You are on page 1of 2

‫المديح النبوي في العصر األندلسي‬

‫تتفق الكتب المؤرخة فً الحدٌث عن نشأة المدٌح النبوي فً األندلس‪ ،‬وارتباط المدٌح بالحروب بٌن‬
‫المسلمٌن والنصارى‪ ،‬ابتداء من عصر الطوائف‪ ،‬واستفحل أكثر فً عصر المرابطٌن وبعده‪ ،‬حٌث كثرت‬
‫تحرشات النصارى ببعض المدن اإلسالمٌة‪ ،‬وسقط العدٌد من المدن فً أٌدٌهم ‪.‬لقد عاش األندلسٌون التوتر‬
‫واالضطراب فً جمٌع أنحاء األندلس‪« ،‬األمر الذي جعل الناس ٌعٌشون حالة الٌأس‪ ،‬مما دفع بالشعر إلى‬
‫البحث عن البدٌل‪ ،‬والبدٌل هنا لٌس القوة العسكرٌة التً لم تعد تجدي شٌئا أمام قوة األعداء‪ ،‬فجاء الحنٌن‬
‫إلى الدٌار المقدسة مهبط الوحً وزمن صفاء العقٌدة‪ ،‬وكأنهم بحنٌنهم إلى زٌارة قبر الرسول صلى هللا علٌ‬
‫وسلم وإعجابهم بشخصٌ ‪ ،‬ثم االحتفال بمولده بعد ذلك ٌتوسلون إلٌ لحدوث معجزة االنتصار على‬
‫عدوهم ‪ ».‬اتخذ الشعراء األندلسٌون المدٌح النبوي وسٌلة لنجاة‪ ،‬والتخفٌف عنهم بما ٌصٌبهم من أحزان‪.‬‬
‫وٌدخل شعر ا لمدٌح النبوي ضمن الشعر الدٌنً‪ ،‬الذي ٌجمع الزهد والتصوف‪ ،‬وقد وجدنا أن هذا الفن من‬
‫المدٌح النبوي ق د ظهر فً األندلس‪ ،‬من القرن الهجري الثالث‪ ،‬وأورد (المقري) قصٌدة (لعبد الملك بن‬
‫حبٌب السلمً)‪ٌ ،‬مدح فٌها الرسول‪ ،‬حٌث زار قبره وروضت الشرٌفة‪ ،‬وتمتع بمشاهدة طٌبة‪ ،‬حٌث ٌقول ‪:‬‬
‫خٌر البرٌة والنبً المصطفى هادي الورى لطرائق لنجاة‬
‫جمع الزهد والتصوف فً قصائد المدٌح النبوي‪ ،‬فقد كانوا ٌمٌحون النبً صلى اهللا علٌ وسلم‪ ،‬وٌحنون‬
‫لزٌارة قبره‬
‫‪.‬وتجمع الكتب المتعلقة بتارٌخ األندلس فً المدٌح النبوي‪ ،‬أن المجتمع األندلسً وإن طغت علٌهم مظاهر‬
‫اللهو؛ « فإن صورة الرسول كانت تتألأل أمام أعٌنهم كبارا وصغارا‪ ،‬ولم تكن بٌنهم حركات الزندقة كظواهر‬
‫عامة مثلما وجدت فً الشرق‪ ،‬وإن الفلسفة كانت منبوذة ألنها تؤدي إلى مناقشة الوجود اإللهً‪.‬‬
