Professional Documents
Culture Documents
وهكذا نشات فلسفة تقوم على تأليه الكائنات واإليمان بالروحانيات التي تسيطر على عناصر الكون
كلّه ،وكان من الطبيعي ّ
أن هذا المفهوم الالهو تي لدى اإلنسان في الحضارات القديمة أن ينعكس في
إتجاهاته الفنيّة من أدب وعمارة وتشكيل.
الفن الفرعوني:
كان الفن الفرعوني منذ بدايته مرتبطا إرتباطا وثيقا بالدين .وقد ارتبطت الديانة بالملك " الفرعون "،
وأن الظواهر الطبيعيّة وفي مقدمتها النيل والشمس قد اثّرت بعمق في سكان وادي النيل .وفي عبادتهم
األول كميتها أو قدرتها .فالشمس على سبيل المثال كانت
للمظاهر الطبيعيّة وضعوا في اعتبارهم ّ
وقوتها تحيط بكل شيء ،وارتبطت عبادتها بالصقر " حورس " حيث كان باستطاعته أن يحلّق
بمجدها ّ
على بعد ساحق ،فهو رفيق للشمس .ظهرت الشمس في الفن المصري بقرصها تحمي جنا ّحي الصقر
المنشورين ،واعتبرت بهذا الشكل من أشهر رموز الدين الفرعوني ،بل أنّها جعلت السماء فرعونية
مرتبطة بذلك .وبناء على ذلك الفن الفرعوني هو الفن المعبّر عن التجريد الديني في شكل كامل ،وقد
كرس لألغراض الدينيّة ذكريات خالدة لألشخاص واألحداث ،كانت تمث ّل محيط الفنان .من هنا يمكن
ّ
إطالق مصطلح " األشياء التي تعبد " على قطع التماثيل الفرعونيّة ،ويمكن أن نس ّمي الفنان المصري
ببنّاء للنصب التذكارية.
لقد كانت مصر ذات شخصية مزدوجة ،فمصر السفلى في الدلتا تختلف في مناخها وسكانها عن مصر
التذوق الجمالي ،بينما في الثانية
ّ العليا في منطقة الصعيد ،األولى فضّلت الحجر الجيري كدليل على
استخدموا الجرانيت والبازلت .األولى كانت في توجّهها الفني ذات داللة فطرية واضحة ،بالمقارنة مع
المتصور في مصر العليا.
ّ التشكيل الذهني
اعتقد المصريّون بخلود الروح بعد الموت ،لذلك كانت غاية الفن عندهم التعبير الرمزي عن هذا
صل به من عاد ات دينيّة أخرى ،وأن يتجاوز الفن الموت تحقيقا لإلنتصار على الفناء
اإلعتقاد وما يت ّ
وتأمين خلود الموضوع .وهذا يعني أن يكون مشابها للحياة عبر صورة وشكل يجسدانها تجسيدا تاما.
وقد نجح الفان المصري في تحقيق ذلك نجاحا يؤ ّكده المستوى الرائع الذي بلغه في فنون العمارة والرسم
والنحت والزخرفة ،وغيرها من الفنون الصغرى كصنع الحلي وسائر األدوات.
التمثيل الفني للموضوعات الدينيّة اهت ّم بصفة عا ّمة بالعبادة والطقس ،أكثر من وصف أو تصوير
القصص الميتولوجيّة .لذا كان عمل الفناّن المصري القديم مرتبطا بالقبر وفيه عثر على معظم أعماله
وإنتاجاته .وتم ّكن النحّاتين وبمهارة ال مثيل لها من الدمج بين الصورة التجريديّة الذهنيّة والصوة
الواقعيّة في اقترابهم من اتمام صورة " الشبه ".
