You are on page 1of 90

‫عــروض السـنـة الثـانـيـة فـي‪:‬‬

‫تحت إشراف‪:‬‬ ‫إنجــاز‪:‬‬


‫األستاذ‪ :‬عزيز العماري‬ ‫شعب التقني العالي‬

‫الفوج‪:‬‬
‫‪0202-0202‬‬
‫أيها الطالب (ة(‬
‫يمثل هذا الكتاب الدرج األخير من سلك تأهليك‪ ،‬والمفضي بك إلى نيل شهادة التقني العالي ‪.‬‬
‫وبما أننا نحن مؤلفو هذا الكتاب طالب مثلنا مثلكم‪ ،‬فإننا اعتمدنا طريقة واضحة في ترتيب المجزوءآت ولغة‬
‫بسيطة في كتابتها‪ .‬ومن المرامي المراد تحقيقها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ ‬تمكينك من مالمسة جميع محاور المجزوءآت ومعرفة جميع المعلومات الممكنة حولها‪.‬‬
‫‪ ‬تنمية ثقافتك من خالل االطالع على معلومات جديدة لم تكن تعرفها سابقا‪.‬‬
‫وتعتبر مضامين هذا الكتاب لبنة لوضع تصور لرصد المجتمعات الجديدة‪ ،‬ونمطية عيشها وتقدمها من خالل أربع‬
‫مجزوءات ‪.‬‬
‫اإلنسان والمستقبل‬ ‫‪‬‬
‫التكنولوجيا والمعلوميات‬ ‫‪‬‬
‫الحداثة والتراث‬ ‫‪‬‬
‫ثقافة الصورة والثقافة البصرية‬ ‫‪‬‬
‫وقد بنيت هذه المجزوءات وفق ما تعرضه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث‬
‫العلمي‪ ،‬لكن بطابع جديد ممزوج بصبغة شبابية لتحبيبك في قراءة هذا الكتاب‪ ،‬والتسلح بما جاء فيه من معلومات‪،‬‬
‫قصد تحقيق الكفاية األدبية العلمية الجتياز االمتحان الوطني‬
‫الفهرس‬
‫مقدمة‪...........................................................................................................‬‬
‫الفهرس‪.......................................................................................................‬‬
‫الباب األول ‪ :‬اإلنسان و المستقبل‬
‫المحور األول ‪ :‬أدب الخيال العلمي…………………………‪2...……………….‬‬
‫المحور الثاني ‪ :‬التنبؤ العلمي و مستقبل اإلنسان…………‪6….….………………...‬‬
‫المحور الثالث ‪ :‬التربية و صناعة المستقبل‪10………………………...………….‬‬
‫الباب الثاني ‪ :‬التكنولوجيا و المعلوميات‬
‫تقديم ‪15.......................................................................................................‬‬
‫المحور األول ‪ :‬اللغة العربية والثورة الرقمية‪16...………….…………………….‬‬
‫المحور الثاني ‪ :‬العلم و مشكالت العصر …‪81......................................................‬‬
‫المحور الثالث ‪:‬اإلعالم و التنمية‪20……………..…….………….…………….‬‬
‫خاتمة‪22………..…………………..……………………...……………...‬‬
‫الباب الثالث ‪ :‬الحداثة و التراث‬
‫المحور األول‪ :‬المجتمع العربي بين التقليد و الحداثة‪23……….....………………….‬‬
‫المحور الثاني ‪ :‬تراثنا بين المحلية و العالمية‪32…………….……………………..‬‬
‫المحور الثالث ‪ :‬المجتمع المدني و صناعة التحديث ‪36…………….……………...‬‬
‫الباب الرابع ‪ :‬ثقافة الصورة‬
‫تقديم ‪41.......................................................................................................‬‬
‫المحور األول ‪ :‬المسرح العربي بين اإلتباع و اإلبداع……………………………‪42‬‬
‫المحور الثاني ‪ :‬فن السينما المكونات و الوظائف‪46..................................................‬‬
‫المحور الثالث ‪ :‬العمارة و البيئة‪47………………………...…………………...‬‬
‫خاتمة………………………‪49…………………………………………..‬‬
‫اإلنسان والمستقبل‬

‫يتكون المحور األول من أربع عناوين كبرى وهي‪:‬‬


‫‪ .0‬أدب الخيال العلمي‬
‫‪ .0‬التنبؤ العلمي ومستقبل االنسان‬
‫‪ .3‬التربية وصناعة المستقبل‬
‫‪ .4‬نموذج المهدي المنجرة‬

‫‪1‬‬
‫‪ .1‬أدب الخيال العلمي‬
‫تحديد المفاهيم‬ ‫‪.1.1‬‬
‫العلم ‪ :‬هو نسق من األكسيومات أو المسلمات و المنطلقات النظرية و التصورية و هو بنية تبتدأ باالفتراض الذي‬
‫يليه مستويات المالحظة و تجميع المعطيات و تقطيعها و تصنيفها مرورا بمستويات الوصف و التحليل و التفسير‬
‫وصوال الى استخالص النتائج المنبثقة من معطيات التجربة ‪.‬و العلم هو كذلك مجموع النظريات التي تحكمها‬
‫المعرفة العلمية و النظرية تخالف وجهة النظر(التي ترتبط باألفكار الشخصية)أما النظرية فهي مجموع الشروط‬
‫الضرورية في رصد األشياء و الوقائع و الظواهر التي تكون هي بدورها مجموع القواعد التي تحول هي األخرى‬
‫إلى مجموع المبادئ و هكذا إلى أن نصل إلى مرحلة القوانين ‪ .‬وأما نتائج العلم هي نتائج موضوعية ومحايدة وغير‬
‫ذاتية وملزمة إال أنها نسبية في الزمن تظل صحيحة إلى حدود أن تتغير فيضطر العلم إلى تغير مساواته وأكسيوماته‪.‬‬
‫األدب‪ :‬هو مختلف النصوص اإلبداعية التي تشمل فن المسرح فن الشعر في الموسيقى فن الرواية فن النحت‪...‬ومن‬
‫وظائفها إذكاء االحساس بالوقائع واألشياء والرفع من قيمة العاطفة والجمال ومن قيمة الذوق‪ .‬يختزل األدب مجموع‬
‫األفكار والمعلومات المستقات من مختلف الفنون التي تشكله سواء كانت فنون بصرية أو فنون مكتوبة‪.‬‬
‫الخيال‪ :‬يتضمن العقل البشر ي مجموعة من الملكات منها المختصة بالحساب والمنطق وملكة اللغة المختصة بإنتاج‬
‫الكالم وملكة الحس المشترك المختصة بتوحيد االحساس عند الكل وملكة الخيال المختصة بإنتاج ما ال يطابق‬
‫الواقع إال تخيليا أو تصوريا‪.‬‬
‫تعريف أرثرث ريبر ‪:‬‬
‫عمليّة اتّحاد الذكريات والخبرات السابقة والصور التي ت ّم تكوينها مسبقا ً وتوظيفها داخل بنية جديدة‪ ،‬وهو عبارة‬
‫عن نشاط يقوم به اإلنسان بكل إبداع وقد يكون مبن ّيا ً على أساس رغبات اإلنسان‪ ،‬أو الواقع الذي يعيشه‪ ،‬أو قصص‬
‫مستقبليّة‪ ،‬أو مراجعات عن ماضيه‪ ،‬فهو بذلك توقعات الحاضر‪ ،‬ومراجعة الماضي‪ ،‬وابتكار المستقبل‪.‬‬
‫تعريف كيت إيجان ‪:‬‬
‫تمرين العقل وتنشيط وظائفه المختلفة‪ ،‬وهو ليس وظيفة عقلية بحد ذاتها‪ ،‬فهو قدرة اإلنسان على التفكير باألشياء‬
‫الممكنة‪ ،‬وهو يعبر عن الحداثة والمقدرة على اإلنتاج والتكوين لدى الفرد‪ ،‬وتساعد العقل على إثراء معلوماته‬
‫وأفكاره‪ ،‬والمقدرة على تكوين الصور وتخيّلها هي عامل مشترك وشكل من أشكال الخيال‪.‬‬
‫تعريف شاكر عبد الحميد ‪:‬‬
‫عمليّة يقوم بها اإلنسان بإرادته وبكل مرونة‪ ،‬يستطيع من خاللها أن يتجول في عالمه الخاص بواسطة عقله‪،‬‬
‫وتكوين الصور وتحريكها حتى يصل إلى ما يريده‪ ،‬وهي عمليّة كلية ذات فروع خاصة بها‪.‬‬
‫أدب الخيال العلمي‪ :‬هو ذلك التخصص الذي يمزج بين معطيات الخيال الذي ينقسم إلى مستويين محدود وغير‬
‫محدود ومعطيات العلم فما كان منه مطابقا للحقيقة العلمية كان حده العلم وما تجاوز ذاك اندرج في مجال الخيال‬
‫العلمي‪.‬‬
‫ألبيرت إنشطاين ‪:‬‬
‫الخيال أهم من المعرفة فالمعرفة محدودة بما نعرفه ونفهمه بينما الخيال يحتوي العالم كله وكل ما سيتم معرفته أو‬
‫فهمه الى األبد‪.‬‬
‫إسحاق أسيموف ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫إنه األدب الذي يتناول تأثير التقدم العلمي على حياة البشر‪.‬‬
‫نهاد شريف ‪:‬‬
‫إنه األدب الذي يتناول التقدم العلمي والمنجزات التقنية ويطور الصالح منها من خالل أحداث درامية‪.‬‬

‫تاريخ الخيال العلمي‬ ‫‪.1.1‬‬


‫تعود جذور قصص الخيال العلمي إلى علم األساطير أو الميثولوجيا‪ ،‬ونجد بوادر ظهور الخيال العلمي حسب‬
‫التسلسل اآلتي ‪:‬‬
‫القرن الثاني قبل الميالد‬

‫قصص حقيقية أو روايات حقيقية أو تاريخ حقيقي (محاكاة ساخرة) لحكايات سفر من تأليف‬
‫الكاتب اآلشوري الناطق باللغة اليونانية لوقيان السميساطي‪ .‬يعتبر هذا المؤلف أقدم كتاب يحكي‬
‫عن السفر نحو الفضاء الخارجي والحياة خارج األرض والحروب بين الكواكب‪.‬‬

‫القرن العاشر للميالد‬


‫قاطع الخيزران تدور فكرة القصة األساسية حول كاغوياهيم‪ ،‬التي عثر عليها قاطع خيزران‬
‫يشع منه ضوء غامض‪ .‬واعتبرها قاطع‬ ‫ُّ‬ ‫عجوز عندما كانت رضيعة داخل ِجذع خيزران‬
‫الخيزران وزوجته بمثابة ابنتهما‪ ،‬وسرعان ما أصبحت كاغوياهيم شابة جميلة‪ ،‬وأميرة المعة‪.‬‬
‫وتحاول كاغوياهيم‪ ،‬المقدر لها العودة إلى القمر‪ ،‬موطنها الحقيقي‪ ،‬تثبيط عزيمة خطابها‬
‫األمراء الخمسة من خالل مطالبتهم بتنفيذ مهام مستحيلة‪ .‬وبعد فشل الجميع‪ ،‬يُصبح إمبراطور‬
‫اليابان بدوره مفتونا بجمالها ولكنها ترفضه عندما يطلب يدها‪ .‬وعندما تصل مجموعة من‬
‫الكائنات السماوية على متن مركبة إلصحابها‪ ،‬تقوم بإرتداء رداء من الريش فيقومون بإعادتها‬
‫إلى موطنها الستعادة مكانتها المستحقة كمخلوقة خالدة‪.‬‬
‫عام ‪0201‬‬

‫تعتبر قصة رحالت غرليفر من أوائل أعمال األدب الخيال العلمي وهي للكاتب جوناثان‬
‫سويفت‪ ،‬وتتحدث عن مجموعة من الرحالت إلى أراضي يسكنها أناس لديهم مميزات خارقة‬
‫ومختلفة‪.‬‬
‫عام ‪0202‬‬

‫فرانكشتاين أو إله النار الجديد هي رواية كتبتها الكاتبة اإلنجليزية ماري شيلي (‪)7587-7171‬‬
‫ً‬
‫عاقال في تجربة علمية‬ ‫تروي قصة فيكتور فرانكشتاين‪ ،‬وهو عالم شاب يخلق مخلوقًا غريبًا‬
‫غير تقليدية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫عام ‪0020‬‬

‫رحلة إلى القمر لجورج ميليس هو فيلم خيال علمي صامت أسود وأبيض فرنسي أنتج عام‬
‫‪ .7791‬الفيلم مستوحى من روايتين‪ :‬رواية جول فيرن من األرض إلى القمر ورواية أول‬
‫رجال على سطح القمر‪.‬‬

‫بعد تطور الرواية في القرن الثامن عشرو القرن التاسع عشر كشكل أدبي ظهرت على إثرها العديد من األفالم‬
‫والمسلسالت التي تتناول قضايا الخيال العلمي إلى أن وصلت مواضيع الخيال العلمي إلى مجال الرسوم المتحركة‪،‬‬
‫أفالم الكارتون‪ ،‬في األلعاب الحديثة في القرن العشرين والواحد والعشرين‪.‬‬
‫عام ‪0004‬‬

‫‪ Aelita‬تبدأ القصة في ديسمبر ‪ .7717‬يتم إرسال رسالة غامضة إلى المحطات اإلذاعية في‬
‫جميع أنحاء العالم تحتوي تالت كلمات فقط ( ‪ )Anta…Odeli…Uta‬هذه الشفرة ال يمكن حتى‬
‫للعلماء فكها لكن في موسكو تمكن مهندس وزميله من فكها‪.‬‬

‫عام ‪0004‬‬

‫القدر وهو فلم يحك عن نظرية البيضة أوال أو الدجاجة وارتباطها بالسفر عبر الزمن‪.‬‬

‫عام ‪0221‬‬

‫بابريكا فلم أنميشن ياباني تدور أحداثه حول جهاز يمكن من مشاركة األحالم مع أشخاص آخرين‬
‫أثناء النوم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫عام ‪0203‬‬
‫ريك ومورتي تتمحور قصة المسلسل حول مغامرات عائلة سميث المكونة من ريك سانشيز‪،‬‬
‫عالم عبقري مجنون ومدمن كحول‪ ،‬مورتي سميث حفيد ريك المراهق ذو األربعة عشر عام‪،‬‬
‫سمر سميث؛ شقيقة مورتي ذو السابعة عشر‪ ،‬بيث سميث؛ ابنة ريك والدة مورتي وسمر‪ ،‬طبيبة‬
‫حيوانات جراحية؛ جيري سميث‪ ،‬زوج بيث‪ ،‬رجل بسيط مهزوز الثقة غالبا ً ما يختلف مع ريك‪.‬‬
‫تدور أحداث المسلسل في أكوان متعددة‪ ،‬تتنقل شخصيات المسلسل عبر األكوان المتعددة عن‬
‫طريق مركبة ريك الطائرة أو عبر جهاز ريك الذي يفتح أبوابا ً عبر األكوان‪.‬‬
‫عام ‪0202‬‬

‫السيبر بانك لعبة فيديو تدور أحداثها في سنة ‪ 1911‬حيت توجد الروبوتات بشكل عادي بين‬
‫البشر والسيارات الطائرة‬

‫ثيمات الخيال العلمي‬ ‫‪.1.1‬‬


‫لو تتبعنا الثيمات التي تدور حولها قصص الخيال العلمي سنراها تدخل في مجال "توسيع" الخيال ألمور علمية‬
‫سواء كانت مجرد نظريات أو تجارب تُجرى‪ ،‬أو حتى تخمينات ألمور مستقبلية‪ ،‬حيث يلعب علم الفيزياء دوراً‬
‫مركزيا ً في إمداد كتّاب الخيال العلمي بأفكار لقصصهم‪ ،‬فتأتي النظرية النسبية ‪ Theory of Relativity‬ألينشتاين‬
‫في مقدمة هذه اإلمدادات من خالل معضلة التوائم والسفر عبر الزمن سواء الرجوع للماضي أو الذهاب للمستقبل‪،‬‬
‫وكذلك اختراق الفضاء عبر الثقوب الدودية وغيرها وأهم هذه الثيمات نجد ‪:‬‬
‫جراثيم تغزو األرض‬ ‫المخلوقات الفضائية‬ ‫السفر عبر الزمن‬

‫‪5‬‬
‫وظائف أدب الخيال العلمي‬ ‫‪.1.1‬‬
‫الوظيفة الدعائية‪ :‬وهي متصلة بجميع األعمال األدبية التي تدعو بطرق مختلفة إلى اإلفادة بمنجزات العلم النافعة‪.‬‬
‫وإلى ضرورة وضع إمكانيات العلم في خدمة البشرية ورفاهيتها وتعمل الوظيفة االدعائية لمواكبة أحداث‬
‫اإلكتشافات العلمية ‪.‬‬
‫الوظيفة اإلنقاذية ‪ :‬وهي تدور حول جميع الوسائل التي تتخذها أشكال التعبير في الخيال العلمي لبناء موقف مضاد‬
‫ورفض لنا تأتي به اإلكتشافات العلمية من أخطار وأضرار على البشرية‪ .‬في هذه الوظيفة تسعى أدبيات الخيال‬
‫العلمي إلى ترويض العقل الهمجي وكبح جماح قاطرة العلم الذي يهدد بسلطته على أمن العالم‪.‬‬
‫الوظيفة التنبؤية ‪ :‬وهي تنطلق من التسليم بأن إمكانيات العلم النافع ال تنتهي وال يمكن لها أن تكف أو تعجز عن‬
‫صناعة مجتمع الرفاهية‪ .‬في هذه الوظيفة يطلق أدب الخيال العلمي العنان لخيال األدباء للتنبؤ بشيء من االكتشافات‬
‫الجديدة التي تحلم بها البشرية ولعل الوظيفة التنبؤية هي األوفر حظا في سرديات الخيال العلمي‪ ،‬ولقد جعلت للخيال‬
‫العلمي فرعا معروفا باسم أدب المستقبل ‪.‬‬

‫أدب الخيال العلمي عند العرب‬ ‫‪.1.1‬‬


‫هناك صنف منسي في األدب العربي لم تكن له بدايات لت ّكونها األسباب أو لم تكن له أسباب لت ّكون البدايات‪ ،‬أال‬
‫وهو أدب الخيال العلمي‪ ،‬فلم يكن أدب الخيال العلمي العربي دائما ً في دائرة الضوء في عالمنا العربي‪ ،‬بل كان أدبا ً‬
‫منسيا ً لسنوات عديدة‪ ،‬حتى بزغ نوره في العصر الحديث ‪.‬‬
‫إن الوجود الهامشي لهذا النوع من األدب في العالم العربي بالمقارنة مع صناعة أدب الخيال العلمي الغربية‬
‫الضخمة‪ ،‬يرجع إلى مجموعة من العوامل أهمها ‪:‬‬
‫‪-‬االفتقار إلى التطور العلمي في العالم العربي‪ ،‬فإذا تدبرنا قليال سنجد أن ضعف التطور العلمي في األمة قد أنتج‬
‫ضعف خيال علمي في مخيلة العربي‪ ،‬كما يمكن أن نعكس السبب والنتيجة فيكون السبب هو النتيجة وتكون النتيجة‬
‫هي السبب‪ ،‬فالتطور العلمي يبدأ بالخيال ال بغيره‪ ،‬ليتحول الخيال إلى فكرة ومن فكرة إلى تنفيذ ومن تنفيذ إلى‬
‫تطور‪.‬‬
‫إذا ربما ال يمكننا أن نأخذ بضعف التطور العلمي كسبب‪ ،‬و هذا ليس للحجة السابقة فقط‪ ،‬بل لسبب آخر أدهى و‬
‫أمر‪ ،‬و هو أن هذا النوع من األدب كان قد ظهر منذ القدم‪ ،‬بالتحديد في عصورهم الوسطى أو في عصورنا الذهبية‬
‫‪ ,‬فيمكن أن نتخذ العالم ابن النفيس و قصصه كحجة‪ ،‬كما يمكن اتخاذ الطبيب البغدادي كحجة الذي كتب كتاباته‬
‫في القرن الثالث عشر و التي أثرت بدورها على كال من جورج لوكاس و فرانك هربرت ‪ ,‬و لكن علم اليوم ليس‬
‫هو نفسه علم البارحة و خيال اليوم ليس هو نفسه خيال البارحة‪ ،‬لذلك ال بد لنا أن ال نبالغ في ادارة عجلتنا فترمي‬
‫بنا نحو الماضي البعيد‪ ،‬من األفضل لنا أن ندرس واقعا قريبا ‪ ,‬و ال يوجد أفضل من أن نستقر في عصر الثورة‬
‫الصناعية فهي األقرب إلى ما نعيشه اذا عرفنا حال األمة في هذا العصر‪ ،‬سندرك أنه من السذاجة أن نسأل سؤالنا‬
‫الذي نكتب من أجله‪ ،‬فقد كانت األمة تعيش مسلسل حلقاته متشابهة من ثورات‪ ،‬احتالل‪ ،‬ثورات أخرى‪ ،‬استقالل‪،‬‬
‫بناء ثم هدم أو هدم بعده هدم‪ ،‬نكبات متكررة تهرم الدماغ أنتجت أمية حذفته كليا‪ ,‬هذا األمر بالتأكيد لن يعطي‬
‫الوقت للعربي أن يسرح بخياله بعيدا خاصة إلى خيال علمي فهو قد طُرد من قطار العلم أصال‪ ,‬فحتى وان فكر‬
‫العربي و سرح سيكون انتاجه في الدين و السياسة و االجتماع‪ ،‬فإذا لم يكن هناك استقرار لن يكون هناك تفكير‬
‫بعيدا ً عن هذه المجاالت‪ ،‬كما أنه لم تكن هناك نهضة علمية من األراضي العربية لتفتح افاق الفكر العربي ومخيلته‬
‫; تفتحه لخيال يمكن أن يتحول الى حقيقة‪ ،‬فبما أننا أسلفنا الذكر أن العلم يفتح بالخيال ال بغيره‪ ،‬فكذلك االستقرار‬
‫و السعي نحو التقدم و العمل على العلم سيفتح خياال يمكن أن يستحيل الى حقيقة فيكون كليهما لبعضهما البعض‬
‫نصيراً ‪ ,‬لذا فأظن أن الطريق أمامنا طويل قبل أن يصبح أدب الخيال العلمي العربي سائدا ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪-‬الرقابة الشديدة على األعمال األدبية التي قد تخالف بعض العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية‪ ،‬وأيضا ً الحد‬
‫األدنى من المشاهدين والقراء لمثل هذا النوع من األدب‪.‬‬
‫لذلك فرواد الخيال العلمي العرب ال زالوا على رؤوس األصابع أهمهم ‪:‬‬

‫مصر‪ :‬د‪ .‬نبيل فاروق ‪ -‬وضع‬ ‫سوريا ‪ :‬د‪ .‬طالب عمران ‪ -‬دماغ في‬ ‫المغرب‪ :‬عبد السالم البقالي ‪-‬‬
‫بصمة متميزة في مجال أدب الخيال‬ ‫جسد آخر‪.‬‬ ‫الطوفان األزرق‪.‬‬
‫العلمي حيث أصدر ‪ 769‬رواية‬
‫ضمن سلسلة اسمها ملفات المستقبل‪.‬‬

‫مصر‪ :‬صالح معاطي‪ -‬نجمة الحظ‪.‬‬ ‫مصر‪ :‬د‪ .‬رؤوف وصفي‪ -‬سلسلة نوفا‬
‫للخيال العلمي‪.‬‬

‫الخيال بين المعرفة واإلبداع‬ ‫‪.1.1‬‬


‫عمل الخيال رافدا ً كبيرا ً للمعرفة بجوار معطيات الواقع التي ال يتقوقع الخيال عندها بل يطورها ويبني عليها ّ‬
‫ليكون‬
‫واقعا جديداً‪ ،‬لكن هذه الملَكة التخيلية تحتاج إلى تنمية ولن يكون ذلك إال من خالل تهيئة بيئة حاضنة توجهها إلى‬
‫المفيد والبعيد عن عوالم الخرافة والشعوذة التي تنغمس فيه مجتمعاتنا العربية يا لألسف ! بالخيال نستطيع أن نرى‬
‫المستقبل‪ ،‬وبالعلم سنصنع ذلك المستقبل‪ .‬يقول العالم الكبير ألبرت أينشتاين‪" :‬الخيال أهم من المعرفة‪ ،‬بالخيال‬
‫نستطيع رؤية المستقبل"‪ .‬ويقول عالمنا العربي الكبير د أحمد زويل‪" :‬الجميل في أمريكا وهو ما جعلها تتقدم على‬
‫العالم علميا‪ ،‬أن الخيال ال يُقتل وليست له حدود وكل المؤسسات تشجعه‪ ،‬والعالم الحقيقي المحب لعلمه البد أن‬
‫يحلم‪ ،‬وإذا لم يتخيّل العالم ويحلم سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا"‪ .‬وأخيرا ً يقول كاتب المستقبليات‬
‫األمريكي ألفن توفلر‪ " :‬إن قراءة الخيال العلمي أمر الزم للمستقبل‪".‬‬

‫‪7‬‬
‫إن اإلنسان ذو العقلية اإلبتكارية يتميز بخيال زائد ولذلك فإن الحديث عن الخيال وعالقته باإلبتكار واإلبداع يعتبر‬
‫محاولة لفهم المزيد من هذه العالقة وتوضيح أهمية استثمار الخيال لدى الفرد المتعلم لما له من تأثير في تنمية‬
‫التفكير اإلبتكاري واإلبداع‪.‬‬
‫فقد أكد بعض علماء النفس وعلماء التربية مثل لوفينفيلد وبريتين أن اإلبداع يكتشف أو يظهر لدى األفراد الذين‬
‫تتوافر لديهم الدافعية وحب االستطالع والخيال وإن هذا اإلبداع يتجلى في سلوكيات مثل‪:‬‬
‫ـ البحث واإلكتشاف لإلجابات والحلول الجديدة للمشكالت؛‬
‫ـ القيام بإعادة تنظيم عناصر المشكالت الحالية إلكتشاف عالقات وحلول جديدة لها؛‬
‫ـ التمتع بقدر كبير من االنفتاح على المجهول الجديد وعدم الجمود؛‬
‫ـ القدرة على التعبير عن الذات التباعدي أو اإلفتراضي أو اإلبداعي وعدم تفضل أشكال التفكير التقاربي أو اإللتقائى‬
‫أو التقليدى ‪.‬‬
‫ويمكن تنمية القدرة على الخيال بأن يهيئ الفرد لنفسه الفرصة بعد الرجوع من عمله ويحاول أن يسترجع ما‬
‫معنى من صور وحوادث‪ ،‬يفضل هذا وهو مستلق على ظهره أو إذا شاء وهو هادئ غير متكلف وبذلك تتاح له‬
‫الفرصة ليعيش الصورة والحوادث مرة ثانية‪.‬‬
‫وتعتبر الكتب العلمية المترجمة أيضا بالغة األهمية النفتاح الفرد على الحضارات المختلفة وتنمية خياله وتعميق‬
‫وتوسيع معلوماته‪.‬‬

‫التنبؤ العلمي ومستقبل اإلنسان‬


‫تحديد المفاهيم‬ ‫‪.1.1‬‬
‫التنبؤ ‪ :‬هو عبارة عن تخمينات أو بما يسمى التنجيم‪ ،‬يعتمد على فراسة العراف وحذقه ومهارته في استدراج‬
‫الضحية إذ ال يرتكز على أسس علمية محضة‪.‬‬
‫التنبؤ العلمي ‪:‬هو عملية إجراء تقديرات للمستقبل على أساس البيانات السابقة و الحاضرة ‪ ،‬حيث يستند على أسس‬
‫علمية و منطقية و إحصائيات و نتائج و مؤشرات من المحيط و يتسم بالموضوعية و الواقعية و عادة يقدم التنبؤ‬
‫العلمي نتائج دقيقة مع أدلة و براهين و يقدم التفاصيل و العموميات يعتبر التنبؤ العلمي دورا أساسيا في عدة‬
‫مجاالت حيث يشدد لونس على أهميته في مجال اإلدارة الحديثة بقوله "إن المحاولة المنهجية لتحقيق المستقبل‬
‫باالستدالل من الحقائق المعروفة تساعد على دمج جميع التخطيط اإلداري بحيث يمكن وضع خطط شاملة موحدة‬
‫يمكن أن توضع فيها خطط األقسام و اإلدارات فهي تمكن الشركة من تخصص مواردها بأكبر قدر من الضمان‬
‫للربح على المدى الطويل ومن خالل المساعدة على تحديد أنماط الطلب في المستقبل ‪ ،‬فإنه يسهل تطوير منتجات‬
‫جديدة‪".‬‬
‫المستقبل ‪ :‬هو مالم يحدث بعد وتتم أحداثه بعد زمان التكلم‪.‬‬
‫علم المستقبليات ‪:‬هو علم يختص بالمحتمل و الممكن من المستقبل ‪،‬بجانب األشياء ذات االحتماالت القليلة لكن‬
‫ذات التأثيرات الكبيرة التي يمكن أن تصاحب حدوثها ‪،‬حتى مع األحداث المتوقعة ذات االحتماالت العالية ‪،‬مثل‬
‫انخفاض تكاليف االتصاالت أو تضخم اإلنترنت أو زيادة نسبة شريحة المعمرين ببالد معينة ‪،‬فإنه دائما ما تتواجد‬
‫احتمالية "ال يقين كبيرة و ال يجب أن يستهان بها ‪،‬لذلك فإن المفتاح األساسي لالستشراق و التنبؤ بالمستقبل هو‬
‫تحديد و تقليص عنصر "ال يقين" «ألنه يمثل مخاطر علمية ‪،‬و خالل الثمانينيات و التسعينيات تطور علم دراسات‬
‫المستقبل لتشمل مواضيع محددة ‪،‬المحتوى و جدول زمني للعمل ‪،‬ومنهج علمي‪ ،‬يتحدث مع عالم اليوم ‪،‬الذي يتسم‬

‫‪8‬‬
‫بتغير متسارع وبشكل أدق يمكننا تعريف علم المستقبليات كعلم حديث متأسس على منظور نسقي ؛يستفيد من عدة‬
‫معطيات تاريخية و اقتصادية و ثقافية ‪...‬ضمن منظور قطري و عالمي ‪،‬بغرض تحديد حال مجال ما وفق هذا‬
‫المنظور التكاملي في أفق المستقبل القريب أو المتوسط أو البعيد ‪...‬ولقد ظهرت أهمية العلم الحديث في السنوات‬
‫األخيرة لما يوفره للمؤسسات و المقاوالت و الهيئات و المجتمع ‪...‬؛من رؤية تنبؤية تحدد المسار السليم و الصحيح‬
‫الذي ينبغي إتباعه ‪،‬تفاديا للهفوات التي يصعب مواجهتها في غياب مثل هذه الدراسات المستقبلية ‪.‬وال يقف علم‬
‫المستقبليات عند حدود تكوين صورة ما حول ما سيكون عليه الوضع في المستقبل بل إن األمر يتطلب إعداد‬
‫مشاريع و مخططات متكاملة ‪،‬يتم إنجازها و تنفيذها بشكل متدرج عبر الزمان ‪،‬مما يساهم في تحقيق تلك التوقعات‬
‫المستقبلية من جهة ؛و يعمل من جهة ثانية ‪،‬على إقامة االستمرارية بين الحاضر و المستقبل بشكل معقلن يتراوح‬
‫فيه التخطيط مع الممارسة و التطبيق ‪.‬‬
‫اإلنسان ‪ :‬كائن اجتماعي بارع في استخدام طرق التواصل للتعبير عن حاجاته و ذاته و تبادل األفكار و الخبرات‬
‫‪،‬يعمل دوما على تنظيم هياكل اجتماعية بشكل معقد من خالل اشتراكه في جماعات متفاوتة و متنافسة ‪،‬تبدأ من‬
‫لحظة تأسيس العائلة و تنتهي بتشكيل أمم و يعرف مفهوم اإلنسان وفقا للفلسفة اليونانية تحديدا لتعريف الفيلسوف‬
‫أرسطو الذي قال‪« :‬إن اإلنسان هو مواطن الدولة أو المدينة "أما أفالطون فكانت فلسفته عن هذا المفهوم هو من‬
‫خالل قيام حد بين اإلنسان و األشياء المحيطة به(الخارجية) بهدف تجريده من كافة مواقفه الملموسة‪.‬‬

‫أهمية التنبؤ‬ ‫‪.1.1‬‬


‫على مستوى االقتصاد‬
‫نظرا للتغيرات الدورية المختلفة التي يشهدها االقتصاد من ركود‪ ،‬وانتعاش والتي تؤثر بشكل خاص على النشاط‬
‫التسويقي‪ ،‬فإن رجال التسويق أصبحوا يولون اهتمام كبير بالحالة االقتصادية للدولة قبل الدخول واالندماج في‬
‫أسواقها وتصميم برامجها التسويقية‪ ،‬معتمدين على المستوى االقتصادي وفق معايير مختلفة مثل‪ :‬اإلنفاق الحكومي‪،‬‬
‫نسبة البطالة‪ ،‬الناتج القومي‪ ،‬السكان والتي بدورها تحدد حجم تأثير تلك المتغيرات على النشاط االقتصادي‪ ،‬على‬
‫المبيعات الكلية للصناعات ومبيعات المؤسسة ‪.‬‬
‫على مستوى الصناعة‬
‫يعتمد التنبؤ على مستوى الصناعة لتقدير حجم المبيعات المتوقعة لمنتجات الصناعة والتنبؤ بمدى تأثير المؤسسات‬
‫المنافسة على نشاط المؤسسة وكذلك الجهود المبذولة للحصول على حصص سوقية مناسبة‪ ،‬مثل مدى تأثير‬
‫المنسوجات المصنعة من البتروكيماويات على المنسوجات القطنية وفقا للمعايير أو األرقام مثل‪ :‬إحصاءات‬
‫االستهالك‪ ،‬إحصاءات التجارة الخارجية‪ ،‬اإلنتاج المحلي‪.‬‬
‫على مستوى المؤسسة‬
‫يعتبر مهم جدا لكل جزء أو لكل وظيفة متضمنة داخل المؤسسة كما يلي‪:‬‬
‫بالنسبة لإلنتاج والعمليات ‪ :‬يعتبر التنبؤ بالمبيعات حجر األساس في عملية التخطيط والرقابة على مختلف أنشطة‬
‫المؤسسة‪ ،‬حيث يعتمد عليه في إعداد خطط اإلنتاج‪ ،‬التخزين‪ ،‬الشراء‪ ،‬التسويق‪ ،‬القوى العاملة ويساعد في تحديد‬
‫حجم المصنع‪ ،‬نمط اإلنتاج والتنظيم الداخلي وهذا خاصة بالنسبة للمؤسسات الحديثة كذلك تأمين المخزون على‬
‫مستوى المدى القصير والتخطيط لقدراته في المدى الطويل‪.‬‬
‫بالنسبة للتسويق ‪ :‬يعتبر التنبؤ بالمبيعات األساس في اتخاذ العديد من القرارات التسويقية في مجاالت التسعير‪،‬‬
‫اإلعالن الترويج والتوزيع ‪...‬الخ‪ .‬كذلك إعداد برنامج تسويقي فعال متكامل على مستوى منتج أو مجموعة منتجات‪.‬‬
‫بالنسبة للمالية ‪ :‬يمكن للمؤسسة من خالل التنبؤ تحديد األرباح المتوقعة في نهاية فترة المبيعات أو تحديد أي‬
‫القطاعات التسويقية مربحة مستقبال‪.‬‬
‫بالنسبة للموارد البشرية ‪ :‬يساعد التنبؤ في تقدير االحتياجات من اليد العاملة خالل الفترات القادمة حسب التخصص‬
‫والمجال الوظيفي وكذلك تحديد التكاليف واألجور المقابلة لذلك‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫علم المستقبليات خطواته ومبادئه‬ ‫‪.1.1‬‬
‫إن التنبؤ العلمي الصحيح يتبع عدة خطوات متماسكة ومتسلسلة تشكل نسقا علميا محض يبتدئ‪ .‬بجمع المعلومات‬
‫السابقة عن الموضوع وتحليلها لمعرفة كيفية االستفادة منها‪ ،‬تحديد الظروف المحيطة ومقارنتها بالظروف التي‬
‫كانت موجودة خالل القيام بالنتائج السابقة‪ ،‬التعرف على العوامل والظروف التي تؤثر على الموضوع ودراستها‬
‫جيدا‪ ،‬النظر إلى ما هو أبعد مما هو موجود في الحاضر والمحاولة في توقع المفاجئات‪ ،‬جمع البيانات المتوصل‬
‫إليها‪ ،‬ربط المعلومات العلمية معا واالستفادة من ذوي الخبرة حول الموضوع المراد التنبؤ بشأنه ‪،‬وينتهي باالستعداد‬
‫لمواجهة التحديات والعوائق المستقبلية‪.‬‬
‫وللدراسات المستقبلية عدة مبادئ ترتكز عليها منذ نشأتها األولى ويمكن استخالصها في ستة مبادئ مركزة‪ .‬أوال‬
‫استخالص عبرة من الماضي من خالل دراسة أهم التطورات على المستويين الدولي و اإلقليمي وما ينتج عنها من‬
‫تأثيرات مثل‪ :‬الفرص المتاحة ‪،‬القيود المفروضة أو التهديدات و المخاطر الناجمة بهدف تحديد صورة المستقبل‬
‫‪،‬ثانيا تصور وضع المستقبل ‪،‬لعقدين أو ثالثة عقود ‪،‬لتحديد بالتفاصيل األهداف و المصالح‪ ،‬و ذلك باستخدام‬
‫النماذج الرياضية الحديثة ‪،‬ثالثا تجنب أي انحياز إيديولوجي ‪،‬و االنطالق من المسلمات و االفتراضات المتفق عليها‬
‫بمختلف االتجاهات للبحث العلمي و الفكري و العقائدي و التكنولوجي رابعا تعيين القدرات الالزمة لإلنجاز أي‬
‫مسار مستقبلي و حساب النفقات الالزمة و المخاطر ‪،‬وكذلك تحديد اآلليات الالزمة للتنمية و التي ينبغي أن تشمل‬
‫أهداف معروفة علميا ‪،‬و تطوير الخبرات العلمية في مجال إدارة المشاكل المعقدة ‪،‬خامسا التركيز على عوامل‬
‫التنمية في مختلف القطاعات لتحقيق األهداف بشكل فعال وأخيرا اعتماد سيناريوهات مختلفة‪، ،‬معدة سلفا لجميع‬
‫الحاالت الطارئة المحتملة و التي يمكن بنائها بثالثة طرق وهي‪ :‬الطريقة الحدسية(أال نظامية)‪،‬الطريقة النظامية‬
‫(النموذجية)‪،‬و الطريقة التفاعلية(التفاعل بين الحدسية و النموذجية)‪،‬والتي تخزن للسماح بعد ذلك يستخدمها من‬
‫صانعين القرار وفقا لحجم األزمة المستقبلية المحتملة ‪،‬هذه العوامل تساعد بشكل رئيسي عل تحديد واحدة من أربعة‬
‫نماذج رئيسية وهي كالتالي‪:‬‬
‫النموذج البديهي ‪ :‬يعتمد على الخبرة العلمية ولكن يفتقر من وجود قاعدة كبيرة من البيانات والمعلومات‪ ،‬مستمد‬
‫فقط على رؤية بديهية ناتجة عن خبرة ذاتية‪ .‬وهو محاولة للتعرف على التفاعالت المستمدة من قضية معينة‪ .‬فإن‬
‫الحدس في هذه القضية ليس مصدر إلهام لكنها تقديرا يعتبره الباحث مناسبا لبعض الحاالت المستقبلية المحتملة‪.‬‬
‫النموذج االكتشافي ‪ :‬يشير إلى مستقبل ممكن من خالل مثال يوضح العالقات والتشابكات وهذه العالقات‬
‫والتشابكات تقوم على ثالثية الماضي والحاضر والمستقبل والعالقة التناغمية القائمة بينهم فمستقبلنا نرسمه في‬
‫حاضرنا وحاضرنا كان مستقبل ماضينا‪.‬‬
‫النموذج االستهدافي أو المعياري‪ :‬وهو تطوير للنموذج البديهي‪ ،‬ولكنه يستفيد من مختلف التقنيات العلمية‬
‫المستخدمة‪.‬‬
‫نموذج التغذية العكسية ‪ :‬يركز هذا النموذج عل جميع المتغيرات في إطار موحد يجمع بين النموذجين السابقين‪،‬‬
‫وذلك على شكل ردود فعل ولهذا فهو يعتمد على التفاعل‪ ،‬على عدم نسيان الماضي وعلى عدم تجاهل األسباب‬
‫الموضوعية التي ربما تتدخل لتغيير مسار المستقبل‪ ،‬فهو يجمع بما فيها البحوث اإلكتشافية‪ ،‬البيانات والوقائع‬
‫والبحث التنظيمي‪ ،‬وأنه يعلق أهمية خاصة على اإلبداع والخيال والتقدير‪ ،‬هذا النموذج يمثل خطوات إلى األمام‬
‫للبحث المنهجي المستقبلي‪.‬‬

‫الظروف المأثرة على التنبؤ العلمي‬ ‫‪.1.11‬‬


‫إن التنبؤ العلمي كما يعتبره الكثير هو عملية اتخاذ قرارات لما سيتم عمله في المستقبل وال يمكن اتخاذ مثل هذه‬
‫القرارات دون أن يكون هناك تخطيط سليم يعتمد على كثير من المعلومات الدقيقة حتى يتم تقدير المستقبل بصورة‬

‫‪10‬‬
‫جيدة بمعني أن كلمة التنبؤ ال تعني العلم بالغيب ولكن يقصد به تلمس أحوال المستقبل بناء على تفكير منطقي علمي‬
‫تقود إلى توقعات معقولة‪ .‬ولكن ال ننسى أن هذا التنبؤ ال يقود إلى الجزم بوقوع حدث ما في المستقبل إذ ال يخرج‬
‫عن كونه افتراضات وتوقعات لما سيحدث‪ ،‬وعلى هذا األساس أيضا ً فإن التنبؤ يرتبط بالماضي والتي يستطيع‬
‫المتنبئ من خالله التنبؤ بصورة أفضل بأحداث المستقبل‪ ،‬لذلك نستطيع تعريف التنبؤ بأنه " النظر إلى المستقبل‬
‫وافتراض ظهور بعض الظواهر (الظروف) وتقدير مدى تأثيرها على المشروع المراد التنبؤ به‪".‬‬
‫وما دام أننا تحدثنا عن ظهور بعض الظروف المعينة في المستقبل إذن البد من التعرف على بعض الظروف التي‬
‫تتفاعل مع بعضها البعض لتؤثر على مسار واتجاه الخطة‪ .‬ويمكن تقسيم هذه الظروف إلى قسمين خارجية وداخلية‬
‫أوالا ‪ :‬الظروف الخارجية‬
‫يقصد بالظروف الخارجية هي تلك التي تقع خارج المشروع المراد التنبؤ به وال يمكن السيطرة عليها أو التأثير‬
‫فيها‪ .‬وكما قلنا سابقا ً أن التنبؤ يقوم على معرفة المستقبل إال أنه يهتم بمعرفة الماضي ليستهدي به بمعرفة المستقبل‬
‫وإن مقدرة المتنبئ وفعاليته تتوقف على مقدرته على التنبؤ بالمستقبل والتعرف على العوائق والعقبات التي قد تقف‬
‫في وجه تحقيق األهداف المنشودة للمشروع ولذلك عليه التعرف على هذه العقبات والتي تتمثل بالبيئة المحيطة‬
‫بالمشروع والتي ال يستطيع المشروع أن يعمل بمعزل عنها وهي تتمثل بالعوامل التربوية واالجتماعية والسياسية‬
‫واالقتصادية والقانونية ومادام أنه ال يستطيع أن يعمل بمعزل عن البيئة الخارجية إذن فهو يؤثر فيها وتؤثر فيه‬
‫وبالتالي البد من المتنبئ التعرف عليها وتتمثل بـ‪:‬‬
‫العوامل التربوية‬
‫إن كفاءة المشروع المراد التنبؤ به من عدم الكفاءة قد تتوقف على كفاءة الطبقة المتنبئة وكفاءة العاملين فيها ولذلك‬
‫عندما تكون الطبقة المتنبئة والعاملين في المشروع المراد التنبؤ به من الفئة المتعلمة ومن حملة الشهادات العليا‬
‫انعكس ذلك فورا على أداء المشروع أي سيكون أداءه ممتاز والعكس صحيح وتتعلق هذه العوامل بالنقاط التالية‬
‫‪ -‬مستوى التعليم واألمية داخل المجتمع؛‬
‫‪ -‬مستوى التعليم العالي؛‬
‫‪ -‬نظرة وسلوك المجتمع اتجاه التعليم بمعنى هل يشجع ذلك أم ال؛‬
‫‪ -‬مقدار ومدى تناسب التعليم األكاديمي والمهني مع احتياجات المشاريع اإلنتاجية داخل المجتمع؛‬
‫العوامل االجتماعية والثقافية‬
‫أن العامل الذي يعمل داخل المشروع المراد التنبؤ به يأتي إليه محمال بالعادات والتقاليد التي يؤثر فيها عليه الن‬
‫هذه العادات والتقاليد هي التي تؤثر على سلوك الفرد ومن ثم على أدائه لذلك البد لإلدارة من التعرف على تلك‬
‫العادات والتقاليد والثقافة التي يحملها الفرد والتي يحملها المجتمع حتى يستطيع التعامل مع العاملين داخل المشروع‬
‫المراد التنبؤ به والتأثير في سلوكياتهم‪.‬‬
‫العوامل السياسية والقانونية‬
‫ال أحد يستطيع أن ينكر أن العوامل السياسية لها تأثير على أداء المشاريع المراد التنبؤ بها وكذلك األمور القانونية‬
‫لذلك ال بد على المتنبئ أن يكون ملما بالنواحي القانونية التي تخص عمله وتؤثر عليه وان يكون لديه علم بالسياسة‬
‫وقدرته على تحليل األمور ‪.‬‬
‫العوامل االقتصادية‬

