Professional Documents
Culture Documents
أنشئت عدة سلطات ضبط مستقلة في الميدان االقتصادي في ظل دستوري 1989و ،1996ولم يوجد أي
نص فيهما يقر بها صراحة أو يحدد طبيعتها.
واكتفيا بالتقسيم الثالثي للسلطة في الدولة ،وتطرقا لبعض الهيئات األخرى :المجلس الدستوري ،المجلس األعلى
للقضاء ،مجلس المحاسبة ،المجلس اإلسالمي األعلى . ...ومن جهة أخرى ال يمنع الدستور إنشاء سلطات الضبط
المستقلة .حيث يخول الدستور للبرلمان بسن قوانين تنشئ من خاللها فئات المؤسسات وذلك استنادا للمادة 140فقرة
28من التعديل الدستوري لسنة .2016
وتمثل سلطات الضبط المستقلة شكل غير مألوف في القانون التق ليدي ،مما يصعب عليه على إعطاء مفهوم موحد لها.
وبالرجوع إلى النصوص القانونية المنشئة لهذه السلطات نجد أن أغلبها ال تتضمن تحديدا لطبيعتها القانونية باستثناء
البعض منها :كمجلس المنافسة ،سلطة ضبط المياه ،الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته .أما باقي السلطات
فقد كيفت بعدة أوصاف ،فمنها ما وصفت على أنها سلطة ضبط مستقلة مثل لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها،
وأخرى وصفت بأنها هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي كلجنة ضبط الكهرباء والغاز ،وفي
مجال المحروقات استحدث المشرع وكالتين تعتبران سلط تي ضبط ال تخضعان للقواعد القانونية المطبقة على اإلدارة.
غير أن هيئات أخرى سكت فيها المشرع عن تحديد طبيعتها القانونية مثل مجلس النقد والقرض واللجنة المصرفية.
وأمام غياب تحديد قانوني موحد ومتجانس للطبيعة القانونية لسلطات الضبط المستقلة ،يتعين علينا البحث في جملة من
العناصر التي تشكل جوهر هذه السلطات.
المطلب األول :الطااع البسلطوي
يقصد بالسلطة التي تتمتع بها هيئات الضبط االقتصادي منحها القدرة على اتخاذ القرار الذي يمكنها من
مباشرة االختصاصات التي استحدثت من أجلها بكل فعالية دون الرجوع إلى هيئة أخرى ،وتعد تصرفاتها بمثابة
تصرفات إدارية .ومن ثم ال يقصد بالسلطة في هذا المجال المعنى التقليدي لها الذي ينص عليه الدستور ،والذي يقسم
سلطة الدولة إلى ثالث سلطات :السلطة التنفيذية ،السلطة التشريعية ،السلطة القضائية.
فهيئات الضبط االقتصادي هي سلطات بالمعنى الذي يجعلها تختلف عن الهيئات االستشارية ،بالرغم من تعدد
تسمياتها وفق النصوص القانونية المنشئة لها :سلطة ،مجلس ،لجنة ،خلية ،وكالة ،مؤسسة ،هيئة.
فهي تتمتع بسلطة حقيقية في إصدار الق اررات ،والتي كانت اختصاص حصريا للسلطة التنفيذية ( اإلدارة العامة ) ففي
مجال المنافسة حولت بعض الصالحيات التي كان يتمتع بها وزير التجارة إلى مجلس المنافسة .كما تتمتع لجنة تنظيم
عمليات البورصة ومراقبتها بسلطة إصدار الق اررات التنظيمية ،والتي كانت في األصل من اختصاص وزير المالية،
ونفس الحال بالنسبة لوزير الطاقة الذي حولت بعض صالحياته وسلطاته إلى سلطة الضبط في مجال الكهرباء والغاز.
إن مبرر ذلك يعود لكون أن وظيفة هذه الهيئات ال تقتصر على التسيير ،وانما تتعلق أساسا بالضبط وللقيام بذلك تتمتع
بسلطة اتخاذ الق اررات التي تمكنها من تعديل النظام القانوني وتغيير المراكز القانونية.