مفهوم الموت بالنسبة للفنّان المصري كان الّليلة السابقة للعبور إلى المظفّر إلى الحياة السرمديّة .والفن
التصويري الذي يقدّمه الفنان المصري فن أقرب إلى الحقيقة ،هو فن يريده الميّت لمصلحته وفائدته في
العالم اآلخر ،ومن أجل ذلك كان يريد الصورة المرئيّة فعال ال الصورة التي تنطبع في خياله ،هي
صورة ال تكترث لألبعاد أو اإلنحرافات أو تغيير الزوايا .الفنان هنا ينظر نظرة مستقيمة تعتمد على
الصورة األماميّة أو المنظر الجانبي أيّهما أبرز للتوضيح ،ومن ث ّم كانت صور األشخاص وصورة
الجسم أماميّة وصورة الرأس جانبيّة ،في وضع يكاد يستحيل في الطبيعة ،ولكنّه وضع يمكن من خالله
إظهار أقوى مالمح الصورة من غير شك .قد تجمع الصورة الواحدة أشياء متعدّدة ال يراها وفق
فصور هذه جانبيّة واألخرى أماميّة
ّ المنظور ،ولكنّه يسجّلها حسب ّ
القوة التي يمكن أن يبرزها بها،
والثالثة علويّة وهكذا ،مستهدفا بهذه الطريقة تمثيل طبيعة وحقيقة األشياء كخير ما تظهره صورتها
المرئيّة.
لعب خط الوقوف دورا هاما في فن النقش والتصوير :كانت الصور في العصر السابق لألسرات
استقرت الرسوم
ّ الفرعونيّة ال يظهر فيها هذا الخط ،كانت تبدو وكأنّها معلّقة .ومع بداية عهد األسرات،
على خط وقوف ثابت ما أكسبها ثباتا واستقرارا .كان من ثمرة ذلك المنظور ظهور مجموعة من
الصور مرتّبة ومن ّ
ظمة كشريط سينمائي بعد تقسيم المسّطحات الكبيرة إلى مساحات أصغر عن طريق
الخطوط ،بحيث كانت الصورة الرئيسيّة تشغل مساحة أكبر وقد يوضع أمامها أحيانا مجموعة من
الخطوط تتوالى عليها المناظر مجتمعة ،كان المنظر الواحد أحيانا يشغل عدّة صفوف متتالية ،كما أن
األعمال الثانويّة كانت تمثّل على خطوط قصيرة في الجزء األعلى من الصف.
وقد صحبت النظرة المستقيمة في التصوير النظرة المستقيمة في النحت إذ كان هو األخر مستقيم
أن الرسم والنحت ظالّ طوال العصور يلتزمان أسلوبا ّ
موحدا ،بل ّ
أن العكس اإلتّجاه .وال يعني ذلك ّ
متنوع األساليب تبعا لعصوره المختلفة وإن التزم حدودا معيّنة .تميّز
صحيح ،فالفن المصري القديم ّ
بالرصانة والهدوء ،م ّما يتفق والطبيعة المحيطة بالبالد ،ومع ما يتماشى والمعتقدات الدينيّة وما يأمل
المصري من حياة هادئة في الدار اآلخرة.
إن أثر العقيدة ظهر بشكل أساسي في أماكن العبادة ،فقد شيّدوا معابد ضخمة وشامخة لكي تحقّق الهدف
ّ
األساسي من تشي يدها ،ويظهر األثر الديني بوضوح في الطرز واألساليب المعماريّة الدينيّة – المعبد
بشكل خاص.
يتكون المعبد الفرعوني من صحن ذي أروقة ،يتلوه بهو ذو أعمدة ،ث ّم هيكل أو أكثر .يتقدّم المعبد طريق
ّ
بوابة يكتنفها برجان هائالن ،وتقف
تقوم على جانبيه تماثيل من الكباش أو األسود ،يفضي الطريق إلى ّ
المسالّت – رمز عبادة الشمس – أمام كل معبد .الضوء يتدّرج في المعبد من الشمس الساطعة في
الصحن إلى الظلمة الحالكة في الهيكل .ومن صحن المعبد يصعد الزائر إلى بهو األعمدة الشامخة حتى
يصل إلى الهيكل .هذا التخطيط الهندسي يعكس روح الديانة الفرعونيّة القديمة ،التي تجمع بين البساطة
والتعقيد.
