Professional Documents
Culture Documents
شبهات حول بناء الكنائس
شبهات حول بناء الكنائس
﴿و َمنْ َي ْب َت ِغ غَ ْي رَ اإْل ِ ْس اَل ِم دِي ًن ا َفلَنْ ُي ْق َب َل ِم ْن ُه َو ُه َو فِي اآْل ِخ رَ ِة مِنَ ْال َخ ِ
اس ِرينَ ﴾ [ آل عم ران]85 : ،]18.وق ال هللا تع الىَ :
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفري ة؛ مث ل الكن ائس ،أو تخص يص مك ان له ا في أي بل د من بالد اإلس الم ،من أعظم
﴿و َتعَ َاو ُنوا عَ لَى ْال ِبرِّ َوال َّت ْق َوى َواَل َتعَ َاو ُنوا عَ لَى اإْل ِ ْث ِم َو ْالع ُْد َو ِ
ان َوا َّتقُوا هللاَ إِنَّ هللاَ اإلعانة على الكفر وإظهار شعائره ،وهللا عز شأنه يقولَ :
دة]2 : ابِ﴾[ المائ دِي ُد ْال ِع َق َ .ش
واب :الج
.أديانهم في دور عبادتهم ،وضمن لهم من أجل ذل ك س المة دور العب ادة ،وأَ ْواله ا عناي ة خاص ة؛ فح رم االعت داء بكاف ة أش كاله عليها
وجعل القرآن الكريم تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين هللا تعالى لهم في األرض سببًا في حفظ دور العب ادة
َنص ُرهُ إِنَّ هللاَ لَ َق ِويٌّ عَ ِزي ٌز ۞ الَّذِينَ إِن هللا َك ِث يرً ا َولَي ُ
َنص رَ نَّ هللاُ مَن ي ُ ات َومَسَ ا ِج ُد ُي ْذ َك ُر فِي َه ا ْ
اس ُم ِ صَوا ِم ُع َو ِب َي ٌع َوصَ لَ َو ٌ
َت َض لَ ُه ِّدم ْ
ِب َبعْ ٍ
والبيَع :مساجد اليهود ،وصلوات :كن ائس النص ارى ،والمس اجد:
قال ابن عباس رضي هللا عنهما" :الصوامع :التي تكون فيها الرهبانِ ،
ير اتم في "التفس د وابن أبي ح د بن حمي ه عب لمين" أخرج اجد المس ".مس
ض ُه ْم ِب َبعْ ٍ
ض ﴿ولَ ْواَل دَ ْف ُع ِ
هللا ال َّناسَ َبعْ َ وقال مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ( ،385 /2ط .دار الكتب العلمية) عند تفسير قوله تع الىَ :
وبذلك جاءت السنة النبوية الشريفة؛ فكتب رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ألسقف بني الح ارث بن كعب وأس اقفة نج ران وكهنتهم
ومن تبعهم ورهبانهم« :أنّ لهم على ما تحت أيديهم من قلي ل وكث ير من بيعهم وص لواتهم ورهب انيتهم ،وج وار هللا ورس وله ص لى هللا
عليه وآله وسلم ،أاّل يُغَ يَّرَ أسقف عن أسقفيته ،وال راهب عن رهبانيته ،وال كاهن عن كهانته ،وال يغير حق من حقوقهم ،وال س لطانهم،
وال شيء مما كانوا عليه؛ ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم ،غيرَ مُث َقلين بظلم وال ظالمين» أخرجه أبو عبيد القاس م بن س الم في كت اب
"األموال" (ص ،244 :ط .دار الفكر) ،وأبو عمر بن ش بة ال ُّن َم ْي ري في "ت اريخ المدين ة المن ورة" ( ،586-584 /2ط .دار الفك ر)،
وابن زنجويه في "األموال" ( ،449 /2ط .مركز فيصل للبح وث) ،وابن س عد في "الطبق ات الك برى" ( ،264 /1ط .دار ص ادر)،
والحافظ البيهقي في "دالئل النبوة" ( ،389 /5ط .دار الكتب العلمية) ،وذكره اإلمام محمد بن الحسن الشيباني في كتاب "الس ير" (/1
وقد كلفت الشريعة اإلسالمية المسلمينَ بتوفير األمان ألهل الكتاب في أداء عبادتهم ،وهذا كما يقتضي إبقاء الكنائس ودور العب ادة على
حالها من غير تعرض لها بهدم أو تخريب ،وإعادتها إذا انهدمت أو تخربت ،فإنه يقتضي أيضً ا جواز السماح لهم ببناء الكنائس وأماكن
العبادة عند احتياجهم إلى ذلك؛ فإن اإلذنَ في الشيء إذنٌ في ُم َكمِّالت مَقصودِه؛ كم ا يق ول اإلم ام أب و الفتح بن دقي ق العي د في "إحك ام
األحكام شرح عمدة األحكام" (ص ،479 :ط .مؤسسة الرسالة)[ ،والرضا بالشيء رضً ا بما يتولد عنه] اهـ .كما نصَّ على ذل ك اإلم ام
السبكي في "األشباه والنظائر" ( ،456 /1ط .دار الكتب العلمية) ،واإلمام السيوطي في "األش باه والنظ ائر" ( ،410 /4ط .مؤسس ة
الة) .الرس
وإال فكيف يُقرّ اإلسالم أهل الذمة على بقائهم على أديانهم وممارسة شعائرهم ثم يمنعهم من بناء دور العبادة التي يتعب دون فيه ا عن دما
يحتاجون ذلك! فما دام أنَّ المسلمين قد ارتضوا بمواطنة غ ير المس لمين ،ومعايش تهم ،وت ركهم وم ا يعب دون ،والحف اظ على مقدس اتهم
ادتهم أديتهم لعب المة ت ادة لهم وس ير دور العب دوا في توف ادتهم؛ فينبغي أن يجته اكن عب .وأم
وإذا كان النبي صلى هللا عليه وآله وسلم قد أقرَّ في عام الوفود وفد نصارى نجران على الصالة في مسجده الشريف ،والمسجد هو بيت
هللا المختص بالمسلمين ،فإن ه يج وز -مِن ب اب أَ ْولَى -بن ا ُء الكن ائس ودور العب ادة ال تي ي ؤدون فيه ا عب اداتهم وش عائرهم ال تي أق رهم
ذلك اجوا ل ا إذا احت اء عليه لمون على البق :المس
فروى ابن إسحاق في "السيرة" -ومن طريقه ابن جرير في "التفسير" واللفظ له ،والبيهقي في "دالئل النب وة" -عن محم د بن جعف ر بن
الزبير :أن وفد نجران قدموا على رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم المدينة ،فدخلوا عليه في مسجده حين صلى العصر ،عليهم ثياب
الحبرات ُج َببٌ وأردية في بلحارث بن كعب ،قال :يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم يومئ ذ :م ا
رأين ا بع دهم وف ًدا مثلهم ،وق د ح انت ص التهم ،فق اموا يُص لُّون في مس جد رس ول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم -زاد في "الس يرة"
.و"ال دالئل" :ف أراد الن اس منعهم ،-فق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم« :دَ ُع وهُم» ،فص لَّ ْوا إلى المش رق
وعلى ذلك جرى عمل المس لمين ع بر ت اريخهم المش رف وحض ارتهم النقي ة وأخالقهم النبيل ة الس محة؛ من ذ العص ور األولى وعه ود
فنصَّ عالِما الديار المصرية :اإلمام المجتهد المحدث الفقيه أبو الحارث الليث بن سعد ،واإلمام المحدث قاضي مصر أب و عب د ال رحمن
عبد هللا بن لهيعة على أن كن ائس مص ر لم ُت ْبنَ إال في اإلس الم ،وأش ارا على والي مص ر في زمن ه ارون الرش يد موس ى بن عيس ى
.بإع ادة بن اء الكن ائس ال تي ه دمها مَن ك ان قبل ه ،وجعال ذل ك مِن عم ارة البالد ،وكان ا أعلم أه ل مص ر في زمنهم ا بال مدافعة
فروى أبو عمر الكندي في كتاب "الوالة والقضاة" (ص ،100 :ط .دار الكتب العلمية)[ :أن مُوسَ ى بْن عيسى لمّا ولِّيَ مص ر من قِ َب ل
أمير المؤمنين هارون الرشيد أَذِن للنصارى فِي ُب ْنيان الكنائس التي هدمها عليّ بْن سُليمان ،فبُنيت كلّها بم ْش َورة الليث بْن سعد وعبد هللا
البالد ،واحتجَّ ا أن عامة الكنائس التي ِبمصر لم ُت ْبنَ إاَّل فِي اإْل ِ ْس اَل م فِي زمَن الص حابة والت ابعين] اهـ
.بْن َل ِهيعة ،وقاال :ه َُو من عِ مارة ِ
وقال اإلمام أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحكم في "فت وح مص ر والمغ رب" (ص ،159 :ط .مكتب ة الثقاف ة الديني ة)[ :وأوَّ ل كنيس ة
بنيت بفسطاط مصر ،كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة ،عن ابن لهيعة ،عن بعض شيوخ أه ل مص ر ،الكنيس ة ال تي خل ف القنط رة أي ام
مسلمة بن مخلّد ،فأنكر ذلك الجند على مسلمة وقالوا له :أتقّر لهم أن يبن وا الكن ائس! ح تى ك اد أن يق ع بينهم وبين ه ش رّ ،ف احت ّج عليهم
.مس لمة يومئ ذ فق ال :إنه ا ليس ت في ق يروانكم ،وإنم ا هي خارج ة في أرض هم ،فس كتوا عن د ذل ك] اهـ
ويذكر المؤرخون أنه قد ُبنِيت في مصر عدة كنائس في القرن األول الهجري ،مثل كنيسة "مار مرقص" باإلس كندرية م ا بين ع امي (
39هـ) و (65هـ) ،وفي والية مسلمة بن مخلد على مصر بين عامي (47هـ) و (68هـ) ُبنِيت أول كنيسة بالفس طاط في ح ارة ال روم،