‫‪11‬‬
‫نحن نعلم أن العوامل االقتصادية لها تأثير على كفاءة المؤسسات التجارية والصناعية كما أنها تؤثر على العملية‬
‫اإلدارية بكاملها من حيث اتخاذ القرارات المناسبة والتي تؤثر على نمو المشروع المراد التنبؤ به وازدهاره‪ ،‬وتتمثل‬
‫هذه العوامل بالنقاط التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬ما يتعلق باإلطار االقتصادي العام أي ما هي نوعية النظام االقتصادي هل هو اشتراكي‪ ،‬رأس مالي‪ ،‬مختلط‪.‬‬
‫‪ -‬ما يتعلق بسياسات الدولة المالية وهي ما تختص بالمصروفات للدولة أي اإلنفاق التي تقوم به الدولة وأماكن هذا‬
‫اإلنفاق‪.‬‬
‫‪ -‬االستقرار االقتصادي بمعنى هل تعيش الدولة في حالة رواج وازدهار اقتصادي أم كساد مثل هذا له إثر مباشر‬
‫على المشاريع داخل المجتمع ‪.‬‬
‫‪ -‬ما يتعلق بحجم السوق ويقصد به مجمل القوة الشرائية‪ ،‬أسواق التصدير الخارجية‪ ،‬حجم السوق المحلي‪ ،‬توزيع‬
‫الدخل للسكان‪ ،‬أذواقهم … الخ ‪.‬‬
‫‪ -‬مدى توافر الخدمات العامة المقدمة من قبل الدولة مثل الماء‪ ،‬الكهرباء‪ ،‬االتصاالت‪ ،‬النقل … الخ‪.‬‬
‫العوامل التكنولوجية‬
‫يمكن القول إن المشاريع تتأثر بالعوامل التكنولوجية فيجب عليها أن تقوم بتوفير األيدي العاملة واآلالت والمواد‬
‫التي تتناسب مع العصر وان تواكب أي تغيرات تحدث داخل المجتمع إذا ما أرادت أن تبقى في الطليعة وأن تبقى‬
‫في قائمة المنافسين‪ ،‬ألن هذه العوامل تحدد مقدرة المشروع اإلنتاجية والجودة في اإلنتاج‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الظروف الداخلية‬
‫الظروف الداخلية هي تلك التي تحدث داخل المشروع المراد التنبؤ به ويمكن السيطرة عليها والتأثير والتعديل فيها‬
‫وهي تمثل البيئة الداخلية للمشروع‪ .‬وتنقسم هذه الظروف إلى العوامل التالية ‪:‬‬
‫العوامل اإلنتاجية‬
‫أن المشروع يقوم بوضع أهداف معينة يسعى لتحقيقها ومن أجل أن يحققها ال بد له من تحديد العوامل اإلنتاجية‬
‫التي يمكن تسخيرها واستغاللها من اجل التوصل إلى تلك األهداف الموضوعة فيتم تحديد اآلالت التي يجب‬
‫استخدامها والساعات التي تعملها كل ألة وعدد العمال المطلوب للقيام باألعمال‪ ،‬وكمية المواد المطلوب استهالكها‬
‫والوقت الالزم لإلنتاج والمراحل التي يجب أن تمر بها عملية اإلنتاج …‪ .‬الخ ‪.‬‬
‫وهناك كثير من المصادر باإلمكان استغاللها والتي من خاللها تتعرف على كثير من المعلومات حول هذه النقطة‬
‫منها اإلحصائيات العامة‪ ،‬غرفة التجارة والصناعة‪ ،‬البحوث والدراسات الخاصة‪ ،‬سجالت والمشروع الداخلية‪.‬‬
‫العوامل البشرية‬
‫يعتبر العنصر البشرى من أهم العوامل (العناصر) اإلنتاجية التي تعتمد عليها أي مشروع فمعظم المشكالت التي‬
‫يوجهها المسئولون في أي منظمة هي بسبب العنصر البشرى‪ ،‬لهذا فان من الضروري أن يتم التنبؤ بهذا العنصر‬
‫بما يحتاج إليه حتى يضمن سير أعماله بنجاح ولكن أيضا ال بد أال تنسى اإلدارة أن هذا العنصر من أجل أن يقوم‬
‫بأداء عملة فإنه يحتاج إلى تدريب مستمر ولذلك ال بد من التنبؤ أيضا ً بمقدار التدريب الالزم لرفع مستوياتهم‪.‬ص‬
‫العوامل المالية‬

‫‪12‬‬
‫إن العوامل المالية تعتبر من األمور المهمة لسير أي مشروع ولضمان استمراره فإن أي مشروع مراد التنبؤ به‬
‫يحتاج إلى أموال طائلة من اجل دفع األجور‪ ،‬شراء المعدات واآلالت‪ ،‬دفع النفقات األخرى‪ ،‬شراء المواد األولية‪..‬‬
‫الخ‪ ،‬واإلدارة هي المسئولة عن توزيع كافة الموارد المالية بين األقسام والدوائر المختلفة بما يحقق مصلحة المشروع‬
‫وأهداف المشروع المنشودة ‪.‬‬

‫موقف العلم من التنبؤ بمستقبل اإلنسان‬ ‫‪.1.11‬‬


‫إن العلوم التجريبية تعتمد في نتائجها بصفة عامة على التنبؤ بالمستقبل حيث تخبرنا عن حالة الشيء في المستقبل‬
‫من خالل مماثلته بالقوانين الحسابية الرياضية ‪،‬فمثال يتنبأ العلماء بعد إرسال مركبة فضائية إلى القمر أو المريخ‬
‫مثال بوقت وصولها و مكان هبوطها و يتم التنبؤ بذلك اعتمادا على قوانين رياضية معينة تعتمد على المسافة بين‬
‫األرض و المريخ أ القمر و كذلك سرعة المركبة الفضائية و كذلك سرعة دوران الكوكب الذي يستقبل مركبة‬
‫الفضاء ‪،‬و يعتبر اإلخبار بهذه األمور من قبيل التنبؤ ب المستقبل ‪،‬ويجب أن نؤكد على قضية مهمة جدا و هي أن‬
‫مثل هذه القوانين الرياضية ال يمكن أن تكون دقيقة بدرجة تماثل الطبيعة تماما بل أحيانا تختلف قليال ‪،‬و الدليل على‬
‫ذلك أن علماء الفضاء يقومون بتعديل خطة عملهم أو مسير المركبات و األقمار الصناعية بعد إجراء الحسابات‬
‫الدقيقة‪ ،‬وبالرغم من ذلك ففي كثير من األحيان ال يمكن التنبؤ بكل تفاصيل رحلة الفضاء‪ ،‬وعلى طريقة مماثلة فإن‬
‫علماء الطقس و خبراءه يحاولون التنبؤ بالمستقبل اعتمادا على القوانين الرياضية البحتة ‪،‬و كما نر ى في العصر‬
‫الحديث‪-‬بالرغم من التطور الهائل في أجهزة الرصد و التقنيات الحديثة‪-‬ال يمكنهم الوصول إلى درجة من الدقة‬
‫المطلوبة في التنبؤ بالطقس ‪،‬وهذه كلها تعد احتماالت بدرجة معينة من الدقة حسب المعطيات أو المعلومات التي‬
‫نملكها حول موضوع البحث المراد التنبؤ بحالته في المستقبل‪.‬‬
‫ويمكننا ترسيخ هذا الموقف بأمثلة للخيال العلمي التي كانت عبارة عن تنبؤات علمية للمستقبل وأصبحت من الواقع‬
‫المعاش وأهمها ‪:‬‬

‫الروايات‬
‫مضادات االكتئاب والمهلوسات ‪:‬‬
‫كتاب ألدوس هكسلي” عالَم جديد شجاع “هو واحد من أكثر الكتب التنبؤية الخيالية التي القت رواجا من قبل‪.‬‬
‫ربما أكثر إبداعات هكسلي في هذا الكتاب هو تصوره لـ” مدينة العلماء الفاضلة “بكل ما فيها من مساوئ‪ ،‬في هذا‬
‫العالم الجديد؛ عالم العقاقير واآلالت‪ ،‬تنتفي العاطفة والجمال كل شيء آلي وعديم المعنى في هذا الكتاب يتخيل‬
‫هكسلي أن العلم سوف يصل بنا إلى حد االستغناء عن الزواج وتكوين األجنة في القوارير بطريقة علمية‪ ،‬بدال من‬
‫تكوينها في األرحام واألطفال‪.‬‬
‫يبدوا واضحا ً اٱلن أن تخيّالت هكسلي أصبحت حقيقة إلى حد كبير ! فالعلماء اليوم نجحوا في الوصول إلى طريقة‬
‫جديدة تُغنينا نوعا ً ما عن الحمل التقليدي وهو الحمل اإلصطناعي أو ما يُسمى بـ ” أطفال القوارير“‪ ،‬ولم تصبح‬
‫مضادات االكتئاب موضوع أي تجربة علمية حقيقية حتى أوائل عام ‪ .7789‬لذلك كان هكسلي دقيقا ً بشكل ملحوظ‬
‫في وصف مستخدمي الحبوب المهلوسة و ُمضادات اإلكتئاب الذين” فتحوا جدارا ً ال يمكن اختراقه بين الكون الفعلي‬
‫وعقولهم“‪ .‬تبدو الكثير من أحداث هذه الرواية مطابقة بشكل كبير للواقع الذي نعيشه اليوم‪.‬‬
‫الدردشة بالفيديو‪:‬‬
‫ال شك أن البرمجيات التي تجعلك تتحدث وأنت بمنزلك أو مكتبك أو حتى بأي مكان لها األثر الواضح في حياتنا‪،‬‬
‫وتزخر الشركات ومخازن البرمجيات لجوجل أو شركة آبل أو حتى الماسنجر بها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫في أيامنا هذه صار سكايب ‪-‬وبرامج محادثة الفيديو األخرى – شيئا ً عاديا ً وغير مثير للدهشة‪ .‬وقد تم تقديم أول‬
‫هاتف يدعم الحديث بالفيديو عام ‪ 7761‬بواسطة شركة ‪ ،AT&T‬لكن ‪ – Hugo Gernsback‬هوجو جيرنسباك‬
‫كان أول من تحدث عن هذه التقنية في روايته ‪ +Ralph 124C 41‬والتي قام بتأليفها عام ‪ ،7777‬وقد أسمى‬
‫جيرنسباك اختراعه بالتيلفوت – ‪.Telephot‬‬
‫اللوحات‬

‫فكرة المظلة والهبوط من الطائرة أو المروحية‬


‫للرسام العالمي ليوناردو دافن تشي‪.‬‬

‫األفالم‬

‫اإلنسان اآللي‪7291‬ربوط على شكل امرأة اسمها‬


‫ماريا‪.‬‬

‫المسلسالت الكرتونية‬

‫إنشاء بندقية الجسيمات من كارتون زاريا في قناة‬


‫يوتيوب لهاك سميث تحت عنوان اجعله حقيقي‬

‫التفريق بين التنبؤ والتنبؤ العلمي والخيال العلمي‬ ‫‪.1.11‬‬


‫إن التنبؤ العلمي مبني على مقدمات‪ ،‬بعضها يستند إلى قوانين وسنن وضعها هللا في الكون فيكون البناء عليها شبه‬
‫قطعي كالتنبؤ المتصل بالحركة والزمن في الفلك وما يبنى عليها‪ ،‬وبعضها مبني على مقدمات هي من قبيل نتائج‬
‫التجارب التي تضع إمكانية نجاح تجارب أخرى نظيرة لها فيما لو توفرت بعض اإلمكانات للقيام بها‪ ،‬وتختلف‬
‫التنبؤات المبنية عليها‪ ،‬وترتفع نسبة تحققها بحسب تطور االكتشافات ونجاح التجارب التي تقود إليها‪ ،‬كحال الهندسة‬
‫الوراثية‪ .‬أما الخيال العلمي‪ ،‬فهو االنطالق من أساس علمي لكن تصوير المستقبل ال يستند بالضرورة إلى حقائقه‬
‫الفعلية‪ ،‬إنما يسرح الخيال في تضخيم النتائج على سبيل التصوير األدبي أو حفز الطموح العلمي‪ ،‬أما التنبؤ الغير‬
‫علمي أو بما يصطلح عليه بالتنجيم الذي يقدمه الدجالون عن المستقبل فال يستند إلى أساس علمي ويعتمد على‬
‫الرجم بالغيب‪.‬‬
‫إن األنواع الثالثة من التطلع للمستقبل أصبحت واسعة االنتشار في العصر الحديث‪ ،‬ويحتل النوع األول (التنبؤ‬
‫العلمي) أهمية خاصة لما يترتب عليه من تصورات ترتبط بمستقبل البشرية أو األفراد‪ ،‬ويمكن أن أشير إلى بعض‬

‫‪14‬‬
‫التساؤالت التي ترتبط بهذا الجانب وتستحق العناية‪ :‬إن دقة التنبؤ العلمي تكشف عن الغيب البيولوجي المتصل‬
‫بالفرد‪ ،‬بمعنى ما ستتركه العوامل الوراثية في صحته الجسدية مستقبالً‪ ،‬أو ما تكشف عن ماضيه البيولوجي أيضاً‪،‬‬
‫والكشف عن كليهما يترك أثرا ً سلبيا ً في نفسية اإلنسان وعالقاته االجتماعية‪ ،‬وفي الوقت نفسه يمكن أن تترك أثرا ً‬
‫إيجابيا ً في تحسين نمط الحياة من خالل التمكن من تخفيف أو تالفي السلبيات التي يكشف عنها العلم في مستقبل‬
‫الفرد‪.‬‬

‫‪ .1‬التربية وصناعة المستقبل‬


‫تحديد المفاهيم‬ ‫‪.1.1‬‬
‫التربية ‪ :‬عمل انساني مادتها هي االفراد االنسانيين وحدهم دون غيرهم من الكائنات الحية األخرى او الجامدة‬
‫ومعنى هذا انه قد يكون هناك تدريب للحيوان وال تكون هناك تربية له‪ ،‬وبذلك تتميز طبيعة االفراد االنسانيين عن‬
‫غيرها في المستويات الحيوانية األخرى‪.‬‬
‫ولقد قدم وليام فرانكلينا تعريف للتربية حيث قال "ان مصطلح التربية قد يعني أي مما يأتي ‪:‬‬
‫‪ -‬ما يفعله االباء او المدرسين او المدرسة او بمعنى اخر النشاط الذي تقوم به لتعليم الصغار‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا يحدث في داخل الفصل من تغيرات او عملية كونه متعلما‪.‬‬
‫‪ -‬المحصلة النهائية او ما يكتسبه الطفل وما يسمى في النهاية بالتربية‪.‬‬
‫الصناعة ‪:‬هي عملية تحويل شكل المواد الخام في الطبيعة ومضمونها لزيادة قيمتها باستخدام أدوات مناسبة بغاية‬
‫جعلها قابلة إلشباع حاجة معينة سواء ان كانت بسيطة او نهائية‪.‬‬
‫التنمية ‪ :‬تعرف التنمية بأنها عملية تطور شاملة‪ ،‬أو جزئية مستمرة ذات شكل مختلف تحاول االرتقاء بوضع‬
‫اإلنسان‪ ،‬وتحقيق استقراره والوفاء باحتياجاته‪ ،‬وتعرف ايضا بكونها نشاطا مخططا يسعى إلنجاز أهداف محددة‬
‫سواء على مستوى الفرد أو الجماعة في كافة الجوانب سواء في األداء‪ ،‬وقدرات وخبرات العمل واالتجاهات‬
‫والسلوك حتى يصبح هناك قوى بشرية قادرة على أداء الوظائف‪ ،‬والمهام بكفاءة واحترافية‪.‬‬
‫فلسفة التربية والتعليم‬ ‫‪.1.1‬‬
‫المذهب المثالي ‪:‬‬
‫افالطون (‪ 114/111‬قبل الميالد ‪ 411/415 -‬قبل الميالد)‬
‫دعا افالطون الى ابعاد األطفال عن امهاتهم وتربيتهم كحراس للدولة‪ ،‬مع عناية كبيرة يجري اتخادها لتمييز‬
‫األطفال المناسبين للطبقات االجتماعية المختلفة‪ .‬األطفال في المرتبة األعلى يتلقون القدر األكبر من التعليم‪ ،‬حتى‬
‫يتمكنوا من حماية المدينة ولكي يعتنوا بمن هم اقل منهم‪ .‬التعليم يكون كلي مشتمال على الحقائق والمهارات‪،‬‬
‫والتأديب البدني‪ ،‬والموسيقى والفن اللذان يعتبرهما اعلى اشكال االجتهاد‪.‬‬
‫ايمانويل كانط (‪)7591-7111‬‬
‫يعتقد إيمانويل كانط أن التعليم يختلف عن التدريب من حيث إن التدريب ينطوي على التفكير في حين أن التعليم ال‬
‫ينطوي عليه‪ .‬باإلضافة لتعليم المنطق‪ ،‬ش ّكل تطوير الشخصية وتدريس المبادئ األخالقية لكانط أهمية أساسية‪ .‬كان‬
‫كانط من دعاة التعليم العام والتعلم من خالل الممارسة‪.‬‬
‫مذهب الواقعية ‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫ارسطو (‪ 451‬قبل الميالد ‪ 411 -‬قبل الميالد)‬
‫ينظر ارسطو للطبيعة البشرية والعادة والعقل كقوى تتهذب بالتعليم فهو على سبيل المثال يعتبر التكرار أداة رئيسية‬
‫الكتساب العادات الجيدة‪ .‬كان على المعلم ان يقود الطالب منهجيا وهذ يختلف مثال على تركيز سقراط على‬
‫استجواب مستمعيه لتقديم أفكارهم الخاصة‪.‬‬
‫ابن سينا (‪ 759‬ميالدي ‪ 7941 -‬ميالدي)‬
‫كتب ابن سينا ان األطفال يتعلمون بشكل أفضل في الفصول بدال من الدروس الفردية التي يعطيها المدرسين‬
‫الخصوصيين وأعطى أسبابا عدة لهذه الدعوة مستشهدا بقيمة المنافسة والمحاكاة بين الطالب وكذلك فائدة جماعات‬
‫المجادلة والنقاش‪.‬‬
‫جان جاك روسو (‪)7115 – 7171‬‬
‫ذكر روسو في كتابه إميال أن األطفال جميعهم كائنات مصممة بشكل مثالي‪ ،‬وهم على استعداد للتعلم من محيطهم‬
‫ليصبحوا كبار صالحين‪ ،‬لكنهم غالبا ً ما يفشلون في ذلك بسبب التأثير الضار للمجتمع الفاسد‪ .‬دعا روسو إلى طريقة‬
‫تعليمية تشتمل على ابعاد الطفل من المجتمع _ إلى منزل ريفي مثالً _ وتكييفه بالتعاقب من خالل تغييرات في‬
‫بيئته ونصب الفخاخ ليتجاوزها ووضع األلغاز ليحلها‪.‬‬
‫وظائف التربية والتعليم‬ ‫‪.1.1‬‬
‫يؤكد أغلب من أسس المجتمعات الحداثية أن عبرها يتمكن االنسان من االندماج في التغيرات التي يشهدها مجتمعه‬
‫ذلك ان القضايا التي يطرحها العالم اليوم فرضت ايقاعا من الرهانات المتنامية والتي تتطلب تكوين مواطن متفتح‬
‫ومندمج في محيطه ومؤمن بقيم التعايش واالختالف‪.‬‬
‫ان التربية مسار تكوين ال ينتهي وتحظى المؤسسة التعليمية في هذا السياق بوضع خاص اذ تتم تنشئة المواطن‬
‫على القيم اإليجابية التي تكون أساس المجتمع الحداثي والتي تتمثل في الحوار والمشاركة والمسؤولية والتضامن‬
‫والتسامح وقبول االختالف‪.‬‬
‫إن تعليم المستقبل ال يمكن ان تقاس نتائجه بشكل آلي وسريع أو وظيفي‪ ،‬بل ان التعليم المطلوب للحاضر والمستقبل‬
‫معا هو تعليم االتقان والتميز للجميع‪ .‬كما يتطلب عدم االقتصار على استرجاع المعرفة وانما يعمل على المالئمة‬
‫بين ثقافتي الذاكرة واالبداع معا‪ ،‬فتحليل المعرفة ونقدها واالضافة اليها والتجديد فيها كل ذلك امر ضروري‬
‫وأساسي لتكوين التربية لالبتكار واالبداع‪.‬‬
‫صالح مناهج التربية والتكوين‬ ‫‪.1.1‬‬
‫المدرسة‬
‫تسعى المدرسة الوطنية الجديدة الى ان تكون مفعمة بالحياة بفضل نهج تربوي نشيط يجاور التلقي السلبي والعمل‬
‫الفردي الى اعتماد العلم الذاتي والقدرة على الحوار والمشاركة في االجتهاد الجماعي‪ ،‬وان تكون مفتوحة على‬
‫محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة والخروج اليه منها بكل ما يعود بالنفع على‬
‫الوطن‪ .‬مما يتطلب نسج عالقات جديدة بين المدرسة وفضائها البيئي والمجتمعي والثقافي واالقتصادي‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫نسج عالقات‬ ‫الحوار و‬ ‫التعلم‬ ‫نهج‬
‫جديدة‬ ‫المشاركة‬ ‫الذاتي‬ ‫تربوي‬

‫الفضاء‬ ‫الفضاء‬ ‫العالق مع الفضاء‬


‫االقتصادي‬ ‫الثقافي‬ ‫المجتمعي‬
‫الجامعة‬
‫ينبغي ان تسير الجامعة على نهج المدرسة نفسه وحري بها ان تكون مؤسسة متفتحة وقاطرة للتنمية على مستوى‬
‫كل جهة من جهات البالد وعلى مستوى الوطن ككل جامعة متفتحة ومرصد للتقدم الكوني والعلمي والتقني و قبلة‬
‫للباحثين الجادين من كل مكان ومختبرا لالكتشاف و اال بداع وورشة لتعلم المهن و قاطرة للتنمية تسهم بالبحوث‬
‫األساسية و التطبيقية في جميع المجاالت و تزويد كل القطاعات باألطر المؤهلة و القادرة‪.‬‬

‫نسج عالقات‬ ‫الحوار و‬ ‫التعلم‬ ‫نهج‬


‫جديدة‬ ‫المشاركة‬ ‫الذاتي‬ ‫تربوي‬

‫البحوث األساسية‬ ‫األطر‬ ‫التنمية والتقدم‬


‫والتطبيقية‬ ‫المؤهلة‬ ‫واالبداع في المهن‬

‫الدولة‬
‫تلتزم الدولة فضال عن تحقيق حق تعميم تمدرس جميع األطفال المغاربة بتشجيع العلم والثقافة واالبداع في المجاالت‬
‫ذات البعد االستراتيجي‪ ،‬ووضع مرجعية البرامج والمناهج ومعايير التأطير والجودة في جميع مستويات التربية‬
‫والتعليم وانماطها‪ .‬كما تلتزم بمقتضى الدستور والطموح الوطني بتعزيز اللغة العربية واستعمالها في مختلف‬
‫مجاالت العلم والحياة معتمدة سياسة لغوية واضحة ومنسجمة‪.‬‬

‫تجديد سياسة‬ ‫جودة البرامج‬ ‫تشجيع العلم‬ ‫نهج حق‬


‫التربية‬ ‫والمناهج والتأطير‬ ‫والثقافة‬ ‫تعميم‬
‫والتكوين‬ ‫والتكوين‬ ‫واالبداع‬ ‫التمدرس‬

‫المداخل‬ ‫مشاريع‬ ‫دعم مشاريع‬


‫والبيداغوجيا‬ ‫تربوية‬ ‫البحث العلمي‬
‫والمقاربة‬ ‫علمية‬ ‫والتطبيقي‬

‫األسرة‬

‫‪17‬‬
‫ينبغي على اإلباء واالولياء الوعي بأن التربية ليست وقفا على المدرسة وحدها‪ ،‬وان االسرة هي المؤسسة التربوية‬
‫األولى التي تأثر الى حد بعيد على تنشئة األطفال واعدادهم للتمدرس الناجح‪ ،‬إضافة الى تأثيرها في سيرورتهم‬
‫الدراسية والمهنية بعد ذلك‪ .‬واجب االسرة اتجاه المؤسسة المدرسية العناية والمشاركة في التدريب والتقويم‪.‬‬
‫نسج عالقات‬ ‫العناية والحوار‬ ‫تنشئة الطفل‬ ‫نهج‬
‫جديدة‬ ‫والمشاركة‬ ‫على التعلم‬ ‫تربوي‬
‫الذاتي‬

‫التتبع‬ ‫االعداد‬ ‫التأثير‬


‫المهن‬ ‫المدرسي‬ ‫التربوي‬
‫ي‬

‫المربي او المدرس‬
‫على المربين والمدرسين القيام بواجبهم على أكمل وجه‪ ،‬ولهم حق التشريف والتكريم من المتعلمين واالسر‬
‫والمجتمع رمته‪ .‬وعلى الدولة وكل هيئة مشرفة على التربية والتكوين ان تكفل المربيين والمدرسين حق االستفادة‬
‫من تكوين أساسي متين‪ ،‬ومن فرص التكوين المستمر طلبا للرفع المتواصل من مستوى األداء التربوي‪.‬‬
‫نسج عالقات‬ ‫البيداغوجيا‬ ‫وصل األداء‬ ‫نهج‬
‫جديدة‬ ‫المالئمة‬ ‫التربوي بالعليم‬ ‫تربوي‬

‫فعالية‬ ‫استمرارية‬ ‫متانة‬


‫التكوين‬ ‫التكوين‬ ‫التكوين‬

‫تربية المستقبل‬ ‫‪.1.1‬‬


‫من أبرز خصائص الوقت الراهن ظاهرة العولمة بجميع أبعادها‪ ،‬والتي من أبرز صفاتها تراكم الرصيد المعرفي‬
‫للبشرية نتيجة للتغير الذي حدث في كيف وكم المعرفة في العقود المتأخرة من القرن الماضي‪ ،‬فمن الناحية الكمية‪،‬‬
‫فقد تضاعفت المعرفة البشرية في حوالي خمسة عشر عاما في بدايات القرن الماضي‪ ،‬ثم انخفضت هذه المدة إلى‬
‫خمس سنوات‪ .‬وكان تطور تكنولوجيا المعلومات وثورة المعلومات من أبرز جوانب العولمة تأثيرا‪ ،‬وهو ما دفع‬
‫العلماء والمفكرين إلى االهتمام بالمستقبل ومحاولة دراسته‪ .‬وتبرز أهمية دراسات استشراف مستقبل التربية في‬
‫كونها الباب الرئيس لتطوير وتنمية المجتمع ‪-‬أي مجتمع‪ -‬الذي يصبو للتقدم‪ ،‬فاالقتصاد والسياسة واالجتماع والتنمية‬
‫وغيرها من جوانب الحياة ال تقوم إال على عنصر أساسي واحد هو اإلنسان الذي ال يمكن إعداده إال من خالل‬
‫التربية‪ ،‬فبمقدار االهتمام بتربية اإلنسان يكون االهتمام بالمستقبل‪.‬‬
‫والتربية سواء بصفتها متغيرا ً تابعا ً للتحول المجتمعي‪ ،‬أو محركا ً أوليا ً لهذا التحول‪ ،‬هي بحكم دورها وطبيعتها‬
‫أكثر جوانب المجتمع عرضة للتغيير‪ ،‬وبنا ًء على ذلك فالمتغيرات الحادة التي ينطوي عليها المستقبل‪ ،‬وما يفرضه‬
‫ِث بالضرورة هزات عنيفة في منظومة التربية‪ :‬فلسفتها وسياستها ودورها ومؤسساتها ومناهجها‬ ‫من تحديات ََ ستُحْ د ُ‬
‫وأساليبها‪ ،‬وهذه التغيرات الحادة تلقي العبء على التربية والتربويين في ضرورة إعادة النظر في مسؤولياتهم‬
‫وطرقهم في تهيئة األجيال‪ ،‬واستشراف آفاق المستقبل لإلعداد لها‪ ،‬وإيجاد صيغة مقبولة متوازنة للنظام التربوي‬
‫باعتبار أن التخطيط التربوي السليم يقتضي تطويرا متوازنا ومتفاعال لجميع عناصر العملية التعليمية‪ .‬فال مستقبل‬

‫‪18‬‬
‫بدون تربية‪ ،‬وال تربية بدون النظر في كل من حاجات المتعلمين ومتطلبات المجتمع المستقبلية‪ ،‬واألمم التي تعي‬
‫هذه الحقيقة وتعترف بها تعمل من أجل اإلعداد لهذا المستقبل‪ ،‬وتصبح التربية هاجسها األول وهدفها الرئيسي‪.‬‬

‫واقع العالقة بين التربية والتنمية‬ ‫‪.1.1‬‬


‫إن العالقة بين التربية والتنمية عالقة متبادلة بين التأثير والتأثر‪ .‬وكل من التربية والتنمية وسيلة لآلخر‪ ،‬يك ّمل‬
‫بعضهما اآلخر‪.‬‬
‫يكاد يجمع المهتمون بقضية التنمية على أن العنصر البشري هو أهم هذه المقومات وال سبيل إلى بناء هذا اإلنسان‬
‫إال عن طريق التربية التي تقوم على تطوير الشخصية اإلنسانية وإعادة بنائها‪.‬‬
‫زاد من عالقة التربية بالتنمية وخاصة في منتصف هذا القرن هو االقتصاد كمحور مهم حيث ظهرت بعض‬
‫النظريات المهمة مثل نظرية رأس المال البشري والتي تعتبر بمثابة اإلطار النظري المسؤول عن التبني الكامل‬
‫للعالقة الجدلية بين التعليم وسياسات التنمية‪ .‬إن التربية إذا أحسن استخدامها وتوجيهها تساهم في تحقيق التنمية‬
‫وتحافظ على استمراريتها‪.‬‬
‫إن التنمية تلعب دورا بارزا في إحداث التغير والتطور الجذري في نظام التربية والتعليم في بلد ما‪ .‬ومن هنا‬
‫فالتربية وسيلة أساسية للتنمية‪ ،‬كما أن التنمية وسيلة أساسية للتربية‪ .‬تنمية العقول والتقدم الحضاري والدليل على‬
‫ارتباط التعليم بالتنمية‪ :‬اتخذت بعض الدول المتقدمة التربية أداة إلحداث التنمية مثل اليابان وألمانيا اللتان خرجتا‬
‫من الحرب العلمية الثانية بهزيمة قاسية‪ ،‬ولكنها استطاعت عن طريق التعليم الوصول إلى أعلى درجات التقدم‬
‫االقتصادي والتكنولوجي‪.‬‬

‫‪ .1‬نموذج المهدي المنجرة‬


‫يمكن إبراز العالقة بين محاور هاته المجزوء بدراسة نموذج المهدي المنجرة‪.‬‬

‫المعرفة‬ ‫‪.1.1‬‬
‫‪-‬السمة التكاملية التي يجب أن تكون بين العلوم اإلنسانية واالجتماعية والتطبيقية وغيرها ألن اجتماءها وتكاملها‬
‫وانصهارها هو مفتاح التقدم‪ ،‬وبالتالي مفتاح المستقبل‪.‬‬
‫‪-‬إن علوم الحياة بما فيها البيولوجيا والجينات والطريقة التي يشغل بها الدماغ والعلوم النباتية هي أصل التنمية‪.‬‬
‫‪-‬األمية إشكال سياسي بامتياز وال بخيل إال نسبيا على اإلشكال التربوي أو التعليمي أو البرمجي أو إلى هجر‬
‫الكفاءات بل هي نتائج نماذج تنموية تجوزت في بلدانها األصل وما زالت معتمدة بدول العالم الثالث‪ ،‬ألن هذه‬
‫الدول لم تبن بعد نموذجها وفق رؤيتها الخاصة للحاضر والمستقبل‪ .‬الرؤية القائمة على المشاركة واألشراك وتوزيع‬
‫المعرفة‪ .‬لماذا؟ ألن الرؤية قيمة وألن المعرفة كذلك وألنها الرأسمال الجديد بدون منازع‪.‬‬

‫المستقبليات‬ ‫‪.1.1‬‬
‫‪-‬يقول لي صديقي كما أشرت في جوابي األول هي ليست علما‪ ،‬ألن العلم لفظ كبير و واسع في حين أن المستقبليات‪،‬‬
‫هي محاولة للرؤية البعيدة‪ ،‬فهي نوع من الخيال الذي يرتكز على المتمنيات ‪،‬و على كيفية تطبيقها في المستقبل ‪،‬و‬
‫كلما كانت الرؤية بعيدة ‪،‬كلما تطلب ذلك بدوال زمنيا‪.‬‬

‫التربية‬ ‫‪.1.1‬‬
‫‪-‬لالصغاء دور كبير في التربية ألن االصغاء يفيد إشراك اآلخر في الرأي و تعويده على الفكر الديموقراطي بينما‬
‫انعدام االصغاء فهو يقود حتما إلى الرأي الوحيد و إلى الديكتاتورية التي تؤول دائما بأصحابها إلى الفشل الدريع‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪-‬االصغاء للغير واجب طبيعي وحق من حقوق الغير‪ ،‬للتربية األسرية والمدرسية و الجامعية‪.‬‬
‫‪-‬االصغاء هو بيداغوجية ألنها تتطلب المثال والنموذج السليم الذي ينبغي أن يقدمه المدرس بالتعليم لتالمذته كما‬
‫كان األمر في السابق‪.‬‬
‫‪-‬غادر المهدي المنجرة أمريكا ألنها ال تعتمد على مبدأ المثال والنموذج اإلنساني ألن غياب النموذج والمثال هو‬
‫شيء ساهم في التخلف وتقهقه مجتمعات الجنوب خاصة المسلمة منها‪.‬‬
‫مبدأ المثال والنموذج‪ :‬هو أنك عندما تكون لك مبادئ وقيم تدافع عنها إمام نفسك وضميرك أمام الناس‪ ،‬فانه ال‬
‫يمكن لك أن تتناقض معها كيفما كان الحال وتحت أي طائلة من الطوائل‬
‫هل تحققت نبوءات المهدي المنجرة؟‬ ‫‪.1.1‬‬
‫‪-‬انهيار األنظمة العربية‬
‫لم يُقدّر للمهدي المنجرة أن يواكب تموجات انتفاضات العالم العربي‪ ،‬إذ غيبه المرض في ربيع ‪ 1977‬إلى حين‬
‫وفاته سنة ‪ ،1971‬وعلى الرغم من أنه لم يستطع متابعة ما جرى ويجري‪ ،‬فإنه كان من ضمن الذين استشرفوا‬
‫قدوم الثورات العربية قبل عشر سنين‪ ،‬في كتابه عولمة العولمة‪.‬‬
‫‪-‬مغرب ‪0202‬‬
‫في نظر الدكتور المهدي المنجرة أن مغرب الغد سيولي أهمية أكثر لمفهوم العدالة فيما يخص توزيع الثروات‬
‫المادية وغير المادية دون اعتبار المتوقع الطبقي أو االنتماء االجتماعي‪ .‬إن الجيل الذي سيتحمل المسؤولية غدا‬
‫بالمغرب‪ ،‬حسب الدكتور‪ ،‬سيكون جيال أقل إحساسا بعقدة النقص مقارنة باألجيال السابقة له التي تلت مرحلة‬
‫االستقالل‪ .‬انه سيكون أقل إحساسا بالنقص بالنظر للخارج‪ ،‬السيما وأنه سيكون مضطرا لالعتماد على نفسه‬
‫وسيتوفر على ثقة أكبر في محدداته الثقافية واالجتماعية وفي قدراته‪ ،‬السيما وأنه جيل متعلم وذو كفاءة و معرفة‪،‬‬
‫بحيث أن مغرب الغد سيتوفر على أطر ذات كفاءة ودراية أكثر من السابق‪.‬‬
‫إال أن المستقل ليس واحدا‪ ،‬فهناك تعدد المستقبالت الممكنة‪ ،‬لذا فالمطروح هو االهتمام بالمستقبل المرغوب فيه أو‬
‫المستقبالت المرغوب فيها قصد النظر بعد ذلك في النهج والسبل التي ستمكن من تصور هذه المستقبالت وطرق‬
‫جعلها مستقبالت ممكنة التحقيق أخذا بعين االعتبار مختلف المحددات واالكراهات البشرية و المادية و المالية‪.‬‬
‫ففي سنة ‪ 1919‬سيصل سكان المغرب إلى ما يناهز ‪ 18‬مليون نسمة‪ ،‬علما أن أمل الحياة سيرتفع إلى ‪ 68‬سنة‪،‬‬
‫وبذلك سيحدث تعبيرا ملحوظا على مستوى الهرم الديموغرافي‪ ،‬أكثر من ‪ 89‬في المائة من الساكنة سيكون عمرهم‬
‫أقل من ‪ 18‬سنة‪ .‬وهذا يعني أنه هناك عامل أساسي ال مناص من أخذه بعين االعتبار وباألهمية التي يستلزمها‬
‫لالستعداد للغد‪ ،‬وهو الخاص بتوزيع الساكنة بين الحواضر و البوادي‪ .‬فالساكنة الحضرية المغربية في سنة ‪1919‬‬
‫مؤهلة لتصل إلى ‪ 19‬في المائة من مجموع سكان البالد‪ .‬وهذا يعتبر تحديا كبيرا المناص من االستعداد إليه منذ‬
‫البارحة وليس منذ اليوم‪.‬‬
‫و في نظر الدكتور المهدي المنجرة يمكن لمغرب ‪ 1919‬أن يحقق ‪ 79‬في المائة من االكتفاء الذاتي الغذائي‪ ،‬و هذا‬
‫ما سيمكن البالد من هامش مهم للتحرك على صعيد قضايا التنمية‪ .‬السيما إذا تمكنا من تقليص األمية إلى حدود‬
‫‪ 18‬في المائة (عوض ‪ 88‬في المائة حاليا)‪ ،‬وهذا التقليص عليه أن يكون ليس كميا فقط و لكن نوعيا كذلك‪ ،‬اعتبارا‬
‫لضرورة تحقيق توازن يتعلق بالعالم الحضري‪ ،‬و فيما يتعلق بالمرأة و الرجل‪ .‬وهذا يعني أنه يجب إعطاء األولوية‬
‫اآلن للعالم القروي وللمرأة في هذا المجال‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫كما يأمل الدكتور المهدي المنجرة أن تستفيد كافة ساكنة مغرب ‪ 1919‬من الماء الصالح للشرب في إطار سيرورة‬
‫تحقيق المزيد من العدالة االجتماعية وتكريس كرامة اإلنسان كأولوية األولويات‪ .‬وهذه السيرورة نحو المزيد من‬
‫العدالة االجتماعية من شأنها تفعيل سيرورة الخلق واإلبداع في المجال الفني‪ ،‬و هذا مؤشر من المؤشرات التنموية‬
‫سواء في المجال االقتصادي أو االجتماعي في المجتمع ما دامت التنمية ليس مادية فقط‪.‬‬
‫‪-‬فشل األمم المتحدة والمؤسسات السياسية‬
‫كتب المهدي المنجرة كتابه "األمم المتحدة" سنة ‪ ،7714‬ثم استقال عن النظام كله سنة ‪ ،7716‬إذ كان يشغل منصب‬
‫مدير مكتب اليونسيكو في عام ‪ 7761‬ثم مستشارا خاصا له‪ ،‬ثم مديرا عاما مساعدا قبل أن يغادر المؤسسة بعد‬
‫ذلك‪ ،‬ألنه يرى أن األمم المتحدة فشلت في دورها المناطة به أال وهو إحالل السلم بالعالم وصارت تخدم مصالح‬
‫الدول الغربية فقط‪ ،‬كما تنبأ بفشلها في حل النزاعات في دول العالم متذرعا بكونها مؤسسة لحظية فقط جاءت لفك‬
‫مشاكل لحظية فال يمكن لها أن تساير العصر‪ ،‬ويقول المهدي المنجرة في إحدى محاضراته‪ :‬ال يمكن أن نساير‬
‫القرن ‪ 17‬بمؤسسات القرن ‪ 75‬بما فيهم البرلمان والمجالس العليا التي أنشئت لتحل مشاكل أنية‪ ،‬العالم يحتاج‬
‫مؤسسات أخرى تماما‪ ،‬الدول ال تحتاج حكومات فيها وزير الصحة ووزير الفالحة إلخ‪ ،..‬ألن نسبة كبرى من‬
‫مشاكل وزارة الصحة في يد وزارة األشغال العمومية‪.‬‬
‫وواقع الحال يجعل القارئ يقف أمام مدى صحة كالم المهدي المنجرة في عالمنا الحالي‪ ،‬فشلت االمم المتحدة في‬
‫الصومال وسوريا وصارت قراراتها حبرا تخرقه الدول العظمى قبل أن يجف‪.‬‬

‫التربية والتعليم‬ ‫‪.1.1‬‬


‫عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان‪ ،‬بنوا سور الصين العظيم واعتقدوا بأنه ال يوجد من يستطيع‬
‫تسلقه لشدة علوه‪ ،‬ولكن خالل المائة سنة األولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثالث مرات وفي كل مرة‬
‫لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه ‪ ...‬بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة‬
‫ثم يدخلون عبر الباب‪.‬‬
‫لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس ‪ ! ..‬فبناء اإلنسان ‪ ..‬يأتي قبل بناء كل شيء ‪ ،‬وهذا ما يحتاجه‬
‫شبابنا اليوم ‪ ..‬يقول أحد المستشرقين‪ :‬إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثالث هي‪:‬‬
‫‪- 0‬اهدم األسرة‬
‫‪-0‬اهدم التعليم‬
‫‪-3‬إسقاط القدوات والمرجعيات‬
‫‪ ‬لكي تهدم األسرة‪ :‬عليك بتغييب دور (األم) اجعلها تخجل من وصفها ب ” ربة بيت”‬
‫‪ ‬لكي تهدم التعليم‪ :‬عليك ب(المعلم) ال تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طالبه‪.‬‬
‫‪ ‬لكي تسقط القدوات عليك ب (العلماء) اطعن فيهم ‪ ،‬شكك فيهم‪ ،‬قلل من شأنهم‪ ،‬حتى ال يسمع لهم وال يقتدي بهم‬
‫أحد‪.‬‬
‫فإذا اختفت (األم الواعية) واختفى (المعلم المخلص) وسقطت (القدوة والمرجعية) فمن يربي النشء على القيم؟؟؟"!‬

‫خالصة كالم المهدي المنجرة‬ ‫‪.1.1‬‬


‫يؤكد المهدي المنجرة أن اجتماع العلوم وانصهارها هو أصل التقدم‪ ،‬بحيث أضاف أن عكس المعرفة أي األمية‬
‫هي اشكال سياسي بامتياز‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫يعتبر المهدي المنجرة أن اإلنسان الذي يعد مستقبليا هو الذي ال تنتهي مدة صالحية كتاباته وأقواله في المستقبل‪.‬‬
‫كما أشار أن المستقبليات ليست بعلم رغم أنه يعتبر عالم مستقبليات ألن العلم لفظ كبير‪ .‬أما بالنسبة للتربية فلقد أكد‬
‫على دور اإلصغاء فيها واعتماد مبدأ النموذج ‪.‬‬
‫يمكن القول إذن أن المعرفة أساس التقدم واالزدهار‪ ،‬واألمية هي إشكال سياسي يمكن التغلب عليه بالتعليم‪ ،‬ومن‬
‫أجل تعليم أفضل يجب تربية األفراد باعتماد مبدأ النموذج وكل هذا من أجل صناعة مستقبل أمثل‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫التكنولوجيا والمعلوميات‬

‫يتكون المحور الثاني من ثالث عناوين كبرى وهي ‪:‬‬


‫‪ .0‬اللغة العربية والثورة الرقمية‬
‫‪ .0‬العلم ومشكالت العصر‬
‫‪ .3‬اإلعالم والتنمية‬

‫‪23‬‬
‫تقديم ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫اصبحت وسائل االعالم في حللها الجديدة بفعل التحوالت المهنية والتطورات التكنولوجية الهائلة تنشط في‬
‫فضاء عريض ومنتوج مطبوع بالتعددية والمنافسة‪ .‬مما جعل سلطتها وفعاليتها في تداول المعلومات وتدفقها تتسع‬
‫بشكل كبير جدا‪ .‬وبقدر تطور واتساع مجال نشاط وسائل االعالم فان اقبال الجمهور عليها يتزايد واستعماالته‬
‫لها يتطور بدوره‪.‬‬