وعلي ه فهي تتمتع بسلطة إصدار أعمال ذات طبيعة إدارية محضة تخضع لرقابة القضاء من حيث سالمة
مشروعيتها .ومن جهة أخرى فإن فكرة السلطة التي تتمتع بها هذه الهيئات تبرز من خالل سلطة القمع والعقاب ،والتي
تعد من صميم اختصاص السلطة القضائية.
وما تنبغي اإلشارة إليه في األ خير أن هناك من هذه الهيئات من ال تتمتع بسلطة إصدار ق اررات ملزمة ونافذة،
( الحكومة ) ومع ذلك فإن التوصيات واآلراء الصادرة عنها لها قوة وتأثير معنويين على السلطة اإلدارية التقليدية
التي غالبا ما تأخذ بمضامين هذه اآلراء ،األمر الذي يجعل من هذه الهيئات سلطات بالمعنى الواسع لها أي سلطة
معنوية.
المطلب الثاني :الطااع اإلداري
تتمتع معظم سلطات الضبط االقتصادي بالطبع اإلداري .فقد تثبت الصفة اإلدارية صراحة من طرف المشرع،
كما هو الحال بالنسبة لمجلس المنافسة الذي كيفه القانون المنظم له بأنه سلطة إدارية ،ونفس الشيء بالنسبة للهيئة
الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته الذي كيفها المشرع صراحة بأنها سلطة إدارية مستقلة .والحال ذاته بالنسبة للجنة
اإلشراف على التأمينات والوكالة الوطنية للمواد الصيدالنية وسلطة ضبط الخدمات العمومية للمياه وخلية معالجة
االستعالم المالي.
وبالمقابل اعترف المشرع صراحة لوكالتي المحروقات سلطتين مستقلتين ذات طابع تجاري ،واألمر ذاته بالنسبة للجنتين
المكلفتين بضبط قطاع المناجم.
إال أن اإلشكال يثار في حالة عدم تدخل المشرع واعطائه التكييف القانوني للهيئة التي أنشأها ،كما هو الحال
مثال بالنسبة للجنة ضبط الكهرباء والغاز وسلطة ضبط البريد والمواصالت السلكية والالسلكية.
( ولقد تكفل كل من القضاء والفقه بتحديد طبيعة سلطات الضبط باالعتماد على معيارين هما :المعيار المادي
الموضوعي ) من خالل التركيز على مهامها وطابعها التخصصي وتمتعها بصالحيات السلطة العامة .فهذه الهيئات
تسهر على تطبيق واحترام القانون والتنظيمات في مجال اختصاصها أي في قطاع نشاطها .فتصرفاتها تعد أعماال
إدارية تمكنها من اتخاذ ق اررات إدارية واجبة التنفيذ ،وهي بذلك تتمتع ببعض امتيازات السلطة العامة.
أما المعيار الشكلي الذي يركز على مجال منازعات هذه الهيئات ،فالق اررات الصادرة عن هذه السلطات تخضع لرقابة
القضاء اإلداري ( مجلس الدولة ) كأصل عام ،واستثناء يختص القاضي العادي ببعض منازعات هذه الهيئات كمجلس
المنافسة مثال.
المطلب الثالث :طااع االبستقاللية
تعتبر االستقاللية مظه ار هاما لوظيفة الضبط االقتصادي ،فالضبط الفعال والمرن ال يتحقق في ظل التبعية
سواء للسلطة السياسية أو لقوى السوق.
فهذه الهيئات تتمتع بخصوصية متفردة من خالل استقالليتها التي لم يربطها المشرع واالجتهاد القضائي بوجود
الشخصية المعنوية من عدمها.