-1خصائص فن النحت:
-قانون المواجهة؛ حيث أن جميع المنحوتات سواء كان مجسّدة بوضعية الوقوف أو الجلوس ،سائرة
أو ساكنة تبدو مجابهة ومنتصبة بصورة يبقى الرأس مع منبت العنق ووسط الجذع في مستوى واحد.
التدرج
ّ طي بعض التماثيل أو المنحوتات البارزة أو المنفّذة على مس ّ
طحات ،يخلو من -األلوان التي تغ ّ
اللوني ،أو المزج او التظليل.
تلون خاصة الخشب منها أو الجص ،مثال ذلك تمثال زوسر ،تمثال الكاتب ،تمثال شيخ
-كانت التماثيل ّ
البلد.
-إسباغ الحياة في التماثيل من خالل األهتمام بمنطقة العيون ،إضافة مواد زجاجية ،أو رخام ،أو حجر
أسود في حدقة العين ،والمبالغة في تكبيرها من حيث نسب الوجه.
-مراعاة سالمة التماثيل من الكسر ،عن طريق تحاشي الفراغات بين الذراع والجانبين ،أو بين الساقين
والكرسي ،أو بين الجذع وأصل الحجر.
-أهم المواد التي شكلت منها التماثيل إضافة إلى الخشب والجص بداية ،األحجار الصلبة مثل الغرانيت
والديوريت والبازلت ،وكذلك المعادن البرونز.
-القدرة على إبراز شفافية وجمال المالبس في المنحوتات ،خاصة النساء ،إضافة إلى بساطة خطوط
النحت واستقامتها.
– 2خصائص فن العمارة :
كانت العمارة أفخم الفنون الفرعونيّة على اإلطالق ،وذلك لما تجمع فيها من روعة وضخامة وصالبة
وجمال ومنفعة.
د – األعمدة والمسالّت.
أ – العمارة المدفنيّة :ظهرت األهرامات إبّان الدولة القديمة وكان أولّها أهرام سقارة الذي أقيم في
عهد زوسر أو جوسر ،هذه األهرامات عبارة عن بضعة مصاطب فوق بعضها ،ما يعطيها شكال
مدّرجا مؤلفا من ست طبقات .تعتبر هذه األهرامات ّأول عمارة حجريّة في التاريخ.
تطور بناء األهرام فأصبح يشمل المعابد التي تضّم المومياء وفيه يستقبل الناس للبركة والصالة ،يتصل
ّ
المعبد بالبناء الجنائزي بواسطة طريق حجري.
كان كبار الموظفين يدفنون في قبور خاصة يطلق عليها اسم مصطبة ،وهي بناء هرمي ناقص في
قمته ،ذي باب صغير فوق األرض ،جدرانه مزيّنة بنقوش نافرة .من أجمل المصاطب مصطبة تي
وراحبت في سقارة .فيما بعد دعت الضرورة إلنشاء قبور مؤلّفة من مدخل وفناء وم ّمر ومعبد وغرفة
الميت.
ب – العمارة الدينيّة :ابرزها معابد الشمس ،هي معابد مفتوحة إلى السماء .يتألف معبد الشمس من
جدار محيط على شكل مستطيل وفي الجهة الجنوبيّة تنتصب مسلّة نقش عليها رمز الشمس ،ويتّصل
بالمعبد بطريق حجري .باإلضافة إلى معبد الكرنك ،معبد ابو سمبل ،معبد األقصر ،معبد أمون ،معبد
األول ،معبد إدفو ،معبد فيلة ،معبد ممنون.