.كم ا س مح عب د العزي ز بن م روان حين أنش أ مدين ة "حل وان" ببن اء كنيس ة فيه ا ،وس مح ك ذلك لبعض األس اقفة ببن اء دي رين
ويذكر العالمة الم ؤرخ المقري زي في خط ط مص ر المُس مَّى "المواع ظ واالعتب ار ب ذكر الخط ط واآلث ار" ( ،374 /4ط .دار الكتب
.العلمية) أمثلة عديدة لكنائس أه ل الكت اب ،ثم يق ول بع د ذل ك[ :وجمي ع كن ائس الق اهرة الم ذكورة محدَث ة في اإلس الم بال خالف] اهـ
وأنَّ ما قاله جماعة من الفقهاء بمنع إحداث الكنائس في بالد المسلمين :هي أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفه ا االجتماعي ة المتعلق ة
بها؛ حيث مرت الدولة اإلسالمية منذ نشأتها بأحوال السلم والح رب ،وتعرض ت للهجم ات الض ارية والحمالت الص ليبية ال تي اتخ ذت
طابعً ا دين ًّيا يغذيه جماعة من المنتسبين للكنيسة آن ذاك ،مم ا دع ا فقه اء المس لمين إلى تب ني األق وال ال تي تس اعد على اس تقرار الدول ة
اإلسالمية والنظام العام من جهة ،ورد العدوان على عقائد المسلمين ومساجدهم من جهة أخرى .وال يخفى أن تغير الواقع يقتضي تغير
.الفت وى المبني ة علي ه؛ إذ الفت وى تتغ ير بتغ ير العوام ل األربع ة (الزم ان والمك ان واألش خاص واألح وال)
وال يصح جعل هذه األق وال حاكم ة على الش ريعة بح ال؛ إذ ال يوج د نص ش رعي ص حيح ص ريح يمن ع بن اء الكن ائس ودور العب ادة
وإحداثها في بالد المسلمين عندما يحتاج إليها أهل الكتاب من رعايا الدولة اإلس المية ،ب ل األدل ة الش رعية الواض حة ومُج َم ل الت اريخ
اإلسالمي وحضارة المسلمين -بل وبقاء الكنائس والمعابد نفسها في طول بالد اإلس الم وعرض ها ،وش رقها وغربه ا ،في ق ديم الزم ان
وحديثه ،واستحداث كثير منها في بالد المسلمين في العهود اإلسالمية -كل ذلك يشهد بجالء كيف احترم اإلسالم دور العب ادة وأعطاه ا
:الشبهة الثانية
أجمع العلماء على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحد َثت في أرض اإلس الم ،وال تج وز معارض ة ولي األم ر في
وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفري ة؛ مث ل الكن ائس ،أو تخص يص مك ان له ا في أي بل د من بالد اإلس الم ،من أعظم
هللا
هللا إِنَّ َ ﴿و َتعَ َاو ُنوا عَ لَى ْال ِبرِّ َوال َّت ْق َوى َواَل َتعَ َاو ُنوا عَ لَى اإْل ِ ْث ِم َو ْالع ُْد َو ِ
ان َوا َّتقُوا َ اإلعانة على الكفر وإظهار شعائره؛ وهللا عز شأنه يقولَ :
قال شيخ اإلسالم" :من اعتقد أنَّ الكنائس بيوت هللا وأنَّ هللا يُعب ُد فيها ،أو أنَّ ما يفعله اليهود والنصارى عبادة هلل وطاعة لرسوله ،أو أنه
افر وك ة فه ة أو طاع ك قرب ة دينهم وأنَّ ذل ا وإقام انهم على فتحه اه ،أو أع ك ويرض ".يحب ذل
ْطانُ َس وَّ َل لَ ُه ْم َوأَمْ لَى َار ِه ْم مِنْ َبعْ ِد مَا َت َبيَّنَ لَ ُه ُم ْالهُدَ ى َّ
الش ي َ َ
وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قوله تعالى﴿ :إِنَّ الَّذِينَ ارْ َتدُّوا عَ لَى أ ْدب ِ
ض اأْل َمْ ِر َوهللاُ َيعْ لَ ُم إِسْ رَ ارَ ُه ْم ۞ َف َك ْيفَ إِ َذا َت َو َّف ْت ُه ُم ْال َماَل ِئ َك ُة ي ْ
َض ِربُونَ َل ُه ْم ۞ َذلِكَ ِبأ َ َّن ُه ْم َقالُوا لِلَّذِينَ َك ِرهُوا مَا َن َّز َل هللا ُ سَ ُنطِ ي ُع ُك ْم فِي َبعْ ِ
ض َوا َن ُه َفأَحْ َب َط أَعْ َم الَ ُه ْم﴾[ محم د]28-25 :
.وُ ُج و َه ُه ْم َوأَ ْد َب ارَ ُه ْم ۞ َذلِ كَ ِب أ َ َّن ُه ُم ا َّت َب ُع وا َم ا أَ ْس َخ َط هللاَ َو َك ِر ُه وا ِر ْ
واب :الج
ً
حفاظ ا لهم على دور عب اداتهم كم ا أم ر جماهير العلماء والفقهاء على جواز بناء م ا ته دَّم من الكن ائس ب ل واس تحداث كن ائس جدي دة
رع .الش
وقد حافظ المسلمونَ منذ البداية على تطبيق ما اشترطوه على أنفسهم من حماية دور العبادة الخاصة باألديان األخ رى ،فلم تمت د أي ديهم
إلى ِب َي ع اليهود أو كنائس النصارى؛ فعندما نزل العرب في الموصل في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي هللا عنه وكان به ا
وبيَع ومحلة لليهود؛ قام والي الموصل "هرثم ة بْن عرفج ة الب ارقي" ب إنزال الع رب في أم اكن غ ير أم اكن
كنائس ومنازل للنصارى ِ
ً
جدا لمين مس نى للمس ارى وب ود والنص :اليه
البالذري في "فتوح البلدان" (ص ،323 :ط .دار ومكتبة الهالل)[ :حدثني أَبُو موسى الهروي عن أَ ِبي ْال َفضْ ل األنص اري عن أَ ِبي
ُ قال
عَن الموصل وواَّل ها هرثمة بْن عرفج ة الب ارقي وك ان به ا الحص ن،
المحارب الضبي أن ُعمَر ْبن الخطاب رضي هللا عنه عزل عتبة ِ
وب َي ع النصارى ،ومنازل لهم قليلة عند تلك البيع ،ومحلة اليهود؛ فمصرها هرثمة ،فأنزل العرب من ازلهم ،واخت َّط لهمُ ،ث َّم ب نى المس جد
ِ
ونصَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي هللا عنه في عهده ألهل القدس على حريتهم الديني ة وأعط اهم األم انَ ألنفس هم والس الم َة
لكنائسهم؛ وكتب لهم بذلك كتابًا؛ فروى اإلمام الطبري في "تاريخه" ( ،449 /2ط .دار الكتب العلمية)[ :عن خالد وعبادة ،قاال :صالح
عمر أهل إيلياء بالجابية ،وكتب لهم :بسم هللا الرحمن الرحيم ،هذا ما أعطى عب ُد هللا عم ُر أمي ُر المؤمنين أه َل إيلياء من األمان؛ أعطاهم
وذمة رسوله صلى هللا عليه وآله وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية .شهد على ذلك :خال د بن الولي د،
.وعم رو بن الع اص ،وعب د ال رحمن بن ع وف ،ومعاوي ة بن أبي س فيان وكتب وحض ر س نة خمس عش رة] اهـ
وكتب ألهل لُ ّد كتابًا مماثاًل جاء فيه" :بسم هللا الرحمن الرحيم ،هذا ما أعطى عب ُد هللا عمر أمير المؤم نين أه َل ل ُ ّد ومن دخ ل معهم من
وص لُبهم وس قيمهم وب ريئهم وس ائر ملتهم :أن ه ال ُتس َكن كنائس هم وال
أهل فلسطين أجمعين؛ أعطاهم أما ًنا ألنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ُ
وذكر ابن خلدون في "تاريخه" ( ،225 /2ط .دار إحياء التراث العربي)[ :أنَّ عمر بن الخطاب رضي هللا عنه لمّا دخل بيتَ المق دس
حان وقت الصالة وهو في إحدى الكنائس ،فقال ألسقفها :أريد الصالة ،فقال له :ص ِّل موضعَ ك ،فامتنع وص لّى على الدرج ة ال تي على
ْت داخ َل الكنيس ة أخ ذها المس لمون بع دى وق الوا :هن ا ص لَّى عم ر] اهـ
ردا ،فلم ا قض ى ص الته ق ال" :ل و ص لَّي ُ
.ب اب الكنيس ة منف ً
فقال" :وفاض الق رآن والح ديث " "The live of Mohametونقل المستشرقون هذه الحادثة بإعجاب كما صنع درمنغم في كتابه
بالتوجيهات إلى التسامح ،ولقد طبَّق الفاتحون المسلمون األولون هذه التوجيهات بدقة ،عندما دخل عمر القدس أصدر أمره للمسلمين أن
ال يسببوا أي إزعاج للمسيحيين أو لكنائسهم ،وعندما دعاه البطريق للص الة في كنيس ة القيام ة امتن ع ،وعلَّل امتناع ه بخش يته أن يتخ ذ
المسلمون من صالته في الكنيسة سابقة ،فيغلبوا النصارى على الكنيسة" ،ومثله فعل ب سميث في كتابه" :محمد والمحمدي ة" اهـ .نقالً
ين (ص)121-120 : الح الحص ة" لص امح والعدواني .عن "التس
وبمثل ذلك أعطى خالد بن الوليد رضي هللا عنه األمان ألهل دمشق على كنائسهم ،وكتب لهم به كتابًا؛ كم ا ذك ره البالذري في "فت وح
ربي) ان الع ة البي دان" (ص ،120 :ط .لجن .البل
وكذلك فعل شرحبيل بن حسنة رضي هللا عنه بأهل طبري ة؛ فأعط اهم األم ان على أنفس هم وكنائس هم؛ كم ا ذك ره البالذري في "فت وح
