You are on page 1of 22

‫شبهات حول بناء الكنائس‬

‫الرقم المسلسل‪4121 : ‬‬ ‫التاريخ‪06/08/2017 : ‬‬


‫نرفع لسيادتكم نموذجً ا لما يتم تداول ه بين أوس اط بعض المس لمين من ش بهات ح ول حكم بن اء الكن ائس‬
‫الي‬ ‫بهات كالت‬ ‫ذه الش‬ ‫اءت ه‬ ‫ا‪ ،‬وج‬ ‫‪:‬وترميمه‬
‫والب َيع‬ ‫ُ‬
‫حيث إنَّ المساجد بيوت عبادة هللا للمسلمين‪ ،‬والكنائس ِ‬ ‫والب َيع حرام؛‬
‫الشبهة األولى‪ :‬بناء الكنائس ِ‬
‫معابد اليهود والنصارى يعبدون فيها غير هللا‪ ،‬واألرض هلل عز وج ل‪ ،‬وق د أم ر ببن اء المس اجد وإقام ة‬
‫العبادة فيها هلل عز وجل‪ ،‬ونهى سبحانه عن كل ما يُع َبد فيه غير هللا؛ لِ َما فيه من إقرار بالباط ل‪ ،‬وتهيئ ة‬
‫هللا‬ ‫﴿وأَنَّ ْال َم َس ا ِجدَ ِ‬
‫هلل َفاَل َت ْدعُوا َم َع ِ‬ ‫الفرص ة للقي ام ب ه‪ ،‬وغش الن اس بوض عه بينهم‪ ،‬ق ال هللا تع الى‪َ   :‬‬
‫أَ َح ًدا﴾‪[ ‬الجن‪ ،]18 :‬وقال هللا تع الى‪َ  :‬‬
‫﴿و َمنْ َي ْب َت ِغ َغ ْي َر اإْل ِ ْس اَل ِم دِي ًن ا َفلَنْ ُي ْق َب َل ِم ْن ُه َو ُه َو فِي اآْل ِخ َر ِة م َِن‬
‫ران‪]85 :‬‬ ‫ين﴾‪[ ‬آل عم‬ ‫ِر َ‬ ‫‪ْ . ‬ال َخ ِ‬
‫اس‬
‫وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس‪ ،‬أو تخصيص مك ان له ا في أي بل د‬
‫﴿و َت َع َاو ُنوا َعلَى‬
‫من بالد اإلسالم‪ ،‬من أعظم اإلعانة على الكفر وإظهار ش عائره‪ ،‬وهللا ع ز ش أنه يق ول‪َ  :‬‬
‫هللا َش دِي ُد ْال ِع َق ابِ﴾‪[ ‬المائ دة‪]2 :‬‬ ‫‪ْ .‬ال ِب رِّ َوال َّت ْق َوى َواَل َت َع َاو ُنوا َعلَى اإْل ِ ْث ِم َو ْال ُع ْد َو ِ‬
‫ان َوا َّتقُ وا َ‬
‫هللا إِنَّ َ‬
‫الشبهة الثاني ة‪ :‬أجمع العلم اء على وج وب ه دم الكن ائس وغيره ا من المعاب د الكفري ة إذا أُح د َثت في‬
‫ل تجب طاعته‬ ‫دمها؛ ب‬ ‫ر في ه‬ ‫ة ولي األم‬ ‫وز معارض‬ ‫الم‪ ،‬وال تج‬ ‫‪.‬أرض اإلس‬
‫وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفرية؛ مثل الكنائس‪ ،‬أو تخصيص مك ان له ا في أي بل د‬
‫﴿و َت َع َاو ُنوا َعلَى‬
‫من بالد اإلسالم‪ ،‬من أعظم اإلعانة على الكفر وإظهار ش عائره؛ وهللا ع ز ش أنه يق ول‪َ  :‬‬
‫هللا َش دِي ُد ْال ِع َق ابِ﴾‪[ ‬المائ دة‪]2 :‬‬ ‫‪ْ .‬ال ِب رِّ َوال َّت ْق َوى َواَل َت َع َاو ُنوا َعلَى اإْل ِ ْث ِم َو ْال ُع ْد َو ِ‬
‫ان َوا َّتقُ وا َ‬
‫هللا إِنَّ َ‬
‫قال شيخ اإلسالم‪" :‬من اعتقد أنَّ الكنائس بيوت هللا وأنَّ هللا يُعب ُد فيها‪ ،‬أو أنَّ ما يفعله اليه ود والنص ارى‬
‫عبادة هلل وطاعة لرسوله‪ ،‬أو أنه يحب ذلك ويرضاه‪ ،‬أو أعانهم على فتحها وإقام ة دينهم وأنَّ ذل ك قرب ة‬
‫افر‬ ‫وك‬ ‫ة فه‬ ‫‪".‬أو طاع‬
‫ار ِه ْم مِنْ َبعْ ِد َم ا َت َبي ََّن لَ ُه ُم‬ ‫َ‬ ‫وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّ الَّذ َ‬
‫ِين ارْ َت ُّدوا َعلَى أ ْد َب ِ‬
‫ض‬ ‫ِين َك ِر ُه وا َم ا َن َّز َل هللا ُ َس ُنطِ ي ُع ُك ْم فِي َبعْ ِ‬‫ْطانُ َس َّو َل لَ ُه ْم َوأَمْ لَى لَ ُه ْم ۞ َذل َِك ِب أ َ َّن ُه ْم َق الُوا لِلَّذ َ‬ ‫ْالهُدَى ال َّشي َ‬
‫ك ِب أ َ َّن ُه ُم‬
‫ار ُه ْم ۞ َذلِ َ‬ ‫ُون وُ ُج و َه ُه ْم َوأَ ْد َب َ‬
‫ض ِرب َ‬ ‫ف إِ َذا َت َو َّف ْت ُه ُم ْال َماَل ِئ َك ُة َي ْ‬
‫ار ُه ْم ۞ َف َك ْي َ‬‫اأْل َمْ ِر َوهللا ُ َيعْ لَ ُم إِسْ َر َ‬
‫د‪]28-25 :‬‬ ‫الَ ُه ْم﴾‪[ ‬محم‬ ‫َط أَعْ َم‬ ‫َوا َن ُه َفأَحْ َب‬ ‫وا ِر ْ‬
‫ض‬ ‫َخ َط َ‬
‫هللا َو َك ِر ُه‬ ‫ا أَ ْس‬ ‫وا َم‬ ‫‪.‬ا َّت َب ُع‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬صار من ضروريات الدين تحري ُم الكفر الذي يقتض ي تح ريم التعب د هلل على خالف م ا‬
‫ج اء في ش ريعة اإلس الم؛ ومن ه‪ :‬تح ريم بن اء معاب د وف ق ش رائع منس وخة؛ يهودي ة‪ ،‬أو نص رانية‪ ،‬أو‬
‫غيرهما؛ ألنَّ تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية؛ ألنَّ العبادات التي تؤدى فيه ا‬
‫على خالف شريعة اإلسالم الناسخة لجمي ع الش رائع قبله ا والمبطل ة له ا‪ ،‬وهللا تع الى يق ول عن الكف ار‬
‫﴿و َقدِمْ َنا إِلَى َما َعمِلُوا مِنْ َع َم ٍل َف َج َع ْل َناهُ َه َبا ًء َم ْن ُثورً ا﴾‪[ ‬الفرقان‪ ،]23 :‬وال يجوز اجتماع قبل تين‬
‫وأعمالهم‪َ :‬‬
‫في بل ٍد واح ٍد من بالد اإلسالم‪ ،‬وال أن يكون فيها ش يء من ش عائر الكف ار ال كن ائس وال غيره ا؛ وله ذا‬
‫أجمع العلماء على تحريم بناء هذه المعابد الكفري ة‪ .‬وق د ق ال ش يخ اإلس الم‪" :‬من اعتق د أنَّ زي ارة أه ِل‬
‫قربة إلى هللا فهو مرتدٌّ‪ ،‬وإن جهل أنَّ ذلك محرم عُرِّ ف ذلك‪ ،‬فإن أصرَّ صار مرت ًّ‪ًg‬دا" اهـ‬
‫ٌ‬ ‫كنائسهم‬
‫َ‬ ‫‪.‬الذمة‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬من المعلوم أنَّ األشياء التي ينتقض بها عه د ال ذمي‪ :‬االمتن اع من ب ذل الجزي ة‪ ،‬وع دم‬
‫ً‬
‫منفردا أو في الحرب‪ ،‬وأن يلتحق ال ذمي ب دار الح رب مُقي ًم ا‬ ‫التزام أحكام اإلسالم‪ ،‬وأن يُقاتل المسلمين‬
‫بها‪ ،‬وأن يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم‪ ،‬والزنا بامرأ ٍة مس لمة‪ ،‬وأن ي ذكر هللا تع الى أو رس وله‬
‫وء‬ ‫ه بس‬ ‫‪.‬أو كتب‬
‫وإذا انتقض عهد الذمي‪ :‬ح َّل دمه وماله‪ ،‬وسار حرب ‪ًًّg‬يا يُخير فيه اإلمام بين القتل‪ ،‬أو االس ترقاق‪ ،‬أو المن‬
‫داء‬ ‫ة‪ ،‬أو الف‬ ‫‪.‬بال فدي‬
‫الش بهة الخامس ة‪ :‬ذك ر البعضُ أنَّ البالد ال تي أُنش ئت قب ل اإلس الم وفتحه ا المس لمُون عن و ًة وتملك وا‬
‫أرضها وساكنيها ال يجوز إحداث كنائس فيها‪ ،‬ويجب هدم ما استحدث منها بعد الفتح؛ ألنَّ هذه الكن ائس‬
‫وة‬ ‫ذه البالد عن‬ ‫وا ه‬ ‫د أن فتح‬ ‫لمين بع‬ ‫ا للمس‬ ‫ارت مل ًك‬ ‫‪.‬ص‬
‫‪:‬وأمَّا البالد ال تي أُنش ئت قب ل اإلس الم وفتحه ا المس لمون ُ‬
‫ص ْلحً ا‪ :‬فهي على ن وعين‬
‫ال يبذلون ه وهي‬
‫األول‪ :‬أن يص الحهم على أن األرض لهم ولن ا الخ راج عليه ا‪ ،‬أو يص الحهم على م ٍ‬
‫دار لهم‬ ‫ا؛ ألنَّ ال‬ ‫ه فيه‬ ‫ا يختارون‬ ‫داث م‬ ‫ون من إح‬ ‫ة؛ فال يُمنع‬ ‫‪.‬الهُدن‬
‫الثاني‪ :‬أن يُصالحهم على أنَّ الدار للمُسلمين‪ ،‬ويؤدون الجزية إلينا‪ ،‬فحكمه ا م ا ا ُّتف َق علي ه في الص لح‪،‬‬
‫‪.‬وعند القدرة يكون الحكم أاَّل ُت هدم كنائسهم التي بنوها قبل الصلح‪ ،‬ويُمنعون من إحداث كنائس بع د ذلك‬
‫‪:‬الش بهة السادسة‪ :‬حكم بن اء م ا ته َّد َم من الكن ائس أو ترميمه ا‪ :‬على ثالث ة أق وال‬
‫ا تلف‬ ‫رميم م‬ ‫دم وت‬ ‫ا انه‬ ‫اء م‬ ‫ع من بن‬ ‫‪.‬األول‪ :‬المن‬
‫ا تلف‬ ‫رميم م‬ ‫واز ت‬ ‫دم‪ ،‬وج‬ ‫ا انه‬ ‫اء م‬ ‫ع من بن‬ ‫اني‪ :‬المن‬ ‫‪.‬الث‬
‫رين‬ ‫ة األم‬ ‫الث‪ :‬إباح‬ ‫‪.‬الث‬
‫فالرجاء التفضل باالطالع والتوجيه بما ترونه سيادتكم نحو اإلفادة بالفتوى الش رعية الص حيحة في ه ذا‬
‫‪.‬الشأن حتى يمكن نشرها بين أهالي القرى؛ تصحيحً ا للمفاهيم ومن ًعا للشبهات‬
‫الجواب ‪ :‬األستاذ الدكتور ‪ /‬شوقي إبراهيم عالم‬

‫بهة األولى‪ ‬‬ ‫‪:‬الش‬

‫والبيَع معابد اليهود والنصارى يعبدون فيه ا غ ير هللا‪،‬‬ ‫ُ‬


‫حيث إنَّ المساجد بيوت عبادة هللا للمسلمين‪ ،‬والكنائس ِ‬ ‫والبيَع حرام؛‬
‫بناء الكنائس ِ‬

‫هلل عز وجل‪ ،‬ونهى سبحانه عن كل ما يُعبَد فيه غ ير هللا؛ لِ َم ا في ه من‬


‫واألرض هلل عز وجل‪ ،‬وقد أمر ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها ِ‬

‫هللا أَحَ ًدا﴾‪[ ‬الجن‪:‬‬


‫هلل فَاَل َت ْدعُوا َم عَ ِ‬ ‫﴿وأَنَّ ْالم َ‬
‫َس ا ِجدَ ِ‬ ‫إقرار بالباطل‪ ،‬وتهيئة الفرصة للقيام به‪ ،‬وغش الناس بوضعه بينهم‪ ،‬قال هللا تع الى‪َ  :‬‬

‫﴿و َمنْ َي ْب َت ِغ غَ ْي رَ اإْل ِ ْس اَل ِم دِي ًن ا َفلَنْ ُي ْق َب َل ِم ْن ُه َو ُه َو فِي اآْل ِخ رَ ِة مِنَ ْال َخ ِ‬
‫اس ِرينَ ﴾ ‪[ ‬آل عم ران‪]85 :‬‬ ‫‪ ،]18.‬وق ال هللا تع الى‪َ  :‬‬

‫وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفري ة؛ مث ل الكن ائس‪ ،‬أو تخص يص مك ان له ا في أي بل د من بالد اإلس الم‪ ،‬من أعظم‬

‫﴿و َتعَ َاو ُنوا عَ لَى ْال ِبرِّ َوال َّت ْق َوى َواَل َتعَ َاو ُنوا عَ لَى اإْل ِ ْث ِم َو ْالع ُْد َو ِ‬
‫ان َوا َّتقُوا هللاَ إِنَّ هللاَ‬ ‫اإلعانة على الكفر وإظهار شعائره‪ ،‬وهللا عز شأنه يقول‪َ  :‬‬
‫دة‪]2 :‬‬ ‫ابِ﴾‪[ ‬المائ‬ ‫دِي ُد ْال ِع َق‬ ‫‪َ .‬ش‬

‫واب‬ ‫‪:‬الج‬

‫ُجب رْ هم على ال دخول في اإلس الم قه رً ا‪ ،‬وس مح لهم بممارس ة طق وس‬


‫أمر اإلسالم أتباعه بترك الناس وما اخت اروه من أدي انهم‪ ،‬ولم ي ِ‬

‫‪.‬أديانهم في دور عبادتهم‪ ،‬وضمن لهم من أجل ذل ك س المة دور العب ادة‪ ،‬وأَ ْواله ا عناي ة خاص ة؛ فح رم االعت داء بكاف ة أش كاله عليها‬

‫وجعل القرآن الكريم تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين هللا تعالى لهم في األرض سببًا في حفظ دور العب ادة‬

‫هللا ال َّناسَ َبعْ َ‬


‫ض ُه ْم‬ ‫من الهدم وضما ًنا ألمنها وسالمة أصحابها‪ ،‬سواء أك انت للمس لمين أم لغ يرهم‪ ،‬وذل ك في قول ه تع الى‪َ  :‬‬
‫﴿ولَ ْواَل دَ ْف ُع ِ‬

‫َنص ُرهُ إِنَّ هللاَ لَ َق ِويٌّ عَ ِزي ٌز ۞ الَّذِينَ إِن‬ ‫هللا َك ِث يرً ا َولَي ُ‬
‫َنص رَ نَّ هللاُ مَن ي ُ‬ ‫ات َومَسَ ا ِج ُد ُي ْذ َك ُر فِي َه ا ْ‬
‫اس ُم ِ‬ ‫صَوا ِم ُع َو ِب َي ٌع َوصَ لَ َو ٌ‬
‫َت َ‬‫ض لَ ُه ِّدم ْ‬
‫ِب َبعْ ٍ‬

‫ُ‬ ‫‪َّ .‬م َّك َّنا ُه ْم فِي األَرْ ِ‬


‫هلل عَ اقِ َب ُة األ ُم ِ‬
‫ور﴾ ‪[ ‬الحج‪]41-40 :‬‬ ‫الز َك ا َة َوأَ َم رُوا ِب ْال َمعْ رُوفِ َو َن َه ْوا ِ‬
‫عَن ْالمُن َك ِر َو ِ‬ ‫ض أَ َق امُوا َّ‬
‫الص ال َة َوآ َت وُ ا َّ‬