حتشبسوت ،معبد سيتي ّ
يعّد معبد أمون مثاال رائعا للعمارة الدينيّة ،أقيم في فترات متتابعة ،تمتد مباني هذا المعبد نحو 350
مترا ،اتجاهه من الغرب إلى الشرق وفق الترتيب التالي:
-1صفّان متوازيان من األكباش :هي تماثيل تعادل ثالثة أضعاف الحجم الطبيعي ،لها رؤوس
أكباش وأجسام األسود ،وهي تمثّل اإلله رع .يبلغ طول الممشى 72مترا وعرضه 13م ،وفي
كل صف يوجد عشرين تمثاال.
-2الصرح :هو بناء جداري ضخم يتوسّطه مدخل المعبد الرئيسي ،وعلى سطح الجدار نقوش
غائرة وكتابات هيروغليفيّة تشير إلى األعمال واإلنتصارات الحربيّة ،اقيم هذا المعبد في عهد
البطالمة.
-3الفناء أو الصحن :هو مساحة مكشوفة من الوسط ومسقوف من الجانبين على صف من
األعمدة ،وفي الوسط صفّان أخران من األعمدة البرديّة على امتداد صف األكباش ،كل صف
مؤلّف من خمسة أعمدة.
األول ،ورمسيس الثاني ،ويحتوي على 134عمودا وعلى
-4بهو األعمدة :بني في عهد سيتي ّ
16دعامة ،منها 12عامودا مرتفعة عن األخرى وموضوعة في صفّين في الوسط ،يبلغ
ارتفاع العمود 21م وقطره 3،75م .األ‘مدة األخرى يبلغ ارتفاعها 13م وقطرها . 2،80
حملت هذه األعمدة سقفا حجريّا على مستويين ،ممذا أتاح وجود فتحات جانبيّة من الوسط
لدخول النور والهواء.
-5المسلّتان :جرت العادة أن تقام مسلّتان أمام جناحي الصرح ،وفي معبد أمون عثر على مسلّة
األول ومسلة ل حتشبسوت ارتفاعها 33،20م وهي أطول المسالّت.
ل تحوتمس ّ
-6الحجرة المقدّسة :هي حجرة مظلمة صغيرة يدخلها النور من الباب فقط وفيها تمثال اإلله الذي
أقيم له هذا المعبد.
ج -العمارة المدنيّة والعسكريّة :كانت العمارة المدنيّة من تنظيم المدن وإقامة البيوت أقل أهميّة من
العمارة الدينيّة ،والبيوت في الدولة القديمة كانت تبنى من مواد بسيطة وخفيفة مقارنة بالمواد الصلبة
من الحجارة البركانية والصخور التي كانت تشيّد بها المعابد واألهرامات.
يقوم تنظيم المدن على أصول رباعيّة ،ا ّما المنازل فهي مؤلّفة من فناء مت ّ
صل بمسكن من طابق واحد.
في تل العمارنة العديد من البيوت المترفة كانت ذات حدائق وبحيرات ،أ ّما منازل الخاصة بالع ّمال
فكانت مؤلفة من صالة استقبال ،وغرفة ،ومطبخ.
د -األعمدة والمسالّت:
المسلّة ،هي عبارة عن قطعة صخريّة من الغرانيت يحفر عليها إسم الفرعون وعبارات الدعاء والتوسّل
لإلله الذي أقيم له المعبد ،وترمز المسلّة إلى الشعاع الشمسي .أشهر المسالّت مسلّة حتشبسوت ومسلتا
األقصر.
-1العمود البسيط :هو أقدم األعمدة ،ليس له تاج وال قاعدة ،يوجد في معبد الوادي وفي مصطبة
تي.