وطلب أهل بعلبك من أبي عبيدة عامر بن الجراح رض ي هللا عن ه األم ان على أنفس هم وكنائس هم فأعط اهم ب ذلك كتا ًب ا؛ كم ا ج اء في
".فت وح البل دان" (ص ،)129 :وك ذلك فع ل م ع أه ل حمص وأه ل حلب؛ كم ا ج اء في "فت وح البل دان" (ص)146 ،130 :
وأعطى عياض بن غنم رضي هللا عنه ألهل الرقة األمان على أنفسهم والس المة على كنائس هم وكتب لهم ب ذلك كتا ًب ا؛ ذك ره البالذري
وب َيعِهم
دَبي ل ،وهي مدين ة بأرميني ة؛ حيث أمَّنهم على أنفس هم وأم والهم وكنائس هم ِ
وكذلك فعل حبيب بن مس لمة رض ي هللا عن ه بأه ل ِ
نصاراها ومجوسها ويهودها شاهدهم وغائبهم .وكتب لهم بذلك كتابًا ،وكان ذل ك في عه د الخليف ة الراش د عثم ان بن عف ان رض ي هللا
كما حرص الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي هللا عنه على تطبيق هذه العهود ،فكتب إلى عامله يأمره ب أاَّل يه دم كنيس ًة وال بيع ًة وال
فعن أُبَيِّ بن عبد هللا النخعي قال :أتانا كتاب عمر بن عبد العزيز" :ال تهدموا بيعة ،وال كنيسة ،وال بيت نار صولحوا عليه" أخرجه ابن
ر) وال" (ص ،123 :ط .دار الفك الم في "األم م بن س د القاس و عبي نف" ،وأب يبة في "المص .أبي ش
ان لهم ير األم ايتهم وتوف ا حم تي يجب علين :ال
قال عبد هللا بن عبد الحكم في "سيرة عمر بن عبد العزيز" (ص ،147 :ط .عالم الكتب)[ :محاورة عم ر رَ ُجلَين من الخ وارج :ودخ َل
رجُالن من الخوارج على عمر بن عبد العزيز ،فقاال :السال ُم عليك يا إنسان ،فقال :وعليكما السالم يا إنسانان ..قاال :أهل عهو ِد رس ول
هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ،قال :لهم عهودهم .قاال :ال تكلفهم فوق طاقتهم ،قال﴿ :اَل ُي َكلِّفُ هللاُ َن ْفسً ا إِاَّل وُ سْ عَ هَا﴾ ،قاال :خرِّ ب الكن ائس،
".وروى ابن أبي ش يبة في "مص نفه" عن عط ا ٍء رحم ه هللا أن ه ُس ئِل عن الكن ائس؛ ته دم؟ ق ال" :ال ،إال م ا ك ان منه ا في الح رم
وكان من المتوقع عند إنشاء مدينة بغداد وقيام الدولة العباسية ،أن ال ُتقام فيها كنيسة وال بيعة ،باعتباره ا مدين ة جدي دة ،وم ع ذل ك فق د
كان لنصارى بغداد معابدَ وكنائسَ عديدة في شرق المدينة وغربها؛ ألنَّ الخلفاء العباسيين قد سمحوا لهم بإنشاء هذه الكنائس وترميم م ا
ت واسع ٍة في إنشاء كنائسهم والتعبد فيها ،واش ُتهرت هذه الكنائس بأبنيتها الش امخة وقبابه ا
وقد تمتع النصارى في ظل هذه المُدن بحريا ٍ
العالية وساحاتها الواسعة ،مما جعل بعض الخلفاء يتخذها م َْلجَ أ ً للترويح عن النفس ً
بعيدا عن متاعب الحكم وشئون البالد كما في مدين ة
":المنص ور" ال تي ك انت محفوف ة بال ديارات النص رانية ال تي يلج أ إليه ا الزائ رون من غ ير النص ارى
قال العاَّل مة أبو الفرج األصبهاني في "الديارات" (ص ،45 :ط .رياض الريِّس)[ :أخبرني محمد بن مزيد قال ح دثنا حم اد بن إس حاق
قال :حدثني أحمد بن صدقة ،قال :خرجنا مع المأمون ،فنزلنا ال دير األعلى بالموص ل لطيب ه ونزاهت ه ،وج اء عي د "الش عانين" ،فجلس
المأمون في موضع منه حسن مشرف على دجلة والصحراء والبساتين ،ويشاهد منه من يدخل الدير ..فرأى المأمون ذل ك ،فاستحس نه]
.اهـ
وقال العاَّل مة الشابشتي في "الديارات" (ص ،258 :ط .دار الرائ د الع ربي)[ :وه ذا العم ر باألنب ار ،على الف رات ،وه و عم ر حس نٌ
كبير ،كثير القاليات والرهبان ،وعليه سور محكم البناء ،فهو كالحصن ل ه ،والج امع مالص قه ،وال يخل و من المت نزهين والمتظ رفين،
وله ظاه ٌر حسنٌ ومنظ ٌر عجيبٌ ،سيما في أيام الربيع؛ ألنَّ صحاريه وسائر أراضيه تكون كال ُحلَ ِل؛ لكثرة طرائف زهره وفنون أن واره،
ه] اهـ دة مقام هم اء ومن دونهم ينزل ار من الخلف از باألنب .ومن اجت
ولم يكتف الوالة بمساعدة األقباط على تجديد كنائسهم القديمة؛ بل ش جعوهم على بن اء كن ائس جدي دة؛ فم ع مجيء ج وهر الص قلي إلى
قال العاَّل مة المقريزي في "المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار" ( ،433 /4ط .دار الكتب العلمية)[ :دير الخندق :ظ اهر الق اهرة
".العظم ة" ،وك انت إذ ذاك تع رف بب ئر العظ ام من أج ل أن ه نق ل عظا ًم ا ك انت بال دير وجعله ا ب دير الخن دق] اهـ
وعلى ذلك :فالدولة اإلسالمية أتاحت ألهل الذمة من النص ارى بن اء الكن ائس في الم دن الجدي دة ،وك انت تش يَّد بموافق ة الحك ام وتحت
الحاكم يرفع الخالف؛ فإذا تخير الحاك ُم المسلم مذهبًا فقه ًّيا رأى فيه المص لحة العا َم ة
ِ أنظارهم ،ومن المقرر في القواعد الفقهية أنَّ حك َم
ُلزمًا لكل مَن كان في واليته ،وال يجوز له مخالفته وإال ُع َّد ذلك افتيا ًت ا على س لطان المس لمين وخروجً ا
واألمن االجتماعي فقد صار م ِ
اد الح البالد والعب يع مص ا يض اد م ك من الفس اعتهم وكلمتهم ،وفي ذل .على جم
وال يجوز معارضة ولي األمر في ذلك؛ بل تجب طاعته بنص هذه الشبهة ،إاَّل أ َّنها اشتملت على خلطٍ للمفاهيم ،وقلب للحقائق ،وتكذيب
للتاريخ؛ فليس هناك أجماع من العلماء على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد كما تقرره هذه الش بهة ،وليس هن اك أم ٌر به دمها
دمها ته في ه وز معارض ه وال تج تى تجب طاعت رح .من ولي األم
وإذا كانت الكنائس قد تعرضت في بعض األحيان للهدم أو التخريب ،فهذا األمر مرتبط بأحوال شخصية كردو ِد فع ٍل من بعض الع وام
اإلخشيدي حينما قام العامَّة بتخريب الكنائس لمَّا علموا بدخول البيزنطيون الشام عام (349هـ) ،وأيضً ا حينم ا ض ربوا إح دى الكن ائس
: في مص ر القديم ة لمَّا غ زا اإلم براطور "نقف ور" جزي رة "ك ريت" وض رب م ا فيه ا من المس اجد وقت ل المس لمين وحاص رهم
يقول العاَّل مة يحيى بن سعيد األنطاكي في "تاريخه" (ص ،443 :ط .جروس ب رس ،ط رابلس)[ :وفي س نة تس ع وأربع ون وثالثمائ ة
حوصرت "أقريطش" –كريت -حاصرها نقفور الفقاس الدمس تق ،وفتحه ا بع د حص ار عش رة أش هر ،وقُت ل فيه ا خل ق كث ير عظيم ال
يحصى ،وسبا جمي ع أهله ا ،ولم يس لم منهم إال ّ نف ر يس ير من الرج ال ال ذي تعلّق وا في رؤوس الجب ال ..وورد إلى مص ر الخ بر ليل ة
الجمعة ،قبل عيد الشعانين بيومين ،سنة خمسين وثالثمائة ،فوثبَ الخرافيش والرمادية والفواغ إلى كنيسة ميكائيل ال تي بقص ر الش مع،
أيض ا كنيس ة م اري ت اودورس ،وكنيس تي ال ّنس طوريّة ،وكنيس ة القب ط ال تي تع رف بكنيس ة
فهدموا منها ونهبوا ما كان فيه ا ،ونهب وا ً
زنٌ عظي ٌم] اهـ ارى ح ان على النص رك ،وك .البط
يقول المؤرخ محمد ُكرْ د علي في "خطط الشام" ( ،12-10 /6ط .مكتبة النوري ،دمشق)[ :وكان الداعي إلى ذلك ما وقع من اضطهاد
المسلمين في الروم على الغالب فلم يجد ملوك اإلسالم واسطة لتخفيف الش ر الواق ع على رعاي اهم من أه ل اإلس الم إال بالض غط على
النصارى في ديارهم والتأثير في ملوك النصارى بضربهم في أكبادهم في كنائس هي مهوى قل وب أبن ائهم في بيت المق دس ..وأهم م ا
نال الكنائس في الشام من األذى ،كان على عهد الحاكم ب أمر هللا الف اطمي فإن ه لم يب ق في مملكت ه دي رً ا وال كنيس ة إال ه دمها ..وع اد
الحاكم بعد أن ضرب النصارى في كنائسهم في جميع أرجاء مملكته فأعطاهم عهداً كما كان يعطي الخلفاء العادلون ومنها هذا المنشور
الذي أورده ابن بطريق :بسم هللا الرحمن الرحيم :أمر أمير المؤم نين بكتب ه ذا المنش ور ل نيقيفور بطري رك بيت المق دس بم ا رآه من