‫تحديد المفاهيم‪:‬‬
‫التكنولوجيا‪:‬‬
‫التكنولوجيا كلمة ذات أصل يوناني‪ ،‬تتكون من مقطعين‪ ،‬المقطع األول‪ Techno :‬ويعني حرفة أو مهارة أو فن‪،‬‬
‫أما الثاني ‪ logy‬فيعني علم أو دراسة‪ .‬و من هنا فان كلمة تكنولوجيا تعني علم االداء أو علم التطبيق‪ ،‬حيث أورد‬
‫الكثير من العلماء تعريفات أخرى عديدة منها‪ ،‬التكنولوجيا عملية شاملة تقوم بتطبيق العلوم والمعارف بشكل منظم‬
‫في ميادين عدة لتحق يق أغراض ذات قيمة عملية للمجتمع‪ .‬وتعرف بأنها االستخدام االمثل للمعرفة العلمية‪،‬‬
‫وتطبيقاتها‪ ،‬وتطويعها لخدمة االنسان‪.‬‬
‫اللغة العربية‪:‬‬
‫اللغة العربية هي من اللغات السامية‪ ،‬لم تولد كاملة‪ ،‬فقد مرت كغيرها من اللغات ألطوار لم يدركها عصر التدوين‬
‫والمهم أنها نمت نموا طبيعيا بعد زمن طويل‪ ،‬والشواهد ترجع وجود كتابتها إلى القرن الثاني الميالدي‪ ،‬وقد ظهرت‬
‫فيها نهضات نوعية بسبب احتكاك االفكار باالختالط الذي كان يتم اثناء مواسم الحج‪ ،‬أضف الى هذا اثر الهجرة‬
‫التي اقتضتها عوامل الطبيعة‪ ،‬وبذلك تعرضت لكثير من الطوارئ قبل ان تدون وتضبط في القرن الثاني للهجرة‬
‫وهكذا لم يصل الينا حسب كثير من االقوال اال لغة الحجاز‪.‬‬
‫الثورة الرقمية‪:‬‬
‫حسب عبد الغفور بريسول‪ ،‬فالثورة الرقمية تعني ثورة تكنولوجيا المعلومات واالتصال‪ ،‬وهي اكثر من الثورات‬
‫العلمية درامية من حيث المدى واالنتشار‪ ،‬فالزيادة المطردة للمعرفة ذات السرعة الفائقة قد تسمح لنا بتقليب‬
‫اسرع لصفحات كتاب المستقبل لهذه الصناعة‪ ،‬فالتنبؤات فقد تتراوح بما يتصل بتكنولوجيا المستقبل بين االستفادة‬
‫من فيزياء الكم بإحداث الحاسوب الكمي او من التقدم الكبير في الهندسة الوراثية الى مجال التقدم في الواقع‬
‫االفتراضي وعالم االنترنيت الذي سيخلق كونا كامال من الفضاء السبراني يتضمن التجارة والنقود والمكاتب‬
‫اإللكترونية والجامعات االفتراضية‪ ،‬بحيث يصبح سطح االرض غشاء حيا يتمتع بذكاء "كوكبي"‪.‬‬

‫العلم‪ :‬العلم هو عملية االستدالل المقام على اإلدراك والبرهان‪ ،‬والذي ينطلق من مقدمات حسية صادقة‪ ،‬وضرورية‪،‬‬
‫وهو يؤكد أن العلم بالمتغيرات أمر غير منطقي‪ ،‬وال يوصل إلى نتائج‪،‬والعلم بالثوابت هو العلم الدسم الذي يغني‬
‫إدراك العاقل المفكر‪ ،‬ويحيي لبه‪ .‬وقد أوردأرسطو تعريف ا آخر للعلم بقوله‪ :‬هو معرفة الشيء بعلله‪ ،‬وبحالته‬
‫الخام‪ ،‬وهذا يرادف معنى الحكمة‪ ،‬والمعرفة التامة ألصل الوجود‪) .‬أرسطو(‬
‫االعالم‪:‬‬
‫االعالم هو جعل العالم متخاطب مع نفسه لتلبية حاجياته‪ ،‬منه المرئي والمس موع والمكتوب والرقمي‪ ،‬فهو يساعد‬
‫في نقل الخبر وصناعة الراي والتثقيف والتنوير‪ ،‬يتفاعل االعالم مع الراي العام بكل مكوناته ويكرس حرية الراي‬
‫والتعبير زيادة الى التخصص من حيث النظريات والمعارف والمناهج‪ ،‬بحيث يعتبر االعالم نشاطا مهنيا وتقنيا‬
‫وفكريا وجماليا تحكمه ضوابط تنظيمية قانونية وقواعد اخالقية مهنية‪ .‬مما يجعل منه متمركزا في االمن االعالمي‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫التنمية‪:‬‬
‫يعرف عبد الرحمن العيسوي التنمية في كونها الرفع من مستوى المجتمع اقتصاديا واجتماعيا‪ .‬وهناك انواع مختلفة‬
‫من التنمية‪ ،‬منها التنمية االقتصادية والمستدامة‪ .‬كما يقصد بالتنمية التدخل المقصود لتحقيق النمو بصورة سريعة‬
‫الخطى في حدود فترة زمنية معينة تحددها خطط التنمية‪.‬‬
‫‪ 1.2‬اللغة العربية والثورة الرقمية ‪:‬‬

‫‪ 1.1.2‬النظام الرقمي ‪:‬‬


‫لقد وجد العلماء في ابحاثهم النظام الرقمي حيث يتم تحويل المعلومات قبل ارسالها الى ارقام‪ ،‬واالرقام المستخدمة‬
‫هي ارقام ثنائية فقط (‪0‬؛‪ .) 8‬ويختلف النظام الرقمي عن النظام التماثلي‪ ،‬حيث تحمل المعلومات ما يسمى بالبينات‬
‫وبهذا النظام الرقمي تضمن وصول المعلومات صوتا وصورة ومعطيات دون خلل‪ ،‬ذلك ان الشكل الفيزيائي او‬
‫االشارة المستعملة تكون حتمية بينما يكون السيل المعلوماتي عشوائيا‪ .‬فاذا حدث الخلل‪ ،‬يكون تعاملنا مع االشارة‬
‫المستعملة ذات الطابع الحتمي دون ان تؤثر على المعلومة الرقمية نفسها‪ ،‬ويتم ذلك بعد معالجات كثيرة منها‬
‫االستقبال االمثل‪ ،‬والتشفير المصحح والذي يطلق عليه غالبا اسم تشفير القناة‪.‬‬
‫‪ 2.1.2‬اللغة العربية في عصر الرقمنة‪:‬‬
‫تعيش اللغة العربية وضعا تاريخيا جديدا في عصرنا الحاضر أدى بها الى استخدام سالح قوي الكتساب المعرفة‬
‫أمام رهانات وتحديات متنوعة األوجه‪ .‬و تتجسد هذه القوة في توظيف الوسائل التكنولوجية المتطورة التي يزيد‬
‫تعميمها يوميا في العديد من مجاالت الحياة خصوصا الرقمية التي تكاد تطغى على ممارسات األفراد و معامالت‬
‫المؤسسات العمومية والخاصة‪ .‬فاللغة العربية وان كانت تواجه في هذا العصر تحديات كبرى فهي تحتاج لخوض‬
‫غمارها في هذا السياق‪ ،‬الى جهود الباحثين اللسانيين والمتخصصين في الحقول العلمية األخرى لتهيئة جملة من‬
‫الطرائق العلمية واآلليات التقنية الدقيقة‪ .‬فاللغة العربية ال تخوض حربها في فضاء العولمة بذاتها انما بآليات‬
‫أكثر قوة و تأثيرا بفعل قوة ثقافتها و علمها اقتصادها واعالمها وتكنولوجياتها‪ .‬و تمتلك اللغة العربية ثروة علمية‬
‫ابداعية‪ ،‬اكتسبتها من ماضيها عبر العصور المتتالية ‪ ،‬فنورت عقول بعض علمائنا المتخصصين وكشفت لهم‬
‫الجوانب المضيئة في تراثنا‪ ،‬مما يمكن أن يؤصل للفكر اللغوي ويجعله منطلقا لمواكبة التطور الغربي في‬
‫تكنولوجياته الحديثة والرقمنة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫المعروف عند الجميع ‪ ،‬أن استخدام اللغة العربية في مجال األنترنيت صار معلوما بالضرورة و أننا لم نسهم فيه‬
‫مباشرة وبالقدر المطلوب‪ .‬كما أننا ندرك ما يشوب استخدامه من فوضى ال تراعى فيه أصول العربية وقوانينها‬
‫وأوضاعها‪ ،‬ناهيك عن ضآلة العملية اإلنتاجية للغة العربية في هذا الفضاء التكنولوجي‪ ،‬على الرغم من الجهود‬
‫التي تبذل في مؤسسات الدول العربية المختلفة بكميات رقمية تتفاوت نسبها‪ ،‬بحسب اإلمكانات المادية والبشرية‬
‫والعلمية‪ ،‬واحسن دليل على ذلك مشروع الذخيرة العربية الذي أسسه االستاذ المرحوم عبد الرحمن الحاج صالح‪.‬‬
‫‪ :3.1.‬أسباب تراجع اللغة العربية في مجال الرقمنة‪:‬‬
‫ساهمت الثورة الرقمية في تعزيز ثقافة الرقمنة للمحتويات العربية‪ ،‬اال أنها خلقت مشاكل عديدة تعود إلى‬
‫االسباب التالية‪:‬‬
‫‪ o‬انتشار االمية‪ ،‬واالمية المعلوماتية‪ ،‬حيث تقدر بعض الدراسات نسبة االمية في العالم العربي بنحو ‪.%00‬‬
‫‪ o‬ضعف البنية التحتية لشبكات االنترنيت‪ ،‬وضعف المستوى المادي لغالبية شعوبنا‪ ،‬وهذا يمنعنا من االستفادة‬
‫والحضور في العالم الرقمي الذي ينظر اليه في المستويات االقتصادية الدنيا على أنه ترف فكري‪.‬‬
‫‪ o‬غياب دور الجامعات ومراكز البحث في رقمنة المخطوطات مثال والدراسات والبحوث التي تعدها هذه‬
‫المؤسسات‪ ،‬وهذا أيضا مرتبط بقضية الموارد وشحها‪.‬‬
‫‪ o‬ضعف حركة النشر وغياب شبكات التوزيع‪.‬‬
‫‪ o‬انتشار ما يعرف باللغة الفرانكوعربية (‪ )FRANCO-ARABE‬او ما يسميه اخوتنا المشارقة بالعربيزي‪،‬‬
‫اي كتابة اللغة العربية بحروف اجنبية‪ ،‬وهو ما جنى على اللغة جناية عظيمة‪.‬‬
‫‪ 2.2‬العلم ومشكالت العصر‬

‫مشكالت العصر‪.‬‬
‫يشهد عالمنا تطورا سريعا في كافة العلوم بأنواعها‪ ،‬التي تجعل من رفاهية اإلنسان وراحته هدفا‪-‬‬
‫أحيانا الربح هو الهدف‪-‬فمن تطور تكنولوجي وبرمجي غير مسبوق إلى إبداعات معمارية‪ ،‬إلى‬
‫تكنولوجيا النانو وتطبيقاتها التي ستجعل األمراض تعالج نفسها‪ ،‬وستتغلب على الهندسة التقليدية‬
‫لتخترق قوانينها ‪.‬يعتقد البعض بهذا ويؤمن به كثيرا‪ ،‬لكن دائما ما كنت أعتقد أن بحضارتنا خطب‬
‫شيدت على أخطائنا‪.‬‬‫ما‪ ،‬فقد ُ‬
‫وقد ظهرت مشكالت جديدة مع هذا التطور تتجلى في‪:‬‬
‫حيث حلّت المكالمات الهاتفية عن بُعد ّ‬
‫والرسائل النّصية مكان‬ ‫ُ‬ ‫•تقليل التّواصل الفعلي بين األفراد؛‬
‫التّواصل الفعلي عن قرب‪ ،‬مما أدّى لتغيير جذري في مفهوم التّرابط والتّماسك العائلي القائم على‬
‫العون والمساعدة‪ ،‬وقد قال الكاتب ألفن توفلر )باإلنجليزية( ‪: er) Alvin Toffl‬في كتابه الموجة‬

‫‪26‬‬
‫الثالثة )‪:‬لقد جلبت لنا الحضارة نمطا عائليا جديدا‪ ،‬وغيّرت طرق العمل‪ ،‬والحب والمعيشة‪ ،‬وظهر‬
‫اقتصاد جديد نتج عنه مشاكل سياسية جديدة‪ ،‬وفي خلفية كل ذلك تب ّد ل وعي اإلنسان‪(.‬‬

‫الرقمية‪ ،‬وحلّها مكان الوسائل التّقليدية؛ م ّما أثّر على أساليب‬ ‫صحف والمجالت ّ‬ ‫•انتشار ال ُكتب وال ُّ‬
‫التّعبير والكتابة‪.‬‬
‫•زيادة متطلّبات الحياة التي يجب على الفرد توفيرها واقتنائها؛ مما يُكلّف األفراد ِحمال جديدا لتوفير‬
‫هذه اإلمكانيّات‪ ،‬فلم يكن من الضّروري سابقا اقتناء العائلة للتلفاز واألدوات التكنولوجيّة الخاصة‬
‫ي عائلة احتما َل غياب هذه األجهزة‪.‬‬ ‫بأعمال المنزل‪َ ،‬بي َد أنّه ال يُمكن أل ّ‬
‫ّ‬
‫بالطاقة‬ ‫حيث ال تَعم ُل معظم أدوات التّكنولوجيا إال‬ ‫ُ‬ ‫الطلب على مصادر ّ‬
‫الطاقة الكهربائية؛‬ ‫•زيادة ّ‬
‫الكهربائية؛ م ّما أدخل ال ُمجتمعات في أنماط حديثة من االستهالك‪.‬‬
‫•أدّى انتشار التكنولوجيا إلى توفير مواد تعرض العنف بين األفراد في المجتمعات سواء أكانت‬
‫صغار بشكل كبير بهذه األلعاب‬ ‫صغار‪ ،‬ويتأثّر ال ّ‬ ‫ُمسلسالت أم ألعابا إلكترونيّة مو ّجهة للكبار وال ّ‬
‫والمسلسالت الكرتونية التي تعرض العنف بأسلوب مباشر أو غير مباشر؛ مما يؤثّر على سلوكاتهم‪.‬‬
‫•ابتعاد األفراد عن المجتمع؛ مما يُر ّغبهم في العزلة عن ُمجتمعهم‪.‬‬
‫حيث يزدادُ عدد مستخدمي اإلنترنت يوما بعد يوم‪ ،‬ويص ُل الكثير منهم‬ ‫ُ‬ ‫•اإلدمان على اإلنترنت؛‬
‫لمرحلة اإلدمان على استخدامه؛ مسبّبا لهم كثيرا من المشاكل األسرية والصحيّة وال ُمجتمعية‪.‬‬
‫حيث تعزلهم عن النّاس‬ ‫ُ‬ ‫•تيسير الطريق أمام من يريد ممارسة السّلوكات الخاطئة كإدمان ال ُمخدّرات؛‬
‫وتخلق لهم واقعا افتراضيا؛ م ّما يزيد حياة الفرد تعقيدا‬ ‫ُ‬ ‫وتجعلهم في حالة هروب من الواقع الحقيقي‪،‬‬
‫ويوقعه في مشاكل ال حصرلها‪.‬‬
‫•تعطيل قدرات العقل؛ إذ كلما زاد اعتماد اإلنسان على أدوات التّكنولوجيا كالحاسوب‪ ،‬كلّما ق ّل‬
‫بالتالي استخدامه لعقله وذاكرته؛ األمر الذي سيؤدّي لش ّل القدرة على التّفكير وتعطيل قدرات العقل‬
‫في مراحل ُمتقدّمة‪.‬‬
‫حيث يستطيع الم رء الحصول على المعلومات بخطوات قليلة‬ ‫ُ‬ ‫•تعويد اإلنسان على االتّكال؛‬
‫ُمختصرة‪ ،‬م ّما أدّى إلى حبس القدرات اإلبداعية والح ّد منها‪.‬‬
‫صناعة والزراعة‪ ،‬م ّما‬ ‫•زيادة نسب البطالة؛ وذلك بسبب ازدياد استخدام التّكنولوجيا في مجاالت ال ّ‬
‫أدّى إلى االستغناء عن بعض جهود اإلنسان في تسيير هذه المجاالت‬
‫‪-3‬عالقة العلم بمشكالت العصر‪.‬‬
‫إن العلم والتكنولوجيا وجهان لعملة واحدة‪ ،‬ومرتبطان بمشكالت العصر وقضاياه المصيرية ‪.‬هذه‬
‫حقيقة مؤكدة نستشعرها بوضوح في واقعنا المعيش‪ ،‬بعد أن أصبح في حكم المسلم به أن العلم‬
‫والتكنولوجيا يؤديان دورا أساسيا ال غنى عنه في تنمية المجتمعات الم ختلفة على جميع المستويات ‪.‬‬
‫ذلك أن التقدم العلمي والتقني ال يسهم فقط في اكتشاف استخدامات جديدة للموارد الموجودة وزيادة‬
‫إنتاجيتها‪ ،‬بل يسهم أيضا في الكشف عن موارد جديدة‪ ،‬واستحداث طرق مبتكرة‪ ،‬وفتح آفاق أوسع‬
‫ومجاالت أرحب‪ ،‬تؤدي كلها في النهاية إلى تحقيق التنمية الشاملة بمختلف أبعادها‪ ،‬بما في ذلك زيادة‬
‫اإلنتاج وتحسين نوعية المنتجات ذاتها‪.‬‬
‫لكن هذه التطورات في التكنولوجيا له آثار جانبية تؤثر بهذا العصر وهي‪:‬‬
‫اآلثار اإليجابية‪:‬‬
‫•التطور في شتى مجاالت الحياة لدى المجتمع‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫•تسهيل الحياة اليومية لألفراد وتيسرها‪.‬‬
‫•تقريب الشعوب واختصار المسافات بينهم‪.‬‬
‫•تطوير قدرات األفراد عبر إتاحة وسائل التعلم كافة‪.‬‬
‫•تطوير ثقافة األفراد وتوسيع مداركهم‪.‬‬
‫•تطوير جوانب االقتصاد والطب والتعليم‪.‬‬
‫أما اآلثار السلبية فهي كثيرة في المجتمع من بينها االستخدام السيء لهذه التّكنولوجيا في تطوير القنابل‬
‫الذرية والمتفجرات مثل إلقاء القنبلة الذرية على جزيرة هيروشيما‪ ،‬والتلوث البيئي والتأثير على‬
‫الحياة‪ ،‬فاالختراعات الحديثة التي توصل إليها االنسان عن طريق العلم الحديث إلى إحداث الضرر‬
‫بالنظام البيئي الطبيعي من خالل مخلفات هذه االختراعات الحديثة التي أدت إلى اال حتباس الحراري‪،‬‬
‫وإحد اث الثقب في طبقة األوزون‪ ،‬وهذا أدى إلى خلل في األنظمة البيئية المختلفة‪ ،‬وهدد حياة العديد‬
‫من الكائنات الحية ‪.‬فاالختراعات الحديثة تنتج عنها أمراضا كثيرة‪ ،‬ومن بين هذه االختراعات‬
‫الحاسوب‪ ،‬فالحاسوب بدوره له أضرار كثيرة فهو يدمر قدرات العقل إذ كلما زاد اعتماد اإلنسان على‬
‫الحاسوب كلما قل بالتالي استخدامه لعقله وذاكرته‪ ،‬األمر الذي سيؤدي لشل القدرة على التفكير وتعطيل‬
‫قدرات العقل في مراحل متقدمة‪ ،‬وتعود اإلنسان على االتكال‪ ،‬حيث يستطيع المرء الحصول على‬
‫المعلومات بخطوات قليلة مختصرة‪ ،‬و توفير مواد تعم العنف بين االفرا د في المجتمعات سواء كانت‬
‫مسلسالت أم ألعابا إلكترونية موجهة للكبار والصغار‪ ،‬ويتأثر الصغار بشكل كبير بهذه االلعاب‬
‫االلكترونية التي تعرض العنف بأسلوب مباشر أو غير مباشر‪ ،‬مما يؤثر على سلوكاتهم‪.‬‬
‫زيادة على هذه اآلثار السلبية هناك أمراض وليدة هذه االختراعات‪ ،‬ومن بينها الناتجة عن ظاهرة‬
‫الضباب االلكتروني ‪) smog) -E‬وهذه الظاهرة تعود الى االكثار من استخدام االتصاالت الالسلكية‬
‫والموجات الكهرومغناطيسية الصادرة عن االجهزة الكهربائية‪ .‬فلنتخيل عدد الموجات الصادرة من‬
‫اجهزة مثل االذاعة والتلفزيون واألقمار الصناعية‪ ،‬ناهيك عن الهواتف النقالة وأجهزة الميكروويف‬
‫المنزلية‪ ،‬وغيرها من األجهزة التي ال يستطيع االنسان اليوم‪ ،‬في حياته اليومية االستغناء عنها‪.‬‬
‫وكما يقول أحد الباحثين اننا لو استطعنا رؤية هذه الموجات لعشنا بظالم دامس من كثرتها‪ .‬وهذه‬
‫األشعة المنبعثة من االختراعات قد ينتج عنها اصابة العين بالمياه الزرقاء‬
‫)‪(Cataracts‬زيادة على ذلك فهو خصوصا لدى النساء عند استخدام الحاسوب في فترات الحمل‪،‬‬
‫فقد ينتج عنه وجود تشوهات خلقية بالجنين أو سقوطه في بعض األحيان ‪.‬و قد أثبتت الدراسات أن‬
‫حاالت اإلجهاد البصري ‪ Eye strain‬ت زداد بنسبة ‪ 55 %‬لدى مستخدمي الحاسوب مقارنة‬
‫بنظرائهم مستخدمي اآللة الكاتبة العادية‪ ،‬وينصح الخبراء بعدم الجلوس أمام شاشات الحاسوب لمدد‬
‫طويلة‪ ،‬وإذا كان ال بد من ذلك فإن على مستخدم الحاسوب أن يحصل على استراحة من آن آلخر‬
‫حتى يريح أعصاب العين‪ ،‬كما أن استخدام األنواع الجيدة من الشاشات يعمل على الحد من حاالت‬
‫اإلجهاد البصري‪ ،‬و ينتج عن الجلوس الغير المريح أمام هذه االختراعات الحد من تدفق الدم إلى‬
‫أجزاء الجسم ووجود الدوالي في االرجل وتقوس الظهر وآالم في الرقبة ‪.‬زيادة عن االمراض‬
‫فأصبحت اآلن مخاطر جديدة تخرب هذه االختراعات وهي الفيروسات( ‪) les virus‬التي أصبحت‬
‫صنعت عمدا بغرض‬ ‫منتشرة في عالم األنترنيت وهي نوع من أنواع البرمجيات التخريبية الخارجية‪ُ ،‬‬
‫تغيير خصائص ملفات النظام ‪.‬تتكاثر الفيروسات عن طريق توليد نفسها بنس خ شفرتها المصدرية‬
‫وإعادة توليدها‪ ،‬أو عن طريق إصابة برنامج حاسوبي بتعديل خصائصه ‪.‬إصابة البرامج الحاسوبية‬
‫يتضمن‪ ،‬ملفات البيانات‪ ،‬أو قطاع البوت في القرص الصلب‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مصطلح" الفيروس "يشيع استعماله خطأ بقص د أنواع أخرى من البرامج الخبيثة ‪.‬والبرامج الخبيثة‬
‫تشمل الفيروسات إلى جانب العديد من البرمجيات التخريبية األخرى‪ ،‬كديدان الحاسوب‪ ،‬وحصان‬
‫طروادة‪ ،‬وبرمجيات الفدية‪ ،‬وراصد لوحة المفاتيح‪ ،‬والروتكت‪ ،‬وبرمجيات التجسس‪ ،‬واآلدوير‬
‫وغيرها‪ ،‬وغالبية تهديدات البرمجيات الخبيثة األخرى تندرج تحت نفس مفهوم حصان طروادة أو‬
‫ديدان الحاسوب بدال من تصنيفهم كفيروسات ‪.‬ظهر مصطلح فيروس الحاسوب ألول مرة عام ‪1985‬‬
‫م من قبل مهندس الحاسوب فرد كوهين‪ ،‬وقد كان اسما مغلوطا ‪ .‬الفيروسات غالبا ما تنفذ نوع من‬
‫أنواع األنشطة التخريبية على الحواسيب المصابة‪ ،‬كاالستحواذ على مساحة القرص الصلب أو على‬
‫جزء من المعالج‪ ،‬أو الوصول إلى معلومات خاصة أو سرية أو شخصية‪ ،‬كأرقام البطاقة االئتمانية‪،‬‬
‫إفساد البيانات‪ ،‬إظهار رسائل سياسية أو رسائل هزلية مزعجة على شاشة المستخدم‪ ،‬رصد لوحة‬
‫مفاتيح المستخدم ومعرفة ما يكتب‪ ،‬إرسال رسائل بريدية غير مرغوب فيها لجهات اتصال المستخدم ‪.‬‬
‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬إال أن ليس جميع الفيروسات تحمل الطابع التخريبي أو طابع إخفاء نفسها ‪.‬أما‬
‫أعراض االصابة الجهاز بالفيروسات هي كالتالي‪:‬‬
‫•تكرار رسائل الخطأ في أكثر من برنامج‪.‬‬
‫•ظهور رسالة تعذر الحفظ لعدم كفاية المسا حة‪.‬‬
‫•تكرار اختفاء بعض الملفات التنفيذية‪.‬‬
‫•حدوث بطء شديد في بدء تشغيل] نظام التشغيل [أو تنفيذ بعض التطبيقات‪.‬‬
‫•رفض بعض التطبيقات للتنفيذ‪.‬‬
‫فعند تشغيل البرنامج المصاب فإنه قد يصيب باقي الملفات الموجودة معه في القرص الصلب أو‬
‫المرن‪ ،‬لذا يحتاج الفيروس إلى تدخل من جانب المستخدم كي ينتشر‪ ،‬بطبيعة الحال التد خل عبارة‬
‫عن تشغيله بعد أن تم جلبه من البريد اإللكتروني أو اإلنترنت أو تبادل األقراص المرنة‪.‬‬
‫تعمل الفيروسات بطبيعتها على تعطيل عمل الحاسوب أو تدمير ملفاته وبرامجه ‪.‬هناك فيروسات‬
‫تعمل على خلق رسائل مزعجة وأنواع تعمل على تشغيل برامج غير مطلوبة وأنواع تعمل على‬
‫إشغال المعالج بحيث تبطئ سرعة الحاسوب أو سرقة بيانات من حاسوب المستخدم مثل أرقام‬
‫الحسابات وكلمات السر أو أرقام بطاقات االئتمان وبيانات مهمة أخرى‪ ،‬وهذه أهم أهداف الفيروسات‬
‫الحديثة وبرامج التجسس التي يتم تطويرها يوما بعد يوم‪.‬‬
‫زيادة هذا أصبح بعض المتسللين الذين يطلعون على المعلومات الخاصة و برامج الحاسوب و‬
‫المعروفين بالهاكرز < ‪> Hackers‬أو قراصنة الكمبيوتر فإن تطورهم يضيف مزيدا من الغموض‬
‫و التشويق على قضيتهم‪ ،‬فقد ساهم اإلعالم و السلطات الحكومية باإلضافة للمؤسسات الكبرى العاملة‬
‫في مجال تكنولوجيا المعلومات الرقمية و البرمجيات في تصوير الهاكرز باعتبارهم مجرمين أو على‬
‫األقل مرضى نفسيين على مستوى عال من الذكاء هدفهم الظهور و إثبات الذات و إلحاق األذى‬
‫باآلخرين‪.‬‬
‫و الحقيقة أننا يمكن أن نميز ثالثة أنواع من النشاط تحت ما يسمى> الهاكرز <أو قراصنة الكمبيوتر‬
‫و الشبكات‪:‬‬
‫•النوع األول هم المبرمجين الذي يعتبرون أنفسهم الهاكرز الحقيقيين و الورثة الحقيقيين للهاكرز‪،‬‬
‫ففعل االقتحام و التسلل لديهم ال يهدف إلى اإليذاء‪ ،‬و ضمنيا ال يخترق األجهزة الشخصية و إنما فقط‬
‫الشبكات الكبرى و الهدف هو المشاركة الحرة للمعلومات و رفض احتكار المعرفة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫•النوع الثاني من نشاط الهاكرز يهدف إلى االستفادة و االثارة بالتالعب بشركات االتصال و‬
‫البرمجيات و بعد االختراق سنتراالت شركات االتصال و استغاللها من أقدم اشكال القرصنة و قد‬
‫ازداد بشكل كبير مع استخدام اإلنترنيت‪ ،‬األمر الذي دفع الشركات في النهاية إلى الدخول مع شركات‬
‫اإلنترنيت في مجال االتصال عبر االنترنيت بعد أن فشلت في إيقافه‪.‬‬
‫•النوع الثالث هو األكثر شهرة حيث يهدف التسلل إلى تخريب األنظمة و ربما األجهزة‪ ،‬و يتم ذلك‬
‫إما بشل المواقع على الشبكة و تعجيزها عن العمل أو بزرع الفيروسات المدمرة أو الملفات القادرة‬
‫على سرقة ملفات المعلومات من األجهزة أو المواقع المستهدفة ‪.‬و ليس من الشك أنها أعمال ت‬
‫خريبية و ربما كانت مثل هذه األعمال المقصودة األن باألعمال اإلجرامية أو اإلرهابية ‪.‬فربما ترتكب‬
‫هذه األعمال ألسباب شخصية كاالبتزاز أو إثبات الذات أو حتى لمجرد فعل الشر__‪.‬‬
‫‪ 3.2.2‬عالقة العلم بالتكنولوجيا ‪:‬‬
‫لقد ساد االعتقاد بأن العلم والتكنولوجيا هما شيء واحد‪ ،‬وهذا اعتقاد خاطئ؛ فالعلم هو بناء من المعرفة العلمية‬
‫المنظمة والتي توصل إليها اإلنسان‪ ،‬بينما التكنولوجيا هي التطبيقات العملية للمعرفة التي توصل إليه اإلنسان‪ .‬فنوع‬
‫العالقة بينهما هي عالقة تبادلية‪ ،‬فالعلم يمد التكنولوجيا باألسس والنظريات والمعرفة التي تقوم عليها التطبيقات‬
‫العلمية‪ ،‬كما أن التطبيقات العم لية تمد البحوث العلمية بمشكالت ينتج عن دراستها التوصل إلى معرفة جديدة‪.‬‬

‫اإلعالم و التنمية‪:‬‬ ‫‪.III‬‬

‫إن مصطلحي اإلعالم ‪ ،‬والتنمية ‪ ،‬من المصطلحات التي فرضتها طبيعة التطور المجتمعي ‪ ،‬والعولمي ‪ ،‬حيث إن‬
‫كالً منهما يشكل عنصرا ً أساسيا ً من عناصر الحضارة ‪ ،‬وآليات تقدمها ‪ .‬وقد قيل قديما ً إن االقتصاد عصب الحياة‬
‫‪ ،‬واآلن صار للحياة عصب آخر هو اإلعالم‪.‬‬
‫‪ .1‬اإلعالم‪:‬‬
‫االعالم هو عملية جمع المعلومات و تبادلها و نشرها‪ ،‬و استخدام العلم الحديث في عملية الجمع و التصنيف و‬
‫اإلخراج و التكنولوجيا المتقدمة في عملية اإليصال للجمهور المعدني و استقبالها‪،...‬بإتباع األسلوب المناسب‬
‫نفسيا و اجتماعيا لعرضها و محاولة إقناع الجمهور المخاطب بها ‪ ،‬و ذلك ضمن إطار ديمقراطي يؤمن بالمشاركة‬
‫‪ ،‬و يحدد أولويات العلم بناء على واقع المجتمع و احتياجاته المستقبلية‪.‬‬
‫االعالم اإللكتروني‪:‬‬ ‫‪2-1‬‬

‫‪30‬‬
‫االعالم اإللكتروني هو اإلعالم الذي يتم عبر الطرق االلكترونية وعلى رأسها اإلنترنت‪ ،‬يحظى هذا النوع من‬
‫اإلعالم بحصة متنامية في سوق اإلعالم وذلك نتيجة لسهولة الوصول إليه وسرعة إنتاجه وتطويره وتحديثه كما‬
‫يتمتع بمساحة أكبر من الحرية الفكرية‪ .‬تعد التسجيالت الصوتية والمرئية والوسائط المتعددة األقراص المدمجة‬
‫واإلنترنت أهم أشكال اإلعالم اإللكتروني الحديث‪.‬‬

‫خصائص االعالم االلكتروني ‪:‬‬ ‫‪3-1‬‬


‫يتمتع اإلعالم اإللكتروني بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن بقية أنواع اإلعالم األخرى من بينها‪:‬‬
‫خاصية االنفتاحية ‪:‬ونسبة كبيرة منه تتسم باالستقاللية عن المؤسسات الحكومية‪ ،‬وهو نوعا ما مجاني وساهم‬
‫إلى حدود معينة في إضعاف الهيمنة الكبيرة لرأس المال والشركات الكبرى والحكومات على اإلعالم في العالم‪.‬‬
‫خاصية المرونة ‪ :‬تبرز خاصية المرونة بشكل جيد بالنسبة للمتلقي (مستخدم االنترنت) إذ يمكن له إذا كان لديه‬
‫الحد األدنى من المعرفة باألنترنت أن يتجاوز عددا ً من المشكالت االجرائية التي تعترضه‪ ،‬وكلما ازدادت قدرات‬
‫الكومبيوتر تزداد مرونة التعامل مع االنترنت من الناحية التقنية‪ ،‬أما على المستوى اإلعالمي فتبرز خاصية‬
‫المرونة من خالل قدرة المستخدم على الوصول بسهولة إلى عدد كبير من مصادر المعلومات والمواقع وهذا ما‬
‫يتيح له فرصة انتقاء المعلومات التي يراها جيدة وصادقة والتمييز بينها وبين المواقع التي تقدم معطيات مزيفة‬
‫مع العلم أن القدرة على تزييف المعلومة قد ازدادت كثيرا ً مع ظهور االنترنت الذي سهل كثيرا ً من عمليات تركيب‬
‫الصور وتعديل األصوات وغيرها‪.‬‬
‫خاصية الشمولية ‪ :‬أي التنوع والشمول في المحتوى‪ ،‬إذ كان اإلعالمي في االعالم التقليدي يعاني من مشكلة‬
‫عدم وجود فسحة كافية أو مساحة مخصصة لطرح موضوع أو إنجاز عمل إعالمي أو كتابة مقالة في الوسائل‬
‫المقروءة أو المسموعة أو المرئية‪ ،‬لكن بفضل االنترنت الذي سمح بأنشاء مواقع ومدونات وصحف ومجالت‬
‫الكترونية‪.‬‬
‫خاصية التوفر ‪:‬فاألعالم االلكتروني متوفر دائما إذ يمكن لإلعالمي أو المواطن أن يحصل على أية معلومة تم‬
‫نشرها على موقع الكتروني أو صحيفة الكترونية دون طلب الرخصة إلعطائه تلك المعلومة وفي أي وقت كان‪،‬‬
‫ويوفر أرشيفا ً إعالميا ً إلكترونيا ً للجميع دون قيود‪.‬‬
‫سمات اإلعالم اإللكتروني‪:‬‬ ‫‪4-1‬‬
‫يتسم اإلعالم اإللكتروني بعدد من السمات أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬سرعة انتشار المعلومات ووصولها إلى أكبر شريحة وفي أوسع مجتمع محلي ودولي وفي أسرع وقت وأقل‬
‫تكاليف والنقل الفوري لألخبار واألحداث والوقائع ومتابعة التطورات التي تطرأ عليها مع قابلية تعديل وتحديث‬
‫وتجديد األخبار والنصوص اإللكترونية في أي وقت‪ ،‬مما جعله ينافس الوسائل االعالمية التقليدية‪.‬‬
‫‪ -‬توفير للوقت والجهد والمال‪ ،‬فاإلعالم اإللكتروني ال يحتاج إلى مقر واحد ثابت يحوى كل الكادر اإلعالمي ألنه‬
‫يبث عبر االنترنت فهو ال يحتاج إلى توفير المباني والمطابع والورق ومستلزمات الطباعة ومتطلبات التوزيع‬
‫والتسويق‪ ،‬والعدد الكبير من الموظفين والمحررين والعمال‪ ،‬مما يقلل ذلك من حجم التكاليف المالية مقارنة‬
‫باألعالم التقليدي‪ .‬وغالبا ما يعتمد اإلعالم اإللكتروني على التمويل من خالل االعالنات‪.‬‬
‫‪ -‬يوفر أرشيف وقاعدة معلوماتية لإلعالمي في كل وقت‪ ،‬إذ يوفر االعالم االلكتروني فرصة حفظ أرشيف‬
‫الكتروني سهل االسترجاع غزير المادة‪ ،‬حيث يستطيع الزائر أو المستخدم أن يبحث عن تفاصيل حدث ما أو يعود‬
‫إلى مقاالت قديمة بسرعة قياسية بمجرد أن يذكر اسم الموضوع‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -‬إتاحة الفرصة للشباب وشرائح المجتمع كافة للمساهمة بإبداعاتهم وهواياتهم‪.‬‬
‫‪ -‬توسيع دائرة التنافس اإلعالمي بين المواقع والمنتديات والصحف والمجالت اإللكترونية المختلفة من خالل ما‬
‫تقدمه من مقاالت وبرامج تعليقات تميز أحدها عن األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬تنامي دور القطاع الخاص في مجال العمل اإلعالمي‬

‫‪ .2‬التنمية‪:‬‬
‫هي عنصر أساسي لالستقرار و التطور اإلنساني و االجتماعي و هي عملية تطور شامل أو جزئي مستمر و تتخذ‬
‫أشكاال مختلفة تهدف إلى الرأي اإلنساني إلى الرقي الرفاه و االستقرار و التطور بها يتوافق مع احتياجاته و‬
‫إمكانياته االقتصادية و االجتماعية و الفكرية ‪ ،‬و تعتبر وسيلة اإلنسان و غايته‪.‬‬
‫اشكال التنمية‪:‬‬ ‫‪1-2‬‬
‫التنمية الثقافيّة الفكريّة ‪:‬هي التي تعتمد على تحسين ثقافة األفراد وزيادة الوعي لديهم‪ ،‬ويكون ذلك من خالل‬
‫عدة طرق منها تعميم التعليم للجميع ومحاربة األمية‪.‬‬
‫عالقة االعالم بالتنمية ‪:‬‬ ‫‪2-2‬‬
‫يرى المهنيون أن وسيلة اإلعالم المجتمعية تتميز عن وسيلة اإلعالم األخرى المعروفة فهي فاعلة و مختلفة‬
‫تسعي لجعل المجتمع مكانا أفضل للعيش وتعمل علي زيادة مشاركة الجمهور في التنمية االجتماعية و االقتصادية‬
‫و الثقافية في المجتمع‪ ,‬و تعمل علي إيجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع من جهتها عرفت سلطة‬
‫االتصال البريطانية اإلذاعة المجتمعية بالتحديد علي أنها نوع جديد من اإلذاعات ترتكز علي تحقيق منافع اجتماعية‬
‫محددة تعني المجتمع أو فئة من المستمعين في مساحة جغرافية صغيرة وهدا تعريف ينطق أيضا علي التلفزيون‬
‫المجتمعي مع بعض الختالفات الفنية لوجود الصور فيه و يعتبر "ابو عرقوب " انه من أهم ركائز وسيلة اإلعالم‬
‫المجتمعية أنها ال تهدف إلى الربح أو توزيع األرباح وهي مستقلة توفر المنفعة للمجتمع في التعليم واالقتصاد‬
‫والتدريب وزيادة الخيرات لدى أفراد المجتمع ومنح الفرص للمجتمعات التي تخاطبها لتعبير عن ذاتها بنفسها إلى‬
‫جانب سمة تطور أفراد المجتمع للعمل في هده الوسيلة اإلعالمية‪.‬‬
‫‪ ‬نخلص في نهاية هذا المحور تطرق إلى نقاط أساسية عن النظر في عالقة اإلعالم بالتنمية‪ ،‬حيث تأكد لنا ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫التنمية‪ :‬تحتاج لوعي جماهيري شعبي وهذا الوعي هو من صنائع اإلعالم‪.‬‬
‫اإلعالم‪ :‬من وسائل تحقيق التنمية‪ ،‬فهو آلية ضمن آليات االنتشار التنموي على المستوى االقتصادي والبشري‬
‫بعامة (اإلعالم آلية تنموية( عالقتهما ارتباطية متفاعلة ليست صورية وال وهمية وال معطلة‪.‬‬
‫التنمية ال يمكن التحقق في أي مجتمع دون أن تسبقها خطط وتجهيزات يأتي اإلعالم على رأسها‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫ان التكنولوجيا والمعلوميات مفهومان أصبح لهم دور جد مهم في عصرنا الحالي‪ ،‬حيث وصل االنسان الى درجة‬
‫من المستحيل العيش بدونها‪ .‬و منه أصبح لها تاتير على اللغة‪ ،‬االعالم و التنمية‪ .‬ان هدا التطورالذي يتميز بالسرعة‬
‫الفائقة‪ ،‬يخلف مجموعة من االضرار و االخطار على حياة االنسان او باالحرى على حياة الكائنات الحية على وجه‬
‫االرض‪.‬‬
‫فهل يستطيع االنسان ان يواكب هده الموجة الرقمية بجميع اضرار؟‬

‫‪32‬‬
‫الحداثة والتراث‬

‫‪33‬‬
34
‫مقدمة‬

‫يعد التراث والحداثة من أهم المفاهيم التي انشغل بها الفكر العربي الحديث والمعاصر‪،‬‬
‫منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين‪ ،‬وما يزال النقاش حول التراث‬
‫مستمرا إلى يومنا هذا‪ .‬اختلفت النظريات واآلراء لدى المفكرين والباحثين حول طريقة‬
‫معالجتهم وفهمهم له ذه القضية‪ ،‬إال أن هناك ثالث نظريات عامة حول التراث‪ ،‬منها‬
‫النظرة التقديسية للتراث‪ ،‬والتي سميت باالتجاه السلفي‪ ،‬وهي تقوم على إحياء الماضي‬
‫وبعثه من جديد؛ أما النظرة الثانية فهي ذات طابع تغريبي ليبرالي‪ ،‬ترفض الرجوع إلى‬
‫ال تراث؛ بينما كانت هناك نظرة ثالثة توافقية‪ ،‬تقوم على الجمع بين إيجابيات العودة‬
‫إلى الماضي وإيجابيات االنفتاح على الغرب ‪.‬كما ان المجتمع المدني يعد من ركائز‬
‫االساسية و المهمة في بناء مجتمع حديث‪ ,‬يقوم على صناعة القرار و يعمل على تطوير‬
‫جميع اللقطات ‪ ,‬من اجل مجتمعات عربية حديثة‬
‫مفاهيم أساس‬
‫الحداثة ‪:‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫المدن‪،‬‬ ‫الذهن والرصاع‬ ‫اساسيي‪ ،‬طال من أجلهما الكفاح‬ ‫مفهومي‬ ‫تتجسد الحداثة من حيث محتواها ف‬
‫وهما مفهوم الذاتية ومفهوم الحرية‪ .‬وقد امتد هذا الكفاح ليشمل مسائل عديدة من مجاالت الذوق والفن‬
‫أكث ر‬
‫فأكث‪.‬‬ ‫بي االمم والطبقات‪ ،‬أمال نف تعزيز مكتسبات الحرية والذاتية ر‬‫والعلم والفكر والسياسة والعالقة ن‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫األلمان كانط سنة ‪0224‬مجيبا عن سؤال‪ :‬ما األنوار؟ ف قولته‬ ‫المعن ه الن عرفها الفيلسوف‬ ‫والحداثة بهذا‬
‫ن‬
‫المشهورة‪ " :‬األنوار خروج اإلنسان من حالة الوصاية الن تسبب فيها بنفسه والن تتمثل ف عجزه عن‬
‫استخدام فكره دون توجيه من غثه ‪ ...‬أقدم عىل استخدام فكرك‪ :‬ذلك هو شعار األنوار"‪ ،‬ثم استطرد قائال‪:‬‬
‫ن‬
‫ولكن إلشاعة تلك األنوار ال يشثط سء آخر سوى الحرية ف أبرز مظاهرها كاستخدام العقل عالنية من كل‬
‫زواياه "‪.‬‬
‫ن‬
‫الحداثة تؤدي حتما إىل النسبية الشاملة‪ ،‬ف مجاالت العلوم والفنون والفلسفة واألخالق‪ .‬وقد أشار المفكر‬
‫المغرن عبد هللا العروي إىل ذلك بقوله‪ :‬اإلنسان الحديث هو رجل التنازالت‪ ،‬رجل التفاوض والتصالح‪".‬‬
‫الث اث‪:‬‬
‫ن‬
‫الماض ونهجا يستفيد منه األجيال‬ ‫خالصة مخلفات األجيال السابقة لألجيال القادمة فتكون عثة من‬
‫ن‬
‫الحاض إىل المستقبل‪,‬‬ ‫الالحقة ليعثوا بها ومنها من‬
‫التقليد‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫هو اتباع اإلنسان لغثه فيما يقوله أو يفعله معتمدا الحقيقة فيه من غث بحثه عن الدليل و بالتاىل فالتقليد‬
‫هو قبول فعل أو قول ما دون حجة ‪.‬‬
‫التحديث‪:‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫الحسين‪ ،‬و ف السياق االجتماع فهو نموذج محدد للتغيث ف المجتمع‬ ‫اكتساب طابع غرن حسب السيد‬
‫ويستهدف األحداث الن تغث الجوانب االقتصادية‪ ،‬السياسية واالجتماعية‪.‬‬
‫المجتمع‪:‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫عبارة عن مجموعة من الناس الن تشكل النظام مصف مغلق وتشكل شبكة عالقات ن‬
‫المعن‬ ‫بي الناس‪ .‬أما ف‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫القواني‬ ‫المادي فه مجموعة من الناس تعيش ف نفس الموقع الجغراف وضمن جماعة منضمة تقيدها نفس‬
‫واللغة‬

