والتشبه‬
‫بهنَّ‪ ،‬وذلك في حالة الحرب؛ مخافة من السبي‪ ،‬حتى يزهد فيهنَّ األعداء‪ .‬ومن هذا‬
‫المنطلق فقد أضحت حالة المرأة في الحرب مادة لسخرية الشعراء‪ .‬وفي هذا الشأن‬
‫نجد الفرزدق يسخر من نساء كليب واصفا إياهن باإلماء‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫عَلَى أُمُلِ الدَّهْنَا النِّسَا ُء الرَّوَاضِعُ‪.‬‬ ‫ن وَقَ ْد أَتَى‬
‫َي لِحَاقٍ تَنْظُرُوْ َ‬
‫فَأ ُّ‬
‫ل قَعَاقِعُ‪.‬‬
‫ف الرِّجا ِ‬
‫لِأَسْوُقِهَا خَلْ َ‬ ‫ن إِلَيْكُمْ‬
‫ُن رُدَافَى يَلْتَفِتْ َ‬
‫وَه َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫وُجُوْ َه إِمَا ٍء لَ ْم تَصُنْهَا البَرَاقِعُ‪.‬‬ ‫ت وَسْطَ بُيُوْتِهِمْ‬
‫تَرَى للكُلَيْبِيَّا ِ‬
‫فالسخرية من نساء كليب الالتي تقلَّدْنَ مقام اإلماء في البيوت؛ لئال يتعرضن للسبي‪.‬‬

‫( ) ديوان العجاج برواية األصمعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبدالحفيظ السلطي‪ (،‬دمشق‪ ،‬مكتبة أطلس‪ +‬المطبعة التعاونية‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 79‬م)‪ ،‬ص‪7‬‬
‫( ) ديوان أبي األسود الدؤلي ‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حسين آل ياسين‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب الجديد‪ 798 ،‬م)‪،‬‬
‫ص‪.49‬‬
‫(‪ )4‬ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.4 4‬‬
‫‪114‬‬

‫وعلى هذا المنوال الساخر يسخر الكميت بن زيد األسدي أيضاً من نساء كليب‬
‫الحرائر الالتي ينزلن منزلة اإلماء في حالة الحرب‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫خَوَدِمَ يَحْتَطِبْنَ وَيَحْتَسِيْنَا‪.‬‬ ‫ت كَلْبٍ‬
‫ن بَنَا َ‬
‫عَوَا ِبسُ يَتَخِذْ َ‬
‫( )‬
‫ن العَجَاهِنَ َة الرِّئِيْنَا‪.‬‬
‫يُخَالِسْ َ‬ ‫ن القُدُوْرَ مُشَمِّرَاتٍ‬
‫وَينْصِبْ َ‬
‫كما يصوِّر الكميت نساء بكر عندما تستعر الحرب‪ ،‬حيث تحسر النساء عن‬
‫سيقانهنَّ‪ ،‬فيظهر الخلخال من الرعب‪ ،‬فيصور سخريته من حالة نسوة بكر‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ل الخِلْخَالُ مَنْزِلَ َة القَلْبِ‪.‬‬
‫إذا نَ َز َ‬ ‫ل‬
‫وَلَ ْم أَ َر مِ ْثلَ الحيِّ بكر بن وائ ٍ‬
‫ففي حالة األمن يبدو السوار‪ ،‬وفي الشدة يظهر الخلخال من هول الحرب‬
‫ونصبها‪ ،‬فهنا تتجلى السخرية من حالة نساء بكر في أثناء الحرب‪ ،‬حيث رسم‬
‫الشاعر الصورة الدونية لقبيلة بكر عبر صورة النسوة الالتي لم تلقَ من يدفع عنهنَّ‬
‫هول الحرب ونتائجها‪.‬‬
‫أمَّا المرأة الوضيعة في مكانتها االجتماعية فقد كانت هي األخرى مادة‬
‫للسخرية‪ ،‬فهذا جرير يسخر من نسوة تغلب لقبح أخالقهنَّ وأجسادهنَّ حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ل وَلَا دِيْنٌ وَلَا خَفْرُ‪.‬‬
‫وَلَا جَمَا ٌ‬ ‫ب لَا حِلْ ٌم ولَا حَسَبٌ‬
‫نِسْوَانُ تَغْلِ َ‬
‫فجرير في بيته السابق قد نفى عن نسوة تغلب كل مقومات المرأة الحرَّة‪ ،‬والجمال‪،‬‬
‫والعقل‪ ،‬والدين‪ ،‬والحياء‪.‬‬
‫أما ذو الرُّمة فينتقص من مكانة نساء امرئ القيس؛ بسبب المكانة االجتماعية‬
‫واالقتصادية للعشيرة‪ ،‬فهم أهل فالحة‪ ،‬وقد تجلى أثر الفالحة في قسمات وجوه‬
‫نسائهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ن مِيلِ العَوَاتِقِ‪.‬‬
‫تَنُوْءُ بِحَرَّاثِيْ َ‬ ‫ب تَعْلَمُ أنَّما‬
‫ل الحَرْ ِ‬
‫أما كُنْتُ قَ ْب َ‬

‫( ) ديوان الكميت بن زيد األسدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد نبيل الطريفي‪،‬ط ‪(،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ 00 ،‬م)‪،‬ص‪.8 0‬‬
‫‪.8‬‬ ‫( ) شعر الكميت بن زيد األسدي‪ ،‬جمع وتقديم‪ :‬د‪ .‬داؤود سلوم‪ ،‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )8‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪115‬‬

‫قِبَاحاً وَأَشْيَاخاً لِئَا َم العَنَافِقِ‪.‬‬ ‫خلِ امرئ القيسِ نِسْوَ ٌة‬


‫ظلُّ ذُرَى نَ ْ‬
‫تُ ِ‬
‫ق( )‪.‬‬
‫ن اللِّحَى والمَفَارِ ِ‬
‫على َمنْصَفٍ بَيْ َ‬ ‫تَبَيَّنُ نَ ْقشَ اللُؤْمِ في قَسَمَاتِهِمْ‬
‫ز‪-‬السخرية من المرأة الطائشة‪:‬‬
‫رسم الشعراء في العصر األموي صوراً تدل على التحقير والسخرية من‬
‫المرأة الطائشة‪ ،‬التي تخرج عن قيم الدين‪ ،‬واألخالق الفاضلة‪ ،‬وقد بيَّنت الصور‬
‫الساخرة المظاهر السيئة لتلك النسوة‪ .‬وتأسيساً على هذا فقد صوَّر جرير أم األخطل‬
‫بكلمات مشحونة بشتى ألوان السخرية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫قُبْح ًا لِذَلِكَ شَارِباً مَخْمُوْرَا‪.‬‬ ‫طلُ أُمَّ ُه مَخْمُوْرَةً‬
‫ي األُخَيْ ِ‬
‫لَ ِق َ‬
‫جَعَلَتْ لِشِقْشِقَ ِة العِجَانِ هَدِيْرَا‪.‬‬ ‫ل بالرّحُوْبِ إذا انْتَشَتْ‬
‫طِ‬‫ُم األُخَيْ ِ‬
‫أ ُّ‬
‫طهُوْرَا‪.‬‬
‫ك وَلَ ْم تَمَسَّ َ‬
‫مَا ُء السِّوَا ِ‬ ‫ت عَلَى أَنْيَابِهَا‬
‫لَمْ يَجْ ِر مُذْ خُلِقِ ْ‬
‫( )‬
‫خِنْزِيْرَةٌ فَتَوَالَدَا خِنْزِيْرَا‪.‬‬ ‫ب بِالكُنَاسَ ِة دَاجِنٍ‬
‫ت لِأَشْهَ َ‬
‫لَقِحَ ْ‬
‫فجرير رسم صوراً ساخرة ألم األخطل‪ ،‬يصفها بأفعال مضحكة تدل على‬
‫الطيش والنزق وعدم الرشد‪ ،‬فإنَّها إذا انتشتْ تعلَّقَتْ بعنق البعير‪ ،‬وصارت تهدر‬
‫مثله‪ ،‬ثم إنَّها خنزيرة تقطن مجمع القمامة‪ ،‬كما أنها مخمورة ال تفيق من سكرتها‪،‬‬
‫فالتصوير الساخر ألم األخطل حمل مظاهر" الطيش والنجاسة والغفلة والقبح" (‪.)4‬‬
‫وفي موضع آخر يصوِّر جرير طيش أم األخطل وهي سكرى‪ ،‬في تصوير‬
‫ساخر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫قَفَا الِخِنْزِيْرِ تَحْسِبُ ُه غَزَالَا‪.‬‬ ‫ي سَكْرَى‬
‫ف التَّغْلِبِيَّةُ وَ ْه َ‬
‫تَسُو ُ‬
‫وَتَشْكُو في قَوَائِمِهَا امْذِلَاَلَا‪.‬‬ ‫ج أَخْدَعَيْهَا‬
‫َل الخَمْرُ تَخْلِ ُ‬
‫تَظ ُّ‬

‫‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫( ) ديوان ذي الرُّمة‪ ،‬ج ‪ ،‬ص‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 74‬‬
‫(‪ )4‬سليمان‪ ،‬سالم عبدالرزاق‪ ،‬الصورة في نقائض جرير واألخطل‪ ،‬مجلة اإلنسانيات‪(،‬اإلسكندرية‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫–دمنهور‪ ،‬العدد( ‪ ،)4‬يوليو ‪ 007‬م)‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪116‬‬

‫( )‬
‫رَأَى الرَّاؤُونَ دَاهِيَّةً عُضَالَا‪.‬‬ ‫ت‬
‫إذا انْفَتَقَتْ عَبَاءَتَهَا وَضَاقَ ْ‬
‫فجرير صوَّر بسخرية الذعة طيش أم األخطل‪ ،‬حيث لعبت الخمرة برأسها‬
‫وجسمها‪ ،‬فضالً عن عدم قدرتها على ستر أعضائها المحرمة‪ ،‬وجرير في سخريته‬
‫( )‬
‫هذه "يؤصل لطبع الغفلة والبهيمية والفجور في أم خصمه"‪.‬‬
‫ح‪ -‬المرأة جسداً ساخراً‪:‬‬
‫أما أوصاف المرأة الجسدية فقد كانت مبعثاً للسخرية عند كثير من شعراء‬
‫العصر األموي‪ ،‬فهذا عمر بن لجأ التيمي يصور التركيب الجسدي لنسوة كليب‬
‫بأبشع الصفات اآلدمية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫َصلُ آمِيَا وعَبِيْدَا‪.‬‬
‫ماءٌ يُف ِّ‬ ‫ل نسائِكُ ْم‬
‫إن حم َ‬
‫ن المراغ ِة َّ‬
‫يَا بْ َ‬
‫َل من الفحُولِ عَ ُتوْدَا‪.‬‬
‫ت أَز َّ‬
‫نَكَحَ ْ‬ ‫عَلِقَتْ بِ ِه أَرْحَا ُم يَرْبُوعِيَّةٍ‬
‫(‪)4‬‬
‫ك للكِرَامِ وَلُوْدَا‪.‬‬
‫من قَ ْبلِ ذل َ‬ ‫غَذَوِيَّ ٌة رَضْعَا ُء لَ ْم تَكُ أُمُّهَا‬
‫فالشاعر يبرز سخريته من الصفات الجسدية (األزل‪ ،‬والعتود‪ ،‬والغذوية)‪ ،‬حيث‬
‫صور نساء بني كليب إمَّا تكون من خفيفة الوركين أو الرسحاء أو السخالء‪ ،‬أو ممن‬
‫يتصفن بأخالق العبيد أو اإلماء أو من اللئيمات‪ ،‬وهذا كله يجسد الدونية االجتماعية‬
‫واألخالقية لقبيلة جرير؛ ألن تلك النسوة ال يلدن الكرام من األبناء والبنات‪.‬‬
‫أمَّا يزيد بن مفرغ الحميري فيستهزئ من أم عبيد اهلل بن زياد عبر أوصافها‬
‫الجسدية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫سَكَّاءُ تَحْسَبُهَا نَعَامَهْ‪.‬‬ ‫ت بِ ِه حَبَشِيَّةٌ‬
‫جَاءَ ْ‬
‫(‪)8‬‬
‫ن الدَّمَامَهْ‪.‬‬
‫ِه تَرَى عَلَيْهِ َّ‬ ‫مِنْ نِسْوَ ٍة سُوْ ِد الوُجُو‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8 8‬‬


‫( ) سليمان‪ ،‬سالم عبدالرزاق‪ ،‬الصورة في نقائض جرير واألخطل‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫(‪ )4‬شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪.94-9‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )8‬ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص‬
‫‪117‬‬

‫فالسخرية صوَّرت الشكل الجسدي ألم المسخور منه‪ ،‬فقد كانت سوداء‪ ،‬وصغيرة‬
‫األذنين‪ ،‬وحموشة الساقين‪ ،‬ومنتفخة البطن‪.‬‬
‫أما الطرماح فهو كذلك يسخر من األوصاف الجسدية لنساء تميم كافةً‪ ،‬حيث‬
‫يقول فيهنَّ‪:‬‬
‫( )‬
‫قِبَاحُ األَعَالِي مُحْمَشَاتُ األَسَا ِفلِ‪.‬‬ ‫لهم نَفَ ٌر سُوْ ُد الوُجُوهِ ونِسْوَ ٌة‬
‫فالسخرية تجلت من خالل سواد النسوة وقبح سيقانهنَّ‪.‬‬
‫أما األخطل فيسخر من قبح نساء زيد الالت‪ ،‬حيث يقول فيهنَّ‪:‬‬
‫رَفَعْتُ ْم عَصَاهَا بَعْ َد مَا أَدْبَ َر األَمْرُ‪.‬‬ ‫ت مَا بَالُ رَايَ ٍة‬
‫أَلَا يَالَ زَيْ ِد الال ِ‬
‫( )‬
‫قِصَاراً هَوَادِيْهَا وَأَوْسَاطُهَا عُجْرُ‪.‬‬ ‫لِتَحْمُوا نِسَاءً بَادِيًا ثَلَبَاتُهَا‬
‫فالسخرية صورت القبح في الشكل الجسدي لنساء تميم‪ ،‬حيث يتجلى القبح في‬
‫ضخامة بطونهنَّ وقصر أعناقهنَّ‪.‬‬
‫ط ‪ -‬المرأة رمزاً سياسياً ساخراً‪:‬‬
‫تجلت السخرية في هذا اإلطار من سخرية المرأة بوصفها رمزاً سياسياً‪،‬‬
‫حيث يضع الساخر المسخور منه في موضع االستهزاء والسخرية عبر رمز المرأة‬
‫المرتبط بها اجتماعياً‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد عبد اهلل بن همام السلولي يسخر من‬
‫مبايعة الخليفة معاوية بن أبي سفيان البنه يزيد‪ ،‬مستغالً الرمز النسائي في السخرية‬
‫من هذا العمل السياسي الذي قام به معاوية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ب غَافِلِيْنَا‪.‬‬
‫تَدرُّوْنَ األَرَانِ َ‬ ‫ت رَعِيَّتُكُ ْم لَدَيْكُمْ‬
‫لَقَدْ ضَاعَ ْ‬
‫نَعُدُّ ثَلَاثَ ًة مُتَتَابِعِيْنَا‪.‬‬ ‫ت كِسْرَى قَامَ كِسْرى‬
‫إذا مَا َ‬
‫ن شِئْتُمْ فَعَمَّكُ ْم السَّمِيْنَا‪.‬‬
‫وَإ ْ‬ ‫س نَحْنُ مُبَايِعُوْهُ‬
‫ُل النَّا ِ‬
‫وَك ُّ‬
‫( )‬
‫نُبَايِعُهَا أَمِيْرَةَ مُؤْمِنِيْنَا‪.‬‬ ‫وَإنْ جِئْتُمْ بِرَمْلَ ِة أو بِهِنْ ٍد‬

‫( ) ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪. 02‬‬


‫( ) ديوان األخطل‪.4 7 ،‬‬
‫‪118‬‬

‫فسخرية السلولي تجلت من خالل استخدامه السم (هند‪ ،‬ورملة)‪ ،‬وهما ابنتا معاوية‪،‬‬
‫وذلك للسخرية من التوريث الذي اتبعه الخليفة معاوية في والية ابنه يزيد‪ ،‬والناس‬
‫كافةً راضون بمبايعة رملة وهند‪-‬ابنتي معاوية‪-‬للداللة على استسالمهم لألمر الذي‬
‫سنَّه معاوية لوالية ابنه يزيد‪.‬‬

‫أما عبيد اهلل بن قيس الرقيات فلم يجعل المرأة موضوعاً غزلياً في ذاتها‪ ،‬ولكنه‬
‫اتخذ منه رمزاً سياسياً‪ ،‬يحقِّر من خالله خصمه‪ ،‬ويستهزئ به‪ ،‬وفي هذا الشأن يذكر‬
‫ابن الرقيات أم البنين‪-‬زوج عبد الملك بن مروان‪-‬متغزالً بها‪ ،‬ولكنه يتخذ من هذا‬
‫الغزل الكيدي سخرية بالخليفة‪ ،‬ومن حزبه الذي ينتمي إليه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ٌة يَهْتَزُّ مَوْكِبُهَا‪.‬‬ ‫ت بِنَا قُرَشِيَّ‬
‫أَلَا هَزِئَ ْ‬
‫سِ مِنِّي مَا أَغْيَبُهَا‪.‬‬ ‫رَأَتْ بِي شَيْبَ ًة في الرَّ ْأ‬
‫ب يُعْجِبُهَا‪.‬‬
‫وَغَيْ ُر الشَّيْ ِ‬ ‫فَقَالَتْ‪ :‬أُبْنُ قَيْسٍ ذَا؟‬
‫ن أَعِيْبُهَا‪.‬‬
‫تَمَا ُم الحُسْ ِ‬ ‫وَمِثْلُكِ قَ ْد لَهَوْتُ بِهَا‬
‫عِ ٌد بِالبَابِ يُحْجِبُهَا‪.‬‬ ‫ل غَيُوْرٌ قَا‬
‫لَهَا بَ ْع ٌ‬
‫( )‬
‫فَيُوْعِدُهَا وَيَضْرِبُهَا‪.‬‬ ‫يَرَانِي هَكَذَا أَمْشِي‬
‫فالسخرية تجلت في الخليفة‪ ،‬حيث صوَّره بسخرية الذعة في كونه زوجاً غيوراً‪،‬‬
‫ولكنه يرى صاحب زوجته يدور حول بيته‪ ،‬فال يفعل شيئاً سوى التهديد والوعيد‬
‫للزوجة‪ ،‬وهي صورة تبعث على السخرية واالحتقار للمسخور منه(الزوج)‪ ،‬وعلى‬

‫( ) شعر عبداهلل بن همام السلولي‪ ،‬جمع وتحقيق ودراسة‪ :‬وليد محمد السراقبي‪ ،‬ط ‪(،‬دبي‪ ،‬مركز جمعة الماجد‬
‫للثقافة والتراث‪ 8 9 ،‬ه ‪ 77 -‬م)‪ ،‬ص‪. 02‬‬
‫( ) ديوان عبيد اهلل بن قيس الرقيات‪ ،‬تحقيق وشرح‪ :‬د‪ .‬محمد يوسف نجم‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر د‪.‬ت) ‪ ،‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪119‬‬

‫هذا فإنَّ ابن الرقيات في أبياته السابقة كان يتخذ من الغزل الكيدي وسيلة للنيل من‬
‫( )‬
‫رجاالت بني أمية‪ ،‬بحيث يسوء أزواجهنَّ وأبناءهن وعصبتهنَّ بوجه عام‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق يمكن القول إنَّ استخدام ابن الرقيات للغزل الكيدي الساخر‬
‫في زوج عبد الملك بن مروان يُعَدُّ "سالحاً إليذاء الخصم‪ ،‬وأداةً لطعنه في شرفه"( )‪،‬‬
‫كما يهدف من خالله إلى "التعبير عن رأيه السياسي فيما ثار بين األمويين وأبناء‬
‫عمومتهم‪ ،‬من الزبيريين والهاشميين من حروب وفتن"(‪ ،)4‬وعلى هذا فإنَّ موضوع‬
‫السخرية بالمرأة يُعَدُّ رمزاً سياسياً‪ ،‬وصورة لتشويه المسخور منه من أجل النيل من‬
‫الخصم وحزبه السياسي‪.‬‬
‫ومن العرض السابق يمكن القول إنَّ المرأة كلفظ مسخور منه أصبحت‬
‫عنصراً جديداً في الشعر األموي الساخر‪ ،‬يسهم في إشعال الصراعات السياسية بين‬
‫الشاعر والواقع االجتماعي والسياسي‪ ،‬الذي ينضوي فيه‪ ،‬لغرض االنتصار لألفراد‬
‫والجماعات والعصبيات‪ ،‬وبهدف إبراز درجات القبح‪ ،‬وللنيل من القيم األخالقية التي‬
‫مست األمهات والزوجات والبنات في العصر األموي‬
‫‪-2‬سخرية ألفاظ الجسد والعاهة‪:‬‬
‫ُيعَدُّ الجسد المتكامل عضوياً مظهراً من مظاهر الجمال اإلنساني؛ ولهذا‬
‫فإنَّ معايير الجمال الجسدي الذكوري أو األنثوي تُستمد من اإلرث الرمزي أو‬
‫المتخيل‪ ،‬الذي يتم نسجه في وعي اإلنسان وخياله‪ ،‬والمتعارف عليه اجتماعياً‪ ،‬ولهذا‬
‫يقترن الكمال الجسدي بالجمال‪ ،‬في حين عُدَّ النقصان الجسدي خروجاً عن مقاييس‬
‫الجمال وقيمه‪ ،‬ويندرج في إطار مقاييس القبح‪ ،‬وفقدان الكمال الجسدي لإلنسان قد‬

‫( ) يُنْظر‪ :‬حسين‪ ،‬د‪ .‬طه‪ ،‬حديث األربعاء‪ ،‬ج ‪،‬ط ‪( ، 4‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف د‪.‬ت) ‪ ،‬ص ‪. 2‬‬
‫( ) التطاوي‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل‪ ،‬أشكال الصراع في القصيدة العربية‪ ،‬ج‪( 4‬عصر بني أمية) ‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األنجلو‬
‫‪.‬‬ ‫المصرية د‪.‬ت) ‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫(‪ )4‬محمد‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم عبدالرحمن‪ ،‬شعر ابن قيس الرقيات بين السياسة والغزل‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‬
‫‪.‬‬ ‫مكتبة لبنان ناشرون‪ +‬الشركة المصرية العالمية للنشر‪ 77 ،‬م) ‪ ،‬ص‬
‫‪121‬‬

‫يكون أحياناً مدعاةً للغمز واللَّمْز‪ ،‬فيؤدي بصاحبه إلى احتقار اآلخرين له‪ ،‬بل يؤدي‬
‫بصاحبه إلى الدناءة والوضاعة‪ ،‬ومن ثم يكون هذا التشويه الخَلْقي مدعاةً وعرضةً‬
‫للسخرية واالستهزاء من البعض‪ ،‬ولهذا عَدَّ البعض الرضا والقبول بما وهب اهلل من‬
‫صفات الخِلْقة شرطاً رئيساً للتوازن الفردي‪ .‬في حين أنَّ من يبتلى بعاهة جسدية‪،‬‬
‫يُنْظَرُ إليه أحياناً في الواقع االجتماعي نظرة دونية‪ ،‬تجعل منه شخصية هامشية‬
‫وغريبة‪ ،‬وهو ما يجعله عرضة للسخرية‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ المفارقة الجسدية بين شخصية الساخر والمسخور منه‪،‬‬
‫تجعل منه مادة خصبة لتأسيس مسار الداللة الساخرة في النص الشعري‪ ،‬ومنها‬
‫تنطلق أساليب التهكم التي يراها الساخر بارزة في جسد المسخور منهن لتكون مادة‬
‫للسخرية‪.‬‬
‫والمتتبع لجسد اإلنسان يجد أنَّ السخرية في هذا الجانب تنطلق من ثنائية‬
‫(الكمال والنقصان)‪ ،‬كما تتجلى وتبدو في الكثير من أعضاء الجسد المؤثرة في كمال‬
‫الخِلْقَة مما يجعل أي عيب فيها مدعاة للهزء والسخرية‪ ،‬فيتخذه البعض طريقاً للنيل‬
‫من المسخور منه‪ .‬ولهذا وجد الشعراء األمويون في أصحاب العاهات مادةً‬
‫استثمروها في الشعر الساخر على نحو ما نجد في األمثلة اآلتية التي شملت الكثير‬
‫من أعضاء الجسد ومنها‪:‬‬
‫‪-‬الرأس‬
‫تجلت السخرية من الرأس بوصفه عنصراً مهماً عند اإلنسان‪ ،‬وأي عيب‬
‫يطاله أو يظهر عليه يكون مدعاة للسخرية‪ .‬فالصلع الذي يظهر على فروة الرأس‬
‫عند البعض‪ ،‬وجد فيه الشعراء مادة للسخرية‪ ،‬فهذا جرير يسخر من صلعة خصمه‬
‫الفرزدق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫‪121‬‬

‫( )‬
‫فَلَقُوا كَمَا لَقِيَ القُرَيْ ُد األَصْلَعُ‪.‬‬ ‫ت بَنِي الفَدَوْ َكسِ صَكَ ًة‬
‫وَلَقَ ْد صَكَكْ ُ‬
‫كما وظَّف الشعراء ظاهرة الصلع عند بعض الناس للداللة على السخرية من‬
‫جمال الرأس قبل الظاهرة وبعدها‪ ،‬فهذا حميد األرقط يسخر من رجل أصلع‪ ،‬حيث‬
‫يقول فيه‪:‬‬
‫ط في غَيْسَاتِهْ‪.‬‬
‫بَيْنَا الفتى َيخْبُ ُ‬
‫ب الحَيَّةِ في قِلَاتِهْ‪.‬‬
‫تَقَلُّ ُ‬
‫إذا صَعِ َد الدَّهْ ُر إلَى عِفْرَاتِهْ‪.‬‬
‫فَاجْتَاحَهَا بِشَفْرَ َتيْ مِبْرَاتِهْ‪.‬‬
‫َن طَسّاً بَيْنَ قُنْزُعَاتِهْ‪.‬‬
‫كَأ َّ‬
‫( )‬
‫ن صِفَاتِهْ‪.‬‬
‫َف عَ ْ‬
‫ِل الك ُّ‬
‫مَرْتاً تَز ُّ‬

‫فالساخر عَدَّ الصلع مظهراً تهكميَّاً ساخراً‪ ،‬حيث جعل رأس المسخور منه بمنزلة‬
‫األرض التي ال تنبت الكأل والعشب‪ ،‬وإن أمطرت‪ ،‬فالسخرية من الصلع قد ارتبطت‬
‫بالجدب والدمار والهالك لصاحبها أسوةً باألرض الجدباء‪.‬‬
‫وفي ساحات الحروب‪ ،‬قد يلجأ األبطال والشجعان إلى تحميس المقاتلين‪،‬‬
‫فيزعمون أنَّهم يذهبون إلى ساحات الوغى وقد ضاقوا ذرعاً بحمل رؤوسهم‪ ،‬وأنَّهم‬
‫يتطلعون إلى من يريحهم من حملها في مواطن القتال‪ .‬فهذه أم حكيم شاعرة‬
‫الخوارج تسخر من بعض طوائفهم الذين ال يريدون القتال‪ ،‬وال يتحمسون للخروج‬
‫ح لرجالهم‪ ،‬حيث تقول لهم‪:‬‬
‫له‪ ،‬فتستفزهم ساخرة منهم ومن مشاعرهم في تَحَدٍّ واض ٍ‬
‫ت حَمْلَهْ‪.‬‬
‫ل رَأْساً قَدْ سَئِمْ ُ‬
‫أَحْمِ ُ‬
‫وَقَ ْد مَلَلْتُ دِهْنَ ُه وَغَسْلَهْ‪.‬‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.488‬‬


‫( ) هجَّاء األضياف‪-‬حميد بن األرقط‪ ،‬حياته وما وصل إلينا من شعره‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬حنا جميل حداد‪،‬‬
‫مجلة جذور (جدة‪ ،‬النادي األدبي‪ ،‬المجلد ( ) ‪ ،‬العدد ( ) ‪ 8 7 ،‬ه ‪ 777-‬م) ‪ ،‬ص ‪. 94- 99‬‬
‫‪122‬‬

‫( )‬
‫ل عَنِّي ثِقْلَهْ‪.‬‬
‫أَلَا فَتًى يَحْ ِم ُ‬
‫‪-‬الوجه‪:‬‬
‫اتخذ الشعراء من العاهات التي تصيب أي عضو من أعضاء وجه اإلنسان‬
‫مادةً للسخرية‪ ،‬كالعمى الذي يصيب العين‪ ،‬أو التشوهات التي تصيب األنف‪ ،‬أو‬
‫الروائح الكريهة التي تنبعث من الفم‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ما يلي‪:‬‬
‫(أ) العين‪:‬‬
‫اعتمد الشعراء في سخريتهم من العين من خالل ظاهرة العمى التي تصيب‬
‫العينين‪ ،‬وتجعلها عاهةً مستدامةً فيها‪ ،‬تسبب لمن ابتلى بها غالباً نظرةً دونيةً في‬
‫الوسط االجتماعي‪ ،‬وفي هذا اإلطار نرى حميد األرقط يخاطب عبيد اهلل بن عبد اهلل‬
‫بن سمرة‪ ،‬متهكماً منه بظاهرة العمى التي حلت به‪ ،‬حيث يقول مخاطباً له‪ ،‬ومحقِّراً‬
‫من شأنه‪:‬‬
‫ت العُوْرَا‪.‬‬
‫َيا أَعْوَ َر العَيْنِ فَدَيْ َ‬

‫َن الخَنْدَقَ المَحْفُوْرَا‪.‬‬


‫لَ ْا تَحْسَب َّ‬

‫ك القَدَ َر المَقْدُوْرَا‪.‬‬
‫ُد عَنْ َ‬
‫يَر ُّ‬

‫( )‬
‫ن تَدُوْرَا‪.‬‬
‫ت الدَّهْ ِر أَ ْ‬
‫ودَائِرَا ُ‬

‫أما الطرماح فإنَّه يستخدم العمى للداللة على العمي عن األخالق الفاضلة‪،‬‬
‫واإلبصار بالرذيلة والخزي‪ ،‬حيث يقول عن قبيلة يشكر‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫ف‪.‬‬
‫ل العَفَا ِ‬
‫ي الرَّأْي عَنْ سُ ُب ِ‬
‫وَعُ ْم ُ‬ ‫ب المَخَازِي‬
‫أُوْلُو بَصَ ٍر بِأَبْوَا ِ‬

‫‪.‬‬ ‫‪7-‬‬ ‫( ) شعر الخوارج‪ ، ،‬ص ‪4‬‬


‫( ) هجَّاء األضياف‪-‬حميد بن األرقط‪ -‬حياته وما وصل إلينا من شعره‪ ،‬ص ‪. 70‬‬
‫(‪ )4‬ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪. 00‬‬
‫‪123‬‬

‫فالعمى في بيت الطرماح كان يسعى من خالله إليضاح عمى قبيلة يشكر عن العفة‬
‫والرأي السديد‪ ،‬وإبصارهم بأبواب الخزي والعار والرذيلة‪ ،‬وقد أفاد التضاد في هذا‬
‫البيت للتأكيد على الثنائية الساخرة التي صوَّرها الطرماح‪ ،‬المتمثلة في ثنائية (العفة‬
‫والرذيلة) المرتبطة بثنائية (البصر والعمى)‪ ،‬فهو يؤكد أنَّ اليشكريين مبصرون‬
‫ن عن العفاف‪.‬‬
‫للمخازي‪ ،‬وعميا ٌ‬
‫وعلى المنوال التصويري الساخر نفسه للرذيلة‪ ،‬يوظّف جرير العاهة التي‬
‫تصيب العين‪ ،‬فيجعلها ال تبصر باإلنسان الذي يتبع هوى نفسه‪ ،‬فينغمس في الملذات‪،‬‬
‫وفي هذا المعنى يقول جرير‪:‬‬
‫( )‬
‫فَأَعْمَى وَأَمَّا لَيْلُهُ فَبَصِيْرُ‪.‬‬ ‫وَأَعْوَ َر مِنْ نَبْهَانَ أَمَّا نَهَارُ ُه‬
‫فجرير يتخذ من عاهة العور عند األعور النبهاني مادةً يوظفها التهام األعور في‬
‫سلوكه‪ ،‬فهو ال يبصر في النهار؛ ألنَّه ينام ويختفي عن الناس‪ ،‬واليطلب الفضيلة‬
‫والخير‪ ،‬وفي المقابل يُصوِّره مبصراً في الليل؛ ألنَّه يسعى إلى الفجور والرذيلة‪.‬‬
‫ُد معادالً تصويريًا للفجور والرذيلة‪ ،‬فهو عاهة دونية‪.‬‬
‫فالعمى هنا ع َّ‬
‫وقد استطلع جرير صورة واقعية عن العمى؛ بسبب ما وقع للفرزدق(الحداد)‬
‫في عمله؛ إذْ يجعل الشرر المتطاير من الكير‪ ،‬يصيب عيني غال‪-‬أحد أجداد‬
‫الفرزدق‪ ،-‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫نَوَازِي شَرَا ِر القَيْنِ حَيْنَ يُطِيْرُهَا‪.‬‬ ‫ب عِنْ َد كِيْرِ ِه‬
‫ي غَالِ ٍ‬
‫وَفَقَّ َأ عَيْنِ ْ‬

‫وقد تولَّد من تطاير الشرر لعيني الفرزدق معنى ساخر‪ ،‬صوَّر عاهة العمى التي‬
‫حلت بالفرزدق‪ ،‬من جراء مهنته الحقيرة‪ ،‬وعلى النقيض من عاهة الفرزدق‪ ،‬فإنَّ‬
‫األبطال قد تبتر أعضاؤهم الجسدية‪ ،‬وقد يصابون بعاهة العمى ولكنهم في مواقع‬

‫‪.‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 90‬‬
‫‪124‬‬

‫البطولة وساحات القتال‪ ،‬فهنا تسمو عاهات األبطال؛ لكونها تجسد البطولة‬
‫والشجاعة‪ ،‬وتنحدر عاهة الفرزدق في الحضيض؛ ألنها نشأت بين الكير والعالة‬
‫وفي إطار مهنة الحدادة المحتقرة في الوسط االجتماعي‪.‬‬

‫(ب)األنف‪:‬‬

‫األنف عنوان العزة عند العرب‪ ،‬ونظراً لمكانته التي احتلها في الوجدان‬
‫العربي‪ ،‬جعل منه شعراء العصر األموي مادةً للتهكم والسخرية من خصومهم‪.‬‬

‫فجرير يقلل من شأن الفرزدق ويتهمه بالدونية‪ ،‬حيث يصفه ساخراً من خالل‬
‫أنفه الذي تفوح منه ريح الكير والحدادة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ف خَنَازِيْ ِر السَّوَا ِد القَوَابِعِ‪.‬‬
‫أُنُوْ ُ‬ ‫ن كَأَنَّهَا‬
‫مَنَاخِرُ شَانَتْهَا القُيُوْ ُ‬

‫فالوصف في البيت السابق ينطوي على سخرية‪ ،‬تزعم أنَّ الفرزدق وأجداده كانوا‬
‫يمتهنون الحدادة‪ ،‬وهي حرفة في العرف العربي ال تدلُّ على عزة وأنفة لمن‬
‫يمتهنها‪ .‬كما أنَّ أنوفهم وبسبب وهج الكير المحمم أصبحت تصدر أصواتاً مثل‬
‫أصوات الخنازير مما يضاعف االستهزاء من أنف المسخور منه‪.‬‬

‫وفي موضع آخر نجد جريراً يستخدم األنف للسخرية من األخطل‪ ،‬فيسميه (ذا‬
‫المناخر)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫يَهُوْدِيّاً وَنَزْعُمُ ُه أَبَاكَا‪.‬‬ ‫أَتَزْعَ ُم ذَا المنَاخِرِ كَانَ سِبْطاً‬
‫ففي قول جرير (ذا المناخر) سخرية من الفرزدق بوصف الخنزيَ أب ًا له‪ ،‬وفي هذا‬
‫التعبير وأمثاله تهوين من شأن المسخور منه ومكانته اإلنسانية‪.‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬


‫‪.8‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫‪125‬‬

‫أما الفرزدق فإنَّه يسخر من جرير‪ ،‬ويؤصل لعبوديته وعبودية والده‪ ،‬ويرمز‬
‫إلى ذلك ساخراً من خالل الدمل الذي اعتلى األنف معترك العزة واإلباء في‬
‫اإلنسان‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ك دُمَّلُ‪.‬‬
‫َن أَنْفَ َ‬
‫عَبْدًا إِلَيْهِ كَأ َّ‬ ‫ك لِتَرْجِعَنْ‬
‫ن رَغِبْتَ سِوَى أَبِيْ َ‬
‫وَلَئِ ْ‬
‫أما الحكم بن عبدل األسدي فيسخر من كبر أنف المسخور منه محمد بن عمير‬
‫كاتب عبد الملك بن مروان‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ب تَجْبُنُ‪.‬‬
‫ُب التَّقَرُّ ِ‬
‫ن كُنْتَ مِنْ ح ِّ‬
‫إْ‬ ‫ص مُحَمَّدٍ‬
‫ل لِابْنِ آكِلَ ِة العِفَا ِ‬
‫قُ ْ‬
‫( )‬
‫جلِ َأهْوَنُ‪.‬‬
‫وَلَحَصْدُ أَنْفِكَ بِالمَنَا ِ‬ ‫أَلْقَيْتَ نَفْسَكَ فِي عُرُوْضِ مَشَقَّةٍ‬
‫فالسخرية من ضخامة األنف قد جعلت حصده بالمناجل أسلوباً للتخلص من هذه‬
‫األنف‪.‬‬
‫وفي إطار السخرية من أنف المسخور منه‪ ،‬يقدم الحكم بن عبدل األسدي نصيحة‬
‫لمسخوره قبل أنْ يقابل األمير خشيةً عليه من الرائحة النتنة التي تصدر من أنفه‪،‬‬
‫حيث يقول ناصحًا للمسخور منه‪:‬‬
‫ن‪.‬‬
‫ك أَهْرَ ُ‬
‫حَتَى يُدَاوِي مَا بِأَنْفِ َ‬ ‫ك مِن األَمِيْرِ وَنَحِّهِ‬
‫ال تُدْنِ فَا َ‬
‫(‪)4‬‬
‫فَلَجُحْ ُر أَنْفِكَ يَا مُحَمَّ ُد أَنْتَنُ‪.‬‬ ‫ن جُحْرٌ مُنْتِنٌ‬
‫ن للظِرْبَا ِ‬
‫إنْ كَا َ‬
‫فالحكم بن عبدل قد سخر من رائحة األنف في البيتين السابقين‪ ،‬وقد استلهمها من‬
‫ال‬
‫عالم الحيوان‪ ،‬حيث استمد من رائحة الظربان النتنة داللتها الشمية الساخرة‪ ،‬فض ً‬
‫عن شكل األنف الذي جعله معادالً تصويرياً لجحر الظربان‪ ،‬وفي هذا الشأن يؤكد‬
‫(‪)8‬‬
‫الجاحظ أنَّ" الظربان أنتن خلق اهلل تعالى فسوه‪...‬ويقال‪ :‬أنتن من ظربان"‪.‬‬

‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.878‬‬


‫‪.‬‬ ‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬شعر الحكم بن عبدل األسدي‪،‬ص‪2‬‬
‫(‪ )8‬الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬الحيوان‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪. 87- 84‬‬
‫‪126‬‬

‫وفي إطار سخرية األنف‪ ،‬فإنَّ كثيراً منهم قد جعلوا قصر األنف معادالً‬
‫موضوعياً للذُّل واالحتقار والدونية‪ ،‬فهذا سراقة البارقي يجعل من وضع الخطام‬
‫على األنف ذُالً واحتقارًا لخصومه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ن عَلَى أُنُوْفِهِمْ خِطَامَا‪.‬‬
‫يَكُوْ ُ‬ ‫تَرَكْتُ لِقِوْمِهِ عَيْباً مُبِيْناً‬
‫فخطام األنف في هذا البيت دليل على السخرية واالحتقار للخصم‪ .‬أمَّا الفرزدق‬
‫فيسقط على جرير قصر األنف مشابهة للظربان في صورة ساخرة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ت المَنَاسِمِ‪.‬‬
‫ن تَحْ َ‬
‫بِمَنْزِلَةِ القِرْدَا ِ‬ ‫ك لَ ْو تَبْغِي كُلَيْباً وَجَدْتُهَا‬
‫هُنَالِ َ‬
‫( )‬
‫ن مَوْجِ البِحَا ِر الخَضَارِمِ‪.‬‬
‫ِّم مِ ْ‬
‫إِلَى الط ِّ‬ ‫ل الظِّرْبَى القِصَارَ أُنُوفُهَا‬
‫وَمَا تَجْعَ ُ‬
‫فالفرزدق قد عَدَّ األنف القصير داللة على الذل واالحتقار للمسخور منه جرير‬
‫وقومه؛ ألنَّ شموخ األنف داللة على العزة واألنفة والكبرياء‪ ،‬وهذا ما تجلى في‬
‫األلفاظ (الطّمّ‪ ،‬الموج‪ ،‬الخضارم)‪ ،‬فهي ألفاظ توحي بقوة الساخر‪ ،‬وأمَّا الظربى فهي‬
‫تكون قصيرة األنف‪ ،‬وفي هذا ما يوحي بذُلها وضعفها‪ ،‬فهي تكون ضعيفة أمام‬
‫أن البحر الذي تجلى في قوة الساخر‪ ،‬يحمل معاني العنف‬
‫األمواج العاتية‪ ،‬فضالً عن َّ‬
‫والفتك‪.‬‬
‫أمَّا حميد األرقط فيسخر من هيئة األنوف المعوجَّة لضيوفه القادمين إليه‪ ،‬حيث‬
‫يقول فيهم‪:‬‬
‫حَقَائِبٌ وَعَبَاءٌ فِيْ ِه تَفْنِيْنُ‪.‬‬ ‫ب بَزَّهُ ُم‬
‫مُزَمَّلِيْنَ عَلَى األَقْتَا ِ‬
‫(‪)4‬‬
‫ك العَرَانِيْنُ‪.‬‬
‫ت تِلْ َ‬
‫حُجْناً فَلَا جُدَّعَ ْ‬ ‫ن أُنُوْفًا في غِطَائِهُ ُم‬
‫مُقَدَّمِيْ َ‬
‫وفي إطار االستخدام الساخر لألنف تتجلى ظاهرة (الجدع لألنف)‪ ،‬التي يستخدمها‬
‫الشعراء للداللة على الوضع الدوني اجتماعياً‪ ،‬والفحولة شعرياً‪ ،‬فالشاعرية ماتزال‬

‫( ) ديوان سراقة البارقي‪ ،‬ص ‪. 0‬‬


‫‪.‬‬ ‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫(‪ )4‬مع هجَّاء األضياف حميد بن مالك األرقط‪ ،‬حياته وما وصل إلينا من شعره‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬علي أرشيد‬
‫المحاسنة‪ ،‬مجلة جذور‪( ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي‪ ،‬المجلد ( ) ‪ ،‬الجزء ( ‪ ، )4‬جمادى األولى ‪ 84‬ه ‪-‬أبريل‬
‫‪ 0‬م) ‪ ،‬ص ‪.408‬‬
‫‪127‬‬

‫قرينة للقوة والعزة والشموخ‪ .‬وفي هذا المعنى نجد جريراً يسخر من الشعراء‬
‫مستخدمًا الجدع لألنف للداللة على تفوقه عليهم شعرياً‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ت لَكَ مِسْمَعُ‪.‬‬
‫سَعْدٌ فَلَيْسَ بِنَابِ ٍ‬ ‫ك التي لم تَحْمِهَا‬
‫جَدَعَتْ مَسَامِعَ َ‬
‫فسخرية جرير التي صوَّرها للفرزدق والشعراء تتجلى في قطع األنوف‬
‫واآلذان‪ ،‬ومن الثابت أنَّ الجدع لألذن واألنف يورث العاهة‪ ،‬مما يسبب الدونية‬
‫لصاحبها‪ ،‬فقطع األنف اجتماعياً من قبل الساخر يصاحبه تفوقه إبداعياً في مجال‬
‫الشعر‪ ،‬مما يجعله فحالً بين الشعراء‪.‬‬
‫وعلى المنوال التصويري نفسه لعاهة الجدع على المستوى االجتماعي‬
‫والجسدي‪ ،‬وما يصاحبها من تفوّق في المجال اإلبداعي للشعر‪ ،‬نجد عمر بن لجأ‬
‫التيمي‪ ،‬يسخر من جرير مستخدماً الجدع‪ ،‬عندما كانا في حضرة الوليد بن عبد‬
‫الملك‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ك الوَلِيْدُ‪.‬‬
‫وَبِالسَّوْطَيْنِ أَسْلَحَ َ‬ ‫ك بالقَصَائِدِ مُعْرَبَاتٍ‬
‫جَدَعْتُ َ‬
‫فعمر بن لجأ قد بيَّن عن طريق شعره الساخر التشويه الخَلْقِي الذي أحدثه شعره‬
‫في المسخور منه(جرير)‪ ،‬بحيث أورثه العاهة البدنية في األنف‪ ،‬فالجدع أو التجديع‬
‫الذي أصاب جريراً من الساخر‪ ،‬قد قطع طريق األنفة عنده في الواقع االجتماعي‪،‬‬
‫كما أحدث عنده تقهقراً على صعيد الواقع الفني للشعر‪ ،‬ولهذا ظهر عمر بن لجأ في‬
‫تلك المناظرة عند الوليد فحالً‪ ،‬فالقوة جسميًا واجتماعي ًا اقترنت بالفحولة شعرياً‪.‬‬
‫(ج) الفم‪:‬‬
‫اعتمد الشعراء األمويون في سخريتهم التي نسجوها في إطار الفم في مجاالت‬
‫متعددة عن الفم منها‪:‬‬
‫( )البُخْرُ والنتنُ‪:‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬


‫‪.‬‬ ‫( ) شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص‬
‫‪128‬‬

‫سخر الشعراء من الروائح النتنة المنبعثة من األفواه‪ ،‬بسبب ما تحدثه تلك‬


‫الروائح من نفور للجلساء والندماء‪ ،‬وقد كان عبد الملك بن مروان لشدة بُخره يُعيَّر‬
‫)‪ ،‬ولهذا سمَّته‬ ‫(‬
‫بأبي الذبان؛ ألن" الذباب يسقط إذا قارب فاه من شدة رائحته"‬
‫الشاعرة ليلى األَخْيَلِيَّة أبا الذبان‪ ،‬حيث تقول في كنية ساخرة له‪:‬‬
‫( )‬
‫أَبَا الذُّبَانِ فُوْ ُه الدَّهْرِ دَامِي‪.‬‬ ‫ل تَوْبةَ في نَدَاهُ‬
‫أَأَجْ َعلُ مِ ْث َ‬
‫أمَّا الشاعر عمرو بن الوليد بن عتبة الملقب بأبي قطيفة فقد سخر من أم عبد‬
‫الملك بن مروان‪ ،‬حيث يناديه بأبي ذباب‪:‬‬
‫ل ذوو العُقُوْلِ‪.‬‬
‫لِيَعْلَمَ مَا تَقُ ْو ُ‬ ‫ب‬
‫ُن أَبَا ذُبَا ٍ‬
‫فَعَدِّدْ مِثْلَه َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ن سَبِ ْيلِ‪.‬‬
‫وَلَا لِي فِي األزَارِقِ مِ ْ‬ ‫فَمَا الزَّرْقَا ُء لِي أُمّاً فَأَخْزَى‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه نجد عبيد اهلل بن قيس الرقيات‪ ،‬يسخر من عبد‬
‫الملك بن مروان لحمله التفاح والريحان في يده أبداً‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ل ال ُغرَابُ‪.‬‬
‫مَرْحَباً بالذي يَقُ ْو ُ‬ ‫بَشِّ ْر الظَّ ْبيَ والغُرَابَ بِسُعْدَى‬
‫ك األَوْصَابُ‪.‬‬
‫ن أَجْلِ َ‬
‫خَامَرَتْهُ مِ ْ‬ ‫ت هَمُّهُ حِيْنَ يَمْسِي‬
‫ل أَنْ َ‬
‫رَجُ ٌ‬
‫(‪)8‬‬
‫ُم الكِلَابُ‪.‬‬
‫كَرَم ًا إِنَّما تَش ُّ‬ ‫ُّم الرَّيْحَانَ إلَّا بعيني‬
‫لَا أَش ُّ‬
‫فهو يسخر من حمل عبد الملك بن مروان الريحان في يده؛ بسبب بُخْره‪ ،‬وقد جاء‬
‫استخدام الفعل المضارع(أشمُّ) للداللة على االستمرارية في حمل الريحان أو التفاحة‪،‬‬
‫ولهذا يرى الزبير بن بكار أنَّ قول ابن الرقيات (أشم الريحان) إنَّما هو" تعريض‬
‫بعبد الملك الذي كان يمسك في يده ريحانًا أو تفاحاً يغطي به على رائحة فمه" (‪.)2‬‬

‫( ) ابن قتيبة‪ ،‬عبداهلل بن مسلم‪ ،‬عيون األخبار‪ ،‬المجلد (‪،)8‬ط‪ ( ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة دار الكتب العلمية‪ 487،‬ه ‪-‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 740‬م)‪ ،‬ص‬
‫( ) ديوان ليلى األخيلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل العطية ‪،‬و جليل العطية‪،‬ط ‪(،‬بغداد‪ ،‬دار الجمهورية‪ 799،‬م)‪ ،‬ص‪. 89‬‬
‫(‪ )4‬أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عتبة‪ ،‬حياته وأخباره‪ ،‬ص ‪. 89‬‬
‫(‪ )8‬ديوان عبيد اهلل بن قيس الرقيات‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪ ،‬ص ‪.24‬‬ ‫(‪ )2‬األصفهاني‪ ،‬أبو الفرج‪ ،‬األغاني‪ ،‬ج‬
‫‪129‬‬

‫ومن السخرية ببخر الفم قول الحكم بن عبدل األسدي ساخراً من محمد بن‬
‫حسان بن سعد التميمي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وَلَوْ طُلِيَتْ مَشَافِرُ ُه بِقَنْدِ‪.‬‬ ‫فَمَا يَدْنُو إلى ِفيْهِ ذُبَابٌ‬
‫( )‬
‫زِعَاف ًا إنْ هَمَمْنَ لَهُ بِوِرْدِ‪.‬‬ ‫ن حَلَاوَةً وَيَخِفْنَ مَوْت ًا‬
‫َيرِيْ َ‬

‫فالسخرية تتجلى في رائحة الفم الكريهة التي ال يجرؤ الذباب على االقتراب منها؛‬
‫ألن "الذباب يُضْرَبُ به المثل في القذر وفي استطابة النتن‪ ،‬فإذا عجز الذباب عن شَمِّ‬
‫( )‬
‫ولهذا ينصح الحكم بن عبدل المسخور منه‬ ‫شيء فهو الذي ال يكون أنتن منه"‪.‬‬
‫لعالج بخر فمه‪.‬‬
‫وتبلغ السخرية ذروتها من بُخر فم المسخور منه في قول الحكم بن عبدل عن‬
‫مسخوره‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ك من أَكُفَّاءِ قَ ْيسِ بن عَاصِمِ‪.‬‬
‫أَبُو المِسْ ِ‬ ‫وَمَا كَانَ حَسَّانُ بن سَعْ ٍد ولَا ابْنُهُ‬
‫ت الكَرَائِمِ‪.‬‬
‫صنَا ِ‬
‫وَضَيَّ َع أَمْ َر المُحْ َ‬ ‫َد الزَّمَانِ على اسْتِ ِه‬
‫وَلَكِن ر َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫َوتَقْطَعُ خَيْشُو َم الضَّجِيْ ِع المُلَازِمِ‪.‬‬ ‫ع مَنْ دَنَا‬
‫لَ ُه رِيْقَ ٌة بَخْرَاءُ تَصْ َر ُ‬
‫فسخرية الحكم بن عبدل تجلت في قوله (ريقه بخراء تصرع من دنا‪،)...‬‬
‫فالحكم قد بالغ في وصف بُخر فم المسخور منه الذي يصرع كل من يقترب منه‪،‬‬
‫فضالً عن أن البخر ينتن خيشوم ضجيعه ومالزمه‪ .‬كما تعمقت السخرية عندما كنى‬
‫مسخوره ب (أبو المسك) للداللة على رائحة فمه الكريهة المالزمة له في كل‬
‫األوقات‪.‬‬
‫أمَّا جرير فإنَّه يسخر من بُخْر أفواه التغلبيين‪ ،‬حيث يصوِّر الروائح النتنة من‬
‫أفواههم أسوة بالروائح الكريهة من استاههم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص‪. 0 - 02‬‬


‫( ) الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬الحيوان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.44‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫‪131‬‬

‫( )‬
‫ب أَسْتَا ٌه بِهَا وَضَرُ‪.‬‬
‫أَفْوَاهُ تَغْلِ َ‬ ‫جسٌ‬
‫ل الكِرَامُ تَنَحَّوْا إنَّكُمْ نَ َ‬
‫قَا َ‬
‫فالفم في نظر جرير معادل تصويري في الخبث والقذارة لالست‪.‬‬
‫( ) األسنان‪:‬‬
‫صوَّر جرير سخريته من نساء عناب من خالل تعاضد الجانب البصري مع‬
‫الشمي في تصوير األسنان بصورة ساخرة‪ ،‬حيث جعل الخنافس معادالً تصويرياً‬
‫ألسنان نسوة عناب‪ ،‬فضالً عن تصوير الرائحة الكريهة ألفواههنَّ بالماء الفاسد النتن‬
‫الرائحة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫بِأَخْجَى قَعُوْرٍ أَوْ جَوَاعِرَ ذِيْبِ‪.‬‬ ‫ن تَثْنِي ِنطَاقَها‬
‫وَسَوْدَاءَ من نَبْهَا َ‬
‫( )‬
‫خَنَا ِفسَ سُوْدًا في صُرَاةِ قَلِيْبِ‪.‬‬ ‫إذَا ضَحِكْتَ شَبَّهْتَ أَضْرَاسَهَا العُلَى‬
‫فالسخرية تتجلى في أنَّ أنيابها العليا تبدو عند التبسم والتكلم والتثاؤب وكأنها‬
‫خنافس‪ ،‬أما فمها المتسع فشبهه بماء القليب‪ ،‬وهو الماء الراكد والفاسد‪ ،‬حيث عَدَّه‬
‫ال لفساد نكهة فمها‪.‬‬
‫مثا ً‬
‫(‪ )4‬الشفاه‪:‬‬
‫تميَّز استخدام الشعراء األمويين للشفاة من خالل استخدام بعض األلفاظ التي‬
‫ينعت بها بعض عيوب الحيوان‪ ،‬فتطلق على اإلنسان‪ ،‬حين يصف الشاعر شفة‬
‫المسخور منه أنَّها غليظة تُشََّبه مشفر البعير‪ .‬ومن أمثلة استخدام الشفاه على الصيغة‬
‫الحيوانية للمسخور منه ما قاله الفرزدق في أيوب بن عيسى الضبي لما حبسه‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ن زِنْجِيّ ًا غَلِيْظَ المشَافِرِ‪.‬‬
‫ولَكِ َّ‬ ‫فَلَوْ كُنْتَ ضَبَّي ًا عَرَفْتَ قَرَابَتِي‬
‫فاستخدام الفرزدق للفظ المشافر يكون بليغاً في السخرية؛ ألن الزنجي ‪-‬عادةً‪-‬تكون‬
‫شفتاه غليظتين كمشافر البعير في الغلظة‪ .‬ومن ذلك أيضاً قول الحكم بن عبدل‬

‫‪.‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪4‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.4 -40‬‬
‫(‪ )4‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪131‬‬

‫مستخدماً المشافر للمسخور منه بدالً من الشفاه‪ ،‬كما في قوله في محمد بن حسان بن‬
‫سعد‪:‬‬
‫( )‬
‫وَلَوْ طُلِيَتْ مَشَافِرُ ُه بِقَنْدِ‪.‬‬ ‫فَمَا يَدْنُو إلَى فِيْهِ ذُبَابٌ‬
‫فالحكم استخدم المشافر بدالً من الشفاه على سبيل السخرية والتهكم من شفتي‬
‫المسخور منه‪.‬ومن أهم غايات استعمال هذه المفردة التعريض بكونه عبدًا زنجيّاً‪.‬‬
‫(‪ )8‬اللُعاب‪:‬‬
‫من الصور ال ساخرة المستخدمة في اللعاب كلفظ مسخور منه جسدياً‪ ،‬ما قاله‬
‫الفرزدق ساخراً من جرير ولعابه السائل‪ ،‬حيث‪:‬‬
‫( )‬
‫ل وَطْبٍ مَا تَجِفُّ شَلَاشِلُهْ‬
‫كَشِلْشَا ِ‬ ‫ي جَرِيْ ٍر لُعَابُ ُه‬
‫ل على شِدْ َق ْ‬
‫يَسِ ْي ُ‬
‫فالفرزدق رسم صورة ساخرة مقززة لجرير‪ ،‬حيث يتقاطر اللعاب ويسيل على‬
‫شدقيه‪ ،‬مثلما يتقاطر اللبن من ضرع الغنم‪ ،‬فضالً عن أنَّ هذا اللعاب ال يجف قطره‪،‬‬
‫وقد أوحى بذلك الفعل المضارع (يسيلُ)‪ ،‬حيث تعمقت السخرية‪ ،‬وتأصلت الدونية‬
‫والقذارة في جرير من خالل استخدام الشاعر للفعل (يسيلُ)‪ ،‬والفعل المضارع يوحي‬
‫جتْ جريراً‬
‫باستمرار الظاهرة‪ ،‬وأنَّها تحولت إلى عاهة مستدامة في فمه ولعابه‪ ،‬وأَدْ َر َ‬
‫في عداد المنبوذين في مجتمعه‪ ،‬مما يجعله عرض ًة للهزء والسخرية‪.‬‬
‫(‪ )2‬اللسان‪:‬‬
‫استخدم الشعراء اللسان مادة للسخرية في الشعر األموي‪ ،‬وبخاصة اللكنة في‬
‫اللسان األعجمي‪ ،‬وفي هذا اإلطار نجد الشاعر المغيرة بن حبناء التميمي يسخر من‬
‫زياد األعجم؛ بسبب عجمة لسانه‪ ،‬ويع ُّدها أداةً للطعن في المسخور منه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ت العِلْجُ حِيْنَ تَكَلَّمُ‪.‬‬
‫حَسَباً وَأَنْ َ‬ ‫ت أَلْأَ ُم مَنْ مَشَى‬
‫تَهْجُو الكِرَا َم وَأَنْ َ‬

‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪. 0‬‬


‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫(‪ )4‬شعراء أمويون‪ ،‬القسم الثالث‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬نوري حمودي القيسي‪(،،‬بغداد‪ ،‬مطبعة المجمع العلمي‬
‫العراقي‪ 80 ،‬ه ‪ 74 -‬م)‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫‪132‬‬

‫ويقول أيضًا يعيّره بلسانه األعجمي في موضع آخر‪:‬‬


‫لَ ُه حِجَجٌ سَبْعُوْنَ يُصْبِحُ رَازِمَا‪.‬‬ ‫وَلَكِنَّهُمْ جَاءُوا بِأَقْلَفَ قَ ْد مَضَتْ‬
‫( )‬
‫ل المكَارِمَا‪.‬‬
‫إذَا نَالَ دَنّ ًا لَمْ يُبَا ِ‬ ‫لَئِيْماً ذَمِيْماً أَعْجَمِيًّا لِسَانُ ُه‬
‫( )‬
‫يورد الناقد حسين بكَّار الكثير من اللكنات التي تلصق‬ ‫وفي ديوان زياد األعجم‬
‫بزياد األعجم‪ ،‬ومنها أنَّه كان ينطق السين شيناً‪ ،‬والطاء تاءً‪ ،‬كما في قول زياد‬
‫المنسوب إليه‪:‬‬
‫إذَا غََّي َر ((السلطانُ)) كُلَّ خَلِ ْيلِ‪.‬‬ ‫ِد رِفْعَ ًة‬
‫فَتًى زَادَهُ((السلطانُ)) في الو ِّ‬
‫حيث ينطق السلطان ب الشلتان‪ .‬كما يورد عنه أنَّه كان ينطق القاف كافاً كما في‬
‫قوله‪:‬‬
‫ب بني َتمِيْمِ؟‬
‫((ألبقعَ)) من كال ِ‬ ‫أَلَ ْم تَ َر أَنَّنِي وَتَّرْتُ((قوسي))‬
‫فقد نطق قوسي ب كوسي‪ ،‬وأبقع ب أبكع‪.‬‬
‫ويقال إنَّ زياداً كان ال يحسن نطق حرف الراء‪ ،‬واستشهدوا بما جرى بينه وبين‬
‫أحد الشعراء الذي ألقى عليه البيت اآلتي في شكل سؤال وجهه إلى زياد‪:‬‬
‫َن حُبَالتيها منجالنِ‪.‬‬
‫كَأ َّ‬ ‫ف‬
‫فَمَا صَفْرَا ُء تُكَنَّى أُمَّ عَوْ ٍ‬
‫فرد زياد عليه ببديهة‪:‬‬
‫َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ك إِنَّمَا تَبْلُو لِسَانِي‪.‬‬
‫بِأَنَّ َ‬ ‫عَنَيْتُ[جَرَادَةً] وَأَظُنُّ ظَنًّا‬
‫و من هذا المنطلق فإنَّ زياد األعجم كان عرضةً للسخرية والتهكم من قبل المغيرة بن‬
‫حبناء وبعض الشعراء؛ بسبب عُجمة لسانه‪.‬‬
‫(د) اللحى‪:‬‬
‫كان للحية نصيبٌ في الشعر األموي الساخر‪ ،‬فالمعلوم أن العرب جعلوها‬
‫مظهراً من مظاهر الوقار والرجولة‪ ،‬واإلسالم حثَّ عليها بإكرامها واإلبقاء عليها‪،‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 04‬‬


‫‪. 9-‬‬ ‫( ) يُ ْنظَر‪ :‬شعر زياد األعجم‪ ،‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬شعر زياد األعجم‪ ،‬ص‬
‫‪133‬‬

‫فهي زينة الرجال‪ ،‬كما جاء في الحديث الشريف‪ :‬أكرموا اللحى وأهينوا‬
‫الشوارب( )‪ .‬وفي هذا المعنى نجد بعض الشعراء ينظر إلى الرجال الذين ال يزيِّنون‬
‫وجوههم باللحى نظرة دونية وازدرائية‪ ،‬بل عَدُّوهم في دائرة الرجال الخاملين‪،‬‬
‫ومثاالً للجدب والقفر واللؤم كما في قول ذي الرُّمة يسخر من بني امرئ القيس‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫حى والمفارقِ‪.‬‬
‫ف اللِّ َ‬
‫علَى مَنْصَ ٍ‬
‫َ‬ ‫ش اللؤ ِم في قَسَمَاتِهِ ْم‬
‫تَبَيَّنُ نَ َق َ‬
‫وَحِيْناً بِعَبْدَيْ َها‪ :‬لَئِيْ ٌم وَفَاسِقِ‪.‬‬ ‫س القُرومَ سَفَاهةً‬
‫تُسَامِي امرؤُ القي ِ‬
‫( )‬
‫عَلَى وَجْهِ ِه وَسْمُ امرئ القيسِ غَيْرِ سَابِقِ‪.‬‬ ‫بِأَرْقَطَ مَحْدُوْ ٍد وَثَطٍّ كِلَاهُمَا‬
‫فالسخرية عند ذي الرُّمة قد ارتسمت لرؤبة بن العجاج وهشام المرئي؛ بسبب‬
‫ال للقوة والخصب‪.‬‬
‫افتقادهما للحية التي يراها الساخر معاد ً‬
‫وعلى المنوال التصويري الساخر نفسه من افتقاد المسخور لشعر اللحية‪ ،‬نجد‬
‫أبا جلدة اليشكري يسخر من بني رقاش الذين هدَّدوه بالقتل‪ ،‬وعَدَّ الشاعر الساخر قلة‬
‫شعر لحاهم ميسماً يعيّرهم به‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وَكُلُّ َرقَاشِيٍّ على األَرْضِ فِي الحَبْلِ‪.‬‬ ‫تُهَدِّدَني جَهْالً رَقَاشٌ وَلَيْتَنِي‬
‫(‪)4‬‬
‫ل باألَزْوادِ في الخصبِ واألَزلِ‬
‫مَبَاخِ ْي ُ‬ ‫ن الخَنَا‬
‫عِظَا ُم الخُصى ثُطُّ اللِّحَى مَعْدِ ُ‬
‫وفي إطار عدم التناسق بين الرجال ولحاهم نجد يزيد بن مفرغ الحميري يرسم‬
‫صورة ساخرة لِلِحْية عباد بن زياد الذي كان كبير اللحية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ن خَرَّازاً تَجُو ُد قِرْبَتُهْ‪.‬‬
‫وَكَا َ‬ ‫ت لِحْيَتُهُ‬
‫ق عَبَّادٌ وَصَلَّ ْ‬
‫سَبَ َ‬
‫فالسخرية تكمن في أنَّ عباد بن زياد كان كبير اللحية‪ ،‬وهو حين كان يسابق الفرسان‬
‫يسبقهم بفرسه وجسمه‪ ،‬ولكن لحيته الكبيرة تأتي متأخرة عنه‪ ،‬فالشاعر يرسم له‬
‫صورة ساخرة من خالل هذا المنظر‪.‬‬

‫( ) ينظر‪ :‬صحيح مسلم‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪2-‬‬ ‫( ) ديوان ذي الرُّمة‪ ،‬ص‬

‫(‪ )4‬شعراء أمويون‪ ،‬ص ‪.422‬‬

‫(‪ )8‬ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص‪.42‬‬


‫‪134‬‬

‫أمَّا مروان بن أبي حفصة فقد اتخذ من إهمال شعر اللحية أسلوباً لمقارعة‬
‫خصومه والرد عليهم‪ ،‬ومن ذلك ما قاله لرباح‪ ،‬وقد أهمل لحيته‪ ،‬فصوَّرها وقد‬
‫تبعثرت أسافلها وأعاليها‪ ،‬وامتدت ذواباتها في كل زاوية وناحية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫فَضَيَّقَهَا بِلِحْيَتِهِ رَبَاحُ‪.‬‬ ‫ت مَجَالِسُنا فِسَاحًا‬
‫لَقَ ْد كَانَ ْ‬
‫( )‬
‫ُل زَاوِيَةٍ جُنَاحُ‪.‬‬
‫لَهَا في ك ِّ‬ ‫مُبَعْثَرَةُ األَسَا ِفلِ واألَعَالِي‬

‫فلحية رباح صارت تشغل حيِّزًا كبيرًا من المجلس‪ ،‬وانتشرت في كل أركانه‪ ،‬فلم يعد‬
‫المجلس يتسع إلَّا له ولها‪ ،‬ومروان بن أبي حفصة عمد في هذه الصورة الساخرة إلى‬
‫رسمها بصورة محسوسة‪ ،‬فوجد في جناح الطير خير وسيلة يبرز بها سخريته من‬
‫لحية المسخور منه‪.‬‬
‫أمَّا العَرْجِي فيعرِّض بلحية أبي عدي العبلي في صورة فكاهية عابثة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ق القَلْبِ‪.‬‬
‫ت عَلَى حُمُ ِ‬
‫لَ ُه لِحْيَ ٌة طَالَ ْ‬ ‫أَتَانَا فَلَ ْم نَشْعُ ْر بِ ِه غَيْ َر أَنَّ ُه‬
‫ب الحَمْدَ بِالنَّصْبِ‪.‬‬
‫ت لَ ْم تَكْسِ ِ‬
‫إِذَا نُصِبَ ْ‬ ‫كَرَايَةِ بِيْطَا ٍر بِأَعْلَى حَدِيْدَ ٍة‬
‫( )‬
‫ب السَّغْبِ‪.‬‬
‫وَهَلْ فَوْقَ قُرْصٍ مِنْ قِرَى صَاحِ ِ‬ ‫أَتَانَا عَلَى سَغْبٍ يُعَرِّضُ بِالقِرَى‬
‫فالسخرية تجلت في طول لحية أبي عدي العبلي‪ ،‬حيث شبه العرجي طولها براية‬
‫البيطار‪ ،‬وهو الذي يعالج الدواب فإنَّه إذا نزل في بلدة‪ ،‬ولم يجد عمالً له نشر رايته‬
‫مؤذناً بالرحيل‪ ،‬ومن خالل هذه الصورة الساخرة لطول لحية المسخور منه يتجلى‬
‫لنا تفاهة المسخور منه‪ ،‬وانعدام شأنه وقيمته‪ ،‬فطول اللحية في هذه الصورة تكشف‬
‫حمق قلب المسخور منه‪ ،‬فهو معدوم الشخصية والتفكير‪ ،‬وهكذا كشف العرجي من‬
‫وصف اللحية إلى الهزل بصاحبها واستهجانه ومسخ شخصيته‪.‬‬

‫( ) شعر مروان بن أبي حفصة‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬حسين عطوان‪( ،‬مصر‪ ،‬دار المعارف‪ 794 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪ 0‬م )‪،‬‬ ‫( ) ديوان العرجي‪ ،‬جمعه وحققه وشرحه‪ :‬د‪ .‬سجيع جميل الجبيلي‪ ،‬ط‪(،4‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫ص‪. 48‬‬
‫‪135‬‬

‫ويطبع الحكم الخضري سخريته من لحية ابن ميَّادة وقومه من بني محارب‬
‫بطابع المسخ الحيواني‪ ،‬بهدف تشويههم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫من الدَّهْ ِر إلَّا ازْدَا َد لُؤْماً جَنِيْنُهَا‪.‬‬ ‫َط لَيْلَةً‬
‫ت مُرِّيَةٌ ق ُّ‬
‫فَمَا حَمَلَ ْ‬
‫ولَا ذُكِرَتْ إلَّا بِأَمْرٍ يُشِيْنُهَا‪.‬‬ ‫ن مَشَى‬
‫وَمَا حَمَلَتْ إلَّا لِأَلْأَ َم مَ ْ‬
‫( )‬
‫لِحَى مُسْتَهَيَاتٍ طِوَالٍ قُرُوْنِهَا‪.‬‬ ‫َن لِحَاهُمْ‬
‫مَدَانِيسُ أَبْرَا ٌم كَأ َّ‬
‫فالسخرية تكمن في كونه قد شبَّه لحاهم بلحى التيوس الهائجة عند السفاد‪.‬‬
‫أمَّا زياد األعجم فقد اعتمد في سخريته من لحى األزديين على المظاهر‬
‫المتسخة‪ ،‬التي تتجلى في بقايا فضالت أكلهم للسمك‪ ،‬التي تظهر على لحاهم‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫( )‪:‬‬
‫تَسَاقَطُ من مَنَاخِرِهَا الجُوَافُ‪.‬‬ ‫ك األزْدُ تَعْثُ ُر في لِحَاهَا‬
‫أَتَتْ َ‬
‫فقد تجلى من هذه السخرية عدم اهتمام األزديين بنظافتهم ومظهرهم الجمالي‪،‬‬
‫مما يوحي بقذارتهم وبقبحهم‪.‬‬
‫‪-4‬الجلد‪:‬‬
‫ومن المظاهر الساخرة التي تتعلق بمظاهر الجسد‪ ،‬نجد الشعراء يسخرون من‬
‫فإن‬
‫العاهات التي تصيب الجلد مثل البرص والجذام‪ ،‬وعدُّوها مادة للسخرية‪ ،‬ولهذا َّ‬
‫سِّل ُم بحالته الجسدية‪ ،‬ولكنه يرى‬
‫المسخور منه في عاهة الجلد‪ ،‬وبخاصة البرص قد يُ َ‬
‫أنَّ "المشكلة ال تكمن في صورته الجسدية بقدر ما تكمن في تلقي اآلخر لها" (‪،)4‬‬
‫ولهذا نجد من يصاب بهذه العاهة يميل إلى العزلة على صعيد الواقع االجتماعي‪.‬‬
‫البرص والجذام‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫( ) األصفهاني‪ ،‬أبوالفرج‪ ،‬األغاني‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪8‬‬

‫( ) شعر زياد األعجم‪ ،‬ص‪ .44‬الجواف‪ :‬نوع من السمك‪.‬‬

‫(‪ )4‬الزاهي‪ ،‬فريد‪ ،‬النص والجسد والتأويل‪ ،‬ص ‪. 72‬‬


‫‪136‬‬

‫تجلت عاهة البرص عند الشاعر المغيرة بن حبناء‪ ،‬ولهذا استغل زياد األعجم‬
‫هذه العاهة‪ ،‬وأخذ يُعيِّر بها المغيرة‪ ،‬بسبب ما كان سائداً بينهما من صراع‪ ،‬فالمغيرة‬
‫بن حبناء يهاجم زياداً في عجمته وأصله الفارسي‪ ،‬فانبرى له زياد يعيِّره بالبرص‬
‫مع عاهات أخرى في أسرته‪ ،‬حيث يقول زياد األعجم‪:‬‬

‫ن لُؤْمِ ِه حَبْنَاءُ‪.‬‬
‫فَدَعُو ُه مِ ْ‬ ‫إنَّ حَبْنَا َء كَانَ يُدْعَى جُبَيْراً‬

‫( )‬
‫مى وذُو الدَّاءِ يُنْتجُ األدواءُ‪.‬‬ ‫وَلَ َد العُور منه والبرص والجذ‬
‫فزياد سخر من العاهات المتعددة في المغيرة وأسرته‪ ،‬فالمغيرة أبرص‪ ،‬وأخوه‬
‫صخر أعور‪ ،‬وأخوه اآلخر مجذوم‪ ،‬وكان بأبيهم حبن‪ ،‬وهو ورم في البطن‪.‬‬
‫ويواصل زياد سخريته من المغيرة ملوِّحًا فيها ببرصه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫َن عجانَ ُه الشعرى العبورُ‪.‬‬
‫كَأ َّ‬ ‫ت لِأَبْيَض الخصيين عَبْدٍ‬
‫عجِبْ ُ‬
‫َ‬
‫(‪)4‬‬
‫ب اسْتِهِ القَمَرَا‪.‬‬
‫إلَّا حَسِبْتَ على بَا ِ‬ ‫ح الدَّهرَ منهم خارئٌ أبدًا‬
‫لَا يبر ُ‬
‫وبالمقابل نجد أن المغيرة بن حبناء ُيسلّم بهذه العاهة‪ ،‬بل ال يعدها منقصة في حقه‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫إن اللهَامِيْمَ في أَقْرَابِهَا البَلَقُ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِي مَنْقَصَةً‬
‫لَا تَحْسَبَنَّ بَيَاضاً ف َّ‬
‫أما أرطأة بن سهية المري فيسخر من شبيب بن البرصاء وأمه فيؤصل لهما في‬
‫عاهة البرص‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫هَجَانَا ابنُ برصاء اليدين شَبِيْبُ‪.‬‬ ‫أَلَامبلغ فتيان مُرَّ ٍة أنَّ ُه‬
‫ويعيِّر جرير نساء الفرزدق بالبرص‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( ) شعر زياد األعجم‪ ،‬ص ‪.84‬‬


‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫(‪ )8‬شعراء أمويون‪ ،‬القسم الثالث‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫(‪ )2‬شعر أرطأة بن سهية المري‪ ،‬جمع وتحقيق ودراسة‪ :‬صالح محمد خلف‪ ،‬مجلة المورد‪( ،‬بغداد‪ ،‬المجلد (‪، )9‬‬
‫) ‪ 474 ،‬ه ‪ 794-‬م) ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬ ‫العدد (‬
‫‪137‬‬

‫( )‬
‫ن شَابَا‪.‬‬
‫ق حِيْ َ‬
‫كَعَنْفَقَةِ الفَرَزْدَ ِ‬ ‫تَرَى بَرَصًا بِمَجِمَعِ إسْكَتَيْهَا‬
‫وعلى المنوال التصويري نفسه من العاهات الجلدية نجد يحيى بن نوفل يُعيِّر بالل‬
‫بن أبي بُردة بجذامه‪ ،‬حيث يقول فيه‪:‬‬
‫َم جََّللَ مَا حَازَ مِنْ ُه الوَرِيْدَا‪.‬‬ ‫َإن الجُذَا‬
‫فَأَمَّا بِلَالٌ ف َّ‬
‫كَمَا أَنْقَعَ اآلدَمُوْنَ الثَّرِيْدَا‪.‬‬ ‫فَأَنْقَعَ فِي السَّمْنِ أَوْصَالَ ُه‬
‫( )‬
‫ق عَلَيْنَا فَأَصْبَحَ فِيْنَا كَسِيْدَا‬
‫ِ‬ ‫فَأَكْسَدَ سَمْنَ تِجَا ِر العِرَا‬
‫‪-8‬األيدي واألرجل‪:‬‬
‫تجلت السخرية باأليدي والسواعد من خالل التهكم باأليدي الضخمة الشكل‬
‫الواهية عند الشدة‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد جريراً يسخر من الفرزدق وقومه‪ ،‬وينعتهم‬
‫بالنباتات الضعيفة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وَزِنْدَاهُ ُم أَ ْثلٌ تَنَاوَحَ خُوْرُهَا‬ ‫ع‬
‫بَنُو عُشَ ٍر لَا نَبْ َع فيه وَخَرْ َو ٍ‬
‫فالسخرية من السواعد الضعيفة التي تجلت في شجرة األثل ذات القوة الواهية‪ ،‬حيث‬
‫تعبث بها الرياح‪.‬‬
‫أمَّا األرجل فقد كانت هي األخرى مادة للسخرية عند كثير من الشعراء‪ ،‬من‬
‫حيث طريقة المشي أو مسك العصا‪ ،‬أو من حيث عاهة العرج‪ .‬ويصور جرير‬
‫متهكماً من أم الفرزدق في أثناء مشيتها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫تَرَى في زَيْ ِغ أَكْعُبِهَا اصْطِكَاكَا‪.‬‬ ‫ن‬
‫َوقَدْ كَانَتْ قُفَيْرَةُ ذَاتَ قَرْ ٍ‬
‫فالسخرية تتجلى في أنَّ رجلي أم الفرزدق ترجفان وتصطكان عند المشي‪ ،‬وهذا‬
‫يوحي بدونيتها وابتذالها في حياتها؛ بسبب الشقاء والتعب‪.‬‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪. 7‬‬


‫( ) يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 90‬‬
‫(‪ )8‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪8 0‬‬
‫‪138‬‬

‫ويصوِّر جرير أيضاً سخرية امرأة منه تدعى (بوزع)‪ ،‬عندما تقدم به العمر‪،‬‬
‫وحمل العصا متكئًا عليها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ِي لَمُصْلِحٍ مُسْتَمْتَعُ‪.‬‬
‫سِنِّي وَف َّ‬ ‫ف العِظَا ُم من البِلَى وَتَقَادَمَتْ‬
‫رَجَ َ‬
‫( )‬
‫ت بِغَيْرِنَا يَا بَوْزَعُ‪.‬‬
‫هَلَّا هَزِئْ ِ‬ ‫ت عَلَى العَصَا‬
‫وَتَقُ ْولُ بَوْزَعُ‪ :‬قَ ْد دَبَبْ َ‬
‫فسخرية المرأة من جرير كانت بسبب حمله العصا‪ ،‬وتعمقت السخرية عندما جعلته‬
‫يدب على العصا أسوةً بدبيب النمل أو دبيب الصبي‪ ،‬وهو ما يدل على تقادم العمر‬
‫عنده‪ ،‬ووهن العظم منه‪.‬‬
‫أمَّا الشاعر حريث بن محفِّض بن عناب المازني‪ ،‬فيصور سخرية نسوة من بني‬
‫قليع عندما شاهدنه وهو يتوكأ على العصا‪ ،‬فأنشد يقول مصوراً سخريتهنَّ منه‪:‬‬
‫ص عَلَى العَصَا يَ َترَكَّعُ‪.‬‬
‫ق القَمِيْ ِ‬
‫خَلِ َ‬ ‫ت‬
‫هَزِئَتْ نِسِا ُء بني قُلي ٍع أَنْ رَأَ ْ‬

‫( )‬
‫ن أَنِّي عِنْ َد ضَيْمِي أروعُ‬
‫لَعَلِمْ َ‬ ‫وَجَعَلْنِي هُزْؤًا وَلَ ْو يَعْرِفُنِي‬

‫فحريث قد لخَّص سخرية النسوة من هيئته في أمرين هما‪ ":‬القميص البالي بما يدل‬
‫عليه من شدة الفقر‪ ،‬وأمَّا اآلخر فالعصا التي يستخدمها لتساعده على حمل جسمه‬
‫الذي أنهكه الكبر" (‪.)4‬‬

‫أمَّا الحكم بن عبدل فيصوِّر عاهة العرج التي عنده بسخرية وتفكه‪ ،‬حيث‬
‫يروى أنَّ للحكم صديقاً أعمى يقال له‪ :‬أبو علية‪ ،‬وكان الحكم مقعداً‪ ،‬فخرجا ليلة من‬
‫منزلهما فلقيهما صاحب العسس بالكوفة فأخذهما وحبسهما‪ ،‬فلمَّا استقرَّا في الحبس‪،‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫( ) حريث بن محفض المازني (حياته وشعره)‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬نوري حمودي القيسي‪ ،‬مجلة المورد‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(بغداد‪ ،‬المجلد (‪ ، ) 9‬العدد ( ) ‪ 744 ،‬م) ‪ ،‬ص‪4‬‬

‫(‪ )4‬العضيبي‪ ،‬عبداهلل محمد‪ ،‬الساخرة‪ ،‬قراءة في أنموذج شعري قديم‪ ،‬مجلة جامعة الملك سعود‪( ،‬الرياض‪،‬‬
‫) ‪ 8 0 ،‬ه ‪ 000-‬م) ‪ ،‬ص‪.849‬‬ ‫اآلدب ( ) ‪ ،‬المجلد (‬
‫‪139‬‬

‫نظر الحكم إلى عصا أبي علية موضوعة إلى جانب عصاه‪ ،‬فضحك وأنشد يقول‬
‫ساخرًا عن العرج والعصا‬

‫من أَعَاجِيْبِ الزَّمَانْ‪.‬‬ ‫س أَبِي عليةَ‬


‫حَبْسِي وَحَ ْب ُ‬

‫جلُ مِنْهُ وَلَا اليَدَانْ‪.‬‬


‫لَا الرِّ ْ‬ ‫أَعْمَى يُقَا ُد وَمُقْعَدٌ‬

‫ُب الحَامِالنْ‪.‬‬
‫كَ وَبِي يَخ ُّ‬ ‫هَذَا بَلَا بَصَرٌ هُنَا‬

‫( )‬
‫ع َّكازَتَانْ‪.‬‬
‫فَجَوَادُنَا ُ‬ ‫ن يَفْتَخ ْر بِجَوَادِ ِه‬
‫مَ ْ‬

‫ويواصل الحكم بن عبدل سخريته من العرج‪ ،‬حيث يروى أنَّه قد ولي الشرطة‬
‫بالكوفة رجل أعرج‪ ،‬ثم ولي اإلمارة أعرج آخر‪ ،‬وخرج الحكم وكان أعرج‪ ،‬فلقي‬
‫سائالً أعرج‪ ،‬فتعرض الحكم لألمير يسأله ساخراً عن العرج‪ ،‬حيث قال‪:‬‬

‫عَمَالً فَهَذِي دَوْلَ ُة العُرْجَانِ‪.‬‬ ‫ع التخام َع والْتَ ِمسْ‬


‫ق العصا وَ َد ِ‬
‫ألْ ِ‬

‫لِكليهما يَا قَوْمَنَا رِجْلَانِ‪.‬‬ ‫لِأَمِيْرِنَا وَأَمِيْرِ شُرْطَتِنَا معاً‬

‫( )‬
‫ِن الرَّاب َع الشَّيْطَان‪.‬‬
‫وَأَنَا فَإ َّ‬ ‫ن أَمِيْرُنَا وَوَزِيْرُنَا‬
‫فَإِذَا يَكُوْ ُ‬

‫فالحكم بن عبدل يرى أَنَّ العرج عالمة الضعف وعدم االكتمال‪ ،‬حيث ذهب‬
‫يلتمس وضعية تخفف االلتباس الناشئ عنده من النقص الجسدي‪ ،‬بحيث تجعله‬
‫يتوافق مع هذه العاهة‪ ،‬وقد تجلى ذلك من خالل إشراكه لألمير والشرطي والوزير‬
‫في هذه العاهة ؛ لكي يمنح نفسه صورة مقبولة‪ ،‬وقيمة اجتماعية في مجتمعه‪ ،‬ويهدف‬
‫من خالل هذه الشراكة في العاهة المستديمة مع من ذكرهم في األبيات السابقة إلى‬
‫التسليم بوضاعة النقص الجسدي‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪9‬‬


‫‪.‬‬ ‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪141‬‬

‫‪-2‬الخصي‪:‬‬
‫تمكن الشعراء في شعرهم الساخر أنْ يبينوا التشويه الخلقي الذي يحدثه شعرهم‬
‫في المسخور منه‪ ،‬حيث إنَّ شعرهم المرسل إليه يورث العاهة البدنية مثل‪ :‬الجدع‬
‫وبتر األنف‪ ،‬ولكن بالنظر إلى ما يحدثه الخصي عند المسخور منه فإنَّه يُعَدُّ أمراً‬
‫خطيراً ومهلكاً بالنسبة للمسخور منه؛ ألنَّ الخصي وما يسببه من عجز جنسي‬
‫وفقدان الرجولة‪ ،‬يبدو أكثر إيالماً لصاحبه من أي عاهة أخرى‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ كثيراً من شعراء العصر األموي استخدموا الخصي‬
‫سالحاً فتَّاكاً يُصوِّبونه في المسخور منه؛ بغية إسكاته وهزيمته في حلبة الشعر‪ ،‬وهذا‬
‫ما صوَّره جرير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ألجْ َدعُ‬
‫فَشَكَا الهوانَ إِلَى الخَصِيِّ ا َ‬ ‫خَصَيْتُ بَعْضَهُ ْم وَبَعْضٌ جُدِّعُوا‬
‫ومنه قول سراقة البارقي في سخريته من الفرزدق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫أَنْ قَ ْد خَصَاكَ فَلَا‪ -‬تَغِطُّ‪ -‬جريرُ‪.‬‬ ‫ب يَا قَيْنَ مُجَاشِ ٍع‬
‫ت أَحْسِ ُ‬
‫قَدْ كُنْ ُ‬

‫ِي إِذَا اسْتُفِ َّز ذُعُوْرُ‪.‬‬


‫َن الخَص َّ‬
‫أ َّ‬ ‫ك الخَنَا‬
‫وَلَقَ ْد عَلِمْتُ عَلَى تَبَاغِيْ َ‬

‫( )‬
‫قَرْمٌ قَرَاسِيَ ُة اللِقَاءِ غَيُوْرُ‪.‬‬ ‫ل حِينَ يَرُوْمُ ُه‬
‫ي يَشُ ْو ُ‬
‫أن الخَصِ َ‬
‫َّ‬

‫فالسخرية في المثالين السابقين تمثلت في الوضع الدوني للمسخور منه‪ ،‬والمتمثل‬


‫في الخصي وبتر األنف‪ ،‬مما يدل على سبق جرير وتفوقه على الفرزدق في نظم‬
‫الشعر‪.‬‬

‫والخصي يُعَدُّ مثلبة كبرى للرجولة‪ ،‬فهذا زياد األعجم يسخر من قبيلة بكر‬
‫عندما تحالفت مع األزد؛ ألنَّهم‪-‬في نظره‪-‬غير مؤهلين للحروب‪ ،‬فهو ينفي عنهم‬
‫الرجولة والشجاعة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.484‬‬


‫( ) ديوان سراقة البارقي‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪141‬‬

‫ُل يَمَانِ‪.‬‬
‫عالنيةً من حِلْفِ ك ِّ‬ ‫بَرِئْنَا إلى المرَّانِ بكر بن وائل‬

‫ل مَكَانِ‪.‬‬
‫ع بك ِ‬
‫وديَّان أطما ٍ‬ ‫ش إذا ما احتيج للحل ِم مِنْهُمُ‬
‫فَرَا ٌ‬

‫( )‬
‫من الناسِ حَيّاً غير أز ِد عُمَانِ‪.‬‬ ‫فَجِزُّوا خُصَاكُمْ وابتغوا من تحالفوا‬

‫ومن هذا المنطلق يمكن القول إنَّ الخصي يهدف إلى قطع األنفة اجتماعياً‬
‫والفحولة شعرياً‪ ،‬ولهذا فإنَّ "الشاعرية ما تزال قرينة الرجولة‪ ،‬وال ينبغ في قوم‬
‫( )‬
‫بهذه العاهة‪ ،‬بل إنَّها مع الجدع‬ ‫خصي وعلى هذا ينزل الشعراء تحقيراً لهم"‬
‫تُعَدان أعظم عذاب يحل على المسخور منه‪ ،‬كما في قول جرير ساخراً من التيم‬
‫الختيار أي العذابين منهما‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ك تَسْتَزِيْدُ‪.‬‬
‫ب رَبِّ َ‬
‫َي عَذَا ِ‬
‫فَأ ُّ‬ ‫خَصَيْتُكَ بَعْ َد مَا جَدَعَتْكَ قَيْسٌ‬

‫(‪)4‬‬
‫وَعِنْدِي فاعْلَمُوا لَهُمْ مَزِيْدُ‪.‬‬ ‫ت تَيْماً‬
‫خَصَيْتُ مُجَاشِعاً وَجَدَعْ ُ‬

‫ويعيِّر جرير الفرزدق بالخصي‪ ،‬حيث يقول فيه‪:‬‬


‫(‪)8‬‬
‫ُزلِ‪.‬‬
‫يَرْجُو مُخَاطَرَ َة القُرُوْ ِم الب َّ‬ ‫ق والخَصَا ُء مَذَلَّةٌ‬
‫ي الفرزد ُ‬
‫صَ‬‫خُ ِ‬
‫أمَّا عمر بن لجأ التيمي فقد أدار الشعر الساخر على طريق التخويف والتشويه‬
‫واإلفنائية‪ ،‬والخصي المسبب للعقم والقاطع لألصل في النسل وجيد القول‪ ،‬ولعلَّ هذا‬
‫َد فضيحة أكبر مما سبق‪ ،‬حيث يقول ساخراً من جرير‪:‬‬
‫يُع ُّ‬
‫ت ابنَ المراغةِ حِيْنَ شَابَا‪.‬‬
‫خَصَيْ ُ‬ ‫أَلَا مَنْ مبلغُ الشعراءِ أَنِّي‬
‫ن لَ ُه تبابَا‬
‫قَوَائِمُهُ وَكَا َ‬ ‫صيَ الحما ُر كبا وطَاشت‬
‫إِذا خُ ِ‬

‫‪.‬‬ ‫( ) شعر زياد األعجم‪ ،‬ص ‪4‬‬


‫( ) الهمامي‪ ،‬الطاهر‪ ،‬الشعر على الشعر‪ ،‬بحث في الشعرية من منظور شعر الشعراء على شعرهم‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫(إربد‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ 0 0 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪8،‬‬ ‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫(‪ )8‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.889‬‬
‫‪142‬‬

‫( )‬
‫وَكَسَّ َر نَابَيْ ِه الذكاءُ وَعَرَّدَا‪.‬‬ ‫ب رَأْسُ ُه‬
‫خَصَيْتُ جَرِيْرًا بَعْ َد مَا شَا َ‬
‫إنَّ السخرية القائمة على الخصي في األبيات السابقة تستهدف الرجولة‬
‫اجتماعياً‪ ،‬واإلبداع الشعري فنياً‪ ،‬ولهذا يمكن القول إنَّ "اإلخصاء مرتبط بالذكورة‬
‫والفحولة[وهو] فعل مناهض لحيوية الجسد وتناسل النص" ( )‪.‬‬
‫‪-‬األدرة والعفل‪:‬‬
‫األُدْرَةُ‪ :‬نفخةٌ في الخصية‪ ،‬واآلدر‪ :‬الرجل الطويل الخصيتين‪ ،‬وهو الذي‬
‫ينفتق صفاقه فيقع قصبه‪ ،‬وال ينفتق إال من جانبه األيسر‪ .‬والرجل المأدور‪ :‬الذي‬
‫يصيبه فتق في إحدى خصيتيه‪ ،‬واليقال للمرأة أدراء‪ ،‬إمَّا ألنه لم يسمع‪ ،‬وإمَّا‬
‫(‪)4‬‬
‫الختالف الخلقة‪ ،‬واألدراء‪ :‬الخصية العظيمة أو المنتفخة‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ األُدْرَةَ عيبٌ يصيب عند الرجل عضو اإلنجاب‬
‫الذكوري (الخصية)‪ ،‬ولهذا فإنَّ عاهة األدرة تُعَّدُّ معادالً موضوعياً للرجولة‬
‫والفحولة‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد جريراً ينتقص من رجولة شخص يدعى (عقبة) عن‬
‫طريق رميه باألدرة‪ ،‬حيث يقول ساخراً منه‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ُب آدَرَ مِنْ مَيْثَا َء مَأْفُوْنِ‪.‬‬
‫يَا ر َّ‬ ‫ل عُقْبَةَ خَضَّافاً يُعَيِّبُني‬
‫مَا بَا ُ‬
‫فجرير يحقِّر من مكانة عقبة االجتماعية واإلنسانية بوصفه رجالً مخصياً وفاقد‬
‫الرجولة واإلنجاب‪ ،‬فهو مثال للقحط والجدب والنقصان والدونية‪.‬‬
‫وفي موضع آخر يسخر جرير من قبيلة (حويزة) من خالل رميهم باألدرة‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ث الرِّيحِ وَاألَدَرُ‪.‬‬
‫وَفي حَوِيزَةَ خُبْ ُ‬ ‫في جِلْهِ َم اللُّؤ ُم مَعْلُومًا مَعَادِنُ ُه‬

‫( ) شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪.40 ،87‬‬


‫( ) الوهيبي‪ ،‬د‪ .‬فاطمة‪ ،‬العنف في المصطلح النقدي‪ ،‬الشعر الخصي نموذجاً‪( ،‬ضمن بحوث مهداة إلى أ‪.‬د‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫عبدالعزيز المانع) ‪ ،‬ط ‪( ،‬الرياض‪،‬مركز حمد الجاسر‪ 848،‬ه ‪ 0 4-‬م) ‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫(‪ )4‬لسان العرب‪ ،‬مادة (أدر)‪.‬‬
‫(‪ )8‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.244‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪. 42‬‬
‫‪143‬‬

‫ن‪ ،‬وهو يصيب المرأة‬


‫أمَّا العَفَلُ‪ :‬فهو نبات لحم ينبت في قُ ُبلِ المرأة وهو القَ َر ُ‬
‫بعد الوالدة‪ ،‬وفي الرجال‪ :‬غلظ يحدث في الدبر‪ ،‬وفي النساء غلظ في الرحم‪ ،‬وكذلك‬
‫في الدواب‪ ،‬وهو أيضا شيء يخرج في قُُبلِ النساء يشبه األدرة التي في خصية‬
‫الرجال‪ ،‬وفي حديث ابن عبَّاس‪ :‬أربع لَا يَجُزْنَ في البيع وال النكاح‪ :‬المجنونة‬
‫( )‬
‫والمجذومة والبرصاء والعَفْلَاء‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ العفل يُعَدُّ عيباً خلقياً ينشأ في قُبُل المرأة بعد الوالدة‪ ،‬وقد‬
‫سخر عمر بن أبي ربيعة من المرأة العفالء‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ت بِالبَذَاءِ‪.‬‬
‫َء عَبُوْساً قَ ْد آذَنَ ْ‬ ‫ُل عَفْلَا َء زَلَّا‬
‫هلل ك َّ‬
‫وَلَحَى ا ُ‬
‫( )‬
‫لَ ْم تَ ِزلْ فِي شَصِيْبَةٍ وَسَقَاءِ‪.‬‬ ‫ل‬
‫صَرْصَرٍ سَلْفَ ٍع رَضِيْعَ ِة غُ ْو ٍ‬
‫فسخرية عمر بن أبي ربيعة من المرأة العفالء؛ لكونها تتناسب مع الجدب وعدم‬
‫اإلنجاب الذي يكون عندها‪ .‬ولهذا يخرجها من مجتمع األنوثة السويَّة إلى الشواذ من‬
‫النساء‪ ،‬أسوة باألدرة التي تفقد الرجال كمال الذكورة‪.‬‬
‫و ُيعيِّر جرير أم الفرزدق (قفيرة) بعاهة العفل (القرن) الذي أصابها في قبلها‪،‬‬
‫مما سبب لها االصطكاك والرجفة في أثناء مشيتها‪ ،‬فضالً عما سببه لها من تشويه‬
‫أنثوي وجمالي‪ ،‬يجعلها في عداد النسوة الشواذ‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫تَرى فِي زَيْ ِغ أكْعُبِهَا اصْطِكَاكَا‪.‬‬ ‫ن‬
‫وَقَ ْد كَانَتْ قُفَيْرةُ ذَاتَ قَرْ ٍ‬
‫ومن العرض السابق لسخرية الجسد بصورها المختلفة‪ ،‬فإنَّ الساخر كان يتجه من‬
‫خاللها إلى رسم صورة مبتذلة ودونية للمسخور منه وجسده‪ ،‬ويهدف منها إلى"‬
‫(‪)8‬‬
‫تشويهه وإذالله وتنزيله إلى األسافل‪".‬‬

‫( ) لسان العرب‪ ،‬مادة (عَفَلَ)‪.‬‬


‫( ) شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8 0‬‬
‫(‪ )8‬حيزم‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬من شعرية اللغة إلى شعرية الذات‪ ،‬ط ‪(،‬صفاقس‪ ،‬دار صامد للنشر والتوزيع‪ 0 0 ،‬م)‪،‬‬
‫ص ‪. 09‬‬
‫‪144‬‬

‫‪-4‬سخرية ألفاظ الحيوانات‪:‬‬

‫استلهم الشعراء األمويون في هذا النمط من السخرية التأليف بين اإلنساني‬


‫والحيواني‪ ،‬وقد رصد البحث أنماطاً متعددة تحيل على عالم الحيوانات باعتباره من‬
‫الكائنات ذات الحركة والشعور‪.‬‬

‫وتتنوع مظاهر السخرية من حيث الدناءة والقبح من جنس آلخر من هذه‬


‫الحيوانات‪ ،‬بحسب صفاته المذمومة التي تبرز في الطبيعة اليومية المشاهدة‪ ،‬وعلى‬
‫هذا فإنَّ الساخر يقيس أشكال المسخور منه وطباعه وأخالقه بحسب ما يراه في تلك‬
‫الحيوانات‪ ،‬وتقديره لدرجة القبح والدونية فيها‪.‬‬
‫ومن خالل استعراضنا ودراستنا للشعر األموي نجد أنَّ الشعراء قد وظَّفوا‬
‫أجناساً عامة من الحيوانات لتكون دالةً على السخرية‪ ،‬ومنظاراً ينطلق منه الشاعر‬
‫الساخر إلى المسخور منه‪.‬‬
‫وقد تجلت ألفاظ الحيوانات الساخرة بحسب تسميتها في الواقع االجتماعي إلى‬
‫حيوانات مفترسة وأليفة وقذرة مقززة ومخيفة وطيور وحشرات وزواحف‪ .‬وفيما‬
‫يلي استعراض لهذه األلفاظ الحيوانية الساخرة في نماذج الشعر األموي‪.‬‬
‫‪-‬الحيوانات المفترسة‪:‬‬
‫تستخدم صورة الحيوانات المفترسة ‪ -‬في العادة‪ -‬للداللة على الفتك والقوة‪ ،‬ولكن‬
‫الشعراء األمويين قد أظهروا الصور السلبية لهذه الحيوانات للداللة على رسم صورة‬
‫دونية للمسخور منه‪ .‬ومن هذه الحيوانات‪:‬‬
‫(أ) الذئب‪:‬‬
‫من صور الذئب الساخرة ماتدل على المكر والخديعة ما صوَّره يحيى بن نوفل‬
‫عن تنسك الوالي بالل بن أبي بردة في الظاهر‪ ،‬ولكن قلبه خواء من اإليمان‬
‫والرحمة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫‪145‬‬

‫قَ ْولٌ تُزَيِّنُهُ وَفِ ْعلٌ مُنْكَرُ‪.‬‬ ‫ل إِنِّي رَابَنِي مِنْ شَأْنِكُ ْم‬
‫أَبِلَا ُ‬
‫ل السُّجُوْد بِحُرِّ وَجْهِكَ يَظْهَرُ‪.‬‬
‫جَ َع َ‬ ‫ت خِيَانَ ًة‬
‫ك إِذَا أَرَدْ َ‬
‫مَا لِي أَرَا َ‬

‫( )‬
‫ب أَغْبَ ُر‬
‫تَتْلُو القُرْآنَ وَأَنْتَ ذِئْ ٌ‬ ‫مُتَخَشِّعًا طَبِنًا لِكُلِّ عَظِيْمَةٍ‬

‫ويصور عبد اهلل بن الزَّ ِبير األسدي المكر والخداع في مسخوره زيد بن نهشل‬
‫عبر صورة الذئب‪ ،‬حيث يقول فيه‪:‬‬
‫غلِ‪.‬‬
‫ل الشَّوَا ِ‬
‫ل اشْتِغَا ِ‬
‫يُحَاوِلُهُ قَ ْب َ‬ ‫عَرَضْتُ على ذِئْبٍ لِيَأْخُ َذ بَعْضَ مَا‬
‫( )‬
‫ج أَنْيَاب ًا لَهُ كَالمَعَا ِولِ‪.‬‬
‫وَأَخْرَ َ‬ ‫تَثَاءَبَ حَتَّى قُلْتُ دَاسِ ُع نَفْسِ ِه‬
‫(ب) الثعلب‪:‬‬
‫استخدم الفرزدق الثعلب للداللة على الذلِّ والضعف‪ ،‬حيث صوَّر جريراً‬
‫بالثعلب الغريق في موج البحر‪ ،‬فأخذ يطلق صيحات النجدة‪ ،‬ولكنه لفظ أنفاسه‪ ،‬حيث‬
‫يقول الفرزدق‪:‬‬

‫عطِيَّةَ َهلْ يَلْقَى بِهِ مَنْ يَبَادِلُهْ‪.‬‬


‫َ‬ ‫س‬
‫تَرَكْنَا جَرِيْرًا وَهْوَ في السُّوقِ حَابِ ٌ‬

‫ن الجِلْ ِد مِنْهُ مَفَاصِلُهْ‪.‬‬


‫من الخِزْي دُوْ َ‬ ‫ت‬
‫ع حَتَّى تَزَيَّلَ ْ‬
‫وَمَا أَلْبَسُو ُه الدِّ ْر َ‬

‫ج تَسَامَى كَالجِبَالِ مَجَاوِلُهْ‪.‬‬


‫بِمَوْ ٍ‬ ‫ض نَفْسَهُ‬
‫وَ َهلْ كَانَ إِلَّا ثَعْلَباً رَا َ‬

‫عََليْ ِه أَعَالِي مَوْجِهِ وَأَسَافِلُهْ‪.‬‬ ‫ت‬


‫ضَغَا ضَغْوَةً في البَحْرِ لَما تَغَطْمَطَ ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫خ البَحْرِ سَاحِلُهْ‪.‬‬
‫ن نَاجِ ِ‬
‫ث الْتَقَى مِ ْ‬
‫بِحَيْ ُ‬ ‫ح مَطْرُوْحًا وَرَاءَ غُثَائِ ِه‬
‫فَأَصْبَ َ‬

‫فصورة الثعلب الساخرة تصوّر جريراً باكياً ذليالً في وسط البحر‪ ،‬ولهذا فإنَّ تالطم‬
‫ظلمات األمواج العاتية على المسخور منه ماهي إلَّا دليلٌ على قوة الساخر وفتكه‪.‬‬

‫( ) يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره‪ ،‬ص ‪. 42‬‬


‫( ) شعر عبداهلل بن الزبير األسدي‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬يحيى الجبوري‪( ،‬بغداد‪ ،‬دار الحرية للطباعة‪ 478 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 798‬م) ‪ ،‬ص‪8‬‬
‫(‪ )4‬ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪146‬‬

‫(ج) الضبع‪:‬‬
‫استعمل جرير لفظ الضباع كلفظ مسخور منه للداللة على الذل والضياع‬
‫والجبن‪ ،‬حيث إنَّ الضباع تلزم جحورها عندما تسمع أصواتاً مخيفة بسبب ذُلِّها‪،‬‬
‫حيث صور ذلك في قوله‪:‬‬
‫ع أُصِلَّتْ في مَغَارٍ جُعُوْرُهَا‪.‬‬
‫ضِبَا ٌ‬ ‫تَرَاغَيْتُمُ يَوْ َم الزُّبَيْ ِر كَأَنَّكُمْ‬

‫( )‬
‫سِبَاعٌ وَطَيْ ٌر لَ ْم تَجِدْ مَنْ يُطِيْرُهَا‪.‬‬ ‫ت مِنَّا مَا تَقَسَّمَ جَارَكُمْ‬
‫وَلَوْ كُنْ َ‬
‫جرير في البيتين السابقين يسخر من الفرزدق ومن قومه‪ ،‬الذين تواطؤوا مع‬
‫األعداء لقتل الزبير بوحشية الحيوانات‪ ،‬حيث أطلق عليهم لفظ الضباع؛ ألنَّها تعيش‬
‫على جثث الموتى‪ ،‬وقد اقترنت بداللة الفزع من الموت؛ ألنَّها خرجت بعد مقتل‬
‫الزبير وقومه‪ ،‬ويتجلى في هذه السخرية اإلحالة على مجتمع الحيوان إلسقاط‬
‫أن الزبير لو‬
‫مصطلح سياسي يصور المارقين الذين غدروا بالزبير‪ ،‬حيث بَيَّن جرير َّ‬
‫استنجد بقبيلة قيس لنصروه‪ ،‬فضالً عن أنَّه لو انتمى إليهم لمنعوه ونصروه‪ ،‬ولن يجد‬
‫من يخونه في معركته‪.‬‬
‫(د) الفيل‪:‬‬
‫وظَّف الشاعر يزيد بن مفرغ الحميري لفظ الفيل للداللة على التشهير والتهكم‬
‫والسخرية والتجريح من الخليفة معاوية بن أبي سفيان في حادثة االستلحاق لزياد بن‬
‫أبيه المشهورة‪ ،‬حيث قال ناقداً ومشهِّراً ومستنكراً من هذه الحادثة التاريخية‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫كَرِحْ ِم الفِ ْيلِ مِنْ وَلَ ِد األَتَانِ‪.‬‬ ‫ن زِيَادٍ‬
‫فَأَشْهَ ُد أَنَّ رِحْمَكَ مِ ْ‬
‫فالسخرية تتجلى في تصوير صلة الرحم بين معاوية وبين زياد‪ ،‬فهي كالصلة بين‬
‫الفيل والحمار‪ ،‬والموازنة بين الفيل والحمار ساخرة جداً‪ ،‬فهو قد صوَّر معاوية فيالً‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 9‬‬


‫( ) ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪147‬‬

‫للداللة على عظمته ومنزلته الكبيرة في الواقع االجتماعي والسياسي‪ ،‬بينما صوَّر‬
‫زياداً حماراً للداللة على احتقار وضعه‪ ،‬ومكانته الدونية في الواقع االجتماعي‪.‬‬
‫ويزيد الحميري يسخر من هذه الظاهرة؛ ألنَّها مرذولة اجتماعياً‪ ،‬ومرفوضة دينياً‪،‬‬
‫فأتى بصورتي الفيل والحمار للداللة على" استحالة هذا األمر‪ ،‬وال بد أن يضع نصب‬
‫( )‬
‫عينيه ردة الفعل المتوقعة من الناس"‪.‬‬
‫‪-‬الحيوانات القذرة والمقززة‪:‬‬
‫أسقط كثير من الشعراء في العصر األموي صورهم الساخرة من خالل‬
‫االستعانة بالصورة القذرة في بعض الحيوانات والحشرات‪ ،‬فضالً عن إسقاطه‬
‫لعاداتها المقززة على المسخور منه‪ ،‬ومن هذه الحيوانات والحشرات‪:‬‬
‫الخنزير‪:‬‬ ‫(أ)‬
‫استخدم جرير الخنزير في السخرية من األخطل والنصارى للداللة على‬
‫القبح والنجاسة‪ ،‬ورَمْ ٍز لكل ما يغضب اهلل من سلوكيات األخطل بخاصة والنصارى‬
‫بعامة‪ .‬وفي هذا الشأن يطلق جرير اسم الخنزير على األخطل الستحالله أكله‪ ،‬وهو‬
‫بهذا يؤصل لتأثير لحم الخنزير في تركيبته الجسمية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫إِحْدَى الدَّواهِي التي تُخْشَى وَتُنْتَظَرُ‪.‬‬ ‫طلَ خِنْزِيْرٌ أَطَافَ بِ ِه‬
‫إن األُخَيْ ِ‬
‫َّ‬
‫بل تذهب السخرية من األخطل من خالل التأصيل العرقي والجذري له في عداد‬
‫الخنازير‪ ،‬عندما نعته بأنَّه ابن خنزيرين أباً وأماً‪ ،‬حيث يقول جرير‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ت مُكْتَشِرٍ ذَمِيْمِ‪.‬‬
‫وَأُمُّكَ ذَا ِ‬ ‫س أَبُوْكَ ذَا زَمَعٍ ثمَانٍ‬
‫أَلَيْ َ‬
‫ويتابع جرير تأصيله لألخطل في مجتمع الخنازير والقذارة‪ ،‬ومعيِّراً بأصله ونسبه‬
‫الحقيرين‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬

‫( ) آرديني‪ ،‬د‪ .‬صالح محمد‪ ،‬صورة الخليفة في الشعر األموي‪ ،‬ط ‪( ،‬سوريا‪ ،‬دار الحوار للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 0‬م) ‪ ،‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.879‬‬
‫‪148‬‬

‫( )‬
‫إذَا مُضْ ٌر مِنْهَا تَسَامَى بَنُو الحَرْبِ‪.‬‬ ‫لَعَلَّكَ خِنْزِيْرَ الكُنَاسَةِ فَاخِرٌ‬
‫فالصورة الساخرة لألخطل يتجلى منها االشمئزاز من منظر الخنزير الذي يرعى في‬
‫مواضع الزبالة والقذارة‪ ،‬فهي توحي بصورة مقززة من الخنزير عند المسلمين كافةً‪.‬‬
‫ويرسم جرير صورة القوة والضعف عبر استخدام الخنزير معادالً للضعف‬
‫والقبح والدناءة والجبن ‪ ،‬حيث تمتاز بها قبيلة تغلب‪ ،‬وبالمقابل يرسم صورة الشجاعة‬
‫للقيسيين عبر استخدام األسد داللة على القوة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ن زَأْ ِر لَيْثٍ كِلَابُهَا‪.‬‬
‫ت مِ ْ‬
‫وَقَدْ حَجَرَ ْ‬ ‫تَمَنَّتْ خَنَازِيْ ُر الجَزِيرةِ حَرْبَنَا‬
‫فالسخرية قائمة على ثنائية القوة والضعف‪ ،‬فالخنازير هي رمز لقبيلة تغلب‪،‬‬
‫التي امتازت بالخوف‪ ،‬ومن ثم الهزيمة في المعركة‪ ،‬في حين أنَّ الليث هو رمز لقوة‬
‫قبيلة قيس‪ ،‬التي جعلت قبيلة تغلب تتقهقر وتتراجع في معركتها‪ .‬فالخنازير هنا رمز‬
‫للدونية في المعارك والحروب‪.‬‬
‫(ب) القرد‪:‬‬
‫تجلت صورة القرد في الشعر األموي الساخر في سياق الداللة على الفجور‬
‫والفحش‪ ،‬فضالً عن دناءة األصل‪ .‬وقد وظَّف جرير صورة القرد في شعره‬
‫فإن‬
‫إلضعاف خصمه الفرزدق‪ ،‬والنيل منه ومن مكانته االجتماعية‪ ،‬وفي هذا الشأن َّ‬
‫جريرًا يرمي الفرزدق بالزنا والفجور والمجون‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫لِيَخْتَا َر الحَرَامَ عَلَى الحَلَالِ‪.‬‬ ‫خ القُرُوْدِ مع الزَّوانِي‬
‫أَوَى شَيْ ُ‬
‫بِعِزَّةِ ذِي التَّكَرُّمِ والجَلَالِ‪.‬‬ ‫ك الخَلِيْفَةُ ثُمَّ تَخْزَى‬
‫سَيُجْزِيْ َ‬
‫(‪)4‬‬
‫َوتَمْهرُ مَا كَدَحْتَ من السُّؤالِ‬ ‫وَفِي مَاخُوْرِ أَعْيَنَ بِتَّ تَزْنِي‬
‫فالقرد في األبيات السابقة رمز الفجور‪ ،‬وتتعمق السخرية عندما أطلق عليه شيخ‬
‫القرود‪ ،‬وهو ما يدل على شهرة الفرزدق في الرذيلة والفحش‪.‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 0‬‬


‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8 4‬‬
‫‪149‬‬

‫ويصور جرير في لوحة أخرى من لوحات المخازي للفرزدق عبر صورة‬


‫القرد للداللة على المجون والعبث‪ ،‬وبالمقابل ترتسم على الضد منها صورة العفة‬
‫لجرير‪ ،‬حيث تجلى في هذه اللوحة ثنائية العفة والفجور‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫شبْلَيْنِ فِي الغِ ْيلِ قَسْوَرَا‪.‬‬
‫هِزَبْرًا أَبَا ِ‬ ‫عَشِيَّ َة لَاقَى القِرْدُ قِرْ ُد مُجَاشِعٍ‬
‫في هذا البيت ارتسمت السخرية من لفظ القرد للداللة على المجون‪ ،‬بينما صوَّر‬
‫مظاهر الرعب والخوف التي تجلت عند الفرزدق العابث عندما القى الهزبر في‬
‫وقت الليل‪ ،‬وهذا يدل على الخوف والهلع الذي يسير دائماً مع العابثين‪ ،‬وبخاصة في‬
‫الليل‪ ،‬كما تتجلى من صورة الهزبر نوازع األبوة الطيبة في قوله (أبا شبلين)‪ ،‬فضالً‬
‫عن العفة وهناء المعيشة مع أوالده خالفاً لما هو حاصلٌ عند الفرزدق الذي يعبث‬
‫الهياً وراء نزواته‪.‬‬
‫(ج) القنافذ والجعالن‪:‬‬
‫استخدم الطرماح القنفذ للداللة على الجبن والخوف والغدر‪ ،‬حيث صوَّر سخريته‬
‫ألن الفرزدق تميَّز بهذه الصفات‪ ،‬حيث يقول فيه‪:‬‬
‫من الفرزدق وقبيلة تميم؛ َّ‬

‫ن أزُومِ‪.‬‬
‫أزُوْ ٌم عَلَى السَّوْءَاتِ واب ُ‬ ‫وَأَنْتَ عَلَى الجِيْرَانِ قُنْفُذُ تَلْعَ ٍة‬
‫( )‬
‫ت غَيْرَ نَؤُوْمِ‪.‬‬
‫وَإِنْ لَ ْم يَخَفْ ُه بَا َ‬ ‫ن عَدُوِّهِ‬
‫إِذَا خَافَ وَارَى أَنْفَ ُه مِ ْ‬

‫فالطرماح قد وظَّف القنفذ لتصوير ما يسلكه الفرزدق من لزوم على القبائح‬


‫والرذائل والغدر بالجيران‪ ،‬وقد أصَّل للفرزدق في الرذيلة عندما أشار إليه أنَّه (أزوم‬
‫وابن أزوم)‪ ،‬فهو بذلك يثبت للفرزدق وقبيلته المواظبة على الفواحش والمحرمات‪.‬‬

‫ويستخدم جرير القنافذ والجعالن لتصوير القبح والدناءة في بني صبير‪ ،‬حيث‬
‫يقول ساخراً منهم‪:‬‬

‫( ) المصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 84‬‬


‫( ) ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪. 29‬‬
‫‪151‬‬

‫فَلَسْتُ هَاجِيَهُمْ مَا حَنَّتْ النِّيَبُ‪.‬‬ ‫ن لَؤُمُوا‬


‫أَمَّا صُبَيْرٌ فَإنْ قَلُّوا وَإ ْ‬
‫( )‬
‫ن وَلَا طِيْبُ‪.‬‬
‫ِم ْثلُ القَنَافِ ِذ لَا حُسْ ٌ‬ ‫أَمَّا الرِّجَالُ فَجِعْلَانٌ وَنِسْوَتُهُ ْم‬
‫فسخرية جرير من خالل الجعالن والقنافذ تصوِّر مظهراً جمالياً غائباً في بني صبير‬
‫بن يربوع ‪ ،‬حيث يتجلى المظهر الجمالي الساخر في قبح رجالهم‪ ،‬فهم كالخنافس‬
‫ال عن الروائح الكريهة التي تنبعث من أجسادهنَّ‪.‬‬
‫السود‪ ،‬ودمامة وجوه نسائهم‪ ،‬فض ً‬
‫أما الفرزدق فيصور الخفة والحماقة عند قبيلة كليب حينما تعرضوا له بالشتم‬
‫بحال الجعالن والفراش الذي يزج بنفسه في النار‪ ،‬فيحترق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫لَكَالجِعْلَانِ إ ْذ يَغْشَيْنَ نَارَا‪.‬‬ ‫وَإنَّ بني كُلَيْبٌ إ ْذ هَجَوْنِي‬
‫( )‬
‫س أَحْسَاب ًا وَدَارَا‪.‬‬
‫شِرَا َر النَّا ِ‬ ‫أَجِعْلَانَ الرَّغَامِ بَنِي كُلَيْبٍ‬
‫فالجعالن عدَّها الفرزدق في سخريته داالً على الحماقة والنسب الوضيع والشر‬
‫واللؤم‪.‬‬
‫(د) الفأر‪:‬‬
‫استخدم الشعراء الفئران للداللة على استباحة أموال اآلخر ونهبها وسرقتها‬
‫أسوة بما تفعله الفئران من عبث بحاجات الناس وأمالكهم المخزونة‪ .‬وفي هذا الشأن‬
‫نجد أنس ابن زُنيم الدؤلي يسخر من حارثة بن بدر الغُداني عندما وُِّلي على‬
‫والية(سُرّق) العراقية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ن جُرَذاً فِيْهَا تَخُوْنُ وَتَسْرُقُ‪.‬‬
‫فَكُ ْ‬ ‫أَحَا ُر بن بَدْرٍ قَ ْد وُلِّيْتَ إِمَارَةً‬

‫لَسَان ًا بِ ِه المرءُ الهَيُوبَةُ يَنْطِقُ‪.‬‬ ‫وَبَا ٍه تميم ًا بالغِنَى إِنَّ للغِنَى‬

‫(‪)4‬‬
‫ك العراقيينَ سُرَّقُ‪.‬‬
‫فَلَا تَحْقِرَنْ يَا حَارُ شَيْئاً أَصَبْتَ ُه فَحَظُّك من مُلْ ِ‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8‬‬


‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.404-409‬‬
‫(‪ )4‬أنس بن زُنيم الدؤلي‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬نوري القيسي‪ ،‬مجلة المجمع العلمي العراقي‪(،‬بغداد‪ ،‬الجزء( )‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫المجلد(‪ ،)49‬رمضان ‪ 80‬ه ‪-‬حزيران ‪ 74‬م)‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫‪151‬‬

‫فالسخرية تكمن عندما طلب أنس من حارثة الغُداني أن يكون جرذاً؛ ليسرق وينهب‬
‫من األموال التي وُلِّي عليها‪ ،‬كما تجلت السخرية أيضاً في الجناس (تسرق‪-‬سُرّق)‬
‫من وما أحدثته من أثر صوتي في أذن المتلقي‪.‬‬
‫(ه) القمل والبراغيث‪:‬‬
‫لم يترك شعراء العصر األموي موضعاً للسخرية والتحقير من خصومهم إلَّا‬
‫وتناولوه في أشعارهم‪ ،‬يستوي عندهم في ذلك الهيِّن والحقير‪ .‬فالحشرات التي يبعث‬
‫ذكرها االشمئزاز والتقزز في النفس كانت ألفاظها القذرة مادة للسخرية‪ ،‬فهذا عمر‬
‫بن لجأ التيمي يستخدم بيض القمل الذي يسمى (الصُّواب) للسخرية من جرير‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫فَمَا وَزَنَتْ مَكَارِمُهُ ْم صُؤَابَا‪.‬‬ ‫ت بَنِي كُلَيْبٍ‬
‫وَلَمَّا أَنْ وَزَنْ َ‬
‫فالسخرية من قلة مكارم بني كليب ‪-‬قوم جرير‪-‬التي لم تزن حتى بيض القمل‪ ،‬وهذا‬
‫فيه تحقير وإهانة لهم‪.‬‬
‫‪-4‬الحيوانات المخيفة‪:‬‬
‫(أ) السعالي والغول‪:‬‬
‫تُعَدُّ السعالي والغول من الكائنات الخرافية‪ ،‬حيث يذكر الجاحظ أنها اسم‬
‫لكل شيء من الجن الذي يعترض المسافرين‪ ،‬ويتلوَّن لهم في ضروب من الصور‬
‫والنباتات الكبيرة‪ ،‬وهو رمز استخدمه الشعراء للقوة الخفية والكائنات الغيبية التي‬
‫( )‬
‫وفي هذا الشأن نجد‬ ‫تحيط باإلنسان العربي في صحرائه المترامية األطراف‪.‬‬
‫الفرزدق يستخدم السعالي رمزاً إلرهاب المسخور منه وتخويفه من األخطار المحدقة‬
‫بهم‪ ،‬حيث يصوِّر ما يحدثه قومه من خوف عند أعدائهم‪ ،‬حيث يقول ساخراً من‬
‫أعدائه‪:‬‬

‫( ) شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪.20‬‬


‫( ) يُنْظر‪ :‬الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬الحيوان‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪152‬‬

‫( )‬
‫ت كَأَنَّهُنَّ سَعَالِي‪.‬‬
‫بالمُقْرَبَا ِ‬ ‫ل مَخُوْفَ ٍة‬
‫ل ثَغْرَ كُ ِّ‬
‫إنَّا لَنَنْزِ ُ‬
‫فالسخرية ارتسمت عبرما تحدثه خيول الفرزدق وقومه من فزع وخوف عند‬
‫المسخور منهم وكأنَّها الغول والسعالي‪ ،‬مما يدل على االستخفاف بهم‪ ،‬وتتجلى‬
‫الدونية فيهم من خالل سلبهم ألي صفة من صفات البطولة والشجاعة والفروسية‪.‬‬
‫‪-8‬حيوانات أليفة‪:‬‬
‫(أ) الكلب‪:‬‬
‫ارتبط الكلب عند الشعراء في العصر األموي بالسخرية من المسخور منه‪ ،‬وقد‬
‫رسم الشعراء لبعض الصفات المذمومة في الكلب صوراً ساخرة ألصقوها‬
‫بخصومهم‪ ،‬فهذا جرير يصور البعيث المجاشعي كلباً يعوي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫بِقَارِعَةٍ أَنْفَاذُهَا تَقْطُ ُر الدَّمَا‪.‬‬ ‫شيْ ٍء رَمَيْتُ ُه‬
‫وَعَا ٍو عَوَى مِنْ غَيْرِ َ‬
‫فسخرية جرير التي رسمها للمسخور منه في كونه منتمياً لعالم الحيوان (الكالب)‪،‬‬
‫كما ارتسمت هوان قيمة المسخور منه من خالل قوله (من غير شيء رميته) للداللة‬
‫على صراخ المسخور منه من غير إثارة‪ ،‬وهو ما يؤكد أنّه في دائرة االستهجان‬
‫والعدم وانعدام القيمة اإلنسانية له‪.‬‬
‫ويرسم الفرزدق صورة ساخرة لجرير يتجلى منها جرير بمنزلة الكلب الذي‬
‫يحرس الغنم وينبح حولها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ت حَوَالَيْهَا يَطُوْفُ وَيَنْبَحُ‪.‬‬
‫يَبِيْ ُ‬ ‫ل كَلْبٍ وَثُلَّ ٍة‬
‫جَرِيْ ٌر وَقَ ْيسٌ مِ ْث ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ن يُصْبِحُ‬
‫لِيُوْنِ َع في أَلْبَانِهَا حِيْ َ‬ ‫وَمَا هُ َو مِنْهَا غَيْ َر أَنَّ نِبَاحَ ُه‬

‫ويرسم الفرزدق صورة أخرى لجرير تنزل مكانته‪ ،‬وتسلب إرادته وإنسانيته‪،‬‬
‫وتجعله مؤصالً في مجتمع الكالب أباً وأماً‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( ) ديوان الفرزدق‪.877 ،‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.288‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‪4‬‬
‫‪153‬‬

‫( )‬
‫ك كُلَيْبٌ في خَبِيْثِ المطاعِمِ‬
‫غَذَتْ َ‬ ‫ب لِكَلْبَةٍ‬
‫ن كُلَيْ ٌ‬
‫فَإِنَّكَ كَلْبٌ مِ ْ‬

‫فهو يرسم صورة لجرير تدل على القبح واالنتقاص منه‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫الموازنة الدونية بينه وبين الكلب في قوله (خبيث المطاعم)‪.‬‬

‫وعلى المنوال التصويري نفسه لتأصيل جرير في عالم الكالب‪ ،‬نجد األخطل‬
‫التغلبي يسخر من جرير مستغالً عالقة األبوة التي أصَّلها الفرزدق فيه في إطار‬
‫عالم الكالب‪ ،‬فهو يرى أنَّ جريراً جروٌ‪ ،‬وكيف يقدر على مجاراة الدارميين‬
‫وأمرائهم‪ ،‬في أصلهم النبيل‪ ،‬ومكارمهم الجليلة في المجتمع‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫لِتُدْركَ ُه لَا تَفْتَُأ الدَّهْ َر عَانِيْا‪.‬‬ ‫ب تَطْلُبُ دَارِماً‬


‫ن الكَلْ ِ‬
‫ن تَسْعَ َيا بْ َ‬
‫فَإ ْ‬

‫( )‬
‫ك اهللُ بَانِيا‪.‬‬
‫عَ ِزيْزًا وَلَمْ يَجْ َعلْ لَ َ‬ ‫ب عَادِيّاً بَنَى اهللُ بَيْتَهُ‬
‫أَتَطْلُ ُ‬

‫السخرية في بيت األخطل تجلت في عالقة المسخور منه بالكلب‪ ،‬وهي عالقة األبوة‬
‫والبنوة‪ ،‬مما يعزز من حيوانيته‪ ،‬وانعتاقه في دائرة الكالب‪.‬‬

‫أما الراعي النميري فيوظِّف دالالت الدناءة واالستهجان بالمسخور منه‬


‫(جرير)‪ ،‬مصادراً إنسانيته من خالل توظيف اسم قبيلته في السخرية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ت عَلَيْهم للخَسْفِ بَابا‪.‬‬


‫فَتَحْ ُ‬ ‫ُب بِهَا كُلَيْبًا‬
‫وَإِنِّي إ ْذ أَس ُّ‬

‫(‪)4‬‬
‫س الكِلَابَا؟‬
‫ف يُشَاتِمُ النَّا ُ‬
‫وَكَيْ َ‬ ‫رَغِبْنَا عَنْ هِجَا ِء بَنِي كُلَيْبٍ‬

‫فالراعي عمَّق سخريته عن طريق االستفهام الساخر‪ ،‬حيث رسم من خالله الصورة‬
‫اإلنسانية المسلوبة لجرير وقبيلته عبر السخرية والنظرة الدونية لقبيلة كليب‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص‬


‫( ) ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 79‬‬
‫(‪ )4‬ديوان الراعي النميري‪ ،‬جمعه وحققه‪ :‬راينهرت فاييرت‪(،‬بيروت‪ ،‬المعهد األلماني لألبحاث الشرقية‪،‬‬
‫‪ 80‬ه_ ‪ 747‬م)‪ ،‬ص‪. 4‬‬
‫‪154‬‬

‫(ب) الثور‪:‬‬

‫صوّر جرير خوار الثيران في أثناء صياحها عندما تتعب في الحراثة‪ ،‬وقرن‬
‫هذا الفعل بخذالن الفرزدق وقومه بني مجاشع للزبير‪ ،‬فقد نكثوا بعقدهم معه‪،‬‬
‫وخارت قواهم‪ ،‬وفترت هممهم‪ ،‬فهم بمنزلة الثيران حين يصيبها اإلعياء والتعب في‬
‫أثناء الحراثة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ُن خُوَارُ‪.‬‬
‫أثْوَارُ مَحْرَثَ ٍة لَه َّ‬ ‫غَرُّوا بِعَقْدِهُ ْم الزُّبَيْرَ كَأَنَّهُمْ‬

‫فخوار الثيران هو صورة ساخرة للغدر‪ ،‬وداللة تثير الحسرة والندم على الموقف‬
‫السلبي لبني مجاشع‪.‬‬

‫وفي صورة ساخرة أخرى يسخر جرير من البعيث المجاشعي‪ ،‬فيصفه أّنَّه‬
‫ال للبقر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫عجلٌ‪ ،‬يصلح فح ً‬

‫( )‬
‫وافْتَحِلُوْهُ بَقَراً بَتَوَّجا‪.‬‬ ‫أَعْطُوا البَعِيْثَ حَفَّةً وَمَنْسِجاً‬

‫فالسخرية تجلت في كون جرير جعل البعيث فحالً لألبقار‪ ،‬وفي هذا انتقاصٌ من‬
‫مكانته‪ ،‬وسلبٌ إلنسانيته‪ ،‬وإلحاقه في عالم الحيوانات‪.‬‬

‫(ج) الحمار‪:‬‬

‫استخدم الشعراء األمويون الحمار رمزاً ساخراً‪ ،‬يدل على البالدة والغباء‪،‬‬
‫فهذا عمر بن لجأ يسخر من جرير وينعته بالحمار‪ ،‬حيث يقول فيه‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫ك النظرُ‬
‫ح لَ َ‬
‫ب الطَّرْفَ لَمْ يَفْسَ ْ‬
‫فَصَوِّ ِ‬ ‫ت إلَّا حِمَا ٌر من بَنِي الخطفى‬
‫ل أَنْ َ‬
‫َه ْ‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 04‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪ .74‬تَوَّج‪ :‬اسم موضع‪.‬‬
‫(‪ )4‬شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪155‬‬

‫وتارة ينعته برمز أمه الساخر‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬


‫( )‬
‫ض المِرَرُ‪.‬‬
‫يا بن األَتَانِ بِمِثْلي تُنْقَ ُ‬ ‫مَا قُلْتَ في مِرَّةٍ إلَّا سَأَنْقُضُهَا‬
‫أما الراعي النميري فينعت جريراً بالجحش‪ ،‬وهو ابن الحمار‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ل دِجْلَةَ ثُمَّ هَابَا‪.‬‬
‫تَيَمَّمَ حَ ْو َ‬ ‫ب‬
‫حشَ بَنِي كُلَيْ ٍ‬
‫ش جَ ْ‬
‫ح َ‬
‫ت الجَ ْ‬
‫رَأَيْ ُ‬
‫فالنعوت السابقة لجرير (الحمار‪ ،‬وابن األتان‪ ،‬والجحش‪ ،‬وجحش بني كليب) تدلُّ‬
‫السخرية فيها عبر دالالت النعوت التي تدل على الدونية وقلة الشأن والتخلف عن‬
‫السيادة وركوب البطولة والشجاعة‪.‬‬

‫وينهج الفرزدق في السخرية من جرير عبر تأصيله أباً وأماً وجداً في عداد‬
‫مجتمع الحمير الدوني‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫تَلِ ُد الحِمَارَةُ وَالحِمَارُ حِمَارَا‪.‬‬ ‫ن الحِمَارَ ِة للحِمَا ِر وَإنَّمَا‬
‫يَا اب َ‬

‫فالتكرار للحمار والحمارة يجعل من جرير منخرطاً في عالم الحمير عبر آبائه‬
‫وأجداده‪ .‬كما يرسم الفرزدق صورة ساخرة أخرى لجرير‪ ،‬عبر صورة مسخية‬
‫مميزة له في عالم الحمير‪ ،‬وذلك من خالل وصف جرير حماراً مسناً‪ ،‬له لحية‬
‫بخالف الحمير‪ ،‬مما يجعله مميزاً ببالدته وتخلفه ودونيته من بين الحمير األخرى‪،‬‬
‫حيث يقول الفرزدق واصفًا الصورة المسخية الساخرة لجرير‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫َولَ غَيْ َر لِحْيَتِ ِه حَمَارَا‬
‫تَح َّ‬ ‫ن ذَكَّى‬
‫ن المَ َراغ ِة حِيْ َ‬
‫ت اب َ‬
‫رَأَيْ ُ‬
‫فجريرٌ عندما أصبح مسناً طلعت له لحية مميزة له دون الحمير‪ ،‬وهذا التميز هو‬
‫الذي رسم الصورة الساخرة لجرير في عالم الحمير‪.‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.7‬‬


‫‪.‬‬ ‫( ) ديوان الراعي النميري‪ ،‬ص‬
‫(‪ )4‬ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.408‬‬
‫(‪ )8‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.407‬‬
‫‪156‬‬

‫أما يزيد بن الطثرية فينعت مسخوره (فُديك الجرمي) عبر استخدامه للحمير‪،‬‬
‫وفي هذا حطٌّ من مكانته في المجتمع العربي؛ ألنَّ العرب من أخالقها وعاداتها‬
‫األصيلة أن تتعامل مع الخيول وليس مع الحمير‪ ،‬حيث يقول يزيد بن الطثرية في‬
‫المسخور منه (فُديك)‪:‬‬
‫أَقمر من شر حمير قُمْرِ‪.‬‬ ‫ت عَيْرًا من عِيُو ِر القَهْرِ‬
‫أَنْعَ ُ‬
‫منزلة اللؤمِ وَدا َر الغدْرِ‪.‬‬ ‫صبح أبيات فُديك يجري‬
‫( )‬
‫ينشطُها والدرع عن الصدر‪.‬‬ ‫فَلَقِيْتُ ُه عند باب العَقْرِ‬
‫فالسخرية تكمن في أنَّ حمار فُديك الجرمي يمتاز بالبالدة والبرود‪ ،‬مما يجعل‬
‫المسخور منه صورة عاكسة لحماره‪ ،‬وفي هذا استخفاف به‪ ،‬فضالً عن دونيته في‬
‫محيطه االجتماعي‪.‬‬
‫(د) البغل‪:‬‬
‫البغل‪ :‬حيوان ناتج عن تزاوج الحمار وأنثى الخيل‪ .‬ومن هذا المنطلق فقد‬
‫وظَّف الشعراء األمويون البغل وعدُّوه رمزاً ساخراً في شعرهم للداللة على الرجل‬
‫المغموز في حسبه أو نسبه‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار نجد جريرًا ينعت البعيث المجاشعي وقومه بالبغال‪ ،‬تقليالً منه في‬
‫أصلهم وحسبهم الوضيع‪ ،‬وقد لحقه ذلك من جهة أمه‪ ،‬فهو يغمز في نسبها وينعتها‬
‫ب (حمراء العجان)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ن حَرِيْمُهَا‬
‫مُبَاحٌ بِحَمْرَا ِء العِجا ِ‬ ‫إن البِغَالَ مُجَاشِعاً‬
‫ك َّ‬
‫بَنِي مَالِ ٍ‬
‫(ه) الماعز والنعاج والضأن والتيوس‪:‬‬
‫تجلت سخرية هذه الحيوانات من خالل عرض بعض الحوادث المشينة التي‬
‫التصقت بالمسخور منه‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد الحَيقُطان يسخر من جرير عندما كان‬
‫فرد عليه الحَيْقُطان معيِّرًا إياه بإتيان البهائم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫يعيِّره بالسواد‪َّ ،‬‬

‫( ) شعر يزيد بن الطثرية‪ ،‬دراسة وجمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬ناصر بن سعد الرشيد‪ ،‬ط ‪( ،‬مكة المكرمة‪ ،‬دار مكة‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ 800 ،‬ه ‪ 740-‬م) ‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪157‬‬

‫( )‬
‫ن عَا ٌر وَمَفْخَرُ‬
‫ن الضَّأْ ِ‬
‫فِي سِمَا ِ‬ ‫ت كُلَيْبِيّاً وَأُمُّكَ نَعْجَ ٌة لَهَا‬
‫أَلَسْ َ‬
‫فسخرية الحيقطان من جرير قد تأسست على ثنائية (الفخر والعار) بالضأن‪ ،‬فالعار‬
‫أنها كانت تُتَّخَذُ زوجات لهم؛ ألنهم يرمون بإتيانها‪ ،‬وأما الفخر فإنَّ مهور زوجاتهم‬
‫ال تبلغ اإلبل‪ ،‬بل تقف عند حد الضأن للداللة على دونيتهم االجتماعية‪.‬‬
‫ويسخر جرير من الراعي النميري‪ ،‬والنميريين بعامة من خالل نعتهم بالتيوس‪،‬‬
‫حيث كان يدعوهم بها‪ ،‬مقلالً من شأنهم في فنون الحرب والقتال‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ب مُوْقِدَةٌ شِهِابَا‪.‬‬
‫َإن الحَرْ َ‬
‫ف َّ‬ ‫فَصَبْراً يَا تُيُوسَ بني نُمَيْرٍ‬
‫‪ -2‬سخرية ألفاظ الطيور‪:‬‬
‫(أ) النعام‪:‬‬
‫وظَّف الشعراء النعام للداللة على الجبن واالنهزام وسواد النسوة‪ ،‬ومن أمثلة‬
‫التصوير الساخر للنسوة المشابه لساق النعامة ما قاله الفرزدق ساخراً من نساء بني‬
‫كليب‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ب النعام ِة أَسْوَدَا‪.‬‬
‫وَظِيْف ًا لِظُنْبُوْ ِ‬ ‫ُم الكُلَيبي حَوْلَهُ‬
‫إذَا عَسْكَرَتْ أ ُّ‬
‫ومن التصوير الساخر لسواد النسوة المماثل لسواد النعامة قول يزيد بن مفرغ‬
‫الحميري‪:‬‬
‫سَكَّاءُ تَحْسَبُهَا نَعَامَهْ‪.‬‬ ‫ت بِ ِه حَبَشِيَّ ٌة‬
‫جَاءَ ْ‬
‫(‪)8‬‬
‫ُن الدَّمَامَهْ‪.‬‬
‫هِ تَرَى عَلَيْه َّ‬ ‫مِنْ نِسْوِةٍ سُوْد الوِجُ ْو‬

