Professional Documents
Culture Documents
اسباب ضعف التفسير بالمأثور
اسباب ضعف التفسير بالمأثور
لقد دخل الوضع والكذب في الح ديث ،فال ج رم أن دخ ل في التفس ير بالم أثور ،فق د
كان التفسير كم ا قلن ا ج زءا من الح ديث ،وإن أق دم كت اب وص ل إلين ا في الح ديث
وهو :موط أ اإلم ام مال ك اش تمل على" كت اب التفس ير" ،وق د س ار على ه ذا بعض
المؤلفين في الحديث ،حتى بعد أن انفصل التفسير بمعناه الف ني ال دقيق ،وص ار علم ا
مستقال ،بالرغم مما تحفل به كتب التفسير من المأثور يوجد هناك تناقضا ً واضحا ً مع
أقوالهم فيه ،فابن كثير يق ول(:إن أك ثر التفس ير الم أثور ق د س رى إلى ال رواة الزنادقة
واليهود والنصارى والفرس ومسلمة أهل الكتاب ).
ويذكر السيوطي قول الزركشي في البرهان في علوم القرآن أن النقل عن الن بي
في التفسير (يجب الحذر من الض عيف من ه الموض وع فإن ه كث ير) .وله ذا ق ال اإلم ام
أحمد( :ثالثة كتب ليس لها أصول :المغازي والمالحم والتفسير) ،ويقول( :الذي ص ح
من ذلك قليل جداً ،بل أصل المرفوع منه في غاية القلة) .ويُالح ظ على ه ذه التفاس ير
ك ثرة ورود أق وال مختلف ة وربم ا متض اربة منس وية إلى نفس القائ ل ،إض افة إلى
1
التعارض مع أقوال اآلخرين
1د .شريف راشد الصدفي (أغسطس .)2016مفهوم النص عند عمر بن الخطاب :أحكام :الفتح – الغنيمة -الفيء( الطبعة األولى)
ص ٣٦-٣٥
للتفسير وال ريب كفل من هذا ،وكان هذا الص نف من أخبث الوض اعين ،فق د
وضعوا على النبي أحاديث يخالفها المحسوس ،أو يناقضها المعقول ،أو تش هد
أذواق الحكماء بسخافتها ،وإسفافها ،مما ال يليق بالعقالء.
الخالف&&ات السياس&&ية والمذهبية& :فق د س ولت ه ذه الخالف ات ألرق اء ال دين، -2
وض عفاء اإليم ان أن يض عوا أح اديث تؤي د م ذاهبهم ،وأح اديث في فض ائل
متبوعيهم ،وفي مثالب مخالفيهم ،وذلك :كما فعل الشيعة ،وال سيما الروافض،
فقد وضعوا في فضل س يدنا علي وآل ه أح اديث كث يرة ،ونس بوا إلي ه ك ل علم
وفضل ،وفيها ما يتعل ق بتفس ير بعض آي ات الق رآن ،وبأس باب ال نزول ،كم ا
وض عوا أح اديث في ذم الس ادة :أبي بك ر ،وعم ر ،وعثم ان ،وعم رو بن
العاص ،ومعاوية بن أبي سفيان ،وغيرهم.
وكذلك :فعل أنصار العباسين ،فقد وضعوا على ابن عباس رواي ات كث يرة ،وال س يما
في تفسير القرآن ،وصوروه بصورة العالم بكل شيء وقولوه ما لم يقل ،كم ا وض عوا
أحاديث في مثالب األمويين وذمهم ،وقابلهم أنصار األمويين بالمثل ،فضال عن أعق ل
العقالء ،وإنما ينصبون بذلك المكيدة لضعفاء األحالم ،وأرقاء ال دين ،ح تى يقع وا في
ريبة فتتزلزل من نفوسهم عقيدة :أن اإلسالم تنزيل من حكيم عليم.