-2العمود شبه الدوري ( : )protodoriqueيشبه العمود اليوناني وهو على نوعين :مضلّع له
تاج مربّع وساق مضلّعة وقاعدة مستديرة .والعمود المقنّى يشابه المضلّع ،ولكن أبدلت أضالعه
بأقنية وعددها 18-16قناة ،له قاعدة وتاج مربعي الشكل ،هذا النوع يوجد في معبد الكرنك ومعبد
الدير البحري.
-3العمود البردي ( : )papyriformeنسبة إالى زهرة البردي – بابيروس ،له تاج مؤلّف من عدّة
أزهار مقفلة أو مفتوحة ،قاعدته مستديرة ،بدن العامود مؤلّف من سيقان هذه األزهار ،وهي
مثلّثة األضالع تجمعها عند أسفل التاج خمسة أربطة .يوجد هذا النوع في معبد أمون ومعبد
األقصر ،ومنه طراز ذو ساق واحدة مقفلة أو مفتوحة على شكل ناقوس.
-4العمود اللوتسي ( : )lotiformeنسبة إلى زهرة اللوتس وله ثالثة أنواع :
أ – ما كان تاجه مؤلّفة من زهرة واحدة مقفلة على شكل برعم وبدنه اسطواني.
ب– ما كان مؤلّفا من زهرة واحدة مزهرة على شكل ناقوس معكوس الوضع.
ج – ما كان تاجه مؤلّفا من عدّة أزهار مقفلة – مثل العمود البردي – وبدنه ّ
مكون من سيقان
هذه األزهار وهي مستديرة الشكل تجمعها عند أسفل التاج خمسة أربطة.
– 5العمود النخيلي ( : )palmyformeتاجه مؤلّفة من مجموعة سغف النخيل ،أطرافه العليا إلى
الخارج ،تربطها خمسة أربطة عند أسفل التاج.
– 6العمود الهاتوري ( :) hatohoriqueتاجه مكعّب الشكل له أربع أوجه ،على كل وجه اإلله هاتور،
يعلو التاج مكعّب يماثله في الحجم وهو تاح إضافي عيه بعض النقوش ،نرى هذا العمود في معبد
دندرة.
-7العمود المركّب ( : ) compositeتاجه خليط من التاج اللوتسي الناقوسي والتاج النخيلي ،أحيانا
يتألّف من إجتماع الخليط مع طراز التاج الهاتوري ،استعملت فيه األلوان بمهارة فائقة.
متكرر.
ّ -8العمود الموحّد ( : )monostyleوهوشبيه بالمر ّكب استعمل بشكل
-9العمود الجرسي ( : ) campaniformeبدن العمود أسطواني ،التاج يش ّكل كتلة واحدة لها شكل
الجرس المقلوب.
هناك أنواع أخرى من األعمدة كالعمود الفارسي في ابي سنبل ،والمعبد األوزيرسي وهو عمود مستند
إلى تمثال فرعون على هيئة أوزيريس ،والعمود ذو الفصوص الموجودة في معابد فيلة.
فنون بالد ما بين النهرين
تقع بالد ما بين النهرين في منخفض قليل العمق يمتد شمال غربي الخليج العربي ويعتبر امتدادا له من
الناحية الجيولوجيّة .تحدّه من الشمال الشرقي السفوح المنخفضة لسالسل جبال إيران ،من الجنوب
الغربي صحراء شاسعة تسمى بهضبة شبه جزيرة العرب.
تقسم أراضي ما بين النهرين تقليديا إلى منطقتين متباينتين بوضوح من حيث الظروف الطبيعيّة :إلى
العليا ( الشماليّة) تس ّمى أشور ،والسفلى ( الجنوبيّة) تس ّمى بابل ،ومابينهما مدينتي هيت على الفرات
وسامراء على نهر دجلة.
وظهرت حضارة بالد ما بين النهرين Misopotamieفي أقصى جنوب العراق في إقليم يس ّمى
سومر أو شومر " التاريخ يبدأ في سومر " ( المستشرق األمريكي صموئيل كرامر) ،حيث تعتبر
الحضارة السومريّة ّأول حضارة بالفعل ،ويمكن إعتبار أن البرثنيين والفرس واليونان والرومان
والعرب ورثة ألقدم حضارة ،حضارة ما بين النهرين.