إجابة رغبته ،وأطلق بغيته ،من صيانته وحياطته ،وال ذب عن ه وعن أه ل الذم ة من نحلت ه ،وتمكينهم من ص لواتهم على رس ومهم في
افتراقهم واجتماعهم ،وترك االعتراض لمن يصلي منهم في عرصة الكنيسة المعروفة بالقيام ة وخربته ا ،على اختالف رأي ه ومذهب ه،
ومفارقته في دينه وعقيدته ،وإقامة ما يلزمه في حدود ديانته ،وحفظ المواضع الباقية في قبضته ،داخل البلد وخارج ه وال ديارات وبيت
لحم ول ّد ،وما برسم هذه المواضع من الدور المنضوية إليها ،والمنع من نقض المصلبات بها ،واالعتراض ألحباسها المطلق ة له ا ،ومن
ً
وحفظ ا لذم ة اإلس الم فيهم ،فمن ق رأه أو هدم جداراتها وسائر أبنيتها ،إحسا ًنا من أمير المؤمنين إليهم ،ودفع األذى عنهم وعن ك افتهم،
قُرئ عليه من األولياء والوالة ،ومتولي هذه النواحي وكافة الحماة ،وسائر المتصوفين في األعمال ،والمستخدمين على س ائر من ازلهم،
وتفاوت درجاتهم ،واستمرار خدمتهم ،أو تعاقب نظرهم ،في هذا الوقت وما يليه ،فليعلم ذلك من أمير المؤم نين ورس مه ،ويعم ل علي ه
وبحسبه ،وليحذر من تعدى وحده ومخالفة حكمه ،ويتجنب مباين ة نص ه ومجانب ة ش رحه ،ولق رّ ه ذا المنش ور في ي ده حج ة لمودع ه،
يستعين بها على نيل طلبه ،وإدراك بغيته ،إن شاء هللا تعالى .وكتب في جمادى األخرى سنة إحدى عشرة وأربعمائ ة .وفي أعاله بخ ط
مث ُل هذه األفعال استثنا ًء لما كان عليه حال األُمة اإلسالمية وحكومتها من التسامح والتعايش وتعزيز المواطنة بحماية غير المس لمين
و ُت ِّ
كما أن األمر بتخريب دور العبادة أو هدمها مخالف؛ لما أمر به الشرع على س بيل الوج وب من المحافظ ة على خمس ة أش ياء أجمعت
.كل الملل على وجوب المحافظة عليها ،وهي :األديان ،والنفوس ،والعق ول ،واألع راض ،واألم وال ،وهي المقاص د الش رعية الخمسة
.ومن الجليّ أن الق ول به دم الكن ائس َتك رُّ على بعض ه ذه المقاص د ال واجب ص يانتها ب البطالن ،ومنه ا حف ظ األدي ان
وأما ما يُح َت ُّج به على منع بناء الكنائس في بالد اإلسالم من أ َّنه ال يجوز اجتماع قبلتين في بل ٍد واح ٍد من بالد اإلسالم ،وأن ال يكون فيها
شيء من شعائر الكفار ال كنائس وال غيرها؛ ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء ه ذه المعاب د الكفري ة؛ مِن مث ل م ا ُي رْ َوى عن الن بي
صلى هللا عليه وآله وسلم نحو« :ال تحدثوا كنيسة في اإلسالم ،وال تجددوا م ا ذهب منه ا» ،أو« :ال خص اء في اإلس الم وال كنيس ة»،
أو« :اهدموا الصوامع واهدموا البيع» ،فكلها أحاديث ضعيفة ال تقوم بها حجة ،وال يُعمَل بمثلها في األحك ام ،والص حيح منه ا محم ول
على منع بناء الكنائس في جزيرة العرب دون سواها من دول اإلسالم ،وحكاية اإلجماع في ذلك مخالفٌ لمَا عليه عم ُل المس لمين س ل ًفا
وما قيل في هذه الشبهة من أنَّ من يرتضي بناء الكنائس أو يعتقد أنَّ أهلها في عبادة فهو كافر مرتد خ ارج عن اإلس الم ،وي دخل تحت
د﴿]28-25 : دَ ى[ ﴾..محم ا َت َبيَّنَ لَ ُه ُم ْال ُه ِد َم ار ِه ْم مِنْ َبعْ
ِ دُّوا عَ لَى أَ ْد َب .إِنَّ الَّذِينَ ارْ َت
رين رق بين أم َّد أن نف ول :ال ُب :فنق
.األول :فقه الدولة في تحقيق مبدأ المواطنة والتكافل المجتمعي بين أصحاب الديانات ،وحماية دور العب ادة ال تي يق وم به ا اف راد الدولة
.الث اني :فق ه األف راد في المحافظ ة على المعتق دات والغَ يرة على ال دين ونح و ذل ك مم ا يتعل ق بح ال الف رد تج اه دين ه ومعتق ده
ٌ
فارق بين تفسير النص ال وارد بم ا يحتمل ه من مع اني ح ول ه ذا المفه وم ،وبين إمكاني ة تط بيق النص على واق ع الن اس وأيضً ا هناك
والهم .وأح
أنهم م أمورون بع دم إك راه غ ير المس لمين على ال دخول في اإلس الم ،وذل ك بنص الق رآن الك ريم ،ق ال تع الى﴿ :اَل إِ ْك رَ ا َه فِي -
هذا إقرار المسلمين على اعتقادهم وعبادتهم؛ فقد نصَّ األصوليون على أنَّ ترك النبي صلى هللا علي ه وآل ه وس لم للمس يحي يمش ي إلى
.كنيسته وهو ينظر إليه؛ ال يُع ُّد إقرارً ا من ه ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم م ع علم ِه بإنك ار المس يحي لنبوَّ ت ه ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم
أنهم مأمورون بعدم االعتداء على دور العبادات الخاصة بهم؛ بل بالمجاهدة في ال دفاع عنه ا ،حيث إنَّ االعت داء على دور العب ادات -
لغير المسلمين فيه نقض للعه د وإخف ار لذم ة المس لمين وتض ييع له ا؛ ألنهم مواطن ون لهم ح ق المواطن ة ،وق د تعاق دوا م ع المس لمين
:وتعاه دوا على التع ايش معً ا في ال وطن بس الم وأم ان ،وه و األم ر ال ذي نهت عن ه النص وص ب ل وأم رت بخالفه
دة]1 : ْال ُعقُودِ﴾[ المائ وا ِب وا أَ ْوفُ ا الَّذِينَ آ َم ُن ا أَ ُّي َه الىَ ﴿ :ي ال هللا تع .ق
وعن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما أن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم قال« :أَرْ َب ٌع َمنْ ُكنَّ فِي ِه َكانَ ُم َنا ِف ًقا َخالِصً اَ ،و َمنْ َك ا َن ْ
ت فِي ِه
َّث َك َذبَ َ ،وإِ َذا عَ اهَدَ غَدَ رَ َ ،وإِ َذا َخاصَ َم َفجَ رَ » متف ق عليه ت فِي ِه َخصْ لَ ٌة مِنَ ال ِّن َف ِ
اق حَ َّتى يَدَ عَ هَا :إِ َذا ْاؤ ُتمِنَ َخانَ َ ،وإِ َذا حَ د َ .خصْ لَ ٌة ِم ْنهُنَّ َكا َن ْ
َ
وعن أم ير المؤم نين علي بن أبي ط الب رض ي هللا عن ه أن ه ق ال" :م ا عن دنا كت اب نق رؤه إال كت اب هللا غ ير ه ذه الص حيفة" ،ق ال:
ِم ْن ُه يَو َم القِيَا َم ِة صَ رْ فٌ َوالَ عَ ْدل» رواه ابن أبي شية في "المص نف" ،وأحم د في "المس ند" ،والبخ اري في "الص حيح" ،وأب و داود في
"السنن" ،والترمذي في "السنن" ،والنسائي في "السنن الك برى" ،وابن حب ان في "الص حيح" ،والط براني في "األوس ط" ،والح اكم في
نن رح الس وي في "ش غرى" ،والبغ برى" و"الص بيهقي في "الك تدرك" ،وال "".المس
وقوله صلى هللا عليه وآله وسلم« :ذمة المسلمين»؛ أي :عهدهم ،وقوله« :يسعى بها أدناهم»؛ أي :يتولى ذم َتهم أقلُّهم شأ ًنا أو ً
عددا؛ فإذا
عهدا لم يكن ألح ٍد نقضُه ،وقول ه« :مَن أَخف ر»؛ أي :نقض العه د ،وقول ه« :ص رف وال
أعطى أحد المسلمين -فضالً عن ولي أمرهمً -
ي ًئا من عمله هش الى من ل هللا تع دل»؛ أي :ال يقب .ع
قال الحافظ ابن حجر العسقالني في "فتح الباري" ( ،86 /4ط .الس لفية)[ :والمع نى :أن ذم ة المس لمين س واءٌ؛ ص درت من واح د أو
وفق شرائع منسوخة؛ يهودية ،أو نصرانية ،أو غيرهما؛ ألنَّ تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية؛ ألنَّ العبادات
إِلَى مَا عَ مِلُوا مِنْ عَ م ٍَل َفجَ عَ ْل َناهُ َهبَا ًء َم ْن ُثورً ا﴾[الفرقان ،]23 :وال يجوز اجتماع قبلتين في بل ٍد واح ٍد من بالد اإلس الم ،وال أن يك ون فيه ا
شيء من شعائر الكفار ال كنائس وال غيرها؛ ولهذا أجمع العلماء على تحريم بن اء ه ذه المعاب د الكفري ة .وق د ق ال ش يخ اإلس الم" :من
كنائس هم قرب ٌة إلى هللا فه و مرت دٌّ ،وإن جه ل أنَّ ذل ك مح رم ُع رِّ ف ذل ك ،ف إن أص رَّ ص ار مرت ًًّgدا" اهـ
َ .اعتقد أنَّ زي ارة أه ِل الذم ة
واب :الج
اإلسالم دينُ التعايش ،ومبادئه تدعو إلى السالم ،وال ُتقِرُّ العنف ،ولذلك لم يجبر أصحاب الديانات األخرى على الدخول في ه ،ب ل جع ل
ْالغَ يِّ ﴾[ البقرة ،]256 :وقوله سبحانه﴿ :وقُ ِل ْالحَ ُّق مِن رَ ِّب ُك ْم َف َمنْ َشا َء ْفلي ُْؤمِن و َمنْ َش اء َف ْلي َْكفُ رْ ﴾[ الكه ف ،]29 :وق ال ج ل ش أنه﴿ :لَ ُك ْم