‫والبيَع‪ :‬مساجد اليهود‪ ،‬وصلوات‪ :‬كن ائس النص ارى‪ ،‬والمس اجد‪:‬‬
‫قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪" :‬الصوامع‪ :‬التي تكون فيها الرهبان‪ِ ،‬‬

‫ير‬ ‫اتم في "التفس‬ ‫د وابن أبي ح‬ ‫د بن حمي‬ ‫ه عب‬ ‫لمين" أخرج‬ ‫اجد المس‬ ‫‪".‬مس‬

‫ض ُه ْم ِب َبعْ ٍ‬
‫ض‬ ‫﴿ولَ ْواَل دَ ْف ُع ِ‬
‫هللا ال َّناسَ َبعْ َ‬ ‫وقال مقاتل بن سليمان في "تفسيره" (‪ ،385 /2‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية) عند تفسير قوله تع الى‪َ  :‬‬

‫ات َومَسَ ا ِج ُد ي ُْذ َك ُر فِيهَا اسْ ُم ِ‬


‫هللا َكثِيرً ا﴾‪[ :‬كل هؤالء الملل يذكرون َ‬
‫هللا كثيرً ا في مساجدهم‪ ،‬فدفع هللا عز وجل‬ ‫صَوا ِم ُع َو ِب َي ٌع َوصَ لَ َو ٌ‬
‫َت َ‬‫لَ ُه ِّدم ْ‬

‫ا] اهـ‬ ‫لمين عنه‬ ‫‪.‬بالمس‬

‫وبذلك جاءت السنة النبوية الشريفة؛ فكتب رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ألسقف بني الح ارث بن كعب وأس اقفة نج ران وكهنتهم‬

‫ومن تبعهم ورهبانهم‪« :‬أنّ لهم على ما تحت أيديهم من قلي ل وكث ير من بيعهم وص لواتهم ورهب انيتهم‪ ،‬وج وار هللا ورس وله ص لى هللا‬

‫عليه وآله وسلم‪ ،‬أاّل يُغَ يَّرَ أسقف عن أسقفيته‪ ،‬وال راهب عن رهبانيته‪ ،‬وال كاهن عن كهانته‪ ،‬وال يغير حق من حقوقهم‪ ،‬وال س لطانهم‪،‬‬

‫وال شيء مما كانوا عليه؛ ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم‪ ،‬غيرَ مُث َقلين بظلم وال ظالمين» أخرجه أبو عبيد القاس م بن س الم في كت اب‬

‫"األموال" (ص‪ ،244 :‬ط‪ .‬دار الفكر)‪ ،‬وأبو عمر بن ش بة ال ُّن َم ْي ري في "ت اريخ المدين ة المن ورة" ( ‪ ،586-584 /2‬ط‪ .‬دار الفك ر)‪،‬‬

‫وابن زنجويه في "األموال" (‪ ،449 /2‬ط‪ .‬مركز فيصل للبح وث)‪ ،‬وابن س عد في "الطبق ات الك برى" (‪ ،264 /1‬ط‪ .‬دار ص ادر)‪،‬‬

‫والحافظ البيهقي في "دالئل النبوة" (‪ ،389 /5‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية)‪ ،‬وذكره اإلمام محمد بن الحسن الشيباني في كتاب "الس ير" (‪/1‬‬

‫ر)‬ ‫دة للنش‬ ‫دار المتح‬ ‫‪ ،266.‬ط‪ .‬ال‬

‫وقد كلفت الشريعة اإلسالمية المسلمينَ بتوفير األمان ألهل الكتاب في أداء عبادتهم‪ ،‬وهذا كما يقتضي إبقاء الكنائس ودور العب ادة على‬

‫حالها من غير تعرض لها بهدم أو تخريب‪ ،‬وإعادتها إذا انهدمت أو تخربت‪ ،‬فإنه يقتضي أيضً ا جواز السماح لهم ببناء الكنائس وأماكن‬

‫العبادة عند احتياجهم إلى ذلك؛ فإن اإلذنَ في الشيء إذنٌ في ُم َكمِّالت مَقصودِه؛ كم ا يق ول اإلم ام أب و الفتح بن دقي ق العي د في "إحك ام‬

‫األحكام شرح عمدة األحكام" (ص‪ ،479 :‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة)‪[ ،‬والرضا بالشيء رضً ا بما يتولد عنه] اهـ‪ .‬كما نصَّ على ذل ك اإلم ام‬
‫السبكي في "األشباه والنظائر" (‪ ،456 /1‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية)‪ ،‬واإلمام السيوطي في "األش باه والنظ ائر" (‪ ،410 /4‬ط‪ .‬مؤسس ة‬

‫الة)‬ ‫‪.‬الرس‬

‫وإال فكيف يُقرّ اإلسالم أهل الذمة على بقائهم على أديانهم وممارسة شعائرهم ثم يمنعهم من بناء دور العبادة التي يتعب دون فيه ا عن دما‬

‫يحتاجون ذلك! فما دام أنَّ المسلمين قد ارتضوا بمواطنة غ ير المس لمين‪ ،‬ومعايش تهم‪ ،‬وت ركهم وم ا يعب دون‪ ،‬والحف اظ على مقدس اتهم‬

‫ادتهم‬ ‫أديتهم لعب‬ ‫المة ت‬ ‫ادة لهم وس‬ ‫ير دور العب‬ ‫دوا في توف‬ ‫ادتهم؛ فينبغي أن يجته‬ ‫اكن عب‬ ‫‪.‬وأم‬

‫وإذا كان النبي صلى هللا عليه وآله وسلم قد أقرَّ في عام الوفود وفد نصارى نجران على الصالة في مسجده الشريف‪ ،‬والمسجد هو بيت‬

‫هللا المختص بالمسلمين‪ ،‬فإن ه يج وز ‪-‬مِن ب اب أَ ْولَى‪ -‬بن ا ُء الكن ائس ودور العب ادة ال تي ي ؤدون فيه ا عب اداتهم وش عائرهم ال تي أق رهم‬

‫ذلك‬ ‫اجوا ل‬ ‫ا إذا احت‬ ‫اء عليه‬ ‫لمون على البق‬ ‫‪:‬المس‬

‫فروى ابن إسحاق في "السيرة" ‪-‬ومن طريقه ابن جرير في "التفسير" واللفظ له‪ ،‬والبيهقي في "دالئل النب وة"‪ -‬عن محم د بن جعف ر بن‬

‫الزبير‪ :‬أن وفد نجران قدموا على رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم المدينة‪ ،‬فدخلوا عليه في مسجده حين صلى العصر‪ ،‬عليهم ثياب‬

‫الحبرات ُج َببٌ وأردية في بلحارث بن كعب‪ ،‬قال‪ :‬يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم يومئ ذ‪ :‬م ا‬

‫رأين ا بع دهم وف ًدا مثلهم‪ ،‬وق د ح انت ص التهم‪ ،‬فق اموا يُص لُّون في مس جد رس ول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم ‪-‬زاد في "الس يرة"‬

‫‪.‬و"ال دالئل"‪ :‬ف أراد الن اس منعهم‪ ،-‬فق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم‪« :‬دَ ُع وهُم»‪ ،‬فص لَّ ْوا إلى المش رق‬

‫وعلى ذلك جرى عمل المس لمين ع بر ت اريخهم المش رف وحض ارتهم النقي ة وأخالقهم النبيل ة الس محة؛ من ذ العص ور األولى وعه ود‬

‫ًّرا‬ ‫ابعين وهلم ج‬ ‫حابة والت‬ ‫‪.‬الص‬

‫فنصَّ عالِما الديار المصرية‪ :‬اإلمام المجتهد المحدث الفقيه أبو الحارث الليث بن سعد‪ ،‬واإلمام المحدث قاضي مصر أب و عب د ال رحمن‬

‫عبد هللا بن لهيعة على أن كن ائس مص ر لم ُت ْبنَ إال في اإلس الم‪ ،‬وأش ارا على والي مص ر في زمن ه ارون الرش يد موس ى بن عيس ى‬

‫‪.‬بإع ادة بن اء الكن ائس ال تي ه دمها مَن ك ان قبل ه‪ ،‬وجعال ذل ك مِن عم ارة البالد‪ ،‬وكان ا أعلم أه ل مص ر في زمنهم ا بال مدافعة‬

‫فروى أبو عمر الكندي في كتاب "الوالة والقضاة" (ص‪ ،100 :‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية)‪[ :‬أن مُوسَ ى بْن عيسى لمّا ولِّيَ مص ر من قِ َب ل‬

‫أمير المؤمنين هارون الرشيد أَذِن للنصارى فِي ُب ْنيان الكنائس التي هدمها عليّ بْن سُليمان‪ ،‬فبُنيت كلّها بم ْش َورة الليث بْن سعد وعبد هللا‬

‫البالد‪ ،‬واحتجَّ ا أن عامة الكنائس التي ِبمصر لم ُت ْبنَ إاَّل فِي اإْل ِ ْس اَل م فِي زمَن الص حابة والت ابعين] اهـ‬
‫‪.‬بْن َل ِهيعة‪ ،‬وقاال‪ :‬ه َُو من عِ مارة ِ‬

‫وقال اإلمام أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحكم في "فت وح مص ر والمغ رب" (ص‪ ،159 :‬ط‪ .‬مكتب ة الثقاف ة الديني ة)‪[ :‬وأوَّ ل كنيس ة‬

‫بنيت بفسطاط مصر‪ ،‬كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة‪ ،‬عن ابن لهيعة‪ ،‬عن بعض شيوخ أه ل مص ر‪ ،‬الكنيس ة ال تي خل ف القنط رة أي ام‬

‫مسلمة بن مخلّد‪ ،‬فأنكر ذلك الجند على مسلمة وقالوا له‪ :‬أتقّر لهم أن يبن وا الكن ائس! ح تى ك اد أن يق ع بينهم وبين ه ش رّ ‪ ،‬ف احت ّج عليهم‬

‫‪.‬مس لمة يومئ ذ فق ال‪ :‬إنه ا ليس ت في ق يروانكم‪ ،‬وإنم ا هي خارج ة في أرض هم‪ ،‬فس كتوا عن د ذل ك] اهـ‬
‫ويذكر المؤرخون أنه قد ُبنِيت في مصر عدة كنائس في القرن األول الهجري‪ ،‬مثل كنيسة "مار مرقص" باإلس كندرية م ا بين ع امي (‬

‫‪39‬هـ) و (‪65‬هـ)‪ ،‬وفي والية مسلمة بن مخلد على مصر بين عامي (‪47‬هـ) و (‪68‬هـ) ُبنِيت أول كنيسة بالفس طاط في ح ارة ال روم‪،‬‬

‫‪.‬كم ا س مح عب د العزي ز بن م روان حين أنش أ مدين ة "حل وان" ببن اء كنيس ة فيه ا‪ ،‬وس مح ك ذلك لبعض األس اقفة ببن اء دي رين‬

‫ويذكر العالمة الم ؤرخ المقري زي في خط ط مص ر المُس مَّى "المواع ظ واالعتب ار ب ذكر الخط ط واآلث ار" (‪ ،374 /4‬ط‪ .‬دار الكتب‬

‫‪.‬العلمية) أمثلة عديدة لكنائس أه ل الكت اب‪ ،‬ثم يق ول بع د ذل ك‪[ :‬وجمي ع كن ائس الق اهرة الم ذكورة محدَث ة في اإلس الم بال خالف] اهـ‬

‫وأنَّ ما قاله جماعة من الفقهاء بمنع إحداث الكنائس في بالد المسلمين‪ :‬هي أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفه ا االجتماعي ة المتعلق ة‬

‫بها؛ حيث مرت الدولة اإلسالمية منذ نشأتها بأحوال السلم والح رب‪ ،‬وتعرض ت للهجم ات الض ارية والحمالت الص ليبية ال تي اتخ ذت‬

‫طابعً ا دين ًّيا يغذيه جماعة من المنتسبين للكنيسة آن ذاك‪ ،‬مم ا دع ا فقه اء المس لمين إلى تب ني األق وال ال تي تس اعد على اس تقرار الدول ة‬

‫اإلسالمية والنظام العام من جهة‪ ،‬ورد العدوان على عقائد المسلمين ومساجدهم من جهة أخرى‪ .‬وال يخفى أن تغير الواقع يقتضي تغير‬

‫‪.‬الفت وى المبني ة علي ه؛ إذ الفت وى تتغ ير بتغ ير العوام ل األربع ة (الزم ان والمك ان واألش خاص واألح وال)‬

‫وال يصح جعل هذه األق وال حاكم ة على الش ريعة بح ال؛ إذ ال يوج د نص ش رعي ص حيح ص ريح يمن ع بن اء الكن ائس ودور العب ادة‬

‫وإحداثها في بالد المسلمين عندما يحتاج إليها أهل الكتاب من رعايا الدولة اإلس المية‪ ،‬ب ل األدل ة الش رعية الواض حة ومُج َم ل الت اريخ‬

‫اإلسالمي وحضارة المسلمين ‪-‬بل وبقاء الكنائس والمعابد نفسها في طول بالد اإلس الم وعرض ها‪ ،‬وش رقها وغربه ا‪ ،‬في ق ديم الزم ان‬

‫وحديثه‪ ،‬واستحداث كثير منها في بالد المسلمين في العهود اإلسالمية ‪-‬كل ذلك يشهد بجالء كيف احترم اإلسالم دور العب ادة وأعطاه ا‬

‫‪.‬من الرعاية والحماية ما لم يتوفر لها في أي دين أو حضارة أخرى‬

‫‪:‬الشبهة الثانية‬

‫أجمع العلماء على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحد َثت في أرض اإلس الم‪ ،‬وال تج وز معارض ة ولي األم ر في‬

‫ل تجب طاعته‬ ‫دمها‪ ،‬ب‬ ‫‪.‬ه‬

‫وبهذا يُعلم أنَّ السماح والرضا بإنشاء المعابد الكفري ة؛ مث ل الكن ائس‪ ،‬أو تخص يص مك ان له ا في أي بل د من بالد اإلس الم‪ ،‬من أعظم‬

‫هللا‬
‫هللا إِنَّ َ‬ ‫﴿و َتعَ َاو ُنوا عَ لَى ْال ِبرِّ َوال َّت ْق َوى َواَل َتعَ َاو ُنوا عَ لَى اإْل ِ ْث ِم َو ْالع ُْد َو ِ‬
‫ان َوا َّتقُوا َ‬ ‫اإلعانة على الكفر وإظهار شعائره؛ وهللا عز شأنه يقول‪َ  :‬‬

‫دة‪]2 :‬‬ ‫ابِ﴾‪[ ‬المائ‬ ‫دِي ُد ْال ِع َق‬ ‫‪َ .‬ش‬

‫قال شيخ اإلسالم‪" :‬من اعتقد أنَّ الكنائس بيوت هللا وأنَّ هللا يُعب ُد فيها‪ ،‬أو أنَّ ما يفعله اليهود والنصارى عبادة هلل وطاعة لرسوله‪ ،‬أو أنه‬

‫افر‬ ‫وك‬ ‫ة فه‬ ‫ة أو طاع‬ ‫ك قرب‬ ‫ة دينهم وأنَّ ذل‬ ‫ا وإقام‬ ‫انهم على فتحه‬ ‫اه‪ ،‬أو أع‬ ‫ك ويرض‬ ‫‪".‬يحب ذل‬

‫ْطانُ َس وَّ َل لَ ُه ْم َوأَمْ لَى‬ ‫َار ِه ْم مِنْ َبعْ ِد مَا َت َبيَّنَ لَ ُه ُم ْالهُدَ ى َّ‬
‫الش ي َ‬ ‫َ‬
‫وليحذر المسلم أن يكون له نصيب من قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّ الَّذِينَ ارْ َتدُّوا عَ لَى أ ْدب ِ‬

‫ض اأْل َمْ ِر َوهللاُ َيعْ لَ ُم إِسْ رَ ارَ ُه ْم ۞ َف َك ْيفَ إِ َذا َت َو َّف ْت ُه ُم ْال َماَل ِئ َك ُة ي ْ‬
‫َض ِربُونَ‬ ‫َل ُه ْم ۞ َذلِكَ ِبأ َ َّن ُه ْم َقالُوا لِلَّذِينَ َك ِرهُوا مَا َن َّز َل هللا ُ سَ ُنطِ ي ُع ُك ْم فِي َبعْ ِ‬
‫ض َوا َن ُه َفأَحْ َب َط أَعْ َم الَ ُه ْم﴾‪[ ‬محم د‪]28-25 :‬‬
‫‪.‬وُ ُج و َه ُه ْم َوأَ ْد َب ارَ ُه ْم ۞ َذلِ كَ ِب أ َ َّن ُه ُم ا َّت َب ُع وا َم ا أَ ْس َخ َط هللاَ َو َك ِر ُه وا ِر ْ‬