إن االستقاللية هي المبرر الرئيسي إلنشاء هذه السلطات ،فعلى خالف اإلدارة التقليدية تتمتع هذه الهيئات
باستقاللية عضوية ووظيفية ،سواء بالنسبة للسلطة التنفيذية أو التشريعية ،لكنها تخضع للرقابة القضائية ،فهذه الهيئات
لها سلطات فعالة تجعلها تختلف عن الهيئات االستشارية .ومهمتها تتمثل في ضبط المجال االقتصادي والمالي.
وبفضل استقالليتها تضمن الحياد ،طالما أن الدولة تتدخل هنا كعون اقتصادي فال يتصور أن تكون خصما وحكما في
آن واحد.
وتختلف درجة استقاللية هذه الهيئات من سلطة إلى أخرى ،وال يمكن القول بأن هذه الهيئات تتمتع باستقاللية
مطلقة ،فاالستقاللية المقصودة هي االستقاللية النسبية.
وهناك من السلطات من اعترف لها المشرع صراحة باالستقاللية :كسلطة ضبط البريد والمواصالت ،وسلطة ضبط
الكهرباء والغاز ،ولجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها ،ونفس الحال بالنسبة للوكالتين المنجميتين.
في مقابل ذلك هناك سلطات أخرى لم يقر المشرع صراحة لها بطابع االستقاللية ،كما هو الحال بالنسبة لمجلس النقد
والقرض واللجنة المصرفية ومجلس المنافسة.
وتتجسد استقاللية سلطات الضبط في المجال االقتصادي من خالل االستقاللية العضوية واالستقاللية الوظيفية.
أوال :االبستقاللية العضوية
إن االستقاللية العضوية لسلطات الضبط االقتصادي تتجلى من خالل مجموعة من الضمانات القانونية:
-1تشكيلة بسلطات الضاط االقتصادي :
من خالل النصوص المنشئة لسلطات الضبط يتبين أنه ال يوجد نظام موحد يحكم تشكيلة هذه الهيئات .وتتمثل
خاصية االستقالل في هذا المجال في التركيبة الجماعية والمختلطة لهذه الهيئات ،وكذا تعدد واختالف الجهات
المقترحة ألعضائها.
إن تعدد األعضاء المشكلين واختالف صفاتهم ومراكزهم القانونية يبرز الطابع الجماعي لهذه الهيئات ،األمر
الذي يحقق ميزة إيجابية تتمثل في تعدد األفكار والمقترحات ،وهو ما يسمح بإضفاء بعضا من الشفافية على
أعمالها ،وبالنتيجة تدعيم وضمان استقالليتها.
ويتراوح عدد أعضاء هذه الهيئات ما بين 4إلى 12عضوا ،ويظهر ذلك من خالل التفصيل التالي:
-سلطتي ضبط اقتصاديتين تتشكالن من 4أعضاء ،ويتعلق األمر بكل من لجنة ضبط الكهرباء والغاز وسلطة
ضبط الخدمات العمومية للمياه.
-سلطتي ضبط اقتصاديتين تتشكالن من 5أعضاء ،ويتعلق األمر بكل من لجنة اإلشراف على التأمينات
والسلطة الوطنية للتصديق اإللكتروني.
-سلطة ضبط اقتصادي تتشكل من 6أعضاء ،ويتعلق األمر بخلية معالجة االستعالم المالي.
3 -سلطات ضبط اقتصاديتين تتشكل من 7أعضاء ،ويتعلق األمر بكل من الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد
ومكافحته ولجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها ،وسلطة ضبط البريد والمواصالت السلكية واالسلكية .
-سلطة ضبط اقتصادي تتشكل من 8أعضاء ،ويتعلق األمر باللجنة المصرفية.
-سلطة ضبط اقتصادي تتشكل من 9أعضاء ،ويتعلق األمر بمجلس النقد والقرض.
-سلطة ضبط اقتصادي تتشكل من 12عضوا ،ويتعلق األمر بمجلس المنافسة.