أنشأ السومريون أكاد وبابل ،وحلت مكان األخيرتين أشور ،وبناء على التقاليد المعروفة بين علماء
تطور ثقافات العراق الزراعيّة المبكرة إسم المكان أو النقطة
األثار ،يطلق على كل مرحلة كبيرة في ّ
سونة – سامراء
ا لتي جرت فيها الحفريات األولى .وهكذا ظهرت إلى الوجود مراحل وثقافات ح ّ
( األلف السادس ق.م ،).وحلف ( األلف الخامس ق .م ).والعبيد ( Al- Ubaydمن أواخر األلف
الخامس إلى منتصف األلف الرابع ق .م).
سميّت المنطقة وفق أثر تل حسّونة ،واكتشف في الطبقة السفلى على أوعية فخاريّة غير متقّنة الصنع
وأدوات حجريّة لمجموعة مزارعين من العصر الحجري الحديث ،كانوا يعيشون في أكواخ أو
أخصاص خفيفة فوق األرض ،ولم يبق من أ ثر لمساكنهم .وقد بقيت فوقها ست طبقات لبقايا بيوت
طينيّة ،متباينة في الحجم والتصميم .هذه البيوت تشبه الى حد كبير من حيث حجمها وتخطيطها ومواد
بنائها مساكن السكان العرب واألتراك المعاصرين في شمال العراق.
-البيوت عبارة عن ست أو سبع غرفّ ،
موزعة على شكل مبنيين حول باحة مكشوفة :احد المبنيين
يكون للسكن ،واألخر مطبخ وغرف للمؤونة .الجدران مبنية من اللبن ،االرضيّة مرصوفة بمزيج من
الطين والتبن .عثر على مواقد طينيّة على شكل قبّة تشبه " التنانير " العربيّة المعاصرة.
-األدوات عبارة عن جواريش وأجران ومدقّات ومناجل ذات نصال سليكونية وفؤوس حجريّة وأثقال
فخاريّة للمغازل واوعية فخاريّة.
-استخدموا األشكال المب ّكرة للري اإلصطناعي :عبارة عن حجز مياه الفياضانات بالخزانات والسدود،
كذلك شق األقنية الصغيرة.
-حفروا الخنادق واألسوار الطينيّة على شكل مربّع شبيهة من عمارة القالع.
-أضخم منشأت ما بين النهرين في القرن السادس قبل الميالد مبنيان :أحدهما ال يقل عن 14غرفة،
األول معبد من أربع غرف ،الغرفة األخيرة تتميز
األخر أكثر منه بكثير .الجزء الشرقي من المبنى ّ
بوجود مشكاة في الجدار ألغراض العبادة .ينتصب أمام المشكاة منحوتة من الرخام الشفّاف alibastre
لإللهة األم ( عبادة الخصب) .وفي الغرفة المجاورة منحوتتين من الطين ألمرأتين.
-المقابر كانت أسفل المعابد والمساكن ،تضّم تماثيل نسائية ورجالية منحوتة من األليبستر الضارب
إلى الصفرة مرصعة العيون.
-السيراميك المزخرف ،كان يمر بمرحلة الطالء والشوي ،لونه يميل إلى الزهري الفاتح ،والمخضر
غالبا ،مزدان بزخارف مضفورة.
-عثر خالل حفريات تل العبيد تحت أطالل معبد سومري على سيراميك عبارة عن قطع مشويّة م ّكسرة
بلون أخضر ،تميل إلى الزجاج مزخرفة برسوم هندسيّة خ ّ
طت بلون غامق.
-كانت المساكن في العبيد تبنى من القصب المطلي بالطين ،والبيوت كانت مربّعة من حيث الشكل.