‫واب‬ ‫‪:‬الج‬

‫عَن الَّذِينَ َل ْم ُي َق اتِلُو ُك ْم فِي‬


‫أمر اإلسالم بإظهار البر والرحمة والقسط في التعامل م ع المخ الفين في العقي دة؛ فق ال تع الى‪﴿ :‬اَل َي ْن َه ا ُك ُم هللا ُ ِ‬

‫ة‪]8 :‬‬ ‫طِ ينَ ﴾[الممتحن‬ ‫ُ‬


‫طوا إِلَي ِْه ْم إِنَّ هللاَ ُيحِبُّ ْال ُم ْق ِس‬ ‫رُّ و ُه ْم َو ُت ْق ِس‬ ‫ار ُك ْم أَنْ َت َب‬ ‫و ُك ْم مِنْ ِد َي‬ ‫ِّين َولَ ْم ي ُْخ ِر ُج‬
‫د ِ‬ ‫‪.‬ال‬
‫ِ‬

‫ً‬
‫حفاظ ا لهم على دور عب اداتهم كم ا أم ر‬ ‫جماهير العلماء والفقهاء على جواز بناء م ا ته دَّم من الكن ائس ب ل واس تحداث كن ائس جدي دة‬

‫رع‬ ‫‪.‬الش‬

‫وقد حافظ المسلمونَ منذ البداية على تطبيق ما اشترطوه على أنفسهم من حماية دور العبادة الخاصة باألديان األخ رى‪ ،‬فلم تمت د أي ديهم‬

‫إلى ِب َي ع اليهود أو كنائس النصارى؛ فعندما نزل العرب في الموصل في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي هللا عنه وكان به ا‬

‫وبيَع ومحلة لليهود؛ قام والي الموصل "هرثم ة بْن عرفج ة الب ارقي" ب إنزال الع رب في أم اكن غ ير أم اكن‬
‫كنائس ومنازل للنصارى ِ‬

‫ً‬
‫جدا‬ ‫لمين مس‬ ‫نى للمس‬ ‫ارى وب‬ ‫ود والنص‬ ‫‪:‬اليه‬

‫البالذري في "فتوح البلدان" (ص‪ ،323 :‬ط‪ .‬دار ومكتبة الهالل)‪[ :‬حدثني أَبُو موسى الهروي عن أَ ِبي ْال َفضْ ل األنص اري عن أَ ِبي‬
‫ُ‬ ‫قال‬

‫عَن الموصل وواَّل ها هرثمة بْن عرفج ة الب ارقي وك ان به ا الحص ن‪،‬‬
‫المحارب الضبي أن ُعمَر ْبن الخطاب رضي هللا عنه عزل عتبة ِ‬

‫وب َي ع النصارى‪ ،‬ومنازل لهم قليلة عند تلك البيع‪ ،‬ومحلة اليهود؛ فمصرها هرثمة‪ ،‬فأنزل العرب من ازلهم‪ ،‬واخت َّط لهم‪ُ ،‬ث َّم ب نى المس جد‬
‫ِ‬

‫امع] اهـ‬ ‫‪.‬الج‬

‫ونصَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي هللا عنه في عهده ألهل القدس على حريتهم الديني ة وأعط اهم األم انَ ألنفس هم والس الم َة‬

‫لكنائسهم؛ وكتب لهم بذلك كتابًا؛ فروى اإلمام الطبري في "تاريخه" ( ‪ ،449 /2‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية)‪[ :‬عن خالد وعبادة‪ ،‬قاال‪ :‬صالح‬

‫عمر أهل إيلياء بالجابية‪ ،‬وكتب لهم‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬هذا ما أعطى عب ُد هللا عم ُر أمي ُر المؤمنين أه َل إيلياء من األمان؛ أعطاهم‬

‫كنائس هم وال ُته دَ ُم وال يُن َت َقصُ منه ا وال مِن‬


‫ُ‬ ‫أما ًنا ألنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئه ا وس ائر ملته ا‪ :‬أن ه ال ُتس َكنُ‬

‫ُض ارَّ أح د منهم‪ ..‬وعلى م ا في ه ذا الكت اب عه د هللا‬


‫حَ يِّزها وال من صَ لِيبهم وال من شيء من أموالهم‪ ،‬وال يُكرَ ه ون على دينهم‪ ،‬وال ي َ‬

‫وذمة رسوله صلى هللا عليه وآله وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية‪ .‬شهد على ذلك‪ :‬خال د بن الولي د‪،‬‬

‫‪.‬وعم رو بن الع اص‪ ،‬وعب د ال رحمن بن ع وف‪ ،‬ومعاوي ة بن أبي س فيان وكتب وحض ر س نة خمس عش رة] اهـ‬

‫وكتب ألهل لُ ّد كتابًا مماثاًل جاء فيه‪" :‬بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬هذا ما أعطى عب ُد هللا عمر أمير المؤم نين أه َل ل ُ ّد ومن دخ ل معهم من‬

‫وص لُبهم وس قيمهم وب ريئهم وس ائر ملتهم‪ :‬أن ه ال ُتس َكن كنائس هم وال‬
‫أهل فلسطين أجمعين؛ أعطاهم أما ًنا ألنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ُ‬

‫ص لُبهم وال من أم والهم‪ ،‬وال يُكرَ ه ون على دينهم‪ ،‬وال ي َ‬


‫ُض ارَّ أح د منهم‬ ‫‪ُ ".‬ته دَ م وال يُن َت َقص منه ا وال مِن حيزه ا وال ملله ا وال مِن ُ‬

‫وذكر ابن خلدون في "تاريخه" (‪ ،225 /2‬ط‪ .‬دار إحياء التراث العربي)‪[ :‬أنَّ عمر بن الخطاب رضي هللا عنه لمّا دخل بيتَ المق دس‬
‫حان وقت الصالة وهو في إحدى الكنائس‪ ،‬فقال ألسقفها‪ :‬أريد الصالة‪ ،‬فقال له‪ :‬ص ِّل موضعَ ك‪ ،‬فامتنع وص لّى على الدرج ة ال تي على‬

‫ْت داخ َل الكنيس ة أخ ذها المس لمون بع دى وق الوا‪ :‬هن ا ص لَّى عم ر] اهـ‬
‫ردا‪ ،‬فلم ا قض ى ص الته ق ال‪" :‬ل و ص لَّي ُ‬
‫‪.‬ب اب الكنيس ة منف ً‬

‫فقال‪" :‬وفاض الق رآن والح ديث "‪ "The live of Mohamet‬ونقل المستشرقون هذه الحادثة بإعجاب كما صنع درمنغم في كتابه‬

‫بالتوجيهات إلى التسامح‪ ،‬ولقد طبَّق الفاتحون المسلمون األولون هذه التوجيهات بدقة‪ ،‬عندما دخل عمر القدس أصدر أمره للمسلمين أن‬

‫ال يسببوا أي إزعاج للمسيحيين أو لكنائسهم‪ ،‬وعندما دعاه البطريق للص الة في كنيس ة القيام ة امتن ع‪ ،‬وعلَّل امتناع ه بخش يته أن يتخ ذ‬

‫المسلمون من صالته في الكنيسة سابقة‪ ،‬فيغلبوا النصارى على الكنيسة"‪ ،‬ومثله فعل ب سميث في كتابه‪" :‬محمد والمحمدي ة" اهـ‪ .‬نقالً‬

‫ين (ص‪)121-120 :‬‬ ‫الح الحص‬ ‫ة" لص‬ ‫امح والعدواني‬ ‫‪.‬عن "التس‬

‫وبمثل ذلك أعطى خالد بن الوليد رضي هللا عنه األمان ألهل دمشق على كنائسهم‪ ،‬وكتب لهم به كتابًا؛ كم ا ذك ره البالذري في "فت وح‬

‫ربي)‬ ‫ان الع‬ ‫ة البي‬ ‫دان" (ص‪ ،120 :‬ط‪ .‬لجن‬ ‫‪.‬البل‬

‫وكذلك فعل شرحبيل بن حسنة رضي هللا عنه بأهل طبري ة؛ فأعط اهم األم ان على أنفس هم وكنائس هم؛ كم ا ذك ره البالذري في "فت وح‬

‫دان" (ص‪)115 :‬‬ ‫‪.‬البل‬

‫وطلب أهل بعلبك من أبي عبيدة عامر بن الجراح رض ي هللا عن ه األم ان على أنفس هم وكنائس هم فأعط اهم ب ذلك كتا ًب ا؛ كم ا ج اء في‬

‫‪".‬فت وح البل دان" (ص‪ ،)129 :‬وك ذلك فع ل م ع أه ل حمص وأه ل حلب؛ كم ا ج اء في "فت وح البل دان" (ص‪)146 ،130 :‬‬

‫وأعطى عياض بن غنم رضي هللا عنه ألهل الرقة األمان على أنفسهم والس المة على كنائس هم وكتب لهم ب ذلك كتا ًب ا؛ ذك ره البالذري‬

‫دان" (ص‪)172 :‬‬ ‫وح البل‬ ‫‪.‬في "فت‬

‫وب َيعِهم‬
‫دَبي ل‪ ،‬وهي مدين ة بأرميني ة؛ حيث أمَّنهم على أنفس هم وأم والهم وكنائس هم ِ‬
‫وكذلك فعل حبيب بن مس لمة رض ي هللا عن ه بأه ل ِ‬

‫نصاراها ومجوسها ويهودها شاهدهم وغائبهم‪ .‬وكتب لهم بذلك كتابًا‪ ،‬وكان ذل ك في عه د الخليف ة الراش د عثم ان بن عف ان رض ي هللا‬

‫دان" (ص‪)199 :‬‬ ‫وح البل‬ ‫ا في "فت‬ ‫ه؛ كم‬ ‫‪.‬عن‬

‫كما حرص الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي هللا عنه على تطبيق هذه العهود‪ ،‬فكتب إلى عامله يأمره ب أاَّل يه دم كنيس ًة وال بيع ًة وال‬

‫ولحوا عليه‬ ‫ار ص‬


‫ٍ‬ ‫‪:‬بيتَ ن‬

‫فعن أُبَيِّ بن عبد هللا النخعي قال‪ :‬أتانا كتاب عمر بن عبد العزيز‪" :‬ال تهدموا بيعة‪ ،‬وال كنيسة‪ ،‬وال بيت نار صولحوا عليه" أخرجه ابن‬

‫ر)‬ ‫وال" (ص‪ ،123 :‬ط‪ .‬دار الفك‬ ‫الم في "األم‬ ‫م بن س‬ ‫د القاس‬ ‫و عبي‬ ‫نف"‪ ،‬وأب‬ ‫يبة في "المص‬ ‫‪.‬أبي ش‬

‫الخليفة عمر بن عبد العزيز بشدَّة هدم الكنائس أو تخريبها حينما ُ‬


‫طلب منه ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬إنَّ أصحاب هذه الكنائس هم من الرَ ع َّي ِة‬ ‫ُ‬ ‫ور َفضَ‬

‫ان لهم‬ ‫ير األم‬ ‫ايتهم وتوف‬ ‫ا حم‬ ‫تي يجب علين‬ ‫‪:‬ال‬

‫قال عبد هللا بن عبد الحكم في "سيرة عمر بن عبد العزيز" (ص‪ ،147 :‬ط‪ .‬عالم الكتب)‪[ :‬محاورة عم ر رَ ُجلَين من الخ وارج‪ :‬ودخ َل‬
‫رجُالن من الخوارج على عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فقاال‪ :‬السال ُم عليك يا إنسان‪ ،‬فقال‪ :‬وعليكما السالم يا إنسانان‪ ..‬قاال‪ :‬أهل عهو ِد رس ول‬

‫هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬قال‪ :‬لهم عهودهم‪ .‬قاال‪ :‬ال تكلفهم فوق طاقتهم‪ ،‬قال‪﴿ :‬اَل ُي َكلِّفُ هللاُ َن ْفسً ا إِاَّل وُ سْ عَ هَا﴾‪ ،‬قاال‪ :‬خرِّ ب الكن ائس‪،‬‬

‫تي] اهـ‬ ‫الح رعي‬ ‫ال‪ :‬هي من ص‬ ‫‪.‬ق‬

‫‪".‬وروى ابن أبي ش يبة في "مص نفه" عن عط ا ٍء رحم ه هللا أن ه ُس ئِل عن الكن ائس؛ ته دم؟ ق ال‪" :‬ال‪ ،‬إال م ا ك ان منه ا في الح رم‬

‫وكان من المتوقع عند إنشاء مدينة بغداد وقيام الدولة العباسية‪ ،‬أن ال ُتقام فيها كنيسة وال بيعة‪ ،‬باعتباره ا مدين ة جدي دة‪ ،‬وم ع ذل ك فق د‬

‫كان لنصارى بغداد معابدَ وكنائسَ عديدة في شرق المدينة وغربها؛ ألنَّ الخلفاء العباسيين قد سمحوا لهم بإنشاء هذه الكنائس وترميم م ا‬

‫دَّم منها‬ ‫‪.‬ته‬

‫ت واسع ٍة في إنشاء كنائسهم والتعبد فيها‪ ،‬واش ُتهرت هذه الكنائس بأبنيتها الش امخة وقبابه ا‬
‫وقد تمتع النصارى في ظل هذه المُدن بحريا ٍ‬

‫العالية وساحاتها الواسعة‪ ،‬مما جعل بعض الخلفاء يتخذها م َْلجَ أ ً للترويح عن النفس ً‬
‫بعيدا عن متاعب الحكم وشئون البالد كما في مدين ة‬

‫‪":‬المنص ور" ال تي ك انت محفوف ة بال ديارات النص رانية ال تي يلج أ إليه ا الزائ رون من غ ير النص ارى‬

‫قال العاَّل مة أبو الفرج األصبهاني في "الديارات" (ص‪ ،45 :‬ط‪ .‬رياض الريِّس)‪[ :‬أخبرني محمد بن مزيد قال ح دثنا حم اد بن إس حاق‬

‫قال‪ :‬حدثني أحمد بن صدقة‪ ،‬قال‪ :‬خرجنا مع المأمون‪ ،‬فنزلنا ال دير األعلى بالموص ل لطيب ه ونزاهت ه‪ ،‬وج اء عي د "الش عانين"‪ ،‬فجلس‬

‫المأمون في موضع منه حسن مشرف على دجلة والصحراء والبساتين‪ ،‬ويشاهد منه من يدخل الدير‪ ..‬فرأى المأمون ذل ك‪ ،‬فاستحس نه]‬

‫‪.‬اهـ‬

‫وقال العاَّل مة الشابشتي في "الديارات" (ص‪ ،258 :‬ط‪ .‬دار الرائ د الع ربي)‪[ :‬وه ذا العم ر باألنب ار‪ ،‬على الف رات‪ ،‬وه و عم ر حس نٌ‬

‫كبير‪ ،‬كثير القاليات والرهبان‪ ،‬وعليه سور محكم البناء‪ ،‬فهو كالحصن ل ه‪ ،‬والج امع مالص قه‪ ،‬وال يخل و من المت نزهين والمتظ رفين‪،‬‬

‫وله ظاه ٌر حسنٌ ومنظ ٌر عجيبٌ ‪ ،‬سيما في أيام الربيع؛ ألنَّ صحاريه وسائر أراضيه تكون كال ُحلَ ِل؛ لكثرة طرائف زهره وفنون أن واره‪،‬‬

‫ه] اهـ‬ ‫دة مقام‬ ‫هم‬ ‫اء ومن دونهم ينزل‬ ‫ار من الخلف‬ ‫از باألنب‬ ‫‪.‬ومن اجت‬

‫ولم يكتف الوالة بمساعدة األقباط على تجديد كنائسهم القديمة؛ بل ش جعوهم على بن اء كن ائس جدي دة؛ فم ع مجيء ج وهر الص قلي إلى‬

‫وس مي‬ ‫ً‬


‫عوض ا عن ال دير ال ذي هدم ه‪ُ ،‬‬ ‫مصر وإنشائه لمدينة القاهرة أُضطر إلى هدم دير بالقرب من المدينة الجديدة‪ ،‬فعمَّر ديرً ا آخ ر‬

‫دق‬ ‫دير "الخن‬ ‫‪".‬ب‬

‫قال العاَّل مة المقريزي في "المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار" (‪ ،433 /4‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية)‪[ :‬دير الخندق‪ :‬ظ اهر الق اهرة‬

‫من بحريها‪ ،‬عمَّره القائد جوهر عوضً ا عن ٍ‬


‫دير هد َم ُه في القاهرة‪ ،‬كان ب القرب من الج امع األقم ر حيث الب ئر ال تي تع رف اآلن بب ئر‬

‫‪".‬العظم ة"‪ ،‬وك انت إذ ذاك تع رف بب ئر العظ ام من أج ل أن ه نق ل عظا ًم ا ك انت بال دير وجعله ا ب دير الخن دق] اهـ‬