‫‪».‬حٌث أهتم األندلسٌون بسٌرة الرسول صلى هللا علٌ وسلم بكل فئاتها‪ ،‬سواء كانوا صغارا أم كبارا‪،‬‬
‫وكانت صورة الرسول ال تغادر أذهانهم‬
‫وتجمع الكتب الخاصة بتارٌخ األندلس أٌضا على أن فٌما ٌخص «قصائد المدٌح النبوي بوضوح أكثر‬
‫واستقاللٌة فً النصف األول من القرن السادس للهجرة‪ ،‬وللشاعر أبً محمد عبد هللا بن السٌد البطلٌوسً‬
‫(ت‪125‬ه)‪ ،‬قصٌدة ٌخاطب فٌها مكة المكرمة‪ ،‬وٌذكر بٌت هللا الحرام ومبعث رسول ‪ ،‬وأصبح موضوع‬
‫الخطاٌا ومخاطبة الحجٌج وإرسال التحاٌا والسالم من أركان هذه القصائد‪ ،‬وٌعد ابن حزم االندلسً (ت‬
‫‪614‬هـ) من الشعراء األوائل الذٌن مهدوا لقصائد المدٌح النبوي واإلشارة بسنت واستعمال عبارة صلى فً‬
‫الشعر<<‬
‫قصائد المدٌح النبوي بوضوح كبٌر فً النصف األول من القرن السادس للهجرة‪ ،‬وأصبح موضوع‬
‫الشعراء فً تلك الفترة مخاطبة الحجٌج‪ ،‬وإرسال التحاٌا‪ ،‬وٌعد (ابن حزم) من الشعراء األوائل الذٌن اهتموا‬
‫فً مدح الرسول صلى هللا علٌ وسلم ‪ .‬ولم ٌنتشر المدٌح النبوي فً األندلس انتشارا واسعا‪ ،‬إال فً عصر‬
‫الموحدٌن‪ ،‬فقد اكتملت صورة قصٌدة المدٌح النبوٌة األندلس التً تألفت من عنصرٌن‪:‬‬
‫‪- 5‬المطلع‬
‫‪ - 2.‬معانً المدٌح النبوي التً ٌصل إل ٌها الشاعر بعد وصف رحلت عبر الفٌافً والقفار‪ ،‬وما ٌصاحبها من‬
‫متاعب ومشاق‪ ،‬وتصوٌر األشواق والهٌام فً الشوق لزٌارة ضرٌح خٌر اآلنام‪ ،‬والتمرغ بتراب الطاهر‪،‬‬
‫والتعبق بمسك وشذاه‪ ،‬واستهالل الدموع طلبا للمغفرة‪ ،‬والشفاعة‪ ،‬ثم ٌختم القصٌدة بالسالم على خاتم‬
‫المرسلٌن ‪ .‬ففً كتاب الذٌل والتكملة‪ ،‬حجازٌات عدٌدة للشاعر (علً بن محمد بن حسن األنصاري‬
‫اإلشبٌلً)(ت‪ٌ( 446‬تحدث فً إحداها عن مقام الرسول‪ ،‬حٌث ٌقول‬
‫شكت الجهـد وبعد المرتمً‬ ‫ٌا حداة العٌـس رفقا إنها‬
‫ودخٌل الشوق إال األعظما‪.‬‬ ‫طاوٌات لم ٌدع منها السرى‬