قال ابن قتيبة" .2الحديث مدخله الشوب والفساد من وج وه ثالث ة :الزنادق ة ،واجتي الهم
لإلس الم ،وتهجين ه ببث األح اديث المستبش عة ،والمس تحيلة ،كاألح اديث ال تي ق دمنا
ذكرها من عرق الخي ل ،وعي ادة المالئك ة ،وقفص ال ذهب على جم ل أورق ،وزغب
الصدر ونور الذراعين ،مع أشياء ليست تخفى على أهل الحديث".3
وقال حماد بن زيد" :وضعت الزنادقة أربعة عشر ألف حديث ولما جيء بعبد الك ريم
بن أبي العوجاء ،خال معن بن زائدة ،الذي قتل ه محم د بن س ليمان بن علي العباس ي،
-٣القُ َّ
ص&&اص :فق د ك انت هن اك فئ ة تقص بالمس اجد ،وت ذكر الن اس ،وت رغبهم،
وترهبهم ،ولما كان ه ؤالء ليس وا من أه ل العلم بالح ديث ،وك ان غرض هم من ذك ر
القصص استمالة العوام ،فقد اختلقوا بعض القصص الباطل ،وروج وا البعض اآلخ ر
بذكرهم له ،وفي هذا الكثير من اإلسرائيليات والخرافات واألباطيل ،وقد تلقفها الن اس
منهم؛ ألن من طبيعة العوام الميل إلى العجائب والغرائب.
ويعجبني في هذا :ما ذكره ابن قتيبة عن القص اص ،ق ال :ف إنهم يميل ون وج ه الع وام
إليهم ،ويس تدرون م ا عن دهم بالمن اكير ،واألك اذيب من األح اديث ،ومن ش أن
15
الرحمن.22 ،19 :
16
المائدة.55 :
17
البقرة.157 :
18
آل عمران.17 :
19الفتح.29 :
20سورة التين،2 ،1 :
21مقدمة في أصول التفسير .40-38
22هي الرسالة التي نلت بها العالمية من درجة أستاذ "الدكتوراه" ولم تطبع بعد .وقد تولد منها كتابان :دفاع عن
السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين ،والثاني :هذا الكتاب.
العوام :القعود عند القاص ما كان حديثه عجيبا خارجا عن فطر العقول ،أو كان رقيقا
يحزن القلوب ،فإذا ذكر الجنة قال :فيها الحوراء من مسك أو زعفران وعجيزتها ميل
ويبوئ هللا وليه قصرا من لؤلؤة بيضاء ،فيها سبعون ألف مقصورة ،في ك ل
في ميلِّ ،
مقصورة سبعون ألف قبة ،وال يزال هكذا في السبعين ألفا ،ال يتحول عنها.
ومن ه ؤالء القص اص :من ك ان يبتغي الش هرة والج اه بين الن اس ،ومنهم :من ك ان
يقصد التعيش واالرتزاق ،ومنهم من كان سيء النية خبيث الطوية ،يقصد اإلفساد في
الدين ،وحجب جمال القرآن بما يفسره به من أباطيل وخرافات.
وقد حدثت بدعة القص في آخر عهد الفاروق :عمر رضي هللا عن ه ،وق د ك ان ملهم ا
حقا ،حينما أبى أن يقص قاص في المسجد ،وفيما بعد صار حرف ة ،ودخ ل في ه من ال
خالق له في العلم ،وقد ساعدهم على االختالق :أنهم لم يكونوا من أهل الحديث
والحفظ ،وغالب من يحضرهم جهال ،فجالوا وصالوا في هذا المي دان ،وأت وا بم ا ال
يقضى منه العجب.
ومن صفاقاتهم في هذا :ما روي أنه صلى أحمد بن حنب ل ،ويح يى بن معين بمس جد
الرص افة ،فق ام بين أي ديهم ق اص ،فق ال :ح دثنا أحم د بن حنب ل ،ويح يى بن معينن
قاال :حدثنا عبد الرزاق ،عن معمر ،عن قتادة ،عن أنس قال :ق ال رس ول هللا ص لى
هللا عليه وسلم" :من قال :ال إله إال هللا خلق هللا من كل كلمة طيرا ،منقاره من ذهب،
وريشه من مرجان" ،وأخذ في قصة نحوا من عشرين ورقة! فجع ل أحم د بن حنب ل
ينظر إلى يحيى بن معين ،ويحيى ينظ ر إلي ه فق ال :أنت حدثت ه به ذا! ق ال :وهللا م ا
سمعت بهذا إال الس اعة ،فلم ا انتهى أش ار ل ه يح يى ،فج اء متوهم ا ن واال ،فق ال ل ه
يحيى :من حدثك بهذا؟ قال :أحمد بن حنبل ،ويحيى بن معين ،فقال :أنا يح يى .وه ذا
أحمد ،ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول هللا صلى هللا عيه وسلم ،ف إن ك ان وال ب د
فعلى غيرنا ،فقال :لم أزل أس مع أن يح يى بن معين ،وأحم د بن حنب ل أحمق ان ،م ا
تحققته إال الساعة ،فقال له يحيى :وكيف؟ ق ال :كأن ه ليس في ال دنيا أحم د بن حنب ل
ويح يى بن معين غيركم ا ،لق د كتبت عن س بعة عش ر أحم د بن حنب ل ،ويح يى بن
معين! فما كان منهما إال ان رضيا من النقاش بالسالمة.