‫وعلى ذلك‪ :‬فالدولة اإلسالمية أتاحت ألهل الذمة من النص ارى بن اء الكن ائس في الم دن الجدي دة‪ ،‬وك انت تش يَّد بموافق ة الحك ام وتحت‬
‫الحاكم يرفع الخالف؛ فإذا تخير الحاك ُم المسلم مذهبًا فقه ًّيا رأى فيه المص لحة العا َم ة‬
‫ِ‬ ‫أنظارهم‪ ،‬ومن المقرر في القواعد الفقهية أنَّ حك َم‬

‫ُلزمًا لكل مَن كان في واليته‪ ،‬وال يجوز له مخالفته وإال ُع َّد ذلك افتيا ًت ا على س لطان المس لمين وخروجً ا‬
‫واألمن االجتماعي فقد صار م ِ‬

‫اد‬ ‫الح البالد والعب‬ ‫يع مص‬ ‫ا يض‬ ‫اد م‬ ‫ك من الفس‬ ‫اعتهم وكلمتهم‪ ،‬وفي ذل‬ ‫‪.‬على جم‬

‫وال يجوز معارضة ولي األمر في ذلك؛ بل تجب طاعته بنص هذه الشبهة‪ ،‬إاَّل أ َّنها اشتملت على خلطٍ للمفاهيم‪ ،‬وقلب للحقائق‪ ،‬وتكذيب‬

‫للتاريخ؛ فليس هناك أجماع من العلماء على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد كما تقرره هذه الش بهة‪ ،‬وليس هن اك أم ٌر به دمها‬

‫دمها‬ ‫ته في ه‬ ‫وز معارض‬ ‫ه وال تج‬ ‫تى تجب طاعت‬ ‫رح‬ ‫‪.‬من ولي األم‬

‫وإذا كانت الكنائس قد تعرضت في بعض األحيان للهدم أو التخريب‪ ،‬فهذا األمر مرتبط بأحوال شخصية كردو ِد فع ٍل من بعض الع وام‬

‫اس لظ روف سياس ية خارجي ة؛ كم ا ح دث من أه ل مص ر في العص ر‬


‫لوقائع م ا ُس رعان م ا ك انت تنتهي آثاره ا وتتالش ى‪ ،‬أو انعك ٍ‬

‫اإلخشيدي حينما قام العامَّة بتخريب الكنائس لمَّا علموا بدخول البيزنطيون الشام عام (‪349‬هـ)‪ ،‬وأيضً ا حينم ا ض ربوا إح دى الكن ائس‬

‫‪: ‬في مص ر القديم ة لمَّا غ زا اإلم براطور "نقف ور" جزي رة "ك ريت" وض رب م ا فيه ا من المس اجد وقت ل المس لمين وحاص رهم‬

‫يقول العاَّل مة يحيى بن سعيد األنطاكي في "تاريخه" (ص‪ ،443 :‬ط‪ .‬جروس ب رس‪ ،‬ط رابلس)‪[ :‬وفي س نة تس ع وأربع ون وثالثمائ ة‬

‫حوصرت "أقريطش" –كريت‪ -‬حاصرها نقفور الفقاس الدمس تق‪ ،‬وفتحه ا بع د حص ار عش رة أش هر‪ ،‬وقُت ل فيه ا خل ق كث ير عظيم ال‬

‫يحصى‪ ،‬وسبا جمي ع أهله ا‪ ،‬ولم يس لم منهم إال ّ نف ر يس ير من الرج ال ال ذي تعلّق وا في رؤوس الجب ال‪ ..‬وورد إلى مص ر الخ بر ليل ة‬

‫الجمعة‪ ،‬قبل عيد الشعانين بيومين‪ ،‬سنة خمسين وثالثمائة‪ ،‬فوثبَ الخرافيش والرمادية والفواغ إلى كنيسة ميكائيل ال تي بقص ر الش مع‪،‬‬

‫أيض ا كنيس ة م اري ت اودورس‪ ،‬وكنيس تي ال ّنس طوريّة‪ ،‬وكنيس ة القب ط ال تي تع رف بكنيس ة‬
‫فهدموا منها ونهبوا ما كان فيه ا‪ ،‬ونهب وا ً‬

‫زنٌ عظي ٌم] اهـ‬ ‫ارى ح‬ ‫ان على النص‬ ‫رك‪ ،‬وك‬ ‫‪.‬البط‬

‫يقول المؤرخ محمد ُكرْ د علي في "خطط الشام" ( ‪ ،12-10 /6‬ط‪ .‬مكتبة النوري‪ ،‬دمشق)‪[ :‬وكان الداعي إلى ذلك ما وقع من اضطهاد‬

‫المسلمين في الروم على الغالب فلم يجد ملوك اإلسالم واسطة لتخفيف الش ر الواق ع على رعاي اهم من أه ل اإلس الم إال بالض غط على‬

‫النصارى في ديارهم والتأثير في ملوك النصارى بضربهم في أكبادهم في كنائس هي مهوى قل وب أبن ائهم في بيت المق دس‪ ..‬وأهم م ا‬

‫نال الكنائس في الشام من األذى‪ ،‬كان على عهد الحاكم ب أمر هللا الف اطمي فإن ه لم يب ق في مملكت ه دي رً ا وال كنيس ة إال ه دمها‪ ..‬وع اد‬

‫الحاكم بعد أن ضرب النصارى في كنائسهم في جميع أرجاء مملكته فأعطاهم عهداً كما كان يعطي الخلفاء العادلون ومنها هذا المنشور‬

‫الذي أورده ابن بطريق‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم‪ :‬أمر أمير المؤم نين بكتب ه ذا المنش ور ل نيقيفور بطري رك بيت المق دس بم ا رآه من‬

‫إجابة رغبته‪ ،‬وأطلق بغيته‪ ،‬من صيانته وحياطته‪ ،‬وال ذب عن ه وعن أه ل الذم ة من نحلت ه‪ ،‬وتمكينهم من ص لواتهم على رس ومهم في‬

‫افتراقهم واجتماعهم‪ ،‬وترك االعتراض لمن يصلي منهم في عرصة الكنيسة المعروفة بالقيام ة وخربته ا‪ ،‬على اختالف رأي ه ومذهب ه‪،‬‬

‫ومفارقته في دينه وعقيدته‪ ،‬وإقامة ما يلزمه في حدود ديانته‪ ،‬وحفظ المواضع الباقية في قبضته‪ ،‬داخل البلد وخارج ه وال ديارات وبيت‬
‫لحم ول ّد ‪ ،‬وما برسم هذه المواضع من الدور المنضوية إليها‪ ،‬والمنع من نقض المصلبات بها‪ ،‬واالعتراض ألحباسها المطلق ة له ا‪ ،‬ومن‬

‫ً‬
‫وحفظ ا لذم ة اإلس الم فيهم‪ ،‬فمن ق رأه أو‬ ‫هدم جداراتها وسائر أبنيتها‪ ،‬إحسا ًنا من أمير المؤمنين إليهم‪ ،‬ودفع األذى عنهم وعن ك افتهم‪،‬‬

‫قُرئ عليه من األولياء والوالة‪ ،‬ومتولي هذه النواحي وكافة الحماة‪ ،‬وسائر المتصوفين في األعمال‪ ،‬والمستخدمين على س ائر من ازلهم‪،‬‬

‫وتفاوت درجاتهم‪ ،‬واستمرار خدمتهم‪ ،‬أو تعاقب نظرهم‪ ،‬في هذا الوقت وما يليه‪ ،‬فليعلم ذلك من أمير المؤم نين ورس مه‪ ،‬ويعم ل علي ه‬

‫وبحسبه‪ ،‬وليحذر من تعدى وحده ومخالفة حكمه‪ ،‬ويتجنب مباين ة نص ه ومجانب ة ش رحه‪ ،‬ولق رّ ه ذا المنش ور في ي ده حج ة لمودع ه‪،‬‬

‫يستعين بها على نيل طلبه‪ ،‬وإدراك بغيته‪ ،‬إن شاء هللا تعالى‪ .‬وكتب في جمادى األخرى سنة إحدى عشرة وأربعمائ ة‪ .‬وفي أعاله بخ ط‬

‫المين] اهـ‬ ‫د هلِل رب الع‬ ‫ع‪ :‬الحم‬ ‫اكم توقي‬ ‫‪.‬الح‬

‫مث ُل هذه األفعال استثنا ًء لما كان عليه حال األُمة اإلسالمية وحكومتها من التسامح والتعايش وتعزيز المواطنة بحماية غير المس لمين‬
‫و ُت ِّ‬

‫وقهم‬ ‫ة حق‬ ‫ادتهم ورعاي‬ ‫ظ دور عب‬ ‫‪.‬وحف‬

‫كما أن األمر بتخريب دور العبادة أو هدمها مخالف؛ لما أمر به الشرع على س بيل الوج وب من المحافظ ة على خمس ة أش ياء أجمعت‬

‫‪.‬كل الملل على وجوب المحافظة عليها‪ ،‬وهي‪ :‬األديان‪ ،‬والنفوس‪ ،‬والعق ول‪ ،‬واألع راض‪ ،‬واألم وال‪ ،‬وهي المقاص د الش رعية الخمسة‬

‫‪.‬ومن الجليّ أن الق ول به دم الكن ائس َتك رُّ على بعض ه ذه المقاص د ال واجب ص يانتها ب البطالن‪ ،‬ومنه ا حف ظ األدي ان‬

‫وأما ما يُح َت ُّج به على منع بناء الكنائس في بالد اإلسالم من أ َّنه ال يجوز اجتماع قبلتين في بل ٍد واح ٍد من بالد اإلسالم‪ ،‬وأن ال يكون فيها‬

‫شيء من شعائر الكفار ال كنائس وال غيرها؛ ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء ه ذه المعاب د الكفري ة؛ مِن مث ل م ا ُي رْ َوى عن الن بي‬

‫صلى هللا عليه وآله وسلم نحو‪« :‬ال تحدثوا كنيسة في اإلسالم‪ ،‬وال تجددوا م ا ذهب منه ا»‪ ،‬أو‪« :‬ال خص اء في اإلس الم وال كنيس ة»‪،‬‬

‫أو‪« :‬اهدموا الصوامع واهدموا البيع»‪ ،‬فكلها أحاديث ضعيفة ال تقوم بها حجة‪ ،‬وال يُعمَل بمثلها في األحك ام‪ ،‬والص حيح منه ا محم ول‬

‫على منع بناء الكنائس في جزيرة العرب دون سواها من دول اإلسالم‪ ،‬وحكاية اإلجماع في ذلك مخالفٌ لمَا عليه عم ُل المس لمين س ل ًفا‬

‫بق‬ ‫اس‬ ‫ا كم‬ ‫‪.‬وخل ًف‬

‫وما قيل في هذه الشبهة من أنَّ من يرتضي بناء الكنائس أو يعتقد أنَّ أهلها في عبادة فهو كافر مرتد خ ارج عن اإلس الم‪ ،‬وي دخل تحت‬

‫الى‬ ‫ه تع‬ ‫‪:‬قول‬

‫د‪﴿]28-25 :‬‬ ‫دَ ى‪[ ﴾..‬محم‬ ‫ا َت َبيَّنَ لَ ُه ُم ْال ُه‬ ‫ِد َم‬ ‫ار ِه ْم مِنْ َبعْ‬
‫ِ‬ ‫دُّوا عَ لَى أَ ْد َب‬ ‫‪.‬إِنَّ الَّذِينَ ارْ َت‬

‫رين‬ ‫رق بين أم‬ ‫َّد أن نف‬ ‫ول‪ :‬ال ُب‬ ‫‪:‬فنق‬

‫‪.‬األول‪  :‬فقه الدولة في تحقيق مبدأ المواطنة والتكافل المجتمعي بين أصحاب الديانات‪ ،‬وحماية دور العب ادة ال تي يق وم به ا اف راد الدولة‬

‫‪.‬الث اني‪ :‬فق ه األف راد في المحافظ ة على المعتق دات والغَ يرة على ال دين ونح و ذل ك مم ا يتعل ق بح ال الف رد تج اه دين ه ومعتق ده‬

‫ٌ‬
‫فارق بين تفسير النص ال وارد بم ا يحتمل ه من مع اني ح ول ه ذا المفه وم‪ ،‬وبين إمكاني ة تط بيق النص على واق ع الن اس‬ ‫وأيضً ا هناك‬
‫والهم‬ ‫‪.‬وأح‬

‫وترس خ في أذه انهم عن د تط بيق ه ذه النص وص على‬


‫َّ‬ ‫فالصحابة الكرام كانوا أعلم الناس بهذه النصوص‪ ،‬لكنهم وضعوا في اعتب ارهم‬

‫ور‬ ‫دَّة أُم‬ ‫والهم ع‬ ‫‪:‬واقعهم وأح‬

‫أنهم م أمورون بع دم إك راه غ ير المس لمين على ال دخول في اإلس الم‪ ،‬وذل ك بنص الق رآن الك ريم‪ ،‬ق ال تع الى‪﴿ :‬اَل إِ ْك رَ ا َه فِي ‪-‬‬

‫ِّين﴾‪[ ‬البقرة‪ ،]256 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬لَ ُك ْم دِي ُن ُك ْم َولِيَ د ِ‬


‫ِين﴾‪[ ‬الكافرون‪ .]6 :‬وهذا األمر يقتضي تركهم على دينهم وما يعبدون‪ ،‬وال يع ني‬ ‫الد ِ‬

‫هذا إقرار المسلمين على اعتقادهم وعبادتهم؛ فقد نصَّ األصوليون على أنَّ ترك النبي صلى هللا علي ه وآل ه وس لم للمس يحي يمش ي إلى‬

‫‪.‬كنيسته وهو ينظر إليه؛ ال يُع ُّد إقرارً ا من ه ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم م ع علم ِه بإنك ار المس يحي لنبوَّ ت ه ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم‬

‫أنهم مأمورون بعدم االعتداء على دور العبادات الخاصة بهم؛ بل بالمجاهدة في ال دفاع عنه ا‪ ،‬حيث إنَّ االعت داء على دور العب ادات ‪-‬‬

‫لغير المسلمين فيه نقض للعه د وإخف ار لذم ة المس لمين وتض ييع له ا؛ ألنهم مواطن ون لهم ح ق المواطن ة‪ ،‬وق د تعاق دوا م ع المس لمين‬

‫‪:‬وتعاه دوا على التع ايش معً ا في ال وطن بس الم وأم ان‪ ،‬وه و األم ر ال ذي نهت عن ه النص وص ب ل وأم رت بخالفه‬

‫دة‪]1 :‬‬ ‫ْال ُعقُودِ﴾‪[ ‬المائ‬ ‫وا ِب‬ ‫وا أَ ْوفُ‬ ‫ا الَّذِينَ آ َم ُن‬ ‫ا أَ ُّي َه‬ ‫الى‪َ ﴿ :‬ي‬ ‫ال هللا تع‬ ‫‪.‬ق‬

‫وعن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما أن النبي صلى هللا عليه وآله وسلم قال‪« :‬أَرْ َب ٌع َمنْ ُكنَّ فِي ِه َكانَ ُم َنا ِف ًقا َخالِصً ا‪َ ،‬و َمنْ َك ا َن ْ‬
‫ت فِي ِه‬

‫َّث َك َذبَ ‪َ ،‬وإِ َذا عَ اهَدَ غَدَ رَ ‪َ ،‬وإِ َذا َخاصَ َم َفجَ رَ » متف ق عليه‬ ‫ت فِي ِه َخصْ لَ ٌة مِنَ ال ِّن َف ِ‬
‫اق حَ َّتى يَدَ عَ هَا‪ :‬إِ َذا ْاؤ ُتمِنَ َخانَ ‪َ ،‬وإِ َذا حَ د َ‬ ‫‪.‬خصْ لَ ٌة ِم ْنهُنَّ َكا َن ْ‬
‫َ‬

‫وعن أم ير المؤم نين علي بن أبي ط الب رض ي هللا عن ه أن ه ق ال‪" :‬م ا عن دنا كت اب نق رؤه إال كت اب هللا غ ير ه ذه الص حيفة"‪ ،‬ق ال‪:‬‬

‫هللا َوالمَال ِئ َك ِة َوال َّناس أَجْ َمعِينَ ‪ ،‬الَ يُق َب ل‬


‫فأخرجها‪ ،‬فإذا فيها‪..« :‬و ِذم َُّة المُسْ لِمينَ َواحِدَ ةٌ؛ َيسْ عَ ى ِبهَا أَ ْد َنا ُه ْم‪َ ،‬ف َمنْ أَ ْخ َف رَ م ُْس لِمًا َفعَ لَ ْي ِه لَعْ َن ُة ِ‬

‫ِم ْن ُه يَو َم القِيَا َم ِة صَ رْ فٌ َوالَ عَ ْدل» رواه ابن أبي شية في "المص نف"‪ ،‬وأحم د في "المس ند"‪ ،‬والبخ اري في "الص حيح"‪ ،‬وأب و داود في‬