‫‪ .I‬المجتمع العربي بين التقليد والتحديث‪:‬‬


‫‪ .8‬الحداثة و العولمة ‪:‬‬
‫يف هذا اإلطار ‪ ,‬قد أجاب األستاذ " محمد سبيال " عن سؤال مدى تالئم مجتمعنا مع الحداثة يف زمن العولمة‬
‫االقتصادية و السياسية و الثقافية ‪,‬حيث يمكن اعتبار العولمة بمثابة ذروة قصوى للحداثة أو إنها الحداثة يف‬
‫الت تمثلها‬ ‫ر‬
‫عنفوانها و قوتها و شاستها و يف ذروة سيطرتها االقتصادية و المالية و التقنية ‪ ,‬لذلك فإن الحداثة ي‬
‫الت تتلقاها ردود أفعال و تولد اسياتيجيات دفاعية قوية ‪ ,‬ألن الحداثة عندما تشحذ‬
‫تستثي لدى الشعوب ي‬ ‫ر‬ ‫العولمة‬
‫ر‬
‫آلياتها و تجعلها أكي حدة ومضاء يتململ التقليد و تستفيق ذاكرته و يحاول أن يدافع عن نفسه ‪ ,‬فهناك دائما‬
‫ه أن الحداثة كلما كانت فاعلة و قوية و مفككة للمجتمعات التقليدية و لثقافتها ‪ ,‬كلما‬ ‫حضور لهذه المفارقة و ي‬
‫استفاقت هذه المجتمعات و أبدت ردود فعل رافضة و هذا ما يفرس أن المجتمعات العربية و اإلسالمية أو‬
‫المجتمعات الثالثية كانت ف مرحلة أوىل‪ -‬ف بداية القرن ر‬
‫العرسين إىل حدود الستينات أو السبعينات ‪ -‬تتطلع إىل‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الحداثة و كان الفكر السائد هو التوفيق ربي التقليد و المعارصة ‪ ,‬و يف هذا اإلطار يندرج فكر "محمد عبده" ربما و‬
‫العرب الحديث ألن الحداثة لم تكن يف تلك المرحلة قد أظهرت أشواكها‬ ‫ي‬ ‫كل المحاوالت التوفيقية يف الفكر‬
‫تبي حدتها ‪ ,‬بدأت هذه المجتمعات تيز‬ ‫الوع التقليدي لكن فيما بعد و مع تقدم الحداثة و ر‬ ‫ي‬ ‫المختلفة و وخزت‬
‫وع متأخر‬ ‫ه بمثابة ي‬ ‫الثقاف لألخر وظهرت مواقف ي‬
‫ي‬ ‫السياس أو الرفض‬
‫ي‬ ‫ردود فعل تتمثل يف أشكال من اإلسالم‬
‫زمنيا‪.‬‬
‫العرب ‪:‬‬
‫ي‬ ‫‪ .1‬الحداثة يف المجتمع‬
‫‪ -‬األستاذ عبد هللا العروي ‪:‬‬
‫العرب األستاذ "عبد هللا العروي" الذي ما فت ينبه إىل أن‬
‫ي‬ ‫المتحدثي يف موضوع الحداثة يف المجتمع‬‫ر‬ ‫نجد من أهم‬
‫الحداثة صارت تكتسح كل المجاالت و أن ال أحد صار بإمكانه وقفها ‪ .‬و ذلك بحيث أنها أخذت تنتقل من المعمل‬
‫إىل المدرسة إىل األشة فإىل الروح نفسها تستأثر بها‪ .‬وقد وجد أن " روح الحداثة " تنطوي يف أمور ثالثة ‪ :‬العلم و‬
‫غي مطلقة و ذلك ألنه صار‬ ‫فتجل الحداثة يف العلم‪ ,‬يف أن القضية العلمية صارت نسبية ر‬ ‫ي‬ ‫االقتصاد والسياسة ‪.‬‬
‫تجل األمر الحداثة يف كون اقتصاد‬‫ي‬ ‫يمكن يف أي وقت أن تفندها الوقائع أو تدحضها ‪ ,‬أما يف مضمار االقتصاد ‪,‬فإن‬
‫وف مجال السياسة ‪ ,‬الواضح أن حقيقة الديمقراطية أنها نظام سهل اإلنعطاب‬ ‫السوق صار يفقد توازنه بال توقف‪ .‬ي‬
‫بحيث يرسع إليه الكرس و يحتاج دائما إىل الجي‪.‬لم يقترص عل ذلك ‪,‬بل بناها عل عصب مفاهيم ثالثة ‪ :‬أول‬
‫الحداب أنه والعمل سواء ; إذ كلما اتسع نطاق تدخالت العقل‬ ‫ر‬ ‫مقومات الحداثة إعمال العقل‪ ,‬وحقيقة العقل‬
‫ي‬
‫الحديث يف ميدان الزراعة والطب و البيطرة والمالحة والحرب ‪ ,‬ازدادت حداثة "العقل" و"العقالنية" وتوارت‬

‫‪36‬‬
‫ثاب مقوم للحداثة ‪ :‬مقوم الفرد بحيث يرى أن ال حداثة دون نزعة فردية إذ عنده الحداثة‬ ‫قدامتهما الموروثة‪ .‬ي‬
‫تنترص وتنترص معها اليعة الفردانية ‪ .‬ثالث مقومات الحداثة مفهوم الحرية إال أن هذا المقوم مضبوط بضوابط ‪,‬‬
‫األوروب‪ ,‬أي الحرية اإلاقتصادية و اإلاجتماعية و‬
‫ي‬ ‫فهو أوال‪ ,‬ما كان كل مفهوم يكون‪ ,‬و إنما هو مفهوم الحرية‬
‫الغرب ‪.‬‬
‫ي‬ ‫اإلسالم ال يفهم من كلمة حرية إال كيجمة للفكر‬
‫ي‬ ‫العرب‬
‫ي‬ ‫السياسية ‪ ,‬والحال أن المجتمع‬
‫‪ -‬األستاذ طه عبد الرحمن ‪:‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫حي يبسط األستاذ "طه عبد الرحمن" تعقد عالقتنا بالحداثة الغربية ف مفهومي أساسيي ‪ :‬مفهوم‬ ‫ف‬
‫ن‬
‫"االستدراج" ومفهوم "التقليد"‪ .‬فالشأن ف الحداثة الغربية أنها "تستدرجنا"‪ ،‬وقد مارست علينا "الغواية"‬
‫حد "الفتنة"‪ .‬وكأننا باإلنسان العرن صار حاله كحال من أقبل بوجهه عىل ظله واستدبر الشمس و يجري‬
‫فن ينبه إىل "التبعية الفكرية" الن ضنا نحيا‬‫ليلحق ظله فال هو يلحق ظله وقد فاته حظه من الشمس‪ .‬فما ئ‬
‫ن‬
‫عليها ف صلتنا بالغرب‪ ،‬وما ذاك‬
‫ن‬
‫إال بسبب أننا ضنا "نستعجل التقدم الحضاري"‪ ،‬وذلك من غث أن نمحص منطلقاته وننظر ف ماالته‪ .‬و لما‬
‫نثود‬‫فاتنا جانب التمحيص لسبل التقدم المادية المنقولة عن الغرب‪ ،‬فإننا سارعنا إىل األخذ بها من غث أن ن‬
‫بنصيب من الطاقة الروحية والقدرة الخلقية عىل اإلبداع ‪.‬‬
‫الخطيت ‪:‬‬
‫ي‬ ‫األستاذ عبد الكريم‬ ‫‪-‬‬
‫تافييقا‬
‫الخطيت" الذي شأنه شأن األستاذ "طه عبد الرحمان" الذي أطلق لفظ مي ر‬ ‫ي‬ ‫و نجد كذلك األستاذ "عبد الكريم‬
‫اإلسالم‪ ,‬فهو يرى أن الحضارة العربية حضارة مكتملة يف عنرصها‬‫ي‬ ‫العرب‬
‫ي‬ ‫الثقاف‬
‫ي‬ ‫أو الالهوت عل مجمل اإلنتاج‬
‫ه فكر‬ ‫يعت أنها "عاجزة"‪ ،‬من حيث‬ ‫يعت أنها منتهية أو ميتة يف الواقع الحارص وإنما ي‬ ‫يق المؤسس‪ ,‬ال ي‬ ‫الميتافي ي‬
‫ر‬
‫ي أأ‬
‫تعت اإلبداع ال اإلتباع فإنه ألن‬
‫فه ي‬‫واحد عن أن تجدد نفسها إال بأيد من انتفاضة فكر مغاير‪ ,‬الشأن فيها أال تقلد ي‬
‫سء من أمره‪ ،‬و إال انقلب هو إىل "مقلد"‪ .‬إذ ال يمكن أن تكون إال‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الحداب يف ي‬
‫ي‬ ‫يكون المرء "حداثيا " معناه أال يقلد‬
‫إبداعا‪ ،‬و أن ما من تقليد لها إال و هو نسخ‪ ،‬و ما من نسخ لها و إال و هو مسخ‪.‬‬

‫‪ .3‬تجربة المجتمعات العربية مع الحداثة ‪:‬‬


‫ن‬
‫الثان عش‬ ‫للعرب قصة أخرى مع الحداثة‪ ,‬فاألرض العربية أجهضت فيها تجربة التطور والتقدم مند القرن‬
‫القرني السادس والثانن‬
‫ن‬ ‫الميالدي ذلك أن الحضارة العربية الن ازدهرت بموازاة انبثاق وانتشار اإلسالم ن‬
‫بي‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الميالديي انكشت بعد ذلك نتيجة غزو المغول و الظهور التدريج للتقدم األورون الذي بدأ ف تسجيل‬ ‫عش‬
‫نقاط التفوق مند سقوط غرناطة نهاية سقوط الخالفة العثمانية لذلك لم تكن األرض العربية مهد الحداثة و‬
‫ن‬
‫إن كانت قد شهدت تجربة حضارية رائدة ف العرص القديم‪.‬‬
‫وقد ارتبطت تجربة الحداثة عند العرب بتجربة الصدمة االستعمارية فهما متقاربتان ومتالزمتان ومن ثمة‬
‫يمكن أن نقول بأن الحداثة العربية ارتطمت بالعنف و بالغزو االستعماري و باالحتالل و بكش شوكة المقاومة‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫العاميي األخثين للقرن الثامن عش‪1798‬مرورا باحتالل الجزائر سنة ‪ 1830‬و احتالل‬ ‫ابتداء من غزو مرص ف‬
‫فلسطي ‪1948‬مرورا باالحتالل المغرن ‪ .1912‬فالحداثة العربية ه حداثة برانية ال جوانية حداثة مرتبطة‬ ‫ن‬
‫الرض وانكسار الوع واحتالل األرض )ص ‪ 61‬من كتاب دفاعا عن العقل والحداثة) ‪ .‬أال ترون أن‬ ‫بالصدمة و ن‬
‫هذا النوع من الفكر يسقط نف الثدد و التقليد و يسجن نفسه نف أسئلة األخر دون األخذ ن‬
‫بعي االعتبار أسئلته‬
‫ن‬
‫و واقعه الذي مازال يلتمس طريقه بصعوبة نحو الحداثة و يعيش ف جوانب منه ما قبل الحداثة ! ؟‬
‫إن اللهاث وراء ما بعد الحداثة هو لهاث وراء الشاب الذي تحبه ماء رساب التقدم الذي يخطو اآلن بخىط‬
‫ن‬
‫عمالقة ف أوروبا معرفة ال نهائية الكون و ال نهائية المادة وال نهائية الذات و باعتبار هده المعرفة شكل من‬

‫‪37‬‬
‫أشكال إرادة القوة الن تشكل ه أيضا الروح المالزمة للحداثة فإنه كلما خطت الحداثة الغربية خطوات جبارة‬
‫محاولي اقتفاء أثار العمالق الهارب فنحن العرب والمسل ن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫مي‬ ‫ف درب المجهول دلفنا نحن إىل الدروب السفىل‬
‫ن‬
‫لم نعرف ماهية الحداثة ماهيتها الفكرية و الفلسفية كإرادة التحكم ف األرض رسالتها اإلنسان من خالل التحكم‬
‫ن ن‬
‫المعرف ف مكونات المادة والخلية والوع ونريد أن نقفز مع العمالق و نفد السث خلفه ونحن لم نستوف‬
‫الشوط الدنيا لذلك ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫افثض أن موضات ما بعد الحداثة لدينا فف مجاالت النقد األدن والفلسفة) تعكس نوعا من االمتسا التاريج‬
‫ن‬
‫التاريج "محمد سبيال"‬ ‫وعىم األلوان و عربونا نموذجيا عىل العىم الفكري واالفتقار الكامل لحس الوع‬
‫فصفحته ‪64‬من كتاب دفاعا عن العقل والحداثة )‪.‬‬
‫‪ . 4‬أسس الحداثة‪:‬‬
‫وما صارت الحداثة ممكنة إال بفضل قيامها عىل أسس ودعائم تمنح الذهن حرية أكث للتفكث واالشتغال‬
‫ن‬ ‫ر‬
‫وإعادة صياغة نمط العالقات السائدة وفق منظور تحرري وحدان‪ ،‬وف هذا اإلطار يمكن أن نقدم خمس‬
‫مالحظات حول أسس الحداثة ‪:‬‬
‫ن‬
‫‪-‬يرتبط األساس األول بدور العقل ف عالقته بالكون‪ ،‬األمر الذي جعل العقل مكونا من مكونات النظر إىل‬
‫الذات واألشياء والزمن لدرجة أن عرص األنوار كرس هذا اإلجراء واعطاه بعده العقىل‪– .‬ويتعلق‬
‫األساس ن‬
‫الثان بوجود طبيعة لها قوانينها الخاصة‪ ،‬تشكل نظاما يمكن استكشافه بالطرق العلمية‪.‬‬
‫‪-‬ويرتبط األساس الثالث بوجود إرادة بشية لها من الحرية ما يتيح لها التمرد عىل ‪ 3‬الجاهز وإطالق العنان‬
‫للمبادرة الفردية ‪.‬‬
‫ن‬
‫األدن باعتبارها نظاما من التطورات والعالقات‬ ‫ن‬
‫اخثال فكرة الطبيعة إىل حدها‬ ‫‪-‬ويتألف األساس الرابع من‬
‫ن‬ ‫المؤقتة ن‬
‫بي الكائنات الحية والمادة‪ .‬وهكذا أصبح اإلنسان ف عواطفه وسلوكه ولغته ثمرة لبيئته وثقافته‬
‫وتاريخه النفس‪.‬‬
‫ن‬
‫‪-‬وأما األساس الخامس‪ ،‬فيتعلق بالزمن ويتمثل ف النظر إىل التاري خ نظرة استشافية‪ 5 ،‬باعتباره سلسلة من‬
‫ن‬
‫المثايد‪ ،‬فغدا اإلنسان صانع تاريخه‪ ،‬وصار الزمن رصيدا يتجدد ويكتمل‬ ‫األحداث المتصلة تنحو صوب االرتقاء‬
‫بالتدرج‪ ،‬ومن هنا جاءت فكرة التقدم‪ ،‬والتقدم هو طموح الحداثة"‪.‬‬
‫‪.5‬أسس الفكر الحديث ‪:‬‬
‫ن‬
‫عقالن انه خاضع للمنطق إن‬ ‫هده األسس ألخصها في خمس نقط‪:‬أوال مبدأ العقالنية إن الواقع ذو طابع‬
‫ذلك المنطق يمكن التعرف عليه‪ ,‬وبالتاىل ضمان عقلنة مستمرة ومتواصلة لكل مجاالت الحياة منها الجسدية‬
‫الفكرية التنظيمية االقتصادية السياسية االجتماعية ‪.‬‬
‫ن‬
‫ثانيا مبدأ التطور و هو أن كل ما يوجد ف الواقع له حسب و نسب سبق أن لم يكن موجودا وسوف يحدث‬
‫مستقبال‪.‬‬
‫ن‬
‫االفثاض الثالث هو مبدأ التقدم و الذي يتعارض مع مجمل األنساق الميتافثيقية الخرافية األسطورة و‬
‫الالهوتية الن ظلت إىل أمد قريب تمارس و تحتكر مهام التوجيه و تأطث وع الشعوب و المجموعات الفاعلة‬
‫عث التاري خ عىل العموم إما بنظرة تشاؤمية للتاري خ أو بتصورات اعتثت مساره يتسم أحيانا بالركود والجمود‬

‫‪38‬‬
‫ن‬
‫أو بانحباسه ف تحوالت و تعاقبات دائرية ال يمكن االنفالت من قبضتها وال تخطيها وأحيانا أخرى بالعشوائية‬
‫ن‬
‫الفوض و العبثية‪.‬‬ ‫و‬
‫كث عىل اإلنسان وفائدته وقدرته مرة أخرى ‪ ,‬خالفا لجل األنساق‬ ‫المبدأ الرابع هو مبدأ اإلنسانية أي الث ن‬
‫ن‬
‫الفلسفية والفكرية والدينية والعقائدية الن سادت عث القرون و قيمته كفاعل ف التاري خ و كمنتج للتاري خ و‬
‫ن‬
‫ككيان له بعض مجاالت االختبار و دوره الحاسم ف هذا المجال ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫التاريج ألقىص ما‬ ‫المبدأ الخامس هو المركزية و هيمنة الغرب الذي يعتث ف الوقت بمثابة التجسيد الفعىل و‬
‫ن‬
‫وصلت إليه عملية التطور والتقدم و العقالنية ألقىص إنجازات اإلنسان كانسان و بالتاىل فهو ف نفس الوقت‬
‫الطليعة البشية هو مركز اإلنتاج ونموذج من النماذج وهو نفس الوقت واقع متطور و نضورة تفرض نفسها‬
‫حاضه كما يقال هو الموقف األساس إلنتاج التقدم‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫كحاض مستقبل أي‬ ‫كماض مستقبل أو‬‫ن‬ ‫عىل نحو آخر‬
‫ن‬
‫العقالنية المعرف ‪ ...‬الخ "محمد جسوس" فحوار مع مجلة الوحدة العدد‪50‬الرباط‪.(1985‬‬
‫المغرب‪:‬‬
‫ي‬ ‫‪.6‬الحداثة يف الفكر‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الفلسف المغرن المعاض ‪:‬‬ ‫هناك أمور تمخضت عنها مطارحتنا حول مسالة الحداثة ف الفكر‬
‫‪ ‬أوال إن الحداثة ه األمر الذي حام عليه هؤالء المفكرون و داروا حوله و تكلموا فيه و منهم من تطرف‬
‫و منهم من توسط وأيا كان األمر فإن كل هؤالء المفكرين المغاربة الذين عرضنا إليهم أدركوا أهمية الدعوة إىل‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫المغربي وحن‬ ‫الحداثة هذا وان هم ابدوا تثهم من قصور الجهد المبذول ف مجال تحديث المجتمع والفكر‬
‫ن‬
‫أشدهم نقدا للحداثة الغربية ما وجد بدا من القول أن "مجتمعاتنا العربية ف واقعها الحاىل مقارنة بما كانت‬
‫ن‬
‫عليه ف بداية القرن قد تحقق لها واقع أحدث من سابقة دون أن تبلغ بعد أعتاب الحداثة المتوافقة مع روح‬
‫الحدان أو تحديث شبيه ولكنه تطبيق كسيح معقد عاجز عن تفعيل‬ ‫ر‬ ‫الحداثة أي لدينا نضبا من التطبيق شبه‬
‫المىص نف التطبيق قدما نحو تحقيقها" السيما إن نحن علمنا أن ن ن‬
‫الثعة إىل التحديث‬ ‫و تعقيل روح الحداثة و ن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫نجحت ف العديد من األقطار و أنها راكمت اإلخفاقات ف األقطار العربية ‪.‬‬
‫ن‬
‫‪ ‬ثانيا إن كل مفكري المغرب هؤالء عىل تباين مشاريعهم دعوا إىل إعمال مبدأ النقد المزدوج ف الشأن‬
‫الذات و أمر ف الغث) بما صار معه هدا ف النقد) نقد فالذات) ونقد فالغث) موضعا مشثكا لذلك الفكر اجد قد‬
‫يضعف نقد الذات حن يكاد ينمج "طه عبد الرحمان" أو يشتد حن يخس أن يتضخم "عبد هللا العروي"‬
‫قد يهن نقد الغث حن يكاد يغيب "عبد هللا العروي" وقد يعتدل عىل الذات و عىل الغث فال يؤلم "محمد عابد‬
‫ن‬
‫الجابري و محمد سبيال" إال إن ال احد من هؤالء المفكرين جادل ف رسعيته و جدواه بل تكاد هذه الخصيصة‬
‫الفلسف المغرن سمته الن بها يعرف مما هو وس بالتالزم الذي شهد عليه العالم العرن ن‬
‫بي‬ ‫ن‬ ‫تصث الفكر‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫وجه الحداثة الوجه "الرحمان التحديث" والوجه الشيطان " االستعمار"‪.‬‬
‫هذا مع سابق العلم أن المغاربة عرفوا التحديث مقرونا باالستعمار وهم يرمون اليوم تحديثا بال استعمار‪ ,‬عز‬
‫ن‬
‫المطلوب "محمد الشيخ" فمسألة الحداثة ف الفكر المغرن المعاض منشورات الزمن الرباط ‪.)265-270‬‬
‫ن‬
‫الماض واألخذ بأسباب الحداثة ‪.7:‬‬ ‫‪ -‬الحداثة‪ :‬نضورة القطيعة مع‬
‫لما سئل المؤر الفر نس الكبث إيمانويل لوروا ال ديري أخثا بمناسبة صدور كتابه عن »تاري خ المنا « عن‬
‫ن‬
‫الماض"‪ .‬والحال أننا ما نظن أن العروي كان‬ ‫إمكان تنبؤه بمنا المستقبل أجاب إجابة المؤر ‪ " :‬أنا رجل‬
‫ليقبل هذا الجواب لو هو سئل عن مستقبل العرب‪ .‬ولربما دار بخلده أنه كان دوما" رجل المستقبل"‪ .‬والحق‬
‫أن رجل المستقبل هذا الذي كأنه دوما عبد هللا العروي وال يزاله كان يدفعه عىل الدوام إىل مجابهة السؤال‪:‬‬
‫»وماذا نفعل بماضينا؟ وكيف نعامل تراثنا؟«‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫خط عبد هللا العروي ذات يوم من سنة‪ " 0025‬معثا عن مدى خوفه عىل مستقبل العرب‪ :‬مخيف هذا‬
‫ن‬
‫بالماض"‪ ،‬مالحظا أن "األهمية الن تعىط للتقليد‪ ،‬باعتباره قيمة‪ ،‬تبدو مقلقة‪ ".‬هذا مع سابق العلم‪،‬‬ ‫التعلق‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫أنه نبهنا إىل أن" الماض ال يمكنه أن يخدمنا ف حل مشاكلنا" ال وال حن " ف إعادة إعطاء فهذا) الماض‬
‫ن‬
‫التقليديي‪" .‬أن يكون التقليد أحسن حل‬ ‫[نفسه] قيمته الحقيقية "‪ ،‬نافيا بذلك‪ .‬ضدا عىل من أسماهم‬
‫ن‬
‫بالحاض‪ ،‬وذلك‬ ‫ن‬
‫الماض ولو أدى ذلك إىل التضحية‬ ‫ولي كان منطق هؤالء هو الحفاظ عىل‬ ‫الحاض‪ ".‬ئ ن‬
‫ن‬ ‫لمشاكل‬
‫ن‬
‫بوفق شعارهم الذي أخرجوه إىل الناس‪ " :‬فليمت الناس لتبف فكرة ما حية عن الماض"‪ ،‬فإن العروي ضادهم‬
‫بالشعار‪ " :‬فلتمت األفكار الميتة لك يحيا الناس" ‪.‬‬
‫وتلقاء هذا الداء العضال الذي ألم بالعرب‪ ،‬حيث ال ينفع ترتيق وال ترميق‪ ،‬ما وجد هو إال العالج الصادم ‪ :‬أن‬
‫ن‬
‫الماض فال نهتم به‪ ،‬وإنما معناه أال نعتثه‬ ‫نرصب الصفح عن‬ ‫يعن هذا أن ن‬ ‫ن‬
‫بالماض و جبا‪ .‬وليس ن‬ ‫نجب الصلة‬
‫معيننا عىل ما نحن عازمون عليه من تحديث‪ .‬أما دراسته دراسة أكاديمية فهذا شأن آخر‪ .‬و العروي نفسه‬
‫ن‬
‫أسهم ف دراسة الثاث إسهاما جليال‪ .‬بل إنه بدأ مساره الفكري مهتما بالثاث‪« :‬لست أنكر التقليد بوصفه‬
‫ن‬
‫ولكن أنكره كقيمة‪" .‬‬ ‫حدثا‪ ،‬فأنا أدرسته كظاهرة‪،‬‬
‫أكث من غثه‪ ،‬بجرأته عىل طرح مسألة‬ ‫الدارسي العرب‪ ،‬ر‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫بي‬ ‫ال خفاء إذن أن يشتهر عبد هللا العروي‬
‫ن‬
‫"القطيعة"‪ ،‬طرحا ضيحا‪ .‬وقد قامت دعواه‪ ،‬ال عىل ضورة إجراء هذه القطيعة "الحيوية" للثقافة العربية‬
‫ن‬
‫المعاضة وحسب‪ ،‬وإنما عىل نضورة "الحسم" ف هذه القطيعة حسما‪ .‬إذ ثبت عنده أنه «البد من االختيار‪،‬‬
‫ن‬
‫من الفصل والحسم والجزم‪ ،‬إذ ف الجزم‬
‫[لعله يقصد الحسم] يكون رفض كل ما هو تقليدي من جميع النواح‪ ".‬ثمة إذن أمران أساسيان ومتالزمان‬
‫عنده‪ ":‬االختيار"‪-‬وهو اختيار" النفعية " و " العقالنية " و"الليثالية"؛ وباختصار اختيار" الحداثة"‪-‬‬
‫الماض قطعا بال مطمح عودة أو ترجية رجعة أو تأميل أوبة‪ .‬وهو قطع ن‬
‫مبن‬ ‫ن‬ ‫و"الحسم"‪-‬وهو القطع مع‬
‫عنده عىل "حسم تام " بال ترد د أو تلكؤ أو مداورة‪ " :‬ال بد من الحسم اجتماعيا وسياسيا وفكريا " ‪.‬‬
‫وقد عث العروي عن فهمه ألمر " القطيعة " هذا بإعمال " توريات" كثثة‪ .‬منها تعبث " ط الصفحة أو عبارة‬
‫عن به ما سماه "القطيعة المنهجية "؛ أي "القطيعة مع مضمون الثاث"‪ ،‬أو تعبث "‬ ‫"القطيعة ‪ ،‬بما هو ن‬
‫بي القديم والحديث "؛ وذلك بسبب‬ ‫بي القديم والحديث"‪ ،‬أو بيان" القطيعة الجوهرية ن‬ ‫القطيعة مع الثاث ن‬
‫ن‬ ‫المخالفة الحادثة ن‬
‫بي " منطق العرص " و " منطق التقليد"‪ .‬وه دعوة جريئة ما وجدت دعوة أجرأ منها ف‬
‫أكث من‬ ‫برصورتها ويقدم عليها بال تلكؤ‪ .‬ر‬
‫الغرب وال لدى العرب‪ .‬وهذه "القطيعة " وعىل الفكر العرن أن يع ن‬
‫الرصوري لكل تقدم ال سبيل إال إىل االعثاف‪ ،‬بال مواربة‪ ،‬بأنه" انقطعت الصلة بيننا‬ ‫هذا‪ ،‬عنده ه الشط ن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫وبي إنجازات ومنطق تراثنا الثقاف"‪ .‬إذ القطيعة صارت " واقعة" حالة بنا شاهدة علينا وما كان من شأنها أن‬
‫ن‬
‫لمسلمي‪،‬‬ ‫"تنكر" أو" تهمل ‪ ".‬وه قطيعة" قد حصلت وتكرست بالفعل‪ ،‬بل إنها المسألة الوحيدة الن تهم ا‬
‫الغربيي عىل وجه العموم‪ ،‬منذ عهد النهضة‪ ".‬ومن ثمة‪ ،‬فإنه لزم لهذه "الواقعة" أن تتحول‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫األوروبيي‬ ‫وغث‬
‫ن‬ ‫ر‬
‫إىل" مسلمة ‪ ".‬وهكذا ييئسنا األستاذ عبد هللا العروي من أن نعث‪-‬أو ندع العثور‪-‬عىل مفهوم "الحرية" ف‬
‫العرص الجاهىل‪ ،‬أو مفهوم " الثورة العلمية "لدى الموحدين‪ ،‬أو مفهوم "اإلدارة" لدى ال سبيل إىل التخث‬
‫عنها اال لدى دعاة الحداثة‪ ،‬وتلقاء هذا يحضنا هو حضا »حداثية األدارسة ‪ . . .‬فهذه كلها مفاهيم بما يفيد أن‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫بعي االعتبار ف كل تحليل‬ ‫ال مجال للثدد ف التصديق بواقع هذه القطيعة كما يستحثنا هو عىل أخذها‬
‫التاريج‪ .‬ويشجعنا هو بتذكثنا بأن‪ " :‬الحسم الذي نتكلم‬ ‫ن‬ ‫ألوضاعنا ووضع األفكار تمكننا من تجاوز تخلفنا‬
‫ن‬
‫عليه قد وقع بالفعل ف جميع الثقافات المعروفة ابتداء من القرن ال‪01‬م إىل يومنا هذا‪ ".‬فال بد من اإلقدام‬
‫ولي هو حق أن هذا القطع " لم تقبله جماعات محدودة هنا وهناك‬ ‫عليه بال تردد‪ .‬إذ ال بد مما ال بد منه‪ .‬ئ ن‬

‫‪40‬‬
‫ن‬
‫المسؤولي عن‬ ‫فإن هذه الجماعات " بقيت ‪ "،‬معارضة ومحاضة ولم تؤثر أبدا نف اتخاذ القرارات‪ ،‬لم ر ن‬
‫تي‬
‫ن‬
‫السث ف طريق " ما ليس منه بد " حسب ‪ .‬أما الثدد وعدم الحسم بدعوى التوسط فلم نالحظه عىل هذا‬
‫ن‬
‫النطاق الواسع عبارة إمثاطور اليابان بعد هزيمة ‪0045‬إال ف ثقافتنا اما الثدد وعدم الحسم بدعوى التوسط‬
‫فلم نالحظه عىل هذا النطاق الواسع االفيالثقافتنا‪.‬‬

‫ن‬
‫التاريخان‪ .‬والحق أنه ئ ن‬ ‫لهذه الحيثيات كلها ن‬
‫لي هو شخص عبد هللا العروي‬ ‫ارتىص األستاذ العروي لنفسه النهج‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫التاريج" بما ن‬
‫عن به أن البالد العربية " مسبوقة ف‬ ‫الوضع العرن عامة والمغرن خاصة فيما سماه " التأخر‬
‫ن‬
‫الميدان الفكري واالجتماع والعلىم والثقاف "‪ .‬وه الفكرة الن بناها عىل مفثضات ثالثة‪ :‬أن ثمة مرحلة‬
‫التاريج قابل لالنضغاط ‪-‬فإنه اضطرب نف ذكر الدواء‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫أعىل من التطور‪ ،‬وأن ثمة وحدة ف التاري خ‪ ،‬وأن الزمن‬
‫تارة سماه " الواقعية "‪ ،‬وتارة " الثجماتية "‪ ،‬وطورا "الماركسية الموضوعية"‪ ،‬بل " الماركسية التاريخانية‬
‫"‪ ،‬بل "التاريخانية الماركسية‪ "،‬بل هو" الليثالية الحديثة"‪ ،‬ومرات سماه "التاريخانية "‪ . . .‬وذلك ما يبدو‪،‬‬
‫ظاهريا‪ ،‬من قلق هذا المفهوم عنده وتشوشه واضطرابه‪ .‬إذ هو يحدد "التاريخانية" طورا بالسلب فيقول‪" :‬‬
‫ن‬
‫ليست التاريخانية مذهبا فلسفيا تأمليا‪ ،‬وإنما ه موقف أخالف يرى ف التاري خ‪ ،‬بصفته مجموعة الوقائع‬
‫بي السياسة واألخالق‬ ‫االنسانية‪ ،‬مخثا لألخالق وبالتاىل للسياسة " ‪ .‬هذا مع العلم السابق‪ ،‬أنه عادة ما يفصل ن‬
‫حي ال يفعل هو ذلك ويرى أنه‪ " :‬يقال إن التاريخانية انتهازية برجماتية‪،‬‬ ‫الهجلي‪ ،‬وحن ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫المثقفي‬ ‫عىل عادة‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ال أخالقية‪ .‬فثد التاريخان أن األخالق قسم من التاري خ‪ .‬فه إذن حاضة ف ذهن المؤر أثناء عملية الفهم ‪.‬‬
‫‪ . .‬إن الوع بالتاري خ هو االطمئنان إىل أن اإلنسان كائن حر خالق‪ ،‬فهو وع باألخالق‪ ،‬بل بأعىل مراتب األخالق‬
‫"‪ ،‬فإنه‪ ،‬أوال‪ ،‬يجعل قيمة األخالق تابعة لقيمة التاري خ خاضعة لوصايته وليس الع كس‪ ،‬ثم إنه يعىط لألخالق‬
‫معن مخصوصا فيقول لها ناعتا‪" :‬األخالق كقيمة عامة‪ ،‬ال بصفتها »المعروف« من قواعد السلوك "‪.‬‬ ‫ن‬
‫ن‬
‫ويحددها ف مكان آخر‪ " :‬التاريخانية ليست إحدى الفلسفات أو النظريات بل إنها منطق التاري خ إذ يع‬
‫نفسه‪ ".‬لكن رسعان ما يحددها هو‪ ،‬إيجابيا هذه المرة‪ ،‬فيقول عنها‪ " :‬التاريخانية ه فلسفة كل مؤر يعتقد‬
‫ن‬
‫أن التاري خ هو وحده العامل المؤثر ف أحوال البش "‪ ،‬وأنها " أدلوجة حركة" تنشأ "حيتما تم الشعور بالتأخر‬
‫التاريج " و"تقرر البحث عن أسبابه "‪ .‬وما زال العروي يحدد التاريخانية بالتحديد وضده ويعيد تعريفها‬ ‫ن‬
‫بي " تاريخانية محافظة‬ ‫بتميثه نف التاريخانية ن‬
‫ن‬ ‫بي أنواع وأنحاء‪ .‬وذلك إما‬ ‫التعري ف ونقيضه‪ ،‬بل ن‬
‫يمث فيها ن‬
‫بي تحديدين للتاريخانية‪ :‬واحد يرى أنها تقوم عىل‬ ‫ن‬
‫بتميثه ن‬ ‫" و "تاريخانية مبادرة"‪ ،‬وإما‬
‫ن‬
‫اعتبار الحقيقة سثورة‪ ،‬وعىل االعتقاد ف وضعية الحدث‪ ،‬واإليمان بأن الوقائع بعضها لبعض محدد‪،‬‬
‫ن‬ ‫ن ن‬
‫قواني تاريخية تحكم تطور األمم‪،‬‬ ‫الفاعلي ف التاري خ؛ وآخر يرى أنها تنهض عىل اإليمان بوجود‬ ‫وبمسؤولية‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫وبوحدة اتجاه التاري خ الكون‪ ،‬وبقابلية تجارب األمم ألن تنقل وتورث‪ ،‬وبفاعلية دور المثقف والسياس ف‬
‫معن يعقل‪ .‬ثم إن األستاذ العروي يسىم مذهبه أيضا باسم" النفعية"‬ ‫التاري خ‪ ،‬حن ما عدت أعلم لما أراده بها ن‬
‫أو "الثجماتية"‪ .‬وه عنده ما كانت مذهبا مستمىل وإنما ه " منطق السياسة" ذاتها القائم عىل مفهوم‬
‫"المصلحة" الذي هو" زهرة شجرة فلسفية عظيمة‪[ ،‬ه] فلسفة النفعية وما تفرع عنها من أفكار ليثالية‬
‫ن‬
‫وديموقراطية " كما آنها" وع وف" وما كان هو " وعيا مزيفا " بمع نن" أدلو جة "‪ ،‬وذلك ما دامت النفعية‪،‬‬
‫بخالف األدلوجة‪ ،‬تستهدف "انطباق األقوال واألعمال عىل األحوال "‪ .‬ولذلك يدعونا هو إىل تعلم "منطق‬
‫الثعة الثجماتية"‪ ،‬ويعتث أن هذه إنما ه" تصور‬‫الثعة النفعية " و" ن ن‬
‫بي " ن ن‬
‫الواقعية‪ ".‬وعادة ما يرادف هو ن‬
‫خاص لمنطق العمل والترصف مقابل منطق التأمل "‪ .‬ولما هو شخص الوضع العرن بكونه وضع" تأخر‬
‫ر‬
‫األكث فعالية "‪ .‬العقالنية‪،‬‬ ‫لتعن عنده شيئا آخر سوى" ن‬
‫تبن وجهة النظر‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫تاريج "‪ ،‬فإن النفعية لم تكن‬
‫التاريخانية‪ ،‬النفعية‪ ،‬الثجماتية‪ ،‬الليثالية‪ ،‬الماركسية الموضوعية‪ :‬هذا غيض من فيض األسماء الن أطلقها‬

‫‪41‬‬
‫العروي عىل مذهبه‪ .‬والحق أن ما هذه األسام‪ :‬التاريخانية‪ ،‬العقالنية‪ ،‬الليثالية‪ ،‬النفعية ‪ . . .‬إال عبارة عن‬
‫أمر واحد هو "الدعوة إىل الحداثة‪ ».‬وهكذا‪ ،‬خذ بنا بدءا إىل ن‬
‫معن الليثالية‪ ،‬فإنه ما الليثالية وحديثه عنها إال‬
‫ألنها ه " أصل وخالصة الحداثة "‪ .‬وما الليثالية األنجلوسكسونية‪ ،‬عند عبد هللا العروي‪ ،‬كما ه عند أستاذه‬
‫ماكس فيث‪ ،‬إال إرادة دفع العرب إىل" العقالنية االجتماعية والسياسية"‪ .‬وه آية من آيات الحداثة‪ .‬وإن ثمة‬
‫بي الليثالية‪ ،‬من حيث ه مذهب نما لدى أقطاب فالسفة القرن الثامن عش‪ ،‬والحداثة من‬ ‫ارتباطا عضويا ن‬
‫حيث ه نظام اجتماع ومرحلة تاريخية‪ .‬إذا ما كانت الليثالية شيئا آخر غث الحداثة‪ .‬إنما الليثالية ه‬
‫"المنطق الداخىل" الفعىل الذي حكم المجتمعات الغربية والذي عىل أساسه نظم التعليم واستعملت اللغة‬
‫وقومت عقول النشء ‪ ،‬وأصلحت العائلة ورتبت السياسة وتنظم المعمل والمتجر ‪ ،‬وذلك بأن هو لقن للفرد‬
‫ن‬
‫داخل العائلة اللغة القومية الموحدة واآلداب االجتماعية والعادات ‪ ،‬وف المدرسة تعلم التعبث عن األفكار‬
‫ن‬ ‫وف صلته بالدولة صار مواطنا يؤدي ن‬ ‫ن‬
‫الرصائب وينخرط ف الخدمة العسكرية‬ ‫والمناظرة وسبل إقناع الغث ‪،‬‬
‫ن‬
‫ويدىل بصوته عىل المرشح الذي اختاره ‪ ،‬وف عالقته مع صاحب المعمل الذي يشتغل فيه أو المتجر أو‬
‫المرصف صار يواجه دائما منطقا واحدا فرضته الحياة االقتصادية الرأسمالية واأليديولوجيا الليثالية ‪ .‬ولعمرنا‬
‫ليست هذه شيئا آخر سوى ا سم أخر الحداثة‪ ،‬وما رفض منطق الليثالية إال رفض الحداثة وترك الم جال‬
‫نهبة للفكر التقليدي‪ .‬وبالجملة‪ ،‬ما كانت الليثالية عند العروي سوى" المنطق العالم الحديث‪ ،‬والحصيلة‬
‫النهائية للثورات المتتالية الن يسميها المؤرخون للحداثة"‪ .‬وما كان رفضها سوى رفض العالم الحديث‪ .‬وما‬
‫يخشاه العروي بهذا الصدد هو أن تكون إدانة الليثالية‪ .‬وه إدانة حدثت نف كل عصور تاري خ الغرب نفسه‪.‬‬
‫مؤثرة التأثث البالغ نف حكم العرب عىل الحداثة ‪.‬‬
‫وقس عىل ذلك مفهومه عن " الماركسية الموضوعية "‪ .‬فما كانت هذه الماركسية المتمحلة سوى "‬
‫بيداغوجية توضيحية تقرب ألفهام غث أوروبية تطور العالم الحديث منذ عرص النهضة وبداية النظام‬
‫الرأسماىل "؛ أي ما كانت ه إال" بذلك النظام المنشود الذ ي يزودنا بمنطق العالم الحديث‪ ،‬ألننا لم نعش‬
‫أطوار العالم الحديث المتتابعة ولم نستوعب بنيته الكامنة؛ فأي المنطق الديموقراط الليثاىل) "‪ .‬وما يسميه‬
‫العروي" ماركس النافع" إال " ملخص ومؤول ومنظر الفكر األورون العام‪ ،‬الذي يمثل الحداثة بكل مظاهرها‬
‫الحدان‪ :‬اقتصاد جون ستيوارت ميل فالليثالية)‪ ،‬واجتماع أوجست‬ ‫ر‬ ‫"؛ أي ما يسمح لنا بلم أشتات أجزاء الفكر‬
‫كونت فالوضعية)‪ ،‬وفلسفة وليام جيمس فالثجماتية)‪ ،‬وأخالق روسو‪ ،‬ومنهجية العلوم عند كلود برنار ‪،. . .‬‬
‫والن إن ه قرأت مجزأة مشتتة ما أوصلتنا أبدا إىل روح الحداثة‪ .‬إذ" سنبف [آنها] مشتن األذهان‪ ،‬تالميذ بال‬
‫ن‬
‫نباهة‪ ،‬ف عالم شيد بجوارنا وربما عىل أرضنا نستلذ به وال نتوصل إىل فهم قواميسه‪ .‬والماركسية ه أحسن‬
‫طريق الستيعاب ذلك المنطق ولك تالئم ذهنياتنا وضعياتنا "‪ ،‬وما كان هو ماركس " الزعيم السياس"‪ .‬ومهما‬
‫ترصفت األحوال‪ ،‬فإنه سواء تعلق األمر بالنفعية أو الثجماتية أو العقالنية أو الليثالية أو غثها‪ ،‬فإن هذه‬
‫المذاهب مهما اختلفت مسمياتها‪ ،‬تهدف إىل تحقيق ما يسميه العروي باسم " مشوع الحداثة "‪ .‬فما هذه‬
‫األسام إال وجوه لهذا "الكل" الذي هو عنده " الحداثة "‪ .‬ال حداثة السلطة السياسية أو المجتمع أو ا ألرسة‬
‫أو النخبة وحدها‪ ،‬وال حداثة مؤسسات الدولة بمفردها‪ ،‬بل الحداثة الن تتعلق بالمتجر والشارع والبيت‪ .‬وال‬
‫معن أن يكون‬ ‫ن‬ ‫بي أن يكون المرء ليثاليا ونفعيا وعقالنيا وتاريخانيا‪ ،‬بل هذه أمور واحدة اسمها‪:‬‬‫تعارض ن‬
‫المواطن‪ ،‬ال الدولة وحدها‪ ،‬حداثيا‪.‬‬
‫تبن "منطق الحداثة " هو‬ ‫ن‬
‫ويفىص إىل ن‬ ‫بي هذه المفاهيم جمعاء‬ ‫وأيا كان األمر‪ ،‬فإن الخيط الرفيع الذي يربط ن‬
‫ولي هو حق أن بمكنة المرء أن يتسىل‪ ،‬وهو يقرأ أعمال األستاذ عبد هللا العروي‪،‬‬ ‫مفهوم " التاريخانية"‪ .‬ئ ن‬
‫يقتىص منا القول‪ :‬إنها مهما تعددت‬‫ن‬ ‫ن‬
‫ثالثي تعريفا للتاريخانية‪ ،‬فإن الجد‬ ‫بحيث يستنبط منها ما يزيد عىل‬