‫ومن األبيات السابقة نستشف أنَّ النعامة جاء بها الشعراء للسخرية من سواد نسوة‬
‫المسخور منهم‪.‬‬

‫( ) الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬رسائل الجاحظ‪ ،‬ج ‪ ،‬شرحه وعلق عليه‪ :‬محمد باسل عيون السود‪،‬ط ‪( ،‬بيروت‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ 8 0،‬ه‪ 000-‬م) ‪ ،‬ص‪. 47‬‬
‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )8‬ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص‬
‫‪158‬‬

‫واتخذ الشعراء األمويون لفظ النعامة للداللة على الجبن واالنهزام‪ ،‬وفي هذا‬
‫اإلطار يقول سراقة البارقي ساخراً‪:‬‬
‫( )‬
‫وَوَلَّوا سِرَاع ًا كَالنِّعَا ِم الجَوَا ِفلِ‬ ‫شَدَدْنَا وَشَدُّوا واضْطَرَبْنَا فَلَمْ نَخِ ْم‬
‫فالنعامة في هذا البيت رمز تصويري ساخر للخوف والفزع واالنهزامية‪.‬‬
‫ويصور جرير استغاثة نساء الفرزدق بقومهن من الرجال في وادي رحرحان‪،‬‬
‫ولكنهم هربوا كالنعام لجبنهم وخوفهم من أعدائهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ب َأوْعَرَا‪.‬‬
‫وَيَوْ َم الصَّفَا لَاقَيْتُ ْم الشَّعْ َ‬ ‫حانَ نِسَاءَكُمْ‬
‫تَرَكْتَ بِوَادِي رَحْ َر َ‬
‫( )‬
‫فَكُنْتُمْ نَعَام ًا بِالحَزِيْ ِز مُنَفَّرَا‬ ‫عامِ ٍر‬
‫ل َ‬
‫سَمِعْتُ ْم بَنِي مَجْدٍ دَعَوا يَا َ‬
‫فالسخرية في كونهم نعاماً هربت خوفًا وجزعًا من األعداء‪.‬‬
‫وعلى المنوال نفسه يصور الفرزدق هروب بني جعفر بن كالب في معركتهم‬
‫وكأنَّهم صغار النعام خائفة ونافرة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ف نَفُوْرُهَا‪.‬‬
‫رِئَالُ نِعَا ٍم مُسْتَخَ ٌ‬ ‫عَشِيَّةَ يَحْدُوْهُمْ هُرَيْمٌ كأنَّهُ ْم‬
‫ومن العرض السابق للفظ النعام في الشعر األموي الساخر‪ ،‬نرى أنَّها‬
‫استخدمت لتصوير القبح الجسدي المتمثل في السواد‪ ،‬فضالً عن أنَّها عُدَّتْ داالً على‬
‫الجبن والهزائم الحربية والتقهقر في مواجهة الخصم‪.‬‬
‫(ب)القطا‪:‬‬
‫استخدم الشعراء األمويون القطا رمزاً ساخراً يدل على االنهزام في المعارك‪،‬‬
‫ومن أمثلة ذلك قول الفرزدق ساخراً من جرير وقبيلته كليب‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)8‬‬
‫َل أَجَادِلُهْ‬
‫قَط ًا أَفْزَعَتْ ُه يَوْمَ ط ٍّ‬ ‫صَبَحْنَاهُ ُم الجُرْ َد الجِيَا َد كَأَنَّهَا‬

‫( ) ديوان سراقة البارقي‪ ،‬ص ‪.40‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 2 - 20‬‬
‫(‪ )4‬ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.4 4‬‬
‫(‪ )8‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬
‫‪159‬‬

‫فالفرزدق يسخر من هروبهم في المعركة‪ ،‬فهم كالقطا التي تهرب خوف ًا من الصقور‪.‬‬

‫أما الطرماح فيتخذ من سرعة القطا وسيلة للسخرية من قبيلة تميم‪ ،‬عندما تسلك‬
‫طرق اللؤم والعار‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ت طُرْقَ المكارِمِ ضَلَّتِ‬
‫وَلَوْ سَلَكَ ْ‬ ‫ن القَطَا‬
‫ق اللُّؤْ ِم أَهَدَى مِ َ‬
‫تَمِي ٌم بِطُرْ ِ‬

‫فالطرماح يسخر من سرعة التميميين إلى اللؤم‪ ،‬وضاللهم عن المكارم‪ ،‬وعلى‬


‫هذا فإنَّ اللؤم يُعَدُّ نقيصةً "من أرذل المثالب التي كانت تشين القبيلة وتحقِّرها "( )‪،‬‬
‫ونظراً لجمالية السخرية في هذا البيت عن طريق سرعة القطا‪ ،‬فقد غدا هذا البيت‬
‫وسيلةً للتعريض‪ ،‬حيث يُروى أنَّ شريك ًا النميري لقي رجالً من تميم‪ ،‬فقال له‬
‫التميمي‪ :‬يعجبني من الجوارح البازي‪ ،‬فقال شريك‪ :‬وخاصةً إذا صاد القطا‪،‬‬
‫فالتميمي أراد قول جرير‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫أُ ِتحْتُ من السَّمَا ِء لَهَا انْضِبَابَا‬ ‫ِل عَلَى نُمَيْرٍ‬
‫أنَا البَازِي المُط ُّ‬

‫بينما أراد شريك النميري قول الطرماح‪:‬‬

‫(‪)8‬‬
‫ق المكارِمِ ضَلَّت‬
‫ت طُرْ َ‬
‫وَلَوْ سَلَكَ ْ‬ ‫ق اللُّؤْ ِم أَهْدَى من القَطَا‬
‫تَمِيْ ٌم بِطُرْ ِ‬

‫(ج) الخربان‪:‬‬

‫وظَّف الشعراء األمويون الطيور التي تتسم بالضعف في شعرهم الساخر‪،‬‬


‫حيث شبَّهوا بها خصومهم ومسخوريهم‪ ،‬وذلك من أجل االستهزاء والحطَّ من أفعالهم‬

‫( ) ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪.98‬‬


‫( ) كساب‪ ،‬محمد علي‪ ،‬الطرماح بن حكيم الطائي‪ :‬حياته وشعره‪( ،‬رسالة ماجستير)‪( ،‬لبنان‪ ،‬قسم اللغة العربية‬
‫ولغات الشرق األدنى‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬الجامعة األمريكية‪ ،‬بيروت‪ 774 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪.408‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )8‬ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪161‬‬

‫وأقدارهم‪ ،‬بينما أطلقوا على أنفسهم الطيور الجارحة؛ لقوتها وخطفها‪ ،‬وللداللة على‬
‫قوتهم وفتكهم بأعدائهم‪ .‬وفي هذا اإلطار نجد جريراً يسخر من الفرزدق والبعيث‬
‫المجاشعي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫علِ‪.‬‬
‫ك يَا فَرَزْدَقُ مِنْ َ‬
‫حَتَّى اِخْتَطَفْتُ َ‬ ‫إنِّي انْصَبَبْتُ من السَّمَا ِء عَلَيْكُ ُم‬

‫( )‬
‫ب تَنَفَّجَ من حِذَا ِر األَجْ َدلِ‪.‬‬
‫خَرَ ٌ‬ ‫ث كَأَنَّهُ‬
‫ن بَعْ ِد صَكَّتِي البَعِيْ َ‬
‫مِ ْ‬

‫فجرير قد صوَّر نفسه بالنسر أو الصقر‪ ،‬بينما صوَّر المسخور منه(الفرزدق) مثل‬
‫ذكر الحبارى (الخرب) الذي ينفش ريشه خوفاً من الصقر أن ينقض عليه‪ ،‬وبخاصة‬
‫بعد أن قضى على البعيث‪ .‬وعلى هذا فإنَّ وصفهم بالخربان تُعَدُّ رموزاً ساخرة دلَّت‬
‫على الجبن والخوف واالستسالم‪.‬‬

‫وعلى المنوال التصويري الساخر نفسه نجد الفرزدق يصوِّر نفسه صقراً‬
‫ينقض على فريسته‪ ،‬بينما صوَّر المسخور منهم آل جعفر بالخربان؛ بسبب ضعفهم‬
‫ووهنهم وهزيمتهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ب ذُكُوْرُهَا‪.‬‬
‫صَوَارِ ُم في أَيْدِي الضِّبَا ِ‬ ‫ل جَعْفَ ٍر‬
‫عَشِيَّ َة لَاقَتْهُمْ بِآجَا ِ‬

‫( )‬
‫بِطِخْفَةَ خِرْبَانٌ عَلَتْهَا صُقُوْرُهَا‪.‬‬ ‫كَأَنَّهُ ْم للخَ ْيلِ يَوْمَ لَقِيْتَهُمْ‬

‫فالصورة الساخرة تجلت في أنَّ المسخور منهم (بني جعفر) كالخربان في أفعالهم‪،‬‬
‫بينما الساخر (الفرزدق) هو الصقر الجارح الذي ينقض على فريسته‪.‬‬

‫أما جرير فيصوِّر انقضاضهم على التغلبيين مثلما ينقض الصقر على الخربان‪ ،‬حيث‬
‫عبَّر عن ذلك االنقضاض في قوله ساخرًا من قوة التغلبيين‪ ،‬وبأسهم في الحروب‪:‬‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪.888‬‬


‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.4 4‬‬
‫‪161‬‬

‫( )‬
‫ن صُقُوْرَا‪.‬‬
‫ي حُسُ ٍم لَقَيْ َ‬
‫ن ذِ ْ‬
‫خِرْبَا ُ‬ ‫ب يَوْ َم لَاقَوْا خَيْلَنَا‬
‫وَكَأَنَّ تَغْلِ َ‬
‫(د) الخفَّاش‪:‬‬
‫استخدم الشعراء األمويون صورة الخفَّاش للداللة على اللؤم والقبح والجبن‪ ،‬إذْ‬
‫إنَّه ال يطير إلَّا في الليل‪ ،‬وقد وظَّف الشعراء هذه الصفات الدونية في الخفاش‬
‫وإسقاطها على المسخور منه‪ ،‬وفي هذا اإلطار نجد األخطل يسخر من لؤم بني‬
‫العجالن وقبحهم وبخلهم وتقتيرهم في المعيشة مستخدماً صورة الخفاش‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫عَلَى الزَّادِ أَلْقَتَ ُه الوَلِيْدَةُ فِي الكَسْرِ‪.‬‬ ‫وَقَ ْد غَبَرَ العَجْلَانُ حِيْنًا إذا بكى‬
‫( )‬
‫فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ لَئِيْ ٍم وَمِنْ حَجْرِ‪.‬‬ ‫ك عَيْنَهُ‬
‫فَيُصْبِحُ كَالخُفَّاشِ يَدْلُ ُ‬
‫فاألخطل جعل من بني العجالن أسوة بالخفاش حينما يفرك عينيه من الدموع‪ ،‬فهي‬
‫صورة قبيحة تدل على اللؤم والتحقير‪.‬‬
‫‪-‬سخرية ألفاظ الحشرات‪:‬‬
‫العنكبوت‪:‬‬ ‫(أ)‬

‫تجلت السخرية من العنكبوت للداللة على قلة العدد‪ ،‬وإبراز الوهن والضعف‬
‫في هيئة المسخور منه‪ ،‬وفي هذا المعنى يقول الطرماح ساخراً من قبيلة تميم‪ ،‬حيث‬
‫ُيعيَّرهم بالهوان وقلة العدد في قوله‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مِظَلَّتَهَا يَوْ َم النَّدَى لَأَكَنَّتِ‪.‬‬ ‫ت لَهُمْ‬
‫ُم العنكبوت بَنَ ْ‬
‫َن أ َّ‬
‫وَلَ ْو أ َّ‬

‫فالطرماح يرسم في هذا البيت صورة لقبيلة تميم تعكس قلة عددهم وهوان‬
‫شأنهم‪ ،‬فهم مثل شبكة العنكبوت التي تنسجها وتنصبها لصيد الحشرات‪ ،‬كي تسترهم‬
‫في وقت المطر‪.‬‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 7‬‬

‫( ) ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪.9‬‬

‫(‪ )4‬ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪.99‬‬


‫‪162‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ في قلة العدد إهانةً وتحقيراً ودونيةً‪ ،‬بينما توحي كثرة‬
‫العدد بالعزة والكرامة والمنعة‪ ،‬كما أنَّ قول الساخر (أم العنكبوت) يوحي بالذلِّ‬
‫والهوان والضعف‪ ،‬فصورهم بمنزلة أوالد العنكبوت للداللة على دونيتهم‪.‬‬
‫ويرسم الفرزدق صورة ساخرة يُظْهِرُ فيها جريراً ذليالً‪ ،‬فيلبسه ثوب الوهن‬
‫والضعف‪ ،‬مستخدماً نسج العنكبوت‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ك بِ ِه الكِتَابُ المنَزَّلُ‪.‬‬
‫وَقَضَى عَلَيْ َ‬ ‫ت بِنَسْجِهَا‬
‫ك العَنْكَبُوْ ِ‬
‫ت عَلَيْ َ‬
‫ضَرَبَ ْ‬
‫(ب) الفراشة‪:‬‬
‫تُعَدُّ الفراشات رمزاً ساخراً للداللة على الخفة والحماقة وعدم السيطرة على‬
‫النفس الجامحة نحو الشر‪ .‬ومن أمثلة تصوير المسخور منه فراشةً للداللة على‬
‫خفته‪ ،‬ما قاله الطرماح ساخرًا من الفرزدق وقبيلة تميم‪:‬‬
‫( )‬
‫ت مَيْتٌ من قُرَ ْيشٍ أَهَلَّتِ‪.‬‬
‫إذَا مَا َ‬ ‫ق وَجَفْوَةٍ‬
‫ل بِالعِرَا ِ‬
‫ش ضَلَا ٍ‬
‫فَرَا ُ‬
‫فالطرماح وظَّف الفراش في السخرية ليدل على سرعة المسخور منه إلى الضالل‬
‫كما يتهافت الفراش في ضوء النار فيحترق‪.‬‬
‫‪-9‬سخرية ألفاظ الزواحف‪:‬‬
‫العقرب‪:‬‬ ‫(أ)‬
‫يُعَدُّ العقرب من الزواحف التي تمتاز بالغدر‪ ،‬وفي هذا اإلطار استخدم‬
‫الشعراء األمويون العقرب رمزاً ساخراً للداللة على نكث العهد والغدر به‪ ،‬والمطل‬
‫(‪)4‬‬
‫في الدَيْن‪ ،‬ولذلك يقال في األمثال‪ :‬أمطل من عقرب‪.‬‬
‫وفي هذا الشأن نجد الفضل بن العباس (األخضر اللهبي)‪ ،‬يستخدم العقرب‬
‫استخداماً ساخراً ‪ ،‬عندما ماطله في الدَيْن رجالً من بني كنانة‪ ،‬يقال له‪ :‬عقرب‪ ،‬فقال‬
‫فيه العباس مستخدمًا التورية بين اسمه والعقرب‪:‬‬

‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.870‬‬


‫( ) ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫(‪ )4‬يُنْظر‪ :‬الميداني‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن محمد‪ ،‬مجمع األمثال‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪163‬‬

‫ب التَّاجِرَهْ‪.‬‬
‫يَا عَجَب ًا للعَقْرَ ِ‬ ‫ب في سُوْقِنَا‬
‫ت عَقْرَ ٌ‬
‫قَ ْد تَجَرَ ْ‬
‫َن مَالَهَا دُنْيَا وَلَا آخِرَهْ‪.‬‬
‫أ َّ‬ ‫ت العَقْرَبُ وَاسْتَيْقَنَتْ‬
‫قَ ْد صَافَ ْ‬
‫ل لَهَا حَاضِرَهْ‪.‬‬
‫َوكَانَتِ النَّ ْع ُ‬ ‫ت لِمَا سَاءَهَا‬
‫فَإنْ تَعُدْ عَادَ ْ‬
‫( )‬
‫ب تُخْشَى من الدَّابِرَهْ‪.‬‬
‫وَعَقْرَ ٌ‬ ‫ال‬
‫ُو يُتَّقَى مُقْبِ ً‬
‫ُل عَد ٍّ‬
‫ك ُّ‬
‫‪ -4‬سخرية ألفاظ الحيوانات البحرية‪:‬‬
‫الدُّخس‪:‬‬ ‫(أ)‬
‫الدُّخس‪ :‬دابة من دواب البحر‪ ،‬ويقال لها‪ :‬الدلفين‪ ،‬وهو حيوان بحري ينجي‬
‫الغريق‪ ،‬ويمكنه من ظهره‪ ،‬فيعينه على السباحة‪ .‬ومن هذا المنطلق فقد استخدم‬
‫الطرماح الدخس للسخرية من الفرزدق وقبيلة تميم؛ لكي يبحث له عن بطوالت‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫ن من زَنْدِ‪.‬‬
‫إِلَى مُضَ ِر الفَجِّ المَيَامِ ِ‬ ‫فَمَا لَكَ من نَجْدٍ وَلَا رَمْلِ عَالِجٍ‬
‫وَبِالهُنْدُوَانِيَّاتِ وَالقرّح الجُرْدِ‪.‬‬ ‫ن بِالقَنا‬
‫ت عَلَيْكَ األَرْضَ قَحْطَا ُ‬
‫أَغَصَّ ْ‬
‫( )‬
‫ن بِالهِنْدِ‪.‬‬
‫ق قَحْطَا َ‬
‫ن لَمْ تَلْ َ‬
‫إِلَى الهِنْ ِد إ ْ‬ ‫ن دُخْسًا في البَحْ ِر أَوْ جُزْ وَرَاءَهُ‬
‫فَكُ ْ‬
‫فالطرماح قد سخر من الفرزدق؛ لكي يكون دخساً في البحر؛ ليبحث له عن‬
‫أمجاد؛ ألنَّ الفرزدق‪-‬في نظره‪-‬من جبلة وضيعة منحطة في أسفل السافلين‪ ،‬ولهذا‬
‫ينصحه بأن ال يضاهي قومه األقيان بفوارس قحطان‪ ،‬فليس لهم بأسهم وبطوالتهم‪.‬‬
‫‪-8‬سخرية ألفاظ العقائد المحرَّفة‪:‬‬
‫اعتمد الشعراء األمويون في تشكيل صورهم الساخرة‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫تضمينمها صوراً تخالف الدين اإلسالمي وأوامره ونواهيه‪ ،‬منطلقين فيها من ثنائية‬
‫(اإلسالم والنصرانية)‪ ،‬و (اإلسالم واليهودية)‪ ،‬و (اإلسالم والتقوى)‪ .‬وقد تجلت‬
‫السخرية من خالل المقارنة لسماحة اإلسالم وهديه‪ ،‬ووضوح معتقده‪ ،‬وبساطة‬

‫( ) شعر األخضر اللهبي‪ ،‬ص ‪.29-2‬‬


‫( ) ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪. 44- 4‬‬
‫‪164‬‬

‫مظاهره‪ ،‬في مقابل طقوس الديانات األخرى‪ .‬وفي هذا الشأن نجد جريراً يسخر من‬
‫نصرانية األخطل‪ ،‬ومن طقوس معتقده‪ ،‬وفي هذا يقول‪:‬‬

‫وَتُكَذِبُوْنَ مُحَمَّ َد الفُرْقَانِ‪.‬‬ ‫س وَابْنِهِ‬


‫سرْجِ َ‬
‫أَتُصَدِّقُوْنَ بِمَا ِر َ‬

‫ب الرَّجَوَانِ‪.‬‬
‫حَتَى تَقَاذَفَ تَغْلِ َ‬ ‫جسُ تَغْلِبًا‬
‫ب وَمَارِ سَرْ ِ‬
‫َر الصَّلِيْ ُ‬
‫غ َّ‬

‫( )‬
‫وَتَرَى مَكَاسِرَ حَنْتَمٍ وَدِنَانِ‪.‬‬ ‫مَا فِي مُقَامِ تَغْلِبَ مَسْجِدٌ‬

‫فسخرية جرير قائمة على الحقيقة الواهية عند األخطل والتغلبيين من أنَّ الصليب‬
‫يؤدي بهم إلى العزة والمجد‪ ،‬ولكنه أوصلهم إلى القبر‪ ،‬كما تجلت سخريته من كثرة‬
‫أواني الخمر في ديارهم‪ ،‬وخُلُوِّها من المساجد‪.‬‬

‫وفي إطار النظرة الدونية لألخطل والتغلبيين والنصارى عموماً نجد جريراً‬
‫يسخر من عادات النصارى المتمثلة في قرع النواقيس في أثناء صالتهم في‬
‫أن المسلمين يدعون إلى الصالة باألذان والتكبير‪ ،‬وينصتون لتالوة‬
‫الكنائس‪ ،‬في حين َّ‬
‫القرآن‪ ،‬مصدر النور والهدى‪ ،‬ومتعة القلب والروح‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫س لَا يَدْرُوْنَ مَا السُّوَرُ‪.‬‬
‫ع النَّوَاقِي ِ‬
‫قَرْ ُ‬ ‫ن إِذا صَلَّوْا أذَانُهُمُ‬
‫س يَكُوْ ُ‬
‫ج ٌ‬
‫رِ ْ‬

‫ينعت جرير التغلبيين بالرجس؛ ألنَّهم ضلوا طريق الهدى والحق‪ ،‬وعدلوا النصرانية‬
‫باإلسالم‪ ،‬ويمضي ساخراً من طقوسهم التي تساوي اآلذان بقرع النواقيس‪ .‬وفي‬
‫إشارة ساخرة عن النصارى واألخطل يقول جرير‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫ك أَفْوَاهاً إَذَا اكْتَشَرُوا‪.‬‬
‫ت تِلْ َ‬
‫يَا قُبِّحَ ْ‬ ‫ن إِلَى الخِنْزِيْرِ شَهْوَتَ ُه‬
‫الضَّاحِكِيْ َ‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.29‬الحنتم‪ :‬جرار حمر كانت تحمل إلى المدينة فيها الخمر‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ص‬
‫‪165‬‬

‫فجرير يسخر من التغلبيين ‪ ،‬فهم إذا نظروا إلى الخنزير ضحكوا من شهوتهم للحمه‪.‬‬
‫ولهذا فإنَّ جريراً في سخريته السابقة من األخطل والتغلبيين والنصارى‪ ،‬يتخذ من‬
‫طقوسهم وعاداتهم ومشاعرهم" سبيالً للداللة على الضعة والغربة واالنتباذ في قلب‬
‫( )‬
‫الجماعة العربية"‪.‬‬
‫وفي إطار السخرية من النصارى نجد جريراً يسخر من األخطل من خالل دفع‬
‫الجزية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ل الصَّاغِرِ‬
‫وَاَخْسَ ْأ بِمَنْزِلَ ِة الذَّلِ ْي ِ‬ ‫ب‬
‫ع الفِخَارَ بِتَغْلِ ٍ‬
‫ّد الجَزَى وَ َد ِ‬
‫أ ِّ‬
‫وقد تجلت السخرية في هذا البيت من خالل استنادها إلى ثنائية (الجزية والذل)‪،‬‬
‫وهي تقودنا إلى أنَّ األخطل وقومه رضوا بدفع الجزية‪ .‬والجزية هنا هي قرينة‬
‫العبودية والتبعية والدونية والذل‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ جريراً يرسم معنى ساخراً‬
‫من ديانة التغلبيين للداللة على دونيتهم عن سائر العرب‪ .‬وجرير يتخذ من نصرانية‬
‫األخطل وسيلة يدلل بها على ضعف األصالة العربية والحسب والسؤدد عند‬
‫األخطل‪ ،‬ومن ثم إلصاق الذل والدونية به وبقومه‪.‬‬
‫وفي إطار سخرية جرير من األخطل النصراني فإنَّه يتخذ من اإلجماع‬
‫اإلسالمي على ترك المحرمات طريقاً للسخرية من استحالل المحرمات ومنها‪:‬‬
‫الخمر وأكل لحم الخنازير‪ ،‬حيث يقول جرير ساخرًا منها‪:‬‬
‫وَبِالبشْرِ قَتْلَى لَ ْم تُطَهَّرْ ثِيَابُهَا‪.‬‬ ‫ك نَشْوَةٌ‬
‫ت بِرَأْسِ َ‬
‫ك مَالَ ْ‬
‫أَبَا مَالِ ٍ‬
‫مَغَانِ ُم يَوْ ِم البِشْرِ يُحْوَى نِهَابُهَا‪.‬‬ ‫ب‬
‫ظَلَلْتَ تَقِي ُء الخَنْدَرِ ْيسَ وَتَغْلِ ٌ‬
‫ث ِكلَابُهَا‪.‬‬
‫ن زَأْ ِر لَيْ ٍ‬
‫ت مِ ْ‬
‫وَقَ ْد حَجَرَ ْ‬ ‫تَمَنَّتْ خَنَازِيْ ُر الجَزِيْرةِ حَرْبَنَا‬
‫(‪)4‬‬
‫ص نَابُهَا‪.‬‬
‫ل الخَنَانِيْ ِ‬
‫قَدِ اخْضَرَّ مِنْ أَ ْك ِ‬ ‫أَيَفْخَرُ عَبْ ٌد أُمُّهُ تَغْلِبِيَّ ٌة‬

‫( ) حاوي‪ ،‬إيليا‪ ،‬فن الهجاء وتطوره عند العرب‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬د‪.‬ت) ‪ ،‬ص ‪.478‬‬
‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.407‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.24-2‬‬
‫‪166‬‬

‫فسخرية جرير من األخطل والتغلبيين في إطار الخمر وأكل لحم الخنزير يتجلى‬
‫فيها البعد الديني لكونهما محرمين‪ ،‬فهم خارجون عن جماعة العرب والمسلمين؛‬
‫ألنّهم اعتنقوا النصرانية ديناً‪ ،‬ومارسوا احتساء الخمر وعاقروها‪ ،‬وفي احتساء‬
‫الخمر ضعفٌ وانصرافٌ عن القتال‪ ،‬فهم ليسوا فرسان ًا‪ ،‬والعرب مشهودٌ لهم‬
‫بالفروسية‪ .‬وأما الخنزير ففي أكله قذارةٌ وبعدٌ عن الغيرة اإلنسانية‪ ،‬ومن ثم انتفاءٌ‬
‫أن جريراً سخر من األخطل والتغلبيين عن طريق‬
‫للمروءة والنخوة‪ .‬ومن هنا نالحظ َّ‬
‫شرب الخمر وأكل لحم الخنزير؛ لكي يرسم لهم صفة الغربة والدونية في المجتمع‬
‫العربي واإلسالمي‪.‬‬
‫وفي إطار السخرية القائمة على ثنائية (اإلسالم واليهودية)‪ ،‬نجد أرطأة بن‬
‫سهية المري يسخر من شبيب بن البرصاء وقبيلته من خالل تأطيرهم ضمن قبائل‬
‫اليهود‪ ،‬وفي هذا منقصةٌ لهم‪ ،‬وربَّما يكون لبياضهم من البرص سبباً لجعلهم شبيهاً‬
‫ببياض اليهود وحمرتهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫هَجَانَا ابنُ بَرْصَاء اليدينِ شَبِيْبُ‪.‬‬ ‫أَلَا مَبلغ فتيان مرَّة أنَّهُ‬
‫تشابه منها نَاشِئُونَ وَشَبِيْبُ‪.‬‬ ‫ن يَهُوْ ٍد قَبِيْلَةٌ‬
‫ف مِ ْ‬
‫ل عَوْ ٍ‬
‫وفِي آ ِ‬
‫( )‬
‫جَنِيْن ًا لِآبائي وَأَنْتَ جَنِيْبُ‪.‬‬ ‫ك وَلَمْ يَزِلْ‬
‫ن أَبِيْ َ‬
‫ي كَانَ خَيْراً مِ ْ‬
‫أَبِ ْ‬
‫وتجلت سخرية العقائد المحرفة في الشعر األموي أيضاً عبر ثنائية‬
‫(التقوى والحرام)‪ ،‬حيث سخر الشعراء ممن يقعون في المحرمات‪ ،‬ويبتعدون عن‬
‫القيم الدينية والتقوى ‪ ،‬وفي هذا اإلطار نجد جريراً يسخر من قصر قامة الفرزدق‪،‬‬
‫ويرميه بالزنا‪ ،‬مستفيداً بذلك من الموروث الجاهلي‪ ،‬فقد جاء في أمثال العرب" هو‬
‫أزنى من قردٍ" ( )‪ ،‬وفي هذا المعنى يقول جرير‪:‬‬
‫ت بِوَزْوَازٍ قَصِيْ ِر القَوَائِمِ‪.‬‬
‫وَجَاءَ ْ‬ ‫ُم الفرزدقِ فَاجِراً‬
‫ت أ ُّ‬
‫لَقَ ْد وَلَدَ ْ‬

‫( ) شعر أرطأة بن سهية المري‪ ،‬ص ‪. 9‬‬


‫( ) الميداني‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن محمد‪ ،‬مجمع األمثال‪ ،‬ج ‪ ،‬ص‪20،‬‬
‫‪167‬‬

‫لِيَأْمَنَ قِرْدًا لَيْلُ ُه غَيْرُ نَائِمِ‪.‬‬ ‫وَمَا كَانَ جَا ٌر للفرزدقِ مُسْلِمٌ‬

‫( )‬
‫لِيِرْقَى إِلَى جَارَاتِهِ بِالسَّلَالِمِ‪.‬‬ ‫َصلُ حَبْلَيْ ِه إِذَا جَنَّ لَيْلُ ُه‬
‫يُو ِّ‬

‫وفي إطار عدم التزام الشعراء المسخور منهم بتعاليم اإلسالم وقيمه‪ ،‬يقول‬
‫جرير ساخراً من البعيث الذي ال يقرأ القرآن‪ ،‬وال يتخلق بآدابه الفاضلة‪:‬‬

‫( )‬
‫لَا يَقْرَآنِ بِسُوْرَ ِة األَحْبَارِ‪.‬‬ ‫س‬
‫ع ٍ‬
‫ِن البَعِيْثَ وَعَبْدَ آلِ مُقَا ِ‬
‫إ َّ‬

‫فسخرية جرير من البعيث وآل مقاعس تتمثل في "تعريضه بغدر هؤالء ونكثهم‬
‫للعهود‪ ،‬فهم ال يتلون سورة المائدة لِئَلَّا يستفتحوا باآلية األولى منها وهي قوله‬
‫تعالى‪(:‬أوفوا بالعقود)‪ ،‬تلك اآلية القرآنية التي ترسخ مبدأً إسالمياً في ضرورة الوفاء‬
‫بالعهود" (‪)4‬؛ ألنَّ تلك اآلية والسورة تتعارض مع ما جبلت عليه نفوسهم من الخيانة‬
‫والغدر‪ ،‬فليس لهم أمانٌ وال ميثاقٌ وال عهدٌ‪ ،‬ولهذا فهم منصرفون عن اآلية‬
‫والسورة‪ ،‬بل القرآن كله‪.‬‬

‫أمَّا الحكم بن عبدل األسدي فقد سخر من (عراجة) الذي كان مستهتراً بالدين‬
‫رغم كبر سن ه‪ ،‬فلم يردعه المشيب وكبر السن‪ ،‬فقال الحكم ساخراً من فسقه‪،‬‬
‫ومصوِّرًا استحالة صالحه من غيه‪:‬‬

‫ج المِسْمَارِ‬
‫ب تَعَوِّ َ‬
‫بَعْ َد المَشِيْ ِ‬ ‫ج دِيْنُ ُه‬
‫أَضَحَى عرَاجةُ قَ ْد تَعَوَّ َ‬

‫(‪)8‬‬
‫ت قَوَائِمُهُ ب‪ .. .‬حِمَارِ‪.‬‬
‫فُرِجَ ْ‬ ‫ت إِلَى عرَاجَةَ خِلْتَهُ‬
‫وَإِذَا نَظَرْ َ‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.2 0-227‬‬


‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.4 7‬‬
‫(‪ )4‬باز‪ ،‬أحمد عبدالعزيز‪ ،‬شعر جرير‪-‬دراسة أسلوبية‪( ،-‬رسالة ماجستير) ‪( ،‬القاهرة‪ ،‬قسم اللغة العربية‪ ،‬كلية‬
‫دار العلوم‪ ،‬جامعة القاهرة‪ 00 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫(‪ )8‬شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص‪. 04‬‬
‫‪168‬‬

‫فالسخرية من استحالة تعديل حالة المسخور منه الدينية‪ ،‬فهو كاعوجاج‬


‫المسمار في العمل‪ ،‬فإن اُكره على النفاذ انكسر‪ ،‬وإن طلب استبداله بآخر أقوى منه‬
‫تعسر‪ ،‬فكذلك حالة عراجة في اعوجاج دينه والتوائه في الفسق والعصيان‪.‬‬
‫وتجلت سخرية القيم الدينية في العصر األموي من خالل االعتماد على‬
‫ثنائية (الردة والفتنة)‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد جريراً يسخر من ضعف الوازع الديني‬
‫عند الفرزدق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫َل مُصَلٍّ للصَلَا ِة وَكَبَّرَا‪.‬‬
‫أَه َّ‬ ‫ح اهللُ الفرزدقَ كُلَّمَا‬
‫أَلَا قَبَ َ‬
‫هلل الحَرَا ِم المُطَهَّرَا‪.‬‬
‫وَلَا مَسْجِ َد ا ِ‬ ‫ن وَلَا الصَّفَا‬
‫فَلَا يَقْرَبَنَّ المَرْوَتَيْ ِ‬
‫( )‬
‫ن نَصْرَانِيَّةٍ لَتَنَصَّرَا‪.‬‬
‫عَلَى دِيْ ِ‬ ‫فإنَّكَ لَوْ تُعْطِي الفرزدقَ دِرْهَمًا‬
‫فالسخرية تتجلى في أنَّ الفرزدق لوضاعته وحقارته‪ ،‬يبيع نفسه ودينه بدرهم‬
‫واحد‪ ،‬فيتخلى عن اإلسالم إلى النصرانية‪.‬‬
‫ومن أمثلة سخرية الردة والفتنة ما قاله الطرماح ساخراً من قبيلة تميم التي كانت‬
‫سبَّاق ًة لالرتداد والفتنة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ِز الَيمَامَةِ حَلَّتِ‪.‬‬
‫ت ع َّ‬
‫فَلَمَّا أَتَ ْ‬ ‫ح بِقَوْمِهَا‬
‫لَعَمْرِي لَقَ ْد سَارَتْ سَجَا ُ‬
‫( )‬
‫ت تَمِيْمٌ حَوْلَهُ وَاحْزَأَلَّتِ‪.‬‬
‫لَزَافَ ْ‬ ‫ج الدَّجَالُ يَنْشُ ُد ذِمَّ ًة‬
‫وَلَوْ خَرَ َ‬
‫فسخرية الطرماح تتجلى في أنَّ قبيلة تميم هي أول من تابع سجاح بنت الحارث‬
‫بن سويد وصدقها حينما ادَّعَتْ النبوة بعد وفاة النبي محمد صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫ال عن أنَّ قبيلة تميم هم أصحاب الحجرات الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم‪.‬‬
‫فض ً‬
‫واعتمد الشعراء األمويون على بعض الفروض والقيم الدينية في سخرية الذعة‬
‫ينالون بها من خصومهم‪ ،‬فهذا جرير يسخر من الفرزدق الذي يقدِّس الحدادة‪ ،‬حيث‬
‫يقول ساخراً منه‪:‬‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪. 84‬‬


‫( ) ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪.9 ،94‬‬
‫‪169‬‬

‫( )‬
‫تَزُوْ ُر القَيْنَ حَجّ ًا وَاعْتِمَارَا‪.‬‬ ‫ن لَيْلَى‬
‫ك يَا فرزدقُ دِيْ ُ‬
‫فَدَيْتُ َ‬
‫فسخرية جرير للفرزدق قائمة على البعد الديني المتمثل في الحج والعمرة‬
‫والزيارة‪ ،‬حيث يسخر جرير من هذه الحرفة الوضيعة(الحدادة)‪ ،‬التي ترقى عند‬
‫الفرزدق إلى مصاف العبادات‪ ،‬فهي مقدسة عنده‪ ،‬كما أنَّ فيها سخرية أخرى تتمثل‬
‫في أنَّ الفرزدق ال يزور أماكن الحج والعمرة‪ ،‬بل يتردد على محالت الحدادة التي‬
‫جعلها مزاراً مفضالً عنده‪.‬‬
‫‪-2‬سخرية ألفاظ المأكل والمشرب‪:‬‬
‫استخدم كثير من شعراء العصر األموي أنواع المأكوالت والمشروبات‬
‫السائدة في عصرهم مادةً للسخرية‪ ،‬والمتتبع لسخرية الشعراء في هذا الموضوع يجد‬
‫أنها كانت تُبنى على ثنائية (المأكل والمحرَّم)‪ ،‬و(المأكل والدونية)‪ ،‬و(المشرب‬
‫والمحرَّم)‪ ،‬و(المشرب والحضارة الفنية)‪ .‬ومن خالل تلك الثنائيات ارتسمت السخرية‬
‫عندهم للمأكوالت والمشروبات‪.‬‬
‫سخرية المأكل‪:‬‬ ‫(أ)‬
‫تأسست سخرية الشعراء للمأكل في عصرهم باالعتماد على ثنائية المأكل‬
‫والمحرَّم‪ ،‬وقد تجلت هذه الثنائية بدرجة أساسية في أكل لحم الخنزير كمأكول ساخر‬
‫في هذا العصر‪ ،‬وبخاصة أنَّ المجتمع العربي كان إسالمياً‪ ،‬حيث إنَّ من يتناول لحم‬
‫الخنزير يُعَدُّ خارجاً عن تقاليد العرب‪ ،‬وعن تعاليم الدين اإلسالمي وشرائعه‬
‫وعباداته ونسكه وفقهه‪.‬‬
‫وقد حمل لفظ الخنزير دالالت ساخرة ومقززة في آنٍ‪ ،‬فهي الدالة على البهيمية‬
‫والقذارة والغباء؛ ألنَّ الخنزير ال تقيم إلّا في الحمأ‪ ،‬وال تنعم إلَّا به‪ .‬وفي هذا يقول‬
‫جرير ساخراً من األخطل والتغلبيين عبر لفظ الخنزير‪:‬‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 4‬‬


‫‪171‬‬

‫وَلَا مِ ْثلَ حَوْضَيْنَا جِبَايَةَ ُمجْتَبِي‪.‬‬ ‫ل فِعَالِنَا‬


‫فَمَا وَجَ َد الخِنْزِيْ ُر مِ ْث َ‬

‫ص الكُنَاسَةِ وَاشْرَبِ‪.‬‬
‫ن خَنَانِيْ ِ‬
‫ل مِ ْ‬
‫فَ ُك ْ‬ ‫ل عَلَيْكُمُ‬
‫ضٌ‬‫ك للحَيِّ فَ ْ‬
‫أَبَا مَالِ ٍ‬
‫( )‬
‫رَبِيْعَ ُة وَزْنٌ مِنْ تَمِيْمٍ تُكَذَّبِ‪.‬‬ ‫ل‬
‫ن تَ ُق ْ‬
‫بإْ‬
‫ك يَا خِنْزِيْرَ تَغْلِ َ‬
‫فَإِنَّ َ‬
‫فالسخرية من قذارة الخنزير‪ ،‬ومن غبائها‪ ،‬فأكلها يورث صفاتها الدونية والمذمومة‪.‬‬
‫وفي موضع آخر يسخر جرير من أكل لحم الخنزير وآثاره السلبية على النساء‬
‫التغلبيات‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫‪ .. .‬طَوِ ْيلٌ وفي بَاعِ اِبْنِهَا قِصَرُ‪.‬‬ ‫ي عَبَاءَتِهَا‬
‫والتَغْلِبِيَّ ُة فِي ثِنْ َي ْ‬
‫لَحْ ُم الخَنَازِيْ ِر يَجْرِي فَوْقَ َه السَّكَ ُر‪.‬‬ ‫ن كُلِّ مُخْضَرَّةِ األَنْيَابِ قَعَّرَهَا‬
‫مِ ْ‬
‫( )‬
‫خفَرُ‪.‬‬
‫وَلَا جَمَالٌ وَلَا دِيْنٌ وَلَا َ‬ ‫ب‬
‫ن تَغْلِبَ لَا حِلْ ٌم وَلَا حَسَ ٌ‬
‫نِسْوَا ُ‬
‫فسخرية جرير من أكل الخنزير قد رسمها في نسوة تغلب من خالل األنياب‬
‫والتقعير؛ فداللة األنياب تكون في الحيوانات‪ ،‬كما أنَّ كثرة أكل لحم الخنزير قد‬
‫جعلهنَّ من ذوات الكروش الكبيرة‪ ،‬فالبهيمية المكتسبة من الخنزير قد ارتسمت في‬
‫نسوة تغلب‪ ،‬فضالً عن السلوك البهيمي فهو مرسوم فيهنَّ‪ ،‬فهُنَّ يأكلن ويشربن أدنى‬
‫األشياء‪ ،‬ومن الثابت قوله إنَّ التقعر للبطن" ال يصل إلى هذه المرحلة إلّا بالمداومة‬
‫والكثرة" (‪ ،)4‬وقد أفاد الفعل المضارع (يجري) داللة استمرارية الشرب واألكل‪ ،‬كما‬
‫ارتسمت صورة أكل لحم الخنزير المحرَّم في نسوة تغلب بكونهنَّ أصبحن قبيحات‬
‫المنظر‪ ،‬ومجردات من كل فضيلة ومكرمة‪ ،‬وهذه القذارة فيهنَّ تعود ألكلهنَّ لحم‬
‫الخنزير‪.‬‬
‫وعلى المنوال التصويري الساخر نفسه للبعد الديني ألكل لحم الخنزير‪ ،‬فإنَّ‬
‫جريراً أصبح يسخر من تطبّع التغلبيين بطباع الخنازير من خالل بعد الغيرة عنهم‪،‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬


‫‪.‬‬ ‫‪4-‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫(‪ )4‬عويز‪ ،‬إنتصار حسين‪ ،‬فن السخرية عند جرير‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪171‬‬

‫وانتفاء الفروسية منهم‪ ،‬فضالً عن قذارتهم‪ ،‬وعلى هذا أصبح يطلق عليهم تسمية‬
‫الخنزير‪ ،‬ويلقبهم بها على سبيل السخرية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ث كِلَابُهَا‪.‬‬
‫ن زَأْ ِر لَيْ ٍ‬
‫ت مِ ْ‬
‫وَقَ ْد حَجَرَ ْ‬ ‫ت خَنَازِيْ ُر الجزير ِة حَرْبَنَا‬
‫تَمَنَّ ْ‬
‫( )‬
‫ت بِحَبْلَيْ ذِي مُعَاسَرَةٍ شَغْبِ‪.‬‬
‫عَلِقْ َ‬ ‫تَعَذَّرْتَ يَا خِنْزِيْ َر تَغْلِبَ بَعْدَ مَا‬
‫فاأللقاب الساخرة تجلت في قوله (خنازير الجزيرة‪ ،‬خنزير تغلب)‪.‬‬
‫وفي إطار سخرية المأكل ظهرت ثنائية (المأكل والدونية)‪ ،‬ومن أمثلة المأكل‬
‫الدوني ما صوَّره جرير من أكل الخزير عند المجاشعيين‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫خُوْ ٌر إذَا أَكَلُوا خَزِيْراً ضَفْدَعُوا‪.‬‬ ‫س ياَ نَوَاْ ُر مُجَاشِعٌ‬
‫س الفَوَا ِر ُ‬
‫بِ ْئ َ‬
‫( )‬
‫ل يُخْفَعُ‪.‬‬
‫رَغَدًا وَضَيْفُ بَنِي عِقَا ٍ‬ ‫خ الخَزِيْ ُر بُطُوْنَهُمْ‬
‫يَغْدُوْنَ قَدْ نَفَ َ‬
‫فالسخرية تتجلى مما يحدثه الخزير في بطونهم من انتفاخ‪ ،‬وما يصدره من قرقرة‬
‫في البطن وأصوات أدبارهم‪.‬‬
‫ومن صور المأكل الدوني ما قاله عبد اهلل بن همَّام السلولي‪ ،‬يصور ما آل إليه‬
‫حال الناس من الخنوع في عهد األمويين‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ن لَنْ نَعُوْدَ كَمَا غَنِينَا‪.‬‬
‫وَلَكِ ْ‬ ‫ن لَنَا أُنُوْفاً‬
‫فَيَا لَهْفِي لَ ْو أ َّ‬
‫بِمَكَّ َة تَلْحَسُوْنَ بِهَا السَّخِيْنَا‪.‬‬ ‫إذًا لَضُرِبْتُمْ حَتَّى تَعُوْدُوا‬
‫(‪)4‬‬
‫دِمَا َء بَنِي أُمَيَّةَ مَا رُوِيْنَا‪.‬‬ ‫ظ حَتَّى لَوْ شَرِبنَا‬
‫حُشِيْنَا الغَيْ َ‬
‫حيث تجلت السخرية من الحالة المأساوية للرعية في عهد يزيد بن معاوية‪ ،‬التي‬
‫وصلت بهم إلى أكل السخينة‪ ،‬وهو طعام يتخذ من الدقيق والسمن‪ ،‬أغلظ من الحساء‪،‬‬
‫وأرق من العصيدة‪ ،‬حيث كانت قريش تكثر من أكلها‪ ،‬فَعُيِّرتْ بها حتى سُمُّوا‬
‫سخينة‪ ،‬وهي تؤكل عادة في شدة الدهر وغالء األسعار وعجف المال‪.‬‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.27 ،24‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.487‬‬
‫(‪ )4‬شعر عبد اهلل بن همام السلولي‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫‪172‬‬

‫وعلى المنوال الساخر نفسه من أكل قريش للسخينة‪ ،‬نجد النجاشي الحارثي‬
‫يسخر من مأكلهم الدوني‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫قَدِيماً وَلَ ْم تُعْرَفْ بِمِجْدٍ وَلَا َكرَمْ‪.‬‬ ‫س لُؤْمَهَا‬


‫ف النَّا ُ‬
‫سَخِينَ ُة قَوْمٍ يَعْرِ ُ‬

‫( )‬
‫َظ إِلَّا رَعِيَّ ُة الشَّا ِء والنَّعَمْ‪.‬‬
‫ن الح ِّ‬
‫مِ َ‬ ‫س وَمَالَهُ ْم‬
‫س نَا ٌ‬
‫وَعَهْدِي بِهِم فِي النَّا ِ‬

‫فسخرية النجاشي تتجلى في تباهي قريش بالسيادة والشرف‪ ،‬وهم يأكلون‬


‫السخينة‪ ،‬وهو بهذا التباهي ينفي عنهم الكرم والمجد‪ ،‬حيث جعلهم بمأكلهم الدوني‬
‫رعاة للشياه‪ ،‬ولهذا فإنَّ سخرية النجاشي من أكل قريش للسخينة "تعبر عن تفاهتهم‬
‫( )‬
‫وبالدتهم‪ ،‬فتسفهم‪ ،‬وتزري بهم‪ ،‬وتحط من قدرهم‪".‬‬

‫ومن صور المأكل الدوني ما قاله جرير ساخرًا من البعيث‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫حَرْب ًا عَلَيْكَ ثَقِيْلَةَ األَجْرَامِ‪.‬‬ ‫ن آكلة النُخَالَةِ قَ ْد جَنَى‬
‫ِن ابْ َ‬
‫إ َّ‬

‫فالبعيث يلقَّب على سبيل السخرية من جهة أمه بابن آكلة النُخالة‪ ،‬وهو بقايا نخل‬
‫الطعام واألكل‪ ،‬وفي هذا اللقب منقص ٌة له وألمه‪.‬‬

‫ومن صور المأكل الدوني ما قاله األخطل ساخرًا من أكل القيسيين‪:‬‬

‫ن زَادُكُمْ فِيْهَا فَصِيْدَ األَبَاعِرِ‬


‫يَكُ ْ‬ ‫وَسِيْرُوا إلى األَرْضِ التي تَعْرِفُوْنَهَا‬

‫(‪)8‬‬
‫ل أَ ْهلَ المفَاقِرِ‬
‫س اللَّيْ َ‬
‫يَبِيْتُ يَ ُع ُ‬ ‫ب وابنَ العَيْ ِر والبَاقِ َع الذي‬
‫كُلُوا الكَلْ َ‬

‫( )‬
‫ديوان النجاشي الحارثي قيس بن عمرو‪ ،‬صنعة وتحقيق‪ :‬صالح البكاري‪ ،‬الطيب العشاش‪ ،‬سعد غراب‪،‬‬
‫ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة المواهب للطباعة والنشر‪ 8 7 ،‬ه ‪ 777-‬م) ‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫( )‬
‫زغريت‪ ،‬خالد‪ ،‬جذور الضحك في التراث العربي‪ ،‬مجلة جذور‪( ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي‪ ،‬الجزء (‪ ، ) 9‬المجلد‬
‫‪.‬‬ ‫) ‪ 840 ،‬ه ‪ 007 -‬م) ‪ ،‬ص ‪8‬‬ ‫(‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 48- 44‬‬ ‫(‪)8‬‬


‫‪173‬‬

‫فسخرية األخطل من مأكل القيسيين تتجلى في أكلهم لفصيد األباعر‪ ،‬وهو‬


‫مصران يمأل من دم الناقة يطبخ ويؤكل‪ ،‬فضالً عن أكل الكلب والبعران والضبع‬
‫والغراب‪ ،‬فاألخطل يزري بهم من خالل مطعمهم الخبيث‪ ،‬فهم يأكلون ما ال يؤكل‬
‫من خبيث الزاد‪ ،‬مما يدل على هوانهم وخسة مأكلهم‪ ،‬فهم قومٌ أذالء‪ ،‬ال شأن وال‬
‫هيبة لهم بين أحياء العرب‪.‬‬
‫وعلى المنوال التصويري نفسه للمأكل الدوني للمسخور منهم الذي يتجلى من‬
‫خالله بخل المسخور منهم وتقتيرهم‪ ،‬ما يقوله القطامي في سخريته من مأكل بني‬
‫محارب‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫من الحَيِّ قَالَتْ‪ :‬مَعشَرٌ مِنْ مَحَارِبِ‪.‬‬ ‫فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الحديثَ سَأَلْتُهَا‬
‫( )‬
‫س لَ ْيسَ بِنَاضِبِ‬
‫ف النَّا ِ‬
‫جِيِاعًا وَرِيْ ُ‬ ‫ِد ممَّا تَرَاهُمُ‬
‫ن المُشْتَوِيْنَ الق َّ‬
‫مِ ِ‬
‫ومن صور المأكل الدوني أيضاً ما يصوره جرير في أكل ميجاس البرجمي‪ ،‬حيث‬
‫يقول ساخراً من طعامه الحقير‪:‬‬
‫( )‬
‫ك يَا ابْنَ آكِلَةٍ سَلَاهَا‪.‬‬
‫بِضَأْنِ َ‬ ‫أَمِيجَاسَ الخبائثِ عَدِّ عَنَّا‬
‫فالسخرية من مأكل األم الوضيعة التي تأكل ما يخرج من جسدها وجسد أغنامها من‬
‫فإن جريرًا قد رسم الزراية بأم المسخور منه من خالل مأكلها‬
‫أقذار وفضالت‪ ،‬ولهذا َّ‬
‫الخبيث‪.‬‬
‫(ب)سخرية المشرب‪:‬‬
‫تجلت في إطار سخرية المشرب ثنائية (المشروب والمحرَّم)‪ ،‬و(المشروب‬
‫والحضارة)‪ ،‬وقد ظهرت في ثنائية المشرب والمحرَّم الخمر كمشروب متميز‪ ،‬حيث‬
‫تجلى فيها البعد الديني المحرَّم للخمر‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد جريراً يدعو ساخراً على‬
‫شاربيها بالقبح‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( ) ديوان القطامي‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمود الربيعي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ 00 ،‬م)‪،‬‬
‫ص‪. 48‬‬
‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.274‬‬
‫‪174‬‬

‫قُبْح ًا لِذَلِكَ شَارِب ًا مَخْمُوْرَا‪.‬‬ ‫ل أُمَّهُ مَخْمُوْرَ ًة‬


‫طُ‬
‫ي األُخَيْ ِ‬
‫لَ ِق َ‬

‫( )‬
‫ك النَّشَوَاتُ بَالَا‪.‬‬
‫ت لَ َ‬
‫فَلَا نَعِمَ ْ‬ ‫ث‬
‫ت الخَمْرَ بَعْ َد أَبِي غُوَيْ ٍ‬
‫شَرِبْ َ‬

‫فالسخرية تكمن في تقبيح األخطل وأمه عندما شربا الخمر‪ ،‬فقد ذهب الخمر‬
‫بوعيهما وإدراكهما‪ ،‬ولهذا فقد أصبح بعيداً عن الفروسية‪ ،‬حيث انتهكت محارمه‪،‬‬
‫فهو في صورة البهيمة من جراء تناول الخمر‪ ،‬وهو ما يتعارض مع القيم اإلسالمية‪،‬‬
‫ولهذا فإنَّ الخمرة تُعَدُّ رمزاً "لقلة القدر وضعف الهموم المتصلة بالكرامة وعزة‬
‫النفس "( )‪ ،‬ومن ثم أصبح األخطل المخمور وأمه في حالة عزلة عن المجتمع‬
‫اإلسالمي وقيمه وشيمه األصيلة‪ ،‬وهو ما يوحي بدونيته وهامشيته اجتماعياً‪.‬‬

‫إنَّ شرب الخمرة من األخطل أصبحت مدعاة للسخرية والتهكم‪ ،‬فقد عَدَّ جرير‬
‫ذلك منقصة ينال بها من األخطل‪ ،‬ويسخر منه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ت وَفِي العَدُوِّ ذُحُ ْولُ‪.‬‬


‫ُم انْتَهَيْ َ‬
‫ث َّ‬ ‫ت عَلَيْهِ ُم‬
‫ك إذْ حَضَضْ َ‬
‫ت قَوْمَ َ‬
‫أَهْلَكْ َ‬

‫بِالحَضْرِ تَشْرَبُ تَارةً وَتَبُ ْولُ‪.‬‬ ‫ب دِمْنَ ٍة‬


‫ت مَوْتُوْراً وَطَالِ َ‬
‫قُبِّحْ َ‬

‫(‪)4‬‬
‫ك ثِ ْيلُ‪.‬‬
‫َن أَنْفَ َ‬
‫ن كَأ َّ‬
‫سَكَ َر الدَّنَا ِ‬ ‫وَشَرِبْتَ بَعْ َد أَبِي ظَهِيْرَةَ وابْنِ ِه‬

‫فسخرية جرير لألخطل تتجلى من خالل توبيخه‪ ،‬بوصفه غبيّاً سخيفاً وقليل العقل؛‬
‫ألنَّه لم يثأر لوالده وأخيه‪ ،‬ويرجع ذلك التخاذل عند األخطل بسبب مداومته على‬
‫شرب الخمر‪ ،‬فحياته كما وصفها جرير‪ -‬ساخراً‪ -‬بأنَّها عبارة عن شرب الخمر‬
‫والتبوّل‪ ،‬فهو بهذا يكون في عداد البهائم التي تأكل وتشرب‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ‬
‫الخمر عند األخطل أصبحت مقدسةً‪ ،‬وأكثر عزّاً وقرابةً من أبيه‪ ،‬حتى صار أنفه‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8 8 ، 74‬‬


‫( ) حاوي‪ ،‬إيليا‪ ،‬فن الهجاء وتطوره عند العرب‪ ،‬ص ‪.479‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.899‬‬
‫‪175‬‬

‫كالثيل‪ ،‬وهو وعاء ذكر البعير‪ ،‬وجرير يسعى من خالل إطالق الثيل على أنف‬
‫األخطل إنَّما "يثير ضحك المتلقي عليه بأن جمع إلى الجبن وضعف العزيمة وقلة‬
‫( )‪.‬‬
‫وجرير بهذا الوصف الساخر قد‬ ‫العقل وجهاً دميماً محتقراً حتى يقبِّحه كل سامع"‬
‫ألصق القبح والتحقير باألخطل بسبب إدمانه للخمر‪ ،‬وهو ما دلت عليه األفعال‬
‫ت‪،‬‬
‫الماضية والمضارعة للمخاطب المسخور منه‪ :‬أهلكتَ‪ ،‬انتهيتَ‪ ،‬حضضتَ‪ ،‬قُبّح َ‬
‫شربتَ‪ ،‬تبولُ‪ ،‬تشربُ‪.‬‬
‫وحملت الخمرة صورة ساخرة قائمة على ثنائية (الخمر والحضارة)‪ ،‬حيث‬
‫صوَّر هذا النوع من السخرية الصور السيئة للعرب في سجستان بفارس؛ بسبب‬
‫تناولهم الخمر‪ ،‬وعلى هذا فإنَّ الخمر في نظر بعض الشعراء تُعَدُّ رمزاً للحضارة‬
‫وقيم الفن‪ .‬ومن هذا المنطلق فقد سخر الشعراء ممن ال يحسنون آداب الخمر‬
‫ومعاقرتها‪ ،‬وممن أفرطوا في شربها‪ ،‬فهذا أبو جلدة اليشكري يسخر من العرب‬
‫الذين حلُّوا في سجستان‪ ،‬والذين كانوا يفرطون في تناول الخمر‪ ،‬حيث قال ساخرًا‬
‫منهم‪:‬‬
‫أَقَلَّ بَنِي سَعْدٍ حَصَادًا وَمَزْرَعَا‪ِ .‬‬ ‫ل لِذَوِي سَيْفٍ وَسَيْفٍ أَلَسْتُ ْم‬
‫ُق ْ‬
‫َي أَصْبَحْنَ وُقَّعَا‪.‬‬
‫ت الح ِّ‬
‫عَلَى عذرا ِ‬ ‫كَأَنَّكُ ْم جُعْلَانُ دَارِ مقام ٍة‬
‫ل مِنْهَا فَوْقَ مَا كَانَ إِصْبَعَا‪.‬‬
‫تَطَاوَ َ‬ ‫ف في سجستان نُهْزَةً‬
‫ل سَيْ ٌ‬
‫لَقَدْ نَا َ‬
‫شعَا‪.‬‬
‫شعْ َ‬
‫ب المُ َ‬
‫لَهُ سٌرَّ ٌة تُسْقَى الشَّرَا َ‬ ‫ب الزِّنَا والخَمْرَ حَتَّى لَقَ ْد نَمَتْ‬
‫أَصَا َ‬
‫ت إِبْرِيْقاً بِكَفِّكَ مُتْرَعَا‪.‬‬
‫َولَا سُقْ َ‬ ‫ن الخَمْرِ مَا ذُقْتَ طَعْمَهَا‬
‫فَلَوْلَا هَوَا ُ‬
‫ض عَلَيْهَا فَيُطْعِمَا‪.‬‬
‫أَ ُبوْكَ وَلَمْ يُعْرَ ْ‬ ‫ن عَزِيْزَ ًة‬
‫كَمَا لَ ْم يَذُقْهَا أنْ تَكُوْ َ‬
‫( )‬
‫إذا ما المغني للذّاذ ِة أسْمَعَا‪.‬‬ ‫ب أَ ْو مِنْ وَرَائِهِ‬
‫ن الكَلْ ِ‬
‫وَكَانَ مَكَا ُ‬

‫( ) عويز‪ ،‬إنتصار حسين‪ ،‬فن السخرية عند جرير‪ ،‬ص ‪. 8‬‬


‫( ) شعراء أمويون‪ ،‬ص ‪.489‬‬
‫‪176‬‬

‫فالسخرية في األبيات السابقة قد رسمها أبو جلدة اليشكري للعرب المفرطين في‬
‫تناول الخمر‪ ،‬ومنهم الذي أسماه سيفاً‪ ،‬حيث تتعالى السخرية في قوله (نمت له سرة‬
‫تسقى الشراب المشعشعا)؛ فبسبب إفراطه في تناول الخمر نمت له تلك السرة‪ .‬ولهذا‬
‫يمكن القول إنَّ السخرية في شعر الخمرة في سجستان قد رسمت "صورة اجتماعية‬
‫( )‬
‫سيئة لحياة العرب في سجستان"‬

‫أما الوليد بن يزيد فقد رسم صورة ساخرة ألم حكيم‪-‬والدة يزيد بن هشام بن‬
‫عبد الملك‪-‬بسبب كثرة شربها للخمر‪ ،‬حيث يقول عنها‪:‬‬

‫س أُمِّ حَكِيْمِ‪.‬‬
‫س كَكَ ْأ ِ‬
‫لَ ْيسَ كَ ْأ ٌ‬ ‫س رَوَاءٌ‬
‫س العَجُوْزِ كَ ْأ ٌ‬
‫إِنَّ كَ ْأ َ‬

‫ج عَظِيْمِ‪.‬‬
‫فِي إِنَاءٍ من الزُّجَا ِ‬ ‫ب الرَّسَّاطون صِرْفًا‬
‫إنَّها تَشْرَ ُ‬

‫ل لَظَلَا في سَكْرَةٍ وَغُمُوْمِ‬


‫ُ‬ ‫ب البَعِيْ ُر أَ ْو ال ِفيْ‬
‫لَوْ بِهِ يَشْرَ ُ‬

‫( )‬
‫قَ فَوَافَى لِذَاكَ غَيْرَ حَلِيْمِ‪.‬‬ ‫ن الطل‬
‫وَلَدَتْهُ سَكْرَى فَلَ ْم تُحْسِ ُ‬

‫فالوليد يسخر من كثرة شراب أم حكيم‪ ،‬فقد تجلت السخرية من اإلناء الكبير‬
‫الذي تشرب به‪ ،‬حيث إنَّ البعير والفيل سيظالن في سكرة طويلة لو شربا به‪ ،‬وهذا‬
‫ما يوحي بإدمانها الكثير في تناول الخمرة‪ .‬والمتأمل لسخرية الوليد بن يزيد ألم‬
‫حكيم في تناولها للخمر يرى أنَّه قد وصل فيها إلى "تكسير األنماط السلوكية؛ بمعنى‬
‫(‪)4‬‬
‫عند‬ ‫الخروج عن التقاليد‪ ،‬وما أدى إليه من ابتداع ألوان من التعبير غير مألوفة "‬
‫خلفاء بني أمية‪ ،‬وهو ما حمله على السخرية من ابن عمه الذي لم يعد مقبوالً في‬

‫( ) الغزي‪ ،‬د‪ .‬الهادي حمودة‪ ،‬الشعر األموي في خراسان والبالد اإليرانية‪( ،‬تونس‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪+‬‬
‫‪.‬‬ ‫مؤسسة الوحدة للنشر والتوزيع‪ -‬الكويت‪ 772 ،‬م) ‪ ،‬ص‪7‬‬

‫‪.‬‬ ‫( ) شعر الوليد بن يزيد‪ ،‬جمعه وحققه‪ :‬د‪ .‬حسين عطوان‪ ،‬ط ‪( ،‬عمَّان‪ ،‬مكتبة األقصى‪ 797 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪4‬‬

‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬عبداهلل‪ ،‬د‪ .‬محمد حسن‪ ،‬صورة المرأة في الشعر األموي‪ ،‬ص‬
‫‪177‬‬

‫الضمير العربي‪ ،‬وال في العرف االجتماعي‪ ،‬ولكنه بسبب الصراع على الخالفة‪ ،‬مما‬
‫يجعله يحقِّر من شأن ابن عمه عن طريق رمي أمه بسخرية الخمر‪ ،‬حيث ورث‬
‫ابنها صفاتها‪ ،‬ثم يجعل من ولدها المسخور منه وارث ًا لضعف أخالقها‪.‬‬
‫‪-6‬سخرية ألفاظ الهيئة أو الشكل‪:‬‬
‫هيئة الحاكم أو األمير‪:‬‬ ‫(أ)‬
‫جعل الشعراء في العصر األموي من الهيئة الشكلية للمسخور منه مادةً‬
‫للسخرية واالستهزاء‪ ،‬ولم تقتصر على العامة من الناس‪ ،‬بل طالت خلفاء الدولة‬
‫وأمرائها‪.‬‬
‫وفي إطار هذا النمط من السخرية‪ ،‬نقف على أبيات لمالك بن الريب‪ ،‬يسخر فيها‬
‫من حال مروان بن الحكم‪ ،‬الذي كانت تسيِّر أموره في بالط الحكم زوجته‪ ،‬فقال‬
‫مالك ساخرًا من هيئته كدمية فوق كرسي الحكم ال يقضي أمور الناس‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ت جَعْ َفرِ‪.‬‬
‫ن َما تَقْضِي لَنَا بِنْ ُ‬
‫وَلَك َّ‬ ‫ن يَقْضِي أُمُوْرَنَا‬
‫لَعَمْرُكَ مَا مَرْوَا ُ‬
‫( )‬
‫ح ِر‪.‬‬
‫ت ذَا ِ‬
‫وَلَيْتَكَ يَا مَرْوَانُ أَمْسَيْ َ‬ ‫فَيَا لَيْتَهَا كَانَتْ عَلَيْنَا أمِيْرَةً‬
‫فالسخرية تجلت من خالل تفرد زوجة مروان بن الحكم بأمور الحكم‪ ،‬وتغييبها لدور‬
‫زوجها الذي فقد هيبته ومكانته في أوساط المجتمع‪.‬‬
‫أمّا يزيد بن مفرغ الحميري فيسخر من تولية عبَّاد بن زياد بن أبيه أميراً‪ ،‬فرسم‬
‫صورة ساخرة لهيئته وهو على كرسي الحكم في اإلمارة األموية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ُم صِلَابُ‪.‬‬
‫ك ص ٌّ‬
‫سَبَّحَتْ مِنْ ذَا َ‬ ‫ك جَيْشاً‬
‫سَا َد عَبَّا ٌد وَمُلِّ َ‬
‫( )‬
‫س لَعَا ٌم عُجَابُ‪.‬‬
‫ك النَّا َ‬
‫تَمْلِ ُ‬ ‫إن عَامًا صِرْتَ فِيْ ِه أَمِيْراً‬
‫َّ‬

‫( ) ديوان مالك بن الريب‪ :‬حياته وشعره‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬نوري القيسي‪ ،‬مجلة معهد المخطوطات‪( ،‬العراق‬
‫‪،‬المجلد(‪ ،) 2‬الجزء( )‪ 7 7 ،‬م)‪ ،‬ص‪97‬‬

‫‪. 4-‬‬ ‫( ) ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص‬


‫‪178‬‬

‫فيزيد الحميري يسخر من وصول عبَّاد إلى كرسي الحكم‪ ،‬ولهذا يقول ساخراً‪ :‬إنَّ‬
‫الجمادات قد سبَّحت من هذا التحول الذي صيَّر عبَّاداً أميراً وسيِّداً‪ ،‬ويرى أنَّ العام‬
‫الذي تقلَّد فيه كرسي الحكم هو العام العجب من بين األعوام األخرى‪.‬‬

‫وعلى المنوال الساخر نفسه من تولية من ال يصلح للحكم نجد يحيى بن نوفل‬
‫يسخر من تقلُّد سعيد بن راشد مقاليد الحكم في عصره‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ل المَوَاكِبِ‪.‬‬
‫ن اسْتِ ِه تَبْكِي بِغَا ُ‬
‫وَمِ ْ‬ ‫ن رَاشِدٍ‬
‫س ِعيْ ِد بْ ِ‬
‫ن إِبْطَيْ َ‬
‫بَكَى الخَزُّ مِ ْ‬
‫( )‬
‫ب مِنْ دُوْنِ حَاجِبِ‪.‬‬
‫لَهُ حَاجِبٌ بِالبِا ِ‬ ‫ن َراشِ ٍد‬
‫فَوَا عَجَباً حَتَّى سَ ِعيْ ُد بْ ُ‬

‫فسخرية يحيى بن نوفل تجسدت في لبس سعيد بن راشد لباس الملوك وخزهم‪،‬‬
‫أن إبطه ينفح بالروائح الكريهة‪.‬‬
‫في حين َّ‬

‫(ب)هيئة الشكل والزيّ‪:‬‬

‫وجد الشعراء في هيئة المظهر والشكل والزي مجاالً للسخرية من خصومهم‬


‫في المجتمع‪ ،‬وقد شهدت النقائض التي جرت بين جرير والفرزدق أنماطاً من‬
‫السخرية تبيِّن شيوع هذه الظاهرة في شعر النقائض‪.‬‬

‫وفي هذا السياق نجد الفرزدق يسخر من جرير عندما جاء إلى مجلس الحجاج‬
‫بن يوسف‪ ،‬وقد لبس درعاً‪ ،‬وتقلَّد سيفاً‪ ،‬وأخذ رمحاً‪ ،‬وحينما رآه الفرزدق على هذه‬
‫الهيئة‪ ،‬ضحك منه‪ ،‬وسخر من لباسه الذي ال يتناسب مع مكانته وماضيه كراعٍ‬
‫للغنم‪ ،‬وتبلغ السخرية غايتها عند الفرزدق‪ ،‬فتثير ضحك الجمهور من حوله‪ ،‬حيث‬
‫يقرن الفرزدق هيئة جرير حينما حمل السالح بالمرأة الحبلى التي ال تستطيع أن‬
‫تنهض من مكانها‪ ،‬فضالً عن أنَّها ال تقدر على حمل السالح والضرب به‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬

‫( ) يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره‪ ،‬ص ذ‪.97‬‬


‫‪179‬‬

‫ع عَبْدٌ قَ ْد أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهْ‪.‬‬


‫وَفِي الدَّ ْر ِ‬ ‫ت لِرَاعِي الضَّأنِ فِي حُطْمِيَّ ٍة‬
‫عَجِبْ ُ‬

‫ت عِبْ ٌء عَلَيْهَا تُعَادِلُهْ‪.‬‬


‫إذَا اِنْتَطَقَ ْ‬ ‫ح وَبَطْنُهَا‬
‫س الحُبْلَى السِّلَا َ‬
‫وَ َهلْ تَلْ َب ُ‬
‫( )‬
‫لِأُلْ ِقيَ دِرْعِي مِنْ كَمِيٍّ أُقَاتِلُهْ‪.‬‬ ‫ع عَنْهُ وَلَ ْم أَكُنْ‬
‫خ وَأَلْقَى الدَّرْ َ‬
‫أَفَا َ‬

‫ويرد جرير ساخراً من لبس الفرزدق حينما جاء إلى مجلس الحجاج بن يوسف‪،‬‬
‫وقد لبس الديباج والخز‪ ،‬وقعد في قبة‪ ،‬وحينما رآه جرير في تلك الهيئة‪ ،‬قال ساخراً‪:‬‬
‫عَلَيْ ِه وِشَاحَا كُرَّجٍ وَجَلَاجِلُهْ‪.‬‬ ‫ت أَدَاتِي والفرزدقُ لُعْبَ ٌة‬
‫لَبِسْ ُ‬
‫ل وَأَنْتُمْ حَلَائِلُهْ‪.‬‬
‫جَرِيْ ٌر لَكُمْ بَعْ ٌ‬ ‫أّعِدُّوا مَ َع الحَلْيِ المَلَابَ فَإنَّما‬
‫( )‬
‫ت لِبَ ْعلٍ بَعْدَ بَ ْعلٍ تُرَاسِلُهْ‪.‬‬
‫أَقَرَّ ْ‬ ‫ت عَوَانٌ حَلِيْلَهَا‬
‫وَأَعْطُوا كَمَا أَعْطَ ْ‬
‫أمَّا مالك بن الريب فيرسم صورة ساخرة لهيئة الرجل الضعيف الذي ال يقدر‬
‫على الحرب‪ ،‬بل يُؤتى إليها أجيراً أو خادماً‪ ،‬حيث سخر من غالم األنصاري ساعي‬
‫بن الحارث بن حاجب‪ ،‬عندما حمل السيف وأحس بالتعب‪ ،‬فتهكم من هيئته التي‬
‫تقلدها مع المقاتلين‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ل المُجَحْدلُ‪.‬‬
‫ط الرِّجَا ِ‬
‫إِذَا قَا َدنِي وَسْ َ‬ ‫ل عَاتِقِي‬
‫غُلَامٌ يَقُ ْولُ السَّيْفُ يُثْ ِق ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ن البَنَانِ حَزَنْبَلُ‪.‬‬
‫بِنِسْعَتِهِ شَثْ َ‬ ‫ب السَّيْفِ ظَلَّ يَقُوْ ُدنِي‬
‫فَلَ ْو لَا ذبَا ُ‬
‫فالسخرية تجلت في قوله‪ :‬السيف يثقل عاتقي‪ ،‬فهي توحي بأنَّ الغالم ليس من‬
‫الرجال الذين تعوَّدوا على ممارسة الحرب‪ ،‬وابتلوا بالشدائد‪ ،‬بل هو خادم مأجور‬
‫رخص البنان ممتلئ الجسم‪.‬‬
‫أما العجاج فيسخر من هيئة محاربي الخوارج ومجاهديهم‪ ،‬فهم ينفرون إلى القتال‬
‫بال أهبة وال استعداد وال دربة للمعارك‪ ،‬فكل سالحهم زاد معلق على األكتاف‬
‫واألعناق‪ ،‬وخيلهم التي تركض بين هجر واليمامة‪ ،‬حيث يقول فيهم‪:‬‬

‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.20‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫(‪ )4‬ديوان مالك بن الريب‪ :‬حياته وشعره‪ ،‬ص ‪40‬‬
‫‪181‬‬

‫َن الجِهَادَ والظَّفَرْ‪.‬‬


‫قَدْ حَسِبُوا أ َّ‬
‫ت وَهَجَرْ‬
‫ن الخِضْرِيَا ِ‬
‫إِيْضَاعُ بَيْ َ‬
‫ب السُّفَرْ‪.‬‬
‫مُعَلِّقْينَ فِي الكَلَالِي ِ‬
‫ن والحَفَرْ‪.‬‬
‫َن الخَنْدَقَيْ ِ‬
‫لَا تَحْسَب َّ‬
‫وَخَرْسَ ُه المحْمَ َّر فِي ِه مَا اعْتَصَرْ‪.‬‬
‫ط الطَّرْفَا ِء يَكْفِي مَنْ حَظَرْ‪.‬‬
‫وَحَائِ َ‬
‫ن النَّظَرْ‪.‬‬
‫آذي أَوْرَادٍ يُغَيِّقْ َ‬
‫َّ‬
‫( )‬
‫ن النَّظَرْ‪.‬‬
‫ب إِذَا مَا مُجْنَ مَوَّجْ َ‬
‫شُهْ ٌ‬
‫(ج) هيئة الذُّل واالنكسار‪:‬‬
‫صوَّر جرير هيئة الذُّل واالنكسار التي ظهرت عند الفرزدق من خالل‬
‫السخرية الالذعة لصور االحتباء‪ ،‬حيث إنَّ هيئة المحتبى تُعَدُّ في أيامهم عالمة‬
‫الشرف والعزة والمنعة‪ ،‬ولكن جريراً سخر من الصور الصامتة لالحتباء التي منعت‬
‫قوم الفرزدق من التخلي عن نصرة الزبير بن العوام‪ ،‬حيث قُ ِتلَ بعد أنْ استجار‬
‫بمجاشع‪ ،‬فلم ينصروه‪ .‬وقرن جرير في صورة ساخرة بين تباطؤ المجاشعيين‬
‫وخذالنهم للزبير‪ ،‬وبين تهافتهم وسرعتهم حينما يدعون ألكل الخزير‪ ،‬حيث يقول‬
‫ساخراً منهم‪:‬‬
‫( )‬
‫ف الخَزِيْرِ لَثَارُوا‪.‬‬
‫لَوْ سُمْتَهُمْ جُحَ َ‬ ‫ت الحُبَى‬
‫وَدَعَا الزُّبَيْرُ فَمَا تَحَرَّكَ ْ‬
‫ولهذا فإنَّ عدم تحرك الحبى هي التي تؤكد السخرية‪ ،‬حيث جاءت على صيغة‬
‫الجمع للداللة على كثرة عدد المحتبين من المجاشعيين‪ ،‬في حين أنَّهم لو دعوا ألكل‬
‫الخزير ألتوا إليه مسرعين‪ ،‬وقد صوَّر حركتهم السريعة ألكل الخزير بمنزلة الثورة‪،‬‬
‫أمَّا إذا دعوا لكريهة فهم هامدون‪ ،‬ال يستجيبون وال يتحركون‪.‬‬

‫( )‬
‫) ديوان العجاج‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 04‬‬
‫‪181‬‬

‫ويقول جرير في موضع آخر ساخراً من حبوة الفرزدق وقومه‪ ،‬واضعاً هيئتهم‬
‫في صورة النساء الحائضات‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫قُبْح ًا لِحُبْوَتِكَ التي لَمْ تُحَْللِ‪.‬‬ ‫ت عَاقِدُ حُبْوَ ٍة‬
‫ل الزُّبَيْرُ وَأنْ َ‬
‫قُ ِت َ‬
‫( )‬
‫سلِ‪.‬‬
‫ض لَمْ تُغْ َ‬
‫بَعْ َد الزُّبَيْرِ كَحَائِ ٍ‬ ‫ل الملُوْكِ فَإِنَّكُمْ‬
‫لَا تَذْكُرُوا حَُل َ‬
‫فهيئة االحتباء عند الفرزدق والمجاشعيين كانت بمنزلة هيئة ساخرة في نظر جرير؛‬
‫ألنَّها لم تَعُدْ عالمة الشرف‪ ،‬بل هي عالمة للذُّل واالنكسار‪ ،‬كما ربط صورتهم‬
‫الساخرة بحالة المرأة الحائض؛ لكون الحائض ال تقرب الصالة‪ ،‬وال تشهد أماكن‬
‫العبادة والصالة مع جماعة المسلمين‪ ،‬ومن ثم فجرير جعلهم في عداد النساء الجنب‪.‬‬
‫‪-7‬سخرية ألفاظ هيئة الرجولة المتعددة‪:‬‬
‫أ‪-‬السخرية من هيئة الشيخ المُسِنِ‪:‬‬
‫من أمثلة الهيئات الساخرة للرجال‪ :‬هيئة الشيخ المُسن‪ ،‬وهو الذي قد تقدم به‬
‫العمر‪ ،‬وفي هذا اإلطار نجد نهار بن توسعة يسخر من يزيد بن المهلب عندما كبر‬
‫وطعن في السن‪ ،‬حيث يقول فيه‪:‬‬
‫ك قَضِيْبُ‪.‬‬
‫تَقُوْمُ عَلَيْهَا في يَدَيْ َ‬ ‫ل أَعْوَا ُد مِنْبَ ٍر‬
‫للذ ِ‬
‫ت ُّ‬‫لَقَ ْد صَبَرَ ْ‬
‫ن تَشِيْبُ‪.‬‬
‫ب رِجَالَ األَزْدِ حِيْ َ‬
‫يُصِيْ ُ‬ ‫ك الَّذِي‬
‫ت أَدْرَكَ َ‬
‫ك لَمَّا شِبْ َ‬
‫رَأَيْتُ َ‬
‫( )‬
‫ب المزُوْنَ مُعِيْبُ‪.‬‬
‫ن عَا َ‬
‫ك لِمَ ْ‬
‫وَفِيْ َ‬ ‫ل‬
‫بِخِفَّ ِة أَحْلَا ٍم وَقِلَّ ِة نَا ِئ ِ‬
‫فالسخرية من كبر سن ابن المهلب تجلت في فساد عقله‪ ،‬وخطل رأيه‪ ،‬ولهذا فإنَّ‬
‫الناس ال يحملون كالم ابن المهلب ويأخذونه على محمل الجد‪ ،‬بل يعرضون عنه‪،‬‬
‫ويشفقون عليه‪ ،‬وبهذا تتالشى مكانته االجتماعية‪ ،‬وهذه عادة عُرِفَ بها كل من تقدم‬
‫سنه من األزد‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.882‬‬


‫( ) شعر نهار بن توسعة‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬خليل إبراهيم العطية‪ ،‬مجلة المورد‪( ،‬بغداد‪ ،‬المجلد (‪ ، )8‬العدد (‪)4‬‬
‫‪ 792 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪182‬‬

‫ب‪ -‬السخرية من هيئة العاشق‪:‬‬


‫ومن أمثلة السخرية القائمة على هيئة الرجال في ملبسهم سخرية روضة‬
‫معشوقة وضاح اليمن‪ ،‬حيث صوَّر وضاح اليمن سخريتها من ملبسه الدال على‬
‫دونيته الشكلية بحسب رأي المعشوقة‪ ،‬ولكنها أثنت على جماله الذكوري‪ ،‬فقال مدافعاً‬
‫عن رداءة ملبسه بشجاعته وبطولته‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫َث الثِّيَابِ وَإِنَّ ُه لَملِيْحُ‪.‬‬
‫ر َّ‬ ‫ت الحَسْنَا ُء مَا لِصَدِيْقِنَا‬
‫إِذَا قَالَ ِ‬
‫يَوْ َم اللِقَاءِ عَلَى الكمَا ِة مُشِيْحُ‪.‬‬ ‫َن عن الثِّيَابِ فإِنَّنِي‬
‫لَا تَسْأَل َّ‬
‫( )‬
‫ل تَنُوْحُ‪.‬‬
‫ع النِّسَا َء عَلَى الرِّجَا ِ‬
‫تَ َد ُ‬ ‫ُم أَتْبَعُ ضَرْبَةً‬
‫ن ث َّ‬
‫أَرْمِي وَأَطْعَ ُ‬
‫فالسخرية من هيئة العاشق تجلت في ملبسه‪ ،‬حيث جاءت على لسان الساخرة بقولها‪:‬‬
‫رث الثياب‪.‬‬
‫إنَّه ُّ‬
‫ج ‪ -‬سخرية هيئة الرجال المتشبهين بالنساء‪:‬‬
‫في إطار السخرية من الرجال الذين يتشبهون بالنساء في ملبسهم وشكل‬
‫جسمهم‪ ،‬بسبب تطويع أنفسهم ليكونوا على هيئة النسوة‪ ،‬نجد أرطأة بن سهية المري‬
‫يسخر من الهيئة التي شاهد فيها الربيع بن قنعب‪ ،‬عندما رآه مؤتزراً وعرياناً‪ ،‬فقال‬
‫فيه ساخراً‪:‬‬
‫( )‬
‫ت أَمْ َذ َكرُ‪.‬‬
‫فَمَا عَرَفْتُ أَأُنْثَى أَنْ َ‬ ‫لَقَدْ رَأَيْتُكَ عِرْيَاناً وَمُؤْتَزِراً‬
‫د‪ -‬السخرية من هيئة الصعاليك‪:‬‬
‫صوَّر عددٌ من شعراء الصعاليك في العصر األموي الهيئات الساخرة التي‬
‫يُعَيَّرُ بها الصعلوك‪ ،‬بسبب حياة الصعلكة وما فيها من تمرد وتنقل وأسفار‪ ،‬حيث‬
‫جعلته يظهر بمظهر مشين في الواقع االجتماعي‪ ،‬ولهذا فقد نفرت النساء من‬

‫( ) ديوان وضاح اليمن‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد خير البقاعي‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ 77 ،‬م) ‪ ،‬ص‬
‫‪.49-4‬‬
‫( ) شعر أرطأة بن سهية المري‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫‪183‬‬

‫الصعاليك‪ ،‬بسبب مظهرهم الدوني؛ ألنَّ المرأة من عادتها أنْ تسعد بالرجل صاحب‬
‫الهيئة الجميلة والمنظر الحسن‪ .‬وفي هذا الشأن نجد الشاعر الصعلوك عبيد بن أيوب‬
‫العنبري ‪ ،‬يصوِّر سخرية المرأة من مظهره‪ ،‬فيعلل سبب ظهوره بهذا المظهر‬
‫الدوني‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ل جَنَّتِ‪.‬‬
‫ن الهَوْ ِ‬
‫ت مَا أُلَاقِيْ ِه مِ َ‬
‫رَأَ ْ‬ ‫أن عَيْنَهَا‬
‫وَسَاخِرَ ٍة مِنِّي وَلَوْ َّ‬
‫( )‬
‫ل وارَى الجِنَّ أَرَنَّتِ‪.‬‬
‫إِذَا اللَّ ْي ُ‬ ‫أَزلٌ وَسِعْلَا ٌة وَغَ ْولٌ بِقَفْرَ ٍة‬
‫ويقول أيضاً‪:‬‬
‫ف وَأَسْفَارِ‪.‬‬
‫ت كَمَا ذُقْتُ مِنْ خَوْ ٍ‬
‫ذَاقَ ْ‬ ‫ت مِنِّي ومن جَمَلِي‬
‫ت التي سَخِرَ ْ‬
‫لَيْ َ‬
‫( )‬
‫ن نَحْوِي مِن غَيْظٍ بِأَبْصَارِ‪.‬‬
‫يَرْمُوْ َ‬ ‫ق‬
‫ن طِلَابٍ وَطُلَّابِ ذَوِي حَنَ ٍ‬
‫وَمَ ْ‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ العنبري يبرر الهيئة الدونية التي ظهر بها الصعلوك‬
‫إنَّما هي ترجع إلى" خوفه وأسفاره ومطارديه وهروبه منهم‪[ ،‬حيث] توحي بما كان‬
‫(‪)4‬‬
‫يعانيه من شحوب وهزال يعكس تلك المعاناة"‬
‫ه ‪ -‬السخرية من هيئة البخيل‪:‬‬
‫صوَّر الشعراء الهيئات الدونية ومظاهر البخل التي يظهر بها األغنياء‪ ،‬فهذا‬
‫إبراهيم بن هرمة يسخر من هيئة غني بخيل‪ ،‬جاء يسأله‪ ،‬حيث قال فيه‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫س نَاظِ ِم الخَرَزِ‪.‬‬
‫وَاعْتَلَّ تَنْكِ ْي َ‬ ‫س لَمَّا أَتَيْتُ سَائِلَ ُه‬
‫َك َ‬
‫ن َّ‬
‫فابن هرمة صوَّر هيئة الغني البخيل عندما جاء سائالً له‪ ،‬حيث تجلت السخرية‬
‫منه عندما خفض رأسه خفضاً يشبه هيئة ناظم الخرز والجلد الذي ال يرفع رأسه في‬
‫أثناء نظم خرزه‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫( ) أشعار اللصوص وأخبارهم‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪9‬‬


‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 80‬‬
‫(‪ )4‬العضيبي‪ ،‬عبداهلل محمد‪ ،‬الساخرة‪ :‬قراءة في أنموذج شعري قديم‪ ،‬ص ‪.880‬‬
‫(‪ )8‬ديوان إبراهيم بن هرمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد جبار المعيبد‪ ،‬ط ‪( ،‬العراق‪ ،‬مطبعة اآلداب بالنجف‪ 7 7 ،‬م) ‪،‬‬
‫ص ‪. 4‬‬
‫‪184‬‬

‫ومن التصوير الساخر لهيئة البخيل النفسية ما قاله ابن هرمة في العباس بن‬
‫الوليد بن عبد الملك ساخرًا من شدة بخله‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫َس الرِّجَالِ وَيُثْنِي قَلْبَهَا الفرقُ‪.‬‬


‫م ُّ‬ ‫ح كَالعَذْرَا ِء يُعْجِبُهَا‬
‫ك والمَدْ َ‬
‫إنَّ َ‬
‫( )‬
‫س الحَيَّ ِة الفرقُ‪.‬‬
‫كَمَا يُهَابُ مَسِ ْي َ‬ ‫تُبْدِي بِذَاكَ سُرُوْراً وَ ْهيَ مُشْفِقَ ٌة‬
‫فسخرية ابن هرمة قد صوَّرت تقلّب هيئة البخيل واضطراب نفسيته‪ ،‬فهو يحب‬
‫المدح‪ ،‬ويخشى تقديم العطاء والنوال لمن يمدحه‪.‬‬
‫و‪ -‬السخرية من هيئة الضيف‪:‬‬
‫تفرد حُميد األرقط ‪-‬الذي يقال إنَّه كان بخيالً‪-‬من تصوير حركات الضيف‬
‫وهيئآته التي يجلسها عند مضيفه بكل دقائقها وتفاصيلها‪ ،‬ومن لوحاته التي صوَّر‬
‫فيها هيئة الضيف المتطفل‪ ،‬الذي كان يمتاز بالشره والنهم والتنفج والتنفخ على‬
‫المائدة‪ ،‬ما قاله في ضيفه‪:‬‬
‫إلَّا تَنَفُّخَهُ حَوْلِي إِذَا قَعَدَا‪.‬‬ ‫ض الضَّيْفَ مَا بِي جُلُّ مَأْكَلِ ِه‬
‫وَأَبْغَ ُ‬
‫( )‬
‫َل الضَّيْفَ قَ ْد وَلَدَا‪.‬‬
‫حَتَّى أَقُ ْولُ‪ :‬لَع َّ‬ ‫مَا زَالَ يَنْفَخُ جَنَبَيْ ِه وَحُبْوَتَ ُه‬
‫فسخرية حميد األرقط تجلت في هيئة مجلس الضيف حول المائدة‪ ،‬فهو يأخذ حيِّزاً‬
‫كبيراً وواسعاً عبر حبوته‪ ،‬وتتعمق السخرية وتزداد تهكماً حينما جعله شبيهاً بالمرأة‬
‫الحامل التي تلد‪ ،‬فهي تأخذ مكاناً واسعاً لنفسها‪ ،‬فضالً عن سخريته من شراهة‬
‫الضيف‪ ،‬حيث كَبُرَتْ بطنه من األكل عند مضيفه‪ ،‬فصار كالمرأة النفاس بعد‬
‫والدتها‪.‬‬
‫وفي موضع آخر يسخر حميد من هيئة الضيف األكول والشره‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ت عَلَيْ ِه األَنَامِلُ‪.‬‬
‫إلى الزُّو ِر مَا حَازَ ْ‬ ‫ل كَفَّاهُ وَيُحْد ُر حَلْقُهُ‬
‫تُد ََّب ُ‬
‫بَيَان ًا وَعِلْماً بالذِي هُوَ قَا ِئلُ‪.‬‬ ‫ل‬
‫أَتَانَا وَلَمْ يَعْدِلْهُ سَحْبَانُ وَا ِئ ِ‬

‫( ) ديوان إبراهيم بن هرمة‪ ،‬ص ‪. 29‬‬


‫( ) هجَّاء األضياف حميد األرقط‪ :‬حياته وما وصل إلينا من شعره‪ ،‬ص ‪. 40‬‬
‫‪185‬‬

‫( )‬
‫َي لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ بَا ِقلُ‪.‬‬
‫ن الع ِّ‬
‫مِ َ‬ ‫ل عَنْ ُه اللُّقَ ُم حَتَى كَأَنَّ ُه‬
‫فَمَا زَا َ‬
‫فسخرية حميد من ضيفه تتجلى في أنَّه كان شرهاً في األكل‪ ،‬وتعظم اللقمة عنده‪،‬‬
‫فعندما نزل ضيفاً على حميد كان أبلغ من سحبان بن وائل –وهو رجل يضرب به‬
‫المثل في البيان والفصاحة‪ ،-‬ولكنه عندما جلس على مائدة حميد‪ ،‬ومن كثرة نهمه‬
‫وشراهته في األكل أصبح بمنزلة باقل بن ربيعة‪ ،‬الذي يضرب به المثل في العيِّ‪،‬‬
‫والسخرية تكمن في تحوّل الضيف من سحبان إلى بأقل‪ ،‬ومن الفصيح إلى العيِّ‪.‬‬

‫ز‪ -‬السخرية من هيئة الوائد للبنات‪:‬‬

‫كانت العرب في الجاهلية تقوم بوأد البنات‪ ،‬والوأد هو‪ :‬مقتل المولود حيَّاً‪،‬‬
‫إذا كان بنتاً‪ ،‬وجاء اإلسالم لينهي وأد البنات‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ ":‬وَإذَا الموْؤُدَةُ‬
‫َي ذَنْبٍ قُتِلَتْ" ( )‪.‬‬
‫ت بِأ ِّ‬
‫سئِلَ ْ‬
‫ُ‬

‫وفي هذا اإلطار نجد الفرزدق يفتخر عن غيره من الشعراء بأصالة أجداده‬
‫الذين كانوا يمنعون وأد البنات (‪ ،)4‬وقد عبَّر في مواطن كثيرة من شعره بفخره‬
‫بأجداده ‪-‬دون غيرهم‪ -‬في إحياء الوئيدات‪ ،‬وهذا المظهر اإلنساني والحضاري‬
‫العظيم لم ينازعه فيه أحدٌ‪ ،‬حتى إنَّ جريراً كان يناقض الفرزدق في مجاالت كثيرة‬
‫من نقائضه وبلغة ساخرة وتهكمية‪ ،‬إلَّا إنَّه مع هذا العمل اإلنساني النبيل قد صمت‪،‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ولم ينقض قصائد فخر الفرزدق بأجداده في إحياء الوئيدات‪.‬‬

‫ومن أمثلة افتخار الفرزدق بإحياء الوئيدات قوله‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫( ) المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪0‬‬


‫( ) سورة التكوير‪ ، ،‬اآلية ‪.7-4‬‬
‫(‪ )4‬يُنْظر‪ :‬بن تنباك‪ ،‬د‪ .‬مرزوق‪ ،‬الوأد عند العرب بين الوهم والحقيقة‪( ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ 8 2 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪. 2-‬‬ ‫‪ 008‬م) ‪ ،‬ص‬
‫(‪ )8‬يُنْظر‪ :‬بن تنباك‪ ،‬د‪ .‬مرزوق‪ ،‬ما زعم الفرزدق ولم ينقضه جرير‪ ،‬مجلة جامعة الملك سعود‪ ،‬اآلداب ( ) ‪،‬‬
‫(الرياض‪ 8 2 ،‬ه ‪ 002-‬م) ‪ ،‬ص ‪. 2 - 8‬‬
‫‪186‬‬

‫ت وَأَحْيَا الوَئِيْدَ فَلَ ْم يُوَأَدِ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫وَمَنَّا الذِي مَنَ َع الوَائِدَا‬

‫( )‬
‫ن مُضَرْ‪.‬‬
‫ت اللَّهَامِيْ ِم مِ ْ‬
‫أَحُلُّ بِهَامَا ِ‬ ‫ن الذِي أَحْيَا الوَئِيْدَ وَلَ ْم أَزَلْ‬
‫أَنَا اب ُ‬

‫ومع علوِّ هذا الشأن للفرزدق وأجداده في إحياء الوئيدات‪ ،‬نجد إسماعيل بن‬
‫يسار النسائي يسخر من وأد العرب لبناتهم‪ ،‬ويرفع من شأن الفرس الذين ال يقومون‬
‫بالوأد‪ ،‬حيث يقول ساخرًا من العرب‪:‬‬
‫س مُضَاهَاةَ رِفْعَةِ األَنْسَابِ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫س بالفُ ْر‬
‫ي الفَوَا ِر ُ‬
‫ُم َ‬
‫إِنَّمَا س ِّ‬
‫وَاتْرُكِي الجَوْرَ وَانْطُقِي بِالصَّوَابِ‪.‬‬ ‫فَاتْرُكِي الفَخْرَ يَا أُمَا ُم عَلَيْنَا‬
‫ف كُنَّا فِي سَالِفِ األَحْقَابِ‪.‬‬
‫كَيْ َ‬ ‫ن جَهَلْتِ عَنَّا وَعَنْكُ ْم‬
‫وَاسْأَلِي إ ْ‬
‫( )‬
‫نَ سَفَاهًا بَنَاتِكُمْ فِي التُّرَابِ‪.‬‬ ‫إِ ْذ نُرَبِّي بَنَاتِنَا وَتَدُسُّو‬
‫فسخرية إسماعيل بن يسار تجلت في الفعل المضارع (تدسون) للداللة على‬
‫سخريته من استمرارية هذا العمل عند العرب‪ ،‬فضالً عن أنَّ واو الجماعة في الفعل‬
‫وتاء المخاطب تدالن على جماعة العرب‪ ،‬مما يعمق سخريته من هذه الهيئة القبيحة‬
‫والدنيئة عند العرب كافةً‪ ،‬وعدم وجودها عند الفرس‪.‬‬
‫‪-8‬سخرية ألفاظ المسكن‪:‬‬
‫تمكن الفرزدق من رسم صورة ساخرة لجرير ووالده عطية عبر هيئة‬
‫مسكنهم الذي يعيشون فيه مع األغنام والحمير‪ ،‬وهو بهذه الهيئة ينزل جرير منزلة‬
‫الحيوانات‪ ،‬وفي األبيات اآلتية تتجلى الصورة الساخرة التي رسمها الفرزدق لمسكن‬
‫جرير ووضعه االجتماعي‪ ،‬ويصف الفرزدق عطية والد جرير الذي يقيم مع‬
‫األغنام‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ن حَظَائِ ِر األَغْنَامِ‪.‬‬
‫رِبْقَيْنِ بَيْ َ‬ ‫وَتَرَى عَطِيَّة ضَارِبًا بِفَنَائِه‬

‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪. 49 ، 22‬‬


‫( ) شعر إسماعيل بن يسار النسائي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬يوسف حسين بكار‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار األندلس للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ 808 ،‬ه ‪ 748-‬م) ‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫‪187‬‬

‫ق صَاحِبِ ثَلَّ ٍة وَبِهَامِ‪.‬‬


‫أَرْبَا ٌ‬ ‫مُتَقَلدًا لِأَبِيْ ِه كَانَتْ عِنْدَ ُه‬
‫( )‬
‫ن لِجَامِ‪.‬‬
‫ن عِنَا ِ‬
‫كَفَّا عَطِيَّةَ مِ ْ‬ ‫مَا مَسَّ مُذْ وَلَدَتْ عَطِيَّ َة أُمُّهُ‬
‫فسخرية الفرزدق في هذه األبيات سلبت من جرير ووالده إنسانيتهما‪ ،‬وأنزلتهما‬
‫منزلة الحيوانات في طبيعة المعيشة‪.‬‬

‫أمَّا األخطل فإنَّه يرسم صورة لهيئة جرير وقبيلة كليب في أثناء نومهم‪ ،‬فهم‬
‫يأوون إلى زروب الغنم وحظائرها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫جِدَاءُ حِجَا ٍز لَاجِئَاتٌ إِلَى زَرْبِ‪.‬‬ ‫هلل صِرْماً مِنْ كُلَيْبٍ كَأَنَّهُ ْم‬
‫لَحَا ا ُ‬
‫فاألخطل يسخر من هيئة مسكن جرير ليالً‪ ،‬فيكفيهم المكان الصغير الحقير‪ ،‬كما‬
‫توحي السخرية من هذا المسكن إلى قلة عددهم؛ بسبب أنَّهم ينزلون في المكان غير‬
‫الواسع‪ ،‬وهذه الهيئة السكنية لهم تتناسب مع الوضع الدوني لجرير وقبيلته اجتماعياً‪.‬‬
‫‪-9‬سخرية ألفاظ العادات والسلوكيات المذمومة‪:‬‬
‫أ‪-‬البخل‪:‬‬
‫حملت السخرية من البخل في العصر األموي عدة مالمح ومجاالت تطرق‬
‫لها الشعراء بهدف التقليل من مكانة المسخور منه‪ ،‬فالبخل الذي يذمُّه العرب‪،‬‬
‫ويحتقرون من يتصف به من الرجال‪ ،‬ويعدونه مذلةً ومنقصةً‪ ،‬جعل منه بعض‬
‫الشعراء مادة غنية يولِّدون منها صوراً كثيرة في الفكاهة والسخرية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪-‬ستر القدر وإطفاء النار وإسكات الكلب‪:‬‬
‫عاش العربي في البادية ونشأ فيها محباً للبذل والجود والكرم والسخاء‪ ،‬فكان‬
‫يحتبي أمام بيته‪ ،‬يرقب ضيفه‪ ،‬ويرشده إليه بصوته وناره وقدره‪ ،‬وحينما يريد‬
‫الشاعر أن يذلَّ خصمه ويسخر منه‪ ،‬يتهمه بإخفاء ناره ليالً‪ ،‬وحجب قدوره عن‬

‫‪.‬‬ ‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪0‬‬


‫( ) ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 00‬‬
‫‪188‬‬

‫الضيف وعدم نباح كلبه‪ ،‬وكلها مظاهر يقصد منها السخرية واالزدراء من المسخور‬
‫منه‪ ،‬على شاكلة ما نرى في األمثلة اآلتية‪ ،‬حيث يقول جرير مُعَيِّرا التيميين ببخلهم‪:‬‬
‫( )‬
‫ِي إِلَّا عَلَى القِدْرِ‬
‫وَلَا يَسْتُ ُر التَّيْم ُّ‬ ‫وَلَا يَحْتَبِي التَّيْمِيُّ قُدَّام بَيْتِهِ‬
‫فجرير يسخر مما يقوم به بنو تيم؛ ألنَّهم ال يجلسون أمام بيوتهم حتى ال يراهم‬
‫الضيوف‪ ،‬أمَّا إذا أرادوا األكل فإنَّهم يأكلون طعامهم وحدهم‪ ،‬ويختبئون بساتر خلف‬
‫أدبار بيوتهم‪ ،‬بينما يقومون بهتك أستار الحشمة والفضيلة في مواقع أخرى‪.‬‬
‫ويبالغ األخطل في السخرية من جرير وقومه‪ ،‬فقد بلغ من لؤم القوم وخستهم‬
‫ودناءة طباعهم أن الضيف الحائر في الليل إذا استنبح لتجيبه الكالب ليهتدي فإنَّهم‬
‫يمتهنون من قدر أمهم‪ ،‬فيطلبون منها أنْ تبول على نارهم الضعيفة لتطفئها؛ وألنَّ‬
‫نارهم قليلة تطفئها بول هذه األم المسنة‪ .‬وتبلغ السخرية مداها من جرير وقومه فهم‬
‫أشحاء حتى بالماء الذي استعانوا به على إطفاء النار‪ ،‬واستعاضوا عنه ببول أمهم‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫قاَلُوا لِأُمِّهِمِ‪ :‬بُوْلِي عَلَى النَّارِ‪.‬‬ ‫قَوْ ٌم إِذا اسْتَنْبَحَ األَضْيَافُ كَلْبَهُ ُم‬
‫ويقول جرير ساخراً من بخل بني التيم‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ن صَهِ ْيلٍ وَلَا هَدْرِ‪.‬‬
‫عَلَى حَيِّ تَيْ ٍم مِ ْ‬ ‫فَمَا أَوْقَدُوا نَاراً وَلَا دَلَّ سَارِياً‬
‫فهو يسخر من بخلهم بإطفاء النار؛ كي ال يستدل بها السائرون في الصحراء‪،‬‬
‫وكتمان أصوات الخيول والكالب حتى ال يسمعها الضيوف المارون في الصحراء‪.‬‬
‫ومن أمثلة إسكات الكلب قول زياد االعجم ساخراً من بني عجل الذين كانوا‬
‫يتخذون شيئاً على فم الكلب‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ك كَالعَذْرَا ِء مِنْ دُوْنِهَا سِتْرُ‪.‬‬
‫وَقِدْرُ َ‬ ‫وَتَكْعَمُ كَلْبَ الحَيِّ من خَشْيَ ِة القِرى‬

‫‪.‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪4‬‬


‫( ) ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 48‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪8‬‬
‫(‪ )8‬شعر زياد األعجم‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪189‬‬

‫فالسخرية مما يوضع على فم الكلب ِلئََّلا ينبح‪ ،‬فيهتدي الضيف على مكان نباحه‪،‬‬
‫وأمَّا القدر فهو مستو ٌر كالعذراء في خدرها؛ كي ال يراها الضيوف‪.‬‬

‫‪-‬صغر القدور والجفان‪:‬‬

‫من المالمح التي وظفها الشعراء في السخرية القدور والجفان‪ ،‬فكلما كانت‬
‫صغيرة‪ ،‬عُدَّت عالمة تدل على بخل أهلها وعدم قيامهم بواجب الضيافة‪ ،‬وفي هذا‬
‫اإلطار يسخر سراقة البارقي من صغر جفان قوم جرير وقدورهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ن أَكْلَا‪.‬‬
‫بِطَا ٌء إِلَى الدَّاعِي إِذَا لَ ْم يَكُ ْ‬ ‫صِغَا ٌر مَقَارِيهُمْ عِظَا ٌم جُ ُعوْرُهُمْ‬
‫فالمسخور منهم قوم جرير يمتازون بالشح والبخل‪ ،‬لذلك كانت مقاريهم صغيرة‪،‬‬
‫ويستدل على صغر القدور بقلة من يجتمعون عليها لألكل‪ ،‬وعدم استعداد أصحابها‬
‫الستقبال الضيوف‪ ،‬ومن هذا المنطلق نرى أنَّ المسخور منهم لو كانوا كرماء‬
‫ألضحت قدورهم ضخمة‪ ،‬ولهذا فهم يتصفون بالبخل‪ ،‬ويمتازون بالشراهة في األكل‪،‬‬
‫وقد تجلى ذلك من كبر بطون القوم وعظم أدبارهم‪ ،‬وتثاقلهم عن إجابة الداعي في‬
‫غير موضع نداء األكل‪.‬‬
‫‪-4‬الصوم‪:‬‬
‫اتخذ بعض البخالء من الصوم وسيلةً للتهرب من القيام بأداء واجب‬
‫الضيافة‪ ،‬فهم يتظاهرون بالصوم وهم ليسوا كذلك‪ ،‬وإنَّما رغبة منهم في دفع‬
‫الضيوف عنهم‪ ،‬وفي هذا المعنى يقول زياد األعجم ساخراً من كعب بن معدان‬
‫األشقري واألشاقرة‪ ،‬حيث يُعَيِّرُهم بالتظاهر بالصوم عند قدوم الضيوف إليهم‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ن صَائِم ًا صَائِمُ‪.‬‬
‫ن لَ ْم يَكُ ْ‬
‫وَإ ْ‬ ‫ط أَبْيَاتِهِمْ‬
‫وَضَيْفُهُمْ وَسَ َ‬

‫( ) ديوان سراقة البارقي‪ ،‬ص ‪.84‬‬


‫( ) شعر زياد األعجم‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪191‬‬

‫ومنه أ يضاً قول الحزين الكنانيّ يسخر من عاصم بن عمرو بن عثمان عندما منعه‬
‫القِرى‪ ،‬فقال فيه ساخراً‪:‬‬
‫ت الذِي يَرْجُو القِرَى عند عَاصِمِ‪ِ .‬‬
‫فَأَنْ َ‬ ‫ُن الظّلَا ُم عَلَيْكُمْ‬
‫سِيْرُوا فَقَ ْد ج َّ‬
‫نَشُدُّ عَلَى أَكْبَادِنَا بِالعَمَائِمِ‪.‬‬ ‫س طَاعِماً‬
‫ظَلِلْنَا عَلَيْهِ وَهْوَ كَالتَّ ْي ِ‬
‫( )‬
‫سِوَى أَنَّنِي قَ ْد جِئْتُهُ غَيْ َر صَائِمِ‪.‬‬ ‫وَمَالِي مِنْ ذَنْبٍ إِلَيْ ِه عَلِمْتُ ُه‬
‫فسخرية الحزين الكناني تجلت مما بدر من عاصم بن عمرو بن عثمان‪ ،‬عندما جاءه‬
‫الحزين الكناني وهو غير صائم‪ ،‬يطلب القرى فتساءل عنه وعن ضيوفه‪ ،‬وحينما‬
‫نال الجوع منهم شدوا على أكبادهم العمائم‪.‬‬

‫‪-8‬كتم األصوات وتغليق األبواب‪:‬‬

‫ومن بين المظاهر االجتماعية التي وظَّفها الشعراء للسخرية غلق األبواب وكتم‬
‫األصوات عند األكل‪ ،‬حتى ال يشعر الضيوف المارون بذلك‪ ،‬وفي هذا الشأن يسخر‬
‫عبد اهلل بن عبد الرحمن المهلبي الملقب بأبي األنواء ممن يقومون بهذا العمل‪ ،‬لدفع‬
‫ضيوفهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ب والدَّارِ‪.‬‬
‫ج البَا ِ‬
‫ن رِتَا ِ‬
‫وَاسْتَوْثَقُوا مِ ْ‬ ‫قَوْ ٌم إِذا أَكَلُوا أَخْفَوا كَلَامَهُمْ‬

‫ال عن غلق األبواب‪.‬‬


‫فالسخرية تجلت من عدم رفع األصوات في أثناء األكل‪ ،‬فض ً‬

‫ب ‪-‬الرشوة‪:‬‬

‫تُعَدُّ الرشوة سلوكاً مشيناً ينتقص من مكانة صاحبه في الواقع االجتماعي‪ ،‬وقد‬
‫ذمَّ الشعراء األمويون الرشوة؛ فهي تجلب لمتقلدها الضرر وعدم ثقة الناس فيه‪ .‬وفي‬

‫‪.‬‬ ‫( ) شعر الحزين الكناني‪ ،‬ص ‪0‬‬


‫( ) المرزوقي‪ ،‬أبو علي أحمد بن محمد‪ ،‬شرح ديوان الحماسة ‪ ،‬القسم الثالث‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد أمين‪ ،‬وَ عبدالسالم‬
‫هارون‪ ،‬ط ‪(،‬القاهرة‪ ،‬لجنة التأليف والترجمة والنشر‪ 444 ،‬ه ‪ 7 4-‬م)‪ ،‬ص ‪. 89‬‬
‫‪191‬‬

‫هذا اإلطار نجد سراقة البارقي يسخر من الشاعر كُثَيِّر عزة؛ لتنصله من اليمن‪،‬‬
‫وانتمائه للعراق‪ ،‬متهمًا إياه بأخذ الرشوة من والي العراق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ن وَحْيِ ِه المتَكَذِّب‪.‬‬
‫بِأُحْدُوْثَ ٍة مِ ْ‬ ‫ق كُثَيِّرٌ‬
‫لَعَمْرِي لَقَدْ جَاءَ العِرا َ‬
‫( )‬
‫ن أَمِيْرِكَ وَاذْهَبِ‪.‬‬
‫فَخُ ْذ مَا أَخَذْتَ مِ ْ‬ ‫ت حُرًّا أَ ْو تَخَافُ َم َعرّةً‬
‫ن كُنْ َ‬
‫فَإ ْ‬
‫فسراقة سخر من كثيِّر ألخذه الرشوة من أمير العراق مقابل شهادته الكاذبة‬
‫لمصلحة أمير العراق‪ ،‬وقد جلب هذا السلوك المشين لكثيِّر سمة الكذب والعبودية‪.‬‬
‫أما الفرزدق فيتهم جريراً بأخذ الرشوة في أثناء دفاعه عن القيسيين وتعلقه بهم‪،‬‬
‫رغم كونه كليبيًا يربوعيا‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ألعَاظِمِ‪.‬‬
‫ن تَمِيْمٍ في الرُّؤوسِ ا َ‬
‫وَلَا مِ ْ‬ ‫فَمَا أَنْتَ مِنْ قَ ْيسٍ فَتَنْبَحَ دُوْنَهَا‬
‫( )‬
‫ق العَمَائِمِ‪.‬‬
‫س أَوْ سُحُوْ َ‬
‫تَبَابِيْنَ قَ ْي ٍ‬ ‫وَإِنَّك إذْ تَهْجُو تَمِيْمِيًّا وَتَرْتَشِي‬
‫‪ -11‬سخرية ألفاظ المهن والحرف‪:‬‬
‫سخر الشعراء من بعض المهن والحرف فعمدوا إلى ذمها وأظهروا تبرماً‬
‫منها؛ وذلك ألنَّ هذه المهن لم تعد على أصحابها إلَّا بالمهانة وازدراء الناس لهم‪،‬‬
‫لذلك كانت تمتلكهم رغبة شديدة في ترك هذه المهن التي رأوا فيها سبباً من أسباب‬
‫التعاسة وجلب انحطاط المكانة االجتماعية‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق رأى بعض الشعراء في شعرهم الساخر بالمهن أنَّ في‬
‫الحدادة قذارةً‪ ،‬وفي الزرع مهانةً‪ ،‬وفي الرعي مذلةً‪ ،‬وفي المالحة مسبَّةً‪.‬‬
‫أ‪-‬سخرية الحدادة والقينونة‪:‬‬
‫من األلفاظ التي تكررت في الشعر األموي وحملت معها دالالت االنتقاص‬
‫والزراية لصاحبها لفظة (القين)‪ ،‬والقين هو‪ :‬صانع الحديد ونافخ الكير‪ .‬ومهنة‬
‫الحدادة من المهن التي يحتقرها العرب‪ ،‬ويمتهنها األعاجم والفرس والروم‪ ،‬وقد‬

‫( ) ديوان سراقة البارقي‪ ،‬ص ‪. 08‬‬


‫‪.‬‬ ‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫‪192‬‬

‫استغل جرير هذه المهنة التي يمارسها الفرزدق وأجداده‪ ،‬فولَّد منها شتى الصور‬
‫الشعرية التي رمى بها خصمه الفرزدق‪ ،‬فقد كان لجده صعصعة قيون كثيرة في‬
‫الجاهلية‪ ،‬حيث وظفها جرير في التهكم والسخرية من الفرزدق‪ ،‬حينما ادَّعى مفتخرًا‬
‫َن جده صعصعة شغل عن المكارم بصناعة القيون‪ ،‬حيث يقول جرير‪:‬‬
‫أ َّ‬
‫( )‬
‫ف وَارْتِفَاعُ المرْجَلِ‪.‬‬
‫َي الكَتَائِ ِ‬
‫ل ُّ‬ ‫ك عن المَكَارِم والعُلَا‬
‫أَلْهَى أَبَا َ‬
‫وقد ولَّد جرير الكثير من الصور الساخرة التي تنتقص من الفرزدق‪ ،‬فعيَّره بنفخ‬
‫الكير؛ الذي يجلب لصاحبه الرائحة النتنة‪ ،‬وقد صوَّر جرير حدراء زوجة الفرزدق‬
‫وهي تنكر عليه ريحه‪ ،‬وما عال جسمه من صدأ‪ ،‬مع تغيَّر لونه‪ ،‬وتورُّم أصابعه‪،‬‬
‫فكرهته حدراء بسبب المتغيرات التي بدت على جسمه‪ ،‬فأظهرت حدراء تبرمها‬
‫وسخطها من هذا المصير الذي ربطها بهذا الزوج‪ ،‬وفي هذا الشأن يصوِّر جرير‬
‫نكران حدراء للرائحة النتنة التي تعلو جسم الفرزدق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ُر يَمْنَ ُع ضَيْمَ ُه اإلنكار‪.‬‬
‫والح ُّ‬ ‫ت القُيُوْنَ وَرِيْحَهُمْ‬
‫حَدْرَا ُء أَنْكَرَ ْ‬
‫( )‬
‫ق والبَنَانُ قِصَارُ‪.‬‬
‫ن أَوْرَ ُ‬
‫فَاللَّوْ ُ‬ ‫ت صَدََأ الحَدِيْ ِد بِجِلْدِهِ‬
‫لَمَّا رَأَ ْ‬
‫فصورة جرير الساخرة عبَّرت عن واقع مؤلم ومقزز ومنفر لحدراء عبر‬
‫قينونة الفرزدق‪ ،‬يتجلى منها" استقباحها لرائحته حينما تعاشره وتشم رائحته‪ ،‬فتبغضه‬
‫(‪)4‬‬
‫وتكره لقاءه"‬
‫وفي إطار سخرية جرير من قينونة الفرزدق نلحظ جريراً يدير حواراً ساخراً‬
‫بين الفرزدق وحدراء‪ ،‬حيث يتجلى منه إنكار حدراء للفرزدق‪ ،‬حينما دعاها‬
‫لمساعدته في ترقيع األكيار؛ فرفضت القيام بهذا العمل بحجة أنَّ أهلها ليسوا ممن‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.889‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫(‪ )4‬الرفوع‪ ،‬خليل‪ ،‬الفرزدق قيناً في شعر جرير‪ ،‬مجلة مؤتة للبحوث والدراسات‪( ،‬األردن‪ ،‬المجلد (‪، ) 7‬‬
‫العدد (‪ 008 ، )4‬م) ‪ ،‬ص‪. 4‬‬
‫‪193‬‬

‫يمتهنون الحدادة‪ ،‬فتهزأ به وتسخر منه‪ ،‬وتظهر اعتزازاً بنفسها وبنسبها األصيل‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫ف تُرَقَّ ُع األَكْيَارُ‪.‬‬
‫ت وَكَيْ َ‬
‫قَالَ ْ‬ ‫ق رَقِّعِي أَكْيَارَنَا‬
‫ل الفرزد ُ‬
‫قَا َ‬
‫( )‬
‫ك نِزَارُ‪.‬‬
‫ك لَمْ تَلِدْ َ‬
‫وَالقَيْنُ جَدُّ َ‬ ‫إن جَدِّي خَالِ ٌد‬
‫ك َّ‬
‫رَقِّع مَتَاعَ َ‬
‫ثم يصوِّر جرير حدراء وهي ساخطة مظهرة تضرعها ودعوتها إلى اهلل؛ لكي‬
‫يخلصها من هذا الزوج‪ ،‬حيث يقول على لسانها بلغة ساخرة‪:‬‬
‫وَمَ َع الدُّعَا ِء تَضَ ُّرعٌ وَحِذَارُ‪.‬‬ ‫ت المصَوِّرَ دَعْوَةً مَسْمُوْعَةً‬
‫دَعَ ِ‬
‫( )‬
‫َم لِفَسْوِ ِه إِعْصَارُ‪.‬‬
‫قَيْن ًا أَح َّ‬ ‫ن يَكُوْنَ قَرِيْنُهَا‬
‫ت بِرَبِّكَ أّ ْ‬
‫عَاذَ ْ‬
‫فدعاء حدراء مشحون بالسخرية من خالل األلفاظ التي حملت معنى السخرية وهي‪:‬‬
‫قيناً‪ ،‬وأحم‪ ،‬وفسوه‪ ،‬وإعصار‪.‬‬
‫وفي إطار السخرية من الحدادة والقينونة‪ ،‬نرى جريراً يلتقط صوراً واقعية‬
‫تصور مهنة الحدادة‪ ،‬ومن هذه الصور ما يصف فيها جرير الفرزدق وهو ينفخ‬
‫الكير‪ ،‬والدخان يتصاعد من النار‪ ،‬فيتطاير الشرار على لهازم الفرزدق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫يَطِيْ ُر عَلَى لَهَازِمِ ِه الشَّرَارُ‪.‬‬ ‫أَقَيْنٌ يَا تَمِيْمُ يَعِيْبُ قَيْساً‬
‫وفي موضع آخر يسخر جرير من الصورة التالزمية بين الفرزدق وكيره في أثناء‬
‫ممارسته قينونته‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ك إِلَّا قَاعِداً غَيْرَ قَائِمِ‪.‬‬
‫بِكِيْرِ َ‬ ‫ن لَسْتَ بِنَافِخٍ‬
‫ن القَيْ ِ‬
‫وَإِنَّكَ يَا ابْ َ‬
‫وال يَمَلُّ جرير من السخرية الضاحكة‪ ،‬التي يُعَيِّرُ بها الفرزدق‪ ،‬فقد ظَلَّ يدير‬
‫حول القينونة وآالتها حواراً ساخناً مشحوناً بالدعابة والتفكه‪ ،‬فتارةً يسخر من‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 0‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 04‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪. 44‬‬
‫(‪ )8‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.2 0‬‬
‫‪194‬‬

‫الفرزدق ويدَّعي أنَّ أباه قد أوصى بأن تدفن معه في قبره أدوات حدادته من كتيف‬
‫وكلبتين ومنشار‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ن جُمِعْنَ وَالمِيشَارُ‪.‬‬
‫والكَلْبَتَا ِ‬ ‫وُجِ َد الكَتِيفُ ذَخِيرةً في قَبْرِ ِه‬
‫ويتابع جرير في سرد وصية أجداد الفرزدق الخاصة بمهنة الحدادة ليتناقلها‬
‫اآلباء ألبنائهم‪ ،‬وتتمثل في الترفق بلي الحديد العريض‪ ،‬وأن يطويه برقة‪ ،‬وأن يتعهد‬
‫مثاقبه بالبرد؛ ليكون عمله متقناً‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وَصِيَّةَ ذِي الرَّحِ ِم المجْهَدِ‪.‬‬ ‫وَأَوْصَى جُبَيْ ٍر إلَى غَالِبٍ‬
‫( )‬
‫ب بِالمِبْرَدِ‪.‬‬
‫وَحَكِّ المَشَاعِ ِ‬ ‫َي الكَتِيْفِ‬
‫ل ارْفُقَنَّ بِل ِّ‬
‫فَقَا َ‬
‫وتبلغ السخرية غايتها حين يطلق جرير دعابة مضحكة يصوِّر من خاللها‬
‫القدر والمرجل المحطمين يبكيان أبا الفرزدق‪ ،‬حين عزَّ عليه البكاء من أهل المجد‬
‫والمكارم‪ ،‬أبكته أدوات صناعته التي ظلت وفيَّةً له بعد مماته‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أَ ْو إِنْ تَثَلَّمَ بُرْمَ ٌة أَعْشَارُ‪.‬‬ ‫جلٌ‬
‫يَبْكِي صَدَا ُه إذَا تَهَزَّمَ مِرْ َ‬
‫ب ‪ -‬السخرية من الزراعة‪:‬‬
‫لقد ظل العربي يزدري ويحتقر الكثير من الحرف والمهن‪ ،‬ومن بين تلك‬
‫الحرف الزراعة‪ ،‬فهم يُعيِّرون من يحترفها ويعمل بها ويتهمونه بأنه ال يحسن حمل‬
‫السالح ومقارعة األعداء‪ ،‬ولذلك ظلت النظرة إلى هذه الحرفة وأصحابها دونية في‬
‫السلم االجتماعي‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار يسخر ذو الرُّمة من أهل الفالحة‪ ،‬وينتقص من مكانتهم‬
‫االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬فضالً عن نعتهم بالقبح‪ ،‬حيث يقول ساخراً من امرئ‬
‫القيس‪:‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 0‬‬


‫‪.‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫‪195‬‬

‫تَنُو ُء بِحَرَّاثِيْنَ مِيلِ العَوَاتِقِ‪.‬‬ ‫ل اليَوْمِ تَعْلَ ُم أَنَّما‬


‫أَمَا كُنْتَ قَ ْب َ‬

‫( )‬
‫قِبَاحاً وَأَشْيَاخ ًا لِئَا َم العَنَافِقِ‪.‬‬ ‫س نِسْوَ ٌة‬
‫ل امرئ القَيْ ِ‬
‫ظلُّ ذُرَى نَخْ ِ‬
‫تُ ِ‬

‫فذو الرُّمة يعيِّر في البيتين السابقين أصحاب الحراثة ساخراً من ظهورهم‬


‫وأكتافهم التي انحنَتْ ومالَتْ بسبب الحراثة‪ ،‬فهم بمنزلة العبيد‪ ،‬أمَّا النساء فهنَّ أيض ًا‬
‫قبيحات البنية والشكل‪ ،‬وشيوخهنَّ لئام‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ ذا الرُّمة يسبغ على‬
‫أصحاب الحراثة صفة الجدب والقفر واللؤم والقبح والضآلة والمحدودية في العطاء‪،‬‬
‫أن‬
‫والهشاشة في العيش والشكل والمكانة االجتماعية‪ .‬ولهذا يرى ذو الرُّمة َّ‬
‫المزارعين أصلهم عبيدٌ‪ ،‬وال يصلحون للفلوات واألمصار وركوب الخيل‪ .‬فالزراعة‬
‫في نظره ونظر أهل البادية بعامة هي عمل مهين‪ ،‬وصاحبها مهانٌ اجتماعياً‪ ،‬ولهذا‬
‫وصف ذو الرُّمة امرأ القيس وقومه من الحراثين بأنهم عبيدٌ‪ ،‬في قوله‪:‬‬
‫( )‬
‫َر المَسَاحِي لَا فَلَا ٌة ولَا مِصْرُ‪.‬‬
‫مَج ُّ‬ ‫س العبي ُد وَأَرضُهُ ْم‬
‫ب امرئ القَيْ ِ‬
‫نِصَا ُ‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه من حرفة الزراعة نرى جريراً ينتقص من مكانة‬
‫بني العم‪ ،‬لعدم معرفتهم بالعرب؛ ألنهم أهل زراعة وأصحاب نخل‪ ،‬حيث يرى أنَّ‬
‫موطنهم األهواز‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وَنَهْرُ تِيرَى فَلَ ْم تَعْرِفْكُ ْم العَرَبُ‪.‬‬ ‫َم فَاألَهْوَا ُز مَنْزِلُكُمْ‬
‫سِيْرُوا بَنِي الع ِّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ق وَلَا يُعْيِيهِ ُم الكَرَبُ‪.‬‬
‫عن العُذُو ِ‬ ‫ل لَا تَنْبُوا مَنَاجِلُهُ ْم‬
‫خَ‬‫الضَّارِبُو النَّ ْ‬
‫ولهذا فإنَّ جريراً يسخر من بني العم من خالل نفيهم من العروبة عموماً‪ ،‬وال‬
‫يحق لهم أن يسكنوا مع العرب؛ ألنَّهم ال يحسنون حتى ضرب النخيل‪ ،‬وأي عمل‬
‫مهما كان بسيطاً‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫( ) ديوان ذي الرُّمة‪،‬ج ‪،‬‬


‫( ) ديوان ذي الرُّمة‪ ،‬ص‪.274‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.87-84‬‬
‫‪196‬‬

‫ويعمق جرير السخرية من حرفة الزراعة والحراثة عبر ثنائية (القوة‬


‫والضعف) و(الرفعة والضعة)‪ ،‬حيث يرى أنَّ بني العم وبني حنيفة ليسوا أهالً للمجد‬
‫والعظمة والفخر؛ ألنهم‪:‬‬

‫سيُوفُهُمْ خَشَبٌ فِيْهَا مَسَاحِيْهَا‪.‬‬


‫ُ‬ ‫خلٍ وَحِيْطَانٍ وَمَزْرَعَ ٍة‬
‫أَبْنَاءُ نَ ْ‬
‫( )‬
‫ت هَذَا مَسَاعِيْهَا‪.‬‬
‫قِدْماً فَمَا جَاوَزَ ْ‬ ‫قَطْ ُع الدِّبَارِ وَأَبْ ُر النَّخْلِ عَادَتُهُم‬

‫فجرير اعتمد على سخرية الضعف والضعة في حرفة الزراعة‪ ،‬حيث تمثلت‬
‫السخرية من خالل أدوات الحرفة وهي‪ :‬الخشب والمساحي‪ ،‬وأما أمجادهم ومكارمهم‬
‫فتتجلى في تلقيح النخل وزرع األرض‪ ،‬وعلى النقيض منهم فالبدوي سالحه السيف‬
‫الحديدي‪ ،‬وأمجاده البطوالت والمعارك التي يخوضها في الجبال والوديان‬
‫والصحاري‪ ،‬وهنا تكمن القوة والرفعة مقارنة بما هو موجود في حرفة الزراعة‬
‫المحتقرة في نظر الشاعر‪.‬‬

‫ج ‪ -‬السخرية من الملَّاحين‪:‬‬

‫في إطار سخرية المهن والحرف تتجلى مهنة الملَّاحين مهنةً محتقرةً عند‬
‫كثير من العرب‪ .‬وقد نظر كثير من الشعراء األمويين إلى الملَّاحين نظرة ازدرائية؛‬
‫( )‬
‫بسبب أنَّهم "لم يألفوا حياة العرب في الصحراء‪ ،‬لذلك[تنتفي] عنهم عروبتهم"‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ دواعي السخرية من المالحين جاءت بسبب أنَّ هذه المهنة ال‬
‫يقوم بها إلَّا غير العرب‪ ،‬أي األعاجم‪.‬‬

‫وفي إطار السخرية من المالحين نجد حاجب الفيل يسخر من ثابت قُطنة ومن‬
‫قبيلة بني بكر؛ ألنَّهم تغيَّبوا عن حضور معركة فرعانة في عهد مسلم بن سعيد‬
‫الكالبي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 00‬‬


‫‪.4‬‬ ‫( ) القط‪ ،‬د‪ .‬عبدالقادر‪ ،‬في الشعر اإلسالمي واألموي‪ ،‬ص‬
‫‪197‬‬

‫ن مَشْغُولُ‪.‬‬
‫بين المجاذيفِ والسُّكَا ُ‬ ‫تَقْضِي األُمُور وَبَكْ ٌر غَيْرَ شَاهدها‬
‫( )‬
‫ب مَجْهُولُ‬
‫َومَا سِوَاهَا من األنْسَا ِ‬ ‫ف النَّاسُ مِنْ ُه غَيْرَ قُطْنَتِ ِه‬
‫لَا يَعْرِ ُ‬

‫فالسخرية تجلت أنَّ ثابت قُطنة أصله مغمور‪ ،‬فهو غير عربي‪ ،‬وال علم له‬
‫بالحروب وأهوالها‪ ،‬وإنَّما هو ملَّاح ماهر يحسن تحريك المجاذيف ومراقبة السفن‪.‬‬

‫وعلى المنوال الساخر نفسه من المالحين نجد الفرزدق يسخر من األزد؛‬


‫ألنهم كانوا ملَّاحين‪ ،‬وليسوا عرباً‪ ،‬وإنَّما هم نبطٌ‪ ،‬حيث رسم لهم صورة طريفة‬
‫وساخرة مبنية على ثنائية (العرب والعجم)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫حَوَاَليْ مَزَوْنِيٍّ لَئِيْ ِم المرَكَّبِ‪.‬‬ ‫وَلَمَّا رَأَيْتُ األَزْ َد تَهْفُو لِحَاهُ ُم‬

‫ك يَعْجَبُ‪.‬‬
‫ن يَسْمَ ْع بِذَلِ َ‬
‫عَجِبْتُ وَمَ ْ‬ ‫س أَعِنَّةً‬
‫مُقَلَّدَةً ُبعْدَ القُلُو ِ‬

‫ط أَفْوَاهُهَا لَمْ تُعَرَّبِ‪.‬‬


‫لِحَى نَبْ ٍ‬ ‫ُم أُنُوفًا لَ ْم تَكُنْ عَرَبِيَّةً‬
‫تَغ ُّ‬

‫ن عِنْ َد المحَصَّبِ‪.‬‬
‫وَلَمْ َيعْبُدُوا األَوْثَا َ‬ ‫فَكَيْفَ؟ وَلَ ْم يَأْتُوا بِمَكَّ َة مَنْسِكًا‬
‫( )‬
‫ن المضَبَّبِ‪.‬‬
‫ع إلَّا فِي السَّفِي ِ‬
‫إِلَى الرَّ ْو ِ‬ ‫وَلَ ْم يَ ْدعُ دَاعٍ‪ :‬يَا صَبَاحاً فَيَرْكَبُوا‬

‫فالفرزدق بنى سخريته على أنَّ األزد أعاجم‪ ،‬يمتهنون المالحة‪ ،‬وهم ليسوا من‬
‫العرب األقحاح‪ ،‬ولم يعلنوا إسالمهم‪ ،‬ولم يكونوا في جاهليتهم من الوثنيين‪ ،‬وإنَّما‬
‫كانوا من عبدة النار‪ ،‬فهم كالمجوس والزنادقة‪ ،‬كما أنهم لم يكونوا من الفرسان‬
‫وراكبي الخيول‪ ،‬وإنَّما كانوا يركبون السفن‪ .‬فالفرزدق أعطى متواليات ساخرة من‬
‫خالل األزد والمالحة وركوب السفن وعبادة النار‪ ،‬وهو بهذا يبعدهم عن حاضرة‬
‫العرب والمسلمين‪ .‬ومن هذا المنطلق يمكن القول إنَّ الفرزدق يحتقر مهنة المالحة‬

‫( ) حاجب الفيل‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬د‪ .‬نوري القيسي‪ ،‬مجلة الورد‪( ،‬بغداد‪ ،‬المجلد (‪ ، ) 2‬العدد ( ) ‪،‬‬
‫‪ 74‬م) ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬
‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫‪198‬‬

‫عند األزد؛ ألنها أبعدتهم عن القيم العربية األصيلة‪ ،‬فضالً عن انحدار أصول المهنة‬
‫من األنباط‪ ،‬وفي هذا خروج عن الجذور العربية إلى دائرة األعاجم‪.‬‬

‫وفي منحى آخر يسخر الفرزدق من المهلب بن أبي صفرة من خالل إلصاق‬
‫مهنة المالحة إلى الصفريين‪ ،‬وقد بنى سخريته من خالل ثنائية (العرب والعجم)‬
‫و(الحضارة والتخلف)‪ ،‬وهو بهذا يسعى إلبعادهم عن حاضرة العرب‪ ،‬ويرميهم‬
‫بالكثير من الصفات التي تظهر دنسهم وتخلفهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫س وَعَارِ‪.‬‬
‫وَأَدْنَى النَّاسِ من دَنَ ٍ‬ ‫ل وَثُومٍ‬
‫وَجَدْنَا األَزْدَ من بَصَ ٍ‬
‫ِي المَاءِ من خَشَبٍ وَقَارِ‪.‬‬
‫نَف ُّ‬ ‫ح في لَحَاهُ ْم‬
‫صَرَارِيُّونَ يَنْضَ ُ‬
‫تَرَى بِلَبَانِ ِه أَثَ َر الزِّيَارِ‪.‬‬ ‫ب‬
‫وَكَائِنٌ للمُهَلَّبِ من نَسِيْ ٍ‬
‫س المغَارِ‪.‬‬
‫يَقُو ُد السَّاجَ بِالم َر ِ‬ ‫ن‬
‫ك لَ ْم يَقُدْ فَرَسًا وَلَكِ ْ‬
‫بِخَارُ َ‬
‫ي اللُّؤْمِ فَا ُه مَ َع الصِّغَارِ‪.‬‬
‫بِثَدْ ِ‬ ‫ت‬
‫ث أَعْطَ ْ‬
‫ُم المهَلَّبِ حَيْ ُ‬
‫إِلَى أ ِّ‬
‫َن لَ ُه اللَّئِيْمَ من الدِّيَارِ‪.‬‬
‫وَأ َّ‬ ‫تَبَيَّنَ أَنَّ ُه نَبَطِيُّ بَحْ ٍر‬
‫( )‬
‫ن لِكُلِّ نَارِ‪.‬‬
‫ن يَسْجُدُو َ‬
‫وَلَكِ ْ‬ ‫وَمَا هللِ تَسْجُدُ أَزْ ُد بُصْرَى‬
‫فالفرزدق قد سخر من المهلب بن أبي صفرة؛ لكونه من المالحين‪ ،‬وهي مهنة‬
‫يقوم بها غير العرب‪ ،‬وقد تجلت سخريته منهم في أن األزد يأكلون البصل والثوم‪،‬‬
‫وهو ما يوحي بروائحهم الكريهة والنتنة‪ ،‬وهذا يثير االشمئزاز من المسخور منهم‪،‬‬
‫ومنه يعقد الصلة بين ضعف جذور االنتماء للعرب والسخرية من مهنة المالحة‪،‬‬
‫فهي دليل على الضعف االجتماعي‪ ،‬والنسب غير العربي الوضيع‪ ،‬كما بيّن في ثنايا‬
‫سخريته من المالحين أنهم ليسوا بفرسان‪ ،‬وإنَّما هم قادة السفن‪ .‬ومن هذا المنطلق‬
‫تبيَّن للفرزدق نبطية المهلب بن أبي صفرة‪ ،‬وهذا ما جعله يَعُدُّهم في عداد عبدة النار‬
‫والمجوس‪ ،‬وليسوا في عداد المسلمين‪ .‬وعلى هذا فإنَّ السخرية من المالحة تُعَدُّ داللة‬
‫على السخرية من األعاجم‪ ،‬ولكل من خرج عن حاضرة العرب والمسلمين‪.‬‬

‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪. 42- 48‬‬


‫‪199‬‬

‫د‪ -‬السخرية من العصارين‪:‬‬

‫ظهرت السخرية من العصارين للزيت في شعر الفرزدق‪ ،‬حيث عيَّر عمرو‬


‫بن عفراء الضبي‪ ،‬وسخر منه ومن أهله الذين يعصرون الزيت بحوران‪ ،‬حيث نفاه‬
‫ونسبه إلى (دياف)‪ ،‬وهي قرية من قرى الشام أهلها من النبط‪ ،‬حيث يقول ساخراً‬
‫منهم‪:‬‬
‫كَعَفْ ِر السَّلَا إذا عَفَّرَتْهُ ثَعَالِبُهْ‪.‬‬ ‫ن يُعَفِّرَ أُمَّهُ‬
‫ن عفرا أَ ْ‬
‫نَهَيْتُ اب َ‬
‫عَلَى قَدَمِي حَيَّاتُهُ وَعَقَارِبُهْ‪.‬‬ ‫ت‬
‫ت ضَبِيَّاً صَفَحْتُ وَلَوْ سَرَ ْ‬
‫فَلَوْ كُنْ َ‬
‫( )‬
‫ط أَقَارِبُهْ‪.‬‬
‫ن يَعْصِرْنَ السَّلِيْ َ‬
‫بِحَوْرَا َ‬ ‫وَلَكِنْ دِيَا ِفيٌ أَبُو ُه وَأُمُّهُ‬
‫فسخرية الفرزدق من العصارين تجلت فيما تحدثه الزيوت من تدنيس للجسم‬
‫والملبس‪ ،‬وتعمقت السخرية عندما ألحق العصارين بالنبط الساكنين في دياف‪ ،‬فهي‬
‫حرفة يقوم بها غير العرب‪ ،‬فضالً عن تأصيله لهذه الحرفة فيه أباً وأماً‪ ،‬مما يزيده‬
‫احتقارًا ودونية في الواقع االجتماعي‪.‬‬
‫ه ‪ -‬السخرية من الرعي‪:‬‬
‫نظر بعض الشعراء األمويين إلى حرفة الرعي بوصفها عمالً مجهداً‪ ،‬وفيه‬
‫الكثير من التعب واإلجهاد والمشقة‪ ،‬ولهذا نظروا إلى صاحبها باعتباره يقضي يومه‬
‫متنقالً بين األغنام والحمير وأرباقها‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد الفرزدق يسخر من‬
‫وضعية جرير في أثناء رعيه ألغنامه‪ ،‬حيث يرسم صورة له متنقالً بين حظائر‬
‫األغنام‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫رِبْقَيْنِ بَيْنَ حَظَائِ ِر األَغْنَامِ‪.‬‬ ‫وَتَرَى عَطِيَّ َة ضَارِباً بِفَنَائِهِ‬
‫( )‬
‫أَرْبَاقُ صَاحِبِ ثَلَّةٍ وَبِهَامِ‪.‬‬ ‫ت عِنْدَ ُه‬
‫مُتَقَلِّدًا لِأَبِيْهِ كَانَ ْ‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬


‫‪.‬‬ ‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪211‬‬

‫وعلى المنوال الساخر نفسه من حالة الراعي البائسة بسبب مشقة الرعي‪ ،‬نرى‬
‫األخطل يرسم صورة ساخرة لنسوة جرير وقد ظهر عليهنَّ إجهاد الرعي في‬
‫أقدامهنَّ من كثرة العدو خلف األغنام‪ ،‬وتقرّح أعجازهنَّ وتقيحها من كثرة ما يحملن‬
‫من األثقال‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ح الذُّنَابَى بالسَّوِيَّةِ والزَّفْرِ‪.‬‬
‫وَقَا َ‬ ‫ل رَعْيِهَا‬
‫تَرَى كَعْبَهَا قَ ْد زَالَ مِنْ طُ ْو ِ‬

‫أمَّا جرير فقد نظر إلى بني تيم وارتباطهم بالرعي من منظور ثنائية الضعف‬
‫والقوة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وَلَ ْم يُحْسِنُوا عَقْدَ القِلَادةِ بِالمهْرِ‪.‬‬ ‫ي عَقْدَ نِجَافِهِ‬
‫ن التَّيْمِ ُّ‬
‫وَقَدْ يُحْسِ ُ‬
‫( )‬
‫ن عَلَى الثَّغْرِ‪.‬‬
‫َفوَا ِرسُ تَيْ ٍم مُعْلَمِي َ‬ ‫َضلُ تَيْ ٌم في البِرَا ِد وَلَا يُرَى‬
‫تُف ِّ‬
‫فجرير رسم ثنائية القوة والضعف من خالل نفي الشجاعة عند المسخور منهم‪،‬‬
‫فهم ‪ -‬في نظر الساخر(القوي) ‪ -‬رعاعٌ ال يحسنون إلَّا نجاف التيوس‪ ،‬وال يحسنون‬
‫حمل السالح وخوض المعارك الحربية‪.‬‬
‫‪ -11‬سخرية ألفاظ الحسب والنسب‪:‬‬
‫اعتمد الشعراء األمويون في بناء السخرية القائمة على ألفاظ األحساب‬
‫واألنساب على ثنائية (الطموح والواقع)‪ ،‬فالمسخور منه يطمح في اعتالء سلم النسب‬
‫الرفيع والحسب المشرف في الواقع االجتماعي‪ ،‬ولكن واقع المسخور منه االجتماعي‬
‫يتناقض عمَّا يطمح إليه‪.‬‬
‫وقد تأسست سخرية الحسب والنسب باالعتماد على توصيف المهنة والمأكل‬
‫والملبس وركوب البطوالت والصعاب كدالئل تبيّن الواقع‪ ،‬وتكسر الطموح عند‬
‫المسخور منه‪.‬‬

‫( ) ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫‪.‬‬ ‫‪4-‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫‪211‬‬

‫وفي هذا الشأن نجد األخطل يسخر من طموح جرير العتالء النسب الدَّارِمي‪،‬‬
‫معتمداً في سخريته على ثنائية الواقع والطموح‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ت بِحَدْجِ حَصَانِ‪.‬‬
‫كَأَسِيفَةٍ فَخَرَ ْ‬ ‫أَجَرِيرُ إِنَّك والذي تَسْمُو لَ ُه‬
‫ت مَذَلَّةٍ وَهَوَانِ‪.‬‬
‫بِفَنَاءِ بَيْ ِ‬ ‫ف فِي بُرْدَ ٍة حَبَقِيَّ ٍة‬
‫مُتَلَفِّ ٌ‬

‫( )‬
‫وَيَكُونُ أَكْبَرَ هَمِّهِ رِبْقَانِ‪.‬‬ ‫يَغْدُو بَنِيْهِ بِثَلَّةٍ مَذْمُومَ ٍة‬

‫فاألخطل يُعَيِّ رُ جريراً عندما طلب الشرف الدَّارِمي‪ ،‬فواقع المسخور منه دوني‪،‬‬
‫وتتجلى الدونية في حقارة الملبس واتساخه فهو (متلفِّف في بردة حبقية)‪ ،‬وأمَّا مسكنه‬
‫فهو حقير وذليل (بفناء بيت مذلة وهوان)‪ ،‬وأمَّا مأكله فرديءٌ (ثلة مذمومة)‪ ،‬وكذلك‬
‫بالنسبة لطموحه في الحياة فال همَّ له إلَّا أن يمتلك حبالً يشدُّ به أعناق دوابه (أكبر‬
‫همِّه ربقان)‪ .‬ومن هذا المنطلق تجلت حقارة نسب جرير عبر الواقع الذي صوَّره‬
‫األخطل في معيشة جرير في الواقع االجتماعي‪.‬‬
‫أمّا يزيد بن مفرغ الحميري فقد بنى سخريته من نسب عبيد اهلل بن زياد‬
‫باالعتماد على ثنائية الواقع والطموح‪ ،‬متخذاً من دائرة المكان أساساً ينطلق منه إلى‬
‫النسب الدوني للمسخور منه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ط العَجَاجِ‪.‬‬
‫ك النَّبَ ِ‬
‫قُرَى آبَائِ َ‬ ‫ب زَنْدَوَرْدٌ‬
‫ن لي هَلْ بِيَثْرِ َ‬
‫أَبِ ْ‬
‫فيزيد الحميري يسأل المسخور منه متهكماً‪ ،‬هل تحوي يثرب في خارطتها‬
‫المكانية زندورد؟ وهذا من االستحالة؛ ألنَّ زندورد‪-‬موطن المسخور منه‪-‬تقع في‬
‫واسط مما يلي البصرة(العراقية)‪ ،‬ومن هنا يصل إلى أنَّ زندورد مسكن األنباط‬
‫وليست للعرب‪ ،‬ومن هنا ينطلق إلى السخرية من نسب المسخور منه‪ ،‬متَّخذاً من‬
‫ال على دونية النسب‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫حقيقة المكان دا ً‬

‫( ) ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 28‬‬


‫( ) ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪212‬‬

‫خ المَالِحَهْ‪.‬‬
‫ف إلى السِّبَا ِ‬
‫وَبَنُو المضَا ِ‬ ‫ن بَطْحَاءُ مَكَّةَ دَارُهُ‬
‫ن مَ ْ‬
‫شَتَّا َ‬
‫وَبِذَاكَ تُخْبِرُنَا الظِّبَا ُء السَّانِحَهْ‪.‬‬ ‫ت أَنَامِلُ ُه وَلَامَ نِجَارُ ُه‬
‫جَعُدَ ْ‬
‫( )‬
‫ب النَّابِحَهْ‪.‬‬
‫فَبَنُو زِيَادٍ في الكِلَا ِ‬ ‫ت أَحْسَابُهَا‬
‫فَإِذَا أُمَيَّةُ صَلْصَلَ ْ‬
‫فيزيد الحميري في أبياته السابقة يعقد مقارنة بين مكة والسباخ المالحة‪ ،‬فالفرق‬
‫واضح بينهما ‪ ،‬فثمة فرق بين الساكنين في كال المكانين‪ ،‬فسكان مكة هم شرفاء‪،‬‬
‫وسكان البطاح نبط مزارعون‪ ،‬ويصل الساخر إلى دونية نسب المسخور منهم؛ ألنَّ‬
‫سكان البطاح قد جعدت أناملهم؛ بسبب كثرة عملهم في حراثة األرض‪ ،‬وهذه مهنة‬
‫العبيد‪ ،‬ويصل منها إلى الطبائع الخُلقية التي نشأت معهم وهما‪ :‬اللؤم والبخل‪ ،‬ومنهما‬
‫يتجلى لؤم أصلهم الذي تربوا في أحضانه‪ .‬ومن خالل هذه المقارنة بين مفارقة‬
‫المكان والسكان والصفات الخلقية يصل إلى حقيقة واقعية ينشدها زياد الحميري في‬
‫تحديد نسب آل زياد وهي العبودية‪ ،‬ومنها تتجلى دونيتهم في الواقع االجتماعي‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫ن لَا يُصَلُّونَا‪.‬‬
‫لِأَعْبُدٍ من زَوَا ٍ‬ ‫ِن العُ َبيْ َد وَمَا أّدَّتْ طَرُوقَتُ ُه‬
‫إ َّ‬
‫( )‬
‫واسْتَبْدِلُوا بِالمآزِيرِ التَّبَانِينِا‪.‬‬ ‫بِزَنْدَوَرْدٍ خُذُوا مِنْهَا مَسَاحِيَكُمْ‬
‫فيزيد الحميري في البيتين السابقين يبيِّن الواقع الحقيقي آلل زياد المتمثل في‬
‫عبوديتهم ونسبهم الوضيع‪ ،‬ولهذا سلبهم في سخرية الذعة الدين والعروبة والشرف‪،‬‬
‫ودعاهم ألخذ أدوات العمل ولبس العبودية نسباً يصلح لهم‪.‬‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه القائم على ثنائية الواقع والطموح نجد الفرزدق‬
‫يسخر من نسب جرير‪ ،‬حيث يصوِّر ساخراً طموح جرير لتقلّد النسب الدَّارِمي‪،‬‬
‫والواقع الذي يعيشه جرير بين أرباق الحمير والدواب وحظائر األغنام والكالب‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.7‬‬


‫‪.‬‬ ‫( ) ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪213‬‬

‫ن حِمَارَ ٍة وَحَمَارِ‪.‬‬
‫وَأَبُوْكَ بَيْ َ‬ ‫ن المرَاغَةِ كيف تَطْلُبُ دَارِمًا‬
‫يَا اب َ‬
‫( )‬
‫ت وَرَائِي دَارِمِي وَجِمَارِي‪.‬‬
‫خَطَرَ ْ‬ ‫ب بَنِي المرَاغَةِ رَبَّضَتْ‬
‫وَإِذَا كِلَا ُ‬
‫فالفرزدق بنى سخريته من شرف نسب جرير من خالل إيراده لمجموعة من‬
‫التناقضات في واقع جرير‪ ،‬فجرير يدَّعي شرف النسب الدَّارِمي‪ ،‬ولكن واقعه‬
‫الحقيقي المتصور في الواقع االجتماعي مختلف عن طموحه‪ ،‬فأبوه (بين حمار‬
‫وحمارة)‪ ،‬وهو يطمح في تقلد المجد البطولي للدَّارميين واكتسابه‪ ،‬ولكنه يعجز عن‬
‫حماية نفسه‪ ،‬فهو (كالكالب الرابضة)‪ ،‬ومن هنا استدل الفرزدق على دونية نسب‬
‫جرير‪.‬‬
‫ويسخر النجاشي الحارثي من قبيلة قريش في إطار ثنائية (الطموح والواقع)‪،‬‬
‫من خالل طموح قبيلة قريش في اإلمامة‪ ،‬فرسم صورة ساخرة لقبيلة قريش عبر‬
‫نسبها الذي سطره النجاشي إلى أكلة السخينة‪ ،‬فجعل من االنتساب إليها مخجالً‬
‫ومحز ناً‪ ،‬بسبب ذلك المأكل الدوني الذي ال يرقى إلى طموحهم في اإلمامة‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬

‫ن أَجْدَعَا‪.‬‬
‫وَفَى طَرَفَا ُه بَعْ َد أَنْ كَا َ‬ ‫ِن قُرَيْشًا وَاإلِمَامَةَ كَالَّذِي‬
‫إ َّ‬

‫( )‬
‫إِذَا ذُكِرَ األَقْوَا ُم أَنْ يَتَقَنَّعَا‪.‬‬ ‫ن كَانَتْ سَخِينَ ُة قَوْمَ ُه‬
‫وَحَقَّ لِمَ ْ‬

‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‪.4 0‬‬


‫( )‬
‫ديوان النجاشي الحارثي قيس بن عمرو‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪214‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫السخرية في مستوى التراكيب والجمل‬
‫‪215‬‬

‫السخرية في مستوى التراكيب والجمل‬

‫أدرك النقاد القدامى أهمية األلفاظ والتراكيب ودورها في إبراز المعاني في‬
‫الجمل وتوجيهها إلى الوجهة التي يرغب الشاعر في إظهارها لمتلقي شعره‪ ،‬ولهذا‬
‫أحسوا أنَّ التفاضل في الحسن والجمال ال يكون في المفردات وحدها‪ ،‬بقدر ما‬
‫يكون في تراكيب األلفاظ التي تؤدي دورًا كبيرًا في صياغة المعاني الشعرية‪.‬‬
‫ولهذا نجد الجاحظ يؤكد أنَّ" المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي‬
‫والعربي‪ ...‬وإنَّما الشأن في‪ ،.. .‬وفي صحة الطبع وجودة السبك‪ ،‬فإنَّما الشعر‬
‫صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير" ( )‪ .‬فجودة الشعر عنده تتجلى في‬
‫جودة تآلف كلماته‪ ،‬وحسن نسجها‪ ،‬وجماليتها التصويرية‪ ،‬وعلى هذا فهي تستطيع أنْ‬
‫"تؤدي فاعلية في التوصيل وفي خلق التأثير لدى المتلقين" ( )‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق يرى ابن رشيق القيرواني أنَّ الشعر الذي يطرب النفوس‬
‫ويهزها‪ ،‬ويحرك طباعها‪ ،‬هو الذي يقوم على "جودة األلفاظ وحسن السبك وصحة‬
‫(‪)4‬‬
‫فتأليف األلفاظ في إطار الجمل وحسن تراكيبها هو الذي يجعل منها‬ ‫التأليف‪".‬‬
‫أشعارًا مؤثرة في النفوس‪.‬‬
‫أما عبد القاهر الجرجاني فيذهب إلى أنَّ "األلفاظ ال تفيد حتى تؤلف ضرباً‬
‫خاصاً من التأليف‪ ،‬ويعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب والترتيب‪ )8(".‬فإفادة‬
‫األلفاظ عنده تكمن في تراكيبها وترتيبها في إطار الجمل‪ ،‬ولهذا يتجلى التفاضل في‬
‫األلفاظ التي توضع في السياقات المختلفة لتأدية المعنى الخاص بها من خالل‬
‫(‪)2‬‬
‫"مالءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها‪".‬‬

‫( ) الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬الحيوان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 4 - 4‬‬


‫( ) الداية‪ ،‬د‪ .‬فايز‪ ،‬جماليات األسلوب‪-‬دراسة تحليلية للتركيب اللغوي‪( ،‬حلب‪ ،‬منشورات كلية اآلداب‪ ،‬جامعة‬
‫حلب‪ 74 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫(‪ )4‬القيرواني‪ ،‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪. 2‬‬
‫(‪ )8‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ )2‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪216‬‬

‫ويرى ابن األثير أنَّ أفضلية المعاني الشعرية وجماليتها المؤثرة إنما تكون في‬
‫( )‬
‫"تراكيب األلفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها‪ ،‬ألن التراكيب أعسر وأشق‪".‬‬

‫ومما سبق اإلشارة إليه‪ ،‬فإنَّ التراكيب اللغوية والجمل تحتالن مكانة مهمة‬
‫ومتميزة في بناء الشعر‪ ،‬وفي مدى قبوله عند المتلقين واستحسانهم له‪ ،‬وتأثيره فيهم؛‬
‫( )‬
‫حيث تتركز جمالية الشعر على" الصور التركيبية التي يمتطيها الشاعر في بنائه"‬
‫لشعره‪.‬‬

‫وقد وجد الشعراء الساخرون في اللغة ضالتهم الكبرى في صياغة تراكيبهم‬


‫وجملهم وصيغها الساخرة‪ ،‬حيث استوحوا من لغتهم الساخرة التأثير في المسخور‬
‫منه من خالل تراكيبها ودالالتها التي ينسجونها في شعرهم الساخر؛ ألنَّ "للتراكيب‬
‫وظيفة جمالية في التعبير‪ ،‬وأَنَّ الشاعر إنَّما يختار هذا التركيب على ذاك مما تتيحه‬
‫(‪)4‬‬
‫له اللغة"‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ التراكيب التالزمية واإلسنادية التي تنشأ بين األلفاظ‪،‬‬
‫والصيغ االشتقاقية لأللفاظ المفردة‪ ،‬والعدول اللغوي والنحوي كلها تؤدي دوراً جماليًا‬
‫وبنائياً هامًا في الشعر األموي الساخر‪.‬‬

‫وقد تمثلت التراكيب اللغوية الساخرة في الشعر األموي في أنماط مختلفة منها‪:‬‬
‫تراكيب اإلضافة والحذف‪ ،‬والتراكيب الظرفية‪ ،‬وصيغ المشتقات اللفظية‪ ،‬وصيغ‬
‫الجموع والتصغير‪ ،‬واأللقاب‪ ،‬وتراكيب العدول اللغوي والنحوي والصرفي‪.‬‬

‫( )‬
‫ابن األثير‪ ،‬ضياء الدين‪ ،‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر‪ ،‬قدم له وحققه وشرحه وعلق عليه‪ :‬د‪ .‬أحمد‬
‫الحوفي‪ ،‬و د‪ .‬بدوي طبانة‪ ،‬ج ‪ ،‬ط ‪( ،‬الرياض‪ ،‬منشورات دار الرفاعي‪ 804 ،‬ه ‪ 744-‬م)‪ ،‬ص ‪. 84‬‬
‫( )‬
‫الواد‪ ،‬د‪ .‬حسين‪ ،‬المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ 008 ،‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪. 28‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المرجع نفسه‪. 7 ،‬‬
‫‪217‬‬

‫‪-1‬سخرية تراكيب اإلضافة والحذف‪:‬‬

‫أ‪-‬سخرية اإلضافة‪:‬‬

‫اإلضافة في اللغة تعني‪" :‬اإلسناد‪ ،‬وعند[النحاة] نسبة تقييدية بين اسمين‪،‬‬


‫أحدهما عن اآلخر‪،‬‬ ‫الواحد ال ينفك‬ ‫وهي تجعل االسمين المتضايفين كالشيء‬
‫واليكون ألي منهما معنى إلَّا مضافاً إلى قرينة" ( )‪ .‬وتهدف إلى تعريف المضاف‬
‫بالمضاف إليه إن كان معرفة‪ ،‬وتخصيصه به إن كان نكرة‪.‬‬
‫وقد وظَّف الشعراء في العصر األموي التالزم الواقع بين المسخور منه‬
‫والصفة التهكمية أو الساخرة الملتصقة به‪ .‬ومن هذا المنطلق فقد اعتمد الشعراء‬
‫األمويون في بناء السخرية القائمة على اإلضافة من خالل ما يؤديه المعنى القائم‬
‫على الجمع بين اسمين من حقلين دالليين مختلفين بطريقة جديدة ومبتكرة‪ ،‬ولهذا فإنَّ‬
‫الساخر في سخرية اإلضافة يخرج عن" عرف اللغة إلى رؤية عالقات حتمية جديدة‬
‫بين األلفاظ التي ال تترابط قطُّ في االستعمال العادي" ( )‪ ،‬وإنَّما تأتي في األسلوب‬
‫الساخر‪ .‬وقد تجلت سخرية اإلضافة في إحدى صورها من خالل ما قام به الشعراء‬
‫األمويون من المزاوجة بين األلفاظ وبعض الصفات القبيحة والدونية‪ ،‬ومن أمثلتها‬
‫قول عمر بن لجأ التيمي ساخراً من جرير والكليبيين‪:‬‬
‫بِشَارِفِهَا وَبَائِسِهَا السَّؤُولِ‪.‬‬ ‫ب اللُّؤْمِ إلَّا‬
‫وَلَمْ تُعْرَفْ كُلِيْ ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫جِحَاشَ اللُّؤْمِ فِي العَدَ ِد القَلِيْلِ‪.‬‬ ‫ت بَنِي كُلَيْبٍ‬
‫كُلَيْبٌ إنْ عَدَدْ َ‬
‫فالسخرية نبعت من التركيب اإلضافي الساخر (كليب اللؤم‪ ،‬جحاش اللؤم)‪،‬‬
‫فالتيمي يذم قوم جرير‪ ،‬ويجعل من اللؤم صفة مالزمة لكليب رهط جرير‪ ،‬ويتساوى‬

‫( ) اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ط ‪ (،‬بيروت مؤسسة الرسالة للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ 802 ،‬ه ‪ 740-‬م)‪. 4 ،‬‬
‫‪.‬‬ ‫( ) العبد‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬اللغة واإلبداع األدبي‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫(‪ )4‬شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص‬
‫‪218‬‬

‫عنده في ذلك أشراف القبيلة ودهماؤها؛ ولم يقتصر الغمز على الكنية‪ ،‬بل سلب القوم‬
‫إنسانيتهم حين نعتهم بالجحاش المعروفة بالغباء‪ ،‬ومن يمتطيها يكون مالزماً للمذلَّة‬
‫والمهانة وقلة المروءة‪ ،‬وهذا الطعن والغمز في األنساب تفنن شعراء العصر األموي‬
‫في بثه والترويج له في أشعارهم‪ ،‬والقصد من ذلك التهكم والهزء من المسخور منه؛‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ التيمي بأسلوبه التركيبي اإلضافي صوَّر قبيلة كليب بأنَّها قبيلة‬
‫مغمورة‪ ،‬قليلة الشأن والعدد‪ ،‬يركبون الحمير‪ ،‬وال يقبلون على صهوات الجياد؛ لقلة‬
‫شأنهم وهوانهم‪.‬‬
‫أما جرير فإنَّه يتخذ من اإلضافة داللة ساخرة من خالل سَوْقِ التهم وإلصاقها‬
‫بالمسخور منه‪ ،‬والتحامه بالمضاف إليه الدنيء في الطباع والسلوك‪ ،‬ومن هذا ما‬
‫قاله ساخرًا في الفرزدق واضعًا إياه في مجتمع القرود‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫لِ َيخْتَا َر الحَرَا َم عَلَى الحَلَالِ‪.‬‬ ‫خ القُرُودِ مَ َع الزَّوَاني‬
‫أَوَى شَيْ ُ‬
‫فالسخرية تجلت من إضافة القرود إلى شيخ‪ ،‬حيث أفادت التخصيص للداللة‬
‫على انحراف الفرزدق وانتمائه إلى مجتمع الرذيلة والفجور والعبث‪ ،‬وقد أوحت‬
‫كلمة شيخ بداللتها االجتماعية في البيت السابق على مروق الفرزدق‪ ،‬فنعته بالشيخ‬
‫ليدلل بذلك على فجوره وفسقه‪.‬‬
‫ويؤصل جرير عبر سخرية اإلضافة للفرزدق في الرذيلة؛ لغرض النيل من‬
‫مكانته االجتماعية‪ ،‬وتبيان دناءة أصله‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ِهزَبْرًا أَبَا شِبْلَيْنِ في الغِيْلِ قَسْوَرَا‪.‬‬ ‫عَشِيَّ َة لَاقَى القِرْدُ قِرْ ُد مُجَاشِعٍ‬
‫فالسخرية تجلت عبر تكرار لفظ(القرد)‪ ،‬فضالً عن اإلضافة للفظ قرد‪ ،‬التي‬
‫أفادت التعريف والتخصيص للفرزدق في مضمار الفجور والرذيلة‪ ،‬فهو القرد‪ ،‬وقد‬
‫تخصص عبر إضافته إلى مجاشع‪ ،‬للداللة على زعامته للفحش فيها‪ .‬ومن هذا‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪.8 4‬‬


‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 84‬‬
‫‪219‬‬

‫الذل‬
‫ِّ‬ ‫المنطلق فإنَّ جريراً يرسم لخصمه لوحة عبر سخرية اإلضافة دلَّت على‬
‫واالحتقار والضعف ودناءة األصل‪ ،‬بينما صوَّر جرير نفسه في الشطر الثاني عبر‬
‫تركيبة اإلضافة (أبا شبلين) التي تجلت منها نوازع جرير األبوية الصادقة‪ ،‬وحنانه‬
‫الدائم تجاه أبنائه‪ ،‬وهناء المعيشة وصفائها التي يقضيها مع أوالده خالفاً للمسخور‬
‫منه (الفرزدق) الذي صوَّره بالقرد العابث الالهي وراء نزواته طوال الليل‪ ،‬ومن هنا‬
‫تكمن المفارقة في اإلضافتين السابقتين (قرد مجاشع‪ ،‬أبا شبلين)‪ ،‬فاألولى دلَّت على‬
‫دناءة األصل واالستهزاء‪ ،‬أمَّا الثانية فقد دلَّت على السيادة والشجاعة واالعتزاز‬
‫بالذات‪.‬‬
‫أمَّا يزيد بن مفرغ الحميري فيتخذ من التركيب اإلضافي الساخر مراتب يتدرج‬
‫فيها إلى أعلى مراتب السخرية واالحتقار من المسخور منه‪ ،‬حيث يقول ساخراً من‬
‫عبيد اهلل بن زياد‪:‬‬
‫( )‬
‫عُبَيْ َد اللُّؤْ ِم عَبْ َد بَنِي عِلَاج‪.‬‬ ‫هلل عَنِّي‬
‫أَلَا أَبْلِ ْغ عُبَيْ َد ا ِ‬
‫حيث تجلت في اإلضافة األولى (عبيد اهلل) اسم المسخور منه‪ ،‬ومنها تبرز‬
‫عبوديته هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬أمَّا اإلضافة الثانية (عبيد اللؤم) فقد استبدل يزيد‬
‫الحميري عبودية المسخور منه من عبودية اهلل إلى عبودية اللؤم مما يعمق االحتقار‬
‫له‪ ،‬أما التركيب اإلضافي الثالث (عبد بني عالج) فهي أكثر إيالماً وإقذاعاً في‬
‫المسخور منه‪ ،‬فقد خصص عبودية المسخور منه لبني عالج‪ ،‬حيث تربى عبيد اهلل‬
‫في بني عالج قبل استلحاق أبي سفيان ألبيه‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ يزيد الحميري‬
‫في سخرية التركيب اإلضافي الثاني والثالث يؤصل آلل زياد في "رق العبودية الذي‬
‫( )‬
‫حاولوا اإلفالت من إساره‪ ،‬والتخلص من عاره"‪.‬‬

‫( ) ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪.49‬‬


‫( ) أبو صالح‪ ،‬د‪ .‬عبدالقدوس‪ ،‬يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬حياته وشعره‪ ،‬ط‪( ،4‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫‪ 8 8‬ه ‪ 774 -‬م) ‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪211‬‬

‫ويتجلى في سخرية اإلضافة ملمحٌ آخر من مالمح بناء التركيب اإلضافي‬


‫الساخر‪ ،‬حيث يتمثل هذا في تراكيب أسماء الكُنَى‪ ،‬فقد اتجه كثيرٌ من الشعراء‬
‫األمويين إلى تركيب الكُنَى بطريقة غير مألوفة‪ ،‬من حيث المعنى واالستخدام‬
‫ولكن الشعراء‬
‫َّ‬ ‫المألوف‪ .‬فالكنية عند العرب عاد ًة تكون من ظواهر التعظيم والتبجيل‪،‬‬
‫الساخرين نقلوا حالة الرفعة في الكُنى إلى حالة الذم والضِّعة‪ ،‬ويهدفون من هذا النقل‬
‫إلى إبراز التهكم واالستهزاء من المسخور منه‪.‬‬
‫ويتكون التركيب اإلضافي في الكُنى من أب‪ ،‬أم‪ ،‬ابن‪ ،‬ومن ثم اسم المضاف‬
‫إليه‪ ،‬وفي هذا المضمار نجد الشعراء قد استخدموا الكُنَى المصدرة ب (أب) لغرض‬
‫االستهزاء واالحتقار من المسخور منه‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول ليلى األَخْيَلِيَّة تسخر من‬
‫ُبخْ ِر عبد الملك بن مروان‪ ،‬حيث تقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ن فُوه الدَّهْرِ دَامِي‪.‬‬
‫أَبَا الذُّبَا ِ‬ ‫َأ أَجْ َعلُ مِ ْثلَ تَوْبَ َة فِي نَدَاه‬
‫ومنه أيضا قول أبي قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ساخراً من‬
‫بُخْرِ عبد الملك بن مروان متخذاً من مصرع الذباب عند فيهه مصدراً للكنية‬
‫الساخرة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ل ذَّ ُوو العُقُولِ‪.‬‬
‫لِيَعْلَ َم مَا تَقُو ُ‬ ‫ب‬
‫ُن أَبا ذُبَا ٍ‬
‫فَعَدِّدْ مِثْلَه َّ‬
‫( )‬
‫ولَا لِي فِي األَزَارِقِ مِنْ سَبِيلِ‪.‬‬ ‫فَمَا الزَّرْقَا ُء لِي أُمّاً فَأَخْزَى‬
‫فالمتأمل في البيتين السابقين يتجلى له التركيب اإلضافي الساخر في كنية عبد‬
‫الملك بن مروان (أبا الذبان‪ ،‬وأبا ذباب)‪ ،‬حيث صوَّرت التعيير بالبُخْرِ الذي كان‬
‫يتميز به المسخور منه‪.‬‬

‫أما الحكم بن عبدل األسدي فيسخر من محمد بن حسان التميمي الذي كان يمتاز‬
‫برائحته الكريهة وبخره‪ ،‬فقال ساخرًا منه بكنيتين ساخرتين من بخره‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫( ) ديوان ليلى األخيلية‪ ،‬ص‪4‬‬


‫( ) أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬ص ‪. 89‬‬
‫‪211‬‬

‫ت مِثْلَكَ في مَعْدِ‪.‬‬
‫وَلَا صَادَفْ ُ‬ ‫ن مِثْلِي‬
‫فَمَا صَادَفْتَ في قَحْطَا َ‬

‫أَبَا بَخَرٍ لَتَتَّخِمَنَّ رَدِّي‪.‬‬ ‫ن يَمِيْنًا‬


‫فَأَقْسِ ُم غَيْرَ مُسْتَثْ ٍ‬

‫ك من أَكفَاءِ قَ ْيسِ بن عَاصَمِ‪.‬‬


‫أَبُو المِسْ ِ‬ ‫ومَا كَانَ حَسَّانُ بن سَعْدٍ وَلَا ابْنُ ُه‬

‫( )‬
‫ت ال َكرَائِمِ‪.‬‬
‫وَضَيَّ َع أَمْرَ المُحْصَنَا ِ‬ ‫وَلَكِنَّ ُه رَدَّ الزَّمَانَ على اسْتِ ِه‬

‫فالتركيب اإلضافي الساخر (أبا بخر‪ ،‬وأبو المسك) أحال على الصورة الكريهة لفم‬
‫المسخور منه والبخر الذي ينفح من ثناياه‪.‬‬

‫وعلى المنوال الساخر نفسه القائم على الكُنى الساخرة‪ ،‬نجد اللعين المنقري‬
‫يسخر من رؤبة بن العجاج من خالل اقتصاره على كتابة األراجيز الشعرية‪ ،‬وعدم‬
‫كتابة أنواع مختلفة من الشعر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫خوَرَ‬
‫ت اللُّؤْمِ وَال َ‬
‫وَفِي األَرَاجِيزِ خِلْ َ‬ ‫أَبَا األَرَاجِي ِز يَا بنَ اللُّؤْمِ تُوعِدُنِي‬

‫فاللعين المنقري جعل من األراجيز ابناً للعجاج في إشارة ساخرة منه إلى أنَّ ذلك‬
‫غريزة فيه‪ ،‬وأنَّه ال يحسن كتابة القصائد والتصرف في أنواع الشعر‪ ،‬فجعل من‬
‫اقتصاره على كتابة األراجيز داللة على لؤم طبعه‪ ،‬ودناءة أصله‪ ،‬ومهانة نفسه‬
‫وضعفها‪.‬‬

‫ويسخر جرير من الفرزدق عبر تكنيته بأبي رخال‪ ،‬وهي نسبة إلى مجتمع‬
‫الحيوانات‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫نَعَا ُم الصَّيْفِ زَفَّ مَعَ الرِّئَالِ‪.‬‬ ‫ت‬


‫كَأَنَّكُ ْم بِأَمْعَزَ وَارِدَا ٍ‬

‫‪.‬‬ ‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪4 ، 02 ،‬‬


‫( ) اللعين المنقري‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬عبدالعزيز إبراهيم‪ ،‬مجلة العرب‪( ،‬الرياض‪ ،‬دار اليمامة للبحث‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬المجلد (‪ ، )88‬العدد (‪ 007 ، )4-9‬م) ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪212‬‬

‫( )‬
‫ن أَبَا رُخَالِ‪.‬‬
‫أَزَبَّ المِنْخَرَيْ ِ‬ ‫سلْ في الضِّئِيْن مُجَاشِعِيًّا‬
‫فَأَرْ ِ‬

‫فالسخرية تجلت في الكنية التي أطلقها جرير على الفرزدق (أبا رُخال)‪ ،‬فقد جعله‬
‫بهذه الكنية مع المعزى الواردات إلى الماء‪ ،‬وتتعمق السخرية أكثر عندما حطَّ من‬
‫قدره و احتقره بوصفه أباً ألنثى الضأن‪ ،‬فضالً عما تمتاز به الضأن من ذُلٍّ وخوفٍ‬
‫على صعيد البيئة الحيوانية‪.‬‬

‫والمتأمل أيضاً في تراكيب الكُنَى الساخرة التي أطلقها الشعراء األمويون‪ ،‬يرى‬
‫أنَّها كانت تتجه نحو األمهات‪ ،‬من خالل وصفهنَّ بصفات مذمومة كاللؤم مثالً‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة هذه التراكيب قول يزيد بن مفرغ الحميري ساخراً من أم عبيد اهلل بن زياد‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ن اللَّكَاعِ‪.‬‬
‫ت اب َ‬
‫جُنُوناً مَا جُنِنْ َ‬ ‫َي جَهْالً‬
‫ب عَل َّ‬
‫ت الذُّنُو َ‬
‫تَبَغَّيْ َ‬

‫فالتركيب اإلضافي الساخر (ابن اللكاع) دَلَّ على السخرية من أم المسخور منه‬
‫اللئيمة‪.‬‬

‫أمَّا جرير فقد سخر من أم األخطل النصرانية‪ ،‬التي كان يفوح من ثنايا جسدها‬
‫الروائح الكريهة؛ بسبب أكلها لحم الخنزير‪ ،‬فقال ساخراً من األخطل مستخدماً كنية‬
‫ساخرة ألمه من الواقع المعيشي للنصارى‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫س إِذا ذَخَرُوا‬
‫ت إِلَى قَيْ ٍ‬
‫أَ ْم مَنْ جَعَلْ َ‬ ‫ن عَدلْتَ بِنَا‬
‫ن الخَبِيْثَ ِة رِيحاً مَ ْ‬
‫يَابْ َ‬

‫ويتجه الشعراء األمويون في الصور الساخرة عبر تراكيب اإلضافة إلى‬


‫تأصيل االحتقار والوضاعة في المسخور منه من جهة أبيه وأمه وإخوته‪ ،‬بحيث‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8 7‬‬


‫( ) ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪. 2‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫‪213‬‬

‫ينتقي الشاعر الساخر في المركب اإلضافي صورًا حيوانية‪ ،‬يتجلى منها حقارة الكلب‬
‫وقذارة الجعالن‪ ،‬وبذرة البغل المهجن‪ ،‬وفسوق القرد ومجونه‪ ،‬وبالدة الحمار‪،‬‬
‫وتهدف هذه السخرية إلى الحط من مكانة المسخور منه اجتماعياً وجمالياً‪ .‬ومن أمثلة‬
‫سخرية التركيب اإلضافي الذي يعيِّر باألمهات‪ ،‬ما يقوله عمر بن لجأ ساخراً من أم‬
‫جرير عبر مسخها بصورة األتان والدابة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ض القَصِيْدُ قَصِيدَا‪.‬‬
‫ت إذَا نَقَ َ‬
‫وَغُلِبْ َ‬ ‫َولَ مَرَّ ٍة‬
‫ت أ َّ‬
‫ن بَدَأْ َ‬
‫ن األَتَا ِ‬
‫يَا بْ َ‬
‫( )‬
‫ن تَكَلَّمَ عُودَا‪.‬‬
‫حَسَب ًا وَأَخْوَ ُر مَ ْ‬ ‫ت أَلْأَ ُم مَنْ مَشَى‬
‫يَا بْنَ المرَاغَ ِة أَنْ َ‬

‫وفي موضع آخر يسخر الفرزدق من والد جرير عبر مسخه بصورة الكلب‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ك فِي حِلْفٍ فَمَا أَنْتَ صَانِعُ؟‬
‫وَلَ ْم تَ ُ‬ ‫ل‬
‫ك نَهْشَ ٌ‬
‫ب أَلْقَتْ َ‬
‫ن الكَلْ ِ‬
‫ت يَا بْ َ‬
‫إِذَا أَنْ َ‬

‫وفي صورة أخرى يسخر من والد جرير وعمه عبر مسخهما في صورة‬
‫جعالن الرغام‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ل العَصَائِبِ‪.‬‬
‫َلهُ ْم ثُكَنٌ والقَوْمُ مِي ُ‬ ‫ل والجِحَاشُ كَأَنَّهَا‬
‫لَقُوا ابْ َنيْ جِعَا ٍ‬

‫فأبناء الجعال هما‪ :‬عطية‪-‬جد جرير‪-‬وأخوه‪ ،‬وانتساب والد جرير وعمه إلى‬
‫الجعالن تتجلى منه السخرية الدالة على سواد المسخور منهما وقذارتهما‪ ،‬فضالً عن‬
‫(‪)8‬‬
‫غذائهما الدوني النتن الذي هو عذرة قذرة‪.‬‬

‫ويسخر يزيد بن مفرغ الحميري من عبيد اهلل بن زياد من خالل السخرية من‬
‫هجنة أبيه واستلحاقه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( ) شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪.90‬‬


‫‪.4‬‬ ‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫(‪ )8‬يُنْظر‪ :‬الفحام‪ ،‬شاكر‪ ،‬الفرزدق‪ ،‬ط ‪( ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ 799 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪.844-84‬‬
‫‪214‬‬

‫( )‬
‫ن الكَابِي‪.‬‬
‫ن الكَوْدَ ِ‬
‫ن الخَبِيْثَةِ وَابْ ِ‬
‫لِابْ ِ‬ ‫أَقُولُ‪ :‬بُعْدًا وَسُحْقًا عِنْ َد مَصْرَعِ ِه‬

‫فسخرية التركيب اإلضافي تجلت في (ابن الكودن)‪ ،‬والكَوْدَنُ‪ :‬هو الفرس الهجين‬
‫والبغل‪ ،‬وفي هذا تعييرٌ لقصة استلحاق أبيه وهجنته من معاوية‪ ،‬ومنها يتجلى‬
‫( )‬
‫عند المسخور منه‬ ‫السخرية من" زيف النسب ووضاعة األصل ولؤم العرق"‬
‫(عبيد اهلل بن زياد)‪.‬‬
‫أما األقيشر األسدي فيسخر من رجل من بني تميم تقدم لخطبة امرأة‪ ،‬فقال‬
‫ساخرًا من الرجل عبر نسبته وإخوته إلى القرود‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وَإلَيْنَا حَضْرَمَوْتُ تُنْتَسَبُ‪.‬‬ ‫ت أَحْسَابَنَا‬
‫حَضْرَمَوتُ فَتَّشَ ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫هلل العَرَبُ‪.‬‬
‫بَرِئَتْ مِنْكُمْ إِلَى ا ِ‬ ‫إِخْوَ ُة القِرْ ِد وَهُ ْم أَعْمَامُ ُه‬
‫فالسخرية في التركيب اإلضافي (إخوة القرد)‪ ،‬وهو ما يوحي بفجورهم ومجونهم‬
‫وفسقهم‪.‬‬
‫ولهذا يمكن القول إنَّ اإلضافة ب (ابن‪ ،‬أوأبو‪ ،‬أوأخو) كان لتأكيد قرابة المسخور‬
‫منه من الصفة المذمومة وتأكيد إلتصاقها به‪ ،‬فهو الينعت بها وحسب‪ ،‬بل هي جزء‬
‫من تكوينه‪.‬‬
‫ومن التراكيب اإلضافية الساخرة تتجلى مسميات تقوم على النعوت الهازلة‪ ،‬بحيث‬
‫يعيّر بها المسخور منه‪ ،‬فتلتصق به التصاقاً حتى تصبح الزمة مكررة ُينَادى بها‪،‬‬
‫ومن ثم تصير لقباً خاصاً به‪ ،‬ومن هذه المسميات القائمة على النعوت الساخرة قول‬
‫جرير في السخرية من الفرزدق والمجاشعيين‪:‬‬
‫ج والقِذَامِ‪.‬‬
‫بَنُو جَوْخَى وَخَجْخَ ٍ‬ ‫ِن مُجَاشِعاً فَتَعَرَّفُوهُ ْم‬
‫فَإ َّ‬

‫( ) ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪.48‬‬


‫( ) أبو صالح‪ ،‬عبدالقدوس‪ ،‬يزيد بن مفرغ الحميري‪ :‬حياته وشعره‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫(‪ )4‬العشاش‪ ،‬الطيب‪ ،‬األقيشر األسدي‪ :‬أخباره وأشعاره‪ ،‬حوليات الجامعة التونسية‪( ،‬تونس‪ ،‬العدد (‪، )4‬‬
‫‪ 790‬م) ‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪215‬‬

‫يَوْمَ الزُّبَيْرِ كَسَا الوُجُو َه غُبَارَا‪.‬‬ ‫ل لَهُمْ‬


‫وَإِذَا لَقِيْتَ بَنِي خَضَافٍ فَ ُق ْ‬
‫( )‬
‫ل الحَدِيدِ مُرْهَفُ‪.‬‬
‫ك مَصْقُو ُ‬
‫بِكَفَّيْ َ‬ ‫وَلَ ْو كُنْتَ مِنَّا يَا بْنَ شِعْرَةَ مَا نَبَا‬
‫ويقول أيضاً ساخرًا من البعيث المجاشعي‪:‬‬
‫( )‬
‫ن الضَّرُوطِ فَتَعَْلمَا‪.‬‬
‫بِأَيَّامِنَا يَا ابْ َ‬ ‫ال‬
‫ن كُنْتَ جَاهِ ً‬
‫سأْ‬
‫ت النَّا َ‬
‫فَهَلَّا سَأَلْ َ‬
‫فالتراكيب الساخرة (بنو جوخى‪ ،‬وخجخج والقذام‪ ،‬وبنو خضاف‪ ،‬وابن شعرة‪،‬‬
‫وابن الضروط) تحتوي على نعوت هازلة وساخرة‪ ،‬توحي بدالالت استهزاء‬
‫واستخفاف وضحك من المسخور منه‪ ،‬بحيث يكتسب من ترديدها على لسان الناس‬
‫في ذلك العصر ألقاباً دونية على المسخور منه‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ استخدام‬
‫الشعراء لتراكيب اإلضافة الساخرة عبر إضافة الكُنى الساخرة المتمثلة في الصور‬
‫الحيوانية أو النعوت الهازلة إنَّما تدل على "سباب عامي مبتذل‪ ،‬ال يفترق كثيراً عمَّا‬
‫يسمع من شتائم الدهماء‪ ،‬التي تتناول اآلباء واألمهات‪ ،‬وال تعف عن استعمالها في‬
‫(‪)4‬‬
‫صيغتها السوقية المسفة"‪.‬‬
‫وفي إطار السخرية القائمة على تراكيب اإلضافة فإنَّ الدارس للشعر األموي‬
‫يلحظ نمطاً تركيبياً في هذه السخرية‪ ،‬يتمثل في تعدد المضافات التي تقوم عليها‬
‫سخرية اإلضافة‪ ،‬ممَّا يوحي بتعميق االحتقار والتهكم بالمسخور منه‪ .‬ومن أمثلة‬
‫السخرية القائمة على تعدد المضافات قول عمر بن لجأ ساخراً من جرير‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫ن لَ ُه غِضَابَا‪.‬‬
‫سَتَعْلَمُ مَنْ يَكُو ُ‬ ‫ب تَيْماً‬
‫ت القُنْ ِ‬
‫تُعَيِّرُنَا ابْن ذَا ِ‬
‫ث الغلَابَا‪.‬‬
‫مُغَالَبَتِي وَلَ ْم تَرِ ِ‬ ‫ت النّكْثِ تَرْجُو‬
‫ك يَا ابْنَ ذَا ِ‬
‫لَعَلَّ َ‬
‫(‪)8‬‬
‫ن القُوَى مني أَمَرَّ وَأَحْصَدَا‪.‬‬
‫بِمَتْ ِ‬ ‫ت اسْتِهَا إذْ قَرَنْتَ ُه‬
‫ن اِخْتَا ِ‬
‫َج ابْ ُ‬
‫فَض َّ‬

‫‪.49 ،‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪9 ،20‬‬


‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.282‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )4‬حسين‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬الهجاء والهجاؤن في صدر اإلسالم‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫(‪ )8‬شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪.40 ،24 ،24‬‬
‫‪216‬‬

‫فالتراكيب اإلضافية الساخرة (ابن ذات القنب‪ ،‬وابن ذات النكث‪ ،‬وابن اختات‬
‫استها) كشفت عن السخرية من أم المسخور منه‪ ،‬فهي من ناكثات العهود‪ ،‬وهي‬
‫الخسيسة األصل ‪ ،‬وتتعمق السخرية عندما أنزل أم المسخور منه منزلة الحيوانات‬
‫من ذوات الحافر‪.‬‬
‫ويسخر الحكم بن عبدل األسدي عبر تعدد المضافات من المسخور منه محمد بن‬
‫عمير من خالل التعيير بأمه وبضعة نسبها وخستها وفقرها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ُب التقربِ تَجْبُنُ‪.‬‬
‫ت من ح ِّ‬
‫إنْ كُنْ َ‬ ‫ص مُحَمَّدٍ‬
‫ن آكِلَ ِة العفا ِ‬
‫ُقلْ البْ ِ‬
‫( )‬
‫ل أَهْوَنُ‪.‬‬
‫وَلَحَصْ ُد أَنْفِكَ بِالمَنَاجِ ِ‬ ‫أَلْقَيْتَ نَفْسَكَ في عَرُوضِ مَشَقَّ ٍة‬
‫فالتركيب اإلضافي الساخر (ابن آكلة العفاص) تجلى منه السخرية من أم المسخور‬
‫منه عبر أكلها الدوني والوضيع‪ ،‬المتمثل في أكل العفاص‪ ،‬وهو ثمر يمتاز بطعمه‬
‫المر يستعمل دواءً لقبض البطن‪ .‬وعلى المنوال الساخر نفسه من المأكل الدوني ألم‬
‫المسخور منه‪ ،‬نلحظ جريراً يسخر من أم البعيث عبر تعدد المضافات الدالة على‬
‫حقارة أمه ومأكلها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫حَرْب ًا عَلَيْكَ ثَقِيْلَةَ األَجْرَامِ‪.‬‬ ‫ن آكِلَ ِة النُّخَالَةِ قَ ْد جَنَى‬
‫ِن ابْ َ‬
‫إ َّ‬
‫ويواصل جرير سخريته من أم المسخور منه األخطل من خالل السخرية من‬
‫الصليب الذي تلبسه‪ ،‬فقال مستخدماً تعدد المضافات‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ن عَادَانِي‪.‬‬
‫حَتَّى يَذُوقَ بِكَ ْأسِ مَ ْ‬ ‫س ابْنُ عَابِد ِة الصَّلِيْبِ بِمُنْتَهٍ‬
‫لَ ْي َ‬
‫وكقوله ساخرًا من أم البعيث الفارسية‪:‬‬
‫ثَلَاثَ ُة غِرْبَانٍ عَلَيْهِ وُقُوعُ‪.‬‬ ‫ن كَأَنَّمَا‬
‫أَلَ ْيسَ ابنُ حَمْرَاء العِجَا ِ‬
‫(‪)8‬‬
‫ي اللُّؤْمِ فَهُوَ رَضِيعُ‬
‫وَرَاضَ َع ثَدْ َ‬ ‫ن أُمِّ ِه‬
‫أَصَابَ قَرَا ُر اللُّؤْمِ فِي بَطْ ِ‬

‫‪.‬‬ ‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.298‬‬
‫(‪ )8‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.4 2‬‬
‫‪217‬‬

‫أما الراعي النميري فيسخر من قيس بن كبة الذي أغار على امرأة من بني‬
‫نمير‪ ،‬فقال ساخراً ومحقرًا من أصله‪:‬‬
‫( )‬
‫وَشَّى بِكَ وَاشٍ مِنْ بَنِي أُخْتِ مِسْرَدِ‪.‬‬ ‫بَكَتْ عَيْنُ مَنْ أَذْرَى دُمُوعَكِ إنَّما‬
‫فالتركيب اإلضافي الساخر (بني أخت مِسْرَد) تتجلى منه السخرية من المضاف إليه‬
‫(مسرد) ‪ ،‬والمسرد هو الخراز‪ ،‬ولهذا فإنَّ خرز القرب تُعَدُّ مهنةً لإلماء‪ ،‬وقد نعته‬
‫بهذه التسمية ألنَّه ابن أَمَةٍ‪ ،‬ال مروءة فيه‪ ،‬ولهذا دعا عليه في الشطر األول من البيت‬
‫بالبكاء والحزن؛ بسبب عمله المشين في حق المرأة النُّميرية‪.‬‬
‫وفي إطار بناء المعنى الساخر عبر سخرية اإلضافة تبرز آلية أخرى في بناء‬
‫السخرية تتمثل في اإلرداف الخلفي‪ ،‬وهو ما سمَّاه حازم القرطاجني ب "إضافة ضد‬
‫الشيء إليه" ( )‪.‬‬
‫وتتجلى القيمة األسلوبية لهذه المزاوجة بين الشيء وضده في تعميق اإلحساس‬
‫بالمعنى عن طريق الجمع بين العناصر المتضادة‪ ،‬فيحدث التأثير باإلحساس الساخر‪،‬‬
‫فيتحوَّل االستخدام الجديد لهذه المزاوجة إلى معنى االحتقار والسخرية‪ .‬ومن أمثلة‬
‫هذه المزاوجة الساخرة قول جرير ساخراً من بني مجاشع الذين غدروا بالزبير‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫نَعَى جَارَ األَقَا ِرعِ والحُتَاتِ‪.‬‬ ‫ب الحَمَا ُم حَمَامُ نَجْدٍ‬
‫إِذَا طَرِ َ‬
‫فالسخرية تجلت من اإلضافة والمزاوجة بين (جار) و(األقارع والحتات)‪ ،‬فالجار‬
‫الذي يقصده جرير في بيته هو الزبير‪ ،‬وأمَّا األقارع والحتات فهم المجاشعيون‪،‬‬
‫وإطالق الشاعر الساخر للجار على الزبير وإضافته لألقارع والحتات يوحي بالتضاد‬
‫في المعنى؛ ألنَّه رسم "التبادل بين لوازم مقامين متضادين يولد الدهشة والضحك"(‪،)8‬‬

‫( ) ديوان الراعي النميري‪ ،‬ص ‪.48‬‬


‫( ) القرطاجني‪ ،‬حازم‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬ص ‪.4 9‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫(‪ )8‬الحلواني‪ ،‬عامر‪ ،‬أساليب الهجاء في شعر ابن الرومي‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫‪218‬‬

‫فالمجاشعيون غدروا بالزبير‪ ،‬ونكثوا عهدهم به‪ ،‬ولم يكونوا أوفياء للجيرة معه‪،‬‬
‫وعلى النقيض مما عملوه‪ ،‬فالدين واألعراف واألخالق تقتضي أن يكون الجار وفيّاً‬
‫لجاره‪ ،‬ومسانداً له عند الشدة‪ ،‬ولهذا اكتسبت ثنائية (الجار والغدر) معنى جديداً‬
‫مشحوناً بالسخرية في هذا التركيب اإلضافي‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ "السخرية نابعة‬
‫( )‬
‫من إضافة جار إلى األقارع والحتات ليزيد[الساخر] في تفخيمهم"‪.‬‬
‫أمَّا جميل بثينة فيسير على المنوال الساخر نفسه القائم على المزاوجة بين‬
‫المتضادين‪ ،‬حيث يقول ساخراً من (حباب) سارق بردة ضيفه‪:‬‬
‫( )‬
‫وَجَدِّي يَا حَجَّاجُ فَا ِرسُ شَمَّرَا‪.‬‬ ‫ف بُرْدَ ُه‬
‫ق الضَّيْ ِ‬
‫ك حُبَابٌ سَارِ ُ‬
‫أَبُو َ‬
‫فالسخرية تجلت في المزاوجة بين (سارق والضيف)‪ ،‬فمن الثابت والمعهود‬
‫عند العرب قاطبةً أنَّ الضيف يكون في مأمن وترحاب وكرم عند مضيفه‪ ،‬وال يكون‬
‫مدعاة للسرقة واالحتيال والنصب‪ ،‬بل إنَّ العرب تتفاخر وتتسابق في إكرام الضيف‪،‬‬
‫وإشعال نيرانها ليهتدي إليها التائهون في الصحراء‪ ،‬فيحلون عليهم ضيوفاً‪ .‬ولكنَّ‬
‫جميل بثينة ساق على سبيل السخرية من المضيف‪ ،‬صورة تتنافى مع المألوف من‬
‫شيم العرب‪ ،‬فقد صور الضيف الذي جاء يطلب القرى يقع ضحية لمضيفه الذي‬
‫سرق بردته‪ .‬ومن خالل ثنائية (السارق‪ ،‬المضيف)‪ ،‬و(المسروق‪ ،‬الضيف) يتجلى‬
‫المعنى القائم على السخرية‪.‬‬
‫ويسخر جرير من الحكم الذي عبر عنه األخطل حينما فضل شعر الفرزدق‬
‫وقدمه على جرير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ن لَا تَجُوزَ حُكُومَ َة النَّشْوَانِ‪.‬‬
‫أَ ْ‬ ‫إن بشراً قَدْ قَضَى‬
‫يَا ذَا العَبَاءَ ِة َّ‬

‫( ) طه‪ ،‬د‪ .‬نعمان محمد أمين‪ ،‬السخرية في األدب العربي‪ ،‬ص ‪. 00‬‬

‫( ) ديوان جميل‪-‬شاعر الحب العذري‪ ،‬جمع وتحقيق وشرح‪ :‬د‪ .‬حسين نصار‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار مصر للطباعة‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫د‪.‬ت) ‪ ،‬ص‬

‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.294‬‬


‫‪219‬‬

‫فالتركيب اإلضافي الساخر (حكومة النشوان) قائم على المزاوجة بين‬


‫المتضادين في ثنائية (الحكم والسُّكْر)‪ ،‬فمن السائد في الدين والشرع والعُرف أنَّه ال‬
‫يجوز االحتكام إلى السكران‪ ،‬وذلك ألنَّه فاقد لحواسه واتزانه‪ ،‬وفي هذه الحالة ال‬
‫َد به‪.‬‬
‫يصلح حكمه وال يُعْت ُّ‬
‫ويستخدم أعشى همدان المزاوجة بين المضافين المتضادين‪ ،‬ليظهر سخريته‬
‫من المختار‪ ،‬ومن معه من السبئية‪ ،‬حيث كان المختار يقدِّم كرسياً أمام جيشه زاعماً‬
‫أنَّه من آثار سيدنا علي بن أبي طالب –كرَّم اهلل وجهه‪ ،-‬وفي هذا يقول‪:‬‬
‫ك عَارِفُ‪.‬‬
‫َوإِنِّي بِكُمْ يَا شُرْطَةَ الشِّرْ ِ‬ ‫ت عَلَيْكُ ْم أَنَّكُمْ سَبَئِيَّةٌ‬
‫شَهِدْ ُ‬
‫ت عَلَيْ ِه اللَّفَائِفُ‬
‫وَإِنْ كَانَ قَ ْد لُفَّ ْ‬ ‫وَأَقْسُ ُم مَا كُرْسِيَكُمْ بِسَكِينَ ٍة‬
‫( )‬
‫وآثَرْتُ وَحْي ًا ضَمَّنَتْ ُه المَصَاحِفُ‪.‬‬ ‫ت آلَ مُحَمَّدٍ‬
‫وَإِنِّي امْرِؤٌ أَحْبَبْ ُ‬
‫فالتركيب اإلضافي الساخر (شرطة الشرك) قائم على التضاد بين المضافين‬
‫المتناقضين في ثنائية (الشرطة والشرك)‪ ،‬فالسائد في العرف االجتماعي أنَّ الشرطة‬
‫هم حفظة األمن والسالم وهذا يتنافى مع المضاف إليه (الشرك) الذي هو الكفر‬
‫والنُّصب‪ .‬ومن هنا يتجلى التضاد بينهما‪ ،‬فالساخر قد جعل من المسخور منه شرطةً‬
‫تدافع عن األمور والعقائد الشركية‪ ،‬وتحافظ عليها في الواقع االجتماعي حتى ال‬
‫تغيب وتندثر‪ ،‬وهو ما ال تقره الشرائع اإلسالمية وعقائدها‪ ،‬ولهذا سخر أعشى‬
‫همدان من المختار وأتباعه عبر المضافين المتضادين‪.‬‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه من التركيب اإلضافي بين المتضادين‪ ،‬نجد حمزة‬
‫بن بيض يسخر من الوليد بن عبد الملك عندما تولى الخالفة‪ ،‬ووعد أهل المدينة بأنَّه‬
‫سيجزيهم ما منعهم إياه هشام بن عبد الملك‪ ،‬فقال ساخراً منه‪:‬‬

‫ُّر سَتُقْلِ ُع‪.‬‬


‫زَعَمْتَ سَمَا َء الض ِّ‬ ‫ُّر بَعْدَ مَا‬
‫ت سَمَا َء الض ِّ‬
‫وَصَلْ َ‬

‫( ) ديوان أعشى همدان وأخباره‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬حسن عيسى أبو ياسين‪( ،‬الرياض‪ ،‬دار العلوم للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ 804 ،‬ه ‪ 744-‬م) ‪ ،‬ص ‪. 84- 8‬‬
‫‪221‬‬

‫( )‬
‫وَكُنَّا كَمَا كُنَّا نُرَجِّي وَنَطْمَعُ‪.‬‬ ‫ن حَيًّا يَسُوسُنَا‬
‫فَلَيْتَ هِشَامًا كَا َ‬
‫فالتركيب اإلضافي الساخر تجلى في ثنائية (السماء والضر)‪ ،‬فالسماء ال تكون‬
‫للضر‪ ،‬ولكنها تكون للخير والعطاء والمطر والرزق للبشرية عموماً‪ ،‬وبهذا يتنافى‬
‫الضر مع السماء‪.‬‬
‫ومن العرض السابق لسخرية الجمع والمزاوجة بين العناصر المتضادة يمكن‬
‫( )‬
‫إن الشاعر الساخر في سخريته هذه "يولد المعنى من الالمعنى"‬
‫القول َّ‬
‫ب‪ -‬سخرية الحذف‪:‬‬
‫الحذف في اللغة يعني‪" :‬القطع واإلسقاط" (‪ ،)4‬وهو "ظاهرة تشيع في لغة‬
‫العرب‪ ،‬وتهدف في كل مواقعها إلى التخفيف‪[ ،‬وهو] يقع في الجملة والمفرد‬
‫(‪)8‬‬
‫والحرف والحركة"‬
‫ويرى عبد القاهر الجرجاني أنَّ الحذف في الكالم" أفصح من الذكر" (‪ ،)2‬وهو‬
‫أكثر فائدةً وبياناً إلبراز غرض المتكلم في أثناء الكالم‪ ،‬فيما يرى ابن رشيق‬
‫( )‬
‫أن العرب تستعمل الحذف" لحب االستخفاف"‪.‬‬
‫القيرواني َّ‬
‫ومن هذا المنطلق فقد استغل الشعراء األمويون ظاهرة الحذف في تراكيب‬
‫الكالم والجمل لغرض إسقاطها في بناء سخرياتهم؛ ألنَّ الحذف يحرك حواس القارئ‬
‫والسامع‪ ،‬وينشط خيال المتلقي للسخرية‪ ،‬فيخرجه" من سلبية األخذ والتلقي إلى‬
‫(‪)9‬‬
‫في أثناء قراءة األساليب الساخرة‪.‬‬ ‫إيجابية الحدس والتخييل"‬

‫( ) شعر حمزة بن بيض الحنفي‪ ،‬جمعه وحققه وشرحه‪ :‬د‪ .‬حمد بن ناصر الدخيل‪ ،‬مجلة جامعة اإلمام محمد بن‬
‫سعود اإلسالمية‪( ،‬الرياض‪ ،‬العدد (‪ ، ) 0‬جمادى اآلخرة ‪ 8 8‬ه ‪-‬ديسمبر ‪ 774‬م) ‪ ،‬ص‪.400‬‬
‫‪.‬‬ ‫( ) العبد‪ ،‬محمد‪ ،‬اللغة واإلبداع األدبي‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫(‪ )4‬لسان العرب‪ ،‬مادة (حذف)‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )8‬اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ص‬
‫(‪ )2‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪. 8‬‬
‫( ) القيرواني‪ ،‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪ ،‬ج ‪ ،‬ص‪. 28‬‬
‫(‪ )9‬الشعيبي‪ ،‬ناصر‪ ،‬التشكيل الجمالي في شعر نقائض العصر األموي‪( ،‬رسالة دكتوراه) ‪( ،‬مصر‪ ،‬قسم اللغة‬
‫العربية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة أسيوط‪ 007 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪221‬‬

‫وقد تجلت سخرية الحذف التي وظَّفها الشعراء األمويون عند بناء تراكيبهم‬
‫اللغوية الساخرة‪ ،‬وذلك عبر التالزم بين حالة المسخور منه المتصف بالعجز‬
‫والضعف والدونية‪ ،‬وبين ما يعتمل في ظاهرة الحذف كظاهرة لغوية ونحوية تعتمد‬
‫على تخفيف تراكيب األلفاظ اللغوية في حروفها وحركاتها وكلماتها‪ ،‬وفي هذا‬
‫التالزم بين حالة المسخور منه وظاهرة الحذف ما يجعل المتلقي للسخرية يعتمد على‬
‫اإليحاء لقراءة السخرية وتحليلها‪ ،‬وذلك باالعتماد على داللة المحذوف المتناسب مع‬
‫احتقار المسخور منه‪ ،‬وبهذا تكون اللغة في سخرية الحذف قد خرجت من اللغة‬
‫المألوفة إلى اللغة غير المألوفة‪ ،‬بحيث تتطابق مع حالة المسخور منه؛ ليشكل بذلك‬
‫صورة غير مألوفة في الواقع االجتماعي‪.‬‬
‫ومن أمثلة السخرية القائمة على حذف الحرف في األسلوب الساخر قول جرير‬
‫ساخرًا من أم الفرزدق قفيرة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ن تَطَهَّرَا‪.‬‬
‫وَمَا أَحْسَنَتْ مِنْ حَيْضَةٍ أَ ْ‬ ‫قُفَيْرَ ُة لَ ْم تَرْضَ ْع كَرِيماً بِثَدْيِهَا‬
‫فجرير قد حذف حرف التاء من الفعل(تتطهرا)‪ ،‬وقد جاء هذا الحذف للداللة على‬
‫االنتقاص واالستهجان من أم الفرزدق؛ بسبب عدم حرصها واهتمامها بنظافة‬
‫جسدها‪ ،‬وغاية هذا الحذف تكمن في "إبعادها عن صفات الكمال والطهر من بني‬
‫( )‬
‫جنسها"‪.‬‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه نجد جريراً يسخر من الفرزدق قائالً‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ض مُزَاحَمَةَ القُيُولِ‪.‬‬
‫عَلَى دَحْ ٍ‬ ‫ِي تَيْمٍ‬
‫فَلَنْ تَسْطِي َع يَا بْنَ دَع ِّ‬
‫فقد أسقط جرير حرف التاء من الفعل(تستطيع)‪ ،‬وقد جاء الحذف متالزماً مع حالة‬
‫ضعف عزيمة الفرزدق والتيم‪ ،‬وفتور همتهم وعجزهم‪ ،‬بحيث ال يتمكنون من‬
‫مطاولة جرير ومزاحمته‪.‬‬

‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪. 87‬‬


‫( ) عالية‪ ،‬محمد صالح‪ ،‬نقائض جرير والفرزدق‪-‬دراسة أسلوبية‪( ،-‬رسالة دكتوراه) ‪( ،‬اليمن‪ ،‬قسم اللغة‬
‫‪.‬‬ ‫العربية‪ ،‬كلية اللغات‪ ،‬جامعة صنعاء‪ 007 ،‬م) ‪ ،‬ص‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.849‬‬
‫‪222‬‬

‫ونلحظ هذه الظاهرة في شعر األخطل‪ ،‬فقد استخدم الحذف للداللة الساخرة على‬
‫ضعف جرير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ك المِطَالَا‪.‬‬
‫عَزُوم ًا لَ ْيسَ يُنْظِرُ َ‬ ‫ن أَبِي جَرِيرٍ‬
‫ت يَابْ َ‬
‫لَقَ ْد جَارَيْ َ‬
‫( )‬
‫إِذَا لَ ْم يَأْخُذُوا مِنَّا حِبَالَا‪.‬‬ ‫فَلَا وَأَبِيكَ مَا يَسْطِي ُع قَوْمٌ‬
‫فاألخطل قد حذف حرف التاء من الفعل(تستطيع) مجسداً بهذا الحذف داللة الضعف‬
‫والعجز والدونية التي تجلت في جرير وقومه‪ ،‬فهم ال يستطيعون مواجهة الغير‪ ،‬بل‬
‫إنَّهم يستمدون قوتهم من بني تغلب‪ ،‬ولهذا جاء التخفيف والحذف في فعل االستطاعة‬
‫ليتناسب مع ضعف جرير وقومه في واقعهم البطولي والقتالي واالجتماعي‪.‬‬
‫وينحو الفرزدق المنحى الساخر نفسه في الحذف‪ ،‬حيث يقول ساخراً من قبيلة‬
‫كليب‪:‬‬
‫( )‬
‫ُف األَصَابِعُ‪.‬‬
‫ت كُلَيْبٍ بِاألَك ِّ‬
‫أَشَارَ ْ‬ ‫َي النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ‬
‫ل أ ُّ‬
‫إِذَا قِي َ‬
‫فقد حذف الفرزدق حرف الجر(إلى)‪ ،‬والتقدير‪ :‬أشارت إلى كليب‪ .‬ويورد ابن هشام‬
‫في كتابه أوضح المسالك تعليقاً على هذا الحذف في بيت الفرزدق بقوله‪ :‬إِنَّ هذا‬
‫"مما بقي جره شذوذاً بعد حذف الحرف" (‪ .)4‬وعلى هذا فإنَّ هذا الحذف يُعَدُّ قاعدةً‬
‫شاذةً عند النحاة‪ ،‬فهي تتناسب مع الحالة الشاذة لقبيلة كليب الموصوفة بالذل‬
‫والهوان‪.‬‬
‫أمَّا األخطل فيسخر من الفرزدق والدارميين عبر حذف حرف النداء تحقيراً لهم‪،‬‬
‫وليناسب حالة الذُّل المحيطة بهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫عنْكُمْ فِي الهَزَاهِزِ والحَرْبِ‪.‬‬
‫تُذَبِّبُ َ‬ ‫أن أَوْلَادَ دَارِ ٍم‬
‫ب لَوْلَا َّ‬
‫بَنِي الكَلْ ِ‬

‫( ) ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 88‬‬


‫‪.4‬‬ ‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫(‪ )4‬األنصاري‪ ،‬ابن هشام‪ ،‬أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك‪ ،‬ج ‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد محي الدين عبدالحميد‪،‬‬
‫(بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪ 8 4 ،‬ه ‪ 004-‬م) ‪ ،‬ص‪. 24‬‬
‫‪223‬‬

‫( )‬
‫ل عَلَى الغَصْبِ‬
‫كَذَلِكَ يُعْطِيهَا الذَّلِي ُ‬ ‫إِذًا لَاتَّقَيْتُ ْم مَالِكًا بِضَرِيبَةٍ‬

‫وفي إطار سخرية الحذف يتجلى حذف الكلمة في الشعر الساخر‪ ،‬ليتناسب مع‬
‫حالة االحتقار واإلذالل للمسخور منه‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد الطرماح يسخر من بني‬
‫خصومه عبر الحذف‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ب القُرُون األَوَائِلِ‪.‬‬
‫تَبَارَكْتَ يَارَ َّ‬ ‫ب طَيِّءٍ‬
‫نُبِيتُ تَمِيماً تَجْتَدِي حَرْ َ‬
‫( )‬
‫ق القَبَائِلِ‪.‬‬
‫وَضَبَّةُ إِلَّا بَعْدَ خَلْ ِ‬ ‫ت تَيْ ٌم وَزَيْدٌ مَنَاتِهَا‬
‫وَمَا خُلِقَ ْ‬
‫فالطرماح قد حذف كلمة(بني) ‪ ،‬فهم بنو تميم‪ ،‬وبنو زيد مناة‪ ،‬وبنو ضبة‪ ،‬فقد تجلى‬
‫من هذا الحذف لكلمة بني داللة االستخفاف واالحتقار لهم‪.‬‬
‫وفي إطار السخرية القائمة على الحذف يتجلى الترخيم كآلية يعتمد عليها‬
‫الشعراء األمويون في بناء السخرية من خصومهم‪ .‬وفي هذا الشأن نجد البعيث‬
‫المجاشعي يسخر من ناجية بن صعصعة‪ ،‬مستخدماً حذف الحرف األخير من اسمه‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫ولَا ُمفْلِتِي إلّا رُكُوب ًا موقعَا‬ ‫ك نَاجِيًا‬
‫ِي إِنِّي ال أَخَالُ َ‬
‫أَنَاج َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ك وَأَوْضَعَا‪.‬‬
‫ن أَبِي َ‬
‫س أَدْنَى مِ ْ‬
‫من النَّا ِ‬ ‫ُد اللِّئَامُ فَلَا أَرَى‬
‫أَنَاجِيَّ قَ ْد ع َّ‬

‫فالحذف الذي أجراه البعيث في اسم ناجية‪ ،‬ينبع من الواقع النفسي الذي يختلج في‬
‫نفسه‪ ،‬والمتمثل في االنتقاص من ناجية‪ ،‬فالمسخور منه في رأيه ذو نقص؛ ألنَّه في‬
‫عداد اللئام والمحتقرين ‪ ،‬فال بُدَّ أنْ ينتقص من حروف اسمه‪ ،‬ليكون الترخيم أكثر‬
‫سخرية واستهجاناً به‪.‬‬

‫ويستخدم الفرزدق الترخيم أيضًا لالنتقاص من باهلة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( ) ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 00‬‬


‫( ) ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪. 02‬‬
‫(‪ )4‬شعر البعيث المجاشعي‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬ناصر رشيد‪ ،‬مجلة كلية اآلداب‪( ،‬العراق‪ ،‬جامعة البصرة‪ ،‬العدد‬
‫‪.‬‬ ‫) ‪ 797 ،‬م) ‪ ،‬ص‬ ‫(‪ ، ) 8‬السنة (‬
‫‪224‬‬

‫( )‬
‫ب‪.‬‬
‫مَلَأْنَا بِالمُلُوك وبالقِبَا ِ‬ ‫أَبَا ِهلَ أَيْنَ مَنْجَاكُ ْم إِذَا مَا‬
‫فقد حذف الفرزدق الحرف األخير من (باهلة)‪ ،‬ليتناسب مع مقام الزراية واالحتقار‬
‫والعجز والضعف عند الباهليين‪.‬‬
‫وينهج جرير في السخرية من سراقة البارقي مستخدماً الترخيم في اسمه‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫ت بُحُورُ‪.‬‬
‫ت عَلَيْكَ من الفُرَا ِ‬
‫بَثَقَ ْ‬ ‫ضلُ خِنْدَفًا‬
‫ك لَ ْو تُفَا ِ‬
‫ق إنَّ َ‬
‫أَسُرَا َ‬
‫ن عَلَيْكَ نَصِيرُ‪.‬‬
‫ن يَمَ ٍ‬
‫َي مِ ْ‬
‫والح ُّ‬ ‫ق إِنَّكَ لَا نِزَارًا نِلْتُمْ‬
‫أَسُرَا َ‬
‫( )‬
‫ل أَبِيكَ حِينَ نَغُورُ‪.‬‬
‫وَالغَوْرَ وَ ْي َ‬ ‫ِن لَنَا العِرَاقَ وَنَجْدَ ُه‬
‫ق إ َّ‬
‫أَسُرَا َ‬
‫فجرير قد بنى سخريته معتمداً على التكرار السم المسخور منه المرخم‪ ،‬حيث‬
‫يتمنى جرير أن يكون سراقة أمامه دائماً "فال يريد أن يغيب اسمه لحظة عن فكره‬
‫(‪)4‬‬
‫كما أنَّ مناداته بالهمزة وهو البعيد إظهارًا‬ ‫ومخيلته‪ ،‬إمعاناً في السخرية منه"‪.‬‬
‫لقربه المعنوي منه‪ ،‬وذلك بهدف السخرية والحط من قدره‪.‬‬
‫ويتابع جرير سخريته القائمة على الترخيم من ضبة‪ ،‬حيث يقول ساخراً منه‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫كَضَلَالِ شِيعَ ِة أَعْوَ َر الدَّجَّالِ‪.‬‬ ‫ن أَضَلَّكُمْ‬
‫َب إنَّ هَوَى القُيُو ِ‬
‫يَا ض َّ‬
‫فسخرية جرير قد بناها على حذف الحرف األخير من اسم (ضبة)‪ ،‬وهو ما يتناسب‬
‫مع السخرية من قينونة المسخور منه‪ ،‬فضالً عن اتصافه "بالعجز المطلق والضالل‬
‫(‪)2‬‬
‫كضالل شيعة أعور الدجال"‪.‬‬
‫ومن العرض السابق يمكن القول إنَّ سخرية الحذف قد أدَّت دوراً داللياً‪ ،‬ظهر‬
‫المعنى من خالله بطريقة تثير ذهن المتلقي‪ ،‬وتحركه الستيعاب البنية التركيبية داخل‬
‫النص الشعري الساخر‪.‬‬

‫( ) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.44‬‬


‫( ) شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.404‬‬
‫(‪ )4‬عبدالمعطي‪ ،‬محمود علي‪ ،‬نقيضتا جرير وسراقة البارقي‪-‬دراسة تحليلية‪ ،-‬ص ‪.802‬‬
‫(‪ )8‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫(‪ )2‬يوسف‪ ،‬عبدالفتاح‪ ،‬فاعلية التكرار في بنية الخطاب الشعري للنقائض‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪225‬‬

‫‪-‬سخرية داللة األزمنة واألمكنة‪:‬‬


‫( )‬
‫عرَّف النحويون الظرف بأنه "ما دلَّ على مكان الحدث أو زمانه"‬
‫ويؤدي ظرف الزمان والمكان دوراً كبيراً في حياة اإلنسان‪ ،‬فمن خاللهما يرتبط‬
‫اإلنسان باألرض واألزمان المختلفة‪.‬‬
‫والشاعر عند استخدامه لبعض الظروف" يميل إلى نوع من الدقة البصرية في‬
‫التحديد‪ ،‬وفي النظر إلى المرئيات‪ ،‬ويستثير فينا حاسة البصر كمنطلق للنظرة‬
‫( )‬
‫الشمولية في التصور"‪.‬‬
‫وقد استثمر الشعراء األمويون داللة الظروف الزمانية والمكانية بهدف توجيه‬
‫طاقتها الزمانية أو المكانية لتشويه المسخور منه‪ ،‬أو من خالل مساعدتها لكشفه في‬
‫صورة حقيرة ووضيعة‪.‬‬
‫وفي إطار استغالل الظرف الزماني للسخرية‪ ،‬نجد جريراً يستخدم (الليل)‬
‫للداللة على سرمدية المخازي عند الفرزدق‪ ،‬حيث يقول ساخراً مستغالً ظرف‬
‫الزمان لالنتقاص من أخالقه‪ ،‬وبيان فسقه‪:‬‬
‫لِيَأْمَنَ قِرْدًا لَيْلُهُ غَيْرُ نَائِمِ‪.‬‬ ‫ق مُسْلِمٌ‬
‫ن جَا ٌر للفرزد ِ‬
‫وَمَا كَا َ‬
‫(‪)4‬‬
‫لِيَرْقَى إِلَى جَارَاتِهِ بِالسَّلَالِمِ‪.‬‬ ‫َن لَيْلُ ُه‬
‫َصلُ حَبْلَيْهِ إِذَا ج َّ‬
‫يُو ِّ‬
‫فجرير في األبيات السابقة عَدَّ الليل مسرحاً لفسق الفرزدق وفجوره‪ ،‬وفي هذا‬
‫التصوير يتجلى المرتكز الداللي لسخرية جرير المتمثل في‪ :‬الليل والفرزدق والقرد‬
‫والفجور‬
‫وعلى المنوال التصويري الساخر نفسه القائم على استخدام الظرف الزماني(الليل)‬
‫للداللة على السخرية من اآلخر‪ ،‬نجد الفرزدق يصوِّر جريراً في صورة دونية‬
‫ومحتقرة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( ) اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ص ‪. 8‬‬
‫( ) حسنين‪ ،‬أحمد طاهر‪ ،‬ظرف المكان في النحو العربي وطرق توظيفه في الشعر‪ ،‬مجلة‬
‫البالغةالمقارنة‪(،‬القاهرة‪ ،‬العدد( ) ‪ 74‬م)‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪.2 0‬‬
‫‪226‬‬

‫ح األَتَانِ بِنَائِمِ‪.‬‬
‫إِذا لَم يَجِدْ رِي َ‬ ‫ي إذا جَنَّ لَيْلُ ُه‬
‫وَلَ ْيسَ كُلَيْ ِب ٌ‬
‫( )‬
‫ث المطاعمِ‪.‬‬
‫ب لِكَلْبَ ٍة غَذَّتْكَ كُلَيْبٌ فِي خَبِي ِ‬
‫فَإنَّكَ كَلْبٌ مِنْ كُلَيْ ٍ‬
‫فالفرزدق قد رسم سخريته المرتكزة على الليل في مربع داللي ساخر يتمثل في‪:‬‬
‫جرير والليل وريح األتان والخبث‪ ،‬فجرير ال يجد متعةً إلَّا عندما يشم ريح األتان‬
‫الخبيثة‪ ،‬مما يؤدي إلى سلب إرادته اإلنسانية‪.‬‬
‫ويتخذ الطرماح من الليل زمانًا للخزي الدائم عند قبيلة تميم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ل المَخَازِي عَنْ تَمِيمٍ تَجَلّتِ‪.‬‬
‫ل يَجْلُو ُه النَّهَارُ وَلَا أَرَى خِلَا َ‬
‫أَرَى اللَّيْ َ‬
‫ويجسد الشعراء األمويون عبر الظرف الزماني (النهار) نوراً ساطعاً لكل منهم‬
‫يبعد عن نفسه الظالم والخزي والعار‪ ،‬وفي هذا المجال نجد جريراً يسخر من‬
‫ال ونهاراً‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫الفرزدق الالهث وراء فسقه لي ً‬

‫(‪)4‬‬
‫ض بَسْطَ َة األَبْصَارِ‪.‬‬
‫ل يَقْبِ ُ‬
‫واللي ُ‬ ‫ك بِضَوْئِهِ‬
‫فَأَنَا النَّهَا ُر عَلَا عَلَيْ َ‬

‫فمجد جرير ساطعٌ كضوء النهار‪ ،‬والفرزدق ليلٌ مظلمٌ‪ ،‬والنهار منتصرٌ على‬
‫الليل بضوئه الذي يبدد الظلمات الكثيفة‪ .‬وأما الفرزدق فيستمد طهارته ونقاءه عبر‬
‫الظرف الزماني(النهار)‪ ،‬وبالمقابل يبرز دنس كليب وجرير في وضح النهار‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ح النَّهَارِ‪.‬‬
‫لَد ََّنسَ لُؤْمُهُ ْم وَضَ َ‬ ‫س النَّهَارَ بَنُو كُلَيْبٌ‬
‫وَلَ ْو لَ ِب َ‬

‫فالفرزدق قد تمكَّن من تحقير المسخور منه عبر الظرف الزماني(النهار)‪ ،‬وبيَّن‬


‫من خالله ضعف أصل المسخور منهم ودنسهم ولؤمهم‪ ،‬والعار الذي التصق بهم أمام‬

‫( ) نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪.924‬‬

‫( ) ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪.92‬‬

‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.4 4‬‬

‫(‪ )8‬ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.402‬‬


‫‪227‬‬

‫الناس واضحا‪ .‬ومن هذا المنطلق نرى أنَّ الشعراء في سخرياتهم قد جعلوا من‬
‫ظرف الزمان أداة "لتحويل الوجود الال أخالقي إلى واقع مناقض بالنسبة‬
‫لألنا[الساخرة] ورفضها لهذه السلوكيات"( ) المنحطة‪ ،‬التي ظهرت في المسخور منه‪.‬‬

‫أمَّا بناء السخرية بحسب الظرف المكاني فقد احتلت السخرية من منازل‬
‫المسخور منهم مكانة متميزة عند الساخرين‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد الفرزدق يسخر من‬
‫مساكن جرير وقومه‪ ،‬ويصفها بجحور الكالب‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ب قَصِيرٍ جَوَانِبُهُ مُبْلَدُ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ت الكِلَا‬
‫إِلَى مَقْعَ ٍد كَمَبِي ِ‬
‫( )‬
‫س المُقْعَدِ‪.‬‬
‫ج ُز عَنْ مَجِْل ِ‬
‫وَيَعْ ِ‬ ‫ت‬
‫يُوَارِي كُلَيْب ًا إِذَا اسْتَجْمَعَ ْ‬

‫فالسخرية تجلت من وصف مسكن جرير بمسكن الكالب‪ ،‬وهو يحمل في ثناياه‬
‫عالمات الهوان والضعف واالحتقار والهامشية؛ ألنَّ بيوت الكالب هي داللة على‬
‫الدنس والخسة والوضاعة‪ ،‬ويحتقر الفرزدق جريراً من خالل وصف بيته بأنَّه‬
‫(قصير جوانبه)‪ ،‬حيث يتجلى من وصف المسكن تصوير حالة العيش التي يحيا‬
‫عليها المسخور منه داخل هذا المسكن‪.‬‬

‫وينطلق الفرزدق من سخرية المكان إلى سخرية الصفات والسلوك التي يكون‬
‫عليها المسخور منه داخل مسكنه الحقير‪ ،‬فيكون مالزماً لمسكنه ال يغادره‪،‬‬
‫فالمسخور منه ليس من أهل المكرمات‪ ،‬فال يزور أحداً‪ ،‬وال يزوره أح ٌد‪ ،‬ومن هنا‬
‫تتجلى صفة البخل والهامشية على صعيد النسب والمجد‪ ،‬وهكذا تمكن الفرزدق من‬
‫اتخاذ المكان أداة للسخرية ممن يسكنه‪ ،‬ومما يعتمل داخله‪.‬‬

‫وفي موضع آخر يسخر الفرزدق من بيت المغيرة بن الصلت مشبهاً بيته ببيت‬
‫الخفاش‪ ،‬سقفه محاط بالجذوع وعش الطيور‪ ،‬وتشاركه فيه الجرذان‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫يوسف‪ ،‬عبدالفتاح‪ ،‬فاعلية التكرار في بنية الخطاب الشعري للنقائض‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪228‬‬

‫ت الخَفَافِيشِ‪.‬‬
‫صَا َر المُغِيْرةُ فِي بِيْ ِ‬ ‫ت سِهَامُ القَوْمِ فَاقْتَسَمُوا‬
‫لَمَّا أُجِيلَ ْ‬

‫وَإنْ تَرَقَّى بِصُعْدٍ غَيْرِ مَفْرُوشِ‪.‬‬ ‫فِي مَنْ ِزلٍ مَا لَهُ في سُفْلِهِ سَعَةٌ‬

‫( )‬
‫خ غَيْ ُر ذِي رِ ْيشِ‪.‬‬
‫جِرْذَانُ سَوْ ٍء وفَر ٌ‬ ‫ع بَاتَ يَنْقُرُهُ‬
‫س جِ ْذ ٍ‬
‫إِلَّا عَلَى رَ ْأ ِ‬

‫وعلى المنوال الساخر نفسه القائم على الظرف المكاني‪ ،‬نرى جريراً يسخر‬
‫من مسكن بني ضبة‪-‬أخوال الفرزدق‪ ،-‬حيث ينطلق للسخرية من بيوتهم الحقيرة‬
‫ليرميهم بالبذاءة والفحش الذي يعتمل داخل بيوتهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫س لَهُ سَوَارِي‪.‬‬
‫ب لَ ْي َ‬
‫ت الضَّ ِ‬
‫كَبَيْ ِ‬ ‫ت ضَبَّةَ في مَعَ ٍد‬
‫وَجَدْنَا بَيْ َ‬

‫( )‬
‫بِلَا نَبْعٍ نَبَتْنَ وَلَا نُضَارِ‪.‬‬ ‫ع مُلْزِقَاتٍ‬
‫وَجَدْنَاهُمْ قَنَاذِ َ‬

‫فالسخرية تجلت من تلك البيوت الواطئة‪ ،‬فال أعمدة ترفعها‪ ،‬فهي تشبه بيوت‬
‫الضب المحفورة في التراب‪ ،‬ولكنَّ جريراً ينطلق إلى سخرية أخرى من هذه البيوت‬
‫الواهية في هيئتها ليصور الفحش والبذاءة والمنكر‪ ،‬فيخرج من ذلك إلى دناءة‬
‫أصلهم‪ ،‬فجرير استدل على المسكن الوضيع؛ لينطلق منه إلى النسب الحقير‪،‬‬
‫والمكانة االجتماعية المبتذلة للمسخور منهم‪.‬‬

‫وفي سخرية المكان نجد الحكم بن عبدل األسدي يجعل من مسكنه الذي يعيش‬
‫فيه مثاراً للضحك والتندر بشخصيته وبحالته المعيشية واالجتماعية‪ ،‬حيث تجلت‬
‫السخرية في الحوار الهزلي الذي أداره مع الحيوانات الساكنة في بيته‪ ،‬فقد قررت‬
‫الرحيل من منزل الحكم‪ ،‬وأعلنت الحرب عليه؛ ألنَّها لم تجد في مسكنه طعاماً‪ ،‬حيث‬
‫يقول مصوِّراً ذلك في أسلوب ساخر‪:‬‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.449‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫‪229‬‬

‫ذَاكَ قِسْ ٌم عَلَيْهِم مَعْلُومْ‪.‬‬ ‫ف‬


‫ف رَغِي ٍ‬
‫ُل بَيْت ٍعَلَيْ ِه نِصْ ُ‬
‫ك ُّ‬

‫ن سَاكِناً مَا يَرِيمْ‪.‬‬


‫وَلَقَدْ كَا َ‬ ‫فَرَّ مِنْهُ مُوَلِيّاً فَأْ ُر بَيْتِي‬

‫لَا تُلِيحُوا شُيُوخَكُمْ فِي السَّمُومْ‪.‬‬ ‫قُلْتُ‪ :‬هَذَا صَوْ ُم النَّصَارَى فَحُلُّوا‬

‫أَهُ َو الحَقُ كُلَّ يَوْمٍ تَصُومْ؟‬ ‫ك الفَأْ ُر ثُمَّ قُلْنَ جَمِيعاً‬


‫ضَحِ َ‬

‫وَقُرَادٍ مَخ ّيسٍ مَزْمُومْ‪.‬‬ ‫ت‬


‫حَمَلُوا زَادَهُ ْم عَلَى خُنْفَسَا ٍ‬

‫عَلَّمُوهُ بَعْ َد النِّفَارَ الرسيمْ‪.‬‬ ‫ف‬


‫ع عَلَيْ ِه إكَا ٌ‬
‫وَإِذَا ضِفْدَ ٌ‬

‫يَا لِ َقوْمِي ِلبَيْتِي المَهْدُومْ‪.‬‬ ‫ل بَيْتِي‬


‫نَصَبُوا مَنْجَنِيقَهُ ْم حَوْ َ‬

‫( )‬
‫قَائِمٌ فَوْقَ بَيْتِنَا بِقَدُومْ‪.‬‬ ‫وَإِذَا فِي الغَبَاءِ سَ ُّم بَريْص‬

‫فالمسخور منه في األبيات السابقة هو الحكم بن عبدل وبيته الخالي من‬


‫الطعام‪ ،‬فالحيوانات كانت مستقرة فيه‪ ،‬ولكن بعد خُلُوِّه من الطعام قررت الرحيل‪،‬‬
‫فناشدها البقاء والمكوث حتى ال يهلك شيوخها بالتعرض للرياح الحارة‪ ،‬ولكنها‬
‫أصرت على الرحيل‪ ،‬فعلل لها خلو البيت من الطعام؛ ألنَّه صائم مثل صوم‬
‫النصارى الطويل‪ ،‬فلم تقتنع الفئران‪ ،‬وضحكت من تعليله بالصوم‪ ،‬وتعمقت السخرية‬
‫عندما قررت الحيوانات الرحيل الجماعي‪ ،‬فوضعوا زادهم على ظهر الضفادع‬
‫والخنفسات والقراد (الدويبة الصغيرة)‪ ،‬ومن ثم أعلنت الحيوانات الحرب على‬
‫المسخور منه‪ ،‬فحاصروا بيته بالمنجنيق واستعدوا لهدمه‪ ،‬حيث بدأ الهدم بالقدوم‬
‫على يد السأم األبرص (الوزغة) الذي كان يقف على سطح منزله‪ .‬ومن هذا‬
‫المنطلق فإنَّ الحكم قد صوَّر حالة فقره وسوء معيشته عبر المشهد الحيواني الساخر‬
‫المرتكز على الظرف المكاني‪.‬‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫‪231‬‬

‫ويسلك يزيد بن مفرغ الحميري االنطالقة من المكان الدوني والمحتقر‬


‫للمسخور منه ليكشف دونية المسخور منه في محيطه االجتماعي‪ ،‬حيث يقول ساخراً‬
‫من آل زياد‪:‬‬

‫وَبَنُو المضَافِ إِلَى السِّبَاخِ المالِحَهْ‪.‬‬ ‫ن بَطْحَا َء مَكَّ َة دَارُ ُه‬


‫ن مِ ْ‬
‫شَتَّا َ‬

‫( )‬
‫ك تُخْبِرُنَا الظِّبَا ُء السَّانِحَهْ‪.‬‬
‫وَبِذَا َ‬ ‫ت أَنَامِلُهُ وَلَامَ نِجَارُ ُه‬
‫جَعُدَ ْ‬

‫وفي موضع آخر يقول محتقراً مسكن آل زياد‪:‬‬

‫ن لَا يُصَلُّونَا‪.‬‬
‫ِلأَعْبُ ٍد من زَوَا ٍ‬ ‫ت طَرْوَقتُهُ‬
‫ِن العُ َبيْ َد وَمَا أَدَّ ْ‬
‫إ َّ‬

‫( )‬
‫وَاسْتَبْدِلُوا بِالمآزِي ِر التَّبَابِينَا‪.‬‬ ‫بِزَنْدَوَرْدٍ خُذُوا مِنْهَا مَسَاحِيَكُ ْم‬

‫فسخرية يزيد الحميري تجلت في احتقار (السباخ المالحة‪ ،‬وزندورد)‪ ،‬وهي‬


‫منازل األنباط‪ ،‬ومن هذين المكانين انطلق للسخرية من ساكنيها‪ ،‬فهم أصحاب حراثة‬
‫وزراعة‪ ،‬وهي مهنة يقوم بها العبيد‪ ،‬وهكذا يصل يزيد الحميري إلى احتقار‬
‫المسخور منهم في الواقع االجتماعي عبر داللة األمكنة وجغرافيتها الطبيعية‪.‬‬

‫وفي إطار السخرية القائمة على الظرف المكاني نجد كثرة استخدام الشعراء‬
‫األمويين للظرفين المكانيين (بين وَخلف)‪ ،‬للداللة على هيئة المسخور منه الدنيئة‬
‫والمشينة وغير األخالقية‪ ،‬التي يظهر فيها في الوسط االجتماعي‪ .‬ومن أمثلة هذا ما‬
‫يقوله الفرزدق ساخرًا من جرير‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ن حِمَارَ ٍة وَحِمَارِ‪.‬‬
‫وَأَبُوْكَ بَيْ َ‬ ‫ف تَطْلُبُ دَارِمًا‬
‫ن المرَاغةِ كَيْ َ‬
‫يَا ابْ َ‬

‫( )‬
‫ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.4 0‬‬
‫‪231‬‬

‫فالسخرية تجلت أنَّ قوم جرير هم أصحاب حمير‪ ،‬وهو ما يوحي بذُّلهم؛ ألنَّ من‬
‫عادة العرب الكرام وشيمهم ركوب الخيل واإلبل‪ ،‬ولكن السخرية تعمقت في الظرف‬
‫المكاني (بين) الذي صور والد جرير في هيئة مبتذلة وغير أخالقية‪ ،‬تمثلت في تنقله‬
‫( )‪،‬‬
‫ومن‬ ‫بين الحمير‪ ،‬مما يوحي أنَّ رجال قبيلة كليب" يهجرون نساءهم إلى األتن"‬
‫( )‬
‫هذا الموقف المبتذل من رجال كليب ظهرت "غَيْرةُ النساء من األتن المنافسات"‬
‫لهن في حقوق الرجال والزوجية‪.‬‬
‫ويستخدم حُميد األرقط الظرف المكاني (بين) للداللة على تحقير ضيفه الشره‬
‫في األكل‪ ،‬حيث يرى فيه اختالفاً ومفارقةً عنه‪ ،‬من حيث عاداته وتقاليده وآدابه عند‬
‫األكل‪ ،‬لذلك استشهد بالظرف المكاني (بين) ليصور المدة الزمنية لكل لقمة وأخرى‬
‫تليها‪ ،‬حيث يقول حُميد ساخراً من ضيفه‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ن أُخْرَى تَلِيهَا قَيْ ُد أُظْفُورِ‪.‬‬
‫وَبَيْ َ‬ ‫ن لُقْمَتِهِ األُوْلَى إِذَا انْحَدَرَتْ‬
‫مَا بَيْ َ‬
‫فالظرف المكاني (بين) استخدمه حُميد األرقط كرابط للتقارب الحاصل بين‬
‫لقمتي المسخور منه‪ ،‬ولبيان سرعته في أثناء األكل التي قدَّر سرعتها ب (قيد‬
‫أظفور)‪ ،‬وتصوير المدة الزمنية بقيد أظفور توحي بالزراية واالحتقار من المسخور‬
‫منه الشره؛ ألنَّ الشره في األكل مرض مرذول اجتماعياً‪ ،‬حيث يسبب لصاحبه‬
‫ذهاب الهيبة‪ ،‬ونزول قدره‪ ،‬وضياع وقاره عند مضيفه‪ ،‬فضالً عن ذهاب عقله‪ ،‬وقد‬
‫(‪،)8‬‬
‫كما صوَّر الظرف المكاني (بين)‬ ‫جاء في أمثال العرب أَنَّ "البطنة تأفن الفطنة "‬
‫المفارقة بين أكل المسخور منه (الضيف)‪ ،‬والساخر (المضيف) من حيث المخالفة‬
‫في آداب األكل‪ ،‬والتباعد في تناول اللقمة في أثناء األكل‪.‬‬

‫( )‬
‫هدَّارة‪ ،‬د‪ .‬محمد مصطفى‪ ،‬الشعر في صدر اإلسالم والعصر األموي‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 772‬م) ‪ ،‬ص‪0‬‬
‫( )‬
‫المرجع السابق‪ ،‬والصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫هجاء األضياف حميد األرقط‪ :‬حياته وما وصل إلينا من شعره‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الميداني‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن محمد‪ ،‬مجمع األمثال‪ ،‬ج ‪ ،‬ص‪.248‬‬
‫‪232‬‬

‫ومن أمثلة السخرية باستخدام الظرف المكاني (خلف) قول الفرزدق ساخراً من‬
‫جرير وقومه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫لِمَا كَانَ إِيَّاهُمْ عَطِيَّ ُة عَوَّدَا‪.‬‬ ‫ف جِحَاشِهِمْ‬
‫قَنَافِذُ دَرَّامُونَ خَلْ َ‬
‫فالظرف المكاني (خلف) صَوَّر هيئة جرير وقومه‪ ،‬فهم دائماً يمشون خلف‬
‫حميرهم‪ ،‬مما يوحي بدناءتهم وتأخرهم عن الرجال‪ ،‬فهم في مؤخرة ركب القوم مع‬
‫حميرهم‪.‬‬
‫‪-3‬سخرية المشتقات اللفظية‪:‬‬
‫تتأسس البنية العامة للسخرية في نماذج متعددة من الشعر األموي باالعتماد‬
‫على حضور األسماء المشتقة‪ ،‬وقد تجلت في أنواع كثيرة من المشتقات اللفظية‬
‫ومنها‪ :‬اسم الفاعل‪ ،‬واسم المفعول‪ ،‬والصفة المشبهة‪ ،‬وصيغة المبالغة‪ ،‬واسم‬
‫التفضيل‪ .‬ويأتي بروز هذه المشتقات للداللة على التعميم واالطالق للصفات الدونية‬
‫والتهكمية في المسخور منه الموصوف بتلك الصفات‪ ،‬بحيث يصب هذا الوصف في‬
‫تشويه صورة المسخور منه‪ ،‬وإلصاق أبشع الصفات وأدناها به‪.‬‬
‫والمتأمل للبنية التركيبية للسخرية عبر المشتقات اللفظية‪ ،‬يرى أنَّها تسعى إلى‬
‫السمو بالمسخور منه ليكون رمزاً لالستهزاء والدناءة والقبح على مستوى الواقع‬
‫والخيال‪ .‬وفيما يلي استعراض لنماذج السخرية في هذه المشتقات‪.‬‬
‫أ‪-‬السخرية القائمة على اسم الفاعل‪:‬‬
‫يعرف النحويون اسم الفاعل بأنَّه اسم مشتق "للداللة على الحدث والذات التي‬
‫( )‬
‫أوقعت الفعل أو قامت به "‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ الشعراء في السخرية القائمة على اسم الفاعل قد‬
‫كشفوا من خاللها األحداث الدنيئة‪ ،‬أو السلوكيات المحتقرة‪ ،‬أو الذات المسخور منها‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪233‬‬

‫المحتقرة في الوسط االجتماعي للساخر‪ .‬ومن أمثلة هذا النوع من السخرية قول‬
‫األخطل ساخراً من جرير‪ ،‬حينما يقف وراء الناس مع أعياره ذليالً ومحتقراً‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ف الغَرِيْبَةِ مَا يَذُقْنَ بِلَالَا‪.‬‬
‫قَذْ َ‬ ‫س أَعْيَارَ ُه‬
‫ن المَرَاغَ ِة حَا ِب ٌ‬
‫وَابْ ُ‬

‫فالسخرية تجلت في صيغة اسم الفاعل (حابسٌ) التي جاءت للداللة على خساسة‬
‫جرير وحقارة شأنه وأصله‪ ،‬فهو يقف خلف الناس مع أعياره أسوة بالناقة الغريبة‪،‬‬
‫منتظراً أنْ يبلُّوا ريقهم بالماء‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ اسم الفاعل (حابسٌ) جاء‬
‫مصوِّراً كثرة وقوفه مع حميره‪ ،‬مما يوحي بمالزمته لها في كل أوقاته‪.‬‬

‫ويصوِّر عبد اهلل بن الزَّ ِبير األسدي عبر صيغة اسم الفاعل ما قام به عبد اهلل بن‬
‫الزبير بن العوام من قتلٍ وتنكيل باألمويين‪ ،‬وكان يدَّعي بأنَّه العائذ ببيت اهلل الحرام‪،‬‬
‫والحامي لحماه‪ ،‬ولكنه يسفك الدماء في الحرم‪ ،‬وال يرعى له حرمة‪ ،‬فقال ساخراً من‬
‫ادعائه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫مِنْ دَ ٍم أَجْرَيْتَهُ فِي غَيْرِ دَمْ‪.‬‬ ‫أَيُّهَا العَائِذُ فِي مَكَّ َة كَ ْم‬
‫( )‬
‫وَيَدٌ تَقْ ُتلُ مَنْ جَا َء الحَرَمْ؟‬ ‫أَيَ ٌد عَائِذَةٌ مُعْصِمَ ٌة‬

‫فالسخرية تجلت في صيغتي اسم الفاعل (العائذ‪ ،‬عائذة)‪ ،‬فقد بيَّنت داللة عكس‬
‫ما يدَّعي به المسخور منه من حماية لبيت اهلل الحرام‪ ،‬وحالته على النقيض من ذلك‪،‬‬
‫فهو يسفك الدماء في بيت اهلل الحرام‪ ،‬وال يُراعي له حرمةً‪ ،‬فالسخرية قامت على‬
‫(‪)4‬‬
‫فالبنية التركيبية السم‬ ‫"عالقة تعارض تام من زاويتي الوظيفة والبنية"‪،‬‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫( )‬
‫شعر عبداهلل بن الزبير األسدي‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كوهن‪ ،‬جان‪ ،‬الهزلي والشعري‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد العمري‪ ،‬مجلة قوافل‪( ،‬الرياض‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪،‬‬
‫المجلد (‪ ، )8‬العدد (‪ 8 9 ، )9‬ه ‪ 77 -‬م) ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪234‬‬

‫الفاعل(العائذ) وداللته توحي بالحماية لألنفس وحرمة الدماء‪ ،‬ولكنَّ الوظيفة الناشئة‬
‫في الواقع أنَّه يستبيح الدماء‪.‬‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه من الزبيريين‪ ،‬نرى كثيِّر عزَّة‪ ،‬يسخر من عبد اهلل‬
‫بن الزبير بن العوام باستخدام اسم الفاعل (العائذ)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ل العَائِ ُذ المَظْلُومُ فِي سِجْنِ عَارِمِ‪.‬‬
‫َب ِ‬ ‫ك عَائِ ٌذ‬
‫ت أَنَ َ‬
‫ن لَاقَيْ َ‬
‫تُخَبَّرُ مَ ْ‬
‫( )‬
‫س يَعْلَمْ أَنَّ ُه غَيْ ُر ظَالِم‪.‬‬
‫مِنَ النَّا ِ‬ ‫ن مِنًى‬
‫خ بِالخَيْفِ مِ ْ‬
‫ن يَرَ هَذَا الشَّيْ َ‬
‫وَمَ ْ‬
‫فالسخرية التي نشأت من اسم الفاعل (عائذ‪ ،‬العائذ) سخرية تقوم على التضاد بين‬
‫البنية التركيبية والبنية الداللية السم الفاعل‪ ،‬فهي تعارض بين ما يقوله الساخر‪ ،‬وما‬
‫يريد إيصاله للمسخور منه والمتلقين للسخرية‪ ،‬فالسخرية هنا تجلت عبر" تقاطع بنية‬
‫( )‬
‫ضدية مع انفعال هازئ"‪.‬‬
‫أمَّا جرير فيسخر من ميجاس البرجمي مستخدماً اسم الفاعل للتحقير بأمه‪ ،‬التي‬
‫تأكل ما يخرج من جسدها من أقذار‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ن آكِلَةٍ سَلَاهَا‪.‬‬
‫ضأْنِكَ يَا ابْ َ‬
‫بِ َ‬ ‫ث عَدِّ عَنَّا‬
‫أَمِيجَاسَ الخَبَائِ ِ‬
‫(‪)4‬‬
‫َد عَلَى مَنَاخِرِكُ ْم عُرَاهَا‪.‬‬
‫تُش ُّ‬ ‫ِن السَّوْأَ َة الكُبْرَى لَفِيكُمْ‬
‫وَإ َّ‬
‫فالسخرية نبعت من اسم الفاعل (آكل)‪ ،‬وقد دلَّت على الحدث الدنيء‪ ،‬المتمثل في‬
‫كثرة تناول األكل القذر‪ ،‬كما صوَّرت من يقوم بهذا بالحدث وهي أم المسخور منه‪.‬‬
‫ب‪ -‬السخرية القائمة على صيغة الصفة المشبهة‪:‬‬
‫يعرف النحويون الصفة المشبهة بأنها اسم مشتق" للداللة على من قام‬
‫بالفعل على وجه الثبوت"(‪ ،)8‬فهي تدل على الحدث والفاعل للحدث‪ ،‬وقد استخدم‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫ديوان كثيَّر عزة‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬إحسان عباس‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪ 79 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫( )‬
‫الكنوسي‪ ،‬سميرة‪ ،‬بالغة السخرية في المثل الشعبي المغربي‪ ،‬مجلة فكر ونقد‪( ،‬المغرب‪ ،‬العدد (‪، )42‬‬
‫‪ 00‬م) ‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.274‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.‬‬ ‫اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪235‬‬

‫الشعراء األمويون الصفة المشبهة للسخرية من األفعال الدالة على عيب لغرض‬
‫إثبات العيب في المسخور منه‪ ،‬وإبرازه في صورة محتقرة عند اآلخرين‪ .‬ومن أمثلة‬
‫هذا قول الحكم بن عبدل األسدي في السخرية من محمد بن حسان التميمي‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫ن عَاصِمِ‪.‬‬
‫ن أَكفَا ِء قَ ْيسِ ب ِ‬
‫ك مِ ْ‬
‫أَبُو المِسْ ِ‬ ‫ن حَسَّانُ بن سَعْ ٍد وَلَا ابْنه‬
‫مَا كَا َ‬
‫وَ َتقْطَعُ خَيْشُو َم الضَّجِي ِع الملَازِمِ‪.‬‬ ‫ع مَنْ دَنَا‬
‫لَ ُه رِيقَةٌ بَخْرَاءُ تَصْ َر ُ‬
‫( )‬
‫ب األَمِيرِ فَخَاصِمِي‪.‬‬
‫وَجِيئِي إِلَى بَا ِ‬ ‫ك عِدَّةً‬
‫ن لَ ِ‬
‫خُذِي دِيَّةً مِنْهُ تَكُ ْ‬
‫فالسخرية تجلت في الصفة المشبهة (بخراء) التي دلَّت على ثبات صفة البُخْرِ‬
‫في فم المسخور منه‪ ،‬بحيث إنَّها تصرع كل من اقترب منه‪ ،‬فضالً عن أنَّها تنتن‬
‫خيشوم مجالسه وضجيعه‪ ،‬فالمسخور منه قد آلم زوجته من رائحة فمه المنتنة‪ ،‬ولهذا‬
‫يدعوها الساخر ألن تطلب الطالق من زوجها‪ ،‬ومن ثم تذهب إلى األمير طالبةً منه‬
‫ألن المسخور منه قد قتلها برائحة فمه‪.‬‬
‫الدية؛ َّ‬
‫ويسخر جرير من الفرزدق عبر تحقيره بالصفة المشبهة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ن جُمِعْنَ وَالمِيشَارِ‪.‬‬
‫وَالكَلْبَتَا ِ‬ ‫ف ذَخِيرَةً فِي قَبْرِهِ‬
‫وُجِ َد الكَتِي ُ‬
‫فالسخرية نابعة من الصفة المشبهة (ذخيرة)‪ ،‬وذلك حال كونها مذخورةً وذخراً له‬
‫في قبره‪ ،‬والساخر يريد من هذه الذخيرة التي تكون مع والد الفرزدق تحقيره‬
‫وإذالله‪ ،‬في الوسط االجتماعي؛ ألنَّ العرب يدفنون مع الميِّت السيف والرمح‪،‬‬
‫ويدللون بذلك على شجاعته‪ ،‬بينما والد الفرزدق ال يستحق إلَّا الذخيرة التي اشتهر‬
‫بها وهي أدوات الحدادة‪ ،‬وفي هذا زراية وتحقير للفرزدق في المجد البطولي‪.‬‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه القائم على صيغة الصفة المشبهة‪ ،‬يسخر جرير من‬
‫األخطل والتغلبيين عموماً‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫‪236‬‬

‫( )‬
‫ب سَائِالً وَأَجِيرَا‪.‬‬
‫ف تَغْلِ َ‬
‫أَشْرَا َ‬ ‫تَلْقَى إِذَا اجْتَمَ َع الكِرَا ُم بِمَوْطِنٍ‬
‫فالسخرية تجلت في صيغتي الصفة المشبهة(أجيرا)‪ ،‬واسم الفاعل(سائال)‪ ،‬وقد‬
‫دلَّت اللفظتان على ثبات الهوان والتحقير الواقع في عامة التغلبيين وأشرافهم‪ ،‬فهم‬
‫جميعاً مسخرون لخدمة الكرام من قبيلة جرير‪ ،‬فهم كاألجراء وطالبي الحسنة من‬
‫اآلخرين‪ ،‬مما يوحي بذلِّهم‪ ،‬وأصلهم الدوني والمحتقر في النسيج االجتماعي الذي‬
‫يعيشون فيه‪.‬‬
‫ج‪-‬السخرية القائمة على صيغة المبالغة‪:‬‬
‫يعرف النحويون صيغة المبالغة بأنَّها اسم يشتق للداللة على" المبالغة في المعنى‪،...‬‬
‫( )‬
‫وأمَّا النقاد والبالغيون فيرون أنَّها‬ ‫ويقصد بها التكثير والمبالغة في المعنى"‬
‫(‪)4‬‬
‫"اإلفراط في الصفة "‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ صيغة المبالغة تُعَدُّ ظاهرةً أسلوبيةً "شاع التعليل بها في‬
‫(‪)8‬‬
‫إلبراز كثير من الصور الساخرة‪ ،‬ولهذا فقد استخدمها‬ ‫تراثنا النقدي والبالغي "‬
‫للداللة على التضخيم والتكبير والتكثير لألشياء واألشخاص‬ ‫الشعراء األمويون‬
‫وسلوكياتهم وعاداتهم‪ ،‬حيث يُالحظ استخدام بعض الموضوعات الجادة في أسلوب‬
‫ويتجلى في صيغة المبالغة "الخروج على‬ ‫ساخر عن طريق صيغة المبالغة‪.‬‬
‫المألوف‪ ،‬وتجاوز األعراف االجتماعية والقواعد المرعية‪ ،‬والخروج عن النص‬
‫العقلي الذي استقرت به األشياء في الذهن ودرب عليه اإلدراك‪ ،‬ثم يصير مآلها إلى‬
‫(‪)2‬‬
‫ولهذا تكون السخرية بالمبالغة أكثر ألماً في المسخور؛ ألنَّها‬ ‫اإلضحاك والهزء"‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ص‪9‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫(‪)8‬‬
‫القرشي‪ ،‬عالي ‪ ،‬المبالغة في البالغة العربية‪ ،‬ط ‪( ،‬الطائف‪ ،‬النادي األدبي‪ 80 ،‬ه ‪ 742-‬م) ‪ ،‬ص‬
‫‪. 72‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الماجد‪ ،‬د‪ .‬ماجد بن محمد‪ ،‬سخرية الحمدوني‪-‬دراسة فنية‪ ،-‬مجلة الدرعية‪( ،‬الرياض‪ ،‬السنة (‪ ، )9‬العدد‬
‫) ‪ ،‬جمادى اآلخرة ‪ 8 2‬ه ‪ 008-‬م) ‪ ،‬ص ‪. 2‬‬ ‫(‬
‫‪237‬‬

‫تجسم صورة العيب المقصود‪ ،‬وتكون أكثر قبوالً عند السامع أو المتلقي للسخرية‪،‬‬
‫بسبب " إبداع الصنعة في اللفظ وإجادة هيئته ومناسبته لما وضع بإزائه وبإظهار‬
‫( )‬
‫القائل من المبالغة‪ ...‬ما يوهم أنَّه صادق"‬
‫ومن أمثلة المبالغة الساخرة قول سراقة البارقي ساخراً من إفراط جرير وقومه‬
‫في البخل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ن أَكْلَا‪.‬‬
‫بِطَا ٌء إِلَى الدَّاعِي إِذَا لَ ْم يَكُ ْ‬ ‫صِغَارٌ مَقَارِيهِ ْم عِظَا ٌم جُعُورِهِ ْم‬
‫فصيغ المبالغة (صغار‪ ،‬عظام‪ ،‬بطاء) تجلت منها السخرية من جرير إلبراز‬
‫الشح والبخل وتضخيمه فيه؛ ألنَّ صغر القدور يدل على الشح والبخل‪ ،‬وعلى قلة‬
‫من يجتمعون حولها لألكل‪ ،‬وتفيد عدم استعدادهم للقرى وإكرام الضيوف؛ ألنَّ‬
‫الكرماء تكون قدورهم ضخمة‪ ،‬وبسبب بخلهم فقد ازدادت شراهتهم لألكل‪ ،‬فأصبحوا‬
‫أصحاب بطون كبيرة وأدبار كبيرة‪ ،‬فضالً عن أنهم يتثاقلون ويبطئون في إجابة‬
‫الدَّاعي إلَّا في غير األكل‪ ،‬فهم مسرعون إليها‪ .‬ومن خالل تلك الصور استطاع‬
‫سراقة البارقي أنْ يصور الصفات القبيحة في جرير وتضخيمها و" جعلها مرئية لكل‬
‫(‪)4‬‬
‫الذين يعيشون معهم‪ ،‬فيضحكون من تلك الصفات المذمومة‪.‬‬ ‫الناس"‬
‫وفي إطار السخرية من الفسق والفجور‪ ،‬نجد كثيراً من الشعراء األمويين‬
‫يستخدمون صيغة المبالغة للداللة على كثرة عيوب المسخور منه‪ ،‬فهو عبدٌ لشهواته‬
‫في النهار‪ ،‬ومرتكب للفحش والمجون في لياليه‪ .‬وقد عبر جرير عن ذلك من خالل‬
‫صيغة المبالغة(دبَّاب) التي يدلل بها على مجون الفرزدق وفسقه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫عَبْ ُد النَّهَا ِر وَزَانِي اللَّ ْيلِ دَبَّابُ‪.‬‬ ‫إِنَّ الفرزدقَ أَخْزَتْهُ مَثَالِبُهُ‬

‫( ) القرطاجني‪ ،‬حازم‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬ص ‪.489-48‬‬


‫( ) ديوان سراقة البارقي‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫(‪ )4‬برجسون‪ ،‬هنري‪ ،‬الضحك‪ -‬بحث في داللة المضحك‪ ،-‬تعريب وترجمة‪ :‬سامي الدروبي وعبداهلل‬
‫عبدالدائم‪(،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪ 744 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫(‪ )8‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪82‬‬
‫‪238‬‬

‫فصيغة المبالغة (دبَّاب) صوَّرت كثرة حالة الدبيب التي يقوم بها الفرزدق بين‬
‫الخدور ليزاني النساء‪.‬‬
‫وينهج يحيى بن نوفل المنوال التصويري نفسه لحالة الدبيب التي يقوم بها‬
‫المسخور منه أبان بن الوليد البجلي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫حلِ والمجْمَرِ‪.‬‬
‫بَكُو ٌر عَلَى الكُ ْ‬ ‫وَأَمَّا ابْنُ سَلْمَى فَشِبْ ُه الفَتَاةِ‬
‫( )‬
‫حَلِيلَةُ كُلِّ فَتًى مُغْوَرِ‪.‬‬ ‫ت‬
‫ب العِشَا ِء إِذَا أَطْعَمَ ْ‬
‫دَبُو ُ‬
‫فصيغة المبالغة (بكور‪ ،‬ودبوب) دلَّتا على حالة التكسر والالرجولة التي كانت‬
‫سلوكاً يومياً للمسخور منه‪ ،‬فهو كثير الكحل والبخور أسوةً بالنساء‪ ،‬وهو يكثر من‬
‫الدبيب بين حالئل الفتيان في أثناء الليل‪.‬‬
‫د‪-‬السخرية القائمة على اسم المفعول‪:‬‬
‫يعرف النحويون اسم المفعول بأنَّه اسم مشتق "من المصدر للداللة على‬
‫‪) (.‬‬
‫الحدث ومن وقع عليه"‬

‫وفي هذا اإلطار نجد جريراً يوظف الفعل (نخب) من خالل صياغة اسم المفعول‬
‫منه‪ ،‬للداللة على االستخفاف ببني مجاشع‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫صلَّتْ قُعُورُهَا‪.‬‬
‫عَلَى الخُبْثِ حَتى قَ ْد أُ ِ‬ ‫لَقَدْ بُنِيَتْ يَوْمًا بُيُوتُ مُجَاشِعٍ‬
‫َد وَأُخْرَى قَدْ أُتِ َّمتْ شُهُورُهَا‪.‬‬
‫تُع ُّ‬ ‫ن سَوْأَةٍ ذَاتِ أَفْرُخٍ‬
‫فَكَمْ فِيهِمْ مِ ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫س السَّابياء خَزِيرُهَا‪.‬‬
‫أَتَى دُونَ رَأْ ِ‬ ‫ن مُجَاشِعٍ‬
‫ت يَنْخُوبَ ٌة مِ ْ‬
‫إِذَا طَرَّقَ ْ‬

‫فالسخرية تجلت في اسم المفعول (ينخوبة) وهو االسم الذي اشتقه جرير في‬
‫إطار التوظيف الصوتي الدال على الهزء من نسوة بني مجاشع‪ ،‬والحط من قدرهن‬
‫في الجبن والفحش والرذيلة‪.‬‬

‫( )‬
‫يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫‪239‬‬

‫وقد استطاع جرير أن يجمع ثالثة أنماط من سخرية المشتقات اللفظية في بيت‬
‫واحد‪ ،‬حينما سخر من شخص يدعى (عقبة)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫يَا رُبَّ آدِرَ مِنْ مَيْثَا َء مَأْفُونِ‪.‬‬ ‫ل عُقْبَةَ خَضَّافًا يُعَيِّبُنِي‬
‫مَا بَا ُ‬

‫فجرير قد بنى سخريته على صيغة المبالغة (خضَّافاً) بوصفه نهوماً في األكل‪،‬‬
‫واسم الفاعل (آدر) بوصفه مخصياً‪ ،‬لغرض االنتقاص من رجولته وفقدانه لها‪ ،‬واسم‬
‫المفعول(مأفون) بوصفه ناقصاً للعقل والفكر‪ ،‬وكل هذه الصفات عمقت التشويه‬
‫والمسخ في شخصية المسخور منه‪.‬‬
‫ه‪-‬السخرية القائمة على اسم التفضيل‪:‬‬
‫يعرف النحويون اسم التفضيل بأنَّه اسم مشتق يدل "على أنَّ شيئين اشتركا في‬
‫( )‬
‫صفة ما‪ ،‬وزاد أحدهما على اآلخر"‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ السخرية عبر صيغة اسم التفضيل تقوم باالعتماد على‬
‫المقارنة بين الشيئين في الصفة الدونية المشتركة بينهما‪ ،‬بحيث يتميَّز أحدهما على‬
‫اآلخر في درجة االحتقار أو الهوان أو القبح عن طريقة صيغة (أفعل)‪ ،‬فالتركيبة في‬
‫هذا النمط من السخرية يتجلى فيها الطرفان الدونيان (المفضل)‪ ،‬و (المفضل منه)‪،‬‬
‫مع تفوّق المفضل منه في الصفة غير المرغوب فيها‪.‬‬
‫وقد تجلت السخرية في هذا النمط من خالل التعيير بالطبائع اإلنسانية والصفات‬
‫الخلقية‪ ،‬فهذا األبيرد الرياحي يسخر من بني عجل وسلمان العجلي‪ ،‬موازناً بينهم‬
‫وبين المطايا في الذل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ل اليَمَامَ ِة سَهْ َم رَامِي‪.‬‬
‫أَخُو أَ ْه ِ‬ ‫ن مِنْ جَوٍّ فَلَاقَى‬
‫عَوَى سَلْمَا ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ن َلحْ ِم الجَزُو ِر عَلَى الثمام‬
‫وَمِ ْ‬ ‫ن المطَايَا‬
‫ل أَذَلُّ مِ َ‬
‫جٍ‬‫بَنُو عِ ْ‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪.244 ،‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعراء أمويون‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫‪241‬‬

‫فالسخرية نبعت من اسم التفضيل (أذلُّ)‪ ،‬فالطرفان المسخور منهما المفضل‬


‫(المطايا‪ ،‬لحم الجزور)‪ ،‬والمفضل منه (بنو عجل)‪ ،‬فالمالحظ أنَّ كال الطرفين‬
‫يشترك في الذلِّ والخنوع واالحتقار‪ ،‬ولكن المفضل منه (سلمان العجلي) كان أكثر‬
‫ُذالً من المطايا ومن نبات الثمام الضعيف والخفيف‪ ،‬ومن هذه الموازنة تتجلى درجة‬
‫هوانهم وضعفهم وحقارتهم في محيطهم االجتماعي‪.‬‬

‫ويسلك الحكم بن عبدل األسدي مستخدماً أسلوب التفضيل وسيلةً للسخرية من‬
‫الصفات الخلقية المذمومة في المسخور منه‪ ،‬حيث يوازن بين أنف المسخور منه‬
‫محمد بن عمير‪ ،‬وبين جحر الظربان‪ ،‬فيفضل تفوِّق أنف المسخور منه في النتن‬
‫والرائحة الكريهة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫فََلجُحْ ُر أَنْفِكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَنُ‬ ‫ن جُحْرٌ مُنْتَنٌّ‬
‫ن للظَّرِبَا ِ‬
‫ن كَا َ‬
‫إْ‬

‫فبحسب قول الحكم بن عبدل فإنَّ أنف المسخور منه أكثر رائحة منتنة من رائحة‬
‫جحر الظربان‪ ،‬والجاحظ يرى أنَّ "الظربان أنتن خلق اهلل تعالى فسوة‪ ،...‬ويقال‪:‬‬
‫أنتن من ظربان"( )‪ ،‬ولهذا تفوَّق أنف المسخور منه في النتن على الظربان‪ ،‬مما‬
‫يجعل منه أكثر سخرية واحتقاراً‪.‬‬

‫ويسخر جرير من التغلبيين واألخطل عبر أسلوب التفضيل للمقارنة بين‬


‫المسخور منهم والزنوج‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫ج أَكْرَ ُم مِنْهُ ْم أَخْوَالَا‪.‬‬
‫فالزَّنْ ُ‬ ‫لَا تَطْلُبَنَّ خُؤُولَةً فِي تَغْلِبٍ‬

‫فجرير جعل التغلبيين أقل درجة في أصالة الخؤولة مقارنة بالزنوج‪ .‬وتأكيداً ألثر‬
‫هذه المفاضلة اجتماعياً وأخالقياً فقد أعرض الخليفة المنصور عن الزواج بأخت‬

‫‪.‬‬ ‫( ) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬


‫( ) الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬الحيوان‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪. 87- 84‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.824‬‬
‫‪241‬‬

‫هشام بن عمرو التغلبي خوفاً من أن يعيَّر أبناؤه بهذا البيت‪ .‬وعلى هذا فإنَّ هذه‬
‫المفاضلة الساخرة قد أنتجت واقعاً جديداً‪ ،‬أصبح على مدار الزمن وحدة تصويرية‬
‫( )‬
‫ولوحة تعييرية مؤرخة في وجه المسخور منه‪.‬‬

‫‪-4‬سخرية الجمع والتصغير‪:‬‬

‫أ‪-‬سخرية الجمع‪:‬‬

‫يعرف النحويون الجمع بأنَّه ما دلَّ على أكثر من اثنين‪ ،‬ويقسمونه إلى جمع‬
‫( )‬
‫مذكر سالم‪ ،‬وجمع مؤنث سالم‪ ،‬وجمع تكسير‪.‬‬

‫ولكون مدلولية الجمع هي الزيادة والكثرة‪ ،‬فقد اعتمد شعراء السخرية في‬
‫العصر األموي في بناء أنماط سخرياتهم على صيغ الجمع للداللة على كثرة عيوب‬
‫المسخور منه وثباتها فيه‪ ،‬أو للداللة على زيادة الصفات المبتذلة في سمعة المسخور‬
‫منه‪ .‬ومن هنا جاءت السخرية القائمة على صيغة الجموع لتبين الكثرة في العيوب‪،‬‬
‫مما يعمق السخرية والتهكم بالمسخور منه في الوسط االجتماعي‪ .‬ومن أمثلة‬
‫السخرية القائمة على صيغة جمع المذكر السالم‪ ،‬ما قاله األخطل ساخراً من جرير‬
‫وقومه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫عنْ َد التَّفَارُطِ إِيْرَادٌ وَلَا صَدْرُ‪.‬‬


‫ِ‬ ‫س لَهُمْ‬
‫أمَّا كُلَيْبُ بنُ يَرْبُوعٍ فَلَ ْي َ‬
‫شعِرُوا‪.‬‬
‫ب وَفِي عَمْيَا َء مَا َ‬
‫وَهُ ْم بِغَيْ ٍ‬ ‫مُخَلَّفُونَ وَيَقْضِي النَّاسُ أَمْرَهُمُ‬
‫َك مِنْ دَارِمِيٍّ فِيهِ ِم أَثَرُ‪.‬‬
‫َينْف ُّ‬ ‫ض فَمَا‬
‫ن بِأَعْقَا ِر الحِيَا ِ‬
‫مُلَطَّمُو َ‬
‫(‪)4‬‬
‫خبَرُ‪.‬‬
‫ن بِظَهْ ِر الغَيْبِ مَا ال َ‬
‫والسَّائِلُو َ‬ ‫ث الزَّا ِد وَحْدَهُ ُم‬
‫اآلكِلُونَ خَبِي َ‬
‫وفي موضع آخر من ديوانه يقول‪:‬‬

‫( ) يُنظر‪ :‬حيزم‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬من شعرية اللغة إلى شعرية الذات‪ ، ،‬ص ‪.9 -9‬‬
‫( ) يُنظر‪ :‬اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ص ‪.20-87‬‬
‫(‪ )4‬ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪242‬‬

‫وَتَسْتَبِيحُ كُلَيْبٌ مَحْرَ َم الجَارِ‪.‬‬ ‫ن نَزَلُوا‬


‫ن بِدَا ِر الذُّلِّ إ ْ‬
‫النَّازلِي َ‬
‫( )‬
‫وَمَا لَهُ ْم مِنْ قَدِي ٍم غَيْ ُر أَعْيَارِ‪.‬‬ ‫ن عَلَى أَهْوَا ِء نِسْوَتِهِمْ‬
‫والظّاعِنِي َ‬
‫فاألخطل قد رسم في األبيات السابقة عدداً من الصور الحسية الساخرة‪ ،‬التي‬
‫صوَّر فيها قوم جرير بأنَّهم ال قيمة لهم في واقعهم االجتماعي‪ ،‬معتمداً في تصويره‬
‫الساخر على صيغة جمع المذكر السالم في قوله‪( :‬مخلفون‪ ،‬وملطمون‪ ،‬واآلكلون‪،‬‬
‫والسائلون‪ ،‬والنازلين‪ ،‬والظاعنين)‪ ،‬وهو بهذه الصيغة يريد إثبات صفة الدونية‬
‫( )‪.‬‬
‫حيث رسم من خالل صيغة‬ ‫والتبعية فيهم‪ ،‬وينفي عنهم "صفة التقدم والبطولة"‬
‫الجمع (مخلفون) صورة حسية حدد بها موقع قوم جرير‪ ،‬فهم في المؤخرة‪ ،‬وسائر‬
‫الناس في المقدمة‪ ،‬ومن هنا تتجلى عبوديتهم؛ بسبب تأخرهم عن الناس‪ .‬أمَّا صيغة‬
‫الجمع (ملطمون) فهي تقترن بالداللة السابقة‪ ،‬فهم العبيد‪ ،‬ويقرنهم بالبهائم والكالب؛‬
‫ألنَّ من يلتقيهم يزجرهم ويلطمهم مثل الكالب‪ .‬أمَّا صيغة الجمع (اآلكلون) فقد دلَّت‬
‫على المأكل الدوني الذي يأكله جرير وقومه‪ ،‬فهم يأكلون من نفايات مأكل اآلخرين‬
‫وفتاتها‪ ،‬فهم كالعبيد هدفهم الوحيد في الحياة امتالء بطونهم‪ ،‬كما أفاد ضمير (الهاء)‬
‫الدال على الجمع في (وحدهم) على صفة البخل‪ ،‬فهم يأكلون بمفردهم وال يشاركهم‬
‫أحدٌ‪ ،‬فضالً عن صفة الهوان من خالل ذلك المأكل الدوني‪ .‬وأفادت صيغة‬
‫الجمع(السائلون) احتجابهم عن سياق األحداث‪ ،‬فهم ال يشاركون غيرهم‪ ،‬وال يحفل‬
‫بهم أحدٌ‪ ،‬فهم ليسوا من الوجهاء والكرماء؛ ألنهم يقفون خلف القوم‪ ،‬فهم في منزلة‬
‫العبيد والبهائم‪ .‬وأمَّا صيغة الجمع (النازلين) فقد رسم لهم بها صورة قبيحة‪ ،‬فهم‬
‫أذالء لكونهم أصحاب حمير‪ .‬فيما صوَّرت لهم صيغة الجمع(الظاعنون) الفجور‬
‫والرذيلة في نسوتهم‪ ،‬حيث تأمرهم نساؤهم باالرتحال؛ ألنهُنَّ يهوين الغرباء من‬
‫الرجال‪ ،‬وهو بهذا يفقدهم صفة الرجولة‪ ،‬وينزع منهم صفات الفروسية والشجاعة‪.‬‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 48‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫سليمان‪ ،‬د‪ .‬سالم عبدالرزاق‪ ،‬الصورة في نقائض جرير واألخطل‪ ،‬ص‬
‫‪243‬‬

‫وفي هذا النمط من صور السخرية عن طريق الجمع تتجلى صورة ساخرة‬
‫ينسجها األخطل عن طريق صيغة جمع التكسير في قوله (أعيار)‪ ،‬حيث قدَّم لجرير‬
‫وقومه صورة ساخرة عبر جمع كلمة (عار) في (أعيار)‪ ،‬فهي دلَّت على الرذيلة‬
‫( )‬
‫المتفشية في نسوتهم‪ ،‬والغلو في الفحش عند جرير وقومه‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق يمكن القول إنَّ صيغ الجمع المستخدمة في أسلوب السخرية‬
‫عند األخطل قد أحدثت نوعاً من البعد الصوتي المرتبط بالبعد الداللي‪ ،‬ليزيد النص‬
‫الشعري الساخر عنده تماسكاً وتالحماً‪ ،‬من خالل رسم لوحات حسية تمكَّن عبرها‬
‫تصوير الذَّل والهوان واللؤم عند جرير وقومه‪.‬‬

‫وعلى المنوال التصويري الساخر نفسه القائم على صيغة جمع المذكر السالم‪،‬‬
‫نجد الراعي النميري يسخر من أوس بن مغراء وقومه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫والقِدْ ُر مَخْبُؤَ ٌة مِنْهَا أَثَافِيهَا‪.‬‬ ‫ن ضَيْفِهِ ْم‬


‫ن اللَّوَايَا دُو َ‬
‫اآلكِلي َ‬

‫( )‬
‫ت كَوَادِنُ دُهْمٌ فِي مَخَالِيهَا‪.‬‬
‫مَجَّ ْ‬ ‫ت الثِّيَابِ كَمَا‬
‫ن النَّوَى تَحْ َ‬
‫اللَّافِظِي َ‬

‫فجمع المذكر السالم أفاد في البيتين السابقين للراعي إلصاق صفة البخل ونفي‬
‫الكرم عن أوس بن مغراء وقومه؛ ألنَّ من عادة الناس تقديم اللوايا للضيوف‪،‬‬
‫واللوايا هي ما يخبأ للضيوف‪ ،‬ولكن المسخور منهم يأكلون ذلك بمفردهم دون‬
‫ضيوفهم‪ ،‬وهذا ما رسخ فيهم جميعاً ‪-‬عبر صيغتي جمع المذكر السالم (األكلون‪،‬‬
‫والالفظين)‪ -‬صفة البخل‪.‬‬
‫وفي إطار آخر من صور سخرية الجمع اعتمد الشعراء في بناء صورهم‬
‫الساخرة على صيغة جمع التكسير‪ ،‬حيث أبرزوا من خاللها الصفات الدنيئة والثابتة‬

‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬حاوي‪ ،‬إيليا‪ ،‬فن الهجاء وتطوره عند العرب‪ ،‬ص ‪. 09‬‬
‫( )‬
‫ديوان الراعي النميري‪ ،‬ص ‪. 74‬‬
‫‪244‬‬

‫في سلوك المسخور منه‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد جريراً يسخر من مكارم الفرزدق‬
‫مستخدماً جمع التكسير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫جلٍ وَبِعَقْ ِر نَابِ‪.‬‬
‫ت بِمِرْ َ‬
‫فَخَرَ ْ‬ ‫ت مَكَارِمَهَا تَمِي ٌم‬
‫إِذَا عَدَّ ْ‬
‫( )‬
‫جلِ‪.‬‬
‫ع المرْ َ‬
‫َي الكَتَائِفِ وَارْتِفَا ِ‬
‫ل ُّ‬ ‫ن المَكَارِمِ وَالعُلَا‬
‫ك عَ ْ‬
‫أَلْهَى أَبَا َ‬ ‫ويقول‪:‬‬
‫فصيغتا الجمع في البيتين السابقين (مكارمها‪ ،‬والمكارم) قد دلَّتا على مكارم‬
‫الفرزدق وقومه والمتمثلة بمهنة الحدادة وعقر النياق المسنة‪ ،‬فالحدادة التي يتهم بها‬
‫الفرزدق هي مهنة حقيرة‪ ،‬غيَّرت معالم خلقية في وجوه مجاشع وأجسادهم‪ ،‬فضالً‬
‫عن السواد والرائحة النتنة‪ ،‬التي تنبعث منها‪ ،‬وعلى هذا فإنَّ المكارم التي يعتدُّ بها‬
‫الفرزدق هي الحدادة وأدواتها‪ ،‬ومنها يتجلى الدنس واالمتهان والتلهي بطلب العيش‬
‫من دون شجاعة وبطولة‪ ،‬وهذا كله أكسبه تدنيّاً طبقيّاً في مجتمعه‪ ،‬وأمَّا المكارم‬
‫األخ رى التي يفتخر بها الفرزدق فهي عقر النياق المسنة‪ ،‬التي التصق لحمها‬
‫بعظمها‪ ،‬وهذا يعدُّ أمراً في غاية الحقارة واالنحطاط‪ ،‬ومن خالله تنتفي عنه صفة‬
‫الكرم والقِرى لألضياف؛ ألنَّ هذه النياق أصبحت مشينة لصاحبها‪ .‬ومن المالحظ أنَّ‬
‫جريراً في البيتين السابقين قدَّم المفعول به‪ ،‬وأخَّر الفاعل للداللة على امتهان والد‬
‫الفرزدق بالمهنة الحقيرة(الحدادة)‪ ،‬تاركاً المكارم الفعلية‪ ،‬كما أفاد الفعل (ألهى)‬
‫الرغبة الجامحة عند المسخور منه لهذه المهنة الحقيرة‪.‬‬
‫ومن صيغ الجمع الساخرة أيضاً ما قاله جرير في الفرزدق وقومه حينما غدروا‬
‫بالزبير في نموذجين يصوَّر فيهما سخريته باستخدام جمع التكسير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫أَثْوَا ُر مَحْرَثَ ٍة لَهُنَّ خُوَارُ‪.‬‬ ‫غَرُّوا بِعَقْدِهِمُ الزُّبَيْ َر كَأَنَّهُمْ‬
‫فجرير لقَّب بني مجاشع بالثيران التي تكثر الصياح والخوار‪ ،‬وداللة الجمع‬
‫(أثوار) تفيض بالكثير من المعاني السلبية‪ ،‬إذْ هي رمز لإلنسان المتذمر الذي أخذ‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.889 ، 7‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 04‬‬
‫‪245‬‬

‫على عاتقه العهد والميثاق‪ ،‬لكنَّه ما لبث أنْ غدر بذلك العهد‪ ،‬فراح يصرخ بصوته‬
‫تعبيراً عن الحسرة والندم من موقفه‪ .‬وفي طريق الغدر نفسه بالزبير يصوَّر جرير‬
‫سخريته من الفرزدق وبني مجاشع عبر صيغة جمع التكسير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ع بِذِي قَا ٍر تَمَنَّى األَمَانِيَا‪.‬‬
‫ضِبَا ٌ‬ ‫تَرَاغَيْتُمُ يَوْ َم الزُّبَيْ ِر كَأَنَّكُ ْم‬
‫فسخرية جرير في البيت السابق تجلَّت في صيغتي جمع التكسير (ضباع‪ ،‬األمانيا)‪،‬‬
‫فالضباع دلَّت على أولئك الطغاة الذين تواطؤا على قتل الزبير‪ ،‬والتمثيل بجثته‬
‫بوحشية‪ ،‬فهو قد جسد المسخور منهم بلفظة (الضباع) تعبيراً عن شناعة موت‬
‫الزبير؛ ألَنَّ الضباع من عاداتها أن تعبث بجثث الموتى حتى ال يبقى للجسد أثرٌ‪.‬‬
‫وهكذا جعل الساخر من لفظ الضباع بصيغة الجمع داالً على المارقين الذين فتكوا‬
‫بالزبير‪ .‬أمَّا السخرية النابعة من جمع التكسير (األمانيا) فقد جعل األمنية الواحدة‬
‫أماني كثيرة عبر حب الضباع لما تتمناه لشدة شبقها‪ ،‬ومن الثابت أَنَّ األمنية شيءٌ‬
‫بعيد التحقيق‪ ،‬فالساخر لم يقف عند سخريته بتسميتها أمنية‪ ،‬حتى عاد ساخراً‬
‫( )‬
‫وهكذا نجد أّنَّ جريراً يواشج بين المعجم الحيواني‪ ،‬وخيوط‬ ‫بتسميتها أماني‪.‬‬
‫حركة الزبير السياسية في العصر األموي عبر أسلوبه الساخر‪.‬‬
‫أمَّا الحكم بن عبدل األسدي فقد قال ساخراً من محمد بن عمير الذي كان‬
‫يتميَّز برائحة فمه النتنة‪ ،‬فقدم له نصيحة ساخرة‪ ،‬مستعيناً فيها بصيغة جمع التكسير‬
‫على سبيل المبالغة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ب تَجْبُنُ‪.‬‬
‫ُب التَّقَرُّ ِ‬
‫ن كُنْتَ مِنْ ح ِّ‬
‫إْ‬ ‫ص مُحَمَّدٍ‬
‫ن آكِلَةِ العِفَا ِ‬
‫ل لِابْ ِ‬
‫ُق ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫ل أَهْوَنُ‬
‫جِ‬‫وَلَحَصْ ُد أَنْفِكَ بِالمَنَا ِ‬ ‫ت نَفْسَكَ فِي عَرُوضِ مَشَقَّ ٍة‬
‫أَلْقيْ َ‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬طه‪ ،‬نعمان محمد أمين‪ ،‬السخرية في األدب العربي‪ ،‬ص ‪. 0 - 00‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫‪246‬‬