.أديانهم في دور عبادتهم ،وضمن لهم من أجل ذل ك س المة دور العب ادة ،وأَ ْواله ا عناي ة خاص ة؛ فح رم االعت داء بكاف ة أش كاله عليها
بل إن القرآن الكريم جعل تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع الع دوان وتمكين هللا تع الى لهم في األرض س ببًا في حف ظ دور
العبادة –سواء أكانت للمسلمين أم لغيرهم -من الهدم وضما ًنا ألمنه ا وس المة أص حابها ،وذل ك في قول ه تع الىَ :
﴿ولَ ْواَل دَ ْف ُع ِ
هللا ال َّناسَ
والب َي ع :مس اجد اليه ود ،و"ص لوات" :كن ائس النص ارى،
ق ال ابن عب اس رض ي هللا عنهم ا" :الص وامع :ال تي تك ون فيه ا الرهب انِ ،
ير اتم في "التفس د وابن أبي ح د بن حمي ه عب لمين" أخرج اجد المس اجد :مس ".والمس
وما ورد في الشبهة :أنَّ من اعتقد أنَّ زيارة المسيحي للكنيسة ُتعَ ُّد قربة يتقرب بها إلى هللا؛ فه و ك افر أو مرت د ..إلى آخ ر م ا ج اء في
القضية هنا ليست في اعتقاد من يعتقد ذلك أو يرتضيه ،وإنما القضية في أن هذه الدور أُنشئت بغرض العبادة ،وذهابهم إليها إ َّنما يك ون
هللا َك ِث يرً ا﴾[ :ك ل ه ؤالء المل ل ي ذكرون هللا كث يراً في مس اجدهم ،ف دفع هللا ع ز وج ل بالمس لمين عنه ا] اهـ .فِي َه ا ْ
اس ُم ِ
فينبغي أن يتركَ الذمي وحاله في عبادته مع هللا ،وهللا سبحانه خالقنا وخالقه هو من يُحاسبنا جميعً ا ،ولم نسمع أنَّ ً
أحدا من المسلمين قال
الى ة إلى هللا تع ادات قُرب ذه العب أنَّ ه :ب
فعن سعيد بن المسيب" :أن أبا بكر رضي هللا عنه لما بعث الجنود نحو الشام يزي د بن أبي س فيان ،وعم رو بن الع اصُ ،
وش رَ حْ بيل بن
حسَ َن َة ،قال :لما ركبوا مشى أبو بكر مع أمراء جنوده يودعهم حتى بلغ ثنية الوداع ،فقالوا :يا خليفة رس ول هللا ،أتمش ي ونحن ركب ان؟
فقال" :إني أحتسب خطاي هذه في سبيل هللا" ثم جعل يوصيهم ،فقال" :أوص يكم بتق وى هللا ،اغ زوا في س بيل هللا فق اتلوا من كف ر باهلل،
فإن هللا ناصر دينه ،وال تغلوا ،وال تغدروا ،وال تجبنوا ،وال تفس دوا في األرض ،وال تعص وا م ا ت ؤمرون ..وس تجدون أقوام ا حبس وا
".أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفس هم ل ه "..أخرج ه الطح اوي في "ش رح مش كل اآلث ار" ،وال بيهقي في "الس نن الك برى
قال العارف باهلل الحكيم الترمذي في "نوادر األصول" ( ،193-191 /1ط .دار المنه اج)[ :فال ذين ترك وا ال دنيا وحبس وا أنفس هم في
:ال ُ
شبهة الرابعة
من المعلوم أنَّ األشياء التي ينتقض بها عهد الذمي :االمتناع من بذل الجزية ،وعدم التزام أحكام اإلس الم ،وأن يُقات ل المس لمين منف ً
ردا
أو في الحرب ،وأن يلتحق الذمي بدار الحرب مُقيمًا بها ،وأن يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم ،والزنا ب امرأ ٍة مس لمة ،وأن ي ذكر
.وإذا انتقض عه د ال ذمي :ح َّل دم ه ومال ه ،وس ار حرب ًًّgيا يُخ ير في ه اإلم ام بين القت ل ،أو االس ترقاق ،أو المن بال فدي ة ،أو الف داء
واب :الج
هذه األمور -كما قلنا -متعلقة بكيان الدولة اإلسالمية ،ومبنية على االستقرار والنظ ام الع ام ،نظ رً ا لم ا ط رأ على الدول ة من متغ يرات
عالمية ودولية وإقليمية ومحلية ،وقيام الدولة المدنية الحديثة على مفهوم المواطنة الذي أقره النبي صلى هللا عليه وآله وسلم في معاه دة
لحة ان المص ور رجح د في تص ك آك ان ذل دول ،ك ِل بين ال ة بال ْ
ِمث دأ المعامل ورة ،ومب ة المن .المدين
وقد دعا اإلسالم إلى التسامح والتعايش الديني مع جميع الناس بمختلف أجناسهم وأع راقهم وأل وانهم ،وانتم اءاتهم وط وائفهم وأدي انهم؛
حيث كانت الغاية األساس من التنوع البشري والتعدد اإلنساني هو التعارُف ال التناكر ،والتكامل ال التصارع؛ كم ا ق ال تع الى﴿ :يَاأَ ُّي َه ا
ُ
ال َّناسُ إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِنْ َذ َك ٍر َوأ ُ ْن َثى َوجَ عَ ْل َنا ُك ْم ُ
شعُوبًا َو َقبَا ِئ َل ِل َتعَ ارَ فُوا﴾[الحجرات ،]13 :وأخبر سبحانه وتعالى أنه لو شاء لخلق عباده على
ملة واحدة وسَ َن ٍن واحد ،ولكن جرت سنته في الخلق على التنوع واالختالف ،واقتضت حكمته اس تمرار ذل ك ح تى ي رث األرض ومن
﴿ولَ ْو َشا َء رَ بُّكَ لَجَ عَ َل ال َّناسَ أُم ًَّة َواحِدَ ًة َواَل ي ََزالُونَ م ُْخ َتلِفِينَ ۞ إِاَّل َمنْ رَ ِح َم رَ بُّكَ َولِ َذلِكَ َخلَ َق ُه ْم﴾[ ه ود-118 :
عليها؛ كما قال سبحانهَ :
كما أخبر سبحانه أن هذا االختالف في األديان يستوجب التعاون بين بني اإلنس ان ،ويتطلب التن افس في حس ن المعامل ة وفع ل الخ ير،
وأن يظهر أهل كل دين جمال ما عندهم من القِيَم واألخالق التي تدعو إليها األديان ،وأن هللا هو الذي سيفصل ي وم القيام ة بين الجمي ع
ولتحقيق ذلك وضع النبي صلى هللا عليه وآله وسلم "الدستور اإلسالمي" ،وأسَّس من خالله مفهوم "المواطنة" الذي يقوم على المس اواة
في الحقوق والواجبات ،دون النظر إلى أي انتماء ديني أو عرقي أو مذهبي أو أي اعتبار آخر ،وأقام به منظومة التعايش والتسامح بين
ير ذلك لمي ،وغ ايش الس اد ،والتع ة االعتق اواة ،وحري ل ،والمس ر ،والتكاف .التناص
واحترمت الش ريعة اإلس المية الكتب الس ماوية الس ابقة ،رغم م ا َنعَ ْت ه على أتباعه ا من تحري ف الكلم عن مواض عه ،وتك ذيبهم للن بي
المصطفى صلى هللا عليه وآله وسلم ،فبعد غزوة خيبر كان في أثناء الغنائم صحائف متع دّدة من الت وراة ،فج اءت يه ود تطلبه ا ،ف أمر
النبيُّ صلى هللا عليه وآله وسلم بدفعها إليهم؛ كما ذك ره اإلم ام ال دياربكري في "ت اريخ الخميس في أح وال أ ْن َف ِ
س َنفِيس ص لى هللا علي ه
وآله وسلم" ( ، 55 /2ط .دار صادر) ،والشيخ نور الدين الحلبي في السيرة الحلبية "إنسان العيون في سيرة األمين المأمون" ( ،62 /3
ط .دار الكتب العلمية) .وهذه غاية ما تكون اإلنس انية في اح ترام الش عور ال ديني للمخ الف رغم ع داوة يه ود خي بر ونقض هم للعه ود
وخيانتهم للدولة؛ حيث كانوا قد حزب وا األح زاب ،وأث اروا ب ني قريظ ة على الغ در والخيان ة ،واتص لوا بالمن افقين وغطف ان وأع راب
لم ه وس ه وآل لى هللا علي بي ص ال الن ة الغتي اولتهم اآلثم ة العظمى إلى مح لت بهم الخيان ة ،ووص .البادي
يقول المؤرخ اليهودي إسرائيل ولفنسون ،معقبًا على ذلك ،في كتابه "تاريخ اليهود في بالد العرب" (ص ،170 :ط .مطبعة االعتماد):
[ويدل هذا على ما كان لهذه الصحائف في نفس الرسول من المكانة العالية؛ مما جعل اليهود يشيرون إلى النبي بالبن ان ،ويحفظ ون ل ه
هذه اليد؛ حيث لم يتعرض بسوء لصحفهم المقدسة ،ويذكرون بإزاء ذلك ما فعله الرومان حين تغلبوا على أوروشليم وفتحوها س نة 70
ب .م .إذ أحرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأرجلهم ،وما فعله المتعصبون من النصارى في حروب اضطهاد اليه ود في األن دلس؛ حيث
.أحرق وا ً
أيض ا ص حف الت وراة .ه ذا ه و الب ون الشاس ع بين الف اتحين ممن ذكرن اهم وبين رس ول اإلس الم] اهـ
ونهى النبي صلى هللا عليه وآله وسلم عن أن اتخاذ مواطن التعايش والتعامالت الحياتية مواض ع لف رض العقائ د واإلك راه عليه ا؛ فعن
أبي هريرة رضي هللا عنه ،قال :بينما يهودي يع رض س لعته ،أُعطي به ا ش ي ًئا كره ه ،فق ال :ال وال ذي اص طفى موس ى على البش ر،
فسمعه رجل من األنصار ،فقام فلطم وجهه ،وقال :تقول :والذي اص طفى موس ى على البش ر ،والن بي ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم بين