‫"السنن"‪ ،‬والترمذي في "السنن"‪ ،‬والنسائي في "السنن الك برى"‪ ،‬وابن حب ان في "الص حيح"‪ ،‬والط براني في "األوس ط"‪ ،‬والح اكم في‬

‫نن‬ ‫رح الس‬ ‫وي في "ش‬ ‫غرى"‪ ،‬والبغ‬ ‫برى" و"الص‬ ‫بيهقي في "الك‬ ‫تدرك"‪ ،‬وال‬ ‫‪"".‬المس‬

‫وقوله صلى هللا عليه وآله وسلم‪« :‬ذمة المسلمين»؛ أي‪ :‬عهدهم‪ ،‬وقوله‪« :‬يسعى بها أدناهم»؛ أي‪ :‬يتولى ذم َتهم أقلُّهم شأ ًنا أو ً‬
‫عددا؛ فإذا‬

‫عهدا لم يكن ألح ٍد نقضُه‪ ،‬وقول ه‪« :‬مَن أَخف ر»؛ أي‪ :‬نقض العه د‪ ،‬وقول ه‪« :‬ص رف وال‬
‫أعطى أحد المسلمين ‪-‬فضالً عن ولي أمرهم‪ً -‬‬

‫ي ًئا من عمله‬ ‫هش‬ ‫الى من‬ ‫ل هللا تع‬ ‫دل»؛ أي‪ :‬ال يقب‬ ‫‪.‬ع‬

‫قال الحافظ ابن حجر العسقالني في "فتح الباري" (‪ ،86 /4‬ط‪ .‬الس لفية)‪[ :‬والمع نى‪ :‬أن ذم ة المس لمين س واءٌ؛ ص درت من واح د أو‬

‫نقض ه؛ فيس توي في ذل ك الرج ل والم رأة والح ر‬


‫ُ‬ ‫أكثر‪ ،‬شريف أو وضيع‪ ،‬فإذا أمَّن أح ٌد من المسلمين كافرً ا وأعطاه ذم ًة لم يكن ألح د‬

‫‪.‬والعبد؛ ألن المسلمين ك َن ٍ‬


‫فس واحدة] اهـ‬

‫بهة الثالثة‬ ‫‪:‬الش‬


‫صار من ضروريات الدين تحري ُم الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد هلل على خالف ما جاء في شريعة اإلسالم؛ ومنه‪ :‬تحريم بن اء معاب د‬

‫وفق شرائع منسوخة؛ يهودية‪ ،‬أو نصرانية‪ ،‬أو غيرهما؛ ألنَّ تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية؛ ألنَّ العبادات‬

‫﴿و َق دِمْ َنا‬


‫التي تؤدى فيها على خالف شريعة اإلسالم الناسخة لجميع الشرائع قبلها والمبطلة لها‪ ،‬وهللا تعالى يقول عن الكف ار وأعم الهم‪َ  :‬‬

‫إِلَى مَا عَ مِلُوا مِنْ عَ م ٍَل َفجَ عَ ْل َناهُ َهبَا ًء َم ْن ُثورً ا﴾[الفرقان‪ ،]23 :‬وال يجوز اجتماع قبلتين في بل ٍد واح ٍد من بالد اإلس الم‪ ،‬وال أن يك ون فيه ا‬

‫شيء من شعائر الكفار ال كنائس وال غيرها؛ ولهذا أجمع العلماء على تحريم بن اء ه ذه المعاب د الكفري ة‪ .‬وق د ق ال ش يخ اإلس الم‪" :‬من‬

‫كنائس هم قرب ٌة إلى هللا فه و مرت دٌّ‪ ،‬وإن جه ل أنَّ ذل ك مح رم ُع رِّ ف ذل ك‪ ،‬ف إن أص رَّ ص ار مرت ‪ًًّg‬دا" اهـ‬
‫َ‬ ‫‪.‬اعتقد أنَّ زي ارة أه ِل الذم ة‬

‫واب‬ ‫‪:‬الج‬

‫اإلسالم دينُ التعايش‪ ،‬ومبادئه تدعو إلى السالم‪ ،‬وال ُتقِرُّ العنف‪ ،‬ولذلك لم يجبر أصحاب الديانات األخرى على الدخول في ه‪ ،‬ب ل جع ل‬

‫ِّين َق ْد َت َبيَّنَ الرُّ ْش ُد مِنَ‬


‫ذل ك باختي ار اإلنس ان‪ ،‬في آي ات كث يرة نص فيه ا الش رع على حري ة الديان ة؛ كقول ه تع الى‪﴿  :‬ال إِ ْك رَ اه في ال د ِ‬

‫ْالغَ يِّ ﴾‪[ ‬البقرة‪ ،]256 :‬وقوله سبحانه‪﴿ :‬وقُ ِل ْالحَ ُّق مِن رَ ِّب ُك ْم َف َمنْ َشا َء ْفلي ُْؤمِن و َمنْ َش اء َف ْلي َْكفُ رْ ﴾‪[ ‬الكه ف‪ ،]29 :‬وق ال ج ل ش أنه‪﴿ :‬لَ ُك ْم‬

‫افرون‪]6 :‬‬ ‫‪.‬دِي ُن ُكم ولِيَ د ِ‬


‫ِين﴾‪[ ‬الك‬

‫ُجب رْ هم على ال دخول في اإلس الم قه رً ا‪ ،‬وس مح لهم بممارس ة طق وس‬


‫أمر اإلسالم أتباعه بترك الناس وما اخت اروه من أدي انهم‪ ،‬ولم ي ِ‬

‫‪.‬أديانهم في دور عبادتهم‪ ،‬وضمن لهم من أجل ذل ك س المة دور العب ادة‪ ،‬وأَ ْواله ا عناي ة خاص ة؛ فح رم االعت داء بكاف ة أش كاله عليها‬

‫بل إن القرآن الكريم جعل تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع الع دوان وتمكين هللا تع الى لهم في األرض س ببًا في حف ظ دور‬

‫العبادة –سواء أكانت للمسلمين أم لغيرهم‪ -‬من الهدم وضما ًنا ألمنه ا وس المة أص حابها‪ ،‬وذل ك في قول ه تع الى‪َ  :‬‬
‫﴿ولَ ْواَل دَ ْف ُع ِ‬
‫هللا ال َّناسَ‬

‫هللا َل َق ِويٌّ عَ ِزي ز ۞ الَّذِينَ‬


‫ص ُرهُ إِنَّ َ‬ ‫ات َومَسَ ا ِج ُد ي ُْذ َك ُر فِيهَا اسْ ُم ِ‬
‫هللا َكثِيرً ا َولَيَنصُرَ نَّ هللا ُ مَن يَن ُ‬ ‫صَوا ِم ُع َو ِب َي ٌع َوصَ لَ َو ٌ‬
‫َت َ‬‫ض لَ ُه ِّدم ْ‬
‫َبعْ ضَ ُه ْم ِب َبعْ ٍ‬

‫ُ‬ ‫‪.‬إِن َّم َّك َّنا ُه ْم فِي األَرْ ِ‬


‫هلل عَ اقِ َب ُة األ ُم ِ‬
‫ور﴾ ‪[ ‬الحج‪]41-40 :‬‬ ‫الز َك ا َة َوأَ َم رُوا ِب ْال َمعْ رُوفِ َو َن َه ْوا ِ‬
‫عَن ْالمُن َك ِر َو ِ‬ ‫ض أَ َق امُوا َّ‬
‫الص ال َة َوآ َت وُ ا َّ‬

‫والب َي ع‪ :‬مس اجد اليه ود‪ ،‬و"ص لوات"‪ :‬كن ائس النص ارى‪،‬‬
‫ق ال ابن عب اس رض ي هللا عنهم ا‪" :‬الص وامع‪ :‬ال تي تك ون فيه ا الرهب ان‪ِ ،‬‬

‫ير‬ ‫اتم في "التفس‬ ‫د وابن أبي ح‬ ‫د بن حمي‬ ‫ه عب‬ ‫لمين" أخرج‬ ‫اجد المس‬ ‫اجد‪ :‬مس‬ ‫‪".‬والمس‬

‫وما ورد في الشبهة‪ :‬أنَّ من اعتقد أنَّ زيارة المسيحي للكنيسة ُتعَ ُّد قربة يتقرب بها إلى هللا؛ فه و ك افر أو مرت د‪ ..‬إلى آخ ر م ا ج اء في‬

‫ول‬ ‫بهة؛ فنق‬ ‫ذه الش‬ ‫‪:‬ه‬

‫القضية هنا ليست في اعتقاد من يعتقد ذلك أو يرتضيه‪ ،‬وإنما القضية في أن هذه الدور أُنشئت بغرض العبادة‪ ،‬وذهابهم إليها إ َّنما يك ون‬

‫ادة‬ ‫ل العب‬ ‫‪.‬من أج‬

‫ات َومَسَ ا ِج ُد ي ُْذ َك ُر‬


‫﴿‪..‬صَوا ِم ُع َو ِب َي ٌع َوصَ لَ َو ٌ‬
‫َ‬ ‫قال مقاتل بن سليمان في "تفسيره" (‪ ،385 /2‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية) عند تفسير قوله تعالى‪ :‬‬

‫هللا َك ِث يرً ا﴾‪[ :‬ك ل ه ؤالء المل ل ي ذكرون هللا كث يراً في مس اجدهم‪ ،‬ف دفع هللا ع ز وج ل بالمس لمين عنه ا] اهـ‬ ‫‪.‬فِي َه ا ْ‬
‫اس ُم ِ‬
‫فينبغي أن يتركَ الذمي وحاله في عبادته مع هللا‪ ،‬وهللا سبحانه خالقنا وخالقه هو من يُحاسبنا جميعً ا‪ ،‬ولم نسمع أنَّ ً‬
‫أحدا من المسلمين قال‬

‫الى‬ ‫ة إلى هللا تع‬ ‫ادات قُرب‬ ‫ذه العب‬ ‫أنَّ ه‬ ‫‪:‬ب‬

‫فعن سعيد بن المسيب‪" :‬أن أبا بكر رضي هللا عنه لما بعث الجنود نحو الشام يزي د بن أبي س فيان‪ ،‬وعم رو بن الع اص‪ُ ،‬‬
‫وش رَ حْ بيل بن‬

‫حسَ َن َة ‪ ،‬قال‪ :‬لما ركبوا مشى أبو بكر مع أمراء جنوده يودعهم حتى بلغ ثنية الوداع‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا خليفة رس ول هللا‪ ،‬أتمش ي ونحن ركب ان؟‬

‫فقال‪" :‬إني أحتسب خطاي هذه في سبيل هللا" ثم جعل يوصيهم‪ ،‬فقال‪" :‬أوص يكم بتق وى هللا‪ ،‬اغ زوا في س بيل هللا فق اتلوا من كف ر باهلل‪،‬‬

‫فإن هللا ناصر دينه‪ ،‬وال تغلوا‪ ،‬وال تغدروا‪ ،‬وال تجبنوا‪ ،‬وال تفس دوا في األرض‪ ،‬وال تعص وا م ا ت ؤمرون‪ ..‬وس تجدون أقوام ا حبس وا‬

‫‪".‬أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفس هم ل ه‪ "..‬أخرج ه الطح اوي في "ش رح مش كل اآلث ار"‪ ،‬وال بيهقي في "الس نن الك برى‬

‫قال العارف باهلل الحكيم الترمذي في "نوادر األصول" (‪ ،193-191 /1‬ط‪ .‬دار المنه اج)‪[ :‬فال ذين ترك وا ال دنيا وحبس وا أنفس هم في‬

‫ض لهم فلم يُطالبوا بجزية؛ ألنهم َتر ُكوا ف ُت ِر ُكوا] اهـ‬


‫‪.‬الصوامع واعتزلوا أمَرَ بترك التعرُّ ِ‬

‫‪:‬ال ُ‬
‫شبهة الرابعة‬

‫من المعلوم أنَّ األشياء التي ينتقض بها عهد الذمي‪ :‬االمتناع من بذل الجزية‪ ،‬وعدم التزام أحكام اإلس الم‪ ،‬وأن يُقات ل المس لمين منف ً‬
‫ردا‬

‫أو في الحرب‪ ،‬وأن يلتحق الذمي بدار الحرب مُقيمًا بها‪ ،‬وأن يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم‪ ،‬والزنا ب امرأ ٍة مس لمة‪ ،‬وأن ي ذكر‬

‫وء‬ ‫ه بس‬ ‫وله أو كتب‬ ‫الى أو رس‬ ‫‪.‬هللا تع‬

‫‪.‬وإذا انتقض عه د ال ذمي‪ :‬ح َّل دم ه ومال ه‪ ،‬وس ار حرب ‪ًًّg‬يا يُخ ير في ه اإلم ام بين القت ل‪ ،‬أو االس ترقاق‪ ،‬أو المن بال فدي ة‪ ،‬أو الف داء‬

‫واب‬ ‫‪:‬الج‬

‫هذه األمور ‪-‬كما قلنا‪ -‬متعلقة بكيان الدولة اإلسالمية‪ ،‬ومبنية على االستقرار والنظ ام الع ام‪ ،‬نظ رً ا لم ا ط رأ على الدول ة من متغ يرات‬

‫عالمية ودولية وإقليمية ومحلية‪ ،‬وقيام الدولة المدنية الحديثة على مفهوم المواطنة الذي أقره النبي صلى هللا عليه وآله وسلم في معاه دة‬

‫لحة‬ ‫ان المص‬ ‫ور رجح‬ ‫د في تص‬ ‫ك آك‬ ‫ان ذل‬ ‫دول‪ ،‬ك‬ ‫ِل بين ال‬ ‫ة بال ْ‬
‫ِمث‬ ‫دأ المعامل‬ ‫ورة‪ ،‬ومب‬ ‫ة المن‬ ‫‪.‬المدين‬

‫وقد دعا اإلسالم إلى التسامح والتعايش الديني مع جميع الناس بمختلف أجناسهم وأع راقهم وأل وانهم‪ ،‬وانتم اءاتهم وط وائفهم وأدي انهم؛‬

‫حيث كانت الغاية األساس من التنوع البشري والتعدد اإلنساني هو التعارُف ال التناكر‪ ،‬والتكامل ال التصارع؛ كم ا ق ال تع الى‪﴿ :‬يَاأَ ُّي َه ا‬
‫ُ‬

‫ال َّناسُ إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِنْ َذ َك ٍر َوأ ُ ْن َثى َوجَ عَ ْل َنا ُك ْم ُ‬
‫شعُوبًا َو َقبَا ِئ َل ِل َتعَ ارَ فُوا﴾[الحجرات‪ ،]13 :‬وأخبر سبحانه وتعالى أنه لو شاء لخلق عباده على‬

‫ملة واحدة وسَ َن ٍن واحد‪ ،‬ولكن جرت سنته في الخلق على التنوع واالختالف‪ ،‬واقتضت حكمته اس تمرار ذل ك ح تى ي رث األرض ومن‬

‫﴿ولَ ْو َشا َء رَ بُّكَ لَجَ عَ َل ال َّناسَ أُم ًَّة َواحِدَ ًة َواَل ي ََزالُونَ م ُْخ َتلِفِينَ ۞ إِاَّل َمنْ رَ ِح َم رَ بُّكَ َولِ َذلِكَ َخلَ َق ُه ْم﴾‪[ ‬ه ود‪-118 :‬‬
‫عليها؛ كما قال سبحانه‪َ  :‬‬

‫﴿ولَ ْو َش ا َء رَ بُّكَ آَل مَنَ َمنْ فِي اأْل َرْ ِ‬


‫ض ُكلُّ ُه ْم جَ مِيعً ا أَ َف أ َ ْنتَ ُت ْك ِرهُ ال َّناسَ حَ َّتى َي ُكو ُن وا ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾‪[ ‬ي ونس‪]99 :‬‬ ‫‪ ،]119.‬وق ال ج ل ش أنه‪َ  :‬‬

‫كما أخبر سبحانه أن هذا االختالف في األديان يستوجب التعاون بين بني اإلنس ان‪ ،‬ويتطلب التن افس في حس ن المعامل ة وفع ل الخ ير‪،‬‬
‫وأن يظهر أهل كل دين جمال ما عندهم من القِيَم واألخالق التي تدعو إليها األديان‪ ،‬وأن هللا هو الذي سيفصل ي وم القيام ة بين الجمي ع‬

‫﴿و ِل ُك ٍّل ِوجْ ه ٌَة ُه َو م َُولِّي َه ا َف ْ‬


‫اس َت ِبقُوا ْال َخ ْي رَ اتِ﴾‪[ ‬البق رة‪ ،]148 :‬وق ال س بحانه‪ِ ﴿ :‬ل ُك ٍّل جَ عَ ْل َن ا ِم ْن ُك ْم ِش رْ عَ ًة‬ ‫في أمر اختالفهم؛ فقال تعالى‪َ  :‬‬

‫هللا َم رْ ِج ُع ُك ْم جَ مِيعً ا َف ُي َن ِّب ُئ ُك ْم ِب َم ا ُك ْن ُت ْم فِي ِه‬