‫نستنتج من ذلك مدى شوق شعراء المدٌح النبوي فً األندلس عن حدٌثهم عن مقام الرسول صلى هللا علٌ‬
‫وسلم وفخامت ‪.‬‬
‫وٌشهد لألندلسٌٌن السبق فً قول قصائد متضمنة إرسال التحاٌا إلى نجد وثرى الرسول ومخاطبة الحجٌج‬
‫المتضمن إرسال التحاٌا إلى نجد وثرى الرسول ومخاطبة الحجٌج قبل الصرصري من العراق والبوصٌري‬
‫من مصر‪ ،‬كما فً قول الشاعر أبً الحسن علً بن جودي (‪165‬هـ)‪:،‬‬
‫لساكن نجد قد تحملها الركب‬ ‫سل الركب عن نجد فإن تحٌة‬
‫وٌعد (أبو العباس بن العرٌف) (ت ‪164‬هـ) أول من قال الشعر الذي بسمات صوفٌة شفافة مع مزج بٌن‬
‫أسلوب العالم واشراقة الواصل ورموز أهل الطرٌ ق‪ ،‬وربط كل ذلك بمدح الرسول األعظم‪ ،‬ونقل المقري‬
‫أشعارا نبوٌة ل ‪ٌ ،‬ذكر أن نقلها من كتاب المفقود "مطالع األنوار ومنابع األسرار"‪ ،‬ومن قول ‪:‬‬
‫ٌحبـك قربـة اإللـه‬ ‫وحقـك ٌا محمد إن قلبً‬
‫فهام القلب فً طٌب المٌاه‬ ‫جرت أمواه حبك فً فؤادي‬
‫كما هو واضح فً البٌتٌن ال سابقٌن فقد وضع رموزا دٌنٌة فً األبٌات الشعرٌة المتعلقة بالمدٌح النبوي‪،‬‬
‫ومزج الصوفٌة فٌها‪ ،‬وربط تلك السما ت الصوفٌة بمدح سٌد الكون‪ ،‬رسول هللا صلى هللا علٌ وسلم‪.‬‬
‫وللشاعر (أبً العباس بن العرٌف) قصٌدة ٌفتتح أبٌاتها والبالغة واحدا وثالثون بٌتا‪ ،‬بصالة هللا على‬
‫الرسول‪ ،‬وهو نمط تكرر فً القصائد النبوٌة فً القرنٌن السابع والثامن الهجرٌٌن‪ ،‬ومما قال ‪:‬‬
‫صلى اإلله على النبً الهادي ما الذت األرواح باألجساد‬
‫صلى علٌه هللا ما اسود الدجى وكسا محٌا األفق برد جداد‬
‫نظمت العدٌد من األشعار الخاصة بالمدٌح النبوي‪ ،‬فً الكثٌر من المناسبات الدٌنٌة‪ ،‬وخصوصا فً لٌلة‬
‫مٌالد النبً صلى هللا علٌ وسلم ‪ ،‬وفً األندلس والمغرب نظموا الشعر فً مدح رسول هللا صلى هللا علٌ ‪.‬‬
‫وأنشدوا المدائح النبوٌة فً المناسبات‪ ،‬وفً أٌام المولد النبوي خاصة‪.‬‬
‫ومن األسباب التً أدت إلى ظهور وانتشار المدٌح النبوي أدت الظروف السائدة فً األندلس‪ ،‬إلى التفاتة‬
‫الشعراء واألدباء إلى قصائد المدٌح النبوي‪ ،‬وذكر الدٌار وسٌرة النبً صلى اهللا علٌ وسلم‪ ،‬وأدى بعد‬
‫المسافة وصعوبة التنقل على تحفٌزهم على نظم مثل هذه القصائد المتمٌزة بمدح الرسول صلى اهللا علٌ‬
‫وسلم؛ فقد كا نت "ظروف األندلس الجهادٌة المتواصلة تلفت الشعراء واألدباء إلى الدٌار المقدسة‪ ،‬وإلى‬
‫المقام النبوي‪ ،‬وإلى سٌرت وخصائص وشمائل ‪ ،‬استعداد للصبر والثبات والشجاعة‪ ،‬وطلب لعون اهللا‬
‫تعالى‪ٌ ،‬ضاف إلى ذلك بعد المسافة بٌن األندلسٌٌن وبٌن الدٌار المقدسة‪ ،‬وصعوبة السفر وقلة االستطاعة‪،‬‬
‫وهكذا كثرت الدواعً التً حفزهتم على نظم الشعر فً هذا المقصد‪.‬‬

‫المرجع‬

‫‪ - 5‬قصيذة الوذيح النبوي في الشعر األنذلسي في عهذ بني األحور ‪ -‬هذكرة هكولت لنيل شهادة الواستر‬
‫تخصص أدب عربي قذين ‪ -‬جاهعت هحوذ الصذيق بن يحي – الجزائر ‪ 9102 -‬م‬

‫‪http://dspace.univ-‬‬
‫‪jijel.dz:8080/xmlui/bitstream/handle/123456789/8388/737.800.pdf?sequenc‬‬
‫‪e=1&isAllowed=y‬‬

You might also like