ً
وعهدا ،فما بال فالن لطم وجهي ،فقال« :لم لطمت وجهه» فذكره ،فغضب النبي صلى أظهرنا؟ فذهب إليه فقال :أبا القاسم ،إن لي ً
ذمة
وكان النبي صلى هللا عليه وآله وس لم في المدين ة حس ن المعاش رة والتعام ل م ع أه ل الكت اب؛ يعطيهم العطاي ا ،ويه دي إليهم ،ويع ود
:يعاقبه ا ،وك ان يق ترض منهم؛ ح تى ت وفي ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم ودرع ه مرهون ٌة عن د يه ودي في المدينة
َّ
الخطاب مع النبي ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم على يه ودي وعلى الن بي ص لى هللا فعن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما :مرَّ عمر بن
عليه وآله وسلم قميصان فقال اليهودي :يا أبا القاسم اكسنيَ ،
فخلع النبي صلى هللا علي ه وآل ه وس لم أفض ل القميص ين فكس اه ،فقلت :ي ا
اء ة األولي و نعيم في "حلي ه أب اَل ِم» أخرج ُه فِي اإْل ِ ْس ".أَرْ غَ بَ َل
وعن أنس رضي هللا عنه ،أن غالما يهود ًّيا كان يضع للنبي صلى هللا عليه وآله وسلم َوضو َءه ويناوله نعليه ،فمرض ،فأتاه النبي صلى
هللا عليه وآله وسلم فدخل عليه ،وأبوه قاعد عند رأسه ،فقال له النبي صلى هللا عليه وآله وسلم« :يَا فُاَل نُ ُ ،ق ْل اَل إِلَ َه إِاَّل هللاُ» ،فنظر إلى
أبيه ،فسكت أبوه ،فأعاد عليه النبي صلى هللا عليه وآله وسلم ،فنظر إلى أبيه ،فقال أبوه :أَطِ عْ أبا القاسم ،فقال الغالم :أشهد أن ال إله إال
َ هللا ،وأنك رسول هللا ،فخرج النبي صلى هللا عليه وآله وسلم وهو يق ولْ :
هلل الَّذِي أ ْخرَ جَ ُه ِبي مِنَ ال َّن ِ
ار» رواه اإلم ام أحم د في «الحَ مْ ُد ِ
حيح" ،وغيرهما اري في "الص ام البخ ه ،واإلم ظل ند" واللف ".المس
وعلى ذلك :ففكرة بذل الجزية من أهل الكتاب ،والتزامهم بأحكام اإلسالم ،أصبحت معدومة تمامًا في ظل األخذ بفق ه الدول ة اإلس المية
داتهم انهم ومعتق ة على اختالف أدي اء الدول ايش بين أبن ة والتع دأ المواطن وم مب ة وتحت مفه .الحديث
فالمواطنة مبدأ إسالمي أقرته الشريعة اإلسالمية ،وهي في صورتها المتفق عليه ا معم ول به ا في دس اتير الع الم اإلس المي وقوانين ه،
ومنها الدستور المصري الذي ينص في المادة الثانية منه على مرجعية الشريعة اإلسالمية ،وقد رسخ اإلسالم مبدأ المواطنة منذ أربع ة
عشر قر ًن ا؛ وهو ما قام به رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم في وثيقة المدينة المنورة التي ن َّ
صت على التعايش والمشاركة والمساواة
في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد دون النظر إلى االنتماء الديني أو العرقي أو الم ذهبي أو أي اعتب ارات أخ رى ،ومن َث َّم
اء بها تي يجب الوف روعة ال ود المش ود والعه د من العق ذا العق .فه
بحال من األحوال القول بإهدار دم الذمي أو أنه يُخير بين القتل أو االسترقاق ..ونح وه مم ا تق ول ب ه الجماع ات المتطرف ة،
ٍ وال يجوز
ُ
بهة الخامسة ُ
:الش
ذكر البعضُ أنَّ البالد التي أُنشئت قبل اإلسالم وفتحها المسلمُون عنو ًة وتملكوا أرضها وساكنيها ال يج وز إح داث كن ائس فيه ا ،ويجب
.ه دم م ا اس تحدث منه ا بع د الفتح؛ ألنَّ ه ذه الكن ائس ص ارت مل ًك ا للمس لمين بع د أن فتح وا ه ذه البالد عن وة
الثاني :أن يُصالحهم على أنَّ الدار للمُسلمين ،ويؤدون الجزية إلينا ،فحكمها ما ا ُّتفقَ عليه في الصلح ،وعند القدرة يكون الحكم أاَّل ُته دم
د ذلك ائس بع داث كن ون من إح لح ،ويُمنع ل الص ا قب تي بنوه هم ال .كنائس
واب :الج
المتأمل في مذاهب الفقهاء وأقوالهم ي رى أن م ا علل وا ب ه ق ولهم باإلباح ة أو المن ع ي دور على المص لحة العام ة وض بط النظ ام الع ام
فقد فرق الفقهاء بين ما فُتِح من البالد صلحً ا فأجازوا فيها بن اء الكن ائس ،وم ا فتح منه ا عن و ًة فأج ازوا اإلح داث بالعه د واختلف وا عن د
عدمه؛ وذلك ألنَّ الصلح جنوح إلى الس ِّْلم واستقرار األحوال من الطرفين ،وفي هذا عالمة على المسالمة الدينية ألهل الصلح وق ابليتهم
ألن يصيروا من رعايا الدولة اإلسالمية ،لهم ما للمس لمين وعليهم م ا عليهم ،فك ان اإلق رار ببق ائهم على دينهم مقتض ًًّgيا إباح ة إح داث
الكنائس لهم ،أما العنوة ففيها رفض للصلح وخروج على النظام وجنوح إلى القت ال والع دوان ،وك ان ه ذا في ظ ل الص راعات الديني ة
عالمة على التعصب الديني ألهل العنوة ،وفي السماح لهم بإحداث الكنائس إضعاف للدولة اإلسالمية؛ ألنها قد تتخذ موضعً ا للت أليب أو
فإذا زال الخوف من عدوان أهل العنوة وت أليبهم ،وحص ل العه د بينهم وبين المس لمين على إح داث الكن ائس ج از ذل ك عن د كث ير من
اء :الفقه
يقول العالمة المؤرخ شهاب الدين أحمد بن خال د الس الوي في كتاب ه "االستقص ا ألخب ار دول المغ رب األقص ى" ( ،185 /3ط .دار
الكتاب)[ :أفتى علم اء األن دلس في الق رن الخ امس ب اإلذن للنص ارى في إح داث الكن ائس ب أرض العن وة وبم ا اختط ه المس لمون من
األمصار مع أن الموجود في كتب السلف هو المنع؛ وما ذلك إال ألنَّ األحكام المرتبة على األع راف تختل ف ب اختالف تل ك األع راف]
.اهـ
أنس في "المدون ة" ( ،436-435 /3ط .دار الكتب العلمي ة)[ :أرى أن يمنع وا من أن يتخ ذوا في بالد اإلس الم
ٍ ويقول اإلمام مالك بنُ
كنيسة إال أن يكون لهم عهد فيحملون على عهدهم .وقال غيره :كل بالد افتتحت عنوة وأق روا فيه ا وقفت األرض ألعطي ات المس لمين
ونوائبهم فال يمنعون من كنائسهم التي في قراهم التي أقروا فيها وال من أن يتخذوا فيها كنائس; ألنهم أق روا فيه ا على ذمتهم وعلى م ا
دة أعظم] اهـ الم إال لمفس د اإلس ط ال ببل تها أو حائ ع عرص داث وبي لحي اإلح .وللص
وقال العاَّل مة الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" ( ،222 /3ط .دار الفكر)[ :وما اختطه المس لمون عن د فتحهم وس كنوا معهم في ه
كالفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وشبهها من مدائن الشام فليس لهم إحداث ذلك فيها إال أن يكون لهم عهد في وفى ب ه .وق ال غ يره:
كل بلد افتتح عنوة وأق روا في ه ووقفت أرض ه لن وائب المس لمين وإعط اءاتهم فال يمنع ون من كنائس هم ال تي فيه ا وال أن يح دثوا فيه ا
كنائس .اهـ .أبو الحسن .أبو محم د ص الح إن ش رطوا ذل ك في أرض العن وة اتف ق ابن القاس م وغ يره أن لهم ذل ك ،وإن لم يكن ش رط
فاختلف ابن القاسم والغير ف ابن القاس م ج ذبها ألرض اإلس الم ،وغ يره ج ذبها ألرض الص لح اهـ .وهك ذا في ابن عرف ة وغ يره قال ه
.الرماصي
ونص ابن عرفة :وفي جواز إحداث ذوي الذمة الكنائس ببلد العنوة المقر بها أهله ا وفيم ا اختط ه المس لمون فس كنوه معهم وتركه ا إن
كانت ثالثها تترك وال تحدث للخمي عن غير ابن القاسم ،وعن ابن الماجشون قائاًل :ولو كانوا منع زلين عن بالد اإلس الم ،وابن القاس م
ك اهـ] اهـ وا ذل وا أعط ائاًل :إال أن يكون .ق
ه] اهـ ثر من رك أك ار الش ك ،وإظه ه منعهم من ذل وا؛ لم يكن ل ا ملك ائس فيم داث الكن .وإح
وقال العاَّل مة الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" ( ،77 /6ط .دار الكتب العلمية)[ :تنبيه :قول ه( :وإبق اء الكن ائس) يقتض ي منعهم
من إحداثها ،وبه صرح الماوردي :والذي في "الشرح" و"الروضة" عن الروياني وغ يره أنهم إذا ص ولحوا على إح داثها ج از ً
أيض ا،