وفيما يخص باقي السلطات فقد أحيل إلى التنظيم لتحديد تشكيلتها ( سلطة ضبط النقل والوكالة الوطنية للمواد
الصيدالنية المستعملة في الطب البشري )
إن تعدد صفة األعضاء ومراكزهم القانونية يضمن الشفافية وعدم التحيز ،خاصة في حالة وجود أشخاص
متخصصين أو ذوي خبرة وأشخاص يتمتعون بالمصداقية.
فمن هذه السلطات من تضم القضاة كاللجنة المصرفية ولجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها ،ومن من تضم
القانونيين والممثلين المهنيين كمجلس المنافسة ،وهناك من تضم الخ براء كلجنة اإلشراف على التأمينات ،ومنها من
تضم األساتذة الجامعيين.
وبالنسبة القتراح تعيين األعضاء ال يخضع الحتكار جهة واحدة:
فبالنسبة للجنة ضبط الكهرباء والغاز يعينون بناء على اقتراح وزير الطاقة ،وبالنسبة للجنة اإلشراف على التأمينات
يقترحون من طرف المحكمة العليا ووزير المالية.
أما لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها يقترح أعضاؤها من طرف كل من وزير العدل ،وزير المالية ،وزير التعليم
العالي ،محافظ بنك الجزائر ،المصف الوطني للخبراء المحاسبين.
وبالنسبة للجنة المصرفية يعود اقتراح أعضائها إلى كل من :المحكمة العليا ،مجلس الدولة ،مجلس المحاسبة ووزير
المالية.
-2وجود قواعد متعلقة اعهدة أعضاء بسلطات الضاط االقتصادي:
كقاعدة هامة يقصد بالعهدة تلك المدة القانونية المحددة والتي يمارس من خاللها األعضاء مهامهم وصالحياتهم ,دون
أن تكون هناك إمكانية لعزلهم إال في حالة ارتكابهم ألخطاء جسيمة ،وهذا لتجنب وقوعهم تحت طائلة الضغط أو
التأثير من جانب الجهة صاحبة سلطة التعيين.
وتتراوح مدة العهدة بين 4سنوات بالنسبة لمجلس المنافسة ولجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها وخلية معالجة
االستعالم المالي .وتكون مدة العهدة 5سنوات بالنسبة لكل من اللجنة المصرفية وسلطة ضبط المياه والهيئة الوطنية
للوقاية من الفساد ومكافحته ،أما سلطة ضبط الكهرباء والغاز فتبلغ العهدة فيها مدة 6سنوات.
مع مالحظة أن بعض السلطات لم يحدد فيها المشرع مدة العهدة ،وهو ما يشكل قيدا على استقالليتها.
إن قاعدة عدم قابلية المدة للق طع ،يولد لدى األعضاء إحساسا باالستقاللية والحرية في اتخاذ الق اررات ،وهذا نتيجة
يقينهم بأنه ال يمكن ألي جهة أن تعزلهم أثناء مدة عهدتهم.
غير أن هذه القاعدة ال يقر بها القانون الجزائري صراحة إال بالنسبة لرئيس اللجنة المصرفية الذي ال يمكن قطع عهدته
إال في حالة ارتكابه خطئا جسيما أو لظروف استثنائية.
أما بالنسبة للنظام الفرنسي فإن هذه القاعدة مطبقة حتى في ظل سكوت المشرع ،وهذا من خالل القرار المبدئي لمجلس
الدولة الفرنسي الذي أقر بمبوجبه عدم إمكانية إنهاء مهام أعضاء السلطات اإلدارية المستقلة قبل إتمام عهدتهم حتى
وان بلغوا سن التقاعد القانونية.
وتأكيدا لالستقاللية العضوية أيضا تبنى المشرع نظام تنافي وظيفة العضو على مستوى بعض سلطات الضبط
المستقلة كلجنة اإلشراف على التأمينات والسلطة الوطنية للتصديق اإللكتروني والوظائف والمهام الحكومية والبرلمانية
واالنتخابية .زيادة على ضرورة استبعاد أية مصالح له ضمن قطاع النشاط محل الضبط وهي ما تسمى بالموانع ،كما
ألزمه القانون بواجب التحفظ.