‫فصيغة الجمع(المناجل) أفادت السخرية من أسنان المسخور منه لكبرها وضخامتها‪،‬‬


‫وقد كان بإمكانه أن يقول منجالً‪ ،‬وهو جدير بحسب سخريته لحصدها كلها‪ ،‬ولكنه‬
‫أتى بصيغة الجمع للداللة على بشاعتها وشكلها المشوَّه‪.‬‬
‫وفي إطار سخرية الجمع نجد الفرزدق يستخدم جمع المؤنث السالم للداللة على‬
‫السخرية من نسوة جرير‪ ،‬عبر رميهنَّ بالدعارة والوأد والفسق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ُل صَغِيرِ‪.‬‬
‫ُن ك َّ‬
‫ت لَه َّ‬
‫والقَاتِلَا ُ‬ ‫ُن بُعُولَ ٌة‬
‫ت وَمَا لَه َّ‬
‫الوَلِدَا ُ‬
‫( )‬
‫والتَّابِعَاتُ دُعَاءَ كُلِّ صَفِيرِ‪.‬‬ ‫وَالمدْلِجَاتُ إِذَا النُّجُومُ تَغَوَّرَتْ‬
‫فجمع المؤنث السالم (الوالدات‪ ،‬والقاتالت‪ ،‬والمدلجات‪ ،‬والتابعات) صوَّر من‬
‫خاللها الساخر كثرة نساء قوم جرير الالتي يمتهنَّ الرذيلة حرفةً في محيطهن‬
‫االجتماعي‪ ،‬كما بيّن وأدهنَّ للبنات‪ ،‬وطريقة تخلصهن منهنَّ‪ ،‬وهذا كله يتم لمن يولد‬
‫( )‬
‫من عالقة غير شرعية منهنَّ‪.‬‬
‫ومن أمثلة السخرية القائمة على جمع المؤنث السالم‪ ،‬ما قاله جرير في‬
‫الفرزدق وقومه عندما أطلق على الجبناء من رجالهم لفظة(نخبة)‪ ،‬تشبيهاً بالنساء‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫فَأَمْسَى جَهْدُ نُصْرَتِ ِه اغْتِيَابَا‪.‬‬ ‫َد‬
‫لَقَ ْد خَزِيَ الفرزدقُ فِي مَع ٍّ‬
‫(‪)4‬‬
‫تَرَى لِوُكُوفِ عَبْرَتِ ِه انْصِبَابَا‪.‬‬ ‫وَلَاقَى القَيْنُ والنَّخَبَاتُ غَمًّا‬
‫فالسخرية تجلت في جمع المؤنث السالم (النخبات) للداللة على الجبناء من‬
‫رجال مجاشع‪.‬‬
‫وفي موضع آخر ينادي الفرزدق وقومه بذلك اللفظ‪ ،‬حتى صار لقباً مشهوراً‬
‫لهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫‪.7‬‬ ‫نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬ج ‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫‪-‬‬ ‫يُنظر‪ :‬بن تنباك‪ ،‬د‪ .‬مرزوق‪ ،‬الوأد عند العرب بين الوهم والحقيقة‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪247‬‬

‫( )‬
‫لِيَرْبُوعٍ شَقَاشِقَ بّاذِخَاتِ‪.‬‬ ‫ن والنَّخَبَاتِ تَرْجُو‬
‫أَبَا القَيْنَيْ ِ‬

‫ب‪ -‬سخرية التصغير‪:‬‬

‫التصغير في اللغة يدل على النقصان والتقليل‪ ،‬ويقال‪ :‬صغَّر الشيء إذا‬
‫قَلَّلْتَ حجمه( ) والتصغير معناه التحقير‪ ،‬فإذا صغرت الشيء فقد حقَّرته‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ العرب "إذا أرادت أن تقلل من شيء لجأت إلى‬
‫تصغيره لتدلَّ به على التحقير" (‪ ،)4‬مع أ َّ‬
‫ن "التحقير لم يعد أكثر من مجرد غرض‬
‫(‪.)8‬‬
‫من أغراض التصغير"‬

‫وقد استخدم الشعراء في العصر األموي التصغير في كثير من قصائدهم‬


‫بغرض إظهار السخرية ممن ينتقصون منهم اجتماعياً وفكرياً‪ ،‬وربَّما ساد التصغير‬
‫بين الشعراء في العصر األموي بسبب دافع العصبية القبلية التي استعرَّ نارها في‬
‫أيام الدولة األموية‪.‬‬

‫والمتأمل في الشعر األموي يجد أنَّ جريراً قد استخدم التصغير في شعره‬


‫كثيراً لغرض التحقير‪ ،‬وما يميِّز ظاهرة التصغير عنده أنَّها اتجهت نحو األخطل في‬
‫كثير من قصائده الشعرية‪ ،‬حيث حملت في دالالتها التحقير وتهوين شأن األخطل‪،‬‬
‫ومن أمثلة سخرية جرير من األخطل عبر التصغير قوله‪:‬‬
‫ب لَ ُه لِيَنَالَا‪.‬‬
‫ن وَأَ ٌ‬
‫مَا لَ ْم يَكُ ْ‬ ‫طلُ مِنْ سَفَاهَ ِة رَأْيِهِ‬
‫وَرَجَا األُخَيْ ِ‬
‫ت وَقَالَا‪.‬‬
‫طلُ حِينَ قُلْ ُ‬
‫ي األُخَيْ ِ‬
‫خَزِ َ‬ ‫طلُ فَاحْتَجِزْ‬
‫تَمَّتْ تَمِيمِيٌّ يَا أُخَيْ ِ‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫( )‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة (صغر)‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الحازمي‪ ،‬د‪ .‬عليان‪ ،‬التصغير في اللغة العربية‪ ،‬مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 8‬ه‪ 000-‬م)‪ ،‬ص ‪8‬‬ ‫(مكة المكرمة‪ ،‬المجلد ( ) ‪ ،‬العدد ( )‪،‬‬
‫(‪)8‬‬
‫القوزي‪ ،‬عوض بن حمد‪ ،‬المصطلح النحوي‪ ،‬ط ‪( ،‬الرياض‪ ،‬جامعة الرياض‪ ،‬عمادة شؤون المكتبات‪،‬‬
‫‪ 80‬ه‪ 74 -‬م) ‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪248‬‬

‫مَنْحَاةُ سَانِيَّةٍ تُدِيرُ مَحَالَا‪.‬‬ ‫ل أُمَّ ُه وَكَأَنَّهَا‬


‫طُ‬‫ك األُخَيْ ِ‬
‫تَرَ َ‬
‫( )‬
‫س لَا نُرِيدُ قَتَالَا‪.‬‬
‫ج َ‬
‫يَا مَارَ سَرْ ِ‬ ‫طلُ إِذْ رَأَى رَايَاتِهِمْ‬
‫ل األُخَيْ ِ‬
‫قَا َ‬
‫فجرير صغَّر األخطل في األبيات السابقة خمس مرات‪ ،‬ففي البيت األول فإنَّ‬
‫جريراً صغَّر األخطل مسبغاً عليه في داللة التصغير صفات الطيش والحمق‬
‫والسفاهة في الرأي؛ ألنَّ األخطل وأباه يتطلعان إلى أمرٍ ال يستطيعان الوصول إليه‪.‬‬
‫أمَّا التصغير في البيت الثاني فقد حرص جرير على تصغير األخطل مرتين في هذا‬
‫البيت مازجاً فيهما بين الفخر والسخرية‪ ،‬فالفخر ببلوغه الشرف كلَّه‪ ،‬والسخرية‬
‫بخزي األخطل وهوانه وتحقيره‪ ،‬وجرير بهذا يحاول إبراز مجده وعزّه وشرفه‪،‬‬
‫وبيان مذلة األخطل وحقارته‪ .‬أمَّا البيت الثالث فإنَّ التصغير يتناسب مع انتفاء صفة‬
‫الغَيْرة عند األخطل‪ ،‬فإذا افتقدت الغَيْرة عند الرجال فقدت الكرامة والبطولة؛ ألنَّ‬
‫"من دوافع استماتة األبطال دون الحمى وإبراز صفات البطولة شعور الرجل بالغَيْرة‬
‫( )‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق‬ ‫على النساء عامة‪ ،‬والتضحية بالنفس حتى ال تمس المحارم"‬
‫فقد جاء التصغي ر في هذا البيت متوافقا مع رضى األخطل بسقوط أمه في الرذيلة‬
‫والخزي والعار‪ .‬أمَّا البيت الرابع فإنَّ جريراً اعتمد على احتقار األخطل وتعييره‬
‫بطقوسه المسيحية‪ ،‬حيث" كان يسقط عليه من جانب نصرانيته دائماً "(‪ ،)4‬ولهذا‬
‫نالحظ أن دالالت التصغير في األبيات السابقة صوَّرت الهوان والذل والضياع‬
‫والخزي في األخطل والتغلبيين‪.‬‬
‫وفي منحى آخر يستخدم جرير التصغير تجاه األخطل إلبراز فحولته الشعرية‬
‫على األخطل وكل الشعراء‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ك مُجِرَّةَ األَرْسَانِ‪.‬‬
‫ت إِلَيْ َ‬
‫قَصَدَ ْ‬ ‫ِن القَصَائِ َد يَا أُخَيْطِلُ فَاعْتَرِفْ‬
‫إ َّ‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫( )‬
‫بن تنباك‪ ،‬د‪ .‬مرزوق بن صنيتان‪ ،‬التسامح في الغيرة في شعر مسكين الدارمي‪ ،‬مجلة الدارة‪( ،‬الرياض‪،‬‬
‫دارة الملك عبدالعزيز‪ ،‬السنة (‪ ، ) 4‬العدد (‪ 804 ، )4‬ه‪ 749-‬م) ‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ضيف‪ ،‬د‪ .‬شوقي‪ ،‬العصر اإلسالمي‪ ،‬ط‪( ، 2‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪. 2‬‬
‫‪249‬‬

‫( )‬
‫ل البِكَا ِر لُزِزْنَ فِي األَقْرَانِ‪.‬‬
‫مِ ْث َ‬ ‫ت فِي قَرَنِ الثَّلَاثَ ِة رَابِعًا‬
‫وَعَلِقْ َ‬
‫فالتصغير في البيت السابق دلَّ على تحقير األخطل بتأثير قصائده فيه‪ ،‬وتكمن داللة‬
‫التصغير في السخرية من خالل إنزال األخطل من مرتبة اإلنسان إلى مرتبة‬
‫الحيوان‪ ،‬فقد جرَّت قصائد جرير األخطل من رسنه‪ ،‬وربطته رابعاً إلى ثالثة شعراء‬
‫آخرين هم‪ :‬الفرزدق والبعيث وعمر بن لجأ التيمي‪ ،‬وشدَّتهم كما تشدُّ اإلبل إلى‬
‫بعضها‪.‬‬
‫ويسخر القطامي من األخطل مستخدماً التصغير للداللة على استحالة ثأره من‬
‫أعدائه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫هلل عَادًا أَوْ تَرَى إِرَمَا‪.‬‬
‫ثا ُ‬‫أَ ْو يَبْعَ َ‬ ‫س الدَّهْ َر ثَائِرُهُمْ‬
‫ل لَ ْي َ‬
‫ِن األُخَيْطِ َ‬
‫إ َّ‬
‫وعلى النقيض من كثرة تصغير جرير لألخطل‪ ،‬فإنَّ المتأمل لشعر جرير القائم‬
‫على التصغير بهدف السخرية لم يجد في شعره ما يصغر به الفرزدق بلفظه قَطُّ‪،‬‬
‫وعلى الرغم من كثرة سخرياته فيه‪ ،‬وتصغير الفرزدق على القاعدة المشهورة‬
‫(فريزق)‪ ،‬أو (فريزد) ال يخل بالوزن الشعري‪ .‬ومن المالحظ أنَّ جريراً كان يتجنب‬
‫لفظ(الفرزدق) مصغراً‪ ،‬ولكنه يلجأ إلى تصغير بعض نعوته القبيحة التي يوصف بها‬
‫كما في قوله‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ي القُرَيْدُ األَصْلَعُ‪.‬‬
‫فَلَقُوا كَمَا لَقِ َ‬ ‫س صَكَّ ًة‬
‫ت بَنِي الفَدَوْكَ ِ‬
‫وَلَقَ ْد صَكَكْ ُ‬
‫فقد صغر القرد‪ ،‬وهو من أوصاف الفرزدق التي كان ينعته بها‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ جريراً كان يتهرب من تصغير الفرزدق بلفظه؛ ألنَّه‬
‫(‪،)8‬‬
‫وهذا ما يؤكده أبو علي الفارسي‬ ‫"أحسَّ بإشكاالت هذا التصغير أو استكراهه"‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.298‬‬
‫( )‬
‫‪.4‬‬ ‫ديوان القطامي‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.488‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الشاعر‪ ،‬د‪ .‬موسى‪ ،‬التصغير في شعر المتنبي‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العربية األردني‪( ،‬األردن‪ ،‬السنة (‪،)9‬‬
‫العدد(‪ 808 ،) 8- 4‬ه‪ 748 -‬م)‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪251‬‬

‫في التكملة" وبنات الخ مسة ال تصغر كما ال تكسر إلَّا على استكراهٍ لما يلزم فيها من‬
‫( )‪.‬‬
‫حذف حرف من نفس الكلمة"‬
‫ويعدُّ جرير التصغير سالحاً من القول يقهر به خصومه‪ ،‬ويحقق رغبته في‬
‫االستعالء‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد جريراً يستخدم التصغير للسخرية من خصمه عمر‬
‫بن لجأ‪ ،‬عبر تصغير اسم أمه (برزة) في صورة ساخرة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ُل أَصْيَدَ سَامِ‪.‬‬
‫جعََليْ بُرَيْزَ َة ك َّ‬
‫ُ‬ ‫ب أنَّ تَيْمًا كَلَّفَتْ‬
‫ن العَجَائِ ِ‬
‫وَمِ َ‬
‫وفي إطار السخرية القائمة على التصغير‪ ،‬نجد جريراً يستخدمه إلظهار‬
‫العصبية القبلية فيما بينه وبين خصومه‪ ،‬فها هو يحتقر ثور بن األشهب بن رميلة‬
‫عبر تصغير اسمه في صورة ساخرة تبين صورة الخزي الذي حلَّ به بسبب بخله‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ثُوَيْرٌ وَيَخْزَى عَاصِمٌ وَجَمِيعُ‪.‬‬ ‫ت حَلَائِبُ مَالِكٍ‬
‫سَيَخْزَى إِذا ضَنَّ ْ‬
‫وفي موضع آخر يسخر من قبيلة(عرينة) من خالل تصغيرها‪ ،‬مبيِّناً في ثنايا هذا‬
‫التصغير أنَّ قبيلة عرينة قليلة العدد‪ ،‬ولذا يتبرأ من أفعالها اللئيمة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ن عَرِينِ‪.‬‬
‫بَرِئْتُ إِلَى عُرَيْنَ َة مِ ْ‬ ‫س مِنَّا‬
‫ن عُرَيْنَةَ لَيْ َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫عَرِي ٌ‬

‫(‪)8‬‬
‫فَلَ ْيسَ اللُّؤْ ُم تَارِكَهُمْ لِحِينِ‪.‬‬ ‫قُبَيِّلَةٌ أَنَاخَ اللُّؤْمُ فِيهَا‬
‫أما ثابت قطنة العتكي فيسخر من قتيبة بن مسلم الباهلي من خالل تصغير اسم‬
‫قبيلته‪ ،‬لتصوير هروبه وهزيمته من قبيلة تميم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫بُهَيْلَ ُة لَما عَايَنَتْ مَعْشَرًا غُلْبَا‪.‬‬ ‫ت تَمِيمٌ فِي الطعانِ وَعَرَّدَتْ‬
‫تَوَافَ ْ‬

‫( )‬
‫الفارسي‪ ،‬أبو علي الحسين بن أحمد‪ ،‬التكملة‪ ،‬االيضاح العضدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬حسن شاذلي فرهود‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫(الرياض‪ ،‬عمادة شؤون المكتبات‪ ،‬جامعة الرياض‪ 80 ،‬ه‪ 74 -‬م) ‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫( )‬
‫‪.2‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.4 8‬‬
‫(‪)8‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪251‬‬

‫إِذَا مَا مَشَوا فِي الحَرْبِ تحسبهم َن َكبَا‪.‬‬ ‫ب النَّاسَ حدُّهُم‬


‫كُمَاةٌ كفَا ٌة يُرْهِ ُ‬
‫( )‬
‫ن تَلْقَوا كِلَاب ًا وَلَا كَعْبَا‪.‬‬
‫ت أَ ْ‬
‫وَهَيْهَا َ‬ ‫تُسَامُونَ كَعْباً فِي العُلَا وَكِلَابَهَا‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه القائم على إظهار العصبية القبلية بين القبائل‪ ،‬نجد زياد‬
‫األعجم يسخر من إحدى القبائل عبر تصغيرها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وَأَصْدَقُهَا الكَاذِبُ اآلثِمُ‪.‬‬ ‫قُبَيِّلةٌ خَيْرُهَا شَرُّهَا‬
‫( )‬
‫ن لَمْ يَكُنْ صَائِماً صَائِمُ‪.‬‬
‫وَإِ ْ‬ ‫وَضَيْفُهُ ُم وَسْطَ أَبْيَاتِهِمْ‬
‫وقد انعكست سخرية التصغير من تلك القبيلة في التضاد الذي أظهره الساخر في‬
‫سلوك المسخور منهم‪ ،‬والمتمثل في أنَّ خيرها شرٌ‪ ،‬وكاذبها اآلثم صادقٌ‪ ،‬وضيوفها‬
‫صائمون‪ ،‬وليس كل هذه الصفات الدنيئة إلَّا مجبولة في هذه القبيلة التي احتقرها عبر‬
‫أسلوب التصغير‪.‬‬
‫وينحو األخطل المنحى نفسه القائم على السخرية بوساطة التصغير إظهاراً‬
‫للعصبية القبلية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫عِلَاقَةُ سَوْءٍ فِي إِنَا ٍء مُثَلَّمِ‪.‬‬ ‫ت يَوْ َم لَقِيتُهَا‬
‫ِن زَيْ َد اللَّا ِ‬
‫أَلَا إ َّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ل دِرْهَمِ‪.‬‬
‫س مِثْقَا َ‬
‫وَلَا يَظْلِمُونَ النَّا َ‬ ‫قُبَيِّلَةٌ مَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ‬
‫فالتصغير في قول األخطل أظهر قبيلة زيد الالت بالهزال والعجز والعبودية‪ ،‬كما‬
‫(‪)8‬‬
‫حمل في داللته أيضاً "التحقير وقلة العدد واألنصار‪".‬‬
‫أمَّا الراعي النميري فيستخدم التصغير إلظهار االحتقار واالستهانة برأسٍ من‬
‫رؤوس الخوارج‪ ،‬حيث يقول في نجدة بن عامر مصغِّراً اسمه‪ ،‬إظهاراً لدناءته‬
‫وضاللته‪:‬‬

‫( )‬
‫شعر ثابت قطنة العتكي‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬ماجد أحمد السامرائي‪( ،‬بغداد‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم‪ ،‬مديرية‬
‫الثقافة العامة‪ ،‬د‪.‬ت) ‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫( )‬
‫شعر زياد األعجم‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫(‪)8‬‬
‫حاوي‪ ،‬إيليا‪ ،‬فن الهجاء وتطوره عند العرب‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫‪252‬‬

‫ب اليَوْ َم الخَلِيفَةَ قِيلَا‪.‬‬


‫وَلَا أَكْذِ ُ‬ ‫ن بَرَّةٍ‬
‫إِنِّي حَلَفْتُ عَلَى يَمِي ٍ‬
‫يَوْم ًا أُرِي ُد لِبَيْعَتِي تَبْدِيلَا‪.‬‬ ‫ل أَبِي خُبَيْبٍ وَافِداً‬
‫مَا زُرْتُ آ َ‬
‫( )‬
‫أَبْغَى الهُدَى فَيَزِيدَنِي تَضْلِيلَا‪.‬‬ ‫ت نُجَيْدَ َة بْنِ عُوَيْمِرٍ‬
‫وَلَا أَتَيْ ُ‬
‫وتتجلى العصبية القبلية أكثر بين الراعي النميري وعدي بن الرّقاع‪ ،‬وفي أثناء‬
‫ردِّ عديٍّ على الراعي‪ ،‬نجده قد استخدم التصغير كأسلوب ساخر‪ ،‬يظهر فيه احتقاره‬
‫لما كان يقوم به الراعي من رعي اإلبل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ن الرُّشْدِ‪.‬‬
‫ف أَقْوام ًا عَ ْ‬
‫هلل يَصْرِ ُ‬
‫وا ُ‬ ‫َن رُوَيْعِي اإلِ ِبلِ يَشْتِمُنِي‬
‫ت أ َّ‬
‫حُدِّثْ ُ‬
‫( )‬
‫كَمُبْتَغِي الصَّيْدِ فِي عَريس ِة األَسَدِ‪.‬‬ ‫ك والشِّعْ ُر إِ ْذ تُزْجِي قَوَافِيهِ‬
‫فَإِنَّ َ‬
‫فعدي بن الرقاع قد صغَّر اسم الراعي النميري‪ ،‬مظهراً احتقاره لقيام الراعي‬
‫النميري برعي اإلبل‪ ،‬ولهذا أبعده عن طريق الرشد‪ ،‬ويراه ال يصلح لقول الشعر‪.‬‬
‫ويستخدم الفرزدق التصغير أسلوباً تهكمياً‪ ،‬يسخر فيه من إبليس وعالقته‬
‫الحميميَّة بفرعون‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ك مِنْ خُضْ ِر البُحُورِ طَوَامِ‪.‬‬
‫يَمِينُ َ‬ ‫ك أَخْرَجَتْ‬
‫ت لَ ُه‪ :‬هَلَّا أُخَيِّ َ‬
‫فَقُلْ ُ‬
‫ل وَشَمَامِ‪.‬‬
‫ي يَذْبُ ٍ‬
‫َكفِرْقَ ِة طَوْدَ ْ‬ ‫َم لَمَّا رَأَيْتَهُ‬
‫رَمَيْتَ بِ ِه فِي الي ِّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ل لَ ُه بِمَرَامِ‪.‬‬
‫ت وَلَمْ تَحْتَ ْ‬
‫نَكَصْ َ‬ ‫ج طَامِيًا‬
‫فَلَمَّا تَلَاقَى فَوْقَهُ المَوْ ُ‬
‫فالتصغير تجلى في كلمة (أخيِّك)‪ ،‬وهو أراد به فرعون‪ ،‬ومن هنا تبدو مالمح‬
‫الصورة التهكمية في عالقة األخوة القائمة بين (إبليس وفرعون)‪ ،‬حيث أقام‬
‫الفرزدق" عالقة ود حميم بين إبليس وفرعون عبر صيغة التصغير أخيِّك‪ ،‬ولكنها هنا‬
‫(‪)8‬‬
‫ألن إبليس هو من رمى فرعون في اليم حين انغلق‬ ‫تحمل في سياقها سخرية"‬

‫( )‬
‫ديوان الراعي النميري‪ ،‬ص ‪. 44‬‬
‫( )‬
‫ديوان شعر عدي بن الرقاع العاملي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬نوري حمودي القيسي‪ ،‬وَ د‪ .‬حاتم الضامن‪( ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة‬
‫المجمع العلمي العراقي‪ 809 ،‬ه ‪ 749-‬م) ‪ ،‬ص ‪. 9 - 92‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.28 -280‬‬
‫(‪)8‬‬
‫المانع‪ ،‬سعاد‪ ،‬الفرزدق وإبليس‪ ،‬قراءة في قصيدة‪ ،‬مجلة فصول‪( ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫المجلد (‪ ، ) 8‬العدد ( ) ‪ ،‬صيف ‪ 772‬م) ‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪253‬‬

‫زليم في قصة هرب النبي موسى عليه السالم‪ ،‬ولكن إبليس ومن منطلق األخوة‬
‫الناشئة بينه وبين فرعون ‪ -‬بحسب قول الفرزدق الساخر‪ -‬لم يعبأ به حينما غمره‬
‫الموج‪ ،‬ولم يفعل شيئاً إلخراجه‪ ،‬ومن هنا تتجلى لنا السخرية في عالقة األخوة‬
‫الساخرة التي أنشأها الفرزدق في قصيدته‪.‬‬
‫وفي إطار التصغير التهكمي الساخر الذي عُرِفَ عند شعراء العصر األموي‬
‫استخدامهم اسم الشاعر األموي (عوف بن معاوية الفزاري) مصغَّراً ب (عُوَيْف)‪،‬‬
‫وقد أوحت داللة التصغير اإلمعان في التهكم والسخرية بشاعرية الشاعر‪ ،‬واالنتقاص‬
‫من مقدرته الشعرية‪ ،‬وقد قال قصيدته المشهورة التي يرد فيها عن االنتقاص من‬
‫شاعريته‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫إِذا قُلْتُ شِعْرًا لَا أُجِي ُد القَوَافِيَا‪.‬‬ ‫ن يَزْعُ ُم أَنَّنِي‬
‫ب مَنْ قَ ْد كَا َ‬
‫سَأُكَذِّ ُ‬
‫‪-5‬سخرية اللقب‪:‬‬
‫يعرف النحويون اللقب بأنَّه اسم "ما أشعر برفعة مسماه أو حقارته‪ ) ( ".‬واللقب‬
‫الساخر اسم يقوم عادةً على اإلقصاء والتهميش‪ ،‬ويكون المسخور منه فيه مشعراً‬
‫باإلهانة والذم‪ .‬وعلى هذا فإنَّ مناداة الشخص به يكون على سبيل التهكم به‪ ،‬أو‬
‫السخرية منه‪.‬‬
‫وتتشكل األلقاب الساخرة من أسماء بعض الحيوانات ذات أشكال أو صفات‬
‫خاصة‪ ،‬بحيث تطلق على من الزموا هذه الحيوانات أو شابهوها في الشكل أو‬
‫ف به ذلك الشخص الملقب به‪.‬‬
‫ق عُرِ َ‬
‫األوصاف‪ ،‬وبهذا يصبح اللقب إذا أُطْلِ َ‬
‫ومن أمثلة األلقاب الحيوانية الساخرة قول جرير في إضفاء لقب (دوبل) على‬
‫األخطل تشبيهًا له بالحمار القصير الذنب‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ُّل دَوْبَلُ‪.‬‬
‫ن الذ ِّ‬
‫أَال إنَّما يَبْكِي مِ َ‬ ‫ل لَا يَرْ ِقئُ اهللُ دَمْعَ ُه‬
‫بَكَى دَوْبَ ٌ‬

‫( )‬
‫شعراء أمويون‪ ،‬القسم (‪ ، )4‬ص ‪. 28‬‬
‫( )‬
‫اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ص ‪. 09‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.822‬‬
‫‪254‬‬

‫وقد تبعه القطامي في ترديد هذا اللقب‪ ،‬حيث يقول ساخراً من األخطل‪:‬‬
‫( )‬
‫ِد إِذَا شَيْطَانُهُ عَزَمَا‪.‬‬
‫وَلَنْ يَج َّ‬ ‫ل لَا يَكُونُ المَجْ ُد غَايَتَهُ‬
‫ودَوْ َب ٌ‬

‫ويبدع جرير في إضفاء األلقاب الحيوانية على مسخوريه‪ ،‬فهاهو يلقب األخطل‬
‫بالخنزير؛ لكونه نصرانيًا يستحل أكل لحم الخنزير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫رَبِيعَ ُة وَزْنٌ مِنْ تَمِيمٍ تُكَذَّبُ‪.‬‬ ‫ل‬
‫فَإنَّكَ يَا خِنْزِيرُ تَغْلِبَ إنْ تَقُ ْ‬
‫ويلقب بني نمير بالتيوس‪ ،‬بسبب روائحهم الكريهة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ب مُوقِدَةٌ شِهَابَا‪.‬‬
‫فَإنَّ الحَرْ َ‬ ‫فَصَبْراً يَا تُيُوسُ بَنِي نُمَيْ ٍر‬
‫أمَّا الفرزدق فيلقبه بالقرد؛ بسبب قصره ودمامة وجهه‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫طلِ‪.‬‬
‫ل نَفْسَ ُه بِالبَا ِ‬
‫قِرْدٌ يَعَِّل ُ‬ ‫ِن الرَّزِيَّةَ لَا رَزِيَّةَ مِثْلُهَا‬
‫إ َّ‬
‫ويلقِّب رجالً من بني سعد ب (ضرة األرنب)‪ ،‬تشبيهاً بما يمكن أن تسببه أرنب جمع‬
‫لبنها في ضرعها‪ ،‬فال يلحق بها األذى‪:‬‬
‫ك يَا ابْنَ أَبِي كَا ِملِ؟‬
‫فَمَا لَ َ‬ ‫خ اللَّئِيمِ؟‬
‫ت اللَّئِي َم وَفَرْ َ‬
‫أَلَسْ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ب الحَا ِفلِ‪.‬‬
‫أَيَا ضَرَّةِ األَرْنَ ِ‬ ‫أَخَالَفْتَ سَعْداً وَحُكَّامَهَا‬

‫ويلقِّب ميجاس البرجمي ب (دودة الحش)؛ وذلك سخرية من أصله الوضيع‪:‬‬


‫( )‬
‫ن ضُلَالِ‪.‬‬
‫يَا دُودَ َة الحَشِّ يَا ضُلَّ بْ َ‬ ‫لَ ْو كَانَ غَيْرُكَ يَا مِيْجَاسُ يَشْتِمُنَا‬
‫ويلقب شبَّة بن عقال ب (سلح النعامة)‪ ،‬عندما فضح قومه بالخوف في أثناء قتال‬
‫األعداء‪:‬‬

‫( )‬
‫ديوان القطامي‪ ،‬ص ‪.4 4‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.8‬‬ ‫المصدر السابق‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.8‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.8 8‬‬
‫‪255‬‬

‫( )‬
‫ح النَّعَامَ ِة شَبَّ ُة بْنُ عِقَالِ‪.‬‬
‫سَلْ ُ‬ ‫ح الكَتِيبَ َة يَوْمَ يَضْرِطُ قَائِمًا‬
‫فَضَ َ‬
‫ومما سبق يمكن القول إنَّ جريراً كان بارعاً في إضفاء األلقاب الحيوانية‬
‫الساخرة على أصحابها‪ ،‬مما يوحي بالدونية واالحتقار تجاههم‪ ،‬حيث كان يمتلك‬
‫( )‬
‫ال خصبًا جعله" من أخطر الساخرين في إطالق األلقاب على خصومه‪".‬‬
‫خيا ً‬

‫ويكتسب اللقب الساخر داللة جديدة في عالقته بحامله الموجه له‪ ،‬بحيث يصبح‬
‫اسماً مميّزاً له‪ ،‬يحجب مسمَّاه األصلي‪ ،‬ويجعل الداللة التحقيرية والتنابزية تأخذ‬
‫الصدارة فيه‪ ،‬ومن أمثلة هذه األلقاب قول جرير في إضفاء لقب (حوض الحمار)‬
‫على والد الفرزدق؛ ألنَّه كان أحدب الصدر‪ ،‬طويل اللحية‪ ،‬مما يجعل شخصية‬
‫المسخور منه عن طريق اللقب هامشية في إطار الجسد‪ ،‬بحيث تتحول وسائل‬
‫التواصل واالتصال معه إلى وضعية ساخرة‪ ،‬وفي هذا يقول جرير ساخراً من والد‬
‫الفرزدق‪:‬‬
‫مِنْهُ قَف ًا وَمُقَلَّدًا وَعِذَارَا‪.‬‬ ‫ض الحِمَا ِر أَبُو الفرزدقِ فَاعْرِفُوا‬
‫حَوْ ُ‬
‫ج المرْفَقِ‪.‬‬
‫عَقَ َد األَخَا ِدعِ وَانْشِنَا َ‬ ‫ض الحَمَارِ أبُو الفرزدقِ فَاعْلَمُوا‬
‫حَوْ ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫َر مِنْ لَ ْم يُخْلَقِ‪.‬‬
‫ض الحِمَا ِر وَش ُّ‬
‫حَوْ ُ‬ ‫ن عَلِمْنَا مِنْكُمُ‬
‫َر الخَلِيقَ ِة مَ ْ‬
‫ش ُّ‬
‫وقد يغدو اللقب صفة تؤدي وظيفة اجتماعية تتصف بالتحقير والتهميش واإلقصاء‬
‫االجتماعي للمسخور منه‪ ،‬فيتحول اللقب إلى بناء رمزي مأساوي حامالً السخرية‬
‫والتهكم‪ ،‬بحيث تصير شخصية المسخور منه هامشية اجتماعياً‪ ،‬وهذا ما يمثله قول‬
‫ال ونساءً‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫جرير في الفرزدق وبني مجاشع رجا ً‬
‫يَوْ َم الزُّبَيْ ِر كَسَا الوُجُو َه غُبَارَا‪.‬‬ ‫ل لَهُمْ‬
‫وَإِذا لَقِيتَ بَنِي خَضَافٍ فَ ُق ْ‬
‫ض خُصَاهُ ُم الفَخَّارَا‪.‬‬
‫شَبَّهْتَ بَيْ َ‬ ‫خُورٌ يَنَاخِبَ ٌة إِذَا مَا جُرِّدُوا‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫( )‬
‫حسين‪ ،‬محمد محمد‪ ،‬الهجاء والهجاؤن في صدر اإلسالم‪. 79 ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.802 ، 4‬‬
‫‪256‬‬

‫والجَيْثَلُوطَ ونَخْبَ ًة خَوَّارَا‪.‬‬ ‫ت‬


‫ف إِذَا الفُحُولُ تُنُجِّبَ ْ‬
‫عَدُّوا خَضَا ِ‬
‫( )‬
‫فَافْخَ ْر بِقَبْقَبَ وَاذْكُ ِر النِّخْوَارَا‪.‬‬ ‫وَإِذَا فَخَرْتَ بِأُمَّهَاتِ مُجَاشِعٍ‬
‫من خالل األبيات السابقة نرى جريراً قد أطلق ألقاباً كثيرة في الفرزدق وبني‬
‫مجاشع رجاالً ونساءً تجلت في (بني خضاف‪ ،‬ويناخبة‪ ،‬وخضاف‪ ،‬والجيثلوط‪،‬‬
‫ونخبة‪ ،‬وقبقب‪ ،‬والنخوار)‪ ،‬ومن هذا المنطلق فإنَّ هذه األلقاب تهدم البناء الشامخ‬
‫للفرزدق وقومه في الواقع االجتماعي والبطولي واإلنساني‪ ،‬فأصبحت هذه األلقاب"‬
‫نعوتاً هازئة‪ ،‬تلتصق بهم إلصاقاً‪ ،‬حتى تصبح الزمة يكررها[الناس] متى ذكروهم أو‬
‫( )‬
‫نادوهم"‬
‫والطريف في هذه األلقاب المذمومة التي أطلقها جرير أنَّها تقدم السخرية أحياناً‬
‫في صورة العورة اإلنسانية معنًى‪ ،‬مثل قول جرير(النخبة)‪ ،‬التي تكون بمعنى األست‬
‫أو‬
‫الفقحة‪ ،‬بحيث تلتحم صورة العيب األخالقي بصورة السوأة؛ ألنه ربما يستحي من‬
‫(‪)4‬‬
‫كشفها قبحًا وسلبيةً‪.‬‬
‫وقد يدل اللقب على عالمة بارزة يراها الساخر في المسخور منه‪ ،‬فيطلق‬
‫منطوقها عليه إطالقاً يتناسب مع الظروف المحيطة به لغرض الهزل والتهكم‪،‬‬
‫فتتحول هذه العالمة الكائنة في جسم المسخور منه إلى اسم له‪ ،‬ومن أمثلة هذا النوع‬
‫من األلقاب الساخرة‪ ،‬ما قاله حاجب الفيل ساخراً من ثابت بن كعب بن جابر‬
‫العتكي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ب مَجْهُولُ‪.‬‬
‫ن األَنْسَا ِ‬
‫وَمَا سِوَاهَا مِ َ‬ ‫ف النَّاسُ مِنْ ُه غَيْرَ قُطْنَتِهِ‬
‫لَا يَعْرِ ُ‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫‪7،‬‬ ‫‪4،‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫( )‬
‫فشوان‪ ،‬د‪ .‬أنور‪ ،‬فن السخرية في شعر جرير‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫(‪)4‬‬
‫يُنْظر‪ :‬الخصخوصي‪ ،‬أحمد‪ ،‬عنصر الحمق في أهاجي جرير‪ ،‬حوليات الجامعة التونسية‪( ،‬تونس‪ ،‬العدد‬
‫(‪ 772،)49‬م)‪ ،‬ص ‪. 8 - 80‬‬
‫(‪)8‬‬
‫حاجب الفيل‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬ص ‪. 70‬‬
‫‪257‬‬

‫فلُقِّب ثابت العتكي ب (ثابت قطنة)؛ ألنَّ سهماً أصابه في إحدى عينيه في أثناء‬
‫اشتراكه في حروب الترك بخراسان‪ ،‬فكان يضع على العين المصابة(قطنة)‪ ،‬فعرف‬
‫بها وأصبحت لقبًا له‪.‬‬
‫ومن األلقاب ما يرتبط بحادثة أو موقف للمسخور منه في الحياة االجتماعية‬
‫اليومية‪ ،‬فيجعل من حامل اللقب الذي ولد في هذا الواقع شخصية هامشية اجتماعياً‬
‫وفكرياً‪ ،‬ومن هذه األلقاب لقب (موسى شهوات)‪ ،‬حيث ورد أنه سمي بهذا اللقب‪،‬‬
‫ألنَّ عبد اهلل بن جعفر كان يشتهي عليه الشهوات‪ ،‬فيشتريها له ويتربح عليه‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إنَّ امرأة لقبته بموسى شهوات ألنَّه كان يجلب الفند والسكر للمدينة‪ ،‬بينما يرى قول‬
‫آخر إنَّه كان سؤوالً ملحفاً فإذا رأى مع أحد شيئاً يعجبه من الثياب أو المال أو‬
‫المتاع أو الدواب تباكى له‪ ،‬فإذا قيل له‪ :‬ما الذي يبكيك؟ فيقول‪ :‬أشتهي هذا فسمي‬
‫بموسى شهوات‪ .‬وهناك قول رابع لسبب تلقيبه بموسى شهوات‪ ،‬وهو قوله في يزيد‬
‫بن معاوية‪:‬‬
‫( )‬
‫يَا مُضَيِّ َع الصَّلَا ِة بالشَّهَوَاتِ‪.‬‬ ‫ك مِنَّا‬
‫ت مِنَّا وَلَ ْيسَ خَالُ َ‬
‫لَسْ َ‬
‫فاللقب قد حوَّل شخصية موسى بن يسار إلى شخصية هامشية في المجتمع‪ ،‬وقلل‬
‫من مكانته بين أوساط الناس في زمانه‪.‬‬
‫ومن األلقاب الساخرة التي عُرِفَ بها الشعراء في العصر األموي ما ارتبط‬
‫منها بنظم الشعر وصياغة قوافيه في صورها الجمالية والفنية‪ .‬وفي هذا العصر لقب‬
‫الشاعر عوف بن معاوية الفزاري بلقب (عويف القوافي)‪ ،‬وذلك ألنَّ بعض الشعراء‬
‫عيَّروه بأنَّه ال يجيد الشعر فقال أبياتًا منها‪:‬‬
‫( )‬
‫إِذَا قُلْتُ شِعْرًا لَا أُجِيدُ القَوَافَيَا‪.‬‬ ‫ن يَزْعُ ُم أَنَّنِي‬
‫سَأُكَذِّبُ مَنْ قَدْ كَا َ‬
‫فَلُقِّبَ على إثر هذا القول ب (عويف القوافي) على سبيل السخرية منه‪.‬‬

‫( )‬
‫األصفهاني‪ ،‬أبو الفرج‪ ،‬األغاني‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.489‬‬
‫( )‬
‫شعراء أمويون‪ ،‬القسم ‪ ،4‬ص ‪. 28‬‬
‫‪258‬‬

‫والمتأمل في هذا اللقب يرى أن الشعراء قد أطلقوا هذا اللقب ألنَّه "ال يجيد ما‬
‫( )‬
‫كما تتعمق‬ ‫يجيده امرؤ القيس من القوافي‪[ ،‬ولكي] يقابل ضديّاً لقب الذائد‪".‬‬
‫السخرية والتهكم من خالل تصغير اسم الشاعر(عوف) ب (عُوَيْف)‪ ،‬فضالً عمَّا‬
‫يحمله االسم من داللة لغوية (العيافة)‪ ،‬حيث تتعالق مع الهدف من انتقاص شاعريته‬
‫وتحجيمها في صورة مبتذلة‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ إطالق لقب (عويف القوافي) قد‬
‫ارتكز على عنصر القافية بداللتها الكلية عن الشعر بعامة‪ ،‬من أجل الحكم على‬
‫جمالية التجربة الشعرية للشاعر‪ ،‬ولتأكيد عُلُوِّه أو تدنِّيه في قول الشعر‪.‬‬
‫وفي هذا الشأن يمكن القول إنَّ إطالق القدماء لأللقاب على الشعراء كان "بمنزلة‬
‫أوسمة ترفع الشاعر أو تحطه على أسس من الرؤية األدبية‪ ،‬أو الموقف الثقافي‬
‫( )‬
‫فاللقب على وفق هذا النمط عند الشعراء األمويين يقوم على تمكّن الشاعر‬ ‫العام‪".‬‬
‫من بناء الصور الفنية الجذابة في الشعر وتصويرها للمواقف الشعرية المبدعة‪.‬‬
‫‪-6‬سخرية الخروج عن المألوف اللغوي والصرفي والنحوي‪:‬‬
‫وجد الشعراء األمويون في اللغة مجاالً خصباً إلنتاج لغة وظيفية تعبر عن‬
‫ذواتهم الساخرة؛ ألنَّ تجسيد السخرية اإلبداعية ال يتم إلَّا عبر اللغة الهزلية التي‬
‫" تستلهم قدرتها على السخرية من ذاتها كلغة بتركيبها ودالالتها‪ ،‬ومن موقعها في‬
‫(‪)4‬‬
‫السياق الحدثي ومن خروجها عن المألوف في اللغة‪".‬‬
‫وقد تجلت السخرية القائمة على الخروج عن المألوف اللغوي والنحوي‬
‫والصرفي في الشعر األموي في عدة أنماط‪:‬‬
‫أ‪-‬السخرية من خالل الخروج عن المألوف اللغوي‪:‬‬
‫تتجلى السخرية في هذا النمط من خالل عدول الشاعر الساخر عن االستعمال‬
‫اللغوي للمفردة الساخرة‪ ،‬وفي هذا المجال نجد جريراً يستخدم لفظ (اآلدر) للمرأة‪،‬‬

‫( )‬
‫الفيفي‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل بن أحمد‪ ،‬ألقاب الشعراء‪ ،‬بحث في الجذور النظرية لشعر العرب ونقدهم‪(،‬إربد‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫عالم الكتب الحديث‪ 840 ،‬ه – ‪ 007‬م)‪،88 ،‬‬
‫( )‬
‫الفيفي‪ ،‬د‪.‬عبداهلل بن أحمد‪ ،‬ألقاب الشعراء‪،‬بحث في الجذور النظرية لشعر العرب ونقدهم‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫(‪)4‬‬
‫فاعور‪ ،‬ياسين‪ ،‬السخرية في أدب إميل حبيبي‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪259‬‬

‫واآلدر في اللغة فتق في الخصية‪ ،‬فيقال للرجل‪ :‬آدر أو مأدور‪ ،‬واليقال للمرأة‬
‫( )‬
‫أدراء‪ ،‬إمَّا ألنَّه لم يسمع‪ ،‬وإمَّا أن يكون الختالف الخلقة‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ جريراً استخدم اآلدر للمرأة على سبيل التهكم‬
‫والسخرية من بني السليط ومن نسائهم الالتي يشبهن الرجال‪ ،‬فتصاب باألدرة‪ ،‬ثم‬
‫بهن للرجال‪ ،‬حيث يقول ساخراً‪:‬‬
‫نس َّ‬
‫( )‬
‫خَوَ َر القُلُوبِ وخِفَّةَ األَحْلَامِ‪.‬‬ ‫أَبَنِي أُدَيْرَ َة إِنَّ فِيكُمْ فَاعْلَمُوا‬
‫وقد يتجه الشاعر الساخر في سخريته إلى أسلوب غير معهود في التداول اللغوي‪،‬‬
‫من خالل العبث بالبناء التركيبي السم المسخور منه‪ ،‬بهدف اإلضحاك والهزل‬
‫واالحتقار‪ ،‬ولكي يكون لشعره الساخر أكبر قدر من الذيوع واالنتشار‪ .‬وفي هذا‬
‫المجال نجد الحزين الكناني يعبث باسم المسخور منه (أبو بعرة من بني عامر) في‬
‫إطار السخرية منه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫نَسُوقُ بِهِ فِي كُلِّ مَجْمُوحَةٍ وَبْرَا‪.‬‬ ‫ق بَيْعُورًا أَميراً كَأَنَّمَا‬
‫نَسُو ُ‬
‫ت إِمَارتُ ُه نُكْرَا‪.‬‬
‫قِراهُ فَقَ ْد كَانَ ْ‬ ‫ن يَكُنِ البَيْعُورُ ذَمَّ رَفِيقهُ‬
‫فَإ ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫فَقَدْ زَادَ ُه البَيْعُورُ فِي فَقْرِهِ فَقْرَا‪.‬‬ ‫وَمُتَّبِ ُع البَيْعُور يَرْجُو نَوَالَهُ‬
‫فالحزين الكناني قد عبث باسم المسخور منه (أبو بعرة) إلى (البيعور)‪ ،‬وهو بهذا‬
‫التركيب البنائي السم المسخور منه‪ ،‬يكون قد استثمر" أقصى ما في اللغة من طاقات‬
‫(‪)8‬‬
‫تعبيرية إلحداث األثر الهزلي‪".‬‬
‫ومن أمثلة الخروج عن المألوف اللغوي إلى األلفاظ غير العربية كاأللفاظ‬
‫الفارسية‪ ،‬ما قاله إسماعيل بن عمار األسدي ساخراً من زوجته عبر تسميتها ب‬
‫(زَمَّرْدَة)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة (أدر)‪.‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪.870‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر الحزين الكناني‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الفخفاخ‪ ،‬فؤاد‪ ،‬من خصائص الفن في نماذج من شعر الهزل‪ ،‬مجلة حوليات الجامعة التونسية‪( ،‬تونس‪ ،‬العدد‬
‫(‪ 00 ، )82‬م) ‪.88 ،‬‬
‫‪261‬‬

‫ن كُنْدَشِ‪.‬‬
‫َص وَأَخْبَثُ مِ ْ‬
‫أَل ُّ‬ ‫ت بِزَمَّرْدَةٍ كَالعَصَا‬
‫بُلِيْ ُ‬
‫( )‬
‫وَتَمْشِي مَ َع األَسْفَهِ األَطِيَشِ‪.‬‬ ‫ل‬
‫ِب النِّسَا َء وَتَأْبَى الرِّجَا َ‬
‫تُح ُّ‬
‫وقد يتملح بعض الشعراء من خالل كتابة شعرهم باللغة الفارسية‪ ،‬بحيث تصبح لغة‬
‫الشعر الذي كتب به شعره ذائعة‪ ،‬وتصبح على ألسن الصغار والكبار‪ ،‬والعامة‬
‫واألرذال‪ ،‬وذلك ليكون األثر الساخر أكثر بلوغاً في المسخور منه‪ ،‬وأكثر انتشاراً‬
‫عند المتلقين للشعر الساخر‪ .‬وفي هذا اإلطار نجد يزيد بن مفرغ الحميري يسخر من‬
‫عبيد اهلل بن زياد وأمه سمية‪ ،‬عندما قام بتعذيبه وسجنه‪ ،‬ومن ثم أسقاه النبيذ‪ ،‬وطاف‬
‫به في شوارع بالد فارس‪ ،‬فأنشد يزيد الحميري شعراً باللغة الفارسية يسخر فيه من‬
‫عبيد اهلل‪ ،‬من خالل رمي أمه بالبغي والدعارة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ب اسْت‪.‬‬
‫عُصَارَاتِ زَبِي َ‬ ‫ب اسْت نَبِي َذ اسْت‬
‫آ َ‬
‫( )‬
‫سمَيَّ ْه رُوسَبِيد اسْت‪.‬‬
‫ُ‬
‫فإن‬
‫ومضمون هذا الشعر أنَّ سمية أم عبيد اهلل بن زياد امرأة باغية‪ ،‬ولهذا َّ‬
‫يزيد الحميري باستخدامه اللغة الفارسية في شعره الساخر من أم المسخور منه إنَّما‬
‫"يقترب من أثر اللغة العامية والشعبية‪ ،‬وفي الوقت ذاته يُعَدُّ استعماله لها بهذه‬
‫(‪)4‬‬
‫الطريقة حالةً من حاالت الظرف البارعة‪".‬‬
‫ب‪-‬السخرية عن طريق مصطلحات اللغة والنحو‪:‬‬
‫رأى بعض الشعراء في العصر األموي في المصطلحات القائمة على اللغة أو‬
‫النحو وسيلة إلبراز مواقفهم الساخرة‪ ،‬التي يتجلى منها تحقير المسخور منه‪،‬‬
‫وتصويره في مشاهد حسية مضحكة‪ .‬وفي هذا الشأن نجد مطيع بن إياس يسخر من‬

‫( )‬
‫شعر إسماعيل بن عمار األسدي وأخباره‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫( )‬
‫الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪ ، . 84‬ينظر‪ :‬أبوصالح‪ ،‬عبد القدوس‪ ،‬يزيد بن مفرغ‬
‫الحميري‪ :‬حياته وشعره‪ ،‬ص ‪. 0-27‬‬
‫(‪)4‬‬
‫رواقة‪ ،‬د‪ .‬أنعام‪ ،‬شعرية الهجاء عند يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬مجلة كلية اآلداب‪( ،‬القاهرة‪ ،‬جامعة المنصورة‪،‬‬
‫العدد (‪ 00 ، ) 7‬م) ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪261‬‬

‫أبيه‪ ،‬ويحقِّر من شأنه‪ ،‬من خالل اعتماده على المصطلحات اللغوية القائمة على‬
‫ُملِ المشهور بأخوات (أبجد‪ ،‬وهوز‪ ،‬وكلمن‪ ،‬وسعفص‪ ،‬وقرشت)‪ ،‬حيث‬
‫حساب الج َّ‬
‫يقول‪:‬‬
‫ت بِهِ إِحْدَى الهَنَّاتِ‪.‬‬
‫جَاءَ ْ‬ ‫ال‬
‫س مُقْبِ ً‬
‫هَذَا إِيَا ٌ‬
‫كَلِمنٌ فِي إِحْدَى الصِّفَاتِ‪.‬‬ ‫هَوَزٌ فُوهُ وَأَنْفُهُ‬
‫والثَّغْرَ شِينُ قريِّشَات‬ ‫وَكَأَنَّ سَعْفَصَ بَطْنِ ِه‬
‫( )‬
‫ت أَنَّكَ شَرُّ آتِ‪.‬‬
‫أَيْقَنْ ُ‬ ‫ك آتِيًا‬
‫لَمَّا رَأَيْتُ َ‬
‫فمطيع بن إياس قد بنى سخريته باالعتماد على األحرف األبجدية بهدف التعابث‬
‫والسخرية الشعبية‪ ،‬وقد أفادت (هوز) أنَّ فمه مثله في الخُلق‪ ،‬وأمَّا (كلمن) فيتجلى‬
‫منها أنَّه رجلٌ كثير الكالم‪ ،‬وأمَّا (سعفص) فقد دلَّل بها على السخرية من أثر األكل‬
‫الذي يأكله وهو السكباج‪ ،‬وهو نوع من الطعام يعمل من الملح والخل وتوابله‪،‬‬
‫فيؤدي إلى كبر البطن ‪ ،‬وأمَّا الفم فقد مثله بشين قريشات للداللة على اتساعه لكثرة‬
‫األكل والنهم عليه‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ مطيع بن إياس قد سخر من أبيه بأنَّه رجل‬
‫كثير الكالم‪ ،‬ونهم على األكل‪ ،‬فخلقه يتعاضد مع شخصيته‪.‬‬
‫أمَّا الطرماح فقد سخر من يشكر بن بكر بن وائل بسبب انتسابه لبني حرام‪،‬‬
‫الذين هم يعدون عبيداً‪ ،‬فاستغل انتسابه لهم بالمصطلح النحوي (المضاف والمضاف‬
‫( )‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق‬ ‫إليه)؛ ألنَّ "المضاف يتخصص بالمضاف إليه أو يتعرف به"‬
‫فإنَّ انتساب اليشكريين لبني حرام قد أكسبهم العبودية والذُّل والهوان‪ ،‬حيث يقول‬
‫ساخراً منهم عبر المصطلح النحوي المضاف والمضاف إليه‪:‬‬

‫( )‬
‫غرنباوم‪ ،‬غوستاف فون‪ ،‬شعراء عباسيون‪ ،‬ترجمة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد يوسف نجم‪ ،‬مراجعة‪ :‬د‪ .‬إحسان‬
‫عباس‪( ،‬بيروت‪ ،‬مكتبة الحياة‪ 727 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫( )‬
‫ابن عقيل‪ ،‬بهاء الدين عبداهلل‪ ،‬شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محي الدين عبدالحميد‪،‬‬
‫(بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪ 8 4 ،‬ه – ‪ 00‬م) ‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪262‬‬

‫( )‬
‫ف إِلَى المضافِ‪.‬‬
‫وَقَ ْد يَأْوِي المضَا ُ‬ ‫ك الحرا ُم وَهُ ْم عَبِي ٌد‬
‫أَضَافَتْ َ‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه عبر مصطلحات اللغة والنحو‪ ،‬نجد يحيى بن نوفل‬
‫يستخدم مصطلح اللحن‪ ،‬وهو" الخطأ في اإلعراب واللغة"( )‪ ،‬حيث يسقط هذا‬
‫المصطلح في معنى ساخر ومبتذل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ِن اسْتَهُ تَلْحَنُ‪.‬‬


‫خَطِيباً فَإ َّ‬ ‫ح اللِّسَانِ‬
‫ك عَمْروٌ فَصِي َ‬
‫إِنْ يَ ُ‬

‫ح يُدَقُ وَلَا يُطْحَنُ‪.‬‬


‫وَمِلْ ٍ‬ ‫ك وَرُمَّانَ ٍة‬
‫ك بِسُ ٍ‬
‫عَلَيْ َ‬
‫(‪)4‬‬
‫َوثُو ٍم يُسَخَّنُ فِي مِدْهَنِ‪.‬‬ ‫علَيْكَ بِحَلْتِيتِ كِرْمَانَ والنَّانَخَا ِة‬
‫َ‬

‫فالسخرية تتعالى في األبيات السابقة من خالل عالج اللحن الذي أوصى به يحيى بن‬
‫نوفل للمسخور منه‪ ،‬والمتمثل بوضع السك‪ ،‬وهو ضرب من الطيب يصنع من‬
‫المسك‪ ،‬إضافة إلى النانخاة‪ ،‬وهو حب في حجم الخردل يسمى الكمون‪ ،‬وكذلك الثوم‬
‫والحلتيت‪ ،‬حيث نصح المسخور منه بدهن تلك الوصفة الطبية الشعبية في مكان‬
‫اللحن وهو (االست) بحسب توصيف الساخر‪ ،‬وفي هذا التوصيف سخرية وتهكم‬
‫بالمسخور منه‪.‬‬

‫ج‪-‬سخرية الخروج عن المألوف الصرفي‪:‬‬

‫تمثلت السخرية القائمة على الخروج عن قواعد الصرف العربية التي‬


‫تواضع عليها العرب والنحاة‪ ،‬من خالل عدول الشعراء الساخرين عن هذه القواعد‪،‬‬
‫بهدف اقترانها بالنقص الذي يتجلى في المسخور منه في الواقع االجتماعي‪.‬‬

‫ومن أمثلة سخرية الخروج عن المألوف الصرفي ما قاله الفرزدق في مدح آل‬
‫وذم أعدائهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫المهلب‪ِّ ،‬‬

‫( )‬
‫ديوان الطرماح‪ ،‬ص‪. 77‬‬
‫( )‬
‫القوزي‪ ،‬عوض بن حمد‪ ،‬المصطلح النحوي‪ ،‬ص ‪. 8‬‬
‫(‪)4‬‬
‫يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫‪263‬‬

‫( )‬
‫س األَبْصَارِ‪.‬‬
‫ب نَوَا ِك َ‬
‫خُضَ َع الرِّقَا ِ‬ ‫ل رَأَوْا يَزِي َد رَأَيْتَهُمْ‬
‫وَإِذَا الرِّجَا ُ‬

‫ويرى علماء النحو في هذا البيت مظهراً نحوياً مستطرفاً‪ ،‬وهو أنهم ال يجمعون ما‬
‫كان على فاعل نعتاً على فواعل‪ ،‬لئال يلتبس بالمؤنث‪ ،‬والفرزدق في هذا البيت‬
‫( )‬
‫خالف الفصاحة والنحاة وجمع (ناكس) على (نواكس)‪ ،‬وإنَّما هو جمع (ناكسة)‪.‬‬

‫وعلى هذا فإِنَّ جمع ناكس على (نواكس) في بيت الفرزدق السابق قد جاء بها على‬
‫سبيل التهكم والسخرية من المسخور منهم (الرجال)‪ ،‬بحيث أخرجهم بهذه الصيغة‬
‫للجمع إلى موضع اال سم المؤنث في قاعدته الصرفية في أثناء الجمع‪ ،‬أي أنهم أسوة‬
‫بالمؤنث في الواقع االجتماعي والقتالي والبطولي؛ ألنَّهم يمتازون بانحناء رؤوسهم‬
‫ليزيد بن المهلب‪ ،‬فضالً عن حالة الخوف والتهيّب واإلذالل الواقع بهم‪ .‬فالخروج‬
‫عن المألوف الصرفي يتناسب مع خروج المسخور منهم من دائرة الرجال واألبطال‪.‬‬

‫د‪-‬سخرية الخروج عن المألوف النحوي والقاعدي‪:‬‬

‫تجلت سخرية الخروج عن المألوف النحوي والقاعدي من خالل عدول‬


‫الشعراء عن القاعدة النحوية في أثناء كتابة الشعر‪ ،‬وجاءت هذه الظاهرة بعد أنْ‬
‫ضاق الشعراء ذرعاً ممَّا يتعرضون له من النحاة واللغويين‪ ،‬حتى قال لهم الفرزدق‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ن تعربوا‪ ،‬أو عليكم أنْ تحتجوا‪".‬‬
‫"عليَّ أن أقول وعليكم أ ْ‬

‫وقد كان لعلماء النحو واللغة سلطةٌ يمارسونها على المبدعين‪ ،‬وفي هذا الشأن‬
‫نشير إلى ظاهرة العدول النحوي والسياقي التي تجلت عند الفرزدق‪ ،‬من خالل ما‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬زروق‪ ،‬محمد الزين‪ ،‬تأمالت نحوية في شعر الفرزدق‪ ،‬مجلة كلية اللغة العربية –الزقازيق‪( ،‬مصر‪،‬‬
‫جامعة األزهر‪ ،‬العدد (‪ 774 ، ) 4‬م) ‪ ،‬ص ‪.809‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الجمحي‪ ،‬ابن سالم‪ ،‬طبقات فحول الشعراء‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود شاكر‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة المدني‪ 798 ،‬م) ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫ص‬
‫‪264‬‬

‫ورد في المالسنة المشهورة بينه وبين النحوي عبد اهلل بن أبي إسحاق الحضرمي‪،‬‬
‫وقد سمع عبد اهلل بن أبي إسحاق قول الفرزدق‪:‬‬

‫( )‬
‫ل إِلَّا مُسْحَتاً أَ ْو مُجَرَّفُ‪.‬‬
‫ن الما ِ‬
‫مِ َ‬ ‫ع‬
‫ن لَمْ يَدَ ْ‬
‫ن مَرْوَا َ‬
‫وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْ َ‬

‫حيث قال عبد اهلل بن إسحاق للفرزدق‪ :‬عالمَ رَفَعْتَ مجرّف؟ فقال له الفرزدق‪" :‬على‬
‫( )‪،‬‬
‫علينا نحن الشعراء أن نقول‪ ،‬وعليكم أن تسمعوا‪ ،‬ثم قال‬ ‫ما يسؤوك وينؤوك"‬
‫ساخرًا منه‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫ن عَبْدَاهللِ مَوْلَى مَوَالِيَا‪.‬‬
‫وَلَكِ ْ‬ ‫هلل مَوْلَى هَجَوْتَ ُه‬
‫ن عَبْدُا ِ‬
‫فَلَوْ كَا َ‬

‫فقال له عبد اهلل بن أبي إسحاق‪( :‬قل مولى موالٍ)‪ ،‬فردَّ الفرزدق عليه بقول ساخر‪:‬‬
‫أما وجد هذا المنتفخ الخصيتين لبيتي مخرجاً‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإِنَّ تكرار العدول النحوي والسياقي عند الفرزدق ال يرجع‬
‫إلى ضعفٍ في لغته‪ ،‬وجهل بتوخي أسباب الفصاحة عند العرب‪ ،‬ولكنه جاء إظهاراً‬
‫لقوة طبعه‪ ،‬وسمو نفسه وتعجرفه وعُجُبه؛ ألنَّه يرى أنَّ شعره فوق النظام اللغوي‪،‬‬
‫ولذلك يَعُدُّ هذا العدول في البيتين السابقين "انتصاراً للغته الشعرية ودفاعه الحاد‬
‫عنها[وتعبيراً] عن سخطه الشديد على ذلك الناقد اللغوي‪ )8( ".‬فالفرزدق كان نموذجاً‬
‫بكبرياء الشاعر وكبرياء لغته‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ الفرزدق يرى أنَّ" الحقيقة عنه‬
‫تصدر ؛ وعلى النحوي أنْ يبحث لها عن وجه تفسير واالعتراف بهذه السلطة‪،‬‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫( )‬
‫‪،‬‬ ‫الجمحي‪ ،‬ابن سالم‪ ،‬طبقات فحول الشعراء‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫ابن قتيبة‪ ،‬عبداهلل بن مسلم‪ ،‬الشعر والشعراء‪ ،‬ج ‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪(،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬
‫‪ 7‬م)‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪ 0‬م)‬ ‫خليل‪ ،‬ياسين‪ ،‬قراءة في تمرد الشعراء العباسيين على السلطة‪ ،‬ط ‪( ،‬عمَّان‪ ،‬دار المسيرة‪ 844،‬ه ‪-‬‬
‫‪،‬ص‪. 4‬‬
‫‪265‬‬

‫( )‬
‫ولهذا يتجلى لنا أنَّ الفرزدق يرى‬ ‫وإعادة صياغة قوله بما يستجيب لقوانين النحو"‬
‫أن الشعراء هم الصوت‪ ،‬واللغويين والنحويين هم الصدى لصوت الشعراء‪.‬‬
‫َّ‬

‫وفي هذا الشأن يؤكد الناقد عبد اهلل الغذامي أنَّ الفرزدق لو "كان حاكماً لقطع‬
‫( )‬
‫لسان النحوي أو جدع أذنيه كيال يسمع الشعر الملحون‪".‬‬

‫أمَّاالباحث سمير ستيتية فيرى أنَّ رفع كلمة (مجرَّف) ضرورة شعرية‪ ،‬ولها‬
‫وجه أول عدل به الشاعر عن األصل‪ ،‬كما أنَّ عبد اهلل بن أبي إسحاق وهو من أئمة‬
‫العربية المعروفين‪ ،‬لو كان حريصاً على توجيه إعراب (مجرَّف) فلربما كان أقدر‬
‫(‪)4‬‬
‫وهذا ما يؤكده الفرزدق أنَّه يفعل كل ذلك العدول‬ ‫عليه من الفرزدق نفسه‪.‬‬
‫النحوي ليشقى به النحويون‪.‬‬

‫ومما سبق نرى أنَّ الفرزدق قد تعمَّد الخروج على القياس النحوي في‬
‫المثالين السابقين وفي أمثلة أخرى‪ ،‬وذلك إمعان ًا منه في المحاورة الساخرة مع عبد‬
‫اهلل بن أبي إسحاق‪ ،‬ألنَّه الحظ أنَّ أكثر ما يغضبه أن يسمع شيئاً ال يجري على‬
‫ألسنة النحاة واللغويين‪ ،‬ولهذا فإنَّ الفرزدق يسخر من عبد اهلل بن أبي إسحاق مستنداً‬
‫(‪،)8‬‬
‫كما يتبين منها "صدى ما في‬ ‫في سلوكه هذا إلى "خلوص عروبته وقوة طبعه"‬
‫(‪،)2‬‬
‫وسمو فلسفته التي تسيطر على فكره‪،‬‬ ‫نفس الفرزدق من تمرد على واقعه"‬
‫وتتمثل في أنَّ على الذين يسعون وراء العربية‪ ،‬أنْ يسعوا وراء العرب‪ ،‬ولهذا‬
‫نستشف في محاورته مع عبد اهلل بن أبي إسحاق نظرته من الموالي والعجم؛ ولكون‬

‫ابن حمودة‪ ،‬رفيق‪ ،‬التنازع على السلطة بين الحجة النحوية والخطاب الشعري‪ ،‬مجلة الدراسات‬ ‫) (‬

‫اللغوية(الرياض‪ ،‬المجلد(‪ ،) 9‬العدد(‪ 84 ،)4‬ه ‪ 0 2-‬م)‪ ،‬ص ‪.89‬‬


‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫الغذامي‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل‪ ،‬اليد واللسان‪ ،‬ط ‪( ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ 0 4 ،‬م) ‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ 0‬م) ‪ ،‬ص‬ ‫يُنظر‪ :‬ستيتية‪ ،‬د‪ .‬سمير‪ ،‬علم األصوات النحوي‪ ،‬ط ‪( ،‬عمَّان‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪7-‬‬ ‫‪4‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.8‬‬ ‫زروق‪ ،‬محمد الزين‪ ،‬تأمالت نحوية في شعر الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫(‪)2‬‬
‫الفحام‪ ،‬شاكر‪ ،‬الفرزدق‪ ،‬ص ‪.824‬‬
‫‪266‬‬

‫ابن أبي إسحاق من الموالي‪ ،‬فقد استندت سخريته السابقة في البيتين السابقين على‬
‫ثنائية (العرب والموالي) كمرجعية لتلك السخرية‪.‬‬
‫ومن العرض السابق لمحاورة الفرزدق للنحاة يمكن القول إنَّ الفرزدق يُعَدُّ من‬
‫الشعراء" الذين فضلوا الوالء ألصول فنهم الشعري وسننه على الخضوع لمنظومة‬
‫( )‬
‫قواعد لغوية جاهزة تنمِّط إبداعهم الشعري‪".‬‬
‫وعلى المنوال نفسه القائم على العدول النحوي في الشعر نجد المغيرة بن حبناء‬
‫التميمي قد نصب الفعل المضارع الواقع بعد (الفاء) من غير أن يكون واقعاً في‬
‫جواب نفي أو طلب‪ ) ( .‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وَأَلْحَقُ بِالعِراقِ فَأَسْتَرِيحَا‪.‬‬ ‫سأَتْرُكُ مَنْزِلِي لِبِنِي تَمِي ٍم‬
‫َ‬
‫فالمغيرة قد نصب الفعل المضارع (فأستريحَا) بعد الفاء‪ ،‬وكان بوسعه وضع‬
‫(ألستريحا)‪ ،‬فيخرج البيت الشعري من دائرة الضرورة الشعرية من غير إخالل‬
‫بالوزن‪ ،‬ولكنه عدل به عن القاعدة النحوية على سبيل السخرية والتهكم من الموقف‬
‫المغاير وال مخادع لقبيلة تميم تجاهه‪ ،‬فجاء هذا العدول النحوي ليتناسب مع الموقف‬
‫السلبي لقبيلة تميم لمعاداته‪ ،‬حيث سلك طريقاً ال يسلكه المتكلمون‪.‬‬
‫ومن السخرية القائمة على العدول عن القاعدة النحوية ما قاله عبداهلل بن الزبير‬
‫األسدي ساخراً من بني نهشل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫شيَ األَرَا ِملِ‪.‬‬
‫ت مَ ْ‬
‫يَمْشُونَ فِي الدَّارا ِ‬ ‫َل دَيْنُهُمْ‬
‫أَرِحْنِي من الالئي إِذَا ح َّ‬
‫(‪)8‬‬
‫غيْر السَّلَا ِم بالسَّلَا ِم يُحَا ِولُ‪.‬‬
‫وَ َ‬ ‫إِذَا دَخَلُوا قَالُوا السَّلَا ُم عَلَيْكُ ْم‬

‫( )‬
‫اإلمام‪ ،‬د‪ .‬عمر‪ ،‬السنة الشعرية في العصر األموي‪ ،‬مقاربة إنشائية في المفهوم والتشكل والتجليات‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫(سوسة‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،) 004 ،‬ص ‪. 70‬‬
‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬جمال الدين‪ ،‬أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محي الدين‬
‫‪.‬‬ ‫عبدالحميد‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪ 8 8 ،‬ه ‪ 004-‬م) ‪،‬ص ‪8‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعراء أمويون‪ ،‬القسم (‪ ، )4‬ص ‪.44‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.‬‬ ‫شعر عبداهلل بن الزبير األسدي‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪267‬‬

‫فعبداهلل بن الزبير األسدي في البيت السابق استخدم االسم الموصول (الالئي) في‬
‫( )‪،‬‬
‫قوله‪ :‬أرحني من الالئي لجمع الذكور‪ ،‬ولكن النحاة يستخدمونه لجمع المؤنث‬

‫ولهذا فاستخدامه شاذٌ في القاعدة النحوية‪ ،‬وهذا مما يتناسب مع شذوذ المسخور منهم‬
‫فجاء بهذا العدول في‬ ‫(بني نهشل)؛ لكونهم لم يحسنوا التعامل معه في دَيْنِهم‪،‬‬
‫االستخدام النحوي ليجعل منهم أسوة باإلناث في واقعه االجتماعي‪.‬‬

‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬ابن عقيل‪ ،‬بهاء الدين بن عبداهلل‪ ،‬شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪268‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫تشكيل السخرية البالغي وآليات بنائها في الشعر‬
‫األموي‬
‫‪269‬‬

‫المبحث األول‬
‫مظاهر االنزياح البالغي في الشعر األموي‬
‫الساخر‬
‫‪271‬‬

‫مظاهر االنزياح البالغي في الشعر األموي الساخر‬

‫االنزياح بمفهومه البسيط هو خروج الشاعر عن المألوف والسائد في اللغة( )‪،‬‬


‫ومن هذا المنطلق فقد أظهر الشعراء األمويون في شعرهم الساخر انزياحاً في بناء‬
‫تراكيب الصور البالغية التي سادت في الشعر األموي على مستوى علم البيان‬
‫والبديع والمعاني‪ ،‬ألنهم نقلوا األلفاظ والتراكيب عن موضوع استعمالها البالغي إلى‬
‫موضوع مخالف لها بهدف إبراز السخرية من المسخور منه‪.‬‬
‫ويؤدي االنزياح البالغي في الشعر األموي الساخر دوراَ متميزاً في الخطاب‬
‫الشعري والصورة الشعرية‪ ،‬فضالً عن "دور جمالي يسهم في لفت انتباه المتلقي‪،‬‬
‫( )‪.‬‬
‫ومن ثم التأثير فيه‪ ،‬وتوصيل الرسالة التي يريدها الخطاب"‬
‫ويتجلى البعد الجمالي الذي يحدثه االنزياح البالغي في السخرية في عنصر‬
‫" المفاجأة الظريفة والمغالطة الحلوة التي تحول تيار الفكر إلى مجرى آخر" (‪ )4‬مما‬
‫ينتج عنه الضحك واالستخفاف والتندر بالمسخور منه‪ .‬ومن هنا يتعدى الساخر بهذا‬
‫االنتهاك أو الخرق للمألوف في األنواع البالغية من حدود المتوقع إلى الالمتوقع‪،‬‬
‫مما يعطي الخطاب الساخر الدهشة واالنفعال‪ ،‬ومن ثم إعطاء انطباع حقيقي عن‬
‫المسخور منه‪ ،‬فاالنزياح البالغي الساخر بهذا يؤدي "نوعاً من التمويه يدركه السامع‬
‫فيما بعد‪ ،‬ويزداد إدراكاً كلما ازداد علماً وكلما كان الموضوع مغايراً لما كان‬
‫يتوقعه"(‪.)8‬‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬ويس‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬االنزياح في منظور الدراسات األسلوبية‪ ،‬ط ‪ (،‬الرياض‪ ،‬مؤسسة اليمامة الصحيفة‪،‬‬
‫أبريل‪ 004 ،‬م)‪،‬ص‪.29‬‬
‫( )‬
‫الحسين‪ ،‬أحمد جاسم‪ ،‬خصوصية اللغة الشعرية " قراءة في تجربة ابن المعتز العباسي" مجلة جذور‪( ،‬جدة‪،‬‬
‫‪.4‬‬ ‫النادي األدبي الثقافي‪ ،‬الجزء ( )‪ ،‬المجلد ( )‪ 8 0 ،‬ه‪ 777 -،‬م)‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫قزيحة‪ ،‬رياض‪ ،‬الفكاهة في األدب األندلسي‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪ 774 ،‬م) ‪،‬ص ‪. 28‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )8‬أرسطو‪ ،‬الخطابة‪ ،‬ترجمة عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ط ‪( ،‬بغداد‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪ 74 ،‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪271‬‬

‫ويوظف الشعراء األمويون كثيراً من المظاهر البالغية في الشعر الساخر بهدف‬


‫إبراز السخرية‪ ،‬وخلق حالة من االنفعال والتأثير عند المتلقي نظراً لما يمتلكه‬
‫الخطاب الساخر المستند على الجوانب البالغية من داللة إيحائية مؤثرة‪ .‬وفيما يلي‬
‫عرض لنماذج من مظاهر االنزياح البالغي الساخر في إطار علوم البالغة‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬السخرية في مستوى علم البيان‪:‬‬
‫التشبيه الساخر‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫التشبيه هو " ربط شيئين أو أكثر في صفة من الصفات أو أكثر"( )‪ .‬وهذا‬
‫التشابه بين طرفي التشبيه يكون على أساس التشابه الحسي أو غير الحسي‪،‬‬
‫ومهما اختلفت صفات التشابه بين طرفي التشبيه‪ ،‬ولكنها تنبئ عن "إخبار بوجود‬
‫الشبه"( )‪.‬‬
‫والتشبيه في الغالب هو عالقة مقارنة بين شيئين‪ ،‬ولكن هذه العالقة تبدو‬
‫في كونها " عالقة مشابهة بين شيئين اتخذا موضوعاً للتفكير‪ ،‬وطرحا في آن واحد‬
‫على أنها متشابهان مختلفان"(‪ ،)4‬وتتحقق المشابهة لغوي ًا بإدخال أداة التشبيه‪.‬‬
‫ويضع الجاحظ معياراً للتشبيه الجمالي المبدع الذي يحدث تأثيراً عند‬
‫القارئ والمتلقي‪ ،‬حيث يرى أن "التشبيه من غير معدنه أغرب‪ ،‬وكلما كان أغرب‬
‫كان أبعد في الوهم‪ ،‬وكلما كان أبعد في الوهم كان أطرف‪ ،‬وكلما كان أطرف كان‬
‫أعجب‪ ،‬وكلما كان أعجب كان أبدع"(‪ .)8‬فالجاحظ قد قرن طرافة الصورة في التشبيه‬
‫بما تحدثه من إعجاب وإبداع‪ ،‬وهذا ما يسعى الشاعر الساخر إلحداثه وإعماله في‬
‫التشبيهات الساخرة التي تطرب خيال الملتقي‪ ،‬لتكون مؤثرة ومضحكة عند قارئها‪.‬‬

‫( )‬
‫مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطويرها ج ‪ ،‬ص ‪. 90‬‬
‫( )‬
‫عصفور‪ ،‬د‪ .‬جابر‪ ،‬الصورة الفنية في التراث النقدي والبالغي عند العرب‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار التنوير‪،‬‬
‫‪ 744‬م)‪ ،‬ص ‪. 94‬‬
‫(‪ )4‬عكام‪ ،‬د‪ .‬فهد‪ ،‬بنية الصورة في شعر أبي تمام‪ ،‬مجلة التراث العربي‪( ،‬دمشق‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬العدد‬
‫(‪ ،) 0‬السنة (‪ 804 ،)4‬ه ‪ 744-‬م)‪ ،‬ص ‪. 22‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪.70-47‬‬
‫‪272‬‬

‫وقد لجأ شعراء السخرية في العصر األموي إلى التشبيه بهدف الحط من‬
‫الخصوم ورسموا من خالل التشبيه صورًا مضحكة من المسخور منه‪.‬‬

‫والشعراء في التشبيهات الساخرة استلهموا صورهم الساخرة من مصادر‬


‫حيوانية متنوعة بهدف التقليل من شأن المسخور منه‪ ،‬فجرير ينعت األخطل‬
‫بالخنزير فيزدريه من خالل أكله لحم الخنزير الذي أكسبه كثيراً من طبائعه ومنها‬
‫القذارة والدنس التي عرف بها الخنزير‪ ،‬حيث يقول له‪:‬‬
‫إحْدَى الدَّوَاهِي التي تُخْشَى وتُنتَظرُ‬ ‫إِنَّ األُخَيْطِلَ خِنْزِيرٌ أطَافَ بِهِ‬
‫( )‬
‫ربيعةُ وزنٌ من تميمٍ تُكذّبُ‬ ‫بَ إنْ تَقُبهْ‬
‫ل‬ ‫خنزيرياخِنزيرُ تغل‬
‫أطاف‬ ‫فإنَّكَ‬
‫ويسخر الراعي النميري من األخطل من خالل تشبيه لؤمه وذلِّه وهوانه‬
‫وعوائه كالكلب خائفاً ومرتاباً وهلعًا على قومه الذين قتلوا‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫فَأصْبَحَ يَعْوِي في دِيارِهم الغَبرِ‬ ‫وكُنْتَ كَالكَلْبِ قتَّلَ الجيشُ رهطَهُ‬
‫وعلى نفس المنوال التشبيهي بالكلب نجد الفرزدق يستخدم الكلب داللة على ضعف‬
‫الخصم ودناءته وتحقيره كما في قوله‪:‬‬
‫وينبحُ‬ ‫يطوفُ‬ ‫حَواليْها‬ ‫يبيتُ‬ ‫جريرٌ وقيسٌ مِ ْثلُ كلبٍ وَثُلَّةٍ‬
‫(‪)4‬‬
‫لِيُونِعَ في أَلْبَانِهَا حين يُصْبِحُ‬ ‫وما هو منها غيرَ أنَّ نِبَاحَهُ‬

‫فالتشبيه الساخر جعل جريراً أسوة بالكالب التي تبيت مع الغنم‪ ،‬يحرسها وينبح‬
‫حولها حتى الصباح‪.‬‬
‫وينحو األحوص نفس المنحى الساخر عبر تشبيه المسخور منه بالكلب (الجرو) في‬
‫قوله‪:‬‬
‫ح‬
‫ب لَمْ ُيفَ َّق ِ‬
‫ي الكَلْ ِ‬
‫ج َر ِّ‬
‫ِمثْلَ ُ‬ ‫ح‬
‫أَقْ ِبحْ ِب ِه ِمنْ َولَ ٍد َوأَشْ ِق ِ‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫‪،‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫ديوان الراعي النميري‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪273‬‬

‫( )‬
‫ح‬
‫بالبابِ عندَ خَلْ ِق ِه المُسْتَقْ َب ِ‬ ‫ح‬
‫ن يَرَ سُوءًا لَمْ يَقُ ْم فَ َينْ َب ِ‬
‫إْ‬
‫فالمتأمل في الشعر الساخر عبر صور تشبيه الكلب المختلفة‪ ،‬يرى أن‬
‫الساخرين يضعون المسخور منهم في عالم الحيوان‪ ،‬مما يفضي عليهم مالمح‬
‫ال عن ظاهرة التطفل التي تتجلى في عواء‬
‫االستهجان والتشهير والدونية‪ ،‬فض ً‬
‫ألن العواء في الليل يزيد من تحقير المسخور منه‪ ،‬وضياعه وانعدام قيمته‪،‬‬
‫الكلب؛ َّ‬
‫مما يعمق إدانته في الواقع االجتماعي‪ ،‬وانعتاقه في دائرة الكالب استحقارًا واستخفافاً‬
‫بالمسخور منه‪.‬‬
‫ويشبه جرير المارقين والبغاة والجبناء من المسخور منهم بالضباع التي في‬
‫الغار وقد انتنت جحورها بمخلفاتها كما في قوله‪:‬‬
‫ضباعٌ أُصِلَّتْ في مغارِ جُعُورِها‬ ‫كأنكم‬ ‫الزبيرِ‬ ‫يومَ‬ ‫تراغيتُم‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه من الغدر بالزبير( )نجد جريراً يسخر من بني مجاشع‬
‫من خالل تشبيههم بالثيران التي تكثر من الصياح والخوار عندما تتعب في الحراثة‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أثوارُ محرثةٍ لهنَّ خوارُ‬ ‫كأنهم‬ ‫الزبيرَ‬ ‫بعقدهم‬ ‫غرُّوا‬

‫ويتخذ الحكم بن عبدل األسدي منحى آخر في تشبيه المسخور منه بالحمار‪،‬‬
‫حيث يشبه العبد المملوك بالحمار في البالدة واالحتقار‪ ،‬فالذي يحرك الحمار هو‬
‫الضرب واإلرهاب‪ ،‬وكذلك الحال في العبيد‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫غبَا‬
‫رُ ِ‬ ‫صنيعةٍ‬ ‫في‬ ‫رغبته‬ ‫إني رأيتُ الفتى الكريمَ إِذا‬
‫يعطيك شيئاً إال إذا رُ ِهبَا‬ ‫والعبدُ ال يُحْسِنُ العالء وال‬

‫( ) شعر األحوص األنصاري‪،‬جمعه وحققه‪ :‬عادل سليمان جمال‪(،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية للكتاب‪ 799،‬م)‬
‫ص ‪.70‬‬
‫ص ‪272‬‬ ‫( ) شرح ديوان جرير‪،‬‬
‫(‪ )4‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 04‬‬
‫‪274‬‬

‫( )‬
‫سنُ مشياً إال إذا ضُرِبَا‬
‫ُيحْ ِ‬ ‫مثلُ الحمارِ الموقعِ السوءِ ال‬
‫فالحكم بن عبدل يؤصل للبالدة والضياع واالحتقار من خالل تشبيه العبيد‬
‫( )‪،‬‬
‫فال ينتظر من‬ ‫بالحمير‪،‬ويجعلها حقائق ثابتة بسبب "أن الرجاء في العبد مفقود"‬
‫العبد الكثير وال القليل إال بالتخويف واإليالم‪.‬‬
‫ويسخر الفرزدق من جرير ويتهكم من أم حرزة زوجة جرير وينعتها باألتان‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫وعَارُ‪.‬‬ ‫عليكَ‬ ‫عالنيةٌ‬ ‫خزيٌ‬ ‫وَمَوْتُهَا‬ ‫الحياةِ‬ ‫منافقةَ‬ ‫كانَتْ‬
‫(‪)4‬‬
‫ألعْيَارُ‪.‬‬
‫جزعاً غداةَ فِراقِها ا َ‬ ‫فلئن بكيْتَ على األتانِ لقد بكى‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ التشبيه الساخر بوساطة الحمار وأتانه داللة على أن‬
‫المسخور منه يمتاز بالبالدة والضعف والتخلف وقلة الشأن والهمة‪.‬‬
‫أما الفرزدق فيشبه قوم جرير بالقنافذ التي تسري وتسهر بالليل‪ ،‬ألن القنفذ يجول‬
‫طوال الليل وال ينام‪ ،‬ولهذا صّور الفرزدق حركة جرير وقومه في الليل نحو‬
‫المحرمات والسوءات أسوة بدبيب القنافذ‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫)‪(8‬‬
‫ع َّو َدا‬
‫طَّيةُ َ‬
‫عِ‬
‫ِل َما كَانَ ِإَّياهُمْ َ‬ ‫حاشِ ِهمْ‬
‫جَ‬
‫ِ‬ ‫خَلْفَ‬ ‫َد َّرامُونَ‬ ‫قَنَافِذُ‬
‫وفي سياق التشبيهات الحيوانية الساخرة نجد الشاعر العرجي يشبه المسخور منهم‬
‫بالضفادع في أصواتهم عندما ينفردون لوحدهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إذا خَلَوا وإذا القيتُهُم خُرْسُ‬ ‫وحدَهُمُ‬ ‫نقَّاقونَ‬ ‫الضفادعِ‬ ‫مِ ْثلَ‬
‫فالسخرية تتجلى في مقابلة الساخر لهم‪ ،‬فهم خرس‪ ،‬وفي أثناء ذهابه من أمامهم‪،‬‬
‫فهم أسوة بالضفادع في النقنقة‪ ،‬وهو ما يوحي بضعفهم وذلهم‪.‬‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫) عزب‪ ،‬ورد محمد علي‪ ،‬شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪449‬‬ ‫(‬

‫(‪)4‬‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪4 2‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.‬‬ ‫المصدر نفسه‬
‫(‪)2‬‬
‫ديوان العرجي‪ ،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪275‬‬

‫ويشبه األخطل شيوخ قبيلة محارب بالضفادع في قوله‪:‬‬

‫وما خلتها كانت تريشُ وال تبري‬ ‫تنقُّ بال شيءٍ شيوخُ محاربٍ‬
‫( )‬
‫فدلَّ عليها صوتُها حيةَ البحرِ‬ ‫ضفادعُ في ظلماءِ ليلٍ تجاوبَتْ‬
‫فهو قد شبه شيوخ محارب بالضفادع التي ال تكف عن النقيق بال جدوى‪ ،‬بل إن‬
‫نقيقها قد جلب لها الويل والثبور‪ ،‬ألنه دلَّ عليها حية البحر فبطشت بها‪ .‬وإذا كان‬
‫هذا حال شيوخ محارب الذل والهوان والخوف‪ ،‬فكيف يكون حال أفرادها اآلخرين‪،‬‬
‫إنه حال شيوخهم على السواء‪ ،‬وهذا ما يوحي بانعدام قيمتهم االجتماعية بداللة الفعل‬
‫المضارع (تنقُّ) الدال على االستمرار‪.‬‬

‫أما الحكم بن عبدل األسدي فيتجه في تشبيه المسخور منه بالديك األعور‬
‫المائل الرأس‪ ،‬وذلك سخرية بعاهته البصرية المشوهة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫كأنك ديكٌ مائلُ الرأسِ أعورُ‬ ‫مررتَ على بغلٍ تزفُكَ تسعةٌ‬
‫( )‬
‫وأنتَ إلى وجهٍ يزينُكَ أفقْرُ‬ ‫منظرٍ‬ ‫لزينةِ‬ ‫أثواباً‬ ‫تخيَّرْتَ‬
‫فالتشبيه الساخر صور الزهو والخيالء عند المسخور منه‪ ،‬رغم أنه يعاني من عاهة‬
‫بصرية تشوّه منظره‪ ،‬فضالً عن كونه راكباً على بغلة وليس حصانا وكذلك الوجه‬
‫المشوّه‪.‬‬

‫أما األخطل فيشبه قوم جرير بقطيع الغنم أو اإلبل التي تأوي إلى زروبها‪ ،‬فتكفيهم‬
‫ال للنوم والراحة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫هذه األماكن الحقيرة مح ً‬

‫جِدَاءُ حِجَازٍ الجِئَاتٍ إلى زَرْبِ‬ ‫حى اهللُ صِرْماً مِنْ كُليْبٍ كَأنَّ ُهمْ‬
‫لَ َ‬
‫(‪)4‬‬
‫وال بالحماةِ الذائدينَ عن السَّرْبِ‬ ‫أكارعُ لَيْسُوا بالعَريضِ محلُّهُمْ‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪. 09‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 00‬‬
‫‪276‬‬

‫حيث تجلى من ثنايا هذا التشبيه الساخر حقارة المسخور منهم‪ ،‬وخسة قدرهم‬
‫وذلهم‪.‬‬

‫وعلى المنوال التشبيهي الساخر نفسه من خالل تشبيه المسخور منه بالماعز نجد‬
‫الشاعر حريث بن محفض المازني يشبه بني كعل بالماعز في قوله‪:‬‬

‫لكم منطقٌ غادٍ وللناسِ منطقُ‬ ‫بني ثَ َعلٍ أهلَ الخَنَا ما حديثكم‬
‫( )‬
‫من العيِّ أو طير بُخفَّانِ ينعقُ‬ ‫جِرَّةٍ‬ ‫قواصعُ‬ ‫مِعْزَى‬ ‫كأنكم‬
‫فالتشبيه الساخر يتجلى في أن بني ثعل بسبب عيّهم وقلة بيانهم إذا تكلموا فهم‬
‫أشبه بالماعز المجترة‪ ،‬أو الغربان التي تصيح فال تعرف منهم إال أفواهاً متحركة‬
‫بأصوات تمجها األسماع‪.‬‬

‫أما الفرزدق فيتخذ من الخفاش معادالً تصويرياً الحتقار حصة المغيرة بن‬
‫الصلت من دا ر أبيه‪ ،‬حيث أصابه بيت مظلم أشبه ببيت الخفافيش‪ ،‬فقال شامتاً‬
‫وساخراً منه‪:‬‬

‫صارَ المغيرةُ في بيتِ الخفافيشِ‪.‬‬ ‫لمَّا أُجِيلَتْ سهامُ القومِ فاقتسموا‬


‫وإن ترقَّى بِصُعْدٍ غير مفروشِ‬ ‫في منزلٍ مالَهُ في سُفْلِهِ سَعَةٌ‬
‫جِرذانُ سوءٍ وفرخٌ غير ذي ريشِ‬ ‫إلَّا على رأسِ جذعٍ باتَ ينقُرُهُ‬
‫وضيقه‪،‬‬
‫) (‬
‫فالتشبيه الساخر من بيت المغيرة‪ ،‬فهو أشبه ببيت الخفاش بسبب ظلمته‬
‫كما أن الجرذان تؤمه فيه وأفراخ الخفافيش‪ ،‬فالخفاش معادلٌ تصويري للوضاعة‬
‫والدونية‪.‬‬

‫أما األخطل فيُحقِّر العجالنيين لتقتيرهم على أوالدهم‪ ،‬من خالل جعل وليدهم لهزله‬
‫بمنزلة خفاش يمر يده على عينيه باكياً‪ ،‬ثم يقبح بوجهه وعينيه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫) حريث بن محفض المازني‪ ( :‬حياته وشعره)‪ ،‬ص ‪4‬‬ ‫(‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪449‬‬
‫‪277‬‬

‫على الزا ِد أَلْقَتْهُ الوليد ُة في الكَسْ ِر‬ ‫وقد غبرَ العجالنُ حيناً إذا بكى‬
‫( )‬
‫فَقُبِّحَ من وجهٍ لئيمٍ ومن حَجْرِ‬ ‫عَيْنَهُ‬ ‫يَدْلُكُ‬ ‫كَالخُفاشِ‬ ‫فَ ُيصْ ِبحُ‬
‫ويشبه مسكين الدارمي الفاحش بوصفه شخصا ًمسخوراً منه وغير مرغوب في‬
‫الواقع االجتماعي عن طريق تشبيهه بالغراب أو حمار السوء‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫كغرابِ السوءِ ما شاءَ نعَقْ‬ ‫يعتادُه‬ ‫ومَنْ‬ ‫الفُحْشُ‬ ‫إنما‬


‫( )‬
‫رمحَ الناسَ وإنْ جاعَ َنهَقْ‬ ‫أشبعْتَهُ‬ ‫إن‬ ‫السوءِ‬ ‫حِمارُ‬ ‫أو‬
‫حيث تجلى في التشبيه الساخر تضافر األصوات القبيحة والمشؤومة‪ ،‬وتواليها‬
‫من خالل نعيق الغراب ونهيق الحمار‪ ،‬ومعلوم في الموروث العربي واإلسالمي أن‬
‫الغراب أشأم الطيور عند العرب‪ ،‬وصوت الحمير كما جاء في القرآن الكريم من‬
‫أنكر األصوات‪.‬‬

‫ويتخذ جرير من حركات الضب المتقاربة والسريعة عند تنقله من مكان آلخر‬
‫تشبيهاً لحركة الضيف القادم إليه‪ ،‬حيث يسخر منه إليقاظه أهل الحي‪ ،‬فيثير مجيئه‬
‫نباح الكالب‪ ،‬فيسبب اإلزعاج ألهل الحي فيستيقظون من نومهم‪ ،‬حيث يقول ساخراً‬
‫من ضيفه‪:‬‬

‫كَضَبِّ العرادِ خطوُهُ متقاربُ‬ ‫يثيرُ الكالبَ آخرَ الليلِ صوتُهُ‬


‫)‪(4‬‬
‫وَسَطَّرَ من لُقَّاعَةٍ وهو كاذبُ‬ ‫وصوبَهُ‬ ‫الربيعَ‬ ‫يُمنينا‬ ‫فباتَ‬

‫ويضفي إسماعيل بن عمار األسدي على جاريته تشبيهات حيوانية مكثفة‬


‫احتقارًا لها‪ ،‬وازدرا ًء لهيئتها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫كندشِ‬ ‫من‬ ‫وأخبثَ‬ ‫ألصَّ‬ ‫كالعصا‬ ‫بزمّردةٍ‬ ‫بليتُ‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫( )‬
‫ديوان مسكين الدارمي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫‪278‬‬

‫األبرشِ‬ ‫القطا‬ ‫كبيضِ‬ ‫ولونٌ‬ ‫أزيَّنَتْ‬ ‫إذا‬ ‫قردٍ‬ ‫وجهُ‬ ‫لها‬


‫المرعشِ‬ ‫من‬ ‫الخوافي‬ ‫كمثلِ‬ ‫جثلةٌ‬ ‫لمّةٌ‬ ‫فوقِهِ‬ ‫ومن‬
‫أحْمشِ‬ ‫أو‬ ‫الدجاجةِ‬ ‫كساقِ‬ ‫خاتمٌ‬ ‫يخلخلها‬ ‫وساقٌ‬
‫تحتشي‬ ‫ما‬ ‫وإصالل‬ ‫وفيها‬ ‫أنفها‬ ‫خَوَا‬ ‫رأيتُ‬ ‫ولما‬
‫المشمشِ‬ ‫من‬ ‫اصفراراً‬ ‫أشدُّ‬ ‫إلى ضامرٍ مثل ظلفِ الغزالِ‬
‫تنقُّ على الشَّطِ من مرعشِ‬ ‫غَثَّةٍ‬ ‫ضِفْدعٍ‬ ‫من‬ ‫وَأَرْسَحُ‬
‫) (‬
‫فقد قلتُ طرداً لها كشكشي‬ ‫تأتها‬ ‫فال‬ ‫صفاتي‬ ‫فهذي‬
‫فإسماعيل بن عمار قد حملت تشبيهاته في الجارية صوراً حيوانية مختلفة‪ ،‬فهي قد‬
‫شبهت بصفات متعددة فهي مثل الكندش‪ ،‬وهو لص الطير أو هو الفأرة‪ ،‬كما استعار‬
‫لها من صفات الدجاجة‪ ،‬والنسر الهرم‪ ،‬والغزال‪ ،‬والضفدع‪ ،‬والجارية بهذه‬
‫ال للقبح المنفر‪.‬‬
‫التشبيهات الحيوانية تعدّ مثا ً‬
‫أما مطيع بن إياس فقد استخدم التشبيه الحيواني الساخر ممن كانوا معه في‬
‫مجلس أحد أمراء الكوفة وهم شراعة بن الزندبور‪ ،‬ويحيى بن زياد‪ ،‬ووالبة بن‬
‫الحباب‪ ،‬وعبد اهلل بن العياش المنتوف‪ ،‬وحماد عجرد‪ ،‬حيث عزموا في ذلك المجلس‬
‫على المكايدة بمطيع بن إياس‪ ،‬ولكنه غلبهم‪ ،‬حيث قال فيهم ساخراً‪:‬‬
‫وقد تلظى لهم ملقيٌ وطخيرُ‬ ‫وخمسةٌ قد أبانُوا لي كيادَهُم‬
‫( )‬
‫قردٌ وكلبٌ وَجَرْوَاهُ وخنزيرُ‬ ‫لو يقدرون على لحمي لمزَّقَهُ‬
‫فقد تجلت سخرية مطيع بن إياس من خالل تشبيهات الحيوانات ذات الدنس‬
‫واللؤم والخسة والفجور‪.‬‬
‫والمتأمل للتشبيهات الحيوانية السابقة عند الشعراء يجد أن المشبه به فيها من مجتمع‬
‫الحيوانات المختلفة‪ ،‬ولهذا فإن "الحضور المكثف لمختلف الحيوانات هو حضور‬
‫(‪)4‬‬
‫ال عن اإلنسان"‬
‫للقبيح على حساب الجميل‪ ،‬حضور للحيوانات بدي ً‬

‫( )‬
‫شعر إسماعيل بن عمار األسدي وأخباره‪ ،‬ص ‪44- 4‬‬
‫( )‬
‫شعراء عباسيون‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مارس‪ ،‬بلقاسم فن الرحلة في الرواية العربية من خالل األشجان واغتيال مرزوق لعبدالرحمن منيف‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫(صفاقس‪-‬تونس‪ ،‬مكتبة عالء الدين‪ 009 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪279‬‬

‫وتبرز في الشعر األموي الساخر تشبيهات للمسخور منه بكثير من ألفاظ‬


‫الذل‪ ،‬ومنها شراك النعل‪ ،‬فقد كان حاضراً بكثافة في شعرهم‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول‬
‫األخطل ساخراً من كعب بن جعيل التغلبي‪:‬‬

‫إنْ يهبطوا العَفْوَ ال يوجد لهم أثرُ‬ ‫دَارِجَةٌ‬ ‫النعلِ‬ ‫كشراكِ‬ ‫قبيلةٌ‬
‫( )‬
‫حيثُ يكونُ من الحِمَارَةِ الثَّفرُ‬ ‫مَحَلَّهُمْ من بني تَيْمٍ وإخوتَهم‬
‫فالتشبيه الساخر تتجلى منه التبعية واالحتقار والذل‪ ،‬فهو كسير النعل على‬
‫ظهر القدم‪ ،‬وقومه كالدواب‪ ،‬وهم من دوابهم فروجها‪.‬‬

‫وعلى منوال التشبيه الساخر أسوة بشراك النعل نرى الشاعر حاجب الفيل يسخر من‬
‫ثابت قطنة وقومه‪ ،‬حيث يقول فيهم‪:‬‬

‫( )‬
‫أذلَّ على وطء ِالهوانِ من النعلِ‬ ‫أناسٌ إذا الهيجاءُ شَبَّتْ رأيتُهم‬
‫ومنه قول الطرماح ساخراً من قبيله يشكر عبر تشبيههم بخصاف النعل في‬
‫قوله‪:‬‬

‫الضّعافِ‬ ‫األذالءِ‬ ‫بمنزلةِ‬ ‫قديماً‬ ‫منزلُها‬ ‫كان‬ ‫ويشكرُ‬


‫الخصاف‬ ‫للهوانِ وأعرفُ من‬ ‫السواني‬ ‫من‬ ‫أذلُّ‬ ‫قبيّلةٌ‬
‫(‪)4‬‬
‫حافي‬ ‫كل‬ ‫ف مطية‬ ‫موطأة‬
‫الخصا ِ‬ ‫خصافُ النعلِ إذْ يمشي عليها‬
‫ومن هذا التشبيه نستدل على هوان قبيلة يشكر وذلها‪.‬‬

‫أما البعيث المجاشعي فيسخر من الكليبيين مستخدم ًا النعل في قوله‪:‬‬

‫(‪)8‬‬
‫أذل ألقدا ِم الرجالِ من النعلِ‬
‫ُّ‬ ‫وجهِهِ‬ ‫صحيفةُ‬ ‫كليبيٍ‬ ‫وكلُّ‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪48 -482‬‬
‫( )‬
‫حاجب الفيل‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪. 77‬‬
‫(‪)8‬‬
‫شعر البعيث المجاشعي‪ ،‬ص‬
‫‪281‬‬

‫‪-2‬االستعارة الساخرة‪:‬‬
‫يعرف عبد القاهر الجرجاني االستعارة بأنها "تشبيه الشيء بالشيء‪ ،‬فتدع أن‬
‫( )‬
‫تفصح بالتشبيه وتظهره‪ ،‬أو تجيء إلى اسم المشبه به فتعيره المشبه وتجريه عليه"‬
‫واالستعارة في نظر عبد القاهر تتجه‪ ،‬إلى إثبات معنى ال يعرفه السامع أو‬
‫القارئ عن طريق اللفظ‪ ،‬ولكنه يتعرف عليه من معنى ذلك اللفظ‪ ،‬فهي في هذه‬
‫الحالة أبلغ من الحقيقة في تأدية المعنى المنشود منها‪.‬‬
‫ومن خالل تعريف عبد القاهر الجرجاني السابق لالستعارة والتعريفات‬
‫( )‬
‫فإننا في التصوير االستعاري "نجابه طريقة أسلوبية قوامها الداللة على‬ ‫األخرى‪،‬‬
‫حقيقة واقعه باسم ليس لها‪ ،‬بل يخص بالذات حقيقة أخرى"(‪.)4‬‬

‫وتحتل الصورة االستعارية مكانة جمالية متميزة في الشعر بسبب الخيال‬


‫التصويري المسيطر على المتلقي فيها‪ ،‬لذلك فهي تؤدي دوراً فعاالً في فهم الشعر‬
‫وتحليله ألنها "تحوّل دائم إلشارات حرة‪ ،...‬يتناولها القارئ كيف شاء ويصرفها‬
‫(‪.)8‬‬
‫كما أن جمالها الفني‬ ‫كيف شاء‪ ،‬وتتيح مجاالً للتفسير والقراءة اإلبداعية"‬
‫والتصويري في الشعر يتجلى في كونها "الوسيلة العظمى التي يجمع الذهن بواسطتها‬
‫في الشعر أشياء مختلفة لم توجد بينها عالقة من قبل وذلك ألجل التأثير في الموقف‬
‫(‪.)2‬‬
‫والدوافع"‬

‫( )‬
‫الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪9‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪. 84- 4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫عكام‪ ،‬د‪ .‬فهد‪ ،‬بنية الصورة في شعر أبي تمام‪ ،‬ص ‪. 22‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪ 8‬ه ‪ 77 -‬م)‪ ،‬ص ‪،84‬‬ ‫الغذامي‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل‪ ،‬الخطيئة و التكفير‪ ،‬ط ‪( ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪،‬‬
‫‪44‬‬
‫(‪)2‬‬
‫آي‪ .‬ريتشاردز‪ ،‬مبادئ النقد األدبي‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬د‪ .‬مصطفى بدوي‪ ،‬مراجعة‪ :‬د‪ .‬لويس عوض‪،‬‬
‫(القاهرة‪ ،‬المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر‪ 7 4 ،‬م)‪ ،‬ص ‪4 0‬‬
‫‪281‬‬

‫ومن هذه الرؤية‪ ،‬ونظرًا لما تؤديه االستعارة من مكانة في الشعر عموماً‪ ،‬وفي‬
‫الشعر الساخر خصوصاً‪ ،‬فقد وظَّف الشعراء االستعارة الساخرة في شعرهم‪ ،‬ولهذا‬
‫فإن االستعارة الساخرة "ال تقوم على المشابهة بقدر ما تقوم على التنافر بين‬
‫المستعار والمستعار له‪ ،‬كما أنها تتميز ببنيتها التي تقوم على التناقض والمفارقة‪،‬‬
‫( )‪.‬‬
‫فاالستعارة الساخرة يكمن‬ ‫وبمقصديتها التي هي االنتقاص واالزدراء والتهزئة"‬
‫جمالها ودورها المأمول في األسلوب الساخر عندما تمتاز بالغرابة والتباعد بين‬
‫المستعار والمستعار له‪ ،‬فضالً عن هدفها ودالالتها االنتقاص من المسخور منه‪،‬‬
‫بحيث يتجلى ا لهدف الساخر واالزدراء خلف الداللة الثانية للكلمات المستعارة‪ ،‬كما‬
‫أن الداللة الثانية للكلمة المستعارة تخلق تنافراً بارزاً على اللفظ الذي استعيرت له‪،‬‬
‫بحيث يكون التنافر وعدم التناسب هو الذي يولد السخرية والهزء من المسخور منه‪.‬‬
‫ومن أمثلة االستعارات الساخرة قول الشاعر القطامي‪:‬‬
‫شَّيةَ يَجْ ِري بالدمِ الوادي‬
‫عِ‬‫مِنَّا َ‬ ‫لَمْ تَلْقَ قوماً هُ ُم شَرٌ إلخْ َو ِت ِهمْ‬
‫( )‬
‫َما كَانَ خَاطَ عليهم كُلُّ َزرَّادِ‬ ‫ِب َها‬ ‫نَقُدُّ‬ ‫لَهْذَ ِمَّياتٌ‬ ‫نُقْرِيْهِمْ‬
‫فالبنية االستعارية الساخرة تجلت في قوله (نقريهم لهذميات)‪ ،‬فالتنافر والتناقض في‬
‫هذه االستعارة برز من خالل أن القِرى‪-‬كما هو معتاد‪-‬ما يقدم للضيوف من صنوف‬
‫الكرم للحفاوة بهم‪ ،‬ولكن الساخر في النص وظف لفظة القِرى وعدل عن المعنى‬
‫المألوف للقِرى وحوَّله إلى الضرب بالسيوف بعدما استعار القِرى للسيوف‪ ،‬مما شكل‬
‫تناقضاً بين التكريم‪ ،‬وبين الحفاوة بضرب األعناق حيث أجرى الداللة الثانية على‬
‫السخرية واالزدراء من المسخور منهم‪.‬‬
‫أما الفرزدق فإن المتأمل الستعاراته الساخرة يلحظ فيها استخدامه للمشافر‬
‫التي ال تطلق إلَّا على البعير‪ ،‬فيجعلها لإلنسان بهدف التهكم والسخرية ‪.‬‬

‫( )‬
‫شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪02‬‬
‫( )‬
‫ديوان القطامي‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪282‬‬

‫ومن استخدامات الفرزدق للمشفر في االستعارات الساخرة أيضا قوله في السخرية‬


‫من فتى أسود‪ ،‬كان يجلس في صدر مجلس للخمر‪ ،‬وعلى رأسه إكليل‪ ،‬فلم يحفل‬
‫ذلك الفتى بالفرزدق عندما دخل المجلس‪ ،‬فغضب الفرزدق منه‪ ،‬وقال فيه شعراً‬
‫ساخراً‪:‬‬
‫ورأسُكَ في اإلكليلِ إحدى الكبائرِ‬ ‫قُعُودُكَ في الشَّرْبِ الكرام ِبَلِيَّةٌ‬
‫( )‬
‫ضَرَبْتَ على جَمَّاتِها بالمشَافرِ‬ ‫فما نطَفَتْ كأسٌ وال طَابَ طعمُها‬
‫فالبناء االستعاري (ضربت على جماتها بالمشافر) تجلت منه أنه جعل للمسخور‬
‫منه مشافر كريهة أسوة بمشفري البعير‪ ،‬بحيث إن كأس الخمر ال يطيب طعمها‬
‫عندما تسيل على شف تيه الشبيهتين بمشفري البعير‪ ،‬فتفسد بذلك حالوة الشراب‪،‬‬
‫وتفقده لذته وجماليته‪.‬‬
‫وفي موقع آخر يسخر الفرزدق من زوج ليلى عبر السخرية من شفتيه‪ ،‬وجعلها‬
‫بمنزلة مشفري البعير في حالة الغضب‪:‬‬
‫( )‬
‫تَلوَّى من البغضاءِ دوني مَشاَفِرُهْ‬ ‫أراني إذا ما زُرْتُ ليلى وبعلها‬
‫فاالستعارة الساخرة في قوله (تلوّى مشافره) صوّرت زوج ليلى غاضباً ملوياً‬
‫شفتيه عالم ًة على استنكاره من لقاء الفرزدق بليلى‪.‬‬
‫أما الحكم بن عبدل األسدي فيستخدم المشافر إلبراز السخرية والتهكم من محمد بن‬
‫حسان التميمي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫كريحِ الكلبِ ماتَ قريبَ عهدِ‬ ‫ريحاً‬ ‫فوجدتُ‬ ‫محمداً‬ ‫نَجوتُ‬
‫(‪)4‬‬
‫بِقَنْدِ‬ ‫مشافِرُهُ‬ ‫طُلِيْتَ‬ ‫ولو‬ ‫ذبابٌ‬ ‫فيهِ‬ ‫إلى‬ ‫يدنُو‬ ‫فما‬
‫فاالستعارة الساخرة (طليت مشافره بقند) صورت شفتي المسخور منه الغليظتين‬
‫تشبيهاً بمشفري البعير‪ ،‬حيث تعلو من ثناياها رائحة كريهة‪ ،‬ال يقدر الذباب إلى‬
‫الوصول إليها حتى ولو طليت مشافر المسخور منه بعسل قصب السكر‪.‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫(‪ )4‬شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪. 0 ، 02‬‬
‫‪283‬‬

‫‪ -3‬الكناية الساخرة‪:‬‬

‫تُ َع ُّد الكناية إحدى الوسائل التصويرية في الشعر‪ ،‬والكناية هي أن تتكلم‬


‫بالشيء وأنت تريد غيره‪ ،‬وقد عرّفها عبد القاهر الجرجاني بأنها "أن يريد المتكلم‬
‫إثبات معنى من المعاني فال يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة‪ ،‬ولكن يجيء إلى‬
‫( )‪.‬‬
‫معنى هو تاليه وردفه في الوجود‪ ،‬فيومئ به إليه‪ ،‬ويجعله دليالً عليه"‬

‫ومن هذا المنطلق فإن اللفظ الواقع في التعبير الكنائي ال يراد به معناه الذي‬
‫شاع استعماله فيه‪ ،‬واستقر عليه بين جمهور المتحدثين في اللغة‪ ،‬ولكن يراد به معنى‬
‫العالقة الرابطة بين المعنيين هي "عالقة التالزم بين المعنى‬ ‫آخر‪ ،‬على أساس أن‬
‫( )‬
‫وعلى هذا فإن القيمة‬ ‫الذي يدل عليه ظاهر اللفظ‪ ،‬والمعنى اآلخر المراد منه"‬
‫التعبيرية لالنزياح الكنائي تكمن في العدول عن المعنى المباشر إلى غير المباشر‪،‬‬
‫فالمتلقي للتعبير الكنائي يقوم بحركة عكسية ينتقل من خاللها من المعنى الحرفي‬
‫المذكور في التعبير الكنائي إلى المراد المتروك‪ .‬ولهذا يتجلى في التعبير الكنائي‬
‫(‪)4‬‬
‫تتضمن في محتواها "مدلولين‪ :‬المدلول المرجعي والمدلول‬ ‫"ثنائية داللية"‬
‫(‪،)8‬‬
‫اللذين عبر عنهما عبد القاهر الجرجاني بالمعنى ومعنى المعنى "تعني‬ ‫الحافي"‬
‫بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل إليه بغير وساطة وبمعنى المعنى أن‬
‫(‪.)2‬‬
‫تعقل من اللفظ معنى‪ ،‬ثم يفضي بك ذلك إلى معنى آخر"‬

‫) الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬دالئل االعجاز‪ ،‬ص‬ ‫(‬

‫( )‬
‫السيد‪ ،‬شفيع‪ ،‬التعبير البياني‪ ،‬رؤية بالغية ونقدية‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الداية‪ ،‬د‪ .‬فايز جماليات األسلوب‪ ،‬الصورة الفنية في األدب العربي‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪،‬‬
‫‪ 8‬ه ‪ 770 -‬م)‪ ،‬ص ‪. 8‬‬

‫(‪ )8‬عكام‪ ،‬د‪ .‬فهد‪ ،‬بنية الصورة في شعر أبي تمام‪ ،‬ص ‪29‬‬

‫(‪ )2‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬دالئل االعجاز‪ ،‬ص ‪4‬‬


‫‪284‬‬

‫وقد رأى الشعراء في العصر األموي أن الكنايات الساخرة تمتاز بقدرة‬


‫فائقة "على السمو بالمعنى واالرتفاع بالشعور إلى مستوى التصوير اإليحائي‬
‫( )‬
‫الشفاف‪ ،‬الذي ال يثير المخيلة فحسب‪ ،‬بل يتعداها إلى الذهن عن طريق اإلحساس"‬
‫وقد اتجه شعراء السخرية في العصر األموي إلى الكنايات الساخرة وفقاً لما‬
‫يتطلبه الموقف‪ ،‬ألنَّ النفس تشمئز من اللفظ الصريح‪ ،‬ويعافه الذوق نظراً لمجافاته‬
‫لألدب والقيم االجتماعية‪ ،‬ولهذا يالحظ أن الكنايات الساخرة كانت تقترب من أساليب‬
‫( )‬
‫"الحياة االجتماعية‪ ،‬حيث حفلت أساليبها بسلوك المجتمع العربي وعاداته"‬
‫والتعبير الكنائي قد يتمثل من خالل إلصاق صفة بموصوف ما‪ ،‬ثم ال تذكر هذه‬
‫الصفة‪ ،‬وإنما يذكر أمر بينه وبينهما تالزم‪ ،‬ومن هذه الصفات (البخل)‪ ،‬حيث نجد‬
‫الشاعر سراقة البارقي يسخر من جرير وقومه مستخدم ًا الكنايات الساخرة في قوله‪:‬‬
‫بطاءٌ إلى الداعي إذا لم يكن أكال‬ ‫صغارٌ مقاريهم عظامٌ جعورهم‬
‫(‪)4‬‬

‫الدال‪ :‬صغر القدور‪ ،‬البطون الكبيرة‪ ،‬األدبار الممتلئة‪.‬‬


‫المدلول األول‪ :‬عدم مقدرتهم على استقبال الضيوف‪ ،‬كثرة األكل والنهم‬
‫‪.‬‬
‫المدلول الثاني‪ :‬الشح والبخل‪.‬‬
‫ومن هنا يتجلى معنى المعنى في قول سراقة البارقي من التعبير الكنائي أن جريراً‬
‫وقومه يمتازون بالبخل والشح‪.‬‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه من البخل والشح نجد الفرزدق يستخدم الكناية‬
‫الساخرة للسخرية والتهكم من األزديين‪ ،‬وفي نفس الوقت يمتدح كرم يزيد عبد‬
‫الملك‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫عيكوس‪ ،‬األخضر‪ ،‬مفهوم الصورة الشعرية قديماً‪ ،‬مجلة اآلداب‪ ،‬جامعة قسنطينة‪0 ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ( )‪،‬‬
‫‪ ،) 772‬ص ‪47‬‬
‫( )‬
‫أحمد‪ ،‬محمد الحسين علي‪ ،‬الكناية‪ :‬أساليبها ومواقعها في الشعر الجاهلي‪( ،‬مكة المكرمة‪ ،‬المكتبة الفيصلية‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 802‬ه ‪ 742 -‬م)‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان سراقة البارقي ص ‪84‬‬
‫‪285‬‬

‫( )‬
‫إذا كَعَمَ الكلبَ اللئيمُ وأخمدا‬ ‫أخو شَتَواتٍ يرفعُ النارَ للقِرى‬
‫الدال‪ :‬كعم الكلب اللئيم وأخمدا‪.‬‬
‫المدلول األول‪ :‬إن األزديين يضعون لجاماً في فم الكلب‪ ،‬لئال ينبح ويدل عليه‬
‫الضيوف‪ ،‬ومن هنا ال يستطيع الضيوف الوصول إليهم‪.‬‬
‫المدلول الثاني‪ :‬أنهم قوم بخالء‪.‬‬
‫وبعكس يزيد بن عبد الملك فقد وصفه الفرزدق بأنه (أخو شتوات)‪ ،‬فهو يطعم‬
‫الضيوف في الشتاء القاسي حين يمتنع البخالء‪.‬‬
‫أما الحكم بن عبدل األسدي فإنَّه يسخر من شره المسخور منه مستخدما التعبير‬
‫الكنائي في قوله‪:‬‬
‫ثى إذا مَا غَدَا أَبُو كلثومِ‪.‬‬ ‫نعم جا ُر الخنزير ِة المرضع الغر‬
‫) (‬
‫من ثَريدٍ ملبق مأدومِ‬ ‫ثاوياً قد أصابَ عند صديقٍ‬
‫الدال‪ :‬جار الخنزيرة المرضع الغرثى‬
‫المدلول األول‪ :‬إنَّ المسخور منه كان جاراً كريماً للخنزيرة‪ ،‬ومعلوم أن الخنازير‬
‫تتغذى على القاذورات‪ ،‬وهذا يدل على أن الخنزيرة قد وجدت في مخلفاته أكالً يسد‬
‫جوعها فهي شديدة الجوع‪ ،‬ألنها مرضع‪ ،‬فهي تحتاج إلى المزيد من الطعام‪ ،‬وقد‬
‫تنعمت به في جوار ذلك الرجل الشره في األكل‪.‬‬
‫المدلول الثاني‪ :‬أن المسخور منه كان شرهاً وبشعاً في أكله‪ ،‬ولذلك فإن نجوه‬
‫ومخلفاته كتل ضخمة وهائلة تتغذى عليها الخنزيرة‪ ،‬وفي هذا المعنى تكمن السخرية‬
‫من شراهة المسخور منه في أثناء األكل‪.‬‬

‫وقد يتجلى التعبير الكنائي الساخر من خالل الحديث عن موصوف‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة ال يتم التصريح بذكره‪ ،‬ولكن يتم ذكر صفة من الصفات التي تدل عليه‪،‬‬

‫) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪. 4‬‬ ‫(‬

‫) شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪4‬‬ ‫(‬


‫‪286‬‬

‫ويكنى عنه‪ ،‬ومن أمثلة هذا النوع من الكنايات الساخرة قول جرير يسخر من أم‬
‫األخطل النصرانية عن طريق التعبير الكنائي في قوله‪:‬‬
‫( )‬
‫لح ُم الخنازيرِ يجري فوقه السُكْرُ‬ ‫من كلِّ مخضرةِ األنيابِ قعَّرَها‬
‫الدال‪ :‬مخضرة األنياب‬
‫المدلول األول‪ :‬القذارة المتراكمة على أسنان المرأة التغلبية‪ ،‬فهي ال تهتم بنظافتها‬
‫بسبب أكلها لحم الخنازير مع الخمر‪.‬‬
‫المدلول الثاني‪ :‬حقارة المرأة التغلبية عموماً‪.‬‬
‫وفي منحى آخر نجد جريراً يسخر من فسق الفرزدق‪ ،‬ومجالسته للنصارى الذين‬
‫يستبيحون المحرمات اإلسالمية ومنها الخمر‪ ،‬حيث يقول ساخراً مستخدماً التعبير‬
‫الكنائي في قوله‪:‬‬
‫( )‬
‫خَضِلِ األناملِ وَاكِفِ المِعْصَارِ‬ ‫وتَبِيتُ تشربُ عند َكل مُقَصَّصٍ‬
‫الدال‪ :‬تشرب عند كل مقصص‬
‫المدلول األول‪ :‬يشرب الفرزدق الخمر عند المقصص – وهو من جزت ناصية‬
‫شعره‪-‬وهي إشارة إلى النصارى‪ ،‬فقد كانوا يجزون نواصيهم لكي يمتازوا بها عن‬
‫غيرهم من المسلمين‪.‬‬
‫المدلول الثاني‪ :‬اإلشارة إلى فسق الفرزدق‪ ،‬وقضاء ليله في شرب الخمر مع‬
‫النصارى في كل مكان يجده‪.‬‬
‫أما األقيشر األسدي فقد استخدم التعبير الكنائي الساخر عندما سخر من رجل من‬
‫بني عبس ناداه بلقبه(األقيشر) فقال فيه ساخراً‪:‬‬
‫السراجِ‬ ‫مُطْفِئَةِ‬ ‫ابنَ‬ ‫وأدعُوكَ‬ ‫اسمي‬ ‫ذلكَ‬ ‫األقيشرَ‬ ‫أتدعوني‬
‫(‪)4‬‬
‫ورب الناسِ يعل ُم مَا تُنَاجِي‬
‫ُّ‬ ‫سِراً‬ ‫بالليلِ‬ ‫خِدنَها‬ ‫تُنَاجِي‬
‫ئ‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪4 0‬‬ ‫(‬

‫(‪)4‬‬
‫العشاش الطيب‪ ،‬األقيشر األسدي‪ :‬أخباره واشعاره‪ ،‬ص ‪28‬‬
‫‪287‬‬

‫الدال‪ :‬ابن مطفئة السراج‬


‫المدلول األول‪ :‬اإلشارة إلى أن أم المسخور منه تطفئ سراجها بالليل‪ ،‬ومنه يتجلى‬
‫أن هذه المرأة تطفئ سراجها عند دخول الرجال إليها في الليل لمضاجعتها‪.‬‬
‫المدلول الثاني‪ :‬أن المسخور منه ابن غير شرعي‪ ،‬فهو ابن سفاح‪.‬‬

‫‪-8‬التعريض الساخر‪:‬‬

‫التعريض‪ ":‬عرّض لفالن وبه‪ :‬إذا قال فيه قوالً وهو يعيبه‪ ،‬والتعريض‬
‫خالف التصريح‪[ ،‬أي أنه] تضمين الكالم داللة ليس لها ذكر‪ ،‬وألن المعنى فيه يفهم‬
‫( )‬
‫من عرض اللفظ أي من جانبه"‬
‫والتعريض في الكالم معناه" التوسع في الداللة‪ ،‬بحيث يصبح للكالم ظاهر وباطن‪،‬‬
‫( )‬
‫وهنا يجتمع األمران‪ :‬اإلخفاء والتكثير"‬
‫ومن هذا المنطلق فإن الشعر الساخر يستخدم التعريض أسلوباً فنياً إليصال‬
‫المعنى الساخر؛ ألنه ألطف وأحسن من الكشف والتصريح‪ ،‬وألن النفس تميل‬
‫ال ستنباط المعاني بالفكر‪ ،‬كما أن التعريض أكثر وقعاً على المسخور منه‪ ،‬ذلك" ولما‬
‫يفصح عنه مكر المتكلم وإخفائه لمعانٍ بعينها يقصدها‪ ،‬وتحايله في إيصالها للمتلقي‬
‫(‪.)4‬‬
‫وعلى هذا فإن التعريض يعدّ" الصورة البالغية األكثر مالءمة‬ ‫بصورة ملتويه"‬
‫(‪)8‬‬
‫لمفهوم السخرية في حدودها الضيقة"‬
‫ومن أمثلة السخرية القائمة على التعريض قول األخطل معرِّضًا جرير‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ب بَاقٍ رَسِيمُهَا‬
‫علَى النَّخْسِ واإلِتْ َعا ِ‬
‫َ‬ ‫ل‪ :‬مِ ْ‬
‫ن نَسْلِ المَ َراغ ِة أنَّهَا‬ ‫جججريرَ‬
‫بأم َوقَدْ آ‬

‫سَرْجَها‬ ‫المراغةِ‬ ‫على‬ ‫شددتُ‬ ‫( )ولقد‬


‫مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪. 97- 9‬‬
‫( )‬
‫الخولي‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم‪ ،‬التعريض في القرآن الكريم‪ ،‬ط ‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار البصائر‪ 8 2 ،‬ه ‪ 008 -‬م) ‪،‬ص‬
‫‪9‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في الشعر األندلسي‪ ،‬ص ‪.4 8‬‬
‫(‪)8‬‬
‫العمري‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬بالغة السخرية األدبية‪ ،‬ص ‪89‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ديوان األخطل ص ‪. 44‬‬
‫‪288‬‬

‫فاألخطل يسخر من أم جرير‪ ،‬إذْ يُعرِّض بها بأنها دابة تحمل األثقال‪ ،‬وتساق‬
‫زجراً‪ ،‬فتسرع في عدوها‪ ،‬واألخطل من خالل هذا التعريض يرى أن أم جرير‬
‫عديمة الفضائل‪ ،‬ال مكانة لها في مجاراة سائر النساء‪ ،‬ولهذا فإن استخدامه للفظ‬
‫(المراغة) و (النخس) كلها معانٍ مقذعة تصب في النيل من أمه‪ .‬وقد تعمد الساخر‬
‫التعريض بنبز أم المسخور منه بهذه الصفات بهدف التأثير واإليالم له‪ ،‬وهذا ما‬
‫( )‪.‬‬
‫يؤكد لنا "أن األم هي أكثر األشياء قداسة في المجتمع البدوي"‬

‫ومن أمثلة السخرية بالتعريض ما قاله الشاعر أيمن بن خريم ساخراً من البيت‬
‫األموي في أثناء مدحه آلل البيت‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫واقتراءُ‬ ‫صالةٌ‬ ‫وليلُكم‬ ‫وصومٌ‬ ‫مكابدةٌ‬ ‫نهارُكم‬


‫البالءُ‬ ‫ذاكَ‬ ‫فيكم‬ ‫فأسرعَ‬ ‫بالتزكي‬ ‫بالقرآنِ‬ ‫وَلِيتُم‬
‫والجواءُ‬ ‫والمدينةُ‬ ‫ومكةُ‬ ‫عليكم‬ ‫غدٍ‬ ‫غداةَ‬ ‫نجدٌ‬ ‫بكى‬
‫الهواءُ‬ ‫وبينهم‬ ‫وبينكم‬ ‫سواءٌ‬ ‫وأقواماً‬ ‫أأجعلكم‬
‫( )‬
‫سماءُ‬ ‫وأعينِهِم‬ ‫ألرْؤُسِهِم‬ ‫وأنتم‬ ‫ألرجلكم‬ ‫أرضٌ‬ ‫وهم‬
‫فالشاعر أيمن بن خريم عرض في األبيات السابقة صورة التقوى وهي صورة‬
‫القدوة آلل البيت‪ ،‬حيث عرض جماليات الصورة بداللة الزمن(الليل‪ ،‬والنهار)‪ ،‬وأما‬
‫الصورة األخرى الساخرة‪ ،‬فهي صورة الظلم‪ ،‬وهي صورة سلبية لألمويين‪ ،‬حيث‬
‫يتجلى فيها صورة األذى الذي لحق بآل البيت (فأسرع فيكم ذاك البالء)‪ ،‬فهو يقصد‬
‫من هذا القول التعريض باألمويين‪ ،‬وعما يلحقونه بآل البيت من ألم‪ ،‬حيث ربط هذه‬
‫الصورة التعريضية بداللة المكان (نجد‪ ،‬ومكة‪ ،‬والمدينة‪ ،‬والجواء)‪ ،‬كما تجلى في‬
‫هذه الصورة التعريضية موازنة ساخرة بين آل البيت واألمويين فهي كالفرق بين‬

‫( )‬
‫بالشير‪ ،‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬ترجمة إبراهيم الكيالني‪ ،‬ط ‪( ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ 748 ،‬م)‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫( )‬
‫شعر أيمن بن خريم األسدي‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬عبداهلل القثم‪ ( ،‬الكويت‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬جامعة الكويت‪،‬‬
‫مجلس النشر العلمي‪ 008 ،‬م)‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪289‬‬

‫السماء واألرض ( أرض ألرجلكم‪ ،‬ألرؤسهم سماء) بداللة الضميرين (هم‪-‬أنتم)‪.‬‬


‫وهكذا لجأ الشاعر أيمن بن خريم في سخريته من األمويين عن طريق "التلميح ال‬
‫( )‬
‫التصريح [لعدم قدرته[ على المواجهة المباشرة"‬

‫أما الشاعر عبيد اهلل بن الحر الجعفي فيعرّض في سخرية قوة خلفاء بني أمية‬
‫في السلطة ومخالفتهم للمعنى ذاته في الحياة التي يدعو إليها الدين اإلسالمي‪ ،‬حيث‬
‫يقول معرّضاً‪:‬‬

‫نعيمُها‬ ‫ودام‬ ‫نوكاها‬ ‫تأمَّرَ‬ ‫ضيّعَ اإلسالمَ إال قبيلةٌ‬ ‫وما‬


‫( )‬
‫إذا اعوجَّ منها جانبٌ ال يقيمُها‬ ‫وأضحَتْ قناةُ الدينِ في كفِ ظالمٍ‬
‫فالسخرية تجلت في أسلوب التعريض الذي استخدمه عبيد اهلل الحر في‬
‫صيغتي الجمع (القبيلة)‪ ،‬واإلفراد (ظالم) بالنسبة للمسخور منهم‪ ،‬حيث وصف‬
‫األمويين ب (قبيلة)‪ ،‬والقبيلة في مفهوم اإلسالم تدل على العصبية والماضي العدائي‪،‬‬
‫ألن حكامها في عداد الحمقى‪ ،‬حيث يشير ساخراً ومعرضاً أن األمويين اعتمدوا‬
‫النزعة القبلية‪ ،‬ويؤكد أن زعاماتهم وأفرادهم الذين يحكمون ال يقيمون وزناً للدين‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فهنا يكمن التعريض والسخرية بحكم الظالم الذي ال يستقيم على أصول‬
‫الدين وحدوده‪.‬‬

‫وعلى المنوال الساخر نفسه القائم على التعريض نجد الشاعر أبا دهبل الجمحي‬
‫يعرض بالخليفة معاوية بن أبي سفيان من خالل التغزل بابنته عاتكة حيث يقول‪:‬‬

‫فمن دونها تخشى المتالفُ والقت ُ‬


‫ل‬ ‫حمى الملكُ الجبارُ عني لقاءَها‬
‫والفي حبيبٍ ال يكونُ له وصلُ‬ ‫فال خيرَ في حبٍ يخافُ وبَالَهُ‬
‫ولم يكُ فيما بيننا ساعةً بذلُ‬ ‫فواكبدي إني شُهِرْتُ بحُبِّها‬

‫آرديني‪ ،‬د‪ .‬محمد صالح‪ ،‬صورة الخليفة في الشعر األموي‪ ،‬ص ‪82‬‬ ‫( )‬

‫( )‬
‫شعراء أمويون القسم ( )‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬نوري القيسي‪( ،‬بغداد‪ ،‬جامعة بغداد‪ 47 ،‬ه ‪ 79 -‬م)‪،‬‬
‫ص‪2‬‬
‫‪291‬‬

‫( )‬
‫شاعَ حتى قُطِعَتْ دونها السب ُ‬
‫ل‬ ‫ويا عجباً إني أكاتمُ حُبَّها وقد‬
‫فالسخرية التعريضية في األبيات السابقة تكونت من الساخر (أبو دهبل الجمحي)‬
‫الذي تجلى في صفة ضمائر المتكلم (عنِّي‪ ،‬إنِّي)‪ ،‬والمسخور منه (الملك الجبار)‪،‬‬
‫حيث تجلت السخرية في حدث (المنع) في قوله (حمى الملك)‪ ،‬حيث منع الملك لقاء‬
‫المحب بالمحبوبة‪ ،‬كما تجلت السخرية من صفة التجبر والقوة التي يمارسها‬
‫المسخور منه (الجبار)‪ ،‬وتبرز من صفة (الجبار) داللة تعريضية ساخرة‪ ،‬ألن صفة‬
‫التجبر تشي ر في األبيات السابقة إلى قوة الملك‪ ،‬ولكنها قوة سلبية يمارسها الملك على‬
‫الضعفاء من أمثال أبي دهبل(الساخر)‪ ،‬وكان األولى أن يمارس التجبر والقوة‬
‫والبطش على األعداء‪ ،‬وليس على المحبين‪ .‬فهل مهمة الملك الجبار ‪-‬كما يرى أبو‬
‫دهبل الجمحي ‪-‬تجلت في منع األحبة أم أنها تتصرف نحو األمور العظام؟‪ ،‬فالملك‬
‫يمارسها لمنع لقاء األحبة‪ ،‬ويصرفها عن دواهي األمور ومواجهة األعداء‬
‫ومقارعتهم‪.‬‬
‫أما الكميت األسدي فيمزج السخرية عن طريق التعريض بالنقد الالذع ألحوال‬
‫المجتمع في ظل خالفة بني أمية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫مقبلُ‬ ‫اإلساءةِ‬ ‫ٌبعدَ‬ ‫مُدْبِر‬ ‫وهل‬ ‫أال هلْ عمَّ في رأيه متأملُ‬
‫المتزملُ‬ ‫النعسة‬ ‫عنه‬ ‫فيكشفُ‬ ‫وهل أمةٌ مستيقظون لرشدهم‬
‫نتنحَّلُ‬ ‫الذي‬ ‫غير‬ ‫مِلَّةِ‬ ‫على‬ ‫وعطَّلَتِ األحكامُ حتى كأنَّنا‬
‫نفعلُ‬ ‫الجاهليةِ‬ ‫أهلِ‬ ‫وأفعالُ‬ ‫كالمُنا‬ ‫الهداةِ‬ ‫النبيين‬ ‫كالمُ‬
‫بُهَّلُ‬ ‫النَّوْمَ‬ ‫آثرَ‬ ‫مُضِيَّعٍ‬ ‫أمورُ‬ ‫فتلكَ أمورُ الناسِ أضحَتْ كأنها‬
‫جَيَّ َألُ‬ ‫وعرفاءُ‬ ‫العادي‬ ‫أبوجعدة‬ ‫لنا راعيَا سوءٍ مُضِيعَانِ منهما‬
‫( )‬
‫على تركِ ما يأتي أم القلبُ مُقْفَلُ‬ ‫فَتَدُلَّهُ‬ ‫آيةً‬ ‫يتدبَّرْ‬ ‫أَلَمْ‬

‫( )‬
‫ديوان أبي دهبل الجمحي‪ ،‬رواية أبي عمر الشيباني‪ ،‬تحقيق عبدالعظيم عبدالمحسن‪ ،‬ط ‪ ( ،‬النجف‬
‫األشرف‪ ،‬مطبعة القضاة‪ 47 ،‬ه ‪ 79 -‬م)‪ ،‬ص ‪00-77‬‬
‫( )‬
‫شرح هاشميات الكميت بن زيد األسدي‪ ،‬تحقيق د‪ .‬داود سلوم‪ ،‬د‪ .‬نوري القيسي ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬عالم‬
‫الكتب‪+‬مكتبة النهضة العربية‪ 80 ،‬ه ‪ 74 -‬م )‪ ،‬ص ‪. 27- 8‬‬
‫‪291‬‬

‫بنى الشاعر الكميت بن زيد األسدي التعريض في األبيات السابقة باالعتماد‬


‫على التضاد الواقع في كثير من مجاالت الحياة في ظل حكم األمويين‪ ،‬حيث عبر‬
‫بوساطة التناقضات التي يعيشها المجتمع األموي في قوله (اليقظة‪ ،‬النعاس)‪ ،‬فهو‬
‫يصور الواقع المزري البني أمية الذي ساد في عهدهم‪ .‬فقد حل الظلم ف (عطلت‬
‫األحكام)‪ ،‬كما عرّض بحال الذل والهوان والتعارض بين األفعال واألقوال (كالم‬
‫النبيين كالمنا – أفعال الجاهلية نفعل)‪ ،‬كما أن أمور الرعية أضحت مهملة‪ ،‬وال يتفقد‬
‫أحوالهم الحكام (أمور الناس أمور مضيّع آثر النوم‪ ،‬لنا راعيا سوء)‪ ،‬فالناس كاإلبل‬
‫المهملة‪ ،‬التي ال راعي يحفظها‪ ،‬فقد آثر هشام بن عبد الملك الدعة على النظر في‬
‫أمور دينه وأمر رعيته‪ ،‬كما آثر الراعي تضييع إبله وغنمه بإهمالها‪ ،‬وأخيراً يدعو‬
‫الكميت األمويين إلى تدبر القرآن ولو (آية)‪ ،‬فتدلهم على الطريق القويم‪ .‬فالتناقضات‬
‫الكثيرة في الم جتمع األموي أدت إلى ضياعه بحسب ضياع العدل والقيم والمثل‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وفي هذا الواقع المزري سخرية تعريضية من حكم األمويين عبر النقد‬
‫الالذع لسياسة حكمهم‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬السخرية في مستوى علم البديع‪:‬‬

‫‪-1‬سخرية التضاد‪:‬‬

‫التضاد‪ :‬ومن صوره عند البالغيين الطباق وهو "الجمع بين المتضادين‪،‬‬
‫( )‪،‬‬
‫والمقابلة وهي "أن تجمع بين شيئين متوافقين أو‬ ‫أي معنيين متقابلين في الجملة"‬
‫( )‪.‬‬
‫أكثر وضديهما"‬

‫ط ‪،‬‬ ‫القزويني‪ ،‬الخطيب‪ ،‬اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬شرح وتعليق وتنقيح‪:‬د‪.‬عبدالمنعم خفاجي‪ ،‬ج‬ ‫( )‬

‫(بيروت‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ 47 ،‬ه ‪ 79‬م)‪ ،‬ص ‪.899‬‬


‫( )‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪849‬‬
‫‪292‬‬

‫فالتضاد يتجلى في الطباق‪ ،‬ويكون في المفردات‪ ،‬والمقابلة وتكون في‬


‫التراكيب والنصوص‪ .‬ويكتسب التضاد أهميته في السياق الشعري من خالل المخالفة‬
‫( )‪.‬‬
‫التي "تغدو فاعلية أساسية يتلقاها القارئ عبر كسر السياق والخروج عليه"‬
‫وقد وظَّف شعراء العصر األموي التضاد في توليد السخرية وإنتاجها‪ ،‬ففي‬
‫التضاد تبلغ االستحالة مداها‪ ،‬ألن اللفظين المتضادين يشير كل منهما إلى معنى‬
‫مغاير لآلخر‪ ،‬وال يصح إطالقهما على شيء واحد وفي وقت واحد‪ ،‬ولهذا فإن‬
‫وصف الشيء بوصفين متضادين أو متناقضين معناه إخراجه من دائرة الوجود إلى‬
‫دائرة الالوجود والهامشية‪ ،‬وهنا تكمن السخرية من ذلك الشيء‪.‬‬
‫ويشكل التضاد ظاهرة أسلوبية مميزة في الشعر الساخر‪ ،‬ألنه يبرز مجموعة‬
‫من التفاعالت الداخلية والخارجية التي يعيشها الساخر‪ .‬ومن هذا المنطلق يمكن‬
‫القول إن التضاد الساخر في النص الشعري ما هو إلَّا" انعكاس لذلك التضاد الذي‬
‫يعيشه الشاعر في حياته‪ ،‬وال يمكن أن يأتي به الشاعر عبثاً‪ ،‬فهو إضافة إلى عمله‬
‫( )‬
‫من المسخور منه وفعله‪ .‬ولهذا فالتضاد‬ ‫اإليقاعي األسلوبي جاء مؤكداً لرؤيته"‬
‫الساخر يؤدي قيمة جمالية في النص‪.‬‬
‫والمتأمل للثنائيات المتضادة في الشعر األموي الساخر‪ ،‬يجد أنها قد‬
‫صوّرت حاالت المزاج‪ ،‬وحدة العصبية‪ ،‬والتنازع النفسي من المسخور منه‪ .‬ومن‬
‫صور الثنائيات المتضادة‪:‬‬
‫الطباق الساخر‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫وقد تجلى الطباق الساخر في عدة ثنائيات متالزمة منها‪:‬‬