.ولم ي ذكرا خالف ه .ق ال الزركش ي :وه و محم و ٌل على م ا إذا دعت إلي ه ض رورة ،وإال فال وج ه ل ه اهـ
ومقتضى التعليل :الجواز مطل ًقا وهو الظاهر ،والتعبير بالجواز المراد به ع دم المن ع؛ إذ الج واز حكم ش رعي ولم ي رد الش رع بج واز
ذلك ،نبه عليه السبكي( ،وإن) فتح البلد صلحً ا بشرط األرض لن ا و(أطل ق) الص لح فلم ي ذكر في ه إبق اء الكن ائس وال عدم ه( :فاألص ح
المنع) من إبقائها فيُهدم ما فيها من الكنائس؛ ألن إطالق اللفظ يقتضي ضرورة جميع البلد لنا ،والثاني :ال ،وهي مس تثناة بقرين ة الح ال
صلح أو عنوة ليس حكمًا أبد ًّيا بل هو حالة ظرفي ة ،يج وز لإلم ام أن يغيره ا
ٍ وعلى ذلك :فال ُب َّد أن يُعل َم أنَّ الحكم على بلد ما بكونها بل ُد
حسب الظروف التي تقتضيها طبيعة العالقة بين أهل البلد وبين المسلمين ،فيجوز له أن يعامل أهل العنوة معاملة أه ل الص لح في دخلهم
في ذمة المسلمين إذا رأى في ذلك المصلحة؛ كما فعله سيدنا عمر بن الخطاب رضي هللا عنه مع بعض القرى التي ُفتِحَ ْ
ت عنو ًة بعد أن
قال اإلمام عبد الرحمن بن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغ رب" (ص[ :)107 :ك انت مص ر ص لحً ا ..إال اإلس كندرية ،ف إنهم ك انوا
يؤ ّدون الخراج والجزية على قدر ما يرى مَن َولِيَهم؛ ألن اإلسكندرية فتحت عنوة بغير عهد وال عقد ،ولم يكن لهم صلح وال ذمّة .وق د
كانت بعض قرى مصر -كما حدثنا عبد هللا بن صالح ،عن الليث بن سعد ،عن يزيد بن أبى حبيب -قاتلت ،فس بوا منه ا قري ة يق ال له ا
بلهيب ،وقرية يقال لها (الخيس) ،وقرية يقال لها (سلطيس) ،فوقع سباياهم بالمدينة وغيرها ،فردّهم عم ر بن الخط اب رض ي هللا عن ه
وقد أناط الفقهاء جواز بناء الكنائس ألهل الكت اب بالمص لحة الراجح ة؛ فجعل وا للح اكم وجماع ة المس لمين الح ق في الس ماح بإح داث
دته ك أعظم من مفس لحة ذل انت مص روه إذا ك ومص
َّ لمون ه المس ا اختط تى فيم ائس ح :الكن
قال العالمة أبو العباس بن زكري التلمساني -كما في "المعيار المعرب" ( [ :-)222 /2ونقل الشيخ أبو الحسن عن الشيوخ جواز اإلذن
لإلمام في اإلحداث إذا كانت مصلحته أعظم من مفسدته ..ومما يحتمل :إذنُ جماع ِة المس لمين لل ذميين في اإلح داث ،وهي قائم ة مق ام
اإلمام في الموضع الذي ال إمام فيه ..أو تكون األرض مختطة وأذنت الجماعة لمصلحة في اإلح داث هي أرجح من المفس دة ،ويص ير
وقال العالمة الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (([ :)223 /3ال) يجوز للصلحي وال للعنوي إحداث كنيس ة (ببل د اإلس الم) ال تي
نقلوا إليها أو التي انفرد باختطاطها المسلمون في كل حال (إال لـ) خوف ترتيب (مفسدة أعظم) من اإلح داث على عدم ه فيمكن ون من ه
وال يخفى أن سماح الدولة اإلسالمية لرعاياها ومواطنيها من أهل الكتاب ببناء الكنائس ودور العبادة عن د ح اجتهم ل ذلك ه و المص لحة
الراجحة التي دلَّت عليها عمومات النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ،وأكدها عمل المس لمين ع بر األعص ار واألمص ار ،وأي دتها
رب رة الع ير جزي لمين غ وم بالد المس ائس في عم اء الكن بة لبن ذا بالنس .ه
أما بالنسبة لخصوص بالد مصر فقد سبق النقل عن إم ا َميْ أه ل مص ر وعالِ َميْه ا الليث بن س عد وعب د هللا بن لهيع ة أن عام ة كن ائس
وقد فتحت مصر صلحً ا ،وهذا يجعلها خاضعة ألحكام الصلح التي أجاز فيها كثير من الفقهاء إحداث الكنائس عند الحاجة لذلك إذا سمح
وحتى على قول مَن قال ِم ن المؤرخين إن مصر فتحت عنوة فإن عقد المواطنة الذي يقره الدستور المصري في ظل الدول ة اإلس المية
.يقوم مقام العهد الذي أجاز مِن خالله الفقهاء السماح ببناء الكن ائس عن د الحاج ة إليه ا وف ق الل وائح والق وانين والم واد المنظم ة ل ذلك
أرض :هل فتحت صلحً ا أم عنوة :فإنها تحمل على كونها أرض صلح .قال اإلمام شمس األئم ة
ٍ وقد نص الفقهاء على أنه إذا اخ ُتلِفَ في
السرخسي في "شرح السير الكبير" ( ،1551-1550 /1ط .الشركة الش رقية)[ :ف إن ك انت لهم كنيس ة قديم ة في مص ر من أمص ار
المسلمين فأراد المسلمون منعهم من الصالة فيها فقالوا :نحن قوم من أهل الذمة صالحنا على بالدنا ،وقال المس لمون :ب ل أخ ذنا بالدكم
عنوة ثم جعلتم ذمة ،وهو أمر قد تطاول فلم يدر كيف كان ،فإن اإلمام ينظر في ذلك ،هل يجد في ه أث رً ا عن د الفقه اء؟ ويس أل أص حاب
األخبار كيف كان أصل هذه األرض؟ فإن وجد فيه أثرا عمل به ..فإن لم يوجد في يد الفقهاء أثر في ذلك أو ك انت اآلث ار في ه مختلف ة،
ال يقال :الخالف إنما هو فيما ُفتِحَ صلحً ا أو عنوة ،وهو يجري فيم ا فتح ه المس لمون من أرض مص ر دون م ا َّ
مص روه واختط وه مِن
المدن الحديثة التي طرأت بعد الفتح اإلسالمي والتي نص جماعة من الفقه اء على أن الخالف ال يج ري فيه ا وا ُّدعِ يَ أن اإلجم اع ق ائم
ألنا نقول :هذا التفريق حل محلَّه االلتزام بعقد المواطنة بين أبناء الوطن الواحد؛ فصارت الم دن ال تي َّ
مص رها المس لمون داخل ة تحت
الدستور العام للدولة اإلسالمية الذي أعطى المواطنين المسيحيين حق بناء دور العب ادة وف ق الل وائح والم واد القانوني ة المنظم ة ل ذلك،
ودعوى اإلجماع –التي ا َّدعوها -منقوضة بما قاله إماما أهل مصر الليث بن سعد وعب د هللا بن لهيع ة من أن عام ة كن ائس مص ر إنم ا
ُب ِنيَت في اإلسالم كما سبق النقل عنهما فيما مضى ،ومنقوضة أيضً ا بما سبق نقله عن الفقهاء من ج واز إح داث الكن ائس في األمص ار
لحة في ذلك اكم المص أى الح لمون إذا ارت رها المس مص
تي َّ . ال
ً
خاصة؛ ف روى الط براني في "المعجم الكب ير" عن أم المؤم نين أم س لمة ً
وصية صى النبي صلى هللا عليه وآله وسلم بأهل مصر
وقد و َّ
حيح ال الص ه رج ظ الهيثمي" :ورجال ال الحاف يل هللاِ» ،ق
ِب ِ ا فِي َس َّد ًة َوأَعْ َوا ًن ونَ َل ُك ْم عِ ".و َي ُكو ُن
َ
وروى أبو يعلى في "مسنده" وابن حبان في "صحيحه" أن رسول هللا صلي هللا عليه وآله وسلم قال« :اسْ َت ْوصُوا ِب ِه ْم َخ ْي رً ا؛ َف إِ َّن ُه ْم قُ وَّ ةٌ
حيح ال الص ه رج ظ الهيثمي" :رجال ال الحاف ر .ق ط مص ني قِب إِ ْذ ِن هللاِ» يع دُوِّ ُك ْم ِب ".لَ ُك ْمَ ،و َباَل ٌغ إِلَى عَ
وروى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" -كما في "كنز العمال" للمتقي الهندي ( ،760 /5ط .مؤسسة الرس الة) -عن موس ى بن جب ير،
عن شيوخ من أهل المدينة :أن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه كتب إلى واليه على مصر عمرو بن العاص رضي هللا عنه" :واعلم يا
وعهد ،وقد أوصى رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم بهم وأوصى بالقِب ط فق ال« :اس َت ْوص وا بالقِ ْب طِ خ يرً ا؛ ف إنّ لهم ذ ً
ِمّة ورَ ِح ًم ا»،
ورَ ِحمُهم :أن أ ّم إسماعيل عليه السالم منهم ،وقد قال صلى هللا عليه وآله وسلم« :مَن َظلَ َم مُعاه ًَدا أو كلَّفه ف وق طاقت ه فأن ا خص مُه ي و َم
".القيام ة» ،اح ذر ي ا عم رو أن يك ون رس ول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم ل ك خص مًا؛ فإن ه مَن خاص مه َخ َ
ص مَه
والناظر في التاريخ يرى مصداق خبر المصطفى صلى هللا عليه وآله وسلم؛ حيث رحب أقباط مص ر بالمس لمين الف اتحين وفتح وا لهم
صدورهم على الرغم مِن أنَّ ُح ّك امهم من الرومان كانوا نصارى مثلهم ،ولكنهم فضلوا العيش تحت مظلة اإلسالم وعاشوا مع المسلمين