ثانيا :االبستقاللية الوظيفية
تتمتع غالبية سلطات الضبط المستقلة بالشخصية المعنوية ،وهي غير خاضعة ال لرقابة السلطة الرئاسية وال
لرقابة الوصاية اإلدارية ،وهي تتمتع باستقالل مالي واداري.
-1التمتع االشخصية المعنوية:
بالرغم من عدم اعتبار الشخصية المعنوية عامال حاسما لقياس درجة االستقاللية ،إال أنها مع ذلك تعد عامال مهما
في سبيل تحقيقها ،بالنظر لآلثار المترتبة عنها كأهلية التقاضي ،والتعاقد وتحمل المسؤولية.
وقد اعترف المشرع بالشخصية المعنوية ألغلبية هذه السلطات.
-2التمتع ااالبستقال ل المالي واإلداري:
تمكن االستقاللية اإلدارية سلطات الضبط االقتصادي من اتخاذ ق ارراتها دون الرجوع إلى سلطة أخرى.
ومن جهة أخرى تسمح لها بتسيير شؤونها بكل حرية ،فلجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها هي من تقوم بتحديد
مهام مستخدميها وتصنيفهم وتحديد رواتبهم .أما سلطة ضبط البريد والمواصالت فتتولى هي بنفسها تحديد تنظيمها
وقواعد عملها وحقوق وواجبات أعضائها والقانون األساسي لمستخدميها.
و يجسد االستقالل المالي لسلطات الضبط االقتصادي عدم تبعيتها للحكومة من حيث التمويل ،ولو أن العديد
منها مازال يعتمد في موارده المالية على ميزانية الدولة.
-3وضع النظام الداخلي:
تقتضي االستقاللية الوظيفية أن تكون لسلطات الضبط الحرية في تحديد نظامها دون تدخل من أي جهة ،وهو ما
نجده مكرسا بالنسبة لسلطة ضبط الكهرباء والغاز ،ولجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها ،ومجلس النقد
والقرض ،وسلطة ضبط البريد والمواصالت ،وسلطة ضبط المياه.
ثالثا :حدود ابستقاللية بسلطات الضاط االقتصادي
إن سلطات الضبط االقتصادي تتمتع باالستقاللية كما هو مؤكد في النصوص المنشئة لها إال أنها مع ذلك تعد
استقاللية نسبية .وذلك من خالل بعض القيود التي تبقيها تحت تأثير السلطة التنفيذية.
-1على المبستوى العضوي:
بالرغم من تعدد الجهات المقترحة ألعضاء سلطات الضبط االقتصادي ،إال أن سلطة تعيينهم تبقى حك ار على
السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الجمهورية ،ما عدا رئيس لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة الذي يعينه
الوزير األول ،وباقي األعضاء الذين يعينون من طرف وزير المالية .وبالمقارنة مع النظام الفرنسي الذي نجده في
بعض الحاالت يعتمد على توزيع سلطة التعيين بين عدة جهات كما هو الحال بالنسبة لسلطة األسواق المالية،
التي يتقاسم سلطة التعيين فيها كل من رئيس الجمهورية ،محكمة النقض ،مجلس الدولة ،مجلس الشيوخ ،مجلس
النواب ،المجلس االقتصادي واالجتماعي ،مجلس المحاسبة ،محافظ بنك فرنسا.
وفي حاالت أخرى يشترط المشرع ضرورة استشارة هيئة معينة ،أو إلزامية إجراء انتقاء أولي.
ومن جهة أخرى يالحظ أن الحكومة ممثلة في هذه الهيئات ،فمجلس المنافسة يضم ممثلين لوزير التجارة أحدهما
دائم واآلخر مستخلف لكن دون حق التصويت .كما أن لجنة ضبط الكهرباء والغاز تتضمن مجلسا استشاريا يضم
ممثلين عن الدوائر الو ازرية ( الطاقة ،المالية ،الداخلية ،التجارة ،البيئة ، )...أما اللجنة المصرفية فتضم في تشكيلتها
ممثال عن وزير المالية.