‫( )‬
‫ربابعة‪ ،‬موسى‪ ،‬األسلوبية‪ :‬االتصال والتأثير‪ ،‬مجلة عالمات في النقد‪( ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪ 8 4 ،‬ه‬
‫‪ 774-‬م)‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫( )‬
‫كفافي‪ ،‬د‪ .‬منذر‪ ،‬الخاليلة‪ ،‬محمد‪ ،‬إغواء اللغة‪ :‬قراءة في ديوان ذي اإلصبع العدواني ‪،‬تشكيل اللغة‬
‫الشعرية‪ ،‬المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها‪ ( ،‬األردن المجلد (‪ ،)8‬العدد ( )‪ 8 4 ،‬ه ‪ 004 -‬م )‪ ،‬ص‬
‫‪.4 4‬‬
‫‪293‬‬

‫ثنائية الضعف والقوة‪:‬‬ ‫‪-‬‬


‫وتجلت فيها السخرية من ضعف المسخور منه‪ ،‬واالعتزاز بقوة الساخر‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة ذلك قول جرير ساخرًا من الفرزدق‪:‬‬
‫( )‬
‫ويَعْرِفُ كفيه اإلناءُ المكتَّفُ‬ ‫يمينُهُ‬ ‫المشرفيِّ‬ ‫هزَّ‬ ‫وتنكرُ‬
‫فالتضاد بين (تنكر‪-‬تعرف) صوّر السخرية من عدم قدرة قوم الفرزدق على‬
‫حمل السالح‪ ،‬وبالمقابل فإنه يحسن حمل األمتعة‪ ،‬وفي هذا يتجلى قوة الساخر من‬
‫(السالح)‪ ،‬وضعف المسخور منه مع (حمل األمتعة)‪.‬‬
‫ومما يمثل هذه الثنائية أيضاً قول أبي النجم العجلي مصوراً فحولته الشعرية حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫إني وكلَّ شاعرٍ من البشرْ‬
‫شيطان ُه أنثى وشيطاني ذكرْ‬
‫فما رآني شاع ٌر إلّا استترْ‬
‫( )‬
‫عاين القمرْ‬
‫َّ‬ ‫فعل نجوم الليل‬
‫فالتضاد الساخر (شيطانه أنثى)‪( ،‬شيطاني ذكر) تجلى منه مخالفة أبي النجم لقرائح‬
‫الشعراء وفحولتهم‪ ،‬وقد اتكأ أبو النجم في هذا التضاد على المقولة القائلة إنَّ الذكر‬
‫مجلبة للعز‪ ،‬والمتتبع لثنائية (الذكر‪ ،‬واألنثى) يجد أن الكفار قد سموا المالئكة بنات‬
‫اهلل‪ ،‬فنزل الوحي ينتقص ويسخر من هذا المفهوم عندهم في قوله تعالى" ألكم الذكر‬
‫(‪.)4‬‬
‫كما أن الحجاج بن يوسف عندما خطب في‬ ‫وله األنثى تلك إذاً قسمة ضيزى"‬
‫(‪.)8‬‬
‫الناس أول مرة ورسم سياسته في الحكم فقال‪ :‬لقد جاءكم رجل ذكر‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪49‬‬
‫( )‬
‫ديوان أبي النجم العجلي‪ ،‬ص ‪08- 04‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪-‬‬ ‫سورة النجم ‪ ،‬اآلية‬
‫(‪)8‬‬
‫ينظر ديوان أبي النجم العجلي‪ ،‬ص ‪02- 08‬‬
‫‪294‬‬

‫‪-‬ثنائية الرفعة والوضاعة‪:‬‬


‫تجلت في هذه الثنائية تصوير التضاد الناشئ بين علو الساخر في األمجاد‬
‫وتراجع المسخور منه في االنحطاط‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول الفرزدق يسخر من جرير‬
‫عبر التضاد الواقع بين النجوم ونباح الكالب‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫فراسِخُ تُنْضِي العينَ للمتأمِّلِ‬ ‫وقد ينبحُ الكلبُ النجومَ ودونها‬
‫فالتضاد بين (نباح الكالب) و (صمت النجوم)‪ ،‬فنباح الكالب ال قيمة له‪ ،‬بينما‬
‫يتجلى في صمت النجوم الفعالية المؤثرة‪ ،‬وهذا يعني أن القيم الهابطة في المسخور‬
‫منه ال تؤثر على مسيرة القيم العليا في الساخر‪ ،‬ونباح الكالب ال يؤثر على النجوم‪،‬‬
‫فالقافلة تسير والكالب تعوي‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضاً قول األخطل ساخراً من النابغة الجعدي‪:‬‬
‫( )‬
‫ويأكُلْنَ من أوالدِ سَعْدٍ ونهشال‬ ‫تعافُ الكالبُ الضارياتُ لحومَكُمْ‬
‫فالتضاد بين (تعاف‪-‬يأكلن)‪ ،‬حيث يتجلى من التضاد تقبيح بني جعدة‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫إن الكالب مهما تضوَّرت وتسعرت فإنها تعاف لحومكم وتكرهها للؤمها وفسادها‪،‬‬
‫فيما تقبل على لحوم غيركم‪.‬‬
‫‪-4‬ثنائية الفضيلة والرذيلة‪:‬‬
‫تجلت هذه الثنائية القائمة على التضاد في إبراز محاسن الساخر وفضائله‪ ،‬وتبيان‬
‫فسق المسخور منه ورذائله‪ .‬وفي هذا الشأن نجد جريراً يسخر من مجاهرة الفرزدق‬
‫بمعاصيه‪ ،‬حيث يقول مستخدمًا التضاد الساخر‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫رَحَلْتَ بخزيةٍ وتركتَ عَارَا‬ ‫قومٍ‬ ‫بدارِ‬ ‫حلَلْتَ‬ ‫إذا‬ ‫وكنتَ‬
‫فالتضاد تجلى في (حللت – رحلت)‪ ،‬فالفرزدق عندما يحل في أي مكان تطؤه‬
‫قدما ه فأنه يرحل عنه بالخزي والعار‪ ،‬تاركاً وراءه الذل واإلهانة‪ ،‬وهذا التعبير‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪2 0‬‬
‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪420‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪295‬‬

‫يوحي بفسق الفرزدق وفجوره الدائم‪ .‬ولمناسبة هذا البيت رواية تزعم أنَّ الفرزدق‬
‫( )‬
‫نزل بامرأة فأحسنت ضيافته‪ ،‬ثم راودها عن نفسها‪.‬‬
‫وفي إطار سخرية الفضيلة والرذيلة القائمة على التضاد نجد الفرزدق يسخر من‬
‫جرير وقومه عبر صورة ساخرة حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫وتنامُ أَعْيُنُهم عن األوتارِ‪.‬‬ ‫يستيقظُونَ إلى نهاقِ حمارِهِم‬
‫فالتضاد الساخر في قوله ( يستيقظون – تنام) بيّن استهجان الساخر من‬
‫المسخور منه‪ ،‬فهم يصغون باستحسان إلى األصوات القبيحة‪ ،‬ومنها أصوات‬
‫الحمير‪ ،‬وهي من األصوات المنكرة والمذمومة‪ ،‬بينما صوّر التضاد اآلخر (تنام)‬
‫نفورهم من سماع األصوات التي تنادي بأخذ الثأر‪ ،‬كما يتجلى من بنية هذا التضاد‬
‫الساخر أن الفرزدق وقومه يستيقظون على زقزقة العصافير‪ ،‬وصياح الديكة‪ ،‬وفي‬
‫هذه األص وات ما يبشر بالخير والبركة‪ ،‬بينما يستيقظ جرير وقومه على نهيق الحمير‬
‫وفي هذه األصوات ما ينذر بالشؤم والشر والحجب عن الخير‪ ،‬كما أن ذكر الحمار‬
‫يرتبط بظاهرة الهوان والغباء‪.‬‬
‫أما الطرماح فيسخر من بني تميم عبر رسم صورة التضاد الساخر الذي بيّن‬
‫إبصارهم للرذيلة‪ ،‬وعماهم عن العفة والشرف‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وعميُ الرَّأيِ عن سُبُلِ العفافِ‬ ‫المخازي‬ ‫بأبوابِ‬ ‫بصرٍ‬ ‫أولو‬
‫فالتضاد الساخر (أولو بصر – عمي الرأي)‪( ،‬المخازي – العفاف) صوّر سرعتهم‬
‫للسلوك السيء وابتعادهم عن السلوك الحسن‪.‬‬
‫ويصور األخطل في سخرية التضاد هروب بني قيس ونزوحهم مخلفين نساءهم‬
‫اإلماء والحرائر والعذارى على السواء‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬والصفحة نفسها‪.‬‬
‫( )‬
‫‪.4‬‬ ‫المصدر السابق ‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان الطرماح‪ ،‬ص ‪00‬‬
‫‪296‬‬

‫( )‬
‫عن النصفِ السوداءِ والكاعبِ البكرِ‬ ‫لحى اهللُ قيساً حينَ فرَّتْ رجَالُها‬
‫فالتضاد الساخر (النصف السوداء‪-‬الكاعب البكر) صوّر النساء كافة اإلماء‬
‫والحرائر‪ ،‬و تتعالى من ثنايا هذا التضاد الرذيلة التي خلفها بنو قيس على أنفسهم‬
‫والمتمثلة في عجزهم عن حماية أعراضهم‪ ،‬وحفظ شرفهم‪ ،‬كما صورت خذالنهم‬
‫لمحارمهم‪ ،‬وجبنهم عند مالقاة أعدائهم‪ ،‬لذلك استحقوا دعوة الشاعر عليهم بالموت‬
‫والهالك فقال فيهم (لحى اهلل)‬

‫‪-8‬ثنائية الكرم والبخل‪:‬‬

‫تجلت سخرية التضاد في ثنائية الكرم والبخل من خالل إبراز السخرية من‬
‫بخل المسخور منه وشحه‪ ،‬ومن أمثلة هذا النوع من التضاد الساخر قول حمزة بن‬
‫بيض الحنفي ساخراً من الوليد بن يزيد بن عبد الملك عندما كتب ألهل المدينة بأنه‬
‫سيجزي عليهم ما منعهم إياه هشام بن عبد الملك‪ ،‬فقال الوليد بيتاً من الشعر يظهر‬
‫فيه عزمه على رد أعطياتهم التي حجبت عنهم أثناء والية هشام‪:‬‬
‫بأن سماءَ الضرِ عنكم ستقلعُ‬ ‫ض ِمنْتُ لكم إن لم ترعني منيّتي‬
‫َ‬
‫فردّ عليه حمزة بن بيض مستخدماً المحاكاة الساخرة من الوليد بن يزيد‪،‬‬
‫ومتضمنًا التضاد الساخر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫زَعَمْتَ سماءَ الضُّرِ عَنَّا سَتَقْلِعُ‬ ‫وَصَلْتَ سماءَ الضُّرِ بالضُّرِ بعدما‬
‫فالتضاد الساخر في (وصلت – ستقلع) بيّن بخل الوليد بن يزيد بعد أن وعد أهل‬
‫المدينة بالعطايا والهبات والكرم‪.‬‬
‫أما األخطل فيسخر من بخل سيّار بن بزيعة وحوشب بن رويم الشيباني ويمتدح‬
‫كرم عكرمة الفيّاض في صورة تضادية ساخرة حيث يقول‪:‬‬
‫أولى لك ابن مُسَيَمةِ األجمالِ‬ ‫مِ ْثلِ ابن بَزْعَةَ أو كآخرَ مِثْلِهِ‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪40‬‬
‫( )‬
‫شعر حمزة بن بيض الحنفي‪ ،‬ص ‪400‬‬
‫‪297‬‬

‫وترى الكريم يراحُ كالمختال‬ ‫بَهرْتَهُ‬ ‫سَألْتَ‬ ‫إذا‬ ‫اللئيمَ‬ ‫إنَّ‬


‫( )‬
‫ت كَرَاشحِ األوشالِ‬
‫ض الفُرَا ِ‬
‫في َ‬ ‫وإِذا عدلتَ به رجاالً لم تجدْ‬
‫فالتضاد الساخر تمثل في (اللئيم – الكريم)‪( ،‬بهرته‪-‬يراح)‪( ،‬فيض الفرات – راشح‬
‫األوشال)‪ .‬وقد تجلى من هذه الثنائيات تصوير الكريم والبخيل‪ ،‬فالبخيل حين تطلب‬
‫منه عطاء كأنك تقتضي منه ما ال طاقة له به‪ ،‬وأما الكريم إذا هزته أريحية العطاء‪،‬‬
‫فيمضي مزهواً مختاالً بنفسه‪ ،‬ورجل الكرم ال عديل له‪ ،‬فهو يفيض فيضاً كالفرات‬
‫المتدفق‪ ،‬وأما البخيل فعطاؤه يرشح كالماء القليل الناضب‪ .‬فالتضاد صوّر السخرية‬
‫من البخيل الذي يتهافت على المنع والرشح‪ ،‬وبالمقابل امتدح الكريم الذي يمضي‬
‫مسرعاً في طريق الخير والبذل والعطاء‪ ،‬فالتناقض بينهما حدد معالم السخرية‬
‫والمدح‪.‬‬
‫‪ -2‬ثنائية السيادة والتبعية‪:‬‬
‫تعكس الثنائيات الضدية الساخرة في ثنائية السيادة والتبعية حالة من الحدة‬
‫العصبية المسيطرة على الساخر‪ ،‬التي توحي بأحقيته في الزعامة من المسخور منه‪،‬‬
‫وعلى هذا فإن التضاد الساخر في هذه الثنائية يعدّ تفريغاً لغوياً صادقاً لمعاناة نفسية‬
‫واجتماعية يتجلى فيها نفي المسخور منه من المكانة البطولية‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد‬
‫جريرًا يسخر من الفرزدق في قوله‪:‬‬
‫( )‬
‫وريشُ الذنابى تابعٌ للقوادمِ‬ ‫لقد كنتَ فيها يا فرزدقُ تابعاً‬
‫فالتضاد الساخر تجلى في قوله (تابعاً – القوادم)‪ ،‬فالفرزدق في نظر جرير‬
‫تابعاً‪ ،‬ألن ريش الذنب يتبع ريش األجنحة‪ ،‬فالمتبوع هو جرير‪ ،‬والتابع هو‬
‫الفرزدق‪ ،‬وفي هذا التضاد احتقار وإقالل من أهمية الفرزدق في واقعه االجتماعي‬
‫والبطولي‪.‬‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل ‪ ،‬ص ‪8 - 82‬‬
‫( )‬
‫‪2‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫‪298‬‬

‫وعلى المنوال الساخر نفسه نجد الفرزدق يسلك التضاد الساخر القائم على ثنائية‬
‫السيادة والتبعية من خالل سخريته من البعيث المجاشعي في قوله‪:‬‬
‫وأن البعيثَ من بني عمِ سالمِ‬ ‫أبلغْ أبا داؤود أني ابن عمِّه‬
‫( )‬
‫وريش الذُّنَابى قبلَ ريشِ القوادمِ‬ ‫أتدخلُ بيتَ الملكِ من ليس أهْلَهُ‬
‫فالتضاد الساخر في قوله (ريش الذنابى)‪( ،‬ريش القوادم) يحيل على ساخر تابع‬
‫له وهو (الفرزدق) المتمثل بريش القوادم‪ ،‬ومسخور منه متبوع وهو (البعيث)‬
‫المتمثل في ريش الذنابى‪.‬‬
‫أما الحزين الكناني فيقول ساخراً من كثيّر عزة عندما حاول االنتساب إلى قبيلة‬
‫كنانة‪:‬‬
‫وأرَاقِمُ‬ ‫يُطْنِينَ ُه‬ ‫ال‬ ‫أَسَاوِدُ‬ ‫ب الذبابِ كُثَيِّراً‬
‫لقد علقتُ ُز َّ‬
‫عبيدُ العصا ما ابتلَّ في البحرِ عائمُ‬ ‫لنا‬ ‫ولكنَّكُ ُم‬ ‫ِمَّنا‬ ‫أنتُ ُم‬ ‫وما‬
‫( )‬
‫خُ َزاعَةُ أذنابٌ وأنا القوادمُ‬ ‫وقد علمَ األقوامُ أنَّ بني استِها‬
‫فالتضاد الساخر تجلى في قوله (األذناب – القوادم)‪ ،‬فبنو خزاعة الذين ينتسب إليهم‬
‫كثيِّر عزة هم األذناب‪ ،‬وأما بنو كنانة فهم القوادم وهم المتصدرون لألقوام كلها‪.‬‬
‫ومن األمثلة السابقة في هذه الثنائية يتجلى المتبوع الذليل والتابع القوي‪ ،‬كما أنَّ‬
‫التضاد الساخر في هذه الثنائية عكس فلسفتي السيادة الموحية بالقوة والشجاعة‬
‫واإلقدام‪ ،‬والتبعية الموسومة باالمتهان والذل‪ ،‬وعدم امتالكها لمؤهالت القيادة‬
‫والزعامة والسيادة‪.‬‬
‫‪-2‬المقابلة الساخرة‪:‬‬
‫المقابلة عند البالغيين "أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو معانٍ متوافقة‪ ،‬ثم بما‬
‫(‪)4‬‬
‫يقابلهما أو يقابلها على الترتيب‪ ،‬والمراد بالتوافق خالف التقابل"‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫( )‬
‫شعر الحزين الكناني‪ ،‬ص ‪07‬‬
‫(‪)4‬‬
‫القزويني‪ ،‬الخطيب‪ ،‬اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬ص ‪842‬‬
‫‪299‬‬

‫وقد تكون المقابلة في األلفاظ اللغوية‪ ،‬وقد تكون في السياق الداللي‪ ،‬ومن هذا‬
‫المنطلق فإن المقابلة ذات السياق الساخر تكون العالقة فيها "بين الطرفين المتقابلين‬
‫( )‪،‬‬
‫ولهذا فإنَّ السخرية فيها تكمن في "أبعاد‬ ‫على المستوى الداللي عالقة تضاد"‬
‫الداللة"( ) بين المعنيين المتضادين في الجمل والتراكيب‪.‬‬
‫والشاعر الساخر يستخدم المقابلة الساخرة في شعره الساخر "إلبراز التضاد بين‬
‫(‪)4‬‬
‫طرفين متقابلين بينهما نوع من التناقض"‬
‫وقد استعان الشعراء األمويون بالمقابلة الساخرة إلبراز التناقض على المستوى‬
‫االجتماعي واإلنساني والبطولي فيما بينهم وبين المسخور منهم‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار نجد جريراً يستخدم المقابلة الساخرة إلبراز التناقض بينه وبين‬
‫المسخور منه (الفرزدق) على صعيد الواقع البطولي‪ ،‬حيث يتخذ من المقابلة الساخرة‬
‫بين مهنة الحدادة التي يتهم بها الفرزدق‪ ،‬وبين حمل السالح وركوب الخيل‬
‫والفروسية التي يوصف بها جرير مادة خصبة للمقابلة الساخرة ومنها قوله‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫والكيرُ كانَ عليه غير حرامِ‬ ‫كانَ العِنانُ على أبيكَ محرّماً‬
‫(‪)2‬‬
‫وعادَ إلينا جفنه وحمائلُه‬ ‫إذا صقلوا سيفاً ضربنا بنصله‬
‫( )‬
‫ويعرفُ كفيه اإلناءُ المكتَّفُ‬ ‫ي َي ِمينُهُ‬
‫َوتُنْ ِك ُر هَ َّز المَشْ َر ِف ِّ‬
‫(‪)9‬‬
‫ك فعلُ الصيقلِ‬
‫ن القيونِ وذا َ‬
‫يا اب َ‬ ‫تصفُ السيوفَ وغيركم يَعْصَى‬
‫(‪)9‬‬
‫بها‬
‫( )‬
‫عبدالعظيم‪ ،‬محمد‪ ،‬في ماهية النص الشعري‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪ 8 2‬ه ‪ 778 -‬م) ‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫الطرابلسي‪ ،‬محمد الهادي‪ ،‬خصائص األسلوب في الشوقيات‪( ،‬تونس‪ ،‬منشورات الجامعة التونسية‪،‬‬
‫‪ 74‬م)‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫(‪)4‬‬
‫زايد‪ ،‬علي عشري‪ ،‬عن بناء القصيدة العربية الحديثة‪ ،‬ط ‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة ابن سيناء‪ 00 ،‬م) ‪ ،‬ص‬
‫‪89‬‬
‫(‪)8‬‬
‫شرح ديوان جرير ‪ ،‬ص ‪224‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المصدر السابق ص ‪842‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪49‬‬
‫(‪)9‬‬
‫المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪889‬‬
‫‪311‬‬

‫( )‬
‫قدومٌ غيرُ ثابتةِ النصابِ‬ ‫وسيفُ أبي الفرزدقِ قد عَلِمْتُم‬
‫فالمقابالت الساخرة في األبيات السابقة من خالل الثنائيات اآلتية‪:‬‬
‫جرير‪( :‬الفروسية وركوب الخيل) الفرزدق‪( :‬الحدادة والنفخ في الكير)‬
‫الفرزدق‪( :‬عمال‬ ‫جرير‪( :‬الضرب بالسيوف‪ ،‬ومحاربون‪ ،‬ومقاتلون‪ ،‬وفرسان)‬
‫صناع)‬
‫جرير‪( :‬حسن حمل السالح) الفرزدق‪( :‬حسن حمل األمتعة)‬
‫جرير‪( :‬الضرب بالسيوف) الفرزدق‪( :‬صناعة السيوف)‬
‫جرير‪( :‬سيفه السالح الثابت على ظهره وال يتحرك ألية حركة) الفرزدق‪( :‬سيفه‬
‫القدوم المهتز والمتحرك ألدنى حركة)‬
‫وفي المقابالت الساخرة السابقة تجلت لنا ثنائية القوة والضعف‪ ،‬فقوة الساخر‬
‫تكمن في‪( :‬الفروسية وحمل السيف والضرب به)‪ ،‬وضعف المسخور منه يبرز في‪:‬‬
‫(الحدادة وصناعة السيوف وحمل األمتعة)‪.‬‬
‫ويسخر األخطل من زواج األعور بن بيان التغلبي من برة بنت هاني التغلبي‪،‬‬
‫من خالل عقد مقابلة ساخرة بين المسخور منه وزوجه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫بيانِ‬ ‫بن‬ ‫األعورِ‬ ‫عندَ‬ ‫وبَرَّةُ‬ ‫وكيفَ يداويني الطبيبُ من الجَوى‬
‫( )‬
‫على بطنِ خَوْدٍ دَائِمِ الخَفقَانِ‬ ‫أتجعلُ بطناً مُنْتِنَ الرَّيحِ مُقْفَراً‬
‫فالمقابلة الساخرة تجلت في اآلتي‪:‬‬
‫بطن المسخور منه منتن الرائحة‬
‫بطن زوجة المسخور منه (الشابة الناعمة) طيبة الرائحة‬
‫فالمقابلة الساخرة بين الجسمين‪ :‬الكريه الرائحة‪ ،‬والجميل الرائحة‪ ،‬عمقت‬
‫السخرية من األعور بن بيان‪ ،‬وازداد احتقاره‪ ،‬وبيّنت عدم التكافؤ الجمالي بين‬

‫( )‬
‫المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫‪311‬‬

‫المسخور منه وزوجه‪ ،‬فالمقابلة صوّرت ما يحتمله الجسد من "البشاعة والقبح بقدر‬
‫( )‬
‫ما يحتمل من الحسن والجمال والفتنة"‪.‬‬
‫ويتخذ الفرزدق من الجسد مادة للسخرية عبر المقابلة الساخرة بين أجساد‬
‫الدارميين وأجساد الباهليين‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫) (‬
‫إذا خَبُثَتْ ريحُ العبيدِ األشَايِبِ‬ ‫بنو دارمٍ كالمسكِ ريحُ جلودِهُمْ‬
‫فالمقابلة الساخرة تجلت في جسدين هما‪:‬‬

‫جسد الدارميين (المسك) جسد الباهليين (ريح العبيد الهرمين)‬

‫أما األخطل فيجسد مكانة الرفعة والقوة للدارميين‪ ،‬ويؤصل للخسة والوضاعة‬
‫واالحتقار لقوم جرير في مقابلة ساخرة في قوله‪:‬‬

‫بني الكلبِ أَ ْثلٌ ما يُوارَى وُصُومُها‬ ‫وأنتم‬ ‫َبنُو دارمٍ نبعٌ صِال ٌ‬
‫ب‬
‫(‪)4‬‬ ‫فالمقابلة الساخرة تجلت في أن‪:‬‬
‫قوم جرير (الشجر الفاسد)‬ ‫قوم الفرزدق (الشجر الكريم)‬
‫فالسخرية تمثلت أن الدارميين يمثلون الشجر القوي الذي يصلح خشبه لصناعة‬
‫القسي والسهام‪ ،‬بينما قوم جرير يمثلون شجر األثل الرديء‪ ،‬وقد توسل األخطل بهذه‬
‫المقابلة لتصوير عجز بني الكلب (قوم جرير)‪ ،‬وشدة الدارميين وقوتهم‪.‬‬
‫أما جرير فيصور في مقابلة ساخرة تباطؤ قوم الفرزدق لتلبية دعوة الزبير‪،‬‬
‫وسرعتهم لتلبية دعوات الطعام وأكل الخزير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫لَوْ سُمْتَهُمْ جُحَفَ الخزيرِ لثَارُوا‬ ‫ودعَا الزبيرُ فما تحركَتِ الحُبى‬

‫( )‬
‫النخيلي‪ ،‬آمال‪ ،‬شعرية الجسد في الشعر العربي القديم من الجاهلية إلى القرن الثاني‪ ،‬ط ‪(،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫‪ 0‬م) ‪ ،‬ص ‪824‬‬ ‫الكتاب اللبناني ‪+‬دار الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة‪ 844 ،‬ه ‪-‬‬
‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫(‪)8‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 04‬‬
‫‪312‬‬

‫فالمقابلة الساخرة تجلت في تصوير قوم الفرزدق في وضعيتين متناقضتين تتمثل‬


‫في‪:‬‬
‫دعوة الزبير لقوم الفرزدق لنصرته ثبات الحبى عدم الحركة (سيطرة التخاذل‬
‫عليهم)‪.‬‬
‫دعوة قوم الفرزدق للطعام ترك الحبى االنطالق مسرعين إلى األكل‪.‬‬
‫فالمقابلة الساخرة صورت التعيير بالحبى والشراهة في األكل عند قوم الفرزدق‪.‬‬
‫‪-3‬التورية الساخرة‪:‬‬
‫( )‬
‫التورية وهي "أن يطلق لفظ له معنيان‪ :‬قريب‪ ،‬وبعيد‪ ،‬ويراد به البعيد منهما"‬
‫‪ ،‬والتورية أن يتم التعبير عنها بكلمة واحدة تتضمن فكرتين منفصلتين‪ ،‬إحداهما قريبة‬
‫للقارئ والمتلقي‪ ،‬يستحضرانها بطريق الذهن أو الحواس عند قراءتهما لها‪ .‬وأما‬
‫الفكرة الثانية فهي مبهمة ال تخطر على البال‪ ،‬وال يدرك المعنى المورّى به‪ ،‬إلَّا بعد‬
‫جهد‪ ،‬وإعمال فكر وروية‪.‬‬
‫والتورية تُ َع ُّد تالعباً لغوياً ألنها "تحمل اللفظ الواحد معنيين‪ ،‬فنجعل الذهن ينتقل‬
‫( )‬
‫في لحظة واحدة من معنى إلى آخر‪ ،‬وبذلك ننزع منه استجابة الضحك"‬
‫وتنشأ السخرية في التورية من خالل المعنى الثاني الذي تكون" اإلشارة اليه‬
‫(‪،)4‬‬
‫بالتلميح ليحصل بذلك التناقض بين كال المعنيين مما يثير سخرية القارئ"‬
‫فالمغالطة والتناقض في القول والمعنى أساس التورية‪ ،‬فهي" ضرب من التصلب في‬
‫(‪)8‬‬
‫السامع الذي توقع غير ما سمع‪ ،‬وفي القائل الذي نطق بغير ما ينتظر منه"‬
‫وقد استعان الشعراء األمويون في كثير من أشعارهم بالتورية الساخرة‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة ذلك قول األخطل ساخرًا من أم جرير‪:‬‬
‫( )‬
‫القزويني‪ ،‬الخطيب‪ ،‬اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬ص ‪877‬‬
‫( )‬
‫إبراهيم‪ ،‬زكريا‪ ،‬سيكولوجية الفكاهة والضحك‪ ،‬ط ‪( ،‬مصر‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪28‬‬
‫(‪)4‬‬
‫البوجديدي‪ ،‬علي‪ ،‬السخرية في أدب على الدوعاجي‪ ،‬ص ‪87‬‬
‫(‪)8‬‬
‫قزيحة‪ ،‬رياض‪ ،‬الفكاهة في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪313‬‬

‫( )‬
‫حتى نَزَعْتَ وأنتَ غيرُ مجيدِ‬ ‫ولقد شَدَدْتَ على المراغةِ سَرْجَها‬
‫المدلول األول وهو المورَّى به (المراغة) وهي األتان المعنى القريب‬

‫المدلول الثاني وهو المورَّى عنه وهي (أم جرير) المعنى البعيد‬

‫فأم جرير هي المعنى الساخر في بيت األخطل‪ ،‬فهو قد مثَّل لها بالدابة التي شَ َّد‬
‫عليها السرج‪ ،‬وخرج يعدو جرير متبارياً‪ ،‬فهي عديمة الفضائل والشرف‪ .‬ومن هذا‬
‫المنطلق فإن المراغة "القدح بها أشد‪ ،‬ألن األتان ال تمتنع من الفحول‪ ،‬ولذلك لقب‬
‫( )‬
‫األخطل أم جرير فسماها المراغة‪ ،‬أي يتمرغ عليها الرجال"‬

‫ومن التورية الساخرة أيضاً قول عمر بن أبي ربيعة ساخراً من سهيل بن عبد‬
‫الرحمن بن عوف عندما تزوج الثريا‪:‬‬

‫يلتقيانِ‬ ‫كيفَ‬ ‫اهللُ‬ ‫عمرك‬ ‫ال‬


‫سُهي ً‬ ‫الثريا‬ ‫المنكحُ‬ ‫أيها‬
‫(‪)4‬‬
‫وسهيلٌ إذا استقلَّ يماني‬ ‫استقلَتْ‬ ‫ما‬ ‫إذا‬ ‫شاميةٌ‬ ‫هي‬
‫المدلول األول‪ :‬المورّى به وهما‪ :‬سهيل‪ ،‬الثريا‪ ،‬وهما نجمان‪ ،‬وهذا هو المعنى‬
‫القريب‬

‫المدلول الثاني‪ :‬المورّى عنه‪ .‬وهما‪ :‬الثريا بنت عبد اهلل بن الحارث وسهيل بن‬
‫عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وهذا هو المعنى البعيد‪ ،‬فالمعنى الساخر تجلى في عدم‬
‫التكافؤ بين الزوجين‪ ،‬فهو يتساءل كيف للثريا وسهيل أن يتزوجا ويلتقيان‪ ،‬وبينهما‬
‫من البعد في المشاعر واألحاسيس ما بين نجمي الثريا وسهيل من حيث بعد المسافة‪،‬‬
‫ولعله يلمح أيضا إلى البعد ما بين الشاميين‪ :‬القيسيين واليمنيين‪.‬‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫( )‬
‫آزوكاي‪ ،‬د‪ .‬صالح‪ ،‬مصطلحات التخطئة الشعرية في التراث النقدي‪ ،‬ط ‪( ،‬إربد‪ ،‬عالم الكتب‪ 84 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 0 0‬م)‪ ،‬ص ‪94 -94‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬ص ‪872‬‬
‫‪314‬‬

‫أما الكميت بن زيد األسدي فيسخر من والة الحكم في العراق‪ ،‬حيث يقول‬
‫ساخراً من هشام بن عبد الملك بن مروان‪ ،‬وخالد بن عبد اهلل القسري مستخدماً‬
‫التورية الساخرة القائمة على رموز الحيوانات المفترسة في قوله‪:‬‬

‫( )‬
‫أبو جعدة العادي وعرفاءُ جَيَ َألِ‬ ‫لنا راعِيَا سوءٍ مُضِيعَانِ منهما‬
‫المدلول األول المورَّى به‪ :‬أبو جعدة وهو الذئب‪ ،‬والعرفاء وهو الضبع‪ ،‬وهذا هو‬
‫المعنى القريب‪.‬‬
‫المدلول الثاني المورَّى عنه‪ :‬أبوجعدة هشام بن عبد الملك بن مروان‪ ،‬والعرفاء‬
‫خالد بن عبد اهلل القسري‪ .‬والمعنى الساخر من هذه التورية يتجلى في أن هشاماً شُِّبه‬
‫بالذئب لظلمه وجوره على الرعية في العراق‪ ،‬وأما خالد القسري فقد شُِّبه بالضبع‬
‫لفساده ونتنه‪ ،‬فهما راعيا سوء مضيعان للرعية والدين‪.‬‬
‫ومن التورية الساخرة أيضاً ما قاله أنس بن زنيم الدؤلي ساخراً من حارثة بن‬
‫بدر الغداني عندما تولى اإلمارة على والية (سرّق) في العراق‪ ،‬حيث يقول فيه‪:‬‬
‫فكن جُرَذاً فيها تَخُونُ وتَسْرِقُ‬ ‫أحارُ بن بدرٍ قد وُلِّيتَ إمارةً‬
‫لساناً به المرءُ الهَيُوبَةُ ينطقُ‬ ‫وبَاهِ تميماً بالغنى إن للغنى‬
‫( )‬
‫فحظُّكَ من مُلْكِ العراقيين سُرَّقُ‬ ‫فال تحقِرَنْ يا حارُ شيئاً أَصَبْتَهُ‬
‫المدلول األول المورّى به‪ :‬سرَّق وهي والية في العراق‬
‫المدلول الثاني المورّى عنه‪ :‬سرّق وهي السرقة واالختالس‬
‫فالمعنى الساخر من هذه التورية تجلى في أن الساخر (أنس بن زنيم) سخر من‬
‫المسخور منه (حارثة الغداني) من خالل مسخه فأراً يقضم أموال اإلمارة التي‬
‫توالها في العراق‪ ،‬ثم حوّله من قزم خائف إلى عمالق مخيف؛ ألن األموال التي‬
‫اختلسها من أرزاق العراق‪ ،‬حوّلته من ذليل إلى عزيز‪ ،‬ومن أبكم إلى ناطق‪.‬‬

‫( )‬
‫شرح هاشميات الكميت بن زيد األسدي‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫( )‬
‫أنس بن زنيم الدؤلي‪ :‬حياته وشعره ‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫‪315‬‬

‫‪-4‬السخرية من خالل المدح المراد منه الذم‪:‬‬


‫تأتي السخرية عن طريق المدح الذي يراد منه الذم من خالل" استثناء صفة‬
‫( )‬
‫ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها"‬
‫وفي إطار هذا النمط من السخرية فإن المعنى ال يمكن صرفه إلى المدح‪،‬‬
‫وإنَّما إلى السخرية أقرب‪ ،‬بحيث" ينتج داللة تناقض مع مدلول البنية السطحية‪،‬‬
‫فيظهر مدلول آخر هو الذم"( )‪ ،‬وهو ما يفضي إلى البنية العميقة التي تحيل إلى‬
‫المعنى الساخر‪ .‬ومن أمثلة هذا النمط من السخرية قول األخطل في بني زيد الالت‪،‬‬
‫ساخرًا من عجزهم وذلهم وعبوديتهم‪:‬‬
‫ل درهمِ‬
‫وال يظلمُون الناسَ مثقا َ‬ ‫بذمةٍ‬ ‫يغدرون‬ ‫ما‬ ‫قُبَيِّلَةٌ‬
‫(‪)4‬‬
‫على طولِ أظماءَ ووجهٍ مُلَطَّمِ‬ ‫عشيةً‬ ‫إلَّا‬ ‫الماءَ‬ ‫يردون‬ ‫وال‬

‫فالبنية السطحية لهذين البيتين هي المدح بدليل أنهم (ال يغدرون‪ ،‬وال يظلمون‪ ،‬وال‬
‫يردون الماء باعتبار أنهم يقدمون الناس عليهم إيثاراً وتقديراً لهم)‪ ،‬ولكن تبرز لنا‬
‫البنية العميقة التي تدل على الذم‪ ،‬ومنها تنكشف السخرية‪ ،‬وهي أن زيد الالت هم‬
‫أناس جبناء‪ ،‬قليلو العدد بداللة التصغير (قبيِّلة)‪ ،‬وهم ذليلون‪ ،‬وعاجزون‪ ،‬وعبيد‪ ،‬فهم‬
‫ال يردون الماء إلّا عشية‪ ،‬أي في أعقاب الناس‪ ،‬بعد أن يكون العطش قد نال منهم‪،‬‬
‫ولطِّمت وجوههم على أعقار الحياض كالعبيد‪ ).‬ومن خالل كشف هذه البنية العميقة‬
‫في البيتين السابقين يتجلى لنا انقطاع الخيط الداللي للمدح‪ ،‬لتحل محله الصورة‬
‫الساخرة للمسخور منهم من خالل تحول المدح إلى الذم‪.‬‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه نجد الشاعر النجاشي الحارثي يسخر من بني‬
‫العجالن عبر سخرية المدح المراد منه الذم في قوله‪:‬‬

‫( )‬
‫القزويني‪ ،‬الخطيب‪ ،‬اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬ص ‪2 8‬‬
‫( )‬
‫سعيد‪ ،‬د‪ .‬هاني علي‪ ،‬وسائل المفارقة البديعية في شعر أبي تمام مجلة العرب‪( ،‬الرياض‪ ،‬دار اليمامة للبحث‬
‫والنشر‪ ،‬الجزء (‪ ،)8-4‬السنة(‪ ،)2‬رمضان – شوال ‪ 842‬ه ‪ -‬يوليو – أغسطس ‪ 0 8‬م)‪ ،‬ص ‪40‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫‪316‬‬

‫فعادى بني العجالن رهط ابن‬ ‫إذا اهللُ عادى أهلَ لُؤْمٍ ورقةٍ‬
‫( )‬
‫ليظلمون الناسَ حبةَ خردلِ‬
‫وال ِ‬
‫مقب‬ ‫قُبَيِّلةٌ ال يغدرون بذمةٍ‬
‫فالبنية السطحية لقول النجاشي أن بني العجالن يمتازون بعدم الغدر والظلم‪ ،‬وأما‬
‫البنية العميقة التي تدل على الذم ومنها تنكشف السخرية منهم‪ ،‬فهي أنهم قوم أذالء‪،‬‬
‫وقليلو العدد بداللة التصغير (قبيِّلة)‪ ،‬فشأنهم شأن العبيد ال يأخذون لثأرهم وحقوقهم‬
‫لضعفهم‪ ،‬ومكانتهم الهزيلة في الوسط االجتماعي‪ ،‬فضالً عن ذلهم‪ ،‬وعدم مقدرتهم‬
‫بفنون الحرب والفروسية‪.‬‬
‫‪-5‬السخرية في الهزل الذي يراد به الجد‪:‬‬
‫الهزل الذي يراد به الجد هو" أن يقصد المتكلم مدح إنسان أو ذمّه‪،‬‬
‫( )‬
‫وتقوم السخرية في بناء الهزل‬ ‫والمجون" ‪.‬‬ ‫فيخرج ذلك المقصود مخرج الهزل‬
‫الذي يراد به الجد على "إشاعة جو الفكاهة في البنية السطحية‪ ،‬وإرادة معنى الجد‬
‫وااللتزام في البنية العميقة"(‪ )4‬حيث ترتسم الترسيمة اآلتية‪:‬‬
‫المعنى السطحي الهزل‪.‬‬
‫المعنى الجدي(العميق) السخرية والذم واالحتقار‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإن الهزل يكون في الظاهر‪ ،‬وفي الباطن الجد‪ ،‬ومنه يتجلى‬
‫االحتقار والذم والسخرية من المسخور منه‪ ،‬وعلى هذا فإن هذا األسلوب الساخر‬
‫يبعث على" الضحك والتندير‪[ .. .،‬ويكون المسخور منه] أشبه بالشخصية‬
‫(‪)8‬‬
‫الكاريكاتورية"‬

‫( )‬
‫ديوان النجاشي الحارثي قيس بن عمرو‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫( )‬
‫المصري‪ ،‬ابن أبي األصبع‪ ،‬تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر والبيان وإعجاز القرآن تحقيق وتقديم‪:‬‬
‫‪ 8‬ه ‪ 772 -‬م) ص‬ ‫د‪ .‬حنفي محمد شرف‪( ،‬القاهرة‪ ،‬وزارة األوقاف ‪-‬المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪،‬‬
‫‪44‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وسائل المفارقة البديعية في شعر أبي تمام‪ ،‬ص ‪42‬‬
‫(‪)8‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬والصفحة نفسها‬
‫‪317‬‬

‫ومن أمثلة هذا النمط من السخرية قول الفرزدق ساخراً من جرير‪ ،‬عندما‬
‫يحثه على الخطبة – بعد وفاة زوجته – من إحدى األتن – أخوات أمه‪-‬‬
‫ومصاهرتهن‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ال يفوتَووكَ عنوودها اإلصْووهَارُ‬
‫أّ‬ ‫ون حريص وةٌ‬
‫ك كُلَهُو َّ‬
‫ت أمِّ و َ‬
‫ووا ُ‬
‫أخو‬
‫ك المقوودا ُر‬
‫ن أو سوويُعينُ َ‬
‫سوويكو ُ‬ ‫فاخطُبْ و ُقلْ ألبيوكَ يشوفعْ إِنَّوهُ‬
‫( )‬
‫ح خيرُهوا األبكوارُ‬
‫إن المنواك َ‬ ‫بكراً عَسَتْ بِكَ أنْ تكوونَ حَظِيَّوةً‬
‫فالمعنى السطحي الهازل في هذه األبيات يتمثل في أن الفرزدق يطلب من‬
‫جرير أن ينال امرأة من ذوي أمه‪ ،‬وهن األتن‪ ،‬فيطلب منه االستعانة بأبيه للخطبة‪،‬‬
‫ويقدم الفرزدق النصيحة لجرير بأن يقترن بإناث الحمير؛ ألنها األمتع له‪ ،‬ولكونهنَّ‬
‫يرغبن من التزوج منه‪ ،‬ويمكن إيضاح المعنى السطحي بالترسيمة اآلتية‪:‬‬
‫الخطبة من األتن وو االستعانة بوالده وو المتعة الزوجية لجرير‪.‬‬
‫المحافظة على قرابة األم وو الخطيب وو قرابة األم ‪ +‬رغبة األتن فيه‪.‬‬
‫أما المعنى العميق من هذه البنية الهازلة فيتمثل هذا الجد في النيل من‬
‫المسخور منه ومكانته اإلنسانية‪ ،‬حيث إن الفرزدق من خالل األبيات قد أخرجه من‬
‫اإلطار اإلنساني إلى اإلطار الحيواني‪ ،‬فقد جعله في عداد البهائم عندما جعل األتن‬
‫أخوات ألم جرير‪ ،‬وعندما حثّه على المصاهرة منهن باألبكار‪ ،‬فضالً عن الرغبة‬
‫الجامحة من األتن لقبول مصاهرته‪ ،‬فكل هذه الدالالت التي كشفها السياق الشعري‪،‬‬
‫أعطت وجهاً آخر لداللة األبيات المتمثل في االحتقار‪ ،‬والتندر‪ ،‬والحط من مكانة‬
‫جرير في اإلطار االجتماعي بخاصة‪ ،‬واإلنساني بعامة‪.‬‬
‫أما عمر بن أبي ربيعة فإنه يستخدم أسلوب الهزل الذي يراد به الجد بهدف‬
‫النيل من المسخور منهنَّ بإظهار العيوب الظاهرة والباطنة‪ ،‬لغرض السخرية‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪4 2‬‬
‫‪318‬‬

‫واالحتقار منهنَّ‪ ،‬حيث يقول ساخراً من النسوة القبيحات وعدم قبوله شهادتهن عند‬
‫القضاة‪:‬‬
‫في تُقى ربِّكوم وعودل القضَواءِ‬ ‫إن علوويكم‬
‫يووا قضووا َة العبووا ِد َّ‬
‫وتوووردُوا شوووهاد ًة لِنِسَووواءِ‬ ‫أن تجيووزوا وتشووهدُوا لِنِسَوواءٍ‬
‫العجووزاءِ‬ ‫فووأجيزوا شووهاد َة‬ ‫فانظروا كُولَّ ذاتِ بَووْصٍ ردَاحٍ‬
‫( )‬
‫وذاءِ‬
‫ت بالبو‬
‫ود آذن و ْ‬
‫عبوس و ًا قو‬ ‫ول عَفْووالءَ زالءَ‬
‫هلل كُو َّ‬
‫ولحووى ا ُ‬
‫فالمعنى السطحي الهازل يتمثل في مناداة عمر بن أبي ربيعة للقضاة برفض‬
‫شهادة المرأة الرسحاء والعفالء‪ ،‬وفي هذا هزل منهنَّ‪ ،‬وقبول شهادة المرأة ذات‬
‫البوص والردحاء‪ ،‬وفي ذلك إشادة بهنَّ‪.‬‬
‫أما المعنى العميق والجاد فيتجلى من خالل تحديد شهادة القضاء بمرجعيات‬
‫جديدة‪ ،‬ويظهر فيها الساخر بوصفه سلطة على القضاء‪ ،‬تنادي بتحقيق نظام الشهادة‬
‫( )‬
‫والعدالة "على أساس شروط الجمال ومقاييس الحسن‪".‬‬
‫ومن خالل النظر في األبيات السابقة فإنَّ عمر بن أبي ربيعة يؤسس مرجعية‬
‫جديدة تعيد للجسد اعتباره‪ ،‬وتبتعد عن تهميشه‪ ،‬فتجعله فاعالً في مجال يختفي فيه‬
‫وتضيع معالمه‪ ،‬وهنا تكمن الجدية في قول عمر بن أبي ربيعة باعتبار امتالء‬
‫الردف وعظم العجيزة أساساً‪ ،‬وفي هذا احتقار وذم للرسحاء والعفالء ووضعهنَّ في‬
‫ن‬
‫دائرة القبيح والمذموم‪ ،‬وقد ورد في حديث ابن عباس رضي اهلل عنه‪ :‬أربع ال يجزْ َ‬
‫في البيع وال النكاح‪ :‬المجنونة والمجذومة والبرصاء والعفالء‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإن المرأة العفالء تنتفي من دائرة الجسد المثالي والجمال‬
‫األ نثوي‪ ،‬وتنزاح إلى دائرة النقصان والعيب والوضاعة والذم‪ ،‬بسبب عدم اكتمالها‬
‫جسدياً مما يجعلها في دائرة الهامشية وهنا يتحقق الجد من الهزل في إطار هذه‬
‫السخرية‪.‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬ص ‪82 -82‬‬
‫( )‬
‫النخيلي‪ ،‬د‪ .‬آمال‪ ،‬شعرية الجسد في الشعر العربي القديم من الجاهلية إلى القرن الثاني الهجري ‪ ،‬ص‬
‫‪477‬‬
‫‪319‬‬

‫ثالثاً‪ :‬السخرية في مستوى علم المعاني‪:‬‬


‫األمر الساخر‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫( )‬
‫األمر نقيض النهي‪ ،‬وهو "طلب الفعل على وجه االستعالء واإللزام"‬
‫ويحمل األمر في داللته الكثير من المعاني‪ ،‬ومنها‪ :‬التهديد واإلهانة‪ ،‬والتحقير‪ ،‬ولهذا‬
‫فإن فعل األمر‪-‬في أصله‪-‬ال يصدر إلَّا من كان األمر فيه أقوى وأعلى من المأمور‬
‫في الغالب‪ ،‬فداللة األمر هي القوة والعلو والرفعة‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن أسلوب األمر كان عنصراً أسلوبياً بارزاً في بناء‬
‫السخرية في العصر األموي‪ ،‬الرتباط داللته المختلفة التي تتناسب مع حالة الساخر‬
‫التي‪-‬عادةً‪-‬ما تمتاز بالعلو في الرأي‪ ،‬فنفسية الساخر تكون آمارةً‪ ،‬وبالمقابل نجد‬
‫المسخور منه يكون مأموراً‪ ،‬وهو ما يتناسب مع حالة الضعف التي يراها الساخر‬
‫فيه‪.‬‬

‫والمتأمل للشعر األموي الساخر‪ ،‬يرى أنَّ الشعراء قد أكثروا من األمر الساخر‬
‫فيه‪ ،‬وذلك تهكمًا وسخرية بمن يصبون عليهم أوامرهم‪.‬‬

‫وقد درج شعراء السخرية في العصر األموي على استخدام فعل األمر بهدف‬
‫التهديد من المسخور منه‪ ،‬والتهوين من شأنه‪ ،‬وإظهار عجزه‪ ،‬وتعقبه‪ ،‬والرد عليه‬
‫في كل أفعاله‪ .‬ومن أمثلة توظيف الشعراء األمويين لفعل األمر‪ ،‬قول الفرزدق‬
‫ساخراً من جرير‪:‬‬

‫( )‬
‫إذا جمعتنا يا جري ُر المجوامعُ‬ ‫وثلهم‬
‫وي بمو‬
‫وائي فجئنو‬
‫ك آبو‬
‫وَ‬‫أولئو‬
‫فيرد عليه جرير بنبرة التهديد والقوة نفسها عن طريق األمر الساخر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪4 4‬‬
‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‪4 0‬‬
‫‪311‬‬

‫( )‬
‫س خَالُكَ بَالِغو ًا أَخَووالي‬
‫ن لَ ْي َ‬
‫أَ ْ‬ ‫ن‬
‫جِئْنِي بِخَالِكَ يا فورزدقُ وَاعْلَمَو ْ‬
‫ويستخدم عمر بن لجأ التيمي األمر الساخر لجرير‪ ،‬حيث يتجلى من فعليه التهديد‪:‬‬

‫( )‬
‫واقع ْد جرير فأنت األعق ُد الزَّمِرُ‬ ‫ألقِ العصا صَاغِراً ليس القيامُ لكم‬
‫فاألمر الساخر يزري بقوم جرير‪ ،‬ويهوِّن من شأنهم وينفي عنهم الفروسية‪ ،‬فهم‬
‫ليسوا رجال حرب وطعان‪ ،‬ويسف حينما ينعتهم بالكالب ليدلل على قلة مروءتهم‪.‬‬
‫ويكرس األخطل في تهديده الساخر لجرير عن طريق األمر الساخر‪ ،‬مستخدماً‬
‫ثنائية (القوة والعجز)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ك بَحْ ٌر مُفْعَ ٌم جَارِي‬
‫صَعْب ًا وَلَاقَا َ‬ ‫فاقعدْ جَرِيرُ فَقَودْ لَاقَيْوتَ مُطَلَّعواً‬
‫فاألمر الساخر (فاقعدْ) دَلَّ على التحقير بذاته بداللة طلب القعود‪ ،‬ولكن ما بعد‬
‫األمر الساخر جَسَّدَ ثنائية القوة والعجز‪ ،‬فالمسخور منه عاجزٌ‪ ،‬ال قدرة له على‬
‫مواجهة خصمه القوي‪ ،‬فهو بمنزلة البحر الطامي الذي يعجز عن اجتيازه‪ ،‬ويجسد‬
‫األخطل الثنائية نفسها في بيته اآلتي‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫مِنَّا السما ُء نجومُهوا وهاللُهوا‬ ‫اخسأْ إليوكَ جريورُ إنّوا معشورٌ‬
‫وتتعالى ثنائية (القوة والعجز) عند الراعي النميري‪ ،‬حيث يتحدى ساخراً‬
‫من عدي بن الرقاع من أجل الوصول إلى مكانته‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ت من عَودَدِ‬
‫ل أَبَاناً بما جَمَّعْ َ‬
‫فانق ْ‬ ‫إنْ كُنْتَ نَا ِقلَ عزي عون مَبَاءَتِوهِ‬
‫فاألمر الساخر يتحدى قوة عدي بن الرقاع لنقل جبل أبان من مكانه بما جمع من‬
‫أفراد قبيلته‪ ،‬وتعمقت السخرية واالستهزاء باستخدام أسلوب الشرط (إن‬
‫كُنْتَ‪...‬فانقلْ)‪.‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪89‬‬
‫( )‬
‫شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص‪74‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪42‬‬
‫(‪)8‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪42‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ديوان الراعي النميري‪ ،‬ص ‪97‬‬
‫‪311‬‬

‫أما جرير فهو اآلخر يستخدم ثنائية القوة والعجز المشحونة بلغة التهديد‬
‫والدحض لكل ما يروِّج له الفرزدق مستخدمًا األمر الساخر‪:‬‬
‫( )‬
‫ابش ْر بِطُولِ سَالمَ ٍة يَوا مَرْبَوعُ‬ ‫زَعَمَ الفرزدقُ أنْ سَويَقْتُلُ مَرْبَعواً‬
‫ومن النمط الساخر القائم على سلب الرجولة قول كعب بن معدان األشقري ساخرًا‬
‫من الحجاج بن يوسف عندما حضر رسوله لألشاقرة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫( )‬
‫ك كل غَرِيور ٍة ومُعْطَوارِ‬
‫وعلي َ‬ ‫فَ َدعِ الحُو ُروبَ لِشَويْبِها وشَوبَابِهَا‬
‫أما حطان بن عمران فهو اآلخر يسخر من الحجاج بن يوسف‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ن الكوافِ ِر‬
‫واعمدْ بمنزل ِة الجبوا ِ‬ ‫حيْ معصو ٍر‬
‫ألقِ السِّالحَ وخُذْ وِشَا َ‬
‫فأفعال األمر الساخرة (ألقِ‪ ،‬خُذْ‪ ،‬اعمدْ) صورت ثنائية (األخذ والعطاء) عند‬
‫حطان بن عمران‪ ،‬فهو قد سلب من الحجاج صفات البطولة والشجاعة بداللة األمر‬
‫(ألقِ السالح)‪ ،‬كما نفى عنه الرجولة بداللة الفعل (خذْ وشاحي معصر)‪ ،‬وغمزه في‬
‫إسالمه (اعمدْ بمنزلة الجبان الكافر)‪ ،‬لقد حجب عن الحجاج الخصال الحميدة ورماه‬
‫بثالث معينة وهي (الجبن‪ ،‬واألنوثة‪ ،‬والكفر)‪.‬‬
‫ومن صور األمر الساخر الدال على اإلهانة للمسخور منه قول جرير لبني‬
‫نمير‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ت وال كالبَوا‬
‫فال كعبو ًا بَلَغْو َ‬ ‫فَغُضَّ الطَّرفَ إنوكَ مون نميورٍ‬
‫لقد سمَّت العرب هذه القصيدة الفاضحة؛ ألنّها أخزت بني نمير‪ ،‬ونالت من‬
‫شرف القبيلة بين أحياء العرب وشاع البيت وأصبح مادة للسخرية من النميريين‪.‬‬
‫أما الكميت بن زيد األسدي فيسخر من بني قضاعة عبر األمر الساخر الدال‬
‫على الجدع وهو بتر األنف‪ ،‬وفي هذا ما يوحي بالذل والهوان فيهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪484‬‬
‫( )‬
‫‪8‬‬ ‫شعراء أمويون‪ ،‬القسم الثاني‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر الخوارج‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫(‪)8‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪92‬‬
‫‪312‬‬

‫( )‬
‫ت علوى يوو ٍم بِمَجْودِ‬
‫وال فَازَ ْ‬ ‫ف‬
‫فج ّدعْ مون قُضَواعَةَ كُولَّ أنو ٍ‬
‫ويسخر الحكم بن عبدل األسدي من محمد بن حسان التميمي من خالل طلب‬
‫زوجته دية منه بسبب رائحة فمه الكريهة التي قتل بها زوجته حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫وجيئي إلى بابِ األمي ِر فخاصمي‬ ‫ن لكِ عدةً‬
‫خُذي ديَّةً منه تَكُ ْ‬
‫ويأتي األمر الساخر أيضا للداللة على االستخفاف بالمأكل الدوني الذي ال يصلح‬
‫لإلنسان‪ ،‬وفي هذا يقول األخطل‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫ل المفَواقِرِ‬
‫ل أَ ْه َ‬
‫ُس اللي َ‬
‫ت يَع ُّ‬
‫يبي ُ‬ ‫كُلوا الكلبَ وابنَ العيورِ والبواق َع‬
‫الوووووووووووووووذي الساخر للسخرية من مهنة الرعي حيث يقول‬
‫كما يستلهم األخطل األمر‬
‫لجرير‪:‬‬

‫(‪)8‬‬
‫ك في الخَال ِء ضَوالال‬
‫ك نفسُ َ‬
‫منّت َ‬ ‫فانعقْ بضأنِكَ يوا جريورُ فإنّموا‬
‫وفي إطار الهندسة اإليقاعية لفعل األمر الساخر نجد الشعراء يبرزون هندسة‬
‫األوامر المتوالية تهكماً بالمسخور منه‪ ،‬ومن أمثلة األوامر المتوالية قول سراقة‬
‫البارقي ساخراً من جرير‪:‬‬

‫يومَ الحسوابِ العتوقُ والتحريورُ‬ ‫إن خي و َر صَ ونِيعَةٍ‬


‫ورِّ ْر كليب وًا َّ‬
‫حَو‬
‫وكورُ‬
‫ت شو‬
‫وي إن فَعَلْ و َ‬
‫وي وربو‬
‫إنّو‬ ‫هَبْ لوي وَلَواهُم أَو ألدنوى دارم‬
‫ن إبوواقَهُم محووذورُ‬
‫تبقووى فووإ ّ‬ ‫اضربْ عليهم في الجواعرِ حَلْقَوةً‬
‫وورُ‬
‫ورَّةً ويجو‬
‫والحك و ُم يَقْصِ ودُ مَو‬ ‫أَبْلِووغْ تميمووًا غثَّهووا وسوومينَها‬
‫(‪)2‬‬
‫عفْوًا وَغُودِرَ في الغبا ِر جريورُ‬
‫َ‬ ‫ت حلباتُووهُ‬
‫أَنَّ الفوورزدقَ بَوورَزَ ْ‬

‫( )‬
‫شعر الكميت بن زيد األسدي‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪48‬‬
‫(‪)8‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ديوان سراقة البارقي‪ ،‬ص ‪2 -20‬‬
‫‪313‬‬

‫فتكرار أفعال األمر (حررْ‪ ،‬وهَبْ‪ ،‬واضربْ‪ ،‬وابلغْ) يعمق السخرية والهوان‬
‫والذل في المسخور منه‪.‬‬

‫أما جرير فيستغل دالالت فعل األمر الساخر في سياق تعرية الخصم وتحقيره‪،‬‬
‫حيث يلمح فيها القارئ لهذه السخرية الالذعة على نحو ما تكون صوراً للتندر‬
‫والتفكه‪ ،‬يتوالى فيها أفعال األمر الساخرة بصورة هندسية جذابة للقارئ في قوله‪:‬‬

‫ك ال تُفْسِوودِ‬
‫ح مَتَاعَوو َ‬
‫وَأَصْوولِ ْ‬ ‫فَرَقِّع ْلِجِودِّكَ أكْيَوارَهُ‬
‫( )‬
‫وَوَسِّ ْع لِكِيورِكَ فِوي المقْعَودِ‬ ‫وَأدْنِ العُالةَ وأدْنِ القَدُومَ‬
‫فالشكل الهندسي لمتواليات فعل األمر في قول جرير السابق‪ ،‬إنما يعمق‬
‫السخرية للفرزدق ومهنة الحدادة‪ ،‬فظاهرها نصائح إلصالح أدوات الحدادة (رقعْ‪،‬‬
‫أصلحْ‪ ،‬أدنِ‪ ،‬وسِّعْ) التي هي ثروة عظيمة عنده‪ ،‬ولكنها في الباطن سخرية الذعة من‬
‫الفرزدق ومهنته الحقيرة‪.‬‬
‫ويتجلى في أسلوب األمر الساخر تعاضده مع بعض األساليب من أجل تعميق‬
‫درجة السخرية‪ ،‬فهذا الفرزدق يأمر جريراً بجمع مساعيه ليعد العدة لمجادلته‪ ،‬ثم‬
‫يناديه بلفظ قبيح ليضعف مكانته‪ ،‬ويوهن عزيمته‪ ،‬حيث يناديه (يا مُرَبّق األحمال)‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ن مُرَبِّقِ األَحْمَوالِ‬
‫ظ يا ابْ َ‬
‫بِعُكَا ٍ‬ ‫فاجمعْ مسَاعِيَكَ القِصَارَ وَوَافِنوي‬
‫أما األخطل فيتعاضد عنده األمر الساخر مع النداء الساخر والحذف الذي يدل‬
‫على االستخفاف بالمسخور منه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ك الرَّوابيَوا‬
‫فإنَّكَ لن تَسْطيِ َع تل َ‬ ‫أصِخْ يا ابنَ ثَفْرِ الكلبِ عن آلِ َدارِ‬
‫دارمٍ‬ ‫دَارِمٍ‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪40‬‬
‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪874‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان االخطل ص ‪74‬‬
‫‪314‬‬

‫فاألخطل يسخر من جرير من أجل التخلي عن الدارميين ومجدهم فلن يستطيع‬


‫إدراكهم ومجاراتهم‪ ،‬وقد تكونت السخرية عبر األمر الساخر (أصِخْ) والمنادى‬
‫الساخر (يا ابن ثَفْرِ الكلب)‪ ،‬فضالً عن الحذف الكائن في الفعل (تستطيع) للداللة عن‬
‫العجز والضعف‪.‬‬
‫‪ –2‬االستفهام الساخر‪:‬‬
‫االستفهام هو "طلب العلم لشيء لم يكن معلوماً من قبل‪ ،‬وهو االستخبار‪.،‬‬
‫( )‬
‫‪ ..‬وطلب خبر ما ليس عندك"‬
‫واالستفهام ال يكون إال عندما يكون األمر عظيماً‪ ،‬ويهم السائل‪ ،‬ويحاول السائل‬
‫من خالله إيصال رسالة إلى المخاطب عن طريق السؤال‪.‬‬

‫وقد استفاد شعراء السخرية في العصر األموي من أسلوب االستفهام لعرض‬


‫رؤاهم المختلفة‪ ،‬لما للسؤال من أثر واضح في استثارة المخاطب‪ ،‬وتحريك ذهنه‪.‬‬

‫والمتتبع للبدايات األولى للسخرية يالحظ أن جذورها األولى كانت عند سقراط‬
‫في أثناء محاورته‪ ،‬فقد كان يطرح السؤال على محاوره بهدف الغباء في الظاهر‪،‬‬
‫وفي الباطن إنما هو محاولة الوقوع بالمحاور في السخرية‪.‬‬

‫واستعمل السؤال في الشعر الساخر سالحاً لتهزئة الخصم والزراية منه في‬
‫المناظرات والمساجالت الشعرية‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول جرير ساخراً من النميريين‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬

‫فقوود – وأبوويهم‪-‬الَقوووْا سِووبَابَا‬ ‫ب بنووو نميوورٍ‬


‫أتَلْووتَ ِمسُ السِّووبا َ‬
‫( )‬
‫فَقَ ْد أَسْمَعْتَ فاسوتم ِع الجوابَوا‬ ‫أَتَيْعَرُ يا ابن بَورْ َوعَ مون بَعِيودٍ‬

‫) )مطلوب ‪ ،‬د‪ .‬أحمد ‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها ‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪4‬‬ ‫(‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪97 ،9‬‬
‫‪315‬‬

‫فجرير عبر في سؤاليه السابقين للراعي النميري عن حالة ازدرائه من سلوك‬


‫الراعي‪ ،‬وسخريته الالذعة منه‪ ،‬فهو يبعر كالماعز‪ ،‬يصوّت من بعيد لجبنه وخوفه‪،‬‬
‫فيبتعد عن المواجهة المباشرة‪ ،‬وااللتحام في المعركة مع الخصوم فاالستفهام الساخر‬
‫حطَّ من مكانته اإلنسانية‪ ،‬وأنزله إلى مصاف الحيوانات (الماعز)‪.‬‬
‫ويخاطب زياد األعجم بسؤاله إلى عبد اهلل بن زيد البصري المكنى بأبي قالبة‬
‫الجرمي‪ ،‬عندما قال‪ :‬من هذا العلج؟‪ ،‬فقال‪ :‬زياد ساخراً منه ومن سؤاله الهازل‬
‫والمستخف منه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫هلل آخوو َر آخوو ِر‬
‫قا ِ‬‫بقيَّوو َة خلوو ِ‬ ‫قَضَى اهللُ خَلْقَ الناسِ ثُومَّ خُلِقْوتُمْ‬
‫ولم تدركُوا إلّوا مَودَقَّ الحَووَافِرِ‬ ‫فلم تَسْمَعُوا إلّا بمن كوان قوبلكم‬
‫وريحكم من أي ريح األعَاصِورِ؟‬ ‫فمن أنتم؟ إن نسوينا مون أنوتم؟‬
‫( )‬
‫فَطَا َر وهذا شَخْصُكم غي ُر طَائِرِ‬ ‫أأنتم أَولَى جِئْتُم مع النملِ والودَّبَا؟‬
‫فالسخرية تمثلت في التهوين من شأن قوم عبد اهلل بن زيد واحتقارهم‪ ،‬فاهلل حين‬
‫خلق الخالئق جعلهم آخر الناس‪ ،‬ال فضل لهم وال شرف‪ ،‬فهم أذلة‪ ،‬خلقهم اهلل مع‬
‫النمل والدبا ليطأهم كل حافر إذالالً لهم وتحقيراً‪ .‬ومن هذا المنطلق فإن تلك‬
‫التساؤالت التي وجهها زياد إلى أبي قالبة الجرمي يقصد من ورائها أن الجرمي‬
‫وقومه‪ ،‬قد أبطأ بهم أصلهم الدوني والوضيع‪ ،‬فلم يدركوا إلّا آثار من سبقهم‪ ،‬فعجزوا‬
‫عن اللحاق بهم‪ ،‬ولهذا وصل زياد إلى قناعة تامة ومؤكدة أن الجرمي وقومه هم‬
‫( )‬
‫َهلَ "الوصول إلى هذه الداللة من حيوية االستفهام في النص"‬
‫رعاع الناس‪ ،‬وقد س َّ‬
‫ومن دالالت االستفهام الساخر التحقير‪ ،‬وهو استصغار الشيء‪ ،‬فالسائل‬
‫عندما يسأل عن الشيء‪ ،‬وهو يعرفه فإن ذلك استخفاف وتجاهل بما كان معروفاً‬

‫( ))‬
‫شعر زياد األعجم‪ ،‬ص ‪94‬‬
‫( )‬
‫شلبي‪ ،‬د‪ .‬طارق‪ ،‬التركيب والتصوير في سورة الطور‪ ،‬مجلة الحرس الوطني‪( ،‬الرياض) العدد( ‪،) 0‬‬
‫السنة (‪ ،) 0‬محرم ‪ 8 0‬ه‪ -‬إبريل ‪ 777‬م‪ ،‬ص ‪79‬‬
‫‪316‬‬

‫لديه‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول هشام بن عبد الملك – على لسان بيت الفرزدق‪ -‬عندما‬
‫رأى زين العابدين بن الحسين بن علي في الحرم المكي‪ ،‬وهو يشق الصفوف‪،‬‬
‫فيوسع له الناس‪ ،‬ويستقبلونه ببشاشة‪ ،‬فخشي هشام أن يفتتن به أهل الشام‪ ،‬فقال‪ :‬لمن‬
‫عنده من هذا؟ مع معرفته به‪ ،‬ولكنه قصد اإلنكار‪ ،‬واالستصغار‪ ،‬واالحتقار لزين‬
‫العابدين‪ ،‬فأجابه الفرزدق‪:‬‬

‫( )‬
‫ت والعَجَومُ‬
‫ن أَنْكَرْ َ‬
‫ف مَ ْ‬
‫ب تَعْرِ ُ‬
‫العُرْ ُ‬ ‫وَلَ ْيسَ قَوْلُكَ مَنْ هَذا؟ بِضَوائِرِ ِه‬
‫فالفرزدق في بيته هذا يلجأ إلى تكثيف قضية التجاهل من هشام لزين‬
‫العابدين‪ ،‬فهو يوجه الخطاب إلى هشام‪ ،‬ويذكره أن قوله‪ :‬من هذا؟ لن يضير زين‬
‫العابدين‪ ،‬بل يضير السائل؛ ألن جهل ما هو معروف بالضرورة ليس عند العرب‬
‫فقط‪ ،‬بل عند العرب والعجم‪ ،‬فالكل يعرف قدره ومكانه وصلته ببيت النبوة‪ .‬ولهذا‬
‫يرى الناقد عبده بدوي أنَّ الدافع الرئيس لبيت الفرزدق هذا إنما جاء ليعيد "تجاهل‬
‫( )‬
‫وإلغاء اإلنسان الطيب في زمانه"‬

‫ومن االستفهام الدال على التحقير واالستخفاف بالمسخور منه‪ ،‬ما قاله الحكم بن‬
‫عبدل األسدي ساخراً من نفسه من خالل االستفهام الساخر على لسان امرأة تزوجها‬
‫من همذان فلما دخل بها‪ ،‬قالت له‪:‬‬

‫أظلتنوووي بيووووم أرونوووانِ‬ ‫ت وحووادثَتْني‬


‫فلمووا إن دخلوو ُ‬
‫حموووا ٌر ظوووالِ ٌع ومزادتوووانِ‬ ‫وقالَتْ‪ :‬ما تالدُك؟ قلتُ‪ :‬موا لوي‬
‫س متخرقوووانِ‬
‫وثوبَوووا ُمفْلِووو ٍ‬ ‫ووفٌ‬
‫ووريٌّ وأربعو وةٌ زيوو‬
‫وبوو‬
‫(‪)4‬‬
‫ودنووا عومووة متقووابالنِ‬ ‫وقطعوو ُة جُلَّوو ٍة ال تَمْوورَ فيهووا‬

‫( )‬
‫‪2‬‬ ‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫بدوي‪ ،‬د‪ .‬عبده‪ ،‬دراسات في النص الشعري‪ ،‬عصر صدر اإلسالم وبني أمية‪( ،‬القاهرة‪ ،‬دار قباء للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ 000،‬م) ص‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ .‬يوم أرونان‪ :‬يوم صعب‬ ‫‪9-‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي ‪ ،‬ص ص‬
‫‪317‬‬

‫فالسؤال الساخر انطلق من سؤال زوجه له (ما تالدك؟)‪ ،‬فكانت اإلجابة إجابةً‬
‫ساخرةً أيضاً حيث إِنَّه فقير ال يملك شيئاً إال حماراً ظالعاً‪ ،‬ومزادتين (قربتين)‪،‬‬
‫وثوبين متخرقين‪ ،‬وحصيراً منسوجاً من القصب‪ ،‬وأربعة دراهم زائفة‪ ،‬وقفة كبيرة‬
‫يتخذها للتمر‪ ،‬ولكنها خالية من التمر‪ ،‬وهكذا تجلت السخرية والتحقير واإلهانة من‬
‫خالل السؤال الساخر والجواب المماثل له في السخرية‪.‬‬
‫أما يحيى بن نوفل فهو اآلخر يسلك السؤال الساخر البن عمران البهراني الذي‬
‫ال يعرف حي (بهراء) من أحياء اليمن هو وأجداده‪ ،‬فقال مستخفاً به وبأجداده عبر‬
‫السؤال الساخر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫دُكَ كَانُوا يَودْرونَ مَوا (بَهْورَاءُ)‬ ‫أَتَرَى أنتَ يا ابنَ عِمْورانَ أجْودَا‬
‫( )‬
‫وا دواءُ‬
‫ل وإمَّو‬
‫وٌ‬‫وا بَقْو‬
‫وو إمَّو‬
‫هُو‬ ‫لَوْ سُئِلُوا مَا كَانَ بهوراءُ؟ قَوالُوا‬
‫فيحيى بن نوفل من خالل سؤاله الساخر إنما كان يصل إلى أن المسخور منه زياد‬
‫ب ن عمران البهراني وأجداده ال يعرفون تاريخهم وجغرافيتهم‪ ،‬بقدر ما أنهم كانوا ال‬
‫يعرفون إال األكل‪.‬‬
‫وفي إطار سخرية السؤال فإن الشعراء استخدموا السؤال من أجل الموازنة بين‬
‫الساخر والمسخور منه‪ ،‬من حيث المكانة االجتماعية والشرف والرفعة‪ ،‬فهذا الراعي‬
‫النميري يواز ن بينه وبين جرير عندما احتدمت المعركة الهجائية بينهما في الشعر‪،‬‬
‫فقال ساخراً من جرير من خالل سؤاله الساخر‪:‬‬
‫( )‬
‫وَكَيْفَ يُشَاتِمُ النَّواسُ الكِالبَوا؟‬ ‫رغِبْنَا عون هِجَواءِ بَنوي كُلَيْوبٍ‬
‫فالراعي هنا من خالل سؤاله الساخر وظَّف دالالت االستهجان والمسخ والدناءة‬
‫من المسخور منه‪ ،‬فقد ترفع عن هجاء جرير وقومه وصادر إنسانيتهم وحطهم في‬
‫مصاف الحيوانات تهكمًا بهم وسخري ًة منهم‪.‬‬

‫( )‬
‫يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره ص ‪94‬‬
‫( )‬
‫ديوان الراعي النميري ‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪318‬‬

‫الساخر (الراعي) وو الشاعر(اإلنسان)‬

‫المسخور منه(جرير) وو الحيوان (الكلب)‬

‫أما جرير فهو اآلخر يتخذ من السؤال الساخر نهجاً يسلكه للموازنة بينه وبين‬
‫الفرزدق‪ ،‬حيث تجلت من هذه المقارنة ثنائية (القوة والضعف)‪ ،‬و(السيادة‬
‫والعبودية)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫يَطِيرُ على لَهَازمِو ِه الشَّورَارُ‬ ‫واً‬
‫وبُ قَيْسو‬
‫وي ُم يَعِيو‬
‫وا تَمو‬
‫ن يَو‬
‫ويْ ٌ‬
‫أَقَو‬
‫فالسؤال الساخر يتجلى في تعجب جرير من افتخار الفرزدق المتحدر من‬
‫نسل القيون‪ ،‬الذي تتطاير على وجهه شرر الكير‪ ،‬فتنبعث منه رائحة كريهة‪ ،‬يعيب‬
‫على رجاالت قيس المعروفة بقوتها وشدة بأسها‪ .‬فجرير بهذا السؤال الساخر أراد‬
‫السخرية والتهكم واالستبعاد للفرزدق من ميادين البطولة والشرف وإلحاقه في‬
‫مصاف العبيد‪.‬‬
‫ويسلك الشعراء الساخرون بالسؤال مجرى التوبيخ والتقريع لمن كان نداً لهم‬
‫في المناظرات الشعرية والبطولية‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد عمر بن لجأ التيمي يسخر‬
‫من جرير من خالل عدم مقدرته على مجاراة التيميين في الشرف والصالح‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ح النَّاسِ فَاسْأله من ال َن َفرُ؟‬
‫من صَالِ ِ‬ ‫إنْ كَانَ قَالَ جَريرٌ إنَّ لي نَفَوراً‬
‫فالسؤال جاء على سبيل التحقير والتوبيخ لجرير بوجود أناس لهم الشرف‬
‫والمكانة من بني كليب بعامة‪.‬‬
‫وعلى المنوال القائم على التقريع نفسه عبر السؤال الساخر نجد البعيث‬
‫المجاشعي يقر بهوان جرير وذلّه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫( )‬
‫شعر عمر بن لجأ التيمي ص ‪74‬‬
‫‪319‬‬

‫( )‬
‫أقرَّ كوإقرا ِر الحَلِيلَو ِة للبَعْولِ‬ ‫وةٌ‬
‫وي َم خُطّو‬
‫وًا إذا سِو‬
‫ت كليبيو‬
‫و َ‬
‫أَلَسْو‬
‫فالسؤال الساخر أفاد أن الكليبي إذا وقع عليه الذل أذعن كإذعان الزوجة لزوجها‪.‬‬
‫أما الكميت بن زيد األسدي فإنه يستعين في سياق تهكمه من هشام بن عبد‬
‫الملك بالسؤال الساخر الذي يوجهه فيه إلى النظر في حالته التي هو فيها من البعد‬
‫عن كتاب اهلل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ل‬
‫على تَرْكِ ما يأتِي أَمْ القلبُ مُقْفَو ُ‬ ‫َألَو و ْم َيتَو ودَبَّ ْر آيَو و ًة َفتَدُلَّو و ُه‬
‫( )‬
‫ُطوولُ‬
‫فَحتَّا َم حَتَّوا َم العنوا ُء الم َّ‬ ‫فتلكَ والةُ السوءِ قَدْ طَالَ مُلْكُهوم‬
‫فسخرية الكميت تجلت في توبيخ الخليفة عن طريق سؤاله الساخر له لعدم‬
‫قراءته لكتاب اهلل وتدبره فيدله على الطريق القويم‪ ،‬ويكرر االستفهام الساخر في‬
‫قوله (حتام حتام) حيث دَلَّ على استبطاء زوال ملك األمويين راجي ًا الخالص منه‪.‬‬

‫أما شريك بن األعور الحارثي فيسخر من الخليفة معاوية بن أبي سفيان عن‬
‫طريق االستفهام الساخر الدال على التوبيخ والتحقير واالستخفاف به‪ ،‬عندما جرت‬
‫المحاورة بينه وبين الخليفة‪ ،‬حيث سخر الخليفة معاوية من شريك لدمامته ولقبه‪،‬‬
‫وكيف أنه ساد قومه‪ ،‬فَرَدَّ عليه شريك ساخراً‪:‬‬
‫وسَيْفِي صَارمٌ وَمَعِويَ لِسَواني‬ ‫أَيَشْتِمُنِي مُعَاوي ُة بن صَخْرٍ‬
‫(‪)4‬‬
‫ُش إلى الطَّعَوانِ‬
‫ضرَاغِمَ ٌة تَه ُّ‬
‫َ‬
‫ُووخْرٌٍ‬
‫ث‬ ‫صنٍ لُي‬
‫َوو و‬ ‫ونيمو‬
‫ذوي‬
‫و‬ ‫وئمِنْبوو‬
‫ِي‬
‫ئوولو‬
‫وَحَوْ‬
‫ويسلك بعض الشعراء في إطار سخرية األساليب اإلنشائية تعاضد أسلوبين أو‬
‫أكثر في السخرية من أجل تعميق االحتقار والزراية بالمسخور منه‪ ،‬وفي هذا الشأن‬
‫نجد جريراً يستخدم االستفهام الساخر مع النداء في أثناء سخريته من الراعي‬
‫النميري حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫شعر البعيث المجاشعي‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫شرح هاشميات الكميت بن زيد األسدي‪ ،‬ص ‪0- 27‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪. 90-‬‬ ‫أشعار أمراء الدولة األموية في المشرق ص ‪7‬‬
‫‪321‬‬

‫( )‬
‫ش الضِّوبَابَا‬
‫ل يحتر ُ‬
‫بِراعِي اإلب ِ‬ ‫فَيَووا عَجَبِووي أَتُوعِوودُنِي نُمَيوورٌ‬
‫فالسخرية تجلت في النداء مع االستفهام من فعل التحرش تجاه جرير من قبل‬
‫الراعي النميري‪ ،‬فهو بهذين األسلوبين ينفي عن بني نمير الفروسية والشجاعة‪،‬‬
‫فيجعل غاياتهم في صيد الضِّباب‪ ،‬وهذا الفعل ال يقوم به إلّا الخاملون من الرجال‪.‬‬
‫أما يزيد بن مفرغ الحميري فيسخر من زياد بن أبيه عن طريق استخدام‬
‫أسلوب االستفهام مع األمر الساخر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وا بتوأْميرِ‬
‫ت مَكْرُمَو ًة إلّو‬
‫ول نِلْو َ‬
‫هو‬ ‫فَكّرْ ففي ذاكَ إن فكَّورْتَ معتبو ٌر‬
‫( )‬
‫ش في الجَمَاهِيرِ‬
‫أن ابنَها من قُري ٍ‬
‫َّ‬ ‫ت‬
‫عاشَتْ سُمَيَّةُ ما عَاشَتْ ومَا عَلِمَ ْ‬
‫فالساخر عندما استخدم األمر (فكّرْ) قد نفى عن زياد صفة التفكير‪ ،‬والسيما أنه‬
‫يخاطب والياً‪ ،‬وفي االستفهام يعرض عليه مفارقة الزمان الذي أوصله إلى هذه‬
‫الوالية والخالفة‪ ،‬أما البيت الثاني‪ ،‬وفيه من األلم والشفقة على أم المسخور منه‪،‬‬
‫فهي قد عاشت زمناً طويالً‪ ،‬و هي ال تدري أن ابنها من قريش‪ ،‬وكان األولى أن‬
‫تكون األم هي األعرف بحقيقة ابنها‪ ،‬وفي هذا سخرية من حادثة االستلحاق‪.‬‬
‫‪-3‬النداء الساخر‪:‬‬
‫النداء هو "التصويت بالمنادى ليقبل‪ ،‬أو هو طلب إقبال المدعو إلى الداعي‬
‫(‪)4‬‬
‫بأحد حروف النداء"‬
‫ويؤدي النداء في األسلوب الخطابي دورًا داللياً مهم ًا لكونه وسيل ًة من وسائل‬
‫مخاطبة اآلخرين‪ ،‬ولهذا استغله شعراء السخرية في العصر األموي بهدف الحط‬
‫والتشهير من مكانة من ينادونه‪ ،‬ومن هنا يتجلى في أسلوب النداء الساخر كسر‬
‫القاعدة المألوفة في التعبير الندائي‪ ،‬لخروجه عن عدم دالالته على النداء الحقيقي إلى‬
‫السخرية والتندر بالمنادى‪.‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫( )‬
‫ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪80‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.4‬‬ ‫مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬ج ‪،4‬ص‬
‫‪321‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ النداء يؤدي بوساطته الساخر دالالت نفسية عميقة‪،‬‬
‫يكون لها األثر في المسخور والمتلقين‪ ،‬وبخاصة عندما تتم المناداة باأللقاب‬
‫الساخرة‪ ،‬ولهذا فإن النداء إذا أُسِيءَ استخدامه يعدُّ مستهجناً‪ ،‬و"مشعراً بالتعدي وسوء‬
‫( )‬
‫األدب وعدم المباالة بالمنادى"‬
‫وقد استغلَّ شعراء السخرية في العصر األموي الطاقة التعبيرية ألسلوب‬
‫النداء‪ ،‬فبثوا من خاللها رؤاهم التي أرادوا إيصالها إلى المسخور منه والجمهور‪،‬‬
‫والتي تنتقص من المكانة المرموقة للمسخور منه في الوسط االجتماعي‪.‬‬
‫وقد تجلى النداء الساخر في صور متعددة‪ ،‬منها مناداة المسخور منه بألقاب‬
‫ساخرة يغلب على ألفاظها ومعانيها العامية واالبتذال‪ ،‬وتحمل في طياتها االحتقار‬
‫والدونية‪ ،‬حيث وظَّف الشعراء أسماء الحيوانات‪ ،‬وأطلقوها على سبيل الكنية على‬
‫أسماء المسخور منهم مبالغة في احتقارهم وإذاللهم‪ ،‬ومن أمثلتها في الشعر األموي‬
‫‪( ،‬يا ابن المراغة) (‪( ،)4‬يا ابن الحمارة)(‪( ،)8‬يا ابن‬ ‫) (‬
‫الساخر‪( :‬يا ابن األتان‬
‫الكلب)(‪( ،)2‬يا كلبُ)( )‪.‬‬
‫وقد يكون النداء الساخر من خالل شتائم عامية مبتذلة‪ ،‬تجري ألفاظها‬
‫ومعانيها على ألسنة العامة‪ ،‬وتتناول في الغالب األمهات‪ .‬ومن أمثلتها‪( :‬يا ابن‬
‫)‪( ،‬يا ذا‬ ‫(‪0‬‬
‫الخبيثة) (‪( ،)9‬يا ابن القين) (‪( ،)4‬يا ابن الضروط) (‪( ،)7‬يا ابن شعرة)‬

‫( )‬
‫الغزالي ‪ ،‬شعيب ‪ ،‬أساليب السخرية في البالغة العربية ‪ ،‬رسالة ماجستير‪(،‬مكة المكرمة‪ ،‬جامعة أم القرى‪،‬‬
‫كلية اللغة العربية‪ ،‬قسم البالغة والنقد‪ 8 8 ،‬ه) ص ‪40‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬شعر عمر بن لجأ التيمي ‪ ،‬ص ‪90‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬ديوان األخطل ‪ ،‬ص ‪49‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ينظر‪ :‬ديوان الفرزدق ‪ ،‬ص ‪408‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪202‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬شعر الكميت بن زيد األسدي ‪ ،‬ص ‪40‬‬
‫(‪)9‬‬
‫ينظر‪ :‬شرح ديوان جرير ‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪2 0‬‬
‫(‪)7‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪282‬‬
‫(‪) 0‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫‪322‬‬

‫العباءة) ( )‪( ،‬يا ابن آكلة سالها) ( )‪( ،‬يا ابن التي حملته وهي تمتذر) (‪( ،)4‬يا ابن‬
‫ذات النكث) (‪( ،)8‬يا شرطة الشرك) (‪( ،)2‬يا ابن ثفر الكلب) ( )‪( ،‬يا ابن مضرطة‬
‫العجين) (‪.)9‬‬
‫ولهذا فإن النداء بالوضعيات السابقة الذكر إنما هو "سبابٌ عامي ّ مبتذل" (‪،)4‬‬
‫يحط من مكانة المسخور منه وقدره بين أوساط الناس كافة ً‪.‬‬

‫ويستخدم الشاعر الساخر النداء بهدف تقريع الخصم‪ ،‬والتقليل من مكانته‬


‫بين الناس في أثناء المناظرات الشعرية التي كانت تقام في سوق المربد‪ ،‬وفي أثناء‬
‫المهاجاة بينهم‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول الفرزدق ساخراً من جرير عبر ندائه ومخاطبته‬
‫بابن المراغة حيث يقول‪:‬‬

‫وارِ‬
‫وار ٍة وحمو‬
‫ن حمو‬
‫وي َ‬
‫ووكَ بو‬
‫وأبُو‬ ‫يا ابنَ المراغةِ كيفَ تطلبُ دارماً‬
‫أعناقُووه وتماحووك الخصوومانِ‬ ‫ت‬
‫يا ابنَ المراغ ِة والهجا ِء إذا التقَو ْ‬
‫(‪)7‬‬
‫ق كُولِّ عنوانِ‬
‫رفعوا عِنَاني فو َ‬ ‫يا ابنَ المراغةِ إن تَغْلِوبَ وائولٍ‬
‫فالنداء الساخر (يا ابن المراغة) فيه تقريعٌ وتهكم بجرير بين الناس بسبب ندائه‬
‫بلقب أمه‪ ،‬ومن هنا فإن دعوته بلقب أمه فيه من االحتقار واالستصغار‪ ،‬كما أنها‬
‫صورة ساخرة "تبعث على الضحك‪ ،‬وألفاظ بذيئة تجرّح العفاف" ( )‪.‬‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪294‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪274‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬شعر عمر بن لجأ التيمي ‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ينظر‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ينظر‪ :‬ديوان أعشى همدان ‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬ديوان األخطل ‪ ،‬ص ‪74‬‬
‫(‪)9‬‬
‫ينظر‪ :‬األقيشر األسدي‪ :‬أخباره وأشعاره ‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫(‪)4‬‬
‫حسين ‪ ،‬محمد ‪ ،‬الهجاء والهجاؤن في صدر االسالم ‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫(‪)7‬‬
‫ديوان الفرزدق ‪ ،‬ص ‪47 ، 40‬‬
‫‪323‬‬

‫وعلى المنوال الساخر نفسه فإن جريراً ينادي الفرزدق (يا ابن القين‪ ،‬يا ابن‬
‫نافخ الكير) ‪ ،‬وفي هذا الخطاب الندائي تقليل وانتقاص من مكانة الفرزدق‬
‫االجتماعية‪ ،‬وبخاصة أن مهنة الحدادة مهنة محتقرة‪ ،‬ومشينة لصاحبها في هيئته‪،‬‬
‫فنداؤه بهذه المهنة إنما هو هزءٌ به‪ ،‬حيث يقول جرير‪:‬‬

‫فأصبحَ ما تحمي مباحواً مودعثرا‬ ‫فَأَخْزَيْتَ يا ابنَ القينِ آلَ مُجَاشِوعٍ‬


‫( )‬
‫قُرُومِاً شَبَا أَنْيابِهوا لوم يُفَلَّولِ‬ ‫لَعَلَّكَ ترجو يا ابونَ نَوافِخِ كِيورِهِ‬
‫ولهذا يُعَدُّ نداء جرير للفرزدق ب (ابن القين‪ ،‬ابن نافخ الكير) ظاهرة أسلوبية‬
‫خطابية عبّر من خاللها جرير عن "طاقة لفظية مشحونة بسخرية الذعة‪ ،‬تشيء‬
‫بانفعاالته النفسية المتنامية نحو الفرزدق"(‪ ،)4‬ونحو مجد أجداده ومهنتهم المحتقرة‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن حضور هذه الصيغ الخطابية في النداء الساخر (يا‬
‫ابن المراغة‪ ،‬يا ابن القين‪ ،‬يا ابن نافخ كيره) وفي ثنايا الشعر السجالي بين الشعراء‬
‫إنما هو يأتي " استجابة لرغبة الشاعر في التفاف الجمهور من حوله‪ ،‬واستمالة لذلك‬
‫الجمهور من ناحية‪ ،‬ثم من قبيل التأكيد لما هو بصدده من مواقف يبثها لقومه‪ ،‬أو‬
‫ينفيها عن خصمه وقومه من ناحية أخرى" (‪.)8‬‬

‫وفي إطار السخرية القائمة على أسلوب النداء اتكأ شعراء السخرية على‬
‫تكرار النداء في صدر األبيات الشعرية‪ ،‬نظراً لما يحدثه التكرار من توازن وانسجام‬
‫في صدر األبيات‪ ،‬مما يساعد على لفت نظر القارئ إلى المدلول الساخر عن طريق‬
‫اإليقاع الصوتي الذي يحدثه تكرار النداء‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول جرير ساخراً من‬
‫الفرزدق وبني ضبة‪:‬‬

‫( )‬
‫يوسف ‪ ،‬خالد ‪ ،‬الهجاء عند جرير والفرزدق ‪ ،‬ط ‪(،‬بيروت ‪،‬مؤسسة الرحاب الحديثة ‪ 0 0 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪827 ، 88‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الرفوع‪ ،‬خليل عبد سالم‪ ،‬الفرزدق قيناً في شعر جرير‪ ،‬ص ‪29‬‬
‫(‪)8‬‬
‫التطاوي‪ ،‬عبداهلل‪ ،‬أشكال الصراع في القصيدة العربية‪ ،‬ج‪،4‬عصر بني أمية‪ ،‬ص‬
‫‪324‬‬

‫طُلْقاً وما شَو َغلَ القيوون شومالي‬ ‫يا ضَبَّ قد فَ ِرغَتْ يميني فواعلموا‬
‫كُوزاً على حَنَوقٍ وَرَهْوطَ بِلَوالِ‬ ‫ب مَواسِومي‬
‫ن تُصِيْ َ‬
‫َب عَلِّي أَ ْ‬
‫يا ض َّ‬
‫طَبْخاً يَزِيولُ مَجَوامعَ األَوْصَوالِ‬ ‫يا ضَبَّ إنّي قَدْ طَبَخْتُ مُجَاشوعًا‬
‫عَرَضاً لنبلي حين جَودَّ نضوالي‬ ‫يا ضَبَّ لوال حَيْونُكُمْ موا كُنْوتُمُ‬
‫ويالِي‬
‫وافُ صِو‬
‫مُ وتَخَمّطٌ قَطِ و ٌم يَخَو‬ ‫يا ضَوبَّ إنكوم البِكَوارُ وإنَّنوي‬
‫ووَالِي‬
‫ومي ُم مَو‬
‫و ّدَ الصو‬
‫و ٌع إِذَا عُو‬
‫تَبَو‬ ‫َب غَيْورُكُ ُم الصَّوميمُ وأنوت ٌم‬
‫يا ض َّ‬
‫مِ ْثلُ البكوارِ ضَومَمْتَها األغْفَوالِ‬ ‫يا ضَوبَّ إنّكوم لِسَوعْدٍ حِشْووَ ٌة‬
‫( )‬
‫كَضَاللِ شِيعَ ِة أَعْووَر الودَّجَّالِ‬ ‫يا ضَبَّ إنَّ هوى القُيونِ أَضَولّكُمْ‬
‫فجريرٌ قد كرر األسلوب الندائي الساخر (يا ضَبَّ) الذي شكل نمطاً مميزاً في‬
‫تشكيل هندسة القصيدة اإليقاعية‪ ،‬وأعطاها شكالً مميزاً في داللة تكرار النداء‬
‫الساخر‪ ،‬حيث أدى األسلوب الندائي الساخر (يا ضَبَّ) إلى "تفجير حس السخرية‬
‫واالستهزاء في القصيدة و فاعليته التدميرية‪ ،‬وتوجيه سهام السخرية لآلخر‪ ،‬ووصفه‬
‫بالعجز المطلق والضالل"( )‪ .‬كما أنَّ في التكرار الندائي الساخر إعالءً من قدر‬
‫الساخر‪ ،‬وحطاً من قدر المسخور منه‪.‬‬

‫ومن العرض السابق نجد أن شعراء السخرية في العصر األموي قد وظَّفوا‬


‫النداء توظيفاً فنياً واستغلوا مكانته لخدمة المعنى الساخر الذي عبروا عنه‪ ،‬من خالل‬
‫مشاعرهم التي تجسدت في النداء وداللته‪.‬‬

‫‪-4‬النهي الساخر‪:‬‬

‫النهي خالف األمر‪ ،‬وهو "طلب الكف عن الفعل على وجه االستعالء‬
‫واإللزام"(‪ ،)4‬واستخدم شعراء السخرية في العصر األموي أسلوب النهي بهدف نصح‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪89‬‬
‫( )‬
‫يوسف‪ ،‬عبدالفتاح‪ ،‬فاعلية التكرار في بنية الخطاب الشعري للنقائض‪ ،‬ص ‪80‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪،‬ج‪، 4‬ص ‪488‬‬
‫‪325‬‬

‫الساخر للمسخور منه‪ ،‬لالبتعاد عن أمرٍ ما‪ ،‬يتجلى من خالله االحتقار والضعف‪،‬‬
‫ومن ثَمَّ فإن الساخر يجد في ذلك النهي سخرية للحط من قدرات المسخور منه‪ ،‬أو‬
‫بالنصيحة التي تكون في صورة إهانةٍ واستصغارٍ له‪.‬‬

‫وقد يكون النهي الساخر ملبوساً بثوب النصح بهدف التقليل من مكانة‬
‫المسخور منه‪ ،‬ومنه قول الحكم بن عبدل األسدي ناصحاً محمد بن عمير باالبتعاد‬
‫عن الخليفة عبد الملك بن مروان‪ ،‬حتى يداوي أنفه من الرائحة النتنة التي تصدر‬
‫منه‪ ،‬فالنهي هنا لغرض السخرية من رائحة أنف المسخور منه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫حَتَّى يُدَاوِي مَا بِأَنِفكِ أهرنُ‬ ‫ن فَاكَ من األَميرِ وَنَحِّ ِه‬
‫ال تُدْ ِ‬
‫والنهي الساخر فيه استعالء وترفع‪ ،‬ألنَّ الساخر عندما يسخر بمن هو أقل منه‬
‫درجة ومنزلة‪ ،‬إنما يستخف بقدراته ويحتقر مكانته‪ ،‬ويذل شخصه من خالل األمر‬
‫المنهي عنه‪ ،‬ومن ذلك قول عمر بن لجأ التيمي ينصح جريراً باالبتعاد عن هجاء‬
‫ضبة لكونهم يمتلكون من القدرات العسكرية والقتالية ماال يمتلكه جرير‪ ،‬فقال ناهياً‬
‫له عن مهاجمتهم‪ ،‬ومن خالل هذا النهي يتجلى االحتقار واالستخفاف بجرير‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫قتلوا من الرؤساءِ مالم تقتلِ‬ ‫ال تهجُ ضبّةَ يا جريرُ فإنهم‬
‫( )‬
‫وابني هُتَيْمٍ يَوْمَ دَارَةِ مَأْسِلِ‬ ‫قتلوا شتيراً يومَ غَوْلٍ وابنه‬
‫فالساخر يعدد مآثر ضبة في مسرح العمليات العسكرية والقتالية التي خاضوها‪،‬‬
‫ومن هنا فإن عمر بن لجأ يسخر من قدرات جرير البطولية التي ال يستطيع بها‬
‫مواجهة بني ضبة فنصحه باالبتعاد عنهم‪.‬‬
‫وفي إطار النهي الساخر الذي يسعى إلى احتقار المسخور منه نجد أبا جلدة‬
‫اليشكري ينصح زياد األعجم باالبتعاد عن هجاء اليشكريين‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫( )‬
‫شعر بن عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪84 - 8‬‬
‫‪326‬‬

‫غرضاً وأنتَ عن األذى في مَعْ َزلِ‬ ‫ن‬


‫ال تهجُ يشكرَ يا زيادُ وال تك ْ‬
‫( )‬
‫عند الرجالِ ونُهْزَةً للخُتَّلِ‬ ‫فاحذرْ زيادُ وال تكُنْ ذا تُدْرَا ٍء‬
‫فالنهي الساخر قائم على التحذير من هجاء اليشكريين‪ ،‬حيث ضمن النهي النصح‬
‫ال لقبيلة يشكر‪.‬‬
‫لزياد لئلَّا يكون هدفاً سه ً‬
‫‪-5‬التمني الساخر‪:‬‬
‫التمني هو "تشهي حصول األمر المرغوب فيه [أو] هو توقع أمر محبوب في‬
‫المستقبل" ( )‪ ،‬والتمني يعكس الرغبة الجامحة لنفسية المُتَمنِّي في األمر الذي يتمناه‪.‬‬
‫وقد وظّف شعراء السخرية في العصر األموي أسلوب التمني بهدف االنتقاص‬
‫من مكانة المسخور منه بحصول األمر الذي يتمناه الساخر‪ .‬وفي هذا الشأن نجد‬
‫يزيد بن مفرغ الحميري يتمنى أمراً ساخراً‪ ،‬يسلب عباد بن زياد مكانته وهيبته عند‬
‫رعيته‪ ،‬ويتمثل هذا األمر في (اللحية)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المُسلِمِينَا‬ ‫دَوَابَ‬ ‫فَنَعْلِفَها‬ ‫أال لَيْتَ اللِّحى كَانَتْ حَشِيشَ ًا‬
‫فالمسخور منه هو أحد والة المسلمين في تلك الفترة‪ ،‬ولكن يزيد الحميري‬
‫حَوّل عبر التمني الساخر لحية الوالي إلى صورة تهكمية ساخرة‪ ،‬سلب من خاللها‬
‫شرف الوالي ووقاره‪ ،‬حيث تعمقت السخرية عندما أحال الشيء الذي يتمناه‬
‫(اللحية)‪-‬التي تُعَدُّ شرفاً ووقاراً‪-‬إلى ما هو دوني في المجتمع المتمثل بإطعام دواب‬
‫المسلمين‪ ،‬حيث أقام يزيد الحميري سخرية التمني عبر التأليف بين المقدس (اللحية)‪،‬‬
‫والمدنس (الدواب) في ثنائية (اللحية‪ ،‬الوالي)‪( ،‬الحشيش‪ ،‬الحمار)‪ .‬ومن هنا تجلى‬
‫االنتقاص من السلوك االجتماعي للمسخور منه عبر اللحية التي تدل على موضع‬
‫الشرف والعزة‪.‬‬

‫( )‬
‫شعراء أمويون‪ ،‬ص ‪429 -42‬‬
‫( )‬
‫مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪4 4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫‪327‬‬

‫أما الفرزدق فيبني عبر التمني الساخر السخرية من أم الباهلي‪ ،‬حيث رسم على‬
‫لسانها لوحة ناطقة ألمنية تدعو بها لنفسها لتتحقق‪ ،‬حتى تنجو مما هي فيه من الهم‬
‫واالبتالء‪ ،‬حيث يقول على لسانها‪:‬‬

‫أَلَا لَيْتَ أَنِّي زوجةٌ البنِ غالبِ‬ ‫ضمَّتْ بعشرين حَوْلَ ُه‬
‫تَقُولُ وقد َ‬
‫األَطَايِبِ‬ ‫الكرامِ‬ ‫ريحُ‬ ‫ولكنها‬ ‫ألرشفَ ريحاً لم تكنْ باهلي ًة‬
‫( )‬
‫إذا خَبُثَتْ ريحُ العبيدِ األَشَايِبِ‬ ‫بَنُو دَارِمٍ كالمسكِ رِيحُ جلودَهُ ْم‬
‫فالفرزدق يشير في األبيات السابقة إلى أمنية أم الباهلي ألن تكون زوجة‬
‫للفرزدق‪ ،‬وتعلو هذه األمنية في قمتها عندما تطلب شم رائحة الكرام من الدارميين‪،‬‬
‫والتخلص من روائح الباهليين الكريهة‪ ،‬فهي بهذه األمنية تسلك طريق الجمال‬
‫والحسن‪ ،‬وتهجر القبح والوضاعة في العش الزوجي‪ ،‬كما أنها بهذه األمنية تعلو من‬
‫شأن الدارميين‪ ،‬وتحط من قدر الباهليين‪ ،‬وهنا تكمن السخرية في هذه األمنية‪.‬‬

‫أما إسماعيل بن عمار األسدي فيتمنى ساخراً استبدال جاره عثمان بن درباس‬
‫‪-‬الذي لقي منه صنوف األذى واأللم‪-‬بأن تتحول دابته وبغلته وجواده إلى المجتمع‬
‫اإلنساني‪ ،‬ويتحول المسخور منه إلى مجتمع الحيوانات‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫وجوادي وحماري‬ ‫ت بِرْذَونِي وبغلي‬


‫لَيْ َ‬
‫تُ غدًا جارًا بجارِ‬ ‫ُن في الناس وأُبْ ِدلْ‬
‫ك َّ‬
‫س وإلّا بِعْتُ داري‬
‫ٍ‬ ‫جَا َر صِدْقٍ بابنِ دربا‬
‫ن أو مِنْ نزارِ‬
‫يَمَ ٍ‬ ‫ت به من‬
‫فتبدَّلْ ُ‬
‫حق الجوارِ‬
‫ُه وما ُّ‬ ‫بدالً يعرفُ ما الل‬
‫طَابَ ليلي ونهاري‬ ‫لو تبدَّلْتُ سِوا ُه‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪328‬‬

‫ُه صِغَا ٍر أو كبارِ‬ ‫واسترحنا من باليا‬


‫جميعاً في فِجَارِ‬ ‫لو جزيناهُ بها كُنَّا‬
‫( )‬
‫ت الشِّعَارِ‬
‫داخالً تح َ‬ ‫أو سَكَتْنَا كانَ ذُلَّا‬

‫فاألمنية الساخرة إلسماعيل بن عمار تجلت في تحويل حيوانات المسخور منه‬


‫إلى جيران له‪ ،‬وتحول المسخور منه عثمان بن درباس إلى مجتمع الحيوانات‪.‬‬
‫أما الحكم بن عبدل األسدي فيتمنى ساخراً لو أن األمير أطاعه لحوّل كل من‬
‫يلحن في الشعر والكتابة والكالم إلى سجن فيحبسهم فيه جراء ما اقترفوه في حق‬
‫الفصاحة والبيان والبالغة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫من كُلِّ من يكفي القصيدَ ويلح ُ‬
‫ن‬ ‫فشفيتُه‬ ‫لَيْتَ األميرَ أطاعني‬
‫باتَتْ مناخرُهُ بدهنٍ َتعْرَنُ‬ ‫كأنما‬ ‫متكورٌ يحثو الكالمَ‬
‫زمناً فأضربُ من أشاءُ وَأَسْجُنُ‬ ‫أميرَهم‬ ‫وبنى لهم سجناً فكنتُ‬
‫يمتهنون الكتابة واألدب في بالط األمير‬
‫( )‬ ‫في السخرية ممن‬ ‫فالتمني الساخر تجلى‬
‫وهم ليسوا من أهل الفصاحة والبالغة والبيان‪ ،‬لذلك تمنى أن يكون سجَّاناً يؤدبهم‬
‫ويضرب من يشاء جراء صنيعهم في حق األدب والفصاحة‪.‬‬
‫‪-6‬الدعاء الساخر‪:‬‬
‫الدعاء الذي يردده الداعون –في العادة‪-‬في دعائهم يجنح نحو الدعاء‬
‫للمخاطبين بسامي األمور الدنيوية وأدومها وأرقاها وأعالها‪ ،‬كما يتجه إلى األمور‬
‫األخروية في بعض األحيان‪ .‬ولكن الدعاء الساخر‪ ،‬وهو ما يكون على جهة الذم "في‬
‫(‪)4‬‬
‫مخالفة ظاهر اللفظ معناه"‬

‫فالدعاء الساخر هو استعمال الشاعر للعبارات النبيلة في موضوعات لم تعهد من‬


‫قبل‪ ،‬بل تكون تافهة أو مبتذلة أو مضحكة‪ ،‬وربما تحتوي على بعض العبارات‬

‫( )‬
‫شعر إسماعيل بن عمار األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫(‪)4‬‬
‫طبانة‪ ،‬د‪ .‬بدوي‪ ،‬معجم البالغة العربية‪ ،‬ط ‪ ( ،4‬جدة‪ ،‬دار المنارة‪ 804 ،‬ه ‪ 744 -‬م)‪ ،‬ص ‪02‬‬
‫‪329‬‬

‫الساخرة في تلك الدعوات‪ ،‬وأحياناً قد تكون الدعوات الجادة ولكنها في غير‬


‫موضعها في سياق الحدث‪ ،‬أو أن من توجه له تلك الدعوات الجادة ال تصلح له‪،‬‬
‫ومن أمثلة هذا قول الراعي النميري مستخفًا بجرير في قوله‪:‬‬

‫( )‬
‫إذا رعائي رَاحَتْ قبل حُطَّابِي‬ ‫هَلَّا سَأَلْتَ –هداكَ اهللُ‪-‬ما حسبي‬
‫فالدعاء في بيت الراعي النميري يهدف إلى السخرية واالحتقار للمسخور منه‪،‬‬
‫ويؤكد ضالل وعيه ورشده‪ ،‬ولهذا دعا له بالهداية والرشاد على سبيل السخرية‪.‬‬

‫ومن الدعاء الساخر ما يكون باألسلوب النبيل الفخم عن الموضوع الوضيع أو‬
‫السخيف‪ ،‬بحيث يتحول من دعاء للمخاطب إلى دعاء عليه‪ ،‬يجر له اللؤم والسخرية‪،‬‬
‫ومن أمثلة ذلك قول جرير في آل زيق عندما قبلوا الفرزدق زوجاً البنتهم (النوار)‬
‫حيث يقول‪:‬‬

‫على أنَّنِي في وَدِّ شيبانَ رَاغِبُ‬ ‫جَزَى اهللُ زِيقاً وابنَ زَيْقٍ مَلَام ًة‬
‫إلى شَرِّ ما تُهْدَى إليه الغرائبُ‬ ‫أَأَهْدَيْتَ يا زيقَ بن زِيقٍ غريب ًة‬
‫( )‬
‫مُجِيدٌ لكم لَيَّ الكتيفِ وشاعِبُ‬ ‫فَأَمْ َثلُ ما في صِهْرِكُمْ أَنَّ صِهْرَكُم‬
‫فالدعاء الساخر تمثل في أن يجازي اهلل آل زيق اللؤم والتقريع بسبب هوانهم‬
‫وانحطاطهم وإزدرائهم لكونهم أهدوا أختهم النوار للفرزدق الذي ال يحفظ عهداً‬
‫لقريب‪ ،‬وال يراعي الحرمات والذمم‪ ،‬فصهرهم ‪-‬هذا‪-‬ال يحسن إلَّا صناعة الحديد‬
‫وإصالح ه‪ ،‬وهذا ما يتنافى مع آل شيبان أصحاب الفروسية والكرم‪ ،‬فالساخر دعا‬
‫للمسخور منهم باإلهانة واللؤم‪.‬‬

‫وفي المنوال القائم على الدعاء الساخر نفسه‪ ،‬يصور جرير على لسان النوار ‪-‬‬
‫زوجة الفرزدق‪-‬دعوة مستغيثة ضارعة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ديوان الراعي النميري‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪88‬‬
‫‪331‬‬

‫وحِذَارُ‬ ‫ع‬
‫َر ٌ‬
‫تَض ُّ‬ ‫الدعاءِ‬ ‫ومع‬ ‫دعت المُصَوّرَ دعوةً مَسْمُوعةً‬
‫( )‬
‫إِعْصَارُ‬ ‫لِفَسْوه‬ ‫أحَمَّ‬ ‫قَيْناً‬ ‫عَاذَتْ بِرَبِّكَ أن يكونَ قرينُها‬
‫فجرير يسخر من الفرزدق عبر الدعاء الساخر المتخيل على لسان النوار‪،‬‬
‫وهو دعاء مشحون بالسخرية في كل لفظة مثل‪( :‬دعوة مسموعة‪ ،‬قينا‪ ،‬أحم‪ ،‬فسوه‪،‬‬
‫إعصار) ‪ ،‬فالنوار تتضرع إلى اهلل ليخلصها من خطبها الجسيم‪ ،‬ويظهر في الدعاء‬
‫الهزء من الفرزدق حيث جعلت منه قيناً أسود‪ ،‬فضالً عن تكبير صورة فسائه‬
‫فجعلته إعصارًا وهو ما يوحي بالسخرية من الفرزدق ( )‪.‬‬
‫أما حمزة بن بيض الحنفي فقد دعا ألهل قرية لم يحسنوا ضيافته عندما كان‬
‫مسافراً‪ ،‬فاضطره الليل إليها‪ ،‬فقال ساخراً من أهلها عبر دعائه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫المَغْرِبُ‬ ‫إليها‬ ‫ليالً‬ ‫فأضافني‬ ‫يممتُها‬ ‫قُرَيَّةً‬ ‫اإللهُ‬ ‫لعنَ‬
‫والحالبينَ وليسَ لي ما أحْلُبُ‬ ‫الزارعينَ وليسَ لي زرعٌ بها‬
‫وَلَعَلَّ ذاكَ الشاءَ يوماً يَجْرَبُ‬ ‫فلعلَّ ذاكَ الزرعَ يُودي أَهلُهُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ويُصِيبُ سَاكِنَها الزَّمَانُ فتَخْرَبُ‬ ‫ولعلَّ طَاعُوناً يُصِيبُ عُلُوجَها‬

‫فالدعاء الساخر تمثل في السخرية من ظاهرة البخل التي تميز بها أهل القرية‪،‬‬
‫ولذلك قال فيها ساخراً بأنها (قريّة) على سبيل التصغير واالحتقار ألهلها‪ ،‬فضالً عن‬
‫دعائه ألنعامهم بالجرب‪ ،‬ولعلوجها بالطاعون‪ ،‬والخراب ألهلها‪.‬‬
‫‪-7‬القسم الساخر‪:‬‬
‫القسم هو "اليمين‪ .. .‬أو الحلف"(‪ ،)8‬وفيه "يقصد الشاعر الحلف على شيء‬
‫فيحلف بما يكون له مدحاً‪ ،‬أو ما يكسبه فخراً‪ ،‬وما يكون هجا ًء لغيره"(‪.)2‬‬

‫( )‬
‫ديوان جرير‪ ،‬ص ‪04‬‬
‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬طه‪ ،‬د‪ .‬نعمان محمد‪ ،‬السخرية في األدب العربي‪ ،‬ص ‪79‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر حمزة بن بيض الحنفي‪ ،‬ص ‪48‬‬
‫(‪)8‬‬
‫مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪4‬‬
‫(‪)2‬‬
‫طبانة‪ ،‬د‪ .‬بدوي‪ ،‬معجم البالغة العربية‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫‪331‬‬

‫وتتعدد صيغ القسم في العربية‪ ،‬ومنها القسم بالعمر أو األب أو األم‪ .‬وفي هذا‬
‫الشأن نجد شعراء السخرية في العصر األموي قد استعملوا القسم باألب واألم بصيغ‬
‫تدل على التندر والسخرية منهما‪ ،‬ومن أنماط القسم الساخر الذي يهدف إلى‬
‫االستهجان باآلباء واحتقارهم قول األخطل ساخراً من زفر بن الحارث‪:‬‬
‫مُعَازِ‬ ‫بني‬ ‫جَدُّ‬ ‫نجَّاكَ‬ ‫لقَدْ‬ ‫عمْرٍو‬
‫لَ َعمْرُ أبيكَ يا زُفَرُ بنَ َ‬
‫ِبازي‬ ‫بجناح‬ ‫مُمْسِكٌ‬ ‫كأنكَ‬ ‫إلينا‬ ‫مُلتَفِتٍ‬ ‫غيرَ‬ ‫وركضُكَ‬
‫( )‬
‫ح َيازِ‬
‫َم الظَّعائِنُ بِانْ ِ‬
‫واله َّ‬ ‫فال وأبي هَ َوازِنَ مَا جَ ِزعْنا‬

‫فالقسم الذي استخدمه األخطل بصيغة (لعَمْ ُر أبيكَ) كان يهدف إلى االستهجان‬
‫واالحتقار من زفر وقومه بسبب هروبهم وجبنهم وحماية اآلخرين لهم‪ ،‬ومن هنا‬
‫كانت صيغة القسم بعمر أبيهم داللة على ذلهم وخوفهم‪.‬‬
‫ويستخدم جرير القسم باألب للداللة على السخرية كما في قوله‪:‬‬
‫العُقَابَا‬ ‫رَفَعُوا‬ ‫إذا‬ ‫كيربوعٍ‬ ‫فال وَأبيكَ ما ال قَيْتُ حيَّ ًا‬
‫( )‬
‫وال وُجِدَتْ مَكاسِرُهُم ْ صِلَابَا‬ ‫عُقُولٌ‬ ‫لهم‬ ‫ما‬ ‫َوأبيكَ‬ ‫وال‬
‫فالقسم باألب جاء في البيت األول للداللة على افتخار الشاعر ببني يربوع وهم‬
‫قومه‪ ،‬أما القسم في البيت الثاني فقد دلَّ على السخرية من بني عقال وهم قوم‬
‫الفرزدق‪ ،‬حيث جاء بعد القسم داللة الدونية لبني عقال وهي أنهم فاقدو العقول‪ ،‬وال‬
‫قوة لهم‪ ،‬وال عزيمة‪ ،‬فجاء القسم باألب الحتقارهم‪.‬‬
‫ومن القسم باألب للسخرية من قوة المسخور منه وعزيمته قول األخطل ساخراً من‬
‫جرير‪:‬‬
‫المِطَالَا‬ ‫يُنْظِرُكَ‬ ‫لَ ْيسَ‬ ‫عَزُوماً‬ ‫لَقَدْ جَازَيْتَ يا ابنَ أبي جري ٍر‬
‫(‪)4‬‬
‫إذا لم يأخذوا منَّا حِبَاال‬ ‫قومٌ‬ ‫يَسْطِيْعُ‬ ‫ما‬ ‫وأبيكَ‬ ‫فال‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل ص ‪70‬‬
‫( )‬
‫‪9 ،‬‬ ‫شرح ديوان جرير ‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان األخطل ‪ ،‬ص ‪88‬‬
‫‪332‬‬

‫فالقسم بأبي جرير هنا جاء على سبيل االحتقار لهم وبقوتهم الواهية التي تنهزم أمام‬
‫قوة الساخر (قوم األخطل)‪.‬‬
‫أما الفرزدق فإنه يستخدم القسم الساخر باألب واألم للداللة على االستهجان‬
‫والوضاعة لهما‪ ،‬حيث يقول ساخرًا من جرير‪:‬‬
‫أظْفَارُ‬ ‫لِبَنَانِهِ‬ ‫من‬ ‫وأَذَلُّ‬ ‫يا ابنَ المراغةِ أنتَ أَلْأَمُ من مَشَى‬
‫األحجارُ‬ ‫تُقَبَّلُ‬ ‫حيث‬ ‫أخزاكَ‬ ‫أيَّامَهُ‬ ‫أَوْ‬ ‫أباكَ‬ ‫ذَكَرْتَ‬ ‫وإذا‬
‫( )‬
‫مالٌ فيَعصِمَها وال أَيْسَارُ‬ ‫وبحقِّها وأبيكَ تُهْزَلُ ما لها‬
‫فالقسم باألب واألم جاء بهدف السخرية من حالة األب واألم بسبب الفقر‬
‫والهزال‪ ،‬وتعمقت السخرية من خالل تعاضد القسم مع االستفهام (ما لها مال‬
‫فيعصمها؟) ليصور الحالة المزرية ألم المسخور منه‪.‬‬
‫أما الحكم بن عبدل األسدي فيسخر من محمد بن عمير كاتب عبد الملك بن‬
‫مروان من خالل استحالفه بأمه الفقيرة الجديرة بالبُر وهو القمح‪ ،‬واللَّطْف وهو‬
‫اليسير من الطعام‪ ،‬أال يقترب من األمير حتى يداوي أنفه من رائحته الكريهة‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫بالبُرِ واللَّطْفِ الذي ال يخزنُ‬ ‫فبحقِّ أُمِّكَ وهي منكَ حقيقةٌ‬
‫( )‬
‫حتى يداوي ما بأنْفِكَ أهرنُ‬ ‫ح ِه‬
‫ن فاكَ من األميرِ ونَ ِّ‬
‫ال تُدْ ِ‬
‫والمتأمل لصيغ القسم السابقة باألب أو األم أو العمر ال يجد حاجة للقسم من‬
‫الشاعر الساخر‪ ،‬ألنه لم يكن " محتاجاً إلى أن يحلف‪ ،‬وما أبعد مقاماته وظروفه عن‬
‫الحلف واليمين"(‪ ،)4‬ولكن الشاعر الساخر أجرى القسم السابق مجرى السخرية‬
‫واالستهجان والتحقير واالستصغار ممن شملهم أسلوب القسم‪.‬‬

‫( )‬
‫‪4‬‬ ‫ديوان الفرزدق ‪ ،‬ص ‪، 4 4‬‬
‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي ‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫(‪)4‬‬
‫السامرائي ‪ ،‬إبراهيم ‪ ،‬من أساليب القرآن ‪ ،‬ط ‪( ،‬عمان ‪ ،‬دار الفرقان‪ 744 ،‬م ) ‪ ،‬ص ‪28‬‬
‫‪333‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫أنماط الصور الساخرة في الشعر األموي‬
‫‪334‬‬

‫أنماط الصور الساخرة‬

‫تُ َع ُّد الصورة وسيلة الشاعر في استخدام اللغة لنقل مشاعره إلى القارئ بشكل‬
‫مؤثر‪ ،‬ولهذا يرى الجاحظ أن "الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من‬
‫التصوير"( ) ومن هذا المنطلق فإن الرسم بالكلمات والتصوير باأللفاظ والعبارات في‬
‫الشعر من أكثر أساليب الخطاب الشعري قدرة على التأثير في الملتقين للشعر‪.‬‬

‫والصورة هي "طريقة جديدة للتعامل مع اللغة‪ ،‬ألنها تحولها عن نهجها‬


‫( )‪.‬‬
‫ولهذا يعمد التصوير‬ ‫الداللي العادي‪ ،‬وتزيد على قدرتها الداللية خاصة اإليحاء"‬
‫الساخر إلى تضخيم عيوب المسخور منهم وسماتهم الخلقية‪ ،‬واالتجاه إلى تشويههم‬
‫والعبث بهم‪ ،‬ورشقهم بالنقائص والمشاهد الساخرة في الحياة االجتماعية‪ ،‬ومن ثم‬
‫جعلهم عرضة لالزدراء والضحك من المتلقين‪.‬‬

‫وقد تجلت في الشعر األموي الساخر أنماط متعددة من الصور الساخرة حيث‬
‫برزت في محورين‪ :‬تمثل المحور األول في الصور المرتبطة بحسب عالقة الساخر‬
‫بالمسخور منه وقد ارتبطت بثنائيتي (الرفعة والعلو) و (الدونية والضعف) ومن‬
‫أمثلتها‪ :‬الصور التنذرية والسجالية والتهكمية والنبوغية والمقموعة‪ .‬وأما المحور‬
‫الثاني فيمثل الصور بحسب الحاسة أو الحركة أو اللون ومن أمثلتها‪ :‬الصور‬
‫السمعية والشمية والذوقية والحركية واللونية‪.‬‬

‫أ‪-‬أنماط الصور الساخرة بحسب عالقة الساخر بالمسخور منه‪:‬‬

‫‪-1‬السخرية التنذرية‪:‬‬

‫( )‬
‫الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬الحيوان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 4‬‬
‫( )‬
‫البستاني‪ ،‬د‪ .‬صبحي‪ ،‬الصورة الشعرية في الكتابة الفنية‪ ،‬األصول والفروع‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‬
‫اللبناني‪ 74 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪335‬‬

‫( )‬
‫والسخرية‬ ‫جاء في لسان العرب نذر أي حذر‪ ،‬والتنذير‪ :‬التحذير والتخويف‪.‬‬
‫التنذرية وهي التي" يراد بها الوعد والوعيد‪ ،‬حيث توحي اإلنذارات والتحذيرات‬
‫( )‬
‫بالشر القادم‪ ،‬ويأتي التنذير والتحذير للتخويف من عاقبة الوقوع في المحذور"‬
‫ويتخذ الشاعر الساخر اإلنذار أسلوباً أدبياً مميزاً ليدل به على معاني التهديد‬
‫من عواقب الوقوع في الشر بين الساخر والمسخور منه‪ ،‬وقد حملت هذه اإلنذارات‬
‫محمل الهزل والضحك والسخرية ممن تقع عليهم هذه اإلنذارات من خالل زرع‬
‫الرعب والخوف في نفسية المسخور منهم‪.‬‬
‫وقد تجلت مالمح السخرية التنذرية في كثير من النصوص الشعرية عبر‬
‫التحذيرات التي سلكها الشعراء ضد خصومهم‪ ،‬وفي هذا المجال نجد جريراً يستخدم‬
‫اإلنذار والتخويف ضد الفرزدق عندما أقسم أنه سيقتل راوية جرير (مربع)‪ ،‬حيث‬
‫يقول في تهديده ساخراً‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ابشرْ بطولِ سالمةٍ يا مَرْبعُ‬ ‫زعمَ الفرزدقُ أن سَيَقْتُلُ مربعاً‬
‫وقد تكونت السخرية التنذرية في بيت جرير من اآلتي‪:‬‬
‫ال ُمنذِر‪ :‬الشاعر(جرير)‪ ،‬المُنذَر‪ :‬الشاعر(الفرزدق)‬
‫المنذر منه‪ :‬السالمة واالطمئنان في‬ ‫مؤشر النذر‪ :‬زعم الفرزدق القتل لمربع‬
‫الحياة‪ .‬عدم االنصياع لإلنذار‪ :‬القتل‬
‫فجرير في بيته السابق لجأ إلى" الحس الفكاهي‪ ،‬والسخرية الالذعة لتكون أحد‬
‫(‪)8‬‬
‫األسلحة المشرعة في وجه الخصوم"‬
‫والمتأمل للشعر األموي يجد أن الشعراء قد استعانوا بعدة طرق في اإلنذار‬
‫والتخويف والتهكم للمسخور منهم عن طريق الشعر‪ ،‬ومن بين تلك الطرق التي‬
‫استخدمها الشعراء‪:‬‬

‫( )‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة (نذر)‬
‫( )‬
‫الفزني د‪ .‬عبدالكريم‪ ،‬مظاهر السخرية في األشعار الدرعية المغناة‪( ،‬ضمن أبحاث الفكاهة والسخرية)‪ ،‬ص‬
‫‪9‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪484‬‬
‫(‪)8‬‬
‫فشوان‪ ،‬أنور حميدو‪ ،‬فن السخرية في شعر جرير‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫‪336‬‬

‫تخويف المسخور منهم وتهديدهم بالشعر‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫تشير بعض أشعار الفرزدق أنه يرسل قصائده‪ ،‬فتحملها الركبان إلى‬
‫مختلف األصقاع والفيافي‪ ،‬فهي كالحجارة يرجم بها األعداء‪ ،‬وتسير إلى قصدها‪،‬‬
‫ال يعجزها السير في األرض‪ ،‬تسير في السهول والحزون‪ ،‬ال يثنيها شيء عن‬
‫الوصول إلى هدفها‪ ،‬تصيب األعداء‪ ،‬وتذل رقابهم وتخزيهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫إذا ما تمطَّتْ بالفالةِ ركابُها‬ ‫ستأتي على الدّهنا قصائدُ مِرْجَمٍ‬


‫لحيٍّ وال يخبُو عليها شهابُها‬ ‫قصائدُ ال تثني إذا هي أصعدَتْ‬
‫تَصَيَّحُ من حذِّ القَوافِي صِالبُها‬ ‫ن‬
‫ولو أنَّها رامَتْ صفا الحَزْ ِ‬
‫( )‬
‫من الناسِ إال ذلَّ تحتي رقابُها‬ ‫أصبحَرُتْمْتُ من حيٍّ لِأَثْأَرَ فيهم‬
‫وما‬
‫فقصائد الفرزدق هي سالح فتّاكٌ يقصف كل ما يصادفه وفي كل موقع‪ ،‬حتى إنَّ‬
‫الصخور واألراضي الغليظة إذا نزلت بها تلك القصائد تصيح مستغيثة بشدة لطلب‬
‫النجدة والمساعدة مما هي فيه‪ ،‬كما أن رقاب الناس تذل تحته‪ ،‬وفي هذا تهديد وإنذار‬
‫بالوعيد لكل من يقف ضده‪ ،‬وهو استخفاف بالمسخور منهم‪ ،‬يهدف منه الفرزدق إلى‬
‫إسكات الخصم وتخويفه‪.‬‬

‫وفي المعنى نفسه نجد األخطل يجعل من قصائده قذائف من الحجر يدمي بها رؤوس‬
‫أعدائه‪ ،‬وهو ما يوحي بأنه را ٍم ماهر يحذر من صكته باألحجار‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫أَصُكُّ بِصَخْرٍ في رؤوسِ صِمَادِ‬ ‫إنني‬ ‫أقذفُكَ ويحكَ‬ ‫فإياكَ ال‬
‫فقصائد األخطل تنزل على المسخور منه فتؤلمه‪ ،‬فتكون أشد إيالماً وقسوةً من‬
‫ضرب الصخور القوية في األماكن الغليظة المرتفعة‪ ،‬وفي هذا التهديد واإلنذار ما‬
‫يوحي بقوة األثر الذي تتركه تلك القصائد في نفوس القوم‪.‬‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪22-28‬‬
‫( )‬
‫‪4‬‬ ‫ديوان األخطل‪ ،‬ص‬
‫‪337‬‬

‫ويتكرر المعنى ذاته عند جرير‪ ،‬فقصائده أشد إيالماً من الحجارة تنزل على‬
‫رؤوس األعداء فتذلهم وتخزيهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫س مَأمُومِ‬
‫حَتَّى استدارَ بواهي الرأ ِ‬ ‫عمداً رَمَيْتُ ابنَ مكحولٍ بدامغةٍ‬
‫وقصائد جرير تذهب في اآلفاق‪ ،‬يسير بها الركبان‪ ،‬فهي كالبعير الشارد‪ ،‬تنتشر‬
‫في كل األمكنة‪ ،‬وترد مختلف المياه‪ ،‬يتناقلها الناس ويروونها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫شَرودٍ وَرُودٍ كُلَّ ركبٍ تُنَا ِزعُ‬ ‫وجهزتُ في اآلفاقِ كُلَّ قصيدةٍ‬
‫( )‬
‫ويَظْهَرْنَ في نجَدٍ وهُنَّ صَوادِعُ‬ ‫يَجُزنَ إلى نجرانَ من كانَ دُونَهُ‬
‫وفي موضع التهديد واإلنذار من خصومه نجد جريراً يستخدم قصائده‪ ،‬ويولد‬
‫منها شتى الصور التي تصيب المسخور منه‪ ،‬فتارة هي بمنزلة الحمم البركانية التي‬
‫تقذف من قمم الجبال العالية‪:‬‬

‫التهابَا‬ ‫تلتهبُ‬ ‫الكنديِّ‬ ‫على‬ ‫سَتَطْلَعُ من ذرى شُعَبَى قوافٍ‬


‫واغترابا‬ ‫أبالكَ‬ ‫ال‬ ‫ألوماً‬ ‫أعبداً حلَّ في شُعَبى غريباً‬
‫(‪)4‬‬
‫فذاقُوا النارَ واشتركوا العَذابَا‬ ‫عَوَيْتَ كما عوى لي من شَقَاهُ‬
‫وتارة يصفها بالنار الحارقة تحرق من يصطلي بلظاها‪:‬‬

‫أم يصطلون حريقَ نارٍ تَسْفَعُ‬ ‫أفينتهون وقد قضيتُ قضاءهم‬


‫(‪)8‬‬
‫والبارقيُّ وذاقَ منها البَلْتَعُ‬ ‫ذاقَ الفرزدقُ واألخيطلُ حرَّها‬
‫وهي سم ناقع تقتل خصومه من الشعراء‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫عندي مخالطُها السِّمامُ المُنْ َقعُ‪.‬‬ ‫مُرّةً‬ ‫كأساً‬ ‫للشعراءِ‬ ‫أعددتُ‬


‫مُمْقِرَا‬ ‫العشيرةِ‬ ‫ألعداءِ‬ ‫وسمّاً‬ ‫ألم أكُ نَاراً يَتَّقِي الناسُ شَرَّها‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪847‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪4 7‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪4-‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص‬
‫(‪)8‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪484‬‬
‫‪338‬‬

‫( )‬
‫ببا َبيْ مُخْدَرِ ضَرِمِ اللُّعَابِ‬ ‫سَمٍّ‬ ‫نقيعَ‬ ‫سَقَيْتُ‬ ‫وَكُلَّهُمُ‬
‫ومن الوسائل الفنية التي استخدمها الشعراء لتخويف المسخور منهم استخدامهم‬
‫ألمواج البحر الصاخبة الهدّارة‪ ،‬وفي هذا اإلطار نجد األخطل ينذر ابن حكيم السلمي‬
‫بجيوش جرارة من المقاتلين تندفع لمالقاة أعدائها كاألمواج الهادرة تجرف كل ما‬
‫يصادفها‪:‬‬

‫بقتلى أُصِيبَتْ من سُلَيْمٍ وعَامِرِ‬ ‫أال سَائلِ الجحَّافَ هَلْ هو ثائرٌ‬


‫عليكَ أَوَاذِيُّ البحورِ الزَّوَاخِرُ‬ ‫أجَحَّافُ إن تَصْطَكَّ يوماً فتصطدمْ‬
‫( )‬
‫ويَسْدَرُ منه سَاجِياً كُلُّ ن َاظِرِ‬ ‫يَصُولُ بِمَجْرٍ ليس يُحصَى عديدهُ‬
‫فاألخطل يهدد المسخور منه بأنه سيكون أسوة بالقشة الطافية على سطح األمواج‬
‫الصاخبة‪.‬‬
‫ومن الوسائل التي استخدمها الشعراء لتخويف وإنذار المسخور منهم‪ ،‬الخصي‬
‫والجدع‪ ،‬ولهذا فإنَّ سلوكهم التهديدي سيورثهم العاهة البدنية‪ ،‬مما يسبب لهم التشويه‬
‫الجسمي‪ ،‬والعجز الجنسي‪ ،‬وفقدان الرجولة‪ ،‬وفي هذا المجال نجد عمر بن لجأ ينذر‬
‫الشعراء بما فعله في جرير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫خَصَيْتُ ابنَ المراغةِ حين شَابَا‬ ‫أَنَّي‬ ‫الشعراءِ‬ ‫مبلغُ‬ ‫مَنْ‬ ‫أال‬
‫أما ابن ميّادة فيستخدم الجدع إلنذار أعدائه‪ ،‬فيبيّن لهم ما فعلوه بتميم وبكر بن‬
‫وائل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫وتغلبَ جَدَّعْنا وبكر بن وائلِ‬ ‫غَزَوْنَا تميماً فَاسْتبَحْنا نساءَها‬


‫(‪)8‬‬
‫لنا ضخمةٌ تبكي عيونَ األراملِ‬ ‫وفي كل حيٍّ من قُضاعةَ وقعةٌ‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪4 ، 20 ،484‬‬
‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪94‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫(‪)8‬‬
‫شعر ابن ميّادة‪ ،،‬ص ‪09‬‬
‫‪339‬‬

‫ومما سبق عرضه فإن استهداف الشعراء في السخرية التنذرية عن طريق‬


‫الفتك بالمسخور منهم بفعلي الخصي والجدع يسبب لهم األذى واأللم الجسمي‬
‫والنفسي‪ ،‬ألنهما ركنان أساسيان في "البنية النفسية والجسمية للعربي القديم [المتمثلة‬
‫( )‬
‫في] الرجولة واألنفة"‬
‫(‪ )2‬السخرية السجالية‪:‬‬
‫السخرية السجالية وهي التي تقوم في تشكيل بنيتها الساخرة باالعتماد على‬
‫( )‪،‬‬
‫التناظر بين اثنين أو أكثر‪ ،‬وهي تقوم أيضاً على "تعارض المعايير القيمية أدبياً"‬
‫وتُعَدُّ وسيلة فعّالة إلبراز السخرية والهزء من اآلخر في أثناء التناظر والمحاورة‪.‬‬
‫ويتضمن الخطاب السجالي الساخر عدة عناصر منها‪ :‬المرسل(الساخر)‪،‬‬
‫والمستقبل (المسخور منه)‪ ،‬والجمهور‪ ،‬والحوار‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإن السخرية السجالية تعتمد على "خطاب حجاجي يتطلع‬
‫إلى وضعية القضاء على حجة الخصم‪ ،‬إن لم يكن يتطلع إلى القضاء على الخصم‬
‫(‪.)4‬‬
‫نفسه‪ ،‬ويتجه هذا الفعل إلى الجمهور"‬
‫ويقوم الخطاب السجالي عادة بين الشعراء في المناظرات واألسواق األدبية‬
‫كسوق المربد‪ ،‬ولهذا فإنَّ الخطاب السجالي الساخر يكون آنياً‪ ،‬وال يسمح بالتفكير‪ ،‬إذ‬
‫إنَّه "يقتضي السرعة في التفكير‪ ،‬والبداهة في القول‪ ،‬وهو ما يضفي على الفضاء‬
‫(‪.)8‬‬
‫الذي يسوده الجدل طابع المتعة‪ ،‬حيث السخرية والضحك"‬
‫وقد حفل الشعر األموي بمالمح متعددة من الخطاب السجالي الساخر‪ ،‬حيث‬
‫يتجلى فيه توظيف الصور الساخرة للخصوم‪ ،‬وقد ظهر الخطاب السجالي بوضوح‬

‫( )‬
‫الهمامي‪ ،‬الطاهر‪ ،‬الشعر على الشعر‪ ،‬بحث في الشعرية من منظور شعر الشعراء على شعرهم‪ ،‬ص ‪87‬‬
‫( )‬
‫علوش‪ ،‬سعيد‪ ،‬معجم المصطلحات األدبية‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫(‪)4‬‬
‫العدواني‪ ،‬معجب‪ ،‬آليات السجال بين خطاب التقليد والحداثة في األدب السعودي‪ ،‬مجلة جامعة الطائف‪،‬‬
‫‪ 0‬م) ص ‪99‬‬ ‫(الطائف‪ ،‬المجلد( )‪ ،‬العدد( )‪ 84 ،‬ه ‪-‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الفزني‪ ،‬عبدالكريم‪ ،‬مظاهر السخرية في األشعار الدرعية المغناة‪ ،‬ص ‪97‬‬
‫‪341‬‬

‫في شعر النقائض‪ ،‬ومن أمثلته ذلك السجال الذي دار بين جرير والفرزدق حول‬
‫أفضلية كل منهما في ميدان البطولة والمعارك‪ .‬وفي هذا السجال نجد الفرزدق يبتدأ‬
‫هذا الخطاب السجالي الساخر بقوله في جرير‪:‬‬

‫وفي الودرعِ عبودٌ قود أصويبَتْ مَقَاتِلُو ْه‬ ‫جبْتُ لراعي الضوأنِ فوي حُطَمِيَّوةٍ‬
‫عِ‬
‫َ‬
‫إذا انتطقَووتْ عووب ٌء عليهووا تُعَادِلُوو ْه‬ ‫وهل تلبسُ الحبلوى السوالحَ وبطنُهوا‬
‫وي أُقَاتِلُوو ْه‬
‫أللقووي دِرْعووي موون كمو ٍّ‬ ‫أفاخَ وألقوى الودّرعَ عنوه ولوم أكونْ‬
‫وه مَفَاصِولُهْ‬
‫ن الجلو ِد منو‬
‫وزيِ دو َ‬
‫ون الخو‬
‫مو‬ ‫وى تزيلَ وتْ‬
‫ع حتو‬
‫وو ُه ال ودِّر َ‬
‫وا ألبسو‬
‫ومو‬
‫ل مَجَاوِلُوو ْه‬
‫ج تَسَووامى كالجبووا ِ‬
‫بمووو ٍ‬ ‫ض نفسَ وهُ‬
‫وا ثعلب وًا را َ‬
‫وان إلَّو‬
‫ول كو‬
‫وهو‬
‫عليوووه أعوووالي موجِوووه وَأَسَوووافِلُ ْه‬ ‫ضَغَا ضَغْوةً في البحرِ لمَّوا تَغَطْمَطَوتْ‬
‫( )‬
‫خ البحر سَاحِلُهْ‬
‫بحيثُ التقى من نَاجِ ِ‬ ‫ح مَطْرُوحووًا ورا َء غُثَائِو وهِ‬
‫وب َ‬
‫فأصوو‬
‫فر ّد عليه جرير قائال‪:‬‬