-شقوا الشوارع الضيّقة بين المساكن في شوراع المدينة ،وعلى جانبي الشارع بيوت ذات أبواب
خشبية أو من القصب.
صصة للمطبخ ،تحتوي على موقد طيني – تنّور ،على شكل قبّة.
-إحدى الغرف مخ ّ
-أهم األلهة التي تعود إاى مدينة أريدو اإلله أنكي أو اإلله Eaفيما بعد – إله المياه الجوفية -المياه
العذبة ،وهو يعد من أهم األلهة السومريين ،اعتبرأيضا إله الحكمة وصديق الرجل.
يوضح الفن السومري ارتباط الرجل بالطبيعة ،فهو يعتقد أن األلهة تقيم في السماء واألرض والماء
والقمر والشمس والعاصفة والبرق .وقد شغلت األساطير جانبا من المعتقدات الدينيّة ،ومن ثم نجد ّ
أن
ي والفني .هذه األساطير كانت من وحي الطبيعة المحيطة
تصويرها يشغل حيّزا ضخما في إنتاجهم الماد ّ
بهم ،القاسية في أغلب األحيان ،ومن ث ّم تخيّلوا الكثير من المعبودات على هيئة وصورة عنيفة‘ إذ كانوا
يرهبونها أكثر مما يحبونها.
معظم ما وصل إلينا من فن النحت السومري – سواء كان لح ّكام أو كهنة أو متعبّدين – فمصدره المعابد
التي كانت بها هذه التماثيل ،بعضها من مدن دياال في شرق بغداد ،وبعضها من أور في أقصى العراق
أو من ماري على الفرات األوسط ( حاليا على الحدود السوريّة) ،وتكاد تتشابه جميعا في الطراز
التقليدي واألسلوب التجريدي.
الغرض من نحت التماثيل هو العبادة ،المتعبّد يحاول أن يكون له تمثاال ليصير بديال له في العبادة
للمعبود أو المعبودة ،ومعظم التماثيل تعقد أذرعها على الصدر وتحمل أواني صغيرة للسكائب.
وكانت تقام األعياد الشعبيّة التي تحتفل في أثنائها الناس بالحوادث أو المناسبات الها ّمة .واإلله الذي
القوة الخالقة اإلنسانيّة هو اإلله تموز ،قد اختفى ومات ،ولم تخ ّلصه سوى اإللهة إنانا ،والتي
يش ّخص ّ
أصبحت ملكة السماء ونزلت قاعة احتفاالت األلهة ،ونجحت في إعادة اإلله تموز.
سجّل العيد واحتفاالته على إناء من المرمر عثر عليه في الوركاء ،ارتفاعه ثالثة أقدام .يظهر المشهد
مجرد زخرفة ،تمثّل الحيوانات والنباتات ،سنابل الشعير
ّ الهام في أعلى القطعة ،ا ّما ما دون ذلك فهو
والنخيل والخراف والكباش ،وتاج األلهة يمكن ان يستدل عليه من خالل حزمتين من الجريد.
من المواضيع المفضّلة ،موضوع الصراع بين الثيران واالسود ،وهو مرتبط باعتقاد السومري بأن
الحياة هي أرض المعارك ،يتصارع فيها األضداد .وهذا ينطبق على األلهة أيضا ،فاإللهة عشتار كانت
تعتبر إألهة الحرب ،إلى جانب كونها إلهة الجمال.
إذا ،تناولوا في فنّهم مواضيع تتعلّق بالحروب واإلنتصارات والطقوس الدينيّة ،كذلك المراسيم
واإلحتفالت ،وكذلك الحيوانات األسطوريّة.
عندما نتحدّث عن فن النحت في العراق القديم يجب أن ندرك ندرة وجود األحجار ،بل انعدامها في
جنوب العراق ،وهي المادة األساسيّة للنحت ،ومن ث ّم كانت صناعة التماثيل تستلزم استيراد األحجار.