‫‪42‬‬
‫التعاريف وتنوعت‪ ،‬وذلك بحسب اختالف السياقات وظروف التأليف‪ ،‬فانها تنم عن منطق واحد‪ .‬كال‪ ،‬ما‬
‫ن‬
‫كانت " التاريخانية" فلسفة تأملية‪ ،‬أو أدلوجة نظرية‪ ،‬أو نزعة مثالية‪ .‬إنما التاريخانية‪ ،‬ف أبسط تعاريفها‪ ،‬ه"‬
‫تاريج "‪ .‬إنها "منطق فعل" ال "‬‫ن‬ ‫أدلوجة حركة" ناجمة عن" حاجة إصالح " بعد أن تمت معاينة" متأخر‬
‫منطق اسم "‪ ،‬شأنها أن تهتم باإلنسان العمىل ال باإلنسان النظري‪ ،‬وأن تنظر فيما يفعله الناس ال فيما يدعونه‪.‬‬
‫وبما اننا متأخرون‪ ،‬فإن التاريخانية ه" أدلوجة البلدان المتأخرة"‪ .‬إنما التاريخانية مرتبطة بتجربة التأخر‬
‫والتخلف‪ .‬ولما كانت ه كذلك‪ ،‬فقد اتسمت بسمات ثالث‪ :‬أوالها؛ أنها ليست فلسفة تعتنق وإنما ه منطق‬
‫التاري خ إذ يع نفسه ‪.‬‬
‫ثانيتها؛ أنه لما كانت الدعوة إىل التاريخانية ناجمة عن تجربة التاري خ وتخث بأمره‪ ،‬ال سيما الوع بالتأخر‬
‫ن‬ ‫والتخلف‪ ،‬فإنها تجربة "ال تقبل التعارض أو التجاوز"‪ .‬آخرتها؛ أن هذا ال ن‬
‫يعن السقوط ف مناطق المطلقات‬
‫عن انه من تجاوز المجتمع التقليدي تقليديته وتخلفه تنحل الدعوة‬ ‫فتصث التاريخانية أمرا مطلقا‪ ،‬وإنما هو ي ن‬
‫ن‬
‫إىل التاريخانية من تلقاء تحقق الوع بالتقليد وتجاوز أمره‪ .‬والحال أن وراء هذه التاريخانية »فلسفة ف الزمن«‬
‫فلي استندت القدامة إىل أنماط من الزمن‪ ،‬شأن الزمن‬ ‫و »فلسفة نف الوع« و " فلسفة نف الحقيقة"‪ .‬ئ ن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫تاريج‪ .‬إذ ال زمن عندها سوى‬ ‫األسطوري أو الكون أو الطبيع أو النفس‪ ،‬فإن الحداثة ارتبطت بتصور للزمن‬
‫ن‬
‫الزمن الذي هو متأصل ف التاري خ‪ .‬وال تاري خ إال بما هو مجال األمر النسن‪ .‬ويثتب عن هذا‪ ،‬إفقاد الحداثة‬
‫ن‬
‫التاريج أو المجادلة‬ ‫القيمة لكل " رؤى العالم " الن بنيت عىل تصورات أخرى مخالفة أو عىل تنسيب الزمن‬
‫ن‬
‫ف واقعه‪ ،‬فكل األساطث‬
‫ن‬
‫الميتافثيقا العقالنية المبنية‬ ‫والفلسفات األفالطونية ن ن‬
‫المثع و ألدلوجات الدينية والمذاهب الالهوتية وأنحاء‬
‫عىل مفهوم" الزمن الطبيع" والفلسفات الن تؤمن بدورات التاري خ وأنحاء اليوتوبيا الرومانسية وفلسفات‬
‫كي‪ .‬مع إيالء‬ ‫ن‬
‫التاريج تابعا لقيمة أعىل منه تم إركانها إىل ركن ر ن‬ ‫الفن ‪ . . .‬كل هذه الن شأنها أن تجعل الزمن‬
‫ن‬
‫التاريج‪ ،‬واالحثاس من احتيال عودة هذه‬ ‫العناية ألولوية الزمن‬
‫التصورات الركينة وطفوها عىل السطح وقد تقنعت بشن األقنعة‪ . . .‬وبالجملة‪ ،‬ال مساغ لكل اتجاه فكري‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ينف حقيقة الزمن‪ ،‬إنما التاريخانية ف العمق ه تجربة الزمان من خالل أعمال البش واستحالة األشياء‪ ،‬ومن‬
‫ثمة آمنت ه بزمن جماع ال فردي ما دام التاري خ شأنا موضوعيا مستقال عن الفرد‪ .‬وه كذلك وع بالتاري خ‬
‫ن‬
‫باعتباره عامال موضوعيا مستقال عن الذات‪ ،‬وانه وحده العامل المؤثر ف أحوال البش‪ .‬وبالتطبيق لهذه‬
‫ن‬ ‫الماض ذاك زمان ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫فانقىص‪ ،‬فإما غويا وإما رشدا‪ ،‬وفكره كان يقتضيه ذاك‬ ‫مىص‬ ‫الفلسفة ف الزمن نقول‪ :‬إنما‬
‫ن‬
‫الوقت ويسعه‪ ،‬والحال تواتية وتحمله‪ ،‬والعذر يقع لطالبه وملتمسه‪ .‬أما ف زماننا هذا فليس للنسان إال أن‬
‫بماض زمنه‪ ،‬بل يهتم بوقته الذي هو فيه‪.‬‬‫ن‬ ‫يكون ابن وقته‪ .‬فهو ابن حاله‪ ،‬همته مقصورة عليه‪ ،‬فهو ال يهتم‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫وف الجملة‪ ،‬خالصة فلسفة العروي ف الزمن‪ " :‬كن ابن وقتك "‪ "،‬إنما المرء أشبه سء‪ ،‬بزمانه "‪ .‬وتقثن‬
‫ن‬
‫بفلسفة الزمن هذه فلسفة ف الوع‪ .‬فالوع‪ ،‬بدءا‪ ،‬وع أفعال ال وع أنظار‪ .‬وهو‪ ،‬ثانيا‪ ،‬وع بتجذر الفعل‬
‫ن‬
‫ف الزمن والمكان‪ .‬وهو‪ ،‬ثالثا‪ ،‬وع جماع واجتماع ال وع أفراد ذان‪ .‬فليس الوع مطلق الوع‪ ،‬وال زائفه‬
‫فاألدلوجة)‪ ،‬وال فردية‪ ،‬وإنما الوع الحق الذي يهدي إىل العمل أو يورثه‪ ،‬وي هم الجماعة أو يخدمها‪ .‬من هنا‬
‫أولوية الشأن العمىل عند العروي عىل األمر النظري والوع الحق عىل الوع الزائف والهم الجماع عىل الهم‬
‫ئ‬ ‫ن‬ ‫ر‬
‫االقصان المحىل‪،‬‬ ‫وللكون ضد الخصوض‬ ‫الحدان ضد القدام‪،‬‬ ‫الفردي‪ .‬وه األولوية الن تثر اعتباره لألمر‬
‫ن‬
‫الصوف‪.‬‬ ‫أو للوضع ضد‬
‫ن‬
‫كما تقثن " فلسفة الزمن " هذه بفلسفة ف الحقيقة‪ .‬فأعدى أعداء العروي المطلقات‪ .‬ومنها المطلقات‬
‫الماض المجيد‪ .‬إذ ال حقيقة‪ ،‬عند العروي‪ ،‬إال الحقيقة المشوطة‪،‬‬ ‫ن‬ ‫الثالثة الن تقيد العرب‪ :‬اللغة‪ ،‬الثاث‪،‬‬

‫‪43‬‬
‫مثلما انه ال عقالنية إال العقالنية التطبيقية‪ .‬إذ مهما تنوعت طرق توضيح مفهوم "التاريخانية" فإنها تقود ال‬
‫محالة إىل القول‪" :‬الحقيقة ليست إال ما حققه التاري خ‪ ،‬من دون أي برنامج مسبق‪ ،‬حسب نتائج أعمال األفراد‬
‫والمجتمعات غث المتوقعة "‪ .‬فال سء يعلو عىل التاري خ قيمة‪ " :‬استعمل كلمة تاريخانية للتعبث عن ن ن‬
‫الثعة‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫التاريخية الن ن‬
‫التاريج بحيث يكون التاري خ هو سبب وخالق ومبدع‬ ‫تنف أي تدخل خارح ف تسبب األحداث‬
‫كل ما روي ويروى عن الموجود ات "‪ .‬انما التاريخانية "ه تفسث الوقائع البشية بشوط نشوئها" ال بعوامل‬
‫غث معقولة وال تاريخية‪ .‬وقد جرى مجرى هذه اآلراء تحديد العروي للتاريخانية من حيث ه االعتقاد بأن"‬
‫التاري خ هو وحده العامل المؤثر نف أحوال البش" ‪.‬‬

‫ن‬
‫ذهن شأنه أن ينظر‪ ،‬بدءا‪ ،‬إىل‬ ‫وقد كتب العروي يقول‪ " :‬ما أسميه باسم "التاريخانية " إن هو إال موقف‬
‫الماض‪ ،‬ودعوة إىل معرفة التاري خ الواقع بغاية التخلص من األساطث الن‬ ‫ن‬ ‫الوقائع تبعا لهاجس نسيان ثقل‬
‫ن‬
‫أساءت إلينا كثثا "‪ .‬نسيان ثقل الماض والتخلص من أساطث العرب الثالثة‪ :‬تحجث اللغة وتقديس الثاث‬
‫ن‬
‫الماض "‪ .‬وتلك كلمته الن ظل وفيا لها عىل‬ ‫ن‬
‫الماض‪ .‬ذاك هو ما عث عنه العروي باسم" القطيعة مع‬ ‫وتمجيد‬
‫ن‬
‫األربعي سنة من العطاء الفكري العظيم‪ .‬من كتاب‪ :‬األيديولوجيا العربية المعاضة ف‪-) 0012‬‬ ‫مدار ما يقارب‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫) إىل أخر كتبه‪ :‬القسم الثالث من مؤلف خواطر الصباح ف‪) 0225‬ما توان هو ف فكره وال تراجع عن أم أفكاره‬
‫ن‬
‫وتبن الثجماتية‪-‬وال هو أعلن‪-‬مثلما فعل ذلك العديد‬ ‫‪-‬األخذ بأسباب الحداثة عن طريق تحقيق القطيعة‬
‫من مفكري العرب‪ -‬أن فكره الذي انته إليه " توبة"‪ ،‬وأن ما قال به من ذي قبل كان محض "ردة"!‬
‫‪.8‬المجتمع العرن ن‬
‫بي التقليد والتحديث ‪:‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ئ‬
‫القرني‬ ‫الخاط للهزيمة" الن وجهناها ف ضاعنا مع الغرب عىل مدى‬ ‫حالما نتخلص من عقدة" التفسث‬
‫الماضيي‪ ،‬وهو التفسث الذي دفعنا إىل تقبيح تراثنا وتجريم معالم شخصيتنا الحضارية ومالمح ثقافتنا‬ ‫ن‬
‫القومية‪ ،‬رسعان ما تطالعنا مشكلة أشد تعقيدا‪ ،‬وه مسألة‪ :‬ماذا نفعل إذن بهذا الثاث الذي عاد إليه اعتباره؟‬
‫هل نتجنب تحويله اىل صنم ال يمس ونؤثر عليه نضورات العرص وحاجاتنا إىل التطوير فوفق عبارات " أنصار‬
‫ن‬
‫التقليديي‪ ،‬أم نعود إىل تراثنا مصدر أصالتنا الحضارية فال نتخذ من أسباب الحياة العرصية إال ما‬ ‫التحديث"‬
‫يناسبنا فقط فوفق التعبث الشائع ن‬
‫بي" أنصار الثاث") ؟‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الباحثي‪ ،‬واستأثرت بكثث من المباحث‪ ،‬دون ان ينجم من‬ ‫ال شك ف أن المسالة هذه وقد شغلت الكثث من‬
‫أكث من االكتفاء بموقف أشبه بمواقف مشجع‬ ‫ذلك جالء الرؤية نف البصائر‪ ،‬ه مسألة خطثة تستحق منا ر‬
‫ويكتف هذا وذاك بتبادل مجموعة من‬ ‫ن‬ ‫فرق كرة القدم‪ .‬فهذا من أنصار الثاث‪ ،‬وذاك من أنصار التحديث‪،‬‬
‫الحجج التقليدية الن اصبحت معروفة وشائعة دون أن تدفعنا خطوة إىل األمام‪ .‬وال تبدو فسحة للخروج من‬
‫هذه الدوامة سوى انطالقا من مجموعة نقاط أولية ال بد من إيضاحها بادئ بدء‪ :‬فما ه المواقع الن يرتكز‬
‫ن‬
‫إليها طرفا الخصومة‪ ،‬وإىل أين القصد ف نهاية المطاف‪ ،‬وما ه مكانة الثاث االجتماعية والنفسية والسياسية‪،‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫وكيف يمكن لهذه المكانة أن تفعل فعلها ف االنسان العرن المعاض‪ ،‬وما عالقة السبب بالنتيجة ف كل ذلك‪،‬‬
‫ن‬
‫وهل الثاث نضورة مسائلنا األساسية؛ هل للثاث من نضورة مثال ف مسالة الوحدة العربية‪ ،‬أو االستقالل‬
‫ن‬
‫السياس واالقتصادي‪ ،‬أو حن ف الديمقراطية ؟‬
‫لو أمكننا االجابة عن هذه التساؤالت لتمكنا وال شك من جالء بعض الغموض‪ ،‬ولسنحت لنا فرصة أكث‬
‫لمعرفة عالقة األسباب بالنتائج‪ ،‬نف زمن نحن فيه أشد ما نكون حاجة اىل امتالك أقدارنا بالوع الكامل ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫بي مجدد ومحافظ‪ ،‬ن‬
‫بي تيار‬ ‫بي أنصار التحديث وأنصار الثاث قد تبدو لوهلة أنها ن‬ ‫إن الخصومة األساسية ن‬
‫ن‬
‫والحالمي‬ ‫ن‬
‫العاملي للمستقبل‬ ‫يسع اىل التطوير وآخر يريد االحتفاظ بمواقعه أو حن العودة إىل الخلف‪ ،‬ن‬
‫بي‬
‫بالماض‪ .‬وذلك التباس يحلو ألنصار التحديث أن يتبتوه االنه يسلحهم بحجة العرص ويدعم منطقهم بقوة‬ ‫ن‬
‫األمر الواقع‪ .‬لكن أنصار الثاث ّ ألنه يسلح ‪ ،‬يثبتوه يرون‪ ،‬دون أن يكونوا جميعهم قادرين عىل اإلفصاح بوضوح‬
‫بي مجدد ومحافظ‪ ،‬بل‬ ‫بي أنصار الغد وأنصار األمس‪ ،‬وليست ن‬ ‫مؤمني به‪ ،‬ان المسألة ليست ن‬
‫ن‬ ‫عن ذلك‪ ،‬أو‬
‫ن‬
‫بي مجدد ومجدد‪ ،‬وان أنصار " الحداثة "انما يقثحون سبيال إىل التجديد ال يفىص إىل‬ ‫ه مسألة خالف ن‬
‫ن‬
‫التاريج الخاص لألمة ‪.‬‬ ‫ينبع أن ينطلق من الثاث القوم والسياق‬ ‫نتيجة‪ ،‬ألن أي تجديد ن‬
‫ن‬
‫وإذا كان بعض أنصار" الثاث " يشكلون مسوغا رسعيا لتهمة السلفية الن ينتضيها أنصار" الحداثة"‪ ،‬ف‬
‫وجه جميع خصومهم‪ ،‬وإذا كان بعض آخر من أنصار الثاث اتخذ مواقعه بفعل خيبة أمله حيال فشل الصيغ‬
‫" الحديثة " غث المتكئة عىل الثاث‪ ،‬فإن أنصار الحداثة ال يستطيعون االدعاء ان كل تيار " العودة اىل الثاث‬
‫ن‬
‫النمطي من " العائدين " فقط ‪.‬‬ ‫" ينتىم اىل هذين‬
‫ذلك ان ثمة حركة تاريخية عميقة الجذور‪ ،‬ال يمكن وصفها بالسلفية‪ ،‬بل يحسن تسميتها "بتيار األصالة "‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الماض للمكوث فيه ‪.‬لكنه يعتقد ف الوقت نفسه أن" التحديث"‬ ‫إذا شئنا‪ .‬وهذا التيار ال يسع إىل العودة اىل‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫أو " التجديد " ال يستقيم إال إذا اتصل ماض تاريخنا ونسقنا الحضاري‪ ،‬بحاضه ومستقبله ‪.‬وتيار األصالة‬
‫يزعم أن التجديد فوهو مطل وب) ال يقدر عليه من يجهل تراثه ‪ .‬فال الموسيف العرن الذي يجهل محمد عثمان‬
‫وسيد درويش وزكريا أحمد‪ ،‬وال الشاعر العرن الذي لم يهضم المتنن وأبا نواس والياس ابو شبكة وأحمد‬
‫شوف‪ ،‬وال السياس العرن غث الملم بتاري خ منطقتنا ومسارها السياس وضاعها الطويل مع الغرب‪ ،‬بقادرين‬
‫عىل التجديد‪ ،‬وإن هؤالء‪ ،‬وهم ينقلون عن الغرب صيغه الفنية ونماذجه الحضارية والسياسية وغثها‪ ،‬إنما‬
‫يمارسون نوعا من "الثديد" ال " التجديد"‪ .‬كذلك يرى أنصار األصالة‪ ،‬وهم يبشون بالعودة اىل الثاث‪ ،‬أن‬
‫تخىط الثاث‪ ،‬أو تطويره بالتفوق عليه‪ ،‬غث ممكن إذا كان ثمة انقطاع عن الثاث أو نسيان أو إهمال له‪ ،‬وأن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الوسيلة الوحيدة لتخىط الثاث وتطويره ف التشبع به‪ ،‬حن يشع ف إنتاج نقائضه وعوامل تجدده من داخله‪،‬‬
‫وأن مثل هذا التطوير والتجديد هو الصيغة الوحيدة القابلة للعيش‪ ،‬والن تلف القبول عند الناس ‪.‬‬
‫ن‬
‫إذن فالمسألة ليست ف أن نرجع اىل الوراء أو ال نرجع ‪ ،‬بل المسالة‪ :‬كيف نتقدم ؟ إن العودة إىل ا وتعظيما‬
‫للحاض والمستقبل لحاجات نفسية ناجمة من حالة عجز وتخبط‬ ‫ن‬ ‫للماض إرضاء ‪ ،‬لثاث ليست رفضا مبدئيا‬ ‫ن‬
‫الحاض هو امتداد ا ن‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫الحاض ن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫لماض‪،‬‬ ‫الماض ‪ .‬أما الذين يعتقدون بأن‬ ‫ينف‬ ‫‪ ،‬إال ف أذهان الذين يعتقدون بأن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الماض لهم ضمانة وثروة‪ ،‬تجنبهم ف كل عرص‬ ‫ونتاج من تطور عوامله‪ ،‬وتراكم لحكمة تجاربه‪ ،‬فأولئك يصبح‬
‫أن يبدأوا من الصفر بدعوى الحداثة ‪ .‬أما الثاث فهو أشد حضور ا مما نعتقد ‪ .‬و" قد يظن البعض أن ‪...‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫تاريخنا أو تراثنا أمور نجدها ف الكتب القديمة‪ ...‬وال يرونها مخزونة ف الشعب ‪ ..‬إنها موجودة‪ .. .‬ف الجماهث‬
‫و ج ودا حيا دفاقا متحركا ومعاضا "‪.‬‬
‫وإذا كان هذا المجال ال يتسع لتكرار حقائق علمية معروفة عن عالقة الذكاء البشي بالذاكرة ‪ ،‬أو عن الثاث‬
‫تخثن فيها عوامل الحكمة وأسباب النضوج لدى الشعوب ‪ ،‬فإنه ال يسعنا أن‬ ‫ن‬ ‫وكونه الذاكرة الشعبية الن‬
‫ن‬
‫التقليديي ف أي‬ ‫نغفل ‪ ،‬ان انصار التحديث‬
‫أنصار االحتذاء عىل الغرب وتجاربه ونماذجه ) ال يجدون هم أيضا طريقا اىل النجاة من الثاث‪ .‬وانما هم‬
‫ن‬
‫يفرون من تراث شعوب هم اىل تراث شعوب اخرى ‪.‬ذلك ان النماذج األوروبية ف الثقافة والحضارة والسياسة‬
‫‪ ،‬إنما ه نماذج أصيلة ئ‬
‫تتك عىل تطوير طبيع ومنطف للثاث األورون عث التاري خ ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫مبدن لمواقع الخصومة ن‬‫ئ‬
‫بي أنصار الثاث وأنصار بل ه تقثح أن يكون‬ ‫وبذلك نصل تماما اىل ايضاح‬
‫التجديد تطويرا‪ ،‬التحديث‪ .‬فال جماعة الثاث معادية للتجديد لموروثنا الحضاري‪ ،‬ال مجرد نقل عن الخارج‬
‫ن‬
‫‪ ،‬وال جماعة التحديث تستطيع االنفالت من الثاث ‪ ،‬بل ه ف الواقع تقثح ابدال تراث أجنن من تراثنا‬
‫العرن‬
‫خالصة‪:‬‬
‫بي التقليد والتحديث بالمجتمع العرن لم يؤدي إىل حالة نهائية للمجال االجتماع ف أي إىل مجتمع‬‫إن الرصاع ن‬
‫حديث )‪ ،‬وبالتاىل فهو " مجتمع انتقاىل‪" .‬‬
‫و بذلك يمكن القول اقتحم التحديث بنيات المجتمع التقليدية الراكدة ولكنه مس سطح المجتمع وقشته‬
‫ن‬
‫الخارجية ولم يدخل ف عمقه الداخىل‪ .‬فالحداثة دخلت من األبواب الخلفية وليس األمامية وهو ما أحدث‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ضاعا اجتماعيا وقيميا وأخالقيا‪ .‬فالعرب أخذوا منجزات الحضارة المادية فالسيارة والطائرة واإلنثنت‬
‫حي بقيت قيمنا وسلوكنا مشدودة‬‫والموبايل) دون قيمها ومعايثها وأفكارها العلمية والتقنية الن صنعتها‪ ،‬نف ن‬
‫إىل القرون الوسىط عىل رغم أننا نستخدم تكنولوجيات القرن الحادي والعشين‪.‬‬
‫"أليس من عالمات اإلهمال واإلخفاق أن ال يندفع الفكر نحو البحث عن الجديد‪ ،‬أليس عيبا عىل العا ِلم المسلم‬
‫َ‬
‫أن يرى ما يزخر به العالم من العلوم الجديدة والمكتشفات والمؤلفات الحديثة‪ ،‬وال يسع إىل التعرف عليها‪،‬‬
‫ن‬
‫أليس من العيب أن يطرأ عىل هذا العالم هذا التحول الشامل بينما نحن ف غفلة تامة! "‬
‫ن‬
‫األفغان)‬ ‫فجمال الدين‬
‫‪.II‬الثاث العرن ن‬
‫بي المحلية و العالمية‪:‬‬
‫المفاهيم‬
‫ن‬
‫االنجلثية بمصطلح‬ ‫مفهوم العالمية ‪ :‬وه مفهوم م يدل عىل االنتشار الواسع نف ر‬
‫أكث من مكان و تعرف باللغة‬
‫ن‬
‫ماليي األشخاص حو‬ ‫يتمث ‪ ،‬بها سء ما تدل عل ى أنه معرو ف من قبل‬ ‫ن‬ ‫فغلوبال )وتعرف أيضا بأنها ‪:‬صفة‬
‫ل العالم‬
‫لذلك يطلق عىل السء المشهور‪ ،‬أو المعروف عند أغلب الناس مصطلح العالىم‪ .‬إن العالمية مشتقة من كلمة‬
‫األرض ة ‪ ,‬ومن هنا تشث لعالىم ة إىل كل سء ال يرتبط بحدو د معينة أو ال‬ ‫ن‬ ‫عالم ‪ ,‬و الن تشث إىل الكرة‬
‫‪,‬بمعن ال يخص فرد ا ‪,‬أو مجموع ة من األفراد ‪,‬أ و دول ة معينة ‪,‬مثل ‪ :‬األعياد الوطنية‬ ‫ن‬ ‫يوجد بمنطق ة ما‬
‫للدول‪ ,‬بل تشمل العالمية كل سء معروف عند مجموعة من الناس حول العالم ‪,‬ومن األمثلة عىل العالمية‪:‬‬
‫ن‬
‫انتشار اإلشارات الضوئية ف الطرقات‪ ،‬والن تنظم حرك ة السث‪ ،‬وأيضا االحتفال ببداية السنة الميالدية‬
‫الجديدة نف مطلع كانون ن‬
‫الثان فيناير )من كل عام ‪.‬‬
‫ن‬
‫المحلية ‪:‬ه القيام بمجموعة من العمليات‪ ،‬و النشاطات الوظيفية والن تهدف إىل النهو ض ف كافة المجاالت‬
‫المكونة للمجتمع المحىل ‪,‬و تعرف أيضا ‪ ,‬بأنها دعم سلوك األفرا د ‪,‬و صقل مهاراتهم حن يتمكنوا من تطوي‬
‫ر أنفسهم‪.‬‬
‫ن‬
‫واإلنسان‪ ،‬وه عبارة عن‬ ‫التنمية‪ :‬التنمية تعتث التنمية من العناض األساسية لالستقرا ر والتقد م االجتماع‬
‫جزن أ و شامل باستمرار‪ ،‬تتفاوت بأشكالها ‪,‬و ترتكز عىل تحف ق الرف والتقدم‬‫ئ‬ ‫عملية تقدم ونمو تكو ن بشكل‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ف مجاالت الحياة اإلنسانية ‪ ,‬و المىص قدما باإلنسان نحو االستقرار‬

‫‪46‬‬
‫ن‬
‫المعيس و الرفاهية ‪ ,‬و تلبية متطلباته بكل ما يتماس مع احتياجاته وإمكانياته ف كافة المجاالت االقتصادية‬
‫واالجتماعية والفكرية‪.‬‬
‫‪.1‬الثاث‬
‫‪ -‬مفهوم الثاث لدى "محمد أركون" ‪:‬‬
‫يعد المفكر "محمد أركون" من المفكرين المعاضين الدين اهتموا بمسالة الثاث ‪ .‬و يري أن هناك ‪ ":‬ثالثة‬
‫ن‬ ‫طبقات من الثاث ‪ ,‬ليست ن‬
‫مثامنة فوق بعضها ‪ ,‬إنما ه داخلة ف حالة متبادل ‪ ,‬داخل ما يدع بشكل عام و‬
‫يعن الثاث اإلسالم المقدس ‪ ,‬و‬ ‫عموم ‪ :‬الثاث اإلسالم‪.‬كما أن الثاث لديه ثالثة مستويات ‪ ":‬الثاث الذي ن‬
‫يعن العادات و التقليد ‪ ,‬و الثالث ‪ ,‬الثاث الذي هو الثاث اإلسالم الكىل ومن خالل هذه‬ ‫الثاث الذي ن‬
‫المستويات و الطبقات ‪ ،‬يتضح لنا بأن الثاث ظاهرة معقدة ‪.‬‬
‫‪ -‬موقف "الجابري" من الثاث ‪:‬‬
‫ينطلق "الجابري" من تقديم موقفه للثاث من التساؤل التاىل‪" :‬لماذا"‪ ،‬إذ يرى‪" :‬ما دمنا نعرف الثاث بكونه‬
‫معن" فإن االشتغال به نوع من االنشغال مشوع تماما‪ ،‬إنه جزء من انشغال اإلنسان‬ ‫حاض فينا أو ن‬ ‫"ما هو ن‬
‫يلثم الباحث‪:‬‬ ‫بذاته" ‪ ،‬فالثاث عنده نضوري و البد من التعامل معه تعامل علميا‪ ،‬يقصد بالتعامل العلىم أن ن‬
‫"أكث قدر من الموضوعية و أكث قدر من المعقولية" ‪ .‬كما نجد الباحث "محمد عمار" من الذين طرحوا مسألة‬
‫الثاث حيث يقول‪ " :‬إن أي أمة ال تستطيع أن تسث إىل األمام بقدر راسخة و ثابتة و شجاعة إال إذا وعت‬
‫ن‬ ‫جذورها نف تراثها‪ ،‬و ربطت خيوط ن‬
‫حاضها و مستقبلها بما ماثلها و شابهها ف صفحات ماضيها‪ ،‬القريب منه و‬
‫ن‬
‫البعيد" ‪ ،‬فهو يشث إىل عدم االنفصال عن الثاث أو التخىل عليه‪ ،‬و أن ذلك الثاث الذي ساهم فيه أيه أمة ف‬
‫تطويره و التقدم به إىل األمام‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ن‬
‫يحيل مفهوم الثاث ف البلدان العربية‪ ،‬عىل الموروث من كتب الحضارة العربية اإلسالمية‪ .‬وشكل الثاث‪،‬‬
‫لعقود عدة‪ ،‬المعرفة الن خلفها عباقرة اإلسالم‪ ،‬سواء كانوا مغاربة أم مشارقة‪ ،‬أي مجموع المعارف اإلنسانية‬
‫االنتقائية المثاكمة خالل قرون‪ .‬ويقثح الموقع الرسىم ل «اليونيسكو»‪ ،‬صورة تقريبية للثاث‪ ،‬فيعتثه "‬ ‫ً‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الماض الن نستغلها اليوم ونحولها إىل األجيال الثقافية‪ ,‬وتراثنا الثقاف والصناع مصادر للحياة‬ ‫موروثا فتركة)‬
‫و اإللهام ال بديل عنها" ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫من خالل هذه الصورة‪ ،‬يتضح أن الثاث متصل بالماض‪ .‬فهو تركة وجب الحفاظ عليها وتناقلها بي األجيال‬
‫ً‬
‫الحالية والمستقبلية‪ .‬يهم هذا النقل كل ما له قيمة بالنسبة لجماعة بشية‪ ،‬سواء كان ماديا فكالمعالم األثرية)‬
‫ً‬
‫المادي فالعادات‪ ،‬التقاليد)‪.‬‬ ‫أو‬
‫ً‬
‫‪.‬‬
‫والثاث عنرص مالزم للثقافة‪ ،‬ينتجها وينتج عنها وهو ذلك العنرص الذي يعىط للثقافة تجسيدا وفاعلية من‬
‫ً‬
‫جهة‪ ،‬وثباتا واستمرارية عث الزمن من جهة أخرى‪ .‬و الثاث أيضا‪ ،‬مجمل الرموز الحاملة للهوية‪ ،‬وه رموز‬
‫بي الثقافة والهوية‪،‬‬ ‫تستمد معانيها و دالالتها وشحناتها العاطفية‪ ،‬من الثقافة‪ .‬وب هذا التحديد يتموقع الثاث ن‬
‫ن‬
‫إذ يستمد من الثقافة أشكاله ومعانيه‪ ،‬فتستمد منه الهوية حدودها ما يالحظ ف استعمال الثاث أنه مفهوم‬
‫مخثلة ومخلخلة‪ ،‬إن «الثاث غث موجود»‪ ،‬وتص ُّوره‬ ‫ن‬ ‫عىص عىل التحديد‪ ،‬لدرجة يمكن معها القول‪ ،‬بطريقة‬
‫مفهوما‪ ،‬فهو نتيجة لتأويل اجتماع يحفز عث مصالح متنافسة‪ .‬إن المواقف‬ ‫ً‬ ‫مبن‪ .‬أما الثاث باعتباره‬ ‫فعل ن ّ‬
‫للفاعلي وأدوارهم واختالف منطق كل طرف‪ ،‬كلها عناض تجعل من مفهوم الثاث مفهوما انتقائيا‪،‬‬ ‫ن‬ ‫المسبقة‬
‫ن‬
‫مهتمي ‪.‬‬ ‫ن‬
‫فاعلي‬ ‫ن‬
‫الزمن‪ .‬وهو مرتبط بقيم و تأويالت ذاتية و‬ ‫وذاتيا‪ ،‬وخاضعا للتطور‬
‫ن‬
‫‪.2‬بدایة التفكث ف الثاث‪ ،‬وأھم نظرياته‪:‬‬
‫من المعلوم أن اإلنسان‪ ،‬وال سیما العرن منھا‪ ،‬ال بمكن أن یعیش دون تراثھا وذاكرتها وثقافتها وفنونها‬
‫ن‬
‫والمكان‪ .‬ویعلم الكل أن اإلنسان المسلم‬ ‫وحضارتها‪ ،‬واستشعر النقص واالنفصام‪ ،‬وإال أحس باالغثاب الذان‬

‫‪47‬‬
‫ن‬
‫قد عرف تراثا ً واحتقارا ً واسثخص نفسها ازدراء ‪ ،‬والعزلة ً زاخرا بالمنجزات الھائلة ف شن المیادین‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫والمجاالت‪ ،‬وصار ن‬
‫یرصب بھا المثل ف التقوى والعطاء والعلم واإلنجاز واالخثاع واالبتكار‪ .‬والسبب ف ھذا‬
‫ن‬
‫االزدهار الثقاف ھو التمسك وبالضبط ‪ ،‬واھتداء بطريقة األسالف إىل غایة العصور الوسىط ‪ ،‬وسنة ً الشع‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫المسلمي رسعان ما تقھقروا وانحطوا؛ بسبب انشغالھم بھموم‬ ‫الربان قرآنا إبان فثة ا لدولة العباسية‪ .‬بید أن‬
‫الدنیا‪ ،‬وترك اآلخرة‪ ،‬فانھزموا ھزیمة نكراء أمام المغول‪ ،‬فتضعضعوا وتخلف ا ً انكسارا ‪ .‬ولم استيقظوا ً‬
‫وعسفا ً ال سیما مع استبداد الدولة العثمانية غطرسة وقھرا من سباتهم إال مع دوي مدافع الغرب‪ ،‬لیجدوا‬
‫أنفسهم منبھرین بمتقنات الحداثة الغربية‪ .‬فبدأ‬
‫مھما وجوھریا‪ ،‬قد أسال ً المفكرون والعلماء والمصلحون والمبدعون یطرحون سؤاال الكثث من الحث إىل‬
‫‪ ،‬وتأخر المسلمون؟ وللجابة عن ھذا السؤال ‪ ،‬منا ھذا‪ :‬لماذا تقدم الغرب طرحت إجابات عدیدة من خال ل‬
‫رؤى مختلفة ومتباینة‪ ،‬ومنظورات ومناھج متعددة ومتنوعة‪.‬‬
‫وقد ترتب عن ھذا السؤال أن طرحت للنقاش إشكالية الھویة والتبعیة‪ ،‬وإشكالية األصالة ‪ ،‬ھذا والمعاضة‪،‬‬
‫وجدلية األن ت وإشكالية التقدم وال ‪ ،‬ا واآلخر بل طرحت نف المجال … خلف السياس واالقتصادي‪:‬‬
‫بي دول الشمال ودول الجنوب‪ ،‬وتبعیة دول المحیط لدول المركز‬ ‫إشكالية التفاوت ن‬

‫فقد خص ص الفكر العرن المعاض منذ القرن التاسع عش المیالدي ‪ ،‬عالوة عىل ذلك وبدایات القرن‬
‫ن‬
‫الفلسف منھا‪ ،‬جل نقاشھا للجابة عن ھذه اإلشكالیات العویصة‪ ،‬لتبیان الطرائق الن‬ ‫العشین‪ ،‬وال سیما‬
‫ن‬
‫سیتعامل بھا مع الغرب من جھة‪ ،‬ومع الموروث العرن اإلسالم والعالىم واإلنسان من جھة أخرى ‪ . .‬ولقد‬
‫امتد ھذا النقاش أيضا إىل اإلبداع األدن والفن وعىل أي حال‪ ،‬فھناك ثالث نظریات عامة حول الثاث‪:‬‬
‫نظریة تقدیسیة للثاث‪ ،‬وتسىم بالرؤیة ا ً أیضا ‪ ً.‬وإشادة ً وتنوی ھا ً وبعثھا من جديد تمجيدا ‪ ،‬لسلفية القائمة‬
‫الماض ونظرة تغریبیة لیثالیة مغالیة ترفض الرجوع إىل الثاث‪ ،‬كما یتضح ذلك جلیا عند سالمة‬ ‫ن‬ ‫عىل إحياء‬
‫إن أسوأ ما أخشاه أن ننترص عىل المستعمرین ونطردھم‪ ،‬وننترص عىل »‪:‬موس الذي قال المستغلين‬
‫ن‬ ‫ونخضعھم‪ ،‬ثم نعجز عن أن نھزم القرون ‪ .‬وهناك نظرية توفيقية تجمع ن‬
‫بي « الوسىط ف حیاتنا ونعود إىل‬
‫الماض وإيجابيات االنفتاح عىل الغرب‪ .‬ويمثل هذا الموقف‬ ‫ن‬ ‫دعوة‪ :‬عودوا إىل القدماء إيجابيات العودة إىل‬
‫ن‬
‫األكاديميي المعاضين‪.‬‬ ‫ن‬
‫المثقفي العرب‬ ‫أغلب‬
‫‪.3‬تصنيفات الثاث ‪:‬‬
‫يالحظ الدارس للكتابات المتصلة بالثاث‪ ،‬تنوع المصطلحات الموظفة للحالة عىل الظاهرة الثاثية‪ .‬ومن هذه‬
‫الثقاف‪ ..‬كما يالحظ تعدد التصنيفات المقثحة للثاث‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫المصطلحات‪ :‬المعلم الثقاف‪ ،‬المصدر الثقاف‪ ،‬الثاث‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الباحثي ومواقفهم من الثاث‪ .‬ومن التصنيفات المطردة ف هذا اإلطار‪ :‬الثاث‬ ‫ويعكس هذا التعدد‪ ،‬تنوع مواقع‬
‫ن‬
‫الطبيع‪ ،‬ويدل عىل المعالم الطبيعية‪ ،‬كالتشكالت الفثيائية‪ ،‬والبيولوجية الطبيعية‪ ،‬والتشكيالت‬
‫الجيولوجية‪ ،‬ثم المواقع الطبيعية‪.‬‬
‫ن‬
‫الثاث الثقاف ‪:‬‬ ‫·‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫يمث الباحثون ف هذا الثاث بي نوعي‪ :‬تراث مادي‪ ،‬وهو العقار فاألبنية‪ ،‬مواقع أركيولوجية‪ ،‬مآثر تاريخية‪،)..‬‬
‫ن‬
‫األوان‪ ،‬األبواب‪ .)..‬و تراث ال مادي‪ ،‬ويقصد به كل‬ ‫واألدوات فاألسلحة‪ ،‬الجواهر‪ ،‬الخزف‪ ،‬الفخار‪ ،‬المالبس‪،‬‬
‫الخثات والمهارات والمظاهر الثقافية الموروثة ذات القيمة الن تنتقل من جيل إىل جيل‪ ،‬وكل ما يعكس‬
‫ن‬
‫الشعور باالنتماء والهوية‪ .‬ومن العناض المكونة للثاث الثقاف الالمادي هذا‪ :‬الموروث الشفه فاللغات‪،‬‬
‫ن‬
‫األغان‪ ،)..‬الموسيف وفنون العزف‪ ،‬العادات االجتماعية واألعياد وطقوس‬ ‫الحكايات‪ ،‬األشعار‪ ،‬األمثال‪،‬‬

‫‪48‬‬
‫حي ندرك الروابط‬ ‫ن‬ ‫التعبد‪ ،‬المعرفة وأساليب التعامل مع الطبيعة والعالم‪ ،‬الحرف والمنتجات التقليدية‪.‬‬
‫الحميمة ن‬
‫بي الثاث المادي والالمادي‪ ،‬سيتأكد لنا أن الفصل بينهما صعب‪ ،‬فاآلالت الموسيقية الثاثية مثال‬
‫بي النوعية من الثاث‪ .‬فه تراث مادي بالنظر إىل كونها ملموسة ومصنوعة من مواد‬ ‫توجد نف نقطة تقاطع ن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صانعها‪.‬‬ ‫ومهارات‬ ‫لخثات‬ ‫اعتبارا‬ ‫مادي‬ ‫ال‬ ‫تراث‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫وه‬ ‫محددة‪.‬‬
‫ن‬
‫مما سبق‪ ،‬يحق اعتبار الثاث الثقاف‪ ،‬تشكيلة من القيم المادية والالمادية الن تستوعب الموضوعات‬
‫والتقنيات‪ ،‬والخثات‪ ،‬والمعارف‪ ،‬والمعتقدات‪ ،‬والعادات‪ ،‬الن خلفها لنا أسالفنا‪ ،‬وحافظنا عليها لنقلها إىل‬
‫األجيال المستقبلية‪ .‬وكل هذه العناض والمكونات‪ ،‬تتقاسم خاصية محددة‪ ،‬وه كونها موارد غث قابلة‬
‫ن‬
‫للتجدد‪ ،‬فكل عنرص أو مظهر يهمل سيضيع إىل األبد‪ .‬من هنا وجب الحفاظ عىل الثاث الثقاف وتثمينه ‪.‬‬
‫‪.4‬الثاث والتنمية ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تشكل التنمية موضوعا الشتغال كثث من العلوم االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬خصوصا علىم االجتماع و‬
‫األنثوبولوح‪ ،‬اللذين يعالجان قضايا التخلف‪ ،‬والفقر‪ ،‬والرواسب الثقافية‪ ،‬والرصاعات األيديولوجية والعرقية‬ ‫ر‬
‫و اإلثنية‪ ،‬وتأثث ذلك عىل مسارات التنمية‪ .‬وبالمجمل‪ ،‬تعرف التنمية كسثورة ثقافية واجتماعية‪ ،‬ال يمكن‬
‫ً‬ ‫ن‬
‫عموما ه‬ ‫فهم إشكاالتها من دون سث أغوار البناء االجتماع والثقاف الذي يتأسس عثه المجتمع‪ .‬والتنمية‬
‫والكيف للمجتمع عىل المستويات االقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‪ .‬فه كل متداخل‬ ‫ن‬ ‫التغيث الكىم‬
‫الرفاهيةاالجتماعية‪.‬‬ ‫تكريس‬ ‫الحياة باتجاه‬ ‫رسوط‬ ‫ن‬
‫إىل تحسي‬ ‫منسجم‪ ،‬يهدف‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الدارسي‪ ،‬أن عالقة الثاث بالتنمية ضعيفة‪ ,‬فالثاث ‪ -‬بالنسبة لهم ‪ -‬عامل ثانوي ف تحقيق‬ ‫ويرى بعض‬
‫التنمية‪ ،‬ألن أثره فوأثر الثقافة عموما)‪ ،‬ال يظهر إال بشكل بىطء عىل المدى المتوسط والبعيد‪ .‬غث أن التحوالت‬
‫العميقة المتصلة بالعولمة‪ ،‬غثت هذه النظرة‪ ،‬وأيقظت الوع بخطورة العولمة عىل الهوية الفردية‬
‫والجماعية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬بدأت تتبلور رؤى ومقاربات جديدة‪ ،‬تطمح إىل تجاوز جهود الحفاظ عىل الثاث‪ ،‬إىل‬
‫ن‬
‫مستوى تثمينه واستثماره ف مجال التنمية والحفاظ عىل الهوية الوطنية‪ .‬ضمن هذا التوجه‪ ،‬ترسخ الشعور‬
‫لدى فئات عريضة من المجتمع‪ ،‬بأهمية الثاث‪ ،‬باعتباره يشكل مرجعية تاريخية وثقافية حاسمة نف تر ن‬
‫كث‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫دعائم ومقومات الشخصية‪ ،‬وف تقوية الشعور باالنتماء‪ .‬فالثاث أداة مؤثرة ف الرصاع والتدافع‪ .‬وهو عنرص‬
‫ن‬
‫ضامن للوحدة واالستقالل‪ .‬كما أنه مجال متنوع فطبيع‪ ،‬بشي‪ ،‬مادي ومعنوي)‪ ،‬يسهم ف تحريك الطاقات‬
‫المنتجة ألجل تنمية محلية جهوية ومحلية مندمجة ومستدامة ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ً‬ ‫ن‬
‫ف هذا السياق أيضا‪ ،‬تعاظم الحديث عن استثمار الثاث ف المشوعات التنموية‪ ،‬أي «الصيانة المندمجة‬
‫ن‬
‫للثاث‪ ،‬باتخاذ تدابث وإجراءات تضمن استمراريته ف محيطه الطبيع والبشي المالئم‪ ،‬وتوظيفه عقالنيا‬
‫ن‬
‫متوافقي‪ ،‬إذ‬ ‫ن‬
‫مفهومي‬ ‫حاضا ومستقبال»‪ .‬ويبدو مفهوما الثاث والتنمية اليوم‪،‬‬ ‫ن‬ ‫لالستفادة من منافعه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ن‬
‫سيحظيان باإلجماع من طرف صناع القرار و المسؤولي جهويا و محليا‪ .‬وهكذا‪ ،‬سيغدو الحفاظ عىل الثاث‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫للناخبي‪ ،‬إذ إن هناك قناعات لدى فعاليات مدنية ورسمية‪ ،‬بأن المدينة ‪-‬‬ ‫الثقاف فكملكية جماعية)‪ ،‬شأنا‬
‫ّ‬
‫الجهة الن تثمن موروثاتها الثقافية‪ ،‬توفر إمكانيات إلعداد أفضل لمستقبلها‪ .‬وقد ولدت القناعات السالفة‬
‫الوظيفية»‪.‬‬ ‫ل «المدينة‬ ‫كمقابل‬ ‫الدائمة»‬ ‫«المدينة‬ ‫مفهوم‬ ‫الذكر‪،‬‬
‫يتضح مما سبق‪ ،‬تالزم مفهوم الثاث والتنمية‪ ،‬إذ يمثالن بعض القياسات الن تعكس إرادة إلدماج البعد‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ن ن‬
‫والحاض والمستقبل الخاص بالمجتمعات‪ ،‬ف منطق تحويل‬ ‫الماض‬ ‫مفصلة‬ ‫التاريج ف برامج التنمية‪ ،‬أي‬
‫ن‬
‫التثمي‪ ،‬تعد واحدة‬ ‫وتضامن ألجيال متداخلة‪ .‬وألن الثاث مورد غث قابل للتجدد‪ ،‬فاإلحالة عليه بالحفاظ أو‬
‫الممثة لالستدامة عىل السلم الكوكن‪ .‬فالثاث مورد رمزي قيم‪ ،‬متصل بقوة بسؤال الذاكرة‬ ‫ن‬ ‫من الصيغ الشعية‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫والهوية‪ ،‬وإرادات استعماله من طرف المنتخبي المحليي‪ .‬لكنه أيضا‪ ،‬مورد اقتصادي تحت الزاوية السياحية‬
‫والمجاالت‪.‬‬ ‫الفضاءات‬ ‫ن‬
‫لتثمي‬ ‫صيغة‬ ‫الثاثية‬ ‫أن‬ ‫ذلك‬ ‫بالخصوص‪،‬‬