‫وجَلَاجِلُهْ‬ ‫كُرّجٍ‬ ‫وِشَاحَا‬ ‫عليه‬ ‫لُعبةٌ‬ ‫والفرزدقُ‬ ‫أداتي‬ ‫لبستُ‬


‫جريرٌ لكم بَعْلٌ وأنتم حَلَائِلُهْ‬ ‫أَعِدُّوا مع الحلي المالبَ فإنَّما‬
‫أقرَّتْ لبعلٍ بعدَ بعلٍ تُرَاسِلُهْ‬ ‫وأعطوا كما أَعْطَتْ عَوَانٌ حليلَها‬
‫يُصَاوِلُهْ‬ ‫لقرمٍ‬ ‫قردٌ‬ ‫وما‬ ‫إليَّ‬ ‫أَمِنْ سَفَهِ األحالمِ جاؤا بقردِهم‬
‫( )‬
‫وألقاهُ في الحوتِ فالحوتُ آكِلُهْ‬ ‫فَغمَّهُ‬ ‫بحرٍ‬ ‫آذيُّ‬ ‫تَغَمَّدَهُ‬
‫وإلبراز السخرية السجالية في الحوار الدائر بين (الفرزدق) و (جرير) يجدر‬
‫بنا أن نشير إلى أهم األلفاظ واألفكار التي وظَّفها جرير والفرزدق في ذكر عيوب‬
‫ومثالب اآلخر‪ .‬فالفرزدق اعتمد في تصوير مقدرته في البطولة والشجاعة من خالل‬
‫التقليل من مكانة المسخور منه‪ ،‬فالمسخور منه في نظر الفرزدق‪( :‬راعي أغنام‪،‬‬
‫وامرأة حامل تعيقها بطنها عن الحركة‪ ،‬وانهيار مفاصله بسبب ارتداء الدرع‪ ،‬خروج‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪844- 84‬‬
‫‪341‬‬

‫ريح منه نتيجة الخوف والهزيمة)‪ ،‬كما رسم الفرزدق صورة أخرى للمسخور منه‬
‫تجلت في أنَّ المسخور منه‪( :‬ثعلب حاول التحرك في موج البحر فلم يتمكن‪ ،‬فصاح‬
‫وثارت عليه األمواج الهائجة‪ ،‬فألقته على الساحل حتى مات فكانت نهايته)‪.‬‬
‫والمتأمل لصور الفرزدق الساخرة من جرير من خالل الخطاب السجالي يرى‬
‫أن الفرزدق اعتمد على تصوير جرير بالمرأة‪ ،‬وهذا يُعَدُّ انتقاص ًا من رجولته‪،‬‬
‫فينسبه إلى مجتمع اإلناث‪ ،‬ومن ثم تنتفي عنه صفة البطولة واإلقدام والشجاعة‪ ،‬كما‬
‫أنه وصفه بالثعلب‪ ،‬والثعلب فيه صفات المكر والخديعة‪ ،‬ولكنه لم يستطع تجاوز‬
‫محنته فقذفته األمواج‪ .‬ولهذا فإنَّ الفرزدق في أثناء سجاله مع جرير ينفي أن يكون‬
‫المسخور منه من رجال المعارك والحروب والفروسية‪.‬‬
‫أما جرير فقد اعتمد في سجاله الساخر مع الفرزدق من خالل تصوير‬
‫مقدرته القتالية باالعتماد على وصف المسخور منه بأنه (طفل صغير خبرته القتالية‬
‫قليلة بسبب صغر سنه‪ ،‬جرير حمل السالح والمسخور منه ال زال يلهو بلعبته في‬
‫الشارع)‪.‬‬
‫أما الصور ة الثانية التي اعتمد جرير عليها في وصف المسخور منه بأنه (امرأة‪،‬‬
‫حيث أمره بأخذ زينته وعطره كما تفعل الزوجة لزوجها‪ ،‬بل إنه يخلع عليه صفة‬
‫المرأة الثيّب التي رضيت بزوج بعد أن كانت على ذمة زوج آخر)‪.‬‬
‫أما الصورة الثالثة التي وصف بها جرير المسخور منه فهو (قرد والساخر‬
‫فحل‪ ،‬فال يستوي القرد والفحل في مجال المبارزة‪ ،‬ثم يصفه وقد غطته أمواج‬
‫البحر‪ ،‬ثم ابتلعه الحوت‪ ،‬فالحوت والبحر هو الساخر جرير‪ ،‬والغريق هو المسخور‬
‫منه وهنا تكمن نهاية الفرزدق)‪.‬‬
‫ومن خالل الخطاب السجالي الساخر بينهما تجلى لنا أن َّكالً منهما يبرز رجولته‬
‫وبطولته وشجاعته في الواقع االجتماعي‪.‬‬
‫‪342‬‬

‫ومن الخطاب السجالي الساخر ما دار بين األخطل وجرير‪ ،‬حيث ابتدأ األخطل‬
‫سجاله الساخر من جرير بسبب سعيه للحاق بالدارميين‪ ،‬فقال األخطل متهكماً من‬
‫جرير‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫حَصَانِ‬ ‫بحدجِ‬ ‫فخرتْ‬ ‫كأسيفَةٍ‬ ‫أجريرُ إنكَ والذي تَسْمُو له‬


‫الرُّعيانِ‬ ‫مع‬ ‫يربوعٌ‬ ‫أيامَ‬ ‫في دارمٍ تاجُ الملوكِ وصِهرُها‬
‫أخوانِ‬ ‫نهشالً‬ ‫الفوارسِ‬ ‫وأبا‬ ‫فَاخسأْ إليكَ كليبُ إنّ مجاشعاً‬
‫وجِرَانِ‬ ‫كَلَاكِلٍ‬ ‫بين‬ ‫جعلوكَ‬ ‫قومٌ إذا خَطَرَتْ عليكَ فحولُهم‬
‫رَجَحُوا وشَالَ أبوكَ في الميزانِ‬ ‫وإذا وضعتَ أباكَ في ميزانهم‬
‫السلطانِ‬ ‫من‬ ‫حكماً‬ ‫وَبَعَثْتُمُ‬ ‫أَحْسَابِكُم‬ ‫على‬ ‫تجاريتُمْ‬ ‫ولقد‬
‫( )‬
‫حتى يُوَازِنَ حَزْرَمٌ بِأَبَانِ‬ ‫دارماً‬ ‫توازنُ‬ ‫ال‬ ‫كليبٌ‬ ‫فإذا‬
‫فرد عليه جرير قائالً‪:‬‬

‫وتعاظمُوا ضَرْطاً على الدُّكَانِ‬ ‫ألقُوا السالحَ إليَّ آلُ عُطَاردٍ‬


‫أنْ ال تجوزَ حُكُومَةُ النَّشْوانِ‬ ‫ياذا العباءةِ إنَّ بشراً قَدْ قَضَى‬
‫إنَّ الحكومةَ في بني شَيْبانِ‬ ‫فَدَعُوا الحكومةَ لَسْتُم من أهلِها‬
‫النُّعْمَانِ‬ ‫ورايةُ‬ ‫الملوكِ‬ ‫تاجُ‬ ‫كذبَ األخيطلُ إنَّ قومي فيهُم‬
‫األبدانِ‬ ‫عواتِقَ‬ ‫يَقُدُّ‬ ‫ضرباً‬ ‫تنازلوا‬ ‫الكُمَاةُ‬ ‫إذا‬ ‫الضَّاربينَ‬
‫( )‬
‫قَابُوسُ يَعْلَمُ ذاكَ والجَوْنَانِ‬ ‫تاجَهُمْ‬ ‫الجبابرَ‬ ‫لنَسْتَلِبُ‬ ‫إنا‬
‫وإلبراز السخرية في الخطاب السجالي بين األخطل وجرير نقف عند أهم ما‬
‫جاء به األخطل في خطابه السجالي الساخر‪ ،‬حيث وصف المسخور منه (جرير)‬
‫باألمة المفتخرة بركوب مطية سيدتها‪ ،‬كما أورد مناظرة في أبياته بين الدارميين‬
‫وأجداد (جرير) حيث إنَّ الدارميين هم حملة تيجان الملوك وأصهارهم‪ ،‬وأما جدُّ‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪22 - 28‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪294 ،29‬‬
‫‪343‬‬

‫جرير فهو من الرعيان يسرح على الماشية برداء بالٍ‪ ،‬ويقيم في بيت حقير وذليل‪،‬‬
‫أما الدارميون فهم فحول وفرسان ولهذا رجّح كفتهم في شرف النسب واألصل‬
‫والشجاعة‪ .‬ولهذا يرى األخطل أنه ال يوجد توازن بين دارم وبين بني كليب حتى‬
‫يوازن جبل خزرم الصغير بجبل أبان الشاهق‪.‬‬

‫أما جرير فقد دحض خطاب األخطل من خالله دعوته الساخرة للدارميين لتسليم‬
‫سالحهم واالنصراف إلى مهنتهم الحقيرة (الحدادة)‪ ،‬كما يتعالى صوت جرير‬
‫بضرورة عدم االحتكام إلى السكران‪ ،‬وفي هذا إشارة إلى األخطل الذي يستحل‬
‫الخمر كونه نصرانياً‪ ،‬كما يكذّب جرير األخطل في الخالفة‪ ،‬فالخالفة في قومه‬
‫وكذلك فيهم راية النعمان‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ جريراً في سبيل نقض ادعاءات‬
‫األخطل يسرد بطوالت قومه وشجاعتهم عبر خبرتهم البطولية في المعارك مشيداً‬
‫بفرسانهم‪ ،‬فقد انتصروا على الملوك‪ ،‬وسلبوا تيجانهم‪ ،‬وقد شهد لهم قابوس وحسان‬
‫بانتصاراتهم في يوم طخفة‪.‬‬

‫وعلى هذا فإن الخطاب السجالي الساخر بين األخطل وجرير قد اعتمد على‬
‫تبيان بطوالت كل منهما‪ ،‬والسخرية من هزائم كل طرف وإخفاقاته في المعارك‪.‬‬

‫ومن خالل العرض السابق للحوار السجالي بين شعراء النقائض (جرير‪،‬‬
‫الفرزدق‪ ،‬األخطل)‪ ،‬نرى أنَّ هذا السجال قد جسد لوناً من ألوان العرض المسرحي‪،‬‬
‫فالمربد مكان العرض‪ ،‬وهناك الجمهور المتابع لمجريات السجال‪ ،‬فضالً عن‬
‫اإلخراج المسرحي‪ ،‬وألوان الثياب التي كان يرتديها كل شاعر إلبراز سخريته‪.‬‬
‫ولهذا يمكن القول إنَّ هذا الحوار السجالي في شعر النقائض قد أسس البدايات األولى‬
‫للمسرح العربي الذي نقل العرب في العصر األموي من البداوة إلى التحضر‪ ،‬ومن‬
‫العصبية إلى قبول اآلخر عبر هذا الحوار السجالي‪.‬‬
‫‪344‬‬

‫وتستهدف السخرية السج الية في بعض مجرياتها الحوارية الطعن الجارح الذي‬
‫يحطُّ من شأن المخاطب وشرفه‪ ،‬من خالل التصريح بعيوبه ومثالبه‪ ،‬والتشهير به‪.‬‬
‫ويمثل هذا النوع من السجال الساخر المجاراة بين ابن ميادة والحكم الخضري‬
‫المحاربي‪ ،‬حيث يقول الحكم ساخرًا من ابن ميادة وقومه‪:‬‬

‫وعيدانُنا تُغْشى على الوَ َرقِ الخُضْ ِر‬ ‫وَجَدْتَنا‬ ‫قَوْمٍ‬ ‫عيدانُ‬
‫ِ‬ ‫يَ ِبسَتْ‬ ‫إذا‬
‫البَدْ ِر‬ ‫غُرّ َة‬ ‫رأسُه‬ ‫ساوِي‬
‫يُ َ‬ ‫ِبقَرْ ٍم‬ ‫أتيتُهم‬ ‫بالقرومِ‬ ‫جاؤا‬ ‫الناسُ‬ ‫إذا‬
‫والفَخْ ِر‬ ‫المكارمِ‬ ‫وأيامُ‬ ‫عليكم‬ ‫جادُ والخَيْلُ والقَنَا‬
‫لنا الغَوْرُ واألنْ َ‬
‫من اللؤمِ خََّلاتٌ يَ ِزدْنَ على العَشْ ِر‬ ‫ن‬
‫طٍ‬‫فيا ُم َّر قَدْ أخزاكِ في كلِّ َموْ ِ‬
‫س المحاميُّ العبدُ عن حَوْ َز ِة الثَّغْ ِر‬
‫َو ِبئْ َ‬ ‫ذِ َمارِكُمْ‬ ‫حامي‬ ‫العبدَ‬ ‫أنَّ‬ ‫فمنهُنَّ‬
‫صاناً على طُهْرِ‬
‫ج َوادٍ وَلَمْ تَأتُوا حَ َ‬
‫َ‬ ‫ومنهُنَّ أَنْ لم تمسحُوا وَجْهَ سابقٍ‬
‫القَبْ ِر‬ ‫في‬ ‫وهو‬ ‫دُ َّفانه‬ ‫على‬ ‫فَ َيفْسُو‬ ‫مِنْكُ ُم‬ ‫يُدْفَنُ‬ ‫المَِّيتَ‬ ‫ن‬
‫أَ َّ‬ ‫ومنهُنَّ‬
‫والغَدْرِ‬ ‫بِالخِ َيانَةِ‬ ‫فَيُلْقَى‬ ‫َب ِرئياً‬ ‫ن الجَارَ يَسْكُنُ وسْطَكُم‬
‫ومنهُنَّ أَ َّ‬
‫الظَهْ ِر‬ ‫ب‬
‫الجَارَاتِ مُحْ َدوْ ِد َ‬ ‫إلى‬ ‫َي ِدبُّ‬ ‫مِنْكُ ُم‬ ‫يُوجَدُ‬ ‫الشَيْخَ‬ ‫ن‬
‫أَ َّ‬ ‫ومنهُنَّ‬
‫( )‬
‫ستْ دُونَها سَاحِلُ البحرِ‬
‫وإنْ هي أَمْ َ‬ ‫تَ ِبيتُ ضِ َبابُ الضَّغْنِ تَخْشَى احتراشَها‬
‫فرد عليه ابن ميادة راداً سهام الحكم الخضري إلى نحره‪ ،‬وهادماً كل ما بناه في‬
‫سخريته من قومه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫َوفاَزَتْ بِخََّلاتٍ على قَوْمِهَا عَشْرِ‬ ‫حارِبٌ‬


‫س َبقَتْ بالمُخْ ِز َياتِ مُ َ‬
‫لَقَدْ َ‬
‫حقٍ إذَا مَا احْ ِتيجَ َيوْماً إِلَى العَقْ ِر‬
‫ِل َ‬ ‫ن أَنْ لم تَعْ ِق ُروا ذاتَ ِذرْ َو ٍة‬
‫فمنهُ َّ‬
‫من الخَيْلِ يَوْماً تحتَ جُلٍّ على مُهْ ِر‬ ‫سحُوا عربيَّ ًة‬
‫ومنهُنَّ أَنْ لَمْ تَمْ َ‬
‫الحُمْرِ‬ ‫القُ َّرحِ‬ ‫فَيْشَلَ‬ ‫إلَّا‬ ‫ج َماجِمَ‬
‫َ‬ ‫س ُيوفِكُم‬
‫ومنهُنَّ أَنْ لَمْ تَضْ ِر ُبوا بِ ِ‬
‫ِإذَا اخضرَّ أَطَ َرافُ الثُّ َمامِ من القَطْ ِر‬ ‫ساءَكُم‬
‫ن الضَّأنَ كانَتْ ِن َ‬
‫ومنهُنَّ أَ َّ‬
‫تُرِيغُ الصِّبَا تَحْتَ الصَّ ِفيحِ من ال َقبْ ِر‬ ‫ب‬
‫حارِ ٍ‬
‫جوزُ مُ َ‬
‫ومنهُنَّ أَنْ كانَتْ عَ ُ‬

‫( )‬
‫‪،‬ص‬ ‫األصفهاني‪ ،‬أبو الفرج‪ ،‬األغاني‪ ،‬ج‬
‫‪345‬‬

‫( )‬
‫لَخَبَّثَ ضَاحِي جِلْدِهِ حَوْ َمةَ البَحْ ِر‬ ‫ن أَنْ لَوْ كَانَ في البَحْرِ بَعْضُكُمْ‬
‫ومنهُ َّ‬
‫من خالل الوقوف على مجريات السجال الدائر بين ابن ميّادة والحكم‬
‫الخضري‪ ،‬نجد أنَّ الحكم الخضري قد سخر من قوم ابن ميَّادة متهماً إياهم بالذل‬
‫ألنهم وكّلوا ابن ميّادة بالدفاع عنهم فهم مغلوبون‪ ،‬وهم أيضاً ال خلق لهم‪ ،‬وال أدب‬
‫عندهم‪ ،‬فهم يسرقون جيرانهم‪ ،‬ويتسللون إلى جاراتهم‪ ،‬وأنهم بسبب كثرة لؤلهم‬
‫وغدرهم فالناس يبتعدون عنهم‪ ،‬ويتقون شرهم ومكرهم‪ ،‬ولو كان البحر يتصل فيما‬
‫بينهم وبين قوم ابن ميادة‪.‬‬

‫أما ابن ميّادة فهو اآلخر اعتمد على ذكر عشر صفات ألصقها بخصمه‪ ،‬ينقض‬
‫بها ادعاء الحكم الخضري‪ ،‬حيث وصف ابن ميادة بني محارب بأنهم بخالء‪ ،‬وأنهم‬
‫مطمورون منسيون‪ ،‬وهم أذالء‪ ،‬ال يقدمون وال يؤخرون‪ ،‬حيث وصف أن رجالهم‬
‫يواطئون الضأن‪ ،‬وأن عجائزهم يتصابين وهنَّ في القبور‪ ،‬كما وصفهم بأنهم‬
‫يمتازون بالقذارة والوساخة والعفن‪ ،‬حتى لو أن أحدهم سبح في البحر ألفسد البحر‬
‫ولوَّثه برائحته الكريهة‪ .‬ولهذا فالمتأمل للخطاب السجالي الدائر بينهما يرى إشاعة‬
‫روح السخرية المرّة فيما بينهما‪.‬‬

‫ومن أمثلة الخطاب السجالي الساخر ما دار بين ثابت قطنة وحاجب الفيل عندما‬
‫كانا في حضرة المهلب بن أبي صفرة‪ ،‬حيث ابتدأ السجال حاجب الفيل‪ ،‬فقال ساخرًا‬
‫من ثابت قطنة‪:‬‬

‫جاديفِ والسكانُ مشغولُ‬


‫بينَ المَ َ‬ ‫تقضي األمورُ وبكرٌ غيرَ شاهدِها‬
‫( )‬
‫وما سواها من اآلبا ِء مجهولُ‬ ‫ما يعرفُ الناسُ منهُ غيرَ قطنتِه‬
‫فرد عليه ثابت قطنة قائالً‪:‬‬

‫( )‬
‫شعر ابن ميادة‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫( )‬
‫حاجب الفيل‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬ص ‪70‬‬
‫‪346‬‬

‫ظهْرِ‬
‫بمثلكَ هل في مازنٍ لكَ من َ‬ ‫فقلْ لي وال تكذبْ فإني عالمٌ‬
‫الزهرِ‬ ‫الحجاحجةِ‬ ‫الغرِ‬ ‫من‬ ‫أبُوكَ‬ ‫فإنكَ منهم غير شكٍ ولم‬
‫( )‬
‫سأَكْ ِرمُ نفسي عن سِ َبابِ ذَ ِوي الهَجْ ِر‬
‫َ‬ ‫ت بِ َهاجٍ ابنَ ذيبانَ ِإَّن ِني‬
‫نُ‬
‫فَلَيكسْْ‬
‫وعندما سمع حاجب الفيل قول ثابت قطنة ردَّ عليه ساخراً من قبيلته‪ ،‬ومن اليمن‬
‫عموماً‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫ل‬
‫صاوَلَةَ البُزْ ِ‬
‫ح وال تَقْ ُربْ مُ َ‬
‫تَنَ َّ‬ ‫ت‬
‫عونِي وَقَحْطَاناً وقُولُوا لِثَابِ ٍ‬
‫َد ُ‬
‫ل‬
‫ِمنْ أبناءِ قَحْطَانَ العَفَاشِلَةِ الغُرْ ِ‬ ‫سبُ وَالِداً‬
‫فللزنجِ خيرٌ حينَ تَنْ ُ‬
‫ل‬
‫أَذَلَّ على وطءِ الهَ َوانِ من النَّعْ ِ‬ ‫أناسٌ إذا الهيجاءُ شَبَّتْ رأيتُهم‬
‫( )‬
‫ل‬
‫جيرَانُهُم نَهْبُ الفَ َوارِسِ والرِّجْ ِ‬
‫َو ِ‬ ‫عاهِراً‬
‫ضى لِ َمنْ كَانَ َ‬
‫ساؤُهُم فَوْ َ‬
‫ِن َ‬
‫فالخطاب السجالي األول لحاجب الفيل اعتمد فيه على السخرية من مهنة‬
‫المالحة التي كان يمتهنها ثابت قطنة وقومه‪ ،‬فضالً عن أن الناس ال تعرف شيئاً عن‬
‫نسب ثابت غير القطنة التي وضعت على عينه عندما أصيب في إحدى المعارك‪،‬‬
‫فسخرية حاجب اعتمدت على المهنة الحقيرة والنسب الدوني‪ ،‬ولكن الخطاب‬
‫السجالي لثابت اعتمد على الطعن في نسب حاجب وقبيلة مازن بعامة‪ .‬وفي هذا‬
‫اإلطار السجالي انبرى حاجب الفيل لثابت قطنة بخاصة واليمن بعامة‪ ،‬حيث قال‪ :‬إن‬
‫الزنج خير منهم في النسب‪ ،‬كما رماهم بالخوف والجبن في أثناء الحروب‪ ،‬واختتم‬
‫سجاله لهم برميهم بالسرقة‪ ،‬ورمى نساءهم بالعهر‪ ،‬فجيرانهم يتسابقون على ميادين‬
‫العز والشرف‪ ،‬وهم غارقون في مواطن الخنا والفحش‪.‬‬
‫‪-3‬السخرية التهكمية‪:‬‬
‫(‪،)4‬‬
‫جاء في لسان العرب أن التهكم‪ :‬تهكم به إذا أزرى به وعبث به‬
‫والسخرية التهكمية هي "التي توظف الهجاء بشكل سافر‪ ،‬بحيث يخدش األعراض‪،‬‬

‫( )‬
‫شعر ثابت قطنة العتكي‪ ،‬ص ‪8 -82‬‬
‫( )‬
‫حاجب الفيل‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫(‪)4‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة هكم‬
‫‪347‬‬

‫( )‪.‬‬
‫ولهذا فإن اختالق اإلشاعات واالنتقاص من العيوب الخُلقية‬ ‫ويجرح المشاعر"‬
‫والخَلقية وإلصاقها بالمسخور منه كلها عوامل تبعث على السخرية والضحك من‬
‫شخصية المسخور منه‪ .‬ومن أمثلة هذا النوع من السخرية قول الفرزدق متهكماً من‬
‫والد جرير‪:‬‬
‫يُبَادِلُهْ‬ ‫من‬ ‫يَلْقَى‬ ‫هَلْ‬ ‫طَّيةَ‬
‫عِ‬
‫َ‬ ‫تَ َركْنا جَ ِريراً وهو في السوقِ‬
‫( )‬
‫أَ ُبوكَ لَ ِئيمٌ رَأْسُه وَجَحَافِلُهْ‬ ‫فَإنَّهُ‬ ‫الحِ َمارَ‬ ‫رُدَّ‬ ‫سٌ لَهُ‪:‬‬
‫فَحقَالبُِوا‬
‫فالفرزدق على سبيل التهكم والسخرية صوّر جريراً ضائقاً بوالده ذرعا‪ ،‬وقد‬
‫حبسه في السوق يتمنى أن يبادل به أحداً‪ ،‬ولم يجد من الباعة من يستجيب له‪ ،‬مقللين‬
‫ذلك بلؤمه البارز على رأسه ومشفريه‪ ،‬وقبح شكله ودمامة هيئته‪.‬‬
‫وفي موضع آخر يتهكم الفرزدق بوالد جرير بوصفه جعل الرغام يتردد إلى‬
‫حفرته‪ ،‬فيلتقط مادة هجائه من الواقع المشاهد لطبيعة حياة الجعل‪ ،‬حيث يصف‬
‫غذاءه بأنه عذرة نتنة يحرزها بمساعدة أخيه له‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫فَحَارَا‬ ‫حُفْ َر ِت ِه‬ ‫دُونَ‬ ‫تَ َردَّدَ‬ ‫جَ ِريرٍ‬ ‫أَ ُبو‬ ‫الرَّغَامِ‬ ‫جُ َعلُ‬ ‫إذا‬
‫نَ َهارَا‬ ‫أَمْ‬ ‫تَلَطَّخَ‬ ‫مَا‬ ‫أَلَيْالً‬ ‫ف َما يُ َبالِي‬
‫ن السُّودِ السَّ َراعِ ِ‬
‫ِم َ‬
‫احْ ِتفَارَا‬ ‫أَحْ َر َز َها‬ ‫الجِعْلَانِ‬ ‫ن‬
‫ِم َ‬ ‫شَيْئاً‬ ‫خَافَ‬ ‫إِنْ‬ ‫دُهْدِيَّةٌ‬ ‫لَ ُه‬
‫(‪)4‬‬
‫طيَّةُ فَاسْتَ َدارَا‬
‫عِ‬
‫أَطَافَ بِ ِه َ‬ ‫عَنْ َها‬ ‫فَ َزلَّ‬ ‫يَ َداهُ‬ ‫نَقِدَتْ‬ ‫وَإِنْ‬
‫ومن الصور التهكمية التي ردّدها الفرزدق في شعره‪ ،‬والتي تمثلت في ثنائية‬
‫(جرير‪ ،‬الحمير)‪ ،‬وفي هذه الثنائية التهكمية تجلت السخرية من مراهنة جرير وقومه‬
‫على الحمير‪ ،‬وهذا لم يألفه الناس في عصرهم‪ ،‬فالعادة أن الناس يراهنون على‬
‫الجياد‪ ،‬وقد بلغوا الغاية حين مسحو ا وجوه الحمير كما يمسح وجه الفرس‪ ،‬وفي هذا‬
‫احتقار لهم‪ ،‬واستصغار لشأنهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫الفزني ‪ ،‬عبدالكريم‪ ،‬مظاهر السخرية في األشعار الدرعية المغناة‪ ،‬ص ‪90‬‬
‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪407 - 404‬‬
‫‪348‬‬

‫لَ َيالِ‬ ‫ثَلَاثُ‬ ‫مُذْ‬ ‫وأمِّكَ‬ ‫خُلِقُوا‬ ‫إنَّمَا‬ ‫كُلَيْبٍ‬ ‫بني‬ ‫جدْتُ‬
‫وَ َ‬ ‫ِإِّني‬
‫صالِ‬
‫ِمنْ غَايةِ الغَذَوَانِ والصَّلْ َ‬ ‫علَى جِ َيادِ حَ ِميرِ ِهم‬
‫َيتَ َراهَنُونَ َ‬
‫( )‬
‫ج ِبينَ ِذي العُقَّالِ‬
‫ن َ‬
‫ِذي الرَّقْ َمتَيْ ِ‬ ‫حوا بِ َوجْهِ حِ ِمارِهم‬
‫سُ‬‫وكأنَّما مَ َ‬
‫والسخرية التهكمية تقوم في الغالب على التعريض بالمسخور منه‪ ،‬وازدرائه‬
‫وتجريحه فهي " غاية في فن التصوير الهجائي؛ ألنها تعتمد في الهجاء على اإليحاء‬
‫غير المباشر في التعبير‪ ،‬وتنأى عن المصارحة والتنصيص"( )‪ ،‬ومن ذلك قول‬
‫المغيرة بن حبناء ساخرًا من زياد األعجم من جهة عجمته‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ما دونَ آدم من أبٍ لك يُعْلَمُ‬ ‫عبدُهُ‬ ‫أنا‬ ‫والذي‬ ‫إنكَ‬ ‫أزيادُ‬
‫ما ال تطيقُ وأنتَ عِلْجٌ أعجمُ‬ ‫فَالْحقْ بأرضِكَ يا زيادُ وال ترمْ‬
‫يَ َتعَمَّمُ‬ ‫إذا‬ ‫تعرفُهُ‬ ‫والعلجُ‬ ‫علجٌ تعصّبَ ثم راقَ بقوسِه‬
‫سباً وأنتَ العِلْجُ حِينَ تكلَّمُ‬
‫حَ‬‫َ‬ ‫جو الكِ َرامُ وأنتَ أَلْأَمُ مَنْ َمشَى‬
‫تَهْ ُ‬
‫والعالمين من الكهولِ فأقسمُوا‬ ‫كلهم‬ ‫نزارٍ‬ ‫َب ِني‬ ‫سأَلْتُ‬
‫َ‬ ‫َولَقَدْ‬
‫(‪)4‬‬
‫حَسَبٌ وإنَّكَ يا زيادُ مُؤْذَمُ‬ ‫كلها‬ ‫معدٍ‬ ‫في‬ ‫لكَ‬ ‫مَا‬ ‫باهللِ‬
‫فالمغيرة بن حبناء تهكم بعجمة زياد‪ ،‬فهو معدوم اآلباء واألجداد‪ ،‬وال وجود‬
‫له في مجتمع العرب‪ ،‬بل هو من العلوج األعاجم‪ ،‬وفي هذا إبعاد له من حاضرة‬
‫العرب عموماً‪ ،‬بل إنه يدرجه ضمن مجتمع الحيوانات عندما عدّه مؤذم ًا أي كلباً‪.‬‬

‫وفي موضع آخر يعمق تهكمه من زياد من خالل إلصاق الغزل والدعارة ببناته‬
‫طلبًا للعيش‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫وَلَائِ ُد‬ ‫أََّن ُهنَّ‬ ‫َيعْلَمْ‬ ‫َبنَاتِكَ‬ ‫فَأَصْ َبحْتَ عِلْجاً مَنْ َي ُزرْكَ وَ َمنْ‬
‫َي ُزرْ‬
‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪879‬‬
‫( )‬
‫صبح‪ ،‬علي‪ ،‬البناء الفني للصورة األدبية عند ابن الرومي‪ ،‬ط ‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة األمانة‪ 47 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 79‬م)‪ ،‬ص ‪448‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعراء أمويون‪ ،‬القسم (‪ ،)4‬ص ‪0‬‬
‫‪349‬‬

‫ح َوالَيْكَ لَمْ تَجْ َرحْ بِ ُهنَّ الحَ َدائِ ُد‬


‫َ‬ ‫بِأُجْ َر ٍة‬ ‫يَغْتَ ِزلْنَ‬ ‫قِلْفاً‬ ‫َوأَصْ َبحْنَ‬
‫( )‬
‫سائِ ُد‬
‫ن الوَ َ‬
‫ج ِديداً وَلَا تَلَقَى لَ ُه َّ‬
‫َ‬ ‫ِباصْطَخرَ لم يَلْ َبسْنَ من طُولِ فَاقَ ٍة‬
‫أما جرير فيجعل من الهيئة المضطربة لحالة مجاشع وخلقها‪ ،‬وبنيتها الجسمية‪،‬‬
‫وهزالهم وعظامهم الضعيفة‪ ،‬وقواهم الواهية مادة للتهكم بالمجاشعيين‪ ،‬وفي مواضع‬
‫مختلفة من ديوانه يقول فيهم‪:‬‬
‫لو يُنْفَخُونَ من الخُؤورِ لَطَارُوا‬ ‫جاشِعاً‬
‫ال يَخْفَيَنَّ عليكَ أن مُ َ‬
‫رَارُ‬ ‫الهُنَانةِ‬ ‫مُمْتَخَرُ‬ ‫والمُخُ‬ ‫ضَ ِعيفَ ٌة‬ ‫والعِظَامُ‬ ‫ك‬
‫َو ُيفَايِشُونَ َ‬
‫علَى عِظَامِ‬
‫س َ‬
‫جدْ لَحْماً وَلَيْ َ‬
‫تَ ِ‬ ‫ي‬
‫جاشِ ِع ٍّ‬
‫ُم َ‬ ‫ذِ َراعَ‬ ‫تَغْ ِمزْ‬ ‫َمتَى‬
‫( )‬
‫شَبَهُ الرجالِ ومَاهُم برجالِ‬ ‫ال يخفيَنَّ عليك أن مجاشعاً‬
‫فالصورة التهكمية السابقة في المجاشعيين ال تسخر من ضآلة المسخور منهم‬
‫بدنياً‪ ،‬وال من أشكالهم فحسب‪ ،‬بل تتجاوز قبح المنظر وحقارتهم‪ ،‬لتؤدي معاني‬
‫الوهن والعجز والكالل وضعف الرجولة‪ .‬ومن هذا المنطلق فإن جريراً ينتزع من‬
‫المجاشعيين صفة الكمال الذكوري فينتقص من فحولتهم ورجولتهم في قوله‪:‬‬
‫جالِ‬
‫ِب ِر َ‬ ‫وَ َماهُ ُم‬ ‫جالِ‬
‫الرِّ َ‬ ‫شَبَهُ‬ ‫جاشِعاً‬
‫ن ُم َ‬
‫ك أَ َّ‬
‫ال يَخْفَيَنَّ عَلَيْ َ‬
‫(‪)4‬‬
‫ِإذَا هُزَّ بِاألَيْ ِدي القَنَا فَتَ َزعْ َزعَا‬ ‫جاشِ ٍع‬
‫مُ َ‬ ‫خَنَاثَى‬ ‫يَرْبُوعاً‬ ‫أَتَعْ ِدلُ‬
‫فالسخرية تجلت في أنهم عديمو الفحولة والرجولة‪ ،‬وهو ما يقلل من قيمتهم‬
‫االجتماعية والبطولية على صعيد الواقع الذي ينتمون إليه‪.‬‬
‫ويبلغ عبث جرير وتهكمه مبلغاً إزدرائياً‪ ،‬إذ يجعل المسخور منه خلقاً مركباً نصفه‬
‫األعلى نصف رجل‪ ،‬وشقه األسفل شطر امرأة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)8‬‬
‫ضعَ اإلزارَ حِرَانِ‬
‫َولَهُ إذَا وَ َ‬ ‫جاشِعٍ ذَا لِحْ َي ٍة‬
‫ضفِنَّ مُ َ‬
‫ِ‬ ‫تلقَى‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪48‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ص‪.8 7 ،2 4 ، 09‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.444 ،8 7‬‬
‫(‪)8‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪29‬‬
‫‪351‬‬

‫فالمسخور منه يمتلك من هيئة الرجال (اللحية) ومن النساء (الحر) فجرير‬
‫في تهكمه في األبيات السابقة من المسخور منهم ينقل صورة من الواقع المشاهد‪ ،‬فقد‬
‫جعل من رجولته "مظهراً يزول بزوال الملبس‪[ ،‬حيث] ال قوة له وال خير عنده إلَّا‬
‫( )‪.‬‬
‫ضخامة الجسم وثقل الحركة"‬
‫أما يحيى بن نوفل فيتخذ من حادثة دخول المغيرة بن سعيد على خالد القسري‬
‫وهو على المنبر فرصة للتهكم الساخر منه من خالل تصوير خوفه ورهبته من‬
‫المغيرة ورجاله‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫َواسْتَطْ َعمَ المَاءَ لمَّا جَدَّ في الهَرَبِ‬ ‫بَلَّ السَّ َراويلَ مِنْ خَوْفٍ وَ ِمنْ وَهَلٍ‬
‫( )‬
‫ن يُولَعُ بِالتَّشْ ِديقِ في الخُطَبِ‬
‫َوكَا َ‬ ‫حنُ النَّاسِ كُلِّ الناسِ قَاطِ َب ًة‬
‫َوأَلْ َ‬
‫فالتصوير التهكمي الساخر تجلى في تبلل سراويله خوفاً من المغيرة وجنده‪،‬‬
‫وهو ما يوحي بضعفه وفزعه وحزنه من هذا الموقف‪ ،‬ويقول في موضع آخر‬
‫لتصوير الحادثة ذاتها‪:‬‬
‫للزَّ ِئيرِ‬ ‫المَخَافةِ‬ ‫من‬ ‫َي ُبولُ‬ ‫َوكُنْتَ لدى المُ ِغيرةِ عِيرَ سَوْ ٍء‬
‫كبيرِ السِّنِ ذي بَصَرٍ ضَ ِريرِ‬ ‫وشيخٍ‬ ‫ثمانية‬ ‫ِلأَعْلَاجٍ‬
‫(‪)4‬‬
‫شَ َراباً ثُ َّم بُلْتَ على السَّريرِ‬ ‫أَطْ ِع ُمونِي‬ ‫ك‪:‬‬
‫صابَ َ‬
‫أَ َ‬ ‫لَ َّما‬ ‫تَقُولُ‬
‫فيحيى بن نوفل نفى الشجاعة والفصاحة عن خالد القسري وألبسه الجبن والضعف‬
‫والخذالن والخوف‪.‬‬
‫‪-4‬السخرية النبوغية‪:‬‬
‫يتجلى في هذه السخرية الحس الفكاهي عند بعض الشعراء‪ ،‬بحيث يتندر من‬
‫نفسه‪ ،‬ولهذا فالذات الساخرة تعيش في "الغبطة الناجمة عن التمتع بالذات"(‪ .)8‬ومن‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫الخصخوصي‪ ،‬أحمد عنصر الحمق في أهاجي جرير‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫( )‬
‫يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره‪ ،‬ص ‪97‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫(‪)8‬‬
‫هيجل‪ ،‬المدخل إلى علم الجمال‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪351‬‬

‫هذا المنطلق فإن التندر بالذات يجعل صاحبها "يتعالى عن نفسه‪ ،‬ويتسامى عن تلك‬
‫األفعال"( ) ويتحرر من قيود األنانية والتمركز حول الذات‪.‬‬
‫وفي إطار السخرية النبوغية القائمة على التندر بالذات نجد الشعراء قد‬
‫ربطوا هذا النوع من السخرية بالطبيعة المحيطة بهم من خالل بعث صفات تجديدية‬
‫عليها‪ ،‬وهذا التقابل بين ألوان الطبيعة وحاالت السخرية قد ساعد على تفجير ينابيع‬
‫اللغة الشعرية في مجاالت واسعة‪ ،‬وجعلها لغة مرنة ومتجددة وذلك من خالل‬
‫" االنحراف المرتبط بالخيال الشاعري الذي يسعى إلى أن يكوِّن عالقات جديدة بين‬
‫( )‬
‫اإلنسان والعالم المحيط به"‬

‫وفي هذا الشأن نجد جريرًا يقرن الحشرات القذرة بمعالم القوة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)4‬‬
‫وتقطعُ إضعاف المُتُونِ أَخَايِلُهْ‬ ‫سَتَلقَى ذُبَابي طَائفاً كانَ يُتَّقَى‬
‫فالسخرية النبوغية تجلت في أن قصائده الشعرية التي يقولها تعد بمنزلة‬
‫(الذبان) ‪ ،‬والذباب كما هو سائد من الحشرات القذرة والدونية‪ ،‬ولكن جريراً جعلها‬
‫ترتقي من خالل تشبيه قصائده بصور ساخرة عن طريق وسمها بالذبان للداللة على‬
‫االنتشار‪ ،‬ولهذا فالذباب منتشر في كل مكان يصادف الفرزدق‪ ،‬وكذلك الحال قصائده‬
‫ستظل تطارده في كل زمان ومكان أسوة بانتشار الذباب‪ ،‬وهكذا حوّل جرير ما هو‬
‫قذر (الذباب) عبر الخرق الداللي إلى موطن القوة واالعتزاز‪.‬‬

‫وعلى المنوال الساخر نفسه القائم على تكوين دالالت جديدة في إطار اللغة‬
‫الساخرة نجد الفرزدق يحوّل القبيح إلى الجميل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫شايب‪ ،‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫( )‬
‫ربابعة‪ ،‬موسى‪ ،‬ظواهر االنحراف األسلوبي في شعر مجنون ليلى‪ ،‬مجلة أبحاث اليرموك (سلسلة اآلداب‬
‫واللغويات)‪ ،‬اليرموك‪ ،‬المجلد(‪ ،)4‬العدد( )‪ 770 ،‬م)‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪844‬‬
‫‪352‬‬

‫ونهشلُ‬ ‫عَمِّي‬ ‫وعبدُاهللِ‬ ‫نَمَاني‬ ‫جاشِعٌ‬


‫أَ ِبي الشَّيخُ ذُو البَوْلِ الكَ ِثيرِ مُ َ‬
‫( )‬
‫فكلٌّ لهُ يا ابنَ المَ َراغَةِ َأوَّلُ‬ ‫بِ ِمثِْلهم‬ ‫جئْ ِني‬
‫فَ ِ‬ ‫أسالفٍ‬ ‫ثالثةُ‬
‫فالسخرية النبوغية تمثلت في أن أبا الفرزدق امتاز بالبول الكثير‪ ،‬وفي ذكر‬
‫البول ما يقزز النفس ويخدش حياءها‪ ،‬فضالً عن حالة النجاسة في البول‪ ،‬ولكن‬
‫الفرزدق حول القذر والنجس والمدنس إلى طهارة من خالل كنايته عن البول بكثرة‬
‫األوالد‪ ،‬وربما لكرمه وكثرة أضيافه‪ ،‬وهاتان الصفتان توحيان بالعزة والشرف‬
‫والقوة‪ ،‬وهنا تجلى مراد الشاعر حين عبَّر عن كرم آبائه وأجداده بكثرة البول الذي‬
‫يُعَدُّ مدنساً في الواقع االجتماعي واإلنساني‪.‬‬
‫والسخرية النبوغية تدل في بعض صورها على استباق األحداث وحماية النفس‬
‫من اآلخرين‪ ،‬واالبتعاد عن التشاؤم بسبب بعض العاهات والمزايا‪ ،‬ولذلك يسخر‬
‫الشاعر من ذاته ليقول لمن حوله "إنني أعرف بعيوبي‪ ،‬وأستطيع السخرية منها‬
‫( )‪،‬‬
‫أحسن مما تستطيعون أنتم [وعلى هذا فإنَّ] الهازل يستبق نقد اآلخرين له ويحبطه"‬
‫وهذا ما تجلى عند المغيرة بن حبناء الذي اعترف بوجود البرص فيه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫الم العتيكِ وال أخوالي العَوَقُ‬ ‫إني امرؤٌ حنظليٌ حين تُنْسِبُنِي‬
‫(‪)4‬‬
‫إن اللهاميمَ في أقرابِها البَلَقُ‬ ‫ال تَحْسَبَنَّ بَيَاضاً فِيَّ منقصةٌ‬
‫ولهذا فإن اعتراف المغيرة بن حبناء ببرصه "ال يحط من قدره‪ ،‬مادامت عتاق‬
‫الخيل ال تشينها األوضاح‪ ،‬وهكذا حسّن الشاعر قبح البرص‪ ،‬وأصبح هذا التحسين‬
‫(‪)8‬‬
‫سنة معروفة متبعة من بعده"‬
‫وفي إطار السخرية النبوغية القائمة على التعالي عن لون البشرة‪ ،‬نجد‬
‫الفضل بن العباس (األخضر اللهبي) يتعالى عن سواد بشرته وسمرتها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫‪8‬‬ ‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫شايب‪ ،‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعراء أمويون‪ ،‬القسم (‪ ،)4‬ص ‪7‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الغزي‪ ،‬الهادي حمودة‪ ،‬الشعر األموي في خراسان والبالد اإليرانية‪ ،‬ص ‪04‬‬
‫‪353‬‬

‫أخضرُ الجلدةِ من بيتِ العربْ‬ ‫يعرفُني‬ ‫من‬ ‫األخضرُ‬ ‫وأنا‬


‫الكربْ‬ ‫عندِ‬ ‫إلى‬ ‫الدَّلوَ‬ ‫َيمْألُ‬ ‫مَاجِداً‬ ‫جلْ‬
‫يُسَا ِ‬ ‫يساجلْني‬ ‫من‬
‫( )‬
‫وبنُو عبدِ منافٍ من ذَهَبْ‬ ‫فضةٍ‬ ‫من‬ ‫صِيغةٌ‬ ‫قَوْمٍ‬ ‫كُلُّ‬
‫فقول الفضل بن العباس (األخضر اللهبي) أنه (أخضر) إنما أراد بها أنه أسود؛‬
‫ألنَّ الخضرة عند العرب تعني السواد‪ ،‬وربما أراد بالخضرة سمرة لونه‪ ،‬وخلوص‬
‫نسبه‪ ،‬وألن ألوان العرب السمرة( )‪ ،‬فضالً عن أن معاني الخضرة عند العرب تعني‬
‫البحر والسخاء والسعة‪ ،‬وفي هذا تكمن نبوغية اللون األسود أو األسمر عند الفضل‬
‫بن العباس‪.‬‬

‫‪-5‬السخرية المقموعة‪:‬‬

‫تُ َع ُّد السخرية المقموعة من إنتاج المجموعات الهامشية في المجتمع‪ ،‬وهي‬


‫تكون ‪-‬عادةً ‪-‬ذات بالغة هامشية‪ )4( ،‬كما أنها تعبر عن حياة المقموعين من الناس‬
‫عبر ألفاظ تدل على الدونية واالستخفاف في حياتهم‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فقد برزت السخرية المقموعة لتدلّ من سياقاتها النصية‬
‫والشعرية على اإلذالل والهزء الذي تعرضت له المجموعات الهامشية فجاء على‬
‫لسانها شعراً‪.‬‬

‫ومن أمثلة هذا النوع من السخرية قول مسكين الدارمي مستعرضاً تسميته ب‬
‫(مسكين)‪ ،‬حيث تدل لفظة مسكين في دالالتها اللغوية على أن المسكين الذي أسكنه‬
‫الفقر‪ ،‬أي قلل حركته‪ ،‬كما تدل لفظة (المسكين) على الخاضع‪ ،‬فأصل المسكنة‬

‫( )‬
‫شعر األخضر اللهبي‪ ،‬ص ‪49‬‬
‫( )‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة (خضر)‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫)‪ 77 ،‬م)‪ ،‬ص‬ ‫يُنظر‪ :‬عصفور‪ ،‬جابر‪ ،‬بالغة المقموعين‪ ،‬مجلة البالغة المقارنة ألف‪( ،‬القاهرة‪ ،‬العدد (‬
‫‪7-‬‬
‫‪354‬‬

‫الخضوع والذل‪ ،‬وهي معانٍ تدور كلها حول الخضوع والمذلة وقلة المال والحال‬
‫( )‬
‫وفي هذا اإلطار نجد مسكين الدارمي يتناول اسمه بشيء من االستكانة‬ ‫‪.‬‬ ‫السيئة‬
‫والخضوع والذل‪ ،‬مما يوحي بسخريته من نفسه المقموعة في المحيط االجتماعي‬
‫عبر اسمه (مسكين)‪ ،‬ومن مواضع مختلفة من ديوانه نختار األمثلة اآلتية‪:‬‬

‫العربْ‬ ‫ألوانُ‬ ‫السمرةُ‬ ‫لوني‬ ‫يَعْرِفُنِي‬ ‫لِمَنْ‬ ‫مسكينٌ‬ ‫أنا‬


‫نطقْ‬ ‫جد‬ ‫يعرفُ ِني‬ ‫ولمن‬ ‫أَنْكَرَنِي‬ ‫لِمَنْ‬ ‫مسكينٌ‬ ‫أنا‬
‫من الناسِ أحمي عنهم وأذودُ‬ ‫إنْ أُ ْدعَ مسكيناً فإني ابنُ معشرٍ‬
‫وإنِّي لمسكينٌ إلى اهللِ راغبُ‬ ‫جاجَ ًة‬
‫لَ َ‬ ‫وكَانَتْ‬ ‫مسكيناً‬ ‫سُمِّيتُ‬
‫وهل ينكرنَّ الشمسَ ذرُ شعاعِها‬ ‫إن أُ ْدعَ مسكيناً فلستُ بِمُنْكِرٍ‬
‫منارٍ ومن خيرِ المنارِ ارتفاعُها‬ ‫لعمرُك ما األسماءُ إلَّا عالمةُ‬
‫( )‬
‫قدري بيوتَ الحي والجُدرُ‬ ‫إن أُ ْدعَ مسكيناً فما قَصَرَتْ‬
‫فالمتأمل ألبيات مسكين الدارمي السابقة يرى أنه يصرح باسمه بضمير‬
‫(أنا) الدالة على المتكلم‪ ،‬مما يوحي في نفسه بحب العظمة والكبرياء والقوة‪ ،‬بسبب‬
‫حالة النقص والدونية التي يشعر بها من اسمه‪ ،‬فجاء الخطاب بضمير (أنا) للداللة‬
‫على األنفة والترفع عن الحضيض والواقع فيه من المدلول اللغوي واالجتماعي‬
‫السمه‪ ،‬ومن ثم حاول أن يبرر هذا القمع والذل الواقع فيه من خالل االعتماد على‬
‫دالالت أخرى ترفع من قوة هذا االسم مثل قوله‪( :‬أنا ابن معشر‪ ،‬أحمي عنهم وأذودُ‪،‬‬
‫إني اهلل راغب‪ ،‬فما قصرتُ قدري)‪ .‬وقد تجلت سخرية القمع في أبيات مسكين‬
‫الدارمي من خالل إطالق اسم مسكين عليه من لون السمرة‪ ،‬فهي توحي بالسواد‪،‬‬
‫والسواد داللة العبودية‪ ،‬ومن دالالت القمع أيضاً قوله (وكانت لجاجةً) فهي داللة‬
‫على التردد والتلعثم والتقهقر الواقع فيه من هذا االسم‪ ،‬فضالً عن تعليله لهذه الدونية‬

‫( )‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة (سكن)‬
‫( )‬
‫‪.84 ،24 ،2 ،4 ، 8 ،‬‬ ‫ديوان مسكين الدارمي‪ ،‬ص‬
‫‪355‬‬

‫والضعف الواقع فيه عبر اسمه من خالل القسم الذي أقسمه (لعمرُك) الدال على أن‬
‫األسماء ماهي إلَّا عالمات بين الناس‪ .‬وهكذا تجلت من هذه التسمية السخرية‬
‫المقموعة التي وقع فيها مسكين الدارمي في محيطه االجتماعي‪.‬‬

‫أما جرير فيخاطب الفرزدق بسخرية مقموعة على لسان الفرزدق‪ ،‬عندما ادعى‬
‫نسب قومه إلى الشمس‪ ،‬وهو لن يستطيع إدارك الكواكب العالية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ب‬
‫ق الحِ َمار ِال َك َواكِ ُ‬
‫وأيهاتُ من حُو ِ‬ ‫ذَكَرْتَ بناتِ الشمسِ والشمسُ لم‬
‫( )‬
‫إلى آلِ زيقٍ والوصِيفُ المُقَارِبُ‬ ‫حرّاً كانَ عَشْرٌ سِيَاقَةٌ‬
‫ولو كُنْتَ ُ‬
‫تَلِدْ‬
‫فجرير يعلل في سخرية على ادعاء الفرزدق أن للشمس بنات وهي لم تلد‪ ،‬ثم‬
‫يعقب هازئاً على قوله وادعائه عبر سخرية لقب والده (حوق الحمار) أنى لوالد‬
‫الفرزدق أن يدرك الكواكب؟‪ ،‬ثم يأتي في البيت الثاني بسخرية مقموعة أخرى تتجلى‬
‫من خاللها هامشية الفرزدق في الواقع االجتماعي‪ ،‬فهو عبدٌ ولو كان حرّاً لما اكتفى‬
‫بعشر نياق أرسلها مع غالم ووصيف لبني زيق مقابل خطبة ابنتهم حدراء‪ ،‬بل الحر‬
‫يؤدي مائة ناقة في خطبته وهنا تكمن السخرية المقموعة للفرزدق بسبب عبوديته‪.‬‬

‫وأما الحكم بن عبدل األسدي فهو اآلخر تتجلى في شعره سخرية المقموعين‪،‬‬
‫حيث رسم منظراً للمسخور منه في موكبه الذي يتباهى به تكبراً وخيالءً‪ ،‬عندما قدم‬
‫ال عن عاهته البصرية حيث يقول‪:‬‬
‫إلى الناس على بغلة‪ ،‬فض ً‬

‫كَأنَّكَ دِيكٌ مَائِولُ الورَّأْسِ أَعْو َو ُر‬ ‫مَرَرْتَ على بَغْولٍ تَ ُزفُّوكَ تِسْو َع ٌة‬
‫( )‬
‫ك أَفْقَو ُر‬
‫ت إلى وَجْ ٍه يَ ِزينُو َ‬
‫َوأَنْ َ‬ ‫ت أَثْواب وًا لِ ِزينَ و ِة مَنْظَ ورٍ‬
‫تَخَيَّ ورْ َ‬
‫فالسخرية المقموعة في أبيات الحكم تجلت في اآلتي‪:‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪82‬‬
‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪09‬‬
‫‪356‬‬

‫السليم‬ ‫المقموع‬
‫امتطاء الجواد‬ ‫امتطاء البغل‬
‫سالمة الرجل في البصر‬ ‫الديك المائل الرأس [عاهة البصر]‬
‫الوجه المشرق واألنيق [تتزين المالبس‬ ‫الوجه الذميم [المزين بالمالبس الفاخرة]‬
‫به]‬
‫‪-2‬أنماط الصور الساخرة بحسب الحواس أو الحركة أو اللون‪:‬‬

‫‪-1‬الصور السمعية‪:‬‬
‫تحتل الصورة السمعية مكانة متميزة من بين الصور الشعرية األخرى في‬
‫الشعر‪ ،‬وذلك ألن "الصوت في معظم الحاالت هو مفتاح التأثيرات األخرى في‬
‫( )‪.‬‬
‫ولهذا يستعير الشاعر األصوات لتقوم" مقام الموسيقى التصويرية لتلك‬ ‫الشعر"‬
‫( )‪.‬‬
‫الدراما"‬
‫وفي هذا الشأن نجد (ت‪ .‬س‪ .‬إيليوت) ُيعلي من قدر الصور السمعية‪ ،‬حيث‬
‫يجعل لها خياالً خاصاً يسميه الخيال السمعي مما يعمق اإلحساس بمستويات التفكير‬
‫(‪.)4‬‬
‫والمشاعر التي يود الشاعر إيصالها لآلخرين‬
‫والصورة السمعية في الشعر األموي الساخر اعتمدت في بنائها على "توظيف‬
‫ما يتعلق بحاسة السمع‪ ،‬عن طريق أصوات األلفاظ ووقعها في األداء الشعري مع‬
‫توظيف اإليقاع الشعري الخارجي والداخلي إلبالغ المتلقي ونقل اإلحساس‬
‫(‪.)8‬‬
‫بالصورة"‬

‫( )‬
‫آي ريتشاردز‪ ،‬مبادئ النقد األدبي‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫القط‪ ،‬د‪ .‬عبدالقادر‪ ،‬في الشعر اإلسالمي واألموي‪ ،‬ص ‪80‬‬ ‫( )‬

‫(‪ ) )4‬ينظر‪ :‬الرباعي‪ ،‬عبدالقادر‪ ،‬الصورة الفنية في النقد الشعري‪ ،‬دراسة في النظرية والتطبيق‪ ،‬ط (الرياض‪،‬‬
‫دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع‪ 748 ،‬م) ص ‪49‬‬
‫(صنعاء‪ ،‬مركز عبادي‬ ‫(‪ ) )8‬إبراهيم‪ ،‬د‪ .‬صاحب خليل‪ ،‬الصورة السمعية في الشعر العربي قبل اإلسالم‪ ،‬ط‬
‫للدراسات والنشر‪ 000 ،‬م)‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪357‬‬

‫وقد صاغ شعراء السخرية في العصر األموي الصورة السمعية الساخرة‬


‫بلون من االنفعال واإلحساس المسيطر عليهم من خالل تصوير المسخور منه‬
‫بصورة محتقرة‪ .‬ومن أمثلة الصور السمعية الساخرة عندهم تصوير األصوات‬
‫الصادرة من بطن المسخور منه للداللة على جشعه في األكل‪ ،‬والتهامه الطعام بنهم‪،‬‬
‫مما يعمق لؤمه وحرصه‪ ،‬وفي هذا اإلطار نجد جريراً يصور جشع الفرزدق وقومه‬
‫في األكل حيث يقول‪:‬‬

‫القوابعُ‬ ‫السوادِ‬ ‫خنازيرِ‬ ‫أُنُوفُ‬ ‫كأنَّها‬ ‫القيونُ‬ ‫شانَتْها‬ ‫مناخرُ‬


‫( )‬
‫تُصَوِّتُ في أَعْفَاجِهِنَّ الضَّفَادعُ‬ ‫مباشيمُ عن غبِّ الخزيرِ كأنَّها‬
‫فالصورة السمعية الساخرة تجلت فيما تحدثه أنوف المسخور منهم من‬
‫أصوات الخنازير‪ ،‬حيث تشوّهت أنوفهم بفعل آثار الحدادة‪ ،‬وأما الصورة السمعية‬
‫الساخرة الثانية فقد صوّرت ما يسمع من أحشاء قوم الفرزدق من أصوات تشبه نقيق‬
‫الضفادع‪ ،‬وذلك بسبب التخمة والجشع في األكل‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ الشبع‬
‫واالمتالء يضعف الفطنة‪ ،‬فالشبعان ال يكون فطناً عاقالً‪ ،‬حيث ورد في أمثال‬
‫( )‬
‫العرب‪" :‬أن البطنة تأفن الفطنة‪".‬‬

‫وحملت الصورة السمعية الساخرة تصوير آثار المأكل الدوني للمسخور منه‪،‬‬
‫ومن ذلك قول جرير ساخرًا من النساء التغلبيات بسبب غلظة طعامهنَّ‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫عدسٌ يقرقرُ في البطونِ وفولُ‬ ‫فُسِخَ العباءُ وريحُ نسوةِ تغلبٍ‬
‫(‪)4‬‬
‫في الحاوياتِ وحمصٌ مبلولُ‬ ‫وإذا تداركَ رأسُ أَشْهَبَ شَارفٍ‬
‫فالقرقرة الصادرة من بطون المسخور منهم كانت بسبب أكل الفول والحمص‬
‫وإمعاء الخنازير‪ ،‬وهو في نظر الساخر مأكل دوني ومحتقر‪.‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪49‬‬
‫( )‬
‫الميداني‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن محمد‪ ،‬مجمع األمثال‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪248‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪89‬‬
‫‪358‬‬

‫وفي إطار الصورة السمعية الساخرة فقد استعاض الشعراء من خاللها‬


‫تصوير الحالة المرضية للمسخور منه بسبب المأكل الحقير‪ ،‬وهذا ما صوره الحكم‬
‫بن عبدل األسدي من آالم الدود وحكة الناسور في المسخور منه محمد بن حسان‬
‫التميمي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫رَعْدِ‬ ‫إرزامُ‬ ‫دَ ِويَّهُ‬ ‫كأنَّ‬ ‫قَعَدْنَا‬ ‫مُذْ‬ ‫لبطنكَ‬ ‫ما‬ ‫وويلكَ‬
‫دواءً إن صبرتَ له سيُجدِي‬ ‫عندي‬ ‫النَاسُورِ‬ ‫ح َّكةِ‬
‫لِ َ‬ ‫فإنَّ‬
‫( )‬
‫المَقَ ِّدي‬ ‫سنَنْتَ ُه سنَّ‬
‫ِإنْ أَنْتَ َ‬ ‫وتشتهيه‬ ‫عنكَ‬ ‫الدُّودَ‬ ‫ُي ِميتُ‬
‫فالسخرية كانت مما يصدر من بطن المسخور منه من أصوات تشبه دوي‬
‫الرعد‪ ،‬وهي صورة صوتية مسموعة فيها مبالغة تثير الضحك والهزء من المسخور‬
‫منه‪.‬‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه عبر تشبيه صوت البطن بالرعد نجد اللعين المنقري‬
‫يسخر من األصوات التي تصدر من بطن مسخوره (ابن أرض) وما تحدثه من‬
‫دوي‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫صراتِ الرَّ َواعِ ِد‬
‫جيجَ المُعْ ِ‬
‫يَعِجُّ عَ ِ‬ ‫ضرٍ وبطنُهُ‬
‫ُ‬ ‫فباتَ ِبشَرٍّ غَيْ ِر‬
‫‪-2‬الصور الشمية‪:‬‬

‫صوّر شعراء السخرية في العصر األموي المثيرات الشمية الساخرة التي‬


‫تنبعث بفعل الروائح الكريهة من المسخور منه في مجاالت متعددة من حياته‪ ،‬ومن‬
‫الصور الشمية الساخرة ما صوّره جرير من روائح كريهة ونتنة التي تتعالى‬
‫روائحها من أجساد نسوة بني نمير في قوله‪:‬‬

‫النِّقَابَا‬ ‫مَحْجَرِهَا‬ ‫سَوادُ‬ ‫يَشِينُ‬ ‫نُمَيْرٍ‬ ‫مِنْ‬ ‫المَغَابنِ‬ ‫وخضراءُ‬

‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪09‬‬
‫( )‬
‫اللعين المنقري‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬ص ‪8 4‬‬
‫‪359‬‬

‫( )‬
‫بِصِنِّ الوبرِ تَحْسَبُهُ مَالبَا‬ ‫المُعَرَّى‬ ‫سَيِّئةُ‬ ‫وهي‬ ‫تَطَلّى‬
‫فالصورة الشمية الساخرة تجلت في الرائحة النتنة من أجساد نسوة بني نمير‪،‬‬
‫بسبب عدم نظافتهن‪ ،‬فضالً عما تقوم به نساء بني نمير من دهن أجسادهنَّ بصن‬
‫الوبر‪ ،‬وهو بول الوبر الذي يخثر ويدهن به للتداوي‪ ،‬وهو منتن الرائحة‪ ،‬وفي هذا‬
‫داللة على وضاعة المرأة النميرية وعدم نظافتها‪.‬‬
‫وفي موضع آخر يسخر جرير من نسوة بني تغلب عبر رائحة الخنزير النتنة‬
‫التي تنفح من ثنايا أجسادهن بسبب أكلهن للحمه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ومن جلدِهَا زَهْمُ الخنازيرِ يَنْ َفحُ‬ ‫ِإذَا جُرِّدَتْ الحَ الصليبُ على‬
‫استِها‬
‫أما األخطل فيسخر من القيسيين من خالل رائحة أجسادهم المنتنة التي تشبه‬
‫رائحة الخنافس‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وَرِثْنَ فِرَاشَ زَانِيَةٍ وَزَانِ‬ ‫سَوْءٍ‬ ‫لمبيتِ‬ ‫أَدْلجَتْ‬ ‫خَنَافِسُ‬
‫فاألخطل أرجع الروائح المنتنة التي تنبعث من أجساد القيسيين بسبب تربيتهم التي‬
‫نشأوا عليها في الفحش والدعارة‪ ،‬وهو يشير في هذه السخرية أنهم لقطاء‪.‬‬
‫وتجلت في إطار الصورة الشمية تصوير رائحة األفواه وبخرها‪ ،‬حيث يصور‬
‫جرير أفواه التغلبيين في قوله‪:‬‬
‫ب أَسْتَا ٌه بِهَا وَضَرُ‬
‫أَفْوَا ُه تَغْلِ َ‬ ‫ل الكِرَا ُم تَنَحَّوا إِنَّكُم نَجَسٌ‬
‫قا َ‬
‫(‪)8‬‬
‫س إِذَا ُذخِرُوا‬
‫ت إلى قَ ْي ٍ‬
‫أَ ْم مَنْ جَعَلْ َ‬ ‫ن الخبيث ِة رِيحاً مَنْ عدلت بنا‬
‫يا اب َ‬
‫فالصورة الشمية الساخرة تجلت في تشبيه أفواه تغلب في الرائحة باألستاه الوسخة‪،‬‬
‫وفي هذا التطابق بين الصورتين الشميتين رائحة األفواه ورائحة األست "تفوح‬
‫(‪)2‬‬
‫رائحة اإلسفاف واإلقذاع والفحش في القول"‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪94‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪42‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪4،‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫(‪)2‬‬
‫سليمان‪ ،‬سالم عبدالرزاق‪ ،‬الصورة في نقائض جرير واألخطل‪ ،‬ص ‪97‬‬
‫‪361‬‬

‫أما الحكم بن عبدل األسدي فإنه يزدري من نكهة رائحة فم المسخور منه محمد‬
‫بن حسان التميمي‪ ،‬حيث يصور رائحة فمه برائحة الجعر‪ ،‬وهو نجو السباع عندما‬
‫يوضع على جلد مدبوغ‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫طينِ جِلْ ِد‬
‫كَ ِريحِ الجَعْرِ فَوْقَ عَ ِ‬ ‫فِيهِ‬ ‫وَ َدخَانُ‬ ‫محمداً‬ ‫جوْتُ‬
‫نَ َ‬
‫وفي صورة ساخرة أخرى يصوره برائحة كلب مات من عهد قريب‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫كَريِحِ الكَلْبِ مَاتَ قريبَ عَهْ ِد‬ ‫رِيحاً‬ ‫جدْتُ‬
‫فَ َو َ‬ ‫محمداً‬ ‫جوْتُ‬
‫نَ َ‬
‫وتارة يصور رائحة فمه برائحة ثعبان نتن تمتد رائحته القاتلة من العراق إلى‬
‫نجد‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫نَجْ ِد‬ ‫ل‬
‫َأهْ َ‬ ‫سِلمْنَا‬
‫َ‬ ‫إِنْ‬ ‫سيبلغُ‬ ‫نتنٍ‬ ‫ثعبانُ‬ ‫أَلْذَعَتْني‬ ‫وقد‬
‫(‪)4‬‬
‫بِ ُبعْ ِد‬ ‫مِِّني‬ ‫دُنُ َّوه‬ ‫قَرَنْتُ‬ ‫أََّني‬ ‫فَ َو ِددْتُ‬ ‫خَطْ َم ُه‬ ‫َوأَدْنَى‬
‫وتارة يصوره برائحة فم األسود‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫وَرْ ِد‬ ‫األنيابِ‬ ‫أعصلِ‬ ‫شَ ِتيمٍ‬ ‫ي‬
‫أَخْ َد ِر ٍّ‬ ‫نكهةَ‬ ‫ي‬
‫عل َّ‬ ‫نَ ِكهْتَ‬
‫أما الفرزدق فيتخذ من الصورة الشمية وسيلة لتصوير المتعة الشمية المفضلة‬
‫عند بني كليب‪ ،‬والمتمثلة بشم ريح األتان‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫وليسَ كُلُّ كليبي إذا جَنَّ لَيْلُهُ‬
‫ن بِنَائِمِ‬
‫ح األَتَا ِ‬
‫إذا لم يج ْد ري َ‬
‫فالصورة الشمية (ريح األتان) صوَّر الفرزدق من خاللها السخرية الالذعة‬
‫لجرير وقومه لكونهم قد خالفوا المألوف اإلنساني‪ ،‬فالناس تنفر من الرائحة الكريهة‪،‬‬
‫ولكن جريراً وقومه يستمتعون بها‪ ،‬مما يدل على ترسيخ السلوك الال أخالقي عندهم‪،‬‬
‫وهذا ما يوحي بالدناءة والوضاعة واللؤم‪.‬‬

‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪02‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪02‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص‪. 02‬‬
‫(‪)8‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫(‪)2‬‬
‫نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪942‬‬
‫‪361‬‬

‫‪-3‬الصور الحركية‪:‬‬

‫نهضت الصورة الحركية في الوصف التشويهي‪ ،‬إمعاناً في السخرية من‬


‫المسخور منه‪ ،‬عبر التأليف بين المرئيات والمحسوسات‪ .‬والمتأمل للشعر األموي‬
‫يجد أن الشعراء قد بثوا صورهم الساخرة باالعتماد على الحركة من أجل تصوير‬
‫مناظرهم الساخرة‪ ،‬عبر استدعاء المواقف التي تقوم فيها وتتشكل بها‪ ،‬ومن أمثلة‬
‫الصور الحركية الساخرة قول الفرزدق في جرير‪:‬‬

‫( )‬
‫شلَاشِلُهْ‬
‫كَشَلْش َالِ وَطْبٍ مَا تَجِفُ َ‬ ‫يَسِيلُ على شِدْ َقيْ جَرِيرٍ لُعَابُهُ‬
‫فالفرزدق في بيته هذا قد رسم صورة حركية ساخرة ومقززة في آن‪ ،‬فالناظر‬
‫لجرير يراه وقد تقاطر لعابه سائالً على شدقيه‪ ،‬كما يتقاطر اللبن من الضرع‪ ،‬ال‬
‫يجف قطره‪ ،‬ولهذا صوَّر قوله (ما تجف شالشله) الحالة المستدامة عند جرير وعدم‬
‫الشفاء منها‪ ،‬ومن ينظر إلى جرير من خالل تقاطر لعابه‪ ،‬يجد أنه قد دخل في عداد‬
‫المعتوهين الذين استبدت بهم عاهة في فمه‪ ،‬وعلى هذا فإنَّ الصورة الساخرة التي‬
‫رسمها الفرزدق لجرير قد جعلت الناظر إليه ينفر منه‪ ،‬وال يقترب من محادثته‬
‫ومجالسته‪ ،‬فهو في عداد المهمشين في المجتمع الذين ال يجالسهم الناس بسبب‬
‫صورته المقززة‪ ،‬كما أنَّ هذه الصورة الحركية لجرير جعلت الناظر إليه ينظر له‬
‫بوهن وضعف ونقص وازدراء لما وصلت إليه العاهة المستدامة في فمه‪.‬‬

‫وفي مشهد حركي آخر نجد الفرزدق يصور حركة جرير ووالده بين الحمير‬
‫واألتن في مشهد حركي ساخر حيث يقول‪:‬‬

‫األَمْثَالِ‬ ‫على‬ ‫يَمُرُّ‬ ‫عَجِالً‬ ‫أمامَهُ‬ ‫واألتانُ‬ ‫عطيّةَ‬ ‫وترى‬


‫بِشِكَالِ‬ ‫كَأنَّهُ‬ ‫خَلْفِهُنَّ‬ ‫مِنْ‬ ‫مُقَرْمِدٌ‬ ‫وَهْوَ‬ ‫يَتْبَعُهُنَّ‬ ‫وَيَظَلُّ‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير ‪ ،‬ص ‪204‬‬
‫‪362‬‬

‫بِسِخَالِ‬ ‫لَهُ‬ ‫عُدِلَتْ‬ ‫أَرْبَاقَهُ‬ ‫وَتَرَى عَلَى كَتْ َفيْ عَطِيةَ مَائلِاً‬
‫بِالظِّلِّ حِينَ يَزُولُ كُلَّ مَزَالِ‬ ‫وَتَرَاهُ مِنْ حَمْيِ الهَجِيَرةِ لَائِذاً‬
‫بِنِكَالِ‬ ‫خَلْفِه‬ ‫مِنْ‬ ‫بِنَهِيقِهِ‬ ‫فَأصَابَهُ‬ ‫مُكلِّماً‬ ‫الحِمَارُ‬ ‫تَبعَ‬
‫( )‬
‫األَجْذَالِ‬ ‫بِيَا ِبسِ‬ ‫يَمْرُونَهُنَّ‬ ‫مُتَقَاعِسِينَ على النَّواهِقِ باِلضُّحَى‬
‫فالصور الحركية في األبيات السابقة صوّرت جنون عطية وتباهيه بالحمير‬
‫عندما يمر بها أمام الناس‪ ،‬فهو في لحظة عزة وشموخ‪ ،‬وعلى النقيض منه فالناس‬
‫تتباهى بركوب الخيل‪ ،‬كما صورت حركة مضحكة أخرى تجلت في رفس الحمير‬
‫لعطية‪ ،‬فتترك في جسمه جروحاً وآثاراً‪ ،‬فضالً عن منظر عطية المحتقر المتمثل في‬
‫األحبال المحمولة على كتفيه لتقييد الحمير واألتن‪ ،‬ونهيقها المتالحق في أثناء‬
‫تقييدها‪ ،‬وحركتها في صباحه ومسائه‪ ،‬فالمشهد الحركي الساخر جعل من جرير‬
‫ووالده أضحوكة بين الناس‪ ،‬وبعيداً عن المحيط االجتماعي المتحضر والمفاخرات‬
‫البطولية‪.‬‬
‫وي تابع الفرزدق تصوير المشاهد الحركية القائمة على المعاناة التي يلقاها جرير‬
‫ووالده من حميرهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫مُسْتَ ِقبلُ‬ ‫مُبَيَّنٌ‬ ‫بِفِيكَ‬ ‫منها‬ ‫فشاه ٌد‬ ‫األتانُ‬ ‫ك‬
‫ثَنِيَّتَ َ‬ ‫كسَرَتْ‬
‫( )‬
‫لكن أبوكَ ودافها ال يعجلُ‬ ‫رمحتَكَ حينَ عَجِلَتْ قبلَ وَ َداقِ َها‬
‫فالفرزدق صوّر في مشهد حركي ساخر (كسرت ثنيتك) معاناة عطية وابنه‬
‫جرير مع الحمير‪ ،‬حيث تجلت آثارها (بفيك مبين مستقبل)‪ ،‬فآثار العدوان صارت‬
‫بارزة في ثنايا أسنانه‪ ،‬وكل من يراه يطالع تلك اآلثار المدمرة في فمه من معاناة‬
‫الحمير وآالمها وتوجعاتها التي تلحق به‪.‬‬
‫أما جرير فإنه يتجه بالصورة الحركية منحى آخر‪ ،‬يبرز فيها المكانة االجتماعية‬
‫والالأخالقية للمسخور منهم‪ ،‬فيصور حركة نسوة الفرزدق والمجاشعيين في صورة‬
‫حركية ساخرة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫) ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪20 -20‬‬ ‫(‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق ‪ ،‬ص ‪872‬‬
‫‪363‬‬

‫وابنَ القيونِ غُلَّقٌ في األقرانْ‬ ‫إنَّ ابنَ وَقْبٍ وابنَ أمِّ خورانْ‬
‫( )‬
‫ال سّلَّمَ اهللُ على القردِ الزَّانْ‬ ‫صلُ الحِجْلَ بِغَيْرِ اإليمانْ‬
‫يُصَلْ ِ‬
‫فالصورة الحركية الساخرة تجلت في أصوات حركة خالخيل النسوة‪ ،‬لكي‬
‫يسمعها الرجال فتغريهم بالفواحش‪ ،‬ولهذا فالرجال يرضون بالزنا لهم ولنسائهم‬
‫كالقرود‪ ،‬فحركة الخلخال عُدَّتْ حركة تسيء إلى شرف تلك النسوة من مجاشع‬
‫وأخالقه نَّ المنحلة‪ ،‬ويسعى جرير من خالله لتصوير المكانة السيئة والدونية للنسوة‬
‫ورجالهن في المجتمع‪.‬‬
‫َّ‬

‫ومن الصور الحركية الساخرة التي أبدع فيها جرير سخريته من بخل التغلبيين‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫األمثَاال‬ ‫وتمثَّلَ‬ ‫استَهُ‬ ‫حَكَّ‬ ‫ح للقِرَى‬
‫والتغلبي إذا تنحن َ‬
‫ُّ‬
‫فجرير في بيته هذا يسخر من بخل بني تغلب‪ ،‬ولكنه استطاع أن يصور الحركات‬
‫الساخرة والدونية التي يقوم بها التغلبيون إلبعاد ضيوفهم‪ ،‬والتهرب منهم‪ ،‬وقد تمثلت‬
‫الحركة الساخرة في الحركة الجسدية المرتبكة‪ ،‬ألنَّ الهدف من هذه الحركة تصوير‬
‫االرتباك النفسي عند التغلبي‪ ،‬فهو مدعوٌ إلكرام الضيوف القادمين إليه‪ ،‬وهذا ليس‬
‫من طبع سلوكه‪ ،‬وال قدرة له على الضيافة لبخله‪ ،‬ولهذا يتوجب عليه حل معضلته‬
‫التي نزلت به‪ ،‬ولهذا تراه يلجأ لتمثل األمثال للضيوف لئلَّا يصمت‪ ،‬فإن صمت‬
‫انكشف عجزه عن الضيافة‪ ،‬ومن ثم انكشف للضيوف بخله‪ .‬كما أن المتأمل لحركة‬
‫التغلبي وهو يهرش مؤخرته دون وعي منه‪ ،‬يرى االرتباط بين االنشغال الجسدي‬
‫والجانب النفسي واالجتماعي المضطرب عنده ليسد االضطراب الذي حلَّ به أمام‬
‫امتحان الكرم والضيافة‪.‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪27‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪82‬‬
‫‪364‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ الهدف من الحركة الساخرة التي رسمها جرير للتغلبيين‬
‫المتمثلة في حك المؤخرة‪ ،‬وتمثل األمثال ماهي إالّ "ذريعة يتذرع بها التغلبي ليجد‬
‫( )‬
‫وهذه الحركة‬ ‫وقتاً كافياً للتفكير في كيفية الخروج من هذه المصيبة التي داهمته‪".‬‬
‫الساخرة ال تقتصر على األخطل‪ ،‬فقد جاء بها لتعبر عن عموم التغلبيين‪ ،‬ألن (ال)‬
‫في التغلبي أفادت عموم الجنس‪ ،‬فهي صورة نمطية ساخرة لكل إنسان من بني‬
‫تغلب‪.‬‬
‫‪-4‬الصور اللونية‪:‬‬
‫تجلت السخرية القائمة على األلوان من خالل جعل اللغة الشعرية لغة رامزة‬
‫وموحية عبر األلوان‪ ،‬وقد تمحورت سخرية األلوان في اللون األسود‪.‬‬

‫والمتأمل في النسق الثقافي العربي يرى أنه قد اُحتفي فيه باللون األبيض‬
‫وأُزري بالسواد؛ وذلك لما ينطوي عليه اللون األسود من دونية واحتقار وازدراء‬
‫واستهجان داخل النسق الثقافي العربي‪ ،‬حيث كانت العرب تطلق "عبارة الكلمة‬
‫السوداء على الكلمة القبيحة النابية‪ ،‬أو الجارحة‪ ،‬وكان من معاني السواد عندهم‬
‫( )‬
‫الوجع الذي يأخذ الكبد‪ ،‬وألقوا اسم األسود على الخبيث من الحيات"‬

‫ومن أمثلة السخرية القائمة على االزدراء من اللون األسود قول الحكم بن عبدل‬
‫األسدي‪ ،‬يزدري ابنًا أسود له‪ ،‬ولدته جارية سوداء‪ ،‬فقال ساخراً منه‪:‬‬

‫ال يشتكي من رجله مشي الحفا‬ ‫يا ربَّ خالٍ لكَ مسود القفا‬
‫(‪)4‬‬
‫عينا غرابٍ فوقَ نيقٍ أشرفَا‬ ‫تشوّفا‬ ‫إذا‬ ‫عينيه‬ ‫كأنَّ‬

‫( )‬
‫تجور‪ ،‬فاطمة‪ ،‬أدب الطبائع في نقائض جرير واألخطل‪ ،‬مجلة جامعة دمشق‪( ،‬دمشق‪ ،‬المجلد( ‪،) -‬‬
‫‪ 0 4‬م)‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫( )‬
‫المناعي‪ ،‬مبروك‪ ،‬شعرية السواد في كافوريات المتنبي‪ ،‬مجلة عالمات في النقد‪ (،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي‬
‫الثقافي‪ ،‬الجزء (‪ ،)44‬المجلد (‪ 777 ،)7‬م) ‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪0‬‬
‫‪365‬‬

‫فالحكم بن عبدل أوعز السواد في ابنه إلى أخواله‪ ،‬ولهذا فهو قد أبعد عن‬
‫نفسه هذا العيب وأرجعه ألمه‪ ،‬فالخبث واللؤم جاء البنه من الخال (العبد األسود ذي‬
‫النسب الوضيع) الذي تعوّد على السير حافياً‪ ،‬كما تجلت السخرية من السواد من‬
‫خالل تالزم سواده وسواد الغراب‪ ،‬فصوَّر الشؤم في عيني ابنه اللتين تشبهان عيني‬
‫الغراب إذا نظر من فوق قمة الجبل‪ ،‬حيث أوحت هذه الصورة بالبشاعة واللؤم‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ السخرية من اللون األسود تبرز تمييزاً قديماً في الثقافة‬
‫البشرية على أساس اللون األسود واللون األبيض‪ ،‬ولهذا اعتبر اللون األسود "موطن‬
‫( )‬
‫النزعات الغامضة ورمزًا للجنس والشهوة والرذائل"‬

‫أما كثيّر عزة فقد عيَّر الشاعر نصيب بن رباح عبر السخرية ببشرته السوداء‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬

‫البهائمِ‬ ‫لونُ‬ ‫الحَجْنَاءِ‬ ‫أبي‬ ‫ولونُ‬ ‫رأيتُ أبا الحَجْنَاءِ في الناسِ جائزاً‬
‫( )‬
‫وإنْ كانَ مظلوماً له وجهُ ظالمِ‬ ‫تراهُ على ما الحَهُ من سوادِهِ‬
‫فكثيِّ ر سخر من لون نصيب األسود الذي شبهه بلون البهائم السود‪ ،‬وقد قيل‬
‫لنصيب عندما قال كثيّر فيه بيته السابق أال تجيب قائله؟ قال نصيب‪ :‬ما وصفني إالّ‬
‫بالسواد وقد صدق كما أنه رفض الرد – في رواية أخرى‪-‬بقوله‪ :‬ال أريد أن أسلك‬
‫بهذا الشعر الذي حررني من العبودية والرق إلى مسك الهجاء والشتم والتهكم‪ ،‬بل‬
‫أسلكه للرفع من القيم اإلنسانية‪.‬‬

‫وفي السخرية من السواد نجد جريراً يسخر من الشاعر الحيقطان‪ ،‬الذي كان‬
‫صاحب بش رة سوداء‪ ،‬حيث رآه جرير ذات مرة يلبس في يوم عيد قميصاً أبيض‬
‫على جسده األسود‪ ،‬فقال متهكماً به‪:‬‬

‫( )‬
‫النخيلي‪ ،‬آمال‪ ،‬شعرية الجسد في الشعر العربي القديم من الجاهلية إلى القرن الثاني الهجري‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫( )‬
‫ديوان كثيّر عزة‪ ،‬ص ‪847‬‬
‫‪366‬‬

‫( )‬
‫‪...‬حِمَارٍ لُفَّ فِي قِرْطَاسِ‬ ‫للناسِ‬ ‫بَدا‬ ‫لمَّا‬ ‫كأنَّهُ‬
‫فتلقى الناس هذا البيت العابث في تواتر من فم آلخر‪ ،‬فحزن الحيقطان حزناً شديداً‬
‫مما قاله جرير فيه‪ ،‬فرد عليه بقصيدة‪ ،‬قال فيها ساخراً من جرير‪:‬‬
‫( )‬
‫لكم في سمانِ الضأنِ عارٌ وَمَفْخَرُ‬ ‫نعجةً‬ ‫وأمُّك‬ ‫كُليبياً‬ ‫ألسْتَ‬
‫فالحيقطان قد ردّ على إساءة جرير له بالسواد من خالل رمي جرير وبني كليب‬
‫ال عن نسائهم‪.‬‬
‫بالعار الذي شاع فيهم من ذكر النعاج وإتيان الضأن بد ً‬
‫أما الفرزدق فإنه يسخر من اللون األسود عبر التالزم التنافري بين اللون‬
‫األسود والقيم الحضارية في المجتمع‪ ،‬فهو ال يقرُّ بأحقية صاحب البشرة السوداء في‬
‫قول الشعر وكتابته‪ ،‬وفي هذا الشأن قال الفرزدق بيتاً ساخراً عندما سمع نصيب بن‬
‫رباح (األسود) يقول الشعر‪ ،‬فقال محقراً نصيب األسود‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وشرُّ الشعرِ ما قالَ العبيدُ‬ ‫رجاالً‬ ‫أكرمه‬ ‫الشعرِ‬ ‫وخيرُ‬
‫فصاحب اللون األسود – في نظر الفرزدق – ال يصلح لكتابة الشعر ونظم‬
‫قصائده‪ .‬وبالمقابل نجد أن نصيبًا قد ر ّد على قول الفرزدق السابق في ذمه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ثابتِ‬ ‫فؤادٍ‬ ‫إلى‬ ‫اللسانُ‬ ‫هذا‬ ‫ليس السوادُ بناقصي ما دامَ لي‬
‫منابتي‬ ‫جعلنَ‬ ‫أشعاري‬ ‫فبيوتُ‬ ‫من كانَ ترفعُه منابتُ أهلِه‬
‫من فضلِ ذلكَ وليسَ بي من شامتِ‬ ‫بناؤه‬ ‫الرفيعُ‬ ‫ليحسدني‬ ‫إني‬
‫(‪)8‬‬
‫ماضي الجنان وبين أبيضَ صامتِ‬ ‫ببيانِه‬ ‫ناطقٌ‬ ‫أسودَ‬ ‫بين‬ ‫كم‬
‫فمن خالل قول نصيب في أبياته هذه يتجلى لنا أنه كان يتسامى ويتطاول بقلبه‬
‫(‪.)2‬‬
‫ولسانه وبشاعريته التي هي عنده أسمى من األصول التي يزدهي بها العرب‬

‫( )‬
‫الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬رسائل الجاحظ‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫( )‬
‫الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬رسائل الجاحظ‪،‬ج ‪ ،‬ص ‪42‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.8‬‬ ‫ابن قتيبة‪ ،‬عبداهلل بن مسلم‪ ،‬الشعر والشعراء‪ ،‬ج ‪ ،‬ص‬
‫(‪)8‬‬
‫سلوم‪ ،‬داؤود‪ ،‬شعر نصيب بن رباح‪( ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪ 79 ،‬م)‪ ،‬ص ‪94‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ينظر‪ :‬بدوي‪ ،‬د‪ .‬عبده‪ ،‬الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي‪( ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية للكتاب‪،‬‬
‫‪ 794‬م)‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫‪367‬‬

‫وفي هذا الشأن المرتبط بالسخرية من شعرية نصيب األسود يرد في كتب‬
‫األدب أن نصيباً كان في حضرة األمير عبد العزيز بن مروان وكان معه الشاعر‬
‫أيمن بن خريم األسدي‪ ،‬فقال األمير أليمن‪ :‬كم ترى ثمن هذا العبد؟‪ ،‬فقال مائة‬
‫دينار‪ ،‬فقال األمير‪ :‬إنّ له شعراً وفصاحةً‪ ،‬فقال أيمن بن خريم‪ :‬قيمته ثالثون ديناراً‪،‬‬
‫فقال األمير‪ :‬يا أيمن أرفعه وتخفضه أنت‪ ،‬فقال أيمن لألمير ما لهذا وللشعر؟‪ ،‬أمثل‬
‫هذا يقول الشعر أو يحسن الشعر؟ فأنشده نصيب‪ ،‬فقال األمير‪ :‬كيف تسمع يا أيمن؟‬
‫قال‪ :‬شعر أسود‪ ،‬وهو أشعر أهل جلدته‪ ،‬فقال له األمير‪ :‬هو أشعر واهلل منك‪ ،‬وأشعر‬
‫( )‬
‫من أهل جلدتك أيضاً‬

‫ومن خالل قول الفرزدق السابق في نصيب والحوار الذي دار بين األمير عبد‬
‫العزيز بن مروان والشاعر أيمن بن خريم في شأن قول نصيب للشعر‪ ،‬يتجلى لنا‬
‫أنهم جميعاً قد اعتمدوا على " محدد خارجي للشعرية تمثل في النسب والحسب‪ ،‬وقد‬
‫( )‪،‬‬
‫فاالعتقاد السائد‬ ‫أعوزا نصيب (العبد األسود) فلم يصلح شاعراً وصلح غيره"‬
‫والثابت من خالل العرض السابق أن العبد ال يجوز له أن يكون شاعراً‪ ،‬وأن الشعر‬
‫عربي ال يقوله إلَّا العرب وأنه ميراث يرثه العرب عن آبائهم كما توارثت‬
‫الخصائص النفسية‪ ،‬ولهذا يع ّد السواد منقصة في ارتياد الفحولة الشعرية‪.‬‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬سلوم‪ ،‬داؤود‪ ،‬شعر نصيب بن رباح‪ ،‬ص ‪0 - 4‬‬
‫( )‬
‫الهمامي‪ ،‬الطاهر‪ ،‬الشعر على الشعر‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪368‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫آليات بناء السخرية في الشعر األموي‬
‫‪369‬‬

‫آليات بناء السخرية في الشعر األموي‬

‫تعددت آليات بناء السخرية وأساليبها في الشعر األموي‪ ،‬وقد تتداخل فيما‬
‫بينها‪ ،‬فبعض هذه اآلليات تتجه نحو بناء السخرية في إطار البالغة أو اإليقاع أو‬
‫التصوير‪ ،‬ولكنها في محاورها قد تعتمد على آليات فنية تتجلى في قدرة الساخر على‬
‫إبراز سخريته باالعتماد على مواقف تصوِّر التهكم واالحتقار للمسخور‪ ،‬ومنها‬
‫االلتباس والذهول والتوريط‪ ،‬وقد يبني الساخر خطابه الساخر معتمداً على العالقة‬
‫الثنائية القائمة بين الساخر والمسخور منه والجمهور‪ ،‬حيث تتجلى هذه اآللية في‬
‫الحوار والسرد في إطار النص الشعري الساخر وفيما يلي استعراض لآلليات التي‬
‫استجالها البحث في بناء السخرية في الشعر األموي والتي تجلت في اآلتي‪:‬‬
‫آليات التصوير المسخي أو التشويهي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫( )‪،‬‬
‫جاء في لسان العرب أن المسخ "تحويل صورة إلى صورة أقبح منها"‬
‫والمسخ في التصوير الشعري الساخر هو "تحول للكائنات من جنسها المخلوقة‬
‫عليه إلى جنس آخر بعيدة عنه‪ ،‬مع احتفاظها بعد التحول ببعض السمات من‬
‫جنسها األول"( ) وتُ َع ُّد الصور المسخية أو التشويهية إحدى اآلليات الفنية المهمة‬
‫في تحقيق عنصر السخرية في الشعر األموي الساخر‪ ،‬ولهذا فإنَّ الصورة‬
‫المسخية تُشَ َّكلُ "بكالم يحرّف أكثره مما يعرّف‪ ،‬ويغرب أكثر مما يعرّب‪،‬‬
‫ويتحامل أكثر مما يتعاطف"(‪ )4‬فهي تسعى دائماً إلى زرع التشويه‪ ،‬وغرس القبح‬
‫في المسخور منه‪ ،‬وقد شاع استعمال الصور المسخية عند كثير من الشعراء‪،‬‬
‫حيث تؤدي داللة المعنى ممزوجًا بالضحك والفكاهة‪.‬‬

‫( )‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة (مسخ)‬
‫( )‬
‫الشاهد‪ ،‬د‪ .‬نبيل حمودي‪ ،‬سوسيولوجيا السرد العجائبي‪ ،‬مجلة العرب‪ ( ،‬الرياض‪ ،‬المجلد (‪ ،)87‬الجزء (‪-7‬‬
‫‪ ،) 0‬الربيعان ‪ 842‬ه ‪ 0 8 -‬م)‪ ،‬ص ‪74‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الحلواني‪ ،‬عامر‪ ،‬أساليب الهجاء في شعر ابن الرومي‪ ،‬ص‪47‬‬
‫‪371‬‬

‫ومن هذا المنط لق نجد جريراً قد رسم صورة مشوهة تدل على المسخ الذي‬
‫أحدثه شعره في الفرزدق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫أصابته الصواعقُ فاستدارَا‬ ‫وهل كانَ الفرزدقُ غيرَ قردٍ‬
‫وفي هذه الصورة يصور جريرٌ الفرزدق بأنه قرد وفي تسميته بالقرد مسخ‬
‫لشخصية الفرزدق من عالم اإلنسان إلى عالم الحيوان‪.‬‬
‫والصورة المسخية تحمل في ثناياها تداخالً ومزجاً بين كائنات شتى‪ ،‬لكل منها‬
‫خصائصه‪ ،‬وهذا ما صوره إسماعيل بن عمار األسدي في تصوير أوالد جاره‬
‫عثمان بن درباس‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وما بهم غيرَ جهدِ الجوعِ من بأسِ‬ ‫صفْرُ الوجوهِ كأنَّ السُّلَّ خَامَرَهُمْ‬
‫ُ‬
‫في بطنِ خنزيرةٍ في دارِ كنَّاسِ‬ ‫معلَّقةٍ‬ ‫كأطباءٍ‬ ‫بنون‬ ‫له‬
‫( )‬
‫جوا مِنْ قَعْرِ َأرْ َماسِ‬
‫تظنهم خَ َر ُ‬ ‫ِإنْ ُيفتحِ البابُ عنهم بعدَ عاشرةٍ‬
‫فالصورة المسخية الساخرة ألوالد عثمان بن درباس قد تشكلت من صور‬
‫متعددة ما بين اإلنسان الحي والميت‪ ،‬وبين الحيوانات كالكالب والخنازير‪ ،‬فاألبناء‬
‫في بيتهم محبوسون كأنهم كالب متوحشة‪ ،‬وبسبب تقتيره الدائم عليهم بالطعام‪ ،‬فقد‬
‫ظ هر عليهم الهزل‪ ،‬فالناظر لهم يرى أنهم مصابون بالسّل‪ ،‬كما أن أبدانهم من أثر‬
‫التقتير عليهم في األكل أصبحت كحلمات الخنزيرة الجائعة‪ ،‬ولهذا تشوّهت خلقتهم‬
‫(‪،)4‬‬
‫وهكذا تجلى في وصف حالة‬ ‫فمن يراهم يعتقد أنهم موتى خرجوا من قبورهم‬
‫(‪.)8‬‬
‫أبناء المسخور منه عبر الصورة المسخية" معالم الدقة والتصوير واإليجاز"‬
‫أما الفرزدق فيرسم صوره المسخية الساخرة في المسخور منه (جرير) من‬
‫خالل اعتماد أسلوب المزج بين الكائنات‪ ،‬بحيث يكون نتاج هذا المزج والتداخل‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫( )‬
‫‪9-‬‬ ‫شعر إسماعيل بن عمار األسدي‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫ينظر‪ :‬عطوان‪ ،‬د‪ .‬حسين‪ ،‬شعراء الدولتين األموية والعباسية‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الجيل‪ 74 ،‬م) ص ‪.48‬‬
‫(‪)8‬‬
‫فشوان‪ ،‬أنور حميدو‪ ،‬فن السخرية في شعر جرير‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫‪371‬‬

‫بين الممسوخات ظهور كائن جديد ذي طبيعة مشوّهة؛ ألنه ال ينتمي إلى جنسه‪،‬‬
‫وهذا ما يصوره الفرزدق في جرير في قوله‪:‬‬

‫( )‬
‫ح َمارَا‬
‫حولَ غيرَ لحيتهِ ِ‬
‫تَ َّ‬ ‫رأيتُ ابنَ المراغةِ حينَ ذَكَّى‬
‫فالصورة المسخية تجلت في أن الفرزدق قد صوّر جريراً في صورة مشوّهة‬
‫عندما تقدم به السن‪ ،‬حيث حوّله من إنسان إلى حمار‪ ،‬ولكنه يختلف عن الحمير‬
‫كلها‪ ،‬من خالل رسم لحية لهذا الحمار‪ ،‬وهنا يكمن المسخ‪ ،‬حيث تجلى المسخ‬
‫( )‬
‫فهو ليس بإنسان‪،‬‬ ‫والتشويه في كونه "جنساً مختلف التركيب عن باقي األجناس"‬
‫وليس بحمار‪ ،‬وهنا تكمن قيمة الصورة التشويهية للمسخور منه عبر التأليف بين ما‬
‫هو إنساني وحيواني‪ ،‬حيث استدعى الساخر في مسخه وتشويهه السابق لجرير‬
‫(‪)4‬‬
‫"التعجيب والتغريب"‬

‫ومن صور المسخ ما يعبِّر فيه الساخر من خالل صياغة مشاهد الجسد‬
‫الخاصة بالمسخور منه في قالب تهكمي‪ ،‬حيث تقوم هذه الصياغة على" المبالغة‬
‫الفنية‪ ،‬وعلى إثارة االهتمام إلى المواضيع المعبّر عنها‪ ،‬وتحويلها إلى هدف‬
‫(‪،)8‬‬
‫ومن أمثلة هذه الصور قول العجاج ساخراً من أحد العبيد‬ ‫للتهكم واالستهزاء"‬
‫الذي حاول تهديده بالقتل‪ ،‬فقال العجاج فيه أرجوزة ساخرة‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬
‫وقد أتاني أن عبدًا أكشما‬
‫في عدد بخسٍ وخط ٍم أكزما‬
‫يوعدُني ولو رآني طرمسا‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪407‬‬
‫( )‬
‫الشاهد‪ ،‬د‪ .‬نبيل حمدي‪ ،‬سوسيولوجيا السرد العجائبي‪ ،‬ص ‪908‬‬
‫(‪)4‬‬
‫البوجديدي‪ ،‬علي‪ ،‬السخرية في أدب الدوعاجي‪ ،‬ص ‪07‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ابن عمي‪ ،‬عمر‪ ،‬التصوير الكاريكاتوري في شعر ابن الرومي‪ ،‬أبحاث في الفكاهة والسخرية‪ ( ،‬أكادير‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬كلية األدب والعلوم اإلنسانية‪ 0 8 ،‬م)‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫‪372‬‬

‫وشد لَحْيَيْ ِه لجاماً مُلجما‬


‫َّ‬
‫( )‬
‫ع القعودِ القى المقومَا‬
‫تضر ُ‬
‫ُّ‬
‫فالسخرية قائمة على التشويه‪ ،‬حيث تجلت في التقاط العيوب الجسمية‬
‫والمعنوية للمسخور منه‪ ،‬فهو أجدع األنف‪ ،‬وهذا ما يوحي بالنقص في خلقه‬
‫وحسبه‪ ،‬وهو قصير األنف واألصابع واألذن والشفة واللحية والفم‪ ،‬فهو مشوّهٌ في‬
‫خلقه ويقال‪ :‬هذا الوصف في البخيل لشحه‪ ،‬فالمسخور منه بضآلة جسمه‪،‬‬
‫وصفاته الخلقية الدالة على النقص والدونية‪ ،‬يحاول أن يتهدد العجاج ويتوعده‬
‫لمبارزته‪ ،‬ولكنه حين يرى العجاج يسكت خوفاً‪ ،‬وكأنه قد شد لحييه باللجام‪ ،‬فلم‬
‫يقدر على الكالم‪ ،‬وهذا ما يدل على ذلّه وهوانه أمام الساخر‪ ،‬ولهذا فإن الساخر‬
‫بمبالغته وتضخيمه ألوصاف المسخور منه‪ ،‬إنما يبعث على الضحك عند الملتقي‬
‫لهذا الشعر‪.‬‬
‫آلية اإليقاع الساخر‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ُي َع ُّد اإليقاع من العناصر الجمالية في النص الشعري‪ ،‬وهو يتمثل في‬
‫"تردد وحدات صوتية في السياق على مسافات متقايسة بالتساوي أو بالتناسب‬
‫( )‬
‫في وحدة البيت‪ .‬واإليقاع وهو النغم الذي "ينتج من طبيعة‬ ‫إلحداث االنسجام"‬
‫اللغة المستعملة في القصيدة‪ ،‬وما يصدر عن ألفاظها وتراكيبها من تلوِّن صوتي‬
‫(‪.)4‬‬
‫يتصل بشعرية القصيدة"‬
‫ويؤدي اإليقاع في النص الشعري وظيفة متميزة منها "وصل مكونات النص‬
‫(‪.)8‬‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬والتأثير في المتلقي"‬

‫( )‬
‫ديوان العجاج‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫( )‬
‫) ‪ 77 ،‬م) ‪،‬‬ ‫الطرابلسي‪ ،‬محمد الهادي‪ ،‬في مفهوم اإليقاع‪ ،‬حوليات الجامعة التونسية‪ ( ،‬تونس‪ ،‬العدد (‬
‫‪.‬‬ ‫ص‬
‫(‪)4‬‬
‫البار‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل حسين‪ ،‬شعر امرئ القيس‪ ،‬دراسة أسلوبية‪ ،‬ط ‪ ( ،‬صنعاء‪ ،‬مركز عبادي للدراسات والنشر‪،‬‬
‫‪ 8 8‬ه ‪ 004 -‬م)‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫(‪ )8‬الزيدي‪ ،‬توفيق‪ ،‬مفهوم األدبية في التراث النقدي إلى نهاية القرن الرابع‪ ،‬ص ‪. 47‬‬
‫‪373‬‬

‫واإليقاع يُعَدُّ طاقة من فنون القول والتواصل مع اآلخر‪ ،‬حيث استثمر‬


‫شعراء السخرية اإليقاع الساخر في النص الشعري‪ ،‬ألنه ينبع من "تناغم داخلي‬
‫حركي‪ ،.. .‬يكون تعبيراً عن تشنج أو توتر داخلي‪ .. .‬مصحوباً بلغة االنفعال‬
‫( )‬
‫الطبيعية"‬
‫وقد اعتمد الشعراء في بناء سخريتهم على اإليقاع‪ ،‬وما يشتمل عليه من‬
‫خصائص صوتية لأللفاظ‪ ،‬حيث استخدموا الخصائص الصوتية لبعض األصوات‬
‫استخداماً بارعاً بهدف اإلضحاك من المسخور منه‪ ،‬حتى وإن كانت األفكار‬
‫سطحية‪ ،‬ولكنه يتخذ من النص وإيقاعاته وقوافيه الموسيقية الراقصة وسيلة لنشر‬
‫الضحك‪ .‬وفي هذا اإلطار نجد جريراً يسخر من البعيث المجاشعي متخذاً من‬
‫اإليقاع وسيلة ساخرة ومضحكة في آن‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫يُخْزِيكَا‬ ‫شِبْهاً‬ ‫منها‬ ‫أَشْبَهْتَ‬ ‫تِيكَا‬ ‫وتيكَ‬ ‫هَاتيكَ‬ ‫ابنُ‬ ‫أنتَ‬
‫بَنِيكَا‬ ‫في‬ ‫الحُمْرَةَ‬ ‫تَرَى‬ ‫أَمَا‬ ‫كِيكَا‬ ‫صلَ‬
‫وعَ ْ‬ ‫حُمْرَانَ‬ ‫أَشْبَهْتَ‬
‫دِيكَا‬ ‫إسْكَتَيْها‬ ‫بَيْنَ‬ ‫كَأنَّ‬ ‫يا ابنَ التي كَانَتْ تَمْشِي حِيكَا‬
‫التَّوْرِيكَا‬ ‫مَلَّتِ‬ ‫لَمَّا‬ ‫تَقُولُ‬ ‫فِيكَا‬ ‫مَشَقِّ‬ ‫مِ ْثلُ‬ ‫اسْتِهَا‬ ‫فَرْجُ‬
‫( )‬
‫ن أَبِيكَا‬
‫ك العَبْ َد عَ ْ‬
‫ل أَخَا َ‬
‫عَا ٍ‬
‫فتكرار حرف (الكاف)‪ ،‬وما أحدثه من صوت انفجاري شديد دال على الرمي‬
‫والقذف بالمسخور منه (البعيث)‪ ،‬وفي هذا إخراج له من دائرة الرجولة‪.‬‬
‫أما إسماعيل بن عمار األسدي فقد عمد إلى تضخيم عيوب المسخورة منها‬
‫وتهويلها‪ ،‬وإظهارها بمظهر مشوّه ومضحك من خالل األلفاظ الوحشية واألوزان‬
‫الخفيفة‪ ،‬والقوافي المتحركة المحدودة ذات النبرات الصوتية العالية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫) عساف‪ ،‬ساسين‪ ،‬الصورة الشعرية ونماذجها في إبداع أبي نواس‪ ،‬ط ‪( ،‬بيروت‪ ،‬المؤسسة الجامعية‬ ‫(‬

‫للدراسات‪ 74 ،‬م)‪ ،‬ص ‪4‬‬


‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪804‬‬
‫‪374‬‬

‫كُنْدِشِ‬ ‫من‬ ‫وأخبثَ‬ ‫ألصَّ‬ ‫كالعصا‬ ‫بِزَمَّرْدَةٍ‬ ‫بليتُ‬


‫األطيشِ‬ ‫األسفه‬ ‫مع‬ ‫وتمشي‬ ‫الرجالَ‬ ‫وتأبى‬ ‫النساءَ‬ ‫تحبُ‬
‫األبرش‬ ‫القطا‬ ‫كبيض‬ ‫ولون‬ ‫ازيَّنَتْ‬ ‫إذا‬ ‫قردٍ‬ ‫وجهُ‬ ‫لها‬
‫المرعشِ‬ ‫من‬ ‫الخوافي‬ ‫كمثلِ‬ ‫جثلة‬ ‫لمة‬ ‫فوقه‬ ‫ومن‬
‫بِ زَادَ على كرشِ األكرشِ‬ ‫كالوطا‬ ‫خواصره‬ ‫وبطن‬
‫المعطشِ‬ ‫الثلة‬ ‫ذي‬ ‫كقربة‬ ‫بطنها‬ ‫على‬ ‫تدلى‬ ‫وثدي‬
‫( )‬
‫كساق الدجاجة أو أحمشِ‬ ‫خاتم‬ ‫يخلخلها‬ ‫وساق‬
‫فإسماعيل بن عمار قد بنى شعره الساخر باالعتماد على ما تحمله "األلفاظ‬
‫( )‬
‫حيث جاءت أبياته على وزن‬ ‫من طاقة إيقاعية [بوصفها] وسيلة إلبراز المعنى"‬
‫مجزوء المتقارب (فعولن فعولن * فعولن فعولن)‪ ،‬حيث أسهم هذا اإليقاع في نقل‬
‫الجو النفسي العام للساخر من المسخورة منها‪ ،‬حيث ترددت فيه صور مليئة‬
‫بالجزئيات الساخرة؛ فجاريته تشبه العصا في الضمور والصالبة‪ ،‬وطائر العقوق في‬
‫الخبث والخيانة‪ ،‬والقرد في دمامة الوجه‪ ،‬وبيض القطا في برص الجلد‪ ،‬وريش‬
‫النسر الهرم في كثافة الشعر‪ ،‬والسقاه الجلدي في انتفاخ الخصر وترهله‪ ،‬والقربة‬
‫الطويلة في تشنج الثدي‪ ،‬ورجل الدجاجة في نحول الساق‪ ،‬كما اعتمد على الكلمات‬
‫الحوشية التي تتكرر فيها حروف متناقضة النغمات كالسين والصاد والشين والخاء‬
‫والطاء والعين القاف والكاف‪ ،‬حيث أحدثت هذه األصوات المختلطة والمتباينة في‬
‫نبراتها ودرجاتها وجرسها موسيقى داخلية كشفت المعنى الساخر بعمق‪ ،‬حيث هدف‬
‫من ذلك إلى التشنيع المبني على التهريج والتهويش من المسخورة منها(‪ ،)4‬أما القافية‬
‫(‪،)8‬‬
‫حيث دلَّ‬ ‫ورويها (الشين) فهي قد كانت "قافية موحشة نافرة ومتهكمة ساخرة"‬

‫( )‬
‫شعر إسماعيل بن عمار األسدي‪ ،‬ص ‪. 4 – 4‬‬
‫) الزيدي‪ ،‬توفيق‪ ،‬مفهوم األدبية في التراث النقدي إلى نهاية القرن الرابع‪ ،‬ص ‪. 84‬‬ ‫(‬

‫(‪)4‬‬
‫‪.2‬‬ ‫‪–2‬‬ ‫ينظر‪ :‬عطوان ‪ ،‬حسين‪ ،‬شعراء الدولتين األموية والعباسية‪ ،‬ص‬
‫(‪)8‬‬
‫) ‪ ،‬يونيو‬ ‫العلي‪ ،‬د‪ .‬عدنان عبيد‪ ،‬السخرية االجتماعية في أدب المعري‪ ،‬مجلة البيان‪( ،‬الكويت‪ ،‬العدد (‪9‬‬
‫‪ 744‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪375‬‬

‫(الشين) على اندفاع الهواء عند النطق به‪ ،‬مما يدل على إبعاد المسخورة منها‬
‫وطردها من الكيان الداخلي والنفسي للشاعر‪.‬‬
‫آلية االلتباس‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫تتجلى السخرية القائمة على االلتباس في كون السخرية التباساً بين‬


‫أمرين‪ ،‬فالساخر قد يكون ضحية ذهوله عن موطن الحجة‪ ،‬مما يؤدي إلى‬
‫( )‪.‬‬
‫االلتباس‬

‫ومن أمثلة سخرية االلتباس في األمر القائم لدى الساخر‪ ،‬ما يقوله جرير‬
‫ساخراً من التيميين‪ ،‬حيث تجلى له األمر ملتبساً فيمن هم في موضع الحيرة من‬
‫أمرهم‪ ،‬بحيث ال يستطيع التمييز بينهم وبين عبيدهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫العبيدُ‬ ‫أيُّهم‬ ‫قُلْتَ‬ ‫وتيماً‬ ‫تيمٍ‬ ‫عبيدَ‬ ‫لَقِيتَ‬ ‫لو‬ ‫وإنَّكَ‬


‫( )‬
‫وال يَسْتَأمَرُون وَهُمْ شُهُودُ‬ ‫ويُقْضَى األَمْرُ حين تغيبُ تيمٌ‬
‫فسخرية االلتباس عند جرير تجلت في عدم مقدرته على التمييز بين التيميين‬
‫حرهم وعبيدهم حينما ينظر إليهم‪ ،‬وهو ما يوحى بذلِّ المسخور منهم‪ ،‬وقلة شأنهم‪،‬‬
‫وهذا ما أوضحه جرير في البيت الثاني زيادة في تحقيرهم‪ ،‬فهم قوم ال قدر لهم في‬
‫قومهم‪ ،‬كما أنهم ال يستشارون في األمور العظيمة سواء كانوا حاضرين أم غائبين‪.‬‬

‫ومن السخرية القائمة على آلية االلتباس ما قاله أرطأة بن سهية المري‪ ،‬عندما‬
‫شاهد الربيع بن قعنب‪ ،‬فذهل أرطأة مما شاهده من حالة المسخور منه هل هو من‬
‫جنس الرجال أم من جنس النساء‪ ،‬فقال ساخراً مصوراً التباسه في شخصية‬
‫المسخور منه‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫ينظر‪ :‬العمري‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬البالغة الجديدة بين التخييل والتداول‪ ،‬ص ص ‪0‬‬ ‫( )‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪2 ،‬‬
‫‪376‬‬

‫( )‬
‫ت أم ذكرُ‬
‫ت أأنثى أن َ‬
‫فما عرف ُ‬ ‫لقد رأيتُكَ عرياناً ومُؤْتَزِراً‬
‫أمَّا يحيى بن نوفل فيبني سخريته على االلتباس الساخر من أصل العريان بن‬
‫الهيثم بن األسود النخعي‪ ،‬عندما تزوج (زباد)‪ ،‬فقال ساخراً من ادعاء العريان في‬
‫أصله وزواجه من زباد‪ ،‬التي كانت زوجة للوليد بن عبد الملك‪:‬‬
‫أمن مذحجٍ تدعون أَمْ من إيادِ‬ ‫أعريانُ ما يدري امرؤٌ سُ ِئلَ عنكم‬
‫لبيضُ الوجوهِ غيرُ جدِّ جِعَادِ‬ ‫فإن قلتم‪ :‬من مذحجٍ إن مذحجاً‬
‫بمدادِ‬ ‫مَطْلِيَّةٌ‬ ‫وجوهُكم‬ ‫وأنتم صغارُ الهامِ جُ ْدلٌ كأنما‬
‫ب‬
‫وَنَاصِرُنَا في كلِّ يومٍ جِالدِ‬ ‫فإن قُلْتُمْ‪ :‬الحي اليمانون أصلُنا‬
‫بزبادِ‬ ‫قصروا‬ ‫ما‬ ‫لقد‬ ‫زبادَ‬ ‫لعمرُ بني شيبان إن ينكحونَهُ‬
‫جوادِ‬ ‫خلِافَ‬ ‫عَيْراً‬ ‫كمنزيةٍ‬ ‫أبعد الوليدِ أنكحوا عبدَ مَذْحجٍ‬
‫( )‬
‫ضلَّ اهللُ سَعْيَ زيادِ‬
‫زيادٌ أَ َ‬ ‫وأنكحها ال في كفاءٍ وال غِنًى‬
‫فااللتباس الساخر تأسس عند يحيى بن نوفل على السخرية من نسب العريان‬
‫هل هو من مذحج أم من أياد‪ ،‬وتعمقت السخرية عندما أشار يحيى بن نوفل أن‬
‫المذحجيين بيض وهو أسود‪ ،‬وهنا يتهكم به‪ ،‬هل بعد الوليد بن عبد الملك ينكح زبادًا‬
‫عب ٌد أسود‪ ،‬فهو يرى الضاللة في هذا الزواج‪.‬‬
‫وعلى المنوال الساخر نفسه القائم على اإللتباس نجد اللعين المنقري يسخر‬
‫من نسب شعيث بن سهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫سهْ ٍم أمْ شُ َعيْثُ بنِ ِمنْقَ ِر‬
‫شُ َعيْثُ بنُ َ‬ ‫ك ما أدري وإنْ كُنْتُ َدارِياً‬
‫لَ َعمْ ُر َ‬
‫‪ -4‬آلية الذهول‪:‬‬
‫إنَّ المسخور منه في نظر الساخر شخص يقع في ذهول وعمياء من المقام‬
‫والمحيط االجتماعي والفكري‪ .‬ومن هذا المنطلق فإن المسخور منه "يخفق في‬

‫( )‬
‫شعر أرطاة بن سهمية المري ‪،‬ص ‪97‬‬
‫( )‬
‫يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره‪ ،‬ص ‪40‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫اللعين المنقري‪ :‬حياته وما بقي من شعره‪ ،‬ص‪890‬‬
‫‪377‬‬

‫( )‪،‬‬
‫حيث تهيمن رغباته النفسية‪ ،‬فيورد كل الحجج‬ ‫توجيه الحجة ال في استجالبها"‬
‫التي تتجه نحو الرغبة التي يتمناها‪ ،‬ويتجاهل كل ما ال يرغب فيه‪ .‬وعلى هذا‬
‫يمكن القول إن المسخور منه يضع عالمة (صح) لما يرغب فيه وعالمة (خطأ)‬
‫لكل ما ال يرغب فيه‪.‬‬

‫والمسخور منه على وفق آلية الذهول في السخرية يبرز سوء توظيف‬
‫المعرفة ودقتها‪ ،‬فالذهول يُعَدُّ "أحد المبادئ الكبرى في تفسير السخرية‪ ،‬وأحد أهم‬
‫( )‪.‬‬
‫تقنيات جلب الضحك"‬

‫ومن أمثلة بناء السخرية القائم على الذهول قول جرير ساخراً من ضيف قدم له‬
‫آخر الليل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫إذاً ألتاني من ربيع َة راكبُ‬ ‫لو كُنْتَ في غمدانَ أو في عمايةٍ‬


‫أو الجوفِ طَبٌّ بالنِّزَالَةِ دَارِبُ‬ ‫جرزةَ أهلُهُ‬
‫بوادي الحُشَيْفِ أو بِ ُ‬
‫كضَبِّ العَرَادِ خَطْوُهُ مُ َتقَارِبُ‬ ‫يثيرُ الكالبَ آخرَ الليلِ صوتُهُ‬
‫(‪)4‬‬
‫وسَطَّرَ من لُقَّاعَةٍ وهو كاذبُ‬ ‫وصَوْبَهُ‬ ‫الربيعَ‬ ‫يُمنِّينَا‬ ‫فباتَ‬
‫فالسخرية في قوله ( فبات يمنينا الربيع وصوبه‪ .. .‬كاذب) فالذهول في هذه‬
‫السخرية يقوم على ما يتجلى في أقوال المسخور منه من خالل استدراج أهل‬
‫الضيافة والكرم‪ ،‬فالمسخور منه يريدهم ينظرون إليه بمحبةٍ وشفقٍ تامين‪ ،‬من خالل‬
‫ما كان يحدثهم به‪ ،‬وهو حديث الغيث واألمطار‪ ،‬وموقع الغيث والبرق‪ ،‬ويستطرد‬
‫المسخور منه في كذبه عن ذلك الغيث والمطر‪ ،‬حتى يجعلهم يستظرفونه‪ ،‬ويفرحون‬
‫بقدومه ضيفاً عليهم آخر الليل‪ ،‬كما أن الذهول الساخر في هذا البيت تجلى في أن‬

‫( ) العمري‪ ،‬محمد‪ ،‬البالغة الجديدة بين التخييل والتداول‪ ،‬ص‬


‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫(‪ )4‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫‪378‬‬

‫الضيف رجل لقَّاعة‪ ،‬أي أنه كان خطيباً ومحدثاً يلقع الكالم‪ ،‬أي أنه يستميل أهل‬
‫الضيافة بهدف استدراجهم لزيادة تكريمهم له‪ ،‬واالحتفاء الكثير به‪.‬‬
‫أما الفرزدق فيبني سخريته على الذهول من خالل التصوير الساخر بابن‬
‫المهلب الذي نادى األزديون أنه القحطاني الذي ينقض مدينة دمشق حجراً حجراً‪،‬‬
‫ليحل محل الظلم السائد العدل‪ ،‬حيث يقول ساخرًا منه‪:‬‬
‫اسْ َتقَلَّتِ‬ ‫حين‬ ‫كالطيرِ‬ ‫خِرَقٌ‬ ‫لها‬ ‫فَوْقَهَا‬ ‫تَخْفِقُ‬ ‫الشامِ‬ ‫جنودُ‬ ‫أتتك‬
‫دِمِشْقَ التي كَانَتْ إذا الحربُ حَرَّتِ‬ ‫نَاقِضٌ‬ ‫أَنكَ‬ ‫الكُهَّانُ‬ ‫تُخَبِّرُكَ‬
‫( )‬
‫فَطَالَتْ على رغمِ العِدى فَاشْمَخَرَّتِ‬ ‫صُخُورُ الشَّظَا مِنْ فَ ْرعِ ذي الشَّرْي‬
‫فانْتَ َمتْفالسخرية قائمة على الذهول الذي ادّعى به الكهان على أن المهلب هو محرر‬
‫مدينة دمشق من األمويين‪ ،‬ولذلك صوّر الفرزدق السخرية من الدعاوي واألراجيف‬
‫فانتمت التي كانت تتعالى مع حركة األزديين‪.‬‬
‫المذهلة‬
‫آلية التوريط‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫يُعَدُّ التوريط آلية من آليات بناء السخرية‪ ،‬ويتجلى التوريط في بناء السخرية‬
‫من خالل قيام الساخر ببسط الحجج التي تكشف للمسخور منه منطقه الخاص‬
‫المستمد من هواه وذهوله عن الواقع‪ ،‬فيجلب له الحجة في غير موضعها‪ ،‬وتقديمها‬
‫( )‪.‬‬
‫في غير مناسبتها فتسبب له السخرية من فعله‬
‫ويتدخل الساخر مباشرة ليمد المسخور منه بالحجج والبراهين المناسبة لإلقبال‬
‫على المطلوب (المراد توريطه فيه)‪ ،‬ومن ثم يكتشف المسخور منه تورطه في عمله‬
‫الذي قام به‪.‬‬
‫ومن أمثلة السخرية التي تُبنى على التوريط‪ ،‬ما قام به مسكين الدارمي عندما‬
‫قدم ا لعراقي للمدينة لبيع الخُمر‪ ،‬حيث باعها كلها إلَّا الخُمر السود‪ ،‬فجاء إليه العراقي‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪08 - 04‬‬
‫( )‬
‫ينظر‪ :‬العمري‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬البالغة الجديدة بين التخييل والتداول‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪379‬‬

‫شاكياً عدم شراء الخُمر السود من قبل النسوة‪ .‬وكان مسكين قد تنسك ولزم المسجد‪،‬‬
‫فعمد مسكين إلى ثياب نسكه وألقاها‪ ،‬وعاد إلى مثل شأنه األول‪ ،‬وقال شعراً رفعه‬
‫إلى صديق له من المغنين‪ ،‬فغنى بشعره الذي يقول فيه‪:‬‬
‫متعبِّدِ‬ ‫بناسكٍ‬ ‫أردتِ‬ ‫ماذا‬ ‫قلْ للمليحةِ في الخمارِ األسودِ‬
‫حتى قعدتِ له ببابِ المسجدِ‬ ‫ثيابَه‬ ‫للصالةِ‬ ‫شمَّر‬ ‫كانَ‬ ‫قد‬
‫( )‬
‫ال تقتليه بحقِ آلِ محمدِ‬ ‫وصيامَهُ‬ ‫صالتَهُ‬ ‫عليه‬ ‫رُدّي‬
‫وشاع في المدينة هذا الغناء‪ ،‬وقال الناس‪ :‬لقد رجع مسكين الدارمي وتعشق‬
‫بصاحبة الخمار األسود‪ ،‬فلم تبقَ مليحة في المدينة إلَّا واشترت لها خماراً أسود‪،‬‬
‫وباع التاجر العراقي جميع ما معه من الخُمر السود‪ ،‬فسأله النُّساك ماذا صنعت؟‬
‫فقال لهم‪ :‬ستعلمون نبأه بعد حين‪ ،‬فلما نفذ ما كان مع العراقي من خُمر‪ ،‬رجع‬
‫مسكين الدارمي إلى نسكه ولبس ثيابه‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإن مسكين الدارمي قدّم حججاً مقنعة‪ ،‬وصوراً مثالية للخُمر‬
‫السود من خالل شعره المغنى عن جمالية الخمار األسود‪ ،‬فتقدمت جميع نسوة‬
‫المدينة لشرائها‪ ،‬ويمكن توصيف هذه األبيات الساخرة بحسب اآلتي‪:‬‬
‫المسخور منه‬ ‫الساخر‬
‫نسوة المدينة‬ ‫مسكين الدارمي‬
‫اقتناع نساء المدينة بفعالية الخمار األسود‬ ‫العمل المورط فيه‬
‫ترك مسكين الدارمي للباس النُسك‬ ‫الحجج والبراهين‬
‫عودة مسكين إلى نسكه وعبادته‪ ،‬وبيع الخُمر السود‬ ‫التوريط‬
‫ومن السخرية القائمة على التوريط أيضاً ما قاله الفرزدق ساخراً من جرير‪،‬‬
‫عندما همَّ بقتل أبيه‪ ،‬فعدله الفرزدق عن القتل‪ ،‬وأرشده إلى بيع أبيه في سوق‬
‫النخاسة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ديوان مسكين الدارمي‪ ،‬ص ‪40‬‬
‫‪381‬‬

‫َبدلِ‬
‫فت َّ‬ ‫غيرَهُ‬ ‫ولكن‬ ‫أبُوكَ‬ ‫لكَ الويلُ ال تقتلْ عطيةَ إنِّهُ‬
‫أباً شرَّ ذي نعلين أو غير مُنْعَلِ‪.‬‬ ‫وبادلْ به من قومٍ بضعةَ مِثْلَهُ‬
‫( )‬
‫ت فافْعَلِ‬
‫فراقاً لَهُ إالّ الذي رُمْ َ‬ ‫فإنْ هُمْ أبوا أن يقبلُوهُ ولم تجدْ‬

‫فالفرزدق قد عرض للسخرية من جرير عن طريق التوريط‪ ،‬عندما ضاق‬


‫جرير بوالده ذرعاً‪ ،‬وأعياه لؤمه فقد عزم على التخلص من أبيه عن طريق القتل‪،‬‬
‫ويأتي الفرزدق ناصحاً له ومشفقاً على أبيه‪ ،‬لكي يترفق به االبن‪ ،‬فدلّه على طريق‬
‫الخالص منه‪ ،‬وهي طريقة أرحم من القتل‪ ،‬وتتمثل في استبداله بمثيل له في القدمين‬
‫وأسوأ النعال‪ ،‬وتطبيقاً لنصيحة الفرزدق‪ ،‬دار جرير بوالده دورة تامة‪ ،‬يتنقل به لبيعه‬
‫أو استبداله‪ ،‬وهنا تكمن سخرية التوريط‪ .‬ويمكن إيضاح هذه اآللية حسب اآلتي‪:‬‬

‫المسخور منه‬ ‫الساخر‬


‫جرير‬ ‫الفرزدق‬
‫استبدال والده بشخص مثله في الصفات الجسمية‬ ‫العمل المورط فيه‬
‫والعقلية‬
‫االبتعاد عن القتل لحرمته (لك الويل)‪ ،‬وألنه أبوه‬ ‫الحجج والبراهين‬
‫استبدال أبيه بأب آخر مثله في اللؤم والقبح والدناءة‬ ‫التوريط‬
‫أما الحكم بن عبدل األسدي فيبني سخريته على التوريط من خالل النصائح‬
‫التي قدمها للمسخور منه محمد بن حسان التميمي لعالج البُخر‪ ،‬حيث أسدل له‬
‫عالجًا يتجلى منه التوريط الساخر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫المُ ِغدِّ‬ ‫الدَّبرِ‬ ‫غَ ِثيثَةِ‬ ‫ِبمثلِ‬ ‫فَوْحاً‬ ‫عَلَيَّ‬ ‫فُوهُ‬ ‫فَاحَ‬ ‫فلمَّا‬
‫رَنْدِ‬ ‫قَتَارِ‬ ‫ِبريحِ‬ ‫هذا‬ ‫فما‬ ‫عنّي‬ ‫بِفيكَ‬ ‫تنحَّ‬ ‫لهُ‬ ‫فقلتُ‬
‫جهْ ِد‬
‫بِ َ‬ ‫آماالً‬ ‫فيه‬ ‫فتعذرَ‬ ‫هذا‬ ‫دَاوَيْتَ‬ ‫أما‬ ‫له‬ ‫فقلتُ‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪207‬‬
‫‪381‬‬

‫ستُسْ ِدي‬ ‫فيما‬ ‫لنا‬ ‫فتسديَه‬ ‫رِقَاءَ‬ ‫له‬ ‫عَلِمْتَ‬ ‫أما‬ ‫فقالَ‬
‫وأُبدي‬ ‫له‬ ‫أسرُّ‬ ‫فيما‬ ‫له‬ ‫عياً‬ ‫آلوه‬ ‫وال‬ ‫له‬ ‫فقلتُ‬
‫َكنَعْ ِد‬ ‫نونِ‬ ‫من‬ ‫ذاكَ‬ ‫ومِثَْليْ‬ ‫كلبٍ‬ ‫جعْرِ‬
‫وبِ َ‬ ‫بقيئةٍ‬ ‫عليكَ‬
‫فَهْ ِد‬ ‫وَ ِد َماغِ‬ ‫حَرْ َملٍ‬ ‫وعُودَيْ‬ ‫وثُومٍ‬ ‫وكُ َّراثٍ‬ ‫وحلتيتٍ‬
‫َفقْ ِد‬ ‫بَزْر‬ ‫من‬ ‫شعيرةٍ‬ ‫ووزنِ‬ ‫س‬
‫عرْ ٍ‬
‫وحنجرةِ ابنِ آوى وابنِ ِ‬
‫رَقْدِ‬ ‫صوَّان‬ ‫من‬ ‫ومثقالين‬ ‫صقر‬
‫َ‬ ‫ولسانِ‬ ‫ح‬
‫ذُ ُرحْ ُر ٍ‬ ‫ف‬
‫َوكَ ِّ‬
‫قِرْدِ‬ ‫جعْرِ‬
‫وبِ َ‬ ‫آجنٍ‬ ‫ببولٍ‬ ‫منه‬ ‫المنخولُ‬ ‫جنُ‬
‫ويُعْ َ‬ ‫ُي َدقُ‬
‫لبردِ‬ ‫يبدو‬ ‫فال‬ ‫وترقبه‬ ‫شعيرٍ‬ ‫في‬ ‫زماناً‬ ‫وتدفنُهُ‬
‫وَنَدِّ‬ ‫بأظفارِ‬ ‫يعجنُ‬ ‫وال‬ ‫منه‬ ‫عتَّقت‬ ‫ما‬ ‫فَاكَ‬ ‫فدخِّنْ‬
‫( )‬
‫ك أمرَ رُشْ ِد‬
‫أراكَ اهللُ غََّي َ‬ ‫فإنْ حضرَ الشتاءُ وأنتَ حيٌّ‬
‫فالسخرية في األبيات السابقة تجلت في الحوار الساخر الذي أداره الساخر‬
‫مع المسخور منه‪ ،‬حيث سأله ألم تحاول عالج رائحة فمك الكريهة والبشعة‪ ،‬فردَّ‬
‫واإلرشاد‪ ،‬فقدَّم له الساخر العالج على سبيل‬ ‫عليه المسخور منه طالباً النصح‬
‫السخرية‪ ،‬وهنا يكمن التوريط الساخر في العالج‪ ،‬إنه أشبه ما يكون بالعالج الشعبي‬
‫القائم على الوصفات النباتية‪ ،‬كما تجلت السخرية في وصفة العالج القائم على‬
‫القاذورات‪ ،‬وبعض أجزاء الحيوانات والحشرات السامة‪ ،‬حيث يدق ذلك الخليط القذر‬
‫المميت‪ ،‬وينخله ومن ثم يعجنه بالبول اآلجن وبجعر القرد‪ ،‬ثم يدفنه في شعير‪،‬‬
‫ويبخر به فمه‪ ،‬ثم يختتم عالجه بالدعاء الساخر للمسخور منه‪ ،‬وهو دعاء فيه ضالل‬
‫وهالك للمسخور منه‪ ،‬ألنه لو نفذ هذا العالج فلن يعيش حتى يبلغ الشتاء‪ ،‬فيهلك‬
‫وهو يتمناه الساخر‪ .‬ويمكن توضيح السخرية حسب اآلتي‪:‬‬

‫المسخور منه‬ ‫الساخر‬


‫محمد بن حسان التميمي‬ ‫الحكم بن عبدل األسدي‬

‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪0 - 02‬‬
‫‪382‬‬

‫عالج بُخر الفم‬ ‫العمل المورط به‬


‫تقديم وصفه مناسبة من وجهة نظر الساخر لعالج بُخر‬ ‫الحجج والبراهين‬
‫الفم‬
‫استخدام العالج الساخر وهالك المسخور منه‬ ‫التوريط‬

‫وفي موضع آخر من السخرية القائمة على توريط المسخور منه نجد الحكم‬
‫بن عبدل األسدي يقدم وصفة عالجية أخرى لعالج حكة الناسور‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫رعدِ‬ ‫إرزامُ‬ ‫دويَّهُ‬ ‫كأنَّ‬ ‫قعدنا‬ ‫مُذْ‬ ‫لبطنكَ‬ ‫ما‬ ‫وويلكَ‬


‫دواءً إن صبرتَ لهُ سيُجدي‬ ‫عندي‬ ‫الناسورِ‬ ‫لحكةِ‬ ‫فإنَّ‬
‫المَقَ ِّدي‬ ‫سنَّ‬ ‫سَنَنْتَه‬ ‫أنتَ‬ ‫إنْ‬ ‫وتشتهيه‬ ‫عنك‬ ‫الدودَ‬ ‫ُيميتُ‬
‫ف َو َرنْ ِد‬
‫ص ٍ‬
‫وشيءٍ من جَنَى لَ َ‬ ‫دِفْلَى‬ ‫بأصولِ‬ ‫وطَلَيْتَهُ‬ ‫به‬
‫( )‬
‫أهانَ اهللُ من نَاجَاهُ بَعْ ِدي‬ ‫ِفيهِ‬ ‫ن‬
‫نَتْ ِ‬ ‫من‬ ‫مَِّيتاً‬ ‫أَظُِّني‬
‫فالسخرية قائمة على العالج الساخر‪ ،‬وهو عبارة عن طالء استه بالدفلى‪ ،‬وهو‬
‫نبات مرّ قتّال‪ ،‬واللصف وهو نبات إذا حكَّ به الوجه يجعله أحمر‪ ،‬وهكذا يتجلى من‬
‫هذه الوصفة العالجية التوريط الساخر الستخدامها حتى يهلك المسخور منه‪.‬‬

‫آليات الحوار والسرد‪:‬‬ ‫‪-5‬‬

‫اعتمد شعراء السخرية في العصر األموي في كثير من سخرياتهم على أسلوب‬


‫الحوار والسرد‪ ،‬حيث لجأ الشعراء إلى اعتماد أسلوب الحوار القائم على الصورة‬
‫السردية‪ ،‬بهدف التوغل في تحليل نفسية المسخور منه أو الساخر‪ ،‬حيث اتجه‬
‫الساخرون إلى السرد القائم على أسلوب الحكي (قالَ ‪-‬قُلْتُ ‪-‬قَالَتْ)‪ .‬ومن أمثلة هذا‬
‫النوع من السخرية الحوار السردي الذي صوّر فيه الحكم بن عبدل األسدي الحوار‬

‫( )‬
‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪09‬‬
‫‪383‬‬

‫الذي دار بينه وبين المرأة الهمذانية التي تزوجها‪ ،‬فقال مسرداً حوارها معها ليلة‬
‫الزفاف‪:‬‬

‫تعذراني‬ ‫لم‬ ‫إن‬ ‫اللؤم‬ ‫أقال‬ ‫دعاني‬ ‫لومِ‬ ‫من‬ ‫أعاذلتي‬


‫البنانِ‬ ‫مخضبةِ‬ ‫مبرقعةٍ‬ ‫عجوزٍ‬ ‫على‬ ‫دللتُ‬ ‫قد‬ ‫فإني‬
‫بالزعفرانِ‬ ‫ضُ ِّرجَتْ‬ ‫ما‬ ‫إذا‬ ‫إلَّا‬ ‫واخضّرَّ‬ ‫جلدُها‬ ‫تغضنَ‬
‫أَرْوَنَانِ‬ ‫بيومِ‬ ‫أظلَّتني‬ ‫وحَادَثَتْني‬ ‫دخلتُ‬ ‫أنْ‬ ‫فلما‬
‫باألَذانِ‬ ‫حرٍّ‬ ‫نداءَ‬ ‫س ِمعْتُ‬
‫َ‬ ‫حتى‬ ‫األزمانِ‬ ‫عن‬ ‫تُحَدِّثُنِي‬
‫طلقاني*‬ ‫صاحباني‬ ‫فلمَّا‬ ‫فقالَتْ قد نَكَحْتُ اثنين شتى‬
‫قد َن َعانِي‬ ‫حيٍّ‬ ‫فليتَ عريفَ‬ ‫فماتوا‬ ‫نكحتُهم‬ ‫وأربعةٌ‬
‫ومزادتانِ‬ ‫ظالعٌ‬ ‫حمارٌ‬ ‫مالي‬ ‫قُلْتُ‬ ‫ماتالدُك؟‬ ‫وقالَتْ‪:‬‬
‫متخرقانِ‬ ‫مُفْلِسٍ‬ ‫وثوبا‬ ‫زيوفٌ‬ ‫وأربعةٌ‬ ‫وبوريٌّ‬
‫متقابالنِ‬ ‫عومةٍ‬ ‫ودنا‬ ‫فيها‬ ‫تمرَ‬ ‫ال‬ ‫جُلَّةٍ‬ ‫وقطعةُ‬
‫الشاهدانِ‬ ‫تقولُ‬ ‫ما‬ ‫ليسمعَ‬ ‫فقالَتْ‪ :‬قد رَضِيْتُ فسم ألفا‬
‫ثمانِ‬ ‫وال‬ ‫تُ َعدُّ‬ ‫تسعٌ‬ ‫وال‬ ‫عتيدٍ‬ ‫ألف‬ ‫عندنا‬ ‫لكِ‬ ‫وما‬
‫( )‬
‫لكم عندي الطويلُ من الهوانِ‬ ‫ولكن‬ ‫ستٌّ‬ ‫وال‬ ‫سبعٌ‬ ‫وال‬
‫فالحكم بن عبدل األسدي قد رسم صورة مضحكة وهازلة لعجوزه المتصابية‪،‬‬
‫التي مازالت تستخدم الخضاب والزعفران رغم تغضن جلدها واخضراره‪ ،‬وقد‬
‫كشف الحكم بن عبدل في األبيات السابقة الحوار الهزلي بينه وبين زوجته ليلة‬
‫الزفاف‪ ،‬حيث رسم الحوار القائم على السرد والحكي لتصوير زمانها المؤلم‬
‫والقاسي‪ ،‬فعروسه قد تزوجت اثنين من الرجال‪ ،‬وكان سبيلها معهم إلى الطالق‬
‫صبيحة يوم العرس‪ ،‬ثم تزوجت أربعة من الرجال فماتوا‪ ،‬ثم صور حوارها معه‬

‫( )‬
‫–‪9‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص‬
‫*ويروى البيت‪ :‬فلما صابحاني طلقاني‬
‫‪384‬‬

‫عن ممتلكاته‪ ،‬فرد عليها بنفس األسلوب الساخر‪ ،‬فهو فقير ال يملك إال حماراً ظالع ًا‬
‫ومزادتين وثوبين متخرقين‪ ،‬وحصيراً منسوجاً من القصب‪ ،‬وأربعة دراهم زائفة‪،‬‬
‫وقفة كبيرة لوضع التمر فيها‪ ،‬ولكنها خالية‪ ،‬وهو ما يوحى بفقره‪ .‬ولكن الزوجة من‬
‫خالل الحوار السردي الهازل تتمسك به زوجاً لها‪ .‬فالحكم بن عبدل صوّر عروسه‬
‫عبر الحوار السردي الساخر أنها امرأة ال تطاق الرجال‪ ،‬ولهذا فهي امرأة نكد‬
‫وشؤم‪ ،‬وقد قابلها بصورته الدالة على الفقر والهوان الطويل‪ ،‬فهما وجهان متالزمان‬
‫( )‬
‫في الشؤم والفقر‬

‫( )‬
‫ينظر‪ :‬شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪4 8 - 4 4‬‬
‫‪385‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫وظائف السخرية وأثرها في الشعر األموي‬
‫‪386‬‬