في أمان وسالم ،وصار قِبط مصر عدة وأعوا ًنا في سبيل هللا كما أخبر الن بي ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم؛ لتص نع مص ر ب ذلك أعم ق
ان المختلفة حاب األدي د بين أص وطن الواح اركة في ال ايش والمش ة من التع ة ناجح ة تاريخي .تجرب
وعلى ذلك :فالتفرقة بين البالد التي ُفتحت عُنو ًة والبالد التي فُتحت صُلحً ا ليست موجودة اآلن في ظل الدستور العام للدول ة اإلس المية؛
حيث حل محلَّها االلتزام بعقد المواطنة بين أبناء الوطن الواحد والذي يُعطى المواطنين المسيحيين ح ق بن اء دور العب ادة وف ق الل وائح
وال ة أق ا :على ثالث ائس أو ترميمه َّد َم من الكن ا ته اء م : حكم بن
ا تلف رميم م واز ت دم ،وج ا انه اء م ع من بن اني :المن .الث
فالرجاء التفضل باالطالع والتوجيه بما ترونه سيادتكم نحو اإلفادة بالفتوى الش رعية الص حيحة في ه ذا الش أن ح تى يمكن نش رها بين
بهات ا للش اهيم ومنعً حيحً ا للمف رى؛ تص الي الق .أه
واب :الج
المسلمون مكلفون شرعً ا بتحقيق األمان ألهل الكتاب في أداء عباداتهم تحت مظلة الحكم اإلس المي ،وه ذا كم ا يقتض ي إبق اء الكن ائس
بهدم أو تخريب ،فإنه يقتضي أيضً ا جواز الس ماح لهم بإعادته ا وترميمه ا إذا انه دمت أو
ودور العبادة على حالها من غير تعرض لها ٍ
:تص دعت أو احت اجت لل ترميم .وعلى ذل ك جم اهير الفقه اء ،وه و المعتم د عن د الم ذاهب الفقهي ة األربعة
قال العالمة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" ( ،280 /3ط .المطبعة الكبرى األميرية ،بوالق)([ :ويع اد المنه دم
من الكنائس والبيع القديمة)؛ ألنه جرى التوارث من لدن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا ب ترك الكن ائس في أمص ار
.المسلمين ،وال يقوم البناء دائمًا ،فكان دلياًل على جواز اإلعادة ،وألن اإلمام لما أقرَّ هم ِ
عَهدَ إليهم اإلعادة؛ ألن األبنية ال تبقى دائمًا] اهـ
وقال العاّل مة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" لسيدي أبي البركات الدردير ( ،204 /2ط .دار الفكر)([ :قوله :فيُمْ َنع
مِن الرَّ ِّم مُطلَ ًقا) في "بن" (أي :العالمة محمد البناني محش ي الش يخ عب د الب اقي) :م ا ذك ره مِن َم ْن ِع ت رميم المنه دِم -وإن ك ان ظ اهرَ
المصنف -غي ُر صحيح؛ لتصريح أبي الحسن في العنوي بج واز رَ ِّم المنه دم ،وظ اهره مطلَ ًق ا؛ ش رَ َط ذل ك أم ال ،وذل ك ألن "المدون ة"
قالت :ليس لهم أن يُحد ُِثوا الكنائس في بالد ال ُع ْن َوة؛ ألنه ا َفيْ ءٌ ،وال ُت ورَ ث عنهم ،فق ال أب و الحس ن( :قول ه :ليس لهم اإلح داث في بل د
العنوة) مفهومُه :أن لهم أن َي ُرمُّوا ما كان قبل ذلك ،ويجوز الترميم للص ُّْلحِيِّ على قول ابن القاسم؛ خال ًف ا لمن ق ال يُمْ َن ُع ون مِن ال ترميم
ك أم ال] اهـ رَ َط ذل ا؛ َش دِم مُطلَ ًق داث ورَ َّم ال ُم ْنه
َ ْلحِيِّ اإلح للص
ُّ بيَّن أنَّ رط ،فت .إال بش
وقال إمام الحرمين أب و المع الي الج َُو ْي نيُّ الش افعي في كتاب ه "نهاي ة المطلب في دراي ة الم ذهب" ( ،50 /18ط .دار المنه اج)[ :ق ال
.األص حاب :إذا اس ترمّت الكن ائس فال يُم َن ُع ون مِن مرمّته ا؛ ف إنهم ل و ُم ِن ُع وا مِن ذل ك لته دمت الكن ائس] اهـ
وق ال العالم ة الخطيب الش ربيني في "مغ ني المحت اج" ( ،78 /6ط .دار الكتب العلمي ة)[ :حيث جوَّ زن ا ً
أيض ا الكن ائسَ فال من ع مِن
ترميمها إذا استهدمت؛ ألنها ُم ْب َقاةٌ ،وهل يجب إخفاء العمارة؟ وجهان :أصحهما :ال ،وال يُم َنعُون مِن َت ْطيينها مِن داخل وخارج ،وتجوز
.إع ادة الج دران الس اقطة ،وإذا انه دمت الكنيس ة ال ُم ْب َق اةُ فال يُمْ َن ُع ون مِن إعادته ا على األص ح في "الش رح" و"الروض ة"] اهـ
وقال اإلمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" ( ،356-355 /9ط .مكتبة القاهرة)[ :ولهم رَ ُّم ما تشع َ
َّث منها ،وإصالحُها؛ ألنّ المن عَ مِن
ذلك يُفضي إلى خرابها وذهابها ،فجرى مَجرَ ى هدمِها .وإن وقعت كلُّها لم َيجُز بناؤها ،وهو قول بعض أصحاب الشافعي .وعن أحم د:
أنه يجوز ،وهو قول أبي حنيفة ،والشافعي؛ ألن ه بن اء لم ا اس تهدم فأش به بن ا َء بعض ها إذا انه دم ور َّم ش عَ ثها ،وألن اس تدامتها ج ائزة،
اران ه اعتب لمين ل ة في بالد المس ترميم الكنيس ك :ف :وعلى ذل
عائرهم فيها ةش اب بممارس ل الكت ماح أله ا والس رعي في قيامه النظر لإلذن الش .األول :ب
ريم فعلها الم وتح دين اإلس عائر ل ذه الش ةه النظر إلى مخالف اني :ب .والث
والجهتان منف َّكتان؛ فكما أنَّ المسلم يعتقد في دينه حرم َة ما يفعلونه مِن شعائرهم فيها ،فه و ً
أيض ا بالنس بة ل ه عم ارة للبالد ووس يلة إلى
الحفاظ على الدين وتطبيق شرع هللا الذي كفل ألهل الكتاب ممارسة شعائرهم في كنائسهم بحرية وأمان في ظل الدول ة اإلس المية؛ فق د
سمح اإلسالم لهم باإلبقاء على كنائسهم بل وأجاز سماح الدولة لهم باستحداث م ا يحتاجون ه مِن معاب د إلقام ة عب اداتهم فيه ا وممارس ة
شعائرهم وطقوسهم ،وحرم االعتداء بكافة أشكاله عليها؛ كما سمح النبي صلى هللا علي ه وآل ه وس لم لنص ارى نج ران بالص الة وإقام ة
.وفي هذا دليل على أن السماح لغ ير المس لمين بممارس ة ش عائرهم ال يقتض ي الرض ا به ا ،وأن إق رارهم عليه ا ال يع ني اإلق رار بها
ُ
الشريعة قُصُودَ المكلفين ونياتِهم في التعامل مع غير المسلمين؛ ونص الفقهاء على اعتبار ذلك وت أثيره في الح ل والحرم ة؛ وقد راعت
فذهب القاضي أبو يعلى بن الفرّ اء (ت458 :هـ) شيخ الحنابلة في عصره إلى صحة وصية المسلم للكنيسة إن لم يقصد إعظامَها ب ذلك؛
معلِّاًل بأن النفع فيه ا عائ ٌد إلى أه ل الذم ة ،والوص ية لهم ص حيحة ،ق ال اإلم ام ابن قدام ة الحنبلي في "المغ ني" ([ :)219 /6وذك ر
الب َي ع وقناديلها ،وما شاكل ذلك ،ولم يقصد إعظامها بذلك ،صحت الوصية؛ ألن الوصية ألهل الذمة ،ف إن
القاضي أنه لو أوصى لحصر ِ
وبنا ًء على ذلك وفي واقع ة الس ؤال :فبن اء الكن ائس ج ائ ٌز ش رعً ا وف ًق ا للش ريعة اإلس المية إذا احت اج أص حابها إلى ذل ك في عب اداتهم
وشعائرهم التي أقرهم اإلسالم على البقاء عليها ،حيث إنَّ الشرع الشريف جعل تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغي ان ودف ع الع دوان
وتمكين هللا تعالى لهم في األرض سببًا في حفظ دور العبادة ،وليست هذه الدور معابد كفرية يُعبد فيها غير هللا ،ولم ي َِر ْد المن ُع من ذل ك
في شيء ِم ن النصوص الصحيحة الصريحة ،كما يجوز إعادة بناء ما ته دَّم وتل ف منه ا وترميم ه وإص الحه ،رعاي ًة للمص لحة العامَّة
ل ًفا وخل ًفا ه األُمَّة س تقرت علي اء واس اهير العلم ه جم .علي
وفكرة بذل الجزية من أهل الكتاب والتزامهم بأحكام اإلسالم ،أص بحت معدوم ة تما ًم ا في ظ ل الدول ة اإلس المية الحديث ة تحت مفه وم
داتهم انهم ومعتق ة على اختالف أدي اء الدول ل المجتمعي بين أبن ايش والتكاف ة والتع .المواطن
ويحرم القول بإهدار دم الذمي ،أو الق ول بتخي يره بين القت ل أو االس ترقاق ،أو دف ع الجزي ة ،أو الفدي ة ،أو نح وه؛ حيث إنَّ االم ر ليس
ً
منوطا باألشخاص العاديين في الدولة؛ بل هي أمو ٌر مُتعلقة بولي األمر ينظر فيها إلى المصلحة العامة بين أبناء الوطن الواحد ،فيُعطى
المواطنين المسيحيين حق بناء دور العبادة وممارسة حياتهم الطبيعية باالستمتاع بما لهم من الحقوق وااللتزام بم ا عليهم من الواجب ات