‫ت إِلَى ِ‬ ‫َو ِم ْن َهاجً ا َولَ ْو َش ا َء هللا ُ لَجَ عَ لَ ُك ْم أُم ًَّة َوا ِح دَ ًة َولَكِنْ ِل َيبْل ُ َو ُك ْم فِي َم ا آ َت ا ُك ْم َف ْ‬
‫اس َت ِبقُوا ْال َخ ْي رَ ا ِ‬

‫دة‪]48 :‬‬ ‫ونَ ﴾‪[ ‬المائ‬ ‫‪َ .‬ت ْخ َتلِفُ‬

‫ولتحقيق ذلك وضع النبي صلى هللا عليه وآله وسلم "الدستور اإلسالمي"‪ ،‬وأسَّس من خالله مفهوم "المواطنة" الذي يقوم على المس اواة‬

‫في الحقوق والواجبات‪ ،‬دون النظر إلى أي انتماء ديني أو عرقي أو مذهبي أو أي اعتبار آخر‪ ،‬وأقام به منظومة التعايش والتسامح بين‬

‫عقدا اجتماع ًّيا قوامه‪:‬‬


‫االنتماءات القبلية والعرقية والدينية‪ ،‬و ُسمِّي "بصحيفة المدينة"‪ ،‬أقرّ فيها الناس على أديانهم‪ ،‬وأنشأ بين المواطنين ً‬

‫ير ذلك‬ ‫لمي‪ ،‬وغ‬ ‫ايش الس‬ ‫اد‪ ،‬والتع‬ ‫ة االعتق‬ ‫اواة‪ ،‬وحري‬ ‫ل‪ ،‬والمس‬ ‫ر‪ ،‬والتكاف‬ ‫‪.‬التناص‬

‫واحترمت الش ريعة اإلس المية الكتب الس ماوية الس ابقة‪ ،‬رغم م ا َنعَ ْت ه على أتباعه ا من تحري ف الكلم عن مواض عه‪ ،‬وتك ذيبهم للن بي‬

‫المصطفى صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬فبعد غزوة خيبر كان في أثناء الغنائم صحائف متع دّدة من الت وراة‪ ،‬فج اءت يه ود تطلبه ا‪ ،‬ف أمر‬

‫النبيُّ صلى هللا عليه وآله وسلم بدفعها إليهم؛ كما ذك ره اإلم ام ال دياربكري في "ت اريخ الخميس في أح وال أ ْن َف ِ‬
‫س َنفِيس ص لى هللا علي ه‬

‫وآله وسلم" (‪ ، 55 /2‬ط‪ .‬دار صادر)‪ ،‬والشيخ نور الدين الحلبي في السيرة الحلبية "إنسان العيون في سيرة األمين المأمون" ( ‪،62 /3‬‬

‫ط‪ .‬دار الكتب العلمية)‪ .‬وهذه غاية ما تكون اإلنس انية في اح ترام الش عور ال ديني للمخ الف رغم ع داوة يه ود خي بر ونقض هم للعه ود‬

‫وخيانتهم للدولة؛ حيث كانوا قد حزب وا األح زاب‪ ،‬وأث اروا ب ني قريظ ة على الغ در والخيان ة‪ ،‬واتص لوا بالمن افقين وغطف ان وأع راب‬

‫لم‬ ‫ه وس‬ ‫ه وآل‬ ‫لى هللا علي‬ ‫بي ص‬ ‫ال الن‬ ‫ة الغتي‬ ‫اولتهم اآلثم‬ ‫ة العظمى إلى مح‬ ‫لت بهم الخيان‬ ‫ة‪ ،‬ووص‬ ‫‪.‬البادي‬

‫يقول المؤرخ اليهودي إسرائيل ولفنسون‪ ،‬معقبًا على ذلك‪ ،‬في كتابه "تاريخ اليهود في بالد العرب" (ص‪ ،170 :‬ط‪ .‬مطبعة االعتماد)‪:‬‬

‫[ويدل هذا على ما كان لهذه الصحائف في نفس الرسول من المكانة العالية؛ مما جعل اليهود يشيرون إلى النبي بالبن ان‪ ،‬ويحفظ ون ل ه‬

‫هذه اليد؛ حيث لم يتعرض بسوء لصحفهم المقدسة‪ ،‬ويذكرون بإزاء ذلك ما فعله الرومان حين تغلبوا على أوروشليم وفتحوها س نة ‪70‬‬

‫ب‪ .‬م‪ .‬إذ أحرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأرجلهم‪ ،‬وما فعله المتعصبون من النصارى في حروب اضطهاد اليه ود في األن دلس؛ حيث‬

‫‪.‬أحرق وا ً‬
‫أيض ا ص حف الت وراة‪ .‬ه ذا ه و الب ون الشاس ع بين الف اتحين ممن ذكرن اهم وبين رس ول اإلس الم] اهـ‬

‫ونهى النبي صلى هللا عليه وآله وسلم عن أن اتخاذ مواطن التعايش والتعامالت الحياتية مواض ع لف رض العقائ د واإلك راه عليه ا؛ فعن‬

‫أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬بينما يهودي يع رض س لعته‪ ،‬أُعطي به ا ش ي ًئا كره ه‪ ،‬فق ال‪ :‬ال وال ذي اص طفى موس ى على البش ر‪،‬‬

‫فسمعه رجل من األنصار‪ ،‬فقام فلطم وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬تقول‪ :‬والذي اص طفى موس ى على البش ر‪ ،‬والن بي ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم بين‬

‫ً‬
‫وعهدا‪ ،‬فما بال فالن لطم وجهي‪ ،‬فقال‪« :‬لم لطمت وجهه» فذكره‪ ،‬فغضب النبي صلى‬ ‫أظهرنا؟ فذهب إليه فقال‪ :‬أبا القاسم‪ ،‬إن لي ً‬
‫ذمة‬

‫ت َو َمنْ فِي‬ ‫َص ُ‬


‫عَق َمنْ فِي َّ‬
‫الس م ََوا ِ‬ ‫ور‪َ ،‬في ْ‬ ‫هللا عليه وآله وسلم حتى رئي في وجهه‪ ،‬ثم قال‪« :‬الَ ُت َفضِّلُوا َب ْينَ أَ ْن ِبيَا ِء هللاِ؛ َفإِ َّن ُه ُي ْن َف ُخ فِي ُّ‬
‫الص ِ‬
‫ور‪ ،‬أَ ْم‬ ‫ش‪ ،‬فَاَل أَ ْد ِري أَحُوسِ بَ ِبصَ عْ َق ِت ِه ي َْو َم ُّ‬
‫الط ِ‬
‫ٌ‬ ‫ض‪ ،‬إِاَّل َمنْ َشا َء هللاُ‪ُ ،‬ث َّم ُي ْن َف ُخ فِي ِه أ ُ ْخرَ ى‪َ ،‬فأ َ ُكونُ أَوَّ َل َمنْ ُبع َ‬
‫ِث‪َ ،‬فإِ َذا مُوسَ ى آخِذ ِبالعَ رْ ِ‬ ‫األَرْ ِ‬

‫ق عليه‬ ‫‪ُ .‬بع َ‬


‫ِث َق ْبلِي» متف‬

‫وكان النبي صلى هللا عليه وآله وس لم في المدين ة حس ن المعاش رة والتعام ل م ع أه ل الكت اب؛ يعطيهم العطاي ا‪ ،‬ويه دي إليهم‪ ،‬ويع ود‬

‫الس م في الش اة‪ ،‬فلم‬


‫لطعام ووضعت له ُّ‬ ‫ٌ‬
‫يهودية مع أصحابه‬ ‫مرضاهم‪ ،‬ويتفقد محتاجيهم‪ ،‬ويقوم لجنائزهم‪ ،‬ويحضر والئمهم‪ ،‬حتى دعَ ْته‬
‫ٍ‬

‫‪:‬يعاقبه ا‪ ،‬وك ان يق ترض منهم؛ ح تى ت وفي ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم ودرع ه مرهون ٌة عن د يه ودي في المدينة‬

‫َّ‬
‫الخطاب مع النبي ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم على يه ودي وعلى الن بي ص لى هللا‬ ‫فعن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما‪ :‬مرَّ عمر بن‬

‫عليه وآله وسلم قميصان فقال اليهودي‪ :‬يا أبا القاسم اكسني‪َ ،‬‬
‫فخلع النبي صلى هللا علي ه وآل ه وس لم أفض ل القميص ين فكس اه‪ ،‬فقلت‪ :‬ي ا‬

‫ْن ِل َي ُك ونَ‬ ‫ش َّح فِيهَا‪َ ،‬و َك َس ْو ُت ُه أَ ْف َ‬


‫ض َل ْال َقم َ‬
‫ِيص ي ِ‬ ‫رسول هللا‪ ،‬لو كسو َته الذي هو دون فقال‪« :‬لَ ْيسَ َت ْد ِري يَا ُع َم ُر أَنَّ دِي َن َنا ْالحَ َنفِي َُّة السَّمْ حَ ُة اَل ُ‬

‫اء‬ ‫ة األولي‬ ‫و نعيم في "حلي‬ ‫ه أب‬ ‫اَل ِم» أخرج‬ ‫ُه فِي اإْل ِ ْس‬ ‫‪".‬أَرْ غَ بَ َل‬

‫وعن أنس رضي هللا عنه‪ ،‬أن غالما يهود ًّيا كان يضع للنبي صلى هللا عليه وآله وسلم َوضو َءه ويناوله نعليه‪ ،‬فمرض‪ ،‬فأتاه النبي صلى‬

‫هللا عليه وآله وسلم فدخل عليه‪ ،‬وأبوه قاعد عند رأسه‪ ،‬فقال له النبي صلى هللا عليه وآله وسلم‪« :‬يَا فُاَل نُ ‪ُ ،‬ق ْل اَل إِلَ َه إِاَّل هللاُ»‪ ،‬فنظر إلى‬

‫أبيه‪ ،‬فسكت أبوه‪ ،‬فأعاد عليه النبي صلى هللا عليه وآله وسلم ‪ ،‬فنظر إلى أبيه‪ ،‬فقال أبوه‪ :‬أَطِ عْ أبا القاسم‪ ،‬فقال الغالم‪ :‬أشهد أن ال إله إال‬

‫َ‬ ‫هللا‪ ،‬وأنك رسول هللا‪ ،‬فخرج النبي صلى هللا عليه وآله وسلم وهو يق ول‪ْ :‬‬
‫هلل الَّذِي أ ْخرَ جَ ُه ِبي مِنَ ال َّن ِ‬
‫ار» رواه اإلم ام أحم د في‬ ‫«الحَ مْ ُد ِ‬

‫حيح"‪ ،‬وغيرهما‬ ‫اري في "الص‬ ‫ام البخ‬ ‫ه‪ ،‬واإلم‬ ‫ظل‬ ‫ند" واللف‬ ‫‪".‬المس‬

‫وعلى ذلك‪ :‬ففكرة بذل الجزية من أهل الكتاب‪ ،‬والتزامهم بأحكام اإلسالم‪ ،‬أصبحت معدومة تمامًا في ظل األخذ بفق ه الدول ة اإلس المية‬

‫داتهم‬ ‫انهم ومعتق‬ ‫ة على اختالف أدي‬ ‫اء الدول‬ ‫ايش بين أبن‬ ‫ة والتع‬ ‫دأ المواطن‬ ‫وم مب‬ ‫ة وتحت مفه‬ ‫‪.‬الحديث‬

‫فالمواطنة مبدأ إسالمي أقرته الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وهي في صورتها المتفق عليه ا معم ول به ا في دس اتير الع الم اإلس المي وقوانين ه‪،‬‬

‫ومنها الدستور المصري الذي ينص في المادة الثانية منه على مرجعية الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وقد رسخ اإلسالم مبدأ المواطنة منذ أربع ة‬

‫عشر قر ًن ا؛ وهو ما قام به رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم في وثيقة المدينة المنورة التي ن َّ‬
‫صت على التعايش والمشاركة والمساواة‬

‫في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد دون النظر إلى االنتماء الديني أو العرقي أو الم ذهبي أو أي اعتب ارات أخ رى‪ ،‬ومن َث َّم‬

‫اء بها‬ ‫تي يجب الوف‬ ‫روعة ال‬ ‫ود المش‬ ‫ود والعه‬ ‫د من العق‬ ‫ذا العق‬ ‫‪.‬فه‬

‫بحال من األحوال القول بإهدار دم الذمي أو أنه يُخير بين القتل أو االسترقاق‪ ..‬ونح وه مم ا تق ول ب ه الجماع ات المتطرف ة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وال يجوز‬

‫‪.‬وليس هذا من الدين في شيء‬

‫ُ‬
‫بهة الخامسة‬ ‫ُ‬
‫‪:‬الش‬

‫ذكر البعضُ أنَّ البالد التي أُنشئت قبل اإلسالم وفتحها المسلمُون عنو ًة وتملكوا أرضها وساكنيها ال يج وز إح داث كن ائس فيه ا‪ ،‬ويجب‬
‫‪.‬ه دم م ا اس تحدث منه ا بع د الفتح؛ ألنَّ ه ذه الكن ائس ص ارت مل ًك ا للمس لمين بع د أن فتح وا ه ذه البالد عن وة‬

‫وعين‬ ‫ْلحً ا‪ :‬فهي على ن‬ ‫ص‬


‫لمون ُ‬ ‫ا المس‬ ‫الم وفتحه‬ ‫ل اإلس‬ ‫ئت قب‬ ‫تي أُنش‬ ‫‪:‬وأمَّا البالد ال‬

‫ال يبذلون ه وهي الهُدن ة؛ فال يُمنع ون من إح داث م ا‬


‫األول‪  :‬أن يصالحهم على أن األرض لهم ولنا الخراج عليها‪ ،‬أو يص الحهم على م ٍ‬

‫دار لهم‬ ‫ا؛ ألنَّ ال‬ ‫ه فيه‬ ‫‪.‬يختارون‬

‫الثاني‪ :‬أن يُصالحهم على أنَّ الدار للمُسلمين‪ ،‬ويؤدون الجزية إلينا‪ ،‬فحكمها ما ا ُّتفقَ عليه في الصلح‪ ،‬وعند القدرة يكون الحكم أاَّل ُته دم‬

‫د ذلك‬ ‫ائس بع‬ ‫داث كن‬ ‫ون من إح‬ ‫لح‪ ،‬ويُمنع‬ ‫ل الص‬ ‫ا قب‬ ‫تي بنوه‬ ‫هم ال‬ ‫‪.‬كنائس‬

‫واب‬ ‫‪:‬الج‬

‫المتأمل في مذاهب الفقهاء وأقوالهم ي رى أن م ا علل وا ب ه ق ولهم باإلباح ة أو المن ع ي دور على المص لحة العام ة وض بط النظ ام الع ام‬

‫اعي‬ ‫يج االجتم‬ ‫تقرار النس‬ ‫‪:‬واس‬

‫فقد فرق الفقهاء بين ما فُتِح من البالد صلحً ا فأجازوا فيها بن اء الكن ائس‪ ،‬وم ا فتح منه ا عن و ًة فأج ازوا اإلح داث بالعه د واختلف وا عن د‬

‫عدمه؛ وذلك ألنَّ الصلح جنوح إلى الس ِّْلم واستقرار األحوال من الطرفين‪ ،‬وفي هذا عالمة على المسالمة الدينية ألهل الصلح وق ابليتهم‬

‫ألن يصيروا من رعايا الدولة اإلسالمية‪ ،‬لهم ما للمس لمين وعليهم م ا عليهم‪ ،‬فك ان اإلق رار ببق ائهم على دينهم مقتض ‪ًًّg‬يا إباح ة إح داث‬

‫الكنائس لهم‪ ،‬أما العنوة ففيها رفض للصلح وخروج على النظام وجنوح إلى القت ال والع دوان‪ ،‬وك ان ه ذا في ظ ل الص راعات الديني ة‬

‫عالمة على التعصب الديني ألهل العنوة‪ ،‬وفي السماح لهم بإحداث الكنائس إضعاف للدولة اإلسالمية؛ ألنها قد تتخذ موضعً ا للت أليب أو‬

‫الم وأهله‬ ‫د اإلس‬ ‫دبير ض‬ ‫‪.‬الت‬

‫فإذا زال الخوف من عدوان أهل العنوة وت أليبهم‪ ،‬وحص ل العه د بينهم وبين المس لمين على إح داث الكن ائس ج از ذل ك عن د كث ير من‬

‫اء‬ ‫‪:‬الفقه‬

‫يقول العالمة المؤرخ شهاب الدين أحمد بن خال د الس الوي في كتاب ه "االستقص ا ألخب ار دول المغ رب األقص ى" ( ‪ ،185 /3‬ط‪ .‬دار‬

‫الكتاب)‪[ :‬أفتى علم اء األن دلس في الق رن الخ امس ب اإلذن للنص ارى في إح داث الكن ائس ب أرض العن وة وبم ا اختط ه المس لمون من‬