‫وظائف السخرية في الشعر األموي‬

‫تقوم وظائف السخرية في الشعر األموي من خالل االعتماد على العالقة‬


‫القائمة بين الساخر والمسخور منه‪ ،‬بحسب عناصر االتصال اللغوي بينهما‪ ،‬وتبادل‬
‫األدوار في إطار إيصال الرسالة الساخرة إلى المسخور منه‪ ،‬وإلى المتلقين للسخرية‬
‫وهم‪ :‬الجمهور المتابع للشعر في سوق المربد والمجالس األدبية التي كانت تقام في‬
‫ذلك العصر‪.‬‬
‫والشعر األموي الساخر ينشأ في إطار تبادل اللغة الشعرية التي تشكل أداة‬
‫االتصال فيما بين الساخر (منشئ الرسالة)‪ ،‬والمسخور منه والمتلقين للسخرية‪،‬‬
‫والتي من خاللها تتحقق وظيفة السخرية في الشعر‪ ،‬عبر رسالته الشعرية التي‬
‫يرسلها الشاعر (الساخر) ‪ ،‬حيث تمر الرسالة بأطوار متعددة بحسب ما يقول حازم‬
‫القرطاجني‪ ،‬الذي يرى أنَّ "األقاويل الشعرية تختلف مذاهبها وأنحاء االعتماد فيها‬
‫بحسب الجهة أو الجهات التي يعتني الشاعر فيها بإيقاع الحيل التي هي عمدة في‬
‫إنهاض النفوس لفعل شيء أو تركه أو التي هي أعوان للعمدة‪ .‬وتلك الجهات هي ما‬
‫يرجع إلى القول نفسه‪ ،‬أو ما يرجع إلى القائل‪ ،‬أو ما يرجع المقول فيه‪ ،‬أو ما يرجع‬
‫( )‬
‫إلى المقول له‪".‬‬
‫والمتأمل لمقولة حازم القرطاجني يرى أنه حدد عناصر االتصال في أربعة‬
‫أطراف هي‪ :‬القول (الرسالة)‪ ،‬القائل (المرسِل‪ ،‬الساخر)‪ ،‬والمقول فيه(السياق)‪،‬‬
‫والمقول له (المرسَل إليه‪ ،‬المسخور منه)‪ .‬وهي نفس العناصر التي اعتمد عليها‬
‫( )‬
‫رومان جاكبسون في مخطط االتصال المشهور الذي يحدد وظائف اللغة الشعرية‪.‬‬

‫( )‬
‫القرطاجني‪ ،‬حازم‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬بركة‪ ،‬فاطمة الطبال‪ ،‬النظرية األلسنية عند رومان جاكبسون‪ ،‬ط (بيروت‪ ،‬المؤسسة الجامعية‬
‫‪.‬‬ ‫للدراسات والنشر‪ 8 4 ،‬ه ‪ 774-‬م) ‪ ،‬ص ‪- 8‬‬
‫‪387‬‬

‫السياق‬

‫الرسالة‬

‫المرسَل إليه‬ ‫المرسِل‬

‫القناة (وسيلة االتصال)‬

‫الشفرة (السنن)‬
‫ومن هذا المنطلق يتجلى لنا من خالل مقولة حازم القرطاجني السابقة وعيه‬
‫بعناصر االتصال اللغوي التي يُبنى عليها كل نشاط لغوي‪ ،‬ومنها تلقي الشعر‬
‫الساخر‪ ،‬التي تحقق من خاللها الرسالة الشعرية وظيفتها التي تؤديها‪ ،‬ولهذا يؤكد‬
‫حازم على أهمية الوظيفة التي تؤديها الرسالة في إطار السياق الشعري‪ ،‬كما أنَّه‬
‫يَعُدُّ" المرسِل والمرسَل إليه كدعامات وأعوان لتحقيق هذه المفاعلة‪[ ...‬فضالً عن] أنَّ‬
‫اإلبداع يكمن في توظيف اللغة توظيفاً جمالي ًا يقوم على مهارة االختيار وإجادة‬
‫( )‬
‫ولهذا يمكن القول مما سبق إنَّ الوظيفة الشعرية للسخرية تبرز في‬ ‫التأليف‪".‬‬
‫إطار اللغة التواصلية بين الساخر والمسخور منه‪ ،‬والتي تتجلى في أثناء هيمنة‬
‫عنصر من عناصر االتصال (المرسِل‪-‬الساخر)‪ ،‬الذي يهدف من سخريته إلى تحقيق‬
‫( )‬
‫وظيفة في أطراف عملية السخرية‪.‬‬
‫والدارس للشعر األموي الساخر يالحظ أنَّ غايات الساخر ومقاصده من‬
‫السخرية قد ترجع إلى غايات تتعلق بالساخر أو المسخور منه‪ ،‬وقد تتصل الغايات‬
‫بأدوار ينشدها الساخر في المسخور منه اجتماعياً أو إنسانياً أو فكرياً‪ ،‬وقد تتعلق‬
‫المقاصد بالذات الساخرة وإنتاجها اإلبداعي في جمالية الشعر‪.‬‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫الغذامي‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل محمد‪ ،‬الخطيئة والتكفير‪ ، ،‬ص‬
‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬إيفانكوس‪ ،‬خوسيه‪ ،‬نظرية اللغة األدبية‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬حامد أبو أحمد‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة غريب‪،‬‬
‫‪ 77‬م) ‪ ،‬ص ‪.2 -20‬‬
‫‪388‬‬

‫كما أنَّ هذه الغايات والوظائف التي يجسدها الشاعر الساخر قد تتجلى في صورة‬
‫مباشرة‪ ،‬وقد تكون في صورة غير مباشرة‪.‬‬
‫ويمكن تقسيم وظائف السخرية في الشعر األموي إلى وظائف مباشرة‪ ،‬وهي‬
‫تكون في ظاهرها اإلضحاك والدونية‪ ،‬ومنها يظهر النقد للمسخور منه‪ ،‬أمَّا الوظائف‬
‫غير المباشرة فهي التي يضمِّنها الساخر عمله الشعري‪ ،‬حيث إنَّ الساخر ال يسعى‬
‫للسخرية بأسلوب مباشر‪ ،‬ولكنه يبثها في ثنايا عمله الشعري واإلبداعي القائم على‬
‫السرد أو الحجاج أو الحوار أو المهارة الجمالية في كتابة الشعر‪ .‬ولهذا يمكن القول‬
‫إنَّ السخرية تتجلى من خالل وظائفها غير المباشرة في أنَّها ليست وسيلة للضحك‬
‫المباشر‪ ،‬بل إنَّها "إستراتيجية في القول تطبع النص بطابع مميَّز‪ ،‬وتضفي عليه جواً‬
‫خاصاً" ( ) من السخرية العميقة‪.‬‬
‫الوظائف المباشرة للسخرية في الشعر األموي‪:‬‬
‫تُعَدُّ السخرية وسيلة فنية استخدمها الشعراء في إطار شعرهم‪ ،‬بهدف التعبير‬
‫عن الواقع الذي يعيشون فيه‪ ،‬وإلبداء رؤى من المجتمع وكياناته المختلفة على‬
‫صعيد مناحي الحياة كافةً؛ الفكرية منها والسياسية واالجتماعية واإلبداعية‪ .‬ولهذا‬
‫وجدوا في السخرية كظاهرة فنية في الشعر أداةً للنقد وإبداء الرأي في ظواهر الحياة‬
‫المختلفة‪ ،‬فضالً عن أنَّهم اتخذوها وسيلة إلثراء الشعر األموي وإلهاب حماسه في‬
‫األسواق األدبية ومنتديات الخلفاء ومجالسهم‪ ،‬من خالل االستمتاع والضحك بما‬
‫يقوله كل شاعر ضد خصمه أو قبيلته‪ ،‬وال سيَّما أنَّ العصر األموي كان مليئاً‬
‫( )‬
‫بالعصبيات القبلية‪.‬‬
‫وقد تجلت الوظائف المباشرة للسخرية في الشعر األموي في ثالث وظائف‬
‫هي‪ :‬الوظيفة التعبيرية‪ ،‬والوظيفة التأثيرية‪ ،‬والوظيفة االجتماعية‪.‬‬

‫( )‬
‫الجريبي‪ ،‬نورالدين ‪ ،‬السخرية وداللتها في رواية اللجنة لصنع اهلل إبراهيم‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬النص‪ ،‬د‪ .‬إحسان‪ ،‬العصبية القبلية وأثرها في الشعر األموي‪ ،‬ط ‪( ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ 79 ،‬م) ‪،‬‬
‫ص ‪.8 7 ،809 ،4 7‬‬
‫‪389‬‬

‫‪-1‬الوظيفة التعبيرية‪:‬‬

‫ترتبط الوظيفة التعبيرية في الشعر الساخر بشخصية الساخر‪ ،‬حيث يُعدُّ‬


‫الشاعر الساخر فيها هو المعني بإيصال رسالته إلى المسخور منه والمتلقين‪ ،‬ولهذا‬
‫فإنَّ الوظيفة التعبيرية في السخرية تكون" مركزةً على الموجِّه[الساخر]‪ ،‬وتهدف إلى‬
‫( )‪،‬‬
‫فالساخر في إطار هذه‬ ‫تعبير مباشر عن موقف الفاعل تجاه ما يتكلم عليه"‬
‫الوظيفة يعبر عن شعوره وانفعاالته وذاتيته‪ ،‬مستخدماً العناصر اللغوية المختلفة‬
‫كالضمائر والتعجب‪ ،‬وإصدار األحكام القوية تجاه ما يتكلم في شعره الساخر‪ .‬ومن‬
‫هذا المنطلق فإنَّ الساخر في هذه الوظيفة يعبر عن سخريته وتهكمه وما يختلج في‬
‫نفسه تجاه المسخور منه" بقوة قولية تقوم على الوعد والوعيد‪ ،‬أو الطلب‪ ،‬أو األمر‪،‬‬
‫وما جرى مجرى ذلك‪ ،‬وتستهدف في نهاية المطاف حمل الموجَّه إليه الخطاب تغيير‬
‫( )‬
‫تجاه‬ ‫موقفه‪[ ،‬كما] تستهدف تغيير سلوك المتلقي‪ ،‬وإن من وجهة انفعالية"‬
‫المسخور منه‪.‬‬
‫وفي إطار الوظيفة التعبيرية للسخرية القائمة على التهديد والوعيد‪ ،‬نجد جريراً‬
‫يصوّر حاالت الخوف الذي ينتاب المسخور منه عندما يسمع صوته‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫تَحَوَّزَ دَاءٌ فِي حَوَايَاهُمُ األُدْرِ‪.‬‬ ‫إِذَا سَمِعَتْ مِنِّي حَوِيزَ ُة زَأْرَ ًة‬
‫(‪)4‬‬
‫ضُغَا ُء جِرَاءٍ فِي قَرَامِيصِهَا كُدْرِ‪.‬‬ ‫كَمَا فِي خَصى تَيْمٍ ضَغِيبٌ كَأَنَّهُ‬
‫فجرير في سخريته استطاع أن يصوِّر الصوت بصداه‪ ،‬فصوت الساخر زئيرٌ‪،‬‬
‫وأمَّا صوت المسخور منهم فضغيب الخصية‪ ،‬وهنا تتجلى السخرية بين الزئير الذي‬

‫( )‬
‫مرسلي‪ ،‬دليلة‪ ،‬و عاشور ‪،‬كريستيان‪ ،‬وآخرون‪ ،‬مدخل إلى التحليل البنيوي للنصوص‪ ،‬ط (بيروت‪ ،‬دار‬
‫الحداثة‪ 742 ،‬م) ‪ ،‬ص‪. 0‬‬
‫) العجيمي‪ ،‬د‪ .‬محمد الناصر‪ ،‬الخطاب الوصفي في األدب العربي القديم‪ ،‬الشعر الجاهلي أنموذجاً‪( ،‬تونس‪،‬‬ ‫(‬

‫سوسة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ +‬منشورات سعيدان‪ 8 4 ،‬ه ‪ 004-‬م) ‪844 ،‬ص‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫‪391‬‬

‫يصوِّر قوة الساخر وبين ضغيب الخصية الدال على الخوف والذل والضعف‪ ،‬حيث‬
‫ربط حالة استمرار الخوف بأسلوب الشرط وفعليه (إذا‪ ،‬سمعَتْ‪ ،‬تحوَّزَ)‪.‬‬

‫أما عمر بن لجأ التيمي فيلجأ إلى السخرية في إطار الوظيفة التعبيرية إلبراز‬
‫قوته وتهديده وبطشه الفتَّاك في المسخور منه عن طريق فعل اإلخصاء لمسخوره‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ن المراغَةِ حِينَ شَابَا‪.‬‬
‫ت ابْ َ‬
‫خَصَيْ ُ‬ ‫أَلَا مَنْ مُبْلِ ُغ الشُّعَرَاءِ عَنِّي‬

‫فالسخرية تجلت في قوة الساخر في الضمائر الدالة عليه (عني‪ ،‬خَصَيْتُ)‪ ،‬فضالً‬
‫عمَّا يحدثه فعل اإلخصاء من تشويه وإفناء وقطع لألمل في النسل والحياة وجيد‬
‫القول‪ ،‬ولعل اإلخصاء من الفضائح المهينة التي يصاب بها اإلنسان في رجولته‬
‫وذكورته‪.‬‬

‫وصوَّر الشعراء عن طريق الوظيفة التعبيرية دونية المسخور منه في قول‬


‫الشعر‪ ،‬وعدم مقدرته على مجاراة الساخر في حلبة الشعر وصياغة القوافي الشعرية‬
‫المحكمة‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد عبد الرحمن بن حسان بن ثابت األنصاري ينظر‬
‫باحتقار ودونية إلى الشعر الذي قاله مسكين الدارمي‪ ،‬والموجه إليه‪ ،‬حيث يقول‬
‫ساخرًا من شعر مسكين‪:‬‬

‫ف غَيْ َر آلِ‪.‬‬
‫بَذَلْتَ فِي ِه النِّصْ َ‬ ‫ل‬
‫ن قَوْ ٌ‬
‫أَتَانِي عَنْكَ يَا مِسْكِي ُ‬

‫ش لَدَى النَّضَالِ‪.‬‬
‫وَلَا غُمْرٍ يَطِي ُ‬ ‫ت إِلَى التَّفَاخُ ِر غَيْ َر قَحْمٍ‬
‫دَعَوْ َ‬

‫ل الكَمَالِ‪.‬‬
‫يُقَصِّرُ دُونَ ُه أَهْ ُ‬ ‫س تَلْخِيصَ فَخْ ٍر‬
‫فَدُونَكَ فَالْتَ ِم ْ‬

‫ق الخِصَالِ‪.‬‬
‫ت مَرْزُو ِ‬
‫على الرَّسِلَا ِ‬ ‫َض‬
‫ُل ع ٍّ‬
‫ك ك َّ‬
‫وَقَدْ نَاضَلْتُ قَبْلَ َ‬

‫( )‬
‫شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪391‬‬

‫ك فِي الكَلَالِ‪.‬‬
‫بِهَا مِسْكِينُ وَيْحَ َ‬ ‫فَأَيَّةُ خَصْلَ ٍة تَرْجُو نُكُولِي‬
‫وَلَمْ يُوهِنْ وَلَ ْم يَقْطَعْ قِبَالِ‪.‬‬ ‫ل تَوَعَدُّ ُه لِسَانِي‬
‫فَلَ ْم يَفْلُ ْ‬
‫َد كَجَرْيِ ذِي احْتِفَالِ‪.‬‬
‫فَمَا تَه ِّ‬ ‫َي صِدْقٍ‬
‫ن تَكُ شَاعِراً من ح ِّ‬
‫فَإ ْ‬
‫ل والمقَالِ‪.‬‬
‫ي المضََل ِ‬
‫سِوَى الرَّأْ ِ‬ ‫ن تَرِيحُ رَأْيًا‬
‫وَرُمْ مِسْكِينُ حِي َ‬
‫غَزِي ُر الشِّعْرِ مشته ِر الرِّجالِ‪.‬‬ ‫ك رامٍ يَجْرِي ذُو فَخَا ٍر‬
‫وَقَبْلُ َ‬
‫( )‬
‫ق وَاالرْتِجَالِ‪.‬‬
‫فَوَاتاً فِي العَقِي ِ‬ ‫جَعَلْنَا بِالقَصِي ِد لَ ُه خِشَاشًا‬
‫فعبد الرحمن بن حسان صوّر علو كعبه في الشعر‪ ،‬وقد تجلت فحولته الشعرية‬
‫من خالل الضمائر الدالة على ذاتيته الساخرة (أتاني‪ ،‬ناضلتُ‪ ،‬نكولي‪ ،‬لساني‪،‬‬
‫جعلنا)‪ ،‬فهذه ا لضمائر دلَّت على نبوغه‪ ،‬وقد تجلت السخرية من مسكين من خالل‬
‫ندائه ب(مسكين) ‪ ،‬وقد تبيَّن في أنماط الصورة الساخرة ما حملته هذه التسمية من‬
‫احتقار وانتقاص من داللتها اللغوية الدالة على المسكنة والذل‪ ،‬كما حملت داللة‬
‫حذف حرف النداء على االنتقاص والدونية في من تقع عليه‪ ،‬فضالً عن كثرة‬
‫استخدامه لضميري التاء والكاف في قوله (دعوتَ‪ ،‬بذلتَ‪ ،‬فدونكَ‪ ،‬تَكُ‪ ،‬قبلكَ) وما‬
‫يحدثه أثرها الصوتي في أثناء النطق بها من اندفاع وطرد للهواء من داخل الفم‬
‫أسوة بخروج المسخور منه من حلبة الشعر‪.‬‬
‫ويتكئ جرير في سخريته من الراعي النميري عن طريق إبراز ضعف‬
‫مسخوره في القتال والفروسية باالعتماد على التعجب واالستفهام‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ش الضِّبَابَا‪.‬‬
‫ِبرَاعِي اإل ْبلِ يَحْتَ ِر ُ‬ ‫فَيَا عَجَبِي أَتُوعِدُنِي نُمَيْ ٌر‬
‫( )‬
‫تُقَلِّدُكَ األَصِرَّ َة والعِلَابَا‪.‬‬ ‫ت حَرْبِي‬
‫لَعَلَّكَ يَا عُبَيْ ُد حَسِبْ ُ‬

‫( )‬
‫شعر عبدالرحمن بن حسان األنصاري‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬سامي مكي العاني‪( ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة المعارف‪،‬‬
‫‪ 79‬م) ‪ ،‬ص ‪.82 ،49-42‬‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪392‬‬

‫فالتعجب الذي استخدمه جرير جاء للداللة على حالة االندهاش واالستغراب الذي‬
‫تملَّكه بسبب أن النميريين قدموا لجرير مالم يكن في كفاءته البطولية؛ ألنَّ المسخور‬
‫منه في نظره ال يتعدى أن يكون صياداً للضباب‪ ،‬وحالباً للنوق‪ ،‬وهذه الصفات‬
‫ل يست من شيم الفرسان‪ ،‬بل هي من شأن النساء‪ ،‬ولذلك جاء تعجبه الساخر من عدم‬
‫كفاءة المسخور منه‪ ،‬ونديَّته بالنسبة له‪.‬‬
‫ويبيِّن الفرزدق في إطار الوظيفة التعبيرية للسخرية احتقاره للقيم االجتماعية‬
‫المكتسبة عند المسخور منه‪ ،‬والتي توارثها المجتمع األموي عن آبائه‪ .‬وفي هذا‬
‫الشأن يسخر من جرير عندما حاد عن تلك القيم القبلية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ل الذِي هُوَ حَامِلُهْ‪.‬‬
‫ن الثِّ ْق ِ‬
‫عَلَيْ ِه مِ َ‬ ‫ن حِمَارِ ِه‬
‫رَأْيْتُ جَرِيرًا لَ ْم يَضَ ْع عَ ْ‬
‫ن يُبَادِلُهْ‪.‬‬
‫وَفَارِسَ ُه إِ ْذ لَ ْم يَجِ ْد مَ ْ‬ ‫ن يَبِي َع حِمَارَ ُه‬
‫أَتَى إِلَى الشَّا ِم يَرْجُو أَ ْ‬
‫ت آكِلُهْ؟‬
‫ن مَطْعَ ٍم أَنْ َ‬
‫عَلَى مَطْعَ ٍم مِ ْ‬ ‫أَتَشْتُ ُم قَوْمًا أَنْتَ تَزْعُمُ مِنْهُمُ‬
‫( )‬
‫ل بَيْت ًا بِالطَّعَا ِم يُكَايِلُهْ‪.‬‬
‫إِذَا قَا َ‬ ‫ق اليَمَامَ ِة عَاجِزًا‬
‫يَظَلُّ بِأَسْوَا ِ‬
‫فالفرزدق في أبياته السابقة يعبر عن ثنائية (االدعاء والممارسة) عند المسخور‬
‫منه‪ ،‬فجرير يدعي والءه للقبيلة والدفاع عن شرفها‪ ،‬من خالل تسخير شعره في‬
‫خدمة القبيلة والتعصب لها في حاالت الشدة‪ ،‬ولكن الممارسة التي يقوم بها جرير‬
‫تبيِّن عكس ادعائه‪ ،‬فهو يتكسَّب المال والرزق بشعره‪ ،‬فممارسته هذه يتجلى منها‬
‫تخلِّيه عن الوالء القبلي من أجل حصد المال‪ .‬ولهذا فإنَّ االضطراب الواقع عند‬
‫المسخور منه في االدعاء والممارسة يدل على "اضطراب حبل القيم في ذلك‬
‫العصر‪ ،‬بين قيمة ما زالت تسكن النفوس وهي اإلخالص للقبيلة‪ ،‬وقيمة جديدة وهي‬
‫( )‬
‫والفرزدق أراد بهذه السخرية الكشف عن اضطراب القيم عند‬ ‫الكسب المادي‪".‬‬

‫( )‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪.824‬‬
‫( )‬
‫العمري‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬الداللة التاريخية للشعر‪ ،‬ظاهرتا الغزل والنقائض في القرن األول الهجري نموذجاً‪،‬‬
‫‪.2‬‬ ‫مجلة مجمع اللغة العربية ‪( ،‬دمشق‪ ،‬المجلد(‪ ،)40‬الجزء(‪ ،)4‬يوليو ‪ 002‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪393‬‬

‫المسخور منه‪ ،‬التي تتنازع بين قيم البداوة والقبيلة من ناحية‪ ،‬وقيم الحضارة من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬فالمسخور منه(جرير) استبدل الوالء القبلي بالكسب المادي‪.‬‬
‫ويسعى األخطل من خالل الوظيفة التعبيرية للسخرية إلى تصوير المكانة‬
‫االجتماعية المحتقرة والدونية للمسخور منه في إطار النسيج االجتماعي الذي يحيط‬
‫به‪ .‬وفي هذا الشأن يضع األخطل مسخوره (جرير) في مكانه االجتماعي الذي يليق‬
‫به‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ش مَوْرُودِ‪.‬‬
‫ل كَأَجْرَبَ مُنْتَ ٍ‬
‫قَ ِم ٌ‬ ‫ك ذُو مَحْنِيَّةٍ وَعَبَاءةٍ‬
‫وَأَبُو َ‬
‫فاألخطل في البيت السابق يحقِّر من مكانة والد جرير‪ ،‬وقد ألبسه مجموعة من‬
‫الصفات الدونية‪ ،‬فأبو المسخور منه ذو محنية‪ ،‬وفي اإلضافة المصاحبة ل (ذو) ما‬
‫يدل على مكانته الوضيعة في المجتمع‪ ،‬فهو راعٍ منبوذ‪ ،‬يعتصم بعباءته‪ ،‬بعيداً عن‬
‫الناس‪ ،‬وفي هذه الحالة المحتقرة إبعادٌ له عن الوسط االجتماعي‪ ،‬كما نعته بأنَّه قمل‬
‫وفي هذا احتقارٌ لهيئته‪ ،‬فهو في عداد القمليين‪ ،‬والقملي من الرجال‪ :‬الحقير الشأن‪،‬‬
‫فضالً عن أنَّها صورة ساخرة تصوِّر معالجته القمل المنتشر في رأسه وجسده‪ ،‬كما‬
‫خلع عليه صفات األجرب والمنتشي والمورود‪ ،‬وهي كلها علل تصيب الجمال‪ ،‬فهو‬
‫بهذا يصور بعده عن الناس‪ ،‬وعدم مخالطتهم له بسبب مرضه المعدي‪ .‬واألخطل من‬
‫خالل تلك الصفات السلبية في المجتمع استطاع أن يجعل المسخور منه وأباه في‬
‫دائرة المهمشين اجتماعيًا وإنسانياً‪.‬‬
‫‪-2‬الوظيفة التأثيرية‪:‬‬
‫تقوم الوظيفة التأثيرية بالتركيز على الموجَّه إليهم (المسخور منهم)‪ ،‬ويتم‬
‫التعبير عنها بكل األساليب اللغوية الخاصة مثل النداء واألمر واألسماء الخاصة‬
‫( )‬
‫فالمخاطب (المسخور منه) هو المستهدف في هذه‬ ‫ببعض األجناس بكاملها‪.‬‬

‫( )‬
‫ديوان األخطل‪ ،‬ص ‪. 44‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫يُنظر‪ :‬مرسلي‪ ،‬دليلة‪ ،‬وآخرون‪ ،‬مدخل إلى التحليل البنيوي للنصوص‪ ،‬ص‬
‫‪394‬‬

‫الوظيفة‪ ،‬بهدف استدر اجه في التواصل كطرف مرتبط بالسخرية‪ ،‬ومعني بالرسالة‬
‫الساخرة التي يود إرسالها الساخر له‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ الساخر في سبيل تحقيق أثر هذه الوظيفة عند‬
‫المسخور منه أو المتلقي للسخرية يسعى إلى استخدام الكلمات الهادفة والمؤثرة‬
‫للكشف عن السخرية ومواقعها‪ ،‬حيث يهدف الساخر من خالل هذه الوظيفة إلى‬
‫التأثير في تصرفات اآلخرين في مجتمع المسخور منه‪ ،‬بهدف الكشف عن نمط‬
‫سلوكي معين غير مرغوب فيه في شخصية المسخور منه‪ ،‬وتصويره للناس كاف ًة‬
‫عبر أسلوب الساخر في إطار النداء أو األمر وغيره من األساليب اللغوية األخرى‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ الساخر يقلل من مكانة المسخور منه ويحتقره في‬
‫مجاالت متعددة من خالل االستعانة بفعل األمر الدال على التحقير‪ ،‬فضالً عن‬
‫االستفهام‪ .‬وفي هذا الشأن نجد يزيد بن مفرغ الحميري يسخر من عبيد اهلل بن زياد‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ط العَجَاجِ‪.‬‬
‫ك النَّبَ ِ‬
‫قُرَى آبَائِ َ‬ ‫ن لِي َهلْ بِيَثْرِبَ زَنْدَوَرْدٌ‬
‫أَبِ ْ‬
‫فيزيد الحميري بأمره (أبِنْ) وسؤاله (هل بيثرب زندورد؟) يريد إثبات أنَّ‬
‫زندورداً هي بالد نبطيَّة‪ ،‬وهي مسكن أهل المسخور منه‪ ،‬وهي بالد يسكنها رعاع‬
‫الناس‪ ،‬والمسخور منه واحد منهم‪ ،‬وعلى النقيض من ذلك يعلو الساخر من مكانة‬
‫يثرب بعدم انتساب المسخور إليها‪ ،‬وقد تجلت نبرة الساخر وحدَّتُه في ضمير المتكلم‬
‫(لي)‪ ،‬ودونية المسخور منه من خالل إسناد زندورد له عبر ضمير المخاطب في‬
‫(آبائك)‪.‬‬
‫أما حاجب الفيل فيعتمد على توالي أفعال األمر في بيته الشعري؛ ليبرز من‬
‫خاللها دونية المسخور منه (ثابت قطنة)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪395‬‬

‫( )‬
‫ب مُصَاوَلَ َة البُ ْزلِ‪.‬‬
‫تَنَحَّ وَلَا تَقْرُ ْ‬ ‫ت‬
‫دَعُونِي وقَحْطَاناً وَقُولُوا لِثَابِ ٍ‬

‫فأفعال األمر (دعوني‪ ،‬قولوا‪ ،‬تنحَ) والنهي في الفعل المضارع (التقربْ) كلها تسعى‬
‫إلى تحقير المسخور منه في جسده وشرفه ونسبه ومكانته االجتماعية الدونية‪ .‬كما أنَّ‬
‫استخدام الساخر ألفعال األمر بصيغتها الدالة على الجمع في (دعوني‪ ،‬قولوا) ما يدل‬
‫على إشهاد المتلقين للسخرية والناس كافةً‪ ،‬وإعالمهم باحتقاره للمسخور منه‪،‬‬
‫ودونيته في الوسط االجتماعي‪.‬‬
‫ويكشف النجاشي الحارثي المكانة االجتماعية المحتقرة للمهنة التي يمارسها‬
‫بنو العجالن في الوسط االجتماعي من خالل توالي أفعال األمر الدالة على‬
‫عبوديتهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ط ابْنَ مُقْ ِبلِ‪.‬‬
‫ن رَهْ َ‬
‫فَعَادى بَنِي العَجْلَا ِ‬ ‫ل لُؤْمٍ وَرِقَّةٍ‬
‫هلل عَادَى أَ ْه َ‬
‫إِذَا ا ُ‬
‫إِذَا صَدَ َر الوُرَّا ُد عَنْ كُلِّ مَنْ َهلِ‪.‬‬ ‫ن الماءَ إِلَّا عَشِيَّ ًة‬
‫وَلَا يَرِدُو َ‬
‫( )‬
‫ب أَيُّهَا العَبْ ُد وَاعْجَلِ‪.‬‬
‫ب وَاحْلُ ْ‬
‫خُ ِذ القَعْ َ‬ ‫ن إِلَّا لِقَوْلِهِ‬
‫ي العَجْلَا َ‬
‫ُم َ‬
‫وَمَا س ِّ‬
‫فالسخرية في أبيات النجاشي تجلت من خالل وصف بني العجالن بقيم سلبية في‬
‫المجتمع وغير محبوبة‪ ،‬ومنفّرة عند العرب‪ ،‬فسخريته جاءت من عملهم الدوني الذي‬
‫يقومون به‪ ،‬وهو عمل العبيد‪ ،‬وفي هذا إذاللٌ لهم‪ ،‬واحتقار لمكانتهم في المجتمع‪،‬‬
‫مما يجعلهم مثاالً للتندر بين أوساط الناس‪ .‬وقد أظهر النجاشي نزعته الدونية تجاههم‬
‫ال عن مناداته بالعبد‪ ،‬ومن هنا‬
‫من خالل توالي أفعال األمر (خُذْ‪ ،‬احلبْ‪ ،‬اعجلْ)‪ ،‬فض ً‬
‫أن النجاشي يبرز عبودية بني العجالن‪ ،‬وسيادته عليهم في الواقع االجتماعي‪.‬‬
‫نرى َّ‬
‫ويندرج تحت إطار الوظيفة التأثيرية للسخرية الموجَّهة إلى المسخور منهم‬
‫السخرية من األسماء الخاصة بجنس بشري بكامله‪ ،‬وقد تجلت في هذا اإلطار أسماء‬
‫كثيرة‪ ،‬استخدمها الشعراء للسخرية مثل‪ :‬الكليبيين‪ ،‬التغلبيين‪ ،‬المجاشعيين‪ ،‬النخبات‪،‬‬
‫( )‬
‫حاجب الفيل‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫( )‬
‫ديوان النجاشي الحارثي قيس بن عمرو‪ ،‬ص ‪.24-2‬‬
‫‪396‬‬

‫القيون‪ .‬ومن أمثلة ذلك قول الفرزدق ساخراً من جنس الكليبيين‪ ،‬حيث يدرجهم في‬
‫عداد البهائم‪ ،‬عبر سلوكهم الذي يتقلدونه في الليل‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫إِذَا ل ْم يَجِدْ رِيحَ األَتَانِ بِنَائِمِ‪.‬‬ ‫َن لَيْلُهُ‬
‫ِي إِذَا ج َّ‬
‫س كُلَيْب ٌّ‬
‫وَلَيْ َ‬

‫ومن ذلك ما قاله جرير حينما يؤصل اللؤم في األخطل والتغلبيين‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ِي لَئِيمٌ حِينَ يُخْتَبَرُ‪.‬‬


‫والتَّغْلِب ُّ‬ ‫ِي لَئِي ٌم حِينَ تَجْهَرُ ُه‬
‫والتَّغْلِب ُّ‬

‫ب القَوْ ِم مُؤْتَجِرُ‪.‬‬
‫ق رِكَا َ‬
‫عَبْ ٌد يَسُو ُ‬ ‫ِي إِذَا تَمَّتْ مُرُوءتُهُ‬
‫وَالتَّغْلِب ُّ‬

‫ض تَلْفِظُ مَوْتَاهُ ْم إِذَا قُبِروا‪.‬‬


‫وَاألَرْ ُ‬ ‫َر أَحْيَا ٍء وَأَلْأَمُ ُه‬
‫أَحْيَاؤُهُمْ ش ُّ‬
‫( )‬
‫ب اللُّؤْم وَاتَّزَرُوا‪.‬‬
‫ُم ارْتَدَوْا بِثِيَا ِ‬
‫ث َّ‬ ‫ن جُلُودِهِ ُم‬
‫تَسَرْبَلُوا اللُّؤْ َم خَلْقًا مِ ْ‬

‫فجرير يؤصل للتغلبيين عموماً في اللؤم‪ ،‬حيث يرى أنهم خلقوا من معدن اللؤم‪،‬‬
‫فاألخالق لئيمة‪ ،‬واألجساد لئيمة‪ ،‬والثياب لئيمة‪ ،‬واإلزار لئيم‪ ،‬فجرير أراد بهذه‬
‫السخرية أنْ يشكل للؤم طبقات متعددة ومتنوعة في التغلبيين‪ .‬وعلى هذا فقد أظهرت‬
‫صورة جرير السابقة التغلبيين عند اآلخرين في "صورة تدميرية‪ ...‬وهم يتخذون من‬
‫اللؤم ثياباً يرتدونها ليخفوا جلودهم القبيحة‪ ،‬ومن هنا يصبح اللؤم بقبحه لباس ًا‬
‫(‪)4‬‬
‫وجرير أراد بصورة اللؤم السابقة هدم مجد‬ ‫يلبسونه‪ ،‬ليستروا ما هو أقبح منه‪".‬‬
‫التغلبيين كافةً‪ ،‬وأعطى صورة عن انطباعه وانفعاله من التغلبيين في الواقع‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫ويصور الحكم بن عبدل األسدي في إطار هذه الوظيفة حالة المسخور منه‬
‫المن كسرة‪ ،‬بسبب الفقر وسوء الحالة المعيشية‪ ،‬ولهذا يمتدح أحد موسري الكوفة‬
‫يستعطفه ليقدم له الطعام‪ ،‬وذلك عبر النداء والتوسل بلغة هزلية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪.924‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫‪4-‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫(‪)4‬‬
‫يوسف‪ ،‬د‪ .‬عبدالفتاح أحمد‪ ،‬الخطاب السجالي في الشعر العربي‪ ، ،‬ص ‪. 7‬‬
‫‪397‬‬

‫ك المَقْسُومْ‪.‬‬
‫بِسِجَالٍ مِنْ سَيْبِ َ‬ ‫يَا أَبَا طَلْحَ َة الجَوَا َد أَغِثْنِي‬

‫مُفِْلسٌ قَ ْد عَلِمْتَ ذَاك عَدِيمْ‪.‬‬ ‫ك نَفْسِي فَإِنِّي‬


‫أَحْي نَفْسِي فَدَتْ َ‬

‫أَجْرُ ُه إِنْ فَعَلْتَ ذَاكَ عَظِيمْ‪.‬‬ ‫ق‬


‫ع لَنَا بِسَلْفِ دَقِي ٍ‬
‫َو ْ‬
‫أَ ْو تَط َّ‬

‫مَا قَضَى اهللُ فِي طَعَا ِم اليَتِيمْ‪.‬‬ ‫س عَنِّي‪-‬‬


‫قَ ْد عَلِمْتُمْ‪-‬فَلَا تَعَام ْ‬

‫ب مُنَمْنَمٍ كَالوُشُومْ‪.‬‬
‫وَكِتَا ٍ‬ ‫س لِي غَيْرُ جَرَّ ٍة وَأَصِيصٍ‬
‫لَ ْي َ‬

‫قَ ْد رَقَعْنَا خُرُوقَهُ بِأَدِيمْ‪.‬‬ ‫وَكِسَا ٍء أَبِيعُهُ بِرَغِيفٍ‬

‫ُل ضَيْفٍ كَرِيمْ‪.‬‬


‫ف لِك ِّ‬
‫هُوْ لِحَا ٌ‬ ‫ط‬
‫ف أَعَارَنِي ِه نَشِي ٌ‬
‫وَإِكَا ٍ‬

‫وَلِحَافِي حَتَّى تَغُو َر النُّجُومْ‪.‬‬ ‫ت أَصِيصِي‬


‫رَبِّ حَلَّا فَقَدْ ذَكَرْ ُ‬
‫( )‬
‫ذَاكَ قَسْ ٌم عَلَيْهِ ُم مَعْلُومْ‪.‬‬ ‫ف رَغِيفٍ‬
‫ت عَلَيْ ِه نِصْ ُ‬
‫كُلُّ بَيْ ٍ‬

‫صوَّر الحكم بن عبدل فقر ه بلغة ساخرة تنوعت أساليبها اللغوية بين النداء (يا‬
‫أبا طلحة)‪ ،‬واألمر (أغثني‪ ،‬تطوَّعْ)‪ ،‬والدعاء (فدتك نفسي)‪ ،‬والنهي (التعامسْ عني)‪،‬‬
‫والتوكيد (إني مفلس)‪ ،‬والنفي (ليس لي غير جرة وأصيص)‪ ،‬وقد استطاع عن‬
‫طريق هذه األساليب إبراز حالته المعسرة والمنكسرة‪ ،‬ولهذا لفت الحكم نظر أبي‬
‫طلحة بعدم التغافل عنه ونسيانه من خيراته‪ ،‬حيث يتجلى منها الدقيق حلماً بعيد‬
‫المنال بالنسبة للمسخور منه‪ ،‬ولهذا ذكره بعظيم أجره عند اهلل‪ ،‬وجزيل الثواب‪.‬‬

‫‪-3‬الوظيفة االجتماعية‪:‬‬

‫تسعى السخرية في أدوار مختلفة من صورها إلى التعبير عن الكثير من‬


‫الظواهر االجتماعية المتعددة‪ ،‬التي تمثل انعكاساً لفكر الساخر وواقعه االجتماعي‬

‫( )‬
‫‪ .‬التعامس‪ :‬التغافل والتعامي‪ .‬األصيص‪ :‬الدن مقطوع الرأس‪ .‬األديم‪:‬‬ ‫شعر الحكم بن عبد األسدي‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫الجلد الذي لم يدبغ‪ .‬اإلكاف‪ :‬الرذعة‪ ،‬أو هو مثل الرحل يكون للبعير والحمار‪.‬‬
‫‪398‬‬

‫الذي يعيش فيه‪ .‬وقد برزت في إطار الوظيفة االجتماعية ظواهر كثيرة‪ ،‬يتجلى فيها‬
‫البُعد االجتماعي للسخرية‪ ،‬ومن هذه الظواهر سلب صفات الرجولة من المسخور‬
‫منه‪ ،‬وإحالل محلها صفات األنوثة‪ .‬وفي هذا الشأن نجد عمران بن حطان شاعر‬
‫الخوارج يخلع صفات الرجولة من الحجاج بن يوسف‪ ،‬حيث يصور هذه الظاهرة‬
‫على لسان (أم حكيم الخارجية) قائالً‪:‬‬
‫ن صَفِي ِر الصَّافِرِ‪.‬‬
‫رَبْدَا ُء تَجْ ِفلُ مِ ْ‬ ‫أَسَ ٌد عَلَيَّ وَفِي الحُرُوبِ نَعَامَ ٌة‬
‫( )‬
‫ن الكَافِرِ‪.‬‬
‫وَاعْمَ ْد لِمَنْزِلَ ِة الجَبَا ِ‬ ‫ح وَخُ ْذ وِشَاحَي مِعْصَرٍ‬
‫ق السِّلَا َ‬
‫أَلْ ِ‬
‫فالساخر سلب الحجاج ثالث صفات هي‪ :‬الرجولة والفروسية واإلسالم‪ ،‬ومنحه ثالث‬
‫صفات سلبية في المحيط االجتماعي وهي‪ :‬األنوثة والجبن والكفر‪ .‬وعلى نفس‬
‫المنوال القائم على منح المسخور منه القيم االجتماعية السلبية‪ ،‬نجد جريراً يَعُدُّ‬
‫الشاعرية عماداً للرجولة‪ ،‬ونفياً للتخنث والتكسر‪ ،‬وفي هذا الشأن يحقّر جرير من‬
‫الفرزدق وينزله منزلة الدون‪ ،‬نافيًا عنه الشاعرية والرجولة والبطولة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫فَلَسْتُ ْم يَا فَرَزْدَقُ بِالرِّجَالِ‪.‬‬ ‫خُذُوا كُحْالً وَمِجْمَرَ ًة وَعِطْراً‬
‫( )‬
‫ب العِنَاقِ والنِّزَالِ‪.‬‬
‫بِأَصْحَا ِ‬ ‫ح عَيْبَتَكُمْ فَلَسْتُ ْم‬
‫وَشُمُوا رِي َ‬
‫فجرير يحط من قدر الفرزدق وقومه اجتماعياً‪ ،‬فهم ليسوا أهالً للحروب والقتال‪،‬‬
‫فضالً عن تقهقرهم في المنازلة الشعرية‪ ،‬ولهذا يدعوهم في هذا األسلوب الساخر‬
‫إلى العيش مع النساء‪ ،‬وتقلَّد مجريات حياتهن من خالل التزيّن بالكحل والمجمرة‬
‫والعطر والتبرج‪ ،‬ولهذا يَعُدُّهم في عداد مجتمع النسوة‪ ،‬وينفيهم عن مجتمع الرجال‪.‬‬
‫أمَّا يحيى بن نوفل فهو يسير في سخريته على المنوال القائم على أنَّ‬
‫الشاعرية داللة على ا لرجولة في الواقع االجتماعي‪ ،‬ولهذا نراه يسخر من أبان بن‬
‫الوليد البجلي عندما ولَّاه خالد القسري كاتباً وشاعراً في ديوانه أيام الحجاج بن‬
‫يوسف‪ ،‬فقال في أبان ساخراً‪:‬‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫‪9-‬‬ ‫شعر الخوارج‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.8 7-8 4‬‬
‫‪399‬‬

‫حلِ وَالمِجْمَرِ‪.‬‬
‫بَكُو ٌر عَلَى الكُ ْ‬ ‫وَأَمَّا ابْنُ سَلْمَى فَشِبْ ُه الفَتَا ِة‬
‫( )‬
‫حَلِيلَ ُة كُلُّ فَتًى مُعْوَرِ‪.‬‬ ‫ت‬
‫ب العِشَا ِء إِذَا أَطْعَمَ ْ‬
‫دَبُو ُ‬
‫ويؤدي الشعر الساخر وظيفة اجتماعية أخرى تتجلى في أنَّ الكمال الذكوري‬
‫عند اإلنسان يُعّدُّ دعامة للفحولة شعرياً‪ ،‬والفتوة بطولياً‪ ،‬ونفي التخنث اجتماعياً‪ ،‬وقد‬
‫جسد جرير هذه الوظيفة للتقليل من مكانة الفرزدق عبر ظاهرة اإلخصاء للمسخور‬
‫منه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫يَرْجُو مَخَاطَرَ َة القَرُوْ ِم البُزَّلِ‪.‬‬ ‫ق وَالخَصَا ُء مَذَلَّ ٌة‬
‫ي الفرزد ُ‬
‫خُصِ َ‬
‫وينسج األخطل عن طريق اإلخصاء سخريته من جرير وقبيلة محارب‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫ن المرَاغَ ِة عَنْهُمْ مَشْغُولُ‪.‬‬
‫وَابْ ُ‬ ‫وَلَقَ ْد َخَصَيْتُ مُحَارِبًا بِخِصَايَ ٍة‬
‫(‪)4‬‬
‫وَيَهِرُّ وَهْ َو عَلَى الهَوَانِ ذَلُولُ‪.‬‬ ‫ن أَهْلِ ِه‬
‫ب يَنْبَحُ مَرَّ ًة عَ ْ‬
‫كَالكَلْ ِ‬
‫وتتعاضد ظاهرتا اإلخصاء والجدع لبيان الرجولة واألنفة للساخر‪ ،‬ولهذا فإنَّ‬
‫بتر أنف المسخور منه يورثه العاهة البدنية البارزة أمام الناس كافةً‪ ،‬وفي هذا الشأن‬
‫يقول جرير ساخراً من الشعراء الثالثة عبر ظاهرة جدع األنف جسمياً‪ ،‬وتفوقه‬
‫عليهم شعرياً‪:‬‬

‫(‪)8‬‬
‫طلِ‬
‫ت أَنْفَ األَخْ َ‬
‫ث جَدَعْ ُ‬
‫وَضَغَا البَعِي ُ‬ ‫ت عَلَى الفرزدقِ مِيْسَمِي‬
‫لَما وَضَعْ ُ‬

‫واجتماع اإلخصاء والجدع في المسخور منه مذلةٌ فظيعةٌ له في الواقع‬


‫االج تماعي‪ ،‬فاإلخصاء يفقد صاحبه العجز الجنسي والرجولة‪ ،‬والجدع تشويه جسمي‬

‫( )‬
‫يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪.889‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر األخطل‪ ،‬ج ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬فخرالدين قباوة‪ ،‬ط ‪(،‬بيروت‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ 477،‬م‪ 797-‬م)‪ ،‬ص‬
‫‪.497‬‬
‫(‪)8‬‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪.884‬‬
‫‪411‬‬

‫وإذالل إنساني‪ ،‬ولهذا فإن اجتماعهما طامة كبرى لصاحبهما‪ .‬وفي هذا اإلطار‬
‫التشويهي للمسخور منه‪ ،‬نجد جريراً يتكئ عليه في السخرية من الشعراء الخصوم‬
‫له‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ِي األَجْدَعُ‪.‬‬
‫ن إِلَى الخَص ِّ‬
‫فَشَكَا الهَوَا َ‬ ‫خَصَيْتُ بَعْضَهُمْ وَبَعْضٌ جُدِّعُوا‬
‫وتتجه الوظيفة االجتماعية للسخرية لبيان صورة التحضر والتخلف في الحياة‬
‫االجتماعية والمعيشية‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد روح بن زنباع يسخر من زوجته حميدة‬
‫بنت النعمان‪ ،‬مظهراً تفوقه عليها شعرياً عن طريق مظهر حضاري متميّز‪،‬‬
‫والمتمثل في النظافة الجسدية‪ ،‬حيث رمى زوجته بالرائحة الكريهة المنبعثة من‬
‫جسدها‪ ،‬وفي هذا اإلطار يجسد روح بن زنباع الشاعرية معادالً موضوعياً للنظافة‬
‫والحضارة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ب مَسَّهُ مَطَرُ‪.‬‬
‫وَرِيْحُهَا رِيْحُ كَلْ ٍ‬ ‫ج‬
‫ف لَ ُه أَرَ ٌ‬
‫ح الكِرَائِمِ مَعْرُو ٌ‬
‫رِيْ ُ‬
‫فالصورة الساخرة لزوجته (الشاعرة) تجلت في التضاد الساخر بين رائحة‬
‫الساخر (رائحة األرج‪ ،‬وهي نفحة الريح الطيبة)‪ ،‬ورائحة المسخور منها (رائحة‬
‫الكلب المبلل بالمطر)‪ ،‬وهنا تتجلى ثنائية (النظافة والقذارة) بين الساخر والمسخور‬
‫َد روح بن‬
‫ال عن الحيز المكاني الذي تتسع له رائحة الريح الطيبة‪ .‬ولهذا ع َّ‬
‫منها‪ ،‬فض ً‬
‫زنباع شاعريته معادالً موضوعياً للرائحة الزكية‪ ،‬وشاعريتها معادالً موضوعياً‬
‫للرائحة الكريهة والنتنة‪ ،‬ومن هنا تتجلى الحضارة والتخلف وظيفتين اجتماعيتين‬
‫تؤديهما السخرية‪.‬‬
‫وتتجلى الوظيفة االجتماعية للسخرية في الشعر األموي للتعبير عن‬
‫االنحراف في القيم العربية األصيلة السائدة عند العرب‪ ،‬وفي هذا المجال نجد ابن‬
‫ميَّادة المري يعيِّر بني حماس رجاالً ونساءً؛ بسبب انحرافهم عن القيم العربية‬
‫األصيلة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.484‬‬
‫( )‬
‫أشعار أمراء الدولة األموية في المشرق‪ ،‬ص ‪. 40‬‬
‫‪411‬‬

‫كَأنَّهُمْ ظِرْبَى اهْتَرَشْنَ عَلَى َلحْمِ‪.‬‬ ‫قِصَا ُر الخُطَى فُرْقُ الخُصَى زُمْ ُر اللِّحَى‬

‫يَمْشُونَ حَوْلِي فِي ثِيَابِهِ ُم الدُّسْمِ‪.‬‬ ‫ظ لَما رَأَيْتُهُمْ‬


‫ذَكَرْتُ حَمَا َم القَيْ ِ‬

‫( )‬
‫ن البَهْمِ‪.‬‬
‫فُرُوجاً كَآثَا ِر الصِّغَا ِر مِ َ‬ ‫ُل زِينَةٍ‬
‫وَتُبْدِي الحُمَيْسِيَّاتُ فِي ك ِّ‬

‫يرسم ابن ميَّادة صوراً ساخرة لقبيلة بني حميس‪ ،‬فأبناء القبيلة (قصار‬
‫الخطى)‪ ،‬وفي هذا داللة على تباطئهم في حماية أنفسهم ونجدة غيرهم‪ ،‬أمَّا (زمر‬
‫اللحى) فقد صورت كثافة شعر لحاهم‪ ،‬وهو ما يشير إلى قبح مناظرهم وبشاعتها‪،‬‬
‫كما يشبههم ب (الظربى) وهي الدويبة ذات الرائحة الكريهة والنتنة‪ ،‬فهو في هذا‬
‫التشبيه الساخر يجمع بين قذارتهم وقذارة الدويبة‪ ،‬فهم بمنزلة الظربان يتقاتلن على‬
‫قطعة اللحم‪ .‬أمَّا مشيتهم بثيابهم الوسخة فهم بمنزلة حمام القيض؛ ألنَّ اإلنسان في‬
‫فصل الصيف تظهر منه رائحة كريهة‪ ،‬فهو يتمنى ماءً قريباً منهم ليغسلوا درنهم‬
‫فيه‪ .‬أمَّا نساء بني حميس فيشبههنَّ بصغائر البهائم التي تنكشف عورتها‪ ،‬فكذلك حال‬
‫نساء بني حميس يظهرن مفاتنهنَّ مع الزينة وهي عورة‪ .‬ومن هذا نرى أنَّ ابن ميَّادة‬
‫في األبيات السابقة قد صور في تهكم واستخفاف قبيلة بني حميس رجاالً ونساءً‪ ،‬وقد‬
‫أظهرهم مجردين من القيم القبلية والعربية األصيلة‪ ،‬المتمثلة في النجدة لكل طارئ‬
‫( )‬
‫والنظافة والعفة والشرف‪.‬‬

‫ويصور الحكم بن عبدل األسدي عن طريق الوظيفة االجتماعية للسخرية‬


‫مأساة الطبقة الفقيرة والمعدمة في العصر األموي‪ ،‬التي أصابها اإلهمال والنسيان‪،‬‬
‫فلم تعبأ بها الدولة األموية آنذاك‪ ،‬ولم تلقَ المساندة من المجتمع‪ ،‬حيث يقول واصف ًا‬
‫نفسه وشريحة من المعدمين‪:‬‬
‫إِنَّ ذَا مِنْ رَزِيَّتِي لَعَظِيمْ‪.‬‬ ‫ش العَنْكَبُوتُ فِي قَعْر دَنِّي‬
‫عَشَّ َ‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شعر ابن ميَّادة‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫يُنظر‪ :‬ذنون‪ ،‬د‪ .‬سالم محمد‪ ،‬السخرية في شعر ابن ميادة المري ‪ ،‬ص‬
‫‪412‬‬

‫ص َر العَنْكَبُوتُ فِي ِه يَعُومْ‪.‬‬


‫أَبْ ِ‬ ‫لَيْتَنِي قَ ْد غَمَرْتُ دَنِّي حَتَّى‬

‫زَبَدٌ َفوْقَ رَأْسِ ِه مَرْكُومْ‪.‬‬ ‫غَرَقًا لَا يُغِيثُهُ الدَّهْ َر إِلَّا‬

‫ن أَغِثْنِي فَإِنَّنِي مَظْلُومْ‪.‬‬


‫أْ‬ ‫مُخْرِجاً كَفَّهُ يُنَادِي ذُبَابًا‬
‫( )‬
‫ن نَبِيذٍ يَشمُّ ُه المَزْكُومْ‪.‬‬
‫مِ ْ‬ ‫ن أُطِيقَ دُنُوًّا‬
‫قَالَ ذَرْنِي فَلَ ْ‬

‫يكشف الحكم بن عبدل صورة العنكبوت التي نسجت خيوطها في قعر دنه‪،‬‬
‫مظهراً من خاللها حالة الفقر التي تخيِّم على بيته‪ ،‬فالدن الفارغ من الشراب أصبح‬
‫مأوى مريحاً وآمناً للعنكبوت‪ ،‬حيث أغاظه هذا المشهد للعنكبوت‪ ،‬فتمنى أن يغمر‬
‫دنه بالشراب ليمتلئ؛ لكي ينتقم من العنكبوت‪ ،‬فيشاهدها وهي تغرق وتعاني من‬
‫الزبد المتصاعد فوق رأسها‪ ،‬فتحاول االستنجاد بالذباب لينقذها من الغرق فيرفض‬
‫الذباب إنقاذه وذلك بسبب رائحة النبيذ الفاسد الذي يزكم األنوف‪ ،‬فال أحد يستطيع‬
‫االقتراب منه‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ السخرية في أبيات الحكم بن عبدل قد صوَّرت‬
‫حالة بؤسه وفقره بطريقة ساخرة‪ ،‬حيث اتخذ من العنكبوت معادالً تصويرياً لفقره‬
‫المدقع‪ ،‬وعلى هذا فإنَّ أبيات الحكم السابقة أدت وظيفة اجتماعية ساخرة حملت‬
‫"رؤى عميقة الدالالت [كشفت] عن جوانب الخلل في المجتمع‪[ ،‬المتمثل في] الخلل‬
‫( )‬
‫االقتصادي‪ ،‬والخلل االجتماعي‪ ،‬والخلل اإلداري‪".‬‬

‫وعلى هذا يمكن القول إنَّ سخرية الحكم قد كشفت عن التمايز الطبقي بين‬
‫األغنياء والفقراء‪ ،‬وسوء توزيع الثروة‪ ،‬كما عرَّت السلطة األموية التي كان همها‬
‫إنفاق المال على أعوانها ومن يناصرها من القبائل‪ ،‬تاركةً طبقات من الناس تعاني‬
‫من الفقر والحرمان في الحياة‪.‬‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫( )‬
‫دراوشة‪ ،‬د‪ .‬صالح الدين أحمد‪ ،‬الرؤى واألدوات عند شعراء القرن الثاني الهجري‪ ،‬ط ‪( ،‬األردن‪ ،‬إربد‪،‬‬
‫عالم الكتب‪ 0 0 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪. 20- 87‬‬
‫‪413‬‬

‫‪-‬الوظائف غير المباشرة للسخرية في الشعر األموي‪:‬‬

‫تجلت وظائف السخرية غير المباشرة من خالل ظهورها في ثنايا أغراض‬


‫شعرية أخرى كظاهرة فنية يزيِّن بها الشاعر نصه الشعري‪ ،‬فالشاعر عندما يحاور‬
‫غيره يضع في حواره الكثير من مظاهر السخرية‪ ،‬وكذلك الحال في أثناء سرده‬
‫للوقائع واألحداث‪ ،‬وعندما يعبِّر عن خبايا ذاته في إطار جمالية النص الشعري‬
‫وأدبيته يبث بعضاً من ألوان السخرية‪ .‬وقد برزت الوظائف غير المباشرة في‬
‫سخرية الشعر األموي في أربع وظائف هي‪ :‬الوظيفة الحوارية‪ ،‬الوظيفة الحجاجية‪،‬‬
‫والوظيفة الفنية‪ ،‬والوظيفة السردية‪.‬‬
‫‪-1‬الوظيفة الحوارية‪:‬‬
‫( )‬
‫الحوار لغةً‪ :‬مأخوذ من المحاورة‪ ،‬أي المجاوبة‪ ،‬والتحاور‪ :‬التجاوب‪.‬‬
‫والحوار في النص الشعري‪ :‬حديث يجري بين شخصين أو أكثر في إطار العمل‬
‫القصصي في الشعر‪ .‬وقد عرف الشعر األموي الحوار الساخر من خالل توظيف‬
‫الشعراء له في أسلوب قصصي سردي‪ ،‬حيث استطاع الشعراء من خالله عرض‬
‫تجاربهم الذاتية وألوانها المختلفة في مجال العشق والحب والهجاء‪.‬‬
‫وقد شكل الحوار الساخر في الشعر األموي محفزاً أسلوبياً الفتاً في بنية‬
‫النص الساخر‪ ،‬حيث يعطي للمتلقي صورة لبيان حالة كل من الساخر والمسخور منه‬
‫عبر الحوار‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ شعرية الحوار الساخر تجلت في عدة صور‬
‫منها‪:‬‬
‫أ‪-‬حوار الزوج مع زوجته‪:‬‬
‫ومن أمثلة هذا النوع من الحوار الساخر ما دار من حوار بين (روح بن‬
‫زنباع) وزوجته (حميدة بنت النعمان) عندما تزوجها‪ ،‬وكان روح بن زنباع من قبيلة‬

‫( )‬
‫حوَرَ)‪.‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة ( َ‬
‫‪414‬‬

‫جذا م‪ ،‬وكان أسود ضخم الجثة‪ ،‬فرآها تنظر يوماً إلى قومه وهم عنده‪ ،‬فالمها‪ ،‬فقالت‬
‫حميدة‪ :‬وهل أرى إلَّا جذام؟ فو اهلل ما أحب الحالل منهم‪ ،‬فكيف الحرام؟‪ ،‬فقالت‬
‫ساخرة منه‪:‬‬
‫ف‪.‬‬
‫ت عَجِيجاً مِنْ جُذَا ِم المطَارِ ِ‬
‫وَعَجَّ ْ‬ ‫ن رَوْحٍ وَأَنْكَ َر جِلْدَ ُه‬
‫بَكَى الخَزُّ مِ ْ‬
‫( )‬
‫وَأَكْسِيَّةٌ كُرْدِيَّ ٌة وَقَطَائِف‪.‬‬ ‫ل العَبَا قَدْ كُنْتُ حِينًا لِبَاسَهُ ْم‬
‫وَقَا َ‬
‫فقال روح يجيبها‪:‬‬
‫( )‬
‫وَإنْ تَهْوَكُ ْم تَهْ َو اللِّئَا َم المقَارِفَا‪.‬‬ ‫ك مِمَّنْ يُهِينُهَا‬
‫ن تَبْكِ مِنَّا تَبْ ِ‬
‫فَإِ ْ‬
‫وقال روح محاورًا حميدة‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫س حَشْ ُو المنْطِقِ‪.‬‬
‫ك لَبِ ْئ َ‬
‫ن عَلَيْ ِ‬
‫مُثْ ٍ‬ ‫أَثْنِي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فَإِنَّنِي‬
‫فأجابته حميدة بنت النعمان‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫َن أَصْلَكَ فِي جُذَامٍ مُلْصِقُ‪.‬‬
‫وَبِأ َّ‬ ‫ك ضَيِّقٌ‬
‫َن بَاعَ َ‬
‫أَثْنِي عَلَيْكَ بِأ َّ‬
‫فأجابها روح‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ح الجَوْرَبِ‪.‬‬
‫ن رِيْ ِ‬
‫ك بِنَتْ ِ‬
‫ن عَلَيْ ِ‬
‫مُثْ ٍ‬ ‫أَثْنِي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فَإِنَّنِي‬
‫فأجابته حميدة بنت النعمان‪:‬‬
‫( )‬
‫ح الثَّعْلَبِ‪.‬‬
‫أَسْوَُأ وَأَنْتَنُ مِنْ سُلَا ِ‬ ‫َر الثَّنَا ِء عَلَيْكُمُ‬
‫فَثَنَاؤُنَا ش ُّ‬
‫فأردفت حميدة محاورة روح‪:‬‬
‫س تَجَلَّلَهَا بَ ْغلُ‪.‬‬
‫سَلِيلَ ُة أَفْرَا ٍ‬ ‫ل أَنَا إِلَّا مُهْر ٌة عَرَبِيَّةٌ‬
‫وَ َه ْ‬
‫(‪)9‬‬
‫ب الفَحْلُ‪.‬‬
‫ك إِقْرَافٌ فَمَا أَنْجَ َ‬
‫ن يَ ُ‬
‫وَإِ ْ‬ ‫ت مُهْراً كَرِيمًا فَبالحَرَى‬
‫ن نُتِجَ ْ‬
‫فَإِ ْ‬

‫( )‬
‫أشعار أمراء الدولة األموية في المشرق‪ ،‬ص ‪. 4‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬والصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬والصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪.‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪. 40‬‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬والصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪)9‬‬
‫أشعار أمراء الدولة األموية في المشرق‪ ،‬ص ‪. 44‬‬
‫‪415‬‬

‫فرد عليها روح‪:‬‬

‫حلُ‪.‬‬
‫ت عِنْدَ جَحْفَلَ ِة الفَ ْ‬
‫أَتَانٌ فَبَالَ ْ‬ ‫ت لَهُ‬
‫فَمَا بَالُ مُهْ ٍر رَائِعٍ عَرَضَ ْ‬

‫( )‬
‫ت قَمْرَاءُ فِي دَمِثٍ سَ ْهلِ‪.‬‬
‫كَمَا رَبَخَ ْ‬ ‫ت لَهُ‬
‫إِذَا هُ َو وَلَّى جَانِبًا رَبَخَ ْ‬

‫فالحوار الساخر في األبيات السابقة بين الزوجين‪ ،‬أخذ من الثياب التي يلبسها‬
‫كلٌّ منهما مادةً للسخرية‪ ،‬فحميدة بنت النعمان سخرت من زوجها روح بن زنباع‬
‫عبر الثياب التي يلبسها‪ ،‬فهي ثياب السادة‪ ،‬حيث صورت بكاء الثياب مما هي واقعة‬
‫فيه‪ ،‬حيث كان روح وقومه يلبسون الثياب الحقيرة‪ ،‬واستبدلوها بثياب السادة‪ ،‬فيرد‬
‫عليها روح ساخراً عبر صورة الثياب الباكية أيضاً‪ ،‬فيجعلها تبكي؛ ألنَّها تستخدم‬
‫ألن األنذال قوم حميدة يلبسونها‪.‬‬
‫استخدامًا يبليها ويهينها؛ َّ‬

‫وينتقل الحوار الساخر في مرحلة أخرى عبر استخدام لباس الحزام‬


‫والجوارب‪ ،‬فروح يصور الرائحة النتنة التي تنفح من ثنايا النطاق والجوارب عند‬
‫قوم حميدة‪ ،‬بينما عبرت حميدة عن رائحة بني جذام الكريهة‪ ،‬فرائحتهم أنتن من‬
‫فضالت الثعلب‪.‬‬

‫ثم ينتقل الحوار للسخرية من األصالة العربية لكل منهما‪ ،‬فحميدة بنت النعمان‬
‫ترى أنها عربية أصيلة (أنا مهرة عربية)‪ ،‬بينما ترى أنَّ أصل روح بن زنباع غير‬
‫عربي (تجللها بغل)‪ ،‬كما تُعلِّق حميدة ساخرة أنَّها إذا أنجبت كريماً فأصله الكريم‬
‫يرجع إل يها‪ ،‬وإنْ أنجبت مقرفاً في إشارة إلى الخيل ما كان من أم عربية وأب غير‬
‫عربي‪ ،‬فهي ترجع األصل غير الكريم إلى جهة أبيه روح بن زنباع‪ .‬وفي هذه‬
‫القذف من حميدة يرد روح في محاورته الساخرة بأنَّه عربي أصيل (مهر رائع)‪،‬‬
‫وأن حميدة بمنزلة األتان التي تعرضت للفرس‪.‬‬
‫َّ‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬والصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪416‬‬

‫ومن هذا المنطلق فقد تجلى في الحوار بين الزوجين (روح وحميدة) طريقة‬
‫جديدة في تقسيم الكالم‪ ،‬واألخذ والرد والمحاورة بينهما‪ ،‬فضالً عن سخرية كل‬
‫طرف منهما لآلخر عبر استعارة الثياب‪ ،‬واألصل العربي‪ ،‬ولهذا يمكن القول إنَّ‬
‫الحوار هو بمنزلة "مسرحية هزلية [أو هو] الصورة المبسطة لتكوين مسرحية أو‬
‫تمثيلية هي أكثر قدرةً على احتواء المعاني وتصوير الحاالت واألفعال من القصيدة‬
‫( )‬
‫الغنائية‪".‬‬

‫ومن أمثلة الحوار الساخر بين الزوج وزوجته ما صوَّره جرير في شعره‬
‫من حوار ساخر بين الفرزدق وزوجته حدراء‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫والحر يَمْنَ ُع ضَيْمَ ُه اإلنكار‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫ن وَرِيحَهُ ْم‬
‫ت القُيُو َ‬
‫حَدْرَاءُ أَنْكَرَ ْ‬

‫ق والبَنَانُ قَصَارُ‪.‬‬
‫ن أَوْرَ ُ‬
‫فَاللَّوْ ُ‬ ‫ت صَدََأ الحَدِي ِد بِجِلْدِهِ‬
‫لَما رَأَ ْ‬

‫قَالَتْ‪ :‬وَكَيْفَ تُرَقَّ ُع األَكْيَارُ‪.‬‬ ‫ل الفرزدقُ‪ :‬رَقِّعِي أَكْيَارَنَا‬


‫قَا َ‬

‫( )‬
‫ك نِزَارُ‪.‬‬
‫ك لَمْ تَلِدْ َ‬
‫والقَيْنُ جَدُّ َ‬ ‫ِن جِدِّي خَالِ ٌد‬
‫ك إ َّ‬
‫رَقِّعْ مَتَاعَ َ‬

‫فالحوار الدائر بين الفرزدق وحدراء كان يتمثل في دعوة الفرزدق حدراء‬
‫لمساعدته في مهنة الحدادة‪ ،‬ولكن الرد الساخر من حدراء صوَّر اإلباء والرفض‬
‫لمزاولة مهنة الحدادة؛ ألنَّ أباها نزاريٌّ أصيلٌ حرٌّ‪ ،‬بينما والد الفرزدق قينٌ وعبدٌ‪،‬‬
‫أمضى حياته كلها في الحدادة‪ .‬ولهذا فإنَّ الحوار الساخر من حدراء للفرزدق يتجلى‬
‫منه السخرية من مهنة الحدادة‪ ،‬واألصل الدوني للفرزدق وأجداده‪.‬‬

‫ومن أمثلة الحوار الساخر بين الزوجين ما قاله الحكم بن عبدل األسدي في‬
‫أثناء حواره مع زوجته في ليلة زفافه من المرأة الهمذانية‪ ،‬حيث رسم صورة ساخرة‬

‫( )‬
‫‪.4 8 ،4‬‬ ‫عبداهلل‪ ،‬د‪ .‬محمد حسن‪ ،‬صورة المرأة في الشعر األموي‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 0‬‬
‫‪417‬‬

‫لحوار الزوجة عن ماضيها الغابر‪ ،‬فيرد عليها الحكم في أثناء محاورته بأنه فقير وال‬
‫( )‬
‫يملك شيئاً‪ ،‬فكالهما كشف في ذلك الحوار حياتهما البائسة‪.‬‬
‫ب‪-‬حوار العاشق ومعشوقاته‪:‬‬
‫تجلى الحوار الساخر في الشعر األموي في محطة من محطاته إلى تصوير‬
‫السخرية في حوار المعشوقات فيما بينهنَّ‪ ،‬حيث كان الهدف منه "التندر وخلق جو‬
‫( )‬
‫مرح وبما يعينهنَّ جميع ًا على قضاء وقتهنَّ بأمتع ما يكون‪".‬‬
‫وفي هذا الشأن نجد عمر بن أبي ربيعة يصوِّر الحوار الساخر في حديث‬
‫أمنياتهن برؤية العاشق (عمر)‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫َّ‬ ‫المعشوقات له فيما بينهنَّ‪ ،‬وخواطر‬
‫ذِكْرَى قَرِيبَ ًة أَحْدَثَتْ وَطَرَا‪.‬‬ ‫ذِكْ ُر الرَّبَابِ وكَانَ قَدْ هَجَرَا‬
‫ن نَرَى عُمْرَا‪.‬‬
‫ل تَطْمَعَانِ بِأَ ْ‬
‫هَ ْ‬ ‫ت لِتِرْبَيهَا بِعَمْرِكُمَا‬
‫قَالَ ْ‬
‫ك أَطْمَ ُع أَنَّ ُه حَضَرَا‪.‬‬
‫وَلِذَا َ‬ ‫س مُوجِسَةٌ‬
‫َن النَّفْ َ‬
‫إِنِّي كَأ َّ‬
‫ن قَوْلِهَا سَخَرَا‪.‬‬
‫وَأَسَرَّتَا مِ ْ‬ ‫فَأَجَابَتَاهَا فِي مُهَازلَةٍ‬
‫نَرْجُو زِيَارَ َة زَائِرٍ ظُهُرَا‪.‬‬ ‫ك مَا نَخَافُ وَمَا‬
‫إِنَّا لَعَمْرُ ِ‬
‫ن إذًا لَقَدْ شُهِرَا‪.‬‬
‫فِيمَنْ تَ َريْ َ‬ ‫لَوْ كَانَ يَأْتِينَا مُجَاهَرَ ًة‬
‫بِاهللِ‪ :‬ال يَأْتِيكُمَا شَهَرَا‪.‬‬ ‫ت لَهَا الصُغْرَى وَقَ ْد حَلَفَتْ‬
‫قَالَ ْ‬
‫ت جَيْبَهَا فَطْرَا‪.‬‬
‫وَهَوَتْ فَشَقَّ ْ‬ ‫ت َصُعُدًا لِحِلْفَتِهَا‬
‫فَتَنَفَّسَ ْ‬
‫ن ذُكِرَا‪.‬‬
‫جَزَعاً وَقَالَتْ‪ :‬حُبَّ مَ ْ‬ ‫وَجَرَتْ مَآقِيهَا بِأَدْمُعِهَا‬
‫(‪)4‬‬
‫ُن لِأَسْمَ َع الحوْرَا‪.‬‬
‫أَقْفَائِه َّ‬ ‫ت إِلَى‬
‫بَيْنَا تَحَاوُرُهُنَّ قُمْ ُ‬
‫يتجلى من األبيات السابقة أنَّ عمر بن أبي ربيعة كان يصور حديث‬
‫(‪)8‬‬
‫المعشوقة " وما يدور بينها وبين صاحباتها‪ ،‬وما يكون بينهنَّ من حديث وحوار‪".‬‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫‪9-‬‬ ‫يُنظر‪ :‬شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬القصيدة رقم (‪ ، )44‬ص‬
‫( )‬
‫ياسين‪ ،‬د‪ .‬نضال إبراهيم‪ ،‬تقنيات القص الهازل في غزل عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬مجلة آداب البصرة‪( ،‬العراق‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 0‬م) ‪ ،‬ص‬ ‫العدد (‪، )22‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬ص ‪84- 89‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الجربوع‪ ،‬عبداهلل بن سليمان‪ ،‬عفة عمر بن أبي ربيعة بين الواقع والوصف‪ ،‬مجلة جامعة الملك سعود‪،‬‬
‫) ‪ ،‬اآلداب ( ) ‪ 8 0 ،‬ه ‪ 000-‬م) ‪ ،‬ص ‪. 8‬‬ ‫(الرياض‪ ،‬المجلد (‬
‫‪418‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإنَّ الرباب ادَّعت من خالل محاورتها ألترابها أنَّها توجست شيئاً‬
‫في داخل نفسها‪ ،‬واستدلت من خالله أنَّها سترى عمر‪ ،‬ولكنها موقنةٌ أنَّها ستراه؛‬
‫ألنها على موعد للقاء به؛ ولكنها ادَّعت خالف ذلك ألترابها‪ ،‬عابثةً بهنَّ‪ ،‬ولكن‬
‫سرعان ما عرفت األتراب بالموعد‪ ،‬فكان لهنَّ موقف آخر تجلت منه الدعابة‬
‫والهزل من الرباب‪ ،‬وهو موقف العارف المتجاهل الذي تمادت األتراب من خالله‬
‫العبث بالرباب والسخرية منها‪ ،‬واستفزازها وهو ما تجلى في قوله (فأجابتاها في‬
‫مهازلة)‪ .‬ولهذا فإنَّ الرباب وفي أثناء محاورتها ألترابها أصبحت في موضع التندر‬
‫والسخرية منهنَّ‪ ،‬حيث ظهر اقتراحها ألترابها عن رؤية عمر في وقت الظهيرة‬
‫بمظهر هازل وساخر منهنَّ‪ ،‬حيث تجلى العبث بمشاعرها والضحك من مقترحها من‬
‫خالل رَدِّ الصغرى عليها بأنَّ عمر لن يأتي حتى بعد شهر‪ ،‬ولهذا بدت الرباب في‬
‫موضع التندر والدعابة والسخرية في هذه المحاورة بين معشوقات عمر بن أبي‬
‫ربيعة‪.‬‬
‫ومما سبق يمكن القول إنَّ المتلقي لهذا الحوار الساخر يجعله يعيش" في مجلس‬
‫من مجالس النساء‪ ،‬ويستمع إلى أحاديثهنَّ وأمانيهنَّ‪[ ،‬و] ينقل القارئ نفسياً من نقلة‬
‫( )‬
‫إلى أخرى ومن لمحة إلى لمحة‪".‬‬
‫ج‪-‬حوار الحيوانات والحشرات‪:‬‬
‫يصوِّر الحكم بن عبدل األسدي في شعره الساخر حواراً ساخناً بينه وبين‬
‫الفئران التي غادرت بيته؛ ألنَّها لم تجد في بيته ما تقتات منه‪ ،‬حيث يقول في‬
‫محاورته معها‪:‬‬
‫وَلَقَ ْد كَانَ سَاكِن ًا مَا يَرِيمْ‪.‬‬ ‫فَرَّ مِنْ ُه مُوَلِّياً فَأْرُ بَيْتِي‬
‫لَا تُلِيحُوا شُيُوخَكُمْ فِي السُّمُومْ‪.‬‬ ‫قُلْتُ‪ :‬هَذَا صَوْ ُم النَّصَارَى فَحَلُّوا‬
‫( )‬
‫أَهُ َو الحَقُّ كُلَّ يَوْمٍ تَصُومْ؟‬ ‫ن جَمِيعًا‬
‫ك الفَأ ُر ثُمَّ قُلْ َ‬
‫ضَحِ َ‬

‫( )‬
‫نافع‪ ،‬د‪ .‬عبدالفتاح صالح‪ ،‬الحوار في غزل عمر بن أبي ربيعة‪( ،‬عمَّان الوكالة العربية للتوزيع والنشر‪،‬‬
‫‪.84 ،‬‬ ‫د‪.‬ت) ‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫‪ .‬تليحوا‪ :‬تهلكوا‪.‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص‪8‬‬
‫‪419‬‬

‫يتأسس حوار الحكم بن عبدل مع الفئران باالعتماد على أسلوب الخداع‪،‬‬


‫محاوالً إقناعها أنَّ سبب خلو بيته من الطعام كونه صائماً صوم النصارى الذي في‬
‫العادة يكون طويالً لكن هذا التعليل لم يقنع الفئران‪ ،‬فضحكت منه‪ ،‬وردَّت عليه رداً‬
‫جماعياً في صورة استفهام استنكاري‪ :‬وهل حقاً أنك تصوم كل يوم؟ ولكنها قررت‬
‫الرحيل من بيته‪ .‬وعلى هذا يمكن القول إنَّ في محاورة الحكم بن عبدل للفئران ما‬
‫يدل على حالة الجدب التي ظهر فيها بيته؛ ألنَّ الفأر يكفيه القليل من بقايا الطعام‪،‬‬
‫كما يتجلى من الرد الساخر من الفئران على طول مدة صيامه ومعاناته وحرمانه‬
‫لمدة زمنية طويلة‪ ،‬ولهذا يئست الفئران من هذا الواقع المعيشي في بيت الحكم بن‬
‫عبدل‪ ،‬فقررت النجاة بنفسها من هذا الواقع المؤلم‪ ،‬وتترك الحكم بن عبدل يكابد آالم‬
‫الحرمان والفقر‪ ،‬وفي هذا المشهد ما يدل على تخلي المجتمع عن شريحة الفقراء‪.‬‬
‫وفي سبيل تصوير معاناة الفقر والجدب في بيته يدير الحكم بن عبدل حواراً‬
‫ساخراً آخر بينه وبين الحيوانات والحشرات التي غادرت بيته‪ ،‬فقد قررت االنتقام‬
‫منه‪ ،‬ألنَّه لم يحسن ضيافتها في بيته‪ ،‬فقررت هدم بيته‪ ،‬فحاول أن يثنيها عن هدم‬
‫البيت‪ ،‬فقال في حواره لها‪:‬‬
‫يَا لَقَوْمِي لَبَيْتِي المهْدُومْ‪.‬‬ ‫نَصَبُوا مَنْجَنِيقَهُمْ حَ ْولَ بَيْتِي‬
‫قَائِمٌ فَوْقَ بَيْتِنَا بِقَدُومِ‪.‬‬ ‫وَإِذَا فِي الغَبَاءِ سَمُّ بُرَيْصٍ‬
‫كَانَ قِدْم ًا لِجَمْعِكُمْ مَعْلُومْ‪.‬‬ ‫ق‬
‫ن مَجْمَ َع صِدْ ٍ‬
‫ت الجرَيْ ِ‬
‫قُلْتُ‪ :‬بَيْ َ‬
‫ت تَمْرِ ِه المرْكُومْ‪.‬‬
‫مَسْكَناً تَحْ َ‬ ‫قُلْنَ‪ :‬لَوَلَا سِنِّوْرَتَا ُه احْتَفَرْنَا‬
‫( )‬
‫تَذْرَانَا وَجَمْعُنَا كَالهَزِيمْ‪.‬‬ ‫إِنْ تُلَاقِ سِنَّوْرَتَاهُ فَضَاءً‬
‫فالحوار ال صادر من الحكم بن عبدل تجلى منه الدفاع عن بيته من الهدم من‬
‫قبل الحيوانات والحشرات‪ ،‬فحاول مخاطبتها بتحسره على جرينه الذي نضب من‬

‫( )‬
‫‪ .‬الغباء‪ :‬الغبار‪ .‬سم بريص‪ :‬الوزغة‪ .‬الجرين‪ :‬موضع التمر‪.‬‬ ‫‪2-‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫‪411‬‬

‫التمر‪ ،‬أما الفئران فتخاطبه أن خواء البيت من الطعام جعلها تهاب السنورتين اللتين‬
‫تقيمان عند جرينه‪ ،‬فلوال وجودهما الحتفرت لها مسكن ًا تحت أكوام التمر‪.‬‬
‫وفي إطار الحوار الساخر يصوِّر الحكم بن عبدل عبر أمنيته الساخرة التي‬
‫تتجلى في أن يغمر دنه بالشراب؛ كي يشاهد العنكبوت وهي تغرق في دنه‪ ،‬فتستنجد‬
‫بالذباب لينقذها من الغرق‪ ،‬فيعرض الذباب عن إنقاذه بسبب رائحة النبيذ الفاسد‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫أُبْصِرَ العنكبوتَ فِيهِ يَعُومْ‪.‬‬ ‫ت دَنِّي حَتَّى‬
‫لَيْتَنِي قَ ْد غَمَرْ ُ‬
‫زَبَدٌ فَوْقَ رَأْسِ ِه مَرْكُومْ‪.‬‬ ‫غَرَقًا لَا يُغِيثُهُ الدَّهْ َر إِلَّا‬
‫ن أَغَثْنِي فَإِنَّنِي مَظْلُومْ‪.‬‬
‫أَ ْ‬ ‫مُخْرِجاً كَفَّهُ يُنادِي ذُبَابًا‬

‫( )‬
‫ن نَبِيذٍ يَشُمُّ ُه المزْكُومْ‪.‬‬
‫مِ ْ‬ ‫ق دُنُوًّا‬
‫ن أُطِي َ‬
‫قَالَ ذَرْنِي فَلَ ْ‬

‫فالحوار الساخر تجلى عبر مناجاة العنكبوت للذباب بإنقاذه‪ ،‬والرفض من‬
‫الذباب؛ بسبب الرائحة التي تزكم األنوف التي تعلو دَنَّ الحكم بن عبدل‪ .‬ومما سبق‬
‫يمكن القول إنَّ الحكم بن عبدل قد أدار حواره مع الحيوانات والحشرات للتعبير عن‬
‫مأساة الطبقات المعدمة في العصر األموي‪ ،‬التي أصابها اإلهمال والنسيان‪ .‬ومن هذا‬
‫المنطلق يرى الباحث صالح الدين دراوشة أن الحوار مع الحيوانات والحشرات‬
‫أسلوب غير مألوف في الشعر العربي‪ ،‬ولعل الحكم بن عبدل أول من ابتدعه في‬
‫( )‬
‫التعبير عن الفقر والشريحة البائسة والمعدمة في العصر األموي‪.‬‬

‫‪-2‬الوظيفة الحجاجية‪:‬‬

‫تُبنى السخرية في كثير من مجاالتها على مجموعة من العالقات العقلية‬


‫الباحثة عن الحقيقة‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ السخرية في وظيفتها الحجاجية تقوم من‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬دراوشة‪ ،‬د‪ .‬صالح الدين‪ ،‬الرؤى والدالالت عند شعراء القرن الثاني الهجري‪ ،‬ص‪. 87‬‬
‫‪411‬‬

‫خالل " الظهور بمظهر إعطاء الكلمة للخصم‪ ،‬وعلى االستشهاد به إلظهار مدى‬
‫( )‬
‫فهي بهذا تؤدي دوراً أسلوبياً من أساليب النقد؛ ألنَّها‬ ‫عبثية أفكاره وشناعتها‪".‬‬
‫تعبر عن الرأي الخاص للساخر‪ ،‬أو النظرة الخاصة تجاه المسخور منه‪ ،‬التي تبدو‬
‫في نظره غير مألوفة‪ ،‬فهي تعبير عن حالة الالمألوف‪ ،‬والالطبيعي‪ ،‬والسلبي‪،‬‬
‫والمتناقض من حقائق األمور والسلوكيات واألفكار‪ ،‬ولهذا فإنَّ الحجاج الساخر يقوم‬
‫( )‬
‫على "تناقض قيم حجاجية‪ ،‬كونها حجة على فرضية ما‪".‬‬
‫ومن أمثلة الحجاج الذي يتأسس على الحجة الساخرة القائمة على االسترشاد‬
‫بالقراءة األولى‪ ،‬لتكون حجة للقراءة الثانية‪ ،‬التي تبدو فيها السخرية بوضوح‪ ،‬ما‬
‫قاله الفرزدق في بني ربيع بن الحرث‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫بِخَيْ ٍر وَقَ ْد أَعْيَا رَبِيعاً كِبَارُهَا‪.‬‬ ‫ن يَجِي َء صِغَارُهَا‬
‫أَتَرْجُو رَبِي ٌع أَ ْ‬
‫فالمتأمل في هذا البيت يعطي الحجة لصغار بني ربيعة‪ ،‬التي تبرئهم من الذنوب‬
‫واألخطاء التي فعلوها‪ ،‬على اعتبار أن الكبار قد يخطئون‪ ،‬فالجميع معصومون من‬
‫الخطأ صغاراً وكباراً‪ ،‬ولكن البيت يُقْرأ قراءة ثانية في اإلطار الساخر‪ ،‬يتجلى منها‬
‫سفه بني ربيعة وطيشهم الدائم واألبدي‪ ،‬فإذا لم يصلح كبيرهم وال صغيرهم فهذا‬
‫دليل على أنه لم يرشد السلف الخلف‪ .‬ومن هذا المنطلق يمكن القول بالحجة القائمة‬
‫على سفه بني ربيعة وطيشهم المتأصل فيهم؛ ألنَّ قول الفرزدق السابق في بني‬
‫ربيعة يأتي في مقام القول نقيض ما يقصد الساخر‪.‬‬
‫ومن أمثلة الحجاج القائم على الحجة الضمنية الساخرة ما قاله الكميت ساخراً‬
‫من األمويين؛ بسبب اغتصابهم الخالفة واإلمامة التي يراها حقاً آلل البيت‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫ذاكر‪ ،‬عبدالنبي‪ ،‬السخرية والحجاج‪ ،‬أبحاث الفكاهة والسخرية‪ ،‬الورشة الثانية‪ ،‬ط ‪( ،‬الرباط‪ ،‬دار أبي‬
‫رقراق للطباعة والنشر‪ 0 0 ،‬م)‪ ،‬ص ‪07‬‬
‫( )‬
‫الدريدي‪ ،‬د‪ .‬سامية‪ ،‬الحجاج في الشعر العربي ‪ ،‬بنيته وأساليبه‪ ،‬ط ‪( ،‬إربد‪ ،‬عالم الكتب‪ 84 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 0‬م) ‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪. 47‬‬
‫‪412‬‬

‫( )‬
‫علُ‪.‬‬
‫ك وَفُرْ ُ‬
‫علٌ فِيهَا شَرِي ٌ‬
‫لَهَا فُرْ ُ‬ ‫ب رُعَاؤُهَا‬
‫ت غَنَمًا ضَاعَتْ وَغَا َ‬
‫أَتَ ْ‬
‫فالكميت في بيته السابق استعار الراعي للخليفة األموي‪ ،‬واألمة بالغنم‪ ،‬فلما‬
‫بأن الخليفة‬
‫ضاع راعي الغنم‪ ،‬عاثت السباع بالغنم‪ ،‬فالكميت يقدم حجة ساخرة توحي َّ‬
‫األ موي لم يكن قطُّ راعياً لألمة‪ ،‬ولم يحل محل اإلمام العادل من آل البيت‪ ،‬الذي‬
‫أُبْعِدَ ظلماً عن الخالفة‪ ،‬والحجة الساخرة التي يراها الكميت تتجلى في أنَّ "اإلمامة‬
‫( )‬
‫حق آل البيت اغتصبها األمويون ظلماً وعدواناً‪".‬‬
‫وقد يكون الحجاج الساخر يتضمن سؤاالً ساخراً‪ ،‬فيكون السؤال حجة يقوم على‬
‫نتيجة الجهل بالمسخور منه‪ ،‬كما في قول زياد األعجم‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ح األَعَاصِرِ‪.‬‬
‫َي رِي ِ‬
‫ن أ ِّ‬
‫وَرِيحُكُمْ مَ ْ‬ ‫ن أَنْتُمْ‬
‫ن أَنْتُمْ؟ إِنَّا نَسِينَا مَ ْ‬
‫فَمَ ْ‬
‫فزياد األعجم في استفهامه السابق يتجلى منه السؤال عن قبيلة الجرميين‪ ،‬وربما‬
‫يرجع ذلك لقدم عهده بهم وطول غيابه عنهم‪ ،‬ولكن المقام الساخر من هذا السؤال‬
‫يظهر منه أنَّ الساخر يجعل سؤاله حجةً ودليالً على دونية شأن من يخاطبهم في‬
‫سؤاله السابق‪ ،‬ودليالً على حقارتهم؛ ألنَّ اإلنسان ال يجهل إلّا الحقير‪ ،‬الذي ال مجد‬
‫له‪ ،‬وال بطولة عريقة له‪ .‬وقد تعمقت سخرية زياد األعجم ألبي قالبة الجرمي عندما‬
‫خصَّ قبيلته بريح األعاصر؛ ألنَّ هذه الريح تسوق غيثاً‪ ،‬وال تدرُّ سحاباً‪ ،‬وال تلقح‬
‫شجراً‪ ،‬حيث جعلهم معادالً تصويرياً لريح األعاصر؛ لقلة االنتفاع بهم واالستفادة‬
‫منهم في الواقع االجتماعي‪ .‬ومن هذا المنطلق فإنَّ زياد األعجم في سؤاله السابق‬
‫عن قبيلة الجرميين يأتي في إطار تقنية الحجاج الساخر الذي "يتخذ من االستفهام‬
‫شكل السؤال الفخ" (‪ )8‬فهو يسأل ادعاء الجهل الذي تنبع منه السخرية‪.‬‬

‫( )‬
‫شرح هاشميات الكميت بن زيد األسدي‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫( )‬
‫الدريدي‪ ،‬سامية‪ ،‬الحجاج في هاشميات الكميت‪ ،‬حوليات الجامعة التونسية‪( ،‬تونس‪ ،‬العدد (‪ 77 ، )80‬م)‬
‫‪.‬‬ ‫‪،‬ص‪4‬‬
‫(‪)4‬‬
‫شعر زياد األعجم‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الدريدي‪ ،‬د‪ .‬سامية‪ ،‬الحجاج في الشعر العربي‪ ،‬بنيته وأساليبه‪ ،‬ص‬
‫‪413‬‬

‫وقد يأتي الحجاج الساخر بهدف إبراز الصراع القائم بين العرف السائد‬
‫والغريب الش اذ‪ ،‬حيث تظهر الحجة للمتلقي مغايرةً للعرف السائد‪ ،‬وخارجة عن‬
‫المنطق المألوف‪ ،‬وهذا ما يمثله قول مجنون ليلى‪ ،‬عندما يصف حالة تعلقه بليلى‪،‬‬
‫حيث يقول‪:‬‬

‫ِي الموَاشِيَا‪.‬‬
‫تَرُدُّ عَلَيْنَا بِالعَش ِّ‬ ‫ت مُؤْصَدٍ‬
‫وَعَهْدِي بِلَيْلَى وَهْيَ ذَا ُ‬
‫( )‬
‫ق لَيْلَى فِي فُؤَادِي كَمَا هِيَّا‪.‬‬
‫وَأَعْلَا ُ‬ ‫َب بَنُو لَيْلَى وَشَبَّ بَنُو ابْنِهَا‬
‫فَش َّ‬

‫فالمجنون يكشف في تصويره السابق الخلود والثبات الدائم لحب ليلى وهيامها في‬
‫قلبه‪ ،‬ولكن من هذه الصورة يتجلى المقام الحجاجي الساخر‪ ،‬حيث يصبح حجة على‬
‫غياب رشده وعقله‪ ،‬ومأساوية وضعه؛ ألنَّ من يتعلق بامرأة ال أمل في وصالها حتى‬
‫شبَّ أبناؤها وأحفادها‪ ،‬وهذا ما يستدل منه على قلة حكمة المسخور منه‪ ،‬وقتامة‬
‫يأسه‪ ،‬والعجز الفظيع في التعلق بالمحبوبة‪.‬‬
‫( )‬
‫في الخطاب‬ ‫والسخرية تُعَدُّ "إستراتيجية خطابية حجاجية وأسلوبية "‬
‫الشعري‪ ،‬ولهذا فإِنَّ الحجاج الساخر يقوم في أسلوبه أحياناً على إظهار الطرافة‬
‫للنفس‪ ،‬بحيث يكون له وقعٌ كبيرٌ ومؤثرٌ في نفوس المتلقين للسخرية‪ ،‬وعادة ما يقوم‬
‫هذا النوع على التشكيك في المسخور منه‪ ،‬بحيث يشيع هذا التشكيك الجو الساخر‬
‫الذي يدعم الحجاج‪ .‬ومن أمثلته قول جرير مشككاً بين بني تيم وعبيدهم‪ ،‬حتى ال‬
‫يستطيع الناظر إليهم التمييز بينهم‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫وَسَيِّدُهُم وّإِنْ رَغَمُوا مَسُودُ‪.‬‬ ‫ن كِرَامُ تَيْ ٍم‬
‫لِئَا ُم العَالَمِي َ‬
‫(‪)4‬‬
‫وَتَيْماً قُلْتَ‪ :‬أَيُّهُ ُم العَبِيدُ‪.‬‬ ‫ت عَبِي َد تَيْ ٍم‬
‫ك لَ ْو لَقِي َ‬
‫وَإِنَّ َ‬

‫( )‬
‫ديوان مجنون ليلى‪ ،‬جمع وتحقيق وشرح‪ :‬عبدالستار أحمد فرّاج‪( ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة مصر‪ +‬دار مصر‬
‫للطباعة‪ ،‬د‪.‬ت) ‪ ،‬ص ‪. 74‬‬
‫( )‬
‫ذاكر‪ ،‬عبدالنبي‪ ،‬السخرية والحجاج‪ ،‬ص ‪. 02‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫‪414‬‬

‫فالتشكيك بين التيم وعبيدهم من وجهة نظر الساخر يدعم حجته الساخرة من بني‬
‫التيم‪ ،‬وهو أبلغ في القول من قوله إنَّهم العبيد‪ ،‬فالتشكيك أحدث أثراً نفسياً لديهم؛‬
‫فأصبح من يشاهد كل فرد منهم يمكنه أن يسميه عبداً الستحالة التمييز‪ ،‬فالعبودية‬
‫بهذا القول تعد الزمة اسمية لهم‪.‬‬
‫‪-4‬الوظيفة السردية‪:‬‬
‫تتجلى الوظيفة السردية في الشعر الساخر من خالل "العوامل المسهمة في بناء‬
‫( )‬
‫في‬ ‫الوحدة القصصية والمضفية على العملية السردية حركيتها وقيمتها الفنية"‬
‫النص الساخر‪.‬‬

‫وقد استغل الشعراء في العصر األموي الجانب السردي في الشعر من خالل بعث‬
‫سخرياتهم في ثنايا سردهم لقصصهم التي يحكونها في شعرهم؛ وذلك بهدف بعث‬
‫االحتقار أو الهزل من المسخور منه الذي ينضوي في إطار قصصهم التي يروونها‬
‫عبر الشعر‪.‬‬

‫وفي هذا المجال نجد القطامي يسخر من امرأة من بني محارب‪ ،‬لم تكرمه‬
‫عندما نزل ضيفاً في الليل‪ ،‬فقال يصف رحلته إلى تلك المرأة بأسلوب سردي ساخر‬
‫من فعل البخل الذي امتازت به المرأة المحاربية‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ل أَ ْو مُخَبِّرُ صَاحِبِ‪.‬‬
‫مُخَبِّ ُر أَ ْه ٍ‬ ‫ف مُخْبِرُ مَا رَأَى‬
‫أن الضَّيْ َ‬
‫ُد َّ‬
‫وَلَا ب َّ‬
‫ب فَرَاسِبِ‪.‬‬
‫ن العُذَيْ ِ‬
‫تَضَيَّفْتُهَا بَيْ َ‬ ‫ل‬
‫ُم مَنْزِ ٍ‬
‫ن أ ِّ‬
‫سَأُخْبِ ُر بِاألَنْبَا ِء عَ ْ‬
‫ت َكوَاكِبِ‪.‬‬
‫وَفِي طِرْمِسَا ٍء غَيْرِ ذَا ِ‬ ‫تَلَفَّعْتُ فِي طَلٍّ وَرِيحٍ تَلُفُّنِي‬
‫ن كُلِّ جَانِبِ‪.‬‬
‫ت الظَلْمَا ُء مِ ْ‬
‫تَلَفَّعَ ِ‬ ‫ن تُوقِ ُد النَّا َر بَعْدَمَا‬
‫إِلَى حَيْزَبُو ٍ‬
‫ص النَّارِ يَبْدُو لِرَاكِبِ‪.‬‬
‫ل وَبِي َ‬
‫تَخَا ُ‬ ‫ن‬
‫تَصَلَّى بِهَا بَرْ َد العِشَا ِء وَلَ ْم تَكُ ْ‬
‫ت لَاغِبِ‪.‬‬
‫ن الصَّوْ ِ‬
‫ح بِمَحِسُورٍ مِ َ‬
‫تُرِي ُ‬ ‫فَمَا رَاعَها إِلَّا بغَا ُم مَطِيَّةٍ‬
‫( )‬
‫العجيمي‪ ،‬د‪ .‬محمد الناصر‪ ،‬الخطاب الوصفي في األدب العربي القديم‪ ،‬ص ‪.497‬‬
‫‪415‬‬

‫َي رَكَائِبِي‪.‬‬
‫إِلَيْكَ فَلَا تَذْعَ ْر عَل َّ‬ ‫تَقُولُ وَقَدْ قَرَّبْتُ كُوْرِي وَنَاقَتِي‬
‫ل عَارِي األَشَاجِعِ شَاحِبِ‪.‬‬
‫جٍ‬‫ن رَ ُ‬
‫وِمِ ْ‬ ‫ث مُنَاخَ ٍة‬
‫ت جُنُوناً مِنْ دِلَا ِ‬
‫وَجُنَّ ْ‬
‫ك العَقَارِبِ‪.‬‬
‫ف شَوْ َ‬
‫يُخَزِّ ُم بِاألَطْرَا ِ‬ ‫ل حَتَّى كَأَنَّمَا‬
‫سَرَى فِي جَلِي ِد اللَّ ْي ِ‬
‫ق عَلَى كُلِّ جَانِبِ‪.‬‬
‫وَلَكِنَّ ُه حَ ٌ‬ ‫س يَسُرُّهَا‬
‫ت والتَّسْلِي ُم لَيْ َ‬
‫فَسَلَّمْ ُ‬
‫كَمَا انْحَاشَتِ األَفْعَى مَخَافَةَ ضَارِبِ‪.‬‬ ‫ُم أَعْرَضَتْ‬
‫فَرَدَّتْ سَلَامًا كَارِهًا ث َّ‬
‫أَتَاكِ مُصِيبٍ مَا أَصَابَ فَذَاهِبِ‪.‬‬ ‫ت لَهَا لَا تَفْعَلِي ذَا بِرَاكِبٍ‬
‫فَقُلْ ُ‬
‫ن مُحَارِبِ‪.‬‬
‫مِنَ الحَيِّ قَالَتْ‪ :‬مَعْشَ ٌر مِ ْ‬ ‫فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الحَدِيثَ سَأَلْتُهَا‬
‫س لَ ْيسَ بِنَاضِبِ‪.‬‬
‫ف النَّا ِ‬
‫جِيَاع ًا وَرِي ُ‬ ‫ِد مِمَّا تَرَاهُمُ‬
‫ن الق َّ‬
‫ن المشْتَوِي َ‬
‫مِ َ‬
‫خ السِّوْ ِء ضَرْبَ َة لَازِبِ‪.‬‬
‫عَلَى مُنَا ِ‬ ‫ف لَ ْم يَكُنْ‬
‫فَلَمَّا بَدا حِرْمَانُهَا الضَّيْ َ‬
‫( )‬
‫ب الموَاكِبِ‪.‬‬
‫يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا خَبِي َ‬ ‫ت‬
‫ت إِلَى مَهْرِيَّةٍ قَ ْد تَعَوَّدَ ْ‬
‫وَقُمْ ُ‬
‫في النص السابق يسرد لنا القطامي ما يتعرض له المسافر المقرور من‬
‫مظاهر مؤلمة في الطريق‪ ،‬وفي هذا يذكر حق المسافر من الناس الذين يمر بهم في‬
‫طريقه من خالل إطعامه وضيافته‪ .‬وفي هذا السرد الساخر يصور ما القاه من عدم‬
‫اإلكرام والضيافة من قبيلة محارب وعجوزها البخيلة‪ ،‬وفي سرده يصور القطامي‬
‫تساقط الطل عليه‪ ،‬والريح الزائفة‪ ،‬والظالم الدامس‪ ،‬فالح له ضوء نار العجوز‬
‫المحاربية‪ ،‬فقدم إليها مباغتةً‪ ،‬وأناخ ناقته‪ ،‬فقالت له‪ :‬تنحَ عني وال تذعر ماشيتي‬
‫وتهيجها‪ ،‬وكانت حالته مجهدة من السفر‪ ،‬فألقى السالم عليها‪ ،‬فردت وهي مكرهة‪،‬‬
‫وهنا تجلت السخرية في قوله (والتسليم ليس يسرها)‪ ،‬ثم بعد أن ردت السالم‬
‫انحازت عنه كما تنحاز األفعى عن ضاربها‪ ،‬فالمها القطامي على االستقبال السيء‬
‫بعابر الطريق والمسافر‪ ،‬ولكنها سرعان ما أخبرته أنها من بني محارب الذين‬
‫يجوعون فيأكلون القديد وعلى إثر جوابها غادرها وركب ناقته‪.‬‬

‫( )‬
‫ديوان القطامي‪ ،‬ص ‪. 48- 4‬‬
‫‪416‬‬

‫والقطامي في أبياته السابقة التي استخدم فيها السرد القصصي القائم على‬
‫الحوار السريع لوصف رحلته‪ ،‬حيث استطاع أن يبث سخريته من بخل بني محارب‬
‫في ثنايا وصف رحلته‪ ،‬وقد تجلت سخريته من بخل بني محارب كافةً عندما نعتهم‬
‫بو (المشتوين القد)‪ ،‬وفي هذا الوصف تتجلى الدونية في أخالقهم ومكانتهم‬
‫االجتماعية المحتقرة‪.‬‬
‫أمَّا جِران العود النميري فقد كشف لنا في سرده الساخر صوراً متعددة من‬
‫الضحك والدعابة والتنكيل التي تلقاها من امرأة تزوجها من غير تمحيص‪ ،‬فقد تبيَّن‬
‫له بعد الزواج أنَّها امرأة قبيحة المنظر والمخبر‪ ،‬فقال واصفاً حالته المأساوية في‬
‫سرد قصصي‪ ،‬ومشهد مسرحي ليلة زفافه من تلك العروس‪.‬‬
‫وفي بداية سرده يصف حالة الغش التي تعرض لها في أثناء خطبتها‪ ،‬حيث إنَّها‬
‫امرأة ذات قدرة فائقة في التجميل‪ ،‬وإغراء الرجال‪ ،‬فحمله ذلك اإلغراء منها على‬
‫الزواج بها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ب وُضَّحُ‪.‬‬
‫س بَعْدِي أَوْ تَرَائِ ُ‬
‫عَلَى الرَّ ْأ ِ‬ ‫َّن امْرًَأ نَوْفَلِيَّ ٌة‬
‫أَلَا ال يَغُر َّ‬
‫ك أَبْطَحُ‪.‬‬
‫أَسَاوِ ُد يَزْهَاهَا لِعَيْنَيْ َ‬ ‫ن كَأَنَّهُ‬
‫وَلَا فَاحِ ٌم يُسْقَى الدِّهَا َ‬
‫( )‬
‫تَرَى قُرْطَهَا مِنْ تَحْتِهَا يَتَطَوَّحُ‪.‬‬ ‫وَأَذْنَابُ خَ ْيلٍ عُلِّقَتْ فِي عَقِيصَ ٍة‬
‫فالمرأة كانت تزيِّن رأسها بنوفلية‪ ،‬وهو شيء من الصوف تتخذه النساء فتضعه‬
‫على الرأس‪ ،‬يزيدها جماالً‪ ،‬فضالً عن الصدر األبيض والشعر األسود الذي تجيد‬
‫دهانه‪ ،‬والضفائر االصطناعية التي يتدلى من تحتها القرط الطويل‪ ،‬فهي بهذا المظهر‬
‫الجمالي المصطنع قد أغرت بجمالها جران العود على الزواج منها‪.‬‬
‫ولكن المفاجأة كانت لجران العود عندما دخل على تلك المرأة‪ ،‬فقد انكشف له‬
‫زيف جمالها وقبحها‪ ،‬فهي تشبه الظليم النافر العاري من الريش األرسح‪ ،‬حيث يقول‬
‫في وصفها‪:‬‬

‫( )‬
‫ديوان جران العود النميري‪ ،‬رواية أبي سعيد السكري‪ ،‬ط‪( ،4‬القاهرة‪ ،‬مطبعة دار الكتب المصرية‪،‬‬
‫‪ 000‬م) ‪ ،‬ص ‪.‬‬
‫‪417‬‬

‫ن أَرْسَحُ‪.‬‬
‫َص الذَّنَابَى والذِّرَاعَيْ ِ‬
‫أَح ُّ‬ ‫َز عَنْهَا الدَّ ْرعُ قِيلَ‪ :‬مُطَرَّ ُد‬
‫إِذَا ابْت َّ‬
‫( )‬
‫س يَرْبَحُ‪.‬‬
‫ن النَّا ِ‬
‫ُل مبْتَاعٍ مِ َ‬
‫وَمَا ك ُّ‬ ‫ل أَهْلَهَا‬
‫ك الَّتِي حَكَّمْتُ فِي المَا ِ‬
‫فَتِلْ َ‬
‫فجران العود يتحسر على ضياع األموال التي قدمها مهراً لتلك العروس‪.‬‬
‫ويأخذ السرد في نص جران العود منحى مأساوياً ساخراً‪ ،‬فليس األمر في قبح‬
‫تلك الزوجة فحسب‪ ،‬ولكن سرعان ما قامت بالتنكيل به بعد الزواج في وقت الزال‬
‫المسك ينفح من ثنايا مالبسها‪ ،‬فيعرض جران العود ألساليب التعذيب التي تلقاها‬
‫منها‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ن الهِرَاوَةِ تَلْمَحُ‪.‬‬
‫وَعَيْنِي مِ َ‬ ‫ت حَتَّى تَكُبَّنِي‬
‫تُدَاوِرُنِي فِي البَيْ ِ‬
‫َي أُرَنَّحُ‪.‬‬
‫إِلَى المَا ِء مَغْشِيّ ًا عَل َّ‬ ‫ُم تَجِرُّنِي‬
‫وَقَ ْد عَلَّمَتْنِي الوَقْذَ ث َّ‬
‫( )‬
‫إِذَا لَمْ يُرْعَ ُه المَاءُ سَاعَ ًة يَنْضَحُ‪.‬‬ ‫وَلَ ْم أَرَ كَالمَوْقُو ِذ تُرْجَى حَيَاتُ ُه‬
‫فالتعذيب الصادر من الزوجة تجلى في جره بناصيته في قسوة وشدة بالغتين‪ ،‬وإذا‬
‫حاول الدفاع عن نفسه وتعذيبها انقضَّتْ عليه وصرعته أرضاً‪ ،‬ثم تقوم بتأديبه‬
‫بالهراوة حتى يكاد يشرف على الهالك‪ ،‬فيخر مغشياً عليه‪ .‬وفي هذه األثناء تجرَّه‬
‫إلى الماء ليسترد وعيه‪ ،‬فيصحو بعد أن تنضحه بالماء‪ ،‬فإذا الرجال قد تجمهروا‬
‫عليه قياماً‪ ،‬والنساء يُسَبِّحْنَ خوفًا عليه من الموت‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ال قِيَام ًا وَالنِّسَا ُء تُسَبِّحُ‪.‬‬
‫رِجَا ً‬ ‫ت وَقَ ْد أرَى‬
‫ل لِنَفْسِي‪ :‬أَيْنَ كُنْ ِ‬
‫أَقُو ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫ك وَأَبْطحُ‪.‬‬
‫أَمَاعِ ُز مِنْ وَادِي بُرَيْ ٍ‬ ‫أَبِالغَوْرِ؟ أَمْ بِالجَ ْلسِ؟ أَمْ حَيْثُ تَلْتَقِي‬
‫ويستطرد جران العود في سرده الساخر‪ ،‬حيث يصوِّر جولة أخرى من العراك‬
‫بينه وبين عروسه‪ ،‬فهي ال تعبأ بالجيران واألصحاب الذين تجمعوا للحجز بينهما في‬
‫أثناء العراك‪ ،‬بل إنَّها تتخطاهم في ترفع واستكبار‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.4-‬‬
‫( )‬
‫ديوان جران العود النميري‪ ،‬ص ‪.2-8‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪418‬‬

‫( )‬
‫يَكَا ُد الحَصَى مِنْ وَطْئِهَا يَتَرَضَّحُ‪.‬‬ ‫إلي الحاجزين مُدِلَّ ًة‬
‫تَخَطَّى َّ‬
‫ومن شراستها فإنَّ الحاجزين بينهما ال يسلمون أنفسهم من عدوانها‪ ،‬فهي إذا انفلتت‬
‫من قبضة أحدهم تَكِرُّ عليه ثانية في عنف وتقريع‪ ،‬وهي تخاطبهم لكي يروا كيف‬
‫تضرب زوجها بالعصا‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ظ تَرْشَحُ‪.‬‬
‫وَجَبْهَتُهَا مِنْ شِدَّ ِة الغَيْ ِ‬ ‫إِذَا اِنْفَلَتَتْ مِنْ حَاجِ ٍز لَحِقَتْ بِ ِه‬
‫( )‬
‫ت أَعْفُو عَنْ جِرَانٍ وَأصْفَحُ‪.‬‬
‫لَقَ ْد كُنْ ُ‬ ‫ل أُذْنه‬
‫صَ‬‫وَقَالَتْ‪ :‬تَبَصَّ ْر بِالعَصَا أَ ْ‬

‫ويواصل جران العود سرد معركته مع عروسه‪ ،‬فقد كانت المعركة صباحاً‪ ،‬ولم‬
‫يجد الحاجزون سبيالً من االنسحاب‪ ،‬حيث احتدم الشجار بينهما عبر السباب والشتائم‬
‫والرشق بالحجارة‪ ،‬فجران يظهر في هذه المعركة في موقف المدافع عن نفسه‪ ،‬فهو‬
‫يتصدى لها من بعيد‪ ،‬ويتقي حجارتها‪ ،‬أمَّا العروسة فهي تمطره بوابل قذائفها‪،‬‬
‫فيصل الرمي إلى ساقيه تارةً‪ ،‬وإلى رأسه تارةً أخرى‪ ،‬حيث يقول مصوِّراً اشتداد‬
‫المعركة بينهما‪:‬‬
‫ب وَقَذْفٌ بِالْحِجَارَةِ مِطْرَحُ‪.‬‬
‫سِبَا ٌ‬ ‫ل بَيْنَنَا‬
‫وَلَمَّا اِلْتَقَيْنَا غُدْوَ ًة طَا َ‬
‫حِجَارَ َتهَا حَقاً وَلَا أَتَمَزَّحُ‪.‬‬ ‫أُجَلِّي إِلَيْهَا مِنْ بَعِي ٍد وَأَتَّقِي‬
‫(‪)4‬‬
‫ُن وَأُخْرَى فِي الذُّؤَابَةِ تَنْفَحُ‪.‬‬
‫بِه َّ‬ ‫تَشُجُّ ظَنَابِيبِي إذَا مَا اِتَّقَيْتُهَا‬
‫ومع اشتداد المعركة بينهما كان من الحاجزين والحاضرين لهذه المعركة صديق‬
‫له يدعى (ابن رَوْق)‪ ،‬حيث حضر مشهدًا مؤلماً لجران العود‪ ،‬فتدخل إلنقاذه من‬
‫هجماتها عندما كانت متواصلة في الصخب والشغب والشتم والضرب لجران‪ ،‬حيث‬
‫يقول واصفًا عملية إنقاذه‪:‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.‬‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬والصفحة نفسها‪.‬‬

‫(‪ )4‬ديوان جران العود النميري‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫‪419‬‬

‫( )‬
‫ب صَمَيْدَحُ‪.‬‬
‫ن صُلْ ٌ‬
‫ت عَلَا ِة القَيْ ِ‬
‫كَصَوْ ِ‬ ‫ن رَوْقٍ وَصَوْتُهَا‬
‫وَأَنْقَذَنِي مِنْهَا ابْ ُ‬
‫وهنا تكمن عملية إنقاذه عندما ارتفع صوتها‪ ،‬وكان كصوت المطرقة على العالة من‬
‫كثرة صخبها وزمجرتها‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق يمكن القول إنَّ جران العود قد رسم في أبياته السابقة‬
‫( )‬
‫صورة هازلة تجلت منها "وظيفة جمالية إمتاعية ذات صبغة سردية مضحكة "‬

‫عبر السرد الذي جاء به في قصيدته لتصوير المعركة الناشئة بينه وبين عروسه‪،‬‬
‫حيث كان السرد "يضفي طابع الفكاهة على مأساته الزوجية‪ ،‬ويخرجها إخراجاً فنياً‬
‫(‪)4‬‬
‫يمتاز بالدعابة قدر امتيازها بالواقعية والصراحة‪".‬‬
‫وهكذا نرى أنَّ السرد قد وظَّفه الشعراء الساخرون في تعرية الكثير من‬
‫األنماط البشرية في السلوك السائد في المجتمعات‪ ،‬وفي عادات الشعوب وتقاليدها‬
‫وقيمها االجتماعية‪.‬‬

‫‪-4‬الوظيفة الفنية‪:‬‬

‫المتأمل للشعر األموي الساخر يرى أن الدافع لكتابته‪ ،‬لم تكن بهدف السخرية‬
‫والتهكم من الخصوم في كل نصوصه‪ ،‬ولكن البعض من هذا الشعر يسعى إلى‬
‫تقويض المسخور منه من خالل إبراز" المهارة الفنية" (‪ )8‬في كتابة الشعر وقوافيه‪،‬‬
‫وإحراز التفوق في رواجها عند جمهور المتلقين له في األسواق األدبية والمنتديات‬
‫ومجالس الخلفاء‪ .‬ولهذا فإنَّ الهدف من الشعر الساخر في إطار هذه الوظيفة‬

‫( ) المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫( ) الغزالي‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل محمد‪ ،‬المكونات السردية للخبر الفكاهي‪-‬دراسة في أخبار الحمقى والمغفلين البن‬
‫الجوزي‪ ،-‬مجلة التراث العربي( دمشق‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬العدد(‪ ،)70‬السنة(‪ 004 ،) 4‬م)‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )4‬قباوة‪ ،‬د‪ .‬فخر الدين وَ الخليل‪ ،‬أحمد‪ ،‬جمالية القبح في الشعر العربي القديم‪ ،‬مجلة بحوث حلب (سلسلة‬
‫اآلداب والعلوم اإلنسانية) ‪( ،‬حلب‪ ،‬العدد (‪ 747 ، ) 2‬م) ‪ ،‬ص ‪.47-44‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )8‬محمد‪ ،‬محمد حسين‪ ،‬الهجاء والهجاؤن في صدر اإلسالم‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫‪421‬‬

‫للسخرية إنَّما يقصد به تأدية وظيفة فنية في مجال الشعر‪ ،‬تبرز تفوق قائله في‬
‫المباراة األدبية التي تقام بين الشعراء‪ ،‬فيتجه الشاعر الساخر في تفوقه على خصمه‬
‫باستخدام الصورة الفنية الساخرة‪ ،‬والدعابة‪ ،‬ومن هنا تتجلى قدرة الشاعر على حفز‬
‫مخيلة القارئ والمتلقي؛ كي يشاركه عملية اإلبداع الفني في إنتاج المعنى الساخر‪.‬‬

‫إنَّ الوظيفة الفنية للسخرية تتولد من خالل "القدرة اإليحائية للصورة[الساخرة]‪،‬‬


‫حيث تخلق تأثيراً شعري ًا يمتع المتلقي‪ ) ( ".‬ولهذا َّ‬
‫فإن الشعر األموي الساخر في إطار‬
‫هذه الوظيفة‪ ،‬لم يَعُدْ أسلوباً في الخطاب األدبي‪ ،‬بل أصبح "عالمةً على جودة النص‬
‫كما عُدَّ "مطمحاً فنياً "(‪ )4‬يعادل رغبة الشاعر في‬ ‫ومفتاحاً من مفاتيح قراءته" ( ) ‪،‬‬
‫البحث عن الصيغ واأللفاظ واألبنية والجمل والتراكيب والصور‪ ،‬إلنشاء نص شعري‬
‫جميل يرتقي بتجربته الفنية في الشعر‪.‬‬

‫ومن أمثلة إبراز الوظيفة الفنية للسخرية ما قاله عمر بن لجأ في أثناء نقده لشعر‬
‫مسخوره حيث الحظ تفككاً في البنية القولية لشعر المسخور منه‪ ،‬من حيث عدم‬
‫تالحم أجزاء شعره ورداءة سبكه‪ ،‬فشبه شعر مسخوره في تفرقه وتفكك بنيته‪،‬‬
‫وعسر مخارج حروفه ببعر الكبش‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)8‬‬
‫ض بَخِيلِ‪.‬‬
‫لِسَانُ دَعِيٍّ فِي القَرِي ِ‬ ‫وَشِعْرٍ كَبَعْ ِر الكَ ْبشِ فَرَّقَ بَيْنَ ُه‬

‫فعمر بن لجأ في البيت السابق يسخر من تنافر شعر المسخور منه وتباينه‪ ،‬وعدم‬
‫انسجام مكوناته‪ ،‬فالتنافر والتباين يشبه تفرق بعر الكبش‪ ،‬وفي هذا يقول الجاحظ‪":‬‬

‫( )‬
‫القداح‪ ،‬د‪ .‬شالش‪ ،‬شعر الخالديين‪-‬دراسة فنية‪( ،-‬دمشق‪ ،‬منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب‪ ،‬وزارة الثقافة‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ 0 0‬م) ‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫البوجديدي‪ ،‬علي‪ ،‬السخرية في أدب علي الدو عاجي‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫(‪)4‬‬
‫البهلول‪ ،‬عبداهلل‪ ،‬المبالغة بين اللغة والخطاب –ديوان الخنساء أنموذجاً‪ ،‬ط ‪( ،‬صفاقس‪ ،‬التسفير الفني‪+‬مكتبة‬
‫قرطاج للنشر والتوزيع‪ 007 ،‬م) ‪ ،‬ص ‪. 29‬‬
‫(‪)8‬‬
‫شعر عمر بن لجأ التيمي‪ ،‬ص ‪. 88‬‬
‫‪421‬‬

‫فإنَّما ذهب إلى أنَّ بعر الكبش يقع متفرقاً غير مؤتلف وال متجاور‪ .‬وكذلك حروف‬
‫الكالم وأجزاء البيت من الشعر‪ ،‬تراها متَّفقة مُلْساً ولينة المعاطف سهلة؛ وتراها‬
‫مختلفة متباينة‪ ،‬ومتنافرة مستكرهة‪ ،‬تشق على اللسان وتكده‪ ،‬واألخرى تراها سهلة‬
‫ليِّنة‪ ،‬ورطبة مواتية‪ ،‬سلسة النظام‪ ،‬خفيفة على اللسان؛ حتى كأنَّ البيت بأسره كلمة‬
‫( )‬
‫فالجاحظ يستخلص من بيت‬ ‫واحدة‪ ،‬وحتى كأنَّ الكلمة بأسرها حرف واحد‪".‬‬
‫عمر بن لجأ قيمة معيارية تتمثل في اإللحاح على متابعة السياق اللفظي للشعر من‬
‫خالل تالحمه وترابطه وتناسقه‪ ،‬بحيث يأتلف التظافر اللفظي والمعنوي والتركيبي‬
‫واإليقاعي لتكون القصيدة مترابطة‪ .‬ولهذا يرى الجاحظ أنَّ عدم انسجام األلفاظ في‬
‫السياق الشعري الذي نظمت فيه يفقدها التوافق والتالؤم في الشعر‪ ،‬فيحس السامع له‬
‫وكأنَّ بعضها يتبرأ من بعض أسوة بتفرق بعر الكبش‪.‬‬

‫أمَّا مروان بن أبي حفصة فيصور سخريته من رواة الشعر‪ ،‬الذين ال يعلمون‬
‫ما يروونه من أشعار‪ ،‬فهم أشبه بالبعير الذي يغدو مثقالً بأحماله‪ ،‬وهو ال يفقه شيئاً‬
‫مما يحمله‪ ،‬حيث يقول فيهم‪:‬‬
‫بِجَيِّدِها إلَّا كَعِلْمِ األَبَاعِرِ‪.‬‬ ‫ل لألَشْعَا ِر لَا عِلْ َم عِنْدَهُ ْم‬
‫زَوَا ِم ُ‬
‫( )‬
‫بِأَوْسَاقِ ِه أَ ْو رَاحَ مَا فِي ال َغرَائِرِ‪.‬‬ ‫ك مَا يَدْرِي البَعِي ُر إِذَا غَدَا‬
‫لَعَمْرُ َ‬
‫فمروان بن أبي حفصة يحدد الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها رواة الشعر‪ ،‬وتتمثل‬
‫في فهم معاني الشعر‪ ،‬وجمال ألفاظه‪ ،‬وجودة بنائه‪ .‬فراوي الشعر ينبغي أن يكون‬
‫على بينة كبيرة من معرفة جيد الشعر وغثه‪.‬‬
‫ومن مظاهر الوظيفة الفنية للشعر الساخر أنَّ الشاعر يكتب قصائده بهدف‬
‫تقويض خصمه‪ ،‬معتمداً في ذلك على مهاراته الفنية في صياغة الصور الشعرية‬
‫التي تبيِّن تفوقه‪ ،‬وفي هذا الشأن يقول جرير مصورًا تفوقه على خصومه‪:‬‬
‫( )‬
‫الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫( )‬
‫شعر مروان بن أبي حفصة‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪422‬‬

‫( )‬
‫ب اِلْتِهَابَا‪.‬‬
‫عَلَى الكِنْدِيِّ تَلْتَهِ ُ‬ ‫ن ذُرَى شُعَبَى قَوَافٍ‬
‫سَتَطْلَعُ مِ ْ‬
‫فهو يرسل شعره الذي هو بمنزلة الحمم البركانية‪ ،‬تقذفها الجبال الغاضبة إلى‬
‫المسخور منه‪ ،‬وهنا تتجلى ثنائية (القوة والضعف)‪ ،‬عبر قوة الشاعر الساخر وأصالة‬
‫شعره‪ ،‬ولهذا يكون مصير من يصيبه شعره الفناء واالصطالء‪ ،‬وفي هذا يقول جرير‬
‫عن ضحاياه من الشعراء‪:‬‬
‫( )‬
‫ن لَهَا الرِّقَابَا‪.‬‬
‫ق يُخْضِعُو َ‬
‫صَوَاعِ َ‬ ‫هلل للشُّعَرَا ِء مني‬
‫َد ا ُ‬
‫أَع َّ‬
‫ويستخدم الفرزدق شعره الساخر للتهديد والوعيد في إطار ثنائية (القوة‬
‫والضعف) ‪ ،‬حيث ينزل المسخور منهم منزلة الدون‪ ،‬فقصائده ال تخطئ هدفها الذي‬
‫أرسلت إليه‪ ،‬ومن شدة قوتها تصيب اإلنسان‪ ،‬وتتعداه إلى الجمادات‪ ،‬وفي هذا داللة‬
‫على شاعريته الخارقة والمذهلة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫إِذَا مَا تَمَطَّتْ بِالفَلَا ِة رِكَابُهَا‪.‬‬ ‫سَتَأْتِي عَلَى الدَّهْنَا قَصَائِ ُد مِرْجَمٍ‬
‫َي وَلَا يَخْبُو عَلَيْهَا شِهَابُهَا‪.‬‬
‫لِح ٍّ‬ ‫ي أَصْعَدَتْ‬
‫قَصَائِ ُد لَا تُثْنى إِذَا ِه َ‬
‫(‪)4‬‬
‫َد القَوَافِي صِلَابُهَا‪.‬‬
‫تَصَيَّحُ مِنْ ح ِّ‬ ‫ت‬
‫ن أَصْبَحَ ْ‬
‫ت صَفَا الحَزْ ِ‬
‫وَلَ ْو أَنَّهَا رَامَ ْ‬
‫أمَّا قصائد يزيد بن مفرغ الحميري في المسخور منه عبيد اهلل بن زياد‪ ،‬فإنَّها‬
‫بمنزلة القالئد الباقيات على مدى الدهر‪ ،‬حيث تثير الغبار‪ ،‬وتأذن بحرب ضروس‬
‫على المسخور منه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫عُبَيْ َد اللُّؤْمِ عَبْدَ بَنِي عِلَاجِ‪.‬‬ ‫هلل عَنِّي‬
‫أَلَا أَبْلِ ْغ عُبَيْ َد ا ِ‬
‫(‪)8‬‬
‫علَيْكُم نَقْ َع العَجاجِ‪.‬‬
‫ن َ‬
‫يُثِرْ َ‬ ‫ت‬
‫َي لَكُمْ قَلَائِ ُد بَاقِيَا ٌ‬
‫عَل َّ‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫( )‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ديوان يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪423‬‬

‫أثر السخرية في الشعر األموي‪:‬‬

‫برزت السخرية بوصفها ظاهرة فنية في الشعر األموي من خالل ظهورها في‬
‫الشعر القائم على ثنائية (العلو والدونية)‪ ،‬وقد تجلت السخرية في أغراض الشعر‬
‫والنقائض (‪ .)8‬وهذا يتناسب مع‬ ‫(‪،)4‬‬
‫والمدح‬ ‫( )‪،‬‬
‫األموي ومنها‪ :‬الهجاء ( )‪ ،‬والفخر‬
‫طبيعة السخرية كظاهرة تقوم على االنتقاص من اآلخر‪ .‬فالشاعر المفتخر أو المدَّاح‬
‫سيرفع من يفتخر به أو يمدحه‪ ،‬وسيحط من قدر خصومه‪ ،‬أما الهجاء فإنَّ طبيعته‬
‫قائمة على االنتقاص من المهجو‪ ،‬فضالً عن النقائض التي تقوم على المنافحة بين‬
‫الشاعر وخصمه‪.‬‬
‫والالفت للنظر ظهور السخرية في شعر الغزل‪ ،‬وقد تجلى ذلك في غزليات‬
‫(‪.)9‬‬ ‫( )‪،‬‬ ‫(‪،)2‬‬
‫ومن خالل الوقوف على شعر‬ ‫والعَرْجي‬ ‫وجرير‬ ‫عمر بن أبي ربيعة‬
‫العَرْجي الذي يتغزل فيه من (كالبة)‪ ،‬يظهر لنا االنتقاص والسخرية منها؛ وذلك لما‬
‫بدر منها من قول تهجمي على العَرْجي‪ ،‬حيث اتهمته بكثرة تشبيبه بالنساء وذكرهنَّ‬
‫في شعره‪ ،‬فقالت عنه‪" :‬لشدِّ ما اجترأ العَرْجي على نساء قريش حين يذكرهنَّ في‬
‫(‪)4‬‬
‫َن وجهه‪".‬‬
‫شعره! ولعمري ما لقي أحداً فيه خيرٌ‪ ،‬ولئن لقيته ألسود َّ‬

‫‪ ،‬ديوان‬ ‫‪ ،220 ،8‬ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‪4 ،84‬‬ ‫يُنظر على سبيل المثال‪ :‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬ ‫( )‬

‫األخطل‪ ،‬ص ‪ ، 88 ، 4‬ديوان العرجي‪. 48 ،‬‬


‫يُنظر على سبيل المثال‪ :‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‪ ،4 0 ، 80‬ديوان الفرزدق‪ ،‬ص ‪ ،847 ،44‬ديوان‬ ‫( )‬

‫األخطل‪ ،‬ص‪ ، 4 ، 48‬شعر عبدالرحمن بن حسان األنصاري‪ ،‬ص ‪.4 -42‬‬


‫(‪)4‬‬
‫‪ ،2‬ديوان‬ ‫‪،‬‬ ‫‪ ، 9 ،‬ديوان الفرزدق‪ ،‬ص‬ ‫يُنظر على سبيل المثال‪ :‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ص‬
‫األخطل‪ ،‬ص ‪.7 ،94‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ينظر على سبيل المثال‪ :‬نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬ص‪ ،924 ، 22‬نقائض جرير واألخطل‪ ،‬ص ‪، 07‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬ص ‪.840 ، 9 ، 22‬‬
‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪.479 ،‬‬
‫(‪)9‬‬
‫ديوان العرجي‪.4 4 ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫األصفهاني‪ ،‬أبو الفرج‪ ،‬األغاني‪ ،‬ج ‪ ،‬ص ‪.447‬‬
‫‪424‬‬

‫فلما بلغه ذلك الخبر عنها ترقب فرصة خروج موالها عبد اهلل بن القاسم‬
‫العبلي‪ ،‬فكتب قصيدة يقال إنَّها من الخيال‪ ،‬وذلك عبر الحديث الدافئ في حواره مع‬
‫كالبة‪ ،‬ودخول قصر موالها‪ ،‬فنسج قصيدة من الخيال البارع القادر على الخلق‬
‫واإلبداع في إطار الغزل الكيدي القائم على اإلسفاف‪ ،‬حيث أفرز غضبه الساخط‬
‫على الزمان الذي رفضته‪ ،‬فضالً عن انتقامه الكيدي من موالها‪ ،‬الذي يُعَدُّ أحد‬
‫أشراف الطائف‪ .‬ومن أجل إلباس التهمة بكالبة أعطى أحد المغنيين قصيدته‪ ،‬حيث‬
‫يقول فيها‪:‬‬
‫ن أَعْدَائِ ِه زَعَمُوا‪.‬‬
‫أَنَا الذي مِ ْ‬ ‫ت لَهَا‪:‬‬
‫ت كِلَابَةُ‪ :‬مَنْ هذا؟ فَقُلْ ُ‬
‫قَالَ ْ‬
‫حَتَّى بَلِيتُ وَحَتَّى شَفَّنِي السَّقَمُ‪.‬‬ ‫َج بِي حُبٌّ فَأَحْرَضَنِي‬
‫إِنِّي امْرُ ٌؤ ل َّ‬
‫طعِمُوا‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ن بُغْضِنَا أُطْعِمُوا لَحْمِي إِذَ ْ‬
‫مِ ْ‬ ‫لَا تَذْكُرِينِي لِأَعْدَا ٍء لَ َو أَنَّهُمُ‬
‫ك النِّعَمُ‪.‬‬
‫ن أَهْلِ ِ‬
‫فَرُبَّمَا مَسَّنِي مِ ْ‬ ‫فَأَنْعِمِي نَعْمَ ًة تُجْزِي بِأَحْسَنِهَا‬
‫غمُ‪.‬‬
‫ح الرَّ َ‬
‫ف الكَاشِّ ِ‬
‫فَارْضِي بِهَا وَلِأَنْ ِ‬ ‫هَذِي يَمِينِي رَهِيناً بِالوَفَا ِء لَكُ ْم‬
‫ل الظُّلَمُ؟‬
‫ت حَتَّى تَدْخُ َ‬
‫هَلَّا تَلَبَّثْ َ‬ ‫ن جِئْتَ فِي قَمَرٍ‬
‫قَالَتْ‪ :‬رَضِيتُ وَلَكِ ْ‬
‫ب الطَّعْ ُم والنَّسَمُ‪.‬‬
‫أَصْنَافَ شَتَّى فَطَا َ‬ ‫َل بِهَا‬
‫س أُع ُّ‬
‫ِت أُسْقِي بِأَكْوَا ٍ‬
‫فَب ُّ‬
‫( )‬
‫ن السُّجُمُ‪.‬‬
‫إِلَّ َا ال َبنَانُ وَإِلَّا األَعْيُ ُ‬ ‫شيْءَ يُرَاجِعُنِي‬
‫وَدَّعْتَهُنَّ وَلَا َ‬
‫من خالل هذه القصيدة التي يتخذ فيها العَرْجي الحوار الساخر من كالبة عندما‬
‫قال لها‪( :‬أنا من الذي أنتِ من أعدائه زعموا)‪ ،‬فهو تذكير بقولها‪ :‬ألسودَنَّ وجهه‪،‬‬
‫كما يتجلى في حواره الساخر االنتقاص واالحتقار من موالها (ال تذكريني ألعداء)‪.‬‬
‫ومن هنا يتجلى لنا من هذه القصة الغزلية القائمة على الحوار الساخر قدرة العَرْجي‬
‫على "كيد المرأة التي تأبَّتْ عليه ورفضت أن تقيم عالقة معه واالنتقام منها [في]‬
‫( )‬
‫قصيدة كيديَّة‪".‬‬

‫( )‬
‫ديوان العرجي‪ ،‬ص ‪.4 2-4 4‬‬
‫( )‬
‫بكار‪ ،‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬غزل المكيين في العصر األموي‪ ،‬ط ‪( ،‬المدينة المنورة‪ ،‬مؤسسة الفرقان للتراث‬
‫اإلسالمي‪ 840 ،‬ه ‪ 007-‬م) ‪ ،‬ص ‪.84-8‬‬
‫‪425‬‬

‫ومن هذا المنطلق فقد حوَّل العَرْجي مجرى الغزل وسننه‪ ،‬الذي يقوم على‬
‫امتداح المرأة‪ ،‬وتصوير عاطفت ه الجيَّاشة نحوها‪ ،‬إلى روح االنتقام من المرأة‪ ،‬وهذا‬
‫مما عُ ِرفَ في العصر األموي بالغزل الكيدي والتعريضي الذي عُرِفَ عند أبي دهبل‬
‫( )‬
‫الجمحي وعبيد اهلل بن قيس الرقيات‪.‬‬

‫وعلى المنوال القائم نفسه على تغيير مجرى الغزل نجد عمر بن أبي ربيعة‬
‫ال من امتداحها‪ ،‬حيث أقام سخريته على نظرية الجمال والقبح في‬
‫يسخر من المرأة بد ً‬
‫المرأة‪ ،‬وفي هذا الشأن يسخر عمر من المرأة الرسحاء‪ ،‬ومخاطباً بحكمه القائم على‬
‫نظرية القبح والجمال إلى القضاة لالسترشاد به‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬

‫ل القَضَاءِ‪.‬‬
‫فِي تُقَى رَبِّكُمْ وَعَ ْد ِ‬ ‫ِن عَلَيْكُم‬
‫يَا قُضَا َة العِبَا ِد إ َّ‬

‫وَ َترُدُّوا شَهَادَ ًة لِنِسَاءِ‪.‬‬ ‫أَنْ تَجِيزُوا وَتُشْهِدُوا لِنِسَا ٍء‬

‫فَأَجِيزُوا شَهَادَ َة العَجْزَاءِ‪.‬‬ ‫ح‬


‫ص رَدَا ٍ‬
‫ت بَوْ ٍ‬
‫فَانْظُرُوا كُلُّ ذَا ِ‬

‫وارْفَضُوا الرُّسْحَ فِي الشَهَادَ ِة رَفْضاً لَاتُجِيزُوا شَهَادَ َة الرَّسْحَاءِ‪.‬‬

‫هلل مُسْلِ ٌم بِدُعَاءِ‪.‬‬


‫مَا دَعَا ا ُ‬ ‫ت للرُّسْحِ قَرْيَةً هُنَّ فِيهَا‬
‫لَيْ َ‬

‫ض بَعِيدَ ٍة وَخَلَاءِ‪.‬‬
‫بِأَرْ ٍ‬ ‫ُن‬
‫لَ ْيسَ فِيهَا خالطُهُنَّ سِوَاه َّ‬

‫( )‬
‫كُلُّ خَوْ ٍد خَرِيدَةٍ قَبَّاءُ‪.‬‬ ‫ُن وَأبَقْى‬
‫ل اهللُ قِطَّه َّ‬
‫َج َ‬
‫ع َّ‬

‫فعمر يسخر من المرأة الرسحاء‪ ،‬وهي التي ال ردف فيها‪ ،‬فالسخرية في شعر‬
‫الغزل عند عمر قائمة على المعيار الجسدي‪ ،‬الذي يحدد الجمال األنثوي‪ ،‬فالمرأة‬
‫الردحاء هي معيار الجمال‪ ،‬والمرأة الرسحاء هي معيار القبح‪ .‬ومن هذا المنطلق‬

‫( )‬
‫يُنظر‪ :‬بكار‪ ،‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬غزل المكيين في العصر األموي‪ ،‬ص ‪.82-4‬‬
‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬ص‬
‫‪426‬‬

‫يمكن القول إنَّ عمر بن أبي ربيعة أحدث مقياساً للشعر الساخر في إطار الغزل‬
‫بالمرأة يقوم على الجسد معيارًا جماليًا في المرأة‪.‬‬
‫أما الرثاء فالمالحظ أن الشاعر الراثي في أثناء كتابته لقصيدة الرثاء يوشي‬
‫قصيدته الرثائية بصور ساخرة داخل القصيدة‪ ،‬وذلك من خالل عقد موازنة بين‬
‫المرثي والمسخور منه‪ ،‬وفي هذا الشأن نجد جريراً يرثي زوجته في قصيدته‪:‬‬
‫( )‬
‫ب يُزَارُ‪.‬‬
‫ك والحَبِي ُ‬
‫وَلَزُرْتُ قَبْرَ ِ‬ ‫لَوْلَا الحَيَا ُء لَعَادَنِي اسْتُعْبَارُ‬
‫حيث ينتقل في ثنايا هذه القصيدة إلى السخرية عبر دور زوجة المسخور منه‬
‫(الفرزدق) وإنكارها لمساعدة زوجها في مهنة الحدادة والقينونة‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫( )‬
‫ُر يَمْنَ ُع ضَيْمَ ُه اإلنكار‪.‬‬
‫والح ُّ‬ ‫ت القُيُون وَرِيحَهُمْ‬
‫حَدْرا ُء أَنْكَرَ ِ‬
‫فضالً عن سخريته من المسخور منه وقومه وعاداتهم وسلوكياتهم في محيطهم‬
‫االجتماعي واإلنساني‪.‬‬
‫والالفت للنظر في العصر األموي تحول الرثاء عند شعراء السخرية من‬
‫جهة اإلنسان إلى الحيوان عند فئة قليلة منهم‪ .‬ويرى الناقد شوقي ضيف أن رثاء‬
‫الحيوانات من "الموضوعات التي استحدثت في العصر العباسي [واتجه إلى] رثاء‬
‫(‪)4‬‬
‫المدلل من الحيوانات المستأنسة‪".‬‬
‫ولكن البحث يرى أن الشاعر األموي الحكم بن عبدل األسدي كان سبَّاقاً لهذا‬
‫االتجاه‪ ،‬وهو أول من حوَّل الرثاء ظاهرة إنسانية مورست في الشعر الجاهلي‬
‫واإلسالمي واألموي إلى ظاهرة اتجهت نحو الحيوان‪ ،‬وفي هذا التحول إشارة‬
‫ساخرة من الحكم‪ ،‬بسبب افتقاده للعطف والتراحم والتكافل اإلنساني في عصره‪.‬‬
‫وفي هذا المنحى الجديد من الرثاء واقترانه بالسخرية قام الحكم بن عبدل‬
‫األسدي بنسج عالقة متينة مع حيوانه المنزلي المفضل (السنور)‪ ،‬فأصبحت قريبة‬