‫‪49‬‬
‫إن تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة‪ ،‬رهن باستحضار الفضاءات والعناض كافة الن تتفاعل بهدف تحقيق‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫بتثمي الثاث الثقاف‪ ،‬إدماجه‬ ‫رخاء اإلنسان‪ ،‬الذي يعد عنرصا بؤريا ف كل مشوع تنموي‪ .‬ومن المداخل الكفيلة‬
‫ن‬
‫ف إسثاتيجية تروم النهوض بالسياحة الثقافية ‪.‬‬
‫‪.5‬مكونات التنمية المحلية‬
‫تعتمد التنمية المحلية عىل مجموعة من المكونات الرئيسية وه‪ :‬األفراد فهم مجموعة األشخاص الدين‬
‫يسكنون نف مكان ما و يعتثون العناض الفعالة)‪ ،‬و الن تساهم نف دعم التنمية المحلية لتحف ق أهدافها‪.‬‬
‫المؤسسات ‪:‬ه مجموعة من المنشآت المحلية‪ ،‬والن تهدف إىل توفث وظائف ‪ ،‬ومهن متنوعة لألفراد ‪،‬‬
‫وتساعد نف الزيادة من كفاءة التنمية المحلية‪.‬‬
‫المجتمع ‪:‬هو المنطقة الجغرافية‪ ،‬أو المساحة السكنية الن يوجد فيها كل من األفراد‪ ،‬و المؤسسات‪،‬‬
‫و يعد العنرص األساس‪ ،‬والمكو ن الرئيس من مكونات التنمية المحلية‪.‬‬
‫‪ . 6‬خصائص التنمية المحلية‬
‫ن‬
‫تتمث التنمية المحلية بمجموع ة من الخصائص‪ ،‬وه تعتث التنمية المحلية عملية شاملة‪ ،‬إ ذ إنها تشمل كافة‬
‫ن‬ ‫مكونات المجتمع‪ ،‬وال ن‬
‫تلع وجو د أ ي عنرص من عناضه ‪.‬تساهم ف تطور المجتمع‪ ،‬إذ إنها تعتمد عىل مجموع‬
‫تحسي األوضاع المعيشية ‪ ،‬و التعليمية نف المجتمع‪.‬‬
‫ن‬ ‫ة من االسثاتيجيات‪ ،‬و الخطط الن تهدف إىل‬
‫‪ . 6‬أهداف التنمية المحلية‬
‫تهدف التنمية المحلية إىل االستفادة من كافة الموار د ‪,‬إد إنها تسع إىل جعل الموارد األولية وسيلة من‬
‫الوسائل الن توفر الكفاية الذاتية ألفراد المجتمع ‪,‬و تحو ل جزء ا منها ليصبح من أجزاء التجارة المحلية‪,‬‬
‫والخارجية ليعود بالفائدة عىل المجتمع كامال‪ .‬تسع لتوفث كاف ة الخدمات األساس ة لألفرا د ‪,‬من وسائل‬
‫نقل ‪,‬مؤسسات تعليمية ‪,‬قطاعات عامة وغثها‪.‬‬
‫‪ .7‬وظائف التنمية المحلية‬
‫ن‬
‫‪.‬توجد مجموعة من الوظائف تقوم بها التنمية المحلية ‪,‬ومنها ‪:‬التعاون مع القطاعات الفعالة ف المجتمع‬
‫ن‬
‫المحىل ‪,‬والدي يساهم ف دعم مكونات التنمية المحلية ‪ ,‬و تزويدها بالوسائل األولية للمحافظة عىل‬
‫استمرارية نمو المجتمع ‪.‬استحداث مجموعة من النظم االجتماعية ‪,‬والن تعمل عىل تحليل طبيعة‬
‫ن‬
‫حيا ة عينة من األفرا د ف المجتمع المحىل ‪ ,‬و التعرف عل ى كيفية تفاعلهم مع كافة الظروف المحيطة‬
‫بهم ‪,‬من أجل تقييم أوضاعهم داخل المجتمع ‪.‬التقليل من المركزية ‪,‬فتحرص عىل تطبيق كافة الوظائف‬
‫المرتبطة بها‪.‬‬
‫ن‬
‫المواطني داخل المجتمع المحىل ال يعتمد فقط عىل القيام‬ ‫تفعيل دو ر المشارك ة الشعبية‪ ,‬إ ذ أ ن دو ر‬
‫بالوظائف ‪,‬والمهن بل عىل التفاعل الشعن مع األمور الخاصة بهم ‪,‬سواء عن طريق نظام ما النتخابات أ و‬
‫مجلس الثلمان‪.‬‬
‫‪ .9‬أنواع العالمية ‪:‬‬
‫تتكون العالمية من عدة أنواع تؤثر عىل أغلب مجاالت الحياة‪ ،‬ومن أهم أنواعها ‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫‪.1.9‬العالمية السياسية ‪:‬‬
‫ه من ر‬
‫أكث أنواع العالمية انتشارا‪ ،‬إدا تعد األفكار ‪,‬و المبادئ السياسية أفكارا عالمية ‪,‬و دلك بسبب أن تأثث‬
‫السياسية ال يرتبط بدولة ما بل يتعدى حدو د الدو ل ‪,‬ويعمل عىل ظهور مجموعة من الكيانات المتفقة معا‬
‫ن‬
‫سياسيا ‪,‬وهدا ما ظهر واضح ا ف التحالفا ت الن حدثت أثناء الحرو ب العالمية ‪,‬ومن األمثلة عليها ‪:‬االتحاد‬
‫األورون ‪ ,‬و جامعة الدو ل العربية ‪ ,‬و غثهما‬
‫‪.2.9‬العالمية االقتصادية‪:‬‬
‫ن‬
‫ثان ر‬
‫أكث أنوا ع العالمية تأثثا بعد العالمية السياسية ‪,‬إ د إن الدو ل تتأثر اقتصاديا بناء عىل العالقات‬ ‫ه‬
‫السياسية بينها ‪,‬وعىل طبيعة تأثثها عىل المجا ل االقتصاد ي ‪,‬فوجود إمكانية االستثاد ‪,‬و التصدي ر ببندول‬
‫ن‬
‫العالم ‪,‬يساهم ف جعل التبادل التجاري من األمور العالمية ‪,‬أ ي ال يقترص عىل دولة معنية بذاتها‪,‬‬
‫ومن األمثلة عىل العالمية االقتصادية‪ :‬منظمة التجار ة العالمية‪.‬‬
‫‪.3.9‬العالمية الثقافية‪:‬‬
‫ن‬
‫ثقاف ن‬
‫بي مجموعة من الشعو ب ‪,‬والدي يعتمد عىل‬ ‫ه نوع العالمية الذي يؤدي إىل انتشار فكر ة‬
‫التأثر بالعادات ‪,‬و التقاليد المرتبطة بمجموعة من األفراد ‪ ,‬أو دولة ما ‪ ,‬من األمثلة عىل العالمية الثقافية‬
‫ممثلي من مختلف الجنسيات ‪ ,‬و الثقافات ‪,‬و الدو ل‬ ‫ن‬ ‫‪:‬انتشار األفالم المصورة عالميا ‪,‬والن تعتمد عىل وجود‬
‫مما يؤثر عىل طبيعة الفيلم المصور ‪,‬والقصة المرتبطة به‪. .‬‬
‫‪ .4.9‬ن‬
‫ممثات العالمية‬
‫ن‬
‫تتمث بها العالمية‪ ,‬وه‪ :‬ال ترتبط بنطاق ‪,‬أ و فئة معينة بل تشمل كافة‬ ‫ن‬
‫الممثات الن‬ ‫توجد مجموع ة من‬
‫الفئات ‪.‬‬
‫تستمد قدرته ا عىل القيام بالمهام ‪ ,‬والنشاطات الخاصة بها من قبل الدعم العالىم لها ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫معي ‪.‬‬ ‫تتمث بقدرتها عىل االنتشار ف جميع األماكن‪,‬أ ي ال تفضل مكان‬
‫ن‬
‫تساهم ف تطو ر ‪,‬ونمو القطاع الذ ي توجد بيه‬
‫بي الصفة العالمية وخصوصية الممارسة المحلية ‪:‬‬ ‫‪.10‬الثاث الشعن ن‬
‫ّ‬ ‫ن‬ ‫تكاد تتفق جميع األبحاث ر‬
‫األنثوبولوجيا والدراسات الفولكلوري ة ف القو ل بأن جميع التعبثات الشعبية ا ا‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫إنسان واجتماع‪ ،‬غايتها تقديم تصورات الشعوب‬ ‫كان شكله ا ّ أي وأي كانت صفتها تنش أ ف األصل بدافع‬
‫بي ما هو معلو م وما هو مجهول‬ ‫للواقع وإلبراز تمثيالتها العامة للوجود والحياة‪ ،‬وأيضا لردم تلك الهوة الكائنة ن‬
‫ن‬
‫ف تفسثهم للظواهر الن يعجز العقل البشي عن فهمها وإدراكها ‪.‬وانطالقا من ذلك فالثاث الشعن يمثل‬
‫تخثل فيه المجتمعات اإلنسانية تجارب ها الن مرت بها ولتأري خ األحدا ث الن عايشتها ‪.‬وعىل‬ ‫ن‬ ‫فضا ء خصبا‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ذلك فهو يمثل إرثا إنسانيا مطلقا ف غالب األحيان بتحرره من قيد ي المكان والزمان ‪.‬وهذ ا يعن من الناحية‬
‫ن‬
‫المعرفية والتاريخية ‪ ،‬بأن جميع شعو ب العال م بدون استثناء قد ساهمت ف هذ ا الفعل الدائم والبناء‬
‫المتواصل ‪ ،‬فكل جماعة إنسانية مهما كان شكلها ودرجة وعيها لها ثقافتها الشعبية ومخزونها الشعن الخاص‬
‫ن‬
‫‪.‬وهذا ما أدى ف كثث من األحيان إىل تشابهها سواء من حيث الشك ل فالحكاية ‪ ،‬األسطورة ‪ ،‬األمثال الشعبية‬
‫ن‬
‫)‪...‬أ و كذلك من حيث المضمون‪ .‬وهذ ا راجع ف رأينا إىل طبيعة العقل البش ي الذ ي يحبذ بطبعه البحث‬

‫‪51‬‬
‫عن األسباب ويتأثر بالنتائج‪ ،‬وألن القيم اإلنسانية المنشود ة كالتسامح والعدالة وحب الخث أ و القيم المذمومة‬
‫نعث عىل حكاية هندية‬ ‫كالظلم واالستبداد‪...‬ه واحد ة ال تتغث نف أ ي زمان وأ ي مكان ‪.‬فال عجب مثال أن ر‬
‫قديمة تشابه إىل حد كبث حكاية أخر ى نعرفها عندنا واألمثلة نف ذلك عديدة‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫فال مجال إذا إىل محاولة تثبيت التعبثات الشعبية ف أرض واحد ة مثلما ذهب ف اعتقاد األخوين " جاكوب‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫وفيلهام جر م "بأن الحكايات الخرافية تعود ف األصل إىل العرص الهندوجرمان وأنها تقترص فقط عىل هذه‬
‫ن‬ ‫الشعوب‪ ،‬أو مثلما زعم "تيودور ن‬
‫بنف "بأن موطن الحكايات الخراف ة ه بالد الهند‪ ،‬فمهما حاولت بعض‬
‫الدراسات تأكيد الطابع المحىل أ و القوم ي لثاثها الشعن فإنه ا ستصطد م حتما بتشابهها م ع باف الثقافات‬
‫األخر ى" ‪.‬ولهذا فقد تشابهت أشكال التعبث الشعن نف كثث أ و قليل من حيث الشكل والمحتوى" ‪.‬‬
‫ولكن إذا ما أقررنا بتشابه التعبثا ت الشعبية وأضفينا عليها صفة العالمية فإن ذلك سيضعنا حتما‬
‫ن‬
‫أمام سؤال مقلق وإشكال قوامه ‪:‬أ ال تساهم هذه الصفة ّ العالمية للتعبث الشعن ف تغييب ذلك الطابع‬
‫المحىل للشعو ب وتهميش تلك الروح المحلية للمجتمعات ؟‬
‫ن‬
‫قد يبد و األمر ف ظاهره سلب وسحب للطابع المحىل والرو ح القومية ‪ ،‬غث أن النظرة المتأنية‬
‫بي األمرين ‪.‬فالطابع المحىل‬‫للباطن تكشف عن وجو د عالقة تفاعلية أحيانا وتكاملية أحيانا أخر ى ما ن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الكون ‪.‬بلغة أقل تعقيدا فهذه الصبغ ة العالمية‬ ‫ال يمكن أ نفهمه إ ال بوضعه ف إطاره العالم ي ومداره‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫تضمن بقاء هذه الخصوصية الثقافية وه الن تساهم ف حماية ذلك الطابع المحىل للتعبثا ت‬ ‫ه الن‬
‫الشعبية ‪.‬فعىل سبيل المثال فإننا نستمتع عندما نقرأ و نستمع إىل حكاية شعبية ألي شعب آخر بل أ ن األمر‬
‫ن‬
‫يتعدى ف غالب األحيان درجة االستمتاع الضيقة إىل درجة االستفادة المبارس ة الن تحصل ا فن عىل عادا‬
‫ت ّ بتعر ومعتقدات باف الشعوب‪ ّ .‬أخثا جىل بنا القول بأن الدراسة الفلكلورية للموروثات الشعبية‬
‫يجب أن تبف بعيدة كل البعد عن تلك الحسابات المغرضة وبمنأى عن كل التصنيفات الضيقة الن‬
‫ن‬
‫من شأنه ا أن تهضم حق الشعوب ف ممارسة عاداتها والحفا ظ عىل ترا ث أجدادها ‪.‬ولتحقيق ذلك ال دب أو‬
‫الفولكلوريي نف كل البالد عىل جمع وتوثيق هذه الماد ة الوفثة ‪ ،‬ثم ثانيا يجب أ ن ن‬
‫تلث م كل‬ ‫ن‬ ‫ال من عمل‬
‫بي الشعوب‬ ‫ن‬
‫الشعو ب بحماية رصيده ا ومخزونها الشعن وأن تعث به حن يبف حبل التواص ل قائما ن‬

‫‪.11‬كفية المحافظة عىل الثاث ‪:‬‬


‫ن‬
‫توجد ثالث طرائق رئسية ف التعامل مع الثاث العرن اإلسالم‪ .‬وبالتاىل‪ ،‬تتخذ ھذه ‪ ،‬حسب محمد عابد‬
‫الجابري‪-‬ثالث صور منھجیة‪ ،‬وھ ‪:‬‬
‫الطریقة التقلیدیة –الطرائق والطریقة االستشاقویة‪ ،‬والطریقة الماركسیة ‪.‬‬
‫فالصورة األوىل ھ صور ة الطریقة التقلیدیة الن ترتكز عىل التعامل الث ران التقليدي مع الثاث‪ ،‬كما یظھر‬
‫ن‬
‫القرویي بالمغرب‪ ،‬واألزھر بمرص‪ ،‬والزیتونة‬ ‫ن‬
‫المتخرجي من المعاهد األصیلة‪ ،‬كجامع‬ ‫ذلك جلیا عند العلماء‬
‫بتونس‪ .‬ویتسم ھذا التعامل مع ذلك الثاث بالرؤیة حسب – السلفیة الماضویة‪ ،‬وغیاب الروح النقدیة‬
‫ویعن ھذا الجابري‪-‬أن الصورة العامة الن نجدھا عند هؤالء عن المعرفة‬‫ن‬ ‫العلمیة‪ ،‬وفقدان النظرة التاریخیة‪.‬‬
‫بالثاث‪ ،‬بمختلف فروعها الدینیة واللغویة واألدبیة ‪،‬تقوم عىل منھج یعتمد ما سبق أن أسمیناه بالفھم‬
‫ن‬
‫األقدمي كما ھ‪ ،‬سواء تلك الن یعثون فیھا عن آرائھم الخاصة أو الن‬ ‫الث ران للثاث‪ .‬الفھم الذي یأخذ أقوال‬
‫یمث ھذا النوع من المنهج ھو االستنسا واالنخراط‬ ‫یرون من خاللھا أقوال من سبقوھم‪ .‬والطابع العام الذي ن‬

‫‪52‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫اثنتي‪ :‬غیاب الروح النقدیة‪ ،‬وفقدان النظرة التاریخیة‪ .‬وطبیع‪ ،‬والحالة ھذه‪ ،‬أن یكون إنتاج ھؤالء‬ ‫آفتي‬ ‫ف‬
‫ن‬
‫ھو »الثاث یكرر نفسها«‪ ،‬وف الغالب بصورة‬
‫مع ھذ ه الصورة التقلیدیة من المعرفة مجزأة ورديئة وال نحتاج إىل الوقوف ھنا طویال بالثاث فھ معروفة‬
‫الثعة النقدیة الموضوعیة‪،‬‬‫الدین الماضوي‪ ،‬وغیاب ن ن‬‫ن‬ ‫ویعن ھذا أن الصورة التقلیدیة تتسم بالطابع‬‫ن‬ ‫جدا ‪.‬‬
‫أما الصورة‬ ‫ن‬
‫واالرتكان إىل التعامل الالتاریج مع الثاث العرن اإلسالم‪.‬‬
‫الثانیة من صور قراءة الثاث العرن اإلسالم‪ ،‬فھ الصورة االستشاقویة كما یظھر ذلك جلیا لدى المستش ن‬
‫قي‬
‫ن‬
‫التابعي لھم من جھة أخرى‪ ،‬فتمتاز ھذه الصورة بتكریس‬ ‫ن‬
‫الدارسي العرب‬ ‫ن‬
‫الغربیي من جھة‪ ،‬أو‬ ‫ن‬
‫المستعربي‬ ‫أو‬
‫الثعة االستعمارية‪ ،‬ومعاداة العقلية‪.‬‬‫نن‬
‫ن‬
‫وترجيح كافة العقلية اآلریة ‪ ،‬والغض من قیمتھا عىل المستوى المعرف والعلىم ‪ ،‬السامیة‬
‫ً‬ ‫واالنتقاص نف عدم اعثاف بعض المستش ن‬
‫قي بالفلسفة اإلسالمية ًوتمظهر ھذا واضحا علم الكالم‬
‫والتصوف اإلسالم؛ ألن العقلیة السامیة غث قادرة عىل التجرید‪ ،‬والثكیب‪،‬‬
‫ن‬
‫كما یذھب إىل ذلك المستشق األلمان ‪ ،‬وأخالقا ومعرفة ًوبناء األنساق الفلسفیة الكثى وجودا رينان‬
‫تمسك المستشقون الغريبون منذ القرن التاسع عش وبدایات القرن ‪ . ،‬ومن جھة أخرى العشين بالدفاع عن‪،‬‬
‫للمعرفة والعلم والحقيقة ً باعتبارھا نموذجا ‪ ،‬ركزیة األوروبیة انطلق ھؤالء الدارسون من مناھج فیلولوجیة‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫التاریج‪ :‬یفكر شمولیا ف‬ ‫ویعن ھذا أن المستشق من كیان ثقاف ً صاحب المنھج‬ ‫أو تاریخیة أو ذاتیة‪.‬‬
‫الفلسفة اإلسالمیة ال بوصفھا جزء‬
‫عام‪ ،‬ھو الثقافة العربیة ‪ .‬للفلسفة الیونانیة ً أو مشوھا ً منحرفا ً بل بوصفھا امتدادا ‪ ،‬اإلسالمیة وبالمثل‪،‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫یفكر ف النحو العرن ومدارسھا‪ ،‬یوجھھا ھاجس ربطھا بمدارس النحو الیونانیة ف اإلسكندریة أو برغام وبیان‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫الرومان وما خلفھا ف المنطقة العربية من آثار‪ ،‬من‬ ‫تأثرھا بالمنطق األرسىط‪ ،‬كما ال یثدد ف ربط بالقانون‬
‫الربط ً نوعا ‪ ،‬الفقھا اإلسالم وأعراف‪.‬‬
‫الباحثي العرب ذات الطابع االستش ناف والستغران مدى التبعية الثقافية والفكرية للغرب‪.‬‬‫ن‬ ‫كما تعكس دراسات‬
‫ن‬
‫ومن ثم ‪،‬تعتمد ھذه الصورة عىل الفھم الخارح لمفهوم الثاث‪ .‬وف ھذا الصدد‪ ،‬یقول محمد عابد الجابري‪:‬‬
‫ن‬
‫"فالصورة العرصية االستشاقویة الرائجة ف الساحة الفكرية العربیة الراھنة عن الثاث العرن اإلسالم‪ ،‬سواء‬
‫ن‬
‫الباحثي والكتاب العرب‪ ،‬صورة‬ ‫قي أو ما صنف بأقالم من سار عىل نھجھم من‬ ‫منھا ما كتب بأقالم المستش ن‬
‫ً‬
‫تابعة‪ .‬إنھا تعكس مظھر عىل األقل عىل صعید المنھج والرؤبة ‪ ،‬من مظاهر التبعية الثقافية ً أما المستشق‬
‫الفیلولوح الغرن‪ ،‬فیبحث عن جذور جینیالوجیة فالبحث عن األصول) للثقافة العربیة اإلسالمیة‪ ،‬فیعیدھا‬
‫ویعن ھذا أن عندما یتجھا إىل الثقافة العربیة اإلسالمیة ‪ ،‬غرم بالتحلیل‬‫ن‬ ‫إىل مصادر یونانیة أو ھندوأوروبیة‪.‬‬
‫الفیلولوح ُ لمستشق الم بنظرتھا التجزیئیة‪ ،‬ال یعمل عىل رد فروعھا وعناضھا إىل جذور وأصول تقع داخلھا‪،‬‬
‫ن‬
‫أو عىل األقل مقروءة بتوجیھا من ھمومھا الخاصة‪ ،‬بل ھو یجتھد كل االجتھاد ف رد تلك الفروع والعناض إىل‬
‫یعن المساھمة‪ ،‬ولو بطریقة غث‬ ‫أصول یونانیة‪ ،‬أو عندما تعوزه الحجة إىل أصول ھندوأوروبیة‪ ،‬السء الذي ن‬
‫ن‬
‫مبارسة‪ ،‬ف العملیة نفسھا ‪ ،‬عملیة خدمة »النھر الخالد«‪ ،‬نھر الفكر األورون الذي نبع أول مرة من بالد‬
‫الیونان‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫أما المستشق الذي یستخدم المنھج الذاتوي ف دراساتھا وأبحاثھا‪ ،‬فیمیل إىل شخصیات ‪ ،‬ىل ف ذلك بحجج‬
‫موضوعية ُ من دون أن ید ‪ ،‬ومتآزرة ً ومناضة ً فیتعاطف معھا دفاعا ‪ ،‬معینة ترجح وجھة نظره الصائبة‪،‬‬

‫‪53‬‬
‫ن‬
‫وتقنعنا بأطروحة الفكرية أو تصوراته الحجاجیة‪ .‬وف ھذا السیاق‪ ،‬یقو ل محمد عابد الجابر ي‪ :‬أما المستشق‬
‫صاحب المنھج الذاتوي فإنه‪ ،‬عىل الرغم ‪ ،‬من تعاطفھ مع بعض الشخصيات اإلسالمیة‪ ،‬كتعاطف ماسینیون‬
‫ھثي كوربان ‪ ،‬مع السھروردي فإنه تبف مع ذلك موجھا من داخل إطاره المرجع األصىل ً‬ ‫مع الحال ج ‪ ،‬أو ن‬
‫ن‬
‫‪ ،‬إطار المركزية ‪ ،‬األوروبیة مشدودا ‪ ،‬إلیھ ً غث قادر وال راغب ف الخروج عنھ ‪ ،‬طیعة معھا‪ .‬إنه یتمرد‬
‫حاضه األورون من الشخصیات‬ ‫فیعیشھ رومانسیا عث تجربة ھذه الشخصیة أو تلك ‪ ،‬یتمسك بماضیھ ‪ ،‬عىل ن‬
‫ن‬
‫الروحانیة ف الثقافة العربیة اإلسالمیة‪ .‬وقد یذھب إىل أبعد من ھذا فیطالب‪ ،‬من خالل تلك التجربة‪،‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫استعادة روحانیة الغرب مما لدى الشق ‪.‬‬
‫ویعن ھذا أن المستشق الغرن حینما یطبق المنھج الذاتوي ف‬
‫ن‬
‫تعاملھ مع الثاث العرن اإلسالم‪ ،‬فإنھ ینطلق ف ذلك من رؤیة رومانسیة قائمة عىل االنبهار بسحر الشق‪،‬‬
‫ن‬
‫واالندهاش بعجائبه الخارقة‪ ،‬كما تتعشعش ف مخیلتھ اإلثنوغرافیة أو الفانطاستیكیة ‪ .‬أما الصورة الثالثة من‬
‫ن‬
‫صور التعامل مع الثاث العرن اإلسالم‪ ،‬فھ الصورة الماركسیة الن تعتمد عىل المادیة التاریخیة ف تعاملھا‬
‫مع الثاث‪ ،‬وھ صورة أیدیولوجیة لمفهوم الثاث‪ ،‬وتشتغل بدورھا ضمن الرؤبة المركزیة األوروبیة‪ ،‬ویمثل‬
‫ھذه النظرة عىل سبیل مثال ً‪ .…-‬وتمتاز‬

‫ین‪ ،‬ومحمود إسماعيل عبد الرزاق ھذه الصورة الماركسیة عن الصورة‬ ‫حسي مروة‪ ،‬والطیب ن‬
‫الث ن‬ ‫ن‬ ‫– التمثیل‪:‬‬
‫االستشاقویة‪ :‬بكونھا تع تبعیتھا للماركسية‪ ،‬وتفاخر بھا‪ .‬ولكنھا ال تع تبعیتھا الضمنية للطار نفسھ الذي‬
‫تصدر عنھ القراءة االستشاقویة لثاثنا‪ .‬إن المادیة التاریخیة الن تحاول ھذه الصورة اعتمادها‪ ،‬كمنھج‬
‫مطبق‪ ،‬ولیس كمنھج للتطبيق‪ ،‬مؤطرة ھ األخرى داخل إطار المركزیة األوروبیة‪ :‬إطار عالمية تاري خ الفكر‬
‫األورون‪ ،‬بل التاري خ األورون عامة‪ ،‬واحتوائه لكل ما عداه‪ ،‬إن لم یكن عىل صعید المضمون واالتجاه‪ ،‬فعىل‬
‫یكف لیجعل الصورة الماركسیة لثاثنا‬ ‫األقل‪ ،‬وھذا أكید‪ ،‬عىل صعید المفاھیم والمقوالت الجاھزة‪ .‬وھذا ن‬
‫العرن اإلسالم تقوم ھ األخرى عىل الفھم من خارج لھذا الثاث‪ ،‬مثلھا مثل الصورة االستشاقویة سواء‬
‫بسواء ‪.‬‬
‫ن‬
‫وعلیھا‪ ،‬فثمة‪-‬إذن‪ -‬ثالث طرائق ف دراسة الثاث العرن اإلسالم‪ :‬الطریقة الثاثية الن‬
‫ن‬
‫التقلیدیي الذین ینطلقون من ‪ ،‬تقرأ الثاث بالثاث تصورات تراثیة أو‬ ‫ن‬
‫یتبي ذلك جلیا عند علماء الدین‬ ‫كما‬
‫ن‬
‫سلفیة‪ ،‬والطریقة األیدیولوجیة الن تقرأ الثاث من وجھة مادیة تاریخیة أو ف ضوء مقاربة ماركسیة‪ ،‬والقراءة‬
‫الخارجیة للثاث‪ ،‬كما عند المستش ن‬
‫قي وأتباعھم من المفكرین العرب الذین یقرؤون الثاث‪ ،‬إما قراءة ذاتیة‪،‬‬
‫الثعة االستعمارية من جھة‪ ،‬وتثبيت المركزية‬‫وإما قراءة فیلولوجیة‪ ،‬وإما قراءة تاريخية‪ ،‬والغرض منھا تقوية ن ن‬
‫األوروبیة من جھة ثانية‪ ،‬وتكرس التبعیة المستلبة من جھة ثالثة ‪.‬‬
‫ن‬
‫وتوجد اىل غثذلك للحفاض عىل هذا االخث منھجیة محمد عابد الجابري ف التعامل مع الثاث الن تطرق‬
‫اليها نف كتابه كتاب الثاث والحداثة دراسات‪ .‬ومناقشات الدكتور محمد عابد الجابري ‪.‬‬
‫ن‬
‫‪ .III‬لمجتمع المدن و صناعة التحديث‪:‬‬
‫المفاهيم‬
‫ن‬
‫المدن ‪:‬‬ ‫مفهوم المجتمع‬
‫ن‬ ‫ر‬ ‫ن‬
‫المدن يعتث من أكث المفاهيم الخالفية ن‬
‫بي الفالسفة والمفكرين الذين ساهموا ف تطوراته خالل‬ ‫المجتمع‬
‫مراحل مختلفة بما ينسجم غالبا مع حاجة كل مراحل مع عاضها هؤالء فال يوجد بينهم اتفاق حول ماهيته‬
‫ن‬
‫المدن‪ .‬وال يقترص االختالف حول التعريف وانما أيضا حول مكوناته‬ ‫أي ما هو تحديدا المقصود بالمجتمع‬

‫‪54‬‬
‫ورسوطه والمصطلحات الن يتم استخدامها والن يعتثها بعضهم مرادفة له وال يعتثها اخرون كذلك كما‬
‫ن‬ ‫يختلفون حول دوره واستخداماته‪ .‬ومن هنا ي ن‬
‫تبي أن للمجتمع المدن عدة تعريفات من بينها تعريف دومنيك‬
‫ن‬
‫المدن ن‬
‫يعن الحياة االجتماعية المنظمة انطالقا من منطلق خاص بها وخاصة الحياة‬ ‫كوالس بأن المجتمع‬
‫العامة الن تضمن ديناميكية اقتصادية وثقافية و سياسية‪ .‬ويعرفه برتراند بادي بأنه كل المؤسسات الن تتيح‬
‫لألفراد التمكن من الخثات و المنافع دون تدخل أو وساطة من الدولة ‪.‬ويعرفه وايت جوردون بأنه مملكة‬
‫ن‬ ‫تقع ن‬
‫بي الدولة و األرسة وتقطنها منظمات منفصلة عن الدولة وتتمتع باستقالل ذان ف عالقتها معها وتتشكل‬
‫ن‬
‫من أفراد يهدفون اىل حماية مصالح أو قيم معينة ‪.‬وأضاف سعد الدين ابراهيم الحقا لمفهوم المجتمع المدن‬
‫بي األرسة و الدولة لتحقيق‬ ‫حيث اعتثه مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة الن تمأل المجال العام ن‬
‫اض والتسامح واالدارة السلمية للتنوع واالختالف‬ ‫ملثمة نف ذلك بقيم و معايث االحثام و الث ن‬ ‫مصالح أفرادها ن‬
‫ن‬
‫و بالتاىل تشمل منظمات المجتمع المدن كال من الجمعيات والروابط و النقابات و األحزاب و األندية‬
‫ر‬
‫والتعاونيات أي كل ما هو غث حكوم وكل ما هو غث عائىل أو وران‪ .‬ويرى محمد عبد الجابري أنه مهما‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫كان االختالف ف تعريف المجتمع المدن فان ما هو بديه وال يمكن ان يكون اال محل اختالف؛ هو ان‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫المجتمع المدن أوال وقبل كل سء عبارة عن مجتمع المدن وان مؤسساته ه الن ينشئها الناس بينهم ف‬
‫المدينة لتنظيم حياتهم االجتماعية واالقتصادية والثقافية فه اذن مؤسسات ارادية وأشبه ارادية يقيمها‬
‫الناس وينخرطون فيها وذلك عىل النقيض تماما من مؤسسات المجتمع البدوي الن ه مؤسسات طبيعية‬
‫يولد الفرد منتميا اليها مندمجا فيها وال يستطيع االنسحاب منها كالقبيلة والطائفة ‪ .‬وال يقترص التباين ن‬
‫بي‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫المدن فحسب بل يتعداه اىل مكونات هذا المفهوم‪ .‬وف‬ ‫الفالسفة والمفكرين عىل التعريف بمفهوم المجتمع‬
‫ن‬
‫المدن ال يشمل مؤسسات حديثة فحسب وانما يشمل كذلك بن‬ ‫ن‬ ‫هذا السياق يذهب البعض اىل أن المجتمع‬
‫ن‬
‫مؤسسات تقليدية كالعشثة والقبيلة بعبارة اخرى فإن البن االجتماعية ما قبل الدولة بقيمها التكافلية‬
‫المدن الذي يبف بعد تأسيس الدولة‪ .‬ويرى برهان غليون أن المجتمع‬ ‫ن‬ ‫وعصبتيها تشكل جزءا من المجتمع‬
‫المدن ال يختلف عن الدولة لمجرد أنه يطر ح سياسة ديمقراطية وانما بتجسيده ألنماط مختلفة من‬ ‫ن‬
‫كمنتجي لهم حياتهم المادية ومعتقداتهم ومقدساتهم ورموزهم‬ ‫ن‬ ‫كمواطني بل‬ ‫ن‬ ‫عالقات األفراد ليس باعتبارهم‬
‫التاريج لتطور المجتمع المدنن‬ ‫ن‬ ‫‪.‬السياق‬
‫ن‬
‫بداية تشك ل مفهوم المجتمع المدن ارتبطت بنشو ء المجتمع الرأسمال ي و تطور الفك ر السياس ي الليثاىل‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫القرني السابع عش و الثامن عش فقد شهدت تلك الحقب ة انهيار الحكم اإلقطاع ي‬ ‫ف أروبا خالل‬
‫ن‬
‫المطلق و التحول من الحال ة الطبيعية إىل الحالة االفثاضية إىل المجتمع المدن الحديث الذ ي يقر بحرية‬
‫‪ ،‬الفرد و سيادة الشعب و حقو ق اإلنسان‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫نمث ن‬ ‫و يمكن أن ن‬
‫المدن‬ ‫بي أربعة مراحل ف تطو ر مفهوم المجتمع‬
‫ن‬ ‫المدن اكتسب ن‬ ‫ن‬
‫متمثا مع هيجل ف‪ )0030-0022‬ليدل عىل جملة المؤسسات‬ ‫معن‬ ‫لكن مفهوم المجتمع‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫و التنظيمات الن تقع ف مقابل الدولة فهو ف نظري هيجل يشمل التعاونيات و التجمعات االقتصادية ‪.‬و‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫المدن االفراد الذين يبحثون عن تحقيق منافعهم الخاصة فهم أشخاص خاصون‬ ‫بمعن واضح يشمل المجتمع‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫االنسان ‪،‬و يقول هيجل ف هذا الصدد ف ان األفراد‬ ‫غايتهم الخاصة ف مقابل الدولة الن تعد غاية المجتمع‬
‫ماطن هذه الدولة فهم أشخاص خاصون ‪،‬غايتهم منفعتهم الخاصة و بما أن منفعتهم الخاصة تنال‬ ‫ن‬ ‫بوصفهم‬
‫من خالل الكىل الذي و سيلة عىل هذا النحو فان هذه الغاية ال يمكنهم بلوغها اال اذا حددوا معرفتهم و‬
‫ارادتهم و عملهم وفقا لصيغة كلية وتحولوا الحلقات الن تتألف منها جملة الدولة)‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫المدن مقابال‬ ‫ولقد كان للتصوري الهيجىل تأثثا كبثا ف النظريات السياسية الالحقة لكونه وضع المجتمع‬
‫ن‬
‫المدن ‪.‬‬ ‫ن‬
‫للدولة ولذا فأصحاب التعددية السياسية تستخلص آراؤهم من هيجل ف المجتمع‬

‫‪55‬‬
‫كانت نظرية هيجل عرضة للنقد من قبل ماركس الذي عوض مثالية هيجل بنظرية واقعية قوامها العامل‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫االقتصادي‪ ،‬ليصبح المجتمع المدن هو فاألساس الواقع للدولة)‪ .‬ان المجتمع المدن ال ينفصل عن الرصاع‬
‫ن‬
‫الطبف ‪ ،‬وستنه الثوليتارية بدور المجتمع المدن للطاحة بالنظام الثجوازي وبناء الدولة نظرية االشثاكية‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫التاريج لتطور المجتمع المدن ‪:‬‬ ‫‪ . 1‬السياق‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫بداية تشك ل مفهوم المجتمع المدن ارتبطت بنشو ء المجتمع الرأسماىل و تطور الفكر السياس الليثاىل ف‬
‫القرني السابع عش و الثامن عش فقد شهدت تلك الحقبة انهيار الحكم اإلقطاع المطلق و‬ ‫ن‬ ‫أروبا خالل‬
‫ن‬
‫التحول من الحالة الطبيعية إىل الحالة االفثاضية إىل المجتمع المدن الحديث الذ ي يقر بحرية ‪ ،‬الفرد و‬
‫سيادة الشعب و حقو ق اإلنسان‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫و يمكن أن ن‬
‫نمث ن‬
‫بي أربعة مراحل ف تطو ر مفهوم المجتمع المدن‬
‫المرحل ة األوىل ‪:‬‬
‫انهيار النظام اإلقطاع‬
‫تراجع دو ر الكنيسة داخل المجتمع‬
‫المرحل ة الثانية ‪:‬‬
‫وهو متكون من أفراد اليرونسو ى مصالحهم الخاصة و يتعاملون فيما بينهم لتحقيق حاجاتهم المادية ‪ .‬و‬
‫الثعة الهيكلية إىل وضع الدولة فوق المجتمع‬ ‫رأى هيجل أن المجتمع ال ن‬
‫مدن يتم بعد بناء الدولة أدت هذه ن ن‬
‫مثايد لمفهوم الدولة‪.‬‬ ‫ن‬
‫المدن لصالح تقديس ن‬ ‫و قادت إىل إضفاء صفة سلبية عىل مفهوم المجتمع‬
‫المرحل ة الثالثة ‪:‬‬
‫المدن بشكل دقيق من طر ف‬ ‫ن‬ ‫بأنه مجموعة من ن‬
‫البن الفوقية مثل النقابات تم تحديد مفهوم المجتمع‬
‫المفكر اإليطاىل أنطونيو غراما تس‪ 0020-0032‬واألحزاب و الجمعيات و المدارس و الصحافة و الكنيسة ‪.‬كما‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫مث ن‬‫ن‬
‫المدن الثقافة‬ ‫المدن و السياس انطالقا من وظائفهم فإذا كانت وظيفة المجتمع‬ ‫بي المجتمع‬
‫حي نجد ان المجتمع السياس أداة لسيطر ة و السلطة ‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫واإليديولوجيا ف‬
‫المرحلة الرابعة ‪:‬‬
‫ن‬
‫المدن باعتباره المنظمات‬ ‫ترتبط بالعقدين األخثين من القرن العشين‪ ،‬حيث تبلور مفهوم المجتمع‬
‫و الهيئات و المؤسسات االجتماعية الخاصة الن تعمل إىل جانب الدولة و لكن ليس تحت إمرتها‪.‬‬
‫‪.2‬عنا‬
‫ن ن‬
‫المدن ف جوهره عىل عناض أساسية ‪:‬‬ ‫يتمركز المجتمع‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫‪ -‬التطوع ‪ :‬الذي يعن المشاركة التطوعية القائمة عىل اإلرادة الحرة و بهذه الصفة تتمث تكوينات المجتمع‬
‫ن‬
‫المدن عىل باف التكوينات االجتماعية المفروضة أو المتوارثة أو العائلية ‪.‬‬
‫ن‬
‫للقواني الن تحدد رسوط‬ ‫المدن إطار منظم خاضع‬‫ن‬ ‫ن‬
‫القانون ‪ :‬الذي يعنيان المجتمع‬ ‫‪ -‬الطابع المؤسس و‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫عمله وكيفية تأسيس هيأته دون أن يتدخل أي طرف ف توجيهه مادام المرجع المتحكم إليه هو النص القانون‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ن‬ ‫‪ -‬االستقاللية ‪ :‬الن ن‬
‫تعن استقالل هينات المجتمع المدن عن أهواء األفراد أو جهات خارجة عنه إذ يتم‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫لقواني األساسية و الداخلية الن تضعها الجمعيات و يوافق عليها األعضاء ف الجموع العام ‪.‬‬ ‫االحتكام إىل ا‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫‪ -‬تكامل المجتمع المدن و الدولة ‪ :‬تقوم هيئات المجتمع المدن بدور القوة االقثاحية أحيانا و دور المراقبة‬
‫ن‬
‫و االحتجاجات أحيانا أخرى أو المساهمة ف تطوير قيم التنشئة الديمقراطية و المشاركة البناءة‪.‬‬
‫‪.3‬مها‬

‫حثا كبثا من تفكثهم إىل الجهات المسئولة من‬ ‫المواطني و تشغل ن‬


‫ن‬ ‫‪ -‬نقل الهموم العامة الن تسيطر عىل‬
‫أجل إعادة النظر ببعض القرارات الن تعمل عىل تعزيز هذه الهموم إىل جانب محاولة التخفيف من األزمات‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الن قد تتحول إىل ضاعات مسلحة عنيفة و من مسؤوليات المجتمع المدن الدفاع عن الفئات الن تعان‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫اضطهاد ف المجتمع باإلضافة إىل متابعة حقوق اإلنسان و تنفيذها ف الواقع أيضا إدارة الحمالت الن تساعد‬
‫عىل بث المفاهيم الرئيسية و األساسية الن تصون للنسان كرامته ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫سياسيي جدد يمكن للجماعات المصالح و فعليات المجتمع‬ ‫من مهام المجتمع المدن أيضا تدبث قادة‬
‫ن‬
‫السياسيي عىل نحو قد ال تتمكن‬ ‫المختلفة الن تقوم بتدبث و إعادة مجموعة ر‬
‫أكث تتنوعا و تمثيال من القادة‬
‫األحزاب السياسية القيامة به ‪.‬‬
‫ن‬
‫المدن ‪:‬‬ ‫‪ .4‬مكونات المجتمع‬
‫ن‬
‫المدن عىل مجموعة من المكونات يمكن حرصه ا فيما يىل‬ ‫ئ‬
‫يتك المجتمع‬

‫النقابات و االتحادات المهنية‬


‫تهدف النقابات المهنية‪ ،‬باإلضافة إىل ما تنص عىل مقتضيا ت الفصل الثالث من الدستور‪ ،‬إىل‬
‫الدفا ع عن المصالح االقتصادية واالجتماعية والمعنوية والمهنية‪ ،‬الفردية منها والجماعية‪ ،‬للفئات الن‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫للمنخرطي بها ‪.‬كما تساهم ف‬ ‫تؤطرها‪ ،‬وإىل دراسة وتنمية هذه المصالح وتطوير المستوى الثقاف‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫الميداني االقتصاد ي واالجتماع ‪.‬وتستشار ف جميع الخالفات‪،‬‬ ‫التحضث من مدونة للسياسة الوطنية ف‬
‫والقضايا الن له ا ارتباط بمجال تخصصهاف ‪.‬المادة ‪331‬الشغل) ‪:‬‬
‫الجمعيات و التعاونيات ت الخثية‬
‫الجمعية التعاونية ه جماعة مستقلة من األشخاص يتحدون اختياريا لتلبية احتياجاتهم‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية وتطلعاتهم المشثكة‪ ،‬من خال ل الملكية الجماعية لمشوع‬
‫تتوافر فيه ديمقراطية اإلدارة و الرقابة ‪.‬‬
‫المبد أ األول‪ :‬العضوية االختيارية المفتوحة‬
‫المبد أ ن‬
‫الثان‪ :‬ديمقراط ة األعضاء اإلدارية والرقابية‬
‫المبد أ الثالث‪ :‬المشارك ة االقتصادية لألعضاء‬
‫المبد أ الرابع‪ :‬الشخصية الذان ة المستقلة‬