فلم يكن هناك مجال لإلختيار ،فكانت عيوب الحجر تعالج بالترميم أو بإقامة دعائم خلفها ،هذا إلى أن
المشكلة الرئيسيّة في صناعة التماثيل كانت محاولة خلق رمز ذي أبعاد ثالثة يرتكز أساسا على شكل
الصورة الجسديّة لإلنسان ويستطيع في الوقت نفسه أن يؤ ّكد حقيقته المستقلّة في الفراغ .يرى بعض
الباحثين ّ
أن مصر عالجت هذه المسألة بمحاولة تقريب شكل التمثال إلى صورة هندسيّة ،وقد فضّل
المصريون المك ّعب ،في حين فضّل السومريون الشكل األسطواني أو المخروطي .وتجدر اإلشارة هنا
ألى أن ندرة الحجارة في المجتمع السومري لم يجعل من فنه أقّل قدرا أو براعة من المصري ،إنّما
نرى بأن الفنّان السومري استخدم براعة وتقنيّة فائقة في التعبير النحتي ،وإظهار تفاصيل الجسم
والعضالت ،اعتنوا بطيّات المالبس وبزخرفة الشعر وتصفيفه خاصة الذقن بصورة تثير اإلعجاب.
ومالمح التماثيل وكذلك الصور فيها الكثير من الخصوصيّة الفرديّة والتي ال تتشابه مع بعضها البعض،
القوة والصالبة والبأس ،وقد اقتربوا جدا من التجسيد الواقعي في فنّهم ،ربّما يعود إلى ّ
أن العراق تبرز ّ
القديم وكما أشرنا كان يعيش حياته ويمارس طقوسه وعبادته ويصارع من أجل البقاءّ ،
ألن الموت
بالنسبة له يعني القضاء على وجوده وهذا ما يجعله مختلف من مجتمع النيل.
-إن القبو لعب دورا مهما في بناء القبور ،لكنه لم يظهر في المنازل والمعابد إ ّ
ال متأخرا .ومادة البناء
الوحيدة التي يمكن الحصول عليها هي الطين ،ومنها كان يش ّكل الطوب ،نقل العبيد هذه الطريقة من
إيران ،حيث اكتشفت في أريدو وأبو شهر بقايا معبد يدل تخطيطه على التقدّم المعماري في ذلك الوقت.
-حرم المعبد قائم في الطبقة األولى وهو بسيط التخطيط ،لكنّه يشتمل على مظهرين عمائريين على
األول ،وجود الحنية في الحائط لوضع تمثال ،تتقدّم الحنية طاولة القرابين والنذور.
جانب من األهميّةّ :
المظهر الثاني ،وجود الجدران الساندة -كما ّ
أن الوصول إلى المعبد كان بواسطة الدرج .إن الحنايا
والجدران الساندة ظلّت العناصر المميّزة المستعملة حتى العصر الهلينستي في بالد ما بين النهرين.
-كان لكل مدينة معبودها الخاص تقدّم له الضحايا ،وفي بعض المعابد استبدلت المنصة بجبل صناعي،
يرتفع بمقدار 40قدما عن سطح األرض ،في هذا المعبد يقوم المدخل المطاف ،وهو عبارة عن عدد
المتراصة الصغيرة التي وضعت في الجوانب.
ّ من الحجرات
ملونة ،تأخذ شكل الكيزان – الصنوبر ،التي تصنع من الفخار ث ّم تغمس في
-إستخدموا نماذج فخاريّة ّ
اللون ،بعضها أحمر ،اسود و لها نهايات برتقاليّة .هذه الكيزان كانت توضع جنبا إلى جنب على لوح
من الجبس في شكل زيجزاج ، Zigzagومعيّنات ومثلّثات ،وبعضها يظهر بلونه األحمر واألسود
على أرضيّة برتقاليّة.