إن تقنية الربط أو اإللحاق لبعض هذه السلطات يمكن أن تشكل نوعا من الرقابة اإلدارية .فالهيئة الوطنية للوقاية
من الفساد ومكافحته تابعة لرئيس الجمهورية ،أما السلطة الوطنية للتصديق االلكتروني فهي ملحقة بالوزير األول ،ويتبع
مجلس المنافسة لوزير التجارة ،وبالنسبة للجنة اإلشراف على التأمينات تم ربطها بوزير المالية.
وأخي ار إن عدم تحديد مدة عهدة األعضاء يشكل قيدا على استقالليتهم ،وهو ما نجده محققا لدى كل من مجلس
النقد والقرض ،سلطة ضبط البريد والمواصالت السلكية والالسلكية ،لجنة ضبط الكهرباء والغاز ،ولجنة اإلشراف على
التأمينات .فهؤالء األعضاء يكونون عرضة للعزل في أي وقت ما دام أن المشرع لم يحدد حاالت العزل وال إجراءاته.
-2على المبستوى الوظيفي:
على الرغم من تمتع سلطات الضبط بالشخصية المعنوية ،إال أن هناك هيئات ال تحوز ذلك ،وهو ما يؤثر في
استقالليتها المالية .فاألعباء المالية لكل من مجلس النقد والقرض واللجنة المصرفية يتحملها بنك الجزائر ،وتمول لجنة
اإلشراف على التأمينات من طرف الخزينة العمومية .كما أن بعض سلطات الضبط وبالرغم من االعتراف لها
بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي ،إال أنها تعتمد على ميزانية الدولة ،فميزانية مجلس المنافسة تسجل ضمن أبواب
ميزانية و ازرة التجارة .أما لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة وبالرغم م ن أن لها بعض الموارد الخاصة إال أنها
تتحصل على إعانة تسيير من ميزانية الدولة.
كما أن إعانة الدولة تشمل هيئات أخرى متمتعة أيضا بالشخصية المعنوية كما هو الحال بالنسبة للهيئة الوطنية للوقاية
من الفساد ومكافحته ،وسلطة ضبط البريد والمواصالت السلكية والالسلكية ،وسلطة ضبط الخدمات العمومية للمياه،
وسلطة ضبط الكهرباء والغاز.
ومن جهة أخرى تشرف الحكومة على وضع األنظمة الداخلية لبعض هذه الهيئات بموجب سلطة التنظيم ،كما هو
الحال بالنسبة لمجلس المنافسة ،خلية معالجة االستعالم المالي ،السلطة الحكومية للتصديق اإللكتروني .فوضع النظام
الداخلي للهيئة من طرف سلطة أخرى يشكل نوعا من الرقابة على تنظيم وعمل هذه السلطات.
وأخي ار هناك بعض مظاهر التبعية لهاته السلطات ،تتمثل في رقابة السلطة التنفيذية على أعمال بعض هاته
الهيئات .فأنظمة مجلس النقد والقرض تخضع قبل نشرها في الجريدة الرسمية للرقابة المسبقة لوزير المالية .كما أن
لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها تتمتع باختصاص إصدار األنظمة بغرض ضبط سوق القيم المنقولة ،غير أنها
تبقى خاضعة لموافقة وزير المالية لنشرها بالجريدة الرسمية .كما يمكن لهذا األخير الحلول محلها في حالة تعليق
عمليات البورصة لمدة تتجاوز الـ 5أيام ،وهذا في حالة وقوع حادث كبير ينجر عنه اختالل في سير البورصة أو
حركات غير منتظمة ألسعار البورصة.
ويجيز القانون للحكومة أن تصرف النظر عن ق اررات مجلس المنافسة وعدم أخذها بعين االعتبار ،وهذا بأن
ترخص إما تلقائيا أو بناء على طلب من األطراف المعنية بالتجميع الذي كان محل رفض من قبل مجلس المنافسة.