‫‪57‬‬
‫المبد أ الخامس‪ :‬التعليم والتدريب والمعلومات‬
‫المبد أ الساد س‪ :‬التعاون ن‬
‫بي التعاونيات‬
‫المبد أ السابع‪ :‬االهتمام بشؤون المجتمع ‪:‬‬
‫القطاع الخاص ‪:‬‬
‫هو قطاع األعمال المرتبط بالمؤسسات‪ ،‬والشكات الن يملكها أفراد ‪ ،‬بصفة وغث مرتبطة بحكومة الدولة‪،‬‬
‫ن‬ ‫ن ن‬
‫أو ّ شخىص أي مؤسسة من مؤسساتها‪ ً .‬عد الطرف الثان ف التأثث عىل القطاع االقتصادي ف كل دولة بعد‬
‫القطاع العام‪ ،‬ويشكل ُ عنرصا من عناض التواز ن نف االقتصاد المحىل ‪ ،‬والعالىم‪.‬‬
‫ّ‬
‫توفث رواتب‪ ،‬وبدائل للدخل بنسب مرتفعة ا ي العديد من أفكار المشاري ع المستحدثة‪ ،‬أو إعادة تصميم‬
‫ّ‬ ‫ن‬ ‫تي مما ‪،‬يساهم ُ‬ ‫وتنفيذ المشاري ع القائمة ّ ن‬
‫فن ِ هوض وتطور سوق العمل ُن ِ وزيادة ِ كفاءته ف تحقيق ة‬
‫العديد من النتائج االقتصادي المفيدة‪: .‬‬
‫األحزاب السياسية‬
‫تروج للديمقراطية وحقو ق اإلنسان والحرية الن فرضت عىل األنظمة‬
‫االستبدادية إلعادة النظر ف ي ممارساتها فبرهان غليون ف‬
‫ن‬
‫‪ .3.4‬المنظمات ع ر حكومية ‪:‬‬
‫المدن أهم خصائص هذه المنظمات‪:‬‬‫ن‬ ‫ه إحد ى مكونات المجتمع‬
‫ن‬
‫‪ -‬التشكيل الطوع وعنرص المشاركة الطوعية ‪ -‬االستقاللية ف إطار القانون العام ‪ -‬عدم استهداف الرب ح‬
‫الشخص ي لألعضاء‪ ،‬و نضورة استخدام العائدات نف ما يعود عىل مصلحة المنظمة‪ .‬حلقة وسيطة ن‬
‫بي‬
‫المواطن و الدولة حاملة لقضايا و شؤون الناس و لديها عالقة مبارسة مع الناس لديها ف مبادئ‬
‫ن ن‬ ‫ن‬
‫دن ف تحقيق‬ ‫المدن يمكن تحديد أهم أدوار ومهام المجتمع الم‬ ‫إنسانية أدوار والمهام المجتمع‬
‫ن‬
‫مشاري ع إنسانية و اقثاح منجزات تنموية تساهم ف التقدم واالزدهار قصد الخروج من التخلف‬
‫ن‬
‫وتحسي ظروفهم االجتماعية واالقتصادية والثقافية‬ ‫ن‬
‫المواطني‬ ‫والفقر ومشاكل البطالة لخدمة مصالح‬
‫ن‬
‫وتوعيتهم سياسيا لتحمل مسؤولياتهم التاريخية للمساهمة ف تفعيل التنمية‪.‬‬
‫ن‬
‫المدن ‪:‬‬ ‫‪ .5‬رسوط تأسيس المجتمع‬
‫ن‬
‫البد من توفر عدة رسوط حن يتمكن االنسان من تكوين مؤسسة ف المجتمع المحىل ومن تلك الشوط‬
‫ما يأن‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون المؤسسة ذات نظام مستقل بعيدا عن المؤسسات الحكومية‪.‬‬
‫ن‬
‫ويعن ذلك أن يكون االنضمام إىل تلك المؤسسة نابعا من الحرية‬ ‫‪ -‬أن تكون المؤسسة ذات نظام طوع‬
‫ن‬
‫االنسان‪.‬‬ ‫الشخصية والوع‬
‫ن‬
‫ويعن ذلك عدم قدرة األفراد عىل توريث العضوية الخاصة بهم ألحد‬ ‫‪-‬أن تكون المنظمة غث قابلة للتوريث‬
‫أفراد العائلة أ العشثة ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪-‬أن يكون االنتماء لذلك المجتمع من خالل اتباع نظام المساواة ‪.‬‬
‫‪-‬أن تكون المؤسسة ذات نظام ديمقراط سواء كان ذلك نف عالقاتها أو أعمالها أو تعاملها مع من حولها‪.‬‬
‫‪-‬أن تكون المؤسسة قابلة للتعدد واالختالف والتنوع‪.‬‬
‫‪-‬أن يتسم المجتمع بالحداثة والتقدم والتمدن والرف ويبتعد عن المرجعية والتقليدية والتخلف‪.‬‬
‫ن ن‬
‫‪ .6‬دور المجتمع المدن ف ظل العولمة ‪:‬‬
‫ركز المفكرون العرب عىل مجاالت متباينة تظهر من خالل وظائف وأدوار المجتمع‬
‫ونجمعها نف ثالثة مجاالت متكاملة وه كما يىل‪:‬‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫المجال الثقاف‪ :‬تمثل الثقافة مكانة هامة ف الفكر السياس االجتماع المعاض‪ ،‬فقد دلت األبحاث عىل أن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫العالقات السياسية ف العرص الحديث والمعاض ترتكز عىل فهم اإلطار الثقاف لجماعة اجتماعية ما فالدراسات‬
‫األنطولوجية تلفت االنتباه دائما اىل أن الحياة االنسانية وما يطبعها من خصوصيات‪ ،‬مجالها ومشحها الثقافة‪،‬‬
‫من أن الثقافة ه جملة األنماط والقيم والقواعد واألعراف والخطط‪...‬الخ‪ ،‬الن تبدع وتنظم لدى جماعة‬
‫فاذا كانت الثقافة ه هذا الكل الذي يشكل ويكون سلوك‬ ‫ما‪ ،‬الدالالت العقلية والروحية والحسية‪.‬‬
‫األفراد لجماعة معينة فان الوع العرن قد أدرك مسع العولمة اىل السيطرة عىل هذا الجانب من الحياة‬
‫ن‬
‫االنسانية وهيمنة قيم النموذج الثقاف الغرن رغم ما تتيحه العولمة من فرص هائلة لتحرر االنسان من سجون‬
‫القومية والهوية والرثة والبالية ‪.‬‬
‫ن‬
‫ويظهر الوجه البشع للهيمنة الثقافية الن تحملها العولمة ف القضاء عىل كل خصوصية ثقافية يقول‬
‫غليون ففمن الصحيح أن العولمة المرتبطة بثورة المعلومات واالتصاالت‪ ،‬تدعم سيطرة فئة من المجتمعات‬
‫عىل فئة أخرى ومجموعة من النخب الخاصة عىل المجتمعات الكثى‪ .‬انها حاملة من دون شك إلدارة هيمنة‪،‬‬
‫أكث شموال من كل ما شهدته االنسانية نف السابق‪ ،‬ألنها تدمج الساكنة البشية كافة ‪.‬‬ ‫ولنظام هيمنة ر‬

‫فف الوقت الذي‬ ‫ان الموقف من الهيمنة والسيطرة الن تحملها العولمة ليس واحدا نف الفكر العرن ن‬
‫يدعو فيه البعض اىل رفض العولمة من خالل التمسك بالهوية والحفاظ عىل الخصوصية العربية االسالمية‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫اليساريي‪ ،‬يدعو‬ ‫وهذا ما تمثله الحركات االسالمية المعاضة أو بوصفها أحد أشكال االستعمار الجديد ف نظر‬
‫الثان اىل أن العولمة حقيقية موضوعية واقعية يجب القبول بها واالنخراط فيها بال قيد أو رسط ‪.‬‬ ‫بعض ن‬
‫ن‬
‫الثقاف ن‬ ‫ن‬
‫ينبع أن يتجه ضد السيطرة الن تمليها العولمة وضد الذات وضعفها اذ من‬ ‫يتبي أن الرصاع‬ ‫كما‬
‫المهم أن تؤدي التعاط مع العولمة اىل تجميد الذات ال اىل استالبها فمثال الدفاع عن الهوية ال يتحقق بالحفاظ‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫المدن ميتة إذا لم‬ ‫الماض بل من خالل االجتهاد ف اعادة بنائها ومن ثم هياكل المجتمع‬ ‫عليها كما ه ف‬
‫ن‬
‫المدن عن دورها هذا فإذا لم تتمسك‬ ‫تستوعب هذه القيم ولم تعمل لها يقول غليون عن هياكل المجتمع‬
‫أعن الحرية والمساواة والعدالة‪ ،‬ر‬
‫أكث مما نتمسك بالهياكل الشكلية‪) .‬‬ ‫بالقيم العميقة ن‬
‫ن‬
‫أما غليون فثفض وجود نموذج ثقاف جاهز يمكن تعميقه وإلزام المجتمع بتحقيقه‪ ،‬فليست مهمة‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫العلمان الغرن الحديث‬ ‫المدن أن يمىل نموذجا حداثيا أو تقليديا فان المطلوب ليس هو نقل النموذج‬ ‫المجتمع‬
‫أو القديم‪ ،‬وانما ابداع النموذج الذي يستجيب لمتطلبات العقلنة الفعلية الن يحققها المجتمع العرن‬
‫اإلسالم‪).‬‬

‫‪59‬‬
‫الثعة الشمولية الن تحملها العولمة تأ خذ أيضا وجها سياسيا يتمثل ‪ 0‬جانبه االيجان‬ ‫المجال السياس‪ :‬ان ن ن‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ف الثوي ج للديموقراطية و حقوق االنسان الن فرضت عىل أنظمة استبدادية إلعادة النظر ف النظر ف‬
‫ن‬
‫ممارساتها رغم أن المصطلحات يتخذان ف كثث من األحيان ذريعة للهيمنة ‪،‬من قبل القوى الكثى عىل الدول‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫الضعيفة و المستضعفة و من التدخل ف شؤونها ‪،‬بل وجعلها تابعة تدور ف فلكها و لنا فيما يجري ف العراق‬
‫أحسن مثال ‪،‬وكل ذلك باسم الديموقراطية و الحرية ‪...‬أما الجانب السلن للعولمة ‪،‬من الناحية السياسية‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫فحي‬ ‫‪،‬فهو اخثاق الحدود و القضاء عىل الدولة األمة ‪،‬ويتساءل فريدريك جيمسون ف هذا السياق بالقول‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫نتحدث ف انتشار قوة و نفوذ العولمة ‪،‬أال نجد أنفسنا نشث ف واقع األمر اىل انتشار سطوة الواليات المتحدة‬
‫ن‬
‫وحي نتحدث عن الدولة األمة‪ ،‬أال نجد أنفسنا عمليا‪ .‬أمام تبعية الدول‪ ،‬األمم األخرى‪،‬‬ ‫اقتصادي و عسكريا ؟‬
‫ن‬
‫للقوة األمريكية‪ ،‬سواء عن رض وتعاون‪ ،‬أو عن طريق استخدام القوة الغاشمة والتهديد االقتصادي ؟‬
‫ن‬ ‫ن ن‬
‫إن دور المجتمع المدن‪ ،‬ف ظل العولمة‪ ،‬ال يقف عند حدود الدور القطري‪ ،‬بل يعود عليه ف لعب دور‬
‫بمعن أن المنهج السياس الفعال‪ ،‬لمواجهة السيطرة والهيمنة الن تفرضها وتمليها القوى الكثى‪ ،‬هو‬ ‫ن‬ ‫قومي ي‬
‫ن‬
‫تكتل وتجمع الدول العربية‪ ،‬من منطلق أن الدول القطرية ف العالم العرن‪ ،‬دولة هاشة وصغثة فتعيش هذه‬
‫الدول شعورا عميقا ودائما بالهشاشة وانعدام األمن والقزمية‪.‬‬
‫ن‬
‫المدن‪ ،‬من الناحية‬ ‫المجال االقتصادي‪ :‬لقد سع الكثث من المفكرين العرب إىل اعطاء دور فاعل للمجتمع‬
‫االقتصادية‪ ،‬ضمن اجتهادات تستحق التنويه‪ ،‬مثلما نالحظ عند أومليل الذي يقول ان التنمية الحقيقية ه‬
‫ن‬
‫المدن دورا فاعال‪ ،‬إن‬ ‫ن‬
‫بمعن أن التنمية ال تكون اال بالشاكة‪ ،‬الن يلعب فيها المجتمع‬ ‫بالناس ومن أجلهم)‪،‬‬
‫ن‬
‫المحليي لمواقع النفوذ‪ ،‬عث شبكة الزبونية‬ ‫الوسيلة الوحيدة الن يراها أومليل طريقا لكش احتكار األعيان‬
‫والمحسوبية‪ .‬مع مراكز القرار االدارية والسياسية ‪.‬‬
‫ويعث اسماعيل صثي عبد هللا عن هذا الدور‪ ،‬من خالل ما أسماه بالتنمية المستقلة الن تتخذ كوسيلة‬
‫بي ما تشثط‪ ،‬االستقرار السياس ومشاركة‬ ‫فعالة لمواجهة الهيمنة الن تحملها العولمة‪ ،‬والن تشثط من ن‬
‫ن‬
‫الجميع ف إطار فالتعددية السياسية‪ ،‬وحرية العمل السياس‪ ،‬وتكوين األحزاب وحرية حركتها)‪.‬‬
‫ن‬
‫المدن‪ ،‬وخاصة إزاء تراجع الدولة القومية أمام دم العولمة‬ ‫كما يدعو جالل ن‬
‫أمي إىل دور فاعل للمجتمع‬
‫إذ كلما زاد ضعف الدولة القومية ور خاوتها ازاء قوى خارجية‪ ،‬زادت مسؤوليات النشاط األهىل‪ ،‬ومنظمات‬
‫ن‬
‫المدن‪ ،‬عىل الوفاء بالحاجات األساسية‪.‬‬ ‫المجتمع‬
‫‪.7‬العرب و التحديث ‪:‬‬
‫إن التحديث هو التطور باتجاه التقدم و هو نقيضا للفساد و التخلف و غثها من المصطلحات الن نستخدمها‬
‫ن‬
‫ليس وليد اليوم بإرهاصاته و قد مر التفكث فيه بمراحل ف تاري خ العرب الحديث المعاض حقق التحديث‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫بعض المكاسب عىل ارض الواقع لكن الحداثة فشلت ف العالم العرن و أصبح التحديث ف عالمنا المعاض‬
‫حتميا‪.‬‬
‫‪.8‬عوائق التحديث ‪:‬‬
‫ن‬
‫‪ .‬كل ما يمكن قوله ضد الحداثة قد سبق أن قيل أثنائها وف ظلها‪ ،‬وبما أن العملية استؤنفت فهذا هو‬
‫ن‬
‫مضمون العولمة) ‪،‬فيمكن دائما اعادة النقد الذي سمع أثناء الحداثة‪ .‬فماذا نرى ف عالم اليوم؟ نرى وضعا‪،‬‬
‫كالصي مثال ‪،‬عىل غرار يابان األسس‪ ،‬وذاك مثدد متقاعس‪ .‬لم تعد المسألة مسألة أهداف‬‫ن‬ ‫هذا حازم قاصد‬

‫‪60‬‬
‫وقيم‪ .‬هذه خرافة بل أكذوبة سافرة‪ ،‬كلنا نريد الرفاهية واألمن والثقافية‪ .‬الجميع يريد حظه مكن الخثات‬
‫أضب عن العمل ‪.‬‬ ‫واال لما احتج‪ ،‬لما تظاهر‪ ،‬لما ن‬

‫تبي‪ -‬فكري‪ ،‬هو المعارضة الغبية الجاهلة أو التأييد الماكر القول ان –العائق األول الحداثة كانت مروقا‬ ‫كما ن‬
‫ن‬
‫والداعي اليها‪ ،‬هذا عائق ال‬ ‫ن‬
‫والقائلي بها‬ ‫ن‬
‫القائمي عليها‬ ‫تنطعا‪ .‬جهالة ندم عليها أصحابها فلزمت التوبة عىل‬
‫سبيل اىل استئصاله ‪ ،‬فأروه موكول اىل الحداثة ذاتها‪ ،‬اما تقهره واما يتلفها‪ ،‬وإذا كان التلف فكلنا خارسون ‪ .‬أما‬
‫ن‬
‫العوائق األخرى فيمكن أن نساهم ف معالجتها ولو بتشخيصها‪ .‬كل ما يعوق‬
‫تحرير الفرد من مختلف التبعيات السياسية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬العائلية‪ .‬العشائرية‪ ،‬الفكرية يعوق التحديث‪ .‬كل‬
‫ن‬
‫ما يعوق الحريات المدنية والسياسية يعوق التحديث‪ ،‬كل ما يعوق الديمقراطية ف سيادة الشعب فشعب‬
‫األحياء ال شعب األموات) يعوق التحديث‪ ،‬كل ما يعوق العقالنية العلمية منطق التجربة واالستقراء باللجوء‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫اىل الغيبيات ف حياتنا اليومية‪ ،‬ف كل حركاتنا وسكناتنا‪ ،‬ف مأكلنا وملبسنا ودوائنا‪ .‬فيما نقرأ ونشاهد‪ ،‬يعوق‬
‫التحديث ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫كل واحد من هذه العوائق مجسد ف قانون‪ ،‬ف عادة‪ ،‬ف سلوك ف عبارة‪ ،‬ف فكرة‪ ،‬ف نكتة‪ ،‬ف مثل‪ ،‬لكل عائق‬
‫مناط‪ ،‬األرسة‪ ،‬الجماعة‪ ،‬الحرفة‪ ،‬الحزب‪ ،‬المدرسة‪ ،‬المكتب‪ ،‬المتجر‪ ،‬لكل عائق وجه‪ ،‬وبدأنا بتوضيح هذا‬
‫الجانب ‪ ،‬اقتصادي سياس عقائدي‪ .‬كل واحد منا يستطيع أن يذكر أمرا يقلقه أ ويستفز‪ ،‬قد يسميه غباوة أو‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫سفاهة أو جهالة أو بداوة‪ ،‬بدعة‪ ،‬أو ظلما‪ ،‬أو تعديا‪ .‬وكل تعبث يدل عىل تكوين واختيار‪ .‬لكن ف واقع األمر‪ ،‬ف‬
‫خاتمة التحليل‪ ،‬قال ذلك أو لم يقل‪ ،‬فانه يعرف السء الذي يستفزه‪ ،‬ويسميه بإحدى الكلمات الن يستفزه‪.‬‬
‫ن‬
‫ويسميه بإحدى الكلمات الن ذكرت‪ ،‬بكونه عقبة ف وجه التقدم والرف وحسن تدبث الشأن العام‪ .‬يود‬
‫اصالحه‪ ،‬وأحيانا يعمل عىل اصالحه باليد أو باللسان أو بالقلب ‪.‬‬
‫ن‬
‫المدن وصناعة التحديث‪:‬‬ ‫‪ .9‬المجتمع‬
‫ن ن‬
‫المدن ف صناعة التحديث تبدو جد صعبة ولكن إذا توفرت الشوط وتظافرت‬ ‫يتضح أن مسؤولية المجتمع‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫الجهود ن‬
‫بي مؤسسيه سوف يخلق هذا المجتمع المدن حراكية ودينامية هامة ف تنمية الدولة وخث مثال ما‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫يتمثون بخثة‬ ‫نشاهده ف الدول المتقدمة حيث تجده يلعب دورا هاما‪ ،‬ويرجع السبب ف هذا إىل كون أفراده‬
‫ن‬
‫عالية ومستوى دراس عاىل أيضا‪ .‬كما أن غرضهم جميعا يكمن ف الرفع من وتثة التحديث والنهوض بالبالد‬
‫ن‬
‫من أجل بناء دولة حديثة تواكب العرص ف جميع المجاالت‪ .‬كما يسعون أيضا من أجل القضاء عىل الفساد‬
‫وعىل كل ما يمكنه أن يحل دون تحقيق هذا التحديث‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫كغيها من الثنائيات(دين‪-‬دولة) و (نقل‪-‬عقل) سال فيها و‬ ‫إن الثنائية "تراث‪-‬حداثة" ر‬
‫الباحثي والمفكرين باختالف مياههم األيديولوجية و توجهاتهم الفكرية‪ ،‬باعتبارها‬
‫ر‬ ‫انهال مداد‬
‫اإلسالم بعد االحتكاك‬
‫ي‬ ‫العرب و‬
‫ي‬ ‫الت فرضت نفسها بحدة عل "النخبة" يف العالم‬
‫اإلشكالية المؤرقة ي‬
‫والت تقوم‬ ‫المباش ربي الحضار رتي اإلسالمية والغربية الحضارتان المتباينتان عل طول الخط‬‫ر‬
‫ي‬
‫إحداهما عل العالقة الجدلية ربي اإلنسان المسلم من جهة و النص من جهة أخرى‪،‬و الحضارة‬
‫الرف بهذه الثنائية لمستوى‬ ‫ي‬ ‫الت تبت عل الحوار القائم ربي اإلنسان و الطبيعة‪.‬و‬ ‫الغربية ي‬
‫يقتض حلها عدم‬
‫ي‬ ‫"اإلشكالية" راجع باألساس إىل كونها تنسج فيما بينها مجموعة من األسئلة‬
‫رهي بفك رموز األسئلة المطروحة و محاولة‬ ‫الفصل بينها‪،‬بل إن الخروج فيها من دائرة الغموض ر‬
‫الربط بينها‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫المراجع االساسية‪:‬‬

‫المجتمع العرن ن‬
‫بي التقليد و التحديث ‪:‬‬

‫التجربة المجتمعات العربية‪:‬‬


‫"محمد سبيال" فصفحته ‪64‬من كتاب دفاعا عن العقل والحداثة )‬

‫اسس الحداثة‪:‬‬
‫‪ .(1985‬الرباط‪"50‬محمد جسوس" فحوار مع مجلة الوحدة العدد‬
‫اسس التحديث‪:‬‬
‫ن‬
‫عياض ابن عاشور‪" :‬الضمث والتشي ع " المركز الثقاف العرن بثوت البيضاء ط‪،0002 ، 0‬ص‪.03‬‬
‫الحداثة نف الفكر المغرن‪:‬‬
‫محمد الشيخ" (مسألة الحداثة في الفكر المغربي المعاصر منشورات الزمن الرباط ‪.)265-270‬‬
‫ن‬
‫الماض واألخذ بأسباب الحداثة ‪:‬‬ ‫نحن والحداثة‪ :‬نضورة القطيعة مع‬
‫عالم الفكر‪ ،‬العدد‪ 4‬المجلد‪ 41‬يناير _مارس‪.1996‬‬
‫المغرب يف مفيق الطرق‪ ،‬من صفحة ‪ 181‬اىل‬
‫ي‬ ‫جاذبية الحداثة ومقاومة التقليد‪ :‬الفكر‬
‫‪.169‬‬
‫بي التقليد والتحديث ‪:‬‬ ‫المجتمع العرن ن‬
‫الوحدة العربية ورصورة الياث‪.‬‬
‫واذاع مجاز بالتاري خ‪،‬ص‪64,67,14,‬‬
‫ي‬ ‫فكتور سحاب‪ :‬كاتب‬
‫تراثنا ب ن‬
‫ي المحلیة و العالمیة‪:‬‬

‫ن‬
‫بدایة التفكث ف الثاث‪ ،‬وأھم نظریاته‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫إشكالية الياث والمنهج عند محمد عابد الجابري د‪ .‬جميل حمداوي ‪ ...‬كاتب وباحث‬
‫من الجزائر ‪.‬‬

‫كيفية الحفاض عىل الثاث‪:‬‬


‫إشكالية الياث والمنهج عند محمد عابد الجابري د‪ .‬جميل حمداوي ‪ ...‬كاتب وباحث‬
‫من الجزائر ‪.‬‬
‫كتاب الياث والحداثة دراسات‪ .‬ومناقشات الدكتور محمد عابد الجابري ‪.‬‬
‫ن‬
‫المدن وصناعة التحديث‪:‬‬ ‫المجتمع‬

‫ن‬
‫المجتمع المدن‬
‫االهالىل‬
‫ي‬ ‫والهالىل شكر ومور والمجتمع‬
‫ي‬ ‫المدب صفحة ‪ 75‬وأعراب‬
‫ي‬ ‫الجنحاب المجتمع‬
‫ي‬
‫المدب والتحول صفحة ‪41‬برهان غليون‪.‬‬
‫ي‬ ‫صفحة‪ 41‬ابراهيم المجتمع‬
‫تيسي شيخ األرض منشورات وزارة الثقافة دمشق‪11‬‬
‫ر‬ ‫هيجل مبادئ فلسفة الحق‬
‫ص‪118‬‬
‫العرب (مرجع سابق‪) .‬‬
‫ي‬ ‫المدب والدولة السياسية يف الوطن‬
‫ي‬ ‫المدب المجتمع‬
‫ي‬ ‫توفيق‬
‫ر‬
‫ابيش دار الطليعة لبنان‬
‫جورج بلخانوف المادية والمثالية يف الفلسفة ترجمة جورج طر ي‬
‫ط‪ 7757,7,‬ص‪19‬‬
‫ن‬
‫رسوط تأسيس المجتمع المدن‪:‬‬
‫المدب والديمقراطية‪ ،‬الصفحات‪.79-5‬‬
‫ي‬ ‫ياش‪ ،‬المجتمع‬
‫ن ن‬
‫دور المجتمع المدن ف ظل العولمة‪:‬‬
‫برهان غليون اغتيال العقل مرجع سابق‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫أمي ثقافة العولمة وعولمة الثقافة‬
‫وسمي ر‬
‫ر‬ ‫برهان غليون ثقافة العولمة يف برهان غليون‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪84‬‬

‫‪64‬‬
‫برهان غليون المحنة العربية مرجع سابق‪ ،‬ص ‪119‬‬
‫ر‬
‫والنرس‪ ،‬ط‪,7777,7‬ص ‪117‬‬ ‫برهان غليون نقد السياسة‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات‬
‫شوف جالل‪( ،‬الثقافة‬
‫ي‬ ‫فريديريك جيمسون العولمة واالسياتيجية السياسية‪ ،‬ترجمة‬
‫العالمية عدد ‪ 791‬فياير ‪1997‬‬
‫الوطت للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت ص‪49‬‬
‫ي‬ ‫المجلس‬
‫العرب‪ ،‬يف برهان غليون (راج)‬
‫ي‬ ‫برهان غليون الديمقراطية وحقوق االنسان‪ ،‬الوطن‬
‫العرب‪ ،‬مركز دراسات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪494‬‬‫ي‬ ‫حقوق االنسان‬
‫المدب رصاع ام رشاكة‪ ،‬أوراق فلسفية‪ ،‬كتاب ر‬
‫غي‬ ‫ي‬ ‫عل أمليل الدولة النامية والمجتمع‬
‫دوري‪ ،‬العدد ‪ .1997 ,8-1‬مركز لنيل للكمبيوتر‪ ،‬مرص‪ ،‬ص‪، 197‬ص‪171‬‬
‫اسماعيل صيي عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪757‬‬
‫العرب‪ ،‬عدد‬ ‫أمي العدالة االجتماعية من منظور ر‬
‫المرسوع الحضاري‪ ،‬المستقبل‬ ‫جالل ر‬
‫ي‬
‫‪ 167‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪199‬‬
‫عوائق التحديث‪:‬‬

‫ع‪.‬هللا العروى [عوائق التحديث] ملحق جريدة االتحاد االشي ي‬


‫اك الجمعة‪ 11‬يناير‬
‫‪1996‬‬
‫ن‬
‫المدن وصناعة التحديث‪:‬‬ ‫المجتمع‬
‫ديوان العرب بقلم فراس الرجاءة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫ثقافة الصورة والثقافة البصرية‬

‫يتكون المحور الرابع من ثالث عناوين كبرى وهي‪:‬‬


‫‪ .0‬فن المسرح العربي‬
‫‪ .0‬فن السينما‬
‫‪ .3‬فن العمارة والبيئة‬

‫‪66‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫الصورة جوهر الفنون البصرية بما أنتجته من لغة جديدة استحوذت به على الطاقة البصرية لدى اإلنسان فاعتقلت‬
‫عقله ومخيلته وتطور األمر في تفاعل ال مرئي بين الصورة وال وعي اإلنسان‪ ،‬فالصورة هي ملتقى الفنون‪ ،‬والعتبة‬
‫التي نقف عليها قبل أن ندلف إلى العالم الالمرئي‪ ،‬وقد شهدت الصورة عدة تحوالت فنية‪ ،‬أثرت بشكل كبير في إنتاج‬
‫مفاهيم جديدة‪ ،‬أسهمت في إثراء كافة األنشطة الثقافية والمعارف اإلنسانية والقيم والمعاني الجمالية فأصبحت الصورة‬
‫قوة تعبيرية عالية المستوى‪.‬‬
‫أن من سمات عصرنا الراهن هيمنة الصورة وسيادتها‪ ،‬لتكون إحدى أهم األدوات المعرفية والثقافية واالقتصادية‪،‬‬
‫والدور المتعاظم للصورة في مجال تواصل البشر‪ ،‬وهذا ال يعني أن الصورة أمر مستجد في التاريخ اإلنساني وإنما‬
‫يعني تحولها من الهامش إلى المركز‪ ،‬ومن الحضور الجزئي إلى موقع الهيمنة والسيادة على غيرها من العناصر‬
‫واألدوات الثقافية‪.‬‬
‫وفي العقدين األخيرين أصبحت الصورة البصرية المدركة بمثابة المكون األهم والباعث للفعل ورد الفعل عند اإلنسان‬
‫والصورة كمادة حقيقة تختزن في داخلها المحسوسات الواقعية والخيالية المدرك وغير المدرك منها‪ ،‬وقد تشكلت من‬
‫خبرات اإلنسان على مر العصو ر في صيغ ثابته ومتحولة وفي تشكيالت تلقائية وقصدية تؤثر في األفكار وتعطي‬
‫للثقافات سماتها وتمدها بطاقاتها الكامنة والتي إما منطقية مرتبطة بفكرة أو داللية (مادية) مرتبطة بالحس‪ ،‬ومن‬
‫خالل الفكر والحس والرؤية يتم تحديد جوهر الصورة‪.‬‬
‫إن الصورة ليست وليدة اليوم‪ ،‬إال أن أهميتها اددادت بشكل كبير في العصر الحديث‪ ،‬فالحياة المعاصرة ال يمكن‬
‫تصورها من دون صورة وهذا ما أكده الناقد الفرنسي ( روالن بارت ) حيث قال ‪ :‬إننا نعيش في حضارة الصورة‬
‫‪ .‬وإذا كانت الصورة جاءت لكسر الحواجز والسدود أمام الجماهير وألغت التمييز الثقافي والطبقي ونشرت الثقافة‬
‫الجماهيرية بحيث يستطيع أي فرد استقبال الصورة وال يحتاج إلى رصيد لغوي للفهم واالستمتاع‪ ،‬فثقافة الصورة‬
‫اقتحمت إحساسنا الوجداني وتدخلت في تكويننا العقلي‪.‬‬
‫ورغم طغيان ثقافة العولمة فإن لكل مجتمع هويته الخاصة التي يحافظ فيها على عاداته وتقاليده واتجاهاته الدينية‬
‫والدنيوية من علوم وتربية وثقافة الخ‪...‬‬

‫مفاهيم وعالقات‪:‬‬
‫‪ -‬مفهوم الثقافة‪:‬‬
‫هي النسيج الكلي من األفكار والمعتقدات والعادات والتقاليد‬
‫واالتجاهات فـي مجتمع ما وهي كذلك القيم من مقبول‬
‫ومرفوض في أي مجتمع‪ .‬وهي أساليب التفكير وأشكال‬
‫السلوك والعادات وطريقة المالبس‪ .‬وكل ما ينتج منها من‬
‫ابتكارات فـي حياة المجتمع والثقافة يتعلمها كل عضو من‬
‫أعضاء المجتمع في عملية اسمها "التنشئة االجتماعية" وهي‬
‫باختصار تعني ذلك الجزء من البيئة الذي صنعه اإلنسان‬
‫بنفسه ّ‬
‫ونظمه بخبراته وتجاربه‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ -‬مفهوم الصورة‪:‬‬
‫الصورة تطلق على أحد االبتكارات التي توصل إليها اإلنسان ليحصل بها على شكل متماثل لشيء معين عادة ما‬
‫يكو ن جسما ماديا أو أحد األشخاص‪ ،‬كما أنه يشير إلى التعامل مع األجسام ذات بعدين‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوم ثقافة الصورة‪:‬‬


‫يشيـر مصطلـح ثقافـة الصـورة إلى المكونات المحددة للثقافـة عامـة باعتبارهــا مجموعــة مــن الممارسات‬
‫والخبرات المرئيــة أو البصرية الـنـي أصبحــت مجــال تخصص علمي حديـث العهـد‪ .‬فـإذا كانـت الثقافـة هي نسـق‬
‫معرفي يشمل جميـع الخبرات والمعارف والعلــوم‪ ،‬والقــم‪،‬‬
‫وطرائــق التفكــر‪ ،‬والتنظيم االجتماعي لجماعة إنســانية‬
‫معينــة‪ ،‬ينظمون عــلى أساســه ســلوكهم وعالقاتهم‬
‫االجتماعية‪ ،‬ويضعــون ألنفسهم سـلـم أفضليــات في الوصــول‬
‫إلى المعرفة ووســائل الكســب والعيــش إلشباع حاجاتهم‬
‫المادية والروحيــة المختلفة مــن جهــة أولى‪ ،‬وأن الصــورة‬
‫هي تجسيد ألفكار والخواطر النفســية والمشاهد الطبيعيـة‬
‫حسـية كانـت أم خياليـة عـلى أسـاس التآدر الجزئي‪ ،‬والتكامل‬
‫في بنائها والتناســق في تشكــلها والوحــدة في ترابطهــا‬
‫واإلحياء في تعبريهــا مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬فــإن ثقافـة الصـورة‬
‫هي ذلـك التجسـيد والتجسيم التصويـري المركب للنسـق‬
‫المعرفي الـذي يشمل الخبرات والمعارف‪ ،‬والقـم‪ ،‬والنظـم‬
‫االجتماعية الـتي تمتثـل في سـلوك النـاس وعالقاتهم‬
‫االجتماعية‪ ،‬ووسـائل معيشتـهم ونمطها الـتي تشـبع حاجاتهم‬
‫المادية والمعنوية‪ .‬مـن هنـا فــإن ثقافــة الصــورة تــوادي مفهــوم الثقافــة ذاتــه‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوم الثقافة البصرية‪:‬‬


‫هي مجموعة من الكفايات المرتبطة بحاسة البصر والتي يمكن تنميتها لدى المتعلم من خالل الحواس االخرى وتعتبر‬
‫عملية تنمية هده الكفايات ضرورية للتعلم فعند تنميتها تمكن الشخص من ان يفهم ويفسر األحداث والرمود البصرية‬
‫واألشياء التي يتعرض لها في البيئة‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوم الفن‪ ،‬انواعه وأهدافه‪:‬‬


‫‪ -‬مفهوم الفن‪:‬‬
‫الفن هو نقل أو تحويل أفكار وإحساسات إلى إنتاجات‬
‫خالد‪ .‬أيضا هو موهبة و لغة استثنائية تتيح للفرد التعبير‬
‫عن ذاته ‪ ،‬كترجمة األحاسيس و الصراعات التي تحدث‬
‫في أعماقه الجوهرية و تعتبر نوعا من التعبير عن‬
‫متطلباته أو حاجاته في الحياة العادية‪ ،‬على الرغم من‬
‫اعتبار الباحثين و العلماء الفن عبارة عن ضرورة من‬
‫ضروريات الحياة لإلنسان كحاجته للطعام و الماء ‪.‬كما أن‬

‫‪68‬‬
‫الفن هو نتاج إبداعي إنساني و تعتبر لونا من الثقافة اإلنسانية ألنها تعبير عن التعبيرية الذاتية و ليس تعبيرا عن‬
‫حاجة اإلنسان لمتطلبات حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرون الفن ضرورة حياته اإلنسان كالماء و الطعام‪.‬‬

‫‪ -‬أنواع الفن‪:‬‬
‫عدد هذه الفنون سبعة وهي‬
‫الفن األول‪ :‬العمارة‬
‫هو دليل على اهتمام بجمال المدن والتصميم المعماري وإنشاء المباني‬
‫الفن الثاني‪ :‬الموسيقى‬
‫يعتمد على امتزاج بين اإليقاعات واألوزان‪ ،‬إخراج نسيج فني متكامل‪ ،‬وشجعت الموسيقى‬
‫الشعوب على خلق لوحاتها الخاصة‪ ،‬التي عبرت من خاللها عن ماسيها وأفراحها وطقوسها‬
‫وعاداتها ومزجت بين أصوات الطبيعة واألصوات الناتجة من اآلالت البدائية الموسيقى إلى‬
‫الفن الثالث‪ :‬الرسم‬
‫واحد من الفنون التي يعبر عنها مستخدموها باأللوان والخطوط‪ ،‬واشتهرت مع الوقت ومع تطور فن النحت‪ ،‬في‬
‫النقش على الجدران‬
‫الفن الرابع‪ :‬الشعر‬
‫يختلف تعريف الشعر بطريقة تشمل أنواعه في مختلف اللغات‪ .‬وتعتبر القصيدة جزء من الشعر باعتبارها مجموع‬
‫أبيات من بحر واحد‪ ،‬متفقة في الجزء األخير‪.‬‬
‫الفن الخامس‪ :‬النحت‬
‫استخدم اإلنسان النحت للت عبير عن داته في النحت على األحجار وعظام ولقرون الحيوانات‬
‫والخشب‪.‬‬
‫الفن السادس‪ :‬الرقص‬
‫باعتباره الرقص هو فن األداء المتكون من حركات مختارة من انفعاالت الجسد للتعبير عن‬
‫معتقدات الشعوب وأفكارها‪.‬‬
‫الفن السابع‪ :‬السينما‬
‫يعّد الفن السينمائي وتوابعه من إخراج وتمثيل واحدا من أكثر أنواع الفن شعبية‪.‬‬

‫‪ -‬أهداف الفن‪:‬‬
‫وتغيي واقع المجتمع لألفضل‪.‬‬
‫ر‬ ‫‪ ο‬تطوير‬
‫‪ ο‬تحويل األشياء المستحيلة إىل الممكنة‪ ،‬والال معقولة للمعقولة‪ ،‬من خالل استخدامه ألدواته المختلفة‪.‬‬
‫‪ ο‬ر‬
‫نرس الحق والجمال واإلبداع يف كل مكان‪.‬‬
‫حرك‪.‬‬
‫ي‬ ‫صوب أو‬
‫ي‬ ‫وتعبي اإلنسان عن نفسه أو محيطه من خالل توصيل أفكاره بشكل برصي أو‬ ‫ر‬ ‫‪ ο‬استنطاق الذات‬
‫تعبي عن كينونة الفنان وأحاسيسه ورصاعاته مع ذاته أو مع مجتمعه‪.‬‬‫ر‬ ‫‪ο‬‬
‫‪ -‬عالقة الثقافة بالفن‬
‫يعتبر الفن من ادوات تطبيق الثقافة من جميع النواحي‪ ,‬اضافة الى مساهمته بشكل فعال في رفع المستوى الثقافي‬
‫على جميع االصعدة‪ ,‬وتساهم الثقافة في تنمية المدارك و خلق انواع جديدة من الفنون من الناحية العملية و الجمالية‪.‬‬
‫وهذا االمر يوضح العالقة الوطيدة بين الفن و ال ثقافة و البنى التركيبية المشتركة بين كال المجالين‪ ,‬فعادة ما يرتبط‬
‫المصطلحان مع بعضهما البعض في كافة المنابر‪ ,‬حيث ال وجود للفن دون ثقافة‪ ,‬و ال توجد ثقافة بدون فن‪ ,‬فهما‬
‫يتحدان ببعضهما كاتحاد االوكسجين بالكربون لينتج الماء‪ ,‬فتتحد الثقافة بالفن لينتج االبداع‬

‫‪69‬‬
‫ّ‬
‫والفن‪:‬‬ ‫‪ -‬الفرق بين العلم‬
‫والفن من وجهة نظر بعض المف ّكرين والباحثين‪ ،‬نذكر أه ّمها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ث ّمة فروق بين العلم‬
‫ّأوالً ـ فرق في أداة المعرفة‪ :‬فاألداة الّتي يعتمد عليها العلم هي العقل‪ ،‬وهو واح ٌد لدى جميع البشر‪ ،‬وموضع اتّفاق‬
‫الروابط والعالقات فيما بينها‪،‬‬ ‫الظواهر من الخارج ويسعى إلى اكتشاف ّ‬ ‫صل إليها‪ ،‬فينظر إلى ّ‬ ‫في النّتائج الّتي يتو ّ‬
‫صل إلى وضع الفرضيّات وصياغة النّظريّات وصوالً إلى القوانين العلميّة اليقينيّة العا ّمة والثّابتة نسبيّا ً ‪.‬‬ ‫بغية التّو ّ‬
‫الفن هي الوجدان‪ ،‬الّذي هو ليس واحدا ً لدى البشر‪ ،‬م ّما يجعل النّتاجات الفنيّة موضع‬ ‫بينما األداة الّتي يعتمد عليها ّ‬
‫اختالف تبعا ً لذوق المتل ّقي لها‪.‬‬
‫فرق في الغايات واألهداف‪ :‬غاية العلم وهدفه المنفعة والمعرفة والتّعميم‪ ،‬والتّو ّ‬
‫صل إلى قوانين عا ّمة وثابتة‬ ‫ٌ‬ ‫ثانيا ً ـ‬
‫الفن الخلق الفنّي للواقع والبحث عن الجمال‪ ،‬والتّخصيص‪.‬‬‫نسبيّاً‪ ،‬بينما غاية ّ‬

‫‪ -7.1‬المحور األول‪ :‬فن المسرح العربي‪:‬‬


‫‪ -8.8.0‬مفهوم المسرح والمسرح العربي‪:‬‬
‫المسرح فن من الفنون الجميلة و هو فن جديد العهد في االدب العربي و رغم ذلك فقد حقق فيه العرب تراكما كميا‬
‫و نوعيا في عصرنا الراهن و المسرح في تعريفه البسيط شكال من اشكال الفن الذي يعبر من خالله الممثل عن‬
‫القضايا اليومية و االنشغاالت و المواضيع الفكرية بأسلوب جمالي باستخدام مزيج من الكالم و االيماءات و الموسيقى‬
‫و الصوت على الخشبة امام الجمهور‬

‫وعند الحديث عن الفن ال يجب الخلط بين امرين‪ :‬المسرح و المسرحية‪ .‬فالمسرحية او العرض المسرحي تدل على‬
‫القصة و النص االدبي اما المسرح فهو المكان المخصص لذلك العرض‪.‬‬

‫‪ -4.8.0‬أنواع المسرح‪:‬‬
‫‪ -‬المسرح التراجيدي والدراما الجادة‪:‬‬
‫يصور المسرح التراجيدي السقوط المفاجئ للبطل أو البطلة‪ ،‬وغالبا ً تكون األسباب من خالل مزيج من الثقة الزائدة‬
‫للبطل في ذاته‪ ،‬األقدار واإلرادة اإللهية‪ .‬قوة البطل التراجيدية تطمع في الحصول علي بعض األهداف التي حتميا‬

‫‪70‬‬
‫تصطدم بالحدود المتاحة‪ ،‬غالبا ً تكون أسباب الضعف اإلنساني (نقص في األسباب‪ ،‬الثقة الزائدة بالنفس‪ ،‬المجتمع)‬
‫وإما أسباب اإللهية أو بسبب الطبيعة‪.‬‬

‫يقول أرسطو أن البطل في المسرح التراجيدي يجب أن يكون لدية نقص أو عيب ما و يقوم بارتكاب خطأ‪ .‬ال يجب‬
‫أن يموت البطل في نهاية القصة ولكن يجب أن يحدث له تغير جزري في الحظ أو الثروة مثالَ‪ .‬باإلضافة إلي ذلك‬
‫يجب أن يتعرف البطل في النهاية علي شيء أو تكشف له بعض األلغاز أو األقدار واإلرادة اإللهية‪ .‬يعرف أرسطو‬
‫هذه المرحلة لدي البطل " التغيير من الجهل إلي المعرفة بسند وثيق من الحب أو الكراهية"‪.‬‬
‫‪ -‬المسرح الكوميدي والدراما السوداء‪:‬‬
‫الكوميديا‪ :‬هو عمل درامي خفيف وضاحك أو بنبرة ساخرة ويحتوي دائما ً علي قرارات سعيدة نتيجة الصراعات‬
‫في القصة‪.‬‬
‫الدراما السوداء‪ :‬هي دراما مسرحية‪ ،‬مثل قصة فيلم أو مسلسل تليفزيوني تتسم بمشاعر مبالغ فيها‪ ،‬وصراع‬
‫الشخصيات المتداخلة‬
‫مسرح العرائس‪:‬‬
‫وهو ذلك المسرح الذي تكون أبطاله مجرد دمى يحركها البشر‪ ،‬ويختلف عن تصنيفات المسرح وأنواعه األخرى‬
‫من حيث تجسيد دور البطولة‪ ،‬إال أن اإلنسان هو المحرك األول لهذه الدمى بطريقة متخفية إليصال رسالة ما‪،‬‬
‫ويخاطب عقل الطفل غالبًا‪ ،‬ويستعان به كوسيلة ترفيهية أو تعليمية‪.‬‬
‫المسرح التجريبي‪:‬‬
‫ينفرد هذا المسرح بقدرته على استعراض مجموعة من أجرأ األفكار وأكثرها حداثةً بين العروض المقدمة على‬
‫خشبات المسرح وأنواعه‪ ،‬وتخرج بطبيعتها عن النمط التقليدي المألوف لإلتيان بفكرة جديدة من باب التجريب‪،‬‬
‫ويمتاز بتطرقه لقضايا سياسية ودينية وفكرية واجتماعية‪.‬‬
‫المسرح الموسيقي‪:‬‬
‫يجمع الحوار القائم في هذا النوع من أنواع المسرح بين الحوار والغناء ويخلط بينهما‪ ،‬ويمتاز هذا النوع باعتماده‬
‫على األغاني بشكل أكبر من الحوار على عكس أهداف المسرح وأنواعه األخرى‪.‬‬
‫المسرح الغنائي‪:‬‬
‫ضا‪ ،‬يقدم األبطال في هذا النوع من المسارح أحداث قص ٍة ما باالستعان ِة بالموسيقى؛ لذلك‬
‫ويعرف بمسرح األوبرا أي ً‬
‫فإنه أحد أنواع الفن التمثيلي الغنائي‪ ،‬وينفرد فن األوبرا عن بقية التمثيليات التقليدية المعروضة فوق خشبة المسرح‬
‫آن واحد‪ ،‬باإلضافة‬
‫بأنواعه المختلفة‪ ،‬فيقدم فيها األبطال عددًا من الفنون كالتمثيل واألدياء والموسيقى والغناء في ٍ‬
‫إلى احتمالية تقديم عروض رقص وباليه‬

‫تاريخ المسرح العربي‬


‫في العصر الحديث‪ ،‬مر الفن المسرحي في األدب العربي بثالث مراحل‪:‬‬
‫● أوال‪ :‬مرحلة النشأة‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫اقتبس مارون النقاش هذا الفن من الغرب‪ ،‬في مسرحية البخيل لموليير سنة ‪7511‬م‪ ،‬ثم أتبعها بمسرحيات أخرى‬
‫مؤلفة‪ ،‬مثل‪" :‬أبو الحسن المغفل " أو "هارون الرشيد" ‪ 7517‬م‪ .‬ثم خطا أبو خليل القباني بالفن المسرحي خطوة‬
‫إلى األمام بتطويع الموروث الشعبي إلى المسر ح مثل‪ " :‬ألف ليلة وليلة" وجعل الفصحى لغة للحوار‪ ،‬ثم هاجر‬
‫من دمشق إلى مصر حين أغلق مسرحه سنة م ‪7551‬‬
‫وفي عهد الخديوي إسماعيل أنشئت دار األوبرا وقدم يعقوب صنو ع مسرحياته المترجمة أو المقتبسة أ و المكتوبة‬
‫باللهجة العامية؛ لنقد األوضاع السياسية واالجتماعية‪.‬‬
‫● ثانيا‪ :‬مرحلة النضج‪:‬‬