‫األمصار مع أن الموجود في كتب السلف هو المنع؛ وما ذلك إال ألنَّ األحكام المرتبة على األع راف تختل ف ب اختالف تل ك األع راف]‬

‫‪.‬اهـ‬

‫أنس في "المدون ة" (‪ ،436-435 /3‬ط‪ .‬دار الكتب العلمي ة)‪[ :‬أرى أن يمنع وا من أن يتخ ذوا في بالد اإلس الم‬
‫ٍ‬ ‫ويقول اإلمام مالك بنُ‬

‫كنيسة إال أن يكون لهم عهد فيحملون على عهدهم‪ .‬وقال غيره‪ :‬كل بالد افتتحت عنوة وأق روا فيه ا وقفت األرض ألعطي ات المس لمين‬

‫ونوائبهم فال يمنعون من كنائسهم التي في قراهم التي أقروا فيها وال من أن يتخذوا فيها كنائس; ألنهم أق روا فيه ا على ذمتهم وعلى م ا‬

‫ه] اهـ‬ ‫ة فعل‬ ‫ل الذم‬ ‫وز أله‬ ‫‪.‬يج‬


‫ِيس ٍة إنْ َش رَ َط َوإِاَّل فَاَل ؛ ك رم المنه دم‪،‬‬ ‫وقال العاَّل مة خليل المالكي في "مختص ره" (ص‪ ،92 :‬ط‪ .‬دار الح ديث)‪[َ :‬ول ِْلعَ َن ِويِّ إحْ ُ‬
‫دَاث َكن َ‬

‫دة أعظم] اهـ‬ ‫الم إال لمفس‬ ‫د اإلس‬ ‫ط ال ببل‬ ‫تها أو حائ‬ ‫ع عرص‬ ‫داث وبي‬ ‫لحي اإلح‬ ‫‪.‬وللص‬

‫وقال العاَّل مة الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (‪ ،222 /3‬ط‪ .‬دار الفكر)‪[ :‬وما اختطه المس لمون عن د فتحهم وس كنوا معهم في ه‬

‫كالفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وشبهها من مدائن الشام فليس لهم إحداث ذلك فيها إال أن يكون لهم عهد في وفى ب ه‪ .‬وق ال غ يره‪:‬‬

‫كل بلد افتتح عنوة وأق روا في ه ووقفت أرض ه لن وائب المس لمين وإعط اءاتهم فال يمنع ون من كنائس هم ال تي فيه ا وال أن يح دثوا فيه ا‬

‫كنائس‪ .‬اهـ‪ .‬أبو الحسن‪ .‬أبو محم د ص الح إن ش رطوا ذل ك في أرض العن وة اتف ق ابن القاس م وغ يره أن لهم ذل ك‪ ،‬وإن لم يكن ش رط‬

‫فاختلف ابن القاسم والغير ف ابن القاس م ج ذبها ألرض اإلس الم‪ ،‬وغ يره ج ذبها ألرض الص لح اهـ‪ .‬وهك ذا في ابن عرف ة وغ يره قال ه‬

‫‪.‬الرماصي‬

‫ونص ابن عرفة‪ :‬وفي جواز إحداث ذوي الذمة الكنائس ببلد العنوة المقر بها أهله ا وفيم ا اختط ه المس لمون فس كنوه معهم وتركه ا إن‬

‫كانت ثالثها تترك وال تحدث للخمي عن غير ابن القاسم‪ ،‬وعن ابن الماجشون قائاًل ‪ :‬ولو كانوا منع زلين عن بالد اإلس الم‪ ،‬وابن القاس م‬

‫ك اهـ] اهـ‬ ‫وا ذل‬ ‫وا أعط‬ ‫ائاًل ‪ :‬إال أن يكون‬ ‫‪.‬ق‬

‫لح بينهم وبين أه ل الذم ة من ت رك إظه ار الخن ازير والخم ر‬


‫وقال اإلمام الشافعي في "األم" (‪[ :)218 /4‬ف إن ك انوا فتح وه على ص ٍ‬

‫ه] اهـ‬ ‫ثر من‬ ‫رك أك‬ ‫ار الش‬ ‫ك‪ ،‬وإظه‬ ‫ه منعهم من ذل‬ ‫وا؛ لم يكن ل‬ ‫ا ملك‬ ‫ائس فيم‬ ‫داث الكن‬ ‫‪.‬وإح‬

‫وقال العاَّل مة الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (‪ ،77 /6‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية)‪[ :‬تنبيه‪ :‬قول ه‪( :‬وإبق اء الكن ائس) يقتض ي منعهم‬

‫من إحداثها‪ ،‬وبه صرح الماوردي‪ :‬والذي في "الشرح" و"الروضة" عن الروياني وغ يره أنهم إذا ص ولحوا على إح داثها ج از ً‬
‫أيض ا‪،‬‬

‫‪.‬ولم ي ذكرا خالف ه‪ .‬ق ال الزركش ي‪ :‬وه و محم و ٌل على م ا إذا دعت إلي ه ض رورة‪ ،‬وإال فال وج ه ل ه اهـ‬

‫ومقتضى التعليل‪ :‬الجواز مطل ًقا وهو الظاهر‪ ،‬والتعبير بالجواز المراد به ع دم المن ع؛ إذ الج واز حكم ش رعي ولم ي رد الش رع بج واز‬

‫ذلك‪ ،‬نبه عليه السبكي‪( ،‬وإن) فتح البلد صلحً ا بشرط األرض لن ا و(أطل ق) الص لح فلم ي ذكر في ه إبق اء الكن ائس وال عدم ه‪( :‬فاألص ح‬

‫المنع) من إبقائها فيُهدم ما فيها من الكنائس؛ ألن إطالق اللفظ يقتضي ضرورة جميع البلد لنا‪ ،‬والثاني‪ :‬ال‪ ،‬وهي مس تثناة بقرين ة الح ال‬

‫ادتهم] اهـ‬ ‫ا في عب‬ ‫اجتهم إليه‬ ‫‪.‬لح‬

‫صلح أو عنوة ليس حكمًا أبد ًّيا بل هو حالة ظرفي ة‪ ،‬يج وز لإلم ام أن يغيره ا‬
‫ٍ‬ ‫وعلى ذلك‪ :‬فال ُب َّد أن يُعل َم أنَّ الحكم على بلد ما بكونها بل ُد‬

‫حسب الظروف التي تقتضيها طبيعة العالقة بين أهل البلد وبين المسلمين‪ ،‬فيجوز له أن يعامل أهل العنوة معاملة أه ل الص لح في دخلهم‬

‫في ذمة المسلمين إذا رأى في ذلك المصلحة؛ كما فعله سيدنا عمر بن الخطاب رضي هللا عنه مع بعض القرى التي ُفتِحَ ْ‬
‫ت عنو ًة بعد أن‬

‫لمين‬ ‫اتلت المس‬ ‫‪:‬ق‬

‫قال اإلمام عبد الرحمن بن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغ رب" (ص‪[ :)107 :‬ك انت مص ر ص لحً ا‪ ..‬إال اإلس كندرية‪ ،‬ف إنهم ك انوا‬
‫يؤ ّدون الخراج والجزية على قدر ما يرى مَن َولِيَهم؛ ألن اإلسكندرية فتحت عنوة بغير عهد وال عقد‪ ،‬ولم يكن لهم صلح وال ذمّة‪ .‬وق د‬

‫كانت بعض قرى مصر ‪-‬كما حدثنا عبد هللا بن صالح‪ ،‬عن الليث بن سعد‪ ،‬عن يزيد بن أبى حبيب‪ -‬قاتلت‪ ،‬فس بوا منه ا قري ة يق ال له ا‬

‫بلهيب‪ ،‬وقرية يقال لها (الخيس)‪ ،‬وقرية يقال لها (سلطيس)‪ ،‬فوقع سباياهم بالمدينة وغيرها‪ ،‬فردّهم عم ر بن الخط اب رض ي هللا عن ه‬

‫ل ذمّة] اهـ‬ ‫ط أه‬ ‫ة القب‬ ‫يّرهم وجماع‬ ‫راهم‪ ،‬وص‬ ‫‪.‬إلى ق‬

‫وقد أناط الفقهاء جواز بناء الكنائس ألهل الكت اب بالمص لحة الراجح ة؛ فجعل وا للح اكم وجماع ة المس لمين الح ق في الس ماح بإح داث‬

‫دته‬ ‫ك أعظم من مفس‬ ‫لحة ذل‬ ‫انت مص‬ ‫روه إذا ك‬ ‫ومص‬
‫َّ‬ ‫لمون‬ ‫ه المس‬ ‫ا اختط‬ ‫تى فيم‬ ‫ائس ح‬ ‫‪:‬الكن‬

‫قال العالمة أبو العباس بن زكري التلمساني ‪-‬كما في "المعيار المعرب" ( ‪[ :-)222 /2‬ونقل الشيخ أبو الحسن عن الشيوخ جواز اإلذن‬

‫لإلمام في اإلحداث إذا كانت مصلحته أعظم من مفسدته‪ ..‬ومما يحتمل‪ :‬إذنُ جماع ِة المس لمين لل ذميين في اإلح داث‪ ،‬وهي قائم ة مق ام‬

‫اإلمام في الموضع الذي ال إمام فيه‪ ..‬أو تكون األرض مختطة وأذنت الجماعة لمصلحة في اإلح داث هي أرجح من المفس دة‪ ،‬ويص ير‬

‫ه] اهـ‬ ‫ل الخالف فيرفع‬ ‫اكم في مح‬


‫ٍ‬ ‫كحكم مِن ح‬
‫ٍ‬ ‫ك‬ ‫‪.‬ذل‬

‫وقال العالمة الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (‪([ :)223 /3‬ال) يجوز للصلحي وال للعنوي إحداث كنيس ة (ببل د اإلس الم) ال تي‬

‫نقلوا إليها أو التي انفرد باختطاطها المسلمون في كل حال (إال لـ) خوف ترتيب (مفسدة أعظم) من اإلح داث على عدم ه فيمكن ون من ه‬

‫ررين] اهـ‬ ‫ف الض‬ ‫ا ألخ‬ ‫‪.‬ارتكا ًب‬

‫وال يخفى أن سماح الدولة اإلسالمية لرعاياها ومواطنيها من أهل الكتاب ببناء الكنائس ودور العبادة عن د ح اجتهم ل ذلك ه و المص لحة‬

‫الراجحة التي دلَّت عليها عمومات النصوص الشرعية من الكتاب والسنة‪ ،‬وأكدها عمل المس لمين ع بر األعص ار واألمص ار‪ ،‬وأي دتها‬

‫ريعة‬ ‫رامي الش‬ ‫ة وم‬ ‫د الكلي‬ ‫‪.‬المقاص‬

‫رب‬ ‫رة الع‬ ‫ير جزي‬ ‫لمين غ‬ ‫وم بالد المس‬ ‫ائس في عم‬ ‫اء الكن‬ ‫بة لبن‬ ‫ذا بالنس‬ ‫‪.‬ه‬

‫أما بالنسبة لخصوص بالد مصر فقد سبق النقل عن إم ا َميْ أه ل مص ر وعالِ َميْه ا الليث بن س عد وعب د هللا بن لهيع ة أن عام ة كن ائس‬

‫ابعين‬ ‫حابة والت‬ ‫الم في زمن الص‬ ‫ا ُب ِني ْ‬


‫َت في اإلس‬ ‫ر إنم‬ ‫‪.‬مص‬

‫وقد فتحت مصر صلحً ا‪ ،‬وهذا يجعلها خاضعة ألحكام الصلح التي أجاز فيها كثير من الفقهاء إحداث الكنائس عند الحاجة لذلك إذا سمح‬

‫ذلك‬ ‫رب‬ ‫‪.‬ولي األم‬

‫وحتى على قول مَن قال ِم ن المؤرخين إن مصر فتحت عنوة فإن عقد المواطنة الذي يقره الدستور المصري في ظل الدول ة اإلس المية‬

‫‪.‬يقوم مقام العهد الذي أجاز مِن خالله الفقهاء السماح ببناء الكن ائس عن د الحاج ة إليه ا وف ق الل وائح والق وانين والم واد المنظم ة ل ذلك‬

‫أرض‪ :‬هل فتحت صلحً ا أم عنوة‪ :‬فإنها تحمل على كونها أرض صلح‪ .‬قال اإلمام شمس األئم ة‬
‫ٍ‬ ‫وقد نص الفقهاء على أنه إذا اخ ُتلِفَ في‬

‫السرخسي في "شرح السير الكبير" (‪ ،1551-1550 /1‬ط‪ .‬الشركة الش رقية)‪[ :‬ف إن ك انت لهم كنيس ة قديم ة في مص ر من أمص ار‬
‫المسلمين فأراد المسلمون منعهم من الصالة فيها فقالوا‪ :‬نحن قوم من أهل الذمة صالحنا على بالدنا‪ ،‬وقال المس لمون‪ :‬ب ل أخ ذنا بالدكم‬

‫عنوة ثم جعلتم ذمة‪ ،‬وهو أمر قد تطاول فلم يدر كيف كان‪ ،‬فإن اإلمام ينظر في ذلك‪ ،‬هل يجد في ه أث رً ا عن د الفقه اء؟ ويس أل أص حاب‬

‫األخبار كيف كان أصل هذه األرض؟ فإن وجد فيه أثرا عمل به‪ ..‬فإن لم يوجد في يد الفقهاء أثر في ذلك أو ك انت اآلث ار في ه مختلف ة‪،‬‬

‫لح] اهـ‬ ‫ا أرض ص‬ ‫ام يجعله‬ ‫إن اإلم‬ ‫‪.‬ف‬

‫ال يقال‪ :‬الخالف إنما هو فيما ُفتِحَ صلحً ا أو عنوة‪ ،‬وهو يجري فيم ا فتح ه المس لمون من أرض مص ر دون م ا َّ‬
‫مص روه واختط وه مِن‬

‫المدن الحديثة التي طرأت بعد الفتح اإلسالمي والتي نص جماعة من الفقه اء على أن الخالف ال يج ري فيه ا وا ُّدعِ يَ أن اإلجم اع ق ائم‬

‫ع فيها‬ ‫‪.‬على المن‬

‫ألنا نقول‪ :‬هذا التفريق حل محلَّه االلتزام بعقد المواطنة بين أبناء الوطن الواحد؛ فصارت الم دن ال تي َّ‬
‫مص رها المس لمون داخل ة تحت‬

‫الدستور العام للدولة اإلسالمية الذي أعطى المواطنين المسيحيين حق بناء دور العب ادة وف ق الل وائح والم واد القانوني ة المنظم ة ل ذلك‪،‬‬

‫ودعوى اإلجماع –التي ا َّدعوها‪ -‬منقوضة بما قاله إماما أهل مصر الليث بن سعد وعب د هللا بن لهيع ة من أن عام ة كن ائس مص ر إنم ا‬

‫ُب ِنيَت في اإلسالم كما سبق النقل عنهما فيما مضى‪ ،‬ومنقوضة أيضً ا بما سبق نقله عن الفقهاء من ج واز إح داث الكن ائس في األمص ار‬

‫لحة في ذلك‬ ‫اكم المص‬ ‫أى الح‬ ‫لمون إذا ارت‬ ‫رها المس‬ ‫مص‬
‫تي َّ‬ ‫‪. ‬ال‬

‫ً‬
‫خاصة؛ ف روى الط براني في "المعجم الكب ير" عن أم المؤم نين أم س لمة‬ ‫ً‬
‫وصية‬ ‫صى النبي صلى هللا عليه وآله وسلم بأهل مصر‬
‫وقد و َّ‬

‫ِص رَ ؛ َف إِ َّن ُك ْم َس َت ْظ َهرُونَ عَ لَي ِْه ْم‪،‬‬


‫رضي هللا عنها أن رسول هللا صلى هللا علي ه وآل ه وس لم أوص ى عن د وفات ه فق ال‪« :‬هللاَ هللاَ فِي قِ ْب طِ م ْ‬

‫حيح‬ ‫ال الص‬ ‫ه رج‬ ‫ظ الهيثمي‪" :‬ورجال‬ ‫ال الحاف‬ ‫يل هللاِ»‪ ،‬ق‬
‫ِب ِ‬ ‫ا فِي َس‬ ‫َّد ًة َوأَعْ َوا ًن‬ ‫ونَ َل ُك ْم عِ‬ ‫‪".‬و َي ُكو ُن‬
‫َ‬

‫وروى أبو يعلى في "مسنده" وابن حبان في "صحيحه" أن رسول هللا صلي هللا عليه وآله وسلم قال‪« :‬اسْ َت ْوصُوا ِب ِه ْم َخ ْي رً ا؛ َف إِ َّن ُه ْم قُ وَّ ةٌ‬