‫( )‬
‫شرح ديوان جرير‪ ،‬ص ‪. 77‬‬
‫( )‬
‫من المصدر نفسه‪.‬‬ ‫المصدر السابق‪ ، 0 ،‬ويُنظر‪ :‬ص ‪0- 09 ، 02 ، 04‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫ضيف‪ ،‬د‪ .‬شوقي‪ ،‬العصر العباسي الثاني‪ ،‬ط ‪ ( ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪427‬‬

‫منه‪ ،‬ومؤانسة لزوجته (ميثاء) في بيتها‪ ،‬ويرجع ذلك النعدام التعامل اإلنساني معهم؛‬
‫بسبب فقرهم وحالتهم المعيشية المعسرة ووضعهم اإلنساني البائس‪.‬‬
‫وكتب الحكم بن عبدل األسدي قصيدة عبر فيها عن بكائياته في سنورهم الونيس‬
‫لهم في البيت‪ ،‬عندما افتقدوه‪ ،‬فقام برثائه‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫ن عَضْب ًا مُفَوَّه ًا لَسِنَا‪.‬‬
‫قَدْ كَا َ‬ ‫ل سِنَّوْرُنَا وَأَعْهَدُهُ‬
‫قَدْ قَا َ‬
‫لَحُنِّطَتْ واشترى لها كَفَنَا‪.‬‬ ‫ت عِنْدَنَا جِنَازَتُهَا‬
‫لَ ْو أَصْبَحَ ْ‬
‫فِي ِهمْ كُرَيْبٌ يَبْكِي وَقَام لَنَا‪.‬‬ ‫ُم جَمَعْنَا صَحَابَتِي وَغَدَوا‬
‫ث َّ‬
‫ن بَيْتِنَا شَجَنَا‪.‬‬
‫ت لِجُرْذَا ِ‬
‫كَانَ ْ‬ ‫ُل عَجُوزٍ حُلْ ٌو شَمَائِلُهَا‬
‫ك ُّ‬
‫ب أّرِنَا‪.‬‬
‫أَوْ جُرَذٍ ذِي شَوَارِ َ‬ ‫ت خَشْخَشَ ٍة‬
‫ُل حَدْبَاءَ ذَا ِ‬
‫مِنْ ك ِّ‬
‫( )‬
‫ت لِميْثَا َء حَقْبَةً سَكَنَا‪.‬‬
‫كَانَ ْ‬ ‫سُقْيًا لِسِنَّوْرَةٍ فُجِعْتُ بِهَا‬
‫فالمتأمل في رثاء الحكم يرى أنه لجأ إلى عنصر األنسنة في الرثاء‪ ،‬فهو كما‬
‫وصفه بأنَّه سنور مفوهٌ‪ ،‬لسنٌ‪ ،‬وهذه صفات إنسانية خلعها على سنوره‪ ،‬كما صور‬
‫الفاجعة الكبرى التي حلت به والسنانير والفئران بموت السنور المفوَّه‪ ،‬حيث تمنوا‬
‫جميعاً لو كان بينهم ألعطوها حقها من تكريم الميت بعد مماته من تطييب بالحنوط‬
‫وشراء الكفن‪ ،‬ولتجمعت السنانير كلها لتشييع جنازتها وسط البكاء والعويل والتأبين‬
‫منه ومن أصدقائه جميعاً‪ ،‬فضالً عن ذلك فإنَّ الحكم يروي مأساة زوجته (ميثاء)‬
‫الحزين ة بفقدان السنور‪ ،‬فهي قد حزنت كثيراً؛ ألنَّها كانت مسليَّةً ومسكناً لها‪ ،‬وفي‬
‫هذا إشارة إلى السخرية من العالقات االجتماعية المعدومة في عصر الحكم بالنسبة‬
‫لزوجته‪ ،‬فليس لها صديقات من نسوة عصرها‪ ،‬وانعزالها عن مجتمع النساء بسبب‬
‫حالة فقرها وعوزها‪ .‬ومن هنا تجسدت عالقة ميثاء (الزوجة) بالسنورة (الصديقة)‪،‬‬
‫فكانت عالقة صداقة وحنان لمدة زمنية طويلة‪.‬‬
‫ويتجه الحكم بن عبدل إلى موقف ساخر في هذا المشهد القائم على أنسنة‬
‫الحيوانات‪ ،‬المتمثل بدعاء السقيا للسنور؛ ألنَّ الشعراء في رثائهم لإلنسان يدعون له‬

‫( )‬
‫‪.‬‬ ‫شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬ص‬
‫‪428‬‬

‫بالسقيا (سقياً لسنورة)‪ ،‬وهذا الدعاء فيه الخير والبركة والمطر لقبر المرثي‪ ،‬ولهذا‬
‫يرد دعاء السقيا للمرثي في آخر القصيدة للداللة على مكانة السنور في قلوبهم‪.‬‬
‫فالسقيا تروي األرض اليابسة‪ ،‬فيجي الزرع‪ ،‬وتخضر األشجار‪ ،‬فتديم الحياة على‬
‫وجه األرض‪ ،‬فهو يتفاءل من السقيا للسنور بالخير والرزق له في حياته المعيشية‪.‬‬
‫وقد تجسد في رثاء الحكم بن عبدل للسنور أواصر القربى بين أسرته‬
‫والسنور من خالل إطالق ضمير (نا الدالة على المتكلمين) في قوله‪ :‬سنورنا‪ ،‬عندنا‪،‬‬
‫جمعنا‪ ،‬لنا‪ .‬وفي هذا إشارة إلى الحميمية القائمة بين أسرة الحكم والسنور؛ ألنَّ‬
‫السنور كان أقرب لهم‪ ،‬في الوقت الذي افتقدوا فيه لروابط التآزر اإلنساني في‬
‫محيطهم االجتماعي‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإنَّ قصيدة الحكم بن عبدل الرثائية في السنور تعكس حالة‬
‫من الهزل والسخرية من العالقات االجتماعية واإلنسانية في عصره‪ ،‬حيث وجد في‬
‫الحيوانات مالذاً آمناً لتعويض العالقات اإلنسانية الصادقة‪ .‬ولهذا فإنَّ الحكم بن عبدل‬
‫جعل من رثاء السنور داللة على فقدان العالقات االجتماعية واإلنسانية في عصره‪.‬‬
‫وفي نهاية هذا المبحث نتساءل‪ ،‬هل ظلت السخرية فناً من فنون الشعر‬
‫األموي؟ أم تحولت إلى غرض من أغراض الشعر؟ أم أصبحت ظاهرة فنية تميَّز‬
‫بها الشعر األموي من حيث البناء الفني وإنتاج الداللة؟‬
‫من خالل دراستنا للتشكيل اللغوي والبالغي في الفصول السابقة‪ ،‬يمكننا‬
‫القول إنَّ السخرية لم تكن فناً مستقالً من فنون الشعر األموي‪ ،‬كما أنها لم تكن‬
‫غرضاً من أغراض الشعر بدليل الحضور المميز لها في األغراض الشعرية‬
‫كالهجاء والفخر والمدح والغزل والرثاء‪ ،‬ولهذا يمكن القول إنَّ السخرية في الشعر‬
‫األموي كانت ظاهرة فنية تشكَّلت في الكثير من نصوص الشعر األموي‪ ،‬وقد‬
‫أس همت هذه الظاهرة في البناء الفني للشعر القائم على العالقات اللغوية بين األلفاظ‬
‫والجمل‪ ،‬التي شكلت إنتاج داللة المعاني الساخرة‪.‬‬
‫‪429‬‬

‫الخاتمة‬
‫‪431‬‬

‫المتتبع لداللة مفهوم السخرية في المعجمات والموسوعات العربية والغربية‬


‫والدرا سات النقدية‪ ،‬يجد بينها تضارباً وتبايناً وتكراراً وإعادةً‪ ،‬فال يمكن أن يجمع‬
‫ناقدان ويتفقان اتفاقاً كامالً في تقديرهما لعمل أدبي‪ ،‬فقد يعدُّه أحدهم عمالً ساخراً‪،‬‬
‫ال هجائياً‪ ،‬وقد يعدُّه اآلخر هزلياً أو فكاهياً‪.‬‬
‫بينما يعدُّه الثاني عم ً‬
‫ومن يمعن النظر في المعجمات اللغوية يرى أن االستعمال اللغوي لمدلول‬
‫السخرية يتداخل من حيث الداللة والوظيفة مع مفاهيم أخرى تكون مرادفة له ومنها‪:‬‬
‫التهكم والهزء والضحك والتندر والهزل واإلهانة واالحتقار والدعابة والفكاهة‪.‬‬
‫أما داللة مفهوم السخرية في المعجمات األدبية واللغوية ذات اللسان العربي‬
‫فإنَّها تدل على التضاد بين المعنى الظاهر والمعنى الخفي المقصود بالسخرية‪ .‬وفي‬
‫مباحث الدراسين العرب المحدثين تفاوتت آراؤهم حول مدلول كلمة (‪ )Irony‬فقد‬
‫عدَّها بعضهم مفارقة‪ ،‬وعدَّها آخرون تهكماً‪ ،‬على حين شاع استعمال ترجمة‬
‫السخرية في الكثير من المباحث الحديثة في دراسات األدب والنقد ب (‪.)Irony‬‬
‫وقد ظهر مفهوم السخرية في الدرس النقدي واألدبي القديم بصور متعددة‪ ،‬فهو‬
‫عند اليونان يقوم على الجدل الفلسفي في أثناء محاورة الخصم‪ ،‬حيث يظهر المحاور‬
‫المراوغة والسذاجة والخداع والضحك وانتقاص الذات المتكلمة والسخرية من نفسها‬
‫في المحاورة‪ ،‬وقد تجلى هذا المفهوم عند سقراط وأرسطو والالتينيين والرومانسيين‪.‬‬
‫وفي البالغة العربية نالحظ أّنَّ السخرية لم تظهر كمفهوم مستقل بذاته في‬
‫المصطلحات البالغية ومباحثها‪ ،‬ولكنها ضُمِّنَتْ في الكثير من المصطلحات البالغية‬
‫كالكناية والتعريض‪ ،‬والتورية والمبالغة والمدح في معرض الذم‪ ،‬والهزل المراد منه‬
‫الجد‪.‬‬
‫وفي النقد العربي القديم نلحظ أنَّ كتب النقاد العرب القدامى لم تفرد مباحث‬
‫مستقلة للسخرية‪ ،‬بل تضمَّنت دواوين الشعراء وكتب األدب والنقد مجموعة من‬
‫أساليب السخرية‪ ،‬والبعض اآلخر أشار إليها إشارة عابرة‪.‬‬
‫‪431‬‬

‫وقد استعرض البحث مفهوم السخرية عند كل من‪ :‬الجاحظ‪ ،‬وابن المعتز‪،‬‬
‫وقدامة بن جعفر وأبي هالل العسكري‪ ،‬والقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني‪،‬‬
‫وابن رشيق القيرواني‪ ،‬وعبد القاهر الجرجاني‪ ،‬وحازم القرطاجني‪.‬‬
‫وفي إطار الدرس النقدي المعاصر فقد ظهر مفهوم السخرية عند الشكالنيين‬
‫الروس الذين أولوا للمحاكاة الهزلية مكانة داخل البنيات األدبية للنص‪ ،‬ولهذا رأوا‬
‫في المحاكاة الساخرة أداة للتغير األدبي‪ ،‬من خالل تقديم القديم في لحن جديد‪،‬‬
‫فالشكل الجديد عندهم يظهر في المحاكاة الساخرة لألعمال األدبية القديمة‪ .‬وقد طبق‬
‫النقاد الشكالنيو ن من أمثال إيخنباوم ويوري تينيانوف المحاكاة الساخرة في كثير من‬
‫أعمالهم األدبية الساخرة كرواية المعطف‪ ،‬وروايات دوستويفسكي‪.‬‬
‫أما الناقد ميخائيل باختين فقد تجلى مفهوم السخرية عنده في إطار الحوارية‬
‫وتعدد األصوات‪ ،‬وير ى باختين أنَّ المحاكاة الساخرة تحاكي أسلوب الغير‪ .‬وقد حدد‬
‫باختين الوسائل التي تؤدي إلى السخرية في الكرنفال والضحك الشعبي والتناقض‬
‫الوجداني‪.‬‬
‫ويتجلى مفهوم السخرية عند جيرار جينيت في إطار التناص الساخر‪ ،‬ولهذا فإنَّ‬
‫المحاكاة الساخرة تتجلى في تطبيق نص رفيع على موضوع وضيع‪ ،‬أي إعادة كتابة‬
‫نص رفيع بأسلوب وضيع‪.‬‬
‫أما التداوليون فقد أسهموا في صياغة مفهوم السخرية من خالل إضفاء الصبغة‬
‫البالغية واألسلوبية عليها‪ ،‬فالسخرية عندهم باعتبارها مجازاً يدل على االستهزاء‬
‫والتنقيص والتقويم السلبي للفرد‪.‬‬
‫وفي إطار أنواع األسلوب الساخر تتجلى ثالثة أنماط وهي‪ :‬السخرية التي تتشكل‬
‫داخل الخطاب األدبي بوصفها ظاهرة نصية فنية‪ .‬أمَّا المحاكاة الساخرة فتتشكل من‬
‫خالل تركيب نصي مزدوج يندمج فيها النص المسخور منه (الوضيع) في النص‬
‫الساخر (الرفيع)‪ .‬أمَّا الهجاء االنتقادي فهو الذي يتشكل إلصالح ثغرات السلوك‬
‫البشري وتصحيح الحماقات والمثالب‪ ،‬فالهجاء هو أدب الغضب المكشوف‪ ،‬بعكس‬
‫السخرية فإنَّ طريقتها في الهجوم غير مباشرة‪ .‬ومن هنا نالحظ الترابط بين تلك‬
‫‪432‬‬

‫األنواع األسل وبية الساخرة‪ ،‬فأثر السخرية يكون احتقارياً واستهزائياً‪ ،‬والهجاء‬
‫انتقاصيًا وازدرائياً‪ ،‬والمحاكاة استهزائياً‪.‬‬
‫ويعرف البحث السخرية بأنَّها‪[ :‬تشكيل لغوي ينبني على مفارقة أدناها أن‬
‫تكون شخصية المسخور منه في موقع الدونية‪ ،‬من حيث الوعي أو الشكل أو‬
‫المكانة‪ ،‬من خالل عالقتها بالساخر أو باآلخرين أو بذاتها‪ ،‬ولهذا فإنَّ شخصية‬
‫المسخور منه الدونية تُشكِّل في نظر الساخر مصدر الالتكافؤ معه‪ ،‬ويتجلى ذلك في‬
‫صور مضحكة وساخرة وتهكمية ومأساوية]‪ .‬وعلى هذا فإنَّ الالتكافؤ السائد في‬
‫العصر األموي شكَّل مصدر السخرية‪ ،‬التي ظهرت في الشعر األموي الساخر‪.‬‬
‫وفي إطار تشكيل السخرية اللغوي في الشعر األموي الحظ البحث أنَّ اللغة كانت‬
‫أهم أداة عبر الشعراء بها عن روح الهزل والسخرية‪ ،‬وقد تجلى ذلك في مستويات‬
‫متعددة منها‪ :‬األصوات‪ ،‬واأللفاظ‪ ،‬والجمل والتراكيب‪.‬‬
‫وفي مستوى األصوات تجلت السخرية في االئتالف الناشئ بين المرئيات‬
‫والمسموعات‪ ،‬عبر أوصاف المسخور منه التي يحاول الساخر من خاللها بث‬
‫السخرية بواسطة إيقاع هذه األصوات؛ ألنَّ األصوات على صلة بمعانيها‪ ،‬فيحدث‬
‫في إطار هذه السخرية تطويع الصوت للمعنى‪ ،‬والمعنى للصوت‪ ،‬والترابط بين ما‬
‫تراه العيون وتسمعه اآلذان‪ ،‬ومن هنا تبرز الدونية للمسخور منه‪.‬‬
‫وقد تجلت السخرية القائمة على اقتران الصوت بالرمز الدال عليه في مجاالت‬
‫عدة منها‪:‬‬
‫‪-‬سخرية أصوات الحيوانات‪ :‬تشكلت السخرية في هذا النمط من خالل التأليف بين‬
‫الطبائع اإلنسانية والحيوانية‪ ،‬وقد تمثلت هذه األصوات الساخرة في‪ :‬نباح الكالب‬
‫وعوائها‪ ،‬ونهيق الحمير‪ ،‬وفخفخة الحبارى والضباع‪ ،‬ورغاء السباع والضباع‪،‬‬
‫وخوار األبقار والثيران‪ ،‬ودعدعة الغنم ويعرها‪ ،‬وضغاء الخنازير‪ ،‬ونقيق الضفادع‪.‬‬
‫‪-‬سخرية أصوات الجسد‪ :‬تجلت السخرية في هذا النمط من خالل الحالة المزرية‬
‫الدالة على الخوف أو الجبن‪ ،‬أو الغرابة في الواقع االجتماعي من حيث السلوك‬
‫‪433‬‬

‫والمكانة‪ .‬ومن هذه األصوات‪ :‬قرقرة البطن‪ ،‬وتصويت الخصي‪ ،‬ونحنحة الصدر‪،‬‬
‫ونخير األنف‪ ،‬وغطيط الفم‪ ،‬والصفير والضحك والصخب والبذاءة‪.‬‬
‫‪-4‬سخرية أصوات الحركة‪ :‬تجلت في سخرية الحركة صورة شاذة من المسخور‬
‫منه تجعله مدعاة لالحتقار والتندر والقبح‪ .‬ومن هذه األصوات الدالة على الحركة‬
‫الساخرة‪ :‬الترميز‪ ،‬والتقمّل‪ ،‬والزفيف‪ ،‬والحزل‪ ،‬والدرج‪ ،‬والهدج‪ ،‬والدبيب‪ ،‬والتدلي‪،‬‬
‫والرقي‪ ،‬والتسلق‪ ،‬والحك‪ ،‬والكشكشة‪ ،‬والعدو‪ ،‬والوزوزة‪.‬‬
‫وفي إطار سخرية األصوات تجلت في الشعر األموي السخرية القائمة على‬
‫التوظيف الصوتي لكثير من األصوات الدالة على االحتقار واالستخفاف‪ ،‬حيث تجلت‬
‫كلمات ذات رنين ساخر على لسان المبدعين من الشعراء‪ ،‬وقد اشتهر في االشتقاق‬
‫الساخر لكثير من األصوات الساخرة الشاعر (جرير)‪ ،‬التي اشتقها من اللغة ليمنح‬
‫نصه الشعري نبرة هازلة وساخرة‪ .‬ويرى البحث أنَّ جريراً استطاع أنَّ يؤسس‬
‫ألواناً فنية بنى عليها السخرية من خالل أصوات اللغة وتوظيفها داللياً لخدمة شعره‬
‫الساخر‪ .‬وقد سار على منواله في اشتقاق أصوات اللغة الساخرة كل من الحزين‬
‫الكناني وإسماعيل بن عمار األسدي‪.‬‬
‫واعتمد الشعراء في تشكيل سخريتهم وبنائها على الترجيع الصوتي الناتج عن‬
‫موسيقى األصوات‪ ،‬بحيث ينشأ مع اإليقاع الساخر للكلمات صور دونية‪ ،‬أو‬
‫سلوكيات محتقرة‪ ،‬وتشويه وازدراء للمسخور منه‪ .‬كما تجلت السخرية في هذا‬
‫اإلطار أيضاً من خالل التماثل الصوتي لإليقاع مع الصور الحسية للمسخور منه في‬
‫الواقع االجتماعي‪ ،‬وكذلك التماثل اإليقاعي المرتبط بالمعنى الداللي‪.‬‬
‫وتجلى تشكيل السخرية اللغوي في الشعر األموي باالعتماد على اإليقاع‬
‫الصوتي للبحور المجزوءة والمشطورة من خالل تناسب حالة النقص في تفعيالت‬
‫البحور مع حالة الضعف والدونية للمسخور منه في الواقع االجتماعي‪.‬‬
‫ويرى البحث أن التكرار ظاهرة صوتية يحمل بُعداً إيقاعياً وداللياً‪ ،‬حيث يمنح‬
‫قارئ السخرية ومتلقيها قراءة تأويلية‪ ،‬لكي يهتدي إلى مواطن السخرية في النص‪،‬‬
‫‪434‬‬

‫وعلى هذا فإنَّ التكرار يعطي للقيمة الصوتية والداللية في الشعر الساخر القدرة على‬
‫توليد كالم جديد له داللته المتميزة في النص الساخر‪.‬‬
‫وقد تشكلت ظاهرة التكرار الساخر في الشعر األموي من خالل تكرار الحروف‬
‫والكلمات واألسماء واألعالم والصيغ اللغوية التي تكوَّنت منها دالالت ساخرة تجلى‬
‫منها االحتقار من الصوت المكرر‪.‬‬
‫أما تشكيل السخرية في مستوى األلفاظ فقد تجلى من خالل إدخال األلفاظ‬
‫ال لفظية كثيرة‬
‫المفردة في تراكيب وصفية جديدة‪ .‬وقد استخدم الشعراء األمويون حقو ً‬
‫في شعر السخرية‪ ،‬ومن هذه الحقول‪:‬‬
‫‪-‬حقل المرأة‪ :‬حيث شكلت المرأة فيه معادالً تصويرياً لكثير من معاني الهزء‬
‫والدناءة والتحقير والتعيير باآلخر‪ ،‬وقد تنوعت صور المرأة المسخور منها في عدة‬
‫محاور‪ ،‬ومنها المرأة (األم والزوجة والبنت والعجوز)‪ ،‬وثمة صور أخرى للمرأة في‬
‫الوسط االجتماعي الدالة على الدونية‪ ،‬ومنها المرأة الوضيعة اجتماعياً‪ ،‬والطائشة‬
‫أخالقياً‪ ،‬كما اتخذ الشعراء من المرأة جسداً ساخراً في الجمال األنثوي‪ ،‬ورمزاً‬
‫ساخرًا في المجال السياسي‪.‬‬
‫‪-‬حقل الجسد والعاهة‪ :‬اتخذ الشعراء من الجسد اإلنساني وعاهاته التي يُصاب بها‬
‫مجاالً لكثير من صور السخرية‪ ،‬وإبراز الدونية وعدم التكافؤ الجسمي في الوسط‬
‫االجتماعي‪ .‬ومن هذه العاهات‪ :‬العمى‪ ،‬والعور‪ ،‬وكبر األنوف‪ ،‬واألسنان‪ ،‬والبُخر‬
‫والنتن‪ ،‬وغلظة الشفاه وكبرها‪ ،‬وعجمة اللسان‪ ،‬وكبر اللحى وتبعثرها‪ ،‬والبرص‪،‬‬
‫والجذام‪ ،‬والسواد‪ ،‬والعرج‪ ،‬والجدع‪ ،‬والخصي‪ ،‬واألدرة‪ ،‬والعفل‪.‬‬
‫‪-4‬حقل الحيوان‪ :‬استلهم الشعراء األمويون سخريتهم في هذا الحقل من خالل‬
‫التأليف بين اإلنساني والحيواني‪ ،‬حيث يقيس الساخر أشكال المسخور منه وطباعه‬
‫وأخالقه وأفعاله بحسب ما يراه في تلك الحيوانات‪ ،‬وتقديره لدرجة القبح والدونية‬
‫فيها أسوةً بما يراه في سلوك المسخور منه‪ .‬وقد برزت في حقل الحيوان أنماط‬
‫متعددة صورت السخرية من المسخور منه‪ ،‬ومنها الحيوانات المفترسة‪ :‬الذئب‪،‬‬
‫والثعلب‪ ،‬والضبع‪ ،‬ومنها القذرة والمقززة‪ :‬كالخنزير‪ ،‬والقرد‪ ،‬والقنافذ‪ ،‬والفأر‪،‬‬
‫‪435‬‬

‫والقمل‪ ،‬ومنها األليفة‪ :‬كالكلب‪ ،‬والثور والحمار‪ ،‬ومنها الطيور‪ :‬كالنعام‪ ،‬والقطا‪،‬‬
‫والخفاش‪ ،‬والحشرات‪ :‬كالعنكبوت والفراشة‪ ،‬والزواحف كالعقرب‪.‬‬
‫‪-8‬حقل العقائد المحرفة‪ :‬تجلت السخرية القائمة على ألفاظ العقائد المحرفة من خالل‬
‫الصور التي صورت سماحة اإلسالم وهديه ووضوح معتقده وبساطة مظاهره‪ ،‬في‬
‫مقابل طقوس الديانات األخرى‪ .‬وقد اعتمد الشعراء في تبيان سخرية العقائد المحرفة‬
‫على ثنائيات متالزمة تمثلت في ثنائيات (اإلسالم واليهودية)‪ ،‬و(اإلسالم‬
‫والنصرانية)‪ ،‬و (التقوى والحرام)‪ ،‬و(الردة والفتنة)‪.‬ومن الالفت أنهم لم يتنابزوا‬
‫مذهبياً‪ ،‬على الرغم من االختالفات والتباينات فيما بينهم‪.‬‬
‫‪-2‬حقل المأكل والمشرب‪ :‬استخدم الشعراء أنواع المأكوالت والمشروبات السائدة‬
‫في عصرهم مادة للسخرية‪ ،‬منطلقين فيها من المأكل المحرم مثل لحم الخنزير‪،‬‬
‫والمأكل الدوني مثل أكل السخينة ونخل الطعام وفصيد األباعر‪ .‬أما المشرب فقد‬
‫تجلى فيه السخرية من المشروب المحرم المتمثل في شرب الخمر‪.‬‬
‫‪-‬حقل ألفاظ الهيئة أو الشكل‪ :‬تجلت السخرية في هذا الحقل من خالل استعراض‬
‫هيئات مختلفة يظهر فيها المسخور منه في صورة ليست مناسبة لوضعه ومكانته‬
‫المعتبرة ومنها‪ :‬هيئة الحاكم الذي ال يصلح للحكم‪ ،‬وهيئة المحاربين المزيفة‪ ،‬وهيئة‬
‫الذل واالنكسار مثل‪ :‬هيئة االحتباء‪ .‬كما تجلت في الشعر األموي السخرية من‬
‫هيئات مختلفة للرجال في الواقع االجتماعي ومنها‪ :‬السخرية من الشيخ المُسن‬
‫وتخريفه‪ ،‬والعاشق وثيابه الرثة‪ ،‬والرجال المتشبهين بالنساء‪ ،‬والصعاليك ومظهرهم‬
‫المشين‪ ،‬والبخيل وسؤاله‪ ،‬والضيف وتنفخه وتنفجه وانكبابه على األكل‪ ،‬والوأد‬
‫للبنات‪.‬‬
‫‪-9‬حقل ألفاظ المسكن‪ :‬حيث تجلت السخرية من المسكن الحقير للمسخور منهم‬
‫والذي يشبه زرائب الغنم‪.‬‬
‫‪-4‬حقل ألفاظ السلوكيات والعادات المذمومة‪ :‬تجلت السخرية من البخل سلوك ًا‬
‫اجتماعي ًا مذموم ًا‪ ،‬والذي تجلى في ستر القدور‪ ،‬وإسكات الكلب‪ ،‬وكتم األصوات‪،‬‬
‫‪436‬‬

‫وتغليق األبواب‪ ،‬وصغر القدور والجفان‪ .‬كما تجلت السخرية من الرشوة عادةً‬
‫اجتماعيةً واقتصاديةً مذمومةً في المجتمع‪.‬‬
‫‪-7‬حقل ألفاظ المهن‪ :‬تجلت السخرية في هذا الحقل من خالل إظهار السخرية من‬
‫المهن الدونية في المجتمع األموي‪ ،‬ومن هذه المهن‪ :‬الحدادة‪ ،‬والقينونة وما يظهر‬
‫على من يمتهنها من قذارة وتغير في الشكل‪ ،‬ومهنة الزراعة وما تحدثه من آثار في‬
‫الجسم‪ .‬أما المالحة والعصارة فهما حرفتان منبوذتان لكونهما من مهن األعاجم‪ ،‬كما‬
‫أنهما تدنسان الجسم والملبس‪.‬‬
‫‪- 0‬حقل الحسب والنسب‪ :‬تجلت السخرية في هذا الحقل من خالل االحتقار‬
‫لألنساب الوضيعة التي ظهرت في هذا العصر بسبب العصبية القبلية‪ ،‬حيث تشكلت‬
‫هذه السخرية في إطار ثنائية طموح المسخور منه للنسب العالي‪ ،‬وواقعه االجتماعي‬
‫الوضيع‪.‬‬
‫وفي إطار بناء السخرية وجد الشعراء في اللغة ضالتهم الكبرى في صياغة‬
‫الكثير من التراكيب والجمل الساخرة‪ ،‬حيث استوحوا تلك الصيغ من اللغة وتراكيبها‬
‫ودالالتها التي نسجوها في أشعارهم الساخرة‪ ،‬ولهذا رأوا في التراكيب التالزمية‬
‫واإلسنادية‪ ،‬والصيغ االشتقاقية لأللفاظ المفردة والعدول اللغوي والنحوي دوراً جمالياً‬
‫في بناء الشعر الساخر‪.‬‬
‫ومن التراكيب اللغوية الساخرة ما تجلى في سخرية اإلضافة من خالل‬
‫توظيف التالزم الواقع بين المضاف والمضاف إليه في تأدية المعنى الساخر‪ ،‬كما‬
‫تجلى في هذا النمط من السخرية المزاوجة بين المتضادات في اإلضافة‪ ،‬مما ساهم‬
‫في تعميق اإلحساس بالسخرية عند الجمع بين هذه العناصر المتضادة‪.‬‬
‫وفي إطار بناء السخرية عن طريق الجمل استغل الشعراء ظاهرة الحذف في‬
‫تراكيب الكالم وجمله‪ ،‬لغرض إسقاطها في بناء سخرياتهم؛ ألنَّ الحذف يساهم في‬
‫تنشيط خيال المتلقي‪ ،‬ويجعله قادراً على تأويل األساليب الساخرة‪ .‬وقد تالزم الحذف‬
‫ظاهرة لغوية في بناء الجمل مع حالة المسخور منه المتصف بالعجز والضعف‬
‫والدونية‪ ،‬ولهذا جاء الحذف ليخرج باللغة من اللغة المألوفة إلى اللغة غير المألوفة‪،‬‬
‫‪437‬‬

‫ليشكل بذلك صورة غير مألوفة للمسخور منه في الواقع االجتماعي‪ .‬وقد تجلت‬
‫صور الحذف في الشعر األموي الساخر في حذف الحروف والكلمات‪.‬‬
‫ومن أجل تصوير مسرح السلوكيات المبتذلة للمسخور منه‪ ،‬قام الشعراء‬
‫باستغالل داللة الظروف الزمانية والمكانية لتصوير مخازي المسخور منه‪ ،‬وسرمدية‬
‫مثالبه‪ ،‬وحقارة معيشته‪.‬‬
‫وفي إطار سخرية التراكيب اللغوية استطاع شعراء السخرية أن يستغلوا‬
‫األسماء المشتقة (اسم الفاعل‪ ،‬اسم المفعول‪ ،‬الصفة المشبهة‪ ،‬صيغة المبالغة‪ ،‬اسم‬
‫التفضيل) ‪ ،‬واستثمار داللتها المعنوية القائمة على التعميم والكثرة والتفاضل وتصوير‬
‫األحداث والذوات‪ ،‬وإلصاقها بالمسخور منه لبيان عيوبه ومثالبه وسلوكياته غير‬
‫المرغوبة اجتماعياً وإنسانياً‪.‬‬
‫ويتجلى في سخرية التراكيب اللغوية أيضاً استثمار داللة الجمع بأنواعه‬
‫المختلفة (جمع المذكر السالم‪ ،‬والمؤنث السالم‪ ،‬والتكسير) القائمة على الزيادة‬
‫والكثرة‪ ،‬بهدف بيان عيوب المسخور منه وثباتها فيه‪ ،‬مما يعمق درجة التهكم‬
‫والسخرية منه في الوسط االجتماعي‪.‬‬
‫ومن التراكيب اللغوية المستخدمة في إبراز تحقير المسخور منه صيغ‬
‫التصغير‪ ،‬حيث كرس الشعراء داللتها القائمة على النقصان والتقليل إلسقاطها على‬
‫المسخور منه‪ ،‬وقد حملت صيغ التصغير الدالة على السخرية من خالل تصغير‬
‫أسماء المسخور منهم وقبائلهم‪.‬‬
‫وفي إطار سخرية التراكيب اللغوية استعان الشعراء باأللقاب وما تحمله من ذمٍ‬
‫وإهانة وإقصاء وتهميش فأسقطوه على مسخوريهم‪ .‬وقد تجلت األلقاب الحيوانية‬
‫بجالء في الشعر األموي‪ ،‬وكان فارس هذه األلقاب الشاعر (جرير)‪ ،‬الذي استطاع‬
‫اإلبداع والتفرد فيها‪ ،‬بهدف إسكات خصومه‪ ،‬ولهذا كانت السخرية القائمة على اللقب‬
‫من أشد التراكيب اللغوية أثراً في المسخور منهم‪ ،‬نظراً لما تحمله من وظيفة‬
‫اجتماعية تتصف بالتحقير والتهميش واإلقصاء االجتماعي‪ ،‬ويصبح الزمة اسمية‬
‫يناديه بها المجتمع كلّه‪.‬‬
‫‪438‬‬

‫وفي إطار سخرية التراكيب اللغوية فقد شاع عند بعض الشعراء العدول عن‬
‫االستعمال اللغوي والصرفي والنحوي‪ ،‬بهدف السخرية ممن تقع عليه صور العدول‪.‬‬
‫وتجلت سخرية التراكيب من خالل إسقاط مصطلحات اللغة والنحو على‬
‫المسخور منه‪ ،‬واستغالل داللتها التهكمية اجتماعياً‪ ،‬ومن هذه المصطلحات اللحن‪،‬‬
‫واإلضافة‪ ،‬وحساب الجُمَّل‪ .‬كما تجلت سخرية العدول الصرفي والنحوي من خالل‬
‫الخروج عن قواعد الصرف والنحو بهدف السخرية ممن تقع عليهم‪ ،‬أو السخرية من‬
‫محاوريهم‪ .‬وقد لمع الشاعر(الفرزدق) في خروجه عن قواعد النحو واللغة‪ ،‬إظهاراً‬
‫العتزازه بعروبته واحتقاره للموالي والفرس‪ ،‬وانتصاراً للغة فنه الشعري‪ ،‬ورفضه‬
‫للقواعد اللغوية الجاهزة التي تنمط إبداعه الشعري‪.‬‬
‫وفي إطار تشكيل السخرية البالغي يتجلى لنا االنزياح البالغي لكثير من‬
‫ألن الشعراء نقلوا األلفاظ والتراكيب من مواضع استعمالها البالغي‬
‫الصور البالغية‪َّ ،‬‬
‫إلى موضع مخالف لها بهدف إبراز السخرية‪ ،‬ولهذا أظهر االنزياح البالغي في‬
‫الخطا ب الساخر دوراً جمالياً‪ ،‬ومفاجأة ظريفة‪ ،‬نتج عنها الضحك واالستخفاف‬
‫والتندر بالمسخور منه‪.‬‬
‫وفي علم البيان تجلى التشبيه الساخر الذي استلهم صوره من المصادر‬
‫الحيوانية‪ ،‬حيث إنَّ الحضور للحيوان حضور للقبيح‪ ،‬كما الحظ البحث الحضور‬
‫المميز أللفاظ الذلِّ في التشبيه بكثافة‪ ،‬ومنها شراك النعل الذي دلَّ على هوان‬
‫المشبه‪.‬‬
‫أما االستعارات الساخرة فقد تشكلت على التنافر بين المستعار والمستعار له‪،‬‬
‫حيث هدف هذا التنافر على االزدراء واالنتقاص والهزء من المسخور منه‪.‬‬
‫أما الكناية والتعريض فقد اتجهت سخريتهما إلى مواطن الحياة االجتماعية‬
‫وسلوك المجتمع غير المرغوب‪ ،‬وفي هذا تجلت السخرية من البخل والشراهة في‬
‫األكل والفسق والرذيلة والخمر في الكنايات الساخرة‪ ،‬بينما صوَّر التعريض النقد‬
‫الالذع ألحوال المجتمع في ظل خالفة بني أمية‪ ،‬ومعاملتهم السيئة للرعية‪.‬‬
‫‪439‬‬

‫أما السخرية في إطار علم البديع فقد تجلت في التضاد حيث عكس التضاد‬
‫الذي يعيشه الساخر في حياته‪ .‬وقد الحظ البحث أنَّ التضاد الساخر حمل في ثناياه‬
‫تصوير حاالت العصبية والمزاج والتنازع النفسي مع المسخور منه‪ ،‬وقد جاء‬
‫التضاد الساخر في إطار ثنائيات ساخرة تجلت في‪ :‬ثنائية الضعف والقوة‪ ،‬وثنائية‬
‫الرفعة والوضاعة‪ ،‬وثنائية الفضيلة والرذيلة‪ ،‬وثنائية الكرم والبخل‪ ،‬وثنائية السيادة‬
‫والتبعية‪.‬‬
‫وأبرزت المقابلة الساخرة التناقض على المستوى االجتماعي واإلنساني‬
‫والبطولي‪ .‬أمَّا التورية فقد اتكأ الشعراء فيها على المعنى الثاني إلبراز السخرية‪،‬‬
‫حيث كشف ت صور التورية الساخرة الواقع االجتماعي ونظام الحكم القائم على ظلم‬
‫الرعية‪ ،‬وكذا تصوير الفساد األخالقي‪.‬‬
‫كما اتجهت السخرية في إطار علم البديع من خالل صور المدح المراد به الذم‪،‬‬
‫والهزل الذي يراد به الجد‪ ،‬وفي كال األسلوبين تتجه السخرية إلى االنتقاص من‬
‫المسخور منه‪.‬‬
‫أما السخرية في إطار علم المعاني فقد تجلت في األمر الساخر الذي استخدم‬
‫بهدف التهديد والتهوين والتحطيم والزراية من الخصوم‪ ،‬في حين اتجه الشعراء‬
‫باالستفهام إلى تهزئة الخصوم وتحقيرهم‪ ،‬أمَّا النداء فقد أبان عن الحط من مكانة‬
‫المسخور منهم من خالل صيغ النداء التي حملت في ثناياها الدعوة باأللقاب‬
‫الحيوانية المستهجنة‪ ،‬فضالً عن النداء الذي خرج عن حدود العرف األخالقي‪ .‬أمَّا‬
‫النهي فقد أبرز فيه الشعراء تقديم النصح واإلرشاد الساخر‪ ،‬حيث ينهى المسخور‬
‫منه لالبتعاد عن أمر يتجلى منه االحتقار والضعف‪ .‬أما التمني فقد وظفه الشعراء‬
‫ب هدف االنتقاص من مكانة المسخور منه‪ ،‬بينما اتجه الدعاء الساخر إلى الدعاء النبيل‬
‫عن الموضوع السخيف والوضيع‪ .‬أما القسم فقد وظفه الشعراء للقسم بدالالت يتجلى‬
‫منها التندر بالمقسوم به‪ ،‬كالقسم باألب الوضيع‪ ،‬أو األم الحقيرة‪.‬‬
‫وفي إطار التصوير الساخر عمد الشعراء إلى تضخيم عيوب المسخور منهم‪،‬‬
‫وسماتهم الخلقية‪ ،‬واالتجاه إلى التشويه والعبث‪ ،‬ورشقهم بالنقائص والمشاهد الساخرة‬
‫‪441‬‬

‫اجتماعياً وإنسانياً‪ .‬وقد تجلت أنماط الصور الساخرة في إطارين‪ :‬تجلى اإلطار‬
‫األول من خالل الصور القائمة على عالقة الساخر بالمسخور منه‪ ،‬ومنها‪ :‬السخرية‬
‫التنذرية‪،‬‬
‫والسخرية السجالية‪،‬والسخرية التهكمية‪ ،‬والسخرية النبوغية‪،‬والسخرية المقموعة‪.‬‬
‫أما اإلطار الثاني للصور الساخرة فقد ارتبط بالحواس‪ ،‬ومنها‪ :‬الصور السمعية‪،‬‬
‫والشمية‪ ،‬والصور اللونية التي تجلت في اللون األسود‪ ،‬والصور الحركية التي‬
‫نهضت بالوصف التشويهي الحركي إمعاناً في السخرية من المسخور منه‪ ،‬عبر‬
‫التأليف بين المرئيات والمحسوسات‪.‬‬
‫والمتأمل للشعر األموي يرى أنَّ آليات بناء السخرية قد تعددت وتداخلت فيما‬
‫بينها‪ ،‬فبعض آليات السخرية تتجه في بنائها باالعتماد على التصوير البالغي‪ ،‬أو‬
‫اإليقاع القائم على الصوت‪ ،‬أو التصوير المسخي أو التشويهي‪ .‬وفي مواطن أخرى‬
‫تتجلى في قدرة الساخر على إبراز سخريته باالعتماد على مواقف تصور التهكم‬
‫واالحتقار للمسخور منه ومنها‪ :‬االلتباس‪ ،‬والذهول والتوريط‪ .‬وقد يبني الساخر‬
‫خطابه الساخر معتمداً على العالقة الثالثية القائمة بين الساخر والمسخور منه‬
‫والجمهور في إطار الحوار والسرد في نصه الشعري‪.‬‬
‫وتجسدت وظائف السخرية في الشعر األموي في وظيفتين هما‪ :‬الوظيفة‬
‫المباشرة‪ ،‬والوظيفة غير المباشرة‪ .‬وقد جاءت الوظائف المباشرة بهدف اإلضحاك‬
‫والسخرية واالحتقار من المسخور منه‪ ،‬كما أنَّها كانت وسيلة إلثراء الشعر األموي‬
‫في األسواق والمنتديات ومجالس الخلفاء‪ .‬وقد قسمت الوظائف المباشرة إلى ثالث‬
‫وظائف هي‪:‬‬
‫‪-‬الوظيفة التعبيرية‪ :‬وهي التي ركزت على الساخر بهدف التعبير المباشر عن‬
‫االنفعاالت والشعور الكائن عند الساخر تجاه المسخور منه‪ ،‬بغية إيصاله إلى‬
‫المسخور منه والمتلقين‪ .‬وقد استخدمت هذه الوظيفة عناصر لغوية مختلفة مثل‬
‫الضمائر والتعجب‪ ،‬وقد عبر الشعراء في هذه الوظيفة عن التهديد وإظهار القوة‪،‬‬
‫ودونية المسخور منه في إطار ثنائية الضعف والقوة في مجاالت الحياة المختلفة‪.‬‬
‫‪441‬‬

‫‪-‬الوظيفة التأثيرية‪ :‬ركزت هذه الوظيفة على توجيه الخطاب للمسخور منه‪ ،‬وقد‬
‫خاطبت هذه الوظيفة المسخور منه بأساليب لغوية مختلفة‪ ،‬ومنها‪ :‬النداء واألمر‬
‫واألسماء الدالة على التجمعات اإلنسانية كالقبائل مثالً‪ .‬وقد خاطبت هذه الوظيفة‬
‫المسخور منه من زوايا دونية النسب‪ ،‬والمكانة الوضيعة له في الوسط االجتماعي‪.‬‬
‫‪-4‬الوظيفة االجتماعية‪ :‬سعت هذه الوظيفة إلى تناول البعد االجتماعي للسخرية‪،‬‬
‫حيث عالجت هذه الوظيفة عماد الرجولة الفاضلة وداللتها في الحياة كالفروسية‬
‫والبطولة والكمال الذكوري‪ ،‬ونفيه عن المسخور منهم في إطار ظاهرتي الجدع‬
‫واإلخصاء‪ .‬كما اتجهت هذه الوظيفة إلى تصوير حياة التحضر والقيم العربية‬
‫األصيلة كالنظافة والعفة والنجدة‪ ،‬كما سلطت الضوء على مأساة الطبقات الفقيرة‬
‫والمعدمة التي ابتعد عنها المجتمع األموي سلطةً وأفراداً وجماعاتٍ‪ ،‬وتركت هذه‬
‫الفئة المحرومة تعاني ويالت الحياة فأصبحت عرض ًة للسخرية‪.‬‬
‫أما الوظائف غير المباشرة للسخرية فقد تجلت في أغراض شعرية مختلفة‪،‬‬
‫وبرزت السخرية ظاهرة فنية يزين بها الشاعر الساخر نصه الشعري‪ ،‬وقد تجلت في‬
‫أربع وظائف هي‪:‬‬
‫‪-‬الوظيفة الحوارية‪ :‬حيث وظفها الشعراء في أسلوب حواري سردي‪ ،‬وقد تجلت‬
‫الوظيفة الحوارية من خالل حوار الزوج مع زوجته‪ ،‬وحوار المعشوقات فيما بينهنَّ‪،‬‬
‫كما اتجهت إلى ظاهرة مميزة في هذا العصر وهي حوار الحيوانات كالفئران‬
‫والقطط والوزغة‪ ،‬فضالً عن محاورة الحشرات كالعنكبوت والذباب‪ ،‬حيث عرض‬
‫الساخر فيها صوراً من حوار الحيوانات فيما بينها‪ ،‬وحوارها مع المسخور منه بغية‬
‫االنتقاص منه‪ ،‬وذلك في إشارة إلى تخلي المجتمع عنه إنسه وحيواناته‪.‬‬
‫‪-‬الوظيفة الحجاجية‪ :‬من خالل هذه الوظيفة توظف السخرية مجموعة من العالقات‬
‫العقلية التي تظهر المسخور منه في مظهر الدونية والضعف والالمألوف‪ ،‬وتبرز‬
‫عبثية أفكاره وشناعتها‪ ،‬كما عمدت هذه الوظيفة إلى االستفهام والسؤال الموجه عن‬
‫المسخور منه‪ ،‬مظهرة عبر السؤال التحقير للمسخور منه‪ ،‬كما كشفت هذه الوظيفة‬
‫عن الصراع القائم بين العرف السائد والغريب الشاذ من السلوكيات‪ ،‬حيث تظهر‬
‫‪442‬‬

‫الحجة المغايرة وغير المألوفة لتدل على السخرية من المسخور منه‪ ،‬كما اعتمدت‬
‫هذه الوظيفة على مبدأ الطرافة القائم على التشكيك في المسخور منه‪ ،‬وفي وضعه‬
‫االجتماعي ومكانته‪ ،‬حيث أحدث هذا التشكيك أثراً نفسياً محطماً لشخصية المسخور‬
‫منه على مدى الزمن‪.‬‬
‫‪-4‬الوظيفة السردية‪ :‬تجلت هذه الوظيفة من خالل استثمار تقنيات السرد والقص‬
‫والحكي‪ ،‬التي من خاللها استطاع الساخر أن يبث سخريته في تلك األعمال السردية‪،‬‬
‫وقد استغل الشعراء السرد للسخرية من السلوكيات المنبوذة كالبخل وتعرية الكثير‬
‫من األنماط السلوكية البشرية في المجتمع كعالقة الزوج مع زوجته في مشهد سردي‬
‫يصوِّر حاالت النشوز واإلعراض واالحتقار الذي يسود بين الزوجين في مراحل‬
‫حياتهما‪.‬‬
‫‪-8‬الوظيفة الفنية‪ :‬وقد تجلت هذه الوظيفة من خالل سعي الشعراء إلى تقويض‬
‫خصومهم في الشعر‪ ،‬من خالل إبراز مهارتهم الفنية القائمة على األساليب والصور‬
‫الفنية التي تحطم من مكانة المسخور منه عبر قوافي الشعر‪ ،‬لذلك تجلى في هذه‬
‫الوظيفة أنَّ السخرية أصبحت طموحاً فنياً عند الشعراء‪ ،‬وعالمة على جودة النص‪،‬‬
‫ومفتاحًا لقراءته‪.‬‬
‫وقد وظَّف الشعراء في إطار هذه الوظيفة‪ ،‬السخرية ممن يدعون كتابة الشعر‬
‫وروايته‪ ،‬فضالً عن المهارة الفنية في مخاطبة خصومهم من الشعراء ونظرتهم‬
‫الدونية لهم عبر إرسال القذائف والصواعق والقالئد في إطار ما يكتبونه من شعر‬
‫في المسخور منهم‪.‬‬
‫أما أثر السخرية في الشعر األموي فالمالحظ أن السخرية برزت ظاهرة فنية‬
‫في الشعر القائم على ثنائية (العلو والدونية)‪ ،‬وقد تجلت في أغراض كثيرة منها‪:‬‬
‫الهجاء والفخر والمدح والنقائض والغزل والرثاء‪.‬‬
‫والالفت للنظر ظهور السخرية في شعر الغزل والرثاء‪ ،‬كما الحظ البحث تحوّل‬
‫الرثاء عند شعراء السخرية من جهة اإلنسان إلى الحيوان‪ ،‬وقد تجلى ذلك في شعر‬
‫‪443‬‬

‫الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬حيث كان سبّاقاً في هذا المضمار‪ ،‬ومن ثم جاراه بعد ذلك‬
‫شعراء العصر العباسي‬
‫وفي نهاية هذا البحث يتجلى لنا سؤال الدراسة‪ ،‬هل كانت السخرية فناً من‬
‫فنون الشعر األموي؟ أم أنها تحولت إلى غرض من أغراض الشعر؟ أم أصبحت‬
‫ظاهرة فنية؟‬
‫ومن خالل دراسة التشكيل اللغوي والبالغي ووظائف السخرية في الفصول‬
‫السابقة‪ ،‬يخلص البحث إلى أنَّ السخرية لم تكن فناً مستقالً من فنون الشعر األموي‪،‬‬
‫كما أنَّها لم تشكل غرضاً شعرياً مستقالً‪ ،‬بدليل حضورها في أغراض الشعر‪ .‬ولكن‬
‫بالنظر إلى شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬يمكن القول إنَّه جعل السخرية غرضاً‬
‫شعرياً مستقالً عنده‪ .‬ولهذا يمكن القول إنَّ السخرية في الشعر األموي كانت ظاهرة‬
‫فنية نصية ظهرت في الكثير من نصوص الشعر األموي‪ ،‬وقد أسهمت في البناء‬
‫الفني للنصوص‪ ،‬وعكست صورها الكثير من دالالتها الساخرة‪ ،‬التي وظَّفها شعراء‬
‫العصر في مختلف موضوعات الشعر األموي‪.‬‬
‫ويمكن أن نوجز أبرز النتائج التي توصل لها البحث في اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬إنَّ مفهوم السخرية مفهموم غير مستقر‪ ،‬فقد يسمي بعض النقاد النص ساخراً‪،‬‬
‫بينما يراه آخرون هزلياً‪ ،‬ويعدُّه ثالث هجائياً‪ ،‬فمفهوم السخرية يتداخل من حيث‬
‫الداللة والوظيفة مع مفاهيم أخرى وهي‪ :‬التهكم‪ ،‬والهزء‪ ،‬والضحك‪ ،‬والتندر‪،‬‬
‫والهزل‪ ،‬واالحتقار‪ ،‬والدونية‪ ،‬واإلهانة‪ ،‬والدعابة‪ ،‬والفكاهة‪ ،‬والهجاء‪.‬‬
‫‪-‬الحظ الباحث أن اللغة كانت أهم أداة عبَّر بها الشعراء األمويون عن روح‬
‫السخرية‪ ،‬ولهذا استطاع كثير منهم التوظيف الصوتي لكثير من األصوات الدالة‬
‫على االحتقار واالستخفاف‪ ،‬من خالل اشتقاقهم لكلمات ذات رنين ساخر؛ حيث‬
‫منحوا من خاللها نصوصهم الشعرية نبرة هازلة وساخرة‪ ،‬وقد تجلى هذا التوظيف‬
‫الصوتي على لسان المبدعين من الشعراء عبر مظاهر الجرأة اللغوية في هذا‬
‫االشتقاق الصوتي‪ .‬وقد اشتهر منهم الشعراء‪ :‬جرير وإسماعيل بن عمار األسدي‬
‫والحزين الكناني‪.‬‬
‫‪444‬‬

‫‪-4‬بنى الشعراء األمويون سخريتهم القائمة على الترجيع الصوتي الناتج عن‬
‫موسيقى األصوات؛ بحيث ينشأ مع اإليقاع الساخر للكلمات صور حسية للمسخور‬
‫منه في الواقع االجتماعي‪.‬‬
‫‪-8‬يرى الباحث أنَّ التكرار ظاهرة صوتية حملت بُعداً إيقاعياً وداللياً‪ ،‬يمنح قارئ‬
‫السخرية ومتلقيها قراءة تأويلية‪ ،‬يهتدي من خاللها إلى مواطن السخرية في النص‬
‫الشعري‪.‬‬
‫‪-2‬استوحى الشعراء األمويون بناء سخريتهم في إطار التشكيل اللغوي‪ ،‬من خالل‬
‫استثمار صيغ اللغةالعربية وتراكيبها التالزمية واالشتقاقية والبنائية والداللية‪ ،‬وقد‬
‫تمكنوا في جانب منها الخروج عن اللغة المألوفة إلى اللغة غير المألوفة؛ ليشكلوا‬
‫منها صورة غير مألوفة للمسخور منه في الواقع االجتماعي‪ .‬وقد برز في هذا‬
‫اإلطار الشاعر الفرزدق من خالله خروجه عن قواعد اللغة والنحو؛ حيث بنى من‬
‫خاللها سخريته واحتقاره للموالي والفرس‪ ،‬مظهراً عبر هذه السخرية اعتزازه‬
‫بعروبته‪ ،‬وانتصاراً لِلُغة فنه الشعري‪ ،‬ورفضاً للقواعد اللغوية الجاهزة التي تنمِّط‬
‫إبداعه الشعري‪.‬‬
‫‪ -‬طغت التشبيهات الحيوانية الساخرة بكثرة عند شعراء العصر األموي‪ ،‬ولهذا فإنَّ‬
‫الحضور المكثف لمختلف الحيوانات يُعَدُّ بديالً عن اإلنسان الذي افتقده الساخر في‬
‫مجتمعه ‪ ،‬كما يتجلى منها حضور للقبيح على حساب الجميل الذي افتقده الساخر في‬
‫الواقع االجتماعي‪.‬‬
‫‪-9‬استطاع الشعراء األمويون من توظيف داللة اللقب والنداء؛ حيث تمكنوا من‬
‫خاللهما إلى إطالقهما الزمةً إسميةً‪ ،‬يُدعى بهما المسخورمنه ‪ ،‬وحجبا عنه مسماه‬
‫األصلي‪ ،‬وعمقت هذه الداللة اإلسمية الجديدة االحتقار والدونية للمسخور منه‪ ،‬وقد‬
‫تميَّز الشاعر جرير في إضفاء األلقاب الحيوانية الساخرة على المسخور منهم‪ .‬كما‬
‫اعتمدت األلقاب الساخرة في جانب من جوانب إطالقها وتسميتها‪ ،‬على الصبغة‬
‫الجمالية للنص الشعري واإلبداعي؛ بحيث تكون األلقاب أوسمةً ترفع أو تحطُّ‬
‫الشعراء‪ .‬وقد تجلى اللقب الساخر المعتمد على العملية اإلبداعية في الشعر ما تمَّ‬
‫‪445‬‬

‫إطالقه على الشاعر عوف بن معاوية الفزاري الذي لُقِّب بووووو (عويف‬
‫القوافي)‪.‬‬
‫‪-4‬تجسدت في وظائف السخرية المباشرة سمات اإلضحاك واالحتقار والهزل من‬
‫المسخور منه‪ ،‬بينما برزت السخرية في وظائفها غير المباشرة ظاهرة فنية يُزَيِّنُ‬
‫بها الشاعر الساخر نصه الشعري‪.‬‬
‫‪-7‬يرى الباحث طغيان السخرية على شتى أغراض الشعر؛ ولكن الالفت حضورها‬
‫في الغزل والرثاء‪ ،‬الذي اليتناسب مقامهما مع السخرية‪ ،‬كما الحظ الباحث تحول‬
‫الرثاء في إطار السخرية من جهة اإلنسان إلى الحيوان‪ ،‬وقد تجلى ذلك في شعر‬
‫الحكم بن عبدل األسدي؛ حيث كان سبَّاقاً في هذا المجال‪ ،‬ثم احتذاه بعد ذلك شعراء‬
‫العصر العباسي‪.‬‬
‫‪- 0‬من خالل دراسة التشكيل اللغوي والبالغي للسخرية في الشعر األموي‪ ،‬اهتدى‬
‫الباحث إلى أنَّ السخرية لم تكن فنّاً مستقالً من فنون الشعر األموي‪ ،‬كما أنَّها لم‬
‫تشكل غرضاً شعرياً مستقالً ‪ ،‬باستثتاء ماكان سائداً عند الشاعر الحكم بن عبدل‬
‫األسدي‪ ،‬الذي جعل السخرية غرضاً شعرياً من أغراض الشعر عنده‪ .‬ولهذا يمكن‬
‫القول إنَّ السخرية في الشعر األموي كانت ظاهرة فنية نصية‪ ،‬ظهرت في الكثير من‬
‫نصوص ه‪ ،‬وأسهمت في البناء الفني‪ ،‬وعكست صورها الكثير من دالالتها الساخرة‪،‬‬
‫التي وظفها الشعراء في مختلف موضوعات الشعر األموي‪.‬‬
‫‪446‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬


‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬المصادر‪:‬‬
‫‪ -‬ابن األثير‪ ،‬ضياء الدين‪ ،‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر‪ ،‬قدم له وحققه‬
‫وشرحه وعلق عليه د‪ .‬أحمد الحوفي ود‪.‬بدوي طبانة‪ ،،‬ط ‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫منشورات دار الرفاعي‪ 804 ،‬ه ‪ 744-‬م‪.‬‬
‫‪ -‬األحوص‪ ،‬عبد اهلل بن محمد (شعره)‪ ،‬جمعه وحققه‪ :‬عادل سليمان جمال‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ 799 ،‬م‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪ -4‬األخطل‪ ،‬غياث بن غوث التغلبي‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬شرح‪ :‬راجي األسمر‪ ،‬ط‬
‫بيروت‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ 8 4،‬ه ‪ 77 -‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬األخطل‪ ،‬غياث بن غوث التغلبي‪( ،‬شعره)‪،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬فخر الدين قباوة‪،‬ط‬
‫بيروت‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ 477،‬ه‪ 797-‬م‬
‫‪ -2‬األخيلية‪ ،‬ليلى‪( ،‬ديوانها)‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل إبراهيم العطية‪ ،‬وجليل العطية‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫بغداد‪ ،‬دار الجمهورية‪ 799 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬األزهري‪ ،‬محمد بن أحمد‪ ،‬تهذيب اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبدالسالم هارون‪ ،‬مراجعة‪:‬‬
‫محمد علي النجار‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المؤسسة المصرية العامة للتأليف واألنباء‬
‫والنشر‪ 7 8 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬األسدي‪ ،‬أيمن بن خريم‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل القتم‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫جامعة الكويت‪ ،‬مجلس النشر العلمي‪ 008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬األسدي‪ ،‬عبد اهلل بن الزَّ ِبير‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬يحيى الجبوري‪،‬‬
‫بغداد‪ ،‬دار الحرية للطباعة‪ 478 ،‬ه ‪ 798-‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬األسدي‪ ،‬الكميت بن زيد‪:‬‬
‫‪447‬‬

‫‪-‬شرح هاشميات الكميت بن زيد األسدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬داؤود سلوم‪،‬وَ د‪ .‬نوري‬
‫‪ 80‬ه ‪-‬‬ ‫القيسي ط ‪ ،‬بيروت عالم الكتب ‪ +‬مكتبة النهضة العربية‪،‬‬
‫‪ 74‬م‪.‬‬
‫‪-‬شعر الكميت بن زيد األسدي‪،‬جمع وتقديم‪ :‬د‪ .‬داؤود سلوم‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪ 8 9 ،‬ه ‪ 779-‬م‪.‬‬
‫األعجم‪ ،‬زياد‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمع وتحقيق ودراسة‪ :‬د‪ .‬يوسف بكَّار‪ ،‬ط ‪،‬‬ ‫‪- 0‬‬
‫عمان‪ ،‬دار المسيرة‪ 8044 ،‬ه – ‪ 744‬م‪.‬‬
‫األنصاري‪ ،‬عبد الرحمن بن حسان‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬سامي‬ ‫‪-‬‬
‫مكي العاني‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة المعارف‪ 79 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ،‬ط ‪،‬‬ ‫األصفهاني‪ ،‬أبوالفرج‪ ،‬كتاب األغاني‪ ،‬ج ‪، 8 ،4 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪ 744 ،‬م‪.‬‬
‫أعشى همدان‪ ،‬عبد الرحمن بن عبد اهلل بن الحارث (ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫د‪ .‬حسن عيسى أبي ياسين‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار العلوم‪ 804 ،‬ه ‪ 744-‬م‪.‬‬
‫األنصاري‪ ،‬ابن هشام‪:‬‬ ‫‪- 8‬‬
‫‪-‬أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك‪ ،‬ج ‪ ،‬تأليف‪ :‬محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪ 8 4 ،‬ه ‪ 004-‬م‪.‬‬
‫البارقي‪ ،‬سراقة‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬حسين نصَّار‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪- 2‬‬
‫‪ 4‬ه ‪ 789-‬م‪.‬‬ ‫لجنة التأليف والترجمة والنشر‪،‬‬
‫أبو تمام‪ ،‬حبيب بن أوس الطائي‪ ،‬نقائض جرير واألخطل‪ ،‬عني بها‬ ‫‪-‬‬
‫وعلق على حواشيها‪ :‬األب أنطون صالحاني اليسوعي‪ ،‬بيروت‪ ،‬المطبعة‬
‫‪ 7‬م‪.‬‬ ‫الكاثوليكية اليسوعية‪،‬‬
‫التيمي‪ ،‬أبو عبيدة معمر بن المثنى‪ ،‬نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪- 9‬‬
‫أنطوني بيفان‪ ،‬ليدن‪ ،‬مطبعة بريل‪ 709 ،‬م‪.‬‬
‫التيمي‪ ،‬عمر بن لجأ‪( ،‬شعره)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬يحيى الجبوري‪ ،‬بغداد‪ ،‬دار‬ ‫‪- 4‬‬
‫الحرية للطباعة‪ 79 ،‬م‪.‬‬
‫‪448‬‬

‫الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان عمرو بن بحر‪:‬‬ ‫‪- 7‬‬


‫‪ -‬البخالء‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محمد طه الحاجري‪ ،‬ط‪ ،4‬مصر‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬
‫‪ 770‬م‬
‫‪ -‬البيان والتبين‪ ،‬ج ‪ ، ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ 770 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ،9 ،‬تحقيق وشرح‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬ط ‪،‬‬ ‫‪ -‬الحيوان‪ ،‬ج ‪،4 ،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي الخانجي‪ 744 ،‬م‪.‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪ -‬رسائل الجاحظ‪ ،‬شرحه وعلق عليه‪ :‬محمد باسل عيون السود‪ ،‬ط‬
‫بيروت دار الكتب العلمية ‪ 8 0‬ه ‪ 000-‬م‪.‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬أبو الحسن علي بن عبد العزيز‪ ،‬الوساطة بين المتنبي‬ ‫‪- 0‬‬
‫وخصوصه‪ ،‬تحقيق وشرح‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬وعلي محمد البجاوي‪،‬‬
‫دار إحياء الكتب العربية‪ 742 ،‬م‪.‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أسرار البالغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود محمد شاكر‪ ،‬ط ‪ ،‬جدة‪ ،‬دار المدني‪،‬‬
‫‪ 8‬ه‪ 77 -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود محمد شاكر‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪،‬‬
‫‪ 8 8‬ه‪ 008-‬م‪.‬‬
‫الجعدي‪ ،‬النابغة‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد العزيز رباح‪ ،‬ط ‪ ،‬منشورات‬ ‫‪-‬‬
‫المكتب اإلسالمي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ابن جعفر‪ ،‬قدامة‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬تحقيق‪ :‬كمال مصطفى‪ ،‬ط‪ ،4‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫مكتبة الخانجي‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الجمحي‪ ،‬أبو دهبل‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد العظيم عبد المحسن‪ ،‬ط ‪،‬‬ ‫‪- 8‬‬
‫العراق‪-‬النجف األشرف‪ ،‬مطبعة القضاة‪ 47 ،‬ه ‪ 79 -‬م‪.‬‬
‫الجمحي‪ ،‬محمد بن سالم‪ ،‬طبقات فحول الشعراء‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود‬ ‫‪- 2‬‬
‫محمد شاكر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة المدني‪ 798 ،‬م‪.‬‬
‫‪449‬‬

‫الجوهري‪ ،‬إسماعيل بن حماد‪ ،‬الصحاح‪ :‬تاج اللغة وصحاح العربية‪،‬‬ ‫‪-‬‬


‫تحقيق‪ :‬أحمد عبدالغفور عطار‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪ 797،‬م‪.‬‬
‫الحارثي‪ ،‬النجاشي‪ ،‬قيس بن عمرو‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬صنعة وتحقيق‪ :‬صالح‬ ‫‪- 9‬‬
‫البكاري‪ ،‬الطيب العشاش‪ ،‬سعد غراب‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة المواهب‬
‫للطباعة والنشر‪ 8 7 ،‬ه ‪ 777-‬م‪.‬‬
‫ابن أبي حفصة‪ ،‬مروان‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمعه وحققه وقدم له‪ :‬د‪ .‬حسين‬ ‫‪- 4‬‬
‫عطوان‪ ،‬ط‪ ،4‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الحميري‪ ،‬يزيد بن مفرغ‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬جمعه وحققه‪ :‬د‪ .‬عبد القدوس أبو‬ ‫‪- 7‬‬
‫صالح‪ ،‬ط‪ ،4‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ 8 8 ،‬ه ‪ 774-‬م‪.‬‬
‫الخارجي‪ ،‬محمد بن بشير‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمعه وحققه وشرحه‪ :‬د‪ .‬محمد‬ ‫‪-40‬‬
‫خير البقاعي‪ ،‬ط ‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار ابن قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع‪ 802 ،‬ه‬
‫‪ 742-‬م‪.‬‬
‫الخَطَفَى‪ ،‬جرير بن عطية‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬شرح وتحقيق‪ :‬محمد إسماعيل‬ ‫‪-4‬‬
‫عبد اهلل الصاوي‪ ،‬بيروت‪ ،‬منشورات مكتبة الحياة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الدارمي‪ ،‬مسكين‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬جمعه وحققه‪ :‬عبد اهلل الجبوري وخليل‬ ‫‪-4‬‬
‫العطية‪ ،‬ط ‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة دار البصري‪ 790 ،‬م‪.‬‬
‫الدؤلي‪ ،‬أبو األسود(ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حسين آل ياسين‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪-44‬‬
‫دار الكتاب الجديد‪ 798 ،‬م‪.‬‬
‫ابن رباح‪ ،‬نصيب‪( ،‬شعره)‪ ،‬تحقيق وجمع وتقديم‪ :‬د‪ .‬داؤود سلوم‪،‬‬ ‫‪-48‬‬
‫بغداد‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪ 7 9 ،‬م‪.‬‬
‫ابن أبي ربيعة‪ ،‬عمر بن عبد اهلل‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬شرح وتحقيق‪ :‬محمد‬ ‫‪-42‬‬
‫محي الدين عبد الحميد‪ ،‬ط‪ ،8‬بيروت‪ ،‬دار األندلس للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪ 807‬ه ‪ 744-‬م‪.‬‬
‫الرقيات‪ ،‬عبيد اهلل بن قيس‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد يوسف نجم‪،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار صادر‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪451‬‬

‫ذو الرُّمة‪ ،‬غيالن بن عقبة (ديوانه)‪ ،‬حققه وقدمه وعلق عليه‪ :‬د‪.‬عبد‬ ‫‪-49‬‬
‫القدوس أبوصالح‪ ،‬ط‪ ، ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة اإليمان للتوزيع والنشر والطباعة‪،‬‬
‫‪ 80‬ه ‪ 74 -‬م‪.‬‬
‫الزبيدي‪ ،‬محمد مرتضى‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪-44‬‬
‫عبدالستار أحمد فرَّاج‪ ،‬ط ‪ ،‬الكويت‪ ،‬مطبعة حكومة الكويت‪ 7 2 ،‬م‪.‬‬
‫الزمخشري‪ ،‬جار اهلل محمود بن عمر‪ ،‬أساس البالغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬ ‫‪-47‬‬
‫باسل عيون السود‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ 744 ،‬م‪.‬‬
‫السلولي‪ ،‬عبد اهلل بن همَّام‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمع وتحقيق ودراسة‪ :‬وليد‬ ‫‪-80‬‬
‫محمد السراقبي‪ ،‬ط ‪ ،‬دبي‪ ،‬مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث‪ 8 9 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 77‬م‪.‬‬
‫الشماع‪ ،‬زاهر محمد‪ ،‬أشعار أمراء الدولة األموية في المشرق‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫(دراسةً وجمعاً وتحقيقاً)‪ ،‬دمشق‪ ،‬منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب‪،‬‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫وزارة الثقافة‪،‬‬
‫الطائي‪ ،‬الطرماح بن حكيم‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عزة حسن‪ ،‬ط ‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الشروق العربي‪ 8 8،‬ه ‪ 778-‬م‪.‬‬
‫ابن الطثرية‪ ،‬يزيد‪( ،‬شعره)‪ ،‬دراسة وجمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬ناصر بن سعد‬ ‫‪-84‬‬
‫الرشيد‪ ،‬ط ‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬دار مكة للطباعة والنشر والتوزيع‪ 800 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 740‬م‪.‬‬
‫العاملي‪ ،‬عدي بن الرقاع‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬نوري القيسي‪ ،‬وَ د‪.‬‬ ‫‪-88‬‬
‫حاتم الضامن‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبوعات المجمع العلمي العراقي‪ 749 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -82‬عباس‪ ،‬د‪ .‬إحسان‪ ،‬شعر الخوارج‪( ،‬جمعاً وتقديماً)‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الثقافة‪ 798 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬ابن عبدربه األندلسي‪ ،‬أحمد بن محمد‪ ،‬العقد الفريد‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد أمين‬
‫وآخرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ 804 ،‬ه ‪ 744-‬م‪.‬‬
‫‪451‬‬

‫‪ -89‬العتكي‪ ،‬ثابت قطنة‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬ماجد أحمد السامرائي‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫وزارة الثقافة واإلعالم‪ ،‬مديرية الثقافة العامة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -84‬العجاج‪ ،‬عبد اهلل بن رؤبة‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبدالحفيظ السطلي‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫مكتبة أطلس ‪ +‬المكتبة التعاونية‪ 79 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -87‬العجلي‪ ،‬أبو النجم‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬صنعه وشرحه‪ :‬عالء الدين آغا‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫النادي األدبي الثقافي‪ 80 ،‬ه ‪ 74 -‬م‪.‬‬
‫‪ -20‬العرجي‪ ،‬عبد اهلل بن عمر‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬جمعه وحققه وشرحه‪ :‬د‪ .‬سجيع جميل‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫الجبيلي‪ ،‬ط‪ ،4‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫‪ -2‬العسكري‪ ،‬أبو هالل‪:‬‬
‫‪-‬ديوان المعاني‪ ،‬عن نسخة الشي محمد عبده والشي محمد محمود الشنقيطي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪.‬‬
‫‪-‬كتاب الصناعتين‪ :‬الكتابة والشعر‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي‪ ،‬ومحمد أبو‬
‫الفضل إبراهيم‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪ 00 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬عزَّة‪ ،‬كثير بن عبد الرحمن‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬إحسان عباس‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬غرنباوم‪ ،‬غوستاف فون‪ ،‬شعراء عباسيون‪ ،‬ترجمة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد يوسف‬
‫نجم‪ ،‬مراجعة‪ :‬د‪ .‬إحسان عباس‪ ،‬بيروت‪ ،‬مكتبة الحياة‪ 727 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬ابن فارس‪ ،‬أحمد‪ ،‬مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبدالسالم هارون‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ 797 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬الفرزدق‪ ،‬همام بن غالب بن صعصعة (ديوانه) شرحه وضبطه وقدم له أ‪.‬‬
‫على فاعور ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬الفيروز أبادي‪ ،‬مجد الدين محمد بن يعقوب‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ 77 ،‬م‪.‬‬
‫ابن قتيبة‪ ،‬أبو محمد عبد اهلل بن مسلم‪:‬‬ ‫‪-29‬‬
‫‪452‬‬

‫‪-‬الشعر والشعراء‪ ،‬ج ‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪،‬‬
‫‪ 7‬م‪.‬‬
‫‪-‬عيون األخبار‪ ،‬ج‪ ،8‬ط ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ 77 ،‬م‪.‬‬
‫القرطاجني‪ ،‬حازم‪ ،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬ ‫‪-24‬‬
‫‪ 7‬م‪.‬‬ ‫الحبيب ابن الخوجة‪ ،‬تونس‪ ،‬دار الكتب الشرقية‪،‬‬
‫‪ -27‬القطامي‪ ،‬عمير بن شييم بن عمرو (ديوانه)‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمود‬
‫الربيعي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ 00 ،‬م‪.‬‬
‫القيرواني‪ ،‬الحسن بن رشيق‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪- 0‬‬
‫د‪ .‬محمد قرقزان‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ 804 ،‬ه ‪ 744-‬م‪.‬‬
‫‪ -‬القيسي‪ ،‬د‪ .‬نوري حمودي‪:‬‬
‫‪ -‬شعراء أمويون‪ ،‬ط ‪ ،‬عالم الكتب ‪ +‬مكتبة النهضة العربية‪ 802 ،‬ه‪-‬‬
‫‪ 742‬م‪.‬‬
‫‪-‬شعراء أمويون‪ ،‬القسم األول‪ ،‬بغداد‪ ،‬جامعة بغداد‪ 47 ،‬ه ‪ 79 -‬م‪.‬‬
‫‪-‬شعراء أمويون‪ ،‬القسم الثاني‪ ،‬بغداد‪ ،‬جامعة بغداد‪ 47 ،‬ه ‪ 79 -‬م‪.‬‬
‫‪-‬شعراء أمويون‪ ،‬القسم الثالث‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة المجمع العراقي‪ 80 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 74‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الكالبي‪ ،‬القتال‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬إحسان عباس‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫‪ 7‬م‪.‬‬ ‫‪ 44‬ه ‪-‬‬
‫‪ - 4‬اللهبي‪ ،‬األخضر‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمع ودراسة‪ :‬إبراهيم بن سعد الحقيل‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬كرسي د‪ .‬عبد العزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها‪ ،‬جامعة‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫الملك سعود‪ 844 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ - 8‬المرزوقي‪ ،‬أبو علي أحمد بن محمد‪ ،‬شرح حماسة أبي تمام‪ ،‬ج ‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫أحمد أمين وعبد السالم هارون‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬لجنة التأليف والترجمة‬
‫والنشر‪ 72 ،‬م‪.‬‬
‫‪453‬‬

‫‪ - 2‬المرِّي‪ ،‬ابن ميَّادة‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمع وتحقيق‪ :‬د‪ .‬حنا جميل حدَّاد‪ ،‬راجعه‬
‫وأشرف على طباعته‪ :‬قدري الحكيم‪ ،‬سوريا‪ ،‬مطبوعات مجمع اللغة العربية‬
‫بدمشق‪ 80 ،‬ه ‪ 74 -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المصري‪ ،‬ابن أبي األصبع‪ ،‬تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان‬
‫إعجاز القرآن‪ ،‬تقديم وتحقيق‪ :‬د‪ .‬حفني محمد شرف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬وزارة‬
‫‪ 8‬ه‪ 772-‬م‪.‬‬ ‫األوقاف‪ ،‬المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪،‬‬
‫‪ - 9‬ابن المعتز‪ ،‬عبد اهلل‪ ،‬البديع‪ ،‬اعتنى بنشره وتعليق المقدمة والفهارس‪:‬‬
‫أغناطيوس كراتشقوفسكي‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار المسيرة‪ 797 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 4‬بن معمر‪ ،‬جميل‪( ،‬شعره)‪ ،‬جمع وتحقيق وشرح‪ :‬د‪ .‬حسين نصَّار‪ ،‬دار مصر‬
‫للطباعة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ - 7‬الملوح‪ ،‬قيس‪( ،‬ديوانه)‪،‬جمع وتحقيق‪ :‬عبدالستار أحمد فراج‪،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة‬
‫دار مصر‪ +‬دار مصر للطباعة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -90‬الملوحي‪ ،‬د‪ .‬عبد المعين‪ ،‬أشعار اللصوص وأخبارهم‪ ،‬المجلد( )‪( ،‬جمعاً‬
‫وتحقيقاً)‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الحضارة الجديدة‪ 8 4 ،‬ه ‪ 774-‬م‪.‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬جمال الدين بن محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار‬ ‫‪-9‬‬
‫صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫النسائي‪ ،‬إسماعيل بن يسار‪( ،‬شعره)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬يوسف بكَّار‪ ،‬ط ‪،‬‬ ‫‪-9‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار األندلس للطباعة والنشر والتوزيع‪ 808 ،‬ه ‪ 748-‬م‪.‬‬
‫‪ -94‬النميري‪ ،‬جران العود‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬رواية أبي سعيد السكري‪ ،‬ط‪ ،4‬القاهرة‪،‬‬
‫دار الكتب المصرية‪ 000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -98‬النميري‪ ،‬الراعي‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬جمعه وحققه‪ :‬راينهرت فاييرت‪ ،‬بيروت‪ ،‬المعهد‬
‫األلماني لألبحاث الشرقية‪ 80 ،‬ه ‪ 740-‬م‪.‬‬
‫‪ -92‬ابن هرمة‪ ،‬إبراهيم‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد جبار المعيبد‪ ،‬ط ‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫مطبعة اآلداب بالنجف‪ 7 7 ،‬م‪.‬‬
‫‪454‬‬

‫‪ -9‬وضاح اليمن‪ ،‬عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كالل (ديوانه)‪ ،‬جمعه وقدم‬
‫له وشرحه د‪ .‬محمد خير البقاعي‪ ،‬ط ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت ‪ 77‬م‪.‬‬
‫‪ -99‬ابن يزيد‪ ،‬الوليد‪( ،‬ديوانه)‪ ،‬جمعه وحققه‪ :‬د‪ .‬حسين عطوان‪ ،‬ط ‪ ،‬عَمَّان‪،‬‬
‫مكتبة األقصى‪ 797 ،‬م‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬المراجع‪:‬‬
‫‪ -‬إبراهيم‪ ،‬د‪ .‬زكريا‪ ،‬سيكولوجية الفكاهة والضحك‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة مصر‪ +‬دار‬
‫مصر للطباعة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬إبراهيم‪ ،‬د‪ .‬صاحب خليل‪ ،‬الصورة السمعية في الشعر العربي قبل اإلسالم‪،‬‬
‫ط ‪ ،‬صنعاء‪ ،‬مركز عبادي للدراسات والنشر‪ 000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬أحمد‪ ،‬محمد الحسين علي‪ ،‬الكناية‪ :‬أساليبها ومواقعها في الشعر الجاهلي‪،‬‬
‫مكة المكرمة‪ ،‬المكتبة الفيصلية‪ 802 ،‬ه ‪ 742-‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬أحمد‪ ،‬د‪ .‬محمد فتوح‪ ،‬الشعر األموي‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ 770 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬آرديني‪ ،‬د‪ .‬محمد صالح‪ ،‬صورة الخليفة في الشعر األموي‪ ،‬ط ‪ ،‬سوريا‪،‬‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫دار الحوار للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪ -‬أرسطو (طاليس)‪:‬‬
‫‪ -‬الخطابة‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬ط ‪ ،‬بغداد‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪،‬‬
‫‪ 74‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فن الشعر‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬د‪ .‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الثقافة‪ 794،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬آزوكاي‪ ،‬د‪ .‬صالح‪ ،‬مصطلحات التخطئة الشعرية في التراث النقدي‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫إربد‪ ،‬عالم الكتب‪ 84 ،‬ه ‪ 0 0-‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلمام‪ ،‬د‪ .‬عمر‪ ،‬السنة الشعرية في العصر األموي‪ ،‬مقاربة إنشائية في‬
‫المفهوم والتشكل والتجليات‪ ،‬ط ‪ ،‬سوسة‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫‪ 004‬م‪.‬‬
‫‪455‬‬

‫‪ -7‬أنيس‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم‪ ،‬األصوات اللغوية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪،‬‬


‫‪ 770‬م‪.‬‬
‫آي ريتشاردز‪ ،‬مبادئ النقد األدبي‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬مصطفى بدوي‪،‬‬ ‫‪- 0‬‬
‫مراجعة‪ :‬د‪ .‬لويس عوض‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المؤسسة المصرية العامة للتأليف‬
‫والترجمة والطباعة والنشر‪ 7 4 ،‬م‪.‬‬
‫إيرليخ‪ ،‬فكتور‪ ،‬الشكالنية الروسية‪ ،‬ترجمة‪ :‬الولي محمد‪ ،‬ط ‪ ،‬الدار‬ ‫‪-‬‬
‫البيضاء‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ 000 ،‬م‪.‬‬
‫إيفانكوس‪ ،‬خوسيه‪ ،‬نظرية اللغة األدبية‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬حامد أبو أحمد‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة غريب‪ 77 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 4‬باختين‪ ،‬ميخائيل‪ ،‬شعرية دوستويفسكي‪ ،‬ترجمة‪ :‬جميل نصيف التكريتي‪،‬‬
‫مراجعة‪ :‬حياة شرارة‪ ،‬ط ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 8‬البار‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل حسين‪ ،‬شعر امرئ القيس‪ ،‬دراسة أسلوبية‪ ،‬ط ‪ ،‬صنعاء‪،‬‬
‫مركز عبادي للدراسات والنشر‪ 004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 2‬بدوي‪ ،‬د‪ .‬عبده‪:‬‬
‫‪-‬دراسات في النص الشعري –عصر صدر اإلسالم وبني أمية‪ ،-‬القاهرة‪،‬‬
‫دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع‪ 000 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪ 794 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬برجسون‪ ،‬هنري‪ ،‬الضحك‪ ،‬بحث في داللة المضحك‪ ،‬تعريب وترجمة سامي‬
‫الدروبي‪ ،‬وعبد اهلل عبد الدايم‪ ،‬ط‪ ،4‬بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪ 744 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 9‬بركة‪ ،‬فاطمة الطبال‪ ،‬النظرية األلسنية عند رومان جاكبسون‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ 8 4 ،‬ه ‪ 774-‬م‪.‬‬
‫‪ - 4‬البستاني‪ ،‬صبحي‪ ،‬الصورة الشعرية في الكتابة الفنية‪-‬األصول والفروع‪،-‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪456‬‬

‫‪ - 7‬بكَّار‪ ،‬د‪ .‬يوسف‪ ،‬غزل المكيين في العصر األموي‪ ،‬ط ‪ ،‬المدينة المنوَّرة‪،‬‬
‫مؤسسة الفرقان للتراث اإلسالمي‪ 840 ،‬ه ‪ 007-‬م‪.‬‬
‫‪ - 0‬بالشير‪ ،‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬ترجمة‪ :‬إبراهيم الكيالني‪ ،‬ط ‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ 748 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البهلول‪ ،‬عبد اهلل‪:‬‬
‫‪-‬المبالغة بين اللغة والخطاب‪ ،‬ديوان الخنساء أنموذجاً‪ ،‬ط ‪ ،‬صفاقس‪،‬‬
‫التسفير الفني ‪ +‬مكتبة قرطاج للنشر والتوزيع‪ 007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البوجديدي‪ ،‬علي‪ ،‬السخرية في أدب علي الدوعاجي‪-‬تجلياتها ووظائفها‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬األطلسية للنشر ‪ 0 0‬م‪.‬‬
‫‪ - 4‬التطاوي‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل‪ ،‬أشكال الصراع في القصيدة العربية‪ ،‬ج‪( ،4‬عصر بني‬
‫أمية)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ - 8‬ابن تنباك‪ ،‬د‪ .‬مرزوق‪ ،‬الوأد عند العرب بين الوهم والحقيقة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ 8 2 ،‬ه ‪ 774-‬م‪.‬‬
‫‪ - 2‬التنوخي‪ ،‬محمد‪ ،‬المفصل في األدب‪ ،‬ج ‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫‪ 774‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الحاني‪ ،‬ناصر‪ ،‬المصطلح في األدب الغربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪،‬‬
‫‪ 7 4‬م‪.‬‬
‫‪ - 9‬حاوي‪ ،‬إيليا‪ ،‬فن الهجاء وتطوره عند العرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ - 4‬بو حجام‪ ،‬محمد قاسم‪ ،‬السخرية في األدب الجزائري الحديث‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫جمعية التراث‪ ،‬غرداية‪ 008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪ - 7‬حسين‪ ،‬طه‪ ،‬حديث األربعاء‪ ،‬ط‬
‫‪ -40‬حسين‪ ،‬محمد محمد‪ ،‬الهجاء والهجاؤون في صدر اإلسالم‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية للطباعة والنشر‪ 79 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬الحلواني‪ ،‬عامر‪ ،‬أساليب الهجاء في شعر ابن الرومي‪-‬مقاربة أسلوبية في‬
‫جمالية القبح‪-‬ط ‪ ،‬صفاقس‪ ،‬مطبعة التسفير الفني‪ 00 ،‬م‪.‬‬
‫‪457‬‬

‫‪ -4‬حمزة‪ ،‬عبد اللطيف‪ ،‬حكم قراقوش‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الهالل‪ 74 ،‬م‪.‬‬


‫‪ -44‬حيزم‪ ،‬أحمد‪ ،‬من شعرية اللغة إلى شعرية الذات‪ ،‬ط ‪ ،‬صفاقس‪ ،‬دار صامد‬
‫للنشر والتوزيع‪ 0 0،‬م‪.‬‬
‫‪ -48‬الخراشي‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز‪ ،‬ظاهرة حديث الشعر عن الشعر من العصر‬
‫الجاهلي حتى األموي‪ ،‬اآلفاق والغايات‪ ،‬ط ‪ ،‬الرياض‪ ،‬كرسي د‪ .‬عبد العزيز‬
‫المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ 844 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬
‫‪ -42‬خليل‪ ،‬ياسين‪ ،‬قراءة في تمرد الشعراء العباسيين على السلطة‪ ،‬ط ‪ ،‬عَمَّان‪،‬‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫دار المسيرة‪ 844 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ -4‬الخولي‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم‪ ،‬التعريض في القرآن الكريم‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫البصائر‪ 8 2 ،‬ه ‪ 008-‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬الداية‪ ،‬د‪ .‬فايز‪:‬‬
‫جماليات األسلوب‪ :‬الصورة الفنية في األدب ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر العربي‬ ‫‪-‬‬
‫المعاصر‪ 770،‬م‪.‬‬
‫جماليات األسلوب‪ :‬دراسة تحليلية للتركيب اللغوي‪ ،‬حلب‪ ،‬منشورات كلية‬ ‫‪-‬‬
‫اآلداب‪ ،‬جامعة حلب‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬الدباسي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن‪ ،‬الشعر في حاضرة اليمامة حتى نهاية العصر‬
‫األموي‪ ،‬ط ‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة الملك عبد العزيز‪ 809 ،‬ه ‪ 77 -‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬دراوشة‪ ،‬د‪ .‬صالح الدين أحمد‪ ،‬الرؤى واألدوات عند شعراء القرن الثاني‬
‫الهجري‪ ،‬ط ‪ ،‬إربد‪ ،‬عالم الكتب‪ 0 0 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -80‬الدريدي‪ ،‬د‪ .‬سامية‪ ،‬الحجاج في الشعر العربي‪ ،‬بنيته وأساليبه‪ ،‬ط ‪ ،‬إربد‪،‬‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫عالم الكتب‪ 84 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ -8‬ربابعة‪ ،‬د‪ .‬موسى‪ ،‬قراءات أسلوبية في الشعر الجاهلي‪ ،‬إربد‪ ،‬دار الكندي‬
‫للنشر والتوزيع‪ 00 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬الرباعي‪ ،‬د‪ .‬عبد القادر‪:‬‬
‫‪458‬‬

‫‪-‬الصورة الفنية في شعر أبي تمام‪ ،‬إربد‪ ،‬منشورات جامعة اليرموك‪،‬‬


‫‪ 740‬م‪.‬‬
‫‪-‬الصورة الفنية في النقد الشعري‪-‬دراسة في النظرية والتطبيق‪ ،-‬ط ‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع‪ 748 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -84‬رمضان‪ ،‬صالح‪ ،‬الرسائل األدبية ودورها في تطوير النثر العربي القديم‪،‬‬
‫ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفارابي‪ 00 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -88‬الزاهي‪ ،‬فريد‪ ،‬النص والجسد والتأويل‪ ،‬المغرب‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ 004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -82‬زايد‪ ،‬علي عشري‪ ،‬عن بناء القصيدة العربية الحديثة‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة‬
‫ابن سيناء‪ 00 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬الزموري‪ ،‬محمد‪ ،‬شعرية السخرية في القصة القصيرة‪ ،‬مكناس‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫والعلوم اإلنسانية‪ 009 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -89‬الزيدي‪ ،‬د‪ .‬توفيق‪ ،‬مفهوم األدبية في التراث النقدي إلى نهاية القرن الرابع‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬دار سراس للنشر‪ 742 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -84‬السامرائي‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬من أساليب القرآن‪ ،‬ط ‪ ،‬عَمَّان‪ ،‬دار الفرقان‪ 744 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -87‬ستيتية‪ ،‬د‪ .‬سمير‪ ،‬علم األصوات النحوي‪ ،‬ط ‪ ،‬عَمَّان‪ ،‬دار وائل للنشر‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫والتوزيع‪،‬‬
‫‪ -20‬السيد‪ ،‬شفيع‪ ،‬التعبير البياني‪ ،‬رؤية بالغية ونقدية‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ 80 ،‬ه ‪ 74 -‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬السيد‪ ،‬د‪ .‬عزالدين علي‪ ،‬التكرير بين المثير والتأثير‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬
‫الطباعة المحمدية‪ 474 ،‬ه ‪ 794-‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬السيف‪ ،‬د‪ .‬عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬الرجل في شعر المرأة‪ ،‬دراسة تحليلية للشعر‬
‫النسوي القديم وتمثالت الحضور الذكوري فيه‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار االنتشار‬
‫العربي‪ 004 ،‬م‪.‬‬
‫‪459‬‬

‫‪ -24‬شايب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬الضحك في األدب األندلسي‪-‬دراسة في وظائف الهزل‬


‫وأنواعه وطرق اشتغاله‪-‬ط ‪ ،‬الرباط‪ ،‬دار أبي رقراق للطباعة والنشر‪،‬‬
‫‪ 004‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬الشايب‪ ،‬أحمد‪ ،‬تاريخ النقائض في الشعر العربي‪ ،‬ط‪ ،4‬القاهرة‪ ،‬مكتبة‬
‫‪ 7‬م‪.‬‬ ‫النهضة المصرية‪،‬‬
‫‪ -22‬أبو صالح‪ ،‬عبد القدوس‪ ،‬يزيد بن مفرغ الحميري‪ :‬حياته وشعره‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ 8 8 ،‬ه ‪ 774-‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬صبح‪ ،‬علي‪ ،‬البناء الفني للصورة األدبية عند ابن الرومي‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مطبعة األمانة‪ 47 ،‬ه ‪ 79 -‬م‪.‬‬
‫‪ -29‬الضالع‪ ،‬محمد صالح‪ ،‬لسانيات اللغة الشعرية‪ :‬دراسة في شعر بشار بن برد‪،‬‬
‫ط ‪ ،‬الكويت‪ ،‬دار السالسل‪ 779 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬ضيف‪ ،‬د‪ .‬شوقي‪:‬‬
‫التطور والتجديد في الشعر األموي‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫العصر اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ، 2‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫العصر العباسي الثاني‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -27‬طبانة‪ ،‬د‪ .‬بدوي‪ ،‬معجم البالغة العربية‪ ،‬ط‪ ،4‬جدة‪ ،‬دار المنارة‪ 804 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 744‬م‪.‬‬
‫‪ - 0‬الطرابلسي‪ ،‬د‪ .‬محمد الهادي‪ ،‬خصائص األسلوب في الشوقيات‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫منشورات الجامعة التونسية‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬طرشونة‪ ،‬محمود‪ ،‬ألسنة السرد‪ ،‬تونس‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ 009 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬طه‪ ،‬د‪ .‬نعمان محمد أمين‪ ،‬السخرية في األدب العربي حتى نهاية القرن‬
‫الرابع الهجري‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار التوفيقية للطباعة باألزهر‪ 474 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 794‬م‪.‬‬
‫‪ - 4‬العبد‪ ،‬د‪ .‬محمد‪ ،‬اللغة واإلبداع‪ ،‬ط ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬األكاديمية الحديثة للكتاب‬
‫الجامعي ‪+‬مكتبة دار المعرفة‪ 009 ،‬م‪.‬‬
‫‪461‬‬

‫‪ - 8‬عبد الحميد‪ ،‬د‪ .‬شاكر‪ ،‬الفكاهة والضحك‪ :‬رؤية جديدة‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‬
‫العدد (‪ ،) 47‬الكويت‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ 004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 2‬عبد العظيم‪ ،‬محمد‪ ،‬في ماهية النص الشعري‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ 8 2 ،‬ه ‪ 778-‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد اهلل‪ ،‬د‪ .‬محمد حسن‪ ،‬صورة المرأة في الشعر األموي‪ ،‬ط ‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫منشورات دار السالسل‪ 749،‬م‪.‬‬
‫‪ - 9‬عبد النور‪ ،‬جبور‪ ،‬المعجم األدبي‪ ،‬ط‪ ،4‬بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪ 797 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 4‬العجيمي‪ ،‬د‪ .‬محمد الناصر‪ ،‬الخطاب الوصفي في األدب العربي القديم‪،‬‬
‫الشعر الجاهلي أنموذجاً‪ ،‬سوسة‪ ،‬تونس‪ ،‬مركز النشر الجامعي ‪+‬منشورات‬
‫سعيدان‪ 8 4 ،‬ه ‪ 004-‬م‪.‬‬
‫‪ - 7‬عساف‪ ،‬ساسين‪ ،‬الصورة الشعرية ونماذجها في إبداع أبي نواس‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -90‬عصفور‪ ،‬د‪ .‬جابر‪ ،‬الصورة الفنية في التراث النقدي والبالغي عند العرب‪،‬‬
‫ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار التنوير‪ 744 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬عطوان‪ ،‬د‪ .‬حسين‪:‬‬
‫‪-‬شعراء الدولتين األموية والعباسية‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الجيل‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬الشعراء الصعاليك في العصر األموي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار المعارف‪ 790 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬ابن عقيل‪ ،‬بهاء الدين عبد اهلل‪ ،‬شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية‪ 8 4 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 00‬م‪.‬‬
‫‪ -94‬علوش‪ ،‬د‪ .‬سعيد‪ ،‬معجم المصطلحات األدبية المعاصرة‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الكتاب اللبناني‪ 742 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -98‬علي‪ ،‬د‪ .‬أسعد أحمد‪ ،‬تهذيب المقدمة اللغوية للعاليلي‪ ،‬ط‪ ،4‬دمشق‪ ،‬دار‬
‫السؤال للطباعة والنشر‪ 80 ،‬ه ‪ 742-‬م‪.‬‬
‫‪ -92‬العمري‪ ،‬د‪ .‬محمد‪:‬‬
‫‪461‬‬

‫البالغة الجديدة بين التخييل والتداول‪ ،‬المغرب‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ 002 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫في نظرية األدب‪-‬مقاالت ودراسات–‪ ،‬سلسلة كتاب الرياض (‪ ،)44‬الرياض‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫مؤسسة اليمامة الصحفية‪ ،‬فبراير ‪ 779‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬أبو عيسى‪ ،‬فتحي محمد معوَّض‪ ،‬الفكاهة في األدب العربي إلى نهاية القرن‬
‫الثالث الهجري‪ ،‬ط ‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ 790 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -99‬الغذامي‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل‪:‬‬
‫‪-‬الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية‪-‬قراءة نقدية لنموذج إنساني‬
‫‪ 8‬ه ‪ 77 -‬م‪.‬‬ ‫معاصر‪-‬ط ‪ ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪،‬‬
‫‪-‬اليد واللسان‪ ،‬ط ‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ 0 4 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -94‬الغزي‪ ،‬د‪ .‬الهادي حمودة‪ ،‬الشعر األموي في خراسان والبالد اإليرانية‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬الدار التونسية للنشر ‪ +‬مؤسسة الوحدة للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫‪ 79‬م‪.‬‬
‫‪ -97‬الفارسي‪ ،‬أبو علي الحسين بن أحمد‪ ،‬التكملة‪ ،‬اإليضاح العضدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫حسن شاذلي فرهود‪ ،‬ط ‪ ،‬الرياض‪ ،‬عمادة شؤون المكتبات‪ ،‬جامعة الرياض‪،‬‬
‫‪ 80‬ه ‪ 74 -‬م‪.‬‬
‫‪ -40‬فاعور‪ ،‬د‪ .‬ياسين أحمد‪ ،‬السخرية في أدب إميل حبيبي‪ ،‬سوسة‪ ،‬دار المعارف‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -4‬الفحام‪ ،‬د‪ .‬شاكر‪ ،‬الفرزدق‪ ،‬ط ‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ 799 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬فراي‪ ،‬نوثروب‪ ،‬تشريح النقد‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬د‪ .‬محيي الدين صبحي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ 777 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬فريق البحث في الفكاهة والسخرية‪ ،‬جامعة ابن زهر‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬أكادير‪،‬‬
‫أبحاث في الفكاهة والسخرية – الورشة الثانية‪ ،‬ط ‪ ،‬الرباط‪ ،‬دار أبي رقراق‬
‫للطباعة والنشر ‪ +‬فريق البحث في الفكاهة والسخرية‪-‬جامعة أكادير‪،‬‬
‫‪ 84‬ه ‪ 0 0-‬م‪.‬‬
‫‪462‬‬

‫‪ -48‬الفيفي‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل بن أحمد‪ ،‬ألقاب الشعراء‪ ،‬بحث في الجذور النظرية لشعر‬
‫العرب ونقدهم‪ ،‬إربد‪ ،‬عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع‪ 840 ،‬ه ‪ 007-‬م‬
‫‪ -42‬القدَّاح‪ ،‬د‪ .‬شالش‪ ،‬شعر الخالديين‪-‬دراسة فنية‪ ،-‬دمشق‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬الهيئة‬
‫العامة السورية للكتاب‪ 0 0 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬القرشي‪ ،‬د‪ .‬عالي‪ ،‬المبالغة في البالغة العربية‪ ،‬ط ‪ ،‬الطائف‪ ،‬النادي األدبي‪،‬‬
‫‪ 80‬ه ‪ 742-‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬القزويني‪ ،‬الخطيب‪ ،‬اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬شرح وتعليق وتنقيح‪ :‬د‪ .‬عبد‬
‫المنعم خفاجي‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ 47 ،‬ه ‪ 79 -‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬قزيحة‪ ،‬د‪ .‬رياض‪ ،‬الفكاهة في األدب األندلسي‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتبة‬
‫العصرية‪ 774 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬القط‪ ،‬د‪ .‬عبد القادر‪ ،‬في الشعر اإلسالمي واألموي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية للطباعة والنشر‪ 749،‬م‪.‬‬
‫‪ -70‬القوزي‪ ،‬عوض بن حمد‪ ،‬المصطلح النحوي‪ ،‬ط ‪ ،‬الرياض‪ ،‬عمادة شؤون‬
‫المكتبات‪ ،‬جامعة الرياض‪ 80 ،‬ه ‪ 74 -‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬كشك‪ ،‬أحمد‪ ،‬القافية تاج اإليقاع الشعري‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬المكتبة الفيصلية‪،‬‬
‫‪ 742‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬كفافي‪ ،‬د‪ .‬منذر ذيب‪ ،‬صورة المرأة في شعر الصعاليك واللصوص حتى‬
‫نهاية العصر األموي‪ ،‬ط ‪ ،‬عَمَّان‪ ،‬دار كنوز المعرفة العلمية للنشر‬
‫والتوزيع‪ 840 ،‬ه ‪ 007-‬م‪.‬‬
‫‪ -74‬كوهن‪ ،‬جان‪ ،‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ترجمة محمد الولي‪ ،‬ومحمد العمري‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -78‬اللبدي‪ ،‬د‪ .‬محمد سمير‪ ،‬معجم المصطلحات النحوية والصرفية‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع‪ 802 ،‬ه ‪ 740-‬م‪.‬‬
‫‪ -72‬مارس‪ ،‬بلقاسم‪ ،‬فن الرحلة في الرواية العربية من خالل األشجان واغتيال‬
‫مرزوق لعبد الرحمن منيف‪ ،‬ط ‪ ،‬صفاقس‪ ،‬مكتبة عالء الدين‪ 009 ،‬م‪.‬‬
‫‪463‬‬

‫‪ -7‬مبروك‪ ،‬د‪ .‬مراد عبد الرحمن‪ ،‬من الصوت إلى النص‪-‬نحو نسق منهجي‬
‫لدراسة النص الشعري‪ ،‬ط ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار الوفاء‪ 00 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -79‬محمد‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم عبد الرحمن‪ ،‬شعر ابن قيس الرقيات بين السياسة والغزل‬
‫(تحقيق ودراسة)‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون ‪ +‬الشركة المصرية‬
‫العالمية للنشر‪ 77 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -74‬مرسلي‪ ،‬دليلة‪ ،‬وعاشور‪ ،‬كريستيان‪ ،‬وبن بوعلي‪ ،‬زينب‪ ،‬وخدة‪ ،‬نجاة‪ ،‬وثابتة‬
‫يويا‪ ،‬مدخل إلى التحليل البنيوي للنصوص‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الحداثة‪،‬‬
‫‪ 742‬م‪.‬‬
‫‪ -77‬مطلوب‪ ،‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها ج ‪ ،4 ، ،‬ط ‪،‬‬
‫بغداد‪ ،‬مطبعة المجمع العلمي العراقي‪ 80 ،‬ه ‪ 74 -‬م‪.‬‬
‫المطيري‪ ،‬هند بنت عبد الرازق‪ ،‬النفي في نقائض جرير والفرزدق‪-‬‬ ‫‪- 00‬‬
‫دراسة أسلوبية‪ ،‬ط ‪ ،‬الرياض‪ ،‬مركز حمد الجاسر الثقافي‪ 004 ،‬م‪.‬‬
‫مفتاح‪ ،‬د‪ .‬محمد‪:‬‬ ‫‪- 0‬‬
‫‪ -‬تحليل الخطاب الشعري (إستراتيجية التناص)‪ ،‬ط‪ ،8‬الدار البيضاء‪ ،‬المركز‬
‫الثقافي العربي‪ 002 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬مفاهيم موسعة لنظرية شعرية‪ ،‬ج ‪ :‬نظريات وأنساق‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫المركز الثقافي العربي‪ 0 0 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار العلم‬ ‫المالئكة‪ ،‬نازك‪ ،‬قضايا الشعر المعاصر‪ ،‬ط‬ ‫‪- 0‬‬
‫للماليين‪ 008 ،‬م‪.‬‬
‫الملوحي‪ ،‬عبد المعين‪ ،‬المنصفات‪ ،‬دمشق‪ ،‬وزارة الثقافة والسياحة‬ ‫‪- 04‬‬
‫واإلرشاد القومي‪ 7 9 ،‬م‪.‬‬
‫نافع‪ ،‬د‪ .‬عبد الفتاح صالح‪ ،‬الحوار في غزل عمر بن أبي ربيعة‪،‬‬ ‫‪- 08‬‬
‫عَمَّان‪ ،‬الوكالة العربية للتوزيع والنشر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪464‬‬

‫النخيلي‪ ،‬د‪ .‬آمال‪ ،‬شعرية الجسد في الشعر العربي القديم من الجاهلية‬ ‫‪- 02‬‬
‫إلى القرن الثاني الهجري‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪-‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬القاهرة‪-‬دار‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫الكتاب المصري‪ 844 ،‬ه ‪-‬‬
‫النص‪ ،‬د‪ .‬إحسان‪ ،‬العصبية القبلية وأثرها في الشعر األموي‪ ،‬ط ‪،‬‬ ‫‪- 0‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ 794 ،‬م‪.‬‬
‫نصوص الشكالنيين الروس‪ ،‬نظرية المنهج الشكلي‪ ،‬ترجمة‪ :‬إبراهيم‬ ‫‪- 09‬‬
‫الخطيب ط ‪ ،‬مؤسسة األبحاث العربية‪ ،‬الشركة المغربية للناشرين المتحدين‪،‬‬
‫‪ 74‬م‪.‬‬
‫الهادي‪ ،‬د‪ .‬صالح الدين‪ ،‬اتجاهات الشعر في العصر األموي‪ ،‬ط ‪،‬‬ ‫‪- 04‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫هدَّارة‪ ،‬د‪ .‬محمد مصطفى‪ ،‬الشعر في صدر اإلسالم والعصر األموي‪،‬‬ ‫‪- 07‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية‪ 772 ،‬م‪.‬‬
‫هالل‪ ،‬د‪ .‬ماهر مهدي‪ ،‬جرس األلفاظ وداللتها في البحث البالغي‬ ‫‪-‬‬ ‫‪0‬‬
‫والنقدي عند العرب‪ ،‬بغداد‪ ،‬دار الرشيد للنشر‪ 740 ،‬م‪.‬‬
‫الهليِّل‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن‪ ،‬التكرار في شعر الخنساء‪ ،‬دراسة فنية‪ ،‬ط ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الرياض‪ ،‬دار المؤيد‪ 8 7 ،‬ه ‪ 777-‬م‪.‬‬
‫الهمامي‪ ،‬د‪ .‬الطاهر‪ ،‬الشعر على الشعر‪-‬بحث في الشعرية من‬ ‫‪-‬‬
‫منظور شعر الشعراء على شعرهم‪-‬ط ‪ ،‬إربد‪ ،‬عالم الكتب الحديث للنشر‬
‫والتوزيع‪ 0 0 ،‬م‪.‬‬
‫هيغل‪ ،‬المدخل إلى علم الجمال‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج طرابيشي‪ ،‬ط ‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬
‫بيروت‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ 794 ،‬م‪.‬‬
‫الواد‪ ،‬د‪ .‬حسين‪ ،‬المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪8‬‬
‫دار الغرب اإلسالمي‪ 008 ،‬م‪.‬‬
‫وارين‪ ،‬أوستن‪ ،‬وَويليك‪ ،‬رينيه‪ ،‬نظرية األدب‪ ،‬ترجمة‪ :‬محيي الدين‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬
‫صبحي‪ ،‬بيروت‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ 742 ،‬م‪.‬‬
‫‪465‬‬

‫وهابي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحيم‪ ،‬القراءة العربية لكتاب فن الشعر‪ ،‬ط ‪ ،‬إربد‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫وهبة‪ ،‬مجدي‪ ،‬وَالمهندس‪ ،‬كامل‪ ،‬معجم المصطلحات في األدب‬ ‫‪-‬‬ ‫‪9‬‬
‫واللغة‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬مكتبة لبنان‪ 798 ،‬م‪.‬‬
‫الوهيبي‪ ،‬د‪ .‬فاطمة‪ ،‬العنف في المصطلح النقدي‪ ،‬الشعر الخصي‬ ‫‪-‬‬ ‫‪4‬‬
‫نموذجاً‪( ،‬ضمن بحوث مهداة إلى أ‪.‬د‪ .‬عبد العزيز بن ناصر المانع)‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬مركز حمد الجاسر‪ 848 ،‬ه ‪ 0 4-‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ويس‪ ،‬د‪ .‬أحمد محمد‪ ،‬االنزياح في منظور الدراسات األسلوبية‪ ،‬سلسلة كتاب‬ ‫‪7‬‬
‫)‪ ،‬الرياض‪ ،‬مؤسسة اليمامة الصحفية‪ 004 ،‬م‪.‬‬ ‫الرياض (‪4‬‬
‫‪ -‬يعقوب‪ ،‬إميل‪ ،‬وآخرون‪ ،‬قاموس المصطلحات اللغوية واألدبية‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪0‬‬
‫دار العلم للماليين‪ 749 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬يوسف‪ ،‬خالد‪ ،‬الهجاء عند جرير والفرزدق‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرحاب‬
‫الحديثة‪ 0 0 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬يوسف‪ ،‬د‪ .‬عبد الفتاح أحمد‪:‬‬
‫‪-‬الخطاب السجالي في الشعر العربي‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب الجديدة‬
‫المتحدة‪ 0 8 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬لسانيات الخطاب وأنساق الثقافة‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‬
‫‪+‬منشورات االختالف‪ 0 0 ،‬م‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الرسائل الجامعية‪:‬‬
‫‪ -‬باز‪ ،‬أحمد‪ ،‬شعر جرير ‪-‬دراسة أسلوبية‪(-‬رسالة ماجستير)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جامعة‬
‫القاهرة‪ ،‬كلية دار العلوم‪ ،‬قسم اللغة العربية‪ 00 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬باعيسى‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬لغة شعر ديوان الحماسة ألبي تمام‪ ،‬باب الحماسة‬
‫(رسالة ماجستير)‪ ،‬العراق‪ ،‬جامعة الكوفة‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬قسم اللغة العربية‪،‬‬
‫‪ 8‬ه ‪ 77 -‬م‪.‬‬
‫‪466‬‬

‫‪ -4‬الشعيبي‪ ،‬ناصر‪ ،‬التشكيل الجمالي في شعر نقائض العصر األموي‪( ،‬رسالة‬


‫دكتوراه)‪ ،‬مصر‪ ،‬جامعة أسيوط‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬قسم اللغة العربية‪ 007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬عالية‪ ،‬محمد صالح‪ ،‬نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬دراسة أسلوبية‪( ،‬رسالة‬
‫دكتوراه) ‪ ،‬اليمن‪ ،‬جامعة صنعاء‪ ،‬كلية اللغات‪ ،‬قسم اللغة العربية والترجمة‪،‬‬
‫‪ 8 7‬ه ‪ 004-‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬الغزالي‪ ،‬شعيب‪ ،‬أساليب السخرية في البالغة العربية‪( ،‬رسالة ماجستير)‪،‬‬
‫مكة المكرمة‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬كلية اللغة العربية‪ ،‬قسم البالغة والنقد‪،‬‬
‫‪ 8 8‬ه ‪ 74 -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬كساب‪ ،‬محمد علي‪ ،‬الطرماح بن حكيم‪ :‬حياته وشعره‪( ،‬رسالة ماجستير)‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الجامعة األمريكية‪ ،‬بيروت‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬قسم اللغة العربية ولغات‬
‫الشرق األدنى‪ 774 ،‬م‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬البحوث والمقاالت المنشورة في الدوريات والمجالت‪:‬‬
‫‪ -‬إبراهيم‪ ،‬عبد العزيز‪:‬‬
‫‪-‬شعر الحزين الكناني‪ ،‬مجلة المورد‪ ،‬العراق‪ ،‬المجلد(‪ ،)40‬العدد( )‪،‬‬
‫‪ 00‬م‪.‬‬
‫‪-‬أبو قطيفة‪ ،‬عمرو بن الوليد بن عقبة‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬مجلة‬
‫)‪ ،‬السنة(‪،) 4‬‬ ‫التراث العربي‪ ،‬دمشق‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬العدد(‬
‫‪ 8 7‬ه ‪ 004-‬م‪.‬‬
‫‪-‬اللعين المنقري‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬مجلة العرب‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار‬
‫اليمامة للبحث والنشر والتوزيع‪ ،‬المجلد(‪ ،)88‬العدد(‪ 007 ،)4-9‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد‪ ،‬د‪ .‬محمد فتوح‪ ،‬ظاهرة اإليقاع في الخطاب الشعري‪ ،‬مجلة البيان‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬العدد (‪ 770 ،) 44‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلسداوي‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬يحيى بن نوفل‪ :‬أخباره وشعره‪ ،‬مجلة العرب‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬دار اليمامة للبحث والنشر والتوزيع‪ ،‬المجلد( ‪ ،)4‬العدد(‪،)8-4‬‬
‫‪ 8 9‬ه ‪ 779-‬م‪.‬‬
‫‪467‬‬

‫‪ -8‬إمام‪ ،‬إمام عبدالفتاح‪،‬مفهوم التهكم عند كير كجور‪ ،‬حوليات كلية اآلداب‪،‬‬
‫جامعة الكويت‪ ،‬الحولية الرابعة‪ 804 ،‬ه‪ 744-‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬تجور‪ ،‬فاطمة‪ ،‬أدب الطبائع في نقائض جرير واألخطل‪ ،‬مجلة جامعة دمشق‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬المجلد( ‪ 0 4 ،) -‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن تنباك‪ ،‬د‪ .‬مرزوق‪:‬‬
‫‪ -‬التسامح في الغيرة في شعر مسكين الدارمي‪ ،‬مجلة الدارة‪ ،‬الرياض‪ ،‬دارة‬
‫الملك عبد العزيز‪ ،‬السنة (‪ ،) 4‬العدد(‪ 804 ،)4‬ه ‪ 749-‬م‪.‬‬
‫‪-‬ما زعم الفرزدق ولم ينقضه جرير‪ ،‬مجلة جامعة الملك سعود (اآلداب)‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬المجلد(‪ ،) 9‬العدد( )‪ 8 2 ،‬ه ‪ 002-‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬توفوتي‪ ،‬شهرزاد‪ :‬الكرنفال والغيرية‪ :‬االكتمال الناقص‪ ،‬مقاربة نقدية ألسس‬
‫النظرية الحوارية لميخائيل باختين‪ ،‬مجلة التبيين‪ ،‬الجمعية الثقافية الجاحظية‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬العدد (‪ 007 ،)44‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬الجربوع‪ ،‬د‪.‬عبد اهلل بن سليمان‪ ،‬عفة عمر بن أبي ربيعة بين الواقع‬
‫)‪،‬‬ ‫والوصف‪ ،‬مجلة جامعة الملك سعود (اآلداب)‪ ،‬الرياض‪ ،‬المجلد (‬
‫العدد( )‪ 800 ،‬ه ‪ 000-‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬الجريبي‪ ،‬نور الدين‪ :‬السخرية ودالالتها في رواية (اللجنة) لصنع اهلل‬
‫إبراهيم‪ ،‬مجلة المسار‪ ،‬تونس‪ ،‬اتحاد الكتاب التونسيين‪ ،‬العدد (‪ 774 ،) 4‬م‪.‬‬
‫الجلبي‪ ،‬آن تحسين محمود‪ ،‬الرؤية في شعر ذي الرُّمة‪ ،‬مجلة جذور‪،‬‬ ‫‪- 0‬‬
‫‪ 8‬ه ‪ 002-‬م‪.‬‬ ‫جدة‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪ ،‬السنة(‪ ،)4‬العدد(‪،) 7‬‬
‫جينيت‪ ،‬جيرار‪ ،‬أطراس األدب في الدرجة الثانية‪ ،‬ترجمة وتقديم‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫)‪ 777 ،‬م‪.‬‬ ‫المختار الحسني‪ ،‬مجلة فكر ونقد‪ ،‬المغرب‪ ،‬العدد(‬
‫الحازمي‪ ،‬د‪ .‬عليان‪ ،‬التصغير في اللغة العربية‪ ،‬مجلة جامعة أم القرى‬ ‫‪-‬‬
‫لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬المجلد( )‪ ،‬العدد( )‪،‬‬
‫‪ 8‬ه – ‪ 000‬م‪.‬‬
‫‪468‬‬

‫حداد‪ ،‬د‪ .‬حنا جميل‪ ،‬هجَّاء األضياف حميد بن األرقط‪ :‬حياته وما‬ ‫‪- 4‬‬
‫وصل إلينا من شعره‪ ،‬مجلة جذور‪ ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪ ،‬المجلد( )‪،‬‬
‫العدد( )‪ 8 7 ،‬ه ‪ 777-‬م‪.‬‬
‫حسنين‪ ،‬أحمد طاهر‪ ،‬ظرف المكان في النحو العربي وطرق توظيفه‬ ‫‪- 8‬‬
‫في الشعر‪ ،‬مجلة البالغة المقارنة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬العدد ( )‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫الحسين‪ ،‬أحمد جاسم‪ ،‬خصوصية اللغة الشعرية‪ ،‬قراءة في تجربة ابن‬ ‫‪- 2‬‬
‫المعتز العباسي‪ ،‬مجلة جذور‪ ،‬جدة‪ ،‬الجزء( )‪ ،‬المجلد( )‪ 8 0 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 777‬م‪.‬‬
‫ابن حمودة‪ ،‬رفيق‪ ،‬التنازع على السلطة بين الحجة النحوية والخطاب‬ ‫‪-‬‬
‫الشعري‪ ،‬مجلة الدراسات اللغوية‪ ،‬الرياض‪ ،‬مركز الملك فيصل للبحوث‬
‫والدراسات اإلسالمية‪ ،‬المجلد(‪ ،) 9‬العدد(‪ 84 ،)4‬ه ‪ 0 2-‬م‪.‬‬
‫الخصخوصي‪ ،‬أحمد‪ ،‬عنصر الحمق في أهاجي جرير‪ ،‬حوليات‬ ‫‪- 9‬‬
‫الجامعة التونسية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة منوبة‪ ،‬تونس‪ ،‬العدد(‪ 772 ،)49‬م‪.‬‬
‫خلف‪ ،‬صالح محمد‪ ،‬شعر أرطاة بن سهية المرِّي‪ ،‬مجلة المورد‪،‬‬ ‫‪- 4‬‬
‫)‪ 794 ،‬م‪.‬‬ ‫العراق‪ ،‬المجلد(‪ ،)9‬العدد(‬
‫الدباسي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن‪ ،‬الخؤولة عند العرب‪ :‬قراءة لنصوص من‬ ‫‪- 7‬‬
‫التراث العربي‪ ،‬مجلة جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫عمادة البحث العلمي‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬العدد(‪،)9‬‬
‫‪ 8 4‬ه – ‪ 77‬م‪.‬‬
‫الدخيل‪ ،‬د‪ .‬حمد بن ناصر‪ ،‬شعر حمزة بن بيض الحنفي‪ ،‬مجلة جامعة‬ ‫‪- 0‬‬
‫اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬الرياض‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪ ،‬جامعة‬
‫اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬العدد(‪ 8 8 ،) 0‬ه ‪ 774-‬م‪.‬‬
‫الدريدي‪ ،‬سامية‪ ،‬الحجاج في هاشميات الكميت‪ ،‬حوليات الجامعة‬ ‫‪-‬‬
‫التونسية‪ ،‬تونس‪ ،‬العدد(‪ 77 ،)80‬م‪.‬‬
‫‪469‬‬

‫الدليمي‪ ،‬محمد نايف‪ ،‬شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬مجلة المورد‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫العراق‪ ،‬العدد(‪ ،)8‬المجلد(‪ 79 ،)2‬م‪.‬‬
‫ذنون‪ ،‬د‪ .‬سالم محمد‪ ،‬السخرية في شعر ابن ميادة المرِّي‪ ،‬مجلة‬ ‫‪- 4‬‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫جامعة تكريت للعلوم‪ ،‬العراق‪ ،‬المجلد(‪ ،) 7‬السنة(‪،)2‬‬
‫ربابعة‪ ،‬موسى‪:‬‬ ‫‪- 8‬‬
‫‪-‬األسلوبية‪ :‬االتصال والتأثير‪ ،‬مجلة عالمات في النقد‪ ،‬جدة‪ ،‬النادي‬
‫األدبي الثقافي‪ ،‬الجزء(‪ ،) 9‬المجلد(‪ 8 4 ،)9‬ه ‪ 774-‬م‪.‬‬
‫‪-‬ظواهر من االنحراف األسلوبي في شعر مجنون ليلى‪ ،‬مجلة أبحاث‬
‫اليرموك (سلسلة اآلداب واللغويات)‪ ،‬اليرموك‪ ،‬المجلد(‪ ،)4‬العدد( )‪،‬‬
‫‪ 770‬م‪.‬‬
‫‪ - 2‬رزوق‪ ،‬محمد الزين‪ ،‬تأمالت نحوية في شعر الفرزدق‪ ،‬مجلة كلية اللغة‬
‫العربية‪-‬الزقازيق‪ ،‬مصر جامعة األزهر‪ ،‬العدد(‪ 774 ،) 4‬م‪.‬‬
‫‪ -‬رشيد‪ ،‬د‪ .‬ناصر‪ ،‬شعر البعيث المجاشعي‪ ،‬مجلة كلية اآلداب‪ ،‬العراق‪ ،‬جامعة‬
‫البصرة‪ ،‬العدد(‪ ،) 8‬السنة(‪ 797 ،) 4‬م‪.‬‬
‫‪ - 9‬الرفوع‪ ،‬خليل‪ ،‬الفرزدق قين ًا في شعر جرير‪ ،‬مجلة مؤتة للبحوث والدراسات‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬المجلد(‪ ،) 7‬العدد(‪ 008 ،)4‬م‪.‬‬
‫‪ - 4‬رواقة‪ ،‬د‪ .‬أنعام‪ ،‬شعرية الهجاء عند يزيد بن مفرغ الحميري‪ ،‬مجلة كلية‬
‫اآلداب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جامعة المنصورة‪ ،‬العدد(‪ 00 ،) 7‬م‪.‬‬
‫‪ - 7‬زغريت‪ ،‬خالد‪ ،‬جذور الضحك في التراث العربي‪ ،‬مجلة جذور‪ ،‬جدة‪ ،‬النادي‬
‫)‪ 840 ،‬ه ‪ 007-‬م‪.‬‬ ‫األدبي الثقافي‪ ،‬الجزء(‪ ،) 9‬المجلد(‬
‫‪ -40‬سعيد‪ ،‬د‪ .‬هان ي علي‪ ،‬وسائل المفارقة البديعية في شعر أبي تمام‪ ،‬مجلة‬
‫العرب‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار اليمامة للبحث والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزء(‪ ،)8-4‬السنة‬
‫(‪ 842 ،)2‬ه ‪ 0 8-‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬سليمان‪ ،‬سالم عبد الرزاق‪ ،‬الصورة في نقائض جرير واألخطل‪ ،‬مجلة‬
‫اإلنسانيات‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬كلية اآلداب –دمنهور‪ ،‬العدد( ‪ 007 ،)4‬م‪.‬‬
‫‪471‬‬

‫‪ -4‬السنديوني‪ ،‬وفاء فهمي‪ ،‬شعر إسماعيل بن عمار األسدي وأخباره‪ ،‬مجلة‬


‫‪ 8‬ه ‪-‬‬ ‫جامعة الملك سعود (اآلداب)‪ ،‬الرياض‪ ،‬المجلد(‪ ،)4‬العدد( )‪،‬‬
‫‪ 77‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬السيد‪ ،‬شفيع‪ ،‬أسلوب التكرار بين تنظير البالغيين وإبداع الشعراء‪ ،‬مجلة‬
‫إبداع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬العدد( )‪ ،‬السنة( )‪ 748 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -48‬الشاعر‪ ،‬د‪ .‬موسى‪ ،‬التصغير في شعر المتنبي‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العربية‬
‫األردني‪ ،‬األردن‪ ،‬السنة(‪ ،)9‬العدد(‪ 808 ،) 8- 4‬ه ‪ 748-‬م‪.‬‬
‫‪ -42‬الشاهد‪ ،‬د‪ .‬نبيل حمود‪ ،‬سيوسيولوجيا السرد العجائبي‪ ،‬مجلة العرب‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬دار اليمامة للبحث والنشر والتوزيع‪ ،‬المجلد(‪ ،)87‬الجزء (‪،) 0-7‬‬
‫‪ 842‬ه – ‪ 0 8‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬شلبي‪ ،‬د‪ .‬طارق‪ ،‬التركيب والتصوير في سورة الطور‪ ،‬مجلة الحرس‬
‫الوطني‪ ،‬الرياض‪ ،‬العدد( ‪ ،) 0‬السنة(‪ 8 0 ،) 0‬ه ‪ 777-‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬الطرابلسي‪ ،‬محمد الهادي‪ ،‬في مفهوم اإليقاع‪ ،‬حوليات الجامعة التونسية‪ ،‬كلية‬
‫)‪ 77 ،‬م‪.‬‬ ‫اآلداب‪ ،‬جامعة منوبة‪ ،‬تونس‪ ،‬العدد(‬
‫‪ -44‬عبد المعطي‪ ،‬محمود علي‪ ،‬نقيضتا جرير وسراقة البارقي‪-‬دراسة تحليلية‬
‫موازنة‪ ،-‬مجلة جذور‪ ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪ ،‬العدد(‪ 84 ،)40‬ه ‪-‬‬
‫‪ 0 0‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬العدواني‪ ،‬د‪ .‬معجب‪ ،‬آليات السجال بين خطاب التقليد والحداثة في األدب‬
‫السعودي‪ ،‬مجلة جامعة الطائف‪ ،‬الطائف‪ ،‬المجلد( )‪ ،‬العدد( )‪ 84 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬
‫‪ -80‬عزب‪ ،‬ورد محمدي مكاوي‪ ،‬شعر الحكم بن عبدل األسدي‪ ،‬مجلة جذور‪،‬‬
‫جدة‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪ ،‬السنة(‪ ،)9‬العدد(‪ 8 8 ،) 2‬ه ‪ 004-‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬العشاش‪ ،‬الطيب‪ ،‬األقيشر األسدي‪ :‬أخباره وأشعاره‪ ،‬حوليات الجامعة‬
‫التونسية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة منوبة‪ ،‬تونس‪ ،‬العدد(‪ 790 ،)4‬م‪.‬‬
‫‪471‬‬

‫‪ -8‬عصفور‪ ،‬جابر‪ ،‬بالغ ة المقموعين‪ ،‬مجلة البالغة المقارنة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الجامعة‬


‫)‪ 77 ،‬م‪.‬‬ ‫األمريكية‪ ،‬العدد (‬
‫‪ -84‬العضيبي‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل محمد‪ ،‬الساخرة‪ :‬قراءة في أنموذج شعري قديم‪ ،‬مجلة‬
‫)‪ ،‬العدد( )‪ 8 0 ،‬ه ‪ 000-‬م‪.‬‬ ‫جامعة الملك سعود(اآلداب)‪ ،‬المجلد(‬
‫‪ -88‬العطية‪ ،‬د‪ .‬خليل إبراهيم‪ ،‬شعر نهار بن توسعة‪ ،‬مجلة المورد‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫المجلد(‪ ،)8‬العدد(‪ 792 ،)4‬م‪.‬‬
‫‪ -82‬عكام‪ ،‬د‪ .‬فهد‪ ،‬بنية الصورة في شعر أبي تمام‪ ،‬مجلة التراث العربي‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬العدد(‪ ،) 0‬السنة(‪ 804 ،)4‬ه ‪ 744-‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬العمري‪ ،‬محمد‪:‬‬
‫بالغة السخرية األدبية‪ ،‬مجلة عالمات في النقد‪ ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫المجلد (‪ ،)2‬العدد (‪ 77 ) 0‬م‪.‬‬
‫الداللة التاريخية للشعر‪-‬ظاهرتا الغزل والنقائض في القرن األول الهجري‬ ‫‪-‬‬
‫نموذجاً‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العربية – دمشق‪ ،‬المجلد (‪ ،)40‬الجزء (‪ ،)4‬يوليو‬
‫‪ 002‬م‪.‬‬
‫‪ -89‬العلي‪ ،‬د‪ .‬عدنان‪ ،‬السخرية االجتماعية في أدب المعري‪ ،‬مجلة البيان‪،‬‬
‫)‪ 744 ،‬م‪.‬‬ ‫الكويت‪ ،‬العدد(‪9‬‬
‫‪ -84‬عويز‪ ،‬إنتصار‪ ،‬فن السخرية عند جرير‪ ،‬مجلة جامعة الكوفة‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫العدد(‪ 007 ،) 2‬م‪.‬‬
‫‪ -87‬عيكوس‪ ،‬األخضر‪ ،‬مفهوم الصورة الشعرية قديماً‪ ،‬مجلة اآلداب‪ ،‬جامعة‬
‫قسنطينة‪ ،‬معهد اآلداب واللغة العربية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد( )‪ 772 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -20‬الغزالي‪ ،‬عبد اهلل محمد‪ ،‬المكونات السردية للخبر الفكاهي –دراسة في أخبار‬
‫الحمقى والمغفلين‪-‬مجلة التراث العربي‪ ،‬دمشق‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪،‬‬
‫العدد(‪ ،)70‬السنة(‪ 004 ،) 4‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬الفخفاخ‪ ،‬فؤاد‪ :‬من خصائص الفن في نماذج من شعر الهزل‪ ،‬حوليات‬
‫الجامعة التونسية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة منوبة‪ ،‬تونس‪ ،‬العدد (‪ 00 ،)82‬م‪.‬‬
‫‪472‬‬

‫‪ -2‬فشوان‪ ،‬د‪ .‬أنور حميدو علي‪ ،‬فن السخرية في شعر جرير‪ ،‬مجلة البحوث‬
‫والدراسات في اآلداب والعلوم والتربية‪ ،‬جامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬جدة‪،‬‬
‫العدد(‪ ،)7‬السنة(‪ 8 7 ،) 2‬ه ‪ 004-‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬قاسم‪ ،‬سيزا‪ ،‬المفارقة في القص العربي المعاصر‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬المجلد( )‪ ،‬العدد( )‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬قباوة‪ ،‬فخر الدين والخليل‪ ،‬أحمد‪ ،‬جمالية القبح في الشعر العربي القديم‪ ،‬مجلة‬
‫بحوث حلب (سلسلة اآلداب والعلوم اإلنسانية)‪ ،‬العدد (‪ 747 ،) 2‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬القيسي‪ ،‬د‪ .‬نوري حمودي‪:‬‬
‫‪-‬أنس بن زنيم الدؤلي‪ :‬حياته وشعره‪ ،‬مجلة المجمع العراقي‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫الجزء( )‪ ،‬المجلد(‪ 80 ،)49‬ه ‪ 74 -‬م‪.‬‬
‫‪-‬حاجب الفيل‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬مجلة المورد‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫المجلد(‪ ،) 2‬العدد( )‪ 74 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬حريث بن محفض المازني‪ :‬حياته وشعره‪ ،‬مجلة المورد‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫المجلد(‪ ،) 9‬العدد( )‪ 744 ،‬م‪.‬‬
‫‪-‬مالك بن الريب‪ :‬حياته وشعره‪ ،‬مجلة معهد المخطوطات‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫الجزء( )‪ ،‬المجلد(‪ 7 7 ،) 2‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬كفافي‪ ،‬د‪ .‬منذر‪ ،‬والخاليلة‪ ،‬محمد‪ ،‬إغواء اللغة‪ :‬قراءة في ديوان ذي‬
‫األصبع‪ ،‬تشكيل اللغة الشعرية‪ ،‬المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬المجلد(‪ ،)8‬العدد( )‪ 8 4 ،‬ه ‪ 004-‬م‪.‬‬
‫‪ -29‬الكنوسي‪ ،‬سميرة‪ :‬بالغة السخرية في المثل الشعبي المغربي‪ ،‬مجلة فكر‬
‫ونقد‪ ،‬الرباط‪ ،‬العدد (‪ 00 ،)42‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬كوهن‪ ،‬جان‪ :‬الهزلي والشعري‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد العمري‪ ،‬مجلة قوافل‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪ ،‬المجلد (‪ ،)8‬العدد ( ‪ ،)9‬السنة الرابعة‪،‬‬
‫‪ 8 9‬ه ‪ 77 -‬م‪.‬‬
‫‪473‬‬

‫‪ -27‬لوكام‪ ،‬سلمية‪ ،‬شعرية النص عند جيرار جينيت من األطراس إلى العتبات‪،‬‬
‫مجلة التواصل‪ ،‬الجزائر‪ ،‬جامعة عنابة‪ ،‬العدد(‪ 007 ،) 4‬م‪.‬‬
‫‪ - 0‬الماجد‪ ،‬د‪ .‬ماجد بن محمد‪ ،‬سخرية الحمدوني‪-‬دراسة فنية‪ ،-‬مجلة الدرعية‪،‬‬
‫)‪ 8 2 ،‬ه ‪ 008-‬م‪.‬‬ ‫الرياض‪ ،‬السنة(‪ ،)9‬العدد(‬
‫‪ -‬المانع‪ ،‬د‪ .‬سعاد‪ ،‬الفرزدق وإبليس‪ ،‬قراءة في قصيدة‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬المجلد (‪ ،) 8‬العدد ( )‪ 772 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المحاسنة‪ ،‬علي أرشيد‪ ،‬حميد األرقط‪ :‬حياته وما وصل إلينا من شعره‪ ،‬مجلة‬
‫‪ 84‬ه ‪-‬‬ ‫جذور‪ ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪ ،‬المجلد( )‪ ،‬الجزء( ‪،)4‬‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬
‫‪ - 4‬محرز‪ ،‬سامية‪ :‬المفارقة عند جيمز جويس وإميل حبيبي‪ ،‬مجلة البالغة‬
‫المقارنة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الجامعة األمريكية‪ ،‬العدد (‪ 748 ،)8‬م‪.‬‬
‫‪ - 8‬المناعي‪ ،‬د‪ .‬مبروك‪ ،‬شعرية السواد في كافوريات المتنبي‪ ،‬مجلة عالمات في‬
‫النقد‪ ،‬جدة‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪ ،‬الجزء(‪ ،)44‬المجلد(‪ 777 ،)7‬م‪.‬‬
‫‪ - 2‬نوسي‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬السخرية ومراتب المعنى‪ ،‬مجلة جذور‪ ،‬جدة‪ ،‬النادي‬
‫)‪ 8 4 ،‬ه ‪ 00 -‬م‪.‬‬ ‫األدبي الثقافي‪ ،‬المجلد ( )‪ ،‬العدد (‬
‫‪ -‬ياسين‪ ،‬د‪ .‬نضال‪ ،‬تقنيات القص الهازل في غزل عمر بن أبي ربيعة‪ ،‬مجلة‬
‫‪ 0‬م‪.‬‬ ‫آداب البصرة‪ ،‬العراق‪ ،‬العدد(‪،)22‬‬
‫‪ - 9‬يوسف‪ ،‬د‪.‬عبد الفتاح أحمد‪ ،‬فاعلية التكرار في بنية الخطاب الشعري‬
‫للنقائض‪ ،‬نمط خاص من الوعي باآلخر‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة‬
‫)‪ 004 ،‬م‪.‬‬ ‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬العدد (‬
‫‪474‬‬

‫ملخص رسالة الدكتوراه الموسومة بـ ((السخرية في الشعر األموي))‬


‫الرقم الجامعي‪8 7 04 27 :‬‬ ‫إعداد الطالب سالم محمد بامؤمن‬
‫إشراف األستاذ الدكتور عبد اهلل بن سليمان الجربوع‬
‫عالج البحث السخرية في الشعر األموي بوصفها ظاهرة فنية جديرة بالدراسة‬
‫والتحليل‪ ،‬واستظهار جماليات تشكلها المبنية على المفارقة اللغوية والتصويرية‪،‬‬
‫واألداء الوظيفي لها في إطار الشعر األموي‪.‬‬
‫وتُعَدُّ اللغة أهم أداة عبَّر بها الشعراء األمويون عن روح السخرية‪ ،‬وتجلت في‬
‫توظيف كثير من أصوات اللغة وألفاظها وجملها وتراكيبها ليمنحوا من خاللها‬
‫نصوصهم الساخرة نبرة هازلة‪ ،‬وأسسوا منها ألواناً فنية وجهت دالالت الشعر‬
‫الساخر‪.‬‬
‫وتجلى في التصوير الساخر تضخيم عيوب المسخور منه‪ ،‬حيث طغت التشبيهات‬
‫الحيوانية‪ ،‬واأللقاب الساخرة‪ ،‬والنداء القائم على احتقار المسخور منه‪ ،‬كما برزت‬
‫أنماط ساخرة من الصور حددت عالقة الساخر بالمسخور منه ومنها‪ :‬التنذرية‬
‫والسجالية والتهكمية والمقموعة‪ ،‬فضالً عن الصور القائمة على الحواس واللون‬
‫والحركة‪.‬‬
‫وفي إطار وظائف السخرية تجسدت في الوظائف المباشرة للسخرية سمات‬
‫اإلضحاك واالحتقار والهزل من المسخور منه‪ ،‬أما في الوظائف غير المباشرة‬
‫فظهرت السخرية بوصفها ظاهرة فنية يزيِّن بها الشاعر األموي الساخر نصه‬
‫الشعري‪.‬‬
‫وخلص البحث إلى أن السخرية لم تكن فنّاً من فنون الشعر األموي‪ ،‬كما أنَّها لم‬
‫تشكِّل غرضاً شعرياً مستقالً‪ ،‬باستثناء ماكان سائداً في شعر الحكم بن عبدل األسدي‪،‬‬
‫الذي جعل السخرية غرضاً شعرياً عنده‪ .‬ولهذا يمكن القول إنَّ السخرية ظاهرة فنية‬
‫نصية ظهرت في الكثير من نصوص الشعر األموي‪ ،‬وأسهمت في البناء الفني لها‪،‬‬
‫الساخرة التي وظفها الشعراء في مختلف‬ ‫وعكست صورها الكثير من دالالتها‬
‫موضوعات الشعر األموي‪.‬‬
‫أما منهج البحث الذي سلكه البحث فهو المنهج الفني التحليلي‪.‬‬
475

Irony in the Umayyad Poetry

By
Salim Mohammed Ba-mamon
Supervisor
Prof. Abdullah Sulaiman Al-Jarbou'a

Abstract

Irony plays a significant role in the literary discourse due to the fact that it
is a literary device which is based on linguistic relationships and
quotations as well as signs relevant to writing. Thus it has a denotative
function that contributes to the meaning of the text.

The first chapter of the study has dealt with an introduction and theoretical
background about Irony. Specifically, this chapter introduced the concept
of Irony, its types, and characteristics. Besides, it has tackled the concept
of Irony in the Holy Qur'an and Sunna Speech with reference to the past
and recent critical studies. Furthermore, this chapter introduced the
elements, the components, and the structure of Irony, in addition to its
relationship to parodies, satire and other literary genres such as comedy
and anecdotes. Moreover, the approaches of studying Irony have been
talked with in this chapter.

The second chapter has dealt with the linguistic formulation of Irony in the
Umayyad Poetry at the phonetic, lexical, sentence, and syntactic levels.
The third chapter studied the rhetorical structure of Irony and dealt with
the features of rhetorical deviance in semantics, pragmatics and rhetoric.
476

Besides, this chapter has tackled different forms of ironical imageries and
the devices of ironical structure in the Umayyad Poetry.

The fourth chapter studied the functions of Irony in the Umayyad Poetry.
It introduces the direct functions of irony which include: the expressive,
the effective, and the social functions, in addition to the indirect functions
which include the dialogue, argumentative, illustrative and the aesthetic
functions.

This study opted for utilizing the aesthetic analytical methodology to


achieve the objectives of the study.

You might also like