‫في سنة ‪ 7779‬م عاد جورج أبيض إلى مصر من فرنسا بعد دراسة أصول المسر ح وألُفت له مسرحيات اجتماعية‬
‫وعربت له بعض المسرحيات (شكسبير) مثل‪" :‬تاجر البندقية " أو "عطيل " وغيرها‪ .‬ثم تطور المسرح بعد الحرب‪،‬‬
‫كما ظهرت بعدها فرقة "نجيب الريحاني"‪ ،‬ثم أسس يوسف وهبي فرقة "رمسيس " العالمية األولى بفضل جهود‬
‫األخوين‪ :‬محمد ومحمود تيمور من خالل تناول المشكالت االجتماعية وعالجها عالجا واقعيا ‪.‬كما كتب أحمد‬
‫شوقي عددا من المسرحيات الشعرية منها‪" :‬البخيلة " "علي بك الكبير" ‪"،‬عنترة" ‪"،‬مجنون ليلى " ‪"،‬مصرع‬
‫كليوباترا "‪ ،‬وغيرها‪ .‬ودفع فيها بالفن المسرحي دفعة قوية إلى األمام‪ ،‬فقد درس الفن المسرحي أثناء إقامته في‬
‫فرنسا‪ ،‬وكان له فضل السبق في تأسيس المسرح الشعري العربي‪.‬‬
‫● ثالثا‪ :‬مرحلة االزدهار‪:‬‬

‫منذ بداية الثلث الثاني من القرن العشرين ‪ 7744‬م أصدر توفيق الحكيم مسرحيته "أهل الكهف" ثم أتبعها بأكثر‬
‫من سبعين مسرحية ‪ ،‬مكتملة في موضوعاتها‪ ،‬وبنائها‪ ،‬وحوارها‪ ،‬وشخصياتها ‪.‬وهو حريص على أن يساير‬
‫بفنه حركات التطور الحديثة في المسرح‪ ،‬وهو الذي در س القواعد الرئيسة للمسرح في فرنسا دراس ة جادة ‪ ،‬لذا‬
‫نراه دائم االتصال بالمسرح الغرب ي واتجاهاته‪.‬‬

‫‪ -4.7.3‬المسرح العربي بين االبداع واالتباع‪:‬‬


‫مفهوم االبداع‪:‬‬
‫االبداع هو القدرة على التخيل السريع لمختلف الحلول االصيلة عند مواجهة وضعية او مسالة ما‪.‬‬
‫و حسب راي السيكولوجيون االمريكيون و اليابانيون‪ ,‬فان االبداع مرتبط بشكل قوي بالخيال اكثر من ارتباطه‬
‫بالعقل‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ,‬يمكن االشارة الى اختبار تقليدي لقياس االبداع‪ ,‬كان يطلب فيه من الشخص في مدة وجيزة‬
‫تتراوح بين ‪ 49‬ثانية و دقيقة واحدة ان يذكر اكبر عدد لالستعماالت التي تصلح فيها آجورة بحيث ان الفرد الذي‬
‫يتوصل الى اكبر عدد من االستعماالت الصيلة لآل جورة يمكن اعتباره مبدعا اكثر من غيره‪ ,‬والجدير بالذكر ان هذا‬
‫االختبار لوحده غير كاف لتحديد الشخص األكثر ابداعا‪ .‬ادن فاإلبداع ال معيار له‪.‬‬
‫المسرح العربي بين االبداع و االتباع‪:‬‬

‫‪72‬‬
‫يذهب كثير من الدارسين إلى أن العرب عرفوا المسرح في الشام منذ منتصف القرن التاسع عشر الميالدي‪ ،‬وبالضبط‬
‫في سنة ‪7515‬م عندما عاد مارون النقاش من أوربا( إيطاليا‪-‬‬
‫فرنسا) إلى بيروت فأسس مسرحا في منزله فعرض أول‬
‫نص درامي في تاريخ المسرح العربي الحديث هو" البخيل"‬
‫لموليير‪ ،‬وبذلك كان أول من استنبت فنا غربيا جديدا في‬
‫التربة العربية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬بدأ المسرح العربي يعتمد على عدة‬
‫طرائق في استنبات المسرح الغربي كالترجمة واالقتباس‬
‫والتعريب والتمصير والتأليف والتجريب وشرح نظريات‬
‫المسرح الغربي والسيما نظريات اإلخراج المسرحي‬
‫وعرض المدارس المسرحية األوربية‪.‬‬
‫وكان هذا الظهور المسرحي في البالد العربية نتيجة لالحتكاك الثقافي مع الغرب عبر حملة نابليون بونابرت إلى‬
‫مصر والشام وعن طريق االطالع والتعلم والرحالت العلمية والسياحية والسفارية‪ .‬ولقد انتقل المسرح إلى دول‬
‫المغرب العربي من خالل التأثير المشرقي والسيما المصري منه عندما دارت مجموعة من الفرق المسرحية ليبيا‬
‫وتونس والجزائر والمغرب‪ ،‬دون أن ننسى التأثير الثقافي والتقني الذي مارسه المستعمر األجنبي( الفرنسي‪-‬‬
‫اإلسباني‪ -‬اإليطالي) حينما شيد في هذه البلدان مجموعة من القاعات المسرحية التي كان يعرض فيها الريبرتوار‬
‫المسرحي الغربي وخاصة مسرحيات موليير الكوميدية أو مسرحياته التي تصف الطباع واألخالق‪ ,‬ليتم بعد ذلك‬
‫تأسيس كثير من الفرق المسرحية المحلية بطنجة وتطوان والدار البيضاء وسال والرباط ومراكش تتأرجح أعمالها‬
‫الفنية والتمثيلية بين التغريب والتأصيل التراثي‪.‬‬
‫إذا كان التراث كل ما خلفه أجدادنا في الماضي من إنتاجات داخرة في مجاالت األدب والدين والفن والتاريخ والفكر‬
‫والعمارة ‪ ،‬فإن التأصيل هو احتواء التراث والتشبث بالهوية في مواجهة التغريب والحداثة الغربية التي تأتي على‬
‫ابتالع كل مقومات اإلنسان العربي والسيما قيمه وأصالته والتشكيك في موروثه الثري باسم المركزية األوربية‬
‫والتقدم المادي‪.‬‬
‫و بهذا نتوصل الى ان التأصيل المسرحي العربي تعامل مع التراث كمادة مضمونية و قالب شكلي غربي‪ ,‬و بهذا‬
‫يكون قد مزج بين اتباع غربي ة ابداع عربي‪.‬‬

‫‪ -9.3‬المحور الثاني‪ :‬فن السينما‪:‬‬


‫‪ -7.9.3‬تعريف السينما‪:‬‬
‫تنعت السينما بكونها الفن السابع‪ ،‬وليس معنى هذا أنها تحتل المرتبة السابعة في الئحة تصنيف الفنون‪ ،‬بل إنه الفن‬
‫الذي تمكن من توظيف مختلف الفنون األخرى من رسم وموسيقى ورواية ومسرح‪ .‬وتصنف على أنها أحد أنواع‬
‫الفنون التي تشترك بها عدة مهارات وفنون مجتمع تتلخص بإنتاج األفالم الوثائقية والترفيهية والتاريخية‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫هي أيضا مصطلح يشار به إلى التصوير المتحرك الذي يعرض الذي الجمهور إما في أبنية فيها شاشات كبيرة تسمى‬
‫دور السينما‪ ،‬أو على شاشات‬
‫أصغر وخاصة كشاشات‬
‫التلفزيون‪ .‬لذا فهي فن استخدام‬
‫الصوت والصورة سوية من أجل‬
‫إعادة بناء األحداث على شريط‬
‫خلوي‪ .‬كما تتودع المواقف اتجاه‬
‫السينما بشكل مذهل سواء كونيا‬
‫أم عربيا‪ ،‬فهناك من يرى فيها‬
‫وسيلة للتعبير الفني والجمالي‬
‫وآخر يتعامل معها كتجارة‬
‫مربحة‪ .‬والبعض اآلخر ينظر إليها كأداة للترفيه والتسلية‪ ،‬وهناك من يعتبرها أداة للتثقيف والتربية أو للدعاية وصنف‬
‫آخر من الناس يعتقد أن السينما‪ ،‬باعتبارها تجليا متقدما للحداثة‪ ،‬تشكل عنصرا‪ ،‬ال مندوحة عنه في كل نسق او‬
‫مشروع ثقافي في الزمن المعاصر‪.‬‬
‫‪ -‬نشأة السينما‪:‬‬
‫نشأت السينما ضمن سياق التطور التكنولوجي مطلع القرن التاسع عشر‪ ،‬بعد تطور التصوير الفوتوغرافي وآليات‬
‫عرضه وتحريكه‪ ،‬حيث كانت الشركات تتنافس فيما بينها لتوفير آالت العرض‪ ،‬وافتتاح دور السينما بأقل التكاليف‬
‫أما البداية الحقيقية لميالد صناعة السينما‪ ،‬فتعود إلى حوالي ‪ 8181‬م‪ ،‬نتيجة للجمع بين ثالث مخترعات سابقة هي‬
‫اللعبة البصرية والفانوس السحري‪ ،‬والتصوير الفوتوغرافي‪ ،‬فقد سجل األخوان أوجست ولويس لومييير اختراعهما‬
‫ألول جهاد يمكن من عرض الصور المتحركة على الشاشة في ‪ 81‬فبراير ‪ 8181‬في فرنسا‪ ،‬على أنه لم يتهيأ لهما‬
‫إجراء أول عرض عام إال في ‪ 41‬ديسمبر من نفس العام‪.‬‬
‫لذلك فالعديد من المؤرخين يعتبرون لويس لوميير المخترع الحقيقي للسينما‪ ،‬فقد استطاع أن يصنع أول جهاد اللتقاط‬
‫وعرض الصور السينمائية واقعا ملموسا‪ ،‬وقد شاهدت نيويورك في أبريل ‪ 8181‬عرضا عاما للصور المتحركة‪.‬‬
‫ثم ما لبث أرمان وجينكز‪ ،‬أن تمكنا من اختراع جهاد أفضل للعرض‪ ،‬استخدماه في تقديم أول عرض لهما في سبتمبر‬
‫من الس نة نفسها‪ .‬األمر الذي حدا بتوماس أديسون لدعوتهما لالنضمام إلى الشركة التي كان قد أسسها االستغالل‬
‫الكينيتوسكوب وفي العام التالي تمكن أديسون من صنع جهاد للعرض يجمع بين مزايا الجهادين‪ ،‬وأقام أول عرض‬
‫عام له في أبريل ‪ 8181‬م‪ ،‬فلقى نجاحا كبيرا‪.‬‬
‫‪ -‬مراحل تطور الفيلم السينمائي‪:‬‬
‫يقسم الناقد والمؤرخ السينمائي األمريكي فيليب كونجليتون‪ ،‬المراحل التي مر بها تطور الفيلم السينمائي من منظور‬
‫التأثر ينمو السوق إلى العصور التالية‪:‬‬
‫عصر الريادة‪ :‬في هذا العصر بدأت صناعة الفيلم‪ ،‬الكاميرا األولى‪ ،‬الممثل األول‪ ،‬المخرجون األول كانت التقنية‬
‫جديدة تماماً‪ ،‬ولم تكن هناك أصوات على اإلطالق‪ ،‬ومعظم األفالم كانت وثائقية‪ ،‬خبرية‪ ،‬وتسجيالت لبعض‬
‫المسرحيات‪ ،‬وأول دراما روائية كانت مدتها حوالي خمسة دقائق‪.‬‬
‫عصر األفالم الصامتة‪ :‬ويتميز هذا العصر عن سابقه بكثرة التجريب في عملية مونتاج األفالم‪ ،‬فلم تكن هذه المرحلة‬
‫صامتة بالكامل‪ ،‬فقد كانت هناك استخدامات لطرق ومؤثرات صوتية خاصة‪ ،‬بينما لم يكن هناك حوار على اإلطالق‬
‫حتى المرحلة التالية‪ ،‬فاختلف الشكل‪ ،‬واختفت التسجيالت المسرحية لتحل محلها الدراما الروائية‪ ،‬ويعد هذا أيضا ً‬

‫‪74‬‬
‫بداية لمرحلة األفالم الشاعرية ذات الطابع التاريخي األسماء الشهيرة في هذه المرحلة ضمت شارلي شابلن‪ ،‬ديفيد‬
‫جريفيث وغيرهم‪.‬‬
‫عصر ما قبل الحرب العالمية الثانية ‪ :‬يتميز‬
‫هذا العصر بأنه عصر الكالم أو الصوت‪،‬‬
‫ولكن فيليب كونجليتون يرى‪ ،‬أن هذا‬
‫التصنيف غير دقيق‪ ،‬فذلك يعني أن هناك‬
‫مرحلتين في تاريخ الفيلم‪ :‬الصمت والكالم‪.‬‬
‫العصر الذهبي للفيلم‪ :‬ظهرت األفالم‬
‫الجماهيرية في هذه المرحلة والتي يمكن‬
‫تصنيفها إلى أفالم استخبارات‪ ،‬أفالم غابات‪،‬‬
‫واألفالم االستغاللية‪ .‬أما أفالم الخيال العلمي‬
‫فقد ظهرت حوالي عام ‪.7789‬‬
‫العصر اإلنتقالي للفيلم‪ :‬يُسمي فيليب‬
‫كونجليتون هذه المرحلة بالعصر االنتقالي‪ ،‬ألنه يمثل الوقت الذي بدأ فيه الفيلم ينضج بشكل حقيقي‪ ،‬فقد ظهرت في‬
‫هذا العصر التجهيزات الفنية المتطورة للفيلم من موسيقى‪ ،‬وديكور‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫العصر الفضي للفيلم‪ :‬يرى بعض المؤرخين أن هذه الفترة بالفعل‪ ،‬هي مرحلة الفيلم الحديث‪ ،‬وكانت مرحلة جديدة‬
‫فيلمي الخريج و بوني وكاليد عام ‪7761‬‬
‫َ‬ ‫وقتها ويبدأ العصر الفضي للسينما بإنتاج‬
‫العصر الحديث للفيلم‪ :‬بدأ هذا العصر عام ‪ ، 7711‬عندما أنتج فيلم حروب النجوم‪ ،‬الذي ُيعد أول إسهام للكمبيوتر‬
‫والتقنية الحديثة في تصميم المؤثرات الخاصة‪.‬‬

‫‪ -9.9.3‬مكونات ووظائف المسرح العربي والسينما‪:‬‬

‫‪ -‬المكونات‪:‬‬

‫‪75‬‬
76
‫الوظائف‪:‬‬
‫الوظيفة الترفيهية‪ :‬التي تتمثل في االستمتاع بأوقات الفراغ بمشاهدة األفالم وغيرها‪.‬‬
‫الوظيفة الدعائية‪ :‬تتمثل في الدعاية واإلشهار‪.‬‬
‫الوظيفة الجمالية‪ :‬حيث تعتبر السينما من الفنون الجميلة‪ ،‬وهذه من أهم الوظائف‪.‬‬
‫الوظيفة التعليمية‪ :‬تتمثل في عرض بعض الدروس التعليمية في مختلف المجاالت‪.‬‬
‫الوظيفة التوعوية‪ :‬تتمثل في توعية الناس‪.‬‬
‫كما لهما وظائف أخرى متعددة من بينها االتقاء بالنفس فكرا و ثقافة لسمو بتطلعاتها و آمالها لتطوير الحضارة‬
‫اإلنسانية و إقامة حوار حقيقي بين ثقافة الشعوب للتطوير و االرتقاء بالقيم اإلنسانية أي عندما تشاهد فلما سينمائيا‬
‫فإننا ننظر إلى مرآة ذواتنا‪.‬‬

‫‪ -4.3‬المحور الثالث‪ :‬فن العمارة والبيئة‪:‬‬


‫المعمار‪:‬‬
‫يعتبر فن العمارة جزءا ال يتجزأ من التموين البصرية ولعله‪ ،‬بمفهومه البيئي والحضري األوسع‪ ،‬من أكثر النشاطات‬
‫اإلنسانية تجسيدا للواقع الحضاري في المجتمع‪ .‬والعمارة نشاط إنساني ينك هوية الثقافات والحضارات ويؤثر في‬
‫نمط الحياة والسلوك االجتماعي العام‪ ،‬وذلك بتأثيراته المباشرة في البيئة البشرية‪ ،‬وتمثلها للمفاهيم والرموزالمادية‬
‫والمعنوية في أية فترة تاريخية‪ .‬يعكس فن العمارة إذن التفاعل الفكري‪ .‬ويظهر هذا التفاعل في وجود الكثير من‬
‫المدارس التصميمية المتنوعة بسبب التنوع الديناميكي في التجربة اإلنسانية‪ .‬ويقسم المعماريون والفنانون هذه‬
‫التيارات المتعددة إلى تيارين أساسين هما‪ :‬التيار العالمي والتيار المحلي‪ .‬انتشر التيار العالمي في العمارة في بداية‬
‫القرن العشرين‪ ،‬ويسمى في الدراسات المعمارية بالحركة الحديثة‪ .‬ويتميز هذا التيار بطابعه اإلجمالي والتوحيدي‬
‫والعالمي‪ ،‬وقد انبثق مباشرة من جمالية االلة والتصنيع الذي اعتمد على أنظمة ذات درجة عالية من الدقة والضبط‬
‫في القياس والتنميط والتكرار‪ .‬ويبشر أتباع هذا التيار بجمالية تعتمد على المواد االنشائية الحديثة كالخرسانة‬
‫المسلحة والزجاج‪ ،‬وال يخشى هذا التيار من إظهار األنابيب والخامات بل يعتبرها جزءا من جماليات الوظيفة في‬
‫العمارة‪ .‬لقد تخلص هذا التيار من أساليب العمارة القديمة الكالسيكية‪ ،‬وقادت نظرته الفنية إلى التقارب والتشابه‬
‫بين مختلف المجتمعات االنسانية في العالم وخاصة في مجاالت البيئة العمرانية على مستوى أصغر تفاصيل األبنية‬
‫المنفردة وموادها اإلنشائية وطرائق تركيبها وتشييدها‪ ،‬وأصبحت لها لغة خاصة في التصميم المعماري‪ .‬أما التيار‬
‫المحلي فيؤكد ضرورة الحفاظ على الخصائص المحلية والقومية في الفن والعمارة‪ .‬ويدافع المنتمون إلى هذا التيار‬
‫عن الفكرة القائلة بأنه ليس باإلمكان تسخير التكنولوجيا العالمية في تحقيق المميزات المحيلة التي كانت سابقا تعتمد‬
‫الحرفية في اإلنتاج الفني والم عماري والمتأتية من جمالية اإلنتاج اليدوي ال اآللة‪ .‬غير أن بعض المعماريين والفنانين‬
‫التشكيليين يعتبرون هذه الخصوصية مفهوما معنويا ذا طبيعة ديناميكية متغيرة ويوجد تفاعل د بينها وبين عاملين‬
‫رئيسيين هما االنتماءات البيئية واالعتبارات الحضارية‪...‬‬
‫وتعد الزخرفة ع نصرا مشتركا بين جميع الفنون‪ ،‬وترتبط بها ارتباطا عضويا ال يمكن تجاهله‪ .‬وبالزخرفة اكتسبت‬
‫العمارة العربية عناصر وأساليب زخرفية على الجبس واألجر والرخام والمرمر والخشب‪ ،‬وتطورت إلى ما يطلق‬
‫عليه باحث الفنون التجريد أو األرابيسك‪ .‬ومن هنا نلمح في تلك العالقة القوية‪ ،‬والترابط بين فنون العمارة والزخرفة‬
‫وباقي الفنون‪ ،‬نوعيات جمالية تتكامل عناصرها الفنية وتتفاعل‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫العمارة والتنمية‪:‬‬
‫تلمس العمارة‪ ،‬بشكل مباشر‪ ،‬حياة الفرد والمجتمع‪ ،‬كما تجسد الحيزات الداخلية والكتل والتشكيالت الخارجية‬
‫للعمران وهويته‪ ،‬إضافة إلى التأثير البصري والنفسي‪ ،‬في المادة والروح معا‪ .‬إن فن العمارة وتوازن البيئة والمحيط‬
‫الحيوي‪ ،‬هو التسجيل المرئي والحي لصورة الحضارة والتقدم بأبعادها المختلفة‪.‬‬
‫إن محدودية الموارد وسوء استعمالها وتوظيفها‪ ،‬والتغيرات المتالحقة في مجاالت البيئة والعمران واالقتصاد‪،‬‬
‫وخاصة في الدو ل العربية‪ ،‬تحتم األخذ بمفهوم التنمية المستدامة‪ ،‬واالستغالل األمثل لإلمكانات المتاحة‪ .‬لقد أدي‬
‫السباق الرهيب اتجاه الجوانب المادية‪ ،‬والتفاخر بامتالك الجديد‪ ،‬إلى التخلي عن القيم الجمالية‪ ،‬بل إلى فقدان‬
‫اإلحساس بعناصر الجمال بأشكاله المتعددة‪ ،‬داخل الكثير من المجتمعات والمدن‪ .‬كما انعكس التشويه البصري‬
‫لواجهات المباني وألوانها‪ ،‬في الميادين والشوارع والحدائق‪،‬‬
‫وتدهور النسيج العمراني‪ ،‬إلى بروز أنماط سلبية في المجتمعات‪ ،‬مثل الالمباالة والقلق والتوتر‪ ،‬بل وانتشار الكثير‬
‫من األمراض العصبية والنفسية التي تمثل خسارة كبيرة للقوى الفاعلة في نهضة المجتمعات وحضارتها‪.‬‬
‫إن اإلحساس بالتناغم مع الجمال المحيط بالبيئة‪ ،‬والوعي البيئي بالعوامل الملوثة لهذه الجماليات‪ ،‬تعتبر من متطلبات‬
‫التنمية المستدامة والمتواصلة‪ .‬إن التنمية الخضراء هي الجمال الحي المحقق للتوافق والتجانس بين العناصر البيئية‬
‫والطبيعية والبشرية‪ ،‬وتوجيه التكنولوجيا الحديثة إلى خدمة اإلنسان وتحقيق حياة معيشية متطورة ومريحة‪ ،‬أي‬
‫صديقة للبيئة المحيطة‪ .‬إن التنمية العمرانية تحتاج إلى خبرات بشرية رفيعة ومرهفة الحس والملمس الفني‪ ،‬وتتسم‬
‫بأسلوب إداري جذاب ومتطور‪ ،‬مما يتيح معه مجموعة م ن عناصر الجذب العمراني وظيفيا وجماليا‪ .‬إن العمارة‬
‫الخضراء تعتبر تنمية اجتماعية‪ ،‬تراعى عناصر الوظيفة والجمال البصري‪ ،‬وذلك باستخدام األشجار والنباتات‬
‫والمسطحات واألحزمة الخضراء حول العمران‪ ،‬وتوظيف األلوان في المباني والمنشآت‪ ،‬كل هذا يعتبر مصدر‬
‫إعجاب للعين‪ ،‬ومتعة وراحة للنفس‪.‬‬
‫الحداثة المعمارية‪:‬‬
‫في نطاق مفهوم السكن‪ ،‬يتم الحديث عن وظائف إنسانية أساسية‪ ،‬وهي‪ :‬االتجاه والهوية والذاكرة‪ .‬ويتضمن االتجاه‬
‫تنظيم الحيز وأنماط الحركة فيه‪ .‬أما الهوية فهي تغني اختيار الطابع والشكل المعمار المنسجم مع البيئة واإلنسان‬
‫‪ ...‬والمقصود بالذاكرة الذاكرة التاريخية والقومية التي تحدد الهوية المعمارية شكال وإبداعا‪ .‬ومن المؤكد أن العمارة‬
‫تبع الوظيفة‪ ،‬وأن اللغة العمارة أبعاد وظائفية هي الغد المكان‪ ،‬والبعد التكويني أو التركيب الشكلي‪ ،‬والغد التطبيقي‬
‫الذي يحدد التوعية التشخيصية‪.‬‬
‫وليس السكن منشأة من فراغ اجتماعي‪ ،‬بل هو خلية عمرانية اجتماعية‪ ،‬يحقق أهداف ثالثة‪ ،‬غير هدف السكن‪،‬‬
‫هي اللقاء مع اآلخرين‪ ،‬والتوافق بينهم‪ ،‬وتحقيق التفرد والسكنية‪ .‬إن ما يسمى النموذج األصلي يعني وجود أشكال‬
‫معمارية أساسية ذات مصطلحات وتسميات تميزها‪ .‬إذا العناصر المجردة الثا بتة مثل جدار وأرض وسطح‪ ،‬فإن‬
‫ثمة مصطلحات تخص العناصر التكوينية مثل كرة ومكعب وأسطوانة وهرم ‪ ...‬وهي مصطلحات تشكيلة مجرة‪.‬‬
‫أما المصطلحات التي تخص الوظيفة (بيت‪ ،‬مسجد‪ )..‬أو تخص النماذج األصلية‪ ،‬فإنها ليست شكال واحدا‪ ،‬بل‬
‫تجلي مختلف باختالف الرمان والمكان‪ ،‬وهذا ما يسمى المالمح المعمارية التي تحددها الحياة الراهنة والذاكرة‬
‫التاريخية‪ .‬ولغة العمارة هي لغة الذاكرة وهي واسطة تحقق فيها العمارة‪ ،‬وهي تجذر في العالم وليست لغة مبتكرة‪،‬‬
‫ونماذجها األصلية مغطاة مرة واحدة وإلى األبد‪ .‬عندما نتحدث عن العمارة الحديثة‪ ،‬فإن المناخ الذي يجب أن‬
‫تتحدث فيه هو المناخ الثوري‪ ،‬الذي يهدف إلى تغيير مفهوم العمارة غير شامال‪ ،‬من العمارة اإلغريقية مرورا‬
‫بعصر النهضة وحتى الكالسيكية‪ .‬وإذا كان النموذج األصلي التقليدي يكشف عن طريقة أساسية للوجود بين‬
‫األرض والسماء‪ ،‬نموذج مكرور في عمارة عصر النهضة والكالسيكية المتحدة التي قادها مدرسة الفون الجميلة‬

‫‪78‬‬
‫في باريس‪ ،‬فإن الصورة المتكاملة المملة للمناخ الثوري تقوم على مبدا مفاده أن العمارة ينبغي أن تخضع للحياة‬
‫وتخدمها‪ ،‬وليس عليها أن تفرض فضا على اإلنسان والمجتمع‪ .‬من نهاية القرد الماضي‪ ،‬بدأت محاوالت إنقاذ‬
‫العمارة من الشكل الثابت المرور وربطها بالوظيفة‪ ،‬بمعنى أنه ليس من شكل ثابت للعمارة طالما أنه ليس من‬
‫وظيفة واحدة للعمارة‪.‬‬
‫لقد انفصلت الحداثة المعمارية نهائيا عن لغة العمارة‪ ،‬هذه اللغة التاريخية التي عبرت عن االنسان الذي أنشئت‬
‫العمارة من أجله‪ ،‬وبقيت عمارة الحداثة بدون لغة وبدون هوية‪ ،‬ألن اللغة هي المعبر عن الهوية كما يقول الفيلسوف‬
‫األلماني هيذر‪ .‬وليس بإمكاننا اعتماد عمارة ال هوية لها‪ ،‬وال تساعد اإلنسان على العيش في بيئته التاريخية‬
‫واالجتماعية‪..‬‬
‫لقد كانت العمارة تعبر عن مفهوم قومي ومع أن العمارة هي خلية عمرانية‪ ،‬فإنها أصبحت‪ ،‬في عالم الحداثة‪ ،‬بعيدة‬
‫عن مشروطها التي تحدثنا عنها (اللقاء‪ ،‬والتوافق والسكنية)‪.‬‬
‫إن إهمال لغة الذاكرة التاريخية في الحداثة المعمارية‪ ،‬دفع المعمار إلى التعويض عن التاريخ بالحوافز الصناعية‬
‫فأصبحت الحداثة مجرد هواية ومغامرة اعتباطية‪ .‬واعتقدت الحداثة أنها انتصرت عندما تبت الرأي القائل بأن‬
‫جميع المشاكل المعمارية قابلة للحل عن طريق الحداثة‪ ،‬وأنه ليس من قلق إذا ما تخن تخلينا عن التاريخ الجمالي‬
‫للعمارة‪..‬‬
‫إن عمارة ما بعد الحداثة تتجه نحو أسلوب البناء التقليدي لخلق تواصل بين العمارة والجمهور العام والنخبة المهتمة‬
‫بموضوع‪ .‬وهكذا فإن عمارة ما بعد الحداثة تجمع بين القديم والحديث‪ ،‬إنه ليس مجرد إحياء القديم‪ ،‬بل هو أيضا‬
‫االستفادة من عالم التقنيات على أوسع نطاق‪ .‬إنا نستطيع‪ ،‬انطالقا من القديم‪ ،‬أن تحقق خيارات متعددة‪ ،‬هذه التعددية‬
‫هي من مميزات عمارة ما بعد الحداثة التي تجعلها متجددة‪ ،‬متنوعة كتب الثقافات األوقية‪.‬‬
‫العمارة والبيئة‪:‬‬
‫في اللحظة التي ينتهي فيها بناء أي مبنى يصبح جزءا من البيئة‪ ،‬كشجرة أو حجر‪ ،‬ويصبح معرضا لنفس تأثيرات‬
‫الشمس أو األمطار أو الرياح كأي شيء آخر متواجد في البيئة‪ .‬فإذا استطاع المبنى أن يواجه الضغوط والمشكالت‬
‫المناخية‪ ،‬وفي الوقت نفسه يستعمل جميع الموارد المناخية والطبيعية المتاحة من أجل تحقيق راحة اإلنسان داخل‬
‫المبنى‪ ،‬فيمكن أن يطلق على هذا المبنى بأنه متوازن مناخيا' ‪ .‬إن مشكلة التحكم المناخي وخلق جو مناسب لحياة‬
‫اإلنسان‪ ،‬قديمة قدم اإلنسانية نفسها‪ ،‬فقد حرص اإلنسان على أن يتضمن بناؤه للمأوى عنصرين رئيسين هما ‪:‬‬
‫الحماية من المناخ‪ ،‬ومحاولة إيجاد جو داخلي مالئم لراحته‪.‬‬
‫وقد عكس تصميم المبنى وتشكيله عبر التاريخ‪ ،‬الحلول المختلفة المناسبة لكل حقبة وبيئة‪ ،‬من أجل تحقيق هذا‬
‫الهدف‪.‬‬
‫لذلك نجد أن المسكن التقليدي في أي منطقة مناخية‪ ،‬غالبا ما يوضح تراكم خبرات سنين عديدة قد تصل إلى قرون‬
‫من محاوالت الوصول إلى المثالية في تصميمه وتشكيله بيئيا وبصورة معمارية جميلة أيضا‪ .‬إننا نجد المسكن‬
‫الجليدي في مناطق اإلسكيمو الباردة يتميز بشكله الخارجي‪ ،‬وتشكيل فراغه الداخلي الذي يوفر المعيشة في مكان‬
‫مرتفع يتجمع فيه الهواء الساخن للتدفئة بعيدا عن المناخ الثلجي قارس البرودة بالخارج وبأسلوب بسيط‪ .‬وفي‬
‫المقابل نجد المسكن ذا الفناء الداخلي في اإلقليم الحار الجاف يقوم بتخزين الهواء البارد ليال لمواجهة الحرارة‬
‫الشديدة نهارا‪ ،‬بينما يعول التشكيل العام لكتل ة المسكن االستوائي على تسهيل حركة الهواء خالله‪ ،‬مما يساعد على‬
‫التخلص من الرطوبة العالية التي تعمل على زيادة اإلحساس بالسخونة‪ ،‬كما تساعد األسقف المنحدرة على التخلص‬
‫من األمطار الغزيرة التي تتميز بها هذه المناطق‪ .‬وكلها أساليب معمارية فطرية استخدمها اإلنسان لمقاومة قسوة‬

‫‪79‬‬
‫المناخ السائد في المنطقة‪ ،‬وذلك في وجود أنشطة معينة تمارس داخل وحول هذه المباني وفي إطار هيكل اجتماعي‬
‫يؤثر في أساليب التصميم‪.‬‬
‫إن فكرة التصميم البيئي في العمارة ليست بجديدة‪ ،‬بل يمكن مالحظتها أيضا في مأوى الكائنات األخرى كالحشرات‬
‫والطيور والثديات ا لصغيرة‪ .‬فلقد أودع هللا في العنكبوت مهارات خاصة تمكنه من نسج الخيوط بأسلوب هندسي‬
‫حاذق‪ ،‬وبأشكال مختلفة تناسب مع طبيعة المكان الذي ينسج فيه بيته‪ .‬كما أوحى هللا سبحانه وتعالى للنحل أن تتخذ‬
‫من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرش اإلنسان‪ .‬وبيوت النحل هذه محكمة في غاية الدقة واإلتقان في تسديها‬
‫ورصها‪ ،‬فلو تأملنا الشكل المسدس فإننا نجده الشكل الوحيد من بين األشكال المضلعة والذي إذا جمع كل واحد‬
‫منها إلى مثله لن يحدث بينهم مسافات خالية وهذا خاص فقط بالشكل المسدس دون الشكل المخمس أو المثمن‪...‬‬
‫وبذلك يعطينا النحل درسا في كي فية إقامة أكبر عدد من الخاليا أو البيوت في أقل مساحة متاحة‪ .‬أما النمل فيبني‬
‫بيوتا داخلها الرطوبة والدفء‪ ،‬وهو يستخدم في سبيل ذلك مادة بناء خاصة يتخيرها من الطين الرديء لتوصيل‬
‫الحرارة‪ ،‬كما يختار موقع المسكن بحيث ال تغمره مياه األمطار أو الفيضان على منحدرات كثبان الرمل أو أكمة‬
‫عالية‪.‬‬
‫وتحمي جماعات النمل األبيض نفسها وصغارها من اإلشعاع الشمسي الوفير في المناطق الحارة الجافة‪ ،‬بأن تبني‬
‫لها حجرات أرضية تتجه من الشمال إلى الجنوب على طول طرقاتها‪ .‬وتعتبر هذه الحجرات المبنية تحت األرض‬
‫بمثابة الحصون المنيعة ضد البخر الشديد في أثناء فصل الصيف‪.‬‬
‫من خالل هذه األمثلة يتضح لنا أن بعض الحشرات والحيوانات تظهر مهارة فائقة في تصميم بيوتها وتخير‬
‫مواقعها‪ ،‬بما يتالءم مع حياتها وظروف البيئة التي تعيش فيها‪ .‬إن هذه الكائنات تعطي لإلنسان دروسا في التصميم‬
‫المعماري الذي يأخذ في اعتبار العوامل والظروف البيئية السائدة‪.‬‬
‫خمس مباني صديقة للبيئة في الوطن العربي‪:‬‬

‫مع التناقص ال ُمستمر في المخزونات العالمية من المحروقات‪ ،‬يتزايد االهتمام العالمي بالحفاظ على البيئة والح ّد‬
‫من استهالك الطاقة في كافّة المجاالت‪ .‬وتأتي منطقة الشرق األوسط في مكانة بارزة بين دول العالم من حيث عدد‬
‫المشاريع اإلنشائية الخضراء التي تستغل مصادر للطاقة النظيفة وتُعيد تدوير ُمخلفاتها ب ُ‬
‫طرق ُمبتكرة‪.‬‬

‫التحول باتّجاه نماذج عيش‬


‫ّ‬ ‫أعدّت لكم "ومضة" قائمةً بخمسة مشاريع إنشائية في المنطقة العربية‪ ،‬تدخل في إطار‬
‫حديثة ونظيفة‪:‬‬
‫‪ .1‬مدينة "مصدر"‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫مج ّمع "مدينة مصدر"‪( .‬الصورة من‪ :‬مدينة مصدر")‬
‫تأتي دولة اإلمارات العربية ال ُمتحدة في ُمقدمة الدول العربية التي تهت ّم بمشاريع المباني الخضراء‪ ،‬إذ احتلت المرتبة‬
‫الثامنة من بين ‪ 751‬دولةً في قائمة الدول التي تمتلك أكبر عدد من المباني الصديقة للبيئة‪.‬‬

‫مدينة "مصدر" ‪ Masdar City‬التي تقع على بعد ‪ 71‬كيلومترا ً من وسط مدينة أبوظبي‪ ،‬بالقرب من مطار‬
‫أبوظبي الدولي‪ ،‬هي من أبرز تلك اإلنشاءات‪.‬‬

‫هذه المشروع الذي يمت ّد على مساحة إجمالية تبلغ ‪ 111‬هكتار‪ ،‬يجري تطويره على مراحل ليت ّم االنتهاء منه بشكل‬
‫ومقرات لعدد من الشركات‬ ‫ّ‬ ‫كامل بحلول عام ‪ .9195‬وتض ّم المدينة حاليا ً مبان تجاريةً‪ ،‬و ُمج ّمعات مطاعم‪،‬‬
‫المقر الرئيسي للمنظمة العالمية للطاقة ال ُمتجددة" ‪International Renewable‬‬ ‫ّ‬ ‫سسات‪ ،‬من بينها‬
‫وال ُمؤ ّ‬
‫‪ ،Energy Agency‬باإلضافة الى "معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا" ‪Masdar Institute for Science‬‬
‫‪.and Technology‬‬
‫ّ‬
‫محطة لتوليد الطاقة الشمسية تعد األكبر من نوعها في‬ ‫تتميز "مصدر" بكونها تستم ّد الطاقة الالزمة لها بالكامل من‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬تبلغ طاقتها اإلنتاجية ‪ 71‬ميجاواط وتمت ّد على مساحة ‪ 99‬هكتاراً‪ ،‬وتوفر الفائض من الطاقة إلى‬
‫الشبكة الرئيسة ألبو ظبي‪.‬‬

‫في هذه المدينة أيضا ً‪ ،‬تُستخدم النفايات البيولوجية للحصول على أسمدة عُضوية‪ ،‬فيما يت ّم تحويل بعض هذه النفايات‪،‬‬
‫ي للطاقة‪ .‬أ ّما النفايات الصناعية‪ ،‬مثل البالستيك‪ ،‬فيت ّم إعادة تدويرها أو إعادة‬
‫عن طريق الحرق‪ ،‬إلى مصدر إضاف ّ‬
‫استخدامها في أغراض أخرى‪.‬‬
‫‪ .2‬مسجد "خليفة التاجر" في دبي‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫(الصورة من "إمارات‪)"93‬‬

‫مسجد "خليفة التاجر" الذي ت ّم افتتاحه ُمنتصف العام الماضي في دبي‪ ،‬يُع ّد المسجد الصديق للبيئة ّ‬
‫األول من نوعه‬
‫في المنطقة‪.‬‬

‫هذا المسجد الذي تبلغ مساحته مبناه ‪ 35‬ألف قدم مربّع ويتّسع لـ ‪ُ 9511‬مص ّل‪ ،‬ت ّم بناؤه باستخدام مواد عازلة‬
‫ي بطبقة معدنية تحجب حرارة الشمس عن داخل المسجد بهدف تقليل الطاقة الالزمة‬ ‫للحرارة‪ ،‬وزجاج ُمزدوج مطل ّ‬
‫لتبريد الهواء‪.‬‬

‫ويستخدم المسجد أيضا ً الطاقة الشمسية إلضاءة أعمدة اإلنارة الخارجية‪ ،‬وكذلك لتسخين مياه الوضوء والمياه‬
‫المستخ َدمة في سكن اإلمام وملحقات المسجد‪ ،‬بدالً من استخدام الس ّخانات الكهربائية‪.‬‬

‫كما ت ّم تزويده بمصابيح ‪ LED‬موفّرة للطاقة بدالً من المصابيح العادية‪ ،‬باإلضافة الى نظام للتحكم باإلنارة وأنظمة‬
‫ي وفقا ً ألوقات الصالة فقط‪.‬‬‫تكييف الهواء بحيث تعمل بشكل تلقائ ّ‬
‫‪" .3‬جامعة الملك عبد هللا للعلوم والتقنية"‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫مج ّمع الجامعة‪( .‬الصورة من "جامعة الملك عبد هللا للعلوم والتكنولوجيا")‬
‫عند تأسيسها‪ ،‬في العام ‪ ،9171‬مثّلت "جامعة الملك عبد هللا للعلوم والتقنية" ‪ KAUST‬في السعودية‪ ،‬أكبر مشروع‬
‫في العالم من حيث المساحة يحصل على تصنيف "ليد" ‪ LEED‬البالتيني للمباني التي تُحافظ على البيئة‪ ،‬حيث‬
‫تبلغ مساحة المشروع كام ً‬
‫ال ‪ 5.5‬ماليين قدم مربّع على امتداد ‪ ٧٢‬مبنى‪.‬‬

‫حصلَت الجامعة على هذا التصنيف نتيجة توظيفها الكثير من تقنيات الطاقة النظيفة وإعادة تدوير المياه‪ ،‬حيث‬
‫محطةٌ إلعادة تدوير المياه‪ .‬تقوم بمعالجة كامل استهالك مباني الجامعة للمياه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يت ّم إعادة ض ّخ المياه‬
‫ّ‬ ‫يوجد‬
‫ري النباتات وغيرها من األغراض‬ ‫إما الى مباني الجامعة من جديد إلعادة استخدامها ألغراض ّ‬ ‫التي تت ّم معالجتها‪ّ ،‬‬
‫التي ال تحتاج الى مياه صالحة للشُرب‪ ،‬وإ ّما إلى الخارج في صورة صديقة للبيئة‪.‬‬

‫تمتلك الجامعة أيضا ألواح كهروضوئية بمساحة تتجاوز ‪ 71‬ألف قدم مربّع‪ ،‬تُنتج طاقةً كهربائيةً نظيفة تبلغ قدرتها‬
‫‪ 3‬ميجاواط‪ .‬كما يعتمد تصميم المباني الخاصة بالجامعة على إستخدام اإلضاءة الطبيعية النهارية إلضاءة ‪%15‬‬
‫من المساحة اإلجمالية للجامعة‪ ،‬مع وجود ُمستشعرات ضوئية تقوم تلقائيا ً بإيقاف عمل المصابيح الكهربائية في‬
‫حالة توافر إضاءة طبيعية كافية‪.‬‬

‫‪" .4‬مركز التجارة العالمي" في البحرين‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫"مركز التجارة العالمي في البحرين"‪( .‬الصورة من "أتكنز جلوبال ديفيلوبمنت")‬
‫مركز التجارة العالمي في البحرين الذي يأتي في صورة مبن َيين ُمتّصلين بارتفاع ‪ 931‬متراً‪ ،‬يُع ّد ناطحة السحاب‬
‫األولى في العالم التي تتض ّمن كجزء من تصميمها طواحين هواء عمالقة لتوليد الكهرباء باستخدام طاقة الرياح‪.‬‬

‫تم إنشاء المبنى عام ‪ 9112‬على يد شركة اإلنشاءات العالمية "أتكنز وت ّم تزويده بثالث طواحين هواء عمالقة‬
‫يبلغ طول الواحدة منها ‪ 92‬مترا‪.‬‬

‫تمر بين جناحيه لتعزيز توليد الطاقة الكهربائية من‬


‫سرعة الرياح التي ّ‬
‫ص ِّمم المبنى بطريقة ديناميكية تزيد من ُ‬‫ُ‬
‫خالل طواحين الهواء ال ُمثبتة في ال ُمنتصف‪ ،‬في حين يستم ّد المبنى ‪ %75‬من الطاقة الكهربائية الالزمة له من‬
‫خالل طاقة الرياح‪.‬‬

‫‪ُ .5‬مجمع "ذي جيت" السكني في مصر‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ -‬تطوير مشروع "ذي جيت"‪( .‬الصورة من "فانسان كالبو")‪.‬‬

‫هذا المشروع الذي صممته شركة ‪ Vincent Callebaut‬العالمية‪ ،‬بدأ العمل عليه عام ‪ 9173‬في القاهرة‪،‬‬
‫ويُنتظر أن تنتهي أعمال اإلنشاء في عام ‪ ،9172‬بتكلفة تبلغ ‪ 3.5‬مليار جنيه مصري (ما يوازي ‪ 521‬مليون‬
‫ي تقريباً)‪..‬‬
‫دوالر أمريك ّ‬
‫ً‬
‫شقق سكنية وفندقا‪ ،‬فهو يتميّز‬ ‫ً‬
‫المجمع السكني "ذي جيت" ‪The Gate‬مساحات تجارية و ُ‬ ‫ّ‬ ‫وبينما سيتضمن‬
‫يتكون من مج ّمع من المباني ال ُمتصلة التي سيتخللها ‪ 2‬أشجار عمالقة تعمل على إعادة توجيه الرياح‬ ‫بتصميمه الذي ّ‬
‫ى من الحضارة المصرية الفرعونية القديمة‪.‬‬ ‫ي ُمستوح ً‬‫للحصول على تهوية كافية لجميع المباني‪ ،‬وهو أسلوبٌ بنائ ٌّ‬
‫ّ‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬سيتض ّمن المشروع خاليا كهروضوئية تُغطي مساحة أسطح المباني ليستم ّد منها المشروع‬
‫تنزهات تهدف الى توفير‬‫جزءا ً من احتياجاته من الطاقة‪ .‬كما سيت ّم استغالل الطوابق العليا إلقامة حدائق خضراء و ُم ّ‬
‫طبقة عازلة طبيعية للح ّد من حرارة الشمس‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫نختم هذا المقرر بمتمنيا تنا للطالب األعزاء بالنجاح و التوفيق ‪ ،‬و أنهم قد استفادوا قدر المستطاع من كافة‬
‫المحاور ‪.‬‬
‫و إذا ارتأيتم أن هذا العمل يستحق التضحية باذرو و اعملوا على تكراره في مواد أخرى من أجل توحيد الطالب‪.‬‬
‫نأمل أيضا أن يكون هذا العمل لبنة ألعمال أخرى مشابهة له ‪.‬‬
‫شكرا لكم‬

‫‪86‬‬

You might also like