ومن يدري ،فلعلهما لو أطاال معه القول ،لنالهما ما نال الش عبي ،فق د دخ ل مس جدا،
فإذا رجل عظيم اللحية ،وحوله ناس يحدثهم ،وهو يق ول :إن هللا خل ق ص ورين ،في
كل صور نفختان ،قال :فخففت صالتي ،ثم قلت له :اتق هللا يا شيخ ،إن هللا لم يخل ق
إال صورا واحدا ،فقال لي :ي ا ف اجر أن ا يح دثني فالن ،وفالن ،وت رد علي ،ثم رف ع
نعله ،وضربني فتتابع القوم علي ضربا ،فو هللا ما أقلعوا عني ح تى قلت لهم :إن هللا
خلق ثالثين صورا في كل صور نفختان!! وهكذا كان القص اص مص در ش ر وبالء
على اإلسالم والمسلمين.
-5النقل عن أهل الكتاب الذين أسلموا ككعب األحبار ،ووهب بن منبه ،وعب د هللا بن
س الم ،وتميم ال داري وأمث الهم ،وق د حم ل ه ؤالء الكث ير من المروي ات المكذوب ة،
والخرافات الباطلة ،الموجودة في التوراة وشروحها ،وكتبهم القديمة ال تي تلقوه ا عن
أحب ارهم ورهب انهم جيال بع د جي ل ،وخلف ا عن س لف ،ولم تكن ه ذه اإلس رائيليات
والمرويات مما يتعلق بأصول الدين ،والحالل والحرام ،وهي التي ج رى العلم اء من
الصحابة والتابعين ،فمن بعدهم على التثبت منها ،والتحري عن رواتها ،وإنم ا ك انت
وقد وافق ابن تيمية على مقالته أحد تالميذه ،وه و :اإلم ام الحاف ظ المفس ر ابن كث ير،
فذكر نحوا من ذلك في مقدمة تفسيره.28
وقد ج اء بع د ابن تيمي ة :اإلم ام الع الم الم ؤرخ ،واض ع أس اس علم االجتم اع :عب د
الرحمن بن خلدون ،المتوفى سنة ،808فأبان عن ذلك بأوفى وأتم في هذا في مقدمت ه
المشهورة في أثن اء الكالم عن عل وم الق رآن من التفس ير والق راءات ،ق ال" :وص ار
التفسير على صنفين تفسير نقلي ،مسند إلى اآلثار المنقولة عن السلف ،وهي :معرف ة
الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ،ومقاصد اآلي ،وكل ذلك ال يع رف إال بالنق ل عن
الصحابة والتابعين ،وقد جم ع المتق دمون في ذل ك وأوع وا ،إال أن كتبهم ومنق والتهم
تشتمل على الغث ،والسمين ،والمقبول ،والمردود.
-6نقل كثير من األقوال ،واآلراء المنسوبة إلى الصحابة والتابعين من غ&&ير إس&&ناد،
تح&&ر عن رواتها ،فمن ثم التبس الص حيح بالض عيف ،والح ق بالباط ل،
ٍّ ومن غ&&ير
وصار كل من يقع على رأي يعتمده ويورده ،ثم يجيء من بعدهم فينقله؛ على اعتب ار
أن له أصال ،وتحسينا للظن بقائل ه ،وال يكل ف نفس ه مؤن ة البحث عن منش أ الرواي ة،
وعمن رويت ،ومن رواها عنه