‫حيح‬ ‫ال الص‬ ‫ه رج‬ ‫ظ الهيثمي‪" :‬رجال‬ ‫ال الحاف‬ ‫ر‪ .‬ق‬ ‫ط مص‬ ‫ني قِب‬ ‫إِ ْذ ِن هللاِ» يع‬ ‫دُوِّ ُك ْم ِب‬ ‫‪".‬لَ ُك ْم‪َ ،‬و َباَل ٌغ إِلَى عَ‬

‫وروى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" ‪-‬كما في "كنز العمال" للمتقي الهندي (‪ ،760 /5‬ط‪ .‬مؤسسة الرس الة)‪ -‬عن موس ى بن جب ير‪،‬‬

‫عن شيوخ من أهل المدينة‪ :‬أن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه كتب إلى واليه على مصر عمرو بن العاص رضي هللا عنه‪" :‬واعلم يا‬

‫﴿واجْ عَ ْل َن ا ل ِْل ُم َّتقِينَ إِمَا ًم ا﴾‪ ‬يري د‪ :‬أن يقت دى ب ه‪ ،‬وأن مع ك أه ل ذم ة‬


‫عمرو أن هللا يراك ويرى عملك فإنه قال تبارك وتع الى في كتاب ه‪َ  :‬‬

‫وعهد‪ ،‬وقد أوصى رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم بهم وأوصى بالقِب ط فق ال‪« :‬اس َت ْوص وا بالقِ ْب طِ خ يرً ا؛ ف إنّ لهم ذ ً‬
‫ِمّة ورَ ِح ًم ا»‪،‬‬

‫ورَ ِحمُهم‪ :‬أن أ ّم إسماعيل عليه السالم منهم‪ ،‬وقد قال صلى هللا عليه وآله وسلم‪« :‬مَن َظلَ َم مُعاه ًَدا أو كلَّفه ف وق طاقت ه فأن ا خص مُه ي و َم‬

‫‪".‬القيام ة»‪ ،‬اح ذر ي ا عم رو أن يك ون رس ول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم ل ك خص مًا؛ فإن ه مَن خاص مه َخ َ‬
‫ص مَه‬

‫والناظر في التاريخ يرى مصداق خبر المصطفى صلى هللا عليه وآله وسلم؛ حيث رحب أقباط مص ر بالمس لمين الف اتحين وفتح وا لهم‬

‫صدورهم على الرغم مِن أنَّ ُح ّك امهم من الرومان كانوا نصارى مثلهم‪ ،‬ولكنهم فضلوا العيش تحت مظلة اإلسالم وعاشوا مع المسلمين‬
‫في أمان وسالم‪ ،‬وصار قِبط مصر عدة وأعوا ًنا في سبيل هللا كما أخبر الن بي ص لى هللا علي ه وآل ه وس لم؛ لتص نع مص ر ب ذلك أعم ق‬

‫ان المختلفة‬ ‫حاب األدي‬ ‫د بين أص‬ ‫وطن الواح‬ ‫اركة في ال‬ ‫ايش والمش‬ ‫ة من التع‬ ‫ة ناجح‬ ‫ة تاريخي‬ ‫‪.‬تجرب‬

‫وعلى ذلك‪ :‬فالتفرقة بين البالد التي ُفتحت عُنو ًة والبالد التي فُتحت صُلحً ا ليست موجودة اآلن في ظل الدستور العام للدول ة اإلس المية؛‬

‫حيث حل محلَّها االلتزام بعقد المواطنة بين أبناء الوطن الواحد والذي يُعطى المواطنين المسيحيين ح ق بن اء دور العب ادة وف ق الل وائح‬

‫‪.‬والمواد القانونية المنظمة لذلك‬

‫بهة السادسة‬ ‫‪:‬الش‬

‫وال‬ ‫ة أق‬ ‫ا‪ :‬على ثالث‬ ‫ائس أو ترميمه‬ ‫َّد َم من الكن‬ ‫ا ته‬ ‫اء م‬ ‫‪: ‬حكم بن‬

‫ا تلف‬ ‫رميم م‬ ‫دم وت‬ ‫ا انه‬ ‫اء م‬ ‫ع من بن‬ ‫‪.‬األول‪ :‬المن‬

‫ا تلف‬ ‫رميم م‬ ‫واز ت‬ ‫دم‪ ،‬وج‬ ‫ا انه‬ ‫اء م‬ ‫ع من بن‬ ‫اني‪ :‬المن‬ ‫‪.‬الث‬

‫رين‬ ‫ة األم‬ ‫الث‪ :‬إباح‬ ‫‪.‬الث‬

‫فالرجاء التفضل باالطالع والتوجيه بما ترونه سيادتكم نحو اإلفادة بالفتوى الش رعية الص حيحة في ه ذا الش أن ح تى يمكن نش رها بين‬

‫بهات‬ ‫ا للش‬ ‫اهيم ومنعً‬ ‫حيحً ا للمف‬ ‫رى؛ تص‬ ‫الي الق‬ ‫‪.‬أه‬

‫واب‬ ‫‪:‬الج‬

‫المسلمون مكلفون شرعً ا بتحقيق األمان ألهل الكتاب في أداء عباداتهم تحت مظلة الحكم اإلس المي‪ ،‬وه ذا كم ا يقتض ي إبق اء الكن ائس‬

‫بهدم أو تخريب‪ ،‬فإنه يقتضي أيضً ا جواز الس ماح لهم بإعادته ا وترميمه ا إذا انه دمت أو‬
‫ودور العبادة على حالها من غير تعرض لها ٍ‬

‫‪:‬تص دعت أو احت اجت لل ترميم‪ .‬وعلى ذل ك جم اهير الفقه اء‪ ،‬وه و المعتم د عن د الم ذاهب الفقهي ة األربعة‬

‫قال العالمة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (‪ ،280 /3‬ط‪ .‬المطبعة الكبرى األميرية‪ ،‬بوالق)‪([ :‬ويع اد المنه دم‬

‫من الكنائس والبيع القديمة)؛ ألنه جرى التوارث من لدن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا ب ترك الكن ائس في أمص ار‬

‫‪.‬المسلمين‪ ،‬وال يقوم البناء دائمًا‪ ،‬فكان دلياًل على جواز اإلعادة‪ ،‬وألن اإلمام لما أقرَّ هم ِ‬
‫عَهدَ إليهم اإلعادة؛ ألن األبنية ال تبقى دائمًا] اهـ‬

‫وقال العاّل مة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" لسيدي أبي البركات الدردير ( ‪ ،204 /2‬ط‪ .‬دار الفكر)‪([ :‬قوله‪ :‬فيُمْ َنع‬

‫مِن الرَّ ِّم مُطلَ ًقا) في "بن" (أي‪ :‬العالمة محمد البناني محش ي الش يخ عب د الب اقي)‪ :‬م ا ذك ره مِن َم ْن ِع ت رميم المنه دِم ‪-‬وإن ك ان ظ اهرَ‬

‫المصنف‪ -‬غي ُر صحيح؛ لتصريح أبي الحسن في العنوي بج واز رَ ِّم المنه دم‪ ،‬وظ اهره مطلَ ًق ا؛ ش رَ َط ذل ك أم ال‪ ،‬وذل ك ألن "المدون ة"‬

‫قالت‪ :‬ليس لهم أن يُحد ُِثوا الكنائس في بالد ال ُع ْن َوة؛ ألنه ا َفيْ ءٌ‪ ،‬وال ُت ورَ ث عنهم‪ ،‬فق ال أب و الحس ن‪( :‬قول ه‪ :‬ليس لهم اإلح داث في بل د‬

‫العنوة) مفهومُه‪ :‬أن لهم أن َي ُرمُّوا ما كان قبل ذلك‪ ،‬ويجوز الترميم للص ُّْلحِيِّ على قول ابن القاسم؛ خال ًف ا لمن ق ال يُمْ َن ُع ون مِن ال ترميم‬

‫ك أم ال] اهـ‬ ‫رَ َط ذل‬ ‫ا؛ َش‬ ‫دِم مُطلَ ًق‬ ‫داث ورَ َّم ال ُم ْنه‬
‫َ‬ ‫ْلحِيِّ اإلح‬ ‫للص‬
‫ُّ‬ ‫بيَّن أنَّ‬ ‫رط‪ ،‬فت‬ ‫‪.‬إال بش‬
‫وقال إمام الحرمين أب و المع الي الج َُو ْي نيُّ الش افعي في كتاب ه "نهاي ة المطلب في دراي ة الم ذهب" ( ‪ ،50 /18‬ط‪ .‬دار المنه اج)‪[ :‬ق ال‬

‫‪.‬األص حاب‪ :‬إذا اس ترمّت الكن ائس فال يُم َن ُع ون مِن مرمّته ا؛ ف إنهم ل و ُم ِن ُع وا مِن ذل ك لته دمت الكن ائس] اهـ‬

‫وق ال العالم ة الخطيب الش ربيني في "مغ ني المحت اج" (‪ ،78 /6‬ط‪ .‬دار الكتب العلمي ة)‪[ :‬حيث جوَّ زن ا ً‬
‫أيض ا الكن ائسَ فال من ع مِن‬

‫ترميمها إذا استهدمت؛ ألنها ُم ْب َقاةٌ‪ ،‬وهل يجب إخفاء العمارة؟ وجهان‪ :‬أصحهما‪ :‬ال‪ ،‬وال يُم َنعُون مِن َت ْطيينها مِن داخل وخارج‪ ،‬وتجوز‬

‫‪.‬إع ادة الج دران الس اقطة‪ ،‬وإذا انه دمت الكنيس ة ال ُم ْب َق اةُ فال يُمْ َن ُع ون مِن إعادته ا على األص ح في "الش رح" و"الروض ة"] اهـ‬

‫وقال اإلمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (‪ ،356-355 /9‬ط‪ .‬مكتبة القاهرة)‪[ :‬ولهم رَ ُّم ما تشع َ‬
‫َّث منها‪ ،‬وإصالحُها؛ ألنّ المن عَ مِن‬

‫ذلك يُفضي إلى خرابها وذهابها‪ ،‬فجرى مَجرَ ى هدمِها‪ .‬وإن وقعت كلُّها لم َيجُز بناؤها‪ ،‬وهو قول بعض أصحاب الشافعي‪ .‬وعن أحم د‪:‬‬

‫أنه يجوز‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة‪ ،‬والشافعي؛ ألن ه بن اء لم ا اس تهدم فأش به بن ا َء بعض ها إذا انه دم ور َّم ش عَ ثها‪ ،‬وألن اس تدامتها ج ائزة‪،‬‬

‫تدامتها] اهـ‬ ‫ا كاس‬ ‫‪.‬وبناؤه‬

‫اران‬ ‫ه اعتب‬ ‫لمين ل‬ ‫ة في بالد المس‬ ‫ترميم الكنيس‬ ‫ك‪ :‬ف‬ ‫‪:‬وعلى ذل‬

‫عائرهم فيها‬ ‫ةش‬ ‫اب بممارس‬ ‫ل الكت‬ ‫ماح أله‬ ‫ا والس‬ ‫رعي في قيامه‬ ‫النظر لإلذن الش‬ ‫‪.‬األول‪ :‬ب‬

‫ريم فعلها‬ ‫الم وتح‬ ‫دين اإلس‬ ‫عائر ل‬ ‫ذه الش‬ ‫ةه‬ ‫النظر إلى مخالف‬ ‫اني‪ :‬ب‬ ‫‪.‬والث‬

‫والجهتان منف َّكتان؛ فكما أنَّ المسلم يعتقد في دينه حرم َة ما يفعلونه مِن شعائرهم فيها‪ ،‬فه و ً‬
‫أيض ا بالنس بة ل ه عم ارة للبالد ووس يلة إلى‬

‫الحفاظ على الدين وتطبيق شرع هللا الذي كفل ألهل الكتاب ممارسة شعائرهم في كنائسهم بحرية وأمان في ظل الدول ة اإلس المية؛ فق د‬

‫سمح اإلسالم لهم باإلبقاء على كنائسهم بل وأجاز سماح الدولة لهم باستحداث م ا يحتاجون ه مِن معاب د إلقام ة عب اداتهم فيه ا وممارس ة‬

‫شعائرهم وطقوسهم‪ ،‬وحرم االعتداء بكافة أشكاله عليها؛ كما سمح النبي صلى هللا علي ه وآل ه وس لم لنص ارى نج ران بالص الة وإقام ة‬

‫ا بيَّنا‬ ‫ريف ‪-‬كم‬ ‫جده الش‬ ‫هم في مس‬ ‫‪-.‬طقوس‬

‫‪.‬وفي هذا دليل على أن السماح لغ ير المس لمين بممارس ة ش عائرهم ال يقتض ي الرض ا به ا‪ ،‬وأن إق رارهم عليه ا ال يع ني اإلق رار بها‬

‫ُ‬
‫الشريعة قُصُودَ المكلفين ونياتِهم في التعامل مع غير المسلمين؛ ونص الفقهاء على اعتبار ذلك وت أثيره في الح ل والحرم ة؛‬ ‫وقد راعت‬

‫فذهب القاضي أبو يعلى بن الفرّ اء (ت‪458 :‬هـ) شيخ الحنابلة في عصره إلى صحة وصية المسلم للكنيسة إن لم يقصد إعظامَها ب ذلك؛‬

‫معلِّاًل بأن النفع فيه ا عائ ٌد إلى أه ل الذم ة‪ ،‬والوص ية لهم ص حيحة‪ ،‬ق ال اإلم ام ابن قدام ة الحنبلي في "المغ ني" (‪[ :)219 /6‬وذك ر‬

‫الب َي ع وقناديلها‪ ،‬وما شاكل ذلك‪ ،‬ولم يقصد إعظامها بذلك‪ ،‬صحت الوصية؛ ألن الوصية ألهل الذمة‪ ،‬ف إن‬
‫القاضي أنه لو أوصى لحصر ِ‬

‫حيحة] اهـ‬ ‫ية لهم ص‬ ‫ود إليهم‪ ،‬والوص‬ ‫ع يع‬ ‫‪.‬النف‬

‫وبنا ًء على ذلك وفي واقع ة الس ؤال‪ :‬فبن اء الكن ائس ج ائ ٌز ش رعً ا وف ًق ا للش ريعة اإلس المية إذا احت اج أص حابها إلى ذل ك في عب اداتهم‬

‫وشعائرهم التي أقرهم اإلسالم على البقاء عليها‪ ،‬حيث إنَّ الشرع الشريف جعل تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغي ان ودف ع الع دوان‬
‫وتمكين هللا تعالى لهم في األرض سببًا في حفظ دور العبادة‪ ،‬وليست هذه الدور معابد كفرية يُعبد فيها غير هللا‪ ،‬ولم ي َِر ْد المن ُع من ذل ك‬

‫في شيء ِم ن النصوص الصحيحة الصريحة‪ ،‬كما يجوز إعادة بناء ما ته دَّم وتل ف منه ا وترميم ه وإص الحه‪ ،‬رعاي ًة للمص لحة العامَّة‬

‫ُرتدا أو ج اهاًل ‪ ..‬إلى آخ ر م ا يدَّعي ه المنك رون‪ ،‬وه ذا م ا‬


‫وضبط النظام العام واالستقرار المجتمعي‪ ،‬وال يُع ُّد من يقول ذلك كافرً ا أو م ً‬

‫ل ًفا وخل ًفا‬ ‫ه األُمَّة س‬ ‫تقرت علي‬ ‫اء واس‬ ‫اهير العلم‬ ‫ه جم‬ ‫‪.‬علي‬

‫وفكرة بذل الجزية من أهل الكتاب والتزامهم بأحكام اإلسالم‪ ،‬أص بحت معدوم ة تما ًم ا في ظ ل الدول ة اإلس المية الحديث ة تحت مفه وم‬

‫داتهم‬ ‫انهم ومعتق‬ ‫ة على اختالف أدي‬ ‫اء الدول‬ ‫ل المجتمعي بين أبن‬ ‫ايش والتكاف‬ ‫ة والتع‬ ‫‪.‬المواطن‬

‫ويحرم القول بإهدار دم الذمي‪ ،‬أو الق ول بتخي يره بين القت ل أو االس ترقاق‪ ،‬أو دف ع الجزي ة‪ ،‬أو الفدي ة‪ ،‬أو نح وه؛ حيث إنَّ االم ر ليس‬

‫ً‬
‫منوطا باألشخاص العاديين في الدولة؛ بل هي أمو ٌر مُتعلقة بولي األمر ينظر فيها إلى المصلحة العامة بين أبناء الوطن الواحد‪ ،‬فيُعطى‬

‫المواطنين المسيحيين حق بناء دور العبادة وممارسة حياتهم الطبيعية باالستمتاع بما لهم من الحقوق وااللتزام بم ا عليهم من الواجب ات‬

‫ذلك‬ ‫ةل‬ ‫ة المنظم‬ ‫واد القانوني‬ ‫وائح والم‬ ‫ق الل‬ ‫‪.‬وف‬

‫‪.‬وهللا سبحانه وتعالى أعلم